سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها

ناصر الدين الألباني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الجديدة: الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على رسولنا محمد الذي بحديثه وسننه الصحيحة اهتدينا، المخاطب بقوله تعالى في القرآن الكريم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (¬1) ، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، الذين أثنى الله عليهم بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (¬2) ، وعلى من اقتدى بهم وسار على منهجهم إلى يوم الدين. أما بعد؛ فبين يدي القراء الكرام الطبعة الجديدة من المجلد الأول من كتابي "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، وتمتاز هذه الطبعة على سابقاتها -كما هي العادة في الطبعات الجديدة لسائر كتبي- بفوائد جديدة، وتحقيقات عديدة، وبردود قوية على بعض المعتدين على هذا العلم ¬

_ (¬1) الشورى: 52. (¬2) التوبة: 100.

الشريف، الذين يصدق فيهم المثل المعروف: "تزبب قبل أن يتحصرم"؛ لأنهم جهلة بهذا العلم أولاً، ثم هم لا يقيمون وزناً للعارفين به من العلماء قديماً وحديثاً ثانياً، وقد ينضم إلى ذلك حقد دفين، وإعجاب بالرأي مهلك ثالثاً، لسان حال أحدهم يقول: "يا أرض اشتدي، ما عليك أحد قدي"! كما يقال في بعض البلاد! وبين يدي الآن جزء صغير بعنوان "الأحاديث الضعيفة في سلسلة الأحاديث الصحيحة" للمدعو رمضان محمود عيسى، الناشر: دار الفكر - الخرطوم، انتقد من هذا المجلد من "السلسلة الصحيحة" اثني عشر حديثاً، لم أر في نقده إياها شيئاً من العلم والفهم يستفاد منهم، وإنما هو يلوك بعض القواعد العلمية يركن إليها، وهو لم يعها، أو لم يفهمها فهماً جيداً. وطريقته في النقد أنه ينقل كلامي وتخريجي للحديث، ثم يعقب عليه ناقداً بجهله وهواه، تحت عنوان (التعليق) ، ثم يبدي رأيه الفج في تضعيف الحديث، يختلف ذلك عنه باختلاف نوعية الحديث: فهو تارة يضعف الراوي الثقة بقول من قال: "يروي المناكير عن فلان" (ص 17) ، وهذا لا يعني التضعيف المطلق في اصطلاح العلماء؛ فهو ليس كمن قيل فيه: "منكر الحديث". وتارة يجهل أن قول الصحابي: "من السنة كذا"؛ أنه في حكم المرفوع (ص 34) ، فضعف بذلك الحديث الآتي برقم (229) ، كما أنه لا يقيم وزناً مطلقاً لعمل الصحابة به، وهذا من كمال جهله وقلة تقديره لثناء

الله عليهم؛ كما تقدم في افتتاحية هذه المقدمة. ثم هو في الغالب يضعف بقية الأحاديث بضعف مفردات طرقها، وهو بذلك يعني أنه لا يعتد بقول العلماء: إن الحديث الضعيف يتقوَّى بكثرة الطرق ما لم يشتد ضعفها. وإليكم مثالاً واحداً من تلك الأحاديث التي جار عليها وضعفها، وهو الحديث الأول عنده، والآتي برقم (109) : قال (ص 9) بعد أن نقل تخريجي إياه واستفاد منه عللَ طرقه: "والحديث بها ضعيف؛ لأنه فقد في الأول والثاني والثالث والرابع شرط العدالة، وفي الخامس شرط الاتصال، ومما هو معلوم لدى علماء المصطلح أن طرق الكذابين والمتروكين والمجاهيل والأسانيد المنقطعة لا يقوي بعضها بعضاً، ولو كانت مئة طريق، والله أعلم". وهذا الكلام وحده ينبىء من كان على شيء من المعرفه بهذا العلم أنه جاهل لا يستحق المناقشة؛ لأنه سوَّى فيه بين طرق الكذابين والطرق الأخرى التي هي دونها في الضعف، وهذا مع كونه خطأ في نفسه؛ فهو افتراء على العلماء؛ لأنهم يفرقون بين ما خف ضعفه فيقوى الحديث بمثله، وبين ما اشتد ضعفه، وعلى هذا التفريق جرينا منذ فقّهنا الله تبارك وتعالى هذا العلم، وعلى هذا الأساس بنيت صحة هذا الحديث، لأن أكثر طرقه ليس فيها ضعف شديد، لا سيما وقد وقفت على طريق أخرى عن مجاهد بإسناد رجاله ثقات، وصححه الحافظ ابن حجر، فألحقته بالطرق الأخرى تقوية لها كما سترى في هذه الطبعة إن شاء الله، وذلك من

فوائدها. وقد يتساءل بعض القراء الألباء، فيقول: ما الذي يحمل هؤلاء الجهلة على الرد على الألباني، وقد وضع الله له القبول في الأرض -بإذنه تعالى-، وانتفع بكتبه ومؤلفاته من شاء الله من العلماء وطلاب العلم؟ فأقول: هناك أسباب أهمها -أو من أهمها- الحسد، مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين" (¬1) . وبعض هؤلاء الذين ينتصبون للرد عليّ يكاد أحدهم يفصح عن هذا السبب بقلمه؛ فهذا صاحب الجزء المردود عليه يذكر في مقدمته أن أحد إخوانه (¬2) اقترح عليه أن يراجع "سلسلة الأحاديث الصحيحة" للشيخ محمد ناصر الدين الألباني؛ قال: "لأن فيها أحاديث ضعيفة، والناس يأخذونها بثقة تامة على أنها محقَّقة وصحيحة ... "! ومن تلك الأسباب الخلاف الفكري أو المذهبي، وحب الظهور. وقد تتوفر هذه الأسباب كلها في بعض الرادين عليّ؛ كذا المدعو بـ (حسن السقاف) ؛ فإنه لم يكن أحد يسمع باسمه من قبل، فوصل بذلك ¬

_ (¬1) حديث حسن. "تخريج مشكلة الفقر" (20/ التحقيق الثاني) . (¬2) قلت: وأنا أخشى أن يكون هو الناشر؛ فقد عهدنا أحدهم يتستر ببعضهم، فيدفعهم إلى الرد علي لضغينة في قلبه، نسأل الله السلامة.

إلى ما يريده من الظهور، ولو على حساب الطعن في السنة وأهلها، ومن العجيب أنه يتظاهر أنه صوفي، والصوفية على خلافه؛ فإن من مذهبهم الخمول لا الظهور، حتى قال أحد قدمائهم: "كن ذنباً ولا تكن رأساً"! وهو إلى ذلك خلفي العقيدة، معتزلي النزعة، ينكر الصفات الإِلهية، ويرمي المؤمنين بها من الأئمة وأتباعهم -وأنا منهم والحمد لله- في تعليقاته التي سوَّدها على كتاب ابن الجوزي "دفع شبه التشبيه"، ويكذب عليهم أنواعاً من الأكاذيب لو استقصيت لكان من ذلك كتاب في مجلد؛ فهو يقول -على سبيل المثال- (ص 114) من تعليقاته: "ندم الحافظ ابن خزيمة على تأليفه كتابه "التوحيد" أخيراً؛ كما روى ذلك الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 267) ". وهذا كذب مزدوج؛ لأن ابن خزيمة لم يندم البتة، ولأن البيهقي لم ينسب ذلك إليه، وكيف يعقل أن يندم الحافظ ابن خزيمة على "توحيده" وهو الإِيمان المحض؟! بل كيف يعقل أن ينقل ذلك الحافظ البيهقي؟! سبحانك هذا بهتان عظيم من أفاك أثيم. وأنت أيها القارىء الكريم! إن رجعت إلى الصفحة المذكورة من "الأسماء والصفات"؛ لم تجد فيها الندم المفترى، وإنما فيها اعتراف ابن خزيمة بأنه لا يحسن علم الكلام، في قصة رواها البيهقي إن صحت؛ فإن أبا الفضل البطاييني لم أعرفه، ولا ذكره السمعاني في هذه النسبة؛ فالله أعلم به، ومع ذلك فإني أقول: إن الاعتراف المذكور من ابن خزيمة -إن صح عنه- لا يعيبه كما

يظن ذلك الجاهل المغرض، بل هو مما يرفع من شأنه، ويزيد من فضله؛ فإن له في ذلك الأسوة الحسنة بالسلف الصالح والأئمة الأربعة ومن تبعهم بإحسان، وليس منهم يقيناً علماء الكلام، كيف وهم القائلون: "علم السلف أسلم، وعلم الخلف أعلم وأحكم" (¬1) ؟! وهذا هو الكفر بعينه لو كانوا يعلمون، {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا} (¬2) . كيف لا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - على رأس السلف الذين غمزوا من علمهم! وليس الآن مجال ضرب الأمثلة التي خالفوا فيها سلف الأمة، ولكن يكفي المسلم الموفق أن يعلم أنهم وافقوا المعتزلة والخوارج في كثير من ضلالاتهم، من ذلك قولهم بأن القرآن كلام الله مخلوق، لكنهم لا يصرحون تصريح المعتزلة، بل يقولون -تقية-: كلام الله، غير مخلوق"! ثم يتأولونه بالكلام النفسي الذي لا يسمع! ولكنه يفهم! فعطلوا بذلك صريح قوله تعالى لكليمه موسى عليه السلام: {فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى} (¬3) ، فجعلوا الكلام الإِلهي هو العلم الإِلهي (¬4) ، فعطلوا صفة الكلام، ولكن باللف والدوران! تماماً كما فعل المعتزلة -أو بعضهم- بصفة السمع والبصر، فقالوا: إن المراد: العلم (¬5) ! فعطلوا بذلك صفتي السمع والبصر كما عطلوا صفة ¬

_ (¬1) انظر "حاشية الباجوري" (ص 55) . وانظر إبطال هذه الخرافة في مقدمتي لكتابي "مختصر العلو" (ص 34-36) . (¬2) الكهف: 5. (¬3) طه: 13. (¬4) وهو مذهب الكوثري الجهمي، كما صرح في "مقالاته" (ص 27) ، شيخ ذاك الجاهل الباغي السقاف. (¬5) انظر مقدمتي لكتابي "مختصر العلو" (ص 26) .

الكلام، فإن لم يكن هذا هو التعطيل؛ فليس في الدنيا تعطيل. ولوضوح بطلان علم الكلام تاب منه جمع من أفاضل علمائهم (¬1) ؛ مثل الشيخ العلامة أبي محمد عبد الله بن يوسف الجويني والد إمام الحرمين رحمهم الله، ورسالته في إثبات الاستواء والفوقية والحرف والصوت في القرآن المجيد، من أقوى الأدلة على ذلك؛ فقد كتبها نصيحة لأخوانه في الله، بيَّن لهم فيها سبب تراجعه عن الأشعرية إلى السلفية، وهي مفيدة جدّاً لمن كان يرجو الله واليوم الآخر؛ فلتراجع في "مجموعة الرسائل المنيرية" (1/570-587) . ولقد جرى على سننه ابنه إمام الحرمين، في التوبة والرجوع إلى مذهب السلف، كما حكى ذلك عنه غير واحد من العلماء، منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني؛ فقد نقل في "الفتح" (13/350) عنه أنه لم يستفد من علم الكلام إلا الحيرة، ولذلك قال: "والآن؛ فقد رجعت واعتقدت مذهب السلف". وقال عند موته ناصحاً لأصحابه كما فعل أبوه من قبل: "يا أصحابنا! لا تشتغلوا بالكلام، فلو عرفت أنه يبلغ بي ما بلغت؛ ما تشاغلت به". وإذا أردت أيها القارىء الكريم أن ترى أثراً من آثار علم الكلام الخطيرة، والمنافية للنقل الصحيح والعقل الصريح؛ فاقرأ كتب الكوثري ¬

_ (¬1) انظر المصدر السابق (ص 27) .

ومن جرى مجراه، كذاك التلميذ السقاف، فسوف ترى ما يزيدك بصيرة وقناعة بأن الذي يتعلمونه منهم إنما {يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} (¬1) ، بل هو الكفر بعينه إذا التزموه، ولا أدل على ذلك من اتفاقهم على إنكار صفة العلو لله العلي القطعية الثبوت القطعية الدلالة؛ لتواترها في الكتاب والسنة وأقوال السلف والأئمة، محكمين فيها عقولهم العفنة، ومن ثم فقد اختلفوا: فمنهم -كالإِباضية والمعتزلة (¬2) - من قال: إنه في كل مكان! ولازمه القول بالحلول أو وحدة الوجود كما هو عقيدة غلاة الصوفية! ومنهم من يقول: إنه لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه! ولقد سمعت هذا من بعض المشايخ في دمشق في خطبة الجمعة!! وأغرق بعضهم في التعطيل، فقال: لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه!! وهذا لعمر الله هو الكفر والجحد للوجود الإِلهي؛ فإنه لو قيل لأفصح العرب بياناً: صف لنا المعدوم الذي لا وجود له؛ لما استطاع أن يصفه بأكثر من هذا الذي وصف هؤلاء به ربهم!! ¬

_ (¬1) البقرة: 102. (¬2) يثني السقاف على الإِباضية وكتابهم "مسند الربيع"، ويوافقهم على تسميتهم إياه بـ "الجامع الصحيح" معارضة منهم لـ "صحيح البخاري"، وهي زور؛ لكثرة الأحاديث الموضوعة فيه، ارتضى بعضها السقاف (ص 125) ، ويصف الربيع بـ (الإِمام) ! انظر "الضعيفة" (6331) ، ويصرح (ص 127) بأنه يوافق المعتزلة في تفسيرهم (الاستواء) بالاستيلاء! ويرد على أبي الحسن الأشعري لأنه رد ذلك عليهم!!

وهذا الجحد هو الذي وقع فيه هذا الجاهل المتعالم الطاعن في أئمة السلف، والمفتري على أهل السنة شتى الافتراءات، فقال في رسالته المزعومة "التنديد لمن عدد التوحيد" (ص 50) : "صرح أهل السنة والجماعة بأن الله سبحانه لا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله". وكرر هذا في رسالة أخرى له أسماها كذباً وزوراً: "عقيدة أهل السنة" (ص 26) . قلت: فلينظر المسلم في هذا الوصف: هل هو وصف لموجود أم لمعدوم؟! {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} (¬1) . ورحم الله شيخ الإِسلام ابن تيمية؛ فإنه أصاب كبد الحقيقة حين وصف هؤلاء النفاة المعطلة ومعارضيهم من المشبهة بقوله: "المشبه يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً، المشبه أعشى، والمعطل أعمى"! والحق الذي عليه السلف والأئمة: إثبات الصفات بدون تشبيه، وتنزيه بدون تعطيل. ومن اللطائف التي وقعت لبعض الأمراء العقلاء أنه لما سمع ذلك الوصف المعطل من بعض المشايخ المجادلين بالباطل؛ قال: "هؤلاء قومٌ أضاعوا ربَّهم"! ¬

_ (¬1) الإِسراء: 43.

ويبدو لي أن ذلك الجاهل الطاعن في السلف شعر بخطورة الوصف المذكور، وأنه مرفوض نقلاً وعقلاً؛ لذا لجأ إلى التدليس على القراء بعبارة أخرى تؤدي الغرض الكمين في نفسه دون أن ينتبه له عامة قرائه، فقال في تعليقه له على كتاب ابن الجوزي المتقدم (ص 127) : "وهنا أمر مهم جدّاً، وهو أننا لا نقول بأن الله موجود في كل مكان ألبتة، بل نكفر من يقول ذلك، ونعتقد أن الله سبحانه موجود بلا مكان؛ لأنه خالق المكان"! فأقول: هذا تصريح منك يناقض تصريحك السابق: أن الله تعالى ليس بخارج العالم، وذلك أنه لا مكان خارج العالم، فإن كنت صادقاً في قولك هذا؛ فقد اهتديت ورجعت إلى عقيدة السلف التي كنت ولا تزال -فيما نعلم- تتهم من دان بها بالكفر والتجسيم؛ مثل ابن تيمية وغيره كمثلي، وإلا قرأنا عليك قول الحق: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} (¬1) ؛ مذكِّرين بالمثل العامي: من كان بيته من زجاج؛ فلا يرم الناس بالحجارة! وإن من تلك الآثار السيئة لعلماء الكلام والمتأثرين بفلسفتهم كذاك السقاف المغرور بهم: أنهم لا يقيمون وزناً لجهود أئمة الحديث وعلمائهم ونقادهم؛ فإنهم يسلطون أهواءهم على ما صححوا من الأحاديث أو ضعفوا، فما راق لهم منها قبلوه واحتجوا به، ولو كان ضعيفاً، وإلا رفضوه ولو كان صحيحاً!! وهذا ظاهر جدّاً في المتقدمين منهم والمتأخرين، وأوضح مثال على ذلك الشيخ الكوثري، وعبد الله الغماري؛ فقد ضعفوا ¬

_ (¬1) ص: 27.

حديث الجارية الذي فيه سؤاله - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ ". قالت: في السماء: قال - صلى الله عليه وسلم -: "أعتقها فإنها مؤمنة"، وتبعهم على ذلك ذاك الهالك في تقليدهم؛ السقاف! بل إنه زاد عليهم طغياناً وغروراً، فقال في "تعليقه على دفع شبه التشبيه" (ص 108) : "ونحن نقطع بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: أين الله"! وقال (ص 188) : "ذاك اللفظ المستشنع"! يقول المستهتر هذا وهو يعلم أن الحديث متَّفق على صحته عند علماء المسلمين، متلقى بالقبول خلفاً عن سلف، واحتج به كبار الأئمة؛ كمالك والشافعي وأحمد وغيرهم، وصححه مسلم وأبو عوانة وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان، ثم تبعهم على ذلك جماعة من الحفاظ -وبعضهم من المتأولة- كالبيهقي والبغوي وابن الجوزي والذهبي والعسقلاني وغيرهم. فماذا يقول المسلم العاقل في جاهل جاحد مكابر يخالف هؤلاء الأئمة والحفاظ؟! ويستشنع لفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي صححوه!! بل ويصف الذين يرددون هذا اللفظ النبوي (ص 187) بـ (المجسمة) ، بل ويصف فضيلة الشيخ ابن باز لأنه انتصر في تعليقه على "الفتح" (1/188) لعقيدة استواء الله على عرشه، وأنه يجوز السؤال بـ (أين الله؟) ، فيقول مشيراً للشيخ حفظه الله: "ولا عبرة بكلام المعلق عليه -"الفتح"- البتة، لأنه لا يعرف

التوحيد، فليخجل بعد هذا من يدعو الناس إلى عقيدة "الله في السماء" وليتب"!! وبالجملة؛ فهو جهمي جلد، ينكر معاني آيات الصفات بطريق التأويل والتعطيل، كما فعل بآيات الاستواء، وينكر أحاديث الصفات الصحيحة بادعاء ضعفها ومخالفة علماء الحديث والجرح والتعديل، كهذا الحديث ونحوه كثير؛ فهو يضعف قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رأيت ربي في أحسن صورة"، ويفتري في تخريجه على بعض الأئمة، كما يضععف أحاديث اليدين والقبضة والأصابع والضحك وغيرها، فلعل بعض إخواننا يتفرغون له، ويكشفون للناس جهله وضلاله وعواره، كفى الله المؤمنين شروره. إذا عرفت أيها القارىء الكريم ما سبق من البيان لحال هذا الإِنسان -وهو قل من جل- ينكشف لك سبب حمله وطعنه على أتباع السنة وأئمتها والداعين إليها والذابين عنها، فلا يكاد يخلو صفحة من صحائف ما سوَّده من غمزه ولمزه، وقد خصَّني بقسط وافر منه، فلا يكاد يذكرني إلا وهو يصفني بـ (المجسم) و (المتناقض) !! مقروناً بالزور والكذب، الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على أنه يحمل في قلبه {غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} ! وأنه دبَّ إليه داء الأمم من قبلنا: البغضاء والحسد، هي الحالقة: حالقة الدين والعياذ بالله، إلى جهل بالغ بطرق نقد الأحاديث وتصحيحها. ولا أدل على ذلك من كتابه الذي أسماه بـ "تناقضات الألباني"! فإنه يطفح حقداً وجهلاً وغروراً، مما ذكرني ببعض أشراط الساعة التي منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وينطق فيها الرُّوَيْبِضَة". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه

(وفي طريق: السفيه) (¬1) يتكلم في أمر العامة". ولست الآن في صدد الرد عليه؛ فهو أتفه عندي وأحقر من أن أضيع في ذلك وقتي، ولكن لا بدَّ لي هنا من كلمات مختصرات بقدر الإِمكان، تتلاءم مع هذه المقدمة، فأقول: أولاً: الكتاب مشحون بالافتراءات والأكاذيب -كعادته في كل ما يسود-؛ فهاك مثالاً واحداً يغنيك عن غيره، قال في مقدمته (ص 4) : "وغير خاف أن الشيخ يعد نفسه وكذا من فتن به أنه وحيد دهره وفريد عصره، وأن كلامه لا يجوز الاستدراك عليه، وأنه فاق السابقين في الوقوف على أطراف الحديث وزياداته وتمحيصها ... " إلخ هرائه. وليس لي ما أقوله تجاه هذه الفرية ذات القرون سوى {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} (¬2) وإثم مبين، لا يصدر إلا ممن لا يؤمن بمثل قول رب العالمين: {وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} (¬3) ؛ فإن ما يطبع مجدداً من كتبي، وما أصرح به في كثير منها حتى في مقدماتي؛ لتستأصل شأفة فريته هذه استئصالاً، وتصفع بها وجهه الكالح صفعاً، مثل قولي في مقدمة الطبعة الثامنة من كتابي "صحيح الكلم الطيب" (ص 9) : ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/67/123-124) بإسنادين أحدهما متصل صحيح أو حسن على الأقل، والرواية الأولى مخرجة في "الصحيحة" المجلد الرابع (رقم 1887) من حديث أبي هريرة وأنس. (¬2) النور: 16. (¬3) النساء: 112.

"حذفنا أربعة أحاديث تبين لي أنها ليست من شرطنا ... والثاني منها كان قد راجعني فيه بعض إخواننا الطلاب كتابيّاً وشفهيّاً؛ فلهم الفضل والشكر". ومثله ما تراه في مقدمة الطبعة الجديدة للمجلد الأول من "الضعيفة" في الرد على أمثال هذا الباهت من جهة، وبيان سبب التراجع عن بعض الآراء والأحكام الذي يعتبره هذا الظالم تناقضاً من جهة أخرى، فراجعها؛ فإنها مهمة جدّاً. ومثله ... ومثله ... مما يصعب حصره. ثم إننا نقول لك: ما هو الفرق بين اتهامك هذا وبين ما لو قال لك قائل: إنك -دون شك أو ريب- دسيس بين المسلمين، ومن أعداء الإِسلام كاليهود أو غيرهم؛ لإِفساد عقائدهم، وإيقاع البلبلة في صفوف عامتهم، بما تبثه فيما ينسب إليك من المؤلفات التي تشعر أن من ورائك من يمدك في الغي والطعن في أئمة المسلمين وحفاظهم، كمثل قولك في كتاب "التوحيد" لابن خزيمة: إنه كتاب شرك، وتضعيفك لإِمام السنة حماد ابن سلمة، وتكفيرك لشيخ الإِسلام ابن تيمية ومن نحا نحوه، وهذا كله مبثوث في المؤلفات المشار إليها، وبخاصة التعليق على "دفع الشبه"، لو قال لك قائل هذا، فما هو ردك؟ فمهما كان جوابك، فهو حجتنا عليك. وفي ختام هذا المقطع ألفت نظر القراء إلى شريط مسجل بعنوان "موتوا بغيظكم" للأخ الفاضل الدكتور ناصر العمر؛ ففيه البيان الكافي في

الرد على هذا الجاني وما يرمي إليه بطعنه على الألباني. ثانياً: ليس لـ "تناقضاته" أية قيمة علمية تذكر؛ لأنه إذا كان مصيباً في شيء مما ادعاه من التناقض؛ فذلك لا يعني أكثر من أن الألباني بشر يخطىء كما يخطىء غيره؛ فلا فائدة للقراء من بيانها، ولا سيما أن الألباني نفسه يعلن ذلك كلما جاءت المناسبة؛ كما تقدم ويأتي. ثالثاً: أن الذي يفيد القراء إنما هو بيان الصحيح من تلك التناقضات المزعومة، وذلك مما لم يفعل؛ لأن غرضه إرواء غيظ قلبه بالتشهير بالألباني ورفع الثقة بعلمه، وصرف القراء عن الاستفادة منه {مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} (¬1) ، وليس غرضه النصح لقرائه، ولو أنه فعل؛ لكشف للناس عن جهله وبعده عن التحقيق العلمي، كما سينكشف ذلك بالأمثلة التالية مما انتقده في هذا المجلد. الحديث الأول برقم (201) : نقلت هناك تضعيفي لإِسناده بشريك في تعليقي على الحديث في "المشكاة"، وأنني تبعت في ذلك جمعاً من الحفاظ، ثم صححته من طريق أخرى لم يقفوا عليها؛ فهل في هذا شيء من التناقض أيها القراء؟! فماذا يمكن أن يُقال في هذا الجاني الذي ذكر هذا (1/40) مثالاً للتناقض، ثم لم ينصح للقراء ببيان الصواب في الحديث: أهو صحيح أم ضعيف؟! ونحو هذا أحاديث أخرى زعم فيها التناقض؛ كالحديث الآتي (113 و114) ، وإنما هو في مخه! ¬

_ (¬1) آل عمران: 119.

الحديث الثاني برقم (280) : قويته هناك من رواية أبي نضرة وغيره عن أبي سعيد الخدري بلفظ مختصر جدّاً: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصينا بكم؛ يعني: طلبة الحديث". وضعفته في "المشكاة"؛ لأنه من رواية أبي هارون العبدي، المتهم بالكذب، عن أبي سعيد مطولاً بلفظ: قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الناس لكم تبع، وإن رجالاً يأتونكم من أَقطار الأرض يتفقهون في الدين، فإذا أتوكم؛ فاستوصوا بهم خيراً". ومع هذا التفاوت سنداً ومتناً المستلزم تفاوت الحكم عليهما تصحيحاً وتضعيفاً، زعم الجائر الجاني (ص 60) أن هذا تناقض! فاعتبروا يا أولي الأبصار! الحديث الثالث (230) : خرجته هناك من رواية أبي داود وغيره، ثم قلت: "وأصله في "صحيح البخاري" ... ". فتعقبني الجائر الجاني بقوله (ص 186) : "كذا قال، والحديث برمته وبحروفه في البخاري (رقم 783) ، ويكفيه تلبيس ... " إلخ بهته. وهذا كذب مكشوف لا يصدر إلا من كل أفاك أثيم؛ فالحديث في البخاري بالرقم الذي ذكره الجاني، ومن خباثته لم يذكر لفظه؛ تضليلاً لقرائه، وهاك هو:

"عن أبي بكرة أنه انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: زادك الله حرصاً ولا تعد". فقابل أيها القارىء الكريم هذا اللفظ باللفظ المخرج هناك؛ تجد أن قولي: "وأصله في "صحيح البخاري" ... "؛ صواب ودقيق، استفدته من الممارسة لهذا العلم الشريف؛ ففيه هناك زيادتان ليستا عند البخاري مع اختلاف سياقه عنه، وهما: الأولى: مشي أبي بكرة إلى الصف. والأخرى: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ ". ولذلك عزا الحافظ في "الفتح" (2/268) هاتين الزيادتين لأبي داود وغيره؛ فهل صدق المأفون في قوله: "إن الحديث برمته وحروفه في البخاري"؟! ومن هو الملبس؟! أدع الحكم للقراء، وصلى الله على محمد القائل: "إذا لم تستحيِ؛ فاصنع ما شئت"! *** وهناك شخص آخر ابتلي الناس والمكتبة الإِسلامية به أخيراً، ممَّن يصدق فيه المثل المعروف "تزبب قبل أن يتحصرم"؛ كالذي قبله، لكنه يختلف عنه في أسلوبه؛ فذاك يشكك الناس في السنة في الطعن في شخص الألباني ورميه بالنقائص والجهل! وهذا يتظاهر بالثناء على الألباني وتقدير علمه، ولكنه يطعن في السنة مباشرة بتضعيفه للأحاديث الصحيحة التي صححها العلماء.

وقد كنت بينت شيئاً من حاله، وذكرت نماذج من الأحاديث التي ضعفها في المجلد الثاني الذي طبع حديثاً من هذه السلسلة، فليرجع القراء إلى مقدمته وبعض الاستدراكات المطبوعة في آخره، الذي أرجو أن يكون في متناول أيديهم قريباً إن شاء الله. ولما كان قد ضعف أيضاً بضعة أحاديث من هذا المجلد الأول من "الصحيحة"، رأيت أنه لا بدَّ لي من بيان خطئه في ذلك ومخالفته لقواعد أهل هذا العلم وأحكامهم. 1- الحديث (12- لا تتخذوا الضيعة ... ) . هذا الحديث من تلك الأحاديث الصحيحة التي كان المومى إليه قد استلَّها من كتاب "رياض الصالحين" في عشرات من الأحاديث الأخرى ضعفها كلها، وطبعه بهذا الاسم! دونها، ولكنه جمعها في باب خاص ألحقه بآخر طبعته تحت عنوان: "الأحاديث الضعيفة المحذوفة من أصل الكتاب"!! وإن من غرائبه أن تخريجه لهذه الأحاديث قد استفاده غالباً من كتبي وتخريجاتي، فهو يضعها أمامه، ثم ينقد ما فيها حسب هواه، ولا يتعرض بذكر لما يخالفه. فهذا الحديث مثلاً قد قوَّاه من الأئمة الحفاظ جمع؛ كالترمذي وابن حبان والحاكم، والذهبي ومن قبله كالنووي والمزي، ثم الحافظ العسقلاني، وكذا الشارح للحديث؛ كالقرطبي الذي جمع بينه وبين غيره من الأحاديث الصحيحة؛ فإن من المعلوم أن الجمع فرع التصحيح، فلم

يعبأ بهؤلاء جميعاً ولا بغيرهم كالإِمام البغوي؛ فإنه حسنه أيضاً في "شرح السنة" (14/237) ، ومثلهم كثير لو تيسر تتبعهم، ولا بقاعدتهم في تقوية الحديث بمجموع طرقه؛ كما فعل مثله في الحديث الذي قبله كما ستراه برقم (11) . فأخذ المومى إليه يضعف هذا الحديث من طريقيه اللذين ذكرتهما هناك، فقال في الطريق الأولى (518/23) : "فيه جهالة سعد بن الأخرم". فتجاهل الحقائق التالية: أنه قيل بصحبته. وأنه وثقه ابن حبان والعجلي. وأنه حسنه مخرجوه: الترمذي، والبغوي. وتصحيح الحاكم وغيره ممَّن سبق ذكره! وأعل الطريق الأخرى بقوله: "فيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف". وكأنه اكتشف بهذا التضعيف أمراً كان خافياً علي! مع أنني نبهت هناك على ضعفه بقولي: "وسنده حسن في الشواهد". ولكنني نبهت بهذا أن ضعفه ليس بشديد، ولذلك حسنت حديثه كشاهد، فلم يجب عن ذلك بشيء، وليست هذه طريقة العلماء الذين

يدافعون بحق عن حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بل هي طريقة أهل الأهواء الذين يحكمون بالضعف على الأحاديث الصحيحة، ثم يلتمسون لها عللاً غير قادحة، وها هو المثال بين يديك أيها القارىء الكريم؛ فإن ليثاً هذا ليس ضعفه شديداً بحيث إنه لا يستشهد به كما أوهم هذا (المتزبب) ؛ فقد أخرج له مسلم في "صحيحه" مقروناً بغيره، وهذا صريح منه بأنه يستشهد به، وقد بين السبب الحافظ الناقد الإِمام الذهبي فقال في "الكاشف": "فيه ضعف يسير من سوء حفظه". وهذا معنى ما ختم به ابن عدي ترجمة ليث في كتابه "الكامل" (6/87) بعد أن روى عن جمع تضعيفه: "له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة والثوري وغيرهما من الثقات، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه". فهذا كله يدل على أن مجرد كون الراوي ضعيفاً لا يعني عند العلماء أنه لا يستشهد به، كما كنت شرحت ذلك فيما مضى، وهذا مما يجهله هذا الرجل، ولذلك ابتلي بالتوسع جدّاً في تضعيف الأحاديث الصحيحة. والله المستعان. وإن من عجبه وغروره أنه يتقوَّى في التضعيف المذكور بالشيخ شعيب الأرناؤوط، فيختمها بقوله: "وافقني على تضعيفه الشيخ شعيب"! ولست أدري -والله- إذا كان صادقاً في هذا، وهل استطاع أن يستجر الشيخ بطريقة أو بأخرى إلى موافقته؟! ولكني أدري أن الواقع يكذبه في بعض تلك الأحاديث على الأقل، وهذا منها؛ فإنه مع ادعائه الموافقة المذكورة فيه؛ رأيت الشيخ قد خالفه في تعليقه على "شرح السنة" (14/

237) ، فقال بعد أن نقل تحسين الترمذي وتصحيح الحاكم والذهبي للحديث: "وله شاهد من حديث ابن عمر عند المحاملي في "الأمالي" (69/2) ، وسنده حسن في الشواهد". وهذا مما استفاده الشيخ من تخريجي الآتي للحديث كما يظهر ذلك للقراء بأدنى تأمل، وهو أمر معروف عنه عند كل الذين يعملون تحت إشرافه، ثم لا حمداً ولا شكوراً! وليس هذا هو المقصود، وإنما هو أن ينظر القراء هل صدق الرجل فيما ينسبه إلى الشيخ من الموافقة، أم أن هذا تراجع منه لسبب أو آخر؟! وهذا عينه يقال في الحديث الآتي أيضاً كما سترى! 2- (160- ... لا ينحني لصديقه ... ) . أقول: ذكرت هناك أن إسناده حسن في المتابعات، وخرجته من أربعة طرق عن أنس رضي الله عنه، طريقان منها، يصلحان للاستشهاد بهما دون أي شك أو ريب، والثالث يحتمله، والرابع لا يستشهد به؛ كما صرحت هناك، وللطريقين الأولين على الأقل حسنه الترمذي، وأقره الحافظ، واحتج به ابن تيمية؛ كما سيأتي. وأزيد هنا فأقول: وكذلك قواه الحافظ البغوي في "شرح السنة" (12/292) ، وصرح بصحته العلامة علي القاري في "شرح المشكاة" (4/576) ، وحسنه النووي في "الرياض" تبعاً للترمذي. فجاء هذا الباغي على السنة، فأخرجه منه إلى "ضعيفته" (529/

55) ، وأخذ يضعف طرقه الأربعة، دون أن يفرق بين ضعف يستشهد به وضعف لا يستشهد به! وقاس ذلك على طرق حديث الطير؛ يعني: "أنا مدينة العلم وعلي بابها"، وشتان ما بين الحديثين؛ فإن هذا ليس في الأحاديث الصحيحة ما يشهد لمعناه، بل هو من أحاديث الشيعة المرفوضة؛ كما حققه شيخ الإِسلام ابن تيمية في "المنهاج"؛ بخلاف حديث الترجمة؛ فقد جرى عليه عمل السلف به، فيما يتعلق بالمصافحة، وترك الانحناء والتقبيل عند اللقاء على ما هو مبين في محله. ثم متى كان للقياس دخل في تضعيف الأحاديث أو تصحيحها؟! وهذا وحده يكفي للدلالة على أن الرجل وضع لنفسه قواعد لنقد الأحاديث لا أصل لها عند العلماء، وفي الوقت نفسه يخالف قواعدهم وأحكامهم المتفرعة عنها. ثم ختم كلامه بقوله كغالب عادته في "ضعيفته": "وافقني على تضعيفه الشيخ شعيب"! كذا قال! والواقع أن كلام الشيخ المطبوع يخالفه كل المخالفة؛ فقد قال في تعليقه على "شرح السنة" (12/290) بعد أن عزاه لبعض من يأتي عزوه إليهم: "وحسنه الترمذي، وهو كما قال؛ فإن حنظلة بن عبد الله وإن كان ضعيفاً قد تابعه غير واحد. انظر: "الأحاديث الصحيحة" (159) (!) للشيخ ناصر الألباني"! ومع ما في هذا العزو من الشيخ شعيب إلى كتاب الألباني من الجرأة

الأدبية غير المعتادة منه؛ فهو نصٌّ صريح في مخالفته لما عزاه إليه الرجل في "ضعيفته" من الموافقة! هداه الله. 3- (74- ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله، ولم يصلوا على نبيهم ... ) . قلت: خرجت الحديث هناك من طرق عن أبي هريرة، بعضها صحيح، وصححه جمع من الحفاظ؛ كالترمذي وابن حبان والحاكم، ومع ذلك تجرأ المعتدي على "رياض الصالحين"، فنقله منه إلى "ضعيفته" (527/52) ، فأعله بقوله: "فيه صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف". وهذا التضعيف المطلق منه جحد للصواب الذي عليه الأئمة النقاد قديماً وحديثاً أن الرجل ضعفه بسبب اختلاطه، فمن روى عنه قبل الاختلاط؛ فهو حجة صحيح الحديث، ومنهم الإِمام أحمد وابن معين والذهبي وابن القيم في "جلاء الأفهام" والعسقلاني، وقد رواه عنه قبل الاختلاط ثلاثة من الثقات كما سيأتي. ثم إنه قد تابعه أبو صالح السمان بسند صحيح عنه، وأزيد هنا فأقول: إنه على شرط الشيخين، كما قال ابن القيم في "الجلاء"، وقال السخاوي في "القول البديع" (ص 113) : "وهو حديث صحيح". وأعله المعتدي بما لم يسبق إليه، وذلك حين لم يجد في رواته من

تكلم فيه ولو بأدنى كلمة! قال: "الصواب أنه موقوف"! وتشبث برواية واحدة موقوفة عند إسماعيل القاضي رحمه الله، فخالف بذلك قاعدة زيادة الثقة مقبولة، وبخاصة أنها ثبتت من طريقين عن أبي هريرة، وصححها من تقدم ذكرهم من الأئمة، ولم يعرجوا إلى هذا الإِعلال الذي ابتدعه هذا المعتدي، والقاعدة الأخرى أن هذا الموقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال مِن قِبَل الرأي؛ كما هو ظاهر. وإن من تمام اعتدائه قوله: "ويزيد ذلك تأكيداً أن جميع الروايات التي جاءت عن أبي هريرة مرفوعةً غير ما ذكرنا لم يرد فيها ذكر الصلاة على النبي"! كذا قال! لم يذكر الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو بالرمز (ص) ! تأكيداً عمليّاً منه لتضعيفه للحديث! وجوابي عن التأكيد المزعوم هو ما تقدم من القاعدة الأولى. وأيضاً؛ فإن الروايات التي يشير إليها هي الآتية برقم (77 و78 و79) ، وهي في الصحيحة دون الطريقين اللتين فيهما الزيادة، فمن جهله أنه مع ذلك قدمها عليهما! ولو أنه عكس لأصاب، ولم ينحرف في تضعيفه الحديث عن جماعة الحفاظ، ولكن الأمر كما قيل: "حبك الشيء يعمي ويصم"، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} (¬1) . ¬

_ (¬1) النور: 40.

وفي ختام الرد عليه لا بدَّ لي من بيان أن الرجل يغلب عليه في "ضعيفته" أن يقلد غيره في تخريجه؛ فهو لا يتعدَّى الروايات التي هي جاهزة بأسانيدها بين يديه، ثم يتوجه إلى نقدها واحدة بعد أخرى بطريقته الخاصة به، والشاذة عن قواعد العلماء وأحكامهم الموافقة لها كما تقدم، ولو أنه كان بحاثة مريداً للحق، وكان أهلاً للنقد؛ لنظر بنفسه في كتب السنة، واستخرج منها من الطرق والأسانيد ومتونها ما يساعده في التحقيق لو أراده! لكنه لا يفعل؛ لأنه يريد أن يظهر على أكتاف غيره، ولأنه يعلم أنه لو فعل؛ لاختلفت النتيجة التي يرمي إليها، ألا وهي التفوق على الألباني، وعلى شيخه شعيب، في تزيُّده عليهما في تضعيف الأحاديث! كما يترشح ذلك من كلامه نفسه في مقدمة "ضعيفته". أقول: لو أنه فعل ذلك؛ لتبين له خطأ تصويبه وتضعيفه المتقدمين؛ لأنه سيجد لحديث أبي هريرة الصحيح من طريقيه شواهد تزيده قوة على قوة من حديث جابر، وهو المذكور تحت الحديث الآتي برقم (80) ، وأنه على شرط مسلم، ومن حديث أبي أمامة وواثلة، ولوجد تخريجها في "جلاء الأفهام" لابن القيم، و"القول البديع" للسخاوي، وقال في حديث جابر: "رواه الطيالسي ... والضياء في "المختارة" ... ورجاله رجال (الصحيح) على شرط مسلم". وذكر نحوه ابن القيم وأقره. فلا غرابة حينئذ أن يشير الحافظ إلى تقوية الحديث في "فتح

الباري" (11/169) ، وإنما الغرابة كل الغرابة أن يأتي ذاك الإِنسان المسمى بحسَّان، فيتطاول على هؤلاء العلماء الأعلام ومن سار على دربهم، فيخالفهم بتضعيف ما صححوا، وقد لاحظ هذا بعض الإِخوة الأفاضل ممَّن شجب اعتداءه على "الرياض"، ومنهم الأخ محمد عبد الله آل شاكر في كلمة جيدة له في مجلة "البيان" العدد (56) أحض القراء على الاطلاع عليها، قال جزاه الله خيراً: "لم هذا الازدراء للعلماء السابقين الذين كان لهم باع في التصحيح والتضعيف، ولهم مكانتهم، ولكلامهم وحكمهم وزن، لِمَ يعرض عنهم صاحبنا ويكتفي بموافقة شيخه له في تضعيفه أو حكمه عليه، حتى تكررت هذه العبارة، وكثرت كثرة ملفتة للنظر، فأصبحت ممجوجة، وإذا كان فضيلة المحقق أميناً دقيقاً في عبارته حتى يقول: "وافقني الشيخ شعيب ترجيحاً"! فلماذا لا يكون أميناً دقيقاً عند تحقيقه للكتاب، فيعبث به هذا العبث، ويخون الأمانة، ويجانب الدقة. والنكتة البارعة الأخيرة يطلقها صاحبها، فيقول في (ص 507) : "وحرصاً مني على إتمام الفائدة للعامة والخاصة أذكر هنا في هذا الفصل الأحاديث الضعيفة في كتاب "رياض الصالحين"، وقد بلغت عندي أكثر من مئة، وعقبت بعد كل حديث بدليل ضعفه، مع تخريجه بإيجاز". صحيح أن العامة أمثالي (حقيقة لا تواضعاً، وعلى الأقل في مجال المحقق) يستفيدون من ذلك، ولكن ما حاجة الخاصة -طبعاً من علماء الحديث والمحققين منهم-، ما حاجتهم لهذا الفصل؟ مساكين كم فاتهم

من علم وفوائد قبل أن يمن الأخ عبد المنان بإخراج هذا الكتاب ... ولا حول ولا قوة إلا بالله؟ ". فأقول: مما لا شك فيه أن شيخه شعيباً هو من الخاصة عنده، وقد صرح في نفس الصفحة التي أشار إليها الأخ الفاضل أن شعيباً استفاد منه، فإنه أثنى عليه لتراجعه إلى صواب تلميذه! ألا تراه يقول: "وهذا فضل منه لرجوعه إلى الحق"؟! ثم رجا أن أتراجع كشيخه، فقال: "ولعل الشيخ الفاضل الألباني يرجع إلى نحو ذلك بعدما يرى الحجة في هذا الكتاب"! قلت: الرجوع إلى الصواب هو الواجب، وهو ديدني كما يعرف قرائي، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وما أحسن ما يقال في مثل هذه المناسبة: "ليس هذا عشك فادرجي"! وما أشبه غرور هذا بذاك الجاهل الذي مبلغ علمه بربه أن جعله معدوماً! بقوله: إنه ليس داخل العالم ولا خارجه، ومع ذلك؛ فقد قال في بعض مقدماته نحو صاحبه هذا: "إنما نريد خدمة أهل العلم وطلابه"! {تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} (¬1) . والله المستعان. أسال الله الكريم رب العرش العظيم، أن يطهر قلوبنا من الحسد والحقد، وأن يرزقنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً، وأن يرد عنا شر الحاسدين وكيد الماكرين، إنه سميع مجيب. عمان مساء الجمعة 8 رجب 1413 هـ وكتب محمد ناصر الدين الألباني ¬

_ (¬1) البقرة: 118.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه وحده أستعين مقدمة الطبعة الأولى: إنَّ الحمد لله؛ نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله؛ فلا مضلَّ له، ومن يُضلل؛ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1) . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬2) . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬3) . ¬

_ (¬1) آل عمران: 102. (¬2) النساء: 1. (¬3) الأحزاب: 70-71. وهذه الخطبة تسمى عند العلماء بـ (خطبة الحاجة) ، وهي تشرع بين يدي كل خطبة، سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو نكاح أو درس أو محاضرة، ولي رسالة خاصة جمعت فيها الأحاديث الواردة فيها وطرقها، وقد نشرت منذ سنوات في "مجلة التمدن الإسلامي" الزاهرة، ثم أفردتها في رسالة خاصة، فنحث المحبين لسنته - صلى الله عليه وسلم - والراغبين في إحيائها =

أما بعد؛ فقد عزمنا بإذن الله وتوفيقه على نشر مقالات تتضمن أحاديث صحيحة في مختلف الأبواب والفصول والمسائل والفوائد، وذلك تحقيقاً لرغبة الكثيرين من إخواننا وأصدقائنا الأفاضل، وتزويداً للقراء الكرام بها، تعاوناً معهم على التثقيف بالثقافة الإِسلامية الصحيحة، التي لا مصدر لها بعد القرآن الكريم إلا أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهي بحق كما قال بعض العلماء الصالحين (¬1) : "أبرك العلوم وأفضلها وأكثرها نفعاً في الدين والدنيا بعد كتاب الله عزَّ وجلَّ أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لما فيها من كثرة الصلوات عليه، وإنها كالرياض والبساتين، تجد فيها كل خير وبر وفضل وذكر". ولكن من المؤسف جدّاً أن يكون قد تسرب إلى هذه الرياض والبساتين بعض الطفيليات من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، حتى نمت وترعرعت فيها، وصارت بحكم مرور الأيام عليها وجهل أكثر الناس بحقيقتها كأنها جزء متمم لها، وهذا مما حدا بي على محاولة تنقيتها منها، وتحذير المسلمين الغافلين عنها، وذلك في مقالات: "الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيىء في الأمة"، والتي تنشر تباعاً في "مجلة التمدن الإِسلامي" الزاهرة، والتي تلقاها أهل العلم والفضل من مختلف البلاد بالرضى والقبول، وحرصوا أشد الحرص على اقتنائها والاحتفاظ بها، وأقبل الكثيرون على تقديم طلبات الاشتراك في المجلة من أجلها. ¬

_ = أن يلتزموا هذه الخطبة التي كادت تصبح في خبر كان. هذا ما كنت قلته من نحو أربعين سنة، أما اليوم؛ فقد اختلف الوضع بفضل الله، وانتشرت هذه السنة في كثير من الأقطار الإِسلامية، وبخاصة هنا في الأردن والسعودية وغيرها، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. (¬1) هو الثبت أبو أحمد عبد الله بن بكر بن محمد الزاهد، ترجمه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وروى له هذه الكلمة (ج 1/9/2) .

ولكنه تبين فيما بعد أن هذا التحذير، وإن كان واجباً لا مناص منه؛ فإنه لا تتم الفائدة به وحده، بل لا بد أيضاً من تقديم الأحاديث الصحيحة إلى جانبها؛ لأنه لا يلزم من معرفة الضعيف من الحديث التعرف على الصحيح منه؛ إلا لو أمكن حصر الضعيف، وهيهات هيهات! [فقد جاوز عددها حتى الآن (6500) والحبل جرار] ولذلك جزمنا بضرورة بيان هذه الأحاديث الصحيحة إلى جانب بيان الأحاديث الضعيفة، وبذلك نكون قد جمعنا في المعالجة بين بيان الداء، وتقديم الدواء، بإذن الله تعالى. ولم أتقيد في هذه المقالات بتبويب أو ترتيب خاص، بل حسبما تيسر، كما جرينا عليه في المقالات الأخرى المشار إليها آنفاً. وغرضنا الأول من هذه المقالات بعد الذي أشرنا إليه من التثقيف تحقيق القول في صحة هذه الأحاديث والكلام على أسانيدها وطرقها ورواتها على طريقة أهل الحديث، وفي حدود مصطلحهم، مع قصد الاختصار وعدم الإِطالة ما أمكن؛ إلا فيما لا بد منه، وقد نتكلم أحياناً على ما في بعضها من المسائل الفقهية والفوائد اللغوية وغيرها، وقد نربط بين بعض مفرداتها أحياناً برباط من الكلام، بحيث يتألف منه موضوع خاص قائم بذاته، يمكن أن يجعل أصلاً لخطبة أو محاضرة، ولكني لم ألتزم ذلك، تيسيراً على نفسي، ومراعاة لضيق وقتي. وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفع بها أكثر مما نفع بالمقالات المشار إليها، وأن يلهمني الصواب فيها جميعاً، وأن يجعلها خالصة لوجهه، ويدخر لي أجرها عنده؛ إنه خير مسؤول. دمشق 14/12/1378 هـ محمد ناصر الدين الألباني

1

المستقبل للإسلام: قال الله عز وجل: * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) *. تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته وظهوره وحكمه على الأديان كلها , وقد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين والملوك الصالحين , وليس كذلك , فالذي تحقق إنما هو جزء من هذا الوعد الصادق , كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: 1 - " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى , فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * أن ذلك تاما , قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ". الحديث. " لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى , فقالت عائشة: يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) * أن ذلك تاما , قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله ". الحديث. رواه مسلم وغيره , وقد خرجته في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " (ص 122) . وقد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام ومدى انتشاره , بحيث لا يدع مجالا للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله وتوفيقه. وها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سببا لشحذ همم

2

العاملين للإسلام , وحجة على اليائسين المتواكلين 2 - " إن الله زوى (أي جمع وضم) لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ". الحديث. رواه مسلم (8 / 171) وأبو داود (4252) والترمذي (2 / 27) وصححه. وابن ماجه (رقم 2952) وأحمد (5 / 278 و 284) من حديث ثوبان وأحمد أيضا (4 / 123) من حديث شداد بن أوس إن كان محفوظا. وأوضح منه وأعم الحديث التالي: 3 - " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر ". رواه جماعة ذكرتهم في " تحذير الساجد " (ص 121) . ورواه ابن حبان في " صحيحه " (1631 و 1632) . وأبو عروبة في " المنتقى من الطبقات " (2 / 10 / 1) . ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان، وهذا ما يبشرنا به الحديث:

4

4 - عن أبى قبيل قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فدعا عبد الله بصندوق له حلق، قال: فأخرج منه كتابا قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب ، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مدينة هرقل تفتح أولا. يعني قسطنطينية ".. رواه أحمد (2 / 176) والدارمي (1 / 126) وابن أبي شيبة في " المصنف " (47 / 153 / 2) وأبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (116 / 2) والحاكم (3 / 422 و 4 / 508) وعبد الغني المقدسي في " كتاب العلم " (2 / 30 / 1) ، وقال: " حديث حسن الإسناد ". وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وهو كما قالا. و (رومية) هي روما كما في " معجم البلدان " وهي عاصمة إيطاليا اليوم. وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولابد، ولتعلمن نبأه بعد حين. ولا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة المسلمة، وهذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث:

5

5 - " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها، ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت ". رواه أحمد (4 / 273) حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثنا داود بن إبراهيم الواسطي حدثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال: كنا قعودا في المسجد، وكان بشير رجلا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: فذكره مرفوعا. قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين - يعني عمر - بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه. ومن طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (17 / 2) وقال: " هذا حديث صحيح، وإبراهيم بن داود الواسطي وثقه أبو داود الطيالسي

وابن حبان، وباقي رجاله محتج بهم في الصحيح ". يعني " صحيح مسلم "، لكن حبيبا هذا قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروي عنه، إلا أن أبا حاتم وأبا داود وابن حبان وثقوه، فحديثه حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى، وقد قال فيه الحافظ: " لا بأس به ". والحديث في " مسند الطيالسي " (رقم 438) : حدثنا داود الواسطي - وكان ثقة - قال: سمعت حبيب بن سالم به، لكن وقع في متنه سقط فيستدرك من " مسند أحمد ". وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 189) : " رواه أحمد والبزار أتم منه والطبراني ببعضه في (الأوسط) ، ورجاله ثقات ". ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز، لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة ولم تكن بعد ملكين: ملك عاض وملك جبرية، والله أعلم.

6

هذا وإن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين واستثمارهم الأرض استثمارا يساعدهم على تحقيق الغرض، وتنبىء عن أن لهم مستقبلا باهرا حتى من الناحية الاقتصادية والزراعية قوله صلى الله عليه وسلم: 6 - " لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ". رواه مسلم (3 / 84) وأحمد (2 / 703 و 417) والحاكم (4 / 477) من حديث أبي هريرة. وقد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب بما أفاض الله عليها من خيرات وبركات وآلات ناضحات تستنبط الماء الغزير من بطن أرض الصحراء وهناك فكرة بجر نهر الفرات إلى الجزيرة كنا قرأناها في بعض الجرائد المحلية فلعلها تخرج إلى حيز الوجود، وإن غدا لناظره قريب. هذا ومما يجب أن يعلم بهذه المناسبة أن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ". رواه البخاري في " الفتن " من حديث أنس مرفوعا. فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة وغيرها مثل أحاديث المهدي ونزول عيسى عليه السلام فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه بل هو من العام المخصوص، فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقا.

7

7 - عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ". رواه البخاري (2 / 67 طبع أوربا) ومسلم (5 / 28) وأحمد (3 / 147) . 8 - عن جابر مرفوعا: " ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة وما سرق منه له صدقة وما أكل السبع منه فهو له صدقة وما أكلت الطير فهو له صدقة ولا يرزؤه (أي ينقصه ويأخذ منه) أحد إلا كان له صدقة (إلى يوم القيامة) ". (عن جابر) : رواه مسلم عنه. ثم رواه هو وأحمد (3 / 391) من طرق أخرى عنه بشيء من الاختصار، وله شاهد من حديث أم مبشر عند مسلم وأحمد (6 / 362 و 240) ، وله شواهد أخرى ذكرها المنذري في " الترغيب " (3 / 224 و 245) .

9

9 - عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها ". (عن أنس) رواه الإمام أحمد (3 / 183، 184، 191) وكذا الطيالسي (رقم 2068) والبخاري في " الأدب المفرد " (رقم 479) وابن الأعرابي في " معجمه " (ق 21 / 1) عن هشام بن زيد عنه. وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وتابعه يحيى بن سعيد عن أنس. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (316 / 1) . وأورده الهيثمي في " المجمع " (63 / 4) مختصرا وقال: " رواه البزار ورجاله أثبات ثقات ". وفاته أنه في " مسند أحمد " بأتم منه كما ذكرناه. (الفسيلة) هي النخلة الصغيرة وهي (الودية) . ولا أدل على الحض على الاستثمار من هذه الأحاديث الكريمة، لاسيما الحديث الأخير منها فإن فيه ترغيبا عظيما على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع ما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره وتكتب له صدقته إلى يوم القيامة. وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله " باب اصطناع المال " ثم روى عن الحارث بن لقيط قال: كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذه؟ فجاءنا كتاب عمر: أن أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفسا.

وسنده صحيح. وروى أيضا بسند صحيح عن داود قال: قال لي عبد الله بن سلام: إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية تغرسها، فلا تعجل أن تصلحه، فإن للناس بعد ذلك عيشا. وداود هذا هو ابن أبي داود الأنصاري قال الحافظ فيه: " مقبول ". وروى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غدا، فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها؟ فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي. كذا في " الجامع الكبير " للسيوطي (3 / 337 / 2) . ولذلك اعتبر بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله عز وجل فروى البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 448) عن نافع بن عاصم أنه سمع عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من (الوهط) : أيعمل عمالك؟ قال: لا أدري، قال: أما لو كنت ثقفيا لعلمت ما يعمل عمالك، ثم التفت إلينا فقال: إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره (وقال الراوي مرة: في ماله) كان عاملا من عمال الله عز وجل. وسنده حسن إن شاء الله تعالى. و (الوهط) في اللغة هو البستان وهي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من (وج) يبدو أنه خلفها لأولاده،

10

وقد روى ابن عساكر في " تاريخه " (13 / 264 / 2) بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال: دخل عمرو بن العاص في حائط له بالطائف يقال له: (الوهط) (فيه) ألف ألف خشبة، اشترى كل خشبة بدرهم! يعني يقيم بها الأعناب. هذه بعض ما أثمرته تلك الأحاديث في جملتها من السلف الصالح رضي الله عنهم. وقد ترجم البخاري في " صحيحه " للحديثين الأولين بقوله: " باب فضل الزرع إذا أكل منه ". قال ابن المنير: " أشار البخاري إلى إباحة الزرع، وأن من نهى عنه كما ورد عن عمر فمحله ما إذا شغل الحرث عن الحرب ونحوه من الأمور المطلوبة، وعلى ذلك يحمل حديث أبي أمامة المذكور في الباب الذي بعده ". قلت: سيأتي الكلام على الحديث المشار إليه في المقال الآتي إن شاء الله تعالى. 10 - عن أبي أمامة الباهلي قال - ورأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل ". التكالب على الدنيا يورث الذل: ذكرت في المقال السابق بعض الأحاديث الواردة في الحض على استثمار الأرض، مما لا يدع مجالا للشك في أن الإسلام شرع ذلك للمسلمين ورغبهم فيه أيما ترغيب. واليوم نورد بعض الأحاديث التي قد يتبادر لبعض الأذهان الضعيفة أو القلوب المريضة أنها معارضة للأحاديث المتقدمة، وهي في الحقيقة غير منافية له، إذا ما أحسن فهمها، وخلت النفس من اتباع هواها!

الأول: عن أبي أمامة الباهلي قال - ورأى سكة وشيئا من آلة الحرث فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (5 / 4 بشرح " الفتح ") ، ورواه الطبراني في " الكبير " من طريق أخرى عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " ما من أهل بيت يغدو عليهم فدان إلا ذلوا ". ذكره في " المجمع " (4 / 120) . وقد وفق العلماء بين هذا الحديث والأحاديث المتقدمة في المقال المشار إليه بوجهين اثنين: أ - أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج أو عشر، فمن أدخل نفسه في ذلك فقد عرضها للذل. قال المناوي في " الفيض ": " وليس هذا ذما للزراعة فإنها محمودة مثاب عليها لكثرة أكل العوافي منها، إذ لا تلازم بين ذل الدنيا وحرمان ثواب البعض ". ولهذا قال ابن التين: " هذا من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات، لأن المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث ". ب - أنه محمول على من شغله الحرث والزرع عن القيام بالواجبات كالحرب ونحوه، وإلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله:

11

" باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع، أو مجاوزة الحد الذي أمر به ". فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب ويحمله على التكالب على الدنيا والإخلاد إلى الأرض والإعراض عن الجهاد، كما هو مشاهد من الكثيرين من الأغنياء. ويؤيد هذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ". 11 - " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ". وهو حديث صحيح لمجموع طرقه، وقد وقفت على ثلاث منها كلها عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا: الأولى: عن إسحاق أبي عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن ابن عمر قال: فذكره. أخرجه أبو داود (رقم 3462) والدولابي في " الكنى " (2 / 65) وابن عدي في " الكامل " (256 / 2) والبيهقي في " السنن الكبرى " (5 / 316) . وتابعه فضالة بن حصين عن أيوب عن نافع به. رواه ابن شاهين في جزء من " الأفراد " (1 / 1) وقال

" تفرد به فضالة " وقال البيهقي: " روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر ". يشير بذلك إلى تقوية الحديث، وقد وقفت على أحد الوجهين المشار إليهما وهو الطريق: الثانية: عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر. أخرجه أحمد (رقم 4825) وفي " الزهد " (20 / 84 / 1 - 2) ، والطبراني في " الكبير " (3 / 207 / 1) وأبو أمية الطرسوسي في " مسند ابن عمر " (202 / 1) . والوجه الثاني أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 107 / 1) عن ليث عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء. وأخرجه ابن أبي الدنيا في " العقوبات " (79 / 1) . والروياني في " مسنده " (247 / 2) من وجه آخر عن ليث عن عطاء، أسقط من بينهما ابن أبي سليمان، وكذا رواه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 313 - 314) .

الثالثة: عن شهر بن حوشب عن ابن عمر. رواه أحمد (رقم 5007) . ثم وجدت له شاهدا من رواية بشير بن زياد الخراساني: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن جابر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه ابن عدي في ترجمة بشير هذا من " الكامل " وقال: " وهو غير معروف، في حديثه بعض النكرة ". وقال الذهبي: " ولم يترك ". فتأمل كيف بين هذا الحديث ما أجمل في حديث أبي أمامة المتقدمة قبله، فذكر أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع والحرث بل لما اقترن به من الإخلاد إليه والانشغال به عن الجهاد في سبيل الله، فهذا هو المراد بالحديث، وأما الزرع الذي لم يقترن به شيء من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغبة في الحرث فلا تعارض بينها ولا إشكال.

12

12 - قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا ". رواه الترمذي (4 / 264) وأبو الشيخ في " الطبقات " (298) وأبو يعلى في " مسنده " (251 / 1) والحاكم (4 / 222) وأحمد (رقم 2589، 4047) والخطيب (1 / 18) عن شمر بن عطية عن مغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه عن ابن مسعود مرفوعا. وحسنه الترمذي، وقال الحاكم

" صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. ثم رواه أحمد (رقم 4181، 4174) من طريق أبي التياح عن ابن الأخرم رجل من طيء عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " نهى عن التبقر في الأهل والمال ". وتابعه أبو حمزة قال: سمعت رجلا من طيىء يحدث عن أبيه عن عبد الله مرفوعا به. رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (ج 6 / 20 / 2) فزاد في السند عن أبيه وهو الصواب لرواية شمر كذلك. وله شاهد من رواية ليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا باللفظ الأول. أخرجه المحاملي في " الأمالي " (69 / 2) ، وسنده حسن في الشواهد. وأورده الحافظ باللفظ الأول مجزوما به في شرح حديث أنس المتقدم في المقال السابق ثم قال: " قال القرطبي: يجمع بينه وبين حديث الباب بحمله على الاستكثار والاشتغال به عن أمر الدين، وحمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها وتحصيل توابعها ". قلت: ومما يؤيد هذا الجمع اللفظ الثاني من حديث ابن مسعود، فإن (التبقر) التكثر والتوسع. والله أعلم. واعلم أن هذا التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات التي منها الجهاد في سبيل الله هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وفي ذلك نزلت الآية خلافا لما يظن كثير من الناس! فقد

13

قال أسلم أبو عمران: " غزونا من المدينة، نريد القسطنطينية، (وعلى أهل مصر عقبة بن عامر) وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل (منا) على العدو، فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: (إنما تأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة، أو يبلي من نفسه!) إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا (بيننا خفيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. قال أبو عمران: " فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ". 13 - " غزونا من المدينة نريد القسطنطينية (وعلى أهل مصر عقبة بن عامر) وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل (منا) على العدو، فقال الناس: مه مه! لا إله إلا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: (إنما تأولون هذه الآية هكذا أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه!) إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر الإسلام قلنا (بيننا خفيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم) : هلم نقيم في أموالنا ونصلحها، فأنزل الله تعالى (وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة: أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية ". رواه أبو داود (1 / 393) وابن أبي حاتم في " تفسيره " (1 / 10 / 2) والحاكم (2 / 275) وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وقد وهما، فإن الشيخين لم يخرجا لأسلم هذا، فالحديث صحيح فقط.

14

14 - عن قزعة قال: أرسلني ابن عمر في حاجة، فقال: تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلني في حاجة له فقال: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ". من أدبه صلى الله عليه وسلم عند التوديع: فيه ثلاثة أحاديث: الأول عن ابن عمر، وله عنه طرق: أ - عن قزعة قال: أرسلني ابن عمر في حاجة، فقال: تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلني في حاجة له فقال: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ". رواه أبو داود (رقم 2600) والحاكم (2 / 97) وأحمد (2 / 25 و 38 و 136) وابن عساكر (14 / 290 / 2 و 15 / 469 / 1) عن عبد العزيز بن عمر ابن عبد العزيز عنه. ورجاله ثقات، لكن اختلف فيه على عبد العزيز، فرواه بعضهم هكذا، وأدخل بعضهم بينه وبين قزعة رجلا سماه بعضهم " إسماعيل بن جرير " وسماه آخرون " يحيى بن إسماعيل بن جرير "، وقد ساق الحافظ ابن عساكر الروايات المختلفة في ذلك. وقال الحافظ في " التقريب " إن الصواب قول من قال: " يحيى بن إسماعيل ". قلت: وهو ضعيف، لكن يتقوى الحديث بالطرق الأخرى، وفي رواية لابن عساكر: " كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي يصافحني، ثم قال: " فذكره. ب - عن سالم أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا: ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول: فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 255 طبع بولاق) وأحمد (2 / 7)

وعبد الغني المقدسي في " الجزء الثالث والستون (41 / 1) " عن سعيد بن خثيم عن حنظلة عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سالم ". قلت: وهو على شرط مسلم غير أن سعيدا قد خولف في سنده، فرواه الحاكم (1 / 442 و 2 / 97) عن إسحاق بن سليمان والوليد بن مسلم عن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم بن محمد قال: كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فقال: أردت سفرا، فقال: انتظر حتى أودعك: فذكره، وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا. ولعل الترمذي إنما استغربه من حديث سالم من أجل مخالفة هذين الثقتين: إسحاق ابن سليمان والوليد بن مسلم لابن خثيم حيث جعله من رواية حنظلة عن سالم، وجعلاه من رواية حنظلة عن القاسم بن محمد عنه. ولعله أصح. وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (270 / 2) من طريق الوليد بن مسلم وحده. ج - عن مجاهد قال: " خرجت إلى العراق أنا ورجل معي، فشيعنا عبد الله بن عمر، فلما أراد أن يفارقنا قال: إنه ليس معي ما أعطيكما (كذا الأصل، ولعله: أعظكما) ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا استودع الله شيئا حفظه، وإني أستودع الله دينكما وأمانتكما، وخواتيم عملكما ".

15

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2376) بسند صحيح. هـ - عن نافع عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: فذكره. رواه الترمذي (2 / 255 طبع بولاق) وقال: " حديث غريب من هذا الوجه ". قلت: يعني أنه ضعيف لخصوص هذه الطريق، وذلك لأنها من رواية إبراهيم ابن عبد الرحمن بن زيد بن أمية عن نافع وهو أعني إبراهيم هذا مجهول. لكنه لم ينفرد به، فقد رواه ابن ماجه (2 / 943 رقم 2826) عن ابن أبي ليلى عنه. وابن أبي ليلى سيء الحفظ واسمه محمد بن عبد الرحمن، ولم يذكر قصة الأخذ باليد. 15 - عن عبد الله الخطمي قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش، قال: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ". (عن عبد الله الخطمي) قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش، قال: فذكره. رواه أبو داود وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 498) بإسناد صحيح على شرط مسلم. غير أبي جعفر الخطمي - واسمه عمير بن يزيد - وهو ثقة اتفاقا

16

16 - عن أبى هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع أحدا قال: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ". أخرجه أحمد (2 / 358) عن ابن لهيعة عن الحسن بن ثوبان عن موسى ابن وردان عنه قلت: ورجاله موثقون، غير أن ابن لهيعة سيء الحفظ وقد خالفه في متنه الليث ابن سعد وسعيد بن أبي أيوب عن الحسن بن ثوبان به بلفظ: " أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه ". وهذا عن أبي هريرة أصح وسنده جيد، رواه أحمد (1 / 403) . ثم رأيت ابن لهيعة قد رواه بهذا اللفظ أيضا عند ابن السني رقم (501) . وابن ماجه (2 / 943 رقم 2825) فتأكدنا من خطئه في اللفظ الأول. من فوائد الحديث: يستفاد من هذا الحديث الصحيح جملة فوائد: الأولى: مشروعية التوديع بالقول الوارد فيه " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك " أو يقول: " أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ". الثانية: الأخذ باليد الواحدة في المصافحة، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة،

وعلى ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة. ففي " لسان العرب ": " والمصافحة: الأخذ باليد، والتصافح مثله، والرجل يصافح الرجل: إذا وضع صفح كفه في صفح كفه، وصفحا كفيهما: وجهاهما، ومنه حديث المصافحة عند اللقاء، وهي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف وإقبال الوجه على الوجه ". قلت: وفي بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا، كحديث حذيفة مرفوعا: " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر ". قال المنذري (3 / 270) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته لا أعلم فيهم مجروحا ". قلت: وله شواهد يرقى بها إلى الصحة، منها: عن أنس عند الضياء المقدسي في " المختارة " (ق 240 / 1 - 2) وعزاه المنذري لأحمد وغيره. فهذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة في المصافحة: الأخذ باليد الواحدة فما يفعله بعض المشايخ من التصافح باليدين كلتيهما خلاف السنة، فليعلم هذا. الفائدة الثالثة: أن المصافحة تشرع عند المفارقة أيضا ويؤيده عموم قوله صلى الله عليه وسلم " من تمام التحية المصافحة " وهو حديث جيد باعتبار طرقه ولعلنا نفرد له فصلا خاصا إن شاء الله تعالى، ثم تتبعت طرقه، فتبين لي أنها شديدة الضعف، لا تلصح للاعتبار وتقوية الحديث بها، ولذلك أوردته في " السلسلة الأخرى " (1288) . ووجه الاستدلال - بل الاستشهاد - به إنما يظهر باستحضار مشروعية السلام

17

عند المفارقة أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم، وإذا خرج فليسلم، فليست الأولى بأحق من الأخرى ". رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بسند حسن. فقول بعضهم: إن المصافحة عند المفارقة بدعة مما لا وجه له، نعم إن الواقف على الأحاديث الواردة في المصافحة عند الملاقاة يجدها أكثر وأقوى من الأحاديث الواردة في المصافحة عند المفارقة، ومن كان فقيه النفس يستنتج من ذلك أن المصافحة الثانية ليست مشروعيتها كالأولى في الرتبة، فالأولى سنة، والأخرى مستحبة، وأما أنها بدعة فلا، للدليل الذي ذكرنا. وأما المصافحة عقب الصلوات فبدعة لا شك فيها إلا أن تكون بين اثنين لم يكونا قد تلاقيا قبل ذلك فهي سنة كما علمت. 17 - " إن نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان، فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم: تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان غير أن الله

تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق، قال: وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحي إلى أيوب أن * (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) * فاستبطأته فتلقته تنظر وقد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء وهو أحسن ما كان فلما رأته قالت: أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى، والله على ذلك ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحا، فقال: فإني أنا هو، وكان له أندران (أي بيدران) : أندر للقمح وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (176 / 1 - 177 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 374 - 375) من طريقين عن سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد أخبرني عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك مرفوعا وقال: " غريب من حديث الزهري لم يروه عنه إلا عقيل ورواته متفق على عدالتهم تفرد به نافع ". قلت: وهو ثقة كما قال، أخرج له مسلم وبقية رجاله رجال الشيخين. فالحديث صحيح.

18

وقد صححه الضياء المقدسي فأخرجه في " المختارة " (220 / 2 - 221 / 2) من هذا الوجه. ورواه ابن حبان في " صحيحه " (2091) عن ابن وهيب أنبأنا نافع بن يزيد. وهذا الحديث مما يدل على بطلان الحديث الذي في " الجامع الصغير " بلفظ: " أبى الله أن يجعل للبلاء سلطانا على عبده المؤمن ". وسيأتي تحقيق الكلام عليه في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى. 18 - " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ". رواه الطبراني (1 / 19 / 1) حدثنا علي بن عبد العزيز أنبأنا محمد بن أبي نعيم الواسطي أنبأنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو؟ قال: في النار، فكأن الأعرابي وجد من ذلك فقال: يا رسول الله فأين أبوك؟ قال: فذكره. قال: فأسلم الأعرابي بعد ذلك، فقال: لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا: ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون، وطرح ابن معين لمحمد ابن أبي نعيم لا يتلفت إليه بعد توثيق أحمد وأبي حاتم إياه، لاسيما وقد توبع في إسناده، أخرجه الضياء في " المختارة " (1 / 333) من طريقين عن زيد بن أخزم حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إبراهيم بن سعد به وقال:

" سئل الدارقطني عنه فقال: يرويه محمد بن أبي نعيم والوليد بن عطاء بن الأغر عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد، وغيره يرويه عن إبراهيم بن سعد عن الزهري مرسلا، وهو الصواب. قلت: وهذه الرواية التي رويناها تقوي المتصل ". قلت: وزيد بن أخزم ثقة حافظ وكذلك شيخه يزيد بن هارون، فهي متابعة قوية لابن أبي نعيم الواسطي تشهد لصدقه وضبطه، لكن قد خولف زيد بن أخزم في إسناده فقال ابن ماجه (رقم 1573) : حدثنا محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطي: حدثنا يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: جاء أعرابي. الحديث بتمامه. وهذا ظاهره الصحة، ولذلك قال في " الزوائد " (ق 97 / 2) : " إسناده صحيح رجاله ثقات، محمد بن إسماعيل وثقه ابن حبان والدارقطني والذهبي، وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين ". قلت: لكن قال الذهبي فيه: " لكنه غلط غلطة ضخمة ". ثم ساق له حديثا صحيحا زاد فيه " الرمي عن النساء " وهي زيادة منكرة وقد رواه غيره من الثقات فلم يذكر فيه هذه الزيادة. وأقره الحافظ ابن حجر على ذلك. قلت: فالظاهر أنه أخطأ في إسناد هذا الحديث أيضا فقال فيه.. عن سالم عن أبيه والصواب عن عامر بن سعد عن أبيه كما في رواية ابن أخزم وغيره، وقد قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 117 - 118) بعد أن ساقه من حديث سعد: " رواه البزار والطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح ". من فقه الحديث:

وفي هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه، ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره. ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت، وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال: (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا وقد خلقك " متفق عليه. وإن الجهل بهذه الفائدة مما أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد الشارع الحكيم منها، فإننا نعلم أن كثيرا من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة، فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل ويقفون أمامها خاشعين محزونين، مما يشعر برضاهم عنهم وعدم مقتهم إياهم، مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث الصحيح واسمع قول الله عز وجل: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا) الآية،

19

هذا موقفهم منهم وهم أحياء فكيف وهم أموات) ؟! وروى البخاري (1 / 120 طبع أوربا) ومسلم (8 / 221) عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال لهم لما مر بالحجر: " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين، إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم ". 19 - " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم ". (وتقنع بردائه وهو على الرحل) . (عن ابن عمر) : ورواه أحمد (2 / 9، 58، 66، 72، 74، 91، 96، 113، 137) والزيادة له. وقد ترجم لهذا الحديث صديق خان في " نزل الأبرار " (ص 293) بـ " باب البكاء والخوف عند المرور بقبور الظالمين وبمصارعهم وإظهار الافتقار إلى الله تعالى والتحذير من الغفلة عن ذلك ". أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا وأن يلهمنا العمل به إنه سميع مجيب. 20 - " أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟! فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه ". رواه أبو داود (1 / 400) والحاكم (2 / 99 - 100) وأحمد (1 / 204 - 205) وأبو يعلى في " مسنده " (318 / 1) والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 2 باب ذكر المعجزات الثلاث)

21

وابن عساكر في " تاريخه " (ج 9 / 28 / 1) . والضياء في " الأحاديث المختارة " (124 - 125) من طريق محمد بن عبد الله ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم، فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدف أو حائش النخل، فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، (فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح سراته إلى سنامه وذفراه فسكن) فقال: من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: فذكر الحديث. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي وهو كما قالا، بل إنهما قد قصرا فإنه صحيح على شرط مسلم، فقد أخرجه في " صحيحه " (1 / 184 - 185) بهذا الإسناد دون قصة الجمل، وذكر النووي في " رياض الصالحين " (ص 378) أن البرقاني رواه بإسناد مسلم بتمامه وكأنه لهذا قال ابن عساكر عقبه: " رواه مسلم ". يعني أصله لا بتمامه. والزيادة التي بين القوسين لابن عساكر والضياء. 21 - " اركبوا هذه الدواب سالمة وايتدعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي ". أخرجه الحاكم (1 / 444 و 2 / 100) والبيهقي (5 / 225) وأحمد (3 / 440، 4 / 234) وابن عساكر (3 / 91 / 1)

عن الليث بن سعد عن يزيد بن حبيب عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه - وكانت له صحبة - مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي وهو كما قالا فإن رجاله كلهم ثقات، وسهل بن معاذ لا بأس به في غير رواية زبان عنه، وهذه ليست منها. وقد أخرجه أحمد (3 / 439، 340) من طريق ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل به وزاد " فرب مركوبة خير من راكبها، وأكثر ذكرا لله منه ". وهذه الزيادة ضعيفة لما عرفت من حال رواية زبان عن سهل، لاسيما وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف أيضا، ولا تغتر بقول الهيثمي (8 / 107) عقب هذه الرواية بهذه الزيادة: " رواه أحمد والطبراني وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سهل بن معاذ ابن أنس وثقه ابن حبان وفيه ضعف ". فإن السند الذي ينطبق عليه هذا الكلام إنما هو سند الرواية الأولى التي ليس فيها هذه الزيادة، فتنبه.

22

22 - " إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر، فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس، وجعل لكم الأرض فعليها فاقضوا حاجاتكم ". رواه أبو داود (رقم 2567) وعنه البيهقي (5 / 255) وأبو القاسم السمرقندي في " المجلس 128 من الأمالي " وعنه ابن عساكر (19 / 85 / 1) من طريقين عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن أبي مريم عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح، يحيى بن أبي عمرو السيباني - بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة، وهو ثقة، ووقع في ترجمة أبي مريم من " التهذيب " " الشيباني " بالشين المعجمة وهو تصحيف. وأبو مريم قال العجلي في " الثقات " (ص 94 من ترتيب السبكي) :

23

" أبو مريم مولى أبي هريرة شامي تابعي ثقة ". واعتمده الحافظ فقال في " التقريب ": " ثقة ". ومنه تعلم أن قول ابن القطان المذكور في " فيض القدير ": " ليس مثل هذا الحديث يصح لأن فيه أبا مريم مولى أبي هريرة ولا يعرف له حال، ثم قيل: هو رجل واحد، وقيل: رجلان، وكيفما كان فحاله أو حالهما مجهول فمثله لا يصح ". فمردود بتوثيق العجلي له، وقد روى عنه جماعة كما في " التهذيب " وبقول أحمد: " رأيت أهل حمص يحسنون الثناء عليه " وفي رواية عنه: " هو صالح معروف عندنا، قيل له: هذا الذي يروي عن أبي هريرة؟ قال: نعم ". ذكره ابن عساكر. (تنبيه) : وقع في نسخة " سنن أبي داود " التي قام على تصحيحها الشيخ محمد محي الدين عبد الحميد (ابن أبي مريم) والصواب (أبي مريم) كما ذكرنا. 23 - " اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة، فاركبوها صالحة وكلوها صالحة ". رواه أبو داود (رقم 2448) من طريق محمد بن مهاجر عن ربيعة بن زيد عن أبي كبشة السلولي عن سهل بن الحنظلية قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه، فقال: " فذكره. قلت: وسنده صحيح كما قال النووي في " الرياض " وأقره المناوي.

24

وقد تابعه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني ربيعة بن يزيد به أتم منه ولفظه: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فمر ببعير مناخ على باب المسجد من أول النهار، ثم مر به آخر النهار وهو على حاله، فقال: أين صاحب هذا البعير؟ ! فابتغي فلم يوجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله في هذه البهائم، ثم اركبوها صحاحا، واركبوها سمانا) كالمتسخط آنفا ". رواه ابن حبان (844) وأحمد (4 / 180 - 181) وسنده صحيح على شرط البخاري. (تنبيه) : قوله (كلوها) قيدوها بضم الكاف من الأكل وعليه جرى المناوي في شرح هذه الكلمة، فإذا صحت الرواية بذلك فلا كلام، وإلا فالأقرب عندي أنها (كلوها) بكسر الكاف من وكل يكل كل أي اتركووها، هذا هو المتبادر من سياق الحديث. ويؤيده الحديث المتقدم (رقم 22) بلفظ " اركبوا هذه الدواب سالمة، وايتدعوها سالمة ... "، أي اتركوها سالمة والله أعلم. (المعجمة) : أي التي لا تقدر على النطق فتشكو ما أصابها من جوع أو عطش، وأصل الأعجم: الذي لا يفصح بالعربية ولا يجيد التكلم بها عجميا كان أو عربيا سمي به لعجمة لسانه، والتباس كلامه. 24 - " أفلا قبل هذا! أتريد أن تميتها موتتين؟! ". رواه الطبراني في " الكبير " (3 / 140 / 1) و " الأوسط " (1 / 31 / 1 من زوائده) والبيهقي (9 / 280) عن يوسف بن عدي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان الرازي عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة، وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، فقال: " فذكره.

25

وقال الطبراني: " لم يصله بهذا الإسناد إلا عبد الرحيم بن سليمان تفرد به يوسف ". قلت: وهما ثقتان من رجال البخاري وكذلك سائر الرواة فالحديث صحيح الإسناد، وقال الهيثمي (5 / 33) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح ". وفي نفي الطبراني المذكور نظر بين، فقد أخرجه الحاكم (4 / 231 و 233) من طريق عبد الرحمن بن المبارك حدثنا حماد بن زيد عن عاصم به ولفظه: (أتريد أن تميتها موتات؟ ! هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها؟) وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري " ووافقه الذهبي. وقال في الموضع الآخر " على شرط الشيخين ". 25 - " من فجع هذه بولدها؟! ردوا ولدها إليها ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 382) وأبو داود (رقم 2675) والحاكم (4 / 239) عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجة، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " فذكره. والسياق لأبي داود وزاد: " ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ".

26

وسنده صحيح، وقال الحاكم " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وسيأتي بزيادة في التخريج، وشاهد لبعضه (481 - 482) . (الحمرة) : بضم الحاء وفتح الميم المشددة: طائر صغير كالعصفور أحمر اللون. (تفرش) : بحذف إحدى التاءين كـ (تذكر) أي ترفرف بجناحيها وتقترب من الأرض. 26 - " والشاة إن رحمتها رحمك الله ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 373) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 60) وفي " الأوسط " (ج 1 / 121 / 1 من زوائده) وكذا أحمد (3 / 436، 5 / 34) والحاكم (3 / 586) وابن عدي في الكامل (ق 259 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 302 و 6 / 343) وابن عساكر (6 / 257 / 1) من طرق عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: " قال رجل: يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها، قال ... " فذكره وزاد البخاري " مرتين ". وسنده صحيح. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 33) : " رواه أحمد والبزار والطبراني في " الكبير " و " الصغير "، وله ألفاظ كثيرة ورجاله ثقات ". 27 - " من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 371) وتمام في " الفوائد " (ق 194 / 1) عن القاسم بن عبد الرحمن عن

28

أبي أمامة مرفوعا. قلت: وسنده حسن، وقال الهيثمي (4 / 33) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات ". ورواه الضياء المقدسي في " المختارة " كما في " الجامع الصغير " للسيوطي. 28 - " عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ". رواه البخاري في " صحيحه " (2 / 78 طبع أوربا) وفي " الأدب المفرد " (رقم 379) ومسلم (7 / 43) من حديث نافع عن عبد الله بن عمر مرفوعا. ومسلم وأحمد (2 / 507) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. (خشاش الأرض) هي الحشرات والهوام. 29 - " بينما رجل يمشي بطريق، إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب وخرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه، ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له، فغفر له، فقالوا: يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر ". رواه مالك في " الموطأ " (ص 929 - 930) وعنه البخاري في " صحيحه " (2 / 77 - 78، 103، 4 / 117 طبع أوربا) ، وفي " الأدب المفرد " (رقم 378)

30

ومسلم (7 / 44) وأبو داود (رقم 2550) وأحمد (2 / 375، 517) كلهم عن مالك عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة مرفوعا. ورواه أحمد (2 / 521) من طريق أخرى عن أبي صالح به مختصرا. 30 - " بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت موقها، فاستقت له به فسقته إياه، فغفر لها به ". رواه البخاري (2 / 376 طبع أوربا) ومسلم (7 / 45) وأحمد (2 / 507) من حديث محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا. وتابعه أنس بن سيرين عن أبي هريرة نحوه. ورواه أحمد (2 / 510) وسنده صحيح أيضا. (الركية) : بئر لم تطو أو طويت. ومن الآثار في الرفق بالحيوان: أ - عن المسيب بن دار قال: رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمالا، وقال: لم تحمل على بعيرك مالا يطيق؟ ! رواه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 127) وسنده صحيح إلى المسيب ابن دار، ولكني لم أعرف المسيب هذا. ثم تبين لي أن الصواب في اسم أبيه (دارم) ، هكذا ورد في سند هذا الأثر عند أبي الحسن الأخميمي في " حديثه " (ق 62 / 2) ، وهكذا أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 294) وقال:

" مات سنة ست وثمانين " ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 227) وكناه بأبي صالح. ب - عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب: أن رجلا حد شفرة وأخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر بالدرة وقال أتعذب الروح؟! ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها؟ ! رواه البيهقي (9 / 280 - 281) . ج - عن محمد بن سيرين: أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يجر شاة ليذبحها فضربه بالدرة وقال: سقها - لا أم لك - إلى الموت سوقا جميلا. رواه البيهقي أيضا. د - عن وهب بن كيسان: أن ابن عمر رأى راعي غنم في مكان قبيح، وقد رأى ابن عمر مكانا أمثل منه، فقال ابن عمر: ويحك يا راعي حولها، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " كل راع مسؤول عن رعيته ". رواه أحمد (رقم 5869) وسنده حسن. هـ - عن معاوية بن قرة قال: كان لأبي الدرداء جمل يقال له: (دمون) ، فكان إذا استعاروه منه قال: لا تحملوا عليه إلا كذا وكذا، فإنه لا يطيق أكثر من ذلك، فلما حضرته الوفاة قال: يا

دمون لا تخاصمني غدا عند ربي، فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق. رواه أبو الحسن الأخميمي في " حديثه " (63 / 1) . وعن أبي عثمان الثقفي قال: كان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يعمل على بغل له يأتيه بدرهم كل يوم فجاء يوما بدرهم ونصف، فقال: أما بدا لك؟ قال: نفقت السوق، قال: لا ولكنك أتعبت البغل! أجمه ثلاثة أيام. رواه أحمد في " الزهد " (19 / 59 / 1) بسند صحيح إلى أبي عثمان، وأما هذا فلم أجد له ترجمة. تلك هي بعض الآثار التي وقفت عليها حتى الآن، وهي تدل على مبلغ تأثر المسلمين الأولين بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالحيوان، وهي في الحقيقة قل من جل ونقطة من بحر، وفي ذلك بيان واضح أن الإسلام هو الذى وضع للناس مبدأ (الرفق بالحيوان) ، خلافا لما يظنه بعض الجهال بالإسلام أنه من وضع الكفار الأوربيين، بل ذلك من الآداب التي تلقوها عن المسلمين الأولين، ثم توسعوا فيها، ونظموها تنظيما دقيقا، وتبنتها دولهم حتى صار الرفق بالحيوان من مزاياهم اليوم، حتى توهم الجهال أنه من خصوصياتهم! وغرهم في ذلك أنه لا يكاد يرى هذا النظام مطبقا في دولة من دول الإسلام، وكانوا هم أحق بها وأهلها! ولقد بلغ الرفق بالحيوان في بعض البلاد الأوربية درجة لا تخلو من المغالاة، ومن الأمثلة على ذلك ما قرأته في " مجلة الهلال " (مجلد 27 ج 9 ص 126) تحت عنوان: " الحيوان والإنسان ": " إن محطة السكك الحديدية في كوبنهاجن كان يتعشعش فيها الخفاش زهاء نصف قرن، فلما تقرر هدمها وإعادة بنائها أنشأت البلدية برجا كلفته عشرات الألوف

31

من الجنيهات، منعا من تشرد الخفاش ". وحدث منذ ثلاث سنوات أن سقط كلب صغير في شق صغير بين صخرتين في إحدى قرى إنكلترا، فجند له أولو الأمر مائة من رجال المطافئ لقطع الصخور وإنقاذ الكلب! وثار الرأي العام في بعض البلاد أخيرا عندما اتخذ الحيوان وسيلة لدراسة الظواهر الطبيعية، حين أرسلت روسيا كلبا في صاروخها، وأرسلت أمريكا قردا. 31 - " أقيموا صفوفكم وتراصوا، فإني أراكم من وراء ظهري ". رواه البخاري (2 / 176 بشرح " الفتح " طبع بولاق) وأحمد (3 / 182، 263) والمخلص في " الفوائد " (ج 1 / 10 / 2) من طرق عن حميد الطويل، حدثنا أنس بن

32

مالك قال: " أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: ". فذكره. زاد البخاري في رواية: " قبل أن يكبر " وزاد أيضا فى آخره: " وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه. وقدمه بقدمه ". وهي عند المخلص بلفظ: قال أنس: " فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه ". فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدكم كأنه بغل شموس. وسنده صحيح أيضا على شرط الشيخين وعزاها الحافظ لسعيد بن منصور والإسماعيلي وترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: " باب إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم في الصف ". وأما حديث النعمان فهو: " أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم ". 32 - " أقيموا صفوفكم ثلاثا، والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم ". أخرجه أبو داود (رقم 662) ، وابن حبان (396) ، وأحمد (4 / 276) ، والدولابي في " الكنى " (2 / 86) عن أبي القاسم الجدلي حسين بن الحارث، قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: " أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال: ... " فذكره،

قال: " فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه ". قلت: وسنده صحيح، وعلقه البخاري مجزوما به، ووصله ابن خزيمة أيضا في " صحيحه " كما في " الترغيب " (1 / 176) و " الفتح " (2 / 176) . ثم رواه الدولابي من طريق بقية بن الوليد، حدثنا حريز قال: سمعت غيلان المقرىء يحدث عن أبي قتيلة مرثد بن وداعة (قال: سمعت) النعمان بن بشير يقول: فذكره. وهذا سند لا بأس به في المتابعات، ورجاله ثقات غير غيلان المقرىء، ولعله غيلان بن أنس الكلبي مولاهم الدمشقي، فإن يكن هو، فهو مجهول الحال، روى عنه جماعة، وقال الحافظ: إنه مقبول. فقه الحديث: وفي هذين الحديثين فوائد هامة: الأولى: وجوب إقامة الصفوف وتسويتها والتراص فيها، للأمر بذلك، والأصل فيه الوجوب إلا لقرينة، كما هو مقرر في الأصول، والقرينة هنا تؤكد الوجوب وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " أو ليخالفن الله بين قلوبكم ". فإن مثل هذا التهديد لا يقال فيما ليس بواجب، كما لا يخفى. الثانية: أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب، وحافة القدم بالقدم، لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف

ولهذا قال الحافظ في " الفتح " بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث الأول من قول أنس: " وأفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف وتسويته ". ومن المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون، بل أضاعوها إلا القليل منهم، فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث، فإني رأيتهم في مكة سنة (1368) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة والسلام بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة - لا أستثني منهم حتى الحنابلة - فقد صارت هذه السنة عندهم نسيا منسيا، بل إنهم تتابعوا على هجرها والإعراض عنها، ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين بقدر أربع أصابع، فإن زاد كره، كما جاء مفصلا في " الفقه على المذاهب الأربعة " (1 / 207) ، والتقدير المذكور لا أصل له في السنة، وإنما هو مجرد رأي، ولو صح لوجب تقييده بالإمام والمنفرد حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة، كما تقتضيه القواعد الأصولية. وخلاصة القول: إنني أهيب بالمسلمين - وخاصة أئمة المساجد - الحريصين على اتباعه صلى الله عليه وسلم واكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن يعملوا بهذه السنة ويحرصوا عليها، ويدعوا الناس، إليها حتى يجتمعوا عليها جميعا. وبذلك ينجون من تهديد " أو ليخالفن الله بين قلوبكم ".

33

الثالثة: في الحديث الأول معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وهي رؤيته صلى الله عليه وسلم من ورائه، ولكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة في حالة كونه صلى الله عليه وسلم في الصلاة، إذ لم يرد في شيء من السنة، أنه كان يرى كذلك خارج الصلاة أيضا. والله أعلم. الرابعة: في الحديثين دليل واضح على أمر لا يعلمه كثير من الناس، وإن كان صار معروفا في علم النفس، وهو أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن، والعكس بالعكس، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة، لعلنا نتعرض لجمعها وتخريجها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالي. الخامسة: أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن " قد قامت الصلاة " بدعة، لمخالفتها للسنة الصحيحة كما يدل على ذلك هذان الحديثان، لاسيما الأول منهما، فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجبا ينبغي عليه القيام به، وهو أمر الناس بالتسوية مذكرا لهم بها، فإنه مسؤول عنهم: " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... ". 33 - " يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، وينسى الجذع أو الجدل في عينه معترضا ". رواه ابن صاعد في " زوائد " الزهد " لابن المبارك " (ق 165 / 1 من " الكواكب " 575) وابن حبان في " صحيحه (1848) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 99) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 51 / 1) من طرق عن محمد ابن حمير قال: حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث يزيد تفرد به محمد بن حمير عن جعفر ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، ولا علة فيه، فهو حديث صحيح،

34

ولا ينافيه قوله " غريب " لأن الغرابة قد تجامع الصحة كما هو مقرر في " مصطلح الحديث ". والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لأبي نعيم فقط! وقال المناوي: " قال العامري: حسن ". ورواه البخاري في " الأدب المفرد " (592) من طريق مسكين بن بكير الحذاء الحراني عن جعفر بن برقان به موقوفا على أبي هريرة. ومسكين هذا صدوق يخطىء، فرواية ابن حمير المرفوعة أرجح، لأنه لم يوصف بالخطأ وكلاهما من رجال البخاري. 34 - " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا ". روي من حديث ابن مسعود، وثوبان، وابن عمر، وطاووس مرسلا، وكلها ضعيفة الأسانيد، ولكن بعضها يشد بعضا. أما حديث ابن مسعود، فأخرجه الطبراني في " الكبير " (2 / 78 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 108) من طريق الحسن بن علي الفسوي أنبأنا سعيد ابن سليمان أنبأنا مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن الأعمش عن أبي وائل عن

عبد الله مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث الأعمش، تفرد به عنه مسهر ". قلت: وهو ضعيف، قال البخاري: " فيه بعض النظر " كذا رواه عنه ابن عدي (343 / 1) وكذلك هو في " التهذيب " وفي " الميزان ": " قال البخاري: فيه نظر " بإسقاط لفظة " بعض " ولعله سهو من الذهبي أو الناسخ. وقال النسائي " ليس بالقوي ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "! وقال الحافظ في " التقريب " " لين الحديث ". وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير الفسوي هذا، ترجمه الخطيب (7 / 372) وروى عن الدارقطني أنه قال: " لا بأس به ". وسعيد بن سليمان هو الضبي الواسطي، ثقة حافظ من رجال الشيخين. ومن هذا البيان تعلم خطأ قول الهيثمي (7 / 202) . " رواه الطبراني وفيه مسهر بن عبد الملك وثقه ابن حبان وغيره، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح ". فإن الفسوي هذا ليس من رجال الصحيح بل ولا من رجال سائر الستة!

وقال الحافظ العراقي في " تخريج الأحياء " (1 / 50 طبع الثقافة الإسلامية) : " رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن ". وله عن ابن مسعود طريق آخر، رواه اللالكائي في " شرح أصول السنة " (239 / 1 من " الكواكب " 576) وابن عساكر (14 / 155 / 2) عن النضر أبي قحذم عن أبي قلابة عن ابن مسعود مرفوعا. وهذا سند ضعيف وفيه علتان: الأولى: الانقطاع بين أبي قلابة - واسمه عبد الله بن زيد الجرمي - وابن مسعود، فإن بين وفاتيهما نحو (75) سنة، وقد ذكروا أنه لم يسمع من جماعة من الصحابة منهم علي بن أبي طالب، وقد مات بعد ابن مسعود بثمان سنين. الثانية: النضر أبو قحذم وهو ابن معبد، ضعيف جدا، قال ابن معين: " ليس بشيء "، وقال أبو حاتم: " يكتب حديثه "، وقال النسائي: " ليس بثقة ". وأما حديث ثوبان فأخرجه أبو طاهر الزيادي في " ثلاثة مجالس من الأمالي " (191 / 2) الطبراني في " الكبير " (1 / 71 / 2) عن يزيد بن ربيعة قال: سمعت أبا الأشعث الصنعاني يحدث عن ثوبان به مرفوعا. قلت. وهذا سند ضعيف جدا، يزيد بن ربيعة هو الرحبي الدمشقي وهو متروك، كما قال النسائي والعقيلي

والدارقطني، وقال أبو حاتم. " كان في بدء أمره مستويا، ثم اختلط قبل موته، قيل له فما تقول فيه؟ فقال: ليس بشيء، وأنكر أحاديثه عن أبي الأشعث ". وقال الجوزجاني: " أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة ". وأما ابن عدي فقال: " أرجو أنه لا بأس به "! وأما حديث ابن عمر، فأخرجه ابن عدي (295 / 1) وعنه السهمي في " تاريخ جرجان " (315) من طريق محمد بن فضل عن كرز بن وبرة عن عطاء عنه مرفوعا به دون ذكر النجوم. وقال ابن عدي: " محمد بن فضل عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه ". قلت: وهو ابن عطية، قال الفلاس: كذاب. وضعفه البخاري جدا فقال: " سكتوا عنه ". وكرز بن وبرة، ترجم له السهمي ترجمة طويلة (295 - 316) وساق له أحاديث كثيرة من روايته عن عبد الله بن عمر، والربيع بن خيثم، وطاووس، ونعيم ابن أبي هند، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وأبي أيوب، وقال: " إنه كان معروفا بالزهد والعبادة ".

ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. طريق ثان عن ابن عمر: أخرجه السهمي (254 - 255) من طريق محمد بن عمر الرومي حدثنا الفرات بن السائب حدثنا ميمون بن مهران عنه مرفوعا بتمامه. وهذا سند ضعيف جدا، الفرات هذا قال الدارقطني وغيره: " متروك ". وقال البخاري: " منكر الحديث ". وقال أحمد: " قريب من محمد بن زياد الطحان في ميمون، يتهم بما يتهم به ذاك ". وقال ابن عدي (314 / 2) : " وعامة أحاديثه خاصة عن ميمون بن مهران مناكير ". ومحمد بن عمر الرومي لين الحديث. كما في " التقريب ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني عن ابن مسعود، وابن عدي عنه وعن ثوبان، وابن عدي عن عمر. وقال المناوي في شرحه: " قال الحافظ العراقي: سنده ضعيف، وقال الهيثمي: فيه يزيد بن ربيعة ضعيف. وقال ابن رجب، روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال. وبه يعرف ما في رمز المؤلف لحسنه تبعا لابن صرصري، ولعله اعتضد ". قلت: قد عرفت أن طرقه كلها ما عدا الأول ضعيفة جدا، فلا يتقوى الحديث بها كما تقرر في علم أصول الحديث. والله أعلم. ثم إن السيوطي عزاه لابن عدي عن عمر، ولم أره عنده عن عمر، بل عن ابنه

35

عبد الله بن عمر، فلعله سقط من قلم السيوطي أو بعض النساخ كلمة (ابن) والله أعلم. ثم وجدت للحديث شاهدا مرسلا، أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " (2 / 39 / 1) حدثنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه مرفوعا به. قلت: وهذا سند صحيح لولا إرساله، ولكنه مع ذلك شاهد قوي لما قبله من الشواهد والطرق، وخاصة الطريق الأول، فيقوى الحديث به. والله أعلم. 35 - " إن الله استقبل بي الشام، وولى ظهري اليمن، ثم قال لي: يا محمد إني قد جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقا، وما خلف ظهرك مددا، ولا يزال الله يزيد أو قال يعز الإسلام وأهله، وينقص الشرك وأهله، حتى يسير الراكب بين كذا - يعني البحرين - لا يخشى إلا جورا، وليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل ". رواه أبو نعيم (6 / 107 - 108) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 377 - 378 ط) عن ضمرة عن السيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة مرفوعا. وقال: " غريب من حديث السيباني تفرد به ضمرة بن ربيعة ". قلت: وهو ثقة وكذا السيباني وهو بفتح المهملة ووقع في " الحلية " و" التاريخ " في مواطن عدة (الشيباني) بالمعجمة وهو تصحيف، واسمه يحيى ابن أبي عمرو. وأما الحضرمي هذا فوثقه العجلي وابن حبان، لكن قال الذهبي: " ما علمت روى عنه سوى يحيى ". قلت: ولشطره الثاني شواهد تقدم أحدها في المقال الأول (رقم 3) . وقد تابعه عبد الله بن هانىء عند ابن عساكر، ولم أعرفه. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 141 / 1) للطبراني في " الكبير " أيضا وابن عساكر.

36

36 - " الأذنان من الرأس ". حديث صحيح له طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم أبو أمامة، وأبو هريرة، وابن عمرو، وابن عباس، وعائشة، وأبو موسى، وأنس، وسمرة بن جندب، وعبد الله بن زيد. 1 - أما حديث أبي أمامة، فله عنه ثلاثة طرق: الأول: عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعا. رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارقطني، والبيهقي، وكذا أحمد (5 / 285 / 268) والطحاوي كلهم عن حماد بن زيد عن سنان به. وهذا سند حسن لا بأس به في الشواهد، وفي سنان وشهر ضعف معروف

لكنهما غير متهمان، والحديث عندهم عن جماعة عن حماد به. وخالفهم سليمان ابن حرب، فرواه عنه به موقوفا. ورواية الجماعة أولى كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " (رقم 123) . وذكرت هناك من قواه من الأئمة والعلماء كالترمذي، فإنه حسنه في بعض نسخ كتابه، وكالمنذري وابن دقيق العيد وابن التركماني والزيلعي، وأشار إلى تقويته الإمام أحمد، فقال الأثرم في " سننه " (ق 213 / 1) بعد أن ساق الحديث: " سمعت أبا عبد الله يسأل: الأذنان من الرأس؟ قال: نعم ". الثاني: عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة به. أخرجه الدارقطني (ص 38 - 39) وقال: " جعفر بن الزبير متروك ". قلت: قد تابعه أبو معاذ الألهاني. أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " (246 / 1) من طريق عثمان بن فائد حدثنا أبو معاذ به. والألهاني هذا لم أجد من ذكره، وعثمان بن فائد ضعيف. الثالث: عن أبي بكر بن أبي مريم قال: سمعت راشد بن سعد عن أبي أمامة به. أخرجه الدارقطني وقال " أبو بكر بن أبي مريم ضعيف ". 2 - وأما حديث أبي هريرة، فله أربعة طرق: الأول: أخرجه الدارقطني (37) وأبو يعلى في " مسنده " (298 / 1) عن إسماعيل بن مسلم عن عطاء عنه مرفوعا. وقال: " لا يصح ". قلت: وعلته إسماعيل هذا وهو المكي ضعيف، وقد اختلف عليه في إسناده

كما سيأتي في حديث ابن عباس. الثاني: عن عمرو بن الحصين حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب عنه. رواه ابن ماجه (رقم 445) والدارقطني (ص 38) وقال: " عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان ". قلت: والأول أشد ضعفا. الثالث: عن البختري بن عبيد عن أبيه عنه. رواه الدارقطني وقال " البختري بن عبيد ضعيف وأبوه مجهول ". الرابع: عن علي بن عاصم عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن أبي هريرة. أخرجه الدارقطني (37) وعنه ابن الجوزي في " التحقيق " (1 / 29 / 1) وقال الدارقطني: " وهم علي بن عاصم في قوله: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والذي قبله أصح عن ابن جريج " قلت: يعني عن سليمان بن موسى مرسلا وسيأتي ص 51. وأجاب ابن الجوزي بما خلاصته: أن زيادة الثقة مقبولة. يعني أن علي بن عاصم زاد في السند أبا هريرة فهي زيادة مقبولة. لكن هذا لا يتمشى هنا، فإن ابن عاصم هذا صدوق يخطىء ويصر. 3 - وأما ابن عمر، فله عنه طرق أيضا: الأول: قال المخلص في " الفوائد المنتقاة " في " الثاني من السادس منها " (ق

190 / 1) : حدثنا يحيى (يعني ابن صاعد) قال: حدثنا الجراح بن مخلد قال: حدثنا يحيى بن العريان الهروي قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد عن نافع عنه. وبهذا السند رواه الدارقطني (36) وعنه ابن الجوزي، ورواه الخطيب في " الموضح " (1 / 111) عن ابن صاعد، وفي " التاريخ " (14 / 161) من طريقين آخرين عن الجراح بن مخلد به. وهذا سند حسن عندي، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير الهروي هذا فقد ترجمه الخطيب ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، غير أنه وصفه بأنه كان محدثا. وأما الدارقطني فقد أعله بقوله: " كذا قال، وهو وهم، والصواب عن أسامة بن زيد، عن هلال بن أسامة الفهري، عن ابن عمر موقوفا ". ورده ابن الجوزي بقوله: " قلنا: الذي يرفعه يذكر زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، والصحابي قد يروى الشيء مرفوعا، وقد يقوله على سبيل الفتوى ". قلت: هذا كلام صحيح لو كان رجال السند كلهم ثقات، وقد علمت ما فيه، على أن أسامة بن زيد فيه ضعف يسير، وقد اختلف عليه فيه، فرواه حاتم ابن إسماعيل عنه مرفوعا، كما رأيت. وخالفه وكيع فقال عنه به موقوفا على ابن عمر. أخرجه الخطيب في " الموضح " وقال: " وهو الصواب ". وتابعه في رفعه عبيد الله عن نافع. أخرجه الدارقطني وتمام في " الفوائد " (104 / 1) من طريق محمد بن أبي السري حدثنا عبد الرزاق عن عبيد الله به. وقال الدارقطني: " رفعه وهم ".

قلت: وعلته ابن أبي السري وهو متهم. وتابعه يحيى بن سعيد عن نافع به. أخرجه الدارقطني وابن عدي " في الكامل " (11 / 1) عن إسماعيل بن عياش عن يحيى به. وقال ابن عدي: " لا يحدث به عن يحيى غير ابن عياش ". قلت: وابن عياش ضعيف في الحجازيين وهذا منها. الطريق الثاني: عن محمد بن الفضل، عن زيد، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعا. رواه الدارقطني وقال: " محمد بن الفضل هو ابن عطية، متروك الحديث ". ثم رواه هو والدولابي في " الكنى " (2 / 137) ، من طرق عن ابن عمر موقوفا. 4 - وأما حديث ابن عباس، فله عنه طرق أيضا: الأول: عن أبي كامل الجحدري، أنبأنا غندر محمد بن جعفر، عن ابن جريج عن عطاء عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي (218 / 1 - 2) وأبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " (91 / 1) ، والدارقطني (36) وقال: " تفرد به أبو كامل عن غندر، وهو وهم، تابعه الربيع بن بدر، وهو متروك، عن ابن جريج، والصواب: عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ". وتعقبه ابن الجوزي في " التحقيق " (1 / 29 / 1) بقوله: " قلنا: أبو كامل لا نعلم أحدا طعن فيه، والرفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، كيف ووافقه غيره، فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها. ومن عادة المحدثين أنهم إذا رأوا من أوقف الحديث، ومن رفعه، وقفوا مع الواقف احتياطا وليس هذا مذهب

الفقهاء، ومن الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعا رواه له سليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسند ". قلت: والحق أن هذا الإسناد صحيح، لأن أبا كامل ثقة، حافظ، احتج به مسلم، فزيادته مقبولة، إلا أن ابن جريج مدلس وقد عنعنه. فإن كان سمعه من سليمان فلا محيد من القول بصحته، وقد صرح بالتحديث في رواية له من الوجه المرسل عند الدارقطني، لكن في الطريق إليه العباس بن يزيد وهو البحراني، وهو ثقة، ولكن ضعفه بعضهم، ووصف بأنه يخطىء، فلا تطمئن النفس لزيادته لاسيما والطريق كلها عن ابن جريج معنعنة، ثم رأيت الزيلعي نقل في " نصب الراية " (1 / 19) ، عن ابن القطان أنه قال: " إسناده صحيح لاتصاله وثقة رواته ". ثم رد على الدارقطني بنحو ما فعل ابن الجوزي، وتبعه عبد الحق على ذلك كما في " تنقيح التحقيق " لابن عبد الهادي (241 / 1) . ثم رأيت في ترجمة ابن جريج من " التهذيب " أنه قال: " إذا قلت: قال عطاء: فأنا سمعته منه، وإن لم أقل: سمعت "، فهذه فائدة هامة، ولكن ابن جريج لم يقل هنا: " قال عطاء "، وإنما قال: " عن عطاء ". فهل حكمهما واحد، أم يختلف؟ الظاهر عندي الأول. والله أعلم. وله طريق آخر عن عطاء رواه القاسم بن غصن عن إسماعيل بن مسلم عنه. رواه الخطيب في " التاريخ " (6 / 384) ، والدارقطني وقال: " إسماعيل بن مسلم ضعيف، والقاسم بن غصن مثله، خالفه علي بن هاشم فرواه عن إسماعيل بن مسلم المكي، عن عطاء، عن أبي هريرة، ولا يصح أيضا ". وتابعه جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس.

أخرجه المخلص في " الثاني من السادس من الفوائد المنتقاة " (190 / 1) ، والدارقطني، وقال: " جابر ضعيف وقد اختلف عنه، فأرسله الحكم بن عبد الله أبو مطيع عن إبراهيم بن طهمان، عن جابر عن عطاء، وهو أشبه بالصواب ". الثاني: عن محمد بن زياد اليشكري حدثنا ميمون بن مهران عنه. رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 379) ، والدارقطني، وقال: " محمد بن زياد متروك الحديث "، ورواه يوسف بن مهران عن ابن عباس موقوفا. ثم ساقه من طريق علي بن زيد عنه. وابن زيد فيه ضعف. الثالث: عن قارظ بن شيبة، عن أبي غطفان عنه. رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 98 / 1) : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل، حدثني أبي أنبأنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة به. قلت: وهذا سند صحيح ورجاله كلهم ثقات، ولا أعلم له علة،

ومن الغرائب أن هذه الطريق مع صحتها أغفلها كل من خرج الحديث من المتأخرين كالزيلعي، وابن حجر، وغيرهما ممن ليس مختصا في التخريج، بل أغفله أيضا الحافظ الهيثمي فلم يورده في " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه! وهذا كله مصداق قول القائل: " كم ترك الأول للآخر ". وهو دليل واضح على أهمية الرجوع إلى الأمهات عند إرادة التحقيق في حديث ما، فإنه سيجد فيها ما يجعل بحثه أقرب ما يكون نضجا وصوابا. والله تعالى هو الموفق. وإذا عرفت هذا فلا تغتر بقول الحافظ ابن حجر في " الدراية " (ص 7) في حديث ابن عباس هذا: " أخرجه الدارقطني واختلف في وصله وإرساله والراجح إرساله ". فإنه يعني الطريق الأولى، وقد عرفت أن الصواب وصله، وأنه صحيح لولا عنعنة ابن جريج، على أنه قد عرفت الجواب عنها. 5 - وأما حديث عائشة، فأخرجه الدارقطني (ص 37) عن محمد بن الأزهر الجوزجاني أنبأنا الفضل بن موسى السيناني، عن ابن جريج، عن سليمان بن موسى، عن الزهري عن عروة عنها. وقال: " كذا قال، والمرسل أصح ". يعني ابن جريج عن سليمان مرسلا كما تقدم في الطريق الأولى عن ابن عباس، ومحمد بن الأزهر قال الحافظ في " التلخيص " (33) : " كذبه أحمد ".

6 - وأما حديث أبي موسى، فأخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 4 / 1 من زوائده) ، وابن عدي (23 / 1) ، والدارقطني (38) من طرق عن أشعث عن الحسن عنه. وقال الطبراني: " لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد ". وكذا رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 9) عن أشعث به وقال: " لا يتابع عليه، والأسانيد في هذا الباب لينة ". وقال الدارقطني: " الصواب موقوف، والحسن لم يسمع من أبي موسى ". 7 - وأما حديث أنس، فأخرجه ابن عدي (24 / 1) وأبو الحسن الحمامي في " الفوائد المنتقاة " (9 / 1 / 2) ، والدارقطني (39) من طرق عن عبد الحكم عنه. وقال الدارقطني: " عبد الحكم لا يحتج به ". 8 - وأما حديث سمرة بن جندب، فرواه تمام الرازي في " مسند المقلين من الأمراء والسلاطين " (رقم 3 - نسختي) ، وعنه ابن عساكر في " تاريخه " (14 / 387 / 1) : حدثني أبو علي محمد بن هارون بن شعيب، حدثنا محمد بن عثمان ابن أبي سويد البصري، حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام عن سعيد بن أبي عروبة قال: كنت عند منبر الحجاج بن يوسف فسمعته يقول: حدثني سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

وأبو علي هذا هو الأنصاري وهو ضعيف جدا، ولكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه تمام (رقم 4) من طريق أخرى عن أحمد بن سعيد الطبري، حدثنا هدبة ابن خالد به وهدبة ومن فوقه ثقات غير الحجاج وهو الأمير المشهور بالظلم. 9 - وأما حديث عبد الله بن زيد، فأخرجه بن ماجة (رقم 443) : حدثنا سويد ابن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن شعبة عن حبيب ابن زيد، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن زيد مرفوعا. قال الزيلعي (1 / 19) : " وهذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رجاله، فابن أبي زائدة وشعبة وعباد احتج بهم الشيخان، وحبيب ذكره ابن حبان في " الثقات " في أتباع التابعين، وسويد بن سعيد احتج به مسلم ". وتعقبه الحافظ في " الدراية " (ص 7) بأن سويدا هذا قد اختلط. وقال في " التقريب ": " صدوق في نفسه إلا أنه عمي، فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول ". ولهذا قال البوصيري في " الزوائد " (ق 33 / 2) : " هذا إسناد حسن إذا كان سويد بن سعيد حفظه ". أقول: ولكن ذلك لا يمنع أن يكون حسنا لغيره ما دام أن الرجال كلهم ثقات ليس فيهم متهم. وإذا ضم إليه طريق ابن عباس الصحيح وطريقه الآخر الذي صححه ابن القطان، وابن الجوزي، والزيلعي وغيرهم، فلا شك حينئذ في ثبوت الحديث وصحته، وإذا ضم إلى ذلك الطريق الأخرى عن الصحابة الآخرين، ازداد قوة، بل إنه ليرتقي إلى درجة المتواتر عند بعض العلماء.

فقه الحديث: وإذ قد صح الحديث، فهو يدل على مسألتين من مسائل الفقه، اختلفت أنظار العلماء فيها. أما المسألة الأولى فهي: أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة؟ ذهب إلي الأول الحنابلة. وحجتهم هذا الحديث، فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس، وما ذلك إلا لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه. وذهب الجمهور إلي أن مسحهما سنة فقط، كما في الفقه على المذاهب الأربعة (1 / 56) . ولم نجد لهم حجة يجوز التمسك بها في مخالفة هذا الحديث إلا قول النووي في " المجموع " (1 / 415) إنه ضعيف من جميع طرقه! وإذا علمت أن الأمر ليس كذلك، وأن بعض طرقه صحيح لم يطلع عليه النووي. والبعض الآخر صحيح لغيره، استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة ووجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين وأنهما في ذلك كالرأس، وحسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل، وسلفه في ذلك جماعة من الصحابة، تقدم تسمية بعضهم في أثناء تخريج الحديث، وقد عزاه النووي (1 / 413) إلى الأكثرين من السلف. وأما المسألة الأخرى فهي: هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس، أم لابد لذلك من جديد؟ ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة كما في " فيض القدير " للمناوي فقال في شرح الحديث: " (الأذنان من الرأس) لا من الوجه ولا مستقلتان، يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء، بل يجزىء مسحهما ببلل ماء الرأس، وإلا لكان بيانا للخلقة فقط، والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك، وبه قال الأئمة الثلاثة ".

وخالف في ذلك الشافعية، فذهبوا إلى أنه يسن تجديد الماء للأذنين ومسحهما على الانفراد، ولا يجب، واحتج النووي لهم بحديث عبد الله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه. قال النووي في " المجموع " (1 / 412) : " حديث حسن، رواه البيهقي، وقال: إسناده صحيح ". وقال في مكان آخر (1 / 414) : " وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريبا، فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس، إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس، وهو صريح في أخذ ماء جديد ". قلت: ولا حجة فيه على ما قالوا، إذ غاية ما فيه مشروعية أخذ الماء لهما، وهذا لا ينافي جواز الاكتفاء بماء الرأس، كما دل عليه هذا الحديث، فاتفقا ولم يتعارضا، ويؤيد ما ذكرت أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم: " أنه مسح برأسه من فضل ماء كان في يده ". رواه أبو داود في " سننه " بسند حسن كما بينته في " صحيح سننه " (رقم 121) وله شاهد من حديث ابن عباس في " المستدرك " (1 / 147) بسند حسن أيضا، ورواه غيره. فانظر " تلخيص الحبير " (ص 33) . وهذا كله يقال على فرض التسليم بصحة حديث عبد الله بن زيد، ولكنه غير ثابت، بل هو شاذ كما ذكرت في " صحيح سنن أبي داود " (رقم 111) وبينته في

37

" سلسلة الأحاديث الضعيفة " تحت رقم (997) . وجملة القول، فإن أسعد الناس بهذا الحديث من بين الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين، فقد أخذ بما دل عليه الحديث في المسألتين، ولم يأخذ به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره. 37 - " غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء ". رواه مسلم (6 / 105) وأحمد (3 / 355) من طريق القعقاع بن حكيم عن جابر بن عبد الله مرفوعا. (أوكوا) أي شدوا رءوسها بالوكاء وهو الخيط الذي تشد به القربة ونحوها. وفي رواية لمسلم وغيره: (غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحل سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل، فإن الفويسقة (يعني الفأرة) تضرم على أهل البيت بيتهم) . وللحديث طرق وألفاظ أخرى، وقد سقتها في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " رقم (38) وسيطبع قريبا إن شاء الله تعالى.

38

38 - " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه (كله) ثم لينتزعه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى شفاء ". ورد من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك. 1 - أما حديث أبي هريرة فله عنه طرق: الأول: عن عبيد بن حنين قال: سمعت أبا هريرة يقول، فذكره. أخرجه البخاري (2 / 329 و 4 / 71 - 72) ، والدارمي (2 / 99) ، وابن ماجه (3505) ، وأحمد (2 / 398) ، وما بين المربعين زيادة له، وهي للبخاري في رواية له. الثاني: عن سعيد بن أبي سعيد عنه. رواه أبو داود (3844) من طريق أحمد، وهذا في " المسند " (3 / 229، 246) والحسن بن عرفة في " جزئه " (ق 91 / 1) من طريق محمد بن عجلان عنه به وزاد: " وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء، فليغمسه كله ". وإسناده حسن. وقد تابعه إبراهيم بن الفضل عن سعيد به. أخرجه أحمد (2 / 443) ، وإبراهيم هذا هو المخزومي المدني وهو ضعيف. الثالث: عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عنه به. أخرجه الدارمي وأحمد (2 / 263، 355، 388) ، وسنده صحيح على شرط مسلم.

39

الرابع: عن محمد بن سيرين عنه به. رواه أحمد (2 / 355، 388) ، وسنده صحيح أيضا. الخامس: عن أبي صالح عنه. رواه أحمد (2 / 340) ، والفاكهي في " حديثه " (2 / 50 / 2) ، بسند حسن. 2 - وأما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه: " إن أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام، فاملقوه، فإنه يقدم السم، ويؤخر الشفاء ". 39 - " إن أحد جناحي الذباب سم والآخر شفاء، فإذا وقع في الطعام فامقلوه، فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء ". رواه أحمد (3 / 67) : حدثنا يزيد قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد بن خالد قال: دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد وكتلة، فأسقط ذباب في الطعام، فجعل أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه، فقلت: يا خال! ما تصنع؟ فقال: إن أبا سعيد الخدري حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ورواه ابن ماجه (3504) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعا دون القصة. ورواه الطيالسي في " مسنده " (2188) : حدثنا ابن أبي ذئب به، وعنه رواه النسائي (2 / 193) ، وأبو يعلى في " مسنده " (ق 65 / 2) وابن حبان في " الثقات " (2 / 102) . قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد وهو القارظي وهو صدوق كما قال الذهبي والعسقلاني.

3 - وأما حديث أنس: فرواه البزار ورجاله رجال الصحيح. رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " (5 / 38) ، وابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير ". قال الحافظ: وإسناده صحيح، كما في " نيل الأوطار " (1 / 55) . أما بعد، فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة، عن هؤلاء الصحابة الثلاثة أبي هريرة وأبي سعيد وأنس، ثبوتا لا مجال لرده ولا للتشكيك فيه، كما ثبت صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين، ومن تبعه من الزائغين، حيث طعنوا فيه رضي الله عنه لروايته إياه، واتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاشاه من ذلك، فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك وأن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه، لأنهم رموا صحابيا بالبهت، وردوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة! وقد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت، وليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد أبي هريرة بالحديث، وهو حجة ولو تفرد، أم جهلوا ذلك، فإن كان الأول فلماذا يتعللون برواية أبي هريرة إياه، ويوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب الكرام؟ ! وإن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص والعلم بالحديث الشريف؟

وما أحسن ما قيل: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء وهو أن الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم، فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك الجراثيم، والحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك، بل هو يؤيدهم إذ يخبر أن في أحد جناحيه داء، ولكنه يزيد عليهم فيقول: " وفي الآخر شفاء " فهذا مما لم يحيطوا بعلمه، فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين، وإلا فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه. نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة، وقد اختلفت آراء الأطباء حوله، وقرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه تأييدا أو ردا، ونحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث وأن النبي صلى الله عليه وسلم (ما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) ، لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث من وجهة نظر الطب، لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي ومع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح، ولذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال: " يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض المختلفة، فينقل بعضها بأطرافه، ويأكل بعضا، فيتكون في جسمه من ذلك مادة سامة

يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا "، وهي تقتل كثيرا من جراثيم الأمراض، ولا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا. وأن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب، هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته، وعلى هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام وألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب، فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم وأول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد جناحيه، فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه، وغمس الذباب كله وطرحه كاف لقتل الجراثيم التي كانت عالقة، وكاف في إبطال عملها ". وقد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد السيوطي (مجلد العام الأول) وقرأت كلمة في مجلد العام الفائت (ص 503) كلمة للطبيبين محمود كمال ومحمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر. ثم وقفت على العدد (82) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان: " أنت تسأل، ونحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير، جوابا له على سؤال عما لهذا الحديث من الصحة والضعف؟ فقال: " أما حديث الذباب، وما في جناحيه من داء وشفاء، فحديث ضعيف، بل هو عقلا حديث مفترى، فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم والأقذار ... ولم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء وفي الآخر شفاء، إلا من وضع هذا الحديث أو افتراه، ولو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته ". وفي الكلام على اختصاره من الدس والجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف القول!

فأقول: أولا: لقد زعم أن الحديث ضعيف، يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل قوله: " بل هو عقلا حديث مفترى ". وهذا الزعم واضح البطلان، تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها صحيحة. وحسبك دليلا على ذلك أن أحدا من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء! ثانيا: لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا. وهذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه، لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به، ألست تراه يقول: " ولم يقل أحد ... ، ولو صح لكشف عنه العلم الحديث ... ". فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما، أم أن أهله الذين لم يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون: إننا كلما ازددنا علما بما في الكون وأسراره، ازددنا معرفة بجهلنا! وأن الأمر بحق كما قال الله تبارك وتعالى: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) . وأما قوله: " إن العلم يقطع بمضار الذباب ويحض على مكافحته "! فمغالطة مكشوفة، لأننا نقول: إن الحديث لم يقل نقيض هذا، وإنما تحدث عن قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها، فإذا قال الحديث: " إذا وقع الذباب.. " فلا أحد يفهم، لا من العرب ولا من العجم، اللهم إلا العجم في عقولهم وإفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب ولا يكافحه؟ ثالثا: قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم، من أن الذباب يحمل في جوفه ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم. وهذا وإن لم يكن موافقا لما في

الحديث على وجه التفصيل، فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار إليه وأمثاله من اجتماع الداء والدواء في الذباب، ولا يبعد أن يأتي يوم تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها علميا، (ولتعلمن نبأه، بعد حين) . وإن من عجيب أمر هذا الكاتب وتناقضه، أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف هذا الحديث، ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات: إحداهن بالتراب " فقال: " حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين على صحته، فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم، فكيف جاز له تضعيف هذا وتصحيح ذاك؟ ! ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح عنده في معناه، لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة، وأن المقصود من التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر! وهذا تأويل باطل، بين البطلان وإن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه. فلا أدري أي خطأيه أعظم، أهو تضعيفه للحديث الأول وهو صحيح، أم تأويله للحديث الآخر وهو تأويل باطل! . وبهذه المناسبة، فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في بعض المجلات السائرة، أو الكتب الذائعة، من البحوث الإسلامية، وخصوصا ما كان منها في علم الحديث، إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا، ثم بعلمه واختصاصه فيه ثانيا، فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر، وخصوصا

40

من يحمل منهم لقب " الدكتور "! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم، وما لا علم لهم به، وإني لأعرف واحدا من هؤلاء، أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في الحديث والسيرة، وزعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث والأخبار في كتب السنة والسيرة! ثم هو أورد فيه من الروايات والأحاديث ما تفرد به الضعفاء والمتروكون والمتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي وغيره، بل أورد فيه حديث: " نحن نحكم بالظاهر، والله يتولى السرائر "، وجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ، كما نبه عليه حفاظ الحديث كالسخاوي وغيره، فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء. والله المستع 40 - " إذا كان جنح الليل، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهبت ساعة من العشاء فخلوهم ". أخرجه البخاري (2 / 322، 4 / 36 - 37) ، ومسلم (6 / 106) ، وأبو داود (3733) من طريق عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله مرفوعا. ورواه أحمد (3 / 388) بنحوه وزاد: " فإن للجن انتشارا وخطفة " وسنده صحيح. (جنح الليل) أي: إذا أقبل ظلامه، قال الطيبي: " جنح الليل ": طائفة منه، وأراد به هنا الطائفة الأولى منه، عند امتداد فحمة العشاء.

41

41 - " يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة ". رواه أبو داود في " صلاة السفر " رقم (1203) ، والنسائي في " الأذان " (1 / 108) وابن حبان (260) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد مصري صحيح، رجاله كلهم ثقات، وأبو عشانة اسمه حي بن يؤمن وهو ثقة. (الشظية) : قطعة من رأس الجبل مرتفعة. وفي الحديث من الفقه استحباب الأذان لمن يصلي وحده، وبذلك ترجم له النسائي، وقد جاء الأمر به وبالإقامة أيضا في بعض طرق حديث المسيء صلاته، فلا ينبغي التساهل بهما. 42 - " من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة وكتب له بتأذينه في كل مرة ستون حسنة وبإقامته ثلاثون حسنة ". رواه ابن ماجه (رقم 728) ، والحاكم (1 / 205) ، وعنه البيهقي (1 / 433) وابن عدي (220 / 1) ، والبغوي في " شرح السنة " (1 / 58 / 1 - 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (32 / 1) ، كلهم عن عبد الله بن صالح حدثنا يحيى بن

أيوب عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري " ووافقه الذهبي! وقال المنذري (1 / 111) : " وهو كما قال، فإن عبد الله بن صالح كاتب الليث، وإن كان فيه كلام فقد روى عنه البخاري في (الصحيح) . وهذا من المنذري أولى من موافقة الذهبي المطلقة على تصحيح الحديث لاسيما وهو قد أورده في ترجمة عبد الله بن صالح هذا في جملة ما أنكر عليه من الأحاديث. وقال ابن عدي عقب الحديث: " لا أعلم من روى بهذا الإسناد عن ابن وهب (كذا ولعله ابن أيوب) غير أن أبي صالح، وهو عندي مستقيم الحديث، إلا أنه يقع في حديثه في أسانيده ومتونه غلط، ولا يتعمد الكذب ". وقال البغوي: " عبد الله بن صالح كاتب الليث صدوق، غير أنه وقع في حديثه مناكير ". ولذلك قال البوصيري في " الزوائد " (ق 48 / 2) : " إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح ". وللحديث علة أخرى وهي: عنعنة ابن جريج. وقد قال البيهقي عقبه: " وقد رواه يحيى بن المتوكل، عن ابن جريج عمن حدثه، عن نافع. قال البخاري: وهذا أشبه ". قلت: فتبين أن هذا الإسناد لا تقوم به حجة،

لكن ذكر له الحاكم شاهدا من طريق ابن وهب، أخبرني ابن لهيعة، عن عبد الله بن أبي جعفر، عن نافع به. وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، وابن لهيعة وإن كان فيه كلام من قبل حفظه فذلك خاص بما إذا كان من غير رواية العبادلة عنه، وابن وهب أحدهم. قال عبد الغني بن سعيد الأزدي والساجي وغيرهما: " إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح: ابن المبارك وابن وهب والمقريء ". وبذلك يصير الحديث صحيحا. والحمد لله على توفيقه. وفي هذا الحديث فضل ظاهر للمؤذن المثابر على أذانه هذه المدة المذكورة فيه ولا يخفى أن ذلك مشروط بمن أذن خالصا لوجه الله تعالى، لا يبتغي من ورائه رزقا، ولا رياء، ولا سمعة، للأدلة الكثيرة الثابتة في الكتاب والسنة، التي تفيد أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له. (راجع كتاب الرياء في أول " الترغيب والترهيب " للمنذري) . وقد ثبت أن رجلا جاء إلى ابن عمر فقال: إني أحبك في الله، قال: فاشهد علي أني أبغضك في الله! قال: ولم؟ قال: لأنك تلحن في أذانك، وتأخذ عليه أجرا! وإن مما يؤسف له حقا أن هذه العبادة العظيمة، والشعيرة الإسلامية، قد انصرف أكثر علماء المسلمين عنها في بلادنا، فلا تكاد ترى أحدا منهم يؤذن في مسجد ما إلا ما شاء الله، بل ربما خجلوا من القيام بها، بينما تراهم يتهافتون على الإمامة، بل ويتخاصمون! فإلى الله المشتكى من غربة هذا الزمان.

43

43 - " يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك وليس عندي من النفقة ما يقوي على بنائه لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ثم لبنيتها على أساس إبراهيم وجعلت لها بابين بابا شرقيا يدخل الناس منه وبابا غربيا يخرجون منه وألزقتها بالأرض وزدت فيها ستة أذرع من الحجر. (وفي رواية: ولأدخلت فيها الحجر) فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة، فإن بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوه منه، فأراها قريبا من سبعة أذرع ". وفي رواية عنها قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر (أي الحجر) ، أمن البيت هو؟ قال: نعم، قلت: فلم لم يدخلوه في البيت؟ قال: إن قومك قصرت بهم النفقة، قلت: فما شأن بابه مرتفعا؟ قال: فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا ويمنعوا من شاءوا، (وفي رواية: تعززا أن لا يدخلها إلا من أرادوا، فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط) ولولا أن قومك حديث عهدهم في الجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم، لنظرت أن أدخل الجدر في البيت وأن ألزق بابه بالأرض. فلما ملك ابن الزبير هدمها وجعل لها بابين. (وفي رواية فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه، قال يزيد بن رومان: وقد

شهدت ابن الزبير حين هدمه وبناه وأدخل فيه الحجر، وقد رأيت أساس إبراهيم عليه السلام حجارة متلاحمة كأسنمة الإبل متلاحكة) ". (عن عائشة) : رواه البخاري (1 / 44، 491، 3 / 197، 4 / 412) ، ومسلم (4 / 99 - 100) وأبو نعيم في " المستخرج " (ق 174 / 2) ، والنسائي (2 / 34 - 35) ، والترمذي (1 / 166) وصححه، والدارمي (1 / 53 - 54) وابن ماجه (2955) ومالك (1 / 363) ، والأزرقي في " أخبار مكة " (ص 114 - 115، 218 - 219) وأحمد (6 / 57، 67، 92، 102، 113، 136، 176، 179، 239، 247، 253، 262) من طرق عنها. من فقه الحديث: يدل هذا الحديث على أمرين: الأول: أن القيام بالإصلاح إذا ترتب عليه مفسدة أكبر منه وجب تأجيله، ومنه أخذ الفقهاء قاعدتهم المشهورة " دفع المفسدة، قبل جلب المصلحة ". الثاني: أن الكعبة المشرفة بحاجة الآن إلى الإصلاحات التي تضمنها الحديث لزوال السبب الذي من أجله ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وهو أن تنفر قلوب من كان حديث عهد بشرك في عهده صلى الله عليه وسلم، وقد نقل ابن بطال عن بعض العلماء " أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم، أن ينسبوه إلى الانفراد بالفخر دونهم ". ويمكن حصر تلك الإصلاحات فيما يلي: 1 - توسيع الكعبة وبناؤها على أساس إبراهيم عليه عليه الصلاة والسلام، وذلك بضم نحو ستة أذرع من الحجر. 2 - تسوية أرضها بأرض الحرم. 3 - فتح باب آخر لها من الجهة الغربية.

4 - جعل البابين منخفضين مع الأرض لتنظيم وتيسير الدخول إليها والخروج منها لكل من شاء. ولقد كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد قام بتحقيق هذا الإصلاح بكامله إبان حكمه في مكة، ولكن السياسة الجائرة أعادت الكعبة بعده إلى وضعها السابق! وهاك تفصيل ذلك كما رواه مسلم، وأبو نعيم، بسندهما الصحيح عن عطاء قال: " لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام، فكان من أمره ما كان، تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم، يريد أن يجرئهم أو يحربهم على أهل الشام، فلما صدر الناس قال: يا أيها الناس، أشيروا على في الكعبة أنقضها ثم أبني بناءها، أو أصلح ما وهي منها؟ قال ابن عباس: فإني قد فرق لي رأي فيها: أرى أن تصلح ما وهي منها، وتدع بيتا أسلم الناس عليه، وأحجارا أسلم الناس عليها، وبعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ابن الزبير: لو كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده، فكيف بيت ربكم؟! إني مستخير ربي ثلاثا ثم عازم على أمري، فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها، فتحاماه الناس، أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء! حتى صعده رجل فألقى منه حجارة، فلما لم يره الناس أصابه شيء، تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض، فجعل ابن الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه. وقال ابن الزبير: إني سمعت عائشة تقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فذكر الحديث بالزيادة الأولى ثم قال) : فأنا اليوم أجد ما أنفق ولست أخاف الناس، فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أسا نظر الناس إليه، فبنى عليه البناء وكان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا، فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله عشر أذرع، وجعل له بابين أحدهما يدخل منه، والآخر يخرج منه، فلما قتل ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك، ويخبره أن ابن الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة، فكتب إليه عبد الملك: إنا لسنا من

تلطيخ ابن الزبير في شيء، أما ما زاد في طوله فأقره وأما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه، وسد الباب الذي فتحه، فنقضه، وأعاده إلى بنائه ". ذلك ما فعله الحجاج الظالم بأمر عبد الملك الخاطئ، وما أظن أنه يبرر له خطأه ندمه فيما بعد. فقد روى مسلم وأبو نعيم أيضا عن عبد الله بن عبيد قال: " وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته، فقال عبد الملك: ما أظن أبا حبيب (يعني: ابن الزبير) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها قال الحارث: بلى أنا سمعته منها، قال: سمعتها تقول ماذا؟ قال: قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قلت: فذكر الحديث) قال عبد الملك للحارث: أنت سمعتها تقول هذا؟ قال: نعم، قال: فنكث ساعة بعصاه ثم قال: وددت أني تركته وما تحمل ". وفي رواية لهما عن أبي قزعة: " أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال: قاتل الله ابن الزبير حيث يكذب على أم المؤمنين يقول: سمعتها تقول: (فذكر الحديث) . فقال الحارث بن عبد الله بن ربيعة: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فأنا سمعت أم المؤمنين تحدث هذا، قال: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير ". أقول: كان عليه أن يتثبت قبل الهدم فيسأل عن ذلك أهل العلم، إن كان يجوز له الطعن في عبد الله بن الزبير، واتهامه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد تبين لعبد الملك صدقه رضي الله عنه بمتابعة الحارث إياه، كما تابعه جماعة كثيرة عن عائشة رضي الله عنها، وقد جمعت رواياتهم بعضها إلى بعض في هذا الحديث، فالحديث مستفيض عن عائشة، ولذلك فإني أخشى أن يكون عبد الملك على علم سابق بالحديث قبل أن يهدم البيت، ولكنه تظاهر بأنه لم يسمع به إلا من طريق ابن الزبير، فلما جابهه الحارث بن عبد الله بأنه سمعه من عائشة أيضا أظهر الندم على

44

ما فعل، ولات حين مندم. هذا، وقد بلغنا أن هناك فكرة أو مشروعا لتوسيع المطاف حول الكعبة ونقل مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى مكان آخر، فأقترح بهذه المناسبة على المسؤولين أن يبادروا إلى توسيع الكعبة قبل كل شيء وإعادة بنائها على أساس إبراهيم عليه السلام تحقيقا للرغبة النبوية الكريمة المتجلية في هذا الحديث، وإنقاذا للناس من مشاكل الزحام على باب الكعبة الذي يشاهد في كل عام، ومن سيطرة الحارس على الباب الذي يمنع من الدخول من شاء ويسمح لمن شاء، من أجل دريهمات معدودات! 44 - " خياركم من أطعم الطعام ". رواه لوين في " أحاديثه " (25 / 2) : حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال: قال عمر لصهيب: أي رجل أنت، لولا خصال ثلاث فيك! قال: وما هن؟ قال: اكتنيت وليس لك ولد، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم، وفيك سرف في الطعام. قال: أما قولك: اكتنيت ولم يولد لك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى، وأما قولك: انتميت إلى العرب ولست منهم، وأنت رجل من الروم. فإني رجل من النمر بن قاسط فسبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام عرفت نسبي، وأما قولك: فيك سرف في الطعام، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وهكذا أخرجه ابن عساكر

(8 / 194 - 195) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (16 / 1) والحافظ ابن حجر في " الأحاديث العاليات " (رقم 25) وقال: " حديث حسن رواه ابن ماجه وأبو يعلى والطبراني ". قلت: وله شواهد من حديث جابر وغيره، عند ابن عساكر، يرتقي بها الحديث إلى درجة الصحة. أما ابن ماجه فروى (3737) قصة الكنية فقط. وقال البوصيري في " الزوائد ": " إسناده حسن ". ورواه أحمد (6 / 16) بتمامه وزاد: " ورد السلام ". وإسناده حسن، وهو وإن كان فيه زهير وهو ابن محمد التميمي الخراساني فإنه من رواية غير الشاميين عنه وهي مستقيمة. ثم رواه أحمد (6 / 333) من طريق زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب: فذكره نحوه. ورجاله ثقات لكنه منقطع بين زيد وعمر. وله شاهد عند لوين من حديث أبي هريرة مرفوعا. ورجاله ثقات غير أبي عبيد مولى عبد الرحمن الراوي له عن أبي هريرة فلم أجد له ترجمة. من فوائد الحديث وفي هذا الحديث فوائد: الأولى: مشروعية الاكتناء، لمن لم يكن له ولد، بل قد صح في البخاري وغيره

أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى طفلة صغيرة حينما كساها ثوبا جميلا فقال لها: هذا سنا يا أم خالد، هذا سنا يا أم خالد ". وقد هجر المسلمون لاسيما الأعاجم منهم هذه السنة العربية الإسلامية، فقلما تجد من يكتني منهم ولو كان له طائفة من الأولاد، فكيف من لا ولد له؟ وأقاموا مقام هذه السنة ألقابا مبتدعة، مثل: الأفندي، والبيك، والباشا، ثم السيد، أو الأستاذ، ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة. فليتنبه لهذا. الثانية: فضل إطعام الطعام، وهو من العادات الجميلة التي امتاز بها العرب على غيرهم من الأمم، ثم جاء الإسلام وأكد ذلك أيما توكيد كما في هذا الحديث الشريف، بينما لا تعرف ذلك أوربا، ولا تستذوقه، اللهم إلا من دان بالإسلام منها كالألبان ونحوهم، وإن مما يؤسف له أن قومنا بدؤوا يتأثرون بأوربا في طريقة حياتها، ما وافق الإسلام منها وما خالف، فأخذوا لا يهتمون بالضيافة ولا يلقون لها بالا، اللهم إلا ما كان منها في المناسبات الرسمية، ولسنا نريد هذا بل إذا جاءنا أي صديق مسلم وجب علينا أن نفتح له دورنا، وأن نعرض عليه ضيافتنا، فذلك حق له علينا ثلاثة أيام، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وإن من العجائب التي يسمعها المسلم في هذا العصر الاعتزاز بالعربية، ممن لا يقدرها قدرها الصحيح، إذ لا نجد في كثير من دعاتها اللفظيين من تتمثل فيه الأخلاق العربية، كالكرم، والغيرة، والعزة، وغيرها من الأخلاق الكريمة التي هي من مقومات الأمم، ورحم الله من قال: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وأحسن منه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

45

45 - " إنما بعثت لأتمم مكارم (وفي رواية صالح) الأخلاق ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " رقم (273) ، وابن سعد في " الطبقات " (1 / 192) ، والحاكم (2 / 613) ، وأحمد (2 / 318) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 267 / 1) من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد حسن، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! وابن عجلان، إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره. وله شاهد، أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 75) : أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم مرفوعا به. وهذا مرسل حسن الإسناد، فالحديث صحيح. وقد رواه مالك في " الموطأ " (2 / 904 / 8) بلاغا. وقال ابن عبد البر: " هو حديث صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة وغيره ". 46 - " هؤلاء لهذه وهؤلاء لهذه ". رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (ج 1 / 34 / 2) ، والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 73) من حديث ابن عمر مرفوعا بزيادة: " فتفرق الناس، وهم لا يختلفون في القدر ". وإسناده صحيح.

47

47 - " إن الله عز وجل قبض قبضة فقال: في الجنة برحمتي، وقبض قبضة فقال: في النار ولا أبالي ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (171 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 93) وابن عدي في " الكامل " (66 / 2) ، والدولابي في " الأسماء والكنى " (2 / 48) من حديث الحكم بن سنان، عن ثابت، عن أنس مرفوعا. وقال ابن عدي: " الحكم بن سنان بعض ما يرويه مما لا يتابع عليه ". ونحوه قال العقيلي. قلت: قد توبع عليه فالحديث صحيح، وقد أشار إلي ذلك العقيلي بقوله: " وقد روي في القبضتين أحاديث بأسانيد صالحة ". قلت: وها نحن موردوها إن شاء الله تعالى. 48 - " إن الله عز وجل خلق آدم، ثم أخذ الخلق من ظهره وقال: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فقال قائل: يا رسول الله فعلى ماذا نعمل؟ قال: على مواقع القدر ". رواه أحمد (4 / 186) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 30، 7 / 417) ، وابن حبان في " صحيحه " (1806) ، والحاكم (1 / 31) والحافظ عبد الغني المقدسي في (الثالث والتسعين من " تخريجه " 41 / 2) من طريق أحمد عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي،

49

وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 49 - " خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى، فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى، فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للذي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي وقال للذي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي ". رواه أحمد وابنه في زوائد " المسند " (6 / 441) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (ج 15 / 136 / 1) . قلت: وإسناده صحيح. 50 - " إن الله تبارك وتعالى قبض قبضة بيمينه فقال: هذه لهذه ولا أبالي وقبض قبضة أخرى، يعني: بيده الأخرى، فقال: هذه لهذه ولا أبالي ". رواه أحمد (55 / 68) عن أبي نضرة قال: " مرض رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عليه أصحابه يعودونه، فبكى، فقيل له: ما يبكيك يا عبد الله! ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ من شاربك

ثم أقره حتى تلقاني؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره، وقال في آخره:) فلا أدري في أي القبضتين أنا ". وإسناده صحيح. وفي الباب عن أبي موسى وأبي سعيد وغيرهما فليراجعها من شاء في " مجمع الزوائد " (6 / 186 - 187) . وحديث أبي موسى في " حديث لوين " (26 / 1) وفيه روح بن المسيب وهو صويلح كما قال ابن معين. واعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث وذكر طرقه أمران: الأول: أن أحد أهل العلم وهو الشيخ محمد طاهر الفتني الهندي أورده في كتابه " تذكرة الموضوعات " (ص 12) وقال فيه: " مضطرب الإسناد "! ولا أدري ما وجه ذلك فالحديث صحيح من طرق كما رأيت، ولا اضطراب فيه، إلا أن يكون اشتبه عليه بحديث آخر مضطرب أو عنى طريقا أخرى من طرقه، ثم لم يتتبع هذه الطرق الصحيحة له. والله أعلم. والثاني: أن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذه الأحاديث - ونحوها أحاديث كثيرة - تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية، ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق بالجنة أو النار، وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة، ومن كان من القبضة الأخرى كان من أهل الشقاوة، فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله (ليس كمثله شيء) لا في ذاته ولا

في صفاته، فإذا قبض قبضة فهي بعلمه وعدله وحكمته، فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته، وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته، ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى، والعكس بالعكس، كيف والله عز وجل يقول: (أفنجعل المسلمين. كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون) . ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار، بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان يستلزم الجنة، أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله تعالى منها، وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان، لا يكره الله تبارك وتعالى أحدا من خلقه على واحد منهما (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) ، وهذا مشاهد معلوم بالضرورة، ولولا ذلك لكان الثواب والعقاب عبثا، والله منزه عن ذلك. ومن المؤسف حقا أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له! وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس! مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة، وإعلانه بأنه قادر على الظلم ولكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور: " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة، بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى: (لا يسأل عما يفعل) ، مصرين بذلك على أن الله تعالى قد يظلم ولكنه لا يسأل عن ذلك!

51

تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وفاتهم أن الآية حجة عليهم لأن المراد بها - كما حققه العلامة ابن القيم وغيره - أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل، لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح فلا داعي للسؤال. وللشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية لعله أخذ مادتها من ابن القيم فلتراجع. هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها فإن وفقت لذلك فبها ونعمت، وإلا فإني أحيل القارىء إلي المطولات في هذا البحث الخطير، مثل كتاب ابن القيم السابق، وكتب شيخه ابن تيمية الشاملة لمواضيع هامة هذه أحدها. 51 - " أيما أهل بيت من العرب والعجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام، ثم تقع الفتن كأنها الظلل ". رواه أحمد (3 / 477) ، والحاكم (1 / 34) ، والبيهقي أيضا في " الأسماء " (ص 117) ، وابن الأعرابي في " حديث سعدان بن نصر " (1 / 4 / 1) . وقال الحاكم: " صحيح وليس له علة ". وأقره الذهبي وهو كما قالا. وروى الحاكم (1 / 61 - 62) من طريق ابن شهاب قال: " خرج عمر بن الخطاب إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة وعمر على ناقة، فنزل عنها وخلع خفيه فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام

52

ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، أأنت تفعل هذا؟! تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك، وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة؟! ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك! فقال عمر: أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم! إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وفي رواية له: " يا أمير المؤمنين، تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نبتغي العز بغيره ". (الظلل) : هي كل ما أظلك، واحدتها ظلة، أراد كأنها الجبال والسحب. 52 - " إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغي به وجهه ". وسببه كما رواه أبو أمامة رضي الله عنه قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له، فأعادها ثلاث مرات، يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا شيء له. ثم قال.... " فذكره. رواه النسائي في " الجهاد " (2 / 59) وإسناده حسن كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 328) . والأحاديث بمعناه كثيرة تجدها في أول كتاب " الترغيب " للحافظ المنذري.

53

فهذا الحديث وغيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به وجه الله عز وجل، وفي ذلك يقول تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) . فإذا كان هذا شأن المؤمن فماذا يكون حال الكافر بربه إذا لم يخلص له في عمله؟ الجواب في قول الله تبارك وتعالى: (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) . وعلى افتراض أن بعض الكفار يقصدون بعملهم الصالح وجه الله على كفرهم، فإن الله تعالى لا يضيع ذلك عليهم، بل يجازيهم عليها في الدنيا، وبذلك جاء النص الصحيح الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو: " إن الله لا يظلم مؤمنا حسنته، يعطى بها (وفي رواية: يثاب عليها الرزق في الدنيا) ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها ". 53 - " إن الله لا يظلم مؤمنا حسنته يعطى بها (وفي رواية: يثاب عليها الرزق في الدينا) ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها ". أخرجه مسلم (8 / 135) ، وأحمد (3 / 125) ، ولتمام في " الفوائد " (879) الشطر الأول. تلك هي القاعدة في هذه المسألة: أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعا في الدنيا، فلا تنفعه حسناته في الآخرة، ولا يخفف عنه العذاب بسببها فضلا عن أن ينجو منه.

54

وقد يظن بعض الناس أن في السنة ما ينافي القاعدة المذكورة من مثل الحديث الآتى: عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار، يبلغ كعبيه، يغلي منه دماغه ". 54 - عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه ". عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال: " نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا (أي شفاعته) لكان في الدرك الأسفل من النار ". رواه مسلم (1 / 135) ، وأحمد (3 / 50 - 55) ، وابن عساكر (19 / 51 / 1) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 86 / 2) . وجوابنا على ذلك من وجهين أيضا: الأول: أننا لا نجد في الحديث ما يعارض القاعدة المشار إليها، إذ ليس فيه أن عمل أبي طالب هو السبب في تخفيف العذاب عنه، بل السبب شفاعته صلى الله عليه وسلم، فهي التي تنفعه. ويؤيد هذا، الحديث التالي: عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: " نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا (أي شفاعته) لكان في الدرك الأسفل من النار ".

55

55 - عن العباس بن عبد المطلب أنه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: " نعم هو في ضحضاح من نار ولولا أنا (أي شفاعته) لكان في الدرك الأسفل من النار ". (عن العباس بن عبد المطلب) : رواه مسلم (1 / 134 - 135) ، وأحمد (1 / 206، 207، 210) . وأبو يعلى (213 / 2 و 313 / 2) ، وابن عساكر (19 / 51 / 1) واستقصى طرقه وألفاظه. فهذا الحديث نص في أن السبب في التخفيف إنما هو النبي عليه السلام، أي شفاعته - كما في الحديث قبله - وليس هو عمل أبي طالب، فلا تعارض حينئذ بين الحديث وبين القاعدة السابقة، ويعود أمر الحديث أخيرا إلى أنه خصوصية للرسول صلى الله عليه وسلم، وكرامة أكرمه الله تبارك وتعالى بها حيث قبل شفاعته في عمه وقد مات على الشرك، مع أن القاعدة في المشركين أنهم كما قال عز وجل: (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) ، ولكن الله تبارك وتعالى يخص بتفضله من شاء، ومن أحق بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء؟ عليهم جميعا صلوات الله. والجواب الثاني: أننا لو سلمنا جدلا أن سبب تخفيف العذاب عن أبي طالب هو انتصاره للنبي صلى الله عليه وسلم مع كفره به، فذلك مستثنى من القاعدة ولا يجوز ضربها بهذا الحديث كما هو مقرر في علم أصول الفقه، ولكن الذي نعتمده في الجواب إنما هو الأول لوضوحه. والله أعلم. 56 - " كان يأكل القثاء بالرطب ". رواه البخاري (2 / 506) ، ومسلم (6 / 122) ، وأبو داود (رقم 3835) والترمذي (1 / 339) ، والدارمي (2 / 103) ، وابن ماجه (3325) وأحمد ( 1 /

203) ، وأبو الحسن أحمد بن محمد المعروف بابن الجندي في " الفوائد الحسان " (ق 2 / 1) ، من حديث عبد الله بن جعفر مرفوعا، واللفظ لأبي داود، والترمذي، وقال الآخرون: " رأيت "، بدل: " كان ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وفي رواية لأحمد (1 / 204) بلفظ: " إن آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى يديه رطبات، وفي الأخرى قثاء، وهو يأكل من هذه، وبعض من هذه ". وفي إسناده نصر بن باب وهو واه. وعزاه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 38) للطبراني في " الأوسط " في حديث طويل، وقال: " وفيه أصرم بن حوشب وهو متروك ". وكذلك عزاه إليه فقط الحافظ في " الفتح " (9 / 496) وقال: " في سنده ضعف ". وفاتهما أنه في " المسند " أيضا كما ذكرنا، وفي عبارة الحافظ تهوين ضعف إسناده مع أنه شديد كما يشير إلى ذلك قول الهيثمي في رواية: " وهو متروك ". ولذلك أقول: إن الحديث بهذه الزيادة ضعيف، ولا يتقوى أحد الإسنادين بالآخر لشدة ضعفهما، نعم له شاهد من حديث أنس بن مالك بلفظ: " كان يأخذ الرطب بيمينه والبطيخ بيساره، فيأكل الرطب بالبطيخ، وكان أحب

الفاكهة إليه ". ولكنه ضعيف أيضا شديد الضعف، فقال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه يوسف بن عطية الصفار، وهو متروك ". ومن طريقه أخرجه الحاكم (4 / 121) ، وذكر أنه تفرد به يوسف هذا. قال الذهبي: " وهو واه ". وقول الحافظ فيه: " وسنده ضعيف، فيه ما قلناه آنفا في قوله المتقدم في حديث ابن جعفر. وهو مع الضعف المذكور فقد ذكر " البطيخ " بدل القثاء. لكن لهذا أصل عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أنس رضي الله عنه ويأتي بعد هذا. وأخرج أبو داود (3903) وابن ماجه (3324) عن عائشة قالت: " كانت أمي تعالجني للسمنة، تريد أن تدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما استقام لها ذلك حتى أكلت القثاء بالرطب، فسمنت كأحسن سمنة ". وإسناده صحيح. وعزاه الحافظ لابن ماجه والنسائي، وكأنه يعني في

57

" السنن الكبرى ". قال: " وعند أبي نعيم في " الطب " من وجه آخر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبويها بذلك ". قلت: وينظر في إسناده. 57 - كان يأكل البطيخ بالرطب فيقول: " نكسر حر هذا ببرد هذا وبرد هذا بحر هذا ". رواه الحميدي في " مسنده " (42 / 1) ، وأبو داود (3835) ، والترمذي (1 / 338) وأبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري في " الفوائد " (ق 144 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 103) ، وكذا أبو جعفر البحتري في " الفوائد " (4 / 77 / 2) ، وأبو بكر بن أبي داود في " مسند عائشة " (54 / 2) من حديث عائشة رضي الله عنها. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناد الحميدي صحيح على شرط الشيخين، وإسناد أبي داود حسن، والزيادة له، وعزاه الحافظ (9 / 496) للنسائي بدونها وقال:

" سنده صحيح ". وله شاهد من حديث أنس مثل رواية النسائي أخرجه ابن الضريسي في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الأزدي " (5 / 1) بسند رجاله ثقات. ورواه ابن ماجه (3326) من حديث سهل بن سعد، لكن إسناده واه جدا، فيه يعقوب بن الوليد كذبه أحمد وغيره. ففي حديث عائشة غنية. قال ابن القيم في " زاد المعاد " (3 / 175) بعد أن ذكره بالزيادة: " وفي البطيخ عدة أحاديث، لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد، والمراد به الأخضر وهو بارد رطب، وفيه جلاء، وهو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء والخيار، وهو سريع الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة، وإذا كان آكله محرورا انتفع به جدا، وإن كان مبرودا دفع ضرره بيسير من الزنجبيل ونحوه وينبغي أكله قبل الطعام، ويتبع به، وإلا غثى وقيأ. وقال بعض الأطباء: إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلا، ويذهب الداء أصلا ". وهذا الذي عزاه لبعض الأطباء قد روي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه لا يصح، وقد سبق الكلام عليه في " الأحاديث الضعيفة " (رقم 144) ، فليراجعه من شاء. وقوله: " المراد به الأخضر "، هو الظاهر من الحديث. ولكن الحافظ رده في " الفتح " وذكر أن المراد به الأصفر، واحتج بالحديث الآتي، ويأتي الجواب عنه فيه. وهو:

58

" كان يأكل الرطب مع الخربز يعني البطيخ ". 58 - " كان يأكل الرطب مع الخربز. يعني البطيخ ". رواه أحمد (3 / 142، 143) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (105 / 2) والضياء في " المختارة " (86 / 2) عن جرير بن حازم عن حميد عن أنس مرفوعا. ثم رواه الضياء من طريق أحمد حدثنا وهب بن جرير حدثني أبي به نحوه ثم قال: " وروي عن مهنا صاحب أحمد بن حنبل عنه أنه قال: ليس هو صحيحا، ليس يعرف من حديث حميد ولا من غير حديث حميد، ولا يعرف إلا من قبل عبد الله بن جعفر. قلت: - والله أعلم - رواية أحمد له في " المسند " يوهن هذا القول أو (يؤيد) رجوعه عنه بروايته له وتركه في كتابه وحديث عبد الله بن جعفر في " الصحيحين ". قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب ". قلت: وإسناده صحيح، ولا علة قادحة فيه، وجرير بن حازم وإن كان اختلط فإنه لم يحدث في اختلاطه كما قال الحافظ في " التقريب "، ولذلك صحح إسناده في " الفتح " (9 / 496) بعد أن عزاه للنسائي. يعني في الكبرى. ثم قال: " و (الخربز) وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر الموحدة بعدها زاي نوع من البطيخ الأصفر، وقد تكبر القثاء فتصفر من شدة الحر فتصير كالخربز كما شاهدته كذلك بالحجاز، وفي هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث الأخضر واعتل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب، وقد ورد التعليل بأن أحدهما يطفئ حرارة الآخر.

59

والجواب عن ذلك بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة، وإن كان فيه لحلاوته طرف حرارة. والله أعلم ". أقول: وفي هذا التعقب نظر عندي، ذلك لأن الحديثين مختلفا المخرج، فالأول من حديث عائشة، وهذا من حديث أنس فلا يلزم تفسير أحدهما بالآخر، لاحتمال التعدد والمغايرة " لاسيما وفي الأول تلك الزيادة " نكسر حر هذا ببرد هذا ... " ولا يظهر هذا المعنى تمام الظهور بالنسبة إلى الخربز، ما دام أنه يشابه الرطب في الحرارة. والله أعلم. من فوائد الحديث قال الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (79 / 1 - 2) بعد أن ساق إسناده إلى عبد الله بن جعفر: " في هذا الحديث من الفوائد أن قوما ممن سلك طريق الصلاح والتزهد قالوا: لا يحل الأكل تلذذا، ولا على سبيل التشهي والإعجاب، ولا يأكل إلا ما لابد منه لإقامة الرمق، فلما جاء هذا الحديث سقط قول هذه الطائفة، وصلح أن يأكل الأكل تشهيا وتفكها وتلذذا. وقالت طائفة من هؤلاء: إنه ليس لأحد أن يجمع بين شيئين من الطعام، ولا بين أدمين على خوان. فهذا الحديث أيضا يرد على صاحب هذا القول ويبيح أن يجمع الإنسان بين لونين وبين أدمين فأكثر ". قلت: ولا يعدم هؤلاء بعض أحاديث يستدلون بها لقولهم، ولكنها أحاديث واهية، وقد ذكرت طائفة منها في " سلسلة الأحاديث الضعيفة "، فانظر (رقم 241، 257) . 59 - " يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك ". رواه أبو داود (3856) والترمذي (2 / 2، 3) وابن ماجه (2442) وأحمد (6 / 364)

والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (225 / 2) من طريق فليح ابن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي عليه السلام، وعلي ناقه ولنا دوالي معلقة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها، وقام علي ليأكل، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: مه إنك ناقه، حتى كف علي عليه السلام، قالت: وصنعت شعيرا وسلقا، فجئت به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره ". وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح ". قلت: وهو مختلف فيه وقد ضعفه جماعة، ومشاه بعضهم واحتج به الشيخان في " صحيحيهما "، والراجح عندنا أنه صدوق في نفسه وأنه يخطىء أحيانا فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يتبين خطؤه. وقد أخرج حديثه هذا الحاكم في " المستدرك " (4 / 407) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وإنما هو حسن فقط كما قال الترمذي. والله أعلم. قال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " (3 / 97) بعد أن ساق الحديث: " واعلم أن في منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقه أحسن التدبير، فإن الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب، والفاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها وضعف الطبيعة عن دفعها، فإنها بعد لم تتمكن قوتها، وهي مشغولة بدفع آثار العلة وإزالتها من البدن، وفي الرطب

60

خاصة نوع ثقل على المعدة، فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره، فإما أن تقف تلك البقية، وإما أن تتزايد. فلما وضع بين يديه السلق والشعير أمره أن يصيب منه، فإنه من أنفع الأغذية للناقه، ولاسيما إذا طبخ بأصول السلق، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه ". 60 - " نهى عن الوحدة: أن يبيت الرجل وحده، أو يسافر وحده ". رواه أحمد (2 / 91) عن عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو على شرط البخاري، رجاله كلهم من رجال الشيخين، غير أبي عبيدة الحداد واسمه عبد الواحد بن واصل فمن رجال البخاري وحده وهو ثقة. وعاصم بن محمد هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري وقد روى عن العبادلة الأربعة ومنهم جده عبد الله بن عمر. والحديث أورده في " المجمع " (8 / 104) وقال: " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ".

61

وقد رواه جماعة عن عاصم بلفظ آخر، وهو: " لو يعلم الناس في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده (أبدا) ". 61 - " لو يعلم الناس في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده (أبدا) ". رواه البخاري (2 / 247) والترمذي (1 / 314) والدارمي (2 / 289) وابن ماجه (3768) وابن حبان في " صحيحه " (1970 - موارد) والحاكم (2 / 101) وأحمد (2 / 23 و 24، 86، 120) والبيهقي (5 / 257) وابن عساكر (18 / 89 / 2) من طرق عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عاصم ". قلت: قد تابعه أخوه عمر بن محمد فقال أحمد (2 / 111 - 112) : حدثنا مؤمل حدثنا عمر بن محمد به، وحدثنا مؤمل مرة أخرى ولم يقل: " عن ابن عمر ".

62

وللحديث شاهد من حديث جابر بزيادة: " ولا نام رجل في بيت وحده ". قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 104) : " رواه الطبراني في الأوسط " وفيه محمد بن القاسم الأسدي وثقه ابن معين، وضعفه أحمد وغيره، وبقية رجاله ثقات ". قلت: الأسدي هذا قال الحافظ في " التقريب ": " كذبوه " فلا يستشهد به. وهذه الزيادة وردت في بعض طرق حديث ابن عمر وهو قبل هذا الحديث، فعليه الاعتماد فيها. 62 - " الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب ". مالك (2 / 978 / 35) ، وعنه أبو داود (2607) ، وكذا الترمذي (1 / 314) والحاكم (2 / 102) ، والبيهقي (5 / 267) ، وأحمد (2 / 186، 214) من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعا. وسببه كما في " المستدرك " والبيهقي: " أن رجلا قدم من سفر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صحبت؟ فقال: ما صحبت أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".

ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: وإسناده حسن، للخلاف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. والمتقرر فيه أنه حسن كما فصلت القول فيه في " صحيح أبي داود " (رقم 124) . وفي هذه الأحاديث تحريم سفر المسلم وحده وكذا لو كان معه آخر، لظاهر النهي في الحديث الذي قبل هذا، ولقوله فيه: " شيطان " أي عاص، كقوله تعالى (شياطين الإنس والجن) فإن معناه: عصاتهم كما قال المنذري. وقال الطبري: " هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة، وليس بحرام، فالسائر وحده بفلاة، والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش، لاسيما إن كان ذا فكرة رديئة أو قلب ضعيف. والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك، فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدا للباب، والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد ". ذكره المناوي في " الفيض ". قلت: ولعل الحديث أراد السفر في الصحارى والفلوات التي قلما يرى المسافر فيها أحدا من الناس، فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة المواصلات. والله أعلم. ثم إن فيه ردا صريحا على خروج بعض الصوفية إلى الفلاة وحده للسياحة وتهذيب النفس، زعموا! وكثيرا ما تعرضوا في أثناء ذلك للموت عطشا وجوعا، أو لتكفف أيدي الناس، كما ذكروا ذلك في الحكايات عنهم. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

63

63 - " تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة ". رواه أحمد (3 / 322، 323 - 339) من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الزبير محمد بن مسلم أنه حدثه عن جابر قال: " مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين، يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى يقول: من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟ حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر - كذا قال - فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، ثم ائتمروا جميعا فقلنا: حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا، فقلنا: يا رسول الله نبايعك؟ قال: (فذكر الحديث) ، قال: فقمنا إليه فبايعناه، وأخذ بيده ابن زرارة وهو من أصغرهم - فقال: رويدا يا أهل يثرب، فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن تعضكم السيوف، فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم

64

على الله، وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك، فهو عذر لكم عند الله. قالوا: أمط عنا يا سعد! فو الله لا ندع هذه البيعة أبدا ولا نسلبها أبدا. قال: فقمنا إليه فبايعناه، فأخذ علينا وشرط: ويعطينا على ذلك الجنة ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد صرح أبو الزبير بالتحديث في بعض الطرق عنه، وقال الحافظ ابن كثير في تاريخه " البداية والنهاية " (3 / 159 - 160) : " رواه أحمد والبيهقي، وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، ولم يخرجوه ". ثم رأيته في " المستدرك " (2 / 624 - 625) من الوجه المذكور، وقال: " صحيح الإسناد، جامع لبيعة العقبة ". ووافقه الذهبي. ثم روى قطعة يسيرة وأقره الذهبي. من آخره من طريق أخرى عن جابر به. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". 64 - " من قال: سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 125 / 2) والترمذي (2 / 258 / 259)

وابن حبان (2335) ، والحاكم (1 / 501 - 502) من طريق أبي الزبير عن جابر مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. لكن وقع في النسخة المطبوعة من " التلخيص " أنه قال: على شرط (خ) . وهو تحريف، فإن أبا الزبير إنما احتج به مسلم فقط. ولكنه مدلس وقد عنعنه فإن كان سمعه من جابر فالحديث صحيح. ثم وجدت ما يشهد له. وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة (12 / 127 / 1) ، عن عمرو ابن شعيب عن عبد الله بن عمرو قال: " من قال: سبحان الله العظيم وبحمده، غرس له بها نخلة في الجنة ". ورجاله ثقات، إلا أنه منقطع بين عمرو وجده ابن عمرو، وهو وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع إذ أنه لا يقال بمجرد الرأي.

65

وله شاهد مرفوع من حديث معاذ بن سهل بلفظ: " من قال: سبحان الله العظيم نبت له غرس في الجنة ". رواه أحمد (3 / 440) ، وإسناده ضعيف، لكن يستشهد به لأنه ليس شديد الضعف. 65 - " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره، ولأن يسرق الرجل من عشر أبيات أيسر عليه من يسرق من جاره ". رواه أحمد (6 / 8) ، والبخاري في " الأدب المفرد " (رقم 103) ، والطبراني في " الكبير " (مجموع 6 / 80 / 2) عن محمد بن سعد الأنصاري قال: سمعت أبا ظبية الكلاعي يقول: سمعت المقداد بن الأسود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " ما تقولون في الزنا؟ قالوا: حرمه الله ورسوله، فهو حرام إلى يوم القيامة قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكر الشطر الأول من الحديث ثم سألهم عن السرقة، فأجابوا بنحو ما أجابوا عن الزنا، ثم ذكر صلى الله عليه وسلم الشطر الثاني منه. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله كلهم ثقات، وقول الحافظ في الكلاعي هذا " مقبول "، يعني عند المتابعة فقط، ليس بمقبول، فقد وثقه ابن معين. وقال الدارقطني: " ليس به بأس ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 270) فهو حجة.

66

وقال المنذري (3 / 195) ، والهيثمي (8 / 168) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط ورجاله ثقات ". 66 - " إذا أدرك أحدكم (أول) سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك (أول) سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (1 / 148) : حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به، دون الزيادتين، وهما عند النسائي والبيهقي وغيرهما، فقال النسائي (1 / 90) : أخبرنا عمرو بن منصور قال حدثنا الفضل بن دكين به. وهذا سند صحيح، فإن عمرا هذا ثقة ثبت كما في " التقريب " وباقي الرجال معروفون، والفضل بن دكين هو أبو نعيم شيخ البخاري فيه وقد توبع هو والراوي عنه على الزيادتين. أما عمرو فتابعه محمد بن الحسين بن أبي الحنين عند البيهقي (1 / 368) وقال: " رواه البخاري في " الصحيح " عن أبي نعيم الفضل بن دكين ". ويعني أصل الحديث كما هي عادته، وإلا فالزيادتان ليستا عند البخاري كما عرفت وأما أبو نعيم فتابعه حسين بن محمد أبو أحمد المروذي: حدثنا شيبان به.

أخرجه السراج في " مسنده " (ق 95 / 1) . وحسين هذا هو ابن بهرام التميمي، وهو ثقة محتج به في " الصحيحين ". وللحديث عن أبي هريرة ستة طرق وقد خرجتها في كتابي: " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " الذي أنا في صدد تأليفه، يسر الله إتمامه ثم طبعه. انظر (رقم 250 منه) . وإنما آثرت الكلام على هذه الطريق لورود الزيادتين المذكورتين فيها، فإنهما تحددان بدقة المعنى المراد من لفظ " الركعة " الوارد في طرق الحديث وهو إدراك الركوع والسجدة الأولى معا، فمن لم يدرك السجدة لم يدرك الركعة، ومن لم يدرك الركعة لم يدرك الصلاة. من فوائد الحديث: ومن ذلك يتبين أن الحديث يعطينا فوائد هامة: الأولى: إبطال قول بعض المذاهب أن من طلعت عليه الشمس وهو في الركعة الثانية من صلاة الفجر بطلت صلاته! وكذلك قالوا فيمن غربت عليه الشمس وهو في آخر ركعة من صلاة العصر! وهذا مذهب ظاهر البطلان لمعارضته لنص الحديث كما صرح بذلك الإمام النووي وغيره. ولا يجوز معارضة الحديث بأحاديث النهي عن الصلاة في وقت الشروق والغروب لأنها عامة وهذا خاص، والخاص يقضي على العام كما هو مقرر في علم الأصول. وإن من عجائب التعصب للمذهب ضد الحديث أن يستدل البعض به لمذهبه في مسألة، ويخالفه في هذه المسألة التي نتكلم فيها! وأن يستشكله آخر من أجلها! فإلى الله المشتكى مما جره التعصب على أهله من المخالفات للسنة الصحيحة! قال الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 229) بعد أن ساق حديث أبي هريرة هذا وغيره مما في معناه:

" وهذه الأحاديث أيضا مشكلة عند مذهبنا في القول ببطلان صلاة الصبح إذا طلعت عليها الشمس، والمصنف استدل به على أن آخر وقت العصر ما لم تغرب الشمس ".! فيا أيها المتعصبون! هل المشكلة مخالفة الحديث الصحيح لمذهبكم، أم العكس هو الصواب! . الفائدة الثانية: الرد على من يقول: إن الإدراك يحصل بمجرد إدراك أي جزء من أجزاء الصلاة ولو بتكبيرة الإحرام وهذا خلاف ظاهر للحديث، وقد حكاه في " منار السبيل " قولا للشافعي، وإنما هو وجه في مذهبه كما في " المجموع " للنووي (3 / 63) وهو مذهب الحنابلة مع أنهم نقلوا عن الإمام أحمد أنه قال: لا تدرك الصلاة إلا بركعة. فهو أسعد الناس بالحديث. والله أعلم. قال عبد الله بن أحمد في مسائله (ص 46) : " سألت أبي عن رجل يصلي الغداة، فلما صلى ركعة قام في الثانية طلعت الشمس قال: يتم الصلاة، هي جائزة. قلت لأبي: فمن زعم أن ذلك لا يجزئه؟ فقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك ". ثم رأيت ابن نجيح البزاز روى في " حديثه " (ق 111 / 1) بسند صحيح عن سعيد ابن المسيب أنه قال: " إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته ". ولعله يعني آخر سجدة من الركعة الأولى، فيكون قولا آخر في المسألة. والله أعلم. الفائدة الثالثة: واعلم أن الحديث إنما هو في المتعمد تأخير الصلاة إلى هذا الوقت الضيق، فهو على هذا آثم بالتأخير، وإن أدرك الصلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم

" تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا، لا يذكر الله فيها إلا قليلا ". رواه مسلم (2 / 110) وغيره من حديث أنس رضي الله عنه. وأما غير المتعمد، وليس هو إلا النائم والساهي، فله حكم آخر، وهو أنه يصليها متى تذكرها ولو عند طلوع الشمس وغروبها، لقوله صلى الله عليه وسلم " من نسي صلاة (أو نام عنها) فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك، فإن الله تعالى يقول: (أقم الصلاة لذكري) ". أخرجه مسلم أيضا (2 / 142) عنه، وكذا البخاري. فإذن هنا أمران: الادراك والإثم: والأول: هو الذي سيق الحديث لبيانه، فلا يتوهمن أحد من سكوته عن الأمر الآخر أنه لا إثم عليه بالتأخير كلا، بل هو آثم على كل حال، أدرك الصلاة، أو لم يدرك، غاية ما فيه أنه اعتبره مدركا للصلاة بإدراك الركعة، وغير مدرك لها إذا لم يدركها، ففي الصورة الأولى صلاته صحيحة مع الإثم، وفي الصورة الأخرى صلاته غير صحيحة مع الإثم أيضا، بل هو به أولى وأحرى، كما لا يخفى على أولي النهى. الفائدة الرابعة: ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " فليتم صلاته "، أي لأنه أدركها في وقتها، وصلاها صحيحة، وبذلك برئت ذمته. وأنه إذا لم يدرك الركعة فلا يتمها. لأنها ليست صحيحة، بسبب خروج وقتها، فليست مبرئة للذمة. ولا يخفى أن مثله وأولى منه من لم يدرك من صلاته شيئا قبل خروج الوقت، أنه لا صلاة له، ولا هي مبرئة لذمته. أي أنه إذا كان الذي لم يدرك الركعة لا يؤمر

بإتمام الصلاة، فالذي لم يدركها إطلاقا أولى أن لا يؤمر بها، وليس ذلك إلا من باب الزجر والردع له عن إضاعة الصلاة، فلم يجعل الشارع الحكيم لمثله كفارة كي لا يعود إلى إضاعتها مرة أخرى، متعللا بأنه يمكنه أن يقضيها بعد وقتها، كلا، فلا قضاء للمتعمد كما أفاده هذا الحديث الشريف وحديث أنس السابق: " لا كفارة لها إلا ذلك ". ومن ذلك يتبين لكل من أوتي شيئا من العلم والفقه في الدين أن قول بعض المتأخرين " وإذا كان النائم والناسى للصلاة - وهما معذوران - يقضيانها بعد خروج وقتها، كان المتعمد لتركها أولى "، أنه قياس خاطئ بل لعله من أفسد قياس على وجه الأرض، لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه، وهو فاسد بداهة، إذ كيف يصح قياس غير المعذور على المعذور والمتعمد على الساهي. ومن لم يجعل الله له كفارة، على من جعل الله له كفارة! ! وما سبب ذلك إلا من الغفلة عن المعنى المراد من هذا الحديث الشريف، وقد وفقنا الله تعالى لبيانه، والحمد لله تعالى على توفيقه. وللعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام مفصل في هذه المسألة، أظن أنه لم يسبق إلى مثله في الإفادة والتحقيق، وأرى من تمام هذا البحث أن أنقل منه فصلين أحدهما في إبطال هذا القياس. والآخر في الرد على من استدل بهذا الحديث على نقيض ما بينا. قال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر القول المتقدم: " فجوابه من وجوه: أحدها المعارضة بما هو أصح منه أو مثله، وهو أن يقال: لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور - المطيع لله ورسوله الذي لم يكن منه تفريط في فعل ما أمر به وقبوله منه - صحته وقبوله من متعد لحدود الله، مضيع لأمره، تارك لحقه عمدا وعدوانا. فقياس هذا على هذا في صحة العبادة، وقبولها منه، وبراءة الذمة بها من أفسد القياس ". الوجه الثاني: أن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها، بل في

نفس وقتها الذي وقته الله له، فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ ويذكر، كما قال صلى الله عليه وسلم: " من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها " رواه البيهقي والدارقطني. فالوقت وقتان: وقت اختيار، ووقت عذر، فوقت المعذور بنوم أو سهو، هو وقت ذكره واستيقاظه، فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها، فكيف يقاس عليه من صلاها في غير وقتها عمدا وعدوانا؟ ! الثالث: أن الشريعة قد فرقت في مواردها ومصادرها بين العامد والناسي، وبين المعذور وغيره، وهذا مما لا خفاء به. فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز. الرابع: أنا لم نسقطها عن العامد المفرط ونأمر بها المعذور، حتى يكون ما ذكرتم حجة علينا، بل ألزمنا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى استدراكها تغليظا عليه، وجوزنا للمعذور غير المفرط. (فصل) : وأما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك " فما أصحه من حديث. وما أراه على مقتضى قولكم! فإنكم تقولون: هو مدرك للعصر، ولو لم يدرك من وقتها شيئا البتة. بمعنى أنه مدرك لفعلها صحيحة منه، مبرئة لذمته، فلو كانت تصح بعد خروج وقتها وتقبل منه، لم يتعلق إدراكها بركعة، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد أن من أدرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا. فإنه أمر أن يوقع جميعها في وقتها، فعلم أن هذا الادراك لا يرفع الإثم، بل هو مدرك آثم، فلو كانت تصح بعد الغروب، لم يكن فرق بين أن يدرك ركعة من الوقت، أو لا يدرك منها شيئا. فإن قلتم: إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم إثما. قيل لكم: النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين إدراك الركعة وعدمها في كثرة الإثم وخفته،

67

وإنما فرق بينهما في الإدراك وعدمه. ولا ريب أن المفوت لمجموعها في الوقت أعظم من المفوت لأكثرها، والمفوت لأكثرها فيه، أعظم من المفوت لركعة منها. فنحن نسألكم ونقول: ما هذا الإدراك الحاصل بركعة؟ أهذا إدراك يرفع الإثم؟ فهذا لا يقوله أحد! أو إدراك يقتضي الصحة، فلا فرق فيه بين أن يفوتها بالكلية أو يفوتها إلا ركعة منها ". 67 - " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه، فقال عمر: سيدنا الله عز وجل، قال: أنزلوه، فأنزلوه ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 141 - 142) عن محمد بن عمرو عن أبيه عن علقمة ابن وقاص، قال: أخبرتني عائشة قالت: " خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس، قالت: فسمعت وئيد الأرض ورائي، يعني حس الأرض، قالت: فالتفت، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس يحمل مجنه، قالت: فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: فمر وهو يرتجز ويقول: ليت قليلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت فاقتحمت حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر ابن الخطاب، وفيهم رجل عليه سبغة له، يعني: مغفرا، فقال عمر: ما جاء بك؟

لعمري والله إنك لجريئة ! وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز؟ قالت: فمازال يلومني حتى تمنيت أن الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها! قالت: فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز أو الفرار إلا إلى الله عز وجل؟ قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش يقال له: ابن العرقة بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله فقطعه، فدعا الله عز وجل سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة، قالت: وكانوا حلفاء مواليه في الجاهلية، قالت: فرقى كلمه، (أي جرحه) وبعث الله عز وجل الريح على المشركين، فكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، فوضع السلاح وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد، قالت: فجاء جبريل عليه السلام وإن على ثناياه لنقع الغبار فقال: أو قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم. قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن يخرجوا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على بني غنم، وهم جيران المسجد حوله، فقال: من مر بكم؟ قالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام، فقالت: فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم، واشتد البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح، قالوا: ننزل على حكم سعد بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انزلوا على حكم سعد بن معاذ، فنزلوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأتي به على حمار عليه أكاف من ليف، وقد حمل عليه، وحف به قومه فقالوا: يا أبا عمرو حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، فلم يرجع إليهم شيئا ولا يلتفت

إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن أن لا أبالي في الله لومة لائم، قال: قال أبو سعيد: فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قوموا إلى سيدكم ... الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم، قال سعد: فإني أحكم أن تقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم الله عز وجل وحكم رسوله، قالت : ثم دعا سعد، قال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب قريش شيئا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، قالت : فانفجر كلمه، وكان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص ورجع إلى قبته التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: فحضره رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، قالت: فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتى، وكانوا كما قال الله عز وجل: (رحماء بينهم) قال علقمة: قلت: أي أمه فكيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته ". قلت: وهذا إسناد حسن. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 128) : " رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث، وبقية رجاله ثقات ". وقال الحافظ في " الفتح " (11 / 43) : " وسنده حسن ". قلت: وأخرجه البخاري (4 / 175) ، وأبو داود (5215) ، وأحمد (2 / 22، 71) ، وأبو يعلى

في " مسنده " (ق 77 / 2) ، من حديث أبي سعيد الخدري: " أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه، فجاء، فقال: قوموا إلى سيدكم، أو قال: خيركم، فقعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: هؤلاء نزلوا على حكمك، قال: فإني أحكم أن تقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، فقال: لقد حكمت بما حكم به الملك ". فائدتان 1ـ اشتهر رواية هذا الحديث بلفظ: " لسيدكم "، والرواية في الحديثين كما رأيت: " إلى سيدكم "، ولا أعلم للفظ الأول أصلا، وقد نتج منه خطأ فقهي وهو الاستدلال به على استحباب القيام للقادم كما فعل ابن بطال وغيره، قال الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل في " التنبيه على الألفاظ التي وقع في نقلها وضبطها تصحيف وخطأ في تفسيرها ومعانيها وتحريف في كتاب الغريبين عن أبي عبيد الهروي " (ق 17 / 2) : ومن ذلك ما ذكره في هذا الباب من ذكر السيد، وقال كقوله لسعد حين قال: " قوموا لسيدكم ". أراد أفضلكم رجلا. قلت: والمعروف أنه قال: " قوموا إلى سيدكم ". قاله صلى الله عليه وسلم لجماعة من الأنصار لما جاء سعد بن معاذ محمولا على حمار وهو جريح ... أي أنزلوه وحملوه، لا قوموا له، من القيام له فإنه أراد بالسيد: الرئيس والمتقدم عليهم، وإن كان غيره أفضل منه ". 2 - اشتهر الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية القيام للداخل، وأنت إذا تأملت في سياق القصة يتبين لك أنه استدلال ساقط من وجوه كثيرة أقواها قوله صلى الله عليه وسلم " فأنزلوه " فهو نص قاطع على أن الأمر بالقيام إلى سعد إنما كان لإنزاله من أجل كونه مريضا، ولذلك قال الحافظ: " وهذه الزيادة تخدش في الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه. وقد احتج به النووي في (كتاب القيام) ... ".

68

68 - " لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: (إن في خلق السموات والأرض) الآية ". رواه أبو الشيخ ابن حبان في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (200 - 201) وابن حبان في " صحيحه " (523 - الموارد) عن يحيى بن زكريا بن إبراهيم بن سويد النخعي أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: " دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة رضي الله عنها، فقال عبد الله ابن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فبكت، وقالت: " قام ليلة من الليالي فقال: يا عائشة ذريني أتعبد لربي، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما يسرك، قالت: فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى. فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، وجاء بلال يؤذن بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدا شكورا؟ لقد نزل " الحديث. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات غير يحيى بن زكريا قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 145) . " سألت أبي عنه؟ قال: ليس به بأس، هو صالح الحديث "؟ والحديث عزاه المنذري في " الترغيب " (2 / 220) لابن حبان في " صحيحه ". وله طريق أخرى عن عطاء. أخرجها أبو الشيخ أيضا (190 - 191) ورجالها ثقات أيضا، غير أبي جناب الكلبي واسمه يحيى بن أبي حية، قال الحافظ في

" التقريب ": " ضعفوه لكثرة تدليسه ". قلت: وقد صرح هنا بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه. فقه الحديث: فيه فضل النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة خشيته، وخوفه من ربه، وإكثاره من عبادته، مع أنه تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهو المنتهى في الكمال البشري. ولا جرم في ذلك فهو سيد البشر صلى الله عليه وسلم. لكن ليس فيه ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قام الليل كله، لأنه لم يقع فيه بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم، ابتدأ القيام من بعد العشاء أو قريبا من ذلك، بل إن قوله: " قام ليلة من الليالي فقال ... " الظاهر أن معناه " قام من نومه.... " " أي نام أوله ثم قام، فهو على هذا بمعنى حديثها الآخر " كان ينام أول الليل، ويحي آخره ... ". أخرجه مسلم (2 / 167) . وإذا تبين هذا فلا يصح حينئذ الاستدلال بالحديث على مشروعية إحياء الليل كله، كما فعل الشيخ عبد الحي اللكنوي في " إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس بدعة "، قال (ص 13) : فدل ذلك على أن نفي عائشة قيام الليل كله محمول على غالب أوقاته صلى الله عليه وسلم ". قلت: يشير بـ " نفي عائشة " إلى حديثها الآخر: " ولم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يتمها إلى الصباح، ولم يقرأ القرآن في ليلة قط ". أخرجه مسلم (2 / 169 - 170) وأبو داود (1342) واللفظ له. قلت: فهذا نص في النفي المذكور لا يقبل التأويل، وحمله على غالب الأوقات إنما يستقيم لو كان حديث الباب صريح الدلالة على أنه صلى الله عليه وسلم قام تلك الليله

69

بتمامها، أما وهو ليس كذلك كما بينا، فالحمل المذكور مردود، ويبقى النفي المذكور سالما من التقييد. وبالتالي تبقى دلالته على عدم مشروعية قيام الليل كله قائمة، خلافا لما ذهب إليه الشيخ عبد الحي في كتابه المذكور. وفيه كثير من المؤاخذات التي لا مجال لذكرها الآن. وإنما أقول: إن طابعه تساهل في سرد الروايات المؤيدة لوجهة نظره، من أحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة، وحسبك مثالا على هذا أنه ذهب إلى تحسين حديث " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " تقليدا منه لبعض المتأخرين. دون أن ينظر في دعواهم، هل هي تطابق الحقيقة، وتوافق القواعد العلمية؟ مع ما في التحسين المذكور من المخالفة لنصوص الأئمة المتقدمين كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " (52) فراجعه لتزداد بصيرة بما ذكرنا. 69 - " مثل القائم على حدود الله والواقع (وفي رواية: والراتع) فيها والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها (وأوعرها) فكان الذي (وفي رواية: الذين) في أسفلها إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم فتأذوا به (وفي رواية: فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاه فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا) ، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا فاستقينا منه ولم نؤذ من فوقنا (وفي رواية: ولم نمر على أصحابنا فنؤذيهم) فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة،

فأتوه فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولابد لي من الماء. فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا وأنجوا جميعا ". رواه البخاري (2 / 111، 164) والترمذي (2 / 26) والبيهقي (10 / 288) وأحمد (4 / 268، 270، 273) من طريق زكريا بن أبي زائدة والأعمش عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقد تابعهما مجالد بن سعيد عند أحمد (4 / 273) وهو ضعيف وفي سياقه زيادة " ... مثل ثلاثة ركبوا في سفينة فصار لأحدهم أسفلها وأوعرها ... ". وتابعهما غيره فقال ابن المبارك في " الزاهد " (ق 219 / 2) : أنا الأجلح عن الشعبي به ولفظه: " إن قوما ركبوا سفينة فاقتسموها، فأصاب كل رجل منهم مكانا، فأخذ رجل منهم الفأس فنقر مكانه، قالوا: ما تصنع؟ فقال مكاني أصنع به ما شئت! فإن أخذوا على يديه نجوا ونجا، وإن تركوه غرق وغرقوا، فخذوا على أيدي سفهائكم قبل أن تهلكوا ". وأخرجه ابن المبارك في " حديثه " أيضا (ج 2 / 107 / 2) ومن طريقه ابن أبي الدنيا في " الأمر بالمعروف " (ق 27 / 2) . لكن الأجلح هذا - وهو ابن عبد الله أبو حجية الكندي - فيه ضعف، لاسيما عن الشعبي،

70

قال العقيلي: " روى عن الشعبي أحاديث مضطربة لا يتابع عليها ". قلت: وهذا اللفظ هو الذي شاع في هذا الزمان عند بعض الكتاب والمؤلفين فأحببت أن أنبه على ضعفه، وأن أرشد إلى أن اللفظ الأول هو الصحيح المعتمد، وقد ضممت إليه ما وقفت عليه من الزيادات الصحيحة. والله الموفق. 70 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلع لسانه للحسن بن علي فيرى الصبي حمرة لسانه فيبهش إليه ". رواه أبو الشيخ ابن حبان في " كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه " (ص 90) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. قلت: وهذا إسناد حسن.

71

(قوله) فيبهش. أي يسرع. في " النهاية ": " يقال للإنسان إذا نظر إلى الشيء فأعجبه واشتهاه وأسرع إليه: قد بهش إليه ". 71 - " كان إذا قرب إليه الطعام يقول: بسم الله، فإذا فرغ قال: اللهم أطعمت وأسقيت وأقنيت وهديت وأحييت، فلله الحمد على ما أعطيت ". رواه أحمد (4 / 62، 5 / 375) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص 238) عن بكر بن عمرو عن عبد الله بن هبيرة السبائي عن عبد الرحمن ابن جبير أنه حدثه رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين أنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب ". الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. (أقنيت) أي ملكت المال وغيره. وفي هذا الحديث أن التسمية في أول الطعام بلفظ " بسم الله " لا زيادة فيها، وكل الأحاديث الصحيحة التي وردت في الباب كهذا الحديث ليس فيها الزيادة، ولا أعلمها وردت في حديث، فهي بدعة عند الفقهاء بمعنى البدعة، وأما المقلدون فجوابهم معروف: " شو فيها؟ ! ". فنقول: فيها كل شيء وهو الاستدراك على الشارع الحكيم الذي ما ترك شيئا يقربنا إلى الله إلا أمرنا به وشرعه لنا، فلو كان ذلك مشروعا ليس فيه شيء لفعله ولو مرة واحدة، وهل هذه الزيادة إلا كزيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من العاطس بعد

72

الحمد. وقد أنكرها عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما في " مستدرك الحاكم "، وجزم السيوطي في " الحاوي للفتاوي " (1 / 338) بأنها بدعة مذمومة، فهل يستطيع المقلدون الإجابة عن السبب الذي حمل السيوطي على الجزم بذلك!! قد يبادر بعض المغفلين منهم فيتهمه - كما هي عادتهم - بأنه وهابي! مع أن وفاته كانت قبل وفاة محمد بن عبد الوهاب بنحو ثلاثمائة سنة! ! ويذكرني هذا بقصة طريفة في بعض المدارس في دمشق، فقد كان أحد الأساتذة المشهورين من النصارى يتكلم عن حركة محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية، ومحاربتها للشرك والبدع والخرافات ويظهر أنه أطرى في ذلك فقال بعض تلامذته: يظهر أن الأستاذ وهابي! ! وقد يسارع آخرون إلى تخطئة السيوطي، ولكن أين الدليل؟ ! والدليل معه وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ". متفق عليه. وفي الباب غيره مما سنجمعه في كتابنا الخاص بالبدعة، نسأل الله تعالى أن ييسر لنا إتمامه بمنه وفضله. 72 - " أحب للناس ما تحب لنفسك ". رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 4 / 317 / 3155) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (53 / 2) وابن سعد (7 / 428) والقطيعي في " الجزء المعروف بالألف دينار " (29 / 2) عن سيار عن خالد بن عبد الله القسري عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لجده يزيد بن أسيد.... " فذكره.

ورواه عن روح بن عطاء بن أبي ميمونة، قال، حدثنا سيار به إلا أنه قال: حدثني أبي عن جدي قال: " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتحب الجنة؟ وقال فأحب.. " الحديث. رواه بن عساكر (5 / 242) عن القطيعي من الوجه الثاني والحاكم (4 / 168) وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. قلت: وخالد بن عبد الله القسري هو الدمشقي الأمير قال الذهبي في " الميزان " " صدوق، لكنه ناصبي بغيض ظلوم، قال بن معين: رجل سوء يقع في علي رضى الله عنه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (2 / 72) . وأبوه عبد الله بن يزيد أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 197) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 123) . والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 186) ! " رواه عبد الله والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه ورجاله ثقات ". وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ: " وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا ". الحديث. أخرجه الترمذي (2 / 50) وأحمد (2 / 310) . وقال الترمذي: " حديث غريب، والحسن لم يسمع من أبي هريرة ". قلت: وراويه عن الحسن - وهو البصري - أبو طارق وهو مجهول كما في

73

" التقريب " ومما يشهد له أيضا: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (من الخير) ". 73 - " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه (من الخير) ". أخرجه البخاري (1 / 11) ، ومسلم (1 / 49) ، وأبو عوانة في " صحيحه " (1 / 33) ، والنسائي (2 / 271، 274) ، والترمذي (2 / 84) ، والدارمي (2 / 307) ، وابن ماجه (رقم 66) ، والطيالسي (رقم 2004) ، وأحمد (3 / 177، 207، 275، 278) من حديث أنس بن مالك مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث صحيح ". والزيادة لأبي عوانة والنسائي وأحمد في رواية لهم وإسنادها صحيح. وللحديث شاهد من حديث علي مرفوعا بلفظ: " للمسلم على المسلم ست.... ويحب له ما يحب لنفسه، وينصح له بالغيب ". أخرجه الدارمي (2 / 275 - 276) ، وابن ماجه (1433) ، وأحمد (1 / 89) بسند ضعيف. واعلم أن هذه الزيادة " من الخير " زيادة هامة تحدد المعنى المراد من الحديث بدقة، إذ أن كلمة (الخير) كلمة جامعة تعم الطاعات والمباحات الدنيوية والأخروية وتخرج المنهيات، لأن اسم الخير لا يتناولها، كما هو واضح. فمن كمال خلق المسلم أن يحب لأخيه المسلم من الخير مثلما يحب لنفسه. وكذلك أن يبغض لأخيه ما

74

يبغض لنفسه من الشر، وهذا وإن لم يذكره في الحديث، فهو من مضمونه، لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه، فترك التنصيص عليه اكتفاء كما قال الكرماني ونقله الحافظ في " فتح الباري " (1 / 54) وأقره. 74 - " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم ". أخرجه الترمذي (2 / 242) ، والحاكم (1 / 496) ، وإسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (رقم 54 طبع المكتب الإسلامي) ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 443) ، وأحمد (2 / 446، 453، 481، 484، 495) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 130) عن سفيان الثوري عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة مرفوعا ".

75

ثم رواه من طريق أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد معا مرفوعا قال: " مثله "، ولم يسق لفظه. كذا قال: " مثله "، وعندي وقفة في كون حديث الأغر مثله، فقد أخرجه مسلم (8 / 72) وابن ماجه (2 / 418) بلفظ: " ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه، إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده ". 75 - " ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة وتغشتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده ". والسياق لابن ماجه، ورواه الترمذي قبل حديث الباب بحديثين وقال: " حسن صحيح ".، وقوله: " مثله ". فالله أعلم. فإني في شك من ثبوت ذلك عن الترمذي وإن كان ورد ذلك في بعض نسخ كتابه. فقد أورد السيوطي في " الجامع الصغير " هذا الحديث من رواية الترمذي، وابن ماجه عن أبي هريرة وأبي سعيد معا. وفي عزوه لابن ماجه نظر أيضا، فإني لم أجد عنده إلا اللفظ الثاني الذي رواه مسلم. والعلم عند الله تعالى. ولم يقع في نسخة " السنن " التي عليها شرح " تحفة الأحوذي " سوق هذا الإسناد الثاني عقب حديث الباب. ولهذا اللفظ عنده طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: ".... وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه

76

بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة ... " والباقي مثله. وصالح مولى التوأمة الذي في اللفظ الأول ضعيف لاختلاطه، ولكنه لم يتفرد به بل تابعه جماعة منهم: أبو صالح السمان ذكوان بلفظ: " ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا فيه الله عز وجل، ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة للثواب ". 76 - " ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا فيه الله عز وجل ويصلوا على النبي صلى الله عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة وإن دخلوا الجنة للثواب ". رواه أحمد (2 / 463) ، وابن حبان في " صحيحه " (2322 - موارد) ، والحاكم (1 / 492) ، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (237 / 1) ، من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وإسناده صحيح. وقال الهيثمي (10 / 79) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ". وأخرجه ابن الجوزي في " منهاج القاصدين " (1 / 72 / 2) لكن وقع عنده عن أبي سعيد الخدري، بدل " أبي هريرة "، فلعله وهم من بعض رواته. قلت: ورواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ: " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا على مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة ". 77 - " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار وكان عليهم حسرة يوم القيامة ". (عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه) : رواه أبو داود (4855) ، والطحاوي (2 / 367) ، وأبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (229) ، وابن بشران في " الأمالي " (30 / 6 / 1 عام 3927) ، وابن السني (439) ، والحاكم (1 / 492) ، وأبو نعيم (7 / 207)

78

وأحمد (2 / 389، 515، 527) . وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ومنهم سعيد بن أبي سعيد المقبري ولفظه: " من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة، ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه، كانت عليه من الله ترة ". 78 - " من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ومن اضطجع مضجعا لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ". رواه أبو داود (4856، 5059) . والحميدي في " مسنده " (1158) الشطر الأول وابن السني (743) الشطر الثاني فقط من طريق محمد بن عجلان عنه. قلت: وهذا إسناد حسن. وعزاه المنذري في " الترغيب " (2 / 235) لأبي داود بهذا اللفظ وبزيادة:

79

" وما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه، إلا كان عليه من الله ترة "، ثم قال: " ورواه أحمد وابن أبي الدنيا والنسائي وابن حبان في " صحيحه " كلهم بنحو أبي داود ". ولي عليه ملاحظتان: الأولى: أن الزيادة المذكورة ليست عند أبي داود في الموضعين المشار إليهما من كتابه وإنما هي عند ابن حبان (2321) : وعنده بدل قضية الاضطجاع: " وما أوى أحد إلى فراشه ولم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة ". (ترة) أي نقصا، والهاء فيه عوض من الواو المحذوفة. الثانية: أن أحمد لم يروه من هذا الطريق باللفظ المذكور، وإنما رواه من طريق أخرى باللفظ الآتي: ومنهم أبو إسحاق مولى الحارث ولفظه: " ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه، إلا كان عليهم ترة، وما من رجل مشى طريقا فلم يذكر الله عز وجل، إلا كان عليه ترة، وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر الله، إلا كان عليه ترة ". 79 - " ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة وما من رجل مشى طريقا فلم يذكر الله عز وجل إلا كان عليه ترة وما من رجل أوى إلى فراشه فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة ". رواه أحمد (2 / 432) ، وابن السني (375) ، والحاكم (1 / 550) عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي إسحاق به. وقال أحمد: " عن إسحاق " وقال الحاكم: " عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث " وقال:

80

" صحيح على شرط البخاري ". وقال الذهبي: " على شرط مسلم ". قلت: وفي كل ذلك نظر، فإن إسحاق هذا إن كان ابن عبد الله بن الحارث كما وقع لدى الحاكم فليس من رجال البخاري ولا مسلم ولكنه ثقة روى عنه جماعة. وإن كان أبا إسحاق مولى الحارث فلا يعرف كما قال الذهبي، وإن كان إسحاق غير منسوب فلم أعرفه. وفي " المجمع " (10 / 80) : " رواه أحمد وأبو إسحاق مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل لم يوثقه أحد، ولم يجرحه أحد وبقية رجال أحد إسنادي أحمد رجال الصحيح ". وله شاهد من حديث ابن عمرو بلفظ: " ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه، إلا رأوه حسرة يوم القيامة ". 80 - " ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة ". (عن ابن عمرو) : أخرجه أحمد (2 / 124) بإسناد حسن. وقال الهيثمي: " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ". شاهد ثان: أخرجه الطيالسي (1756) عن جابر بسند على شرط مسلم.

وله شاهد آخر عن عبد الله بن مغفل مثله. أخرجه ابن الضريسي في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الفراهيدي " (8 / 1 - 2) بسند لا بأس به في المتابعات والشواهد، رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجالهما رجال الصحيح والبيهقي كما في " الترغيب " (2 / 236) . فقه الحديث: لقد دل هذا الحديث الشريف وما في معناه على وجوب ذكر الله سبحانه وكذا الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في كل مجلس، ودلالة الحديث على ذلك من وجوه: أولا - قوله: " فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم " فإن هذا لا يقال إلا فيما كان فعله واجبا وتركه معصية. ثانيا - قوله: " وإن دخلوا الجنة للثواب ". فإنه ظاهر في كون تارك الذكر والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، يستحق دخول النار، وإن كان مصيره إلى الجنة ثوابا على إيمانه. ثالثا: قوله: " وإلا قاموا على مثل جيفة حمار ". فإن هذا التشبيه يقتضي تقبيح عملهم كل التقبيح، وما يكون ذلك - إن شاء الله تعالى - إلا فيما هو حرام ظاهر التحريم. والله أعلم. فعلى كل مسلم أن يتنبه لذلك، ولا يغفل عن ذكر الله عز وجل، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، في كل مجلس يقعده، وإلا كان عليه ترة وحسرة يوم القيامة. قال المناوي في " فيض القدير ":

81

" فيتأكد ذكر الله، والصلاة على رسوله عند إرادة القيام من المجلس، وتحصل السنة في الذكر والصلاة بأي لفظ كان، لكن الأكمل في الذكر " سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، وفي الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما في آخر التشهد ". قلت: والذكر المشار إليه هو المعروف بكفارة المجلس، وقد جاء فيه عدة أحاديث أذكر واحدا منها هو أتمها: وهو كفارة المجلس: " من قال: سبحان الله وبحمده، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر، كانت كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارة له ". 81 - " من قال: سبحان الله وبحمده سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه ومن قالها في مجلس لغو كانت كفارة له ". أخرجه الطبراني (1 / 79 / 2) والحاكم (1 / 537) من طريق نافع بن جبير ابن مطعم عن أبيه مرفوعا. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وعزاه المنذري (2 / 236) للنسائي والطبراني، قال: " ورجالهما رجال الصحيح ". وقال الهيثمي (10 / 142 و 423) : " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ".

82

قلت: وفي رواية للطبراني زيادة: " يقولها ثلاث مرات " وقد سكت عليها الهيثمي، وليس بجيد، فإن في سندها خالد بن يزيد العمري وقد كذبه أبو حاتم ويحيى، وقال ابن حبان: " يروي الموضوعات عن الأثبات ". فهذه الزيادة واهية لا يلتفت إليها. 82 - " لا أشبع الله بطنه. يعني معاوية ". رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (2746) : حدثنا هشام وأبو عوانة عن أبي حمزة القصاب عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية ليكتب له: فقال: إنه يأكل ثم بعث إليه، فقال: إنه يأكل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي أبي حمزة القصاب واسمه عمران بن أبي عطاء كلام من بعضهم لا يضره، فقد وثقه جماعة من الأئمة منهم أحمد وابن معين وغيرهما، ومن ضعفه لم يبين السبب، فهو جرح مبهم غير مقبول، وكأنه لذلك احتج به مسلم، وأخرج له هذا الحديث في " صحيحه " (8 / 27) من طريق شعبة عن أبي حمزة القصاب به. وأخرجه أحمد (1 / 240، 291، 335، 338) عن شعبة وأبي عوانة عنه به،

83

دون قوله: " لا أشبع الله بطنه " وكأنه من اختصار أحمد أو بعض شيوخه، وزاد في رواية: " وكان كاتبه " وسندها صحيح. وقد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه، وليس فيه ما يساعدهم على ذلك، كيف وفيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! ولذلك قال الحافظ ابن عساكر (16 / 349 / 2) " إنه أصح ما ورد في فضل معاوية " فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود، بل هو ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله صلى الله عليه وسلم في بعض نسائه " عقرى حلقى " و " تربت يمينك ". ويمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة متواترة. منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا قلت: يا رسول الله من أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان؟ قال: وما ذاك؟ قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما، قال: " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا ". 83 - " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟ قلت: اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة وأجرا ". رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد هو " باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه وليس هو أهلا لذلك كان له زكاة وأجرا ورحمة ". ثم ساق فيه من حديث أنس بن مالك قال:

84

" كانت عند أم سليم يتيمة وهي أم أنس، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليتيمة، فقال: آنت هي؟ لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ فقالت الجارية: دعا علي نبي الله صلى الله عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا، أو قالت: قرني، فخرجت أم سليم مستعجله تلوث خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك يا أم سليم؟ فقالت يا نبي الله، أدعوت على يتيمتي؟ قال: وما ذاك يا أم سليم؟ قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها، ولا يكبر قرنها قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة ". 84 - " يا أم سليم! أما تعلمين أن شرطي على ربي؟ أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر وأغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة ". (عن أم سليم) : ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية وبه ختم الباب، إشارة منه رحمه الله إلى أنها من باب واحد، وفي معنى واحد، فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه صلى الله عليه وسلم عليه بل هو لها زكاة وقربة، فكذلك دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية. وقد قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم " (2 / 325 طبع الهند) : " وأما دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية ففيه جوابان: أحدهما: أنه جرى على اللسان بلا قصد. والثانى: أنه عقوبة له لتأخره، وقد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه، فلهذا أدخله في هذا الباب، وجعله غيره من

مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له ". وقد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء " (9 / 171 / 2) : " قلت: لعل أن، يقال: هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة ورحمة ". واعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث: " إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر.. " إنما هو تفصيل لقول الله تبارك وتعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم، يوحى إلي....) الآية. وقد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء، إلى إنكار مثل هذا الحديث بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتنزيهه عن النطق به! ولا مجال إلى مثل هذا الإنكار فإن الحديث صحيح، بل هو عندنا متواتر، فقد رواه مسلم من حديث عائشة وأم سلمة كما ذكرنا، ومن حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما، وورد من حديث سلمان وأنس وسمرة وأبي الطفيل وأبي سعيد وغيرهم. انظر " كنز العمال " (2 / 124) . وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا، إنما يكون بالإيمان بكل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا، وبذلك يجتمع الإيمان به صلى الله عليه وسلم عبدا ورسولا، دون إفراط ولا تفريط، فهو صلى الله عليه وسلم بشر، بشهادة الكتاب والسنة، ولكنه سيد البشر وأفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث الصحيحة. وكما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما حباه الله تعالى به من الأخلاق الكريمة، والخصال الحميدة، التي لم تكتمل في بشر اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم، وصدق الله العظيم، إذ خاطبه بقوله الكريم: (وإنك لعلى خلق عظيم) .

85

85 - " ارحلوا لصاحبيكم واعملوا لصاحبيكم! ادنوا فكلا ". رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في " المصنف " (ج 2 / 149 / 2) ، والفريابي في " الصيام " (4 / 64 / 1) عنه وعن أخيه عثمان بن أبي شيبة، قالا: حدثنا عمر بن سعد أبو داود عن سفيان عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام وهو بـ (مر الظهران) ، فقال لأبي بكر وعمر: ادنوا فكلا، فقالا: إنا صائمان، فقال: ارحلوا لصاحبيكم " الحديث. وكذا أخرجه النسائي (1 / 315) وابن دحيم في " الأمالي " (2 / 1) من طرق أخرى عن عمر بن سعد به. ثم أخرجه النسائي من طريق محمد بن شعيب: أخبرني الأوزاعي به مرسلا لم يذكر أبا هريرة، وكذلك أخرجه من طريق علي - وهو ابن المبارك - عن يحيى به. ولعل الموصول أرجح، لأن الذي وصله وهو سفيان عن الأوزاعي ثقة، وزيادة الثقة مقبولة ما لم تكن منافية لمن هو أوثق منه. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " وقال: " فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار ".

كما في " فتح الباري " (4 / 158) . وأخرجه الحاكم (1 / 433) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي! وإنما هو على شرط مسلم وحده، فإن عمر بن سعد لم يخرج له البخاري شيئا. والغرض من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " ارحلوا لصاحبيكم ... " الإنكار وبيان أن الأفضل أن يفطرا ولا يحوجا الناس إلى خدمتهما، ويبين ذلك ما روى الفريابي (67 / 1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " لا تصم فى السفر فإنهم إذا أكلوا طعاما قالوا: ارفعوا للصائم! وإذا عملوا عملا قالوا: اكفلوا للصائم! فيذهبوا بأجرك ". ورجاله ثقات. قلت: ففي الحديث توجيه كريم، إلى خلق قويم، وهو الاعتماد على النفس، وترك التواكل على الغير، أو حملهم على خدمته، ولو لسبب مشروع كالصيام، أفليس في الحديث إذن رد واضح على أولئك الذين يستغلون عملهم، فيحملون الناس على التسارع في خدمتهم، حتى في حمل نعالهم؟ ! ولئن قال بعضهم: لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخدمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن خدمة، حتى كان فيهم من يحمل نعليه صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله بن مسعود. فجوابنا نعم، ولكن هل احتجاجهم بهذا لأنفسهم إلا تزكية منهم لها، واعتراف بأنهم ينظرون إليها على أنهم ورثته صلى الله عليه وسلم في العلم حتى يصح لهم هذا القياس؟ ! وايم الله لو كان لديهم نص على أنهم الورثة لم يجز لهم هذا القياس،

86

فهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالخيرية، وخاصة منهم العشرة المبشرين بالجنة، فقد كانوا خدام أنفسهم، ولم يكن واحد منهم يخدم من غيره، عشر معشار ما يخدم أولئك المعنيين من تلامذتهم ومريديهم! فكيف وهم لا نص عندهم بذلك، ولذلك فإني أقول: إن هذا القياس فاسد الاعتبار من أصله، هدانا الله تعالى جميعا سبيل التواضع والرشاد. 86 - " من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة ". رواه أحمد (5 / 360) عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، قلت: سمعتك يا رسول الله تقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة، قال: له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة ". قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات محتج بهم في " صحيح مسلم ". ثم رأيته في " المستدرك " (2 / 29) وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي فأخطأ لأن سليمان هذا لم يخرج له البخاري، وإنما الذي

87

أخرج له الشيخان هو أخوه عبد الله بن بريدة. 87 - " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: " لا إله إلا الله " فنحن نقولها ". أخرجه ابن ماجه (4049) والحاكم (4 / 473) من طريق أبي معاوية عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان مرفوعا به، وزاد: " قال صلة بن زفر لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما

صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة! تنجيهم من النار. ثلاثا ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 247 / 1) : " إسناده صحيح، رجاله ثقات ".

(يدرس) من درس الرسم دروسا: إذا عفا وهلك. (وشي الثوب) نقشه. من فوائد الحديث: وفي هذا الحديث نبأ خطير، وهو أنه سوف يأتي يوم على الإسلام يمحى أثره، وعلى القرآن فيرفع فلا يبقى منه ولا آية واحدة، وذلك لا يكون قطعا إلا بعد أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها، وتكون كلمته فيها هي العليا. كما هو نص قول الله تبارك وتعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) ، وكما شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في أحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها في المقال الأول من هذه المقالات (الأحاديث الصحيحة) . وما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان إلا تمهيدا لإقامة الساعة على شرار الخلق الذين لا يعرفون شيئا من الإسلام البتة، حتى ولا توحيده! وفي الحديث إشارة إلى عظمة القرآن، وأن وجوده بين المسلمين هو السبب لبقاء دينهم ورسوخ بنيانه وما ذلك إلا بتدارسه وتدبره وتفهمه ولذلك تعهد الله تبارك وتعالى بحفظه، إلى أن يأذن الله برفعه. فما أبعد ضلال بعض المقلدة الذين يذهبون إلى أن الدين محفوظ بالمذاهب الأربعة، وأنه لا ضير على المسلمين من ضياع قرآنهم لو فرض وقوع ذلك! ! هذا ما كان صرح لي به أحد كبار المفتين من الأعاجم وهو يتكلم العربية الفصحى بطلاقة وذلك لما جرى الحديث بيني وبينه حول الاجتهاد والتقليد. قال - ما يردده كثير من الناس -: إن الاجتهاد أغلق بابه منذ القرن الرابع! فقلت له: وماذا نفعل بهذه الحوادث الكثيرة التي تتطلب معرفة حكم الله فيها اليوم؟ قال: إن هذه الحوادث مهما

كثرت فستجد الجواب عنها في كتب علمائنا إما عن عينها أو مثلها. قلت: فقد اعترفت ببقاء باب الاجتهاد مفتوحا ولا بد! قال: وكيف ذلك؟ قلت: لأنك اعترفت أن الجواب قد يكون عن مثلها، لا عن عينها وإذ الأمر كذلك، فلابد من النظر في كون الحادثه في هذا العصر، هي مثل التي أجابوا عنها، وحين ذلك فلا مناص من استعمال النظر والقياس وهو الدليل الرابع من أدلة الشرع، وهذا معناه الاجتهاد بعينه لمن هو له أهل! فكيف تقولون بسد بابه؟ ! ويذكرني هذا بحديث آخر جرى بيني وبين أحد المفتين شمال سورية، سألته: هل تصح الصلاة في الطائرة؟ قال: نعم. قلت: هل تقول ذلك تقليدا أم اجتهادا؟ قال: ماذا تعني؟ قلت: لا يخفى أن من أصولكم في الإفتاء، أنه لا يجوز الإفتاء باجتهاد، بل اعتمادا على نص من إمام، فهل هناك نص بصحة الصلاة في الطائرة؟ قال: لا، قلت: فكيف إذن خالفتم أصلكم هذا فأفتيتم دون نص؟ قال: قياسا. قلت: ما هو المقيس عليه؟ قال: الصلاة في السفينة. قلت: هذا حسن، ولكنك خالفت بذلك أصلا وفرعا، أما الأصل فما سبق ذكره، وأما الفرع فقد ذكر الرافعي في شرحه أن المصلي لو صلى في أرجوحة غير معلقة بالسقف ولا مدعمة بالأرض فصلاته باطلة. قال: لا علم لي بهذا. قلت: فراجع الرافعي إذن لتعلم أن (فوق كل ذي علم عليم) ، فلو أنك تعترف أنك من أهل القياس والاجتهاد وأنه يجوز لك ذلك ولو في حدود المذهب فقط، لكانت النتيجة أن الصلاة في الطائرة باطلة لأنها هي التي يتحقق فيها ما ذكره الرافعي من الفرضية الخيالية يومئذ. أما نحن فنرى أن الصلاة في الطائرة صحيحة لا شك في ذلك، ولئن كان السبب في صحة الصلاة في السفينة أنها مدعمة بالماء بينها وبين الأرض، فالطائرة أيضا مدعمة بالهواء بينها وبين الأرض. وهذا هو الذي بدا لكم في أول الأمر حين بحثتم استقلالا، ولكنكم لما علمتم بذلك الفرع المذهبي صدكم عن القول بما أداكم إليه بحثكم! ؟

أعود إلى إتمام الحديث مع المفتي الأعجمي، قلت له: وإذا كان الأمر كما تقولون: إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى مجتهدين لأن المفتي يجد الجواب عن عين المسألة أو مثلها، فهل يترتب ضرر ما لو فرض ذهاب القرآن؟ قال: هذا لا يقع، قلت: إنما أقول: لو فرض، قال: لا يترتب أي ضرر لو فرض وقوع ذلك! قلت: فما قيمة امتنان الله عز وجل إذن على عباده بحفظ القرآن حين قال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) ، إذا كان هذا الحفظ غير ضروري بعد الأئمة ؟ ! والحقيقة أن هذا الجواب الذي حصلنا عليه من المفتي بطريق المحاورة، هو جواب كل مقلد على وجه الأرض، وإنما الفرق أن بعضهم لا يجرؤ على التصريح به، وإن كان قلبه قد انطوى عليه. نعوذ بالله من الخذلان. فتأمل أيها القارىء اللبيب مبلغ ضرر ما نشكو منه، لقد جعلوا القرآن في حكم المرفوع، وهو لا يزال بين ظهرانينا والحمد لله، فكيف يكون حالهم حين يسرى عليه في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية؟ ! فاللهم هداك. حكم تارك الصلاة: هذا وفي الحديث فائدة فقهية هامة، وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة ولو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام الخمسة الأخرى كالصلاة وغيرها، ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك، بل يفسق وذهب أحمد إلى أنه يكفر وأنه يقتل ردة، لا حدا، وقد صح عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. رواه الترمذي والحاكم، وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور، وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم كانوا يريدون بـ (الكفر) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار ولا يحتمل أن يغفره الله له، كيف ذلك وهذا حذيفة بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة - يرد

على صلة بن زفر وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له، فيقول: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة.... " فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه: " يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثا ". فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة، ومثلها بقية الأركان ليس بكافر، بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة. فاحفظ هذا فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان. وفي الحديث المرفوع ما يشهد له، ولعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. ثم وقفت على " الفتاوى الحديثية " (84 / 2) للحافظ السخاوي، فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة وهي مشهورة معروفة: " ولكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحدا لوجودها مع كونه ممن نشأ بين المسلمين، لأنه يكون حينئذ كافرا مرتدا بإجماع المسلمين، فإن رجع إلى الإسلام قبل منه، وإلا قتل. وأما من تركها بلا عذر، بل تكاسلا مع اعتقاد وجوبها، فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر، وأنه - على الصحيح أيضا - بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري، كأن يترك الظهر مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد، ثم يقتل إن لم يتب، ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه. ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه. وهو وجوب العمل، جمعا بين هذه النصوص وبين ما صح أيضا عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله - فذكر الحديث. وفيه: " إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له " وقال أيضا: " من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة " إلى غير ذلك. ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه ولو كان كافرا لم يغفر له، ولم يرث ولم يورث ". وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في " حاشيته على المقنع "،

(1 / 95 - 96) وختم البحث بقوله: " ولأن ذلك إجماع المسلمين، فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة، ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كفر لثبتت هذه الأحكام. وأما الأحاديث المتقدمة، فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة، كقوله عليه الصلاة والسلام: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، وقوله " من حلف بغير الله فقد أشرك " وغير ذلك. قال الموفق: وهذا أصوب القولين ". أقول: نقلت هذا النص من " الحاشية " المذكورة، ليعلم بعض متعصبة الحنابلة، أن الذي ذهبت إليه، ليس رأيا لنا تفردنا به دون أهل العلم، بل هو مذهب جمهورهم، والمحققين من علماء الحنابلة أنفسهم، كالموفق هذا، وهو ابن قدامة المقدسي، وغيره، ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة، تحملهم إن شاء الله تعالى، على ترك غلوائهم، والاعتدال في حكمهم. بيد أن هنا دقيقة، قل من رأيته تنبه لها، أو نبه عليها، فوجب الكشف عنها وبيانها. فأقول: إن التارك للصلاة كسلا إنما يصح الحكم بإسلامه، ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه، أو يدل عليه، ومات على ذلك، قبل أن يستتاب كما هو الواقع في هذا الزمان، أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة، فاختار القتل عليها، فقتل، فهو في هذه الحالة يموت كافرا، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا تجري عليه أحكامهم، خلافا لما سبق عن السخاوي لأنه لا يعقل - لو كان غير جاحد لها في قلبه - أن يختار القتل عليها، هذا أمر مستحيل، معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان، لا يحتاج إثباته إلى برهان. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموعة الفتاوى " (2 / 48) :

88

" ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها ولا ملتزما بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة.... فمن كان مصرا على تركها حتى يموت، لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلما مقرا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادرا ولم يفعل قط، علم أن الداعي في حقه لم يوجد ". 88 - " ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة ". رواه مسلم في " صحيحه " (7 / 100) والبخاري في " الأدب المفرد " (رقم 515) وابن عساكر في " تاريخه " (ج 9 / 288 / 1) من طريق مروان بن معاوية قال: حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر أنا، قال: من شهد منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: من أطعم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا، قال مروان: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والسياق للبخارى. وليس عند مسلم وابن عساكر " قال مروان: بلغني " بل

89

هذا البلاغ عندهما متصل بأصل الحديث من طريقين عن مروان. وهو الأصح إن شاء الله تعالى. والحديث عزاه المنذري في " الترغيب " (4 / 162) لابن خزيمة فقط في " صحيحه " ! وله طريق أخرى عند ابن عساكر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة نحوه. ولبعضه شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر بلفظ: " هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل، فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن، فأخذتها منه، فدفعتها إليه ". أخرجه أبو داود وغيره وإسناده ضعيف كما بينته في الأحاديث " الضعيفة " (1400) . وفيه فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه والبشارة له بالجنة، والأحاديث في ذلك كثيرة طيبة. وفيه فضيلة الجمع بين هذه الخصال في يوم واحد، وأن اجتماعها في شخص بشير له بالجنة، جعلنا الله من أهلها. 89 - " إن أول ما يكفئ - يعني الإسلام - كما يكفأ الإناء - يعني الخمر -، فقيل: كيف يا رسول الله، وقد بين الله فيها ما بين؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسمونها بغير اسمها ". رواه الدارمي (2 / 114) : حدثنا زيد بن يحيى حدثنا محمد بن راشد عن أبي وهب الكلاعي عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

فذكره. قلت: وهذا سند حسن، القاسم بن محمد هو ابن أبي بكر الصديق - ثقة أحد الفقهاء في المدينة، احتج به الجماعة. وأبو وهب الكلاعي اسمه عبيد الله بن عبيد وثقه دحيم. وقال ابن معين: لا بأس به. ومحمد بن راشد هو المكحولي الخزاعي الدمشقي، وثقه جماعة من كبار الأئمة كأحمد وابن معين وغيرهما، وضعفه آخرون. وتوسط فيه أبو حاتم فقال: " كان صدوقا حسن الحديث ". قلت: وهذا هو الراجح لدينا، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". وزيد بن يحيى، هو إما زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي أبو عبد الله الدمشقي، وإما زيد بن أبي الزرقاء يزيد الموصلي أبو محمد نزيل الرملة، ولم يترجح لدي الآن أيهما المراد هنا، فكلاهما روى عن محمد بن راشد، ولكن أيهما كان فهو ثقة. وقد وجدت للحديث طريقا أخرى، أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (225 / 1) وابن عدي (ق 264 / 2) عن الفرات بن سلمان عن القاسم به، ولفظه: " أول ما يكفأ الإسلام كما يكفأ الإناء في شراب يقال له: الطلاء ".

ثم رواه ابن عدي عن الفرات قال: حدثنا أصحاب لنا عن القاسم به. وقال: " الفرات هذا لم أر المتقدمين صرحوا بضعفه، وأرجو أنه لا بأس به، لأني لم أر في رواياته حديثا منكرا ". قلت: وقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 80) : " سألت أبي عنه؟ فقال: لا بأس به، محله الصدق، صالح الحديث ". وقال أحمد: " ثقة ". كما في " الميزان " و " اللسان ". قلت: فالإسناد صحيح، ولا يضره جهالة أصحاب الفرات، لأنهم جمع ينجبر به جهالتهم، ولعل منهم أبا وهب الكلاعي فإنه قد رواه عن القاسم كما في الطريق الأولى، فالحديث صحيح. وقول الذهبي في ترجمة الفرات: " حديث منكر " منكر من القول، ولعله لم يقف على الطريق الأولى، بل هذا هو الظاهر. والله أعلم. والحديث مما فات السيوطي فلم يورده في " الجامع الكبير "، لا في بابا " إن " ولا في " أول " وإنما أورد فيه ما قد يصلح أن يكون شاهدا لهذا فقال (1 / 274 / 2) : " أول ما يكفأ أمتي عن الإسلام كما يكفأ الإناء، في الخمر. ابن عساكر عن ابن عمرو ". ثم رأيته في " تاريخه " (18 / 76 / 1) عن زيد بن يحيى بن عبيد حدثني ابن ثابت ابن ثوبان عن إسماعيل بن عبد الله قال: سمعت ابن محيريز يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول فذكره وزاد في آخره " قال: وقلت (لعله. وقطب) رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

90

وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد. وللحديث طريق أخرى بلفظ آخر عن عائشة، يأتي في الذي بعده. (الطلاء) قال في " النهاية ": " بالكسر والمد: الشراب المطبوخ من عصير العنب، وهو الرب ". ثم ذكر الحديث ثم قال: " هذا نحو الحديث الآخر: سيشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها. يريد: أنهم يشربون النبيذ المسكر، المطبوخ، ويسمونه طلاء، تحرجا من أن يسموه خمرا ". وللحديث شاهد صحيح بلفظ: " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه، (وفي رواية) : يسمونها بغير اسمها ". 90 - " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه، (وفي رواية) : يسمونها بغير اسمها ". أخرجه ابن ماجه (3385) وأحمد (5 / 318) وابن أبي الدنيا في " ذم المسكر " (ق 4 / 2) عن سعيد بن أوس الكاتب عن بلال بن يحيى العبسي عن أبي بكر ابن حفص عن ابن محيريز عن ثابت بن السمط عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، وابن محيريز اسمه عبد الله. وهو ثقة من رجال الشيخين. وأبو بكر بن حفص، هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة محتج به في " الصحيحين " أيضا. وبلال بن يحيى العبسي، قال ابن معين:

" ليس به بأس ". ووثقه ابن حبان. وقد تابعه شعبة، لكنه أسقط من الإسناد " ثابت بن السمط " وقال: " عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " بالرواية الثانية. أخرجه النسائي (2 / 330) ، وأحمد (4 / 237) ، وإسناده صحيح، وهو أصح من الأول. وروي عن أبي بكر بن حفص على وجه آخر، من طريق محمد بن عبد الوهاب أبي شهاب عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (6 / 205) . قلت: ورجاله ثقات غير أبي شهاب هذا فلم أعرفه. وللحديث شاهد يرويه سعيد بن أبي هلال عن محمد بن عبد الله بن مسلم أن أبا مسلم الخولاني حج، فدخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت تسأله عن الشام وعن بردها، فجعل يخبرها، فقالت: كيف تصبرون على بردها؟ فقال: يا أم المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم، يقال له: الطلاء، فقالت: صدق الله وبلغ حبي، سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ناسا من أمتي يشربون الخمر، يسمونها بغير اسمها ". أخرجه الحاكم (2 / 147) والبيهقي (7 / 294 - 295) . وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: كذا قال: " محمد "، فمحمد مجهول، وإن كان ابن أخي الزهري

فالسند منقطع ". قلت: وسعيد بن أبي هلال كان اختلط، وقد تقدم الحديث عن عائشة بلفظ آخر قبل هذا الحديث. وله شاهد ثان، من حديث أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تذهب الليالي والأيام، حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها ". أخرجه ابن ماجه (3384) ، وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 97) عن عبد السلام بن عبد القدوس، حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عنه. وقال أبو نعيم: " كذا حدثناه عن أبي أمامة، وروي عن ثور عن خالد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه مثله ". قلت: ورجاله ثقات غير عبد السلام هذا وهو ضعيف كما في " التقريب ". وله شاهد ثالث يرويه أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أمتي يشربون الخمر في آخر الزمان، يسمونها بغير اسمها ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 114 / 3) . وأبو عامر اسمه صالح بن رستم المزني، وهو صدوق كثير الخطأ كما في " التقريب "، فمثله يستشهد به. والله أعلم. وله شاهد رابع يرويه حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال: دخل علينا عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء، فقال: حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليشربن ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها ".

أخرجه أبو داود (3688) ، والبخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 305 و4 / 1 / 222) ، وابن ماجه (4020) ، وابن حبان (1384) ، والبيهقي (8 / 295 و 10 / 231) ، وأحمد (5 / 342) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 167 / 2) ، وابن عساكر (16 / 115 / 2) ، كلهم عن معاوية بن صالح عن حاتم به. قلت: ورجاله ثقات غير مالك بن أبي مريم، قال الذهبي: " لا يعرف ". ووثقه ابن حبان على قاعدته! هذا هو علة هذا الإسناد، وأما المنذري فأعله في " مختصره " (5 / 271) بقوله: " في إسناده حاتم بن حريث الطائي الحمصي، سئل عنه أبو حاتم الرازي، فقال: شيخ. وقال ابن معين: لا أعرفه ". قلت: قد عرفه غيره، فقال عثمان بن سعيد الدارمي: " ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال ابن عدي: " لعزة حديثه لم يعرفه ابن معين، وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: فإعلاله بشيخه مالك بن أبي مريم - كما فعلنا - أولى، لأنه لم يوثقه غير ابن حبان كما ذكرنا. هذا وفي الحديث زيادة عن ابن ماجه والبيهقي وابن عساكر بلفظ: " يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير ". والحديث صحيح بكامله، أما أصله فقد تقدمت له شواهد.

91

وأما الزيادة فقد جاءت من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن غنم نحوه، ولفظه يأتي بعده، وقال البيهقي عقبه: " ولهذا شواهد من حديث علي، وعمران بن حصين، وعبد الله بن بسر، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك، وعائشة، رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ". 91 - " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف، ولينزلن أقوام إلى جنب علم، يروح عليهم بسارحة لهم، يأتيهم لحاجة، فيقولون: ارجع إلينا غدا، فيبيتهم الله، ويضع العلم، ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ". رواه البخاري في " صحيحه " تعليقا فقال (4 / 30) : " باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه. وقال هشام بن عمار: حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري - والله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره. وقد وصله الطبراني (1 / 167 / 1) والبيهقي (10 / 221) وابن عساكر (19 / 79 / 2) وغيرهم من طرق عن هشام بن عمار به. وله طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد، فقال أبو داود (4039) : حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به. ورواه ابن عساكر من طريق أخرى عن بشر به. قلت: وهذا إسناد صحيح ومتابعة قوية لهشام بن عمار وصدقة بن خالد، ولم يقف على ذلك ابن حزم في " المحلى "، ولا في رسالته في إباحة الملاهي، فأعل إسناد البخاري بالانقطاع بينه وبين هشام، وبغير ذلك من العلل الواهية، التي بينها

العلماء من بعده وردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها، مثل المحقق ابن القيم في " تهذيب السنن " (5 / 270 - 272) والحافظ ابن حجر في " الفتح " وغيرهما، وقد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها، يسر الله تبيضه ونشره. وابن حزم رحمه الله مع علمه وفضله وعقله، فهو ليس طويل الباع في الاطلاع على الأحاديث وطرقها ورواتها. ومن الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث. وقوله في الإمام الترمذي صاحب السنن: " مجهول " وذلك مما حمل العلامة محمد بن عبد الهادي - تلميذ ابن تيمية - على أن يقول في ترجمته في " مختصر طبقات علماء الحديث " (ص 401) : " وهو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث وتضعيفه، وعلى أحوال الرواة ". قلت: فينبغي أن لا يؤخذ كلامه على الأحاديث إلا بعد التثبيت من صحته وعدم شذوذه، شأنه في ذلك شأنه في الفقه الذي يتفرد به، وعلم الكلام الذي يخالف السلف فيه، فقد قال ابن عبد الهادي بعد أن وصفه " بقوة الذكاء وكثرة الاطلاع ": " ولكن تبين لي منه أنه جهمي جلد، لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا القليل، كالخالق، والحق، وسائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا، كالرحيم والعليم والقدير، ونحوها، بل العلم عنده هو القدرة، والقدرة هي العلم، وهما عين الذات، ولا يدل العلم على شيء زائد على الذات المجردة أصلا وهذا عين السفسطة والمكابرة. وقد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق والفلسفة ، وأمعن في ذلك، فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة ".

غريب الحديث: (الحر) الفرج، والمراد: الزنا. (المعازف) جمع معزفة وهي آلات الملاهي كما في " الفتح ". (علم) هو الجبل العالي. (يروح عليهم) بحذف الفاعل وهو الراعي بقرينة المقام، إذ السارحة لابد لها من حافظ. (بسارحة) هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها، وتروح أي ترجع بالعشي إلى مألفها. (يأتيهم لحاجة) بيانه في رواية الإسماعيلي في " مستخرجه على الصحيح ": " يأتيهم طالب حاجة ". (فيبيتهم الله) أي يهلكهم ليلا. (ويضع العلم) أي يوقعه عليهم. فقه الأحاديث: يستفاد من الأحاديث المتقدمة فوائد هامة نذكر بعضها: أولا: تحريم الخمر، وهذا أمر مجمع عليه بين المسلمين والحمد لله، غير أن طائفة منهم - وفيهم بعض المتبوعين - خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة ! وأما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة، مثل (السكر) وهو نقيع التمر إذا غلى بغير طبخ، و (الجعة) وهو نبيذ الشعير، و (السكركة) وهو خمر الحبشة من الذرة، فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه، وأما القليل منه فحلال! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم. وهذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر، كقول عمر

رضي الله عنه: " نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير. والخمر ما خامر العقل " وكقوله صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام " وقوله: " ما أسكر كثيره فقليله حرام ". أقول: هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص وغيرها، فهو مخالف للقياس الصحيح والنظر الرجيح، إن أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر كثيره، وبين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر؟ ! وهل حرم القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر، فكيف يحلل هذا ويحرم ذاك والعلة واحدة؟ ! تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل العلم لولا صحة ذلك عنهم، وأعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه من أهل القياس والرأي! ! قال ابن القيم في " تهذيب السنن " (5 / 263) بعد أن ساق بعض النصوص المذكورة: " فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن وخوطب بها الصحابة مغنية عن

التكلف في إثبات تسميتها خمرا بالقياس، مع كثرة النزاع فيه. فإذ قد ثبت تسميتها خمرا نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولا واحدا. فهذه طريقة منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم، والقياس في الحكم. ثم إن محض القياس الجلي يقتضي التسوية بينها، لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه، وإن لم يسكر، وهذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه، وقليله يدعو إلى كثيره. وهذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة، فالتفريق بينها في ذلك تفريق بين المتماثلات وهو باطل، فلو لم يكن في المسألة إلا القياس لكان كافيا في التحريم، فكيف وفيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في سندها، ولا اشتباه في معناها، بل هي صحيحة. وبالله التوفيق ". وأيضا فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي، لأنه لا يمكن معرفته إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة (الكحول) في الشراب، فرب شراب قليل، كمية الكحول فيه كثيرة وهو يسكر، ورب شراب أكثر منه كمية، الكحول فيه أقل لا يسكر وكما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين وصحتهم، كما هو ظاهر بين، وحكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب وهي التي تقول: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك "، " ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ". واعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة والقياس الصحيح معا في بعض المذاهب مما يوجب على المسلم البصير في دينه، الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة عقله وتفكيره وعقيدته لغير معصوم، مهما كان شأنه في العلم والتقوى والصلاح بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب والسنة إن كان أهلا لذلك، وإلا سأل المتأهلين لذلك، والله تعالى يقول: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) .

وبالإضافة إلى ذلك فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم فهو مأجور على خطئه، للحديث المعروف، لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه، وأما من وقف من أتباعهم على هذه الاحاديث التي ذكرنا، ثم أصر على تقليدهم على خطأهم، وأعرض عن اتباع الأحاديث المذكورة فهو - ولا شك - على ضلال مبين، وهو داخل في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها ولا يفيده شيئا تسميته لما يشرب بغير اسمه مثل الطلاء، والنبيذ، أو (الويسكى) أو (الكونياك) وغير ذلك من الأسماء التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الكريمة. وصدق الله العظيم إذ يقول: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآبائكم ما أنزل الله بها من سلطان) . ثانيا: تحريم آلات العزف والطرب، ودلالة الحديث على ذلك من وجوه: أ - قوله: " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات ومنها المعازف هي في الشرع محرمة، فيستحلها أولئك القوم. ب - قرن (المعازف) مع المقطوع حرمته: الزنا والخمر، ولو لم تكن محرمة ما قرنها معها إن شاء الله تعالى. وقد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت معروفة يومئذ، كالطبل والقنين وهو العود وغيرها، ولم يأت ما يخالف

ذلك أو يخصه، اللهم إلا الدف في النكاح والعيد، فإنه مباح على تفصيل مذكور في الفقه، وقد ذكرته في ردي على ابن حزم. ولذلك اتفقت المذاهب الأربعة على تحريم آلات الطرب كلها، واستثنى بعضهم - بالإضافة إلى ما ذكرنا - الطبل في الحرب، وألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية، ولا وجه لذلك ألبتة لأمور: الأول: أنه تخصيص لأحاديث التحريم، بدون مخصص، سوى مجرد الرأي والاستحسان، وهو باطل. الثاني: أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم، وأن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم، فذلك أدعى لطمأنينة نفوسهم، وأربط لقلوبهم فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم، ويصرفهم عن ذكر ربهم، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) . الثالث: أن استعمالها من عادة الكفار (الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق) فلا يجوز لنا أن نتشبه بهم، لا سيما فيما حرمه الله تبارك وتعالى علينا تحريما عاما كالموسيقى. ولا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة من القول بإباحة آلات الطرب والموسيقى، فإنهم - والله - عن تقليد يفتون، ولهوى الناس اليوم ينصرون، ومن يقلدون؟ إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ فأباح آلات الطرب والملاهي، لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده، وقد عرفت أنه صحيح قطعا، وأن ابن حزم أتي من قصر باعه في علم الحديث كما سبق بيانه، وليت شعري ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة، مع أنهم

أفقه منه وأعلم وأكثر عددا وأقوى حجة؟ ! لو كان الحامل لهم على ذلك إنما هو التحقيق العلمي فليس لأحد عليهم من سبيل، ومعنى التحقيق العلمي كما لا يخفى أن يتتبعوا الاحاديث كلها الواردة في هذا الباب ويدرسوا طرقها ورجالها، ثم يحكموا عليها بما تستحق من صحة أو ضعف، ثم إذا صح عندهم شيء منها درسوها من ناحية دلالتها وفقهها وعامها وخاصها، وذلك كله حسبما تقتضيه قواعد علم أصول الحديث وأصول الفقه، لو فعلوا ذلك لم يستطع أحد انتقادهم ولكانوا مأجورين، ولكنهم - والله - لا يصنعون شيئا من ذلك، ولكنهم إذا عرضت لهم مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها، ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى تحقيق المصلحة زعموا. دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب والسنة، وكم شرعوا للناس - بهذه الطريقة - أمورا باسم الشريعة الإسلامية، يبرأ الإسلام منها. فإلى الله المشتكى. فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك، وسنة نبيك، ولا تقل: قال فلان، فإن الحق لا يعرف بالرجال، بل اعرف الحق تعرف الرجال، ورحمة الله على من قال: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين رأي فقيه كلا ولا جحد الصفات ونفيها حذرا من التمثيل والتشبيه ثالثا: أن الله عز وجل قد يعاقب بعض الفساق عقوبة دنيوية مادية، فيمسخهم فيقلب صورهم، وبالتالي عقولهم إلى بهيمة.. قال الحافظ في " الفتح " (10 / 49) في صدد كلامه على المسخ المذكور في الحديث: " قال ابن العربي: يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة، ويحتمل أن يكون

92

كناية عن تبدل أخلاقهم. قلت: والأول أليق بالسياق ". أقول: ولا مانع من الجمع بين القولين كما ذكرنا بل هو المتبادر من الحديثين. والله أعلم. وقد ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة وخنازير لم يكن مسخا حقيقيا بدنيا، وإنما كان مسخا خلقيا! وهذا خلاف ظاهر الآيات والأحاديث الواردة فيهم، فلا تلتفت إلى قولهم فإنهم لا حجة لهم فيه إلا الاستبعاد العقلي، المشعر بضعف الإيمان بالغيب. نسأل الله السلامة. رابعا: ثم قال الحافظ: " وفي هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه، وأن الحكم يدور مع العلة، والعلة في تحريم الخمر الإسكار، فمهما وجد الإسكار، وجد التحريم، ولو لم يستمر الاسم، قال ابن العربي: هو أصل في أن الأحكام إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها، ردا على من حمله على اللفظ "! 92 - " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تشعلوا لي منها شعلة. يعني الشمس ". رواه أبو جعفر البختري في " حديث أبي الفضل أحمد بن ملاعب " (47 / 1 - 2) وابن عساكر (11 / 363 / 1، 19 / 44 / 201) من طريق أبي يعلى وغيره كلاهما عن يونس بن بكير أنبأنا طلحة بن يحيى عن موسى بن طلحة حدثني عقيل بن أبي طالب قال: " جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: أرأيت أحمد؟ يؤذينا في نادينا، وفي مسجدنا، فانهه عن أذانا، فقال: يا عقيل، ائتني بمحمد، فذهبت فأتيته به، فقال: يا ابن أخي إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم، وفي مسجدهم، فانته عن

93

ذلك، قال: فلحظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره (وفي رواية: فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره) إلى السماء فقال: فذكره. قال: فقال أبو طالب: ما كذب ابن أخي. فارجعوا ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم رجال مسلم وفي يونس به بكير وطلحة ابن يحيى كلام لا يضر. وأما حديث: " يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره أو أهلك فيه ما تركته ". فليس له إسناد ثابت ولذلك أوردته في " الأحاديث الضعيفة " (913) . 93 - " تكون إبل للشياطين وبيوت للشياطين، فأما إبل الشياطين، فقد رأيتها يخرج أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرا منها ويمر بأخيه قد انقطع به فلا يحمله. وأما بيوت الشياطين فلم أرها ". رواه أبو داود في " الجهاد " رقم (2568) من طريق ابن أبي فديك: حدثني عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند قال: قال أبو هريرة .. فذكره مرفوعا به وزاد. " وكان سعيد يقول: " لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير عبد الله ابن أبي يحيى وهو عبد الله بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي الملقب بـ " سحبل " وهو ثقة، وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل، وفيه كلام يسير. والظاهر أنه عليه الصلاة والسلام عني بـ " بيوت الشياطين " هذه السيارات الفخمة التي يركبها بعض الناس مفاخرة ومباهاة، وإذا مروا ببعض المحتاجين إلى الركوب لم يركبوهم، ويرون أن إركابهم يتنافى مع كبريائهم وغطرستهم؟ فالحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.

94

94 - " من حلف بالأمانة فليس منا ". رواه أبو داود (3253) : حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الوليد بن ثعلبة الطائي عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وابن بريدة اثنان: عبد الله وسليمان، والأول أوثق وقد احتج به الشيخان. وزهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الكوفي وهو ثقة احتج به الشيخان أيضا. ومثله أحمد بن يونس واسم أبيه عبد الله بن يونس. والوليد بن ثعلبة وثقه ابن معين وابن حبان، وقد أخرج حديثه هذا في " صحيحه " (1318) .

95

قال الخطابي في " معالم السنن " (4 / 358) تعليقا على الحديث: " هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وصفاته، وليست الأمانة من صفاته، وإنما هي أمر من أمره، وفرض من فروضه، فنهوا عنه لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته ". 95 - " انظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا. يعني الصغر ". أخرجه مسلم في " صحيحه " (4 / 142) وسعيد بن منصور في " سننه " (523) وكذا النسائي (2 / 73) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 8) والدارقطني (396) والبيهقي (7 / 84) عن أبي حازم عن أبي هريرة: " أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من نساء الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قلت: فذكره. والسياق للطحاوي، ولفظ مسلم والبيهقي: " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل، فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، فقال له

96

رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا، قال: فانظر ... " الحديث. وقد جاء تعليل هذا الأمر في حديث صحيح وهو: " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ". 96 - " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ". أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " (515 - 518) وكذا النسائي (2 / 73) والترمذي (1 / 202) والدارمي (2 / 134) وابن ماجه (1866) والطحاوي (2 / 8) وابن الجارود في " المنتقى " (ص 313) والدارقطني (ص 395) والبيهقي (7 / 84) وأحمد (4 / 144 - 245 / 246) وابن عساكر (17 / 44 / 2) عن بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبة. أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وزاد أحمد والبيهقي. " فأتيتها وعندها أبواها وهي في خدرها، قال: فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إليها، قال: فسكتا، قال: فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت: أحرج عليك إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك أن تنظر، لما نظرت، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرك أن تنظر، فلا تنظر. قال: فنظرت إليها، ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها، ولقد تزوجت سبعين، أو بضعا وسبعين امرأة ". وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: ورجاله كلهم ثقات إلا أن يحيى بن معين قال: " لم يسمع بكر من المغيرة ". قلت: لكن قال الحافظ في " التلخيص (ص 291) بعد أن عزاه إلى ابن حبان

وبعض من ذكرنا: " وذكره الدارقطني في " العلل " وذكر الخلاف فيه، وأثبت سماع بكر بن عبد الله المزني من المغيرة ". قلت: ولعله لذلك قال البوصيري في " الزوائد " (ص 118) : " إسناد صحيح رجاله ثقات ". قلت: وعلى فرض أنه لم يسمع منه، فلعل الواسطة بينهما أنس بن مالك رضي الله عنه، فقد سمع منه بكر المزني وأكثر عنه، وهو قد رواه عن المغيرة رضي الله عنهما. أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " (2 / 46 / 1 - 2) وابن ماجه (1865) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 170 / 1) وابن حبان (1236) وابن الجارود والدارقطني والحاكم (2 / 165) والضياء في " المختارة " (ق 88 / 2) والبيهقي كلهم من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن أنس قال: " أراد المغيرة أن يتزوج، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ... " فذكره وزاد قال: ففعل ذلك، فتزوجها، فذكر من موافقتها ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وقال البوصيري في " الزوائد " (118 / 1) . " هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات ورواه ابن حبان في " صحيحه " وعبد بن حميد في " مسنده " عن عبد الرزاق به ".

97

قلت: لكن أعله الدارقطني بقوله: " الصواب عن ثابت عن بكر المزني ". ثم ساق من طريق ابن مخلد الجرجاني أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن بكر المزني أن المغيرة بن شعبة قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ". قلت: وكذا رواه ابن ماجه: حدثنا الحسن بن أبي الربيع أنبأنا عبد الرزاق به. ولكن الرواة الذين رووه عن عبد الرزاق بإسناده عن ثابت عن أنس، أكثر، فهو أرجح، إلا أن يكون الخطأ من عبد الرزاق أو شيخه معمر، والله أعلم. (يؤدم) أي تدوم المودة. قلت: ويجوز النظر إليها ولو لم تعلم أو تشعر به، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم ". 97 - " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم ". أخرجه الطحاوي وأحمد (5 / 424) عن زهير بن معاوية قال: حدثنا عبد الله ابن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن أبي حميد - وكان قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

98

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وقد رواه الطبراني أيضا في " الأوسط " و " الكبير " كما في " المجمع " (4 / 276) وقال: " ورجال أحمد رجال الصحيح ". وسكت عليه الحافظ في " التلخيص ". وقد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة وهو محمد بن مسلمة الأنصاري، فقال سهل ابن أبي حثمة: " رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا، فقلت: أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ". 98 - " إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها ". رواه سعيد بن منصور في " سننه " (519) وكذا ابن ماجه (1864) والطحاوي (2 / 8) والبيهقي

والطيالسي (1186) وأحمد (4 / 225) عن حجاج ابن أرطاة عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس وقد عنعنه. وقال البيهقي: " إسناده مختلف، ومداره على الحجاج بن أرطاة، وفيما مضى كفاية ". وتعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " (117 / 2) : " قلت: لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة، فقد رواه ابن حبان في " صحيحه " عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم، عن سهل بن أبي حثمة عن عمه سليمان ابن أبي حثمة قال: رأيت محمد بن سلمة فذكره ". قلت: كذا وجدته بخطي نقلا عن " الزوائد "، فلعله سقط مني أو من ناسخ الأصل شيء من سنده - وذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة وأبي حازم، فإن أبا خيثمة واسمه زهير بن حرب توفي سنة (274) ، وأما أبو حازم فهو إما سلمان الأشجعي وإما سلمة بن دينار الأعرج وهو الأرجح وكلاهما تابعي، والثاني متأخر الوفاة، مات سنة (140) . ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " (1225) مثلما نقلته عن البوصيري: إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن أبي حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " وسهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد له ترجمة ولعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع.

لكن للحديث طريقان آخران: الأولى: عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة به. أخرجه الحاكم (3 / 434) وقال: " حديث غريب، وإبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب ". قال الذهبي في " تلخيصه ": " قلت: ضعفه الدارقطني، وقال أبو حاتم: شيخ ". الثانية: عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 226) : حدثنا وكيع عن ثور عنه. قلت: ورجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم. وبالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق، والله أعلم.

99

وقد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي. وما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء، ففي " فتح الباري " (9 / 157) : " وقال الجمهور: يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها، وعن مالك رواية: يشترط إذنها، ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال، لأنها حينئذ أجنبية، ورد عليهم بالأحاديث المذكورة ". فائدة: روى عبد الرزاق في " الأمالي " (2 / 46 / 1) بسند صحيح عن ابن طاووس قال: أردت أن أتزوج امرأة، فقال لي أبي: اذهب فانظر إليها، فذهبت فغسلت رأسي وترجلت ولبست من صالح ثيابي، فلما رآني في تلك الهيئة قال: لا تذهب! قلت: ويجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين لإطلاق الأحاديث المتقدمة ولقوله صلي الله عليه وسلم: " إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ". 99 - " إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل ". أخرجه أبو داود (2082) والطحاوي والحاكم والبيهقي وأحمد (3 / 334، 360) ، عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن معاذ عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها ". والسياق لأبي داود،

وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس وقد عنعنه، لكن قد صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد، فإسناده حسن، وكذا قال الحافظ في " الفتح " (9 / 156) ، وقال في " التلخيص ": " وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن، وقال: المعروف واقد بن عمرو ". قلت: رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو وكذا هو عند الشافعي وعبد الرزاق ". أقول: وكذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود وأحمد في روايته الأخرى فقالا: " واقد بن عبد الرحمن "، وقد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافا لمن قال: " واقد بن عمرو " وهم أكثر، وروايتهم أولى، وواقد بن عمرو ثقة من رجال مسلم، أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول. والله أعلم. فقه الحديث: والحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له، وأيده عمل راويه به، وهو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه، وقد صنع مثله محمد بن مسلمة كما ذكرناه في الحديث الذي قبله، وكفى بهما حجة، ولا يضرنا بعد ذلك، مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط، لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد، وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة، لاسيما وقد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال الحافظ في " التلخيص " (ص 291 - 292) : (فائدة) : روى عبد الرزاق وسعيد بن منصور في " سننه " (520 -

521) وابن أبي عمر وسفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية: أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم، فذكر له صغرها، (فقيل له: إن ردك، فعاوده) ، فقال (له علي) : أبعث بها إليك، فإن رضيت فهي امرأتك، فأرسل بها إليه، فكشف عن ساقيها، فقالت: لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك. وهذا يشكل على من قال: إنه لا ينظر غير الوجه والكفين ". وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية. قال ابن القيم في " تهذيب السنن " (3 / 25 - 26) : " وقال داود: ينظر إلى سائر جسدها. وعن أحمد ثلاث روايات: إحداهن: ينظر إلى وجهها ويديها. والثانية: ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة والساقين ونحوهما.

والثالثة: ينظر إليها كلها عورة وغيرها، فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة! " قلت: والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث، وتطبيق الصحابة له والله أعلم. وقال ابن قدامة في " المغني " (7 / 454) : " ووجه جواز النظر (إلى) ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن في النظر إليها من غير علمها، علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة، إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور، ولأنه يظهر غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه، ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع، فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم ". ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد، فإذا به يقول (ص 43) : " فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يقبل ". وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه، إذ أن المسألة خلافية كما سبق بيانه، ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث، وهو لم يصنع شيئا من ذلك، بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة، فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلا، والواقع خلافه كما ترى، فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته، كيف لا وهو مخالف لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (99) : " ما يدعوه إلى نكاحها "، فإن كل ذي فقه

يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط، ومثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (97) : " وإن كانت لا تعلم ". وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم، عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم، ومنهم محمد ابن مسلمة وجابر بن عبد الله، فإن كلا منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها، أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ للنظر إلى الوجه والكفين فقط! ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهم. فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفين، ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم، فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة؟ ! وعهدى بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحدا من الصحابة اتباعا للسنة الصحيحة، ولو كانت الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح! ومن عجيب أمر الشيخ عفا الله عنا وعنه أنه قال في آخر البحث: " قال الله تعالى: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ".! فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق هذه الآية ورد هذه المسألة إلى السنة بعد ما تبينت. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. هذا ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة، وقول جماهير العلماء بها - على خلاف السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها، فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - ولو في حدود القول الضيق. تورعا منهم، زعموا، ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها، وبين أهلها بثياب الشارع! وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم. تقليدا منهم لأسيادهم الأوربيين، فيسمحون للمصور أن يصورهن وهن سافرات سفورا غير

100

مشروع، والمصور رجل أجنبي عنهن، وقد يكون كافرا، ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان، بزعم أنهم يريدون خطبتهن، ثم ينتهي الأمر على غير خطبة، وتظل صور بناتهم معهم، ليتغزلوا بها، وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها! . ألا فتعسا للآباء الذين لا يغارون. وإنا لله وإنا إليه راجعون. 100 - " يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك ولا يلحقك من خلفك إلا من أخذ بمثل عملك؟ تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتحمده ثلاثا وثلاثين وتسبحه ثلاثا وثلاثين وتختمها بـ (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير) ". رواه أبو داود (1504) : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي، حدثني حسان بن عطية قال: حدثني محمد بن أبي عائشة قال: حدثني أبو هريرة قال: " قال أبو ذر: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضول أموال يتصدقون بها، وليس لنا مال نتصدق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وزاد في آخره: " غفرت له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، ولكني في شك من صحة هذه الزيادة في الحديث بهذا الإسناد، فقد أخرجه أحمد (2 / 238) بهذا الإسناد: حدثنا الوليد به، دونها. وكذلك أخرجه الدارمي من طريق أخرى فقال (1 / 312) :

101

" أخبرنا الحكم بن موسى، حدثنا هقل عن الأوزاعي به، دونها ". ومن الظاهر أنها غير منسجمة مع سياق الحديث، وقد جاءت هذه الزيادة في حديث آخر لأبي هريرة، فأخشى أن يكون اختلط على بعض الرواة أحد الحديثين بالآخر فدمجهما في سياق واحد! ولفظ الحديث المشار إليه يأتي في أول الجزء التالي إن شاء الله. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. 101 - " من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وحمد الله ثلاثا وثلاثين وكبر الله ثلاثا وثلاثين، فتلك تسع وتسعون، ثم قال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت له خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر ". أخرجه مسلم (2 / 98) وأبو عوانة (2 / 247) والبيهقي (2 / 187) وأحمد (2 / 373، 383) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبي عبيد المذحجي عن عطاء ابن يزيد الليثي عن أبي هريرة مرفوعا. وقد جاء هذا العدد في حديث آخر، لكنه جعل بدل التهليلة تكبيرة أخرى مع الثلاث والثلاثين، ويأتي عقب هذا إن شاء الله تعالى. (فائدة) أخرج النسائي (1 / 198) والحاكم (1 / 253) عن زيد ابن ثابت قال: " أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ويحمدوا ثلاثا وثلاثين، ويكبروا أربعا وثلاثين، فأتي رجل من الأنصار في منامه فقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، وتحمدوا ثلاثا وثلاثين، وتكبروا أربعا وثلاثين؟ قال: نعم، قال: فاجعلوها خمسا وعشرين، واجعلوا فيها التهليل (يعني خمسا وعشرين) ، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، قال: اجعلوها كذلك ".

102

وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله شاهد من حديث ابن عمر نحوه. أخرجه النسائي بسند صحيح. 102 - " معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة وثلاث وثلاثون تحميدة وأربع وثلاثون تكبيرة ". رواه مسلم (2 / 98) وأبو عوانة (2 / 247، 248) والنسائي (1 / 198) والترمذي (2 / 249) والبيهقي (2 / 187) والطيالسي (1060) من طرق عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة مرفوعا. (معقبات) أي كلمات تقال عقب الصلاة، والمعقب ما جاء عقب قبله. قلت: والحديث نص على أن هذا الذكر إنما يقال عقب الفريضة مباشرة، ومثله ما قبله من الأوراد وغيرها، سواء كانت الفريضة لها سنة بعدية أو لا، ومن قال من المذاهب بجعل ذلك عقب السنة فهو مع كونه لا نص لديه بذلك، فإنه مخالف لهذا الحديث وأمثاله مما هو نص في المسألة. والله ولي التوفيق. 103 - " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصحابه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ". رواه الترمذي (1 / 353) والدارمي (2 / 215) والحاكم (4 / 164) وأحمد (2 / 168) وابن بشران في " الأمالي " (143 / 1) عن حيوة وابن لهيعة قالا:

104

حدثنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يحدث عن عبد الله بن عمرو به مرفوعا. هكذا أخرجوه جميعا عنهما إلا أن الترمذي لم يذكر ابن لهيعة، وكذا الحاكم إلا أنه خالف في إسناده فقال: " ... حيوة بن شريح حدثني شرحبيل بن مسلم عن عبد الله بن عمرو ". فجعل شرحبيل بن مسلم بدل شرحبيل بن شريك، وأسقط من السند أبا عبد الرحمن الحبلي، وذلك من أوهامه رحمه الله، ثم وهم وهما آخر فقال: " حديث صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي! قلت: وابن مسلم لم يخرج له الشيخان، وأما ابن شريك فاحتج به مسلم وحده، وكلاهما ثقة. وقال ابن بشران عقب الحديث: " حديث صحيح، وإسناده كلهم ثقات ". وهو كما قال، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". 104 - " إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم فقال الرب تبارك وتعالى: وعزتي وجلالي: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ". رواه الحاكم (4 / 261) والبيهقي في " الأسماء " (ص 134) من طريق عمرو ابن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي وذلك من أوهامه، فإن دراجا عنده واه كما يأتي. ورواه ابن لهيعة عن دراج به وزاد: " وارتفاع مكاني ". أخرجه البغوي في " شرح السنة " (1 / 146) ، وأحمد (3 / 29) بدونها وأوردها الذهبي في " العلو " (ص 116) من هذا الوجه ولم يعزه لأحد وقال: " دراج واه ". قلت: وعلة هذه الزيادة عندي من ابن لهيعة وهي من تخاليطه لا من دراج، فقد رواه عنه عمرو بن الحارث بدونها كما رأيت. وقد توبع على الحديث، فأخرجه الإمام أحمد (3 / 29 / 41) من طريق ليث عن يزيد بن الهاد عن عمرو عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " إن إبليس قال لربه: بعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم فقال الله: فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني ". قلت: هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين عمرو - وهو ابن أبي عمر مولى المطلب - وبين أبي سعيد الخدري، فإنهم، لم يذكروا لعمرو رواية عن أحد من الصحابة غير أنس بن مالك، وهو متأخر الوفاة جدا عن أبي سعيد، فإن هذا كانت وفاته سنة (75) على أكثر ما قيل، وهو توفي سنة (92) وقيل (93) .

105

والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 207) بلفظ أحمد وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى بسنده، وقال: لا أبرح أغوي عبادك، والطبراني في الأوسط، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، وكذلك أحد إسنادي أبي يعلى ". وكأنه قد خفي عليه الانقطاع الذي ذكرت، أقول هذا مع العلم أن قول المحدث في حديث ما " رجاله رجال الصحيح " أو " رجاله ثقات " ونحو ذلك لا يفيد تصحيح إسناده، خلافا لما يظن البعض، وقد نص على ما ذكرنا الحافظ ابن حجر فقال في " التلخيص " (ص 239) بعد أن ساق حديثا آخر: " ولا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا، لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه ". 105 - " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي، فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان، غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ". أخرجه الترمذي (2 / 258 - بولاق) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم ابن عبد الرحمن عن ابن مسعود مرفوعا، وقال:

" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود ". قلت: وعبد الرحمن بن إسحاق هذا ضعيف اتفاقا، لكن يقويه أن له شاهدين من حديث أبي أيوب الأنصاري، ومن حديث عبد الله بن عمر. أما حديث أبي أيوب، فهو من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن سالم بن عبد الله: أخبرني أبو أيوب الأنصاري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم فقال: من معك يا جبريل؟ قال: هذا محمد، فقال له إبراهيم: مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طهور، وأرضها واسعة قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ". أخرجه أحمد (5 / 418) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (6 / 65 / 1) والطبراني كما في " المجمع " (10 / 97) وقال: " ورجال أحمد رجال الصحيح غير عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو ثقة لم يتكلم فيه أحد، ووثقه ابن حبان ". قلت: وبناء على توثيق ابن حبان إياه أخرج حديثه هذا في " صحيحه " كما في " الترغيب " (2 / 265) وعزاه لابن أبي الدنيا أيضا مع أحمد وقال: " إسناده حسن ". قلت: وفي ذلك نظر عندي لما قررناه مرارا أن توثيق ابن حبان فيه لين، لكن

106

الحديث لا بأس به بما قبله. وأما حديث ابن عمر، فأخرجه ابن أبي الدنيا في الذكر والطبراني بلفظ: " أكثروا من غراس الجنة، فإنه عذب ماؤها طيب ترابها، فأكثروا من غراسها، قالوا: يا رسول الله وما غراسها؟ قال ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله ". هكذا أورده في " الترغيب " وسكت عليه، وأورده الهيثمي من رواية الطبراني وحده دون قوله " ما شاء الله " وقال (10 / 98) : " وفيه عقبة بن علي وهو ضعيف ". (قيعان) جمع " قاع " وهو المكان المستوي الواسع في وطأة من الأرض يعلوه ماء السماء، فيمسكه، ويستوي نباته. نهاية. 106 - " يا معشر المهاجرين! خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من

السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ". رواه ابن ماجه (4019) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 333 - 334) عن ابن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله ابن عمر قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ابن أبي مالك واسمه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن ابن أبي مالك وهو ضعيف مع كونه فقيها وقد اتهمه ابن معين كما في " التقريب ". وقال البوصيري في " الزوائد ". " هذا حديث صالح للعمل به، وقد اختلفوا في ابن أبي مالك وأبيه ". قلت الأب لا بأس به، وإنما العلة من ابنه، ولذلك أشار الحافظ ابن حجر في " بذل الماعون " لضعف الحديث بقوله (ق 55 / 2) : " إن ثبت الخبر ". قلت: قد ثبت حتما فإنه جاء من طرق أخرى عن عطاء وغيره، فرواه ابن أبي الدنيا في " العقوبات " (ق 62 / 2) من طريق نافع بن عبد الله عن فروة بن قيس المكي عن عطاء بن أبي رباح به. قلت: وهذا سند ضعيف، نافع وفروة لا يعرفان كما في " الميزان ". ورواه الحاكم (4 / 540) من طريق أبي معبد حفص بن غيلان عن عطاء

بن أبي رباح به وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: بل هو حسن الإسناد فإن ابن غيلان هذا قد ضعفه بعضهم، لكن وثقه الجمهور، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق فقيه، رمي بالقدر ". ورواه الروياني في " مسنده " (ق 247 / 1) عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمر مرفوعا. وهذا سند ضعيف، عطاء هذا هو ابن أبي مسلم الخراساني وهو صدوق لكنه مدلس وقد عنعنه. وابنه عثمان ضعيف كما في " التقريب ". فهذه الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الحاكم فهو العمدة، وهي إن لم تزده قوة فلا توهنه. (السنين) جمع سنة أي جدب وقحط. (يتخيروا) أي يطلبوا الخير، أي وما لم يطلبوا الخير والسعادة مما أنزل الله. ولبعض الحديث شاهد من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بلفظ: " ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر " .

107

107 - " ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم، وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت، ولا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر ". رواه الحاكم (2 / 126) والبيهقي (3 / 346) من طريق بشير بن مهاجر عن عبد الله بن بريدة عن أبيه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، غير أن بشيرا هذا قد تكلم فيه من قبل حفظه، وفي " التقريب " أنه صدوق لين الحديث. وقد خولف في إسناده، فقال البيهقي عقبه: " كذا رواه بشير بن المهاجر ". ثم ساق بإسناده من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريده عن ابن عباس قال: " ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا فشت الفاحشة في قوم إلا أخذهم الله بالموت، وما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين، وما منع قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء، وما جار قوم في حكم إلا كان البأس بينهم - أظنه قال - والقتل ". قلت: وإسناده صحيح وهو موقوف في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي وقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " مرفوعا من طريق أخرى: عن إسحاق ابن عبد الله بن كيسان المروزي: حدثنا أبي عن الضحاك بن مزاحم عن

مجاهد وطاووس عن ابن عباس. قلت: وهذا إسناد ضعيف يستشهد به وقال المنذري في " الترغيب " (1 / 271) : " وسنده قريب من الحسن، وله شواهد ". قلت: ويبدو لي أن للحديث أصلا عن بريدة فقد وجدت لبعضه طريقا أخرى رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 85 / 1 من الجمع بينه وبين الصغير) وتمام في " الفوائد " (ق 148 - 149) عن مروان ابن محمد الطاطرى حدثنا سليمان بن موسى أبو داود الكوفي عن فضيل بن مرزوق (وفي الفوائد فضيل بن غزوان) عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا بلفظ: " ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين ". وقال الطبراني: " لم يروه إلا سليمان تفرد به مروان ". قلت: مروان ثقة، وسليمان بن موسى أبو داود الكوفي صويلح كما قال الذهبي، وفضيل إن كان ابن مرزوق ففيه ضعف، وإن كان ابن غزوان فهو ثقة احتج به الشيخان، فإن كان هو راوي الحديث فهو حسن إن شاء الله تعالى. وقد قال المنذري (1 / 270) بعد ما عزاه للطبراني: " ورواته ثقات ". وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح بلا ريب، وتوقف الحافظ ابن حجر في ثبوته إنما هو باعتبار الطريق الأولى. والله أعلم.

108

108 - " إن الله زادكم صلاة وهي الوتر، فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر ". رواه الإمام أحمد (6 / 7) والطبراني في " المعجم الكبير (1 / 100 / 1) من طريقين عن ابن المبارك: أنبأنا سعيد بن يزيد حدثني ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة، فقال: إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قال أبو تميم: فأخذ بيدي أبو ذر فسار في المسجد إلى أبي بصرة فقال له: أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو؟ قال أبو بصرة: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وسعيد بن يزيد هو أبو شجاع الإسكندراني. وقد تابعه عبد الله بن لهيعة: أنبأنا عبد الله بن هبيرة به. أخرجه أحمد (6 / 379) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 250) والطبراني في " الكبير " (1 / 104 / 2) والدولابي في " الكنى " (1 / 13) من طرق ثلاث عن ابن لهيعة به. وإسناده عند الطحاوي صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " رقم (416) . وله طرق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم خرجت بعضها هناك، وهذه الطريق هي العمدة ولذلك اقتصرت عليها هنا. وذكر الشيخ الكتاني وصاحبه الأستاذ الزحيلي في تخريج " تحفة الفقهاء " (1 / 1 / 355) جملة كبيرة منها عن عشرة من الصحابة منها طريق واحدة عن عمرو ابن العاص، ولكنها واهية، وفاتهما هذه الطريق الصحيحة!

فقه الحديث يدل ظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم: " فصلوها " على وجوب صلاة الوتر، وبذلك قال الحنفية، خلافا للجماهير، ولولا أنه ثبت بالأدلة القاطعة حصر الصلوات المفروضات في كل يوم وليلة بخمس صلوات لكان قول الحنفية أقرب إلى الصواب، ولذلك فلابد من القول بأن الأمر هنا ليس للوجوب، بل لتأكيد الاستحباب. وكم من أوامر كريمة صرفت من الوجوب بأدنى من تلك الأدلة القاطعة، وقد انفك الأحناف عنها بقولهم إنهم لا يقولون بأن الوتر واجب كوجوب الصلوات الخمس، بل هو واسطة بينها وبين السنن، أضعف من هذه ثبوتا، وأقوى من تلك تأكيدا! فليعلم أن قول الحنفية هذا قائم على اصطلاح لهم خاص حادث، لا تعرفه الصحابة ولا السلف الصالح، وهو تفريقهم بين الفرض والواجب ثبوتا وجزاء كما هو مفصل في كتبهم. وإن قولهم بهذا معناه التسليم بأن تارك الوتر معذب يوم القيامة عذابا دون عذاب تارك الفرض كما هو مذهبهم في اجتهادهم، وحينئذ يقال لهم: وكيف يصح ذلك مع قوله صلى الله عليه وسلم لمن عزم على أن لا يصلي غير الصلوات الخمس: " أفلح الرجل "؟ ! وكيف يلتقي الفلاح مع العذاب؟ ! فلا شك أن قوله صلى الله عليه وسلم هذا وحده كاف لبيان أن صلاة الوتر ليست بواجبة ولهذا اتفق جماهير العلماء عى سنيته وعدم وجوبه، وهو الحق، نقول هذا مع التذكير والنصح بالاهتمام بالوتر، وعدم التهاون عنه لهذا الحديث وغيره. والله أعلم.

109

109 - " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ". رواه محمد بن أبي شيبة في " كتاب العرش " (114 / 1) : حدثنا الحسن بن أبي ليلى أنبأنا أحمد بن علي الأسدي عن المختار بن غسان العبدي عن إسماعيل بن سلم عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر الغفاري قال: " دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست إليه، فقلت: يا رسول الله أيما آية نزلت عليك أفضل؟ قال: آية الكرسي: ما السموات السبع ". الحديث. قلت: وهذا سند ضعيف، إسماعيل بن سلم لم أعرفه، وغالب الظن أنه إسماعيل بن مسلم فقد ذكروه في شيوخ المختار بن عبيد، وهو المكي البصري وهو ضعيف. والمختار روى عنه ثلاثة ولم يوثقه أحد وفي " التقريب ": أنه مقبول. قلت: ولم ينفرد به إسماعيل بن مسلم، بل تابعه يحيى بن يحيى الغساني رواه حفيده إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني قال: حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني به.

أخرجه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 290) . قلت: وهذا سند واه جدا إبراهيم هذا متروك كما قال الذهبي، وقد كذبه أبو حاتم. وتابعه القاسم بن محمد الثقفي ولكنه مجهول كما في " التقريب ". أخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير (2 / 13 - طبع المنار) من طريق محمد بن أبي السري (الأصل: اليسري) العسقلاني أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي عن القاسم به. والعسقلاني والتميمي كلاهما ضعيف. وللحديث طريقان آخران عن أبي ذر: الأول عن يحيى بن سعيد السعدي البصري قال: حدثنا عبد الملك ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمر الليثي عنه به. أخرجه البيهقي وقال. " تفرد به يحيى بن سعيد السعدي، وله شاهد بإسناد أصح ". قلت: ثم ساقه من طريق الغساني المتقدم، وما أراه بأصح من هذا، بل هو أوهى، لأن إبراهيم متهم كما سبق، وأما هذا فليس فيه من اتهم صراحة، ورجاله ثقات غير السعدي هذا، قال العقيلي: " لا يتابع على حديثه ". يعني هذا. وقال ابن حبان: يروى المقلوبات والملزقات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد. الثاني: عن ابن زيد قال: حدثني أبي قال: قال أبو ذر فذكره.

أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (5 / 399) " حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد به. قلت وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات. لكني أظن أنه منقطع، فإن ابن زيد هو عمر ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب وهو ثقة من رجال الشيخين يروي عنه ابن وهب وغيره. وأبوه محمد بن زيد ثقة مثله، روى عن العبادلة الأربعة جده عبد الله وابن عمرو وابن عباس وابن الزبير وسعيد بن زيد بن عمرو، فإن هؤلاء ماتوا بعد الخمسين، وأما أبو ذر ففي سنة اثنتين وثلاثين فما أظنه سمع منه.

وجملة القول: أن الحديث بهذه الطرق صحيح وخيرها الطريق الأخير والله أعلم. والحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى: (وسع كرسيه السماوات والأرض) وهو صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش، وأنه جرم قائم بنفسه وليس شيئا معنويا. ففيه رد على من يتأوله بمعنى الملك وسعة السلطان، كما جاء في بعض التفاسير. وما روي عن ابن عباس أنه العلم، فلا يصح إسناده إليه لأنه من رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه. رواه ابن جرير. قال ابن منده: ابن أبي المغيرة ليس بالقوي في ابن جبير. واعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث، كما في بعض الروايات أنه موضع القدمين. وأن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد، وأنه يحمله أربعة أملاك، لكل ملك أربعة وجوه، وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة ... إلخ فهذا كله لا يصح مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضه أشد ضعفا من بعض، وقد خرجت بعضها فيما علقناه على كتاب " ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان " ملحقا بآخره طبع المكتب الإسلامي.

110

110 - " سيحان وجيحان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة ". رواه مسلم (8 / 149) وأحمد (2 / 289 و 440) وأبو بكر الأبهري في " الفوائد المنتقاة " (143 / 1) والخطيب (1 / 54 - 55) من طريق حفص بن عاصم عن أبي هريرة مرفوعا. وله طريق أخرى بلفظ: " فجرت أربعة أنهار من الجنة: الفرات والنيل والسيحان وجيحان ". 111 - " فجرت أربعة أنهار من الجنة: الفرات والنيل والسيحان وجيحان ". رواه أحمد (2 / 261) وأبو يعلى في مسنده (4 / 1416 مصورة المكتب الإسلامي) والخطيب في " تاريخه " (1 / 44، 8 / 185) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه مرفوعا. وهذا إسناد حسن. وله طريق ثالث، أخرجه الخطيب (1 / 54) من طريق إدريس الأودي عن أبيه مرفوعا مختصرا بلفظ: (نهران من الجنة النيل والفرات) .

112

وإدريس هذا مجهول كما في " التقريب ". وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة، نبقها مثل قلال هجر، وورقها مثل آذان الفيلة، يخرج من ساقها نهران ظاهران، ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذان؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة، وأما الظاهران فالنيل والفرات ". 112 - " رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران ونهران باطنان، فقلت: يا جبريل ما هذان؟ قال: أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ". رواه أحمد (3 / 164) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (334) معلقا، فقال: وقال: إبراهيم بن طهمان عن شعبة عن قتادة به. وقد وصله هو (3 / 30 - 33) ومسلم (1 / 103 - 105) وأبو عوانة (1 / 120 - 124) والنسائي (1 / 76 - 77) وأحمد أيضا (4 / 207 - 208 و 208 - 210) من طرق عن قتادة عن أنس عن مالك ابن صعصعة مرفوعا بحديث الإسراء بطوله وفيه هذا. فجعلوه من مسند مالك بن صعصعة وهو الصواب. ثم وجدت الحاكم أخرجه (1 / 81) من طريق أحمد وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. ثم رواه من طريق حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان به.

113

هذا ولعل المراد من كون هذه الأنهار من الجنة أن أصلها منها كما أن أصل الإنسان من الجنة، فلا ينافي الحديث ما هو معلوم مشاهد من أن هذه الأنهار تنبع من منابعها المعروفة في الأرض، فإن لم يكن هذا هو المعنى أو ما يشبهه، فالحديث من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها، والتسليم للمخبر عنها (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) . 113 - " من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير بعدما يصلي الغداة عشر مرات كتب الله عز وجل له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات وكن له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل، فإن قالها حين يمسي كان له مثل ذلك وكن له حجابا من الشيطان حتى يصبح ". رواه الحسن بن عرفة في جزئه (5 / 1) : حدثنا قران بن تمام الأسدي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. ومن طريق ابن عرفة رواه الخطيب في " تاريخه " (12 / 389، 472) . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير قران هذا وهو ثقة. وله شاهد من حديث أبي أيوب الأنصاري بلفظ: " من قال: إذا صلى الصبح ... " فذكره بتمامه

إلا أنه قال: " أربع رقاب " وقال: " وإذا قالها بعد المغرب مثل ذلك ". رواه أحمد (5 / 415) من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد ابن جابر عن القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن يعيش عنه. قلت: ورجاله ثقات غير ابن يعيش هذا فلم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه غير القاسم هذا، ولذلك قال الحسيني: " مجهول ".

114

لكن الحديث عزاه المنذري في " الترغيب " (1 / 167) لأحمد والنسائي وابن حبان في " صحيحه "، فهذا يقتضي أنه عند النسائي من غير طريق ابن يعيش، لأنه ليس من رجال النسائي. وقد تابعه أبو رهم السمعي عن أبي أيوب بلفظ: " من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير عشر مرات، كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات، وحط الله عنه عشر سيئات، ورفعه الله بها عشر درجات، وكن له كعشر رقاب، وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يومئذ عملا يقهرهن، فإن قال حين يمسي فمثل ذلك ". 114 - " من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات وحط الله عنه عشر سيئات ورفعه الله بها عشر درجات وكن له كعشر رقاب وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره ولم يعمل يومئذ عملا يقهرهن، فإن قال حين يمسي فمثل ذلك ". أخرجه أحمد (5 / 420) حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن خالد بن معدان عن أبي رهم به.

115

قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، وابن عياش إنما ضعف في روايته عن غير الشاميين، وأما في روايته عنهم فهو صحيح الحديث كما قال البخاري وغيره وهذه منها، فإن صفوانا من ثقاتهم. وفي هذه الرواية فائدة عزيزة وهي زيادة " يحيي ويميت " فإنها قلما تثبت في حديث آخر، وقد رويت من حديث أبي ذر وعمارة بن شبيب وحسنهما الترمذي، وإسنادهما ضعيف كما بينته في " التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب " وفي حديث الأول منهما: " من قال في دبر صلاة الفجر وهو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا إله إلا الله.. " فهذا القيد: " وهو ثان..... " لا يصح في الحديث لأنه تفرد به شهر بن حوشب، وقد اضطرب في إسناد الحديث وفي متنه اضطرابا كثيرا كما أوضحته في المصدر المذكور. 115 - " سددوا وقاربوا واعملوا وخيروا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ". رواه الإمام أحمد (5 / 282) : " حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن ثوبان حدثني حسان بن عطية أن أبا كبشة السلولي حدثه أنه سمع ثوبان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذا رواه الدارمي (1 / 168) وابن حبان (164) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 72 / 2) عن الوليد به. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير ابن ثوبان

116

واسمه عبد الرحمن بن ثابت وهو مختلف فيه، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا لم يخالف. وللحديث طرق أخرى وشواهد خرجتها في " إرواء الغليل " (405) . 116 - " إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول: من خلقك؟ فيقول: الله، فيقول: فمن خلق الله؟! فإذا وجد ذلك أحدكم فليقرأ: آمنت بالله ورسله، فإن ذلك يذهب عنه ". رواه أحمد (6 / 258) : حدثنا محمد بن إسماعيل قال: حدثنا الضحاك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند حسن، وهو على شرط مسلم، رجاله كلهم من رجاله الذين احتج بهم في " صحيحه "، لكن الضحاك وهو ابن عثمان الأسدي الحزامي قد تكلم فيه بعض الأئمة من قبل حفظه، لكن ذلك لا ينزل حديثه من رتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وقد تابعه سفيان الثوري وليث بن سالم عند ابن السني (201) فالحديث صحيح. وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 266) : " رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى والبزار، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط من حديث عبد الله بن عمرو، ورواه أحمد أيضا من حديث خزيمة بن

117

ثابت رضي الله عنه ". وهذه شواهد يرقى بها الحديث إلى درجة الصحيح جدا. وحديث ابن خزيمة عند أحمد (5 / 214) ورجاله ثقات إلا أن فيهم ابن لهيعة وهو سيء الحفظ. وحديث ابن عمرو قال الهيثمي (341) : " ورجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني ". كذا قال، ولم يذكر من حاله شيئا، كأنه لم يقف له على ترجمة، وكذلك أنا فلم أعرفه وهو مصري كما في " معجم الطبراني الصغير " (ص 10) . ثم إن الحديث رواه هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة أيضا مرفوعا مثله. أخرجه مسلم (1 / 84) وأحمد (2 / 331) من طرق عن هشام به، دون قوله: " فإن ذلك يذهب عنه ". وأخرجه أبو داود (4121) إلى قوله: " آمنت بالله "، وهو رواية لمسلم. 117 - " يأتي شيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟! فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته ". أخرجه البخاري (2 / 321) ومسلم وابن السني. وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله عز وجل؟ فإذا قالوا ذلك، فقولوا: (الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد) ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان ".

118

118 - " يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله عز وجل؟ فإذا قالوا ذلك، فقولوا: * (الله أحد، الله الصمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد) * ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان ". (عن أبي هريرة) : أخرجه أبو داود (4732) وابن السني (621) عن محمد بن إسحاق قال: حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا سند حسن رجاله ثقات، وابن إسحاق قد صرح بالتحديث فأمنا بذلك تدليسه. ورواه عمر بن أبي سلمة عن أبيه به إلى قوله: " فمن خلق الله عز وجل؟ " قال: فقال أبو هريرة: فو الله إني لجالس يوما إذ قال لي رجل من أهل العراق: هذا الله خالقنا فمن خلق الله عز وجل؟ قال أبو هريرة: فجعلت أصبعي في أذني ثم صحت فقلت: صدق الله ورسوله (الله الواحد الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد) . أخرجه أحمد (2 / 387) ورجاله ثقات غير عمر هذا فإنه ضعيف. وله عنده (2 / 539) طريق أخرى عن جعفر حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة به مرفوعا مثل الذي قبله، قال يزيد: فحدثني نجمة بن صبيغ السلمي أنه رأى ركبا أتوا أبا هريرة، فسألوه عن ذلك، فقال: الله أكبر، ما حدثني خليلي بشيء إلا وقد رأيته وأنا أنتظره. قال جعفر بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا: الله قبل كل شيء، والله خلق كل شيء،

والله كائن بعد كل شيء. وإسناد المرفوع صحيح، وأما بلاغ جعفر وهو ابن برقان فمعضل. وما بينهما موقوف، لكن نجمة هذا لم أعرفه، وهكذا وقع في المسند " نجمة " بالميم، وفي " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 509) : " نجبة " بالباء الموحدة وقال: " روى عن أبي هريرة، روى عنه يزيد بن الأصم، سمعت أبي يقول ذلك " ولم يزد! ولم يورده الحافظ في " التعجيل " وهو على شرطه! فقه الحديث: دلت هذه الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله: من خلق الله؟ أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة، وخلاصتها أن يقول: " آمنت بالله ورسله، الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. ثم يتفل عن يساره ثلاثا، ويستعيذ بالله من الشيطان، ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة. وأعتقد أن من فعل ذلك طاعة لله ورسوله، مخلصا في ذلك أنه لابد أن تذهب الوسوسة عنه، ويندحر شيطانه لقوله صلى الله عليه وسلم: " فإن ذلك يذهب عنه ". وهذا التعليم النبوي الكريم أنفع وأقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه القضية، فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها. ومن المؤسف أن أكثر الناس في غفلة عن هذا التعليم النبوي الكريم، فتنبهوا أيها المسلمون، وتعرفوا إلى سنة نبيكم، واعملوا بها، فإن فيها شفاءكم وعزكم.

119

119 - " لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح ". أخرجه الترمذي (2 / 45) والدارمي (2 / 126) عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وتابعه هشام بن حسان عن ابن سيرين به. أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 187) وأبو الشيخ في " الطبقات " (281) عن إسماعيل بن عمرو البجلي حدثنا مبارك بن فضالة عن هشام بن حسان. قلت: وهذا سند لا بأس به في المتابعات، فإن هشاما ثقة محتج به في الصحيحين ومن دونه فيهما ضعف. وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه زيادة توضح سبب هذا النهي وهو: " إن الرؤيا تقع على ما تعبر، ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما ". 120 - " إن الرؤيا تقع على ما تعبر ومثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما ". أخرجه الحاكم (4 / 391) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ".

ووافقه الذهبي وحقهما أن يضيفا إلى ذلك " على شرط البخاري "، فإن رجاله كلهم من رجال الشيخين سوى الراوي له عن عبد الرزاق وهو يحيى بن جعفر البخاري فمن شيوخ البخاري وحده. على أن في النفس وقفة في تصحيحه، لأن أبا قلابة قد وصف بالتدليس وقد عنعنه، فإن كان سمعه من أنس فهو صحيح الإسناد، وإلا فلا. نعم الحديث صحيح، فقد تقدم له آنفا شاهد لشطره الأخير، وأما شطره الأول، فله شاهد بلفظ: " والرؤيا على رجل طائر، ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت، (قال الراوي: وأحسبه قال) ولا يقصها إلا على واد أو ذي رأي ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 178) وأبو داود (5020) والترمذي (2 / 45) والدارمي (2 / 126) وابن ماجه (3914) والحاكم (4 / 390) والطيالسي (1088) وأحمد (4 / 10 - 13) وابن أبي شيبة (12 / 189 / 1) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 295) وابن عساكر (11 / 219 / 2) عن يعلى بن عطاء سمعت وكيع بن عدس يحدث عن عمه أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. ونقل المناوي في " الفيض " عن صاحب " الاقتراح " أنه قال: " إسناده على شرط مسلم "! وكل ذلك وهم لاسيما القول الأخير منها فإن وكيع ابن عدس لم يخرج له

مسلم شيئا، ثم هو لم يوثقه أحد غير ابن حبان ولم يرو عنه غير يعلى بن عطاء ولذلك قال ابن القطان: مجهول الحال. وقال الذهبي: لا يعرف. ومع ذلك فحديثه كشاهد لا بأس به، وقد حسن سنده الحافظ (12 / 377) . وروى ابن أبي شيبة (12 / 193 / 1) والواحدي في " الوسيط " (2 / 96 / 2) عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا بلفظ: " الرؤيا لأول عابر ". قلت: ويزيد ضعيف. (على رجل طائر) أي أنها لا تستقر ما لم تعبر. كما قال الطحاوي والخطابي وغيرهما. والحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر، ولذلك أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم، لأن المفروض فيهما أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك، لكن مما لا ريب فيه أن ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا ولو على وجه، وليس خطأ محضا وإلا فلا تأثير له حينئذ والله أعلم. وقد أشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في " كتاب التعبير " من " صحيحه " بقوله (4 / 362) : " باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب ". ثم ساق حديث الرجل الذي رأى في المنام ظلة وعبرها أبو بكر الصديق ثم

121

قال: فأخبرني يا رسول الله - بأبي أنت - أصبت أم أخطأت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أصبت بعضا، وأخطأت بعضا ". 121 - " أصبت بعضا وأخطأت بعضا ". وهو من حديث ابن عباس ولفظه: " أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الليلة في المنام ظلة تنطف بالسمن والعسل، فأرى الناس يتكففون منها، فالمستكثر والمستقل، وإذا سبب واصل من الأرض إلى السماء، فأراك أخذت به فعلوت، ثم أخذ به رجل آخر فعلا به، ثم أخذه رجل آخر فعلا به، ثم أخذه رجل فانقطع، ثم وصل، فقال أبو بكر: يا رسول الله بأبي أنت والله لتدعني فأعبرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم له: أعبرها، قال: أما الظلة فالإسلام، وأما الذي ينطف من العسل والسمن فالقرآن حلاوته تنطف، فالمستكثر من القرآن والمستقل، وأما السبب الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به، فيعليك الله، ثم يأخذ به رجل، فيعلو به، ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به، ثم يأخذ به رجل فينقطع به، ثم يوصل له فيعلو به، فأخبرني يا رسول الله - بأبي أنت - أصبت أم أخطأت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: أصبت بعضا، وأخطأت بعضا، قال فوالله لتحدثني بالذي أخطأت، قال: لا تقسم ". وأخرجه مسلم أيضا (7 / 55 - 56) وأبو داود (3268، 4632) والترمذي (2 / 47) والدارمي (2 / 128) وابن ماجه (3918) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 190 / 2) وأحمد (1 / 236) كلهم عن ابن عباس، إلا أن بعضهم جعله من روايته عن أبي هريرة، ورجح الإمام البخاري الأول، وهو أنه عن ابن عباس، ليس لأبي هريرة فيه ذكر. وتبعه على ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح " والله أعلم. غريب الحديث: (ظلة) أي سحابة لها ظل، وكل ما أظل من سقيفة ونحوها يسمى ظلة.

122

(تنطف) أي تقطر، والنطف القطر. (يتكففون) أي يأخذون بأكفهم. (سبب) أي حبل. 122 - " والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله ويخبره فخذه بما حدث أهله بعده ". رواه الإمام أحمد (3 / 83 - 84) : حدثنا يزيد أنبأنا القاسم بن الفضل الحدائي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: " عدا الذئب على شاة، فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، قال: ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي، فقال: يا عجبي ذئب مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس! فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟ محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب، يخبر الناس بأنباء ما قد سبق! قال: فأقبل الراعي يسوق غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق، والذي نفسي بيده ". الحديث. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم هذا وهو ثقة اتفاقا، وأخرج له مسلم في المقدمة. والحديث أخرجه ابن حبان (2109) والحاكم مفرقا (4 / 467، 467 - 468) وقال: " صحيح على شرط مسلم "!

123

ووافقه الذهبي! وأخرج الترمذي منه قوله: " والذي نفسي بيده ... " وقال: " حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل وهو ثقة مأمون ". 123 - " ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض من أمتي ". أخرجه أبو داود (5746) والحاكم (1 / 76) وصححه وأحمد (4 / 367، 369، 371، 372) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت أبا حمزة أنه سمع زيد بن أرقم قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلا فسمعته يقول: (فذكره) ، قال: كم كنتم يومئذ؟ قال: سبعمائة أو ثمانمائة ". قلت: وهذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير أبي حمزة واسمه طلحة بن يزيد الأنصاري فمن رجال البخاري، ووثقه ابن حبان والنسائي. 124 - " الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة ". أخرجه الإمام الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 66 - 67) حدثنا محمد بن خزيمة : حدثنا معلى بن أسد العمي حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله

الداناج قال: " شهدت أبا سلمة بن عبد الرحمن جلس في مسجد في زمن خالد بن عبد الله بن خالد ابن أسيد، قال: فجاء الحسن فجلس إليه فتحدثنا، فقال أبو سلمة: حدثنا أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال. (فذكره) . فقال الحسن: ما ذنبهما؟ ! فقال: إنما أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت الحسن. ورواه البيهقي في كتاب " البعث والنشور "، وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي كلهم من طريق يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجه في صحيحه مختصرا فقال (2 / 304 - 305) : حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد العزيز بن المختار به بلفظ: " الشمس والقمر مكوران يوم القيامة ". وليس عنده قصة أبي سلمة مع الحسن، وهي صحيحة، وقد وقع للخطيب التبريزي وهم في إسناد هذا الحديث والقصة، حيث جعل الحديث من تحديث الحسن عن أبي هريرة، والمناقشة بينهما، وقد نبهت عليه في تعليقي على كتابه " مشكاة المصابيح " رقم (5692) . وللحديث شاهد، فقال الطيالسي في " مسنده " (2103) : حدثنا درست عن يزيد ابن أبان الرقاشي عن أنس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار ". وهذا إسناد ضعيف من أجل الرقاشي فإنه ضعيف، ومثله درست ولكنه قد توبع

ومن هذه الطريق أخرجه الطحاوي وأبو يعلى (3 / 17 / 10) وابن عدي (129 / 2) وأبو الشيخ في " العظمة " كما في " اللآلي المصنوعة " (1 / 82) وابن مردويه كما في " الجامع الصغير " وزاد: " وإن شاء أخرجهما. وإن شاء تركهما ". وأما المتابعة المشار إليها، فقال أبو الشيخ: حدثنا أبو معشر الدارمي حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي به. قال السيوطي: وهذه متابعة جليلة. وهو كما قال، والسند رجاله ثقات كما قال ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (1 / 190 الطبعة الأولى) ، يعني من دون الرقاشي وإلا فهو ضعيف كما عرفت، ولكنه ليس شديد الضعف، فيصلح للاستشهاد به ولذلك فقد أساء ابن الجوزي بإيراده لحديثه في " الموضوعات "! على أنه قد تناقض، فقد أورده أيضا في " الواهيات " يعني الأحاديث الواهية غير الموضوعة، وكل ذلك سهو منه عن حديث أبي هريرة هذا الصحيح. والله الموفق. معنى الحديث: وليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري أن الشمس والقمر في النار يعذبان فيها عقوبة لهما، كلا فإن الله عز وجل لا يعذب من أطاعه من خلقه ومن ذلك الشمس والقمر كما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى (ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض، والشمس والقمر، والنجوم والجبال والشجر والدواب، وكثير من الناس، وكثير حق عليه العذاب) . فأخبر تعالى أن عذابه

125

إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا، كما قال الطحاوي، وعليه فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين: الأول: أنهما من وقود النار. قال الإسماعيلي: " لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما، فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها لتكون لأهل النار عذابا وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك فلا تكون هي معذبة ". والثاني: أنهما يلقيان فيها تبكيتا لعبادهما. قال الخطابي: " ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلا ". قلت: وهذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى - كما في " الفتح " (6 / 214) : " ليراهما من عبدهما ". ولم أرها في " مسنده " والله تعالى أعلم. 125 - " من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض وقد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (3 / 1 / 155) أخبرنا سعيد بن منصور قال: أنبأنا صالح بن موسى عن معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن عائشة قالت: " إني لفي بيتي، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالفناء، وبيني وبينهم الستر، أقبل طلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره.

وكذا رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق 232 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 88) من طريق أخرى عن صالح بن موسى به. ورواه أيضا الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (9 / 148) وقال: " وفيه صالح بن موسى وهو متروك ". قلت: ولم ينفرد به، فقد رواه إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة قال: " بينما عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر: أبي خير من أبيك، فقالت عائشة أم المؤمنين: ألا أقضي بينكما؟ إن أبا بكر دخل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار، قالت: فمن يومئذ سمي عتيقا، ودخل طلحة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " أنت يا طلحة ممن قضى نحبه ". أخرجه الحاكم (2 / 415 / 416) وقال: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: بل إسحاق متروك، قاله أحمد ". قلت: ومع ضعفه الشديد، فقد اضطرب في إسناده، فرواه مرة هكذا، ومرة قال: عن موسى بن طلحة قال: " دخلت على معاوية، فقال: ألا أبشرك؟ قلت: بلى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " طلحة ممن قضى نحبه ". أخرجه ابن سعد (3 / 1 / 155 - 156) والترمذي (2 / 219، 302) وقال: " حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وإنما روي عن موسى بن طلحة عن أبيه ".

قلت: ثم ساقه هو وأبو يعلى (ق 45 / 1) والضياء في " المختارة " (1 / 278) من طريق طلحة بن يحيى عن موسى وعيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل: سله عمن قضى نحبه من هو؟ وكانوا لا يجترؤون على مسألته، يوقرونه ويهابونه، فسأله الأعرابي، فأعرض عنه، ثم سأله فأعرض عنه، ثم إني اطلعت من باب المسجد وعلي ثياب خضر، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أين السائل عمن قضى نحبه؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: هذا ممن قضى نحبه. وقال: " هذا حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده حسن رجاله ثقات رجال مسلم، غير أن طلحة بن يحيى، تكلم فيه بعضهم من أجل حفظه، وهو مع ذلك لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن. ولم ينفرد بالحديث، فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 13 / 2) عن سليمان بن أيوب حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال: " من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ". قلت: وهذا سند ضعيف سليمان هذا صاحب مناكير، وقال ابن مهدي: " عامة أحاديثه لا يتابع عليها ". وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 149) : " رواه الطبراني، وفيه سليمان بن أيوب الطلحي، وقد وثق، وضعفه جماعة، وفيه جماعة لم أعرفهم ". وللحديث شاهد جيد مرسل بلفظ:

126

" من أراد أن ينظر إلى رجل قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ". أخرجه ابن سعد (3 / 1 / 156) : أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال: حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. ثم إن صالح بن موسى الذي في الطريق الأول قد رواه بإسناد آخر ولفظ آخر وهو: " من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ". 126 - " من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله ". أخرجه الترمذي (2 / 302 - بولاق) عن صالح بن موسى الطلحي - من ولد طلحة ابن عبيد الله - عن الصلت بن دينار عن أبي نضرة قال: قال جابر بن عبد الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وقال: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الصلت، وقد تكلم بعض أهل العلم في الصلت ابن دينار وفي صالح بن موسى من قبل حفظهما ". قلت: هما بعد التحقيق ضعيفان جدا، غير أن صالح بن موسى لم ينفرد به، وهو ما أشعر به كلام الترمذي نفسه، فقال الطيالسي في " مسنده " (1793) : حدثنا الصلت بن دينار (حدثنا) أبو نضرة به بلفظ: " مر طلحة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: شهيد يمشي على وجه الأرض ". وهكذا رواه ابن ماجه (125) عن وكيع: حدثنا الصلت الأزدي به. ورواه الواحدي في " الوسيط " (3 / 7 / 121) عن الصلت به مثل رواية الترمذي،

127

ورواه البغوي في " تفسيره " (7 / 528) من هذا الوجه بلفظ: " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلحة بن عبد الله فقال: من أحب أن ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى هذا ". وقد عزاه صاحب " مشكاة المصابيح " للترمذي في رواية له، وهو وهم منه رحمه الله. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد يرتقي إلى درجة الصحة، وهي وإن اختلفت ألفاظها فالمؤدى واحد كما هو ظاهر وقد ثبته الحافظ في " الفتح " (8 / 398 - بولاق) . والله أعلم. وفي الحديث إشارة إلى قول الله تبارك وتعالى (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا) . وفيه منقبة عظيمة لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ممن قضى نحبه مع أنه لا يزال حيا ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه، قال ابن الأثير في " النهاية ": " النحب النذر، كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب، فوفى به، وقيل: النحب الموت، كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت ". وقد قتل رضي الله عنه يوم الجمل. فويل لمن قتله. 127 - " قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك

عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتك بقرابها مغفرة ". رواه الترمذي (2 / 270) من طريق كثير بن فائد: حدثنا سعيد ابن عبيد قال: سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول: حدثنا أنس ابن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وقال: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". قلت: ورجاله موثقون غير كثير بن فائد، فلم يوثقه غير ابن حبان، وفي " التقريب " أنه مقبول. قلت: لكن الحديث حسن كما قال الترمذي، فإن له شاهدا من حديث أبي ذر، يرويه شهر بن حوشب عن عمر بن معد يكرب عنه مرفوعا به مع تقديم وتأخير. أخرجه الدارمي (2 / 322) وأحمد (5 / 172) من طريق غيلان ابن جرير عن شهر به. وخالفه عبد الحميد - وهو ابن بهرام - فقال: حدثنا شهر حدثني ابن غنم أن أبا ذر حدثه به. أخرجه أحمد (5 / 154) وشهر فيه ضعف من قبل حفظه، وإن لم يكن هذا الاختلاف عليه من تردده وسوء حفظه، فالوجه الأول أصح لأن غيلان أوثق من ابن بهرام. وله شاهد آخر عند الطبراني في " معاجمه " عن ابن عباس، وهو مخرج في " الروض النضير " (432) . وله عن أبي ذر طريق أخرى مختصرا بلفظ: " قال الله تبارك وتعالى: الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد، والسيئة واحدة أو أغفرها ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة " .

128

128 - " قال الله تبارك وتعالى: الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد والسيئة واحدة أو أغفرها ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة ". رواه الحاكم (4 / 241) وأحمد (5 / 108) عن عاصم عن المعرور بن سويد أن أبا ذر رضي الله عنه قال: " حدثنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: الحسنة ... ". وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: عاصم هو ابن بهدلة وهو حسن الحديث، وبقية الرجال ثقات رجال الشيخين، فالإسناد حسن. 129 - " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ". رواه مسلم (3 / 102) والترمذي (2 / 56) وأحمد (2 / 168) والبيهقي (4 / 196) من طريق عبد الله بن يزيد المقرىء حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو بن العاصي مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

ورواه ابن ماجه (4138) عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر، وحميد ابن هانىء الخولاني أنهما سمعا أبا عبد الرحمن الحبلي يخبر عن عبد الله ابن عمرو به نحوه. وابن لهيعة سيء الحفظ، لكن لا بأس به في المتابعات. (تنبيه) : عزاه السيوطي في " الصغير " و " الكبير " (2 / 95 / 1) لمسلم ومن ذكرنا معه غير البيهقي فتعقبه المناوي بقوله: " تبع في العزو لما ذكر عبد الحق. قال في " المنار ": وهذا لم يذكره مسلم وإنما هو عند الترمذي.. ". قلت: وهذا وهم من صاحب " المنار " ثم المناوي، فالحديث في المكان الذي أشرنا إليه من مسلم: في " كتاب الزكاة ". وفي الحديث فضل الكفاف والقناعة به، ومثله الحديث الآتي: " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ".

130

130 - " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا ". أخرجه البخاري (4 / 222) ومسلم (3 / 103، 8 / 217) وأحمد (2 / 232) من طرق عن محمد بن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. واللفظ لمسلم، وكذا أحمد إلا أنه قال: " بيتي " بدل " محمد ". ولفظ البخاري: " اللهم ارزق آل محمد قوتا ". ويؤيد اللفظ الأول أن الأعمش رواه عن عمارة بن القعقاع به. أخرجه مسلم والترمذي (2 / 57 - بولاق) وابن ماجه (4139) والبيهقي (7 / 46) من طرق عن وكيع: حدثنا الأعمش به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه مسلم من طريق أبي أسامة قال: سمعت الأعمش به إلا أنه قال: " كفافا " بدل " قوتا ". وكذلك رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " (ج 2 / 5 / 2) عن حماد ابن أسامة قال: حدثنا الأعمش به إلا أنه قال: " رزقي ورزق آل محمد كفافا ". فقد اختلف في متنه على الأعمش، والرواية الأولى التي رواها مسلم أرجح عندي لموافقتها لرواية بعض الرواة عن الأعمش. والله أعلم. (تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " بلفظ مسلم وبزيادة: " في الدنيا " وعزاه لمسلم والترمذي وابن ماجه، وكذلك أورده في " الجامع الكبير " (1 / 309) من رواية هؤلاء الثلاثة وكذا أحمد وأبي يعلى والبيهقي. ولا أصل لها عند أحد منهم إلا أن تكون عند أبي يعلى، وذلك مما أستبعده، فإن ثبتت عنده فهي زيادة شاذة بلا شك لمخالفتها لرويات الثقات الحفاظ . والله أعلم.

131

فائدة الحديث فيه وفي الذي قبله دليل على فضل الكفاف، وأخذ البلغة من الدنيا والزهد فيما فوق ذلك، رغبة في توفر نعيم الآخرة، وإيثارا لما يبقى على ما يفنى، فينبغي للأمة أن تقتدي به صلى الله عليه وسلم في ذلك. وقال القرطبي: معنى الحديث أنه طلب الكفاف، فإن القوت ما يقوت البدن ويكف عن الحاجة، وفي هذه الحالة سلامة من آفات الغنى والفقر جميعا. كذا في " فتح الباري " (11 / 251 - 252) . قلت: ومما لا ريب فيه أن الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص والأزمان والأحوال، فينبغي للعاقل أن يحرص على تحقيق الوضع الوسط المناسب له، بحيث لا ترهقه الفاقة، ولا يسعى وراء الفضول الذي يوصله إلي التبسط والترفه، فإنه في هذه الحال قلما يسلم من عواقب جمع المال، لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه مفاتنه، وتيسرت على الأغنياء سبله. أعاذنا الله تعالى من ذلك، ورزقنا الكفاف من العيش. 131 - " هذه بتلك السبقة ". أخرجه الحميدي في مسنده (ق 42 / 2) وأبو داود (2578) والنسائي في " عشرة النساء " (ق 74 / 1) والسياق له وابن ماجه (1979) مختصرا وأحمد (6 / 39 / 264) مختصرا ومطولا من طريق جماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: " أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، في سفر، وهي جارية (قالت: لم أحمل اللحم ولم أبدن) ، فقال لأصاحبه: تقدموا، (فتقدموا) ثم قال: تعالي أسابقك، فسابقته،

132

فسبقته على رجلي، فلما كان بعد (وفي رواية: فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت ونسيت) خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا، (فتقدموا) ، ثم قال: تعالي أسابقك. ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، فقلت كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذا الحال؟ فقال لتفعلن، فسابقته فسبقني، فـ (جعل يضحك، و) قال: " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وقد صححه العراقي في " تخريج الأحياء " (2 / 40) . وخالف الجماعة حماد بن سلمة فقال: " عن هشام بن عروة عن أبي سلمة عنها مختصرا بلفظ: " قالت: سابقت النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته ". أخرجه أحمد (6 / 261) وحماد ثقة حافظ فيحتمل أن يكون قد حفظ ما لم يحفظ الجماعة وأن هشاما يرويه عن أبيه وعن أبي سلمة. ويؤيده أن حمادا رواه أيضا عن علي بن زيد عن أبي سلمة به. أخرجه أحمد (6 / 129، 182، 280) . 132 - " اكتني بابنك عبد الله ـ يعني ابن الزبير ـ أنت أم عبد الله ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 151) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن هشام عن أبيه أن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله كل نسائك لها كنية غيري، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره بدون الزيادة) . قال: فكان يقال لها أم عبد الله حتى ماتت ولم تلد قط.

قلت: وهذا سند صحيح، وإن كان ظاهره الإرسال، فإن عروة هو ابن الزبير وهو ابن أخت عائشة أسماء، فعائشة خالته، فهو محمول على الاتصال، وقد جاء كذلك فقال أحمد (6 / 186) وعنه الدولابي في " الكنى والأسماء " (1 / 152) : " حدثنا عمر بن حفص أبو حفص المعيطي قال: حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به نحوه وفيه الزيادة. وهذا إسناد صحيح أيضا، فإن عمر هذا قال فيه أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقد تابعه حماد بن زيد قال: حدثنا هشام بن عروة به. أخرجه أبو داود (490) وأحمد (6 / 107، 260) وأبو يعلى (ق 214 / 2) . ورواه وكيع فقال: عن هشام عن رجل من ولد الزبير عنها. أخرجه أحمد (6 / 186، 213) . وهذا الرجل هو عروة بن الزبير كما في رواية حماد بن زيد وعمر بن حفص ومعمر كما تقدم. وكذلك رواه قران بن تمام كما قال أبو داود. ورواه أبو أسامة وحماد بن سلمة ومسلمة بن قعنب عن هشام فسموا الرجل: " عباد بن حمزة " وهو ابن عبد الله بن الزبير. وهو ثقة، فهو من ولد الزبير فيحتمل أن يكون هو الذي عناه هشام في رواية وكيع، وسواء كان هذا أو ذاك فالحديث صحيح لأنه إما عن عروة أو عن عباد وكلاهما ثقة، والأقرب أنه عنهما معا، كما يقتضيه صحة الروايتين عن كل منهما.

133

وفي الحديث مشروعية التكني ولو لم يكن له ولد. وهذا أدب إسلامي ليس له نظير عند الأمم الأخرى فيما أعلم فعلى المسلمين أن يتمسكوا به رجالا ونساء ويدعوا ما تسرب إليهم من عادات الأعاجم كـ (البيك) و (الأفندي) و (الباشا) ونحو ذلك كـ (المسيو) أو (السيد) و (السيدة) و (الآنسة) إذ كل ذلك دخيل في الإسلام، وقد نص فقهاء الحنفية على كراهة (الأفندي) لما فيه من التزكية كما في حاشية ابن عابدين. والسيد إنما يطلق على من كان له نوع ولاية ورياسة وفي ذلك جاء حديث " قوموا إلى سيدكم " وقد تقدم برقم (66) ، ولا يطلق على كل أحد، لأنه من باب التزكية أيضا. 133 - " إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم وأمره أن يكتب كل شيء يكون ". رواه أبو يعلى (126 / 1) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 271) من طريق أحمد: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: حدثنا رباح ابن زيد عن عمر بن حبيب عن القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. من فوائد الحديث وفي الحديث إشارة إلى ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثيرة منهم وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى. وليس

لذلك أساس من الصحة، وحديث عبد الرزاق غير معروف إسناده. ولعلنا نفرده بالكلام في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى. وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق، ولا نص في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يقول به من قاله كابن تيمية وغيره - استنباطا واجتهادا فالأخذ بهذا الحديث - وفي معناه أحاديث أخرى - أولى لأنه نص في المسألة، ولا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم. وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل، لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها ومنها القلم، أما ومثل هذا النص مفقود، فلا يجوز هذا التأويل. وفيه رد أيضا على من يقول بحوادث لا أول لها، وأنه ما من مخلوق، إلا ومسبوق بمخلوق قبله، وهكذا إلى مالا بداية له، بحيث لا يمكن أن يقال: هذا أول مخلوق. فالحديث يبطل هذا القول ويعين أن القلم هو أول مخلوق، فليس قبله قطعا أي مخلوق. ولقد أطال ابن تيمية رحمه الله الكلام في رده على الفلاسفة محاولا إثبات حوادث لا أول لها، وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول، ولا تقبله أكثر القلوب، حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا أول لها، مع أنه يقول ويصرح بأن ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم، ولكنه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له. كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية، فذلك القول منه غير مقبول، بل هو مرفوض بهذا الحديث وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج، لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام الذي تعلمنا منه التحذير والتنفير منه، ولكن صدق الإمام مالك رحمه الله حين قال: " ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم ".

134

134 - " إن نبي الله نوحا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه: إني قاص عليك الوصية آمرك باثنتين وأنهاك عن اثنتين آمرك بـ (لا إله إلا الله) فإن السموات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ووضعت لا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله ولو أن السموات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة قصمتهن لا إله إلا الله. وسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق. وأنهاك عن الشرك والكبر. قال: قلت: أو قيل: يا رسول الله هذا الشرك قد عرفناه فما الكبر؟ - قال -: أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما شراكان حسنان؟ قال: لا. قال: هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه؟ قال: لا. قيل: يا رسول الله فما الكبر؟ قال: سفه الحق وغمص الناس ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (548) وأحمد (2 / 169 - 170، 225) والبيهقي في " الأسماء " (79 هندية) من طريق الصقعب ابن زهير عن زيد بن أسلم قال: حماد أظنه عن عطاء بن يسار عن عبد الله بن عمرو قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيجان مزرورة بالديباج فقال: ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس قال يريد أن يضع كل فارس ابن فارس ويرفع كل راع ابن راع. قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجامع جبته وقال: ألا أرى عليك لباس من لا يعقل، ثم قال: فذكره. وقلت: وهذا سند صحيح.

وقال الهيثمي (4 / 220) : " رواه أحمد والطبراني بنحوه، وزاد في رواية: وأوصيك بالتسبيح فإنها عبادة الخلق، وبالتكبير. ورواه البزار من حديث ابن عمر، ورجال أحمد ثقات ". غريب الحديث: (مبهمة) أي محرمة مغلقة كما يدل عليه السياق. ولم يورد هذه اللفظة من الحديث ابن الأثير في " النهاية " ولا الشيخ محمد طاهر الهندي في " مجمع بحار الأنوار " وهي من شرطهما. (قصمتهن) . وفي رواية (فصمتهن) بالفاء. قال ابن الأثير: " القصم: كسر الشيء وإبانته، وبالفاء كسره من غير إبانة ". قلت: فهو بالفاء أليق بالمعنى. والله أعلم. (سفه الحق) أي جهله، والاستحفاف به، وأن لا يراه على ما هو عليه من الرجحان والرزانة. وفي حديث لمسلم: " بطر الحق ". والمعنى واحد. (غمص الناس) أي احتقارهم والطعن فيهم والاستخفاف بهم. وفي الحديث الآخر: " غمط الناس " والمعنى واحد أيضا. فوائد الحديث: قلت: وفيه فوائد كثيرة، اكتفي بالإشارة إلى بعضها: 1 - مشروعية الوصية عند الوفاة. 2 - فضيلة التهليل والتسبيح، وأنها سبب رزق الخلق. 3 - وأن الميزان يوم القيامة حق ثابت وله كفتان، وهو من عقائد أهل السنة خلافا للمعتزلة وأتباعهم في العصر الحاضر ممن لا يعتقد ما ثبت من العقائد في الأحاديث الصحيحة، بزعم أنها أخبار آحاد لا تفيد اليقين، وقد بينت بطلان هذا الزعم في كتابي " مع الأستاذ الطنطاوي " يسر الله إتمامه.

135

4 - وأن الأرضين سبع كالسماوات. وفيه أحاديث كثيرة في الصحيحين وغيرهما، ولعلنا نتفرغ لنتبعها وتخريجها. ويشهد لها قول الله تبارك وتعالى: (خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) أي في الخلق والعدد. فلا تلتفت إلى من يفسرها بما يؤول إلى نفي المثلية في العدد أيضا اغترارا بما وصل إليه علم الأوربيين من الرقي وأنهم لا يعلمون سبع أرضين! مع أنهم لا يعلمون سبع سماوات أيضا! أفننكر كلام الله وكلام رسوله بجهل الأوربيين وغيرهم مع اعترافهم أنهم كلما ازدادوا علما بالكون ازدادوا علما بجهلهم به، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) . 5 - أن التجمل باللباس الحسن ليس من الكبر في شيء. بل هو أمر مشروع، لأن الله جميل يحب الجمال كما قال عليه السلام بمثل هذه المناسبة، على ما رواه مسلم في " صحيحه ". 6 - أن الكبر الذي قرن مع الشرك والذي لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة منه إنما هو الكبر على الحق ورفضه بعد تبينه، والطعن في الناس الأبرياء بغير حق. فليحذر المسلم أن يتصف بشيء من مثل هذا الكبر كما يحذر أن يتصف بشيء من الشرك الذي يخلد صاحبه في النار. 135 - " إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا، كل سجل مثل مد

البصر ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب، فيقول أفلك عذر؟ فيقول: لا يا رب. فيقول: بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم. فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. فيقول: هاحضر وزنك، فيقول: ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فقال: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء ". أخرجه الترمذي (2 / 106 - 107) وحسنه وابن ماجه (4300) والحاكم (1 / 6 و 529) وأحمد (2 / 213) من طريق الليث بن سعد عن عامر بن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال: سمعت عبد الله ابن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا وأبو عبد الرحمن الحبلي - بضم المهملة والموحدة - اسمه عبد الله بن يزيد. ثم رواه أحمد (2 / 221 - 222) من طريق ابن لهيعة عن عمرو ابن يحيى عن أبي عبد الرحمن الحبلي به. قلت: وابن لهيعة سيىء الحفظ، فأخشى أن يكون قوله " عمرو ابن يحيى " وهما منه، أراد أن يقول " عامر " فقال " عمرو " ويحتمل أن يكون الوهم من بعض النساخ أو الطابع. والله أعلم.

136

وفي الحديث دليل على أن ميزان الأعمال له كفتان مشاهدتان وأن الأعمال وإن كانت أعراضا فإنها توزن، والله على كل شيء قدير، وذلك من عقائد أهل السنة، والأحاديث في ذلك متضافرة إن لم تكن متواترة انظر " شرح العقيدة الطحاوية " (351 - 352 طبع المكتب الإسلامي) . 136 - " قولوا: ما شاء الله ثم شئت، وقولوا: ورب الكعبة ". أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 357) والحاكم (4 / 297) والبيهقي (3 / 216) وأحمد (6 / 371 - 372) من طريق المسعودي عن سعيد بن خالد عن عبد الله بن يسار عن قتيلة بنت صيفي امرأة من جهينة قالت: " إن حبرا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون! تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: المسعودي كان اختلط، لكن تابعه مسعر عن معبد بن خالد به. أخرجه النسائي (2 / 140) بإسناد صحيح. ولعبد الله بن يسار حديث آخر نحو هذا. وهو: " لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ". 137 - " لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان ". رواه أبو داود (4980) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 90) والبيهقي (3 / 216) وأحمد (5 / 384 و 394 و 398) من طرق عن شعبة عن منصور بن

المعتمر سمعت عبد الله بن يسار عن حذيفة به. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار وهو الجهني الكوفي وهو ثقة، وثقه النسائي وابن حبان وقال الذهبي في " مختصر البيهقي " (1 / 140 / 2) : " وإسناده صالح ". وقد تابعه ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال: " أتي رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت في المنام أني لقيت بعض أهل الكتاب، فقال: نعم القوم أنتم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد كنت أكرهها منكم، فقولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد ". رواه ابن ماجه (2118) وأحمد (5 / 393) والسياق له من طريق سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عنه. وهذا سند صحيح في الظاهر، فإن رجاله كلهم ثقات، غير أنه قد اختلف فيه على ابن عمير، فرواه سفيان عنه هكذا. وقال معمر عنه عن جابر بن سمرة قال: " رأى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ... " الحديث نحوه. أخرجه الطحاوي. وقال شعبة عنه عن ربعي عن الطفيل أخي عائشة قال: " قال رجل من المشركين لرجل من المسلمين: نعم القوم.... " الحديث. أخرجه الدارمي (2 / 295) . وتابعه أبو عوانة عن عبد الملك به. أخرجه ابن ماجه (2118 / 2) .

138

وتابعه حماد بن سلمة عنه به عن الطفيل ابن سخبرة أخي عائشة لأمها: " أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مر برهط من اليهود، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن اليهود؟ قال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرا ابن الله، فقالت اليهود: وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد! ثم مر برهط من النصارى فقال: من أنتم؟ قالوا نحن النصارى، فقال: إنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم أنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وما شاء محمد! فلما أصبح أخبر بها من أخبر، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: هل أخبرت بها أحدا؟ قال: نعم، فلما صلوا خطبهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "، فذكر الحديث بلفظ: " إن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم، وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها، قال: لا تقولوا ما شاء الله، وما شاء محمد ". 138 - " إن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وإنكم كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها، قال: لا تقولوا: ما شاء الله وما شاء محمد ". أخرجه أحمد (5 / 72) . وهذا هو الصواب عن ربعي عن الطفيل ليس عن حذيفة، لاتفاق هؤلاء الثلاثة حماد بن سلمة وأبو عوانة وشعبة عليه. فهو شاهد صحيح لحديث حذيفة. وروى البخاري في " الأدب المفرد " (782) عن ابن عمر: " أنه سمع مولى له يقول: الله وفلان، فقال: لا تقل كذلك، لا تجعل مع الله أحدا، ولكن قل: فلان بعد الله ". ورجاله ثقات غير مغيث مولى ابن عمرو وهو مجهول. وقال الحافظ: " لا استبعد أن يكون ابن سمي ".

139

قلت: فإن كان هو فهو ثقة. وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعض الكلام، فقال: ما شاء الله وشئت! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أجعلتني مع الله عدلا (وفي لفظ: ندا؟ !) ، لا بل ما شاء الله وحده ". 139 - " أجعلتني مع الله عدلا (وفي لفظ: ندا؟!) ، لا، بل ما شاء الله وحده ". (عن ابن عباس) : أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (787) وابن ماجه (2117) والطحاوي في " المشكل " (1 / 90) والبيهقي (3 / 217) وأحمد (1 / 214، 224، 283، 347) والطبراني في " الكبير " (3 / 186 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 99) والخطيب في " التاريخ " (8 / 105) وابن عساكر (12 / 7 / 2) من طرق عن الأجلح عن يزيد ابن الأصم عن ابن عباس. إلا أن ابن عساكر قال: " الأعمش " بدل " الأجلح ". قلت: والأجلح هذا هو ابن عبد الله أبو حجية الكندي وهو صدوق شيعي كما في " التقريب " وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين، فالإسناد حسن. فقه الحديث: قلت: وفي هذه الأحاديث أن قول الرجل لغيره: " ما شاء الله وشئت " يعتبر شركا في نظر الشارع، وهو من شرك الألفاظ، لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى، وسببه القرن بين المشيئتين، ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعى العلم ما لي غير الله وأنت. وتوكلنا على الله وعليك. ومثله قول بعض المحاضرين " باسم الله والوطن ". أو " باسم الله والشعب " ونحو ذلك من الألفاظ الشركية، التي يجب الانتهاء عنها والتوبة منها. أدبا مع الله تبارك وتعالى.

140

ولقد غفل عن هذا الأدب الكريم كثير من العامة، وغير قليل من الخاصة الذين يبررون النطق بمثل هذه الشركيات كمناداتهم غير الله في الشدائد، والاستنجاد بالأموات من الصالحين، والحلف بهم من دون الله تعالى، والإقسام بهم على الله عز وجل، فإذا ما أنكر ذلك عليهم عالم بالكتاب والسنة، فإنهم بدل أن يكونوا معه عونا على إنكار المنكر عادوا بالإنكار عليه، وقالوا: إن نية أولئك المنادين غير الله طيبة! وإنما الأعمال بالنيات كما جاء في الحديث! فيجهلون أو يتجاهلون - إرضاء للعامة - أن النية الطيبة إن وجدت عند المذكورين، فهي لا تجعل العمل السيئ صالحا، وأن معنى الحديث المذكور إنما الأعمال الصالحة بالنيات الخالصة، لا أن الأعمال المخالفة للشريعة تنقلب إلى أعمال صالحة مشروعة بسبب اقتران النية الصالحة بها، ذلك ما لا يقوله إلا جاهل أو مغرض! ألا ترى أن رجلا لو صلى تجاه القبر لكان ذلك منكرا من العمل لمخالفته للأحاديث والآثار الواردة في النهي عن استقبال القبر بالصلاة، فهل يقول عاقل أن الذي يعود إلى الاستقبال بعد علمه بنهي الشرع عنه أن نيته طيبة وعمله مشروع؟ كلا ثم كلا، فكذلك هؤلاء الذين يستغيثون بغير الله تعالى، وينسونه تعالى في حالة هم أحوج ما يكونون فيها إلى عونه ومدده، لا يعقل أن تكون نياتهم طيبة، فضلا عن أن يكون عملهم صالحا، وهم يصرون على هذا المنكر وهم يعلمون. 140 - " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما رزقته ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1987) : حدثنا شعبة عن قتادة قال، سمعت أنسا يقول: " قالت أم سليم: يا رسول الله! ادع الله له، تعني أنسا، فقال ... " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (4 /

141

195، 202) والترمذي (2 / 314) من طرق عن شعبة به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". ولم يقع عنده وكذا البخاري تصريح قتادة بسماعه من أنس ولذلك خرجته. طريق أخرى. قال أحمد (3 / 248) : حدثنا عفان حدثنا حماد أنبأنا ثابت عن أنس بن مالك: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أم حرام، فأتيناه بتمر وسمن فقال: " ردوا هذا في وعائه، وهذا في سقائه فإني صائم ". 141 - عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أم حرام، فأتيناه بتمر وسمن فقال: " ردوا هذا في وعائه وهذا في سقائه فإني صائم ". (عن أنس بن مالك) : قال: ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعا، فأقام أم حرام وأم سليم خلفنا، وأقامني عن يمينه، - فيما يحسب ثابت - قال: فصلى بنا تطوعا على بساط، فلما قضى صلاته، قالت أم سليم: إن لي خويصة: خويدمك أنس، ادع الله له، فما ترك يومئذ خيرا من خير الدنيا والآخرة إلا دعا لي به ثم قال: اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيه، قال أنس: فأخبرتني ابنتي أني قد رزقت من صلبي بضعا وتسعين، وما أصبح في الأنصار رجل أكثر مني مالا، ثم قال أنس: يا ثابت، ما أملك صفراء ولا بيضاء إلا خاتمي! ". قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه أبو داود (608) حدثنا موسى ابن إسماعيل حدثنا حماد به، دون قوله " فلما قضى صلاته.... " ثم أخرجه أحمد (3 / 193 - 194) ومسلم (2 / 128) وأبو عوانة (2 /

77) والطيالسي (2027) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت به. دون قوله " فأخبرتني ابنتي ... " وزاد: " قال: فقال: قوموا فلأصل بكم في غير وقت صلاة ". طريق ثالثة: قال أحمد (3 / 108) : حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس به بتمامه، إلا أنه لم يذكر الإقامة عن يمينه وزاد. " ثم دعا لأم سليم ولأهلها ". وقال: قال: " وذكر أن ابنته الكبرى أمينة أخبرته أنه دفن من صلبه إلى مقدم الحجاج نيفا على عشرين ومائة ". قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين، وشرحه السفاريني في " نفثات صدر المكمد " (2 / 34 طبع المكتب الإسلامي) . وقد أخرجه البخاري (1 / 494) من طريقين آخرين عن حميد به، صرح في أحدهما بسماع حميد من أنس. من فوائد الحديث وفقهه: في هذا الحديث فوائد جمة أذكر بعضها باختصار إلا ما لا بد فيه من الإطالة للبيان: 1 - أن الدعاء بكثرة المال والولد مشروع. وقد ترجم البخاري للحديث " باب الدعاء بكثرة المال والولد مع البركة ". 2 - وأن المال والولد نعمة وخير إذا أطيع الله تبارك وتعالي فيهما. 3 - تحقق استجابة الله لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم في أنس، حتى صار أكثر الأنصار مالا وولدا. 4 - أن للصائم المتطوع إذا زار قوما، وقدموا له طعاما أن لا يفطر، ولكن يدعو لهم بخير، ومن أبواب البخاري في الحديث: " باب من زار قوما ولم يفطر عندهم ".

5 - أن الرجل إذا أئتم بالرجل وقف عن يمين الإمام، والظاهر أنه يقف محاذيا له لا يتقدم عليه ولا يتأخر، لأنه لو كان وقع شيء من ذلك لنقله الراوي، لاسيما وأن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم من أفراد الصحابة قد تكرر، فإن في الباب عن ابن عباس في الصحيحين وعن جابر في مسلم وقد خرجت حديثيهما في " إرواء الغليل " (533) ، وقد ترجم البخاري لحديث ابن عباس بقوله: " باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء، إذا كانا اثنين ". قال الحافظ في " الفتح " (2 / 160) : " قوله: سواء " أي لا يتقدم ولا يتأخر، وكأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع في بعض طرقه عن ابن عباس فلفظ: " فقمت إلى جنبه " وظاهرة المساواة. وروى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه؟ قال: إلى شقه الأيمن، قلت: أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر؟ قال: نعم قلت: أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة؟ قال: نعم. وفي " الموطأ " عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال: دخلت على عمر ابن الخطاب بالهاجرة فوجدته يسبح، فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه ". قلت: وهذا الأثر في " الموطأ " (1 / 154 / 32) بإسناد صحيح عن عمر رضي الله عنه، فهو مع الأحاديث المذكورة حجة قوية على المساواة المذكورة، فالقول باستحباب أن يقف المأموم دون الإمام قليلا، كما جاء في بعض المذاهب على تفصيل في ذلك لبعضها - مع أنه مما لا دليل عليه في السنة، فهو مخالف لظواهر هذه الأحاديث، وأثر عمر هذا، وقول عطاء المذكور، وهو الإمام التابعي الجليل ابن أبي رباح، وما كان من الأقوال كذلك فالأحرى بالمؤمن أن يدعها لأصحابها، معتقدا أنهم مأجورون عليها، لأنهم اجتهدوا قاصدين إلى الحق، وعليه هو أن يتبع ما ثبت في السنة، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

142

142 - " على المؤمنين في صدقة الثمار - أو مال العقار - عشر ما سقت العين وما سقت السماء، وعلى ما يسقى بالغرب نصف العشر ". أخرجه ابن أبي شيبة (4 / 22) والدارقطني (215) والبيهقي (4 / 130) من طريق ابن جريج: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: " كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن إلى الحارث بن عبد كلال ومن معه من معافر وهمدان ... " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم من طريق سالم عن ابن عمر مرفوعا نحوه. وورد من حديث جماعة آخرين من الصحابة كجابر وأبي هريرة ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عمرو، وعمرو بن حزم، وقد أخرجت أحاديثهم في " إرواء الغليل " (790) . (الغرب) بسكون الراء الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور. فقه الحديث: وإنما أوردت هذه الرواية بصورة خاصة لقوله في صدرها: " على المؤمنين " ففيه فائدة هامة لا توجد في سائر الروايت. قال البيهقي: " وفيه كالدلالة على أنها لا تؤخذ من أهل الذمة ". قلت: وكيف تؤخذ منهم وهم على شركهم وضلالهم، فالزكاة لا تزكيهم وإنما تزكي المؤمن المزكي من درن الشرك كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها، وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم) . فهذه الآية تدل دلالة ظاهرة على

أن الزكاة إنما تؤخذ من المؤمنين، لكن الحديث أصرح منها دلالة على ذلك ... وإن من يدرس السيرة النبوية، وتاريخ الخلفاء الراشدين وغيرهم من خلفاء المسلمين وملوكهم يعلم يقينا أنهم لم يكونوا يأخذون الزكاة من غير المسلمين من المواطنين، وإنما كانوا يأخذون منهم الجزية كما ينص عليها الكتاب والسنة. فمن المؤسف أن ينحرف بعض المتفقهة عن سبيل المؤمنين باسم الإصلاح تارة. والعدالة الاجتماعية تارة، فينكروا ما ثبت في الكتاب والسنة وجرى عليه عمل المسلمين بطرق من التأويل أشبه ما تكون بتأويلات الباطنيين من جهة، ومن جهة أخرى يثبتون، ما لم يكونوا يعرفون، بل ما جاء النص بنفيه. والأمثلة على ذلك كثيرة، وحسبنا الآن هذه المسألة التي دل عليها هذا الحديث وكذا الآية الكريمة، فقد قرأنا وسمعنا أن بعض الشيوخ اليوم يقولون: بجواز أن تأخذ الدولة الزكاة من أغنياء جميع المواطنين على اختلاف أديانهم مؤمنهم وكافرهم، ثم توزع على فقرائهم دون أي تفريق، ولقد سمعت منذ أسابيع معنى هذا من أحد كبار مشايخ الأزهر في ندوة تلفزيونية كان يتكلم فيها عن الضمان الاجتماعي في الإسلام، ومما ذكره أن الاتحاد القومي في القاهرة سيقوم بجمع الزكاة من جميع أغنياء المواطنين. وتوزيعها على فقرائهم! فقام أحد الحاضرين أمامه في الندوة وسأله عن المستند في جواز ذلك فقال: لما عقدنا جلسات الحلقات الاجتماعية اتخذنا في بعض جلساتها قرارا بجواز ذلك اعتمادا على مذهب من المذاهب الإسلامية وهو المذهب الشيعي. وأنا أظن أنه يعني المذهب الزيدي. وهنا موضع العبرة، لقد أعرض هذا الشيخ ومن رافقه في تلك الجلسة عن دلالة الكتاب والسنة واتفاق السلف على أن الزكاة خاصة بالمؤمنين، واعتمد في خلافهم على المذهب الزيدي! وهل يدري القارىء الكريم ما هو السبب في ذلك؟ ليس هو إلا موافقة بعض الحكام على سياستهم الاجتماعية والاقتصادية، وليتها كانت على

143

منهج إسلامي إذن لهان الأمر بعض الشيء في هذا الخطأ الجزئي ولكنه منهج غير إسلامي، بل هو قائم على تقليد بعض الأوربيين الذين لا دين لهم! والإعراض عن الاستفادة من شريعة الله تعالى التي أنزلها على قلب محمد صلى الله عليه وسلم لتكون نورا وهداية للناس في كل زمان ومكان، فإلى الله المشتكى من علماء السوء والرسوم الذين يؤيدون الحكام الجائرين بفتاويهم المنحرفة عن جادة الإسلام، وسبيل المسلمين، والله عز وجل يقول: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) . هذا، وفي الحديث قاعدة فقهية معروفة وهي أن زكاة الزرع تختلف باختلاف المؤنة والكلفة عليه، فإن كان يسقى بماء السماء والعيون والأنهار فزكاته العشر، وإن كان يسقى بالدلاء والنواضح (الاترتوازية) ونحوها فزكاته نصف العشر. ولا تجب هذه الزكاة في كل ما تنتجه الأرض ولو كان قليلا، بل ذلك مقيد بنصاب معروف في السنة، وفي ذلك أحاديث معروفة. 143 - " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب (وفي رواية: قدر) دينه، فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة ". رواه الترمذي (2 / 64) وابن ماجه (4023) والدارمي (2 /320) والطحاوي (3 / 61) وابن حبان (699) والحاكم (1 / 40، 41) وأحمد (1 /

144

172، 174، 180، 185) والضياء في " المختارة " (1 / 349) من طريق عاصم بن بهدلة حدثني مصعب بن سعد عن أبيه قال: " قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟ قال: فقال: الأنبياء ثم ... ؟ " الحديث. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهذا سند جيد رجاله كلهم رجال الشيخين، غير أن عاصما إنما أخرجا له مقرونا بغيره، ولم يتفرد به، فقد أخرجه ابن حبان (698) والمحاملي (3 / 92 / 2) والحاكم أيضا من طريق العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد به، بالرواية الثانية. والعلاء بن المسيب وأبوه ثقتان من رجال البخاري. فالحديث صحيح. والحمد لله وله شاهد بلفظ: " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر، حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ". 144 - " أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر، حتى ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها، وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء ". أخرجه ابن ماجه (4024) وابن سعد (2 / 208) والحاكم (4 / 307) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك، فوضعت يدي عليه، فوجدت حره بين يدي فوق اللحاف، فقلت: يا رسول الله! ما أشدها عليك! قال: إنا كذلك، يضعف لنا البلاء، ويضعف لنا الأجر. قلت: يا رسول الله! أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء،

145

قلت: يا رسول الله! ثم من قال: ثم الصالحون، إن كان ... ". الحديث. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله شاهد آخر مختصر وهو: " إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ". 145 - " إن من أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ". رواه أحمد (6 / 369) والمحاملي في " الأمالي " (3 / 44 / 2) عن أبي عبيدة بن حذيفة عن عمته فاطمة أنها قالت: " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعوده في نسائه، فإذا سقاء معلق نحوه يقطر ماؤه عليه من شدة ما يجد من حر الحمى، قلنا: يا رسول الله لو دعوت الله فشفاك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وإسناده حسن رجاله كلهم ثقات غير أبي عبيدة هذا فلم يوثقه غير ابن حبان (1 / 275) ، لكن روى عنه جماعة من الثقات. وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيمانا، ازداد ابتلاء وامتحانا، والعكس بالعكس، ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة ونحوها أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى! وهو ظن باطل، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفضل البشر، كان أشد الناس حتى الأنبياء بلاء، فالبلاء غالبا دليل خير، وليس نذير شر، كما يدل على ذلك أيضا الحديث الآتي: " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ".

146

146 - " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط ". أخرجه الترمذي (2 / 64) وابن ماجه (4031) وأبو بكر البزاز بن نجيح في " الثاني من حديثه " (227 / 2) عن سعد بن سنان عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وسنده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن سنان هذا وهو صدوق له أفراد كما في " التقريب ". وهذا الحديث يدل على أمر زائد على ما سبق وهو أن البلاء إنما يكون خيرا، وأن صاحبه يكون محبوبا عند الله تعالى، إذا صبر على بلاء الله تعالى، ورضي بقضاء الله عز وجل. ويشهد لذلك الحديث الآتي: " عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن ". 147 - " عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يحب حمد الله وكان له خير ، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن ". أخرجه الدارمي (2 / 318) وأحمد (6 / 16) عن حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد مع أصحابه إذ ضحك، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ قالوا: يا رسول الله! ومم تضحك؟ قال: " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرج في " صحيحه " (8 /

148

227) من طريق سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت به المرفوع فقط نحوه. وهو رواية لأحمد (4 / 332، 333، 6 / 15) . وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا نحوه. أخرجه الطيالسي (211) بإسناد صحيح. وله شاهد آخر مختصر بلفظ: " عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له ". 148 - " عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له ". رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه (5 / 24) وأبو الفضل التميمي في " نسخة أبي مسهر ... " (61 / 1) وأبو يعلى (200 / 2) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: سنده صحيح رجاله كلهم ثقات غير ثعلبة هذا وقد ذكره ابن حبان

149

في " الثقات " (1 / 8) وكناه أبا بحر مولى أنس بن مالك وقال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 464) عن أبيه " صالح الحديث ". وله طريق أخرى عند أبي يعلى (205 / 2) والضياء في " المختارة " (1 / 518) . 149 - " ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (112) والطبراني في " الكبير " (3 / 175 / 1) والحاكم (4 / 167) وكذا ابن أبي شيبة في " كتاب الإيمان " (189 / 2 ) والخطيب في " تاريخ بغداد " (10 / 392) وابن عساكر (9 / 136 / 2) والضياء في " المختارة " (62 / 292 / 1) عن عبد الملك بن أبي بشير عن عبد الله بن مساور قال: سمعت ابن عباس ذكر ابن الزبير فبخله، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

قلت: ورجاله ثقات غير ابن المساور فهو مجهول كما قال الذهبي في " الميزان " ولم يرو عنه غير عبد الملك هذا كما قال ابن المديني، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 110) ، وكأنه هو عمدة المنذري في " الترغيب " (3 / 237) ثم الهيثمي في " المجمع " (8 / 167) في قولهما: " رواه الطبراني وأبو يعلى ورجاله ثقات ". وقال الحاكم " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. كذا قالا! نعم هو صحيح بما له من الشواهد، فقد روي من حديث أنس وابن عباس وعائشة. أما حديث أنس، فيرويه محمد بن سعيد الأثرم: حدثنا همام حدثنا ثابت عنه مرفوعا بلفظ: " ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع بجنبه وهو يعلم به ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 66 / 1) ، وقال الذهبي في كتابه " حقوق الجار " (ق 17 / 1) : " الأثرم ضعفه أبو زرعة، وهذا حديث منكر ". قلت: وضعفه أبو حاتم أيضا، لكن قال الهيثمي: " رواه الطبراني والبزار، وإسناد البزار حسن ". وكذا في " الترغيب " (3 / 236) إلا أنه قال: " وإسناده حسن " فهذا يحتمل أن الضمير يعود إلى الحديث، ويحتمل أنه يعود إلى البزار، ولعله

مراد المنذري بدليل عبارة الهيثمي فإنها صريحة في ذلك. قلت: فهذا يشعر أنه لم يتفرد به الأثرم هذا. والله أعلم. وأما حديث ابن عباس، فيرويه حكيم بن جبير عنه مرفوعا به. أخرجه ابن عدي (ق 89 / 1) . وحكيم بن جبير ضعيف كما في " التقريب ". وأما حديث عائشة، فعزاه المنذري (3 / 237) للحاكم نحو حديث ابن " عباس " ولم أره في مستدرك الحاكم الآن بعد مراجعته في مظانه. قلت: وفي الحديث دليل واضح على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه جائعين، فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع، وكذلك ما يكتسون به إن كانوا عراة، ونحو ذلك من الضروريات.

150

ففي الحديث إشارة إلى أن في المال حقا سوى الزكاة، فلا يظنن الأغنياء أنهم قد برئت ذمتهم بإخراجهم زكاة أموالهم سنويا، بل عليهم حقوق أخرى لظروف وحالات طارئة، من الواجب عليهم القيام بها، وإلا دخلوا في وعيد قوله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) . 150 - " إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض، وعنقه منثن تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظمك ربنا، فيرد عليه: ما يعلم ذلك من حلف بي كاذبا ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 156 / 1) : حدثنا محمد بن العباس بن الأخرم حدثنا الفضل بن سهل الأعرج حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل عن معاوية بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " لم يروه عن معاوية إلا إسرائيل تفرد به إسحاق ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا سائر الرواة ثقات أيضا من رجال البخاري غير ابن الأخرم وهو من الفقهاء الحفاظ المتقنين كما في " لسان الميزان " فالحديث صحيح الإسناد. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 180 - 181) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح ". وفي هذا الاطلاق نظر لا يخفى، لاسيما وقد قال في مكان آخر (8 / 134) :

151

" رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد بن العباس عن الفضل بن سهيل الأعرج لم أعرفه ". قلت: وقد عرفناه والحمد لله، وأنه ثقة متقن، فصح الحديث، والموفق الله تعالى. على أنه لم يتفرد به، فقد أخرجه أبو يعلى (309 / 1) من طريق أخرى عن معاوية بن إسحاق به نحوه بلفظ: " والعرش على منكبيه وهو يقول: سبحانك أين كنت، وأين تكون ". ثم إن في قول الطبراني: " تفرد به إسحاق " نظرا، فقد تابعه عبيد الله بن موسى أنبأ إسرائيل به. أخرجه الحاكم (4 / 297) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. ووقع في " المستدرك " " عبد الله " مكبرا وهو خطأ مطبعي. والحديث قال المنذري (3 / 47) : " رواه الطبراني بإسناد صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد ". 151 - " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة ". رواه أبو داود (4727) والطبراني في " الأوسط " كما في " المنتقى منه " للذهبي (6 / 2) وفي " حديثه عن النسائي " (317 / 2) وابن شاهين في " الفوائد " (113 /

2) وابن عساكر في المجلس (139) من " الأمالي " (50 / 1) وفي " التاريخ " (12 / 232 / 1) عن إبراهيم ابن طهمان عن موسى ابن عقبة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا. وهو في " مشيخة ابن طهمان " (238 / 2) . وقال الطبراني: " لم يروه عن موسى بن عقبة إلا إبراهيم بن طهمان ". قلت: وهو ثقة كما في " التقريب " ولهذا قال الذهبي في " العلو " (ص 58 طبعة الأنصار) : " إسناده صحيح ". ثم ساق له شاهدا من حديث محمد بن إسحاق عن الفضل بن عيسى عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا. وقال: " إسناده واه ". وقال الهيثمي في الطريق الأولى (1 / 80) : " رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح ". وقد تابعه صدقة بن عبد الله القرشي بلفظ: " إن لله ملائكة وهم الأكروبيون، من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوته مسيرة سبعمائة عام للطائر السريع في انحطاطه ". وقد سقت إسناده وتكلمت عليه في " الأحاديث الضعيفة " (927) . وله شاهد من حديث جابر وابن عباس مرفوعا به نحوه. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 158) ، وفيه من لم أعرفه.

152

152 - " لا يرث الصبي حتى يستهل صارخا، واستهلاله أن يصيح أو يعطس أو يبكي ". رواه ابن ماجه (2751) والطبراني في " الأوسط " (1 / 153 / 2) عن العباس بن الوليد الخلال الدمشقي حدثنا مروان بن محمد الطاطري حدثنا سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله والمسور بن مخرمة مرفوعا. وقال الطبراني: " لم يروه عن يحيى إلا سليمان تفرد به مروان ". قلت: وهو ثقة وكذلك سائر الرواة فالحديث صحيح. وأما قول الهيثمي (4 / 225) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " وفيه العباس بن الوليد الخلال وثقه أبو مسهر ومروان بن محمد وقال أبو داود، لا أحدث عنه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". ففيه نظر من وجهين: الأول: أن مروان ليس من رجال الصحيح. الثاني: أن قول أبي داود فيه لم يذكره عنه الحافظ في " التهذيب " وإنما نقل عنه من رواية الآجري أنه قال: " كتبت عنه وكان عالما بالرجال والأخبار " ولذلك قال فيه في " تقريب التهذيب " " صدوق "، فلا أدري أذلك وهم من الهيثمي أم قصور من الحافظ حيث لم يذكره. ثم إن إيراد الهيثمي لهذا الحديث في كتابه هو على خلاف شرطه، لإخراج ابن ماجه إياه، فلعله لم يستحضر ذلك عندما أورده. وللحديث شاهد بلفظ: " إذا استهل المولود ورث ".

153

153 - " إذا استهل المولود ورث ". رواه أبو داود (2920) عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة مرفوعا. وعن أبي داود رواه البيهقي (6 / 257) وذكر أن ابن خزيمة أخرجه من هذا الوجه. قلت: ورجاله ثقات، إلا أن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه. ولكن له شاهد من حديث جابر مرفوعا. رواه ابن ماجه (2750) عن الربيع بن بدر حدثنا أبو الزبير عنه. قلت: والربيع بن بدر متروك، لكن تابعه المغيرة بن مسلم وسفيان عن أبي الزبير به. أخرجه الحاكم (4 / 348، 349) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: بل على شرط مسلم فقط، على أن أبا الزبير مدلس وقد عنعن. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه ابن عدي (ق 193 / 1) من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عنه. قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد، فإن شريكا هو ابن عبد الله القاضي ثقة إلا أنه سيء الحفظ، ومثله أبو إسحاق وهو السبيعي فإنه كان اختلط. (فائدة) في حديث جابر والمسور المتقدم تفسير استهلال الصبي بقوله: " أن يصيح أو يعطس أو يبكي ". وهو حديث صحيح كما تقدم، فلا يغتر بقول الصنعاني

154

في " سبل السلام " (3 / 133) : " والاستهلال روي في تفسيره حديث مرفوع ضعيف: " الاستهلال العطاس ". أخرجه البزار ". فإن الذي أخرجه البزار. إنما هو من حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكره الصنعاني، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن البيلمان وهو ضعيف. كما في " المجمع "، فهذا غير حديث جابر والمسور فتنبه. 154 - " لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر ". أخرجه الترمذي (2 / 20) والطحاوي في " المشكل " (4 / 169) وابن حيويه في " حديثه " (3 / 4 / 2) وعبد الغني المقدسي في " الدعاء " (142 - 143) كلهم من طريق أبي مودود عن سليمان التميمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان به. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب من حديث سلمان، وأبو مودود اثنان: أحدهما يقال له: فضة، وهو الذي روى هذا الحديث، بصري، والآخر عبد العزيز بن أبي سليمان بصري أيضا وكانا في مصر واحد ". قلت: وهو ضعيف كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه (3 / 2 / 93) ، فلعل تحسين الترمذي لحديثه باعتبار أن له شاهدا من حديث ثوبان مرفوعا بزيادة: " وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ". رواه ابن ماجه (4022) وأحمد (5 / 277، 280، 282) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 157 / 2) ومحمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند سفيان " (1 / 43 / 2) والطحاوي في " المشكل " (4 / 169) والطبراني في " المعجم الكبير "

(1 / 147 / 2) وأبو محمد العدل المخلدي في " الفوائد " (2 / 223 / 2، 246 / 2، 268 / 2) والروياني في " مسنده " (25 / 133 / 1) والحاكم (1 / 493) وأبو نعيم في أخبار أصبهان " (2 / 60) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 81 / 2) والقضاعي (71 / 1) وعبد الغني المقدسي في " الدعاء " (142 - 143) من طرق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن ابن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا به. كذا قال بعض المخرجين: " ابن أبي الجعد " لم يسمه، وسماه بعضهم سالم بن أبي الجعد، وبعضهم: عبد الله بن أبي الجعد. فإن كان الأول فهو منقطع لأن سالما لم يسمع من ثوبان، وإن كان الآخر، فهو مجهول كما قال ابن القطان وإن وثقه ابن حبان، وقد أشار إلى ذلك الذهبي في " الميزان " فقال: " وعبد الله هذا وإن كان قد وثق، ففيه جهالة ". ثم أخرجه الروياني (162 / 1) من طريق عمر بن شبيب حدثنا عبد الله بن عيسى عن حفص وعبيد الله بن أخي سالم عن سالم عن ثوبان به. وزاد: " إن في التوراة لمكتوب: يا ابن آدم اتق ربك، وبر والديك، وصل رحمك أمدد لك في عمرك، وأيسر لك يسرك، وأصرف عنك عسرك ". قلت: فهذا قد يرجح أن الحديث من رواية سالم بن أبي الجعد لكن عمر بن شبيب ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب ". وأما حفص وعبيد الله بن أخي سالم فلم أعرفهما. فإن ثبت هذا الترجيح فهو منقطع، وإلا فمتصل، لكن فيه جهالة كما سبق، فقول الحاكم عقبه: " صحيح الإسناد ". مردود وإن وافقه الذهبي، لجهالة المذكور، وقد صرح بها الذهبي كما تقدم، وهذا من تناقضه الكثير!

155

وللحديث طريق أخرى عن ثوبان. يرويه أبو علي الدارسي: حدثنا طلحة بن زيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان. أخرجه ابن عدي (ق 34 / 1) وقال: " أبو علي الدارسي بشر بن عبيد منكر الحديث، بين الضعف جدا ". قلت: وكذبه الأزدي، وساق له في " الميزان " أحاديث وقال: " وهذه أحاديث غير صحيحه، فالله المستعان ". ثم ساق له آخر وقال فيه: " وهذا موضوع ". والخلاصة: أن الحديث حسن كما قال الترمذي بالشاهد من حديث ثوبان، دون الزيادة فيه، فإني لم أجد لها شاهدا، بل روي ما يعارضها بلفظ: " إن الرزق لا تنقصه المعصية، ولا تزيده الحسنة.. " قلت: ولكنه موضوع كما حققته في " الأحاديث الضعيفة " (رقم 179) فلا يصلح لمعارضة الزيادة المشار إليها. قوله (القضاء) ، أراد به هنا الأمر المقدر لولا دعاؤه. وقوله (ولا يزيد في العمر) ، يعني العمر الذي كان يقصر لولا بره. 155 - " أسلم الناس وآمن عمرو بن العاص ". رواه الروياني في " مسنده " (9 / 50 / 1 - 2) من طريق ابن أبي مريم وعبد الله بن وهب أنبأنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة مرفوعا.

ورواه أحمد (4 / 155) حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة حدثني مشرح بن هاعان قال، سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ورواه الترمذي (2 / 316) حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة به. وقال: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان، وليس إسناده بالقوي ". قلت: مشرح بن هاعان وثقه ابن معين وغيره، وضعفه بعضهم، وهو حسن الحديث عندي، وابن لهيعة وإن كان ضعيفا لسوء حفظه فإن رواية العبادلة عنه يصحح حديثه كما جاء في ترجمته، وهذا من رواية اثنين منهم، وهما: أبو عبد الرحمن واسمه عبد الله بن يزيد المقري، وعبد الله بن وهب. وفي الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه، إذ شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن، فإن هذا يستلزم الشهادة له بالجنة، لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور: " لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة " متفق عليه. وقال تعالى (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار) . وعلى هذا فلا يجوز الطعن في عمرو رضي الله عنه - كما يفعل بعض الكتاب المعاصرين، وغيرهم من المخالفين - بسبب ما وقع له من الخلاف بل القتال مع علي رضي الله عنه. لأن ذلك لا ينافي الإيمان، فإنه لا يستلزم العصمة كما لا يخفى، لاسيما إذا قيل: إن ذلك وقع منه بنوع من الاجتهاد، وليس اتباعا للهوى.

156

وفي الحديث أيضا إشارة إلى أن مسمى الإسلام غير الإيمان، وقد اختلف العلماء في ذلك اختلافا كثيرا، والحق ما ذهب إليه جمهور السلف من التفريق بينهما لدلالة الكتاب والسنة على ذلك فقال تعالى: (قالت الأعراب آمنا، قل: لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم) وحديث جبريل في التفريق بين الإسلام والإيمان معروف مشهور، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب " الإيمان " (ص 305 طبع المكتب الإسلامي) . " والرد إلى الله ورسوله في مسألة الإسلام والإيمان يوجب أن كلا من الاسمين وإن كان مسماه واجبا، ولا يستحق أحد الجنة إلا بأن يكون مؤمنا مسلما، فالحق في ذلك ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل، فجعل الدين وأهله ثلاث طبقات: أولها الإسلام، وأوسطها الإيمان، وأعلاها الإحسان، ومن وصل إلى العليا، فقد وصل إلى التي تليها، فالمحسن مؤمن، والمؤمن مسلم وأما المسلم فلا يجب أن يكون مؤمنا ". ومن شاء بسط الكلام على هذه المسألة مع التحقيق الدقيق فليرجع إلى الكتاب المذكور، فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع. ويشهد للحديث ما يأتي: " ابنا العاص مؤمنان: هشام وعمرو ". 156 - " ابنا العاص مؤمنان: هشام وعمرو ". أخرجه عفان بن مسلم في " حديثه " (ق 238 / 2) حدثنا حماد بن سلمة حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه. وأخرجه أحمد (2 / 354) وابن سعد (4 / 191) من طريق عفان به،

157

وكذلك أخرجه الحاكم (3 / 452) . ثم أخرجه أحمد (2 / 304، 327، 353) وابن سعد وأبو علي الصواف في " حديثه (3 / 2 / 2) وابن عساكر (13 / 52 / 1) من طرق أخرى عن حماد به. قلت: وهذا سند حسن، وسكت عليه الحاكم والذهبي، ومن عادتهما أن يصححا هذا الإسناد على شرط مسلم. وله شاهد، خرجه ابن عساكر من طريق ابن سعد حدثنا عمر بن حكام بن أبي الوضاح حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن عمر مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات غير ابن حكام هذا فلم أعرفه. ثم استدركت فقلت: هو عمرو بالواو سقط من قلمي أو من ناسخ ابن عساكر، وعمرو ابن حكام معروف بالرواية عن شعبة وهو ضعيف، إلا أنه مع ضعفه يكتب حديثه كما قال ابن عدي، فهو صالح للاستشهاد به. 157 - " والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة، ولا يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار ". رواه ابن منده في " التوحيد " (44 / 1) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة فذكره مرفوعا. ثم رواه من طريق أبي يونس عن أبي هريرة به. قلت: وهذان إسنادان صحيحان، الأول على شرط الشيخين، والآخر على شرط مسلم. وقد أخرجه في صحيحه (1 / 93) نحوه.

158

والحديث صريح في أن من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم وما أرسل به، بلغه ذلك على الوجه الذي أنزله الله عليه، ثم لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم أن مصيره إلى النار، لا فرق في ذلك بين يهودي أو نصراني أو مجوسي أو لا ديني. واعتقادي أن كثيرا من الكفار لو أتيح لهم الاطلاع على الأصول والعقائد والعبادات التي جاء بها الإسلام، لسارعوا إلى الدخول فيه أفواجا، كما وقع ذلك في أول الأمر، فليت أن بعض الدول الإسلامية ترسل إلى بلاد الغرب من يدعو إلى الإسلام، ممن هو على علم به على حقيقته وعلى معرفة بما ألصق به من الخرافات والبدع والافتراءات، ليحسن عرضه على المدعوين إليه، وذلك يستدعي أن يكون على علم بالكتاب والسنة الصحيحة، ومعرفة ببعض اللغات الأجنبية الرائجة، وهذا شيء عزيز يكاد يكون مفقودا، فالقضية تتطلب استعدادات هامة، فلعلهم يفعلون. 158 - " لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز وجل أن يسمعكم (من) عذاب القبر (ما أسمعني) ". قال الإمام أحمد (3 / 201) : حدثنا يزيد أنبأنا حميد عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بنخل لبني النجار، فسمع صوتا فقال: ما هذا؟ قالوا: قبر رجل دفن في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره.

قلت: وهذا سند ثلاثي صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه أحمد أيضا (3 / 103) عن ابن أبي عدي، و (3 / 114) عن يحيى ابن سعيد، وابن حبان (786) عن إسماعيل، ثلاثتهم عن حميد به. وهاذان إسنادان صحيحان ثلاثيان أيضا، وزاد ابن أبي عدي بعد قولهم: " في الجاهلية ": " فأعجبه ذلك " وهي عند النسائي (1 / 290) من طريق عبد الله - وهو ابن المبارك - عن حميد بلفظ: " فسر بذلك ". وصرح يحيى بن سعيد بتحديث حميد به عن أنس. وقد تابعه ثابت، عند أحمد أيضا (3 / 153، 175، 284) من طريق حماد قال: أنبأنا ثابت وحميد عن أنس به وزاد: " وهو على بغلة شهباء، فإذا هو بقبر يعذب (وفي رواية: فسمع أصوات قوم يعذبون في قبورهم) فحاصت البغلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لولا .... " الحديث. وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه قاسم بن مرثد الرحال فقال أحمد (3 / 111) : حدثنا سفيان قال: سمع قاسم الرحال أنسا يقول: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم خربا لبني النجار، وكان يقضي فيها حاجة، فخرج إلينا مذعورا أو فزعا وقال: لولا ... " الحديث وفيه الزيادتان. وهذا سند ثلاثي أيضا صحيح، فسفيان هو ابن عيينة من رجال الستة، وقاسم وثقه ابن معين وغيره. وتابعه أيضا قتادة عن أنس المرفوع منه فقط دون القصة أخرجه مسلم (8 / 161) وأحمد (3 / 176 و 273) .

159

وله شاهد من حديث جابر قال: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما نخلا لبني النجار، فسمع أصوات رجال من بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا، فأمر أصحابه أن تعوذوا من عذاب القبر ". أخرجه أحمد (3 / 295 - 296) بسند صحيح متصل على شرط مسلم. وله شاهد آخر من حديث زيد بن ثابت مرفوعا وهو: " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذ بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال ". 159 - " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه. قال زيد: ثم أقبل علينا بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، قالوا: نعوذا بالله من عذاب القبر، قال: تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قالوا: نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، قال: تعوذوا بالله من فتنة الدجال، قالوا: نعوذ بالله من فتنة الدجال ". أخرجه مسلم (8 / 160 - 161) من طريق ابن علية قال: وأخبرنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن زيد بن ثابت قال أبو سعيد: ولم أشهده من النبي صلى الله عليه وسلم ولكن حدثنيه زيد بن ثابت قال: " بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له، ونحن معه إذ حادت به، فكادت تلقيه، وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة - شك الجريري - فقال: من يعرف أصحاب هذه الأقبر؟ فقال رجل: أنا قال: فمتى مات هؤلاء؟ قال: ماتوا في الإشراك فقال ... " فذكره.

وأخرجه أحمد (5 / 190) : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مسعود الجريري به إلا أنه قال: " تعوذوا من فتنة المحيا والممات "، بدل " تعوذوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ". وأخرجه ابن حبان (785) بنحو رواية مسلم، لكن لم يذكر فيه زيد بن ثابت. غريب الحديث (تدافنوا) أصله تتدافنوا فحذف إحدى التاءين. أي: لولا خشية أن يفضي سماعكم إلى ترك أن يدفن بعضكم بعضا. (شهباء) : بيضاء. (حاصت) أي حامت كما في رواية لأحمد أي اضطربت. (خربا) بكسر الخاء وفتح الراء جمع خربة، كنقمة ونقم. (تبتلى) أي تمتحن. والمراد امتحان الملكين للميت بقولهما: " من ربك؟ ": " من نبيك ". من فوائد الحديث وفي هذه الأحاديث فوائد كثيرة أذكر بعضها أو أهمها: 1 - إثبات عذاب القبر، والأحاديث في ذلك متواترة، فلا مجال للشك فيه بزعم أنها آحاد! ولو سلمنا أنها آحاد فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها، قال تعالى: (وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا. ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) .

ولو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها، فهي وحدها كافية لإثبات هذه العقيدة، والزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل في الإسلام، لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة وغيرهم، بل هو مما جاء به بعض علماء الكلام، بدون برهان من الله ولا سلطان، وقد كتبنا فصلا خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا، أرجو أن أوفق لتبييضه ونشره على الناس. 2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ما لا يسمع الناس، وهذا من خصوصياته عليه الصلاة والسلام، كما أنه كان يرى جبريل ويكلمه والناس لا يرونه ولا يسمعون كلامه، فقد ثبت في البخاري وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما لعائشة رضي الله عنها: هذا جبريل يقرئك السلام، فقالت: وعليه السلام يا رسول الله، ترى ما لا نرى. ولكن خصوصياته عليه السلام إنما تثبت بالنص الصحيح، فلا تثبت بالنص الضعيف ولا بالقياس والأهواء، والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض، فمنهم من ينكر كثيرا من خصوصياته الثابتة بالأسانيد الصحيحة، إما لأنها غير متواترة بزعمه، وإما لأنها غير معقولة لديه! ومنهم من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت مثل قولهم: إنه أول المخلوقات، وإنه لا ظل له في الأرض وإنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه، بينما إذا داس على الصخر علم عليه، وغير ذلك من الأباطيل. والقول الوسط في ذلك أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشر بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة، فلا يجوز أن يعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما صح به النص في الكتاب والسنة، فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له، ولم يجز رده بفلسفة خاصة علمية أو عقلية، زعموا، ومن المؤسف، أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشارا مخيفا رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس، حتى ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين، فهم

يأخذون منها ما شاؤوا، ويدعون ما شاؤوا، ومن أولئك طائفة ينتمون إلى العلم، وبعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة! فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين والغالين. 3 - إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت، فيجب اعتقاده أيضا، والأحاديث فيه أيضا متواترة. 4 - إن فتنة الدجال فتنة عظيمة ولذلك أمر بالاستعاذة من شرها في هذا الحديث وفي أحاديث أخرى، حتى أمر بذلك في الصلاة قبل السلام كما ثبت في البخاري وغيره. وأحاديث الدجال كثيرة جدا، بل هي متواترة عند أهل العلم بالسنة. ولذلك جاء في كتب العقائد وجوب الإيمان بخروجه في آخر الزمان، كما جاء فيها وجوب الإيمان بعذاب القبر وسؤال الملكين. 5 - إن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة والسلام معذبون بشركهم وكفرهم، وذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي، خلافا لما يظنه بعض المتأخرين. إذ لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) . وقد قال النووي في شرح حديث مسلم: " أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار ... " الحديث. قال النووي (1 / 114 طبع الهند) : " فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين، وفيه أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار، وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ".

160

160 - " لا، ولكن تصافحوا. يعني لا ينحني لصديقه ولا يلتزمه، ولا يقبله حين يلقاه ". رواه الترمذي (2 / 121) وابن ماجه (3702) والبيهقي (7 / 100) وأحمد (3 / 198) من طرق عن حنظلة بن عبد الله السدوسي قال: حدثنا أنس بن مالك قال: " قال رجل: يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له؟ قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا، قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا، قال: فيصافحه؟ قال: نعم إن شاء ". والسياق لأحمد وكذا الترمذي، لكن ليس عنده: " إن شاء " ولفظ ابن ماجه نحوه وفيه: " لا، ولكن تصافحوا ". والحديث رواه أيضا محمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند الثوري " (1 / 46 / 2) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (97 / 1) وفي " الرباعيات " (1 / 93 / 2) والباغندي في " حديث شيبان وغيره " (191 / 1) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (236 / 2) والضياء المقدسي في " المصافحة " (32 / 2) وفي " المنتقى من مسموعاته بمرو " (28 / 2) كلهم عن حنظلة به. وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: وهو كما قال أو أعلا، فإن رجاله كلهم ثقات غير حنظلة هذا فإنهم ضعفوه، ولكنهم لم يتهموه، بل ذكر يحيى القطان وغيره أنه اختلط، فمثله يستشهد به، ويقوى حديثه عند المتابعة، وقد وجدت له متابعين ثلاثة: الأول: شعيب بن الحبحاب. أخرجه الضياء في " المنتقى " (87 / 2) من طريق أبي بلال الأشعري حدثنا قيس

بن الربيع عن هشام بن حسان عن شعيب به إلا أنه ذكر السجود بدل الالتزام. وهذا إسناد حسن في المتابعات فإن قيس بن الربيع صدوق، ولكنه كان تغير لما كبر، وأبو بلال الأشعري اسمه مرداس ضعفه الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات ومن فوقهما ثقتان من رجال الشيخين. وهذه المتابعة أخرجها أيضا أبو الحسن المزكي كما أفاده ابن المحب في تعليقه على " كتاب المصافحة " ومن خطه نقلت. الثاني: كثير بن عبد الله قال: سمعت أنس بن مالك به دون ذكر الانحناء والالتزام. أخرجه ابن شاهين في " رباعياته " (172 / 2) : حدثنا محمد بن زهير قال: حدثنا مخلد بن محمد قال: حدثنا كثير بن عبد الله. وكثير هذا ضعيف كما قال الدارقطني، وقال الذهبي: " وما أرى رواياته بالمنكرة جدا، وقد روى له ابن عدي عشرة أحاديث ثم قال: " وفي بعض روايته ما ليس بمحفوظ ". قلت: فمثله يستشهد به أيضا إن شاء الله تعالى، لكن من دونه لم أجد من ترجمهما الثالث: المهلب بن أبي صفرة عن أنس مرفوعا بلفظ: (لا ينحني الرجل للرجل، ولا يقبل الرجل الرجل، قالوا: يصافح الرجل الرجل؟ قال: نعم) . رواه الضياء في " المنتقى " (23 / 1) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا إبراهيم بن طهمان عن المهلب به. قلت: المهلب من ثقات الأمراء كما في " التقريب "، لكن السند إليه واه، فإن عبد العزيز بن أبان هذا متروك وكذبه ابن معين وغيره كما قال الحافظ، فلا يستشهد

بهذه المتابعة. ولكن ما قبلها من المتابعات يكفي في تقوية الحديث، وكأنه لذلك أقر الحافظ في " التلخيص " (367) تحسين الترمذي إياه. ومنه تعلم أن قول البيهقي: " تفرد به حنظلة " فليس بصواب والله أعلم. إذا عرفت ذلك ففيه رد على بعض المعاصرين من المشتغلين بالحديث، فقد ألف جزءا صغيرا أسماه " إعلام النبيل بجواز التقبيل " حشد فيه كل ما وقف عليه من أحاديث التقبيل ما صح منها وما لم يصح، ثم أورد هذا الحديث وضعفه بحنظلة ولعله لم يقف على هذه المتابعات التي تشهد له، ثم تأوله بحمله على ما إذا كان الباعث على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلا! وهذا تأويل باطل، لأن الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل، لا يعنون به قطعا التقبيل المزعوم، بل تقبيل تحية كما سألوه عن الانحناء والالتزام والمصافحة فكل ذلك إنما عنوا به التحية فلم يسمح لهم من ذلك بشيء إلا المصافحة، فهل هي المصافحة لمصلحة دنيوية؟ ! اللهم لا. فالحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء، ولا يدخل في ذلك تقبيل الأولاد والزوجات، كما هو ظاهر، وأما الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصحابة في وقائع مختلفة، مثل تقبيله واعتناقه لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة، وتقبيله واعتناقه لأبي الهيثم ابن التيهان وغيرهما، فالجواب عنها من وجوه:

الأول: أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة. ولعلنا نتفرغ للكلام عليها، وبيان عللها إن شاء الله تعالى. الثاني: أنه لو صح شيء منها، لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح، لأنها فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية، أو غيرها من الاحتمالات التي توهن الاحتجاج بها على خلاف هذا الحديث، لأنه حديث قولي وخطاب عام موجه إلى الأمة فهو حجة عليها، لما تقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل عند التعارض، والحاظر مقدم على المبيح، وهذا الحديث قول وحاظر، فهو المقدم على الأحاديث المذكورة لو صحت. وكذلك نقول بالنسبة للالتزام والمعانقة، أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها، لكن قال أنس رضي الله عنه: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ". رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله رجال الصحيح كما قال المنذري (3 / 270) والهيثمي (8 / 36) وروى البيهقي (7 / 100) بسند صحيح عن الشعبي قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا، فإذا قدموا من سفر عانق بعضهم بعضا ". وروى البخاري في " الأدب المفرد " (970) وأحمد (3 / 495) عن جابر بن عبد الله قال: " بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال: ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني واعتنقته " الحديث،

161

وإسناده حسن كما قال الحافظ (1 / 195) وعلقه البخاري. فيمكن أن يقال: إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك، وعليه يحمل بعض الأحاديث المتقدمة إن صحت. والله أعلم. وأما تقبيل اليد، ففي الباب أحاديث وآثار كثيرة، يدل مجموعها على ثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط الآتية: 1 - أن لا يتخذ عادة بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته، ويتطبع هؤلاء على التبرك بذلك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وإن قبلت يده فإنما كان ذلك على الندرة، وما كان كذلك فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة، كما هو معلوم من القواعد الفقهية. 2 - أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره، ورؤيته لنفسه، كما هو الواقع مع بعض المشايخ اليوم. 3 - أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة، كسنة المصافحة، فإنها مشروعة بفعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وهي سبب تساقط ذنوب المتصافحين كما روي في غير ما حديث واحد، فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر، أحسن أحواله أنه جائز. 161 - " إذهب فوار أباك (الخطاب لعلي بن أبي طالب) قال (لا أواريه) ، (إنه مات مشركا) ، (فقال: اذهب فواره) ثم لا تحدثن حتى تأتيني، فذهبت فواريته، وجئته (وعلي أثر التراب والغبار) فأمرني فاغتسلت، ودعا لي (بدعوات ما يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء) ". أبو داود (3124) والنسائي (1 / 282 - 283) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 123) وابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 95 و 142 - طبع الهند) وابن الجارود في " المنتقى " (ص 269) والطيالسي (120) والبيهقي (3 / 398)

وأحمد (1 / 97 و 131) وأبو محمد الخلدي في جزء من " فوائده " (ق 47 / 1) من طرق عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال: " قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات " فمن يواريه؟ " قال: " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ناجية ابن كعب وهو ثقة كما في " التقريب "، وقد قواه الرافعي وتبعه الحافظ في " التلخيص " كما بينته في " إرواء الغليل " (707) . وله في مسند أحمد (1 / 103) و " زوائد ابنه عليه " (1 / 129 - 130) طريق أخرى عن الحسن بن يزيد الأصم قال: سمعت السدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي به، وزاد في آخره: " قال: وكان علي رضي الله عنه إذا غسل الميت اغتسل ". قلت: وهذا سند حسن، رجاله رجال مسلم غير الحسن هذا وهو صدوق يهم كما في " التقريب ". من فوائد الحديث 1 - أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك وأن ذلك لا ينافي بغضه إياه لشركه، ألا ترى أن عليا رضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه معللا ذلك بقوله: " إنه مات مشركا " ظنا منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يدخله في التولي الممنوع في مثل قوله تعالى: " لا تتولوا قوما غضب الله عليهم " فلما أعاد صلى الله عليه وسلم الأمر بمواراته بادر لامتثاله، وترك ما بدا له أول الأمر. وكذلك تكون الطاعة: أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم ويبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن

162

صحبة الوالد المشرك في الدنيا، وأما بعد الدفن فليس له أن يدعو له أو يستغفر له لصريح قوله تعالى (ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى) ، وإذا كان الأمر كذلك، فما حال من يدعو بالرحمة والمغفرة على صفحات الجرائد والمجلات لبعض الكفار في إعلانات الوفيات من أجل دريهمات معدودات! فليتق الله من كان يهمه أمر آخرته. 2 - أنه لا يشرع له غسل الكافر ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولو كان قريبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك عليا، ولو كان ذلك جائزا لبينه صلى الله عليه وسلم، لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وهذا مذهب الحنابلة وغيرهم. 3 - أنه لا يشرع لأقارب المشرك أن يتبعوا جنازته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك مع عمه وقد كان أبر الناس به وأشفقهم عليه حتى إنه دعى الله له حتى جعل عذابه أخف عذاب في النار، كما سبق بيانه في الحديث (رقم 53) ، وفي ذلك كله عبرة لمن يغترون بأنسابهم، ولا يعملون لآخرتهم عند ربهم، وصدق الله العظيم إذ يقول: (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) . 162 - " لا يا بنت الصديق، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات ". أخرجه الترمذي (2 / 201) وابن جرير (18 / 26) والحاكم (2 / 393 - 394) والبغوي في تفسيره (6 / 25) وأحمد (6 / 159 و 205) من طريق مالك بن مغول عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم

قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم " عن هذه الآية (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) . قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرفون؟ قال " فذكره. وقال الترمذي: " وقد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ". قلت: وإسناد حديث عائشة رجاله كلهم ثقات، ولذلك قال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: وفيه علة، وهي الانقطاع بين عبد الرحمن وعائشة فإنه لم يدركها كما في " التهذيب "، لكن يقويه حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي فإنه موصول وقد وصله ابن جرير: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا الحكم بن بشير قال: حدثنا عمر بن قيس عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قالت عائشة: الحديث نحوه. وهذا سند رجاله ثقات غير ابن حميد، وهو محمد بن حميد بن حيان الرازي وهو ضعيف مع حفظه، لكن لعله توبع، فقد أخرج الحديث ابن أبي الدنيا وابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه كما في " الدر المنثور " (5 / 11) وابن أبي الدنيا من طبقة شيوخ ابن جرير، فاستبعد أن يكون رواه عن شيخه هذا. والله أعلم.

163

قلت: والسر في خوف المؤمنين أن لا تقبل منهم عبادتهم، ليس هو خشيتهم أن لا يوفيهم الله أجورهم، فإن هذا خلاف وعد الله إياهم في مثل قوله تعالى (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فيوفيهم أجورهم) ، بل إنه ليزيدهم عليها كما قال (ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) ، والله تعالى (لا يخلف وعده) كما قال في كتابه، وإنما السر أن القبول متعلق بالقيام بالعبادة كما أمر الله عز وجل، وهم لا يستطيعون الجزم بأنهم قاموا بها على مراد الله، بل يظنون أنهم قصروا في ذلك، ولهذا فهم يخافون أن لا تقبل منهم. فليتأمل المؤمن هذا عسى أن يزداد حرصا على إحسان العبادة والإتيان بها كما أمر الله، وذلك بالإخلاص فيها له، واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في هديه فيها. وذلك معنى قوله تعالى (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) . 163 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ (شك شعبة) قصر الصلاة. (وفي رواية) : صلى ركعتين ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 129) والبيهقي 3 / 146 والسياق له عن محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يحيي بن

يزيد الهنائي قال: " سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة فأصلي ركعتين حتى أرجع؟ فقال أنس ... " فذكره. قلت: وهذا سند جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الهنائي فمن رجال مسلم وحده، وقد روى عنه جماعة من الثقات، وقال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 198) عن أبيه: " هو شيخ " وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 257) وسمى جده مرة، وقال: " ومن قال: يزيد بن يحيى أو ابن أبي يحيى فقد وهم ". والحديث أخرجه مسلم (2 / 145) وأبو داود (1201) وابن أبي شيبة (2 / 108 / 1 / 2) وعنه أبو يعلى في " مسنده " (ق 99 / 2) من طرق عن محمد بن جعفر به دون قول الهنائي: " وكنت أخرج إلى الكوفة ... حتى أرجع ". وهي زيادة صحيحة ومن أجلها أوردت الحديث. وكذلك أخرجه أبو عوانة (2 / 346) من طريق أبي داود (وهو الطيالسي) قال: حدثنا شعبة به. ولم يروه الطيالسي في " مسنده ". (الفرسخ) ثلاثة أميال، والميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري، وقيل: حده أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة، وهو ذاهب أو آت، كما في " الفتح " (2 / 467) وهو في تقدير بعض علماء العصر الحاضر يساوي 1680 مترا. فقه الحديث يدل هذا الحديث على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخ (والفرسخ نحو

ثمان كيلو مترات) جاز له القصر، وقد قال الخطابي في " معالم السنن " (2 / 49) : " إن ثبت الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدا فيما يقصر إليه الصلاة، إلا أني لا أعرف أحدا من الفقهاء يقول به ". وفي هذا الكلام نظر من وجوه: الأول: أن الحديث ثابت كما تقدم، وحسبك أن مسلما أخرجه ولم يضعفه غيره. الثاني: أنه لا يضر الحديث ولا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من الفقهاء، لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود. الثالث: أنه قد قال به راويه أنس بن مالك رضي الله عنه وأفتى به يحيى بن يزيد الهنائي راويه عنه كما تقدم، بل ثبت عن بعض الصحابة القصر في أقل من هذه المسافة، فروى ابن أبي شيبة (2 / 108 / 1) عن محمد بن زيد بن خليدة عن ابن عمر قال: " تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال ". وإسناده صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " (رقم 561) . ثم روى من طريق أخرى عنه أنه قال: " إني لأسافر الساعة من النهار وأقصر ". وإسناده صحيح، وصححه الحافظ في " الفتح " (2 / 467) . ثم روى عنه (2 / 111 / 1) عنه: " أنه كان يقيم بمكة، فإذا خرج إلى منى قصر ". وإسناده صحيح أيضا. ويؤيده أن أهل مكة لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى منى في حجة الوداع قصروا

أيضا كما هو معروف مشهور في كتب الحديث والسيرة وبين مكة ومنى فرسخ كما في " معجم البلدان ". وقال جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول: " لو خرجت ميلا قصرت الصلاة ". ذكره الحافظ وصححه. ولا ينافي هذا ما في الموطأ وغيره بأسانيد صحيحة عن ابن عمر أنه كان يقصر في مسافة أكثر مما تقدم، لأن ذلك فعل منه، لا ينفي القصر في أقل منها لو سافر إليها، فهذه النصوص التي ذكرناها صريحة في جواز القصر في أقل منها، فلا يجوز ردها، مع دلالة الحديث على الأقل منها. وقد قال الحافظ في " الفتح " (2 / 467 - 468) : " وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه، وقد حمله من خالفه على أن المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر، لا غاية السفر! ولا يخفى بعد هذا الحمل، مع أن البيهقي ذكره في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد قال: سألت أنسا عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة أصلى ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس: فذكر الحديث، فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدئ القصر منه، ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل بمجاوزة البلد الذي يخرج منها. ورده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به. فإن كان المراد به أنه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم، لكن لا يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ، فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها فيؤخذ بالأكثر احتياطا. وقد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة قال: قلت لسعيد ابن المسيب: أأقصر الصلاة وأفطر في بريد من المدينة؟ قال: نعم. والله أعلم ". قلت: وإسناد هذا الأثر عند بن أبي شيبة (2 / 15 / 1) صحيح.

وروي عن اللجلاج قال: " كنا نسافر مع عمر رضي الله عنه ثلاثة أميال فنتجوز في الصلاة ونفطر ". وإسناده محتمل للتحسين رجاله كلهم ثقات غير أبي الورد بن ثمامة روى عنه ثلاثة وقال ابن سعد: " كان معروفا قليل الحديث ". وقد دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث، وذلك من فقه الصحابة رضي الله عنهم، فإن السفر مطلق في الكتاب والسنة، لم يقيد بمسافة محدودة كقوله تعالى (وإذا ضربتم في الأرض فلا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة) الآية. وحينئذ فلا تعارض بين الحديث وهذه الآثار، لأنه لم ينف جواز القصر في أقل من المسافة المذكورة فيه، ولذلك قال العلامة ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1 / 189) : " ولم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر والفطر، بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض، كما أطلق لهم التيمم في كل سفر، وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة، فلم يصح عنه منها شيء البتة، والله أعلم ". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " كل اسم ليس له حد في اللغة ولا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان سفرا في عرف الناس، فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم ". وقد اختلف العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافا كثيرا جدا، على نحو عشرين قولا، وما ذكرناه عن ابن تيمية وابن القيم أقربها إلى الصواب، وأليق بيسر الإسلام، فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة أيام وغيرها من

164

التحديدات، يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد يطرقونها، وهذا مما لا يستطيع أكثر الناس، لاسيما إذا كانت مما لم تطرق من قبل! وفي الحديث فائدة أخرى، وهي أن القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة وهو مذهب الجمهور من العلماء، كما في " نيل الأوطار " (3 / 83) ، قال: " وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله. ومنهم من قال: إذا ركب قصر إن شاء. ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت، واختلفوا فيما قبل ذلك، فعليه الإتمام على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر. قال: ولا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة ". قلت: والأحاديث في هذا المعني كثيرة، وقد خرجت طائفة منها في " الإرواء " من حديث أنس وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم فانظر رقم (562) . 164 - " كان صلى الله عليه وسلم في غزو تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر، وصلى الظهر والعصر جميعا، ثم سار وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب ". أخرجه أبو داود (1220) والترمذي (2 / 438) والدارقطني (151) والبيهقي (3 / 163) وأحمد (5 / 241 - 242) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد

حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن معاذ بن جبل مرفوعا. وقال أبو داود: " لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده ". قلت: وهو ثقة ثبت فلا يضر تفرده لو صح، ولذلك قال الترمذي: " حديث حسن غريب تفرد به قتيبة، لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره ". وقال في مكان آخر: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهذا هو الصواب. فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين وقد صححه ابن القيم وغيره، وأعله الحاكم وغيره بما لا يقدح كما بينته في " إرواء الغليل " (571) ، وذكرت هناك متابعا لقتيبة وشواهد لحديثه يقطع الواقف عليها بصحته. ورواه مالك (1 / 143 / 2) من طريق أخرى عن أبي الطفيل به بلفظ: " أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوما، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ". ومن طريق مالك أخرجه مسلم (7 / 60) وأبو داود (1206) والنسائي (1 / 98) والدارمي (1 / 356) والطحاوي (1 / 95) والبيهقي (3 / 162) وأحمد (5 / 237) ، وفي رواية لمسلم (2 / 152) وغيره من طريق أخرى: " فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال: أراد ألا يحرج أمته ". فقه الحديث فيه مسائل: 1 - جواز الجمع بين الصلاتين في السفر ولو في غير عرفة ومزدلفة، وهو

مذهب جمهور العلماء. خلافا للحنفية، وقد تأولوه بالجمع الصوري أي بتأخير الظهر إلى قرب وقت العصر، وكذا المغرب مع العشاء، وقد رد عليهم الجمهور من وجوه: أولا: أنه خلاف الظاهر من الجمع. ثانيا: أن الغرض من مشروعيته التيسير ورفع الحرج كما صرحت بذلك رواية مسلم، ومراعاة الجمع الصوري فيه الحرج كما لا يخفى. ثالثا: أن في بعض أحاديث الجمع ما يبطل دعواهم كحديث أنس ابن مالك بلفظ: " أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما ". رواه مسلم (2 / 151) وغيره. رابعا: ويبطله أيضا جمع التقديم الذي صرح به حديث معاذ هذا " وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر ". والأحاديث بهذا المعنى كثيرة كما سبقت الإشارة إلى ذلك. 2 - وأن الجمع كما يجوز تأخيرا، يجوز تقديما، وبه قال الإمام الشافعي في " الأم " (1 / 67) وكذا أحمد وإسحاق كما قال الترمذي (2 / 441) . 3 - وأنه يجوز الجمع في حال نزوله كما يجوز إذا جد به السير، قال الإمام الشافعي في " الأم " بعد أن روى الحديث من طريق مالك: " وهذا وهو نازل غير سائر، لأن قوله " دخل " ثم خرج " لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن يجمع نازلا وسائرا ". قلت: فلا يلتفت بعد هذا النص إلى قول ابن القيم رحمه الله في " الزاد " (1 / 189) : " ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكبا في سفره كما يفعله كثير من الناس، ولا الجمع حال نزوله أيضا ".

وقد اغتر بكلامه هذا بعض إخواننا السلفيين في بعض الأقطار، فلذلك وجب التنبيه عليه. ومن الغريب أن يخفى مثل هذا النص على ابن القيم رحمه الله مع وروده في الموطأ وصحيح مسلم وغيرهما من الأصول التي ذكرنا، ولكن لعل الغرابة تزول إذا تذكرنا أنه ألف هذا الكتاب " الزاد " في حالة بعده عن الكتب وهو مسافر، وهذا هو السبب في وجود كثير من الأخطاء الأخرى فيه، وقد بينت ما ظهر لي منها في " التعليقات الجياد على زاد المعاد ". ومما يحمل على الاستغراب أيضا أن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صرح في بعض كتبه بخلاف ما قال ابن القيم رحمه الله، فكيف خفي عليه ذلك وهو أعرف الناس به وبأقواله؟ قال شيخ الإسلام في " مجموعة الرسائل والمسائل " (2 / 26 - 27) بعد أن ساق الحديث: " الجمع على ثلاث درجات، أما إذا كان سائرا في وقت الأولى، فإنما ينزل في وقت الثانية، فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس وابن عمر، وهو نظير جمع مزدلفة، وأما إذا كان وقت الثانية سائرا أو راكبا فجمع في وقت الأولى، فهذا نظير الجمع بعرفة وقد روي ذلك في السنن (يعني حديث معاذ هذا) وأما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا نزولا مستمرا، فهذا ما علمت روي ما يستدل به عليه إلا حديث معاذ هذا، فإن ظاهره أنه كان نازلا في خيمته في السفر، وأنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل إلى بيته، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل، وأما السائر فلا يقال: دخل وخرج، بل نزل وركب. وتبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسافر بعدها إلا حجة الوداع، وما نقل

165

أنه جمع فيها إلا بعرفة ومزدلفة. وأما بمنى فلم ينقل أحد أنه جمع هناك، بل نقلوا أنه كان يقصر الصلاة هناك، وهذا دليل على أنه كان يجمع أحيانا في السفر، وأحيانا لا يجمع، وهو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن يجمع بينهما. وهذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر، بل يفعل للحاجة سواء أكان في السفر أو في الحضر، فإنه قد جمع أيضا في الحضر لئلا يحرج أمته. فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء أكان ذلك لسيره وقت الثانية أو الأولى وشق النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخرى مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو تعبان سهران جائع يحتاج إلى راحة وأكل ونوم، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له الجمع. وأما النازل أياما في قرية أو مصر وهو في ذلك المصر، فهذا وإن كان يقصر لأنه مسافر فلا يجمع، كما أنه لا يصلي على الراحلة ولا يصلي بالتيمم ولا يأكل الميتة. فهذه الأمور أبيحت للحاجة، ولا حاجة به إلى ذلك بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر ". 165 - " الوزن وزن أهل مكة، والمكيال مكيال أهل المدينة ". رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (167 / 2) وأبو داود (2340) والنسائي (7 / 281 المطبعة المصرية) وابن حبان (1105) والطبراني (3 / 202 / 1) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 99) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 20)

والبيهقي (6 / 31) من طريقين عن سفيان عن حنظلة عن طاووس عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " (64 - 65) وصححه ابن حبان والدارقطني والنووي وابن دقيق العيد والعلائي كما في " فيض القدير " ورواه بعضهم عن سفيان به فقال " عن ابن عباس " بدل " ابن عمر " وهو خطأ كما بينته في تخريج أحاديث بيوع الموسوعة الفقهية، ثم في " الإرواء " (1331) . قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله: " تأملنا هذا الحديث، فوجدنا مكة لم يكن بها ثمرة ولا زرع حينئذ، وكذلك كانت قبل ذلك الزمان، ألا ترى إلى قول إبراهيم عليه السلام: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع) ، وإنما كانت بلد متجر، يوافي الحاج إليها بتجارات فيبيعونها هناك، وكانت المدينة بخلاف ذلك، لأنها دار النخل، ومن ثمارها حياتهم، وكانت الصدقات تدخلها فيكون الواجب فيها من صدقة تؤخذ كيلا، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمصار كلها لهذين المصريين أتباعا، وكان الناس يحتاجون إلى الوزن في أثمان ما يبتاعون، وفيما سواها مما يتصرفون فيه من العروض ومن أداء الزكوات وما سوى ذلك مما يستعملونه، فيما يسلمونه فيه من غيره من الأشياء التي يكيلونها، وكانت السنة قد منعت من إسلام موزون في موزون ومن إسلام مكيل في مكيل، وأجازت إسلام المكيل في موزون، والموزون في مكيل ومنعت من بيع الموزون بالموزون، إلا مثلا بمثل، ومن بيع المكيل بالمكيل إلا مثلا بمثل، وكان الوزن في ذلك أصله ما كان عليه بمكة، والمكيال مكيال أهل المدينة، لا يتغير عن ذلك، وإن غيره الناس عما كان عليه إلى ما سواه من ضده فيرحبون بذلك إلى معرفة الأشياء المكيلات التي لها حكم المكيال إلى ما كان عليه أهل المكاييل فيها يومئذ، وفي الأشياء الموزونات

166

إلى ما كان عليه أهل الميزان يومئذ، وأن أحكامها لا تتغير عن ذلك ولا تنقلب عنها إلى أضدادها ". قلت: ومن ذلك يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع أصل توحيد الموازين والمكاييل، ووجه المسلمين إلى الرجوع في ذلك إلى أهل هذين البلدين المفضلين: مكة المكرمة والمدينة المنورة. فليتأمل العاقل هذا ولينظر حال المسلمين اليوم واختلافهم في مكاييلهم وموازينهم، على أنواع شتى بسبب هجرهم لهذا التوجيه النبوي الكريم. ولما شعر بعض المسؤولين في بعض الدول العربية المسلمة بسوء هذا الاختلاف اقترح البعض عليهم توحيد ذلك وغيره كالمقاييس، بالرجوع إلى عرف الكفار فيها! فوا أسفاه، لقد كنا سادة وقادة لغيرنا بعلمنا وتمسكنا بشريعتنا، وإذا بنا اليوم أتباع ومقلدون! ولمن! لمن كانوا في الأمس القريب يقلدوننا، ويأخذون العلوم عنا! ولكن لابد لهذا الليل من أن ينجلي، ولابد للشمس أن تشرق مرة أخرى، وها قد لاحت تباشير الصبح، وأخذت الدول الإسلامية تعتمد على نفسها في كل شؤون حياتها، بعد أن كانت فيها عالة على غيرها، ولعلها تسير في ذلك على هدي كتاب ربها وسنة نبيها. ولله في خلقه شؤون. 166 - " هي لك على أن تحسن صحبتها ". رواه الطبراني (1 / 176 / 1) : حدثنا أحمد بن عمرو البزار أنبأنا زيد ابن أخزم أنبأنا عبد الله بن داود عن موسى بن قيس عن حجر بن قيس - وكان قد أدرك الجاهلية - قال:: خطب علي رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها فقال: فذكره.

قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات وعبد الله بن داود هو أبو عبد الرحمن الخريبي، والبزار هو الحافظ صاحب المسند المعروف به.

167

167 - " والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم، قالوا: كلنا يرحم، قال: ليس برحمة أحدكم صاحبه، يرحم الناس كافة ". رواه الحافظ العراقي في " المجلس 86 من الأمالي " (77 / 2) من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك مرفوعا وقال: " هذا حديث حسن غريب، وسنان بن سعد قيل فيه: سعد بن سنان وقيل سعيد بن سنان وثقه ابن معين وابن حبان وقال: حدث عنه المصريون وهم يختلفون فيه، وأرجو أن يكون الصحيح سنان بن سعد. قال: وقد اعتبرت حديثه فرأيت ما روي عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات، وما روي عن سعد بن سنان وسعيد بن سنان فيه المناكير، كأنهما اثنان، ولم يكتب أحد حديثه لاضطرابهم في اسمه. وقال النسائي منكر الحديث. قلت: ولم ينفرد به سنان بل تابعه عليه أخشن السدوسي عن أنس رويناه في " كتاب الأدب " للبيهقي بلفظ: " لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم، قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم، قال: ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته حتى يرحم الناس ". وأخشن هذا ذكره ابن حبان في الثقات، وقد أورد الرافعي في أماليه من حديث ثوبان مرفوعا: " إن أرفعكم درجة في الجنة أشدكم رحمة للعامة، فلم أستحسن إيراده في الإملاء لأن فيه خمسة رجال على الولاء، ما بين ضعيف وكذاب ومجهول، فإنه من رواية خالد بن

168

الهياج بن بسطام عن أبيه عن الحسن بن دينار عن الخصيب بن جحدر عن النضر وهو ابن شفي عن أبي أسماء عن ثوبان. والحسن بن دينار والخصيب متهمان بالكذب، فذكرت بدله حديث أنس المتقدم ". قلت: وقد وجدت له شاهدا مرسلا جيدا أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (203 / 1) أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يونس عن الحسن مرفوعا به. 168 - " لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه (أو شهده أو سمعه) ". أخرجه الترمذي (2 / 30) وابن ماجه (4007) والحاكم (4 / 506) والطيالسي (2156) وأحمد (3 / 19، 50، 61) وأبو يعلى (ق 72 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 79 / 2) من طريق علي بن زيد ابن جدعان القرشي عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " علي بن زيد لم يحتج به الشيخان ". قال الذهبي: " قلت: هو صالح الحديث ". وأقول: الصواب فيه أن العلماء اختلفوا، والأرجح أنه ضعيف، وبه جزم الحافظ في " التقريب "، ولكنه ضعف بسبب سوء الحفظ، لا لتهمه في نفسه، فمثله يحسن حديثه أو يصحح إذا توبع. وهذا الحديث لم يتفرد به عن أبي نضرة، بل قد تابعه عليه جماعة:

الأول: أبو سلمة أنه سمع أبا نضرة به. أخرجه أحمد (3 / 44) وابن عساكر (7 / 91 / 2) وسمى أبا سلمة سعيد بن زيد ولم أعرفه، والظاهر أن هذه التسمية وهم من بعض رواته، فإني لم أجد فيمن يكنى بأبي سلمة أحدا بهذا الاسم ولا في " الكنى " للدولابي، فالأقرب أنه عباد بن منصور الناجي البصري القاضي فإنه من هذه الطبقة، ومن الرواة عنه شعبة بن الحجاج، وهو الذي روى عنه هذا الحديث، فإذا صح هذا فالسند حسن بما قبله، فإن عبادا هذا فيه ضعف من قبل حفظه أيضا. الثاني: المستمر بن الريان الإيادي حدثنا أبو نضرة به. أخرجه الطيالسي (2158) وأحمد (3 / 46 - 47) ، وأبو يعلى في " مسنده " (78 / 2، 83 / 1) . والمستمر هذا ثقة من رجال مسلم، وكذلك سائر الرواة، فهو سند صحيح على شرط مسلم. الثالث: التيمي حدثنا أبو نضرة به إلا أنه قال: " إذا رآه أو شهده أو سمعه. فقال أبو سعيد: وددت أني لم أكن سمعته، وقال أبو نضرة: وددت أني لم أكن سمعته ". أخرجه أحمد (3 / 53) : حدثنا يحيى عن التيمي به. قلت: وهذا سند صحيح أيضا على شرط مسلم، والتيمي اسمه سليمان بن طرخان وهو ثقة احتج به الشيخان. الرابع: قتادة: سمعت أبا نضرة به. وزاد: " فقال أبو سعيد الخدري: فما زال بنا البلاء حتى قصرنا، وإنا لنبلغ في الشر ". أخرجه الطيالسي (2151) حدثنا شعبة عن قتادة به، وأحمد (3 / 92) والبيهقي (10 / 90) من طريقين آخرين عن شعبة وفي رواية عنده

(3 / 84) : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن رجل عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به، قال شعبة: فحدثت هذا الحديث قتادة فقال: ما هذا؟ عمرو بن مرة عن أبي البختري عن رجل عن أبي سعيد! حدثني أبو نضرة به إلا أنه قال: " إذا شهده أو علمه. قال أبو سعيد: فحملني على ذلك أني ركبت إلى معاوية فملأت أذنيه، ثم رجعت. قال شعبة: حدثني هذا الحديث أربعة نفر عن أبي نضرة: قتادة وأبو سلمة (و) الجريري ورجل آخر ". قلت: وهذا سند صحيح أيضا. وللحديث طريق أخرى يرويه المعلى بن زياد القردوسي عن الحسن عن أبي سعيد به بلفظ: " إذا رآه أو شهد، فإنه لا يقرب من أجل، ولا يباعد من رزق، أو يقول بحق، أو يذكر بعظيم ". أخرجه أحمد (3 / 50، 87) وأبو يعلى (88 / 1 - 2) وصرح الحسن بالتحديث عنده، فهو صحيح الإسناد. ثم رواه أحمد (3 / 71) من طريق على بن زيد عن الحسن عنه به. دون الزيادة. ورجال هذه الطريق ثقات لولا أن الحسن مدلس وقد عنعنه، ومع ذلك فلا بأس بها في الشواهد.

169

والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية أحمد وعبد بن حميد وأبي يعلى والطبراني في الكبير وابن حبان والبيهقي عن أبي سعيد، وابن النجار عن بن عباس، وأورده (1 / 293 / 1) عن أبي يعلى عن أبي سعيد بالزيادة : " فإنه لا يقرب من أجل، ولا يبعد من رزق ". ففاته أنها في مسند أحمد كما ذكرنا، كما فاته كون الحديث في الترمذي وابن ماجه والمستدرك! وفي الحديث: النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفا من الناس، أو طمعا في المعاش. فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء كالضرب والشتم، وقطع الرزق، أو مخافة عدم احترامهم إياه، ونحو ذلك، فهو داخل في النهي ومخالف للنبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان هذا حال من يكتم الحق وهو يعلمه فكيف يكون حال من لا يكتفى بذلك بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء ويتهمهم في دينهم وعقيدتهم مسايرة منه للرعاع، أو مخافة أن يتهموه هو أيضا بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم واتهامهم؟ ! فاللهم ثبتنا على الحق، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين. 169 - " كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ". أخرجه أبو داود (4841) وابن حبان (1994) والبيهقي (3 / 209) وأحمد (2 / 302، 343) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 82 / 1) من طرق عن عبد الواحد بن زياد حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. ثم روى البيهقي عن أبي الفضل أحمد بن سلمة: سمعت مسلم بن الحجاج يقول: لم يرو هذا الحديث عن عاصم بن كليب إلا عبد الواحد ابن زياد، فقلت له:

حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا ابن فضيل عن عاصم به. فقال مسلم: " إنما تكلم يحيى بن معين في أبي هشام بهذا الذي رواه عن ابن فضيل ". قال البيهقي: " عبد الواحد بن زياد من الثقات الذين يقبل منهم ما تفردوا به ". قلت: وهو ثقة، في حديثه عن الأعمش وحده مقال، وقد احتج به الشيخان، فليس هذا من روايته عن الأعمش فهو حجة، وبقية رجال الإسناد ثقات، فالسند صحيح. على أن متابعة أبي هشام الرفاعي - واسمه محمد بن يزيد بن محمد الكوفي - لا بأس بها. فإن أبا هشام، وإن ضعفه بعض الأئمة فليس من أجل تهمة فيه، وقد أخرجه عنه الترمذي (1 / 206) وقال: " حديث حسن صحيح غريب ". (فائدة) : قال المناوي في " فيض القدير ": " وأراد بالتشهد هنا الشهادتين، من إطلاق الجزء على الكل، كما في التحيات. قال القاضي: أصل التشهد الإتيان بكلمة الشهادة، وسمي التشهد تشهدا لتضمنه إياهما، ثم اتسع فيه، فاستعمل في الثناء على الله تعالى والحمد له ". قلت: وأنا أظن أن المراد بالتشهد في هذا الحديث إنما هو خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه: " إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ". ودليلي على ذلك حديث جابر بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم فيخطب فيحمد الله ويثني عليه بما هو أهله ويقول:

من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن خير الحديث كتاب الله.... " الحديث. وفي رواية عنه بلفظ: " كان يقول في خطبته بعد التشهد: إن أحسن الحديث كتاب الله.. " الحديث رواه أحمد وغيره. فقد أشار في هذا اللفظ إلى أن ما في اللفظ الأول قبيل " إن خير الحديث ... " هو التشهد، وهو وإن لم يذكر فيه صراحة فقد أشار إليه بقوله فيه: " فيحمد الله ويثني عليه " وقد تبين في أحاديث أخرى في خطبة الحاجة أن الثناء عليه تعالى كان يتضمن الشهادتين، ولذلك قلنا: إن التشهد في هذا الحديث إشارة إلى التشهد المذكور في خطبة الحاجة، فهو يتفق مع اللفظ الثاني في حديث جابر في الإشارة إلى ذلك. وقد تكلمت عليه في " خطبة الحاجة " (ص 32 طبع المكتب الإسلامي) ، فليراجعه من شاء. وقوله: " كاليد الجذماء " أي المقطوعة، والجذم سرعة القطع، يعني أن كل خطبة لم يؤت فيها بالحمد والثناء على الله فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة بها " مناوي. قلت: ولعل هذا هو السبب أو على الأقل من أسباب عدم حصول الفائدة من كثير من الدروس والمحاضرات التي تلقى على الطلاب أنها لا تفتتح بالتشهد المذكور، مع حرص النبي صلى الله عليه وسلم البالغ على تعليمه أصحابه إياه، كما شرحته في الرسالة المشار إليها. فلعل هذا الحديث يذكر الخطباء بتدارك ما فاتهم من إهمالهم لهذه السنة التي طالما نبهنا عليها في مقدمة هذه السلسلة وغيرها. (تنبيه) : عزى السيوطي في " الجامع الصغير " الحديث إلى أبي داود فقط وزاد

170

عليه في " الكبير " العسكري والحلية والبيهقي في السنن، ففاته الترمذي وأحمد والحربي! ولم أره في فهرست " الحلية " للغماري والله أعلم. 170 - " إذا قلت للناس أنصتوا وهم يتكلمون، فقد ألغيت على نفسك ". رواه الإمام أحمد (2 / 318) : حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. قلت: فذكر أحاديث كثيرة هذا أحدها. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجاه في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إذا قلت لصحابك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت ". وكذلك أخرجه مسلم وغيره من طرق أخرى عن أبي هريرة كما بينته في " إرواء الغليل " (رقم 612) . والظاهر أن هذا حديث آخر يرويه همام - وهو ابن منبه أخو وهب - عن أبي هريرة، غير الذي رواه سعيد ومن أشرنا إليه عن أبي هريرة. والله أعلم. والحديث مما فات السيوطي في " الجامع الكبير "، فخذه فائدة عزيزة قد لا تجدها في مكان آخر. والله الموفق. (ألغيت) أي قلت اللغو وما لا يحسن من الكلام، قال الراغب الأصبهاني في " المفردات ":

171

" اللغو من الكلام ما لا يعتد به، وهو الذي يورد لا عن روية فكر، فيجري مجرى اللغا، وهو صوت العصافير، ونحوها من الطيور، قال أبو عبيدة: لغو ولغا، نحو عيب وعاب. وأنشدهم: عن اللغا ورفث الكلم، يقال: لغيت تلغى، نحو لقيت تلقى، وقد يسمى كل كلام قبيح لغوا ". قلت: وفي الحديث التحذير من الإخلال بأدب رفيع من آداب الحديث والمجالسة، وهو أن لا يقطع على الناس كلامهم، بل ينصت هو حتى ينتهي كلامهم، وإن كان كبير القوم، ثم يتكلم هو بدوره إن شاء، فذلك أدعى إلى حصول الفائدة من الكلام المتبادل بين الطرفين، لاسيما إذا كان في بحث علمي شرعي، وقد أخل - مع الأسف - بهذا الأدب أكثر المتباحثين، فإليه نلفت أنظارهم، أدبنا الله تعالى جميعا بأدب نبيه صلى الله عليه وسلم. 171 - " كان صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتى المصلى، وحتى يقضي الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 1 / 2) : حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان.. " الحديث.

ومن هذا الوجه أخرجه المحاملي في " كتاب صلاة العيدين " (2 / 142 / 2) . قلت: وهذا إسناد صحيح لولا أنه مرسل لكن له شاهد موصول يتقوى به، أخرجه البيهقي (3 / 279) من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله والعباس، وعلي، وجعفر، والحسن، والحسين، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة، وأيمن بن أم أيمن رضي الله عنهم، رافعا صوته بالتهليل والتكبير، فيأخذ طريق الحذائين حتى يأتي المصلى، وإذا فرغ رجع على الحذائين حتى يأتي منزله ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير أن عبد الله بن عمر وهو العمري المكبر، قال الذهبي: " صدوق في حفظه شيء ". قلت: فمثله مما يصلح للاستشهاد به، لأن ضعفه لم يأت من تهمة في نفسه، بل من حفظه، فضعفه يسير، فهو شاهد قوي لمرسل الزهري، وبذلك يصير الحديث صحيحا كما تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف. وللحديث طريق أخرى عن ابن عمر، روي من طريق الزهري أخبرني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر أخبره به. مثل المرسل. غير أن إسناده إلى الزهري واه جدا كما بينته في " إرواء الغليل " (643) فمثله لا يستشهد به، فلذلك أعرضت عن إيراده هنا. وقد صح من طريق نافع عن ابن عمر موقوفا مثله. ولا منافاة بينه وبين المرفوع لاختلاف المخرج، كما هو ظاهر، فالحديث صحيح عندي مرفوعا وموقوفا. ولفظ الموقوف: " كان يجهر بالتكبير يوم الفطر إذا غدا إلى المصلى حتى يخرج الإمام، فيكبر بتكبيره ".

172

أخرجه الفريابي في " كتاب أحكام العيدين " (ق 129 / 1) بسند صحيح، ورواه الدارقطني (180) وغيره بزيادة: " ويوم الأضحى ". وسنده جيد. وفي الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهرا في الطريق إلى المصلى، وإن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة حتى كادت أن تصبح في خبر كان، وذلك لضعف الوازع الديني منهم، وخجلهم من الصدع بالسنة والجهر بها، ومن المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس وتعليمهم، فكأن الإرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون! ، وأما ما هم بأمس الحاجة إلى معرفته، فذلك مما لا يلتفتون إليه، بل يعتبرون البحث فيه والتذكير به قولا وعملا من الأمور التافهة التي لا يحسن العناية بها عملا وتعليما، فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة، أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت أو لا يشرع، فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور، ومثله الأذان من الجماعة المعروف في دمشق بـ " أذان الجوق "، وكثيرا ما يكون هذا الاجتماع سببا لقطع الكلمة أو الجملة في مكان لا يجوز الوقف عنده، مثل " لا إله " في تهليل فرض الصبح والمغرب، كما سمعنا ذلك مرارا. فنكن في حذر من ذلك ولنذكر دائما قوله صلى الله عليه وسلم: " وخير الهدي هدي محمد ". 172 - " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة: يا ابن آدم! كيف وجدت مضجعك؟ فيقول: شر مضجع، فيقال له: لو

كانت لك الدنيا وما فيها أكنت مفتديا بها؟ فيقول: نعم، فيقول: كذبت قد أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب " وفي رواية: ظهر " آدم أن لا تشرك بي شيئا ولا أدخلك النار، فأبيت إلا الشرك ، فيؤمر به إلى النار ". رواه البخاري (2 / 333 و 4 / 239، 242) ومسلم (8 / 134، 135) وأحمد (3 / 127، 129) وكذا أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما كما في " الجامع الكبير " (3 / 95 / 1) من طريق أبي عمران الجوني - والسياق له عند مسلم وقتادة، كلاهما عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وله طريق ثالث: عن ثابت عن أنس به نحوه. عزاه الحافظ في " الفتح " (6 / 349) لمسلم والنسائي، ولم أره عند مسلم، وأما النسائي، فالظاهر أنه يعني " السنن الكبرى " له والله أعلم. قوله: (فيقول: كذبت) قال النووي: " معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك، فأبيت فيكون من معنى قوله تعالى: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنهم لكاذبون) ، وبهذا

يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى: (لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به) . قوله: (قد أردت منك) أي أحببت منك، والإرادة في الشرع تطلق ويراد بها ما يعم الخير والشر والهدى والضلال كما في قوله تعالى (ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء) . وهذه الإرادة لا تتخلف. وتطلق أحيانا ويراد بها ما يرادف الحب والرضا، كما في قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر، ولا يريد بكم العسر) ، وهذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث (أردت منك) أي أحببت والإرادة بهذا المعنى قد تتخلف، لأن الله تبارك وتعالى لا يجبر أحدا على طاعته وإن كان خلقهم من أجلها (فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر) ، وعليه فقد يريد الله تبارك وتعالى من عبده ما لا يحبه منه. ويحب منه ما لا يريده، وهذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه الله تعالى بالإرادة الكونية أخذا من قوله تعالى (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون) ، ويسمى الإرادة الأخرى المرادفة للرضا بالإرادة الشرعية، وهذا التقسيم، من فهمه انحلت له كثير من مشكلات مسألة القضاء والقدر، ونجا من فتنة القول بالجبر أو الاعتزال وتفصيل ذلك في الكتاب الجليل " شفاء

173

العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل " لابن القيم رحمه الله تعالى. قوله (وأنت في صلب آدم) . قال القاضي عياض: " يشير بذلك إلى قوله تعالى (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم) الآية، فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم، فمن وفى به بعد وجوده في الدنيا فهو مؤمن، ومن لم يوف به فهو كافر، فمراد الحديث: اردت منك حين أخذت الميثاق، فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك ". ذكره في " الفتح ". 173 - " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو عندك دخيل، يوشك أن يفارقك إلينا ". أخرجه الترمذي (2 / 208 بشرح التحفة) وابن ماجه (6 / 641) وأحمد (5 / 242) وأبو عبد الله القطان في " حديثه عن الحسن بن عرفة " (ق 145 / 1) والهيثم بن كليب في " مسنده " (167 / 1) وأبو العباس الأصم في " مجلسين من الأمالي " (ق 3 / 1) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (14 / 2) من طرق عن إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة الحضرمي عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم به.

وقال الترمذي: " حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ورواية إسماعيل بن عياش عن الشاميين أصلح، وله عن أهل الحجاز والعراق مناكير ". قلت: وقد وثقه أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم في روايته عن الشاميين وهذه منها، فإن بحير بن سعد شامي ثقة وكذلك سائر الرواة فالسند صحيح، ولا أدري لماذا اقتصر الترمذي على استغرابه، ولم يحسنه على الأقل. ثم رأيت المنذري في " الترغيب " (3 / 78) نقل عن الترمذي أنه قال فيه: " حديث حسن ". قلت: وكذا في نسخة بولاق من " الترمذي " (1 / 220) ، وهذا أقل ما يمكن أن يقال فيه.

174

(دخيل) أي ضيف ونزيل. يعني هو كالضيف عليك، وأنت لست بأهل له حقيقة، وإنما نحن أهله، فيفارقك قريبا، ويلحق بنا. (يوشك) أي يقرب، ويسرع، ويكاد. في الحديث - كما ترى - إنذار للزوجات المؤذيات. 174 - " لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم ". أخرجه ابن ماجه (2141) والحاكم (2 / 3) وأحمد (5 / 272 و 381) من طريق عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة أنه سمع معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عمه قال: " كنا في مجلس، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعلى رأسه أثر ماء، فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس، فقال: أجل، والحمد لله، ثم أفاض القوم في ذكر الغنى، فقال: " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، والصحابى الذي لم يسم هو يسار بن عبد الله الجهني ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، فإن رجاله ثقات كلهم، وقال البوصيري في الزوائد ": " إسناده صحيح، ورجاله ثقات ".

175

175 - " لا يشربن أحد منكم قائما ". رواه مسلم (6 / 110 - 111) عن عمر بن حمزة أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وزاد: " فمن نسي فليستقىء ". قلت: وعمر هذا وإن احتج به مسلم فقد ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف "، فالحديث بهذه الزيادة ضعيف. لكن صح بلفظ آخر، ولذلك أوردته هنا بدونها، فقد رواه أبو زياد الطحان قال: سمعت أبا هريرة يقول، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رأى رجلا يشرب قائما فقال له: قه، قال، لمه؟ قال، أيسرك أن يشرب معك الهر؟ قال: لا، قال: فإنه قد شرب معك من هو شر منه! الشيطان!! أخرجه أحمد (7990) والدارمي (2 / 121) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 19) عن شعبة عن أبي زياد به. وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي زياد هذا، قال ابن معين ثقة. وقال أبو حاتم: " شيخ صالح الحديث ". كما في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 373) ، فقول الذهبي فيه " لا يعرف "، مما لا يعرج عليه، بعد توثيق هذين الإمامين له. وقد ورد الحديث بلفظ آخر وهو: " لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء ".

176

176 - " لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء ". أخرجه أحمد (7795 و 7796) عن الزهري عن رجل، وعن الأعمش عن أبي صالح كلاهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ورواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 18) عن الأعمش به وزاد: " فبلغ علي بن أبي طالب، فقام فشرب قائما ". قلت: والإسناد الثاني صحيح رجاله الشيخين، وفي السند الأول الرجل الذي لم يسم، فإن كان غير الأعمش، فهو تقوية للحديث، وإن كان هو هو، فلا يعله، كما هو ظاهر. وفي " مجمع الزوائد " (5 / 79) : " رواه أحمد بإسنادين، والبزار، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح ". وفي الحديث تلميح لطيف إلى النهي عن الشرب قائما، وقد جاء التصريح بذلك من حديث أنس رضي الله عنه وهو: " نهى " وفي لفظ: زجر " عن الشرب قائما ".

177

177 - " نهى " وفي لفظ: زجر " عن الشرب قائما ". رواه مسلم (6 / 110) وأبو داود (رقم 3717) والترمذي (3 / 111) والدارمي (2 / 120 - 121) وابن ماجه (2 / 338) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 357) و " المشكل " (3 / 18) والطيالسي (2 / 332) وأحمد (3 / 118، 131، 147، 199، 214، 250، 277، 291) وأبو يعلى (156 / 2، 158 / 2، 159 / 2) و " الضياء " في " المختارة " (205 / 2) من طريق قتادة عن أنس مرفوعا، وزاد الأخيران: " والأكل قائما ". وفي إسنادهما مطر الوراق، ضعيف، وقد خولف، ففي رواية مسلم وغيره: " قال قتادة: فقلنا: فالأكل؟ فقال: ذاك أشر وأخبث ". قلت: فروايتهما مدرجة. ولقتادة فيه إسنادان آخران: فرواه عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري، باللفظ الثاني. أخرجه مسلم والطحاوي. ثم رواه عن أبي مسلم الجذمي عن الجارود بن العلاء رضي الله عنه. أخرجه الطحاوي والترمذي وقال: " حديث حسن غريب ". وله شاهد من حديث أبي هريرة مثله. أخرجه أحمد (2 / 327) والطحاوي وسنده صحيح. وله شاهد آخر من حديث جابر نحوه.

178

أخرجه أبو عروبة الحراني في " حديث الجزريين " (51 / 1) بسند صحيح. وظاهر النهي في هذه الأحاديث يفيد تحريم الشرب قائما بلا عذر، وقد جاءت أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائما، فاختلف العلماء في التوفيق بينها، والجمهور على أن النهي للتنزيه، والأمر بالاستقاء للاستحباب. وخالفهم ابن حزم فذهب إلى التحريم، ولعل هذا هو الأقرب للصواب، فإن القول بالتنزيه لا يساعد عليه لفظ " زجر "، ولا الأمر بالاستقاء، لأنه أعني الاستقاء فيه مشقة شديدة على الإنسان، وما أعلم أن في الشريعة مثل هذا التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب! وكذلك قوله " قد شرب معك الشيطان " فيه تنفير شديد عن الشرب قائما، وما إخال ذلك يقال في ترك مستحب. وأحاديث الشرب قائما يمكن أن تحمل على العذر كضيق المكان، أو كون القربة معلقة وفي بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك. والله أعلم. 178 - " ارقيه، وعلميها حفصة، كما علمتيها الكتاب، وفي رواية الكتابة ". أخرجه الحاكم (4 / 56 - 57) من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان حدثنا إسماعيل بن محمد بن سعد أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة القرشي حدثه أن رجلا من الأنصار خرجت به نملة، فدل أن الشفاء بنت عبد الله ترقي من النملة، فجاءها فسألها أن ترقيه، فقالت: والله ما رقيت منذ أسلمت، فذهب الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالت الشفاء، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم

الشفاء، فقال اعرضي علي، فعرضتها عليه فقال: فذكر الحديث وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. قلت: وقد تابع إبراهيم بن سعد عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، ولكنه خالفه في السند والمتن. أما السند فقال: عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن عبد الرحمن ابن سليمان بن أبي حثمة عن الشفاء بنت عبد الله. فأسقط منه إسماعيل بن محمد بن سعد. وأما المتن فرواه بلفظ: " دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة، فقال لي: ألا تعلمين هذه رقية النملة، كما علمتها الكتابة؟ ". فلم يذكر فيه عرضها الرقية عليه صلى الله عليه وسلم وأمره إياها بالرقية، وستعلم أهمية ذلك في فهم الحديث على الوجه الصحيح قريبا إن شاء الله تعالى. أخرجه أحمد (6 / 372) وأبو داود (2 / 154) والطحاوي في " شرح معاني الآثار " (2 / 388) والنسائي أيضا كما في " الفتاوي الحديثية " للسخاوي (81 / 2) و " نيل الأوطار " للشوكاني (8 / 176) . والرواية الأولى أصح لوجهين: الأول: أن إبراهيم بن سعد أحفظ من مخالفه عبد العزيز بن عمر. فإنهما وإن

كان الشيخان قد احتجا بهما كليهما، فإن الأول قال فيه الحافظ في " التقريب ": " ثقة حجة: تكلم فيه بلا قادح ". وأما الآخر، فقال فيه: " صدوق يخطىء "، ولهذا أورده الذهبي في " الميزان " وفي " الضعفاء "، ولم يورد الأول. الثاني: أن إبراهيم معه زيادة في السند والمتن، وزيادة الثقة مقبولة كما هو معروف. وقد تابعه في الجملة محمد بن المنكدر عن أبي بكر بن سليمان به مختصرا لكنه خالفه في إسناده فقال: " عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها، وعندها امرأة يقال لها شفاء ترقي من النملة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: علميها حفصة ". فجعل الحديث من مسند حفصة لا الشفاء. أخرجه أحمد (6 / 286) والطحاوي والحاكم (4 / 414) وأبو نعيم في " الطب " (2 / 28 / 2) عن سفيان عن ابن المنكدر. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا أيضا، والخلاف المذكور لا يضر إن شاء الله تعالى، لأن من الممكن أن تكون حفصة حدثت به كما حدثت به الشفاء، فإن القصة وقعت بحضورهما ثم رواه أبو بكر بن سليمان تارة عن هذه، وتارة عن هذه، لكن ذكر السخاوي أنه اختلف على سفيان في وصله، وإرساله.

قلت: وهذا لا يضر أيضا، فقد رواه عنه موصولا كما أوردناه جماعة من الثقات عند الحاكم، وغيرهم عند غيره فلا عبرة بمخالفة من خالفهم. وتابعه أيضا كريب بن سليمان الكندي قال: " أخذ بيدي علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم حتى انطلق بي إلى رجل من قريش أحد بني زهرة يقال له: ابن أبي حثمة، وهو يصلي قريبا منه، حتى فرغ ابن أبي حثمة من صلاته، ثم أقبل علينا بوجهه، فقال له علي بن الحسين: الحديث الذي ذكرت عن أمك في شأن الرقية؟ فقال: نعم: حدثتني أمي أنها كانت ترقي برقية في الجاهلية فلما أن جاء الإسلام قالت: لا أرقي حتى أستأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي " أرقي ما لم يكن شرك بالله عز وجل ". أخرجه ابن حبان (1414) والحاكم (4 / 57) من طريق الجراح بن الضحاك الكندي عن كريب به. وعلقه ابن منده من هذا الوجه. وكريب هذا أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 169) لكنه سمى أباه سليما، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم رواه الحاكم وابن منده في " المعرفة " (2 / 332 / 1) من طريق عثمان ابن عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة القرشي العدوي حدثني أبي عن جدي عثمان بن سليمان عن أبيه عن أمه الشفاء بنت عبد الله أنها كانت ترقي برقى الجاهلية، وأنها لما هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه فقالت: يا رسول الله إني كنت أرقي برقى في الجاهلية، فقد رأيت أن أعرضها عليك، فقال: اعرضيها فعرضتها عليه، وكانت منها رقية النملة، فقال ارقي بها وعلميها حفصة: بسم الله، صلوب، حين

يعود من أفواهها، ولا تضر أحدا، اللهم اكشف البأس، رب الناس، قال: ترقي بها على عود كركم سبع مرات، وتضعه مكانا نظيفا، ثم تدلكه على حجر، وتطليه على النملة. سكت عليه الحاكم. وقال الذهبي: " سئل ابن معين عن عثمان فلم يعرفه ". يعني عثمان بن عمر، وقال ابن عدي: " مجهول ". قلت: وهذه الطريق مع ضعفها وكذا التي قبلها، فلا بأس بهما في المتابعات. غريب الحديث (نملة) هي هنا قروح تخرج في الجنب. (رقية النملة) قال الشوكاني في تفسيرها: " هي كلام كانت نساء العرب تستعمله، يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر ولا ينفع، ورقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل وتختضب، وتكتحل، وكل شيء يفتعل، غير أن لا تعصي الرجل ". كذا قال، ولا أدري ما مستنده في ذلك، ولاسيما وقد بني عليه قوله الآتي تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا تعلمين هذه ... ": " فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة والتأديب لها تعريضا، لأنه ألقى إليها سرا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى (وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا) الآية ".

وليت شعري ما علاقة الحديث بالتأنيب لإفشاء السر، وهو يقول: " كما علمتها الكتاب، فهل يصح تشبيه تعليم رقية لا فائدة منها بتعليم الكتابة؟ ! وأيضا فالحديث صريح في أمره صلى الله عليه وسلم للشفاء بترقية الرجل الأنصاري من النملة وأمره إياها بأن تعلمها لحفصة، فهل يعقل بأن يأمر صلى الله عليه وسلم بهذه الترقية لو كان باللفظ الذي ذكره الشوكاني بدون أي سند وهو بلا شك كما قال كلام لا يضر ولا ينفع، فالنبي صلى الله عليه وسلم أسمى من أن يأمر بمثل هذه الترقية، ولئن كان لفظ رواية أبي داود يحتمل تأويل الحديث على التأنيب المزعوم، فإن لفظ الحاكم هذا الذي صدرنا به هذا البحث لا يحتمله إطلاقا، بل هو دليل صريح على بطلان ذلك التأويل بطلانا بينا كما هو ظاهر لا يخفى، وكأنه لذلك صدر ابن الأثير في " النهاية " تفسير الشوكاني المذكور لـ (رقية النملة) وعنه نقله الشوكاني، صدره بقوله " قيل " مشيرا بذلك إلى ضعف ذلك التفسير وما بناه عليه من تأويل قوله " ألا تعلمين ... "! (كركم) هو الزعفران، وقيل العصفر، وقيل شجر كالورس، وهو فارسي معرب. (صلوب) كذا ولم أعرف له معنى، ولعله - إن سلم من التحريف - لفظ عبري. والله أعلم. من فوائد الحديث وفي الحديث فوائد كثيرة أهمها اثنتان: الأولى: مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى، بخلاف طلب الرقية من غيره فهو مكروه لحديث " سبقك بها عكاشة " وهو معروف مشهور. والأخرى: مشروعية تعليم المرأة الكتابة. ومن أبواب البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 1118) : " باب الكتابة إلى النساء وجوابهن ". ثم روى بسنده الصحيح عن موسى بن عبد الله قال:

" حدثتنا عائشة بنت طلحة قالت: قلت لعائشة - وأنا في حجرها، وكان الناس يأتونها من كل مصر، فكان الشيوخ ينتابوني لمكاني منها، وكان الشباب يتأخوني فيهدون إلي، ويكتبون إلي من الأمصار، فأقول لعائشة - يا خالة هذا كتاب فلان وهديته. فتقول لي عائشة أي بنية! فأجيبيه وأثيبيه، فإن لم يكن عندك ثواب أعطيتك، قالت: فتعطيني ". قلت: وموسى هذا هو ابن عبد الله بن إسحاق به طلحة القرشي، روى عن جماعة من التابعين، وعنه ثقتان، ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 150) ومن قبله البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 287) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث. وقال المجد ابن تيمية في " منتقى الأخبار " عقب الحديث: " وهو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة ". وتبعه على ذلك الشيخ عبد الرحمن بن محمود البعلبكي الحنبلي في " المطلع " (ق 107 / 1) ، ثم الشوكاني في " شرحه " (8 / 177) وقال: " وأما حديث " لا تعلموهن الكتابة، ولا تسكنوهن الغرف، وعلموهن سورة النور "، فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد ". قلت: وهذا الكلام مردود من وجهين: الأول: أن الجمع الذي ذكره يشعر أن حديث النهي صحيح، وإلا لما تكلف التوفيق بينه وبين هذا الحديث الصحيح. وليس كذلك، فإن حديث النهي موضوع كما قال الذهبي. وطرقه كلها واهية جدا، وبيان ذلك في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم (2017) ، فإذا كان كذلك فلا حاجة للجمع المذكور، ونحو صنيع الشوكاني

هذا قول السخاوي في هذا الحديث الصحيح " أنه أصح من حديث النهي "! فإنه يوهم أن حديث النهي صحيح أيضا. والآخر: لو كان المراد من حديث النهي من يخشى عليها الفساد من التعليم لم يكن هناك فائدة من تخصيص النساء بالنهي، لأن الخشية لا تختص بهن، فكم من رجل كانت الكتابة عليه ضررا في دينه وخلقه، أفينهى أيضا الرجال أن يعلموا الكتابة؟ ! بل وعن تعلم القراءة أيضا لأنها مثل الكتابة من حيث الخشية! والحق أن الكتابة والقراءة، نعمة من نعم الله تبارك وتعالى على البشر كما يشير إلى ذلك قوله عز وجل (اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم) ، وهي كسائر النعم التي امتن الله بها عليهم وأراد منهم استعمالها في طاعته، فإذا وجد فيهم من يستعملها في غير مرضاته، فليس ذلك بالذي يخرجها عن كونها نعمة من نعمه، كنعمة البصر والسمع والكلام وغيرها، فكذلك الكتابة والقراءة، فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من تعلمها شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية، كما هو الواجب عليهم بالنسبة لأولادهم الذكور أيضا، فلا فرق في هذا بين الذكور والإناث. والأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث، وما يجوز لهم جاز لهن ولا فرق، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما النساء شقائق الرجال "، رواه الدارمي وغيره، فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه، وهو مفقود فيما نحن فيه، بل النص على خلافه، وعلى وفق الأصل، وهو هذا الحديث الصحيح، فتشبث به ولا ترض به بديلا، ولا تصغ إلى من قال: ما للنساء وللكتا ... بة والعمالة والخطابة هذا لنا ولهن منـ ... ـا أن يبتن على جنابة!

179

فإن فيه هضما لحق النساء وتحقيرا لهن، وهن كما عرفت شقائق الرجال. نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف والاعتدال في الأمور كلها. 179 - " لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك وتعالى ". رواه أحمد (5 / 66) عن عبد الله بن الصامت قال: " أراد زياد أن يبعث عمران بن حصين على خراسان، فأبى عليهم، فقال له أصحابه: أتركت خراسان أن تكون عليها؟ قال: فقال إني والله ما يسرني أن أصلى بحرها وتصلون ببردها وإني أخاف إذا كنت في نحور العدو أن يأتيني كتاب من زياد، فإن أنا مضيت هلكت، وإن رجعت ضربت عنقي، قال: فأراد الحكم بن عمرو الغفاري عليها، قال: فانقاد لأمره، قال: فقال عمران: ألا أحد يدعو لي الحكم؟ قال: فانطلق الرسول، قال: فأقبل الحكم إليه، قال: فدخل عليه، قال: فقال عمران للحكم: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) قال: نعم قال عمران: لله الحمد أو الله أكبر ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقواه الحافظ في " الفتح " (13 / 109) وروى الطبراني في " الكبير " (1 / 154 / 2) المرفوع منه فقط بهذا اللفظ. وله طريق أخرى عند الطيالسي (856) وأحمد (4 / 432، 5 / 66) والطبراني (155 / 1) من طرق عن محمد قال: " جاء رجل إلى عمران بن حصين ونحن عنده، فقال: استعمل الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان، فتمناه عمران حتى قال له رجل من القوم ألا ندعو لك؟ فقال له: لا ثم قام عمران، فلقيه بين الناس فقال عمران: إنك قد وليت أمرا من أمر

المسلمين عظيما، ثم أمره ونهاه ووعظه، ثم قال: هل تذكر يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الله تبارك وتعالى "؟ قال الحكم: نعم، قال عمران: الله أكبر ". وفي رواية لأحمد عن محمد: " أنبئت أن عمران بن حصين قال للحكم الغفاري - وكلاهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل تعلم يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا طاعة في معصية الله تبارك وتعالى؟ قال: نعم، قال: الله أكبر، الله أكبر ". ورجاله ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين محمد وهو ابن سيرين وبين عمران كما هو صريح الرواية الثانية. ثم أخرجه أحمد والطبراني والحاكم (3 / 443) من طريقين عن الحسن: " أن زيادا استعمل الحكم الغفاري على جيش فأتاه عمران بن حصين فلقيه بين الناس فقال: أتدري لم جئتك؟ فقال له " لم؟ قال: هل تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قال أميره قع في النار! " فقام الرجل ليقع فيها " فأدرك فاحتبس، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو وقع فيها لدخلا النار جميعا، لا طاعة في معصية الله تبارك وتعالى؟ قال: قال: إنما أردت أن أذكرك هذا الحديث ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا إن كان الحسن - وهو البصري - سمعه من عمران فقد كان مدلسا وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 226) بعد أن ساقه من طريق عبد الله بن

180

الصامت، وطريق الحسن هذه: " رواه أحمد بألفاظ، والطبراني باختصار، وفي بعض طرقه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ورجال أحمد رجال الصحيح ". وللمرفوع منه طريق أخرى مختصرا بلفظ: " لا طاعة في معصية الله تبارك وتعالى ". 180 - " لا طاعة في معصية الله تبارك وتعالى ". أخرجه أحمد (4 / 426، 427، 436) وكذا الطيالسي (850) عن قتادة قال: سمعت أبا مراية العجيلي قال سمعت عمران بن حصين يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي مراية هذا ذكره ابن حبان في " الثقات ". وأورده الهيثمي (5 / 226) بهذا اللفظ من حديث عمران والحكم ابن عمرو معا وقال: " رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجال البزار رجال الصحيح ". وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " (3 / 13 / 1) بلفظ الطبراني من رواية أحمد وابن جرير وابن خزيمة والطبراني في الكبير وابن قانع عن عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري معا وأبي نعيم في " معجمه " والخطيب عن أنس، والشيرازي في " الألقاب " عن جابر، والطبراني في " الكبير " عن النواس بن سمعان. قلت: وفي هذا التخريج ما لا يخفى من التساهل، فقد علمت أن اللفظ ليس عند أحمد والحاكم، وإنما هو عند الطبراني فقط كما أفاده الهيثمي، ولا أدري هل هو عند سائر من عزاه إليهم بهذا اللفظ أم بنحوه.

181

وأكثر من ذلك تسامحا ما فعله في الجامع الصغير، فقد أورده فيه باللفظ المذكور من رواية أحمد والحاكم فقط! وهذا خطأ واضح، وكأن منشأه أنه لما وجد الحديث في " الجامع الكبير " بهذا اللفظ معزوا للجماعة الذين سبق ذكرهم نسي أنه كان تسامح في عزوه إليهم جميعا وأن اللفظ إنما هو لأحدهم وهو الطبراني، فلما اختصر التخريج في " الجامع الصغير " اقتصر فيه على أحمد والحاكم في العزو فنتج من ذلك هذا الخطأ. والعصمة لله وحده. وللحديث شاهد من حديث علي وفيه تفصيل قصة الأمير الذي أمر جنده بدخول النار، وهو: " لا طاعة " لبشر " في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف ". 181 - " لا طاعة " لبشر " في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف ". أخرجه البخاري (13 / 203 - فتح) ومسلم (6 / 15) وأبو داود (2625) والنسائي (2 / 187) والطيالسي (109) وأحمد (1 / 94) عن علي. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا، وأمر عليهم رجلا فأوقد نارا، وقال: ادخلوها، فأراد ناس أن يدخلوها، وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة، وقال للآخرين قولا حسنا، وقال " فذكره. والزيادة للطيالسي والسياق لمسلم. وفي رواية عنه قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا، فأغضبوه إلى شيء، فقال: اجمعوا لي حطبا فجمعوا له، ثم قال. أوقدوا نارا، فأوقدوا، ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى، قال: فادخلوها! قال: فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا (وفي رواية: فقال

لهم شاب) إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار (فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها) فكانوا كذلك، وسكن غضبه وطفئت النار، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو دخلوها ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف ". أخرجه البخاري (8 / 47، 13 / 109) ومسلم (6 / 16) وأحمد (1 / 82، 134 ) والرواية الأخرى مع الزيادة هي له في رواية. وفي الحديث فوائد كثيرة أهمها أنه لا يجوز إطاعة أحد في معصية الله تبارك وتعالى، سواء في ذلك الأمراء والعلماء والمشايخ. ومنه يعلم ضلال طوائف من الناس: الأولى: بعض المتصوفة الذين يطيعون شيوخهم ولو أمرهم بمعصية ظاهرة بحجة أنها في الحقيقة ليست بمعصية، وأن الشيخ يرى ما لا يرى المريد، وأعرف شيخا من هؤلاء نصب نفسه مرشدا قص على أتباعه في بعض دروسه في المسجد قصة خلاصتها أن أحد مشايخ الصوفية أمر ليلة أحد مريديه بأن يذهب إلى أبيه فيقتله على فراشه بجانب زوجته، فلما قتله، عاد إلى شيخه مسرورا لتنفيذ أمر الشيخ! فنظر إليه الشيخ وقال: أتظن أنك قتلت أباك حقيقة؟ إنما هو صاحب أمك! وأما أبوك فهو غائب! ثم بنى على هذه القصة حكما شرعيا بزعمه فقال لهم: إن الشيخ إذا أمر مريده بحكم مخالف للشرع في الظاهر أن على المريد أن يطيعه في ذلك، قال: ألا ترون إلى هذا الشيخ أنه في الظاهر أمر الولد بقتل والده، ولكنه في الحقيقة إنما أمره بقتل الزاني بوالدة الولد، وهو يستحق القتل شرعا! ولا يخفى بطلان هذه القصة شرعا من وجوه كثيرة. أولا: أن تنفيذ الحد ليس من حق الشيخ مهما كان شأنه، وإنما هو من الأمير أو الوالي.

ثانيا: أنه لو كان له ذلك فلماذا نفذ الحد بالرجل دون المرأة وهما في ذلك سواء؟ . ثالثا: إن الزاني المحصن حكمه شرعا القتل رجما، وليس القتل بغير الرجم. ومن ذلك يتبين أن ذلك الشيخ قد خالف الشرع من وجوه، وكذلك شأن ذلك المرشد الذي بنى على القصة ما بنى من وجوب إطاعة الشيخ ولو خالف الشرع ظاهرا، حتى لقد قال لهم: إذا رأيتم الشيخ على عنقه الصليب فلا يجوز لكم أن تنكروا عليه! ومع وضوح بطلان مثل هذا الكلام، ومخالفته للشرع والعقل معا نجد في الناس من ينطلي عليه كلامه وفيهم بعض الشباب المثقف. ولقد جرت بيني وبين أحدهم مناقشة حول تلك القصة وكان قد سمعها من ذلك المرشد وما بنى عليها من حكم، ولكن لم تجد المناقشة معه شيئا وظل مؤمنا بالقصة لأنها من باب الكرامات في زعمه، قال: وأنتم تنكرون الكرامة ولما قلت له: لو أمرك شيخك بقتل والدك فهل تفعل؟ فقال: إنني لم أصل بعد إلى هذه المنزلة! ! فتبا لإرشاد يؤدي إلى تعطيل العقول والاستسلام للمضلين إلى هذه المنزلة، فهل من عتب بعد ذلك على من يصف دين هؤلاء بأنه أفيون الشعب؟ الطائفة الثانية: وهم المقلدة الذين يؤثرون اتباع كلام المذهب على كلام النبي صلى الله عليه وسلم، مع وضوح ما يؤخذ منه، فإذا قيل لأحدهم مثلا: لا تصل سنة الفجر بعد أن أقيمت الصلاة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك صراحة لم يطع وقال المذهب: يجيز ذلك، وإذا قيل له: إن نكاح التحليل باطل لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله، أجابك بقوله: لا بل هو جائز في المذهب الفلاني! وهكذا إلى مئات المسائل، ولهذا ذهب كثير من المحققين إلى أن أمثال هؤلاء المقلدين ينطبق عليهم قول

182

الله تبارك وتعالى في النصارى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) كما بين ذلك الفخر الرازي في " تفسيره ". الطائفة الثالثة: وهم الذين يطيعون ولاة الأمور فيما يشرعونه للناس من نظم وقرارات مخالفة للشرع كالشيوعية وما شابهها وشرهم من يحاول أن يظهر أن ذلك موافق للشرع غير مخالف له. وهذه مصيبة شملت كثيرا ممن يدعي العلم والإصلاح في هذا الزمان، حتى اغتر بذلك كثير من العوام، فصح فيهم وفي متبوعيهم الآية السابقة " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله " نسأل الله الحماية والسلامة. 182 - " إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده، فلا يقومن حتى يستأذنه ". رواه أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (113) : حدثنا إسحق بن محمد ابن حكيم قال: حدثنا يحيى بن واقد قال: حدثنا ابن أبي غنية قال: حدثنا أبي قال: حدثنا جبلة بن سحيم عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معرفون. أما جبلة بن سحيم فهو ثقة أخرج له البخاري في " الأدب المفرد ". وابن أبي غنية فهو يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية، فهو ثقة من رجال الشيخين، وكذا أبوه عبد الملك. وأما يحيى بن واقد، فترجمه أبو الشيخ فقال:

" كان رأساً في النحو والعربية، كثير الحديث. وقال إبراهيم بن أرومة: يحيى من الثقات، وذكر أن مولده سنة خمس وستين، خلافة المهدي. ومن حسان حديثه .. ". قلت: ثم ساق له ثلاثة أحاديث هذا أولها. وأما إسحاق بن محمد بن حكيم، فهو إسحاق بن محمد بن إبراهيم بن حكيم قال أبو الشيخ (267) : " شيخ صدوق من أهل الأدب والمعرفة بالحديث، عنده كتب أبي عبيدة وعبد الرزاق .. كثير الحديث. وكان صدوقا ثقة، لا يحدث إلا من كتابه. توفي سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة ". قلت: ومن العجائب أن هذا الحديث مما فات السيوطي في " الجامع الكبير " فلم يورده فيه، بينما هو ذكره في " الجامع الصغير " من رواية الديلمي عن ابن عمر، فكأنه استدركه فيه، ولكنه فاته هذا المصدر العالي وهو " تاريخ أصبهان " كما فات ذلك شارحه المناوي أيضا وقال معللا سند الديلمي: " وفيه من لا يعرف ". قلت: فإما أن يكون إسناد الديلمي غير إسناد أبي الشيخ، وأما أن يكون هو هذا ولكن خفي عليه بعض رواته لأنهم لم يترجموا في غير هذا " التاريخ "، وهو الذي أرجحه. والله أعلم. وبالجملة فهذا الحديث من الفوائد العزيزة التي لا تراها في كتاب بهذا الإسناد والتحقيق. فلله الحمد، وهو ولي التوفيق.

183

وفي الحديث تنبيه على أدب رفيع وهو أن الزائر لا ينبغي أن يقوم إلا بعد أن يستأذن المزور، وقد أخل بهذا التوجيه النبوي الكريم كثير من الناس في بعض البلاد العربية، فتجدهم يخرجون من المجلس دون استئذان، وليس هذا فقط، بل وبدون سلام أيضا! وهذه مخالفة أخرى لأدب إسلامي آخر، أفاده الحديث الآتى: " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فيسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة ". 183 - " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فيسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (1007 و 1008) وأبو داود (5208) والترمذي (2 / 118) والطحاوي في " المشكل " (2 / 139) وأحمد (2 / 230، 287، 429) والحميدي (1162) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 306 / 1) والفاكهي في " حديثه عن أبي يحيى بن أبي ميسرة " (1 / 5 / 2) عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا به وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي ابن عجلان واسمه محمد، كلام يسير لا يضر في الاحتجاج بحديثه، لاسيما وقد تابعه يعقوب ابن زيد التيمي عن المقبري به. والتيمي هذا ثقة: فصح الحديث، والحمد لله. وله شواهد تقويه كما يأتي. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " و " الكبير " (1 / 45 / 1) لابن

حبان والحاكم في " المستدرك " أيضا، ثم عزاه في مكان آخر من " الكبير " (1 / 21 / 1) لابن السني في " عمل اليوم والليلة " والطبراني في " الكبير " ولم أره في " المستدرك " بعد أن راجعته فيه في " البر " و " الصلة " و " الأدب ". والله أعلم. ومن شواهد الحديث ما أخرجه أحمد (3 / 438) من طريق ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " حق على من قام على مجلس أن يسلم عليهم، وحق على من قام من مجلس أن يسلم. فقام رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم، ولم يسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسرع ما نسي؟ ! قلت: وهذا سند ضعيف، ولكن لا بأس به في الشواهد. ويقويه أن البخاري أخرجه في " الأدب المفرد " (1009) من طريق أخرى عن بسطام قال: سمعت معاوية بن قرة قال: قال لي أبي: " يا بني إن كنت في مجلس ترجو خيره فعجلت بك حاجة فقل: سلام عليكم، فإنك تشركهم فيما أصابوا في ذلك المجلس، وما من قوم يجلسون مجلسا فيتفرقون عنه لم يذكروا الله، إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار ". وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، وهو وإن كان موقوفا، فهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي، لاسيما وغالبه قد صح مرفوعا، فطرفه الأول ورد في حديث أبي هريرة هذا، والآخر ورد من حديثه أيضا، وقد سبق برقم (77) وانظر ما قبله وما بعده. والسلام عند القيام من المجلس أدب متروك في بعض البلاد، وأحق من يقوم بإحيائه هم أهل العلم وطلابه، فينبغي لهم إذا دخلوا على الطلاب في غرفة الدرس مثلا أن يسلموا، وكذلك إذا خرجوا، فليست الأولى بأحق من الأخرى، وذلك من إفشاء السلام المأمور به في الحديث الآتى: " إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض، فأفشوا السلام بينكم ".

184

184 - " إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض، فأفشوا السلام بينكم ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (989) حدثنا شهاب قال: حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم وحده. وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا به. أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " (147، 295) من طريق عبد الله بن عمر قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله به. وقال: " تفرد به عبد الله بن عمر ". قلت: وهو عبد الله بن عمر بن يزيد الزهري قال أبو الشيخ: " يكنى أبا محمد، ولي القضاء بالكرخ، وخرج إليها، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وكان راوية عن يحيى، وعبد الرحمن وروح وحماد بن مسعدة ومحمد بن بكر وأبو قتيبة وغيرهم، وله مصنفات كثيرة، وقد حدث بغير حديث يتفرد به ". ثم ساق له أحاديث هذا أولها. وقد أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 111) ولم يذكر فيه جرحا. قلت: فالرجل يستشهد به إن لم يحتج به، فإنه ليس فيما ساق له أبو الشيخ من الأحاديث ما ينكر عليه، والله أعلم. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 267 - 268) بزيادة: " فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم

185

فضل درجة بتذكيره إياهم السلام، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم ". وقال: " رواه البزار والطبراني وأحد إسنادي البزار جيد قوي ". وفي الباب عن أبي هريرة مثل حديث أنس. أخرجه العقيلي كما في " الجامع الكبير " (1 / 159 / 1) . وبالجملة فالحديث صحيح لا شك فيه، والأحاديث في الأمر بإفشاء السلام كثيرة صحيحة، بعضها في الصحيح، وقد اخترت منها هذا الحديث للكلام عليه، لأنه ليس في " الصحيح " مع أن إسناده صحيح، وله تلك الشواهد فأحببت أن أبين ذلك. إذا عرفت هذا فينبغي أن تعلم أن إفشاء السلام المأمور به دائرته واسعة جدا، ضيقها بعض الناس جهلا بالسنة، أو تهاملا في العمل بها. فمن ذلك السلام على المصلي، فإن كثيرا من الناس يظنون أنه غير مشروع، بل صرح النووي في الأذكار بكراهته، مع أنه صرح في " شرح مسلم ": " أنه يستحب رد السلام بالإشارة " وهو السنة. فقد جاءت أحاديث كثيرة في سلام الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فأقرهم على ذلك، ورد عليهم السلام، فأنا أذكر هنا حديثا واحدا منها وهو حديث ابن عمر قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصل فيه. فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق ". 185 - " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه. فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق ". أخرجه أبو داود (927) بسند جيد وبقية أصحاب السنن. وقال الترمذي (2 / 204) : " حديث حسن صحيح ". وله طريق أخرى في المسند (2 / 30) وغيره عن ابن عمر. وسنده صحيح على شرط الشيخين. وقد ذهب إلى الحديث الإمامان أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه فقال المروزي في " المسائل " (ص 22) : " قلت (يعني لأحمد) : يسلم على القوم وهم في الصلاة؟ قال: نعم، فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر، كيف كان يرد؟ قال: كان يشير، قال إسحاق: كما قال " : واختار هذا بعض محققي المالكية فقال القاضي أبو بكر بن العربي في " العارضة " (2 / 162) : " قد تكون الإشارة في الصلاة لرد السلام لأمر ينزل بالصلاة، وقد تكون في الحاجة تعرض للمصلي. فإن كانت لرد السلام ففيها الآثار الصحيحة كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في قباء وغيره. وقد كنت في مجلس الطرطوشي، وتذاكرنا المسألة، وقلنا الحديث واحتججنا به، وعامي في آخر الحلقة، فقام وقال: ولعله كان يرد عليهم نهيا لئلا يشغلوه! فعجبنا من فقهه! ثم رأيت بعد ذلك أن فهم الراوي أنه كان لرد السلام قطعي في الباب، على حسب ما بيناه في أصول الفقه ".

186

ومن العجيب أن النووي بعد أن صرح في الأذكار بكراهة السلام على المصلي قال ما نصه: " والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالإشارة، ولا يتلفظ بشيء ". أقول: ووجه التعجب أن استحباب الرد فيه أن يستلزم استحباب السلام عليه والعكس بالعكس، لأن دليل الأمرين واحد، وهو هذا الحديث وما في معناه، فإذا كان يدل على استحباب الرد، فهو في الوقت نفسه يدل على استحباب الإلقاء، فلو كان هذا مكروها لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو بعدم الإشارة بالرد، لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. وهذا بين ظاهر والحمد لله. ومن ذلك أيضا السلام على المؤذن وقارىء القرآن، فإنه مشروع، والحجة ما تقدم فإنه إذا ما ثبت استحباب السلام على المصلي، فالسلام على المؤذن والقارىء أولى وأحرى. وأذكر أنني كنت قرأت في المسند حديثا فيه سلام النبي صلى الله عليه وسلم على جماعة يتلون القرآن، وكنت أود أن أذكره بهذه المناسبة وأتكلم على إسناده، ولكنه لم يتيسر لي الآن. وهل يردان السلام باللفظ أم بالإشارة؟ الظاهر الأول، قال النووي: " وأما المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد لأن ذلك يسير، لا يبطل الأذان ولا يخل به ". ومن ذلك تكرار السلام بعد حصول المفارقة ولو بعد مدة يسيرة، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه أيضا ". 186 - " إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه أيضا ". رواه أبو داود (5200) من طريق ابن وهب قال. أخبرني معاوية ابن صالح عن أبي موسى عن أبي مريم عن أبي هريرة قال: إذا لقي ... قال معاوية: وحدثني

عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله سواء. قلت: وإسناد المرفوع صحيح رجاله كلهم ثقات، وأما إسناد الموقوف ففيه أبو موسى هذا وهو مجهول. وقد أسقطه بعضهم من السند، فرواه عبد الله بن صالح قال: حدثني معاوية عن أبي مريم عن أبي هريرة به موقوفا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1010) . وعبد الله ابن صالح فيه ضعف فلا يحتج به، وخصوصا عند مخالفته، لكن قد أخرجه أبو يعلى (297 / 1) عنه هكذا، وعنه عن معاوية ابن صالح عن عبد الوهاب بن بخت مثل رواية ابن وهب المرفوعة، فهذا أصح. وقد ثبت أن الصحابة كانوا يفعلون بمقتضى هذا الحديث الصحيح. فروى البخاري في " الأدب " (1011) عن الضحاك بن نبراس أبي الحسن عن ثابت عن أنس بن مالك. " إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يكونون، فتستقبلهم الشجرة، فتنطلق طائفة منهم عن يمينها وطائفة عن شمالها، فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض ". قلت: والضحاك هذا لين الحديث، لكن عزاه المنذري (3 / 268) والهيثمي (8 / 34) للطبراني في الأوسط وقالا: " وإسناده حسن ". فلا أدري أهو من طريق أخرى، أم من هذه الطريق؟ ثم إنه بلفظ: " كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتفرق بيننا شجرة، فإذا التقينا يسلم بعضنا

على بعض ". ثم رأيته في " عمل اليوم والليلة " لابن السني رقم (241) من طريق أخرى عن حماد بن سلمة حدثنا ثابت وحميد عن أنس به. وهذا سند صحيح. ويشهد له حديث المسيء صلاته المشهور عن أبي هريرة. " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام، قال: ارجع فصل فإنك لم تصل، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه. (فعل ذلك ثلاث مرات) ". أخرجه الشيخان وغيرهما. وبه استدل صديق حسن خان في " نزل الأبرار " (ص 350 - 351) على أنه: " إذا سلم عليه إنسان ثم لقيه على قرب يسن له أن يسلم عليه ثانيا وثالثا ". وفيه دليل أيضا على مشروعية السلام على من في المسجد، وقد دل على ذلك حديث سلام الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء كما تقدم ومع هذا كله نجد بعض المتعصبين لا يعبؤون بهذه السنة، فيدخل أحدهم المسجد ولا يسلم على من فيه، زاعمين أنه مكروه. فلعل فيما كتبناه ذكرى لهم ولغيرهم، والذكرى تنفع المؤمنين.

187

187 - " تعلم كتاب اليهود، فإني لا آمنهم على كتابنا ". رواه أبو داود (3645) والترمذي (2 / 119) والحاكم (1 / 75) وصححه وأحمد (5 / 186) والفاكهي في " حديثه " (1 / 14 / 2) واللفظ له، كلهم عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجه بن زيد عن أبيه قال: " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، أتي بي إليه، فقرأت عليه، فقال لي.. " فذكره، قال: فما مر بي خمس عشرة حتى تعلمته، فكنت أكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، وأقرأ كتبهم إليه ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده حسن، وإنما صححه الترمذي لأن له طريقا أخرى، وقد قال الترمذي عقب ذلك: " وقد روي من غير هذا الوجه عن زيد بن ثابت، رواه الأعمش، عن ثابت بن عبيد الأنصاري عن زيد بن ثابت قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية) ". قلت: وصله أحمد (5 / 182) والحاكم (3 / 422) عن جرير عن الأعمش به بلفظ: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتحسن السريانية؟ فقلت: لا، قال: فتعلمها فإنه يأتينا كتب، فتعلمها في سبعة عشر يوما ". زاد الحاكم: " قال الأعمش: كانت تأتيه كتب لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به ". وقال:

" صحيح إن كان ثابت بن عبيد سمعه من زيد بن ثابت ". قلت: لا أدري الذي حمل الحاكم على التردد في سماع ثابت إياه من زيد وهو مولاه ولم يتهم بتدليس! قال ابن حبان في " الثقات " (1 / 6) : " ثابت بن عبيد الأنصاري، كوفي يروي عن عمر وزيد بن ثابت، روى عن ابن سيرين والأعمش، وهو مولى زيد بن ثابت ": وقد قيل إن ثابت بن عبيد الأنصاري هو غير ثابت بن عبيد مولى زيد، فرق بينهما أبو حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 454) ، وعزى الحافظ في " التهذيب " هذا التفريق إلى ابن حبان أيضا وهو وهم، بل ما نقلته عن ابن حبان آنفا يدل عن عدم التفريق وهو الذي اعتمده الحافظ في " التقريب " وسواء كان هذا أو ذاك فكلاهما ثقة، فالسند صحيح. والحديث علقه البخاري في صحيحه فقال: " وقال خارجة بن زيد ابن ثابت عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود ". قال الحافظ ابن حجر في شرحه (13 / 161) : " وقد وصله مطولا في (كتاب التاريخ) ". ثم ذكر ابن حجر الطريق الأخرى التي علقها الترمذي ثم قال: " وهذا الطريق وقعت لي بعلو في " فوائد هلال الحفار ". وأخرجه أحمد وإسحاق في " مسنديهما "، وأبو بكر بن أبي داود في " كتاب المصاحف " وأبو يعلى، وعنده: إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي وينقصوا فتعلم السريانية. فذكره. وله طريق أخرى أخرجها ابن سعد. وفي كل ذلك رد على من زعم أن عبد الرحمن بن أبي الزناد تفرد به. نعم لم يروه عن أبيه عن خارجة إلا عبد الرحمن.

188

فهو تفرد نسبي. وقصة ثابت يمكن أن تتحد مع قصة خارجة، فإن من لازم تعلم كتابة اليهود تعلم لسانهم، ولسانهم السريانية، لكن المعروف أن لسانهم العبرانية، فيحتمل أن زيدا تعلم اللسانين لاحتياجه إلى ذلك ". قلت: وهذا الحديث في معنى الحديث المتداول على الألسنة: " من تعلم لسان قوم أمن من مكرهم " لكن لا أعلم له أصلا بهذا اللفظ، ولا ذكره أحد ممن ألف في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، فكأنه إنما اشتهر في الأزمنة المتأخرة. 188 - " انقضي شعرك واغتسلي. أي في الحيض ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 26 / 1) : أنبأنا وكيع عن هشام عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض: فذكره. وأخرجه ابن ماجه (641) من طريق ابن أبي شيبة وعلي بن محمد قالا: حدثنا وكيع به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وهو عندهما في أثناء حديث عائشة في قصة حيضها في حجة الوداع وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن عمرتك.. الحديث وليس فيه " واغتسلي " وهي زيادة صحيحة بهذا السند الصحيح، وسياق الشيخين، يقتضيها ضمنا، وإن لم يصرح بها لفظا. ولعل هذا هو وجه استدراك السندي على البوصيري قوله في " الزوائد " : " وهذا إسناد رجاله ثقات "

فقال السندي " قلت: ليس الحديث من الزوائد، بل هو في الصحيحين وغيرهما ". وأقول: ولكل وجهة، فالسندي راعى المعنى الذي يقتضيه السياق كما أشرت إليه. والبوصيري راعى اللفظ، ولا شك أنه بهذه الزيادة " واغتسلي " إنما هو من الزوائد على الشيخين، ولذلك أورده البوصيري، وتكلم في إسناده ووثقه. وكان عليه أن يصرح بصحته كما فعل المجد ابن تيمية في " المنتقى " والله الموفق. ولا تعارض بين الحديث وبين ما رواه أبو الزبير عن عبيد بن عمير قال: " بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن، فقالت: يا عجبا لابن عمرو هذا، يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن! أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن؟ ! لقد كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، ولا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات ". أخرجه مسلم (1 / 179) وابن أبي شيبة (1 / 24 / 1 - 2) والبيهقي (1 / 181) وأحمد (6 / 43) . أقول: لا تعارض بينه وبين هذا لأمرين: الأول: أنه أصح من هذا. فإن هذا وإن أخرجه مسلم فإن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه. الثاني: أنه وارد في الحيض، وهذا في الجنابة، كما هو ظاهر، فيجمع بينهما بذلك، فيقال يجب النقض في الحيض دون الجنابة. وبهذا قال الإمام أحمد وغيره من السلف. وهذا الجمع أولى، فقد جاء ما يشهد لهذا الحديث، عن أم سلمة قالت:

189

" قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي، فأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: " لا إنما يكفيك إن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك فتطهرين ". 189 - " لا إنما يكفيك إن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك فتطهرين ". رواه مسلم (رقم 178) وأصحاب السنن الأربعة وأبو علي الحسين ابن محمد اللحياني في " حديثه " (ق 123 / 1) وابن أبي شيبة والبيهقي (1 / 181) وأحمد (6 / 289 و 314 - 315) من طريق سفيان الثوري وابن عيينة واللفظ له وروح بن القاسم وأيوب (وهو السختياني) عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: فذكره وقد رواه عن الثوري ثقتان يزيد بن هارون، وعبد الرزاق بن همام، وقد اختلفا عليه، فالأول رواه كرواية ابن عيينة، والآخر قال في حديثه، " أفأنقضه للحيضة والجنابة "؟ . فزاد فيه (والجنابة) ، فأرى أنها زيادة شاذة لتفرد عبد الرزاق بها عن سفيان الثوري دون يزيد بن هارون، ورواية هذا أرجح لموافقتها للفظ ابن عيينة وروح بن القاسم والسختياني. والله أعلم. وقد أفاض ابن القيم في " التهذيب " في بيان شذوذ هذه الزيادة فمن أراد التحقق من ذلك فليرجع إليه (1 / 167) .

190

190 - " لا خير فيها، هي من أهل النار. يعني امرأة تؤذي جيرانها بلسانها ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 119) وابن حبان (2054) والحاكم (4 / 166) وأحمد (2 / 440) وأبو بكر محمد ابن أحمد المعدل في " الأمالي " (6 / 1 - 2) من طريق الأعمش قال: حدثنا أبو يحيى مولى جعدة بن هبيرة قال سمعت أبا هريرة يقول: " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار، وتفعل وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا خير فيها، هي من أهل النار، قال: وفلانه تصلي المكتوبة وتصدق بأتوار (من الأقط) ولا تؤذي أحدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي من أهل الجنة ". قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون غير أبي يحيى هذا وقد بيض له الحافظ في " التهذيب " فلم يذكر توثيقه عن أحد، وبناء عليه قال في " التقريب ": مقبول. أي لين الحديث. وهذا منه عجيب، فقد روى ابن أبي حاتم (4 / 2 / 457) عن ابن معين أنه قال فيه " ثقة ". واعتمده الذهبي في " الميزان " فقال أيضا: " ثقة ". ويقوي ذلك أن مسلما أخرج له حديثا واحدا، كما في " تهذيب الكمال ". والحديث أخرجه البزار وابن أبي شيبة كما في " الترغيب " (4 / 235) وصحح إسناده. (أتوار) جمع (تور) بالمثناة الفوقية إناء من صفر.

191

191 - " كان يصوم في السفر ويفطر، ويصلي ركعتين لا يدعهما، يقول: لا يزيد عليهما . يعني الفريضة ". أخرجه الطحاوي (1 / 333) وأحمد (1 / 402 و 407) من طريق حماد عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا سند جيد، وهو على شرط مسلم وحماد هو ابن أبي سليمان الفقيه وفيه كلام لا يضر، والحديث صحيح قطعا بشقيه، أما قصر الصلاة ففيه أحاديث كثيرة مشهورة عن جماعة من الصحابة فلا نطيل الكلام بذكرها. وأما الصوم في السفر، فقد بدرت من الصنعاني في " سبل السلام " كلمة نفى فيها أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صام في السفر فرضا فقال (2 / 34) : ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتم رباعية في سفر، ولا صام فيه فرضا "! ولهذا توجهت الهمة إلى ذكر بعض الأحاديث التي تدل على خطأ النفي المذكور، فأقول: ورد صومه صلى الله عليه وسلم في السفر عن جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن مسعود. وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك، وأبو الدرداء. 1 - أما حديث ابن مسعود، فهو هذا. 2 - وأما حديث ابن عباس، فقال أبو داود الطيالسي (1 / 190) : حدثنا سليمان (وهو ابن معاذ الضبي) عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بالشطر الأول منه. وهذا سند حسن رجاله رجال مسلم، وقد أخرجه في صحيحه (3 /

141) وكذا أحمد (1 / 232) من طريق طاووس عن ابن عباس قال: " لا تعب على من صام، ولا على من أفطر، فقد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر وأفطر ". وأخرجه البخاري (3 / 146) ومسلم وغيرهما من طريق عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصامه حتى بلغ الكديد أفطر، فأفطر الناس ". (الكديد) بفتح الكاف مكان معروف بين عسفان وقديد، وبين الكديد ومكة مرحلتان، وبينه وبين المدينة عدة أيام كما في " الفتح " (3 / 147) . وفي رواية للبخاري (3 / 151) ومسلم (3 / 141) من طريق مجاهد عن طاووس عن ابن عباس قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان، ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة، وذلك في رمضان، فكان ابن عباس يقول: قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفطر، فمن شاء صام، ومن شاء أفطر ". وأخرجه ابن جرير في تفسيره (3 / 468 / 2883) عن العوام بن حوشب قال: " قلت لمجاهد: الصوم في السفر؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم فيه ويفطر، قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: إنما هي رخصة، وأن تصوم رمضان أحب إلي ". وسنده مرسل صحيح. 3 - وأما حديث أنس، فرواه عنه زياد النميري: حدثني أنس ابن مالك قال: " وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان في سفر فصامه، ووافقه رمضان في سفر

فأفطره ". رواه البيهقي (4 / 244) ، وزياد هذا هو ابن عبد الله النميري البصري ضعيف، يكتب حديثه للشواهد. 4 - وأما حديث أبي الدرداء، فيرويه الوليد بن مسلم عن سعيد ابن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان، في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن رواحة ". أخرجه مسلم (3 / 145) : حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم به. والوليد بن مسلم وإن كان ثقة فإنه يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن الإسناد كله، لكن أخرجه أبو داود في " سننه " (1 / 378) : حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز ... فساقه مسلسلا بالتحديث في جميع الرواة إلا في أم الدرداء فقال: عن أبي الدرداء به. إلا أنه قال: " في بعض غزواته " ولم يقل " في شهر رمضان ". وهذا هو الصواب عندي أن حديث أبي الدرداء ليس فيه " في شهر رمضان "، وذلك لأمور: الأول: أن سعيد بن عبد العزيز وإن كان ثقة، فقد كان اختلط قبول موته كما قال أبو مسهر، وقد اختلف عليه في قوله " في شهر رمضان " فأثبته عنه الوليد بن مسلم في رواية داود بن رشيد عنه، ولم يثبتها عنه في رواية مؤمل بن الفضل، وهو ثقة. وتترجح هذه الرواية عن الوليد بمتابعة بعض الثقات له عليه، منهم عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز به بلفظ:

" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ... ". أخرجه الشافعي في " السنن " (1 / 269) . ومنهم أبو المغيرة واسمه عبد القدوس بن الحجاج الحمصي. أخرجه أحمد (5 / 194) عنه. فهؤلاء ثلاثة من الثقات لم يذكروا ذلك الحرف " شهر رمضان "، فروايتهم مقدمة على رواية الوليد الأخرى كما هو ظاهر لا يخفى، ويؤيده الأمر التالي، وهو: الثاني: أن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قد تابع سعيدا على رواية الحديث عن إسماعيل بن عبيد الله بتمامه، ولكنه خالفه في هذا الحرف فقال: " خرجنا مع رسول الله في بعض أسفارنا ... " أخرجه البخاري (3 / 147) ، وعبد الرحمن هذا أثبت من سعيد، فروايته عند المخالفة أرجح، لاسيما إذا وافقه عليها سعيد نفسه في أكثر الروايات عنه كما تقدم. الثالث: أن هشام بن سعد قد تابعه أيضا ولكنه لم يذكر فيه الحرف المشار إليه. أخرجه أحمد (6 / 444) عن حماد بن خالد قال: حدثنا هشام بن سعد عن عثمان بن حيان وإسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء به. وهشام بن سعد ثقة حسن الحديث، وقد احتج به مسلم كما يأتي. الرابع: أن الحديث جاء من طريق أخرى عن أم الدرداء لم يرد فيه الحرف المذكور. أخرجه مسلم (3 / 145) وابن ماجه (1 / 510) والبيهقي (4 / 245) وأحمد (5 / 194) من طرق عن هشام بن سعد عن عثمان بن حيان الدمشقي عن أم الدرداء به بلفظ:

" لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره.. ". وقرن أحمد في رواية له كما تقدم إسماعيل بن عبيد الله مع عثمان بن حيان، فقد روى هشام بن سعد الحديث من الطريقين عن أم الدرداء. قلت: فهذه الوجوه الأربعة ترجح أن قوله في رواية مسلم " في شهر رمضان " شاذ لا يثبت في الحديث، وقد أوهم الحافظ عبد الغني المقدسي في " عمدة الأحكام " حيث أورد الحديث (رقم 183) بلفظ مسلم بهذه الزيادة أنها من المتفق عليها بين الشيخين. لأنه لم يقل على الأقل " واللفظ لمسلم " كما هو الواجب في مثله، ولم أجد من نبه على شذوذ هذه الزيادة، حتى ولا الحافظ ابن حجر، بل إنه ذكرها من رواية مسلم ثم بنى عليه قوله: " وبهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال (يعني على جواز إفطار المسافر في رمضان) ويتوجه الرد بها على ابن حزم في زعمه أن حديث أبي الدرداء هذا لا حجة فيه، لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا ". فأقول: إن الرد المذكور غير متجه بعد أن حققنا شذوذ رواية مسلم، شذوذا لا يدع مجالا للشك فيه، ولو أن الحافظ رحمه الله تيسر له تتبع طرق هذا الحديث وألفاظه لما قال ما ذكر. وقد وهم في الحديث الصنعاني في " العدة " وهما آخر فقال (3 / 368) : " وهذا الحديث في مسلم لأبي الدرداء وفي البخاري نسبة لأم الدرداء ". والصواب أن الحديث عند البخاري كما هو عند مسلم من مسند أبي الدرداء، لكنهما أخرجاه من طريق أم الدرداء عنه. هذا، وإنما يتجه الرد على ابن حزم بالأحاديث الأخرى التي سقناها عن جماعة من الصحابة، وكذلك يرد عليه بالحديث الآتي: " هي رخصة " يعني الفطر في السفر " من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم، فلا جناح عليه ".

192

192 - " هي رخصة ـ يعني الفطر في السفر ـ من الله، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم، فلا جناح عليه ". رواه مسلم (3 / 145) والنسائي (1 / 317) والبيهقي (4 / 243) من طريق أبي مراوح عن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال: " يا رسول الله! أجد بي قوة على الصيام في السفر، فهل علي جناح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قال مجد الدين بن تيمية في " المنتقى ": " وهو قوي الدلالة على فضيلة الفطر ". قلت: ووجه الدلالة قوله في الصائم " فلا جناح عليه "، أي: لا إثم عليه، فإنه يشعر بمرجوحية الصيام كما هو ظاهر، لاسيما مع مقابلته بقوله في الفطر " فحسن "، لكن هذا الظاهر غير مراد عندي، والله أعلم، وذلك لأن رفع الجناح في نص ما عن أمر ما، لا يدل إلا على أنه يجوز فعله وأنه لا حرج على فاعله، وأما هل هذا الفعل مما يثاب عليه فاعله أو لا، فشيء آخر لا يمكن أخذه من النص ذاته بل من نصوص أخرى خارجة عنه، وهذا شيء معروف عند من تتبع الأمور التي ورد رفع الجناح عن فاعلها وهي على قسمين: أ - قسم منها يراد بها رفع الحرج فقط مع استواء الفعل والترك، وهذا هو الغالب، ومن أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم: " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والفأرة والعقرب، والكلب العقور ". 193 - " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح: الغراب، والحدأة، والفأرة والعقرب، والكلب العقور ". أخرجه الشيخان ومالك وأصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي والدارمي (2 / 36) والبيهقي وأحمد (2 / 8، 32، 37، 48، 52، 54، 65، 82، 138)

من طرق عن ابن عمر مرفوعا به. ومن الواضح أن المراد من رفع الجناح في هذا الحديث هو تجويز القتل، ولا يفهم منه أن القتل مستحب أو واجب أو تركه أولى. ب - وقسم يراد به رفع الحرج عن الفعل، مع كونه في نفسه مشروعا له فضيلة، بل قد يكون واجبا، وإنما يأتي النص برفع الحرج في هذا القسم دفعا لوهم أو زعم من قد يظن الحرج في فعله، ومن أمثلة هذا ما روى الزهري عن عروة قال: " سألت عائشة رضي الله عنها؟ فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى (إن الصفا والمروة من شعائر الله، فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة! قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت " لا جناح عليه أن لا يطوف بهما " ! ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها عند المشلل، فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، قالوا: يا رسول الله إنا كنا نتحرج أن نطوف بالصفا والمروة، فأنزل الله: (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ، قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما ". أخرجه البخاري (1 / 414) وأحمد (6 / 144، 227) . إذا تبين هذا فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه "، لا يدل إلا على رفع الإثم عن الصائم، وليس فيه ما يدل على ترجيح الإفطار على الصيام،

194

ولكن إذا كان من المعلوم أن صوم رمضان في السفر عبادة بدليل صيامه صلى الله عليه وسلم فيه، فمن البدهي حينئذ أنه أمر مشروع حسن، وإذا كان كذلك فإن وصف الإفطار في الحديث بأنه حسن، لا يدل على أنه أحسن من الصيام، لأن الصيام أيضا حسن كما عرفت، وحينئذ فالحديث لا يدل على أفضلية الفطر المدعاة، بل على أنه والصيام متماثلان. ويؤكد ذلك حديث حمزة بن عمرو من رواية عائشة رضي الله عنها: أن حمزة بن عمرو الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أسرد الصوم، فأصوم في السفر؟ قال: " صم إن شئت، وأفطر إن شئت ". 194 - " صم إن شئت، وأفطر إن شئت ". أخرجه الشيخان وغيرهما من أصحاب الستة وابن أبي شيبة (2 / 150 / 1) وعنه أبو حفص الكناني في " الأمالي " (17 / 1) . قلت: فخيره صلى الله عليه وسلم بين الأمرين، ولم يفضل له أحدهما على الآخر، والقصة واحدة، فدل على أن الحديث ليس فيه الأفضلية المذكورة. ويقابل هذه الدعوى قول الشيخ علي القاري في " المرقاة " أن الحديث دليل على أفضلية الصوم. ثم تكلف في توجيه ذلك. والحق أن الحديث يفيد التخيير لا التفضيل، على ما ذكرناه من التفصيل. نعم يمكن الاستدلال لتفضيل الإفطار على الصيام بالأحاديث التي تقول: " إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته. (وفي رواية) : كما يحب أن تؤتى عزائمه ". وهذا لا مناص من القول به، لكن يمكن أن يقيد ذلك بمن لا يتحرج بالقضاء، وليس عليه حرج في الأداء، وإلا عادت الرخصة عليه بخلاف المقصود. فتأمل.

195

وأما حديث " من أفطر (يعني في السفر) فرخصة، ومن صام فالصوم أفضل ". فهو حديث شاذ لا يصح. والصواب أنه موقوف على أنس كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " (رقم 936) ، ولو صح لكان نصا في محل النزاع، لا يقبل الخلاف، وهيهات، فلابد حينئذ من الاجتهاد والاستنباط، وهو يقتضى خلاف ما أطلقه هذا الحديث الموقوف، وهو التفصيل الذي ذكرته. والله الموفق. 195 - " إن الله يبغض كل جعظرى جواظ، سخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة ". رواه بن حبان في " صحيحه " (1957 - موارد) : أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن: حدثنا أحمد بن يوسف السلمي: أنبأنا عبد الرزاق: أنبأنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم، غير شيخ ابن حبان أحمد بن الحسن وهو أبو حامد النيسابوري المعروف بابن الشرقي قال الخطيب (4 / 426 - 427) : " وكان ثقة، ثبتا متقنا حافظا ". وتابعه أبو بكر القطان حدثنا أحمد بن يوسف السلمي به. أخرجه البيهقي (10 / 194) . (الجعظري) الفظ الغليظ المتكبر. (الجواظ) الجموع المنوع. (السخاب) كالصخاب: كثير الضجيج والخصام. وفي رواية ذكرها ابن الأثير (خشب بالليل، سخب بالنهار. أي إذا جن عليهم الليل سقطوا نياما كأنهم خشب فإذا أصبحوا تساخبوا على الدنيا شحا وحرصا ". (جيفة) أي كالجيفة، لأنه يعمل كالحمار طوال النهار لدنياه، وينام طول ليله كالجيفة التي لا تتحرك.

196

قلت: وما أشد انطباق هذا الحديث على هؤلاء الكفار الذين لا يهتمون لآخرتهم، مع علمهم بأمور دنياهم، كما قال تعالى فيهم (يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا، وهم عن الآخرة هم غافلون) ولبعض المسلمين نصيب كبير من هذا الوصف، الذين يقضون نهارهم في التجول في الأسواق والصياح فيها، ويضيعون عليهم الفرائض والصلوات، (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون. الذين هم يراؤن. ويمنعون الماعون) . 196 - " كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة " حين يسلم ": لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد " يحيي ويميت، وهو حي لا يموت بيده الخير "، وهو على كل

197

شيء قدير " ثلاث مرات "، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد ". رواه البخاري (2 / 264 - 265) ومسلم (2 / 95) وأبو داود (1 / 236) والنسائي (1 / 197) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 112) وأحمد (4 / 245، 247، 250، 251، 254، 255) من طريق وراد كاتب المغيرة بن شعبة قال: " أملى علي المغيرة بن شعبة في كتاب إلى معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم " فذكره. وهذا إسناد صحيح، وحديث معروف بالصحة، وإنما ذكرته لهذه الزيادات فإنها غير مشهورة عند أكثر الناس، والزيادة الأولى لأحمد وأبي داود، والثانية للطبراني من طريق أخرى عن المغيرة ورواته موثقون كما قال الحافظ، وعند ابن السني من الطريق الأولى قوله " بيده الخير " وسنده صحيح. والزيادة الثالثة للنسائي وأحمد في رواية، وسندها صحيح. ورواها ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح ". وفي الحديث مشروعية هذا الذكر بعد السلام من الفريضة، وقد حرم فضله من ذهب إلى عدم مشروعية الزيادة على قوله " اللهم أنت السلام.. " الخ عقب الفرض، وأن ما سواه من الأوراد إنما تقال عقب السنة البعدية! وفي هذا الحديث رد صريح عليهم لا يقبل الرد، ومثله الحديث المتقدم برقم (102) . 197 - " إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي، فإنك إذا فعلت ذلك لم أرد عليك ". رواه بن ماجه (1 / 145 / 146) وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 34) عن عيسى بن يونس عن هاشم بن البريد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله " أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " الحديث.

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: " لا أعلم روى هذا الحديث أحد غير هاشم بن البريد ". قلت: وهو ثقة، ولا يضره أنه رمي بالتشيع، ولهذا قال البوصيري في " الزوائد " (ق 27 / 2) : " هذا إسناد حسن ". قلت: وظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك وهو يبول، ففيه دليل على جواز الكلام على الخلاء، والحديث الوارد في أن الله يمقت على ذلك مع أنه لا يصح من قبل إسناده، فهو غير صريح فيه فإنه بلفظ: " لا يتناجى اثنان على غائطهما، ينظر كل منهما إلى عورة صاحبه، فإن الله يمقت على ذلك ". فهذا النص إنما يدل على تحريم هذه الحالة وهي التحدث مع النظر إلى العورة، وليس فيه أن التحدث وحده - وإن كان في نفسه مستهجنا - مما يمقته الله تبارك وتعالى، بل هذا لابد له من دليل يقتضي تحريمه وهو شيء لم نجده، بخلاف تحريم النظر إلى العورة، فإن تحريمه ثابت في غير ما حديث. ثم رأيت للحديث شاهدا من حديث ابن عمر بهذا اللفظ نحوه. أخرجه ابن الجارود في " المنتقى " (27 - 28) وسنده حسن أيضا. ثم رأيته في " فوائد عبد الباقي بن قانع " (160 / 1 - 2) أخرجه من طريقين عن نافع عن ابن عمر، ورجالهما ثقات معروفون إلا أن شيخه في الأول منهما محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وفيه كلام، وشيخه في الطريق الأخرى محمد بن عنبسة بن لقيط الضبي، أورده الخطيب (3 / 139) وساق له هذا الحديث من طريق ابن قانع عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكنه متابع عند ابن الجارود، فالحديث صحيح.

198

198 - " من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليقل حين يذكر: بسم الله في أوله وآخره فإنه يستقبل طعاما جديدا، ويمنع الخبيث ما كان يصيب منه ". رواه ابن حبان في " صحيحه " (1340 - موارد) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (453) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 74 / 1) عن خليفة بن خياط حدثنا عمر بن علي المقدمي قال: سمعت موسى الجهني يقول: أخبرني القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، وموسى الجهني هو ابن عبد الله، ويقال: ابن عبد الرحمن أبو سلمة ويقال أبو عبد الله الكوفي. والحديث قال الهيثمي (5 / 235) : " رواه الطبراني في الأوسط والكبير ورجاله ثقات ". قلت ولأبي سلمة الجهني هذا حديث آخر بهذا الإسناد، إلا أنه جاء فيه مكنيا غير مسمى، فخفي حاله على أئمة الحديث وجهلوه وصرح بذلك الحافظ الذهبي وغيره، فاغتررت بذلك برهة من الزمن، فتوقفت عن تصحيح الحديث المشار إليه، إلى أن وقفت على حديث الطعام هذا وأنه من رواية موسى الجهني ففتح لي طريق

199

معرفة أبي سلمة وأنه هو نفسه، فرجعت عن التوقف المشار إليه، ووقفت لتصحيح الحديث والحمد لله الموفق والحديث هو: " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرجا. قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال بلى، ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها ". 199 - " ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو علمته أحدا من خلقك، أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا. قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها ". رواه أحمد (3712) والحارث بن أبي أسامة في مسنده (ص 251 من زوائده) وأبو يعلى (ق 156 / 1) والطبراني في " الكبير " (3 / 74 / 1) وابن حبان في " صحيحه " (2372) والحاكم (1 / 509) من طريق فضيل بن مرزوق حدثنا أبو سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط مسلم، إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه من أبيه ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: وأبو سلمة لا يدري من هو ولا رواية له في الكتب الستة ". قلت: وأبو سلمة الجهني ترجمه الحافظ في " التعجيل " وقال:

" مجهول. قاله الحسيني. وقال مرة: لا يدري من هو. وهو كلام الذهبي في " الميزان "، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات "، وأخرج حديثه في " صحيحه "، وقرأت بخط الحافظ بن عبد الهادي: يحتمل أن يكون خالد بن سلمة. قلت: وهو بعيد لأن خالدا مخزومي وهذا جهني ". قلت: وما استبعده الحافظ هو الصواب، لما سيأتي، ووافقه على ذلك الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه على المسند (5 / 267) وأضاف إلى ذلك قوله: " وأقرب منه عندي أن يكون هو " موسى بن عبد الله أو ابن عبد الجهني ويكنى أبا سلمة، فإنه من هذه الطبقة ". قلت: وما استقر به الشيخ هو الذي أجزم به بدليل ما ذكره، مع ضميمة شيء آخر وهو أن موسى الجهني قد روى حديثا آخر عن القاسم بن عبد الرحمن به، وهو الحديث الذي قبله فإذا ضمت إحدى الروايتين إلى الأخرى ينتج أن الراوي عن القاسم هو موسى أبو سلمة الجهني، وليس في الرواة من اسمه موسى الجهني إلا موسى بن عبد الله الجهني وهو الذي يكنى بأبي سلمة وهو ثقة من رجال مسلم، وكأن الحاكم رحمه الله أشار إلى هذه الحقيقة حين قال في الحديث " صحيح على شرط مسلم ... " فإن معنى ذلك أن رجاله رجال مسلم ومنهم أبو سلمة الجهني ولا يمكن أن يكون كذلك إلا إذا كان هو موسى بن عبد الله الجهني. فاغتنم هذا التحقيق فإنك لا تراه في غير هذا الموضع. والحمد لله على توفيقه.

بقي الكلام على الانقطاع الذي أشار إليه الحاكم، وأقره الذهبي عليه، وهو قوله: " إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ... ". قلت: هو سالم منه، فقد ثبت سماعه منه بشهادة جماعة من الأئمة، منهم سفيان الثوري وشريك القاضي وابن معين والبخاري وأبو حاتم، وروى البخاري في " التاريخ الصغير " بإسناد لا بأس به عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: " لما حضر عبد الله الوفاة، قال له ابنه عبد الرحمن: يا أبت أوصني، قال: ابك من خطيئتك ". فلا عبرة بعد ذلك بقول من نفى سماعه منه، لأنه لا حجة لديه على ذلك إلا عدم العلم بالسماع، ومن علم حجة على من يعلم. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 136) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي سلمة الجهني وقد وثقه ابن حبان "! قلت: وقد عرفت مما سبق من التحقيق أنه ثقة من رجال مسلم وأن اسمه موسى بن عبد الله. ولم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الله بن مسعود به، لم يذكر عن أبيه. أخرجه محمد بن الفضل بن غزوان الضبي في " كتاب الدعاء " (ق 2 / 1 - 2) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (335) ، وعبد الرحمن ابن إسحاق وهو أبو شيبة الواسطي متفق على تضعيفه.

ثم رأيت الحديث قد رواه محمد بن عبد الباقي الأنصاري في " ستة مجالس " (ق 8 / 1) من طريق الإمام أحمد، وقال مخرجه الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل البغدادي: " هذا حديث حسن عالي الإسناد، ورجاله ثقات ". وللحديث شاهد من حديث فياض عن عبد الله بن زبيد عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. أخرجه ابن السني (343) بسند صحيح إلى فياض وهو ابن غزوان الضبي الكوفي قال أحمد: ثقة. وشيخه عبد الله بن زبيد هو ابن الحارث اليامي الكوفي. قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 62) عن أبيه: " روى عنه الكوفيون ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قلت: فهو مستور، ومثله يستشهد بحديثه إن شاء الله تعالى. والحديث قال الهيثمي: " رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه ". قلت: وكأنه يعني عبد الله بن زبيد، وعليه فكأنه لم يقف على ترجمته في " الجرح والتعديل "، ولو أنه لم يذكر فيه تعديلا أو تجريحا، فإن العادة أن لا يقال في مثله " لم أعرفه "، كما هو معلوم عند المشتغلين بهذا العلم الشريف. (تنبيه) وقع في هامش المجمع تعليقا على الحديث خطأ فاحش، حيث جاء فيه:

200

" قلت (القائل هو ابن حجر) : هذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من رواية عبد الجليل بهذا الإسناد، فلا وجه لاستدراكه. ابن حجر ". ووجه الخطأ أن هذا التعليق ليس محله هذا الحديث، بل هو الحديث الذي في " المجمع " بعد هذا، فإن هذا لم يروه أحد من أصحاب السنن المذكورين، وليس في إسناده عبد الجليل، بل هو في إسناده الحديث الآخر، وهو عن أبي بكرة رضي الله عنه، فأخطأ الناسخ أو الطابع فربط التعليق بالحديث الأول، وهو للآخر، وخفي ذلك على الشيخ أحمد شاكر رحمه الله، فإنه بعد أن أشار لهذا الحديث ونقل قول الهيثمي السابق في تخريج الحديث قال: " وعلق عليه الحافظ ابن حجر بخطه بهامش أصله ... ". ثم ذكر كلام الحافظ المتقدم! وجملة القول أن الحديث صحيح من رواية ابن مسعود وحده، فكيف إذا انضم إليه حديث أبي موسى رضي الله عنهما. وقد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، هذا وقد صرح بذلك في أكثر من كتاب من كتبه منها " شفاء العليل " (ص 274) ، وأما ابن تيمية فلست أذكر الآن في أي كتاب أو رسالة ذكر ذلك. 200 - " نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة ". رواه أبو داود (1 / 200) والنسائي (1 / 97) وعنه ابن حزم في " المحلى " (3 / 31) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 119) وابن حبان في " صحيحه " (621،

622) وابن الجارود في " المنتقى " (281) والبيهقي (2 / 458) والطيالسي (1 / 75 - من ترتيبه) وأحمد (1 / 129، 141) والمحاملي في " الأمالي " (3 / 95 / 1) والضياء في " الأحاديث المختارة، (1 / 258، 259) عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن علي رضي الله عنه مرفوعا. وقال ابن حزم: " وهب بن الأجدع تابع ثقة مشهور، وسائر الرواة أشهر من أن يسأل عنهم، وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها ". وصرح ابن حزم في مكان آخر (2 / 271) بصحة هذا عن علي رضي الله عنه ولا شك في ذلك، ولهذا قال الحافظ العراقي في " طرح التثريب " (2 / 187) وتبعه الحافظ ابن حجر في " الفتح " (2 / 50) : " وإسناده صحيح ". وأما البيهقي فقد حاد عن الجادة حين قال: " ووهب بن الأجدع ليس من شرطهما ". قلت: وهل من شرط صحة الحديث أن يكون على شرط الشيخين؟ أو ليس قد صححا أحاديث كثيرة خارج كتابيهما وليست على شرطهما؟ ! ثم قال: " وهذا حديث واحد، وما مضى في النهي عنهما ممتد إلى غروب الشمس حديث عدد، فهو أولي أن يكون محفوظا ". قلت: كلاهما محفوظ، وإن كان ما رواه العدد أقوى، ولكن ليس من أصول أهل العلم، رد الحديث القوي لمجرد مخالفة ظاهرة لما هو أقوى منه مع إمكان الجمع بينهما! وهو كذلك هنا، فإن هذا الحديث مقيد للأحاديث التي أشار إليها البيهقي كقوله صلى الله عليه وسلم: " ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " متفق عليه.

فهذا مطلق، يقيده حديث علي رضي الله عنه، وإلى هذا أشار ابن حزم رحمه الله بقوله المتقدم: " وهذه زيادة عدل لا يجوز تركها ". ثم قال البيهقي: " وقد روي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا. وروي ما يوافقه ". ثم ساق هو والضياء في " المختارة " (1 / 185) من طريق سفيان قال: أخبرني أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين في دبر كل صلاة مكتوبة، إلا الفجر والعصر ". قلت: وهذا لا يخالف الحديث الأول إطلاقا، لأنه إنما ينفي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد صلاة العصر، والحديث الأول لا يثبت ذلك حتى يعارض بهذا، وغاية ما فيه أنه يدل على جواز الصلاة بعد العصر إلى ما قبل اصفرار الشمس، وليس يلزم أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أثبت جوازه بالدليل الشرعي كما هو ظاهر. نعم قد ثبت عن أم سلمة وعائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر، وقالت عائشة: إنه صلى الله عليه وسلم داوم عليها بعد ذلك، فهذا يعارض حديث علي الثاني، والجمع بينهما سهل، فكل حدث بما علم، ومن علم حجة على من لم يعلم، ويظهر أن عليا رضي الله عنه علم فيما بعد من بعض الصحابة ما نفاه في هذا الحديث، فقد ثبت عنه صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر وذلك قول البيهقي: " وأما الذي يوافقه ففيما أخبرنا ... " ثم ساق من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: " كنا مع علي رضي الله عنه في سفر فصلى بنا العصر ركعتين ثم دخل

فسطاطه وأنا أنظر، فصلى ركعتين ". ففي هذا أن عليا رضي الله عنه عمل بما دل عليه حديثه الأول من الجواز. وروى ابن حزم (3 / 4) عن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس ". قلت: وإسناده صحيح، وهو شاهد قوي لحديث علي رضي الله عنهم. وأما الركعتان بعد العصر، فقد روى ابن حزم القول بمشروعيتهما عن جماعة من الصحابة، فمن شاء فليرجع إليه. وما دل عليه الحديث من جواز الصلاة ولو نفلا بعد صلاة العصر وقبل اصفرار الشمس هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذه المسألة التي كثرت الأقوال فيها، وهو الذي ذهب إليه ابن حزم تبعا لابن عمر رضي الله عنه كما ذكره الحافظ العراقي وغيره، فلا تكن ممن تغره الكثرة، إذا كانت على خلاف السنة. ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن علي رضي الله عنه بلفظ: (لا تصلوا بعد العصر، إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة) . أخرجه الإمام أحمد (1 / 130) : حدثنا إسحاق بن يوسف: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره: قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عاصم وهو ابن ضمرة السلولي وهو صدوق. كما في " التقريب ". قلت: فهذه الطريق مما يعطي الحديث قوة على قوة، لاسيما وهي من طريق عاصم الذي روى عن علي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد العصر، فادعى البيهقي من أجل هذه الرواية إعلال الحديث، وأجبنا عن ذلك بما تقدم، ثم تأكدنا من صحة الجواب حين وقفنا على الحديث من طريق عاصم أيضا. فالحمد لله على

201

توفيقه. ثم وجدت له شاهدا حسنا من حديث أنس، سيأتي برقم (308) . 201 - " من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا ". أخرجه النسائي (1 / 11) والترمذي (1 / 17) وابن ماجه (1 / 130) والطيالسي (1 / 45 من ترتيبه) كلهم عن شريك بن المقدام عن شريح عن أبيه عن عائشة قالت ... فذكره. وقال الترمذي: " حديث عائشة أحسن شيء في الباب وأصح ". قلت ... وهذا ليس معناه تحسين الحديث بله تصحيحه كما هو معروف في علم المصطلح وكأن ذلك لضعف شريك القاضي، ولكنه لم ينفرد به. بل تابعه سفيان الثوري عن المقدام بن شريح به. أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 198) والحاكم (1 / 181) والبيهقي (1 / 101) وأحمد (1 / 136، 192، 213) من طرق عن سفيان به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وفيه نظر، فإن المقدام ابن شريح وأبوه لم يحتج بهما البخاري فهو على شرط مسلم وحده. وقال الذهبي في " المهذب " (1 / 22 / 2) : " سنده صحيح ". فتبين مما سبق أن الحديث صحيح بهذه المتابعة، وقد خفيت على الترمذي

فلم يصحح الحديث، وليس ذلك غريبا، ولكن الغريب أن يخفى ذلك على غير واحد من الحفاظ المتأخرين، أمثال العراقي والسيوطي وغيرهما، فأعلا الحديث بشريك، وردا على الحاكم تصحيحه إياه متوهمين أنه عنده من طريقه، وليس كذلك كما عرفت، وكنت اغتررت بكلامهم هذا لما وضعت التعليق على " مشكاة المصابيح "، وكان تعليقا سريعا اقتضته ظروف خاصة، لم تساعدنا على استقصاء طرق الحديث كما هي عادتنا، فقلت في التعليق على هذا الحديث من " المشكاة " (365) . " وإسناده ضعيف فيه شريك، وهو ابن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ ". والآن أجزم بصحة الحديث للمتابعة المذكورة. ونسأل الله تعالى أن لا يؤاخذنا بتقصيرنا. قلت آنفا: اغتررنا بكلام العراقي والسيوطي، وذلك أن الأخير قال في " حاشيته على النسائي " (1 / 12) . " قال الشيخ ولي الدين (هو العراقي) : هذا الحديث فيه لين، لأن فيه شريكا القاضي وهو متكلم فيه بسوء الحفظ، وما قال الترمذي: إنه أصح شيء في هذا الباب لا يدل على صحته، ولذلك قال ابن القطان: إنه لا يقال فيه: صحيح، وتساهل الحاكم في التصحيح معروف، وكيف يكون على شرط الشيخين مع أن البخاري لم يخرج لشريك بالكلية، ومسلم خرج له استشهادا، لا احتجاجا ". نقله السيوطي وأقره! ثم تتابع العلماء على تقليدهما كالسندي في حاشيته على النسائي، ثم الشيخ عبد الله الرحماني المباركفوري في " مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح " (1 / 253) ، وغيرهم، ولم أجد حتى الآن من نبه على أوهام هؤلاء العلماء، ولا على هذه المتابعة، إلا أن الحافظ رحمه الله كأنه أشار إليها في " الفتح " (1 / 382) حين ذكر الحديث:

202

وقال: " رواه أبو عوانة في " صحيحه " و " الحاكم ". فاقتصر في العزو عليهما لأنه ليس في طريقهما شريك، بخلاف أصحاب " السنن " ولذلك لم يعزه إليهم، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. واعلم أن قول عائشة إنما هو باعتبار علمها، وإلا فقد ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما ". ولذلك فالصواب جواز البول قاعدا وقائما، والمهم أمن الرشاش، فبأيهما حصل وجب. وأما النهي عن البول قائما فلم يصح فيه حديث، مثل حديث " لا تبل قائما " وقد تكلمت عليه في " الأحاديث الضعيفة " رقم (938) . 202 - " إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس " وفي رواية " غزا نبي من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولما يبن " بها "، ولا آخر قد بنى بنيانا، ولما يرفع سقفها، ولا آخر قد اشترى غنما أو خلفات، وهو منتظر ولادها، قال: فغزا، فأدنى للقرية حين صلاة العصر، أو قريبا من ذلك، " وفي رواية: فلقي العدو عند غيبوبة الشمس "، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها

علي شيئا، فحبست عليه، حتى فتح الله عليه، " فغنموا الغنائم "، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله، فأبت أن تطعمه " وكانوا إذا غنموا الغنمية بعث الله تعالى عليها النار فأكلتها " فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته، قال: فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة " يده "، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، " قال: أجل قد غللنا صورة وجه بقرة من ذهب "، قال: فأخرجوه له مثل رأس بقرة من ذهب، قال: فوضعوه في المال، وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله تبارك وتعالى رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا، " وفي رواية " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: إن الله أطعمنا الغنائم رحمة بنا وتخفيفا، لما علم من ضعفنا ". هذا حديث صحيح جليل، مما حفظه لنا أبو هريرة رضي الله عنه وله عنه أربع طرق: الأولى: قال الإمام أحمد (2 / 325) . حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... فذكر الرواية الأولى. وهكذا أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 10) من طريقين آخرين عن الأسود بن عامر به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين عدا أبا بكر وهو ابن عياش، فإنه من رجال البخاري وحده، وفيه كلام، لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، وأحسن ما قرأت فيه قول ابن حبان في ترجمته من " الثقات " (2 / 324) :

" كان أبو بكر من الحفاظ المتقنين، وكان يحيى القطان، وابن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر سنه، ساء حفظه، فكان يهم إذا روى، والخطأ والوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر، فلو كثر الخطأ حتى كان غالبا على صوابه لاستحق مجانبة رواياته، فأما عند الوهم يهم، أو الخطأ يخطىء، لا يستحق ترك حديثه بعد تقدم عدالته وصحة سماعه ". ثم قال: " والصواب في أمره مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه، والاحتجاج بما يرويه، سواء وافق الثقات " أولا "، لأنه داخل في جملة أهل العدالة، ومن صحت عدالته لم يستحق القدح ولا الجرح، إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح. وهذا حكم كل محدث ثقة صحت عدالته، وتيقن خطؤه ". قلت: ولهذا صرح الحافظ ابن حجر في " الفتح " بصحة هذا السند، ثم قال (6 / 154) : " فإن رجال إسناده محتج بهم في الصحيح ". وسبقه إلى نحوه الحافظ ابن كثير كما سيأتي، وكذا الذهبي كما في " تنزيه الشريعة " (1 / 379) . الطريق الثانية: قال الإمام أحمد أيضا (2 / 318) : " حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... فذكر أحاديث كثيرة فوق المائة بهذا الإسناد، هذا الحديث أحدها، وهي جميعها في " صحيفة همام بن منبه " التي رواها أبو الحسن أحمد ابن يوسف السلمي عن عبد الرزاق به، وهذا الحديث فيها برقم (123) . وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (5 / 145) من طريق محمد بن رافع: حدثنا عبد الرزاق به بالرواية الثانية، واللفظ لمسلم.

ثم أخرجه هو والبخاري في " صحيحه " (6 / 154 - 156، 9 / 193 بشرح " الفتح ") عن عبد الله بن المبارك عن معمر به. الطريق الثالثة: قال الطحاوي (2 / 10 - 11) : " حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ، حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة يعني القواريري، حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به مثل الرواية الثانية، وفيها أكثر الزيادات التي جعلناها بين القوسين () . وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن إسماعيل هذا. قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 190) : " سمعت منه بمكة، وهو صدوق ". وهذه الطريق عزاها الحافظ (6 / 155) للنسائي وأبي عوانة وابن حبان. الطريق الرابعة: أخرجها الحاكم (2 / 129) عن مبارك بن فضالة عن عبيد الله ابن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مثل الرواية الثانية، وزاد في آخره: " فقال كعب: صدق الله ورسوله، هكذا والله في كتاب الله، يعني في التوراة، ثم قال: يا أبا هريرة أحدثكم النبي صلى الله عليه وسلم أي نبي كان؟ قال: لا قال كعب: هو يوشع بن نون، قال: فحدثكم أي قرية هي؟ قال: لا، قال: هي مدينة أريحا ". وقال الحاكم: " حديث غريب صحيح ". ووافقه الذهبي! كذا قالا، ومبارك بن فضالة مدلس وقد عنعنه، فليس إسناده صحيحا، بل ولا حسنا، ومن هذه الطريق رواه البزار أيضا، كما في " البداية والنهاية " لابن كثير (1 / 324) . ثم إن في هذه الطريق نكارة واضحة، وهي في هذه الزيادة، فإن فيها تسميته

النبي بـ (يوشع) موقوفا على كعب، وهي في الرواية الأولى مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها تسمية المدينة بـ (أريحا) ، وفي الرواية الأولى أنها بيت المقدس وهذا هو الصواب، ومن الغريب أن يغفل عن هذا الحافظ ابن حجر، فيقول في تفسير (القرية) المذكورة في رواية " الصحيحين ": " هي أريحا، بفتح الهمزة وكسر الراء، بعدها تحتانية ساكنة ومهملة مع القصر سماها الحاكم في روايته عن كعب ". فغفل عما ذكرنا من تسميتها بـ " بيت المقدس " في الحديث المرفوع مع أنه قد ذكره قبيل ذلك في كتابه وصححه كما نقلته عنه آنفا. وقد تنبه لذلك الحافظ ابن كثير، فإنه بعد أن نقل عن أهل الكتاب أن حبس الشمس ليوشع وقع في فتح (أريحا) قال (1 / 323) : " فيه نظر، والأشبه - والله أعلم - أن هذا كان في فتح بيت المقدس الذي هو المقصود الأعظم، وفتح (أريحا) كان وسيلة إليه ". ثم استدل على ذلك بالرواية الأولى للحديث، ثم قال بعد أن ساقه من طريق أحمد وحده: " انفرد به أحمد من هذا الوجه، وهو على شرط البخاري. وفيه دلالة على أن الذي فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام لا موسى، وأن حبس الشمس

كان في فتح بيت المقدس لا أريحا لما قلنا ". غريب الحديث (بضع امرأة) . قال الحافظ: " بضم الموحدة وسكون المعجمة، البضع يطلق على الفرج والتزويج والجماع والمعاني الثلاثة لائقة هنا، ويطلق أيضا على المهر وعلى الطلاق ". (ولما يبن بها) أي لم يدخل عليها، لكن التعبير بـ (لما) يشعر بتوقع ذلك. (خلفات) بفتح المعجمة وكسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع (خلفة) وهي الحامل من النوق، وقد يطلق على غير النوق. (احبسها على شيئا) هو منصوب نصب المصدر، أي قدر ما تقتضي حاجتنا من فتح البلد. قال عياض، اختلف في حبس الشمس هنا، فقيل: ردت على أدراجها، وقيل: وقفت، وقيل: بطئت حركتها. وكل ذلك محتمل، والثالث أرجح عند ابن بطال وغيره. قلت: وأيها كان الأرجح، فالمتبادر من الحبس أن الغرض منه أن يتمكن النبي يوشع وقومه من صلاة العصر قبل غروب الشمس، وليس هذا هو المراد، بل الغرض، أن يتمكن من الفتح قبل الليل، لأن الفتح كان يوم الجمعة، فإذا دخل الليل دخل يوم السبت الذي حرم الله عليهم العمل، وهذا إذا صح ما ذكره ابن كثير عن أهل الكتاب: " وذكروا أنه انتهى من محاصرته لها يوم الجمعة بعد العصر، فلما غربت الشمس أو كادت تغرب، ويدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم وشرع لهم ذلك الزمان ... والله أعلم.

من فوائد الحديث 1 - قال المهلب: فيه أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبة البقاء. لأن من ملك بضع امرأة، ولم يدخل بها، أو دخل بها، وكان على قرب من ذلك، فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها، ويجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه وكذلك غير المرأة من أحوال الدنيا. 2 - قال ابن المنير: يستفاد منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج، ظنا منهم أن التعفف إنما يتأكد بعد الحج، بل الأولى أن يتعفف ثم يحج. قلت: وقد روي في موضوع الحج قبل الزواج أو بعده حديثان كلاهما عن أبي هريرة مرفوعا، ولكنهما موضوعان، كما بينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (رقم 221 - 222) . 3 - وفيه أن الشمس لم تحبس لأحد إلا ليوشع عليه السلام، ففيه إشارة إلى ضعف ما يروى أنه وقع ذلك لغيره، ومن تمام الفائدة أن أسوق ما وقفنا عليه من ذلك: 1 - ما ذكره ابن إسحاق في " المبتدأ " من طريق يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه أن الشمس حبست لموسى عليه السلام لما حمل تابوت يوسف صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا موقوف، والظاهر أنه من الإسرائيليات. وقصة نقل موسى لعظام يوسف عليهما السلام من قبره في مصر في " المستدرك " (2 / 571 - 572) بسند صحيح عنه صلى الله عليه وسلم وليس فيها ذكر لحبس الشمس. 2 - أنها حبست لداود عليه السلام. أخرجه الخطيب في " ذم النجوم " له من طريق أبي حذيفة، وابن إسحاق في " المبتدأ " بإسناد له عن علي موقوفا مطولا. قال الحافظ:

وإسناده ضعيف جدا، وحديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى، فإن رجال إسناده محتج بهم في الصحيح، فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع ". 3 - أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام، في قصة عرضه للخيل، وقوله الذي حكاه الله عنه في القرآن: " ردوها علي ". رواه الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس. قال الحافظ: " وهذا لا يثبت عن ابن عباس ولا عن غيره، والثابت عن جمهور أهل العلم بالتفسير من الصحابة ومن بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله: (ردوها علي) للخيل. والله أعلم ". 4 - ما حكاه عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فردها الله عليه حتى صلى العصر. قال الحافظ: " كذا قال! وعزاه للطحاوي، والذي رأيته في " مشكل الآثار " للطحاوي ما قدمت ذكره من حديث أسماء ". قلت: ويأتي حديث أسماء قريبا إن شاء الله تعالى. وقصة انشغاله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر في " الصحيحين " وغيرهما وليس فيها ذكر لرد الشمس عليه صلى الله عليه وسلم، انظر " نصب الراية " (2 / 164) . 5 - ومن هذا القبيل ما ذكره يونس بن بكير في زياداته في " مغازي ابن إسحاق " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر قريشا صبيحة الإسراء أنه رأى العير التي لهم وأنها تقدم مع شروق الشمس، فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير. قلت: وهذا معضل، وأما الحافظ فقال:

" وهذا منقطع، لكن وقع في " الأوسط " للطبراني من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الشمس فتأخرت ساعة من النهار. وإسناده حسن ".

203

203 - " افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ". أخرجه أبو داود (2 / 503 - طبع الحلبي) والترمذي (3 / 367) وابن ماجه (2 / 479) وابن حبان في " صحيحه " (1834) والآجري في " الشريعة " (ص 25) والحاكم (1 / 128) وأحمد (2 / 332) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 280 / 2) من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.

قلت: وفيه نظر فإن محمد بن عمرو، فيه كلام ولذلك لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة، وهو حسن الحديث، وأما قول الكوثري في مقدمة " التبصير في الدين " (ص 5) أنه لا يحتج به إذا لم يتابع، فمن مغالطاته، أو مخالفاته المعروفة، فإن الذي استقر عليه رأي المحدثين من المحققين الذين درسوا أقوال الأئمة المتقدمين فيه أنه حسن الحديث يحتج به، من هؤلاء النووي والذهبي والعسقلاني وغيره. على أن الكوثري إنما حاول الطعن في هذا الحديث لظنه أن فيه الزيادة المعروفة بلفظ: " كلها في النار إلا واحدة "، وهو ظن باطل، فإنها لم ترد في شيء من المصادر التي وقفت عليها من حديث أبي هريرة رضي الله عنه من هذا الوجه عنه. وقد ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " كما أوردته بدون الزيادة، ولكنه عزاه لأصحاب " السنن " الأربعة، وهذا وهم آخر، فإن النسائي منهم ولم يخرجه، وقد نص على ذلك كله الحافظ في " تخريج الكشاف " (4 / 63) بقوله: " رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي من رواية أبي هريرة دون قوله: (كلها الخ) ". والكوثري إنما اغتر في ذلك بكلام السخاوي على الحديث في " المقاصد الحسنة " (ص 158) فإنه ذكره من حديثه بهذه الزيادة، وعزاه للثلاثة وابن حبان والحاكم! وأما العجلوني في " الكشف " فقد قلد أصله " المقاصد " فيها، ولكنه اقتصر في العزو على ابن ماجه وابن حبان والحاكم. وكل ذلك وهم نشأ من التقليد وعدم الرجوع إلى الأصول، وممن وقع في هذا التقليد مع أنه كثير التنديد به العلامة الشوكاني فإنه أورده في " الفوائد المجموعة " بهذه الزيادة وقال (502) : " قال في " المقاصد ": حسن صحيح، وروي عن أبي هريرة وسعد وابن عمر

204

وأنس وجابر وغيرهم ". وهذا منه تلخيص لكلام " المقاصد "، وإلا فليس هذا لفظه، ولا قال: حسن صحيح، وإنما هو قول الترمذي كما تقدم، وقد نقله السخاوي عنه وأقره، ولذلك استساغ الشوكاني جعله من كلامه، وهو جائز لا غبار عليه. وإذا كان كذلك فالشوكاني قد قلد أيضا الحافظ السخاوي في كلامه على هذا الحديث مع ما فيه من الخطأ. والعصمة لله وحده. على أن للشوكاني في هذا المقام خطأ آخر أفحش من هذا. وهو تضعيفه في " تفسيره " لهذه الزيادة مقلدا أيضا في ذلك غيره، مع أنها زيادة صحيحة، وردت عن غير واحد من الصحابة بأسانيد جيدة كما قال بعض الأئمة، وإن تجاهل ذلك كله الكوثري اتباعا منه للهوى، وإلا فمثله لا يخفى عليه ذلك، والله المستعان. وقد وردت الزيادة المشار إليها من حديث معاوية رضي الله عنه، وهذا لفظه: " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة ". 204 - " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة ". أخرجه أبو داود (2 / 503 - 504) ، والدارمي (2 / 241) وأحمد (4 / 102) وكذا الحاكم (1 / 128) والآجري في " الشريعة " (18) وابن بطة في " الإبانة " (2 / 108 / 2، 119 / 1) واللالكائي في " شرح السنة " (1 / 23 / 1) من طريق صفوان قال: حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني عن أبي عامر عبد الله بن لحي عن معاوية بن أبي سفيان أنه قام فينا فقال: ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال.... فذكره. وقال الحاكم وقد ساقه عقب أبي هريرة المتقدم:

" هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث ". ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في " تخريج الكشاف " (ص 63) : " وإسناده حسن ". قلت: وإنما لم يصححه، لأن أزهر بن عبد الله هذا لم يوثقه غير العجلي وابن حبان ولما ذكر الحافظ في " التهذيب " قول الأزدي: " يتكلمون فيه "، تعقبه بقوله: " لم يتكلموا إلا في مذهبه ". ولهذا قال في " التقريب ". " صدوق، تكلموا فيه للنصب ". والحديث أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره (1 / 390) من رواية أحمد، ولم يتكلم على سنده بشيء، ولكنه أشار إلى تقويته بقوله: " وقد ورد هذا الحديث من طرق ". ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " المسائل " (83 / 2) . " هو حديث صحيح مشهور ". وصححه أيضا الشاطبي في " الاعتصام " (3 / 38) . ومن طرق الحديث التي أشار إليها ابن كثير، وفيها الزيادة، ما ذكره الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 199) قال: " رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو وحسنه، وأبو داود من حديث معاوية، وابن ماجه من حديث أنس وعوف بن مالك، وأسانيدها جياد ". قلت: ولحديث أنس طرق كثيرة جدا تجمع عندي منها سبعة، وفيها كلها

الزيادة المشار إليها، مع زيادة أخرى يأتي التنبيه عليها، وهذه هي: الطريق الأولى: عن قتادة عنه. أخرجه ابن ماجة (2 / 480) ، وقال البوصيري في " الزوائد ": " إسناده صحيح، رجاله ثقات ". قلت: وفي تصحيحه نظر عندي لا ضرورة لذكره الآن، فإنه لا بأس به في الشواهد. الثانية: عن العميري عنه. أخرجه أحمد (3 / 120) ، والعميري هذا لم أعرفه، وغالب الظن أنه محرف من (النميري) واسمه زياد بن عبد الله فقد روى عن أنس، وعنه صدقة بن يسار، وهو الذي روى هذا الحديث عنه، والنميري ضعيف، وبقية رجاله ثقات. الثالثة: عن ابن لهيعة حدثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عنه. وزاد: " قالوا: يا رسول الله من تلك الفرقة؟ قال: الجماعة الجماعة ". أخرجه أحمد أيضا (3 / 145) وسنده حسن في الشواهد. الرابعة: عن سلمان أو سليمان بن طريف عنه. أخرجه الآجري في " الشريعة " (17) وابن بطة في " الإبانة " (2 / 118 / 2) وابن طريف هذا لم أجد له ترجمة. الخامسة: عن سويد بن سعيد قال: حدثنا مبارك بن سحيم عن عبد العزيز ابن صهيب عن أنس.

أخرجه الآجري، وسويد ضعيف، وأخرجه ابن بطة أيضا، ولكني لا أدري إذا كان من هذا الوجه أو من طريق آخر عن عبد العزيز فإن كتابه بعيد عني الآن. السادسة: عن أبي معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس به. وفيه الزيادة. أخرجه الآجري (16) . وأبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي وهو ضعيف. ومن طريقه رواه ابن مردويه كما في " تفسير ابن كثير " (2 / 76 - 77) . السابعة: عن عبد الله بن سفيان المدني عن يحيى بن سعيد الأنصاري عنه. وفيه الزيادة بلفظ: " قال: ما أنا عليه وأصحابي ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 207 - 208) والطبراني في " الصغير " (150) وقال: " لم يروه عن يحيى إلا عبد الله بن سفيان ". وقال العقيلي: " لا يتابع على حديثه ". قلت: وهو على كل حال خير من الأبرد بن أشرس فإنه روى هذا الحديث أيضا عن يحيى بن سعيد به، فإنه قلب متنه، وجعله بلفظ: " تفترق أمتي على سبعين أو إحدى وسبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة، قالوا: يا رسول الله من هم؟ قال: الزنادقة وهم القدرية ". أورده العقيلي أيضا وقال:

" ليس له أصل من حديث يحيى بن سعيد " وقال الذهبي في " الميزان ": " أبرد بن أشرس قال ابن خزيمة: كذاب وضاع ". قلت: وقد حاول بعض ذوي الأهواء من المعاصرين تمشية حال هذا الحديث بهذا اللفظ الباطل، وتضعيف هذا الحديث الصحيح، وقد بينت وضع ذاك في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم (1035) ، والغرض الآن إتمام الكلام على هذا اللفظ الصحيح، فقد تبين بوضوح أن الحديث ثابت لا شك فيه، ولذلك تتابع العلماء خلفا عن سلف على الاحتجاج به حتى قال الحاكم في أول كتابه " المستدرك ": " إنه حديث كبير في الأصول " ولا أعلم أحدا قد طعن فيه، إلا بعض من لا يعتد بتفرده وشذوذه، أمثال الكوثري الذي سبق أن أشرنا إلى شيء من تنطعه وتحامله على الطريق الأولى لهذا الحديث، التي ليس فيها الزيادة المتقدمة: " كلها في النار "، جاهلا بل متجاهلا حديث معاوية وأنس على كثرة طرقه عن أنس كما رأيت. وليته لم يقتصر على ذلك إذن لما التفتنا إليه كثيرا، ولكنه دعم رأيه بالنقل عن بعض الأفاضل، ألا وهو العلامة ابن الوزير اليمني، وذكر أنه قال في كتابه: " العواصم

والقواصم " ما نصه: " إياك أن تغتر بزيادة " كلها في النار إلا واحدة " فإنها زيادة فاسدة، ولا يبعد أن تكون من دسيس الملاحدة. وقد قال ابن حزم: إن هذا الحديث لا يصح ". وقفت على هذا التضعيف منذ سنوات. ثم أوقفني بعض الطلاب في " الجامعة الإسلامية " على قول الشوكاني في تفسيره " فتح القدير " (2 / 56) : " قال ابن كثير في تفسيره: وحديث افتراق الأمم إلى بضع وسبعين، مروي من طرق عديدة، قد ذكرناها في موضع آخر. انتهى. قلت: أما زيادة كونها في النار إلا واحدة " فقد ضعفها جماعة من المحدثين (!) ، بل قال ابن حزم: إنها موضوعة ". ولا أدري من الذين أشار إليهم بقوله: " جماعة ... " فإني لا أعلم أحدا من المحدثين المتقدمين ضعف هذه الزيادة، بل إن الجماعة قد صححوها وقد سبق ذكر أسمائهم، وأما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك، وأول ما يتبادر للذهن أنه في كتابه " الفصل في الملل والنحل " وقد رجعت إليه، وقلبت مظانه فلم أعثر عليه ثم إن النقل عنه مختلف، فابن الوزير قال عنه: " لا يصح "، والشوكاني قال عنه: " إنها موضوعة "، وشتان بين النقلين كما لا يخفى، فإن صح ذلك عن ابن حزم، فهو مردود من وجهين: الأول: أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرة بقول من ضعفها. والآخر: أن الذين صححوها أكثر وأعلم بالحديث من ابن حزم، لاسيما وهو

معروف عند أهل العلم بتشدده في النقد، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة فكيف إذا خالف؟ ! وأما ابن الوزير، فكلامه الذي نقله الكوثري يشعر بأنه لم يطعن في الزيادة من جهة إسنادها، بل من حيث معناها، وما كان كذلك فلا ينبغي الجزم بفساد المعنى لامكان توجيهه وجهة صالحة ينتفي به الفساد الذي ادعاه. وكيف يستطاع الجزم بفساد معنى حديث تلقاه كبار الأئمة والعلماء من مختلف الطبقات بالقبول وصرحوا بصحته، هذا يكاد يكون مستحيلا! وإن مما يؤيد ما ذكرته أمرين: الأول: أن ابن الوزير في كتاب آخر له قد صحح حديث معاوية هذا، ألا وهو كتابه القيم: " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " فقد عقد فيه فصلا خاصا في الصحابة الذين طعن فيهم الشيعة وردوا أحاديثهم، ومنهم معاوية رضي الله عنه، فسرد ما له من الأحاديث في كتب السنة مع الشواهد من طريق جماعة آخرين من الصحابة لم تطعن فيه الشيعة، فكان هذا الحديث منها!

الأمر الآخر: أن بعض المحققين من العلماء اليمانيين ممن نقطع أنه وقف على كتب ابن الوزير، ألا وهو الشيخ صالح المقبلي، قد تكلم على هذا الحديث بكلام جيد من جهة ثبوته ومعناه، وقد ذكر فيه أن بعضهم ضعف هذا الحديث فكأنه يشير بذلك إلى ابن الوزير. وأنت إذا تأملت كلامه وجدته يشير إلى أن التضعيف لم يكن من جهة السند، وإنما من قبل استشكال معناه، وأرى أن أنقل خلاصة كلامه المشار إليه لما فيه من الفوائد. قال رحمه الله تعالى في " العلم الشامخ في إيثار الحق على الآباء والمشايخ " (ص 414) : " حديث افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة، رواياته كثيرة يشد بعضها بعضا بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها. (ثم ذكر حديث معاوية هذا، وحديث ابن عمرو بن العاص الذي أشار إليه الحافظ العراقي وحسنه الترمذي ثم قال:) والإشكال في قوله: " كلها في النار إلا ملة "، فمن المعلوم أنهم خير الأمم، وأن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة، مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود حسبما صرحت به الأحاديث، فكيف يتمشى هذا؟ فبعض الناس تكلم في ضعف هذه الجملة، وقال: هي زيادة غير ثابتة. وبعضهم تأول الكلام. قال: ومن المعلوم أن ليس المراد من الفرقة الناجية أن لا يقع منها أدنى اختلاف، فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة. إنما الكلام في مخالفة تصير صاحبها فرقة مستقلة ابتدعها. وإذا حققت ذلك فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل، وفيما يترتب عليه عظائم المفاسد لا تكاد تنحصر، ولكنها لم تخص معينا من هذه الفرق التي قد تحزبت والتأم بعضهم إلى قوم وخالف آخرون بحسب مسائل عديدة. ثم أجاب عن الإشكال بما خلاصته: " إن الناس عامة وخاصة، فالعامة آخرهم كأولهم، كالنساء والعبيد والفلاحين

والسوقة ونحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء، فلا شك في براءة آخرهم من الابتداع كأولهم. وأما الخاصة، فمنهم مبتدع اخترع البدعة وجعلها نصب عينيه، وبلغ في تقويتها كل مبلغ، وجعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب والسنة، ثم تبعه أقوام من نمطه في الفقه والتعصب، وربما جددوا بدعته وفرعوا عليها وحملوه ما لم يتحمله، ولكنه إمامهم المقدم وهؤلاء هم المبتدعة حقا، وهو شيء كبير (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) ، كنفي حكمة الله تعالى، ونفي إقداره المكلف، وككونه يكلف ما لا يطاق، ويفعل سائر القبائح ولا تقبح منه، وأخواتهن! ومنها ما هو دون ذلك، وحقائقها جميعها عند الله تعالى، ولا ندري بأيها يصير صاحبها من إحدى الثلاث وسبعين فرقة. ومن الناس من تبع هؤلاء وناصرهم وقوى سوادهم بالتدريس والتصنيف، ولكنه عند نفسه راجع إلى الحق، وقد دس في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه خفي، ولعله تخيل مصلحة دنيئة، أو عظم عليه انحطاط نفسه وإيذاؤهم له في عرضه وربما بلغت الأذية إلى نفسه. وعلى الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل، وتخبط في تصرفاته، وحسابه على الله سبحانه، إما أن يحشره مع من أحب بظاهر حاله، أو يقبل عذره، وما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك، لكن شرهم والله كثير، فلربما لم يقع خبرهم بمكان، وذلك لأنه لا يفطن لتلك اللمحة الخفية التي دسوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث، وقد أغناهم الله بعلمهم عن تلك اللمحة، وليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق ويخفيه. والله المستعان. ومن الناس من ليس من أهل التحقيق، ولا هيء للهجوم على الحقائق، وقد

تدرب في كلام الناس، وعرف أوائل الأبحاث، وحفظ كثيرا من غثاء ما حصلوه ولكن أرواح الأبحاث بينه وبينها حائل. وقد يكون ذلك لقصور الهمة والاكتفاء والرضا عن السلف لوقعهم في النفوس. وهؤلاء هم الأكثرون عددا، والأرذلون قدرا، فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة، ولا أدركوا سلامة العامة. فالقسم الأول من الخاصة مبتدعة قطعا. والثاني ظاهره الابتداع، والثالث له حكم الابتداع. ومن الخاصة قسم رابع ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين، أقبلوا على الكتاب والسنة وساروا بسيرها، وسكتوا عما سكتا عنه، وأقدموا وأحجموا بهما وتركوا تكلف مالا يعنيهم، وكان تهمهم السلامة، وحياة السنة آثر عندهم من حياة نفوسهم، وقرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى، وفهم معانيه على السليقة العربية والتفسيرات المروية، ومعرفة ثبوت حديث نبوي لفظا وحكما. فهؤلاء هم السنية حقا، وهم الفرقة الناجية، وإليهم العامة بأسرهم، ومن شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين، بحسب علمه بقدر بدعتهم ونياتهم. إذا حققت جميع ما ذكرنا لك، لم يلزمك السؤال المحذور وهو الهلاك على معظم الأمة، لأن الأكثر عددا هم العامة قديما وحديثا، وكذلك الخاصة في الأعصار المتقدمة، ولعل القسمين الأوسطين، وكذا من خفت بدعته من الأول، تنقذهم رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية، ورحمة ربك أوسع لكل مسلم، لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث ومصداقة، وأن أفراد الفرق المبتدعة وإن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين : فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة ". قلت: وهذا آخر كلام الشيخ المقبلي رحمه الله، وهو كلام متين يدل على علم الرجل وفضله ودقة نظره، ومنه تعلم سلامة الحديث من الإشكال الذي أظن أنه عمدة ابن الوزير رحمه الله في إعلاله إياه. والحمد لله على أن وفقنا للإبانة عن صحة

205

هذا الحديث من حيث إسناده، وإزالة الشبهة عنه من حيث متنه. وهو الموفق لا إله إلا هو. ثم وقفت على كلام لأحد الكتاب في العصر الحاضر ينكر في كتابه " أدب الجاحظ " (ص 90) صحة هذا الحديث للدفاع عن شيخه الجاحظ! فهو يقول: " ولو صح هذا الحديث لكان نكبة كبرى على جمهور الأمة الإسلامية. إذ يسجل على أغلبيتها الخلود في الجحيم ولو صح هذا الحديث لما قام أبو بكر في وجه مانعي الزكاة معتبرا إياهم في حالة ردة ... " إلى آخر كلامه الذي يغني حكايته عن تكلف الرد عليه، لوضوح بطلانه لاسيما بعد قراءة كلام الشيخ المقبلي المتقدم. على أن قوله " الخلود في الجحيم " ليس له أصل في الحديث، وإنما أورده الكاتب المشار إليه من عند نفسه ليتخذ ذلك ذريعة للطعن في الحديث. وهو سالم من ذلك كله كما بينا والحمد لله على توفيقه. 205 - " إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم وكانوا هكذا: وشبك بين أصابعه، قال (الراوي) : فقمت إليه فقلت له: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة ". أخرجه أبو داود (2 / 438) والحاكم (4 / 525) وأحمد (2 / 212) واللفظ له عن هلال بن خباب أبي العلاء قال: حدثني عبد الله بن عمرو قال: " بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ذكروا الفتنة، أو ذكرت عنده، قال " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال المنذري والعراقي:

" سنده حسن ". نقله المناوي في " الفيض " وأقرهما وهو كما قالا، فإن هلالا هذا فيه كلام يسير لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إلا إذا خولف، وقد توبع على أصل الحديث كما يأتي. والحديث عزاه السيوطي للحاكم وحده بهذا اللفظ. وفيه مؤاخذتان: الأولى: إيهامه أنه لم يخرجه أحد من أصحاب السنن ولا من هو أعلى طبقة من الحاكم، وليس كذلك كما هو بين. الثانية: إيهامه أيضا أن اللفظ للحاكم وهو لأحمد: وللحديث عن ابن عمرو ثلاث طرق أخر: الأول: عن أبي حازم عن عمارة بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن عمرو بلفظ: " كيف بكم وبزمان، أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا: وشبك بين أصابعه .... " الحديث مثله دون قوله " الزم بيتك واملك عليك لسانك ". أخرجه أبو داود (2 / 437 - 438) وابن ماجه (2 / 467 - 468) والحاكم (4 / 435) وأحمد (2 / 221) . وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، فإن رجاله ثقات معروفون غير عمارة هذا فقد وثقه العجلي وابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات. الطريق الثاني: عن أبي حازم أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. " يأتي على الناس زمان يغربلون فيه غربلة يبقى منهم حثالة قد مرجت عهودهم ... " الحديث مثل الذي قبله.

206

أخرجه أحمد (2 / 220) وسنده حسن. الطريق الثالث: عن الحسن عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كيف أنت إذا بقيت فى حثالة من الناس، قال: قلت: يا رسول الله كيف ذلك؟ قال إذا مرجت عهودهم وأماناتهم ... " الحديث مثله. أخرجه أحمد (2 / 162) ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحسن البصري في سماعه من ابن عمرو خلاف، وأيهما كان، فهو مدلس وقد عنعنه. ومما يلاحظ أن هذه الطرق الثلاث، ليس فيها الزيادة التي فى الطريق التي قبل هذه " الزم بيتك واملك عليك لسانك ". فالقلب يميل إلى أنها زيادة شاذة لأن الذي تفرد بها وهو هلال بن خباب فيه كلام كما سبق، فلا يحتج به إذا خالف الثقات. نعم قد جاءت هذه الزيادة فى حديث أبي ثعلبة الخشني نحو هذا، لكن لا يصح إسناده كما بينته فى المائة التي بعد الألف من " الأحاديث الضعيفة ". وإن مما يؤيد شذوذها أنني وجدت لحديث ابن عمرو هذا شاهدا من حديث أبي هريرة مثله ليس فيه الزيادة، ولفظه: " كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا: وشبك بين أصابعه قال: قلت: يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: عليك بخاصتك، ودع عنك عوامهم ". 206 - " كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فصاروا هكذا: وشبك بين أصابعه قال: قلت: يا رسول الله ما تأمرني؟ قال: عليك بخاصتك، ودع عنك عوامهم ". أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 35) وابن حبان في " صحيحه " (1849) وأبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (ق 16 / 2) وابن السماك في " الأول من الرابع من حديثه " (108) من طريقين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي

207

هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وعلقه البخاري في صحيحه (1 / 548) من طريق عاصم بن محمد عن أخيه واقد وهو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال: سمعت أبي وهو يقول: وقال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس ". ووصله إبراهيم الحربي في " غريب الحديث "، وحنبل بن إسحاق فى " كتاب الفتن " وأبو يعلى (ق 267 / 2) من هذا الوجه عن ابن عمر به، مثل حديث أبي هريرة سواء كما في " الفتح " (13 / 32) . فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة. وله شاهد آخر من حديث سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما لعبد الله بن عمرو بن العاص: فذكره. أخرجه ابن أبي الدنيا في " الأمر بالمعروف " (ق 55 / 1) وابن شاهين في " جزء من حديثه " (ق 210 / 1 - محمودية) وابن عدى (36 / 1) وكذا الطبراني كما في " الفتح " عن أبي حازم عنه. وأحد الإسنادين عن أبي حازم عند ابن شاهين حسن. 207 - " كان يغير الاسم القبيح إلى الاسم الحسن ". أخرجه الترمذي (2 / 137) وابن عدي (245 / 2) عن أبي بكر بن نافع البصري حدثنا عمر بن علي المقدمي عن هشام بن عروة عن أبيه، قال مرة: عن

208

عائشة ثم أوقفه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.... الحديث. سكت عليه الترمذي، وقال ابن عدي: " وهذا قد اختلفوا على هشام بن عروة، فمنهم من أوقفه، ومنهم من أرسله، ومنهم من قال " عائشة ". ومنهم من قال: " عن أبي هريرة "، ولعمر بن علي هذا أحاديث حسان، وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: هو في نفسه ثقة، لكنه كان يدلس تدليسا سيئا جدا بحيث يبدو أنه لا يعتد بحديثه حتى لو صرح بالتحديث كما هو مذكور في ترجمته من " التهذيب "، ولكنه لم يتفرد به كما يأتي، وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر بن نافع واسمه محمد بن أحمد، فمن أفراد مسلم. وممن تابع المقدمي محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة به. أخرجه ابن عدي (300 / 2) وقال: " هذا الحديث ضعيف ". قلت: بل هو صحيح لما له من المتابعات والشاهد كما يأتي. والطفاوي هذا قد احتج به البخاري وفي حفظه ضعف يسير فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وقد تابعه شريك بن عبد الله القاضي أيضا بلفظ: " كان إذا سمع اسما قبيحا غيره، فمر على قرية يقال لها " عفرة " فسماها خضرة ". 208 - " كان إذا سمع اسما قبيحا غيره، فمر على قرية يقال لها " عفرة " فسماها خضرة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 70) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا شريك به. وقال: " لم يروه عن شريك إلا إسحاق ".

قلت: وهو ثقة. وكذلك سائر الرواة، غير أن شريكا في حفظه ضعف، لكن قد توبع في بعضه، أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 344) من طريق عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة به بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأرض تسمى عزرة فسماها خضرة ". قلت: وهذا سند صحيح، وهو يدل على أن من أرسله ولم يذكر فيه عائشة أنه قصر. وعزاه الهيثمي (8 / 51) لأبي يعلى والطبراني في الأوسط وقال: " ورجال أبي يعلى رجال الصحيح "، وقال في طريق " المعجم الصغير ": " ورجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وشريك إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره. (تنبيه) : " عزرة " كذا في الطحاوي بالزاي، وفي " المجمع ": " عذرة " بالذال ولعله الصواب. وللحديث شاهد صحيح بلفظ: " كان إذا أتاه الرجل وله اسم لا يحبه حوله ".

209

209 - " كان إذا أتاه الرجل وله اسم لا يحبه حوله ". أخرجه الخلال في " أصحاب ابن منده " (ق 153 / 2) قال: أخبرنا سعيد بن يزيد الحمصي حدثنا محمد بن عوف بن سفيان: حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: قال عتبة بن عبد السلمي: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معرفون، غير سعيد بن يزيد الحمصي، والظاهر أنه ابن معيوف الحجوي وهو ثقة كما في " مختصر تاريخ ابن عساكر " (6 / 179) ، وإسماعيل بن عياش صحيح الحديث عن الشاميين كما قال البخاري وغيره، وهذا عنهم. والحديث قال الهيثمي (8 / 52) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف ". قلت: وكأنه يشير إلى ابن عياش، وقد عرفت الجواب. وهذه بعض الأسماء التي غيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الأحاديث الصحيحة برة. عاصية. حزن. شهاب. جثامة. وإليك بعض الأحاديث في ذلك: " لا تزكوا أنفسكم، فإن الله هو أعلم بالبرة منكن والفاجرة، سميها زينب ". 210 - " لا تزكوا أنفسكم، فإن الله هو أعلم بالبرة منكن والفاجرة، سميها زينب ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (821) وأبو داود (4953) عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن عمرو بن عطاء أنه دخل على زينب بنت أبي

211

سلمة فسألته عن اسم أخت له عنده؟ قال: فقلت: اسمها برة، قالت: غير اسمها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نكح زينب بنت جحش واسمها برة، فغير اسمها إلى زينب فدخل على أم سلمة حين تزوجها واسمي برة، فسمعها تدعوني برة، فقال: فذكره . فقالت (أم سلمة) : فهي زينب، فقلت لها: اسمي؟ فقالت: غير إلى ما غير إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمها زينب. قلت: وهذا سند حسن. وفي ابن إسحاق كلام لا يضر وقد صرح بالتحديث. وقد تابعه الوليد بن كثير حدثني محمد بن عمرو به مختصرا ويزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو به، وفيه " لا تزكوا أنفسكم ... ". أخرجه مسلم (6 / 173 - 174) . وللحديث شاهد صحيح بلفظ: " كان اسم زينب برة (فقيل: تزكي نفسها) فسماها النبي صلى الله عليه وسلم: زينب ". 211 - " كان اسم زينب برة (فقيل: تزكي نفسها) فسماها النبي صلى الله عليه وسلم: زينب ". أخرجه البخاري (4 / 157) ومسلم (6 / 173) والدارمي (2 / 295) وابن ماجه (3732) وأحمد (2 / 430 - 459) من طرق عن شعبة عن عطاء ابن أبي ميمونة عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: فذكره. واللفظ لأحمد والزيادة له. ولمسلم فى رواية وابن ماجه. ورواه البخاري في " الأدب المفرد " (832) : حدثنا عمرو بن مرزوق قال: حدثنا شعبة به، بلفظ: " كان اسم ميمونة برة، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة ". قلت: وهو بهذا الفظ شاذ لمخالفة ابن مرزوق لرواية الجماعة لاسيما وهو ذو أوهام كما في " التقريب "، وقد تابعه أبو داود الطيالسي لكن على الشك فقال

212

(2445) : حدثنا شعبة به بلفظ: " ميمونة أو زينب ". وقد أشار الحافظ في " الفتح " (10 / 475) إلى شذوذ رواية ابن مرزوق هذه. وترجم البخاري للحديث بقوله " باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه ". وفي الباب عن ابن عباس قال: " كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة ". 212 - " كانت جويرية اسمها برة، فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال: خرج من عند برة ". أخرجه مسلم (6 / 173) والبخاري في الأدب (831) وأحمد (1 / 258 - 326 - 353) وابن سعد في " الطبقات " (8 / 84 / 85) . 213 - " أنت جميلة ". رواه مسلم (6 / 173) والبخاري في " الأدب المفرد " (820) وأبو داود (4952) والترمذي (2 / 137) وأحمد (2 / 18) عن يحيى بن سعيد عن عبيد الله: أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال: فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب، وإنما أسنده يحيى بن سعيد القطان ". قلت: بل هو صحيح، فإن القطان ثقة متقن حافظ إمام قدوة كما في " التقريب " للحافظ، وقد تابعه حماد بن سلمة عن عبيد الله به، وزاد أنها ابنة لعمر رضي الله عنه. رواه مسلم وكذا الدارمي (2 / 295) ولكنه لم يذكر هذه الزيادة. وأثبتها ابن ماجه (3733) .

214

214 - " أنت سهل ". رواه البخاري (10 / 474 - فتح) وفي " الأدب المفرد " (841) وأبو داود (رقم 4956) وأحمد (5 / 433) عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ما اسمك؟ قال! حزن، قال: فذكره. قال: لا، السهل يوطأ ويمتهن. قال سعيد: فظننت أنه سيصيبنا بعده حزونة، لفظ أبي داود، ولفظ البخاري مثله إلا أنه قال: قال: لا أغير اسما سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد. ورواه علي بن زيد عن سعيد بن المسيب به نحوه، إلا أنه جعله من مسند المسيب بن حزن، وليس من رواية حزن نفسه، وهو رواية أحمد عن الزهري، ورواية للبخاري، والراجح الأول كما قرره الحافظ، وفي رواية علي: " قال: يا رسول الله اسم سمانيه أبواي عرفت به فى الناس. قال: فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: ومن المعلوم أن سكوته صلى الله عليه وسلم إقرار، لكن علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف لاسيما وقد زاد على الإمام الزهري، فلا تقبل زيادته. 215 - " بل أنت هشام ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (825) عن عمران القطان عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفي عن سعد بن هشام عن عائشة رضي الله عنها: " ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له: شهاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.

216

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري غير عمران وهو ابن داور، وهو صدوق يهم كما في " التقريب ". والحديث مما علقه أبو داود في هذا الباب. 216 - " بل أنت حسانة المزنية ". أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (ق 75 / 2) وعنه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 82 / 1) والحاكم في " المستدرك " (1 / 15 - 16) من طريق صالح بن رستم عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: " جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم، كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فلما خرجت، قلت: يا رسول الله، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: " إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان ". وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة وليس له علة ". كذا قال! ووافقه الذهبي! وصالح بن رستم وهو أبو عامر الخزاز البصري لم

يخرج له البخاري في " صحيحه " إلا تعليقا، وأخرج له في " الأدب المفرد " أيضا ثم هو مختلف فيه، فقال الذهبي نفسه في " الضعفاء ": " وثقه أبو داود، وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أحمد: صالح الحديث ". وهذا هو الذي اعتمده في " الميزان " فقال: " وأبو عامر الخزاز حديثه لعله يبلغ خمسين حديثا، وهو كما قال أحمد: صالح الحديث ". قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، فقد قال ابن عدى: " وهو عندي لا بأس به، ولم أر له حديثا منكرا جدا ". وأما الحافظ فقال في " التقريب ": " صدوق، كثير الخطأ ". وهذا ميل منه إلى تضعيفه. والله أعلم. ولكنه على كل حال، فالحديث صحيح، لأنه لم يتفرد به، كما يدل عليه كلام الحافظ في " الفتح " (10 / 365) فإنه قال بعد أن ذكره من هذا الوجه من رواية الحاكم والبيهقي في " الشعب ": " وأخرجه البيهقي أيضا من طريق مسلم بن جنادة عن حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مثله، بمعنى القصة، وقال: " غريب ". ومن طريق أبي سلمة عن عائشة نحوه، وإسناده ضعيف ". قلت: وطريق أبي سلمة، أخرجها أبو عبد الرحمن السلمي في " آداب الصحبة " (24) عن محمد بن ثمال الصنعاني حدثنا عبد المؤمن بن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به. ومحمد بن ثمال وشيخه عبد المؤمن لم أجد لهما ترجمة.

وقد وجدت له طريقا أخرى مختصرا، أخرجه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " (2 / 20 / 1) عن الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا عبد الواحد ابن أيمن وغيره عن ابن أبي نجيح عن عائشة: " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقرب إليه لحم، فجعل يناولها، قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله لا تغمر يدك! فقال صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة إن هذه كانت تأتينا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان) ، فلما ذكر خديجة قلت: قد أبدلك الله من كبيرة السن حديثة السن، فشدقني، وقال: ما علي - أو نحو هذا - إن كان الله رزقها مني الولد، ولم يرزقكيه، فقلت: والذى بعثك بالحق لا أذكرها إلا بخير أبدا. قال الحميدي: ثم قال سفيان: عبد الواحد وغيره يزيد أحدهما على الآخر في الحديث ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين ابن أبي نجيح - واسمه عبد الله - وعائشة، فإنه لم يسمع منها كما قال أبو حاتم، خلافا لابن المديني، ووقع التصريح بسماعه منها في " صحيح البخاري " فالله أعلم. وقصة غيرة عائشة من خديجة رضي الله عنهما ثابتة في " صحيح البخاري " " ومسلم " والترمذي (2 / 363) وأحمد (6 / 118، 150، 154) من طرق عنها. هذا ولقد كان الباعث على تحرير القول في هذا الحديث خاصة أن الله تبارك وتعالى رزقني بعد ظهر الثلاثاء في عشرين ربيع الآخر سنة 1385 طفلة جميلة، فلما عزمت على أن أختار لها اسما من أسماء الصحابيات الكريمات، وقع بصري على هذا الاسم " حسانة "، فمال إليه قلبي، لتحقيق الاقتداء به (صلى الله عليه وسلم) في تسميته

217

" جثامة " به، ولكن لم أبادر إلى ذلك حتى درست إسناد الحديث على نحو ما سبق، وتحققت من صحته. والحمد لله على توفيقه، وأسأله تعالى أن يجعلها من المؤمنات الصالحات، والعابدات العالمات، السعيدات فى الدنيا والآخرة. فقه الأحاديث قال الطبري: " لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى ولا باسم يقتضي التزكية له، ولا باسم معناه السب، ولو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص لا يقصد بها حقيقة الصفة لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم فيظن أنه صفة للمسمى، فلذلك كان (صلى الله عليه وسلم) يحول الاسم إلى ما إذا دعي به صاحبه كان صدقا. قال: وقد غير رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عدة أسماء ". ذكره في " الفتح " (10 / 476) . قلت: وعلى ذلك فلا يجوز التسمية بعز الدين ومحي الدين وناصر الدين، ونحو ذلك. ومن أقبح الأسماء التي راجت فى هذا العصر ويجب المبادرة إلى تغييرها لقبح معانيها هذه الأسماء التي أخذ الآباء يطلقونها على بناتهم مثل (وصال) و (سهام) و (نهاد) و (غادة) و (فتنة) ونحو ذلك. والله المستعان. 217 - " إنما المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها ". أخرجه البخاري (4 / 77، 13 / 174، 258) ومسلم (9 / 155) ومالك (3 / 84) والنسائي (2 / 184) والترمذي (4 / 373) والطيالسي في " مسنده "

218

(2 / 204) وأحمد (3 / 292، 306، 307، 365، 385، 392، 393) عن جابر بن عبد الله. " أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب الأعرابي وعك بالمدينة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أقلني بيعتي، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي، فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ". فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن ". وله شاهد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية (فما لكم في المنافقين فئتين) قال: " رجع ناس من أصحاب النبي يوم أحد (وفي رواية: من أحد) ، فكان الناس فيهم فريقين، فريق منهم يقول: اقتلهم، وفريق يقول: لا، فنزلت هذه الآية (فما لكم في المنافقين فئتين) ، فقال: " إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الحديد ". 218 - " إنها طيبة، وإنها تنفي الخبث، كما تنفي النار خبث الحديد ". أخرجه البخاري (4 / 77 - 78، 8 / 206) ومسلم (9 / 155 - 156) والترمذي (4 / 89 - 90) وأحمد (6 / 184 / 187، 188) من طريق عبد الله ابن يزيد وهو الخطمي عن زيد بن ثابت. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قال العلماء: خبث الحديد: وسخه وقذره الذي تخرجه النار منها. قال القاضي: الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه لم يكن يصبر على الهجرة

والمقام معه إلا من ثبت إيمانه، وأما المنافقون وجهلة الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة ولا يحتسبون الأجر في ذلك كما قال ذلك الأعرابي الذي أصابه الوعك: " أقلني بيعتي ". هذا كلام القاضي. وهذا الذي ادعى أنه الأظهر ليس بالأظهر، لحديث أبي هريرة المتقدم بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها.. " فهذا والله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في أواخر الكتاب في " أحاديث الدجال ": أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج الله بها منها كل كافر منافق. فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال، ويحتمل أنه في أزمان متفرقة. كذا في " شرح مسلم " للنووي (9 / 154) . وأقول: بل الأظهر أن ذلك كان خاصا بزمنه صلى الله عليه وسلم لحديث الأعرابي المتقدم، وفي بعض الأوقات لا دائما لقول الله عز وجل (ومن أهل المدينة مردوا على النفاق) ، والمنافق خبيث بلا شك كما قال الحافظ، بل هو المراد صراحة في حديث زيد بن ثابت، فعلى هذا فقوله في هذه الأحاديث " تنفي " ليست للاستمرار، بل للتكرار، فقد وقع ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم ما شاء الله وسيقع أيضا مرة أخرى زمن الدجال كما في حديث أنس المشار إليه، وإلى هذا مال الحافظ في " الفتح " (4 / 70) وختم كلامه بقوله: " وأما ما بين ذلك فلا ". فهذا هو الراجح بل الصواب، والواقع يشهد بذلك. والله أعلم.

219

219 - " كان يقبلني وهو صائم وأنا صائمة. يعني عائشة ". أخرجه أبو داود (1 / 374) وأحمد (6 / 179) من طريقين عن سفيان عن سعد بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله يعني ابن عثمان القرشي عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط البخاري. ثم أخرجه أحمد (6 / 134، 175 - 176، 269 - 270، 270) وكذا النسائي في " الكبرى " (ق 83 / 2) والطيالسي (1 / 187) والشافعي في " سننه " (1 / 260) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 346) والبيهقي (4 / 223) وأبو يعلى في " مسنده " (215 / 2) من طرق أخرى عن سعد بن إبراهيم به بلفظ: " أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلني، فقلت: إني صائمة! فقال: وأنا صائم! ثم قبلني ". وفي هذا الحديث رد للحديث الذي رواه محمد بن الأشعث عن عائشة قالت: " كان لا يمس من وجهي شيئا وأنا صائمة ". وإسناده ضعيف كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " رقم (962) . والحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (4 / 123) باللفظ الثاني للنسائي. وللشطر الثاني منه طريق آخر عن عائشة رضي الله عنها، يرويه إسرائيل عن زياد عن عمرو بن ميمون عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وأنا صائمة ". أخرجه الطحاوي بسند صحيح، وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وأما زياد فهو ابن علاقة. وقد أخرجه أحمد (6 / 258) من طريق شيبان عن زياد بن علاقة عن عمرو

بن ميمون قال: سألت عائشة عن الرجل يقبل وهو صائم؟ قالت: " وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ". قلت: وسنده صحيح، وشيبان هو ابن عبد الرحمن التميمي البصري، وهو على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (3 / 136) من طرق أخرى عن زياد دون السؤال وزاد " في رمضان " وهو رواية لأحمد (6 / 130) . وفي أخرى له (6 / 292) من طريق عكرمة عنها: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، ولكم في رسول الله أسوة حسنة ". وسنده صحيح، وعكرمة هو البربري مولى ابن عباس وقد سمع من عائشة وقد روى أحمد (6 / 291) عن أم سلمة مثل حديث عائشة الأول. وسنده حسن في " الشواهد ". والحديث دليل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان، وقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من أربعة أقوال أرجحها الجواز، على أن يراعى حال المقبل، بحيث أنه إذا كان شابا يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه، امتنع من ذلك، وإلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية عنها ".. وأيكم يملك إربه " بل قد روى ذلك عنها صريحا، فقد أخرج الطحاوي (1 / 346) من طريق حريث بن عمرو عن الشعبي عن مسروق عنها قالت: ربما قبلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وباشرني وهو صائم! أما أنتم فلا بأس به للشيخ الكبير الضعيف. وحريث هذا أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 263) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، بل جاء هذا مرفوعا من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم يقوي بعضها بعضا، بعضها عن

عائشة نفسها، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ولكن ينبغي أن يعلم أن ذكر الشيخ، ليس على سبيل التحديد بل التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة، وإلا فالضابط في ذلك قوة الشهوة وضعفها، أو ضعف الإرادة وقوتها، وعلى هذا التفصيل نحمل الروايات المختلفة عن عائشة رضي الله عنها، فإن بعضها صريح عنها في الجواز مطلقا كحديثها هذا، لاسيما وقد خرج جوابا على سؤال عمرو بن ميمون لها في بعض الروايات. وقال: (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) وبعضها يدل على الجواز حتى للشاب، لقولها " وأنا صائمة " فقد توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرها (18) سنة، ومثله ما حدثت به عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو صائم، فقالت له عائشة ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ فقال: أقبلها وأنا صائم؟ ! قالت: نعم. أخرجه مالك (1 / 274) وعنه الطحاوي (1 / 327) بسند صحيح. قال ابن حزم (6 / 211) : " عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها، وكانت أيام عائشة هي وزوجها فتيين في عنفوان الحداثة ". وهذا ومثله محمول على أنها كانت تأمن عليهما، ولهذا قال الحافظ في

220

" الفتح " (4 / 123) بعد أن ذكر هذا الحديث من طريق النسائي: ".. فقال: وأنا صائم، فقبلني ": " وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة والتقبيل لا للتفرقة بين الشاب والشيخ، لأن عائشة كانت شابة، نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة فرق من فرق ". 220 - " كان يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه ". أخرجه البخاري (4 / 120 - 121 فتح) ومسلم (3 / 135) والشافعي في " سننه " (1 / 261) وأبو داود (2 / 284 - عون) والترمذي (2 / 48 - تحفة) وابن ماجه (1 / 516 و 517) والطحاوي (1 / 345) والبيهقي (4 / 230) وأحمد (6 / 42 - 126) من طرق عن عائشة به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وفي الحديث فائدة أخرى على الحديث الذي قبله، وهي جواز المباشرة من

221

الصائم، وهي شيء زائد على القبلة، وقد اختلفوا في المراد منها هنا، فقال القري: " قيل: هي مس الزوج المرأة فيما دون الفرج وقيل هي القبلة واللمس باليد ". قلت: ولا شك أن القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا لأن الواو تفيد المغايرة، فلم يبق إلا أن يكون المراد بها إما القول الأول أو اللمس باليد، والأول، هو الأرجح لأمرين: الأول: حديث عائشة الآخر قالت: " كانت إحدانا إذا كانت حائضا، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم يباشرها قالت: وأيكم يملك إربه ". رواه البخاري (1 / 320) ومسلم (1 / 166، 167) وغيرهما. فإن المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام فإن اللفظ واحد، والدلالة واحدة والرواية واحدة أيضا، وكما أنه ليس هنا ما يدل على تخصيص المباشرة بمعنى دون المعنى الأول، فكذلك الأمر في حديث الصيام، بل إن هناك ما يؤيد المعنى المذكور، وهو الأمر الآخر، وهو أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فسرت المباشرة بما يدل على هذا المعنى وهو قولها في رواية عنها: " كان يباشر وهو صائم، ثم يجعل بينه وبينها ثوبا يعني الفرج ". 221 - " كان يباشر وهو صائم، ثم يجعل بينه وبينها ثوبا. يعني الفرج ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 59) : حدثنا ابن نمير عن طلحة بن يحيى قال: حدثتني عائشة بنت طلحة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 201 / 2) . قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ولولا أن طلحة هذا فيه

كلام يسير من قبل حفظه، لقلت: إنه صحيح الإسناد، ولكن تكلم فيه بعضهم، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". قلت: وفي هذا الحديث فائدة هامة وهو تفسير المباشرة بأنه مس المرأة فيما دون الفرج، فهو يؤيد التفسير الذي سبق نقله عن القاري، وإن كان حكاه بصيغة التمريض (قيل) : فهذا الحديث يدل على أنه قول معتمد، وليس في أدلة الشريعة ما ينافيه، بل قد وجدنا في أقوال السلف ما يزيده قوة، فمنهم راوية الحديث عائشة نفسها رضي الله عنها، فروى الطحاوي (1 / 347) بسند صحيح عن حكيم بن عقال أنه قال: سألت عائشة: ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم؟ قالت: فرجها وحكيم هذا وثقه ابن حبان وقال العجيلي: " بصري تابعي ثقة ". وقد علقه البخاري (4 / 120 بصيغة الجزم: " باب المباشرة للصائم، وقالت عائشة رضي الله عنها: يحرم عليه فرجها ". وقال الحافظ: " وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال.... وإسناده إلى حكيم صحيح، ويؤدي معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق: سألت عائشة: ما يحل للرجل من امرأته صائما؟ قالت. كل شيء إلا الجماع ". قلت: وذكره ابن حزم (6 / 211) محتجا به على من كره المباشرة للصائم، ثم تيسر لي الرجوع إلى نسخة " الثقات " في المكتبة الظاهرية، فرأيته يقول فيه (1 / 25) :

" يروي عن ابن عمر، روى عنه قتادة، وقد سمع حكيم من عثمان بن عفان ". ووجدت بعض المحدثين قد كتب على هامشه: " العجلي: هو بصري تابعي ثقة ". ثم ذكر ابن حزم عن سعيد بن جبير أن رجلا قال لابن عباس: إني تزوجت ابنة عم لي جميلة، فبني بي في رمضان، فهل لي - بأبي أنت وأمي - إلى قبلتها من سبيل؟ فقال له ابن عباس: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: قبل، قال: فبأبي أنت وأمي هل إلى مباشرتها من سبيل؟ ! قال: هل تملك نفسك؟ قال: نعم، قال: فباشرها، قال: فهل لي أن أضرب بيدي على فرجها من سبيل؟ قال: وهل تملك نفسك ؟ قال: نعم، قال: اضرب. قال ابن حزم: " وهذه أصح طريق عن ابن عباس ". قال: " ومن طريق صحاح عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل أتقبل وأنت صائم؟ قال: نعم، وأقبض على متاعها، وعن عمرو بن شرحبيل أن ابن مسعود كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم. وهذه أصح طريق عن ابن مسعود ". قلت: أثر ابن مسعود هذا أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 167 / 2) بسند صحيح على شرطهما، وأثر سعد هو عنده بلفظ " قال: نعم وآخذ بجهازها "

222

وسنده صحيح على شرط مسلم، وأثر ابن عباس عنده أيضا ولكنه مختصر بلفظ: " فرخص له في القبلة والمباشرة ووضع اليد ما لم يعده إلى غيره ". وسنده صحيح على شرط البخاري. وروى ابن أبي شيبة (2 / 170 / 1) عن عمرو بن هرم قال: سئل جابر بن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر؟ قال: لا، ويتم صومه ". وترجم ابن خزيمة للحديث بقوله: " باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أن اسم الواحد قد يقع على فعلين أحدهما مباح، والآخر محظور ". 222 - " من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه ". أخرجه أبو داود (3 / 425 - عون) وابن حبان في " صحيحه " (332) من طريق ابن خزيمة عن جرير عن أبي إسحاق الشيباني عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير زر فمن رجال مسلم وحده. وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي، وأبو إسحاق هو سليمان بن أبي سليمان الكوفي. وللحديث شاهد بلفظ:

223

" يجيء صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ". 223 - " يجيء صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (333) : أخبرنا عبد الرحمن بن زياد الكناني - بالأبلة - حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح: حدثنا شبابة حدثنا عاصم ابن محمد عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال البخاري غير الكناني هذا، فلم أجد له الآن ترجمة، لكنه لم يتفرد به، فقد عزاه المنذري في " الترغيب " (1 / 122) للبزار وابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما، وابن خزيمة من طبقة الكناني المذكور فالغالب أنه رواه من غير طريقه، إما عن ابن الصباح مباشرة أو عن غيره، وأما البزار فطريقه غير طريق الكناني قطعا، فإن في إسناده عاصم بن عمر كما ذكر الهيثمي (2 / 19) ، وقال: " ضعفه البخاري وجماعة، وذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: وفي " التقريب ": ضعيف. قلت: ولكنه إن لم يفد في تقوية الحديث كشاهد أو متابع، فهو على الأقل لا يضر والحديث صحيح على كل حال.

وفي الحديث دلالة على تحريم البصاق إلى القبلة مطلقا، سواء ذلك في المسجد أو في غيره، وعلى المصلي وغيره، كما قال الصنعاني في " سبل السلام " (1 / 230) . قال: " وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها وفي المسجد أو غيره ". قلت: وهو الصواب، والأحاديث الواردة في النهي عن البصق في الصلاة تجاه القبلة كثيرة مشهورة في الصحيحين وغيرها، وإنما آثرت هذا دون غيره، لعزته وقلة من أحاط علمه

224

به. ولأن فيه أدبا رفيعا مع الكعبة المشرفة، طالما غفل عنه كثير من الخاصة، فضلا عن العامة، فكم رأيت في أئمة المساجد من يبصق إلى القبلة من نافذة المسجد! وفي الحديث أيضا فائدة هامة وهي الإشارة إلى أن النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط إنما هو مطلق يشمل الصحراء والبنيان، لأنه إذا أفاد الحديث أن البصق تجاه القبلة لا يجوز مطلقا، فالبول والغائط مستقبلا لها لا يجوز بالأولى، فمن العجائب إطلاق النووي النهي في البصق، وتخصيصه في البول والغائط! (إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) . 224 - " الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون ". أخرجه الترمذي (2 / 37 - تحفة) عن إسحاق بن جعفر بن محمد قال: حدثني عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب حسن ". قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي عثمان بن محمد وهو ابن المغيرة ابن الأخنس كلام يسير. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". وعبد الله بن جعفر هو ابن عبد الرحمن بن المسور المخرمي المدني وهو ثقة روى له مسلم. وإسحاق بن جعفر بن محمد هو الهاشمي الجعفري، وهو صدوق كما في " التقريب "

وقد تابعه أبو سعيد مولى بني هاشم وهو ثقة من رجال البخاري قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي به، دون الجملة الوسطى: " والفطر يوم تفطرون ". أخرجه البيهقي في " سننه " (4 / 252) . وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة، فقال ابن ماجه (1 / 509) : " حدثنا محمد بن عمر المقرىء حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به دون الجملة الأولى. وهذا سند رجاله كلهم ثقات غير محمد بن عمر المقرىء ولا يعرف كما في " التقريب " وأرى أنه وهم في قوله " محمد بن سيرين " وإنما هو " محمد بن المنكدر " هكذا رواه العباس بن محمد بن هارون وعلي بن سهل قالا: أنبأنا إسحاق بن عيسى الطباع عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة به. أخرجه الدارقطني في " سننه " (257 - 258) . وهكذا رواه محمد بن عبيد وهو ابن حساب ثقة من رجال مسلم عن حماد ابن زيد به. أخرجه أبو داود (1 / 366) : حدثنا محمد بن عبيد به. وهكذا رواه روح بن القاسم وعبد الوارث ومعمر عن محمد بن المنكدر به. أخرجه الدارقطني وأبو علي الهروي في " الأول من الثاني من الفوائد " (ق 20 / 1) عن روح. وأخرجه البيهقي عن عبد الوارث. وأخرجه الهروي عن معمر قرنه مع روح، رواه عنهما يزيد بن زريع، وقد خالفه في روايته عن معمر يحيى بن اليمان فقال: عن معمر عن محمد بن المنكدر عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره دون الجملة الأولى أيضا. أخرجه الترمذي (2 / 71) والدارقطني (258) . وقال الترمذي:

" سألت محمدا - يعني البخاري - قلت له: محمد بن المنكدر سمع من عائشة؟ قال: نعم، يقول في حديثه سمعت عائشة. قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: كذا قال الترمذي، وهو عندي ضعيف من هذا الوجه، لأن يحيى ابن اليمان ضعيف من قبل حفظه، وفي " التقريب ": " صدوق عابد، يخطىء كثيرا وقد تغير " قلت: ومع ذلك فقد خالفه يزيد بن زريع وهو ثقة ثبت فقال عن معمر عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة، وهذا هو الصواب بلا ريب، أنه من مسند أبي هريرة، ليس من مسند عائشة، وإذا كان كذلك فهو منقطع لأن ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة كما قال البزار وغيره، وإذا كان كذلك فلم يسمع من عائشة أيضا لأنها ماتت قبل أبي هريرة وبذلك جزم الحافظ في " التهذيب "، فهو منقطع على كل حال. وقد روى حديث عائشة موقوفا عليها، أخرجه البيهقي من طريق أبي حنيفة قال. حدثني علي بن الأقمر عن مسروق قال: " دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت: اسقوا مسروقا سويقا، وأكثروا حلواه، قال: فقلت: إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر، فقالت عائشة: النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس ". قلت: وهذا سند جيد بما قبله.

فقه الحديث قال الترمذي عقب الحديث: " وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث، فقال: إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس ". وقال الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 72) : " فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس، وأن المتفرد بمعرفة يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره، ويلزمه حكمهم في الصلاة والإفطار والأضحية ". وذكر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " (3 / 214) ، وقال: " وقيل: فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز له أن يصوم ويفطر، دون من لم يعلم، وقيل: إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال ولم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوما، كما لم يكن للناس ". وقال أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " بعد أن ذكر حديث أبي هريرة عند الترمذي: " والظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل، وليس لهم التفرد فيها، بل الأمر فيها إلى الإمام والجماعة، ويجب على الآحاد اتباعهم للإمام والجماعة، وعلى هذا، فإذا رأى أحد الهلال، ورد الإمام شهادته ينبغي أن لا يثبت في حقه شيء من هذه الأمور، ويجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك ". قلت: وهذا المعنى هو المتبادر من الحديث، ويؤيده احتجاج عائشة به على مسروق حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر، فبينت له أنه لا عبرة برأيه وأن عليه اتباع الجماعة فقالت:

" النحر يوم ينحر الناس، والفطر يوم يفطر الناس ". قلت: وهذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس وتوحيد صفوفهم، وإبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية، فلا تعتبر الشريعة رأي الفرد - ولو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم والتعبيد وصلاة الجماعة، ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض وفيهم من يرى أن مس المرأة والعضو وخروج الدم من نواقض الوضوء، ومنهم من لا يرى ذلك، ومنهم من يتم في السفر، ومنهم من يقصر، فلم يكن اختلافهم هذا وغيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد، والاعتداد بها، وذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء، ولقد بلغ الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع الأكبر كمنى، إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج من الشر بسبب العمل برأيه، فروى أبو داود (1 / 307) أن عثمان رضي الله عنه صلى بمنى أربعا، فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدرا من إمارته ثم أتمها، ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين، ثم إن ابن مسعود صلى أربعا! فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟ ! قال: الخلاف شر. وسنده صحيح. وروى أحمد (5 / 155) نحو هذا عن أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين. فليتأمل في هذا الحديث وفي الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في صلواتهم، ولا يقتدون ببعض أئمة المساجد، وخاصة في صلاة الوتر في رمضان، بحجة كونهم على خلاف مذهبهم! وبعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك، ممن يصوم ويفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين، معتدا برأيه وعلمه، غير مبال بالخروج عنهم،

225

فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم، لعلهم يجدون شفاء لما في نفوسهم من جهل وغرور، فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن يد الله مع الجماعة. 225 - " إذا ولج الرجل في بيته فليقل: اللهم إني أسألك خير المولج، وخير المخرج، بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله ربنا توكلنا، ثم ليسلم على أهله ". أخرجه أبو داود في " سننه " (رقم 5096) عن إسماعيل: حدثني ضمضم عن شريح عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وإسماعيل هو ابن عياش، وهو صحيح الحديث عن الشاميين، وهذا منها، فإن ضمضم وهو ابن زرعة بن ثوب شامي حمصي. وشريح هو ابن عبيد الحضرمي الحمصي ثقة، فالسند كله شامي حمصي. (تنبيه) الحديث كما ترى من أوراد دخول البيت، وبذلك ترجم له أبو داود، فأورده في " باب ما جاء فيمن دخل بيت ما يقول " وفي مثله أورده النووي وصديق خان وغيرهما. وقد وهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث جعل الحديث من أوراد الدخول إلى المسجد، فإنه قال في " الرد على الأخنائي " (ص 95) : " وعن محمد بن سيرين: كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد: صلى الله وملائكته على محمد، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، بسم الله دخلنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا، وكانوا يقولون إذا خرجوا مثل ذلك ". قلت: فقال ابن تيمية بعد أن ذكر هذا: " قلت: هذا فيه حديث مرفوع في " سنن أبي داود " وغيره أنه يقال عند دخول المسجد: اللهم إني أسألك خير المولج ... ". وعزاه مخرجه فضيلة الشيخ اليماني لسنن أبي داود ولم يتنبه لهذا الذي نبهنا عليه.

226

226 - " لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له ". رواه الروياني في " مسنده " (227 / 2) : أنبأنا نصر بن علي: أنبأنا، أبي، أنبأنا شداد ابن سعيد عن أبي العلاء قال: حدثنى معقل بن يسار مرفوعا. قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد، فمن رجال مسلم وحده، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، ولذلك فإن مسلما إنما أخرج له في الشواهد وقال الذهبي في " الميزان ": " صالح الحديث " وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ".

وأبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (3 / 66) : " رواه الطبراني، والبيهقي، ورجال الطبراني ثقات رجال الصحيح ". وقد روي مرسلا من حديث عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لأن يقرع الرجل قرعا يخلص إلى عظم رأسه خير له من أن تضع امرأة يدها على رأسه لا تحل له، ولأن يبرص الرجل برصا حتى يخلص البرص إلى عظم ساعده خير له من أن تضع امرأة يدها على ساعده لا تحل له ". أخرجه أبو نعيم في " الطب " (2 / 33 - 34) عن هشيم عن داود بن عمرو أنبأ عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي. قلت: وهذا مع إرساله أو إعضاله، فإن هشيما كان مدلسا وقد عنعنه. (المخيط) بكسر الميم وفتح الياء: هو ما يخاط به كالإبرة والمسلة ونحوهما. وفي الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له، ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك، وقد بلي بها كثير من المسلمين في هذا العصر وفيهم بعض أهل العلم، ولو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم، لهان الخطب بعض الشيء، ولكنهم يستحلون ذلك، بشتى الطرق والتأويلات، وقد بلغنا أن شخصية كبيرة جدا في الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء، فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام.

227

بل إن بعض الأحزاب الإسلامية، قد ذهبت إلى القول بجواز المصافحة المذكورة، وفرضت على كل حزبي تبنيه، واحتجت لذلك بما لا يصلح، معرضة عن الاعتبار بهذا الحديث، والأحاديث الأخرى الصريحة في عدم مشروعية المصافحة، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى برقم (526 و 527) . 227 - " ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك (به) ؟ (أن) تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، وأصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا ". رواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 46) والبيهقي في " الأسماء " (112) من طريق زيد بن الحباب: حدثنا عثمان بن موهب (في الأصل: وهب وهو تصحيف) مولى بني هاشم قال: سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: فذكره. قلت: وهذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات غير عثمان بن موهب وهو غير عثمان بن عبد الله بن موهب قال ابن أبي حاتم (3 / 169) عن أبيه: " صالح الحديث ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". والحديث رواه النسائي أيضا في " الكبرى " له والبزار كما في " الترغيب " (1 / 232) وقال: " بإسناد صحيح ". ورواه الحاكم أيضا وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي لوهم وقع لهما بينته في " التعليق الرغيب ".

228

وقال الهيثمي (10 / 117) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عثمان بن موهب وهو ثقة ". 228 - " لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه، ولكن افسحوا يفسح الله لكم ". أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " (2 / 483) : حدثنا سريج حدثنا فليح عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن، رجاله موثقون. أما يعقوب بن أبي يعقوب، فقال في " التهذيب ": " قال أبو حاتم: صدوق، وذكره ابن حبان في الثقات ". قلت: وقد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "، لكن لم يذكر قول أبيه " صدوق ". وأما ابن صعصعة، فقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جماعة، وقال الخزرجي في " الخلاصة " والحافظ في " التقريب ": " صدوق ". وأما بقية الرجال فمن رجال الشيخين. وللحديث شاهدان ذكرهما الحافظ في " الفتح " (11 / 53) وفاته هذا الحديث المشهود له! فقال تعليقا على قول البخاري: " وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه، ثم يجلس مكانه " قال: " أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بلفظ: وكان ابن عمر إذا قام له رجل من

مجلسه لم يجلس فيه. وكذا أخرجه مسلم. وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعا. أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب واسمه زياد بن عبد الرحمن عن ابن عمر: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس، فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم. وله أيضا من طريق سعيد بن أبي الحسن: جاءنا أبو بكرة فقام له رجل من مجلسه، فأبى أن يجلس فيه وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذا. وأخرجه الحاكم وصححه من هذا الوجه ". قلت: ما عزاه للأدب المفرد هو عنده (رقم 1153) بسند صحيح على شرط الشيخين وهو عقب حديثه المرفوع بلفظ: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل من المجلس ثم يجلس فيه) . وهو عند مسلم أيضا. وما عزاه لأبي داود من حديث ابن عمر هو عنده (4 / 406) بإسناد رجاله كلهم ثقات غير أبي الخصيب قال أبو داود عقبه كما قال الحافظ: " اسمه زياد بن عبد الرحمن ". قلت: وقد أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 538) ولم يذكر جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات " وفي " التقريب ": " مقبول ". والحديث سكت عليه المنذري في " مختصر السنن " (7 / 184) ، فهو في

الشواهد لا بأس به إن شاء الله تعالى. وصححه أحمد شاكر في تعليقه على " المسند "! وأما حديث أبي بكرة، فرجاله ثقات أيضا من رجال الشيخين غير أبي عبد الله مولى لآل أبي بردة فحاله كحال أبي الخصيب، أورده ابن أبي حاتم أيضا (4 / 2 / 401) ولم يذكر فيه جرحا، وقال الحافظ: " مقبول ". وفي " الفتح " (11 / 53) : " بصري لا يعرف ". ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (4 / 272) لكن لفظه مثل لفظ ابن عمر الذي في الصحيح: " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه ". وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ومداره على شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن أبي عبد الله مولى آل أبي بردة عن سعيد بن أبي الحسن. وقد اختلف عليه مسلم بن إبراهيم عند أبي داود، وعمرو بن مرزوق عند الحاكم، فقال الأول عنه بلفظ نحو لفظ ابن عمر عند أبي داود كما تقدم، وقال عمرو بن مرزوق مثل لفظ ابن عمر في " الصحيح "، وإذا اختلف هذا مع مسلم بن إبراهيم فمسلم أرجح رواية من عمرو، لأن مسلما ثقة مأمون، وأما عمرو فثقة له أوهام كما في التقريب، فروايته مرجوحة. والله أعلم.

229

وجملة القول: إن حديث أبي هريرة صحيح بشاهديه المذكورين. وهو ظاهر الدلالة على أنه ليس من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل عن مجلسه ليجلس فيه غيره، يفعل ذلك احتراما له، بل عليه أن يفسح له في المجلس وأن يتزحزح له إذا كان الجلوس على الأرض بخلاف ما إذا كان على الكرسي، فذلك غير ممكن، فالقيام والحالة هذه مخالف لهذا التوجيه النبوي الكريم. ولذلك كان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه، ثم يجلس هو فيه كما تقدم عن البخاري، والكراهة هو أقل ما يدل عليه قوله " لا يقوم الرجل للرجل ... " فإنه نفي بمعنى النهي، والأصل فيه التحريم لا الكراهة. والله أعلم. ثم إنه لا منافاة بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر المتقدم في " الصحيح "، لأن فيه زيادة حكم عليه، والأصل أنه يؤخذ بالزائد فالزائد من الأحكام، وحديث ابن عمر إنما فيه النهي عن الإقامة، وليس فيه نهي الرجل عن القيام، بخلاف هذا الحديث ففيه هذا النهي وليس فيه النهي الأول إلا ضمنا، فإنه إذا كان قد نهي عن القيام فلأن ينهى عن الإقامة من باب أولى. وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى، وعليه يدل حديث ابن عمر فإنه مع أنه روى النهي عن الإقامة كان يكره الجلوس في مجلس من قام عنه له، وإن كان هو لم يقمه، ولعل ذلك سدا للذريعة وخشية أن يوحي إلى الجالس بالقيام ولو لم يقمه مباشرة والله أعلم. 229 - " إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع، فليركع، حين يدخل ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 33 / 1 من " زوائد المعجمين ": الأوسط والصغير) : حدثنا محمد بن نصر حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرني ابن جريج عن عطاء أنه سمع ابن الزبير على المنبر يقول: فذكره موقوفا. قال عطاء: وقد رأيته يصنع ذلك، قال ابن جريج وقد رأيت عطاء يصنع ذلك. قال الطبراني:

" لا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد تفرد به حرملة ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، ومحمد بن نصر هو ابن حميد الوازع البزار، وسماه غير الطبراني أحمد كما ذكر الخطيب (ج 3 ترجمته 1411، وج 5 ترجمته 2625) وقال: وكان ثقة. والحديث قال الهيثمي (2 / 96) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح ". قلت: فالسند صحيح إن كان ابن جريج سمعه من عطاء فقد كان مدلسا وقد عنعنه، ولكن قوله في آخر الحديث: " وقد رأيت عطاء يصنع ذلك " مما يشعر أنه تلقى ذلك عنه مباشرة، لأنه يبعد جدا أن يكون سمعه عنه بالواسطة ثم يراه يعمل بما حدث به عنه، ثم لا يسأله عن الحديث ولا يعلو به. هذا بعيد جدا، فالصواب أن الإسناد صحيح. والحديث أخرجه الحاكم (1 / 214) وعنه البيهقي (3 / 106) من طريق سعيد بن الحكم بن أبي مريم أخبرني عبد الله بن وهب به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ومما يشهد لصحته عمل الصحابة به من بعد النبي صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر الصديق، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود. 1 - روى البيهقي (2 / 90) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام،

أن أبا بكر الصديق وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع، فركعا، ثم دنيا وهما راكعان حتى لحقا بالصف. قلت: ورجاله ثقات، ولولا أن مكحولا قد عنعنه عن أبي بكر بن الحارث لحسنته، ولكنه عن زيد بن ثابت صحيح كما يأتي. 2 - عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع كبر فركع ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف. رواه البيهقي (2 / 90، 3 / 106) وسنده صحيح. 3 - عن زيد بن وهب قال: " خرجت مع عبد الله، يعني ابن مسعود - من داره إلى المسجد، فلما توسطنا المسجد ركع الإمام، فكبر عبد الله وركع، وركعت معه، ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم، فلما قضى الإمام الصلاة قمت وأنا أرى أني لم أدرك، فأخذ عبد الله بيدي وأجلسني ثم قال: إنك قد أدركت ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 99 / 1 - 2) والطحاوي في " شرح المعانى " (1 / 231 - 232) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 32 / 1) والبيهقي في " سننه " (2 / 90 - 91) بسند صحيح. وله عند الطبراني طرق أخرى.

وهذه الآثار تدل على شيء آخر غير ما دل الحديث عليه. وهو أن من أدرك الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة، وقد ثبت ذلك من قول ابن مسعود وابن عمر بإسنادين صحيحين عنهما، وقد خرجتهما في " إرواء الغليل " (رقم 119) وفيه حديث حسن مرفوع عن أبي هريرة خرجته هناك. وأما ما رواه البخاري في " جزء القراءة " (ص 24) عن معقل بن مالك قال: حدثنا أبو عوانة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال: " إذا أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة ". فإنه مع مخالفته لتلك الآثار ضعيف الإسناد، من أجل معقل هذا، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان: وقال الأزدي: متروك، ثم إن فيه عنعنة ابن إسحاق وهو مدلس: فسكوت الحافظ عليه في " التلخيص " (127) غير جيد. نعم رواه البخاري من طريق أخرى عن ابن إسحاق قال: حدثني الأعرج به لكنه بلفظ: " لا يجزئك إلا أن تدرك الإمام قائما ". وهذا إسناد حسن، وهذا لا يخالف الآثار المتقدمة بل يوافقها في الظاهر إلا أنه يشترط إدراك الإمام قائما، وهذا من عند أبي هريرة، ولا نرى له وجها، والذين خالفوه أفقه منه وأكثر، ورضي الله عنهم جميعا. فإن قيل: هناك حديث آخر صحيح يخالف بظاهره هذا الحديث وهو: " زادك الله حرصا، ولا تعد ".

230

230 - " زادك الله حرصا، ولا تعد ". رواه أبو داود والطحاوي وأحمد والبيهقي وابن حزم من حديث أبي بكرة أنه جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ فقال أبو بكرة: أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وأصله في " صحيح البخاري " وقد خرجته في " إرواء الغليل " (رقم 684، 685) . والقصد من ذكره هنا أن ظاهره يدل على أنه لا يجوز الركوع دون الصف ثم المشي إليه، على خلاف ما دل عليه الحديث السابق، فكيف التوفيق بينهما؟ فأقول: إن هذا الحديث لا يدل على ما ذكر، إلا بطريق الاستنباط لا النص، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تعد " يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه في هذه الحادثة، وقد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة أمور: الأول: اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط. الثاني: إسراعه في المشي، كما في رواية لأحمد (5 / 42) من طريق أخرى عن أبي بكرة أنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت نعل أبي بكرة وهو يحضر (أي يعدو) يريد أن يدرك الركعة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال: من الساعي؟ قال أبو بكرة: أنا. قال: فذكره وإسناده حسن في المتابعات، وقد رواه ابن السكن في " صحيحه " نحوه وفيه قوله: " انطلقت أسعى ... " وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من الساعي ... " ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأولى بلفظ. " جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع، وقد حفزني النفس فركعت دون الصف.. " الحديث.

وإسناده صحيح، فإن قوله " حفزني النفس " معناه اشتد، من الحفز وهو الحث والإعجال، وذلك كناية عن العدو. الثالث: ركوعه دون الصف ثم مشيه إليه. وإذا تبين لنا ما سبق، فهل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا تعد " نهي عن هذه الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها. ذلك ما أريد البحث فيه وتحقيق الكلام عليه فأقول: أما الأمر الأول، فالظاهر أنه لا يدخل في النهي، لأنه لو كان نهاه عنه لأمره بإعادة الصلاة لكونها خداجا ناقصة الركعة، فإذ لم يأمره بذلك دل على صحتها، وعلى عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدراك ركوعها، وقول الصنعاني في " سبل السلام " (2 / 23) : " لعله صلى الله عليه وسلم لم يأمره لأنه كان جاهلا للحكم، والجهل عذر ". فبعيد جدا، إذ قد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة أمره صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات مع أنه كان جاهلا أيضا فكيف يأمره بالإعادة وهو لم يفوت ركعة من صلاته وإنما الاطمئنان فيها، ولا يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة وقد فوت على نفسه ركعة، لو كانت لا تدرك بالركوع، ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهيا وقد فعله كبار الصحابة، كما تقدم في الحديث الذي قبله؟ ! فلذلك فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم " لا تعد ". وأما الأمر الثاني، فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق ذكره من الروايات ولأنه لا معارض له، بل هناك ما يشهد له، وهو حديث أبي هريرة مرفوعا: " إذا أتيم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة والوقار " الحديث متفق عليه. وأما الأمر الثالث، فهو موضع نظر وتأمل، وذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه : " أيكم الذي ركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، مع قوله له: " لا تعد "، يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر، وإن كان ليس نصا في ذلك لاحتمال أنه يعني

شيئا آخر غير هذا مما فعل، وليس يعني نهيه عن كل ما فعل، بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره. فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا الأمر الثالث أيضا. وهذا وإن كان خلاف الظاهر، فإن العلماء كثيرا ما يضطرون لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع، مثل ترك مفهوم النص لمنطوق نص آخر، وترك العام للخاص، ونحو ذلك، وأنا أرى أن ما نحن فيه الآن من هذا القبيل، فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون الصف مخالف لخصوص ما دل عليه حديث عبد الله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة، وإذا كان الأمر كذلك فلابد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر، ولا يشك عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما، لأن هذا دلالته على وجه الاحتمال بخلاف الذي قبله، وقد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقا به وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملا. ومما لا شك فيه أيضا أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة بل محتملة، بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم فإن دلالته عليها قاطعة، فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث. وثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور: أولا: خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد الحرام وإعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد. ثانيا: عمل كبار الصحابة به كأبي بكر وابن مسعود وزيد بن ثابت كما تقدم وغيرهم. فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول. بخلاف هذا الحديث فإننا لا نعلم أن أحدا من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة، فكان ذلك كله دليلا قويا على أن دلالته فيها مرجوحة، وأن حديث ابن الزبير هو الراجح في

الدلالة عليها. والله أعلم. وقد قال الصنعاني بعد قول ابن جريج في عقب هذا الحديث: " وقد رأيت عطاء يصنع ذلك ". قال الصنعاني (2 / 24) : " قلت. وكأنه مبني على أن لفظ " ولا تعد " بضم المثناة الفوقية، من الإعادة أي زادك الله حرصا على طلب الخير ولا تعد صلاتك فإنها صحيحة وروي بسكون العين المهملة من العدو، وتؤيده رواية ابن السكن من حديث أبي بكرة (ثم ساقها، وقد سبق نحوها من رواية أحمد مع الإشارة إلى رواية ابن السكن هذه، ثم قال) والأقرب أن رواية (لا تعد) من العود أي لا تعد ساعيا إلى الدخول قبل وصولك الصف، فإنه ليس في الكلام ما يشير بفساد صلاته حتى يفتيه صلى الله عليه وسلم بأن لا يعيدها، بل قوله " زادك الله حرصا " يشعر بأجزائها، أو " لا تعد " من (العدو) ". قلت: لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ خاصة في النهي عن الإسراع ولما دخل فيه الركوع خارج الصف، ولم يوجد بالتالي أي تعارض بينه وبين حديث ابن الزبير، ولكن الظاهر أن هذا اللفظ لم يثبت، فقد وقع في " صحيح البخاري " وغيره باللفظ المشهور: " لا تعد ". قال الحافظ في " الفتح " (2 / 214) : " ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله وضم العين من العود ". ثم ذكر هذا اللفظ، ولكنه رجح ما في البخاري فراجعه إن شئت. ويتلخص مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة ولا الركوع دون الصف وإنما هو خاص بالإسراع لمنافاته للسكينة والوقار كما تقدم التصريح بذلك من حديث أبي هريرة، وبهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " قوله: لا تعد. يشبه قوله: لا تأتوا الصلاة تسعون ".

231

ذكره البيهقي في " سننه " (2 / 90) . فإن قيل: قد ورد ما يؤيد شمول الحديث للإسراع ويخالف حديث ابن الزبير صراحة وهو حديث أبي هريرة مرفوعا. " إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف ". قلنا: لكنه حديث معلول بعلة خفية، وليس هذا مكان بيانها، فراجع " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (رقم 981) . 231 - " حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا ". أخرجه ابن ماجه (2 / 111) : حدثنا عمرو بن رافع حدثنا عبد الله بن المبارك أنبأنا عيسى بن يزيد أظنه عن جرير بن يزيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرجه النسائي (2 / 257) وأحمد (2 / 402) وكذا ابن الجارود في " المنتقى " (801) وأبو يعلى في " مسنده " (287 / 1) من طرق عن ابن المبارك به. إلا أنهم قالوا: " ثلاثين " بدل " أربعين ". وجمع بينهما على الشك الإمام أحمد (2 / 362) في رواية من طريق زكريا بن عدي أنبأنا ابن مبارك به فقال: " ثلاثين أو أربعين صباحا ".

والظاهر أن الشك من ابن المبارك وأن الصواب رواية عمرو بن رافع عنه بلفظ " أربعين " بدون شك لمجيئه كذلك من طريق أخرى كما يأتي. وهذا الإسناد رجاله ثقات غير جرير بن يزيد وهو البجلي وهو ضعيف كما في " التقريب "، لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1507) من طريق يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة به ولفظه: " إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين صباحا ". وسنده صحيح رجاله كلهم ثقات. ثم استدركت فقلت: إنه معلول، فإن إسناده عند ابن حبان هكذا: أخبرنا ابن قتيبة حدثنا محمد بن قدامة حدثنا ابن علية عن يونس بن عبيد به. وكذا رواه أبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة " (1 / 114 / 1) من طريق أخرى عن ابن قدامة به وقال: " تفرد به محمد بن قدامة ". وهذا الإسناد وإن كان ظاهر الصحة، ورجاله كلهم ثقات، ومنهم محمد بن قدامة وهو ابن أيمن المصيصي قال النسائي: لا بأس به، وقال مرة: صالح. وقال الدارقطني: ثقة، وقال مسلمة بن قاسم:

ثقة صدوق. أقول: فهو وإن كان ثقة كما رأيت، فقد خالفه في إسناده من هو أوثق منه وأحفظ ، فقال النسائي عقب روايته السابقة: " أخبرنا عمرو بن زرارة قال: أنبأنا إسماعيل، قال: حدثنا يونس بن عبيد عن جرير بن يزيد عن أبي زرعة قال: قال أبو هريرة: إقامة حد ... ". فعمرو بن زرارة هذا هو ابن واقد النيسابوري المقرىء الحافظ، وقد اتفقوا على وصفه بأنه ثقة، بل قال فيه محمد بن عبد الوهاب (وهو ابن حبيب النيسابوري الثقة العارف) : ثقة ثقة. فهو بلا شك أوثق من ابن قدامة الذي قيل فيه: " لا بأس به "، " صدوق "، ولذلك احتج به الشيخان بخلاف المذكور، وقد خالفه فى موضعين: الأول: أنه أوقفه على أبي هريرة، وذاك رفعه. والآخر: أنه سمى شيخ يونس بن عبيد جرير بن زيد. وذاك سماه عمرو ابن سعيد وهذا ثقة، والذي قبله ضعيف كما سبق، وإذا اختلفا في تسميته فالراجح رواية ابن زرارة لأنه أوثق من مخالفه، وإذا كان كذلك فقد رجعت هذه الرواية إلى أنها من الوجه الأول، وهو ضعيف كما عرفت. ثم رأيت لابن زرارة متابعا وهو الحسن بن محمد الزعفراني، رواه عنه المحاملي في " الأمالي " (1 / 72 / 1) . نعم الحديث حسن لغيره فإن له شاهدا من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين يوما ". أخرجه سمويه في " الفوائد " والطبراني في " الكبير " والأوسط بإسناد. قال المنذري والعراقي:

232

" حسن " وفيه نظر بينته في " الأحاديث الضعيفة " ولكنه لا بأس به في الشواهد. وله شاهد آخر من حديث ابن عمر، رواه ابن ماجه، والضياء في " المختارة " (ق 90 / 1) ، لكن إسناده ضعيف جدا فيه سعيد بن سنان وهو الحمصي قال في " التقريب ": " متروك، رماه الدارقطني وغيره بالوضع ". فمثله لا يستشهد به. 232 - " ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان ". أخرجه عباس الترقفي في " حديثه " (ق 41 / 1) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 26) والروياني في " مسنده " (ق 238 / 1) وابن حبان في " صحيحه " (رقم 615) والطبراني في " المعجم الكبير " (ج 69 / 210 / 2) وابن عدي في " الكامل " (ق 46 / 2) والدارقطني في " سننه " (ص 99) من طريقين عن ثابت بن عجلان عن سليم بن عامر عن عبد الله بن الزبير مرفوعا. وقال ابن عدي: " ثابت بن عجلان ليس حديثه بالكثير ". قلت: هو ثقة كما قال الإمام أحمد وابن معين. وقال دحيم والنسائي: " ليس به بأس " ولذلك أشار الذهبي في ترجمته إلى أنه صحيح الحديث. وقال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق " وأشار في " التهذيب " إلى أنه ثقة وقال: " مثل هذا لا يضره إلا مخالفته الثقات لا غير، فيكون حديثه حينئذ شاذا ". قلت: فحديثه هذا صحيح، لأنه لم يخالف فيه الثقات، بل وافق فيه حديث عبد الله بن مغفل مرفوعا بلفظ: (بين كل أذانين صلاة. قال في الثالثة: لمن شاء) . أخرجه الستة وابن نصر. وقد استدل بالحديث بعض المتأخرين على مشروعية صلاة سنة الجمعة القبلية، وهو استدلال باطل، لأنه قد ثبت في البخاري وغيره أنه لم يكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة سوى الأذان الأول والإقامة، وبينهما الخطبة كما فصلته في رسالتي " الأجوبة النافعة ". ولذلك قال البوصيري في " الزوائد " وقد ذكر حديث عبد الله هذا (ق 72 / 1) وأنه أحسن ما يستدل به لسنة الجمعة المزعومة! قال: " وهذا متعذر في صلاته صلى الله عليه وسلم، لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة، فلا صلاة حينئذ بينهما ". وكل ما ورد من الأحاديث في صلاته صلى الله عليه وسلم سنة الجمعة القبلية، لا يصح منها شيء البتة، وبعضها أشد ضعفا من بعض كما بينه الزيلعي في " نصب الراية " " 2 / 206 - 207) وابن حجر في " الفتح " (2 / 341) وغيرهما وتكلمت على بعضها في الرسالة المشار إليها (ص 23 - 26) وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة ". والحق أن الحديث إنما يدل على مشروعية الصلاة بين يدي كل صلاة مكتوبة ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أو أمر به، أو أقره، كصلاة المغرب، فقد صح في ذلك الفعل والأمر والإقرار. أما الفعل والأمر، فقد ثبت فيه حديث صريح من رواية عبد الله المزني: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

233

صلى قبل المغرب ركعتين ثم قال: " صلوا قبل المغرب ركعتين. ثم قال في الثالثة: لمن شاء، خاف أن يحسبها الناس سنة ". 233 - " صلوا قبل المغرب ركعتين. ثم قال في الثالثة: لمن شاء، خاف أن يحسبها الناس سنة ". أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (28) : حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد حدثني أبي حدثنا حسين عن ابن بريدة أن عبد الله المزني رضي الله عنه حدثه به، وقال مختصره العلامة المقريزي أحمد بن علي: " هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فإن عبد الوارث بن عبد الصمد احتج به مسلم، والباقون احتج بهم الجماعة، وقد صح في " ابن حبان " حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قبل المغرب ". قلت: وهو صحيح كما قال، إلا أن جعله ما في ابن حبان حديثا آخر، فيه نظر، ظاهر ذلك لأنه عنده من هذا الوجه بهذا المتن تماما، فكيف يكون حديثا آخر، والأعجب من ذلك أن المقريزي قد ساقه من طريق ابن حبان هكذا: " قال ابن حبان: أخبرني محمد بن خزيمة حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد ابن عبد الوارث حدثني أبي حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة أن عبد الله المزني رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين "! والحديث في " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " برقم (617) ، وقال عقبه: " قلت: فذكر الحديث ". فهذا يشير إلى أن الحديث عند ابن حبان ليس بهذا القدر الذي نقله المقريزي، بل له تتمة، ومن الظاهر أنها قوله " ثم قال: صلوا ... " وعليه فالحديث يمكن أن يقال في تخريجه.

" رواه ابن نصر وابن حبان في صحيحه ". وهو عند البخاري وغيره من " الستة " من طرق أخره عن عبد الوارث بن سعيد جد عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم به دون قوله في أوله: " صلى قبل المغرب ركعتين ". (فائدة) : وفي الحديث دليل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب حتى يقوم دليل الإباحة، وكذلك نهيه على التحريم إلا ما يعرف إباحته. كذا في " شرح السنة " (1 / 706 - 707) للبغوي. وأما تقريره صلى الله عليه وسلم لهاتين الركعتين فهو الحديث الآتى:

234

" كان المؤذن يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة المغرب، فيبتدر لباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري، يصلون الركعتين قبل المغرب حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلون، فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما وكان بين الأذان والإقامة يسير ". 234 - " كان المؤذن يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة المغرب، فيبتدر لباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري، يصلون الركعتين قبل المغرب حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلون، فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما وكان بين الأذان والإقامة يسير ". أخرجه البخاري (2 / 85) وابن نصر (ص 26) وأحمد (3 / 280) من طرق عن شعبة عن عمرو بن عامر قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره. والسياق لابن نصر، والزيادة الثانية للبخاري وأحمد، ورواية لابن نصر واللفظ له. وأخرجه مسلم (2 / 212) وأبو عوانة في " صحيحه " (2 / 265) والبيهقي (2 / 475) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه، وفيه الزيادة الأولى وله عند ابن نصر " والمسند " (3 / 129، 199، 282) طرق أخرى عن أنس نحوه. وفي هذا الحديث نص صريح على مشروعية الركعتين قبل صلاة المغرب، لتسابق كبار الصحابة عليهما، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك. ويؤيده عموم الحديثين قبله. وإلى استحبابهما ذهب الإمام أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث. ومن خالفهم كالحنفية وغيرهم لا حجة لديهم تستحق النظر فيها سوى ما روى شعبة عن أبي شعيب عن طاووس قال:

" سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما ". أخرجه أبو داود (1 / 202) وعنه البيهقي (2 / 476 - 477) والدولابي في " الكنى " (2 / 5) ، وقال أبو داود: " سمعت يحيى بن معين يقول: هو شعيب. يعني وهم شعبة في اسمه ". قلت: ولم أدر ما هو حجته في التوهيم المذكور، إلا أن يكون مخالفة شعبة ليحيى بن عبد الملك ابن أبي غنية، فإنه سماه شعيبا كما يستفاد من " التهذيب "، فإن كان هو هذا، فلا أراه يسلم له، فإن شعبة أحفظ من ابن أبي غنية كما يتبين للناظر في ترجمتيهما، فالقول قول شعبة عند اختلافهما، وقد روى ابن أبي حاتم (4 / 389 / 2) عن ابن معين أنه قال: " أبو شعيب الذي روى عن طاووس عن ابن عمر مشهور بصري ". فلم يذكر عنه ما ذكر أبو داود عنه، مما يشعر أن ابن معين لم يكن جازما بذلك، ويؤيده أن أحدا من الأئمة لم ينقل عنه ما ذكر أبو داود، بل قال الدولابي: " سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: أبو شعيب سمع طاووسا يروي عنه شعبة ". قلت: وهو عندي مستور، وإن قال الحافظ في " التقريب ": " لا بأس به " فإن هذا إنما قاله أبو زرعة في " شعيب السمان " كما ذكره الحافظ نفسه في " التهذيب "، وذهب أنه غير صاحب الترجمة، وبذلك يشعر صنيع ابن أبي حاتم فإنه فرق بينهما، ولم أر أحدا ممن يوثق به قد عدله. والله أعلم. وجملة القول أن القلب لا يطمئن لصحة هذا الأثر عن ابن عمر، وقد أشار الحافظ في " الفتح " (2 / 86) لتضعيفه، فإن صح فرواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه، كما قال البيهقي ثم الحافظ وغيرهما،

235

ويؤيده أن ابن نصر روى (27) أن رجلا سأل ابن عمر فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال: من الذين يحافظون على ركعتي الضحى؟ ! فقال: وأنتم تحافظون على الركعتين قبل المغرب؟ فقال ابن عمر: كنا نحدث أن أبواب السماء تفتح عند كل أذان ". قلت: فهذا نص من ابن عمر على مشروعية الركعتين على خلاف ما أفاده ذلك الحديث الضعيف عنه، ولكن هذا النص قد حذف المقريزي إسناده كما هو الغالب عليه في كتاب " قيام الليل " فلم يتسن لي الحكم عليه بشيء من الصحة أو الضعف. ومن الطرائف أن يرد بعض المقلدين لهذه الدلالات الصريحة على مشروعية الركعتين قبل المغرب، فلا يقول بذلك. ثم يذهب إلى سنية صلاة السنة القبلية يوم الجمعة ويستدل عليه بحديث ابن الزبير وعبد الله بن مغفل، يستدل بعمومها، مع أن هذا الدليل نفسه يدل أيضا على ما نفاه من مشروعية الركعتين، مع وجود الفارق الكبير بين المسألتين، فالأولى قد تأيدت بجريان العمل بها في عهده صلى الله عليه وسلم وإقراره، وبأمره الخاص بها، بخلاف الأخرى فإنها لم تتأيد بشيء من ذلك، بل ثبت أنه لم يكن هناك مكان لها يومئذ، فهل من معتبر؟ ! 235 - " مرت بي فلانة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال ". رواه أحمد (4 / 231) والطبراني في " الأوسط " (1 / 168 / 1 - 2) وأبو بكر محمد بن أحمد المعدل في " الأمالي " (8 / 1) عن أزهر بن سعيد الحرازي قال:

سمعت أبا كبشة الأنماري قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل فقلنا، يا رسول الله! قد كان شيء! قال: أجل، مرت بي فلانة ... ". قلت: وهذا سند حسن إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الحرازي ويقال فيه عبد الله بن سعيد الحرازي. قال الحافظ في " التهذيب ": " لم يتكلموا إلا في مذهبه (يعني النصب) وقد وثقه العجلي وابن حبان ". وقال في " التقريب ": " صدوق ". والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 292) وقال: " رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات ". قلت: وللحديث شاهد من حديث أبي الزبير عن جابر. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأعجبته، فأتي زينب وهي تمعس منيئة فقضى حاجته، وقال: إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإن ذاك يرد ما في نفسه ". أخرجه مسلم (6 / 129 - 130) وأبو داود (2151) والبيهقي (7 / 90) وأحمد (3 / 330، 341، 348، 395) واللفظ له من طرق عن أبي الزبير به.

236

قلت: وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه، لكن حديثه في الشواهد لا بأس به، لاسيما وقد صرح بالتحديث في رواية ابن لهيعة عنه، وأما مسلم فقد احتج به! وله شاهد آخر عن عبد الله بن مسعود قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته، فأتى سودة، وهي تصنع طيبا وعندها نساء، فأخلينه، فقضى حاجته ثم قال: أيما رجل رأى امرأة تعجبه، فليقم إلى أهله، فإن معها مثل الذي معها ". أخرجه الدارمي (2 / 146) والسري بن يحيى في " حديث الثوري " (ق 205 / 1) عن أبي إسحاق عن ابن مسعود. 236 - " طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها ". رواه الطبراني في " الأوسط " (11 / 2 من " الجمع بين زوائد المعجمين ") : حدثنا علي بن سعيد حدثنا زيد بن أخزم حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعا، وقال: " لم يروه عن الزهري إلا إبراهيم ولا عنه إلا الطيالسي تفرد به زيد ". قلت: وهو ثقة حافظ وبقية رجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن سعيد وهو الرازي قال الذهبي: " حافظ رحال جوال ". قال الدارقطني ليس بذاك، تفرد بأشياء. قال ابن يونس: كان يفهم ويحفظ " وزاد الحافظ في " اللسان ": " وقال مسلمة بن قاسم: وكان ثقة عالما بالحديث ". وقال المناوي: " قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني ".

قلت: كأن الهيثمي توقف فيه فسكت عنه، وهو مختلف فيه. ومثله حسن الحديث إذا لم يخالف، لاسيما إذا لم يتفرد بما روى، وهذا الحديث كذلك. فقد أخرجه الترمذي (2 / 131) من طريق خالد بن إلياس - ويقال ابن إياس - عن صالح بن أبي حسان قال: سمعت سعيد بن المسيب عن صالح بن أبي حسان قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا - أراه قال - أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود، قال. فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار فقال: حدثنيه عامر ابن سعد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا أنه قال: نظفوا أفنيتكم ". وقال الترمذي: " هذا حديث غريب، وخالد بن إلياس يضعف ". قلت: وفي التقريب: " متروك الحديث ". والحديث أورده ابن القيم في " زاد المعاد " (3 / 208) فقال: " وفي مسند البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله طيب ... الحديث فنظفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود، يجمعون الأكباء في دورهم ". فلا أدري إذا كان عند البزار من طريق خالد هذا أم من طريق أخرى. فقد وجدت له طريقا آخر، ولكنه مما لا يفرح به، أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 16) عن أبي الطيب هارون بن محمد قال: حدثنا بكير بن مسمار عن عامر ابن سعد به. ورجاله كلهم ثقات غير أبي الطيب هذا فليس بطيب! قال ابن معين: كان كذابا.

237

ووجدت للحديث شاهدا بلفظ " نظفوا أفنيتكم فإن اليهود أنتن الناس ". رواه وكيع في " الزهد " (2 / 65 / 1) : حدثنا إبراهيم المكي عن عمرو ابن دينار عن أبي جعفر مرفوعا. وهذا سند ضعيف، إبراهيم المكي هو ابن يزيد الخوزي متروك الحديث كما في " التقريب ". وأبو جعفر لم أعرفه. والظاهر أنه تابعي فهو مرسل. وبالجملة، فطرق هذا الحديث واهية، إلا الأولى، فهي حسنة، فعليها العمدة، ويستثنى من ذلك طريق البزار لما سبق. والله أعلم. (الأفنية) جمع (فناء) وهو الساحة أمام البيت. 237 - " كان إذا صلى الفجر أمهل، حتى إذا كانت الشمس من ههنا - يعني من قبل المشرق - مقدارها من صلاة العصر من ههنا - من قبل المغرب - قام فصلى ركعتين ثم يمهل، حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق، مقدارها من صلاة الظهر

من ههنا - يعني من قبل المغرب - قام فصلى أربعا، وأربعا قبل الظهر إذا زالت الشمس، وركعتين بعدها، وأربعا قبل العصر، يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين، والنبيين، ومن تبعهم من المسلمين، " يجعل التسليم في آخره ". أخرجه أحمد (رقم 650 / 1375) وابنه (1202) والترمذي (2 / 294، 493 - 494) والنسائي (1 / 139 - 140) وابن ماجه (1 / 354) والطيالسي (1 / 113 - 114) وعنه البيهقي (2 / 273) والترمذي أيضا في " الشمائل " (2 / 103 - 104) من طرق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال: " سألنا عليا عن تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار، فقال: إنكم لا تطيقونه، قال: قلنا: أخبرنا به نأخذ منه ما أطقنا، قال: " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن، وقال إسحاق بن إبراهيم: أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله عليه وسلم، في النهار هذا. وروي عن عبد الله بن المبارك أنه كان يضعف هذا الحديث. وإنما ضعفه عندنا - والله أعلم - لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضمرة عن علي، وهو ثقة عند بعض أهل العلم ". قلت: وهو صدوق كما قال الحافظ في " التقريب ". وقد وثقه ابن المديني وغيره وقال النسائي: " ليس به بأس "، فهو حسن الحديث. والزيادة التي في آخره للنسائي. وروى منه أبو داود (1 / 200) وعنه الضياء في " المختارة " (1 / 187) من

طريق شعبة عن أبي إسحاق به الصلاة قبل العصر فقط لكنه قال: " ركعتين " وهو بهذا اللفظ شاذ عندي لأنه في المسند وغيره من هذا الوجه باللفظ المتقدم " أربعا ". وكذلك في الطرق الأخرى عن أبي إسحاق كما تقدم. ومثل هذا في الشذوذ أن بعض الرواة عن أبي إسحاق قال: " قبل الجمعة " بدل " قبل الظهر " كما أخرجه الخلعي في " فوائده " بإسناد جيد كما قال العراقي والبوصيري في زوائده (72 / 1) ، ولم يتنبها لشذوذه، كما نبهت عليه في " سلسلة الأحاديث الضعيفة ". والله أعلم. فقه الحديث دل قوله " يجعل التسليم في آخره ". على أن السنة في السنن الرباعية النهارية أن تصلى بتسليمة واحدة، ولا يسلم فيها بين الركعتين، وقد فهم بعضهم من قوله " يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين - ومن تبعهم من المؤمنين " أنه يعني تسليم التحلل من الصلاة. ورده الشيخ على القاري في " شرح الشمائل " بقوله: " ولا يخفى أن سلام التحليل إنما يكون مخصوصا بمن حضر المصلى من الملائكة والمؤمنين. ولفظ الحديث أعم منه حيث ذكر الملائكة والمقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين إلى يوم الدين ". ولهذا جزم المناوي في شرحه على " الشمائل " أن المراد به التشهد قال: " لاشتماله على التسليم على الكل في قولنا: " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ". قلت: ويؤيده حديث ابن مسعود المتفق عليه قال: " كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على الله قبل عباده، السلام على

238

جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه فقال: إن الله هو السلام، فإذا جلس أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله ... السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء والأرض.... " قلت: وهذه الزيادة التي في آخر الحديث، تقطع بذلك، فلا مجال للاختلاف بعدها فهي صريحة في الدلالة على ما ذكرنا من أن الرباعية النهارية من السنن لا يسلم في التشهد الأول منها. وعلى هذا فالحديث مخالف لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ". وهو حديث صحيح كما بينته في " الحوض المورود في زوائد منتقى ابن الجارود " رقم (123) يسر الله لنا إتمامه، ولعل التوفيق بينهما بأن يحمل حديث الباب على الجواز. وحديث ابن عمر على الأفضلية كما هو الشأن في الرباعية الليلية أيضا. والله أعلم. 238 - " قضى أن على أهل الحوائط حفظها في النهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها ". أخرجه مالك في " الموطأ " (3 / 220) عن ابن شهاب عن حرام بن سعد ابن محيصة أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: وهذا سند مرسل صحيح، وقد أخرجه الطحاوي (2 / 116) والبيهقي (8 / 341) وأحمد (5 / 435) من طريق مالك به. وتابعه الليث بن سعد عن ابن شهاب به مرسلا. أخرجه ابن ماجه (2 / 54 - 55) .

وتابعهما سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحرام بن سعد بن محيصة أن ناقة للبراء ... أخرجه أحمد (5 / 436) والبيهقي (8 / 342) . وتابعهم الأوزاعي، لكن اختلفوا عليه في سنده، فقال أبو المغيرة: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة الأنصاري به مرسلا. أخرجه البيهقي (8 / 341) . وقال الفريابي عن الأوزاعي به إلا أنه قال: " عن البراء بن عازب " فوصله. أخرجه أبو داود (2 / 267) وعنه البيهقي والحاكم (2 / 48) . وكذا قال محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي به موصولا. أخرجه أحمد (4 / 295) والبيهقي. وكذا قال أيوب بن سويد حدثنا الأوزاعي به. أخرجه الطحاوي (2 / 116) والبيهقي، فقد اتفق هؤلاء الثلاثة الفريابي ومحمد ابن مصعب وأيوب بن سويد على وصله عن الأوزاعي، فهو أولى من رواية أبي المغيرة عنه مرسلا لأنهم جماعة، وهو فرد. وتابعهم معمر، واختلفوا عليه أيضا، فقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء ... الحديث، فزاد في السند " عن أبيه ". أخرجه أبو داود وابن حبان (1168) وأحمد (5 / 436) والبيهقي وقال: " وخالفه وهيب وأبو مسعود الزجاج عن معمر، فلم يقولا: " عن أبيه ". قال ابن التركماني: " وذكر ابن عبد البر بسنده عن أبي داود قال: لم يتابع أحد عبد الرزاق على قوله:

239

" عن أبيه. وقال أبو عمر: أنكروا عليه قوله فيه: " عن أبيه "، وقال ابن حزم هو مرسل ". قلت: لكن قد وصله الأوزاعي بذكر البراء فيه، في أرجح الروايتين عنه وقد تابعه عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء به. أخرجه ابن ماجه والبيهقي (8 / 341 - 342) . وعبد الله بن عيسى هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ثقة محتج به في الصحيحين فهي متابعة قوية للأوزاعي على وصله، فصح بذلك الحديث، ولا يضره إرسال من أرسله، لأن زيادة الثقة مقبولة، فكيف إذا كانا ثقتين؟ وقد قال الحاكم عقب رواية الأوزاعي: " صحيح الإسناد، على خلاف فيه بين معمر والأوزاعي ". ووافقه الذهبي. كذا قالا، وخلاف معمر مما لا يلتفت إليه لمخالفته لروايات جميع الثقات في قوله " عن أبيه " على أنه لم يتفقوا عليه في ذلك كما سبق، فلو أنهما أشارا إلى خلاف مالك والليث وابن عيينة في وصله لكان أقرب إلى الصواب، ولو أن هذا لا يعل به الحديث لثبوته موصولا من طريق الثقتين كما تقدم. 239 - " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء ". أخرجه أحمد (1 / 234) : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سلمة عن الحسن العرني عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، ثم قال (1 / 344) : حدثنا وكيع وعبد الرحمن قالا: حدثنا سفيان به. إلا أنه لم يقل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وزاد في آخره في الموضعين:

" فقال رجل: والطيب (يا أبا العباس) ، فقال ابن عباس: أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك، أفطيب ذاك أم لا؟ ". ثم أخرجه (1 / 369) : حدثنا يزيد أنبأنا سفيان به موقوفا أيضا قال: " سئل ابن عباس عن الرجل إذا رمى الجمرة أيتطيب؟ فقال: أما أنا.... " الحديث وأخرجه النسائي (2 / 52) وابن ماجه (2 / 245) من طريق يحيى بن سعيد وابن ماجه أيضا عن وكيع وهو وأبو يعلى في " مسنده " (ق 143 / 1) عن عبد الرحمن، والبيهقي (5 / 133) عن ابن وهب و (5 / 204) عن أبي داود الحفري كلهم عن سفيان به مثل رواية عبد الرحمن عند أحمد الموقوفة مع الزيادة وقد رواه الطحاوي (1 / 419) من طريق أبي عاصم عن سفيان به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع بين الحسن العرني وهو ابن عبد الله وبين ابن عباس فإنه لم يسمع منه كما قال أحمد، بل قال أبو حاتم: لم يدركه. ثم إن أكثر الرواة عن سفيان أوقفوه على ابن عباس، ولم يرفعه إلا وكيع في الرواية الأولى، وأما في روايته المقرونة مع عبد الرحمن فهي موقوفة أيضا، وكذلك هي عند ابن ماجه. فالصواب أن الحديث مع انقطاعه موقوف. لكن له شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل والإحرام، حين أحرم، وحين رمى جمرة العقبة يوم النحر، قبل أن يطوف بالبيت ". أخرجه أحمد (6 / 244) عن عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وأصله عندهما.

وقد تابعه الزهري عن عروة وحده به نحوه. أخرجه النسائي (2 / 10 - 11) عن سفيان عنه، وسنده صحيح أيضا، ورجاله رجال الشيخين غير سعيد بن عبد الرحمن أبي عبيد المخزومي شيخ النسائي وهو ثقة، خاصة في سفيان بن عيينة وهذا من روايته عنه. وقد خالفه عن الزهري الحجاج بن أرطاة، فقال: عن الزهري عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة مرفوعا بلفظ: " إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء ". والحجاج مدلس وقد عنعنه في جميع الروايات عنه، واختلفوا عليه في متنه، كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " في رقم (1013) . وقد روي الحديث من طريق عمرة عن عائشة مرفوعا، مثل حديث ابن عباس هذا، لكن بزيادة " وذبحتم وحلقتم ". وهي زيادة منكرة لا تثبت، ولذلك أوردته في " الأحاديث الضعيفة "، وبينت هناك علته، فليراجع وذكرت بعده شاهدا آخر من حديث أم سلمة فيه زيادة أخرى منكرة أيضا. ثم وجدت لحديث عائشة الشاهد طريقا أخرى عند البيهقي (5 / 135) عن عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: " إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات، وذبحتم وحلقتم، فقد حل كل شيء إلا النساء والطيب. قال سالم: وقالت عائشة رضي الله عنها: حل له كل شيء إلا النساء. قال: وقالت عائشة رضي الله عنها: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني لحله ". قلت: وهذا سند صحيح على شرطهما، ثم روى البيهقي من طريق عمرو بن دينار عن سالم قال: قالت عائشة رضي

الله عنها: " أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله وإحرامه، قال سالم: وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع ". قلت: وسنده صحيح أيضا، وأخرجه الطحاوي أيضا (1 / 421) وكذا سعيد بن منصور كما في " المحلى " (7 / 139) . وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن الحاج يحل له بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطئ للنساء، فإنه لا يحل به بالإجماع، وما دل عليه الحديث عزاه الشوكاني (5 / 60) للحنفية والشافعية والعترة، والمعروف عن الحنفية أن ذلك لا يحل إلا بعد الرمي والحلق، واحتج لهم الطحاوي بحديث عمرة عن عائشة المتقدم وقد عرفت ضعفه، فلا حجة فيه لاسيما مع مخالفته لحديثها الصحيح الذي احتجت به على قول عمر الموافق لمذهبهم. نعم ذكر ابن عابدين في " حاشيته " على " البحر الرائق " (2 / 373) عن أبي يوسف ما يوافق ما حكاه الشوكاني عن الحنفية، فالظاهر أن في مذهبهم خلافا، وقول أبي يوسف هو الصواب لموافقته للحديث، ومن الغرائب قول الصنعاني في شرح حديث عائشة الضعيف: " والظاهر أنه مجمع على حل الطيب وغيره إلا الوطء بعد الرمي، وإن لم يحلق " فإن هذا وإن كان هو الصواب، فقد خالف فيه عمر وغيره من السلف وحكى الخلاف فيه غير واحد من أهل العلم منهم ابن رشد في " البداية " (1 / 295) فأين الإجماع؟ ! لكن الصحيح ما أفاده الحديث، وهو مذهب ابن حزم في " المحلى "، (7 / 139) وقال:

240

" وهو قول عائشة وابن الزبير وطاووس وعلقمة وخارجة بن زيد بن ثابت ". 240 - " أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع أرضين، ثم يطوقه إلى يوم القيامة حتى يقضى بين الناس ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1167) وأحمد (4 / 173) وكذا ابنه عن زائدة عن الربيع بن عبد الله عن أيمن بن نابل - قال ابن حبان: ابن ثابت - عن يعلى بن مرة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا سند جيد، رجاله ثقات معروفون غير أيمن، فإن كان هو ابن نابل كما في " المسند " فإنه مشهور وثقه جماعة وروى له البخاري متابعة. وإن كان هو ابن ثابت كما في ابن حبان فقال أبو داود: لا بأس به، وذكره ابن حبان في " الثقات ". ويرجح هذا عندي شيئان: الأول: أن ابن أبي حاتم قد قال في ترجمته (1 / 1 / 319) : " روى عن ابن عباس ويعلى بن مرة، وعنه أبو يعفور عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس والربيع بن عبد الله ". ثم ترجم لأيمن بن نابل وذكر أنه روى عن قدامة بن عبد الله الكلابي وطاووس وغيره من التابعين. فلم يذكر هو ولا غيره أنه روى عن يعلى بن مرة، ولا ذكر في الرواة عنه الربيع بن عبد الله. الثاني: أن رواية أبي يعفور عنه في " المسند " (4 / 172 / 173) ، لكنه وقع فيه " أبو يعقوب " وهو تصحيف، وكذلك تصحف في نسختين من " الجرح والتعديل " كما نبه عليه محققه العلامة عبد الرحمن المعلمي في ترجمة ابن ثابت

241

هذا. وقد يعكر على هذا الترجيح، أن الطبراني أخرجه في " المعجم الصغير " (ص 219) من طريق أخرى عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن أيمن ابن نابل عن يعلى بن مرة به نحوه، فهذا يرجح أنه ابن نابل. لكني أظن أنه محرف أيضا عن " ابن ثابت "، فإن الشعبي إنما ذكروه في الرواة عن هذا لا عن ابن نابل. والله أعلم. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 175) : " رواه أحمد والطبراني في الكبير والصغير بنحوه بأسانيد، ورجال بعضها رجال الصحيح ". 241 - " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء فتنة، فيرقق بعضها بعضا، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي، ثم تنكشف، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه ، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم

الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه، ومن بايع إماما فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الآخر ". أخرجه مسلم (6 / 18) والسياق له والنسائي (2 / 185) وابن ماجه (2 / 466 - 467) وأحمد (2 / 191) من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة قال: دخلت المسجد، فإذا عبد الله بن عمرو بن العاص جالس في ظل الكعبة، والناس مجتمعون عليه، فأتيتهم فجلست إليه، فقال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلا، فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " فذكره. وزاد في آخره: " فدنوت منه، فقلت له: أنشدك الله آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأهوى إلى أذنيه وقلبه بيديه، وقال: سمعته أذناي، ووعاه قلبي، فقلت له: هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل، ونقتل أنفسنا، والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم، ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) قال: فسكت ساعة ثم قال: أطعه في طاعة الله، واعصه في معصية الله ". وليس عند غير مسلم قوله: " فقلت له هذا ابن عمك ... " الخ. ثم أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة به، وكذا رواه مسلم في رواية ولم يسوقا لفظ الحديث، وإنما أحالا فيه على حديث الأعمش.

242

غريب الحديث 1 - (فيرقق بعضها بعضا) . أي يجعل بعضها بعضا رقيقا، أي: خفيفا لعظم ما بعده، فالثاني يجعل الأول رقيقا. 2 - (صفقة يده) أي: معاهدته له والتزام طاعته، وهي المرة من التصفيق باليدين، وذلك عند البيعة بالخلافة. 3 - (ثمرة قلبه) أي خالص عهده أو محبته بقلبه. 4 - (فاضربوا عنق الآخر) . قال النووي: " معناه: ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام، فإن لم يندفع إلا بحرب، وقاتل، فقاتلوه. فإن دعت المقاتلة إلى قتله، جاز قتله، ولا ضمان فيه لأنه ظالم متعد في قتاله ". وفي الحديث فوائد كثيرة، من أهمها أن النبي يجب عليه أن يدعو أمته إلى الخير ويدلهم عليه، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، ففيه رد صريح على ما ذكر في بعض كتب الكلام أن النبي من أوحي إليه، ولم يؤمر بالتبليغ! 242 - " من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر ". أخرجه أحمد (4 / 173) : حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو يعقوب عبد الله جدي حدثنا أبو ثابت قال: سمعت يعلى بن مرة الثقفي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ثم قال أحمد (4 / 172) : حدثنا إسماعيل بن محمد وهو أبو إبراهيم المعقب حدثنا مروان الفزاري حدثنا أبو يعقوب عن أبي ثابت به.

قلت: وهذا سند رجاله ثقات معروفون غير أبي يعقوب هذا، وقد سماه عبد الواحد بن زياد " عبد الله "، وذكر أنه جده كما ترى، ولم أعرفه، وقد أغفلوه فلم يذكروه، لا في الكنى ولا في الأسماء، ويحتمل عندي أن يكون هو عبد الله بن عبد الله بن الأصم، فقد ذكروا في الرواة عنه عبد الواحد بن زياد ومروان الفزاري وهما اللذان رويا هذا الحديث عنه كما ترى، لكن يشكل عليه أنهم لم يذكروا أنه يكنى بأبي يعقوب، وإنما ذكروا له كنيتين أخريين: " أبو سليمان " و" أبو العنبس ". ويحتمل أن تكون هذه الكنية: " أبو يعقوب " محرفة عن أبي يعفور، واسمه عبد الرحمن بن عبيد بن نسطاس الكوفي، فقد روى هذا عن أبي ثابت أيمن بن ثابت وعنه مروان الفزاري كما في " التهذيب "، فإن كان هو هذا فهو ثقة من رجال الشيخين فالسند صحيح، لكن يرد عليه، أن عبد الواحد بن زياد قد سماه عبد الله جده، إلا أن يقال: إن هذه الزيادة في رواية عبد الواحد مقحمة من بعض النساخ للمسند وجملة القول أن هذا الإسناد من المشكلات عندي، فلعلنا نقف فيما بعد على ما يكشف الصواب فيه. والله المستعان. ولعله من أجل ما ذكرنا سكت عن هذا الإسناد المنذري في " الترغيب " (3 / 54) وتبعه الهيثمي (4 / 175) وعزياه للطبراني أيضا.

243

وقد ثبت الحديث من طريق أخرى عن أبي ثابت به بلفظ آخر فراجع " أيما رجل ظلم شبرا من الأرض ... ". 243 - " صدق الله، وكذب بطن أخيك ". أخرجه مسلم (7 / 26) عن أبي سعيد الخدري قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلا. فسقاه، ثم جاءه فقال: إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا فقال له ثلاث مرات، ثم جاءه الرابعة فقال: اسقه عسلا، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره) فسقاه فبرأ ". وأخرجه البخاري (10 / 115 / 137 - 138) بشيء من الاختصار واستدركه الحاكم (4 / 402) على الشيخين وأقره الذهبي! ! قال ابن القيم في " الزاد " (3 / 97 - 98) بعد أن ذكر كثيرا من فوائد العسل: " فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل كان استطلاق بطنه عن تخمة أصابته عن امتلاء فأمر بشرب العسل، لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء، فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول، وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها، فإن المعدة لها خمل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء، فدواؤها بما يجلوها من تلك الاخلاط، والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء، لاسيما إن مزج بالماء الحار. وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع، وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء، إن قصر عنه لم يزله بالكلية، وإن جاوزه أوهن

244

القوى فأحدث ضررا آخر، فلما أمره أن يسقيه العسل، سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة الداء، ولا يبلغ الغرض، فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة، فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برىء بإذن الله. واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها، ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب. وقوله صلى الله عليه وسلم: " صدق الله وكذب بطن أخيك " إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، ولكن لكذب البطن وكثرة المادة الفاسدة فيه، فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة. وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء، فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي، صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب. ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة، فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان. فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور، إن لم يتلق هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائه، بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى رجسهم ومرضا إلى مرضهم، وأين يقع طب الأبدان منه، فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن لخبث الطبيعة، وفساد المحل، وعدم قبوله، وبالله التوفيق ". 244 - " من اكتوى أو استرقى، فقد برئ من التوكل ". رواه الترمذي (3 / 164) وابن حبان في " صحيحه " (رقم 1408) وابن ماجه (2 / 1154 / 3489) والحاكم (4 / 415) وأحمد (4 / 249، 253) من

245

طريق عقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالوا. قلت: وفيه كراهة الاكتواء، والاسترقاء. أما الأول فلما فيه من التعذيب بالنار، وأما الآخر، فلما فيه من الاحتياج إلى الغير فيما الفائدة فيه مظنونة غير راجحة، ولذلك كان من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. كما في حديث ابن عباس عند الشيخين. وزاد مسلم في روايته فقال: " لا يرقون ولا يسترقون " وهي زيادة شاذة كما بينته فيما علقته على كتابي " مختصر صحيح مسلم " (رقم 254) . 245 - " إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم، أو شربة من عسل أو لذعة بنار، وما أحب أن أكتوي ". أخرجه البخاري (10 / 114 - 115 و 125، 126) ومسلم (7 / 21 - 22) وأحمد (3 / 343) عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وهو من رواية عاصم بن عمر ابن قتادة عنه. وفي رواية لمسلم عن عاصم أن جابر بن عبد الله عاد المقنع ثم قال: لا أبرح حتى تحتجم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن فيه شفاء ". وهو رواية لأحمد (3 / 335) وكذا البخاري (10 / 124) واستدركه الحاكم (4 / 409) على الشيخين وأقره الذهبي! ! وللحديث شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا باللفظ الأول.

246

أخرجه الحاكم (4 / 209) وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ورده الذهبي بقوله: " أسيد بن زيد الحمال متروك ". 246 - " أحصوا لي كل من تلفظ بالإسلام ". أخرجه مسلم (1 / 91) وأبو عوانة (1 / 102) وابن ماجه (2 / 492) وأحمد (5 / 384) والمحاملي في " الأمالي " (1 / 71 / 2) من طرق كثيرة عن أبي معاوية عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وزاد: " قال: قلنا: يا رسول الله أتخاف علينا؟ ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا، قال: فابتلينا حتى جعل الرجل منا ما يصلي إلا سرا ". واللفظ لابن ماجه. وتابعه سفيان، فقال أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (8 / 91 / 2) حدثني إسحاق (يعني الحربي) أنبأنا أبو حذيفة أنبأنا سفيان عن الأعمش به. إلا أنه قال: " ونحن ألف وخمسمائة؟ ". وهو وهم من أبي حذيفة واسمه موسى بن مسعود النهدي وهو صدوق سيىء الحفظ، وسائر رواته ثقات.

247

247 - " إذا أسلم العبد، فحسن إسلامه، كتب الله له كل حسنة كان أزلفها، ومحيت عنه كل سيئة كان أزلفها، ثم كان بعد ذلك القصاص، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف، والسيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها ". أخرجه النسائي (2 / 267 - 268) من طريق صفوان بن صالح قال: حدثنا الوليد قال : حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح، وقد علقه البخاري في " صحيحه " فقال: قال مالك: أخبرني زيد بن أسلم به دون كتب الحسنات. وقد وصله الحسن بن سفيان والبزار والإسماعيلي والدارقطني في " غرائب مالك " والبيهقي في " الشعب " من طرق أخرى عن مالك به. قال حافظ في " الفتح " (1 / 82) : " وقد ثبت في جميع الروايات ما سقط من رواية البخاري وهو كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام. وقوله " كتب الله " أي أمر أن يكتب، وللدارقطني من طريق زيد بن شعيب عن مالك بلفظ " يقول الله لملائكته اكتبوا "، فقيل: إن المصنف أسقط ما رواه غيره عمدا، لأنه مشكل على القواعد. وقال المازري: الكافر ليس كذلك، فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه، لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا لمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك. وتابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال. واستضعف ذلك النووي فقال: " والصواب الذي عليه المحققون، بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم، ثم أسلم، ثم مات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له. وأما دعوى أنه مخالف للقواعد، فغير مسلم، لأنه قد يعتد ببعض

أفعال الكفار في الدنيا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم وتجزئه " انتهى. ثم قال الحافظ: والحق أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلا من الله وإحسانا أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولا. والحديث إنما تضمن كتابة الثواب، ولم يتعرض للقبول. ويحتمل أن يكون القبول يصير معلقا على إسلامه، فيقبل ويثاب إن أسلم، وإلا فلا. وهذا قوي. وقد جزم بما جزم به النووي: إبراهيم الحربي وابن بطال وغيرهما من القدماء، والقرطبي وابن المنير من المتأخرين. قال ابن المنير: المخالف للقواعد، دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره، وأما أن الله يضيف إلى حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرا، فلا مانع منه كما لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل، وكما تفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز أن يكتب ثواب ما عمله غير موفى الشروط. واستدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين كما دل عليه القرآن والحديث الصحيح، وهو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه شيء من عمله الصالح، بل يكون هباء منثورا، فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب له مضافا إلى عمله الثاني، وبقوله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة عن ابن جدعان وما كان يصنعه من الخير: هل ينفعه؟ فقال: إنه لم يقل يوما، رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين، فدل على أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر ". قلت: وهذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه لتضافر الأحاديث على ذلك، ولهذا قال السندي في حاشيته على النسائي: " وهذا الحديث يدل على أن حسنات الكافر موقوفة، إن أسلم تقبل، وإلا ترد.

وعلى هذا فنحو قوله تعالى: (والذين كفروا أعمالهم كسراب) محمول على من مات على الكفر، والظاهر أنه لا دليل على خلافه، وفضل الله أوسع من هذا وأكثر فلا استبعاد فيه، وحديث " الإيمان يجب ما قبله " من الخطايا في السيئات لا في الحسنات ". قلت: ومثل الآية التي ذكرها السندي رحمه الله سائر الآيات الواردة في إحباط العمل بالشرك كقوله تعالى: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك، ولتكونن من الخاسرين) ، فإنها كلها محمولة على من مات مشركا، ومن الدليل على ذلك قوله عز وجل: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) ويترتب على ذلك مسألة فقهية وهي أن المسلم إذا حج، ثم ارتد، ثم عاد إلى الإسلام، لم يحبط، حجه ولم يجب عليه إعادته، وهو مذهب الإمام الشافعي وأحد قولي الليث بن سعد، واختاره ابن حزم وانتصر له بكلام جيد متين، أرى أنه لابد من ذكره، قال رحمه الله تعالى (7 / 277) : " مسألة - من حج واعتمر، ثم ارتد، ثم هداه الله تعالى واستنقذه من النار فأسلم فليس عليه أن يعيد الحج ولا العمرة، وهو قول الشافعي وأحد قولي الليث وقال أبو حنيفة ومالك وأبو سليمان: يعيد الحج والعمرة، واحتجوا بقول الله تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) ، ما نعلم لهم حجة

غيرها، ولا حجة لهم فيها، لأن الله تعالى لم يقل فيها: لئن أشركت ليحبطن عملك الذي عملت قبل أن تشرك، وهذه زيادة على الله لا تجوز، وإنما أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه، لا إذا أسلم، وهذا حق بلا شك. ولو حج مشرك أو اعتمر أو صلى أو صام أو زكى لم يجزه شيء من ذلك عن الواجب، وأيضا فإن قوله تعالى فيها: (ولتكونن من الخاسرين) بيان أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل إسلامه أصلا بل هو مكتوب له ومجازى عليه بالجنة، لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام ليس من الخاسرين بل من المربحين المفلحين الفائزين، فصح أن الذي يحبط عمله هو الميت على كفره، مرتدا أو غير مرتد، وهذا هو من الخاسرين بلا شك، لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته، وقال تعالى: (ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم) فصح نص قولنا: من أنه لا يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت وهو كافر، ووجدنا الله تعالى يقول: (إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) ، وقال تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) ، وهذا عموم لا يجوز تخصيصه، فصح أن حجه وعمرته إذا راجع الإسلام سيراهما، ولا يضيعان له. وروينا من طرق كالشمس عن الزهري وعن هشام بن عروة المعنى كلاهما عن عروة بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام: أي رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم، أفيها أجر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أسلمت على ما أسلفت من خير ".

248

248 - " أسلمت على ما أسلفت من خير ". قال ابن حزم: فصح أن المرتد إذا أسلم، والكافر الذي لم يكن أسلم قط إذا أسلما، فقد أسلما على ما أسلفا من الخير، وقد كان المرتد إذ حج وهو مسلم قد أدى ما أمر به وما كلف كما أمر به، فقد أسلم الآن عليه فهو له كما كان. وأما الكافر يحج كالصابئين الذين يرون الحج إلى مكة في دينهم، فإن أسلم بعد ذلك لم يجزه لأنه لم يؤده كما أمر الله تعالى به، لأن من فرض الحج وسائر الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد بن عبد الله عليه السلام في الدين الذي جاء به الذي لا يقبل الله تعالى دينا غيره، وقال عليه السلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ". والصابئ إنما حج كما أمره يوراسف أو هرمس فلا يجزئه، وبالله تعالى التوفيق. ويلزم من أسقط حجه بردته أن يسقط إحصانه وطلاقه الثلاث وبيعه وابتياعه وعطاياه التي كانت في الإسلام، وهم لا يقولون بهذا، فظهر فساد قولهم، وبالله تعالى نتأيد ". وإذا تبين هذا فلا منافاة بينه وبين الحديث المتقدم برقم (52) " أن الكافر يثاب على حسناته ما عمل بها لله في الدنيا " لأن المراد به الكافر الذي سبق في علم الله أنه يموت كافرا بدليل قوله في آخره: " حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها "، وأما الكافر الذي سبق في علم الله أنه يسلم ويموت مؤمنا فهو يجازى على حسناته التي عملها حالة كفره في الآخرة، كما أفادته الأحاديث المتقدمة، ومنها حديث حكيم بن حزام الذي أورده ابن حزم في كلامه المتقدم وصححه ولم يعزه لأحد من المؤلفين، وقد أخرجه البخاري في " صحيحه " (4 / 327، 5 / 127، 10 / 348) ومسلم (1 / 79) وأبو عوانة في " صحيحه " أيضا (1 / 72 - 73) وأحمد (3 / 402) .

249

ومنها حديث عائشة في ابن جدعان الذي ذكره الحافظ غير معزو لأحد، فأنا أسوقه الآن وأخرجه وهو: " لا يا عائشة، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". 249 - " لا يا عائشة، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". أخرجه مسلم (1 / 136) وأبو عوانة (1 / 100) وأحمد في " المسند " وابنه عبد الله في " زوائده " (6 / 93) وأبو بكر العدل في " اثنا عشر مجلسا " (ق 6 / 1) والواحدي في " الوسيط " (3 / 167 / 1) من طرق عن داود عن الشعبي عن مسروق (ولم يذكر الأخيران مسروقا) عن عائشة قالت: " قلت: يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المساكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: " فذكره. وله عنها طريق أخرى، فقال عبد الواحد بن زياد: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن عبيد بن عمير عنها أنها قالت: " قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يقري الضيف ويصل الرحم ويفك العاني ويحسن الجوار - فأثنيت عليه - هل نفعه ذلك؟ قال: " فذكره. أخرجه أبو عوانة وأبو القاسم إسماعيل الحلبي في " حديثه " (ق 114 - 115) من طرق عن عبد الواحد به. ووجدت له طريقا ثالثا، رواه يزيد بن زريع حدثنا عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عنها به نحوه. أخرجه يحيى بن صاعد في " حديثه " (4 / 288 / 1 - 2) من طريقين عن يزيد به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط البخاري على اختلاف قولي أبي حاتم

250

في سماع عكرمة - وهو مولى ابن عباس - من عائشة، فأثبته في أحدهما ونفاه في الآخر، لكن المثبت مقدم على النافي، كما هو في علم الأصول مقرر. وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن الكافر إذا أسلم نفعه عمله الصالح في الجاهلية بخلاف ما إذا مات على كفره فإنه لا ينفعه بل يحبط بكفره، وقد سبق بسط الكلام في هذا في الحديث الذي قبله. وفيه دليل أيضا على أن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل البعثة المحمدية ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة رسول، إذ لو كانوا كذلك لم يستحق ابن جدعان العذاب ولما حبط عمله الصالح، وفي هذا أحاديث أخرى كثيرة سبق أن ذكرنا بعضها. 250 - " لا ضرر، ولا ضرار ". حديث صحيح ورد مرسلا، وروي موصولا عن أبي سعيد الخدري، وعبد الله ابن عباس، وعبادة بن الصامت، وعائشة، وأبي هريرة، وجابر بن عبد الله، وثعلبة بن مالك رضي الله عنهم. أما المرسل، فقال مالك في " الموطأ " (2 / 218) : عن عمرو ابن يحيى المازني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح مرسلا. وقد روي موصولا عن أبي سعيد الخدري رواه عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وزاد: " من ضار ضاره الله، ومن شاق شاق الله عليه ". أخرجه الحاكم (2 / 57 - 58) والبيهقي (6 / 69 - 70) وقال: " تفرد به عثمان بن محمد عن الدراوردي ".

قلت: وتعقبه ابن التركماني فقال: " قلت: لم ينفرد به، بل تابعه عبد الملك بن معاذ النصيبي، فرواه كذلك عن الدراوردي. كذا أخرجه أبو عمر في كتابيه (التمهيد) و (الاستذكار) . قلت: وكأنه لهذه المتابعة قال الحاكم عقبه: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وإلا فلولا المتابعة هذه لم يكن الحديث على شرط مسلم لأن عثمان بن محمد ليس من رجاله، وفوق ذلك فهو متكلم فيه قال الدارقطني: ضعيف. وقال عبد الحق: الغالب على حديثه الوهم. ولكن قد يتقوى حديثه بمتابعة النصيبي هذا له، وإن كان لا يعرف حاله، كما قال ابن القطان وتابعه الذهبي، وهو بالتالي ليس من رجال مسلم أيضا، فهو ليس على شرطه أيضا، ولكنهم قد يتساهلون في الرواية المتابعة ما لا يتساهلون في الرواية الفردة، فيقولون في الأول: إنه على شرط مسلم باعتبار من فوق المتابعين مثلما هنا كما هو معروف، ولذلك فقد رأينا الحافظ ابن رجب في " شرح الأربعين النووية " (219) لم يعل الحديث بعثمان هذا ولا بمتابعة النصيبي، وإنما أعله بشيخهما، فقد قال عقب قول البيهقي المتقدم: " قال ابن عبد البر: لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث. قال: ولا بسند من وجه صحيح. ثم خرجه من رواية عبد الملك بن معاذ النصيبي عن الدراوردي موصولا والدراوردي كان الإمام أحمد يضعف ما حدث به من حفظه ولا يعبأ به، ولا شك في تقديم قول مالك على قوله ".

قلت: يعني أن الصواب في الحديث عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلا كما رواه مالك، ولسنا نشك في ذلك فإن الدراوردي وإن كان ثقة من رجال مسلم فإن فيه كلاما يسيرا من قبل حفظه، فلا تقبل مخالفته للثقة، لاسيما إذا كان مثل مالك رحمه الله تعالى. والحديث أخرجه الدارقطني أيضا (ص 522) موصولا من الوجه المتقدم لكن بدون الزيادة: " من ضار ... " ثم رأيته قد أخرجه في مكان آخر (ص 321) من الوجه المذكور بالزيادة. وأما حديث ابن عباس، فيرويه عنه عكرمة، وله عنه ثلاث طرق: الأولى: عن جابر الجعفي عنه به. أخرجه ابن ماجه (2 / 57) وأحمد (1 / 313) كلاهما عن عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن جابر الجعفي به. قال ابن رجب: " وجابر الجعفي ضعفه الأكثرون ". الثانية: عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة به. أخرجه الدارقطني (522) . قال ابن رجب: " وإبراهيم ضعفه جماعة، وروايات داود عن عكرمة مناكير ". قلت: لكن تابعه سعيد بن أبي أيوب عند الطبراني في " الكبير " (3 / 127 / 1) قال: حدثنا أحمد بن رشدين المصري أنبأنا روح بن صلاح أنبأنا سعيد بن أبي أيوب عن داود بن الحصين به، إلا أنه أوقفه على ابن عباس. لكن السند واه، فإن روح ابن صلاح ضعيف. وابن رشدين كذبوه، فلا تثبت المتابعة. الثالثة: قال ابن أبي شيبة كما في " نصب الراية " (4 /384) : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن سماك عن عكرمة به.

قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، غير أن سماكا روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره فكان، ربما يلقن كما في " التقريب ". وأما حديث عبادة بن الصامت، فيرويه الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة مرفوعا به. أخرجه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (5 / 326) . قلت: وهذا سند ضعيف منقطع بين عبادة وحفيده إسحاق. قال الحافظ: " أرسل عن عبادة، وهو مجهول الحال ". وأما حديث عائشة، فله عنها طريقان: الأولى: يرويها الواقدي: أنبأنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت عن أبي الرجال عن عمرة عنها. أخرجه الدارقطني (522) ، قال ابن رجب: " والواقدي متروك، وشيخه مختلف في تضعيفه ". الثانية: عن روح بن صلاح حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي سهيل عن القاسم ابن محمد عنها، وعن أبي بكر بن أبي سبرة عن نافع بن مالك أبي سهيل عن القاسم به. أخرجه الطبراني في " المعجم الوسط " وقال: " لم يروه عن القاسم إلا نافع بن مالك ". قلت: هو ثقة محتج به في " الصحيحين "، لكن الطريقان إليه ضعيفان كما قال ابن رجب، ففي الأولى روح بن صلاح وهو ضعيف، وفي الأخرى أبو بكر بن أبي سبرة، وهو أشد ضعفا، قال في " التقريب ": "

رموه بالوضع ". وأما حديث أبي هريرة، فيرويه أبو بكر بن عياش قال: عن ابن عطاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. أخرجه الدارقطني، وأعله الزيلعي بأبي بكر هذا فقال: " مختلف فيه ". وأعله ابن رجب بابن عطاء فقال: " وهو يعقوب وهو ضعيف ". وأما حديث جابر فيرويه حيان بن بشر القاضي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عنه. رواه الطبراني في " الأوسط "، وسكت عليه الزيلعي. وقال ابن رجب: " هذا إسناد مقارب، وهو غريب خرجه أبو داود في " المراسيل " من رواية عبد الرحمن بن مغراء عن ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع مرسلا. وهذا أصح ". قلت: ومداره على ابن إسحاق وهو مدلس وقد عنعنه، وحيان بن بشر الذي في الطريق الموصولة، قال ابن معين: لا بأس به. وله ترجمة في " تاريخ بغداد " (8 / 285) ، وقد روي عن واسع بن حبان عن أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه وسلم. رواه أبو داود في " المراسيل "، كما نقله الزيلعي ولم يسق إسناده لننظر فيه.

251

وأما حديث ثعلبة فهو من رواية إسحاق بن إبراهيم مولى مزينة عن صفوان ابن سليم عنه. رواه الطبراني في " معجمه " كما في " الزيلعي " (4 / 385) وسكت عليه، وإسحاق بن إبراهيم هذا لم أعرفه، وفات هذا الحديث الحافظ الهيثمي فلم يورده في " المجمع " (4 / 110) وأورد فيه فقط حديث جابر وعائشة. وبالجملة فهذه طرق كثيرة أشار إليها النووي في " أربعينه " ثم قال: " يقوي بعضها بعضا ". ونحوه قول ابن الصلاح: " مجموعها يقوي الحديث، ويحسنه، وقد تقبله جماهير أهل العلم واحتجوا به. وقول أبي داود: إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها يشعر بكونه غير ضعيف ". 251 - " حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها كلها لأعطان الإبل والغنم ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 494) : حدثنا هشيم قال: أنبأنا عوف عن رجل حدثه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 125) :

" رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم، وبقية رجاله ثقات ". قلت: وهكذا أخرجه البيهقي (6 / 155) من طريق أخرى عن هشيم به ثم قال: " وقد كتبناه من حديث مسدد عن هشيم: أخبرنا عوف حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخبرناه أبو الحسن المقري ... ". ثم ساق السند إلى مسدد به. ومسدد ثقة من رجال البخاري، لكن في السند إليه من لم أعرفه. ولم يتعرض الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 292) وكذا الحافظ العسقلاني في " التلخيص " (ص 256) لهذه الطريق. والله أعلم. وللحديث شاهد من رواية عبد الله بن مغفل مرفوعا بلفظ: " من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته ". أخرجه الدارمي (2 / 273) وابن ماجه (2 / 96) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن الحسن عنه. وهذا سند ضعيف وله علتان: الأولى: عنعنة الحسن وهو البصري فقد كان مدلسا. والأخرى: ضعف إسماعيل بن مسلم المكي قال الحافظ في " التقريب ": " كان فقيها، ضعيف الحديث ". وقال في " التلخيص " (256) بعد أن عزاه لابن ماجه وحده: " وفي سنده إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف، وقد أخرجه الطبراني من طريق أشعث عن الحسن، وفي الباب عن أبي هريرة عند أحمد ". قلت: فما دام أنه قد تابعه أشعث، فإعلال الحديث بالعلة الأولى أولى كما لا يخفى. وأشعث هذا واحد من أربعة، كلهم يروون عن الحسن:

الأول: أشعث بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي. الثاني: أشعث بن سوار الكندي. الثالث: أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني. الرابع: أشعث بن عبد الملك الحمراني. وكل هؤلاء ثقات غير الثاني ففيه ضعف، ولكن لا بأس به في المتابعات، كما يشير إلى ذلك ما حكاه البرقاني عن الدارقطني، قال: " قلت للدارقطني: أشعث عن الحسن؟ قال: هم ثلاثة يحدثون جميعا عن الحسن: الحمراني وهو ابن عبد الملك أبو هاني ثقة. وابن عبد الله بن جابر الحداني يعتبر به، وابن سوار، يعتبر به وهو أضعفهم ". قلت: وقد فاته الأول، وهو ثقة أيضا كما قال ابن معين وغيره. وبالجملة، فهذا شاهد لا بأس به، فالحديث به حسن عندي والله أعلم. وقد ذهب إلى العمل به أبو حنيفة والشافعي كما في " سبل السلام " (3 / 78 - 79) .

252

252 - " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء ". صحيح من حديث أبي هريرة مصرحا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وله عنه طريقان: الأولى: عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال: " كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة، فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه، فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم ها هنا؟ ! لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء! سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. أخرجه مسلم (1 / 151) وأبو عوانة (1 / 244) والنسائي (1 / 35) والبيهقي (1 / 56) وأحمد (2 / 371) عنه. وخلف هذا فيه ضعف من قبل حفظه وكان اختلط، لكنه قد توبع فرواه أبو عوانة من طريق عبد الله بن إدريس قال: سمعت أبا مالك الأشجعي به بلفظ: " قال: رأيته يتوضأ فيبلغ بالماء عضديه، فقلت: ما هذا؟ قال: وأنتم حولي يا بني فروخ؟ ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحلية تبلغ مواضع الطهور ". وهذا إسناد صحيح لا غبار عليه. والطريق الأخرى عن يحيى بن أيوب البجلي عن أبي زرعة قال: " دخلت على أبي هريرة فتوضأ إلى منكبيه، وإلى ركبته، فقلت له: ألا تكتفي بما فرض الله عليك من هذا؟ قال: بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مبلغ الحلية مبلغ الوضوء، فأحببت أن يزيدني في حليتي ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 40) : حدثنا ابن المبارك عن يحيى به. وعلقه عنه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 243) . قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيحين " غير يحيى هذا وهو ثقة اتفاقا إلا رواية عن ابن معين، وقال الحافظ:

" لا بأس " به. ولا يضره إن شاء الله تعالى أن خالفه غيره من الثقات فأوقفه، لأن الرفع زيادة، وهي من ثقة فهي مقبولة، لاسيما ويشهد لها الطريق الأولى، فأخرج البخاري (10 / 317 ) وابن أبي شيبة (1 / 41 - 42) وأحمد (2 / 232) عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة قال: " دخلت مع أبي هريرة دار مروان فدعا بوضوء فتوضأ، فلما غسل ذراعيه جاوز المرفقين، فلما غسل رجليه جاوز الكعبين إلى الساقين، فقلت: ما هذا؟ قال: هذا مبلغ الحلية ". واللفظ لابن أبي شيبة. قال الشيخ إبراهيم الناجي متعقبا رواية مسلم الأولى وقد أوردها المنذري في " الترغيب ": " وهذه الرواية تدل على أن آخره ليس بمرفوع أيضا ". قلت: يعني قوله: " تبلغ الحلية ... ". وقد عرفت الجواب عن هذا الإعلال أنفا وغالب ظني أن الناجي لم يقف على المتابعة المذكورة لخلف عند أبي عوانة ولا على هذه الطريق الأخرى الصحيحة أيضا، وإلا لما قال ذلك. على أنه قد بدى لي أن هذه الرواية وإن كانت موقوفة ظاهرا، فهي في الحقيقة مرفوعة، لأن قوله: " هذا مبلغ الحلية " فيه إشارة قوية جدا إلى أن المخاطب يعلم أن هناك حديثا مرفوعا بلفظ " مبلغ الحلية مبلغ الوضوء " كما هو مصرح به في الطريق الثانية، فاكتفى الراوي بذلك عن التصريح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتأمل. وجملة القول: أن الحديث مرفوع من الطريقين، ولا يعله الموقوف لأنه في حكم المرفوع كما سبق بيانه.

إذا عرفت هذا، فهل في الحديث ما يدل على استحباب إطالة الغرة والتحجيل؟ والذي نراه إذا لم نعتد برأي أبي هريرة رضي الله عنه - أنه لا يدل على ذلك، لأن قوله: " مبلغ الوضوء " من الواضح أنه أراد الوضوء الشرعي، فإذا لم يثبت في الشرع الإطالة، لم يجز الزيادة عليه كما لا يخفى. على أنه إن دل الحديث على ذلك، فلن يدل على غسل العضد لأنه ليس من الغرة ولا التحجيل، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى في " حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (1 / 315 - 316) : " وقد احتج بهذا الحديث من يرى استحباب غسل العضد وإطالته، والصحيح أنه لا يستحب، وهو قول أهل المدينة، وعن أحمد روايتان، والحديث لا يدل على الإطالة فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم، لا في العضد والكتف ". واعلم أن هناك حديثا آخر يستدل به من يذهب إلى استحباب إطالة الغرة والتحجيل وهو بلفظ: " إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم

253

أن يطيل غرته فليفعل ". وهو متفق عليه بين الشيخين، لكن قوله: " فمن استطاع ... " مدرج من قول أبي هريرة ليس من حديثه صلى الله عليه وسلم كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ كالمنذري وابن تيمية وابن القيم والعسقلاني وغيرهم وقد بينت ذلك بيانا شافيا في " الأحاديث الضعيفة " فأغنى عن الإعادة، ولو صحت هذه الجملة لكانت نصا على استحباب إطالة الغرة والتحجيل لا على إطالة العضد. والله ولى التوفيق. 253 - " من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بوجه الله فأعطوه ". أخرجه أبو داود (2 / 622 - الحلبية) وأحمد (رقم 2248) والخطيب في " تاريخه " (4 / 258) من طرق عن خالد بن الحارث حدثنا سعيد (بن أبي عروبة) عن قتادة عن أبي نهيك عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند جيد إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي نهيك واسمه عثمان بن نهيك كما جزم الحافظ تبعا لابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 171) وذكر أنه روى عنه جماعة من الثقات، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال ابن القطان: لا يعرف. وتناقض فيه الحافظ فإنه في الأسماء قال: " مقبول "، وفي " الكنى " قال: " ثقة ". والظاهر أنه وسط حسن الحديث، لأنه تابعي وقد روى عنه الجماعة، فهو حكم مستوري التابعين الذين يحتج بحديثهم ما لم يظهر خطؤهم فيه، وهذا الحديث من

254

هذا القبيل، بل قد وجدنا ما شهد لصحته، وهو حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وهو الحديث الآتي بعده. (فائدة) روى ابن أبي شيبة (4/68) بسند صحيح إلى ابن جريج عن عطاء أنه كره أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا. 254 - " من استعاذكم بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، (ومن استجار بالله فأجيروه) ، ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 216) وأبو داود (1 / 389، 2 / 622) والنسائي (1 / 358) وابن حبان في " صحيحه " (رقم 2071) والحاكم (1 / 412) والبيهقي (4 / 199) وأحمد (2 / 68، 99) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 56) من طرق عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا. والزيادة لأحمد في رواية، وهي عند النسائي بديل التي قبلها. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه ليث عن مجاهد به دون الجملة الأولى والرابعة. أخرجه أحمد (2 / 95 - 96) ، ولابن أبي شيبة (4 / 68) الجملة الثانية فقط، وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف. وقد خالف الجماعة أبو بكر بن عياش فقال: عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره دون الجملة الرابعة وما بعدها وجعله من مسند أبي هريرة ومن رواية أبي حازم عنه.

255

أخرجه أحمد (2 / 512) والحاكم (1 / 413) وقال: " إسناد صحيح، فقد صح عند الأعمش الإسنادان جميعا على شرط الشيخين، ونحن على أصلنا في قبول الزيادات من الثقات في الأسانيد والمتون ". ووافقه الذهبي، وفي ذلك نظر عندي من وجهين: الأول: أن أبا بكر بن عياش لم يخرج له مسلم شيئا، وإنما البخاري فقط. الآخر: أن أبا بكر فيه ضعف من قبل حفظه وإن كان ثقة في نفسه فلا يحتج به فيما خالف الثقات. قال الذهبي نفسه في " الميزان " من ترجمته: " صدوق، ثبت في القراءة، لكنه في الحديث يغلط ويهم ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح ". 255 - " ألا أخبركم بخير الناس منزلة؟ قلنا: بلى، قال: رجل ممسك برأس فرسه - أو قال: فرس - في سبيل الله حتى يموت أو يقتل، قال: فأخبركم بالذي يليه؟ فقلنا: نعم يا رسول الله قال: امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة ويعتزل الناس، قال: فأخبركم بشر الناس منزلة؟ قلنا: نعم يا رسول الله قال : الذي يسأل بالله العظيم، ولا يعطي به ". أخرجه النسائي (1 / 358) والدارمي (2 / 201 - 202) وابن حبان في " صحيحه " (1593) وأحمد (1 / 237، 319، 322) والطبراني في " المعجم

الكبير " (3 / 97 / 1) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن إسماعيل ابن عبد الرحمن بن ذؤيب عن عطاء بن يسار عن ابن عباس. " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم وهم جلوس فقال ... " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات. وأخرجه الترمذي (3 / 14) من طريق ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن عطاء بن يسار به نحوه باختصار ألفاظ، وقال: " هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ويروى من غير وجه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: وابن لهيعة سيء الحفظ، لكنه قد توبع، فأخرجه ابن حبان (1594) والطبراني في " الكبير " (3 / 97 / 1) عن عمرو بن الحارث أن بكرا حدثه به، فصح بهذا الإسناد أيضا عن عطاء. (فائدة) في الحديث تحريم سؤال شيء من أمور الدنيا بوجه الله تعالى، وتحريم عدم إعطاء من سأل به تعالى. قال السندي في حاشيته على النسائي: " (الذي يسأل بالله) على بناء الفاعل، أي الذي يجمع بين القبحتين أحدهما السؤال بالله، والثاني عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى، فما يراعي حرمة اسمه تعالى في الوقتين جميعا. وأما جعله مبنيا للمفعول فبعيد إذ لا صنع للعبد في أن يسأله السائل بالله، فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحل ". قلت: ومما يدل على تحريم عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى حديث ابن عمر وابن عباس المتقدمين: " ومن سألكم بالله فأعطوه ". ويدل على تحريم السؤال به تعالى حديث: " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة ".

256

ولكنه ضعيف الإسناد كما بينه المنذري وغيره، ولكن النظر الصحيح يشهد له، فإنه إذا ثبت وجوب الإعطاء لمن سأل به تعالى كما تقدم، فسؤال السائل به، قد يعرض المسؤول للوقوع في المخالفة وهي عدم إعطائه إياه ما سأل وهو حرام، وما أدى إلى محرم فهو محرم، فتأمل. وقد تقدم قريبا عن عطاء أنه كره أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا. ووجوب الإعطاء إنما هو إذا كان المسؤول قادرا على الإعطاء ولا يلحقه ضرر به أو بأهله، وإلا فلا يجب عليه. والله أعلم. 256 - " من أخذ على تعليم القرآن قوسا، قلده الله قوسا من نار يوم القيامة ". رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (ق 268 / 1) : حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر المخزومي الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن إسماعيل بن عبيد الله قال: قال لي عبد الملك بن مروان: يا إسماعيل علم ولدي، فإني معطيك أو مثيبك، قال إسماعيل: يا أمير المؤمنين! وكيف بذلك وقد حدثتني أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قال عبد الملك: يا إسماعيل لست أعطيك أو أثيبك على القرآن، إنما أعطيك أو أثيبك على النحو. وأخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 427 / 2) من طريق أخرى عن أحمد بن منصور الرمادي به. وأخرجه البيهقي في " سننه " (6 / 126) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل به.

ثم روى البيهقي عن عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم قال: " حديث أبي الدرداء هذا ليس له أصل ". قلت: كذا قال، وقد رده ابن التركماني بقوله: " قلت: أخرجه البيهقي هنا بسند جيد فلا أدري ما وجه ضعفه وكونه لا أصل له ". قلت: وهذا رد قوي، ويؤيده قول الحافظ في " التلخيص " (333) : " رواه الدارمي بسند على شرط مسلم، لكن شيخه عبد الرحمن بن يحيى ابن إسماعيل لم يخرج له مسلم، وقال فيه أبو حاتم: ما به بأس ". ثم ذكر قول دحيم. قلت: ولم يتفرد به عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل، بل تابعه إبراهيم ابن يحيى بن إسماعيل أخوه، أخرجه ابن عساكر في ترجمته (2 / 284 / 2) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم أخرجه ابن عساكر من طريق هشام بن عمار أنبأنا عمرو بن واقد أنبأنا إسماعيل ابن عبيد الله به. قلت: فهذه طريق أخرى عن إسماعيل، ولكنها واهية، فإن عمرو بن واقد متروك كما في " التقريب "، فالاعتماد على الطريق الأول، وقد علمت أن ابن التركماني جود إسناده، وأشار إلى ذلك الحافظ، وهو حري بذلك لولا أن فيه علتين: الأولى: أن سعيد بن عبد العزيز وإن كان على شرط مسلم فقد اختلط في آخر عمره كما في " التقريب "، ولا ندري أحدث بهذا قبل الاختلاط أم بعده. الثانية: أن الوليد بن مسلم وإن كان من رجال الشيخين، فإنه كثير التدليس والتسوية، فيخشى أن يكون أسقط رجلا بين سعيد وإسماعيل وعليه فيحتمل أن يكون المسقط ضعيفا، مثل عمرو بن واقد أو غيره، ولعل هذا هو وجه قول دحيم في

هذا الحديث " ليس له أصل ". غير أن له شاهدا يدل على أن له أصلا أصيلا، وهو من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وله طريقان: الأولى: عن مغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي، عن الأسود بن ثعلبة عنه قال: " علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن، فأهدى إلي رجل منهم قوسا، فقلت: ليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله عز وجل، لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله؟ قال: إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها ". أخرجه أبو داود (2 / 237 - الحلبي) وابن ماجه (2 / 8) والطحاوي (2 / 10) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 82) والحاكم (2 / 41) والبيهقي (6 / 125) وأحمد (5 / 315) . وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وقال الذهبي: " قلت: مغيرة صالح الحديث، وقد تركه ابن حبان ". وقال البيهقي عن ابن المديني: " إسناده كله معروف إلا الأسود بن ثعلبة، فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث ". كذا قال، وله أحاديث أخرى ثلاثة أشار إليهما ابن التركماني وابن حجر، وانصرفا بذلك عن بيان حال الأسود هذا وهو مجهول كما في " التقريب ". وقال في " الميزان ": " لا يعرف "،

لكنه لم يتفرد به، فقال بقية: حدثني بشر ابن عبد الله بن يسار: وحدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن عبادة ابن الصامت نحو هذا الخبر والأول أتم: فقلت: ما ترى فيها يا رسول الله ! فقال: جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقها. أخرجه أبو داود وعنه البيهقي وقال: " هذا حديث مختلف فيه على عبادة بن نسي كما ترى ". يعني أن المغيرة بن زياد سمى شيخ ابن نسي الأسود بن ثعلبة، وبشر بن عبد الله بن يسار سماه جنادة بن أبي أمية، وليس هذا في نقدي اختلافا، لاحتمال أن يكون لابن نسي فيه شيخان، فكان يرويه تارة عن هذا، وتارة عن هذا، فروى كل من المغيرة وبشر ما سمع منه، وكأنه لما ذكرنا لم يعله ابن حزم بالاختلاف المذكور، بل أعل الطريق الأولى بجهالة الأسود، وأعل الأخرى بقوله: " بقية ضعيف ". قلت: والمتقرر في بقية أنه صدوق فهو حسن الحديث إلا إذا عنعن فلا يحتج به حينئذ، وفي هذا الحديث قد صرح بالتحديث فأمنا بذلك تدليسه، على أنه لم يتفرد به، فقال الإمام أحمد (5 / 324) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا بشر بن عبد الله يعني ابن يسار به. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (3 / 356) أيضا وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا إن شاء الله تعالى فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير بشر هذا، وقد روى عنه جماعة ووثقه ابن حبان، وقال الحافظ فيه: " صدوق ".

257

(تنبيه) عزى الحافظ في " التلخيص " (ص 333) هذا الحديث للدارمي وتبعه على ذلك الشوكاني في " نيل الأوطار " (5 / 243) ، ومن المصطلح عليه عند أهل العلم أن الدارمي إذا أطلق فإنما يراد به الإمام عبد الله بن عبد الرحمن صاحب كتاب " السنن " المعروف بـ " المسند "، وعليه فإني أخذت أبحث عنه فيه، ولكن عبثا، وكان ذلك قبل أن أقف على سند الحديث في سنن البيهقي، وحينذاك تبين لي أنه ليس هو المراد، وإنما هو عثمان بن سعيد الدارمي الذي من طريقه رواه البيهقي، فرأيت التنبيه على ذلك. وأيضا فقد وقع من الشوكاني ما هو أبعد عن الصواب، وذلك أنه قال: إن إسناد الدارمي على شرط مسلم. ولم يذكر الاستثناء الذي تقدم على الحافظ! ثم إن للحديث شاهد آخر من حديث أبي بن كعب، ولكن سنده ضعيف، وقد تكلمت عليه في " الإرواء " (1488) ، وفيما تقدم كفاية. 257 - " من قرأ القرآن فليسأل الله به، فإنه سيجيء أقوام يقرءون القران يسألون به الناس ". أخرجه الترمذي (4 / 55) وأحمد (4 / 432 - 433 و 439) عن سفيان عن الأعمش عن خيثمة عن الحسن عن عمران بن حصين أنه مر على قارىء يقرأ، ثم سأل، فاسترجع ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي: " وقال محمود (يعني شيخه ابن غيلان) : هذا خيثمة البصري الذي روى عنه جابر الجعفي، وليس هو خيثمة بن عبد الرحمن، هذا حديث حسن، وخيثمة هذا شيخ بصري يكنى أبا نصر ". قلت: قال فيه ابن معين: ليس بشيء.

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "، وقال الحافظ: " لين الحديث ". قلت: والحسن هو البصري وهو مدلس وقد عنعنه، لكن أخرجه أحمد (4 / 436) من طريق شريك بن عبد الله عن منصور عن خيثمة عن الحسن قال: " كنت أمشي مع عمران بن حصين، أحدنا آخذ بيد صاحبه، فمررنا بسائل يقرأ القرآن ... " الحديث نحوه. قلت: وشريك هذا هو القاضي، وهو سييء الحفظ فلا يحتج به، لاسيما مع مخالفته لرواية سفيان. وإنما حسن الترمذي هذا الحديث مع ضعف إسناده لما له من الشواهد الكثيرة، وذلك اصطلاح منه نص عليه في " العلل " التي في آخر " السنن " فقال (4 / 400) : " وما ذكرنا في هذا الكتاب " حديث حسن "، فإنما أردنا حسن إسناده عندنا كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن ". ومن الغرائب أن يخفى قول الترمذي هذا على الحافظ ابن كثير، فإنه لما ذكره في " اختصار علوم الحديث " عن ابن الصلاح تعقبه بقوله (ص 40) : " وهذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قاله، ففي أي كتاب له قاله؟ ! ". فقد عرفت في أي كتاب له قاله، فسبحان من لا تخفى عليه خافية. ثم إن الحديث نقل الشوكاني (5 / 243) عن الترمذي أنه قال بعد إخراجه: " هذا حديث حسن، ليس إسناده بذاك ". وليس في نسختنا منه هذا: ليس إسناده بذاك. والله أعلم. ثم رأيتها في

258

نسخة بولاق من " السنن " (2 / 151) . أما شواهد الحديث، فهي عن جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة وهاك بعضها: " تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم، يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله ". 258 - " تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم، يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله ". رواه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 74) عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، من أجل ابن لهيعة، فإنه سييء الحفظ، لكنه لم يتفرد به كما يأتي فالحديث جيد. وأبو الهيثم اسمه سليمان بن عمرو العتواري المصري. والحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (9 / 82) لأبي عبيد في " فضائل القرآن " عن أبي سعيد وصححه الحاكم، وأقره الحافظ عليه، ولم أجده الآن في " المستدرك "، ولعله من غير طريق ابن لهيعة. وله طريق أخرى عند البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 96) والحاكم (4 / 547) وأحمد (3 / 38 - 39) وابن أبي حاتم كما " في تفسير ابن كثير " (3 / 128) عن بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يخلف قوم من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا، ثم يكون قوم يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن

259

ومنافق وفاجر قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات غير أن الوليد هذا لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، لكن روى عنه جماعة، وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول "، فحديثه يحتمل التحسين، وهو على كل حال شاهد صالح. وللحديث شواهد أخرى تؤيد صحته عن جماعة من الصحابة لابد من ذكرها إن شاء الله تعالى. 259 - " اقرءوا فكل حسن، وسيجىء أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه، ولا يتأجلونه ". أخرجه أبو داود (1 / 132 - الطبعة التازية) : حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نقرأ القرآن، وفينا الأعرابي والعجمي، فقال " فذكره.

وأخرجه أحمد (3 / 397) : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا خالد به. ووقع فيه خالد بن حميد الأعرج. وهو تصحيف. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير وهب ابن بقية فمن رجال مسلم وحده، وتابعه خلف بن الوليد ولا بأس به في " المتابعات ". وتابعه أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن المنكدر به. أخرجه أحمد (3 / 357) وإسناده حسن. وله شاهد من حديث سهل بن سعد الساعدي قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقترئ، فقال: " الحمد لله كتاب الله واحد، وفيكم الأحمر، وفيكم الأبيض، وفيكم الأسود، اقرؤوه.. " الحديث. أخرجه أبو داود وابن حبان في " صحيحه " (رقم 1876) عن عمرو بن الحارث (زاد الأول منهما: وابن لهيعة) عن بكر بن سوادة عن وفاء بن شريح الصدفي عن سهل بن سعد به إلا أنه قال: " يتعجل أجره، ولا يتأجله ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم باستثناء ابن لهيعة - غير وفاء هذا، فلم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه سوى بكر هذا، وزياد بن نعيم، ولهذا قال الحافظ فيه " مقبول " ولم يوثقه. ورواية ابن لهيعة، قد أخرجها الإمام في " المسند " (3 / 146، 155) من طريقين عنه به إلا أنه جعله من مسند أنس بن مالك، لا من مسند سهل، ولعل ذلك من أوهامه، فإنه معروف بسوء الحفظ، وقال في رواية " عن وفاء الخولاني " وفي الأخرى " عن أبي حمزة الخولاني ". فإن كان حفظه، فهذه فائدة عزيزة لا توجد في التراجم، فقد نسبه خولانيا وكناه بأبي حمزة، وهذا مما لم يذكر في ترجمته من " التهذيب " وغيره.

260

نعم أورده ابن أبي حاتم في " الكنى " فقال: (4 / 2 / 361) : " أبو حمزة الخولاني، سمع جابرا. روى عنه بكر بن سوادة. قال أبو زرعة: هه مصري لا يعرف اسمه ". وأورده في " الأسماء " فقال (4 / 2 / 49) : " وفاء (في الأصل: وقاء بالقاف) بن شريح الصدفي، روى عن سهل ابن سعد ورويفع بن ثابت، روى عنه زياد بن نعم وبكر بن سوادة ". قلت: والظاهر أنهما واحد إذا صحت رواية ابن لهيعة. والله أعلم. 260 - " اقرءوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 10) وأحمد (3 / 428، 444) والطبراني في " الأوسط " (1 / 142 / 2، 170 / 2 - من " زوائد المعجمين ") وابن عساكر (9 / 486 / 2) من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن (وفي رواية: حدثنا) زيد بن سلام عن أبي سلام (ولم يقل الطبراني: عن أبي سلام) عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري أن معاوية قال له: إذا أتيت فسطاطي فقم فأخبر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره والسياق لأحمد، ورواه الطبراني في " الكبير " أيضا كما في " المجمع " (4 / 73) : وقال: " ورجاله ثقات ". قلت: وهو كما قال، بل هو إسناده صحيح، رجاله كلهم رجال مسلم غير أبي راشد الحبراني بضم المهملة وسكون الموحدة، وهو ثقة، روى عنه جماعة من

261

الثقات، وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة العليا التي تلي الصحابة. وقال العجلي: " تابعي ثقة، لم يكن في زمانه بدمشق أفضل منه ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحافظ في " التقريب ": " قيل اسمه أخضر، وقيل النعمان، ثقة من الثالثة ". قلت: فلا يقبل بعد هذا قول ابن حزم فيه (8 / 196) : " وهو مجهول " وأعل الحديث به، فإنه لا سلف له في ذلك، وقد وثقه هؤلاء الأئمة. ولهذا قال الحافظ في " الفتح " (9 / 82) بعد أن عزاه لأحمد وأبي يعلى: " وسنده قوي ". 261 - " هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي ". رواه ابن شاهين في " الترغيب " (262 / 1 - 2) عن محمد بن مصفى أنبأنا ابن أبي فديك قال: حدثني طلحة بن يحيى عن أنس بن مالك قال: " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء، فغسل وجهه مرة ويديه مرة، ورجليه مرة مرة وقال: هذا وضوء لا يقبل الله عز وجل الصلاة إلا به، ثم دعا بوضوء فتوضأ مرتين مرتين، وقال: هذا وضوء من توضأ ضاعف الله له الأجر مرتين ثم دعا بوضوء فتوضأ ثلاثا وقال: هكذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم والنبيين قبله، أو قال: هذا ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف، ولكنه منقطع، فإن طلحة بن يحيى وهو ابن النعمان بن أبي عياش الزرقي لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، بل ولا عن التابعين. والحديث ذكره الحافظ في " التلخيص " (ص 30) من رواية ابن السكن في

" صحيحه " عن أنس به. وسكت عليه، وليس بجيد، إذا كان عنده من هذا الوجه المنقطع. لكن للحديث شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الحسن إن لم نقل الصحة، وهي من حديث ابن عمر، وله عنه طريقان، ومن حديث أبي بن كعب وزيد ابن ثابت وأبي هريرة وعبيد الله بن عكراش عن أبيه. وقد خرجتها في إرواء الغليل " (رقم 85) فلا داعي للإعادة، وقد أشار الصنعاني في " سبل السلام " (1 / 73 - طبع المكتبة التجارية) إلى تقوية الحديث بقوله: " وله طرق يشد بعضها بعضا ". وقد ذكره من حديث ابن عمر، وزيد بن ثابت وأبي هريرة فقط! وساقه بلفظ: " توضأ صلى الله عليه وسلم على الولاء ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ". فقوله " على الولاء " مما لا أصل له في شيء من الطرق التي ذكرها، ولا فيما زدنا عليه من الطرق الأخرى! ومثله قول الشيخ إبراهيم بن ضويان في " منار السبيل " (1 / 25) " توضأ صلى الله عليه وسلم مرتبا وقال ... "! والحديث مع أنه لم يذكر فيه الترتيب صراحة فلا يؤخذ ذلك من قوله فيه " فغسل وجهه مرة، ويديه مرة ورجليه مرة، وقال هذا.. " لما اشتهر أن الواو لمطلق الجمع فلا تفيد الترتيب، لاسيما والأحاديث الأخرى التي أشرنا إليها لم يذكر فيها أعضاء الوضوء، بل جاءت مختصرة بلفظ " توضأ مرة مرة، ثم قال: هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به ". ومن الواضح، أن الإشارة بـ (هذا) هنا إنما هو إلى الوضوء مرة مرة كما أن الإشارة بذلك في الفقرتين الأخريين إنما هو للوضوء مرتين مرتين والوضوء ثلاثا ثلاثا.

262

فلا دلالة في الحديث على الموالاة، ولا على الترتيب والله أعلم. وليس هناك ما يدل على وجوب الترتيب. وقول ابن القيم في " الزاد " (1 / 69) : " وكان وضوؤه صلى الله عليه وسلم مرتبا متواليا لم يخل به مرة واحدة البتة " غير مسلم في الترتيب، لحديث المقدام بن معدي كرب قال: " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ، فغسل كفيه ثلاثا، ثم غسل وجهه ثلاثا، ثم غسل ذراعيه ثلاثا، ثم مضمض واستنشق ثلاثا، ومسح برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا ". رواه أحمد (4 / 132) وعنه أبو داود (1 / 19) بإسناد صحيح. وقال الشوكاني (1 / 125) : " إسناده صالح، وقد أخرجه الضياء في " المختارة ". فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم الترتيب في بعض المرات، فذلك دليل على أن الترتيب غير واجب، ومحافظته عليه في غالب أحواله دليل على سنيته والله أعلم. 262 - " كان إذا أصبح قال: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور وإذا أمسى قال: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 1199) : حدثنا معلى قال: حدثنا وهيب قال: حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ومعلى هو ابن منصور الرازي احتج به البخاري أيضا في " صحيحه "،

263

وقد توبع فقال أبو داود (2 / 611 - طبع الحلبي) حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا وهيب به، إلا أنه قال: " وإليك النشور " في دعاء المساء أيضا. ورواه ابن حبان في " صحيحه " (2354) من طريق عبد الأعلى بن حماد حدثنا وهيب به. إلا أنه قال: " وإليك المصير وإليك النشور " جمعهما معا في دعاء الصباح! ولعله سهو من بعض النساخ. وتابعه حماد وهو ابن سلمة: أخبرني سهيل به، دون دعاء المساء وقال: " وإليك المصير " بدل " وإليك النشور ". أخرجه أحمد (2 / 354 - 522) . ورواه آخران عن سهيل به من قوله صلى الله عليه وسلم وأمره، وهو الحديث الآتي بعده: " إذا أصبحتم فقولوا: اللهم بك أصبحنا، وبك أمسينا، وبك نحيا، وبك نموت (وإليك النشور) ، وإذا أمسيتم فقولوا: اللهم بك أمسينا، وبك أصبحنا، وبك نحيا، وبك نموت، وإليك المصير ". 263 - " إذا أصبحتم فقولوا: اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا وبك نحيا وبك نموت (وإليك النشور) وإذا أمسيتم فقولوا: اللهم بك أمسينا وبك أصبحنا وبك نحيا وبك نموت وإليك المصير ". أخرجه ابن ماجه (2 / 440) : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا عبد العزيز ابن أبي حازم عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يعقوب بن حميد. قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ".

قلت: وقد توبع على الشطر الأول منه. فقال ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 33) : أخبرنا أبو محمد بن صاعد، حدثنا محمد بن زنبور حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم به. وفيه الزيادة التي بين القوسين. قلت: ومحمد بن زنبور صدوق له أوهام كما قال الحافظ، فمتابعته قوية. ولم يتفرد به عبد العزيز بن أبي حازم، بل تابعه عبد الله بن جعفر أنبأنا سهيل ابن أبي صالح به، وفيه الزيادة. أخرجه الترمذي في " سننه " (4 / 229 - بشرح التحفة) وقال: " هذا حديث حسن ". قلت: وهو كما قال: ويعني أنه حسن لغيره كما نص عليه في آخر كتابه وذلك لأن عبد الله بن جعفر هذا هو أبو جعفر المدني والد علي بن المديني - وهو ضعيف، ولكن يتقوى حديثه بمتابعة عبد العزيز بن أبي حازم إياه وهو ثقة محتج به في " الصحيحين "، فلو قال الترمذي: " حديث صحيح " لكان أقرب إلى الصواب. وقد رأيت ابن تيمية قد نقل عنه أنه قال: " حديث حسن صحيح ". وهذا هو الأولى به، ولكني لم أجد ذلك في نسختنا المشار إليها من الترمذي. والله أعلم.

264

264 - " إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون ". أخرجه ابن السني (رقم 238) من طريق أبي هشام الرفاعي حدثنا وكيع بن الجراح حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه أهاويل يراها في المنام فقال " فذكره. قلت: وهذا سند رجاله ثقات غير أبي هشام هذا واسمه محمد بن محمد بن يزيد الرفاعي العجلي قال الذهبي في " الضعفاء ": " قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه ". واتهمه عثمان ابن أبي شيبة بأنه يسرق حديث غيره فيرويه على وجه الكذب، انظر " التهذيب ". وإذا كان كذلك، فلعل أصل الحديث ما رواه مسدد: حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن محمد بن محمد بن يحيى بن حبان. " أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يؤرق، أو أصابه أرق فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامة ... " الحديث.

أخرجه ابن السني أيضا (رقم 736) ، ورجاله ثقات غير شيخه علي بن محمد ابن عامر فلم أعرفه. لكن يشهد له حديث محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع: بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة ... " الحديث بالحرف الواحد، وزاد: " قال: فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه، ومن كان منهم صغيرا لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها في عنقه ". أخرجه أبو داود (2 / 239) والحاكم (1 / 548) وأحمد (2 / 181) واللفظ له من طرق صحيحه عن ابن إسحاق به. ورواه الترمذي (4 / 266) من طريق إسماعيل بن عياش عن محمد بن إسحاق به، بلفظ: " إذا فزع أحدكم في النوم فليقل: أعوذ بكلمات الله التامة. الحديث بتمامه مع الزيادة. وكذا أخرجه ابن السني (745) من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق به. ثم قال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب ". قلت: لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه في جميع الطرق عنه، وهذه الزيادة منكرة عندي، لتفرده بها. والله أعلم. وجملة القول: أن الحديث بهذا الشاهد حسن وقد علقه البخاري في " أفعال العباد " (ص 88 طبع الهند) : قال أحمد بن خالد حدثنا محمد بن إسحاق به مثل لفظ ابن عياش.

265

265 - " كان إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وإذا رأى ما يكرهه قال: الحمد لله على كل حال ". أخرجه ابن ماجه (2 / 422) وابن السني (رقم 372) والحاكم (1 / 499) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية بنت شيبة عن عائشة قالت: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وأقره الذهبي فلم يتعقبه بشيء، وفي ذلك نظر، لأن زهير بن محمد هذا وهو التميمي الخراساني ثم الشامي متكلم فيه. فقال الحافظ في " التقريب ": " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر! وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه ". قلت: وهذا من رواية الشاميين عنه وهو الوليد بن مسلم، ثم إن هذا كان يدلس تدليس التسوية، ولم يصرح بالتحديث في بقية رجال السند، فهذه علة أخرى. ومن ذلك تعلم خطأ تصحيح الحاكم إياه ومثله قول البوصيري في " الزوائد ": " إسناده صحيح ورجاله ثقات "! ومثله قول النووي في " الأذكار " وإن أقره شارحه ابن علان (6 / 271) : " رواه ابن ماجه وابن السني بإسناد جيد "! كل ذلك ذهول عما بيناه من علة الحديث من هذا الوجه. نعم وجدت للحديث شاهدا من رواية أبي هريرة بلفظ: " كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمدان يعرفان: إذا جاءه ما يكره قال: الحمد لله على

كل حال، وإذا جاءه ما يسره قال: الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، بنعمته تتم الصالحات ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 157) من طريق الفضل الرقاشي عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة. وقال: " غريب من حديث محمد، والفضل الرقاشي، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو ضعيف من أجل الرقاشي هذا، وهو الفضل بن عيسى فإنه متفق على تضعيفه وقال الحافظ في " التقريب ": " منكر الحديث ". وقد رواه ابن ماجه (2 / 423) من طريق أخرى عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا بلفظ. " كان يقول: الحمد لله على كل حال، رب أعوذ بك من حال أهل النار ". وهذا ضعيف أيضا، قال في " الزوائد ": " موسى بن عبيدة ضعيف، وشيخه محمد بن ثابت مجهول ". قلت: وقد اختلط بعض هذا الحديث من هذه الطريق بحديث عائشة في " الجامع الصغير " للسيوطي، فإنه أورد حديث عائشة فيه من رواية ابن ماجه بزيادة في آخره وهي " رب أعوذ بك من حال أهل النار "! وتبعه على ذلك بعض المعلقين على كتاب " الكلم الطيب " لابن تيمية! والسبب في ذلك أن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه عقب حديث عائشة، فاختلط على السيوطي حديث بحديث، فوجب التنبيه على ذلك. بقي شيء واحد، وهو هل يصلح حديث الرقاشي شاهدا لهذا الحديث؟ ذلك مما أنا متوقف فيه الآن، ويخيل إلي أن للحديث شاهدا أو طريقا آخر ولكن لم يحضرني الساعة، فنظرة إلى ميسرة.

266

266 - " اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك ". أخرجه الترمذي (4 / 276) والحاكم (1 / 538) وأحمد (1 / 153) عن عبد الرحمن بن إسحاق القرشي عن سيار أبي الحكم عن أبي وائل قال: " أتى عليا رجل فقال: يا أمير المؤمنين إني عجزت عن مكاتبتي فأعني، فقال علي رضي الله عنه: ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صير دنانير لأداه الله عنك؟ قلت: بلى، قال: قل " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: والصواب أنه حسن الإسناد، كما قال الترمذي، فإن عبد الرحمن بن إسحاق هذا وهو عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري القرشي مولاهم مختلف فيه، وقد وثقه ابن معين والبخاري. وقال أحمد:

" صالح الحديث ". وقال أبو حاتم: " يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو قريب من ابن إسحاق صاحب المغازي، وهو حسن الحديث، وليس بثبت، وهو أصلح من الواسطي ". وقال النسائي وابن خزيمة: " ليس به بأس ". وقال ابن عدي: " في حديثه بعض ما ينكر ولا يتابع عليه، وهو صالح الحديث كما قال أحمد ". وقال الدارقطني: " ضعيف ". وقال العجلي: " يكتب حديثه، وليس بالقوي ". ولخص ذلك الحافظ بقوله في " التقريب " " صدوق ". وقد أخرج له مسلم في " الشواهد ". وقد وقع اسمه في الترمذي " عبد الرحمن بن إسحاق " غير منسوب إلى قريش فظن شارحه المبارك فوري رحمه الله أنه الواسطي الذي سبقت الإشارة إليه فقال: " هو الواسطي الكوفي المكنى بأبي شيبة ". قلت: وهو عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد بن الحارث أبو شيبة الواسطي

267

الأنصاري ويقال: الكوفي ابن أخت النعمان بن سعد، فهذا ضعيف اتفاقا وليس هو راوي هذا الحديث، فإنه أنصاري كما رأيت، والأول قرشي، والذي أوقع المبارك فوري في ذلك الوهم أمور. أولا: أنه لم ينسب قرشيا كما سبق. ثانيا: أنهما من طبقة واحدة. ثالثا: أنه رأى في ترجمته من " التهذيب " أنه روى عن سيار أبي الحكم وعنه أبو معاوية، وهو كذلك في هذا الحديث. ولم ير مثل ذلك في ترجمة الأول. ولكنه لو رجع إلى ترجمتها في " الجرح والتعديل " لوجد عكس ذلك تماما في سيار فإنه ذكره في شيوخ الأول، لا في شيوخ هذا. فلو رأى ذلك لم يجزم بأنه الثاني بل لتوقف، حتى إذا ما وقف على الزيادة التي وقفنا عليها في سنده وهي (القرشي) إذن لجزم بما جزمنا نحن به وهو أنه العامري الحسن الحديث. 267 - " من قال: اللهم إني أشهدك، وأشهد ملائكتك، وحملة عرشك، وأشهد من في السموات ومن في الأرض أنك أنت الله، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك، من قالها مرة أعتق الله ثلثه من النار، ومن قالها مرتين أعتق الله ثلثيه من النار، ومن قالها ثلاثا أعتق الله كله من النار ". أخرجه الحاكم (1 / 523) من طريق حميد بن مهران حدثنا عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: حدثنا سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله شاهد من حديث أنس مرفوعا نحوه مقيدا بالصباح والمساء، وسنده ضعيف كما بينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم (1041) .

268

268 - " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا، ثم قال: أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (6 / 77 - 78) والحسن بن سفيان في " مسنده " وعنه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 62) والطبراني في " مسند الشاميين " عن يحيى بن حمزة قال: حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت وهو نازل في ساحل حمص وهو في بناء له ومعه أم حرام، قال عمير: فحدثتنا أم حرام أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وفيه بعد قوله " قد أوجبوا ": " قالت أم حرام: قلت: يا رسول الله أنا فيهم؟ قال: أنت فيهم " وبعد قوله " مغفور لهم ": " فقلت: أنا فيهم يا رسول الله؟ قال: لا ". وتابعه أيوب بن حسان الجرشي حدثنا ثور بن يزيد به. 269 - " من تعزى بعزى الجاهلية، فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (963، 964) والنسائي في " السير " من " السنن الكبرى " له (1 / 36 / 1 - 2) وأحمد في " المسند " (5 / 136) وأبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 22 / 2 و 53 / 1) وابن مخلد في " الفوائد " (ق 3 / 1) والهيثم بن كليب في " مسنده " (ق 187 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (ق 27 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 99 / 2) والضياء المقدسي في

" الأحاديث المختارة " (1 / 407) من طرق عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن أبي بن كعب أنه سمع رجلا يقول: يال فلان! فقال له: اعضض بهن أبيك، ولم يكن، فقال له: يا أبا المنذر ما كنت فحاشا، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، فهو صحيح إن كان الحسن سمعه من عتي بن ضمرة، فإنه كان مدلسا وقد عنعنه، وقد رواه ابن السني (427) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن مكحول عن عجر بن مدراع التميمي قال: يا آل تميم - وكان من بني تميم، فقال وهو عند أبي بن كعب - فقال أبي: أعضك الله بهن أبيك. الحديث نحوه. فهذا خلاف السند الأول، وذاك أصح لأن هذا فيه سعيد بن بشير، وفيه ضعف ولعله وهم فيه، وإلا فيكون للحسن فيه إسنادان عن أبي. وقد وجدت للحديث إسنادا آخر عن أبي فقال عبد الله بن أحمد (5 / 133) : حدثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي رضي الله عنه أن رجلا اعتزى فأعضه أبي بهن أبيه، فقالوا: ما كنت فحاشا، قال: إنا أمرنا بذلك. ومن طريق عبد الله رواه الضياء في " المختارة " (1 / 405) . قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عمرو وهو ثقة كما قال أبو داود وغيره، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وسفيان هو ابن عيينة. (تنبيه) لم يقع (أبي) منسوبا في " الأدب المفرد " فكان ذلك سببا لغفلة

270

عجيبة من المعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله، فإن لفظه فيه " ... عن عتي بن ضمرة قال: رأيت عند أبي رجلا تعزى ... ". فظن المذكور أن لفظة " أبي " بفتح الهمزة بإضافة ياء النسبة إلى لفظ " الأب " أي أبي المتكلم عتي بن ضمرة، فيكون على ذلك أبوه ضمرة صحابي الحديث، فقال في تعليقه عليه: " ليس لهذا الصحابي ذكر عندي "! وإنما هو (أبي) بضم الهمزة وهو أبي بن كعب الصحابي المشهور. وقد عمل بهذا الحديث الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: " من اعتز بالقبائل فأعضوه، أو فأمصوه ". رواه ابن أبي شيبة كما في " الجامع الكبير " (3 / 235 / 2) . 270 - " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ". الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (6 / 1) حدثنا الحسن بن عثمان التستري حدثنا أحمد بن أبي سريج الرازي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة

عن قتادة عن مطرف عن عمران بن حصين مرفوعا به. وزاد في آخره: " قال يزيد بن هارون: إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟ ". قلت: وهذا الإسناد رجاله كلهم ثقات من رجال الصحيح غير التستري وليس بثقة، فاتهم بالكذب وسرقة الحديث، لكن يظهر أن للحديث أصلا من غير طريقه، فقد ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 341 / 1) من رواية ابن قانع وابن عساكر والضياء المقدسي في " المختارة " عن قتادة عن أنس، ثم قال: " قال البخاري: هذا خطأ، إنما هو قتادة عن مطرف عن عمران ". قلت: فهذا نص من البخاري على أن الحديث محفوظ من حديث عمران ابن حصين. واعلم أن الحديث صحيح ثابت مستفيض عن جماعة من الصحابة: 1 - معاوية بن أبي سفيان. عند الشيخين وأحمد. 2 - المغيرة بن شعبة. عندهما. 3 - ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. عند مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد (5 / 278، 279) وأبي داود في " الفتن " والحاكم (4 / 449) . 4 - عقبة بن عامر. عند مسلم. 5 - قرة المزني. في " المسند " (3 / 436 و 5 / 34) بسند صحيح وصححه الترمذي 6 - أبو أمامة. في " المسند " (5 / 269) . 7 - عمران بن حصين. عند أحمد أيضا (5 / 429، 437) من طرق أخرى عن حماد ابن سلمة به دون الزيادة. وكذا رواه أبو داود في أول " الجهاد " والحاكم (4 / 450) وصححه ووافقه الذهبي.

8 - عمر بن الخطاب. في " المستدرك " (4 / 449) وصححه ووافقه الذهبي. فالحديث صحيح قطعا، وإنما أوردته من أجل هذه الزيادة، وقد عرفت أن سندها إلى يزيد بن هارون ضعيف، وبهذا الإسناد رواه أبو بكر الخطيب في كتابه " شرف أصحاب الحديث " (ق / 34 / 1) . وقد عزاها الحافظ في " الفتح " (13 / 249 / بولاق) إلى الحاكم في " علوم الحديث "، وما أظنه إلا وهما، فإني قد بحثت عنها فيه، فلم أجدها، وإنما وجدت عنده ما يأتي عن الإمام أحمد. بيد أن هذه الزيادة معروفة وثابتة عن جماعة من أهل الحديث من طبقة يزيد ابن هارون وغيرها، وهم: 1 - عبد الله بن المبارك (118 - 181) ، فروى الخطيب بسنده عن سعيد ابن يعقوب الطالقاني أو غيره قال: " ذكر ابن المبارك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: لا تزال طائفة ... قال ابن المبارك: هم عندي أصحاب الحديث ". 2 - علي بن المديني (161 - 234) ، وروى الخطيب أيضا من طريق الترمذي وهذا في " سننه " (2 / 30) وقد ساق الحديث من رواية المزني المتقدمة (رقم 5) ثم قال:

" قال محمد بن إسماعيل (هو البخاري) قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث " 3 - أحمد بن حنبل (164 - 241) ، روى الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 2) والخطيب بإسنادين، صحح أحدهما الحافظ ابن حجر عن الإمام أحمد أنه سئل عن معنى هذا الحديث فقال: " إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث، فلا أدري من هم ". وروى الخطيب (33 / 3) مثل هذا في تفسير الفرقة الناجية. 4 - أحمد بن سنان الثقة الحافظ ( ... - 259) روى الخطيب عن أبي حاتم قال: سمعت أحمد بن سنان وذكر حديث " لا تزال طائفة من أمتي على الحق " فقال: هم أهل العلم وأصحاب الآثار. 5 - البخاري محمد بن إسماعيل (194 - 256) ، روى الخطيب عن إسحاق بن أحمد قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري - وذكر حديث موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي "، فقال البخاري: يعني أصحاب الحديث. وقال في " صحيحه " وقد علق الحديث وجعله بابا: " وهم أهل العلم " ولا منافاة بينه وبين ما قبله كما هو ظاهر، لأن أهل العلم هم أهل الحديث، وكلما كان المرء أعلم بالحديث كان أعلم في العلم ممن هو دونه في الحديث كما لا يخفى. وقال في كتابه " خلق أفعال العباد " (ص 77 - طبع الهند) وقد ذكر بسنده حديث أبي سعيد الخدري في قوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا

شهداء على الناس) قال البخاري: " هم الطائفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكر الحديث. وقد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث، ولا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي. أولا: أن أهل الحديث هم بحكم اختصاصهم في دراسة السنة وما يتعلق من معرفة تراجم الرواة وعلل الحديث وطرقه أعلم الناس قاطبة بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وهديه وأخلاقه وغزواته وما يتصل به صلى الله عليه وسلم. ثانيا: أن الأمة قد انقسمت إلى فرق ومذاهب لم تكن في القرن الأول، ولكل مذهب أصوله وفروعه، وأحاديثه التي يستدل بها ويعتمد عليها. وأن المتمذهب بواحد منها يتعصب له ويتمسك بكل ما فيه، دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى وينظر لعله يجد فيها من الأحاديث ما لا يجده في مذهبه الذي قلده، فإن من الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السنة والأحاديث ما لا يوجد في المذهب الآخر، فالمتمسك بالمذهب الواحد يضل ولابد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى المذاهب الأخرى، وليس على هذا أهل الحديث فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده، في أي مذهب كان، ومن أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة، حتى لو كان شيعيا أو قدريا أو خارجيا فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك، وقد صرح بهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه حين خاطب الإمام أحمد بقوله: " أنتم أعلم بالحديث مني، فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبرني به حتى أذهب إليه سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا " فأهل الحديث - حشرنا الله معهم - لا يتعصبون لقول شخص معين مهما علا

وسما حاشا محمد صلى الله عليه وسلم، بخلاف غيرهم ممن لا ينتمي إلى الحديث والعمل به، فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم - وقد نهوهم عن ذلك - كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم! ! فلا عجب بعد هذا البيان أن يكون أهل الحديث. هم الطائفة الظاهرة والفرقة الناجية. بل والأمة الوسط، الشهداء على الخلق. ويعجبني بهذا الصدد قول الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه " شرف أصحاب الحديث " انتصارا لهم وردا على من خالفهم: " ولو أن صاحب الرأي المذموم شغل بما ينفعه من العلوم، وطلب سنن رسول رب العالمين، واقتفى آثار الفقهاء والمحدثين، لوجد في ذلك ما يغنيه عن سواه، واكتفي بالأثر عن رأيه الذي يراه، لأن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد وبيان ما جاء من وجوه الوعد والوعيد، وصفات رب العالمين - تعالى عن مقالات الملحدين - والإخبار عن صفة الجنة والنار، وما أعد الله فيها للمتقين والفجار، وما خلق الله في الأرضين والسماوات وصنوف العجائب وعظيم الآيات وذكر الملائكة المقربين، ونعت الصافين والمسبحين. وفي الحديث قصص الأنبياء وأخبار الزهاد والأولياء ومواعظ البلغاء، وكلام الفقهاء، وسير ملوك العرب والعجم، وأقاصيص المتقدمين من الأمم، وشرح مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم، وسراياه، وجمل أحكامه وقضاياه، وخطبه وعظاته، وأعلامه ومعجزاته، وعدة أزواجه وأولاده، وأصهاره وأصحابه، وذكر فضائلهم ومآثرهم، وشرح أخبارهم ومناقبهم، ومبلغ أعمارهم، وبيان أنسابهم. وفيه تفسير القرآن العظيم، وما فيه من النبأ والذكر الحكيم، وأقاويل الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم، وتسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم، من الأئمة الخالفين، والفقهاء المجتهدين. وقد جعل الله أهله أركان الشريعة، وهدم بهم كل بدعة شنيعة، فهم أمناء الله في خليقته، والواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، والمجتهدون في حفظ ملته، أنوارهم

زاهرة، وفضائلهم سائرة، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحججهم قاهرة. وكل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه، وتستحسن رأيا تعكف عليه، سوى أصحاب الحديث، فإن الكتاب عدتهم، والسنة حجتهم، والرسول فئتهم، وإليه نسبتهم، لا يعرجون على الأهواء، ولا يلتفتون إلى الآراء. يقبل منهم ما رووا عن الرسول، وهم المأمونون عليه العدول. حفظة الدين وخزنته، وأوعية العلم وحملته، إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع، فما حكموا به فهو المقبول المسموع. منهم كل عالم فقيه، وإمام رفيع نبيه، وزاهد في قبيلة، ومخصوص بفضيلة، وقارىء متقن، وخطيب محسن. وهم الجمهور العظيم وسبيلهم السبيل المستقيم، وكل مبتدع باعتقادهم يتظاهر، وعلى الإفصاح بغير مذاهبهم لا يتجاسر، من كادهم قصمهم الله، ومن عاندهم خذله الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا يفلح من اعتزلهم، المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير، وبصر الناظر بالسوء إليهم حسير، وإن الله على نصرهم لقدير. (ثم ساق الحديث من رواية قرة ثم روى بسنده عن علي بن المديني أنه قال: هم أهل الحديث والذين يتعاهدون مذاهب الرسول، ويذبون عن العلم لولاهم لم تجد عند المعتزلة والرافضة والجهمية وأهل الإرجاء والرأي شيئا من السنن: قال الخطيب) فقد جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين، وصرف عنهم كيد العاندين، لتمسكهم بالشرع المتين، واقتفائهم آثار الصحابة والتابعين، فشأنهم حفظ الآثار، وقطع المفاوز والقفار، وركوب البراري والبحار في اقتباس ما شرع الرسول المصطفى، لا يعرجون عنه إلى رأي ولا هوى. قبلوا شريعته قولا وفعلا، وحرسوا سنته حفظا ونقلا، حتى ثبتوا بذلك أصلها، وكانوا أحق بها وأهلها، وكم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذب بأصحاب الحديث عنها، فهم الحفاظ

لأركانها، والقوامون بأمرها وشأنها، إذا صدف عن الدفاع عنها، فهم دونها يناضلون، أولئك حزب الله، ألا إن حزب الله هم المفلحون ". ثم ساق الخطيب رحمه الله تعالى الأبواب التي تدل على شرف أصحاب الحديث وفضلهم لا بأس من ذكر بعضها، وإن طال المقال، لتتم الفائدة، لكني أقتصر على أهمها وأمسها بالموضوع: 1 - قوله صلى الله عليه وسلم: نضر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه. 2 - وصية النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام أصحاب الحديث. 3 - قول النبي صلى الله عليه وسلم: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله. 4 - كون أصحاب الحديث خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ عنه. 5 - وصف الرسول صلى الله عليه وسلم إيمان أصحاب الحديث. 6 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم لدوام صلاتهم عليه 7 - بشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بكون طلبة الحديث بعده واتصال الإسناد بينهم وبينه. 8 - البيان أن الأسانيد هي الطريق إلى معرفة أحكام الشريعة. 9 - كون أصحاب الحديث أمناء الرسل صلى الله عليهم وسلم لحفظهم السنن وتبيينهم لها. 10 - كون أصحاب الحديث حماة الدين بذبهم عن السنن. 11 - كون أصحاب الحديث ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ما خلفه من السنة وأنواع الحكمة. 12 - كونهم الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر. 13 - كونهم خيار الناس. 14 - من قال: إن الأبدال والأولياء أصحاب الحديث.

15 - من قال: لولا أهل الحديث لا ندرس الإسلام. 16 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالنجاة في الآخرة، وأسبق الخلق إلى الجنة 17 - اجتماع صلاح الدنيا والآخرة في سماع الحديث وكتبه. 18 - ثبوت حجة صاحب الحديث. 19 - الاستدلال على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث. 20 - الاستدلال على المبتدعة ببغض الحديث وأهله. 21 - من جمع بين مدح أصحاب الحديث وذم أهل الرأي والكلام الخبيث. 22 - من قال: طلب الحديث من أفضل العبادات. 23 - من قال: رواية الحديث أفضل من التسبيح. 24 - من قال: التحديث أفضل من صلاة النافلة. 25 - من تمنى رواية الحديث من الخلفاء ورأى أن المحدثين أفضل العلماء. هذه هي أهم أبواب الكتاب وفصوله. أسأل الله تعالى أن ييسر له من يقوم بطبعه من أنصار الحديث وأهله، حتى يسوغ لمثلي أن يحيل عليه من شاء التفصيل في معرفة ما جاء في هذه الفصول الرائعة من الأحاديث والنقول عن الأئمة الفحول! وأختم هذه الكلمة بشهادة عظيمة لأهل الحديث من عالم من كبار علماء الحنفية في الهند، ألا وهو أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي (1264 - 1304) قال رحمه الله: " ومن نظر بنظر الإنصاف، وغاص في بحار الفقه والأصول متجنبا الاعتساف، يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية والأصلية التي اختلف العلماء فيها، فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم، وإني كلما أسير في شعب الاختلاف أجد

271

قول المحدثين فيه قريبا من الإنصاف، فلله درهم، وعليه شكرهم (كذا) كيف لا وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم حقا، ونواب شرعه صدقا، حشرنا الله في زمرتهم، وأماتنا على حبهم وسيرتهم ". 271 - " يا أيها الناس ابتاعوا أنفسكم من الله من مال الله، فإن بخل أحدكم أن يعطي ماله للناس فليبدأ بنفسه، وليتصدق على نفسه فليأكل وليكتس مما رزقه الله عز وجل ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (54) : حدثنا حماد بن الحسن الوراق حدثنا حبان بن هلال حدثنا سليم بن حيان حدثنا حميد بن هلال عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سليم بن حيان وقد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما وترجمته في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 314) .

272

272 - " قال الله تعالى " إذا ابتليت عبدي المؤمن، ولم يشكني إلى عواده أطلقته من أساري، ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، ثم يستأنف العمل ". أخرجه الحاكم في " المستدرك " (1 / 349) ومن طريقه البيهقي في " سننه " (3 / 375) من طريق أبي بكر الحنفي حدثنا عاصم بن محمد بن زيد عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي في " تلخيصه ". وأما في " المهذب " وهو مختصر سنن البيهقي، فأشار إلى أن له علة، فقال: " لم يخرجه الستة، لعلته ". وكأنه يريد بها الوقف، فقد أخرجه البيهقي عقب هذا المرفوع من طريق أبي صخر حميد بن زياد أن سعيد المقبري حدثه قال: سمعت أبا هريرة يقول: " قال الله عز وجل: أبتلي عبدي المؤمن، فإذا لم يشك إلى عواده ذلك، حللت عنه عقدي، وأبدلته دما خيرا من دمه، ولحما خيرا من لحمه، ثم قلت له: أئتنف العمل ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أبا صخر هذا فيه كلام من قبل حفظه، وفي " التقريب ": " صدوق يهم ".

قلت: فمثله حسن الحديث، لكنه لا يصلح لمعارضة الرواية المرفوعة، لأن رواتها كلهم ثقات لا مغمز فيهم، فإما أن يقال: إن أبا صخر وهم في وقفه والصواب المرفوع، وإما أن يقال: إن أبا هريرة كان يرفعه تارة، ويوقفه أخرى، وكل حفظ ما وصل إليه، والرفع لا يعارض الوقف، ولاسيما وهو في حكم المرفوع. لكن وجدت له علة أخرى غريبة، فقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح علل الترمذي آخر السنن (206 / 1) . " قاعدة مهمة: حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث، ومعرفتهم للرجال وأحاديث كل واحد منهم، لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث فلان، ولا يشبه حديث فلان، فيعللون الأحاديث بذلك، وهذا مما لا يعبر عنه بعبارة مختصرة، وإنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم والمعرفة التي خصوا بها عن سائر أهل العلم، كما سبق ذكره في غير موضع، فمن ذلك ... " ثم ذكر أمثلة كثيرة، بعضها مسلم، وبعضها غير مسلم، ومن ذلك هذا الحديث مع وهمه في عزوه فقال (207 / 1 - 2) : " ومن ذلك أن مسلما خرج في " صحيحه " (!) عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن عاصم بن محمد العمري: حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة (فذكر الحديث ثم قال:) قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد: هذا حديث منكر، وإنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه وعبد الله بن سعيد شديد الضعف، قال يحيى القطان: ما رأيت أحدا أضعف منه. ورواه معاذ بن معاذ عن عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة وهو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد. انتهى ". قلت: معاذ بن معاذ وهو العنبري، وأبو بكر الحنفي واسمه: عبد الكبير ابن عبد المجيد كلاهما ثقة محتج به في " الصحيحين "، فلا أرى استنكار حديث هذا برواية ذاك بدون حجة ظاهرة، سوى دعوى أن حديثه يشبه أحاديث عبد الله ابن سعيد

الواهي! فإن هذه المشابهة إن كانت كافية لإقناع من كان من النقاد الحذاق فليس ذلك بالذي يكفي لاقناع الآخرين الذين قنعوا بصدق الراوي وحفظه وضبطه، ثم لم يشعروا بذلك الشبه، أو شعروا به، ولكن لم يروا من الصواب في شيء جعله علة قادحة يستنكر الحديث من أجلها، ويسلم للقادح بها مع مخالفته لقاعدة أخرى هي أهم وأقوى من القاعدة التي بنى ابن رجب عليها رد هذا الحديث وهي أن زيادة الثقة مقبولة. ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وما المانع أن يكون الحديث قد رواه عن أبي سعيد المقبري كل من ولديه: سعيد الثقة، وعبد الله الضعيف، وأن عاصما أخذ الحديث عنهما كليهما، فكان يرويه تارة عن سعيد فحفظه عنه أبو بكر الحنفي، وتارة عن عبد الله فحفظه معاذ بن معاذ؟ ! لا يوجد قطعا ما يمنع من القول بهذا، بل هو أمر لابد منه، للمحافظة على القاعدة التي ذكرناها، لقوتها واضطرادها، بخلاف القاعدة الأخرى فإنها غير مضطردة ولا هي منضبطة كما لا يخفى عمن له فهم وعلم في هذا الفن الشريف، فإن كون الحديث الثقة مشابها لحديث الضعيف، لا يوجد في العلم الصحيح ما يدل على أن حديث حديث الضعيف، وأن الثقة وهم فيه، إذ قد يروي الضعيف ما يشبه أحاديث الثقات على قاعدة " صدقك وهو كذوب "، فكيف يجوز مع ذلك أن نرد حديث الثقة لمجرد مشابهته لحديث الضعيف؟ ! بل العكس هو الصواب: أن نقبل من حديث الضعيف ما يشبه حديث الثقة ويوافقه. بل إن الراوي المجهول حفظه وضبطه لا يعرف ذلك منه إلا بعرضه على أحاديث الثقات، فما وافقها من حديثه قبل، وما عارضه وخالفه ترك. وهذا علم معروف في " مصطلح الحديث ". ومما يؤيد صحة هذا الحديث، وأن أبا بكر الحنفي قد حفظه، وليس هو من حديث عبد الله بن سعيد وحده، أن الإمام مالك قال في " الموطأ " (2 / 940 / 5) : " عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين، فقال: انظروا ماذا يقول لعواده، فإن هو إذا جاؤوه حمد

273

الله وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله عز وجل - وهو أعلم - فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدل له لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، وأن أكفر عنه سيئاته ". وهذا سند مرسل صحيح، فهو شاهد قوي لحديث أبي بكر الحنفي الموصول والحمد لله على توفيقه. ثم رأيته موصولا عن مالك، أخرجه أبو الحسين الأبنوسي في " جزء فيه فوائد عوال حسان منتقاة غرائب " (3 / 2) : أخبرنا علي (هو الدارقطني) قال: حدثنا أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث إملاء سنة ست عشرة وثلاثمائة قال: حدثنا علي بن محمد الزياداباذي قال: حدثنا معن بن عيسى قال: حدثنا مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال: " قال الدارقطني: تفرد به علي بن محمد عن معن عن مالك، وما نكتبه إلا عن ابن أبي داود ". قلت: لكن الزباداباذي هذا كأنه مجهول، فقد أورده السمعاني في هذه النسبة، وذكر أنه روى عنه جماعة (وفي النسخة سقط) ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا. وأورده في " الميزان " وتبعه في " اللسان " من أجل هذا الحديث وقال: " وأشار الدارقطني في " غرائب مالك " إلى لينه. وأنه تفرد عن معن عن مالك به وقال: إنما هو في " الموطأ " بسند منقطع عن غير سهيل ". 273 - " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلق ". رواه أبو داود في سننه (4800) : حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر قال: حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي قال:

حدثني سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا سند رجاله ثقات معروفون غير أيوب بن محمد السعدي، كذا وقع في رواية أبي داود، قال الحافظ في " التهذيب ": " ورواه أبو زرعة الدمشقي ويزيد بن محمد بن عبد الصمد، وهارون بن أبي جميل وأبو حاتم وغيرهم عن أبي الجماهر فقالوا: " أيوب بن موسى ". قال ابن عساكر : وهو الصواب ". قلت: رواية هارون بن أبي جميل، أخرجها ابن عساكر في ترجمته من " تاريخ دمشق " (17 / 493 / 1) لكن وقع في نسختنا منه " حدثنا أبو أيوب بن موسى " فالظاهر أنه سقط منها " كعب " فإنه أبو كعب أيوب بن موسى. وفي اسمه اختلاف آخر، فقد رواه الدولابي في " الكنى " (2 / 133) هكذا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوهاب - صعيد - قال: حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر قال: حدثنا أبو موسى كعب السعدي عن سليمان بن حبيب - دون الفقرة الوسطى وليس هذا خطأ مطبعيا أو من بعض النساخ، فإن الدولابي أورده في " باب من كنيته موسى " ثم سرد من يكنى بذلك من الرواة فقال " ... وأبو موسى كعب السعدي عن سليمان بن حبيب، روى عنه محمد بن عثمان أبو الجماهر ". وعلى كل حال فالصواب كما قال ابن عساكر " أيوب بن موسى " لاتفاق الجماعة عليه ثم هو قد أورده الذهبي في " الميزان " فقال: " روى عنه أبو الجماهر وحده لكنه وثقه ". قلت: وسكت عنه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 258) وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ".

ولا يطمئن القلب لذلك لتفرد أبي الجماهر عنه، بل هو بوصف الجهالة أولى كما تقتضيه القواعد الحديثية أن الراوي لا ترتفع عنه الجهالة برواية الواحد. لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن على أقل الأحوال. فمنها حديث ابن عباس ولفظه: " أنا الزعيم ببيت في رياض الجنة، وبيت في أعلاها، وبيت في أسفلها، لمن ترك الجدل وهو محق، وترك الكذب وهو لاعب، وحسن خلقه ". رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 116 / 1) من طريق سويد أبي حاتم، أنبأنا عبد الملك - رواية عطاء - عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل سويد هذا وهو ابن إبراهيم، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ضعفه النسائي ". وقال الحافظ في " التقريب ". " صدوق سيء الحفظ، له أغلاط، وقد أفحش ابن حبان فيه القول ". وقال الهيثمي بعد أن عزاه للطبراني (8 / 23) : " وفيه أبو حاتم سويد بن إبراهيم ضعفه الجمهور، ووثقه ابن معين، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: لو قال: " ووثقه ابن معين في رواية " لكان أقرب إلى الصواب فقد قال أبو داود: " سمعت يحيى بن معين يضعفه ". فابن معين في هذه الرواية يلتقي مع الجمهور، فهي أولى بالقبول. وأما قول الهيثمي في مكان آخر (1 / 157) : " وإسناده حسن إن شاء الله تعالى ". فتساهل منه لا يخفى،

بل إن هذا الحديث ليدل على ضعفه، فإنه قد خلط في هذا الحديث وأفسد معناه، فإن المعروف في حديث غيره توزيع هذه المنازل الثلاث، على ثلاثة أشخاص، وفي ذلك أحاديث عن أبي أمامة وأنس بن مالك وقد اتفقا على أن البيت الذي في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، على خلاف هذا، فإنه جعل له البيت الذي في أسفلها، هذا إن اعتبرنا الترتيب المذكور فيه من قبيل لف ونشر مرتب. ثم اختلف الحديثان المشار إليهما في البيتين الآخرين فحديث أبي أمامة جعل البيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وهو محق، والبيت في وسطها لمن ترك الكذب، وعكس ذلك حديث أنس، فأردنا أن نرجح أحدهما على الآخر بشاهد، فلم نجد أصلح من هذا إسنادا، وقد علمت ما في متنه من الفساد في المعنى. نعم وجدنا حديثا آخر يصلح شاهدا لحديث أبي أمامة، وهو ما أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 166) وفي المعجمين الآخرين من طريق محمد بن الحصين القصاص، حدثنا عيسى بن شعيب عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن مالك بن عامر عن معاذ بن جبل مرفوعا بلفظ: " أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وترك الكذب وإن كان مازحا، وحسن خلقه ". وقال الطبراني: " لم يروه عن روح إلا عيسى تفرد به ابن الحصين ". قلت: ولم أجد من ترجمه. وعيسى بن شعيب وهو النحوي قال الحافظ في " التقريب ". " صدوق له أوهام ". وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 23) : " رواه الطبراني في الثلاثة والبزار، وفي إسناد الطبراني محمد بن الحصين

274

ولم أعرفه، والظاهر أنه التميمي وهو ثقة، وبقية رجاله ثقات ". قلت: وما استظهره بعيد عندي، فإن ابن الحصين هذا في طبقة الإمام أحمد، وأما التميمي فمن أتباع التابعين، جعله الحافظ من الطبقة السادسة التي عاصرت الطبقة الخامسة من صغار التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة، بخلاف السادسة فلم يثبت لهم لقاء أحد منهم. وقوله في التميمي: إنه ثقة. فيه تساهل، لأنه لم يوثقه غير ابن حبان، وهو معروف بتساهله في التوثيق، أضف إلى ذلك أن الدارقطني خالفه، فقال: " مجهول " وهو الذي اعتمده الحافظ في " التقريب ". وجملة القول أن هذا الإسناد ضعيف، ولكن ليس شديد الضعف، فيصلح شاهدا لحديث أبي أمامة، فيرتقي به إلى درجة الحسن. والله أعلم. 274 - " أمرت بقرية تأكل القرى، يقولون: يثرب، وهي المدينة، تنفي الناس، كما ينفي الكير خبث الحديد ". أخرجه البخاري (4 / 69 - 70) ومسلم (9 / 154) ومالك (3 / 84 - 85) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 232 - 233) وأحمد (رقم 7231، 7364) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (62 / 2) . وأبو يعلى في " مسنده " (300 / 2) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وفي رواية من طريق أخرى عنه مرفوعا بلفظ: (يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء، هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها، كما ينفي الكير خبث الحديد) .

275

أخرجه مسلم (9 / 153) . الغريب 1 - أمرت بقرية ... قال الخطيب: " المعنى أمرت بالهجرة إلى قرية (تأكل القرى) أي يأكل أهلها القرى كما قال الله تعالى: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة) يعني قرية كان أهلها مطمئنين، وكان ذكر القرية عن هذا كناية عن أهلها، وأهلها المرادون بها لا هي، والدليل على ذلك قوله تعالى " (فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) والقرية لا صنع لها، وقوله: (فكفرت بأنعم الله) والقرية لا كفر لها. 2 - (تأكل القرى) بمعنى تقدر عليها، كقوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما) ليس يعني بذلك أكلتها دون محتجبيها عن اليتامى، لا بأكل لها، وكقوله تعالى: (ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبروا) يعني تغلبوا عليها إسرافا على أنفسكم، وبدارا أن يكبروا فيقيموا الحجة عليكم بها فينتزعوها منكم لأنفسهم، فكان الأكل فيما ذكرنا يراد به الغلبة على الشيء، فكذلك في الحديث ". 275 - " كان يصلي عند المقام، فمر به أبو جهل بن هشام، فقال: يا محمد ألم أنهك عن هذا؟ ! وتوعده، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره، فقال: يا محمد بأي شيء تهددني؟ ! أما والله إني لأكثر

276

هذا الوادي ناديا، فأنزل الله * (فليدع ناديه. سندع الزبانية) *. قال ابن عباس: لو دعا ناديه أخذته زبانية العذاب من ساعته ". رواه الترمذي (2 / 238) وابن جرير في تفسيره (30 / 164) من طرق عن داود ابن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: فذكره. والسياق لابن جرير. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح ". قلت: وقد رواه البخاري والطبراني في " الكبير " (3 / 141 / 1) وغيره من طرق أخرى عن عكرمة به نحوه. وله في " المعجم " (3 / 173 / 1) طريق أخرى عن ابن عباس. 276 - " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم، فإن صلة الرحم محبة في الأهل، مثراة في المال، منسأة في الأثر ". أخرجه الترمذي (1 / 357 - 358) والحاكم (4 / 161) وأحمد (2 / 374) والسمعاني في " الأنساب " (1 / 5) عن عبد الملك بن عيسى الثقفي عن يزيد مولى المنبعث عن أبي هريرة مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث غريب من هذا الوجه ". قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الملك هذا، قال أبو حاتم " صالح ".

وذكره ابن حبان في " الثقات " (2 / 175) وروى عنه جماعة من الثقات منهم عبد الله بن المبارك وهو الذي روى عنه هذا الحديث، فلا أدري لماذا لم يحسنه الترمذي على الأقل. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وللشطر الأول منه طريق أخرى، يرويه أبو الأسباط الحارثي اليماني عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. أخرجه ابن عدي (33 / 2) . وأبو الأسباط هذا هو بشر بن رافع. قال الحافظ: " فقيه ضعيف الحديث ". وقد وجدت له شاهدين أحدهما: من حديث العلاء بن خارجة مرفوعا به. أخرجه الطبراني ورجاله قد وثقوا كما في " المجمع " (8 / 152) ، وقال المنذري (3 / 223) : " لا بأس بإسناده ". والآخر من حديث علي رضي الله عنه. أخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 215) ورجاله ثقات غير علي بن حمزة العلوي ولم أجد له ترجمة، ولا أورده الطوسي في " فهرسته ". والشطر الثاني من الحديث رواه الطبراني في " الأوسط " من حديث عمرو ابن سهل. قال الهيثمي:

277

" وفيه من لم أعرفهم ". وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ". متفق عليه من حديث أنس. وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة، والحاكم (4 / 160) من حديث علي وابن عباس. وللحديث شاهد ثالث بنحوه وهو: " اعرفوا أنسابكم، تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت، وإن كانت بعيدة ". 277 - " اعرفوا أنسابكم، تصلوا أرحامكم، فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت، وإن كانت قريبة، ولا بعد بها إذا وصلت، وإن كانت بعيدة ". أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (2757) : حدثنا إسحاق بن سعيد قال: حدثني أبي قال: " كنت عند ابن عباس، فأتاه رجل فسأله: من أنت؟ قال: فمت له برحم بعيدة فألان له القول، فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وأخرجه الحاكم (4 / 161) والسمعاني في " الأنساب " (1 / 7) من طريق الطيالسي به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن الطيالسي لم يحتج به البخاري وإنما روى له تعليقا. والحديث أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 73) : حدثنا أحمد ابن يعقوب قال: أخبرنا إسحاق بن سعيد بن عمرو به موقوفا على ابن عباس دون قصة

278

الرجل وزاد: " وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها، تشهد له بصلة إن كان وصلها، وعليه بقطيعة إن كان قطعها ". وهذا سند على شرط البخاري في " صحيحه "، ولكنه موقوف، بيد أن من رفعه ثقة حجة وهو الإمام الطيالسي، وزيادة الثقة مقبولة. 278 - " خصلتان لا تجتمعان في منافق: حسن سمت، ولا فقه في الدين ". أخرجه الترمذي (2 / 114) : حدثنا أبو كريب حدثنا خلف بن أيوب العامري عن عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال: " هذا حديث غريب، ولا نعرف هذا الحديث من حديث عوف إلا من حديث هذا الشيخ خلف ابن أيوب العامري، ولم أر أحدا يروي عنه غير أبي كريب محمد بن العلاء، ولا أدري كيف هو؟ ". قلت: ومن هذا الوجه أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 153) وأبو بكر ابن لال في " أحاديث أبي عمران الفراء " (ق 1 / 2) والهروي في " ذم الكلام " (1 / 14 / 2) وقال: " قال الجارودي: تفرد به أبو كريب ". قلت: هو ثقة من رجال الشيخين، وإنما العلة في شيخه خلف، فقد جهله الترمذي كما عرفت، وروى عنه غير أبي كريب جماعة، مثل الإمام أحمد وأبي معمر القطيعي ومحمد بن مقاتل المروزي، فليس بمجهول، وروى العقيلي عن ابن معين أنه قال فيه: " بلخي ضعيف ".

ثم قال العقيلي عقب حديثه هذا: " ليس له أصل من حديث عوف، وإنما يروى هذا عن أنس، بإسناد لا يثبت ". وقال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 370 - 371) : " وسألت أبي عنه؟ فقال: يروى عنه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " كان مرجئا غاليا، استحب مجانبة حديثه لتعصبه وبغضه من ينتحل السنن ". وقال الخليلي: " صدوق مشهور، كان يوصف بالستر والصلاح، والزهد، وكان فقيها على رأي الكوفيين ". وأورده الذهبي في " الميزان " وقال: " أبو سعيد أحد الفقهاء الأعلام ببلخ ". ثم ذكر بعض ما قيل فيه مما سبق، ثم قال: قلت: كان ذا علم وعمل وتأله، زاره سلطان بلخ، فأعرض عنه ". وقال في " الضعفاء ": " مفتي بلخ، ضعفه ابن معين ". ونحوه في " التقريب " للحافظ العسقلاني. قلت: ولم تطمئن نفسي لجرح هذا الرجل، لأنه جرح غير مفسر، اللهم إلا في كلام ابن حبان، ولكنه صريح في أنه لم يجد فيه ما يجرحه إلا كونه مرجئا، وهذا لا يصح أن يعتبر جرحا عند المحققين من أهل الحديث، ولذلك رأينا البخاري يحتج في صحيحه ببعض الخوارج والشيعة والقدرية وغيرهم من أهل الأهواء، لأن العبرة في رواية الحديث إنما هو الثقة والضبط، وكأنه لذلك لم يجزم الحافظ بتضعيف

الرجل وإنما اكتفى على حكايته عن ابن معين كما فعل الذهبي، وهذا وإن كان يشعرنا بأنه ينبىء بضعفه إلا أنه ليس كما لو قال فيه " ضعيف " جازما به. والذي أراه أن الرجل وسط أو على الأقل مستور، لأن الجرح فيه لم يثبت، كما أنه لم يوثق من موثوق بتوثيقه، وفي قول الخليلي المتقدم ما يؤيد الذي رأيت. وهو لم يرو شيئا منكرا، وغاية ما ذكر له العقيلي حديثان. أحدهما هذا. والآخر حديثه بسنده الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا: " لا عدوى ولا صفر ولا هامة ". وقال العقيلي فيه: " إسناده مستقيم ". وأما هذا الحديث فلم يتفرد به البلخي، فقد جاء من طريقين آخرين: أحدهما: عن أنس. وقد أشار إليه العقيلي نفسه. والآخر يرويه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (ق 175 / 1 - كواكب 575) : أنبأ معمر عن محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، محمد بن حمزة، هو ابن يوسف بن عبد الله ابن عبد الله بن سلام، روى عن أبيه عن جده عبد الله بن سلام. قال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقد رواه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 24 / 2) من طريقين آخرين، عن معمر عن محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام، فجعله من مسند جده عبد الله، فإن صح هذا، ولم يكن في الرواية خطأ، أو في النسخة تحريف، فهو مسند، لكنه منقطع بين محمد بن حمزة وجده عبد الله بن سلام.

279

وبالجملة فالحديث عندي صحيح بمجموع هذه الطرق، وقد أشار إلى صحته عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " رقم 63 - نسختي بسكوته عنه كما نص عليه في المقدمة. والله أعلم. 279 - " لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتا يوشونها وشي المراحيل ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 777) : حدثنا إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري في " صحيحه " غير عبد الله بن أبي يحيى، وهو عبد الله بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وهو ثقة اتفاقا. (المراحيل) فسرها إبراهيم شيخ البخاري بأنها الثياب المخططة. وفي " النهاية ": " المرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال، ومنه الحديث: كان يصلي وعليه من هذه المرحلات يعني المروط المرحلة وتجمع على المراحل، ومنه هذا الحديث ... يوشونها وشي المراحل، ويقال لذلك العمل الترحيل ".

280

280 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بكم. يعني طلبة الحديث ". أخرجه تمام في " الفوائد " (1 / 4 / 2 - نسخة الحافظ عبد الغني المقدسي) عن عبد الله بن الحسين المصيصي، وأبو بكر بن أبي علي في " الأربعين " (ق 117 / 1) عن موسى بن هارون، والرامهرمزي في " الفاصل بين الراوي والواعي " (ق 5 / 2) وعنه العلائي في " بغية المتلمس " (2 / 2) عن ابن إ3 شكاب، والحاكم (1 / 88) عن القاسم بن مغيرة الجوهري وصالح بن محمد بن حبيب الحافظ كلهم عن سعيد بن سليمان (زاد موسى بن هارون والجوهري وصالح: الواسطي ) حدثنا عباد بن العوام عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أنه قال : مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح ثابت لاتفاق الشيخين على الاحتجاج بسعيد بن سليمان وعباد بن العوام، ثم الجريري، ثم احتجاج مسلم بحديث أبي نضرة، فقد عددت له في " المسند الصحيح " أحد عشر أصلا للجريري، ولم يخرجا هذا الحديث الذي هو أول حديث في فضل طلاب الحديث، ولا يعلم له علة، ولهذا الحديث طرق يجمعها أهل الحديث عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد، وأبو هارون ممن سكتوا عنه ". ووافقه الذهبي، وقال العلائي عقبه: " إسناده لا بأس به، لأن سعيد بن سليمان هذا هو النشيطي، فيه لين يحتمل، حدث عنه أبو زرعة وأبو حاتم الرازي، وغيرهما ". قلت: ليس هو النشيطي وذلك لأمور:

الأول: أنه جاء مصرحا في بعض الطرق كما رأيت أنه (الواسطي) ، والنشيطي بصري وليس بواسطي. الثاني: أن شيخه في هذا السند عباد بن العوام لم يذكر في ترجمة النشيطي، وإنما في ترجمة الواسطي. الثالث: أن بعض الرواة لهذا الحديث عنه لم يذكروا في ترجمته أيضا وإنما في ترجمة الواسطي مثل صالح بن محمد الحافظ الملقب بـ (جزرة) . فثبت مما ذكرنا أن سعيد بن سليمان إنما هو الواسطي وهو ثقة احتج به الشيخان كما تقدم في كلام الحاكم، وتوثيقه موضع اتفاق بين أهل العلم بالرجال، اللهم إلا قول الإمام أحمد في " كتاب العلل ومعرفة الرجال " (ص 140) : " كان صاحب تصحيف ما شئت ". وليس في هذا الحديث ما يمكن أن يصحف من مثل هذا الثقة لقصره! فينبغي أن تكون صحته موضع اتفاق أيضا، لكن قد جاء عن أحمد أيضا غير ذلك، ففي " المنتخب " لابن قدامة (10 / 199 / 1) : " قال مهنا: سألت أحمد عن حديث حدثنا سعيد بن سليمان (قلت: فساقه بسنده) فقال أحمد: ما خلق الله من ذا شيئا، هذا حديث أبي هارون عن أبي سعيد ". قلت: وجواب أحمد هذا يحتمل أحد أمرين: إما أن يكون سعيد عنده هو الواسطي، وحينئذ فتوهيمه في إسناده إياه مما لا وجه له في نظرى لثقته كما سبق. وإما أن يكون عنى أنه النشيطي الضعيف، وهذا مما لا وجه له بعد ثبوت أنه الواسطي. على أنه لم يتفرد به، فرواه بشر بن معاذ العقدي، حدثنا أبو عبد الله - شيخ ينزل

وراء منزل حماد بن زيد -: حدثنا الجريري عن أبي نضرة عنه. أنه كان إذا رأى الشباب قال: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمرنا أن نحفظكم الحديث، ونوسع لكم في المجالس. أخرجه الرامهرمزي ومن طريقه الحافظ العلائي وقال: " أبو عبد الله هذا لم أعرفه ". لكن للحديث طريقان آخران عن أبي سعيد: 1 - عن أبي خالد مولى ابن الصباح الأسدي عنه أنه كان يقول: " مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاؤوه في العلم ". أخرجه الرامهرمزي وأبو خالد هذا لم أعرفه. 2 - عن شهر بن حوشب عنه به وزاد: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيأتيكم أناس يتفقهون، ففقهوهم وأحسنوا تعليمهم ". أخرجه عبد الله بن وهب في " المسند " (8 / 167 / 2) وعبد الغني المقدسي في " كتاب العلم " (50 / 1) عن ابن زحر عن ليث بن أبي سليم عن شهر. قلت: وهذا سند ضعيف مسلسل بالضعفاء: شهر فمن دونه. ولكنه أحسن حالا من حديث أبي هارون العبدي الذي سبقت الإشارة إليه في كلام الحاكم، كذلك ذكر ابن معين، ففي " المنتخب ": " عن إبراهيم بن الجنيد قال: ذكر ليحيى بن معين حديث أبي هارون هذا فقال: قد رواه ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد مثله. فقيل ليحيى: هذا أيضا ضعيف مثل أبي هارون؟ قال: لا، هذا أقوى من ذلك وأحسن حدثناه ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن ليث ".

قلت: كذا في الأصل ليس فيه " ابن زحر " وهو في المصدرين السابقين من رواية يحيى بن أيوب عنه عن ليث. فالله أعلم. وبالجملة فهذه الطرق إن لم تزد الطريق الأولى قوة إلى قوة، فلن توهن منها. وله شاهد من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: " إنه سيضرب إليكم في طلب العلم، فرحبوا، وبشروا، وقاربوا ". أخرجه الرامهرمزي عن زنبور الكوفي حدثنا رواد بن الجراح عن المنهال بن عمرو عن رجل عنه. وهذا سند ضعيف، للرجل الذي لم يسم، وزنبور لم أجد له ترجمة. والعمدة على ما تقدم. وللحديث طريقان آخران عن أبي سعيد، وشاهد آخر عن أبي هريرة بأسانيد واهية جدا، ولذلك استغنيت عن ذكرهما، وفيما ذكرنا كفاية. وقد تكلمت على أحد الطريقين المشار إليهما في تعليقنا على " الأحكام الكبرى " لعبد الحق الإشبيلي (رقم الحديث 71) وصححه. ثم وجدت للحديث شاهدا آخر، فقال الدارمي (1 / 99) : أخبرنا إسماعيل ابن أبان حدثنا يعقوب هو القمي عن عامر بن إبراهيم قال: " كان أبو الدرداء إذا رأى طلبة العلم قال: مرحبا بطلبة العلم، وكان يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بكم ". قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير عامر بن إبراهيم فلم أعرفه وليس هو عامر بن واقد الأصبهاني، فإن هذا من شيوخ القمي المتوفى سنة (174) وذاك من الرواة عن القمي، وتوفي سنة (202) ، إلا أن يكون من رواية الأكابر عن الأصاغر. والله أعلم.

281

281 - " أشد الناس عذابا يوم القيامة: رجل قتله نبي، أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين ". أخرجه أحمد (1 / 407) : حدثنا عبد الصمد حدثنا أبان حدثنا عاصم عن أبي وائل عن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، وعاصم هو ابن بهدلة أبي النجود. وله طريق أخرى يرويه أبو إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود به ولفظه: " ... أو رجل يضل الناس بغير علم، أو مصور يصور التماثيل ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 80 / 2) وإليه فقط عزاه الهيثمي في " المجمع " (1 / 181) وقال: " وفيه الحارث الأعور وهو ضعيف ". قلت: الطريق الأولى سالمة منه، ولعل البزار قد أخرجه منها فقد عزاه إليه عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " (رقم 142) باللفظ الأول دون قوله " وممثل من الممثلين "، وسكت عليه مشيرا إلى صحته عنده كما نص عليه في المقدمة. وقال المنذري (3 / 136) : " ورواه البزار بإسناد جيد ". وله طريق ثالثة يرويها عباد بن كثير عن ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود إلا أنه قال: " وإمام جائر ".

أخرجه الطبراني (3 / 81 / 1) . قلت: وهذا سند واه جدا، ليث ضعيف، وعباد بن كثير متروك. وروى عن ابن عباس نحوه بلفظ: " ... أو قتل أحد والديه، والمصورون، وعالم لم ينتفع بعلمه ". أخرجه أبو القاسم الهمداني في " الفوائد " (1 / 196 / 1) عن عبد الرحيم أبي الهيثم عن الأعمش عن الشعبي عن ابن عباس به. قلت: وهذا سند ضعيف، عبد الرحيم هذا هو ابن حماد الثقفي، قال العقيلي في " الضعفاء " (278) : " حدث عن الأعمش مناكير، وما لا أصل له من حديث الأعمش ". وقال الحافظ في " اللسان ": " وأشار البيهقي في " الشعب " إلى ضعفه ". وحديث ابن عباس هذا أورده المناوي في " فيض القدير " شاهدا للحديث المشهور: " أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه " فقال متعقبا على السيوطي بعد أن بين ضعفه: " لكن للحديث أصل أصيل، فقد روى الحاكم في " المستدرك " من حديث ابن عباس مرفوعا ... " قلت: فذكره، ولم أقف على سنده عند الحاكم الآن لننظر فيه، وغالب الظن أنه من طريق عبد الرحيم المذكور، فإن كان كذلك، فالحديث لا يرتفع به عن درجة الضعف. والله أعلم.

282

والجملة الأخيرة من الحديث أخرجها البخاري في " صحيحه " (4 / 104) من طريق مسدود عن عبد الله مرفوعا بلفظ: " إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون ". 282 - " أربع من السعادة: المرأة الصالحة، والمسكن الواسع، والجار الصالح، والمركب الهنيء. وأربع من الشقاء: الجار السوء، والمرأة السوء، والمسكن الضيق ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1232) والخطيب في " التاريخ " (12 / 99) من طريق الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أحمد (1 / 168) من طريق محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد ابن سعد به نحوه، دون ذكر " الجار الصالح " و " الجار السوء ". ومحمد بن أبي حميد هذا، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ضعفوه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ": وأخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 19 / 1) و " الأوسط " (1 / 163 / 1) من طريق إبراهيم بن عثمان عن العباس بن ذريح عن محمد بن سعد به. وقال:

283

" لم يروه عن العباس إلا إبراهيم، وهو أبو شيبة ". قلت: وهو متروك الحديث كما قال الحافظ. وقال الحافظ المنذري في " الترغيب " (3 / 68) بعد أن ذكره بلفظ أحمد المشار إليه: " رواه أحمد بإسناد صحيح، والطبراني والبزار والحاكم وصححه ". وقال الهيثمي (4 / 272) : " رواه أحمد والبزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال أحمد رجال الصحيح "! كذا قالا، ومحمد بن أبي حميد الذي في " المسند " لأحمد، مع ضعفه ليس من رجال الصحيح. 283 - " من مات على شيء بعثه الله عليه ". أخرجه الحاكم (4 / 313 من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 296 / 2) لأحمد أيضا وأبي يعلى والضياء في " الأحاديث المختارة ". ويفسره حديث فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة يعني الغزو والحج "

284

أخرجه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 129 / 2) حدثنيه أبي حدثنيه يزيد عن المقرىء عن حيوة بن شريح عن أبي هانىء أن أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع فضالة بن عبيد به. قلت: وهذا إسناد جيد لولا أني لم أعرف يزيد الراوي عن المقري - واسمه عبد الله بن يزيد المقري - ولا وجدت ترجمة لوالد ابن قتيبة واسمه مسلم بن قتيبة سوى ما ذكره الخطيب في ترجمة ابن قتيبة (10 / 170) : " وقيل: إن أباه مروزي، وأما هو فمولده بغداد ". 284 - " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم ". هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وله عنه طريقان: الأولى: عن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الترمذي (1 / 217 - 218) وأحمد (2 / 250، 472) . وأخرج الشطر الأول منه أبو داود (4682) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 185 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 248) والحاكم (1 / 3) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو حسن فقط، لأن محمد بن عمرو، فيه ضعف يسير، وليس هو على شرط مسلم، فإنه إنما أخرج له متابعة. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو صحيح بطريقه الآتية وهي:

الأخرى: عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي هريرة به. أخرجه ابن حبان (1311) . قلت: ورجاله ثقات غير أن المطلب هذا كثير التدليس كما في " التقريب " وقد عنعنه. ولشطره الأول طريق ثالث عن أبي هريرة، يرويه محمد بن عجلان عن القعفاع ابن حكيم عن أبي صالح عنه. أخرجه الدارمي (2 / 323) وابن أبي شيبة (12 / 12 / 1) وأحمد (2 / 527) والطبراني في " مختصر مكارم الأخلاق " (1 / 110 / 2) والحاكم (1 / 3) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: هو حسن أيضا. فإن ابن عجلان أخرج له مسلم متابعة، وفيه بعض الكلام. وله طريق رابع مرسل، فقال ابن أبي شيبة (12 / 188 / 2) : ابن علية عن يونس عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد. وللحديث شاهد من رواية عائشة مرفوعا بلفظ: " إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وألطفهم بأهله ". أخرجه الترمذي (2 / 102) والحاكم (1 / 53) وأحمد (6 / 47، 99) من طريق أبي قلابة عنها. وقال الترمذي:

285

" حديث حسن، ولا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة ". وقال الحاكم: " رواته عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". وتعقبه الذهبي بقوله. " قلت: فيه انقطاع ". قلت: وقد تنبه لهذا الحاكم في أول كتابه، فإنه قال بعد أن ساق الحديث من رواية أبي هريرة من الطريقين عنه (1 / 4) : وقد روي هذا الحديث أيضا عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، وشعيب ابن الحبحاب عن أنس، ورواه ابن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة، وأنا أخشى أن أبا قلابة لم يسمعه عن عائشة ". ووافقه الذهبي. قلت: فالحديث بهذا الإسناد واللفظ ضعيف، وقد روى منه ابن أبي شيبة (12 / 185 / 1) الشطر الأول منه. وقد صح عنها بلفظ آخر وهو: " خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي، وإذا مات صاحبكم فدعوه ". 285 - " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي وإذا مات صاحبكم فدعوه ". أخرجه الترمذي (2 / 323) والدارمي (2 / 159) وابن حبان (1312) عن محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وليس عند الدارمي وابن حبان الجملة الوسطى منه. وأخرج أبو داود (4899) عن وكيع حدثنا هشام بن عروة به الجملة الأخيرة منه وزاد: لا تقعوا فيه. وله شاهد من حديث ابن عباس به دون الجملة الأخيرة. أخرجه ابن ماجه (1977) وابن حبان (1315) والضياء في " المختارة " (63 / 9 / 2) من طريق عمارة بن ثوبان عن عطاء عنه. وأخرجه الحاكم (4 / 173) مقتصرا على الشطر الأول منه بلفظ. " خيركم خيركم للنساء ". وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي! وهذا غريب منه فإن عمارة هذا أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " تابعي صغير مجهول ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مستور ". وله شاهد من حديث ابن عمرو بلفظ: " خياركم خياركم لنسائهم ". أخرجه ابن ماجه (1978) عن أبي خالد عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عنه. قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، ولهذا قال البوصيري في " الزوائد " (ق 125 /

286

1) : " وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات ". قلت: وهو عندي معلول بالمخالفة والوهم من قبل أبي خالد واسمه سليمان ابن حيان الأحمر، وهو وإن كان ثقة محتجا به في " الصحيحين " فإن في حفظه ضعفا كما يتبين لمن راجع أقوال الأئمة فيه من " التهذيب " وقد لخصها الحافظ - كعادته - في كتابه " التقريب " فقال: " صدوق يخطىء ". وخالفه جماعة من الثقات فرووه عن الأعمش بلفظ: " خياركم أحاسنكم أخلاقا ". ووافقهم عليه أبو خالد نفسه في رواية عنه كما يأتي، فالظاهر أنه كان يضطرب فيه، فتارة يرويه بهذا اللفظ، وتارة على الصواب، فإليك بيان الطرق التي أشرنا إليها باللفظ الصحيح وهو: " خياركم أحاسنكم أخلاقا ". 286 - " خياركم أحاسنكم أخلاقا ". أخرجه البخاري (4 / 121) عن حفص بن غياث، وفي " الأدب المفرد " (271) عن سفيان، ومسلم (7 / 78) عن أبي معاوية ووكيع وابن نمير وأبي خالد الأحمر والطيالسي (2246) عن شعبة، ومن طريقه الترمذي (1 / 357) وأحمد (2 / 161) عن أبي معاوية أيضا كلهم عن الأعمش قال: سمعت أبا وائل يحدث عن مسروق عن عبد الله بن عمرو وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وزاد: " ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا ". وقال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح ".

287

287 - " ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله عز وجل، ونساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها، وتقول: لا أذوق غمضا حتى ترضى ". أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " (ق 202 / 1) وعنه ابن عساكر (2 / 87 / 2 ) بتمامه، وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (ق 115 - 116) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 303) نصفه الأول، والنسائي في " عشرة النساء " (1 / 85 / 1) النصف الآخر من طريق خلف بن خليفة عن أبي هاشم يعني الرماني عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أن خلفا - وهو من شيوخ أحمد - كان اختلط في الآخر، ولا ندري أحدث به قبل الاختلاط فيكون صحيحا، أو بعده فيكون ضعيفا، لكن للحديث شواهد يتقوى بها كما يأتي بيانه. والحديث له طريق أخرى عن أبي هاشم، أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 163 / 1) وعنه أبو نعيم عن سعيد بن زيد عن عمرو بن خالد أنبأنا أبو هاشم به. وعمرو هذا هو الواسطي وهو كذاب كما في " المجمع " (4 / 313) ، فلا يفرح بمتابعته.

ومن شواهده ما رواه إبراهيم بن زياد القرشي عن أبي حازم عن أنس بن مالك مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 23) و " الأوسط " (1 / 170 / 1) وقال: " لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، ولم يروه عن أبي حازم سلمة بن دينار إلا إبراهيم. قلت: وهذا أورده العقيلي في " الضعفاء " (ص 17 و 18) وروى عن البخاري أنه قال: " لم يصح إسناده ". ثم ذكر ما يشعر أنه سيىء الحفظ فقال: " هذا شيخ يحدث عن الزهري، وعن هشام بن عورة، فيحمل حديث الزهري على هشام بن عروة. وحديث هشام بن عروة على الزهري، ويأتي أيضا مع هذا عنهما بما لا يحفظ ". وقال الذهبي في " الميزان ": " لا يعرف ". ونحوه قول المنذري في " الترغيب " (3 / 77) : " رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا إبراهيم بن زياد القرشي فإني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل. وقد روي هذا المتن من حديث ابن عباس وكعب بن عجرة وغيرهما ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 312) : " رواه الطبراني في " الصغير " و " الأوسط " وفيه إبراهيم بن زياد القرشي، قال

288

البخاري: " لا يصح حديثه "، فإن أراد تضعيفه فلا كلام، وإن أراد حديثا مخصوصا فلم يذكره، وأما بقية رجاله فهم رجال الصحيح ". قلت: وأنا أرى أنه لا بأس به في الشواهد. والله أعلم. وأما حديث كعب بن عجرة الذي أشار إليه المنذري، فلا يصلح شاهدا لشدة ضعفه، قال الهيثمي (4 / 312) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " وفيه السري بن إسماعيل وهو متروك ". قلت: ومن طريقه أخرج أبو بكر الشافعي في " فوائده " النصف الأول منه. 288 - " اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما: عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليهم، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع ". أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 97) و " الأوسط " (1 / 169 / 2) عن محمد بن أبي صفوان الثقفي حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير، والحاكم في " المستدرك " (4 / 173) من طريق محمد بن منده الأصبهاني حدثنا بكر بن بكار، كلاهما قالا: حدثنا عمر بن عبيد - زاد الأول: الطنافسي - عن إبراهيم بن مهاجر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الطبراني: " لم يروه عن إبراهيم إلا عمر، ولا عنه إلا ابن أبي الوزير، تفرد به محمد بن أبي صفوان ". كذا قال، وطريق الحاكم ترد عليه، وقد سكت عنه هو والذهبي، وإسناده حسن عندي، رجاله ثقات رجال الشيخين، سوى ابن مهاجر فإنه من رجال مسلم وحده، وفيه ضعف يسير. قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، لين الحفظ ".

289

وأورده الذهبي في " الضعفاء " تمييزا فقال: " ثقة ". والحديث قال المنذري (3 / 79) : " رواه الطبراني بإسناد جيد، والحاكم ". وقال الهيثمي (4 / 313) : " رواه الطبراني في " الصغير " و " الأوسط " ورجاله ثقات ". قلت: وله شاهد من حديث جابر بسند ضعيف أوردته في " الأحاديث الضعيفة " رقم (1075) بلفظ: " ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ... العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه ... والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى، والسكران حتى يصحو ". 289 - " لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، وهي لا تستغني عنه ". أخرجه النسائي في " عشرة النساء " من " السنن الكبرى " (1 / 84 / 1) أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا محمد بن محبوب قال: حدثنا سرار بن مجشر ابن قبيصة - ثقة - عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " سرار بصري ثقة، هو ويزيد بن زريع يقدمان في سعيد بن أبي عروبة لأن سعيدا كان قد تغير في آخر عمره، فمن سمع منه قديما فحديثه صحيح ". قلت: وتابعه ابن المبارك عن سعيد عن قتادة به. أخرجه أبو سعيد الشاشي عيسى بن سالم في " حديثه " (ق 78 / 1) : أنبأنا ابن

المبارك به. قلت: وهذا إسناد صحيح كسابقه. وقد تابعه عمر بن إبراهيم عن قتادة به. أخرجه الحاكم (2 / 190) عن شاذ بن فياض حدثنا عمر بن إبراهيم به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي! وخالف شاذا الخليل بن عمر بن إبراهيم فقال: حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عمرو به مرفوعا. فذكر الحسن وهو البصري بدل ابن المسيب. أخرجه النسائي والعقيلي في " الضعفاء " (ص 121) وقال: " الخليل يخالف في بعض حديثه ". قلت: ليس هو دون شاذ بن فياض في الثقة والحفظ، وفي ضبطهما كلام يسير، ولعل الاختلاف من نفس عمر بن إبراهيم ففي " التقريب ": " صدوق، في حديثه عن قتادة ضعف ". ورواية شاذ عنه أولى عندي لموافقتها لرواية ابن أبي عروبة عن قتادة، ولمتابعة أخرى وقفت عليها في " الكامل " لابن عدي أخرجها (ق 289 / 2) من طريق محمد بن بلال حدثنا عمران عن قتادة عن سعيد بن المسيب به. وقال: " ومحمد بن بلال يغرب عن عمران القطان، وله عن غيره غرائب، وأرجو أنه لا

بأس به ". قلت: وهذا إسناد حسن وشاهد قوي لما سبق. لكن يبدو أن للحديث أصلا من رواية قتادة عن الحسن، فقد قال العقيلي عقب ما نقلته عنه في الخليل بن عمر: " وقال سرار بن مجشر: عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن وسعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ". فإذا كان هذا محفوظا فهو يؤيد صحة رواية شاذ والخليل عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن سعيد والحسن، ولكنه لم يسق إسناده إلى سرار لننظر فيه. ثم ساق رواية ابن المبارك المتقدمة عن سعيد عن قتادة عن ابن المسيب به. وقال: " هذا أولى ". ثم قال: " قال هشام الدستواني عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو، موقوف نحوه. وهذا أولى ". قلت: وكذلك رواه شعبة عن قتادة به موقوفا. أخرجه النسائي. ورواية سرار عن قتادة مرفوعا أولى عندي لسماعه من سعيد قديما كما سبق عن النسائي ولمتابعة عمر بن إبراهيم له. والله أعلم. والحديث قال المنذري (3 / 78) : " رواه النسائي والبزار بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح، وقال الحاكم:

290

صحيح الإسناد ". وقال الهيثمي (4 / 309) : " رواه البزار بإسنادين والطبراني وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح ". وقد صححه عبد الحق الإشبيلي بسكوته عليه في " الأحكام الكبرى " (ق 144 / 1) وإيراده إياه في " الأحكام الصغرى " (ق 153 / 1) التي خصها بالحديث الصحيح. 290 - " لا، بل يبايع على الإسلام، فإنه لا هجرة بعد الفتح، ويكون من التابعين بإحسان ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 468، 469) عن أبي معاوية شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن يحيى بن إسحاق عن مجاشع بن مسعود. أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بابن أخ له يبايعه على الهجرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن إسحاق وهو الأنصاري قال ابن معين وابن حبان: " ثقة " وكذا قال الحافظ في " التقريب ". ثم أخرجه من طريق أبي عثمان النهدي عن مجاشع بن مسعود قال:

291

" انطلقت بأخي معبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح، فقلت: يا رسول الله بايعه على الهجرة، فقال: مضت الهجرة لأهلها، قال: فقلت فماذا؟ قال: على الإسلام والجهاد ". زاد في رواية أخرى عن أبي عثمان النهدي: " قال: فلقيت معبدا بعد، وكان هو أكبرهما، فسألته؟ فقال: صدق مجاشع ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ويلاحظ القارىء أن المبايع في الرواية الأولى ابن أخي مجاشع، وفي هذه أنه هو أخوه نفسه واسمه معبد، وهو أصح. والله أعلم. وأما قوله صلى الله عليه وسلم " لا هجرة بعد الفتح " فقد صح من حديث ابن عباس وعائشة وأبي سعيد، وقد خرجتها في " إرواء الغليل " (1173) . 291 - " رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك، يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب، أفلا يعقلون؟! ". هو من حديث أنس رضي الله عنه، وله عنه أربع طرق: الأولى: عن مالك بن دينار عنه. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 198 / 1) : حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد حدثنا هشام الدستوائي عن المغيرة ختن مالك بن دينار عن مالك بن دينا. وأخرجه بن حبان في " صحيحه " (رقم 52 - ترتيبه) : أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المنهال الضرير: حدثنا يزيد بن زريع به

قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون غير المغيرة وهو بن حبيب أبو صالح الأزدي. أورده الذهبي في " الميزان " لقول الأزدي فيه: " منكر الحديث " وذكره بن حبان في " الثقات " وقال: " يروي عن سالم بن عبد الله وشهر بن حوشب، وعنه هشام الدستوائي وأهل البصرة، يغرب ". قلت: وأورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 220 / 991) ، وزاد في الرواة عنه حماد بن زيد وجعفر بن سليمان وصالح المري وبشر بن المفضل. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قلت: فمثله مما تطمئن النفس لحديثه، لرواية هذا الجمع من الثقات عنه، دون أن يعرف بما يسقط حديثه وأما قول الأزدي: " منكر الحديث " فمما لا يلتفت إليه لأنه معروف بالتعنت في التجريح، فلعله من أجل ذلك لم يورده الذهبي في كتابه الآخر الضعفاء ولا في ذيله. والله أعلم. وقد تابعه إبراهيم بن أدهم حدثنا مالك بن دينار به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 43 - 44) وقال: " مشهور من حديث مالك عن أنس، غريب من حديث إبراهيم عنه ". قلت: وهو ثقة زاهد مشهور، وثقه جماعة من الأئمة كابن معين وغيره، فهي متابعة قوية للمغيرة فبذلك يصير الحديث صحيحا. والحمد لله على توفيقه. الثانية عن علي بن زيد بن جدعان عنه نحوه أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (ق 192 / 1 من الكواكب) وأحمد (3 / 120، 180، 231، 239) وأبو يعلى (191 / 1 - 2 و 2) والخطيب في

" التاريخ " (6 / 199، 12 / 47) عن حماد بن سلمة عنه. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله ثقات رجال مسلم غير بن جدعان فإنه ضعيف من قبل حفظه وبعضهم يحسن حديثه. الثالثة عن سليمان التيمي عنه. أخرجه أبو نعيم (8 / 172 - 173) : حدثنا طلحة بن أحمد بن الحسن العوفي حدثنا محمد بن علويه المصيصي حدثنا يوسف بن سعيد بن مسلم حدثنا عبد الله بن موسى حدثنا بن المبارك عن سليمان التيمي. وقال: " مشهور من حديث أنس، رواه عنه عدة، وحديث سليمان عزيز ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير يوسف بن سعيد بن مسلم وهو ثقة حافظ من شيوخ النسائي ولكني لم أعرف اللذين دونه. الرابعة عن خالد بن سلمة عنه. أخرجه الواحدي في " التفسير: الوسيط " (1 / 15 / 1) عن صالح بن أحمد الهروي: حدثنا أبو بجير محمد بن جابر حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا سفيان عنه. قلت: وهذا سند رجاله ثقات معروفون غير الهروي هذا، فقد قال فيه أبو أحمد الحاكم: " فيه نظر ". قلت: وجملة القول: أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، والحمد لله رب العالمين.

292

292 - " يجاء بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتابه (وفي رواية: أقتاب بطنه) في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يا فلان ما شأنك؟ أليس كنت تأمرنا بالمعروف، وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ". أخرجه البخاري (2 /

293

293 - " أنا أكبر منك سنا، والعيال على الله ورسوله، وأما الغيرة، فأرجو الله أن يذهبها ". أخرجه أبو يعلى في" مسنده " (198 / 1) : حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي حدثني عجلان ابن عبد الله من بني عدي عن مالك بن دينار عن أنس قال: لما حضرت أبا سلمة الوفاة، قالت أم سلمة إلى من تكلني؟ فقال اللهم إنك لإم سلمة خير من أبي سلمة، فلما توفي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت إني كبيرة السن قال: فذكره فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إليها برحايين وجرة للماء "! قلت: وهذا سند جيد رجاله ثقات معروفون غير عجلان هذا فأورده ابن حبان في الثقات (2 / 234) وقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 19) عن أبي زرعة: " بصري لا بأس به ".

294

294 - " من كان له ثلاثة بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة ". أخرجه ابن ماجه (3669) وكذا البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 76) وأحمد (4 / 154) من طريق حرملة بن عمران قال: سمعت أبا عشانة المعافري قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عشانة بضم المهملة وتشديد المعجمة، واسمه حي بن يؤمن بضم التحتانية وسكون الواو المصري وهو ثقة مشهور بكنيته. وقال البوصيري في " الزوائد " (221 / 1) : " إسناده صحيح، ورواه أحمد وأبو يعلى في " مسنديهما "، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، رواه أبو داود والترمذي ". قلت: هذا الشاهد ضعيف، لجهالته واضطرابه، فأخرجه أبو داود (5147) من طريق خالد، والبخاري في " الأدب المفرد " (79) عن عبد العزيز بن محمد، وأحمد (3 / 42) عن إسماعيل بن زكريا، كلهم عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد الأعشى - وهو سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل الزهري - عن أيوب ابن بشير الأنصاري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " من عال ثلاث بنات، فأدبهن وزوجهن، وأحسن إليهن، فله الجنة ". ولفظ أحمد: " لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أختان فيتقي الله

295

فيهن، ويحسن إليهن، إلا دخل الجنة ". وهو لفظ البخاري باختصار. وأخرجه الترمذي (1 / 349) من طريق عبد الله بن المبارك: أخبرنا ابن عيينة عن سهل بن أبي صالح عن أيوب بن بشير عن سعيد الأعشى عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " من كان له ثلاث بنات أو.. " الحديث نحو لفظ أحمد. وكذا أخرجه ابن حبان (2044) من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي حدثنا سفيان به. ووقع فيه بعض الأخطاء المطبعية في سنده. فهذا اضطراب شديد فيه عجيب، فبينما نرى في الرواية الأولى سعيد الأعشى هو شيخ سهيل بن أبي صالح، والراوي عن أيوب بن بشير، إذا بنا نراه في الرواية الأخرى شيخ أيوب بن بشير والراوي عن أبي سعيد، ثم هو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، ولهذا ضعفه الترمذي بقوله: " حديث غريب ". 295 - " من كن له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فاتقى الله وأقام عليهن كان معي في الجنة هكذا، وأومأ بالسباحة والوسطى ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (170 / 1) : حدثنا شيبان حدثنا محمد بن زياد البرجمي حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن زياد البرجمي وهو ثقة،

296

قال ابن عدي في " الكامل " (14 / 2) : " قال لنا عبدان الأهوازي: سألت الفضل بن سهل الأعرج وابن إشكاب عن محمد بن زياد البرجمي هذا، فقالا: هو من ثقات أصحابنا ". وأورده ابن حبان في " الثقات " وقال (2 / 267) : " يروي عن ثابت البناني، روى عنه البصريون ". قلت: ولم يعرفه أبو حاتم الرازي فقال ابنه (3 / 2 / 258) : " سألته عنه؟ فقال: هو مجهول ". وقد تابعه حماد بن زيد بلفظ آخر، وهو: " من عال ابنتين، أو ثلاث بنات، أو أختين أو ثلاث أخوات، حتى يمتن (وفي رواية: يبن، وفي أخرى يبلغن) أو يموت عنهن كنت أنا وهو كهاتين، وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى ". 296 - " من عال ابنتين أو ثلاث بنات أو أختين أو ثلاث أخوات حتى يمتن (وفي رواية: يبن وفي أخرى يبلغن) أو يموت عنهن كنت أنا وهو كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى ". أخرجه أحمد (3 / 147 - 148) : حدثنا يونس حدثنا حماد يعني ابن زيد عن ثابت عن أنس أو غيره، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرجه ابن حبان (2045) من طريقين آخرين عن حماد بن زيد به، ولم يقل: " أو غيره " وعنده الرواية الثانية. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وأورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 157) بنحوه من رواية الطبراني في "الأوسط " بإسنادين قال: " ورجال أحدهما رجال الصحيح ". قلت: وعنده الرواية الثالثة، ومما يرجح هذه الرواية أنها ثبتت من طريق أخرى

297

عن أنس بنحوه، وهو. " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ". 297 - " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو. وضم أصابعه ". أخرجه مسلم (8 / 38 - 39) واللفظ له، والترمذي (1 / 349) من طريق محمد بن عبد العزيز عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح. وليس عند الترمذي: " حتى تبلغا ". وقال: " أنا دخلت وهو الجنة كهاتين، وأشار بأصبعيه ". 298 - " يكفيك الماء ولا يضرك أثره ". أخرجه أبو داود (1 / 141 - 142 - بشرح العون) وأحمد (2 / 380) قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة. " أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إنه ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه، فكيف أصنع؟ قال: إذا طهرت فاغسليه، ثم صلي فيه، فقالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال ". فذكره. ورواه البيهقي في " السنن " (2 / 408) من طريق عثمان بن صالح حدثنا ابن لهيعة: حدثني يزيد ابن أبي حبيب به. وتابعهما عبد الله بن وهب فقال: أخبرنا ابن لهيعة به.

أخرجه البيهقي وكذا أبو الحسن القصار في " حديثه عن ابن أبي حاتم " (2 / 2) وابن الحمصي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (33 / 1) وابن منده في " المعرفة " (2 / 321 / 2) . وقال البيهقي: إسناده ضعيف. " تفرد به ابن لهيعة ". قلت: وقال ابن الملقن في " خلاصة الإبريز للنبيه، حافظ أدلة التنبيه " (ق 89 / 2) : " وقد ضعفوه، ووثقه بعضهم ". وقال الحافظ في " فتح الباري " (1 / 266) : " رواه أبو داود وغيره، وفي إسناده ضعف، وله شاهد مرسل ". ونقله عنه صاحب " عون المعبود " (1 / 141 - 142) وأقره! وقال الحافظ أيضا في " بلوغ المرام ": " أخرجه الترمذي، وسنده ضعيف ". قال شارحه الصنعاني (1 / 55) تبعا لأصله " بدر التمام " (1 / 29 / 1) : " وكذلك أخرجه البيهقي، وفيه ابن لهيعة ". واغتر بقول الحافظ هذا جماعة فعزوه تبعا له إلى الترمذي، منهم صديق حسن خان في " الروضة الندية " (1 / 17) ، ومن قبله الشوكاني في " نيل الأوطار " فقال (1 / 35) : " أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود، والبيهقي من طريقين عن خولة بنت يسار، وفيه ابن لهيعة ". وكذا قال الحافظ في " التلخيص " (13) لكنه لم يذكر الترمذي وأحمد. أقول: وفي كلمات هؤلاء الأفاضل من الأوهام ما لا يجوز السكوت عليه

فأقول: أولا: عزوه الترمذي وهم محض، فإنه لم يخرجه البتة، وإنما أشار إليه عقب حديث أسماء الآتي بقوله: " وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن ". ولذلك لما شرع ابن سيد الناس في تخريج الحديث كعادته في تخريج أحاديث الترمذي المعلقة لم يزد على قوله: " رواه أحمد "، فلم يعزه لأي موضع من " سننه "، بل ولا لأي كتاب من كتبه الأخرى. وكذلك صنع المباركفوري في شرحه عليه. إلا أنه جاء بوهم آخر! فقال (1 / 128) . " أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه "! ثانيا: إطلاق الضعف على ابن لهيعة وإسناد حديثه هذا، ليس بصواب فإن المتقرر من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه، ولكنه سيىء الحفظ، وقد كان يحدث من كتبه فلما احترقت حدث من حفظه فأخطأ، وقد نص بعضهم على أن حديثه صحيح إذا جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة: عبد الله بن وهب، وعبد الله بن المبارك، وعبد الله بن يزيد المقرىء، فقال الحافظ عبد الغني ابن سعيد الأزدي: إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح، ابن المبارك وابن وهب والمقرىء. وذكر الساجي وغيره مثله. ونحوه قول نعيم بن حماد: سمعت ابن مهدي يقول: " لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه ". وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا بقوله في " التقريب ": " صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما ".

فإذا عرفت هذا تبين لك أن الحديث صحيح لأنه قد رواه عنه أحد العبادلة وهو عبد الله بن وهب عند البيهقي وغيره، كما سبق، فينبغي التفريق بين طريق أبي داود وغيره عن ابن لهيعة، فيقال: إنها ضعيفة، وبين طريق البيهقي، فتصحح لما ذكرنا. وهذا تحقيق دقيق استفدناه من تدقيقات الأئمة في بيان أحوال الرواة تجريحا وتعديلا. والتوفيق من الله تعالى. ثالثا: قول الشوكاني: " إن الحديث أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي من طريقين عن خولة بنت يسار، وفيه ابن لهيعة ". وهم أيضا، فإنه ليس للحديث عندهم إلا الطريق المتقدم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة أن خولة بنت يسار. فالطريق ينتهي إلى أبي هريرة لا خولة، وعنه عيسى بن طلحة، ليس إلا. نعم قد رواه ابن لهيعة مرة على وجه آخر في شيخه فقال في رواية موسى بن داود الضبي عنه قال: حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عيسى بن طلحة به. أخرجه أحمد (2 / 344) ، فهذا إن كان ابن لهيعة قد حفظه من طريق أخرى له عن عيسى بن طلحة، وإلا فهو من أوهامه لأنها ليست من رواية أحد العبادلة عنه بل هي مخالفة لها كما سبق، وسواء كان هذا أو ذاك فلا يصح أن يقال في هذه الطريق أنها طريق أخرى وعن خولة أيضا! ! ولعل الشوكاني أراد بالطريق الأخرى ما أخرجه البيهقي عقب حديث أبي هريرة، من طريق مهدي بن حفص حدثنا علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة ابن

عبد الرحمن عن خولة بنت يمان قالت: " قلت: يا رسول الله، إني أحيض، وليس لي إلا ثوب واحد، فيصيبه الدم. قال: اغسليه وصلي فيه. قلت: يا رسول الله، يبقى أثره. قال: لا يضر ". وقال: " قال إبراهيم الحربي: الوازع بن نافع غيره أوثق منه، ولم يسمع خولة بنت يمان أو يسار إلا في هذين الحديثين ". وأخرجه ابن منده في " المعرفه " (2 / 321 / 2) وابن سيد الناس في " شرح الترمذي " (1 / 48 / 2) من طريق عثمان بن أبي شيبة، أنبأنا علي ابن ثابت الجزري به، إلا أن الأول منهما قال " خولة " ولم ينسبها، وقال الآخر: " خولة بنت حكيم " وهو عنده من طريق الطبراني عن ابن أبي شيبة، وكذلك ذكره الهيثمي في " المجمع " (1 / 282) من رواية الطبراني في الكبير وقال: " وفيه الوازع بن نافع وهو ضعيف ". قلت: بل هو متروك شديد الضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال أحمد ويحيى: ليس بثقة ". ولذلك تعقب ابن التركماني البيهقي في تركه مثل هذا التجريح واختصاره على كلام إبراهيم الحربي الموهم بظاهره أنه ثقة لكن غيره أوثق منه! مع أنه ليس بثقة. ولعل قوله في رواية البيهقي " بنت يمان "، وقوله " بنت حكيم " في رواية الطبراني وغيره، إنما هو من الوازع هذا، ومن العجائب قول ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة خولة بنت يسار بعد أن ذكر حديثها المتقدم:

" روى عنها أبو سلمة، وأخشى أن تكون خولة بنت اليمان، لأن إسناد حديثهما واحد، إنما هو علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة بالحديث الذي ذكرنا في اسم خولة بنت اليمان (يعني حديث: " لا خير في جماعة النساء ... ") وبالذي ذكرنا ههنا، إلا أن من دون علي بن ثابت يختلف في الحديثين، وفي ذلك نظر ". ووجه العجب أن الحديث الذي أشار إليها بقوله " وبالذي ذكرنا هنا " إنما هو هذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه " ولا يضرك أثره " وهو الذي ذكره ابن عبد البر في ترجمة بنت يسار هذه كما أشرت إليه آنفا، وهو ليس من رواية أبي سلمة هذا عنها ولا عن غيرها، وإنما هو من رواية عيسى بن طلحة عن أبي هريرة كما سبق، فهذا طريق آخر للحديث، وفيه وقع اسمها منسوبا إلى يسار، والسند بذلك صحيح، فكيف نخشى أن يكون ذلك خطأ والصواب بنت يمان مع أن راويه علي بن ثابت ضعيف كما أشار إليه ابن عبد البر بل هو متروك كما سبق. وأعجب من ذلك أن الحافظ ابن حجر لما نقل كلام ابن عبد البر إلى قوله " لأن إسناد حديثهما واحد " رد عليه بقوله: " قلت: لا يلزم من كون الإسناد إليهما واحدا مع اختلاف المتن أن تكون واحدة " فسلم بقوله إن الإسناد واحد، مع أنه ليس كذلك، وهو الإمام الحافظ، فجل من لا يسهو ولا ينسى تبارك وتعالى. رابعا: قول الحافظ فيما سبق: " وله شاهد مرسل "، وهم أيضا، فإننا لا نعلم له شاهدا مرسلا، ولا ذكره الحافظ في " التلخيص " وإنما ذكر له شاهدا موقوفا عن عائشة قالت: " إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران ".

299

أخرجه الدارمي (1 / 238) وسكت عليه الحافظ (13) وسنده صحيح على شرط الشيخين. ورواه أبو داود بنحوه. انظر " صحيح أبي داود " (ج 3 رقم 383) . والحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صلى الله عليه وسلم بغسله، وظاهره أنه يكفي فيه الغسل، ولا يجب فيه استعمال شيء من الحواد والمواد القاطعة لأثر الدم، ويؤيده الحديث الآتي: " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء (وفي رواية: ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره) ثم لتصلي فيه ". 299 - " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء (وفي رواية: ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره) ثم لتصلي فيه ". أخرجه مالك (1 / 79) وعنه البخاري (1 / 325) ومسلم (1 / 166) وأبو داود (ج 3 رقم 386 - صحيحه) والبيهقي (1 / 13) كلهم عن مالك عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت: " سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وتابعه يحيى بن سعيد عن هشام به. أخرجه البخاري (1 / 264) ومسلم والبيهقي (2 / 406) وأحمد (6 / 346، 353) . وتابعه حماد بن سلمة عنه به، وزاد: " وانضحي ما حوله ". أخرجه أبو داود (رقم 387) والنسائي (1 / 69) وأبو داود الطيالسي (1638) والزيادة له، ولأبي داود معناها.

قلت: وسنده على شرط مسلم. وتابعه وكيع عنه. أخرجه مسلم. ويحيى بن عبد الله بن سالم وعمرو بن الحارث. أخرجه مسلم والبيهقي. وتابعه عيسى بن يونس عنه. أخرجه أبو داود. وتابعه أبو خالد الأحمر عن هشام به. أخرجه ابن ماجه (1 / 217) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر به. ولفظه: " اقرصيه، واغسليه وصلي فيه ". وتابعه أبو معاوية قال: حدثنا هشام به. أخرجه أحمد (6 / 345 و 353) . وتابعه سفيان بن عيينة عن هشام به إلا أنه قال: " اقرصيه بالماء ثم رشيه ". أخرجه الترمذي (1 / 254 - 255) والدارمي (1 / 239) والشافعي في " الأم " (1 / 58) والبيهقي (1 / 13، 2 / 406) . وقال الترمذي: " وفي الباب عن أبي هريرة، وأم قيس بنت محصن ". قال: " حديث أسماء حديث حسن صحيح ". (تنبيه) اتفق جميع هؤلاء الرواة عن هشام بن عروة على تنكير المرأة السائلة وعدم تسميتها، إلا سفيان بن عيينة في رواية الشافعي وعمرو بن عون عند الدارمي

فإنهما قالا عنه: " عن أسماء قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعلا الراوية هي السائلة، وخالفهما الحميدي عند البيهقي وابن أبي عمر عند الترمذي فقالا عن سفيان بن عيينة مثل رواية الجماعة. ولا شك أنها هي المحفوظة. ورواية الشافعي وابن عون شاذة لمخالفتها لرواية الجماعة عن هشام، ورواية الحميدي وابن أبي عمر عن سفيان، ولذلك ضعفها النووي فأصاب، ولكنه لم يفصح عن العلة، فأوهم ما لا يريد، ولذلك تعقبه الحافظ في " الفتح " فقال (1 / 264) بعد أن ذكر رواية الشافعي هذه: " وأغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل، وهي صحيحة الإسناد لا علة لها، ولا بعد في أن يهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية بفاتحة الكتاب ". وقال في " التلخيص " (13) : " (تنبيه) : زعم النووي في " شرح المهذب " أن الشافعي روى في " الأم أن أسماء هي السائلة بإسناد ضعيف. وهذا خطأ، بل إسناده في غاية الصحة، وكأن النووي قلد في ذلك ابن الصلاح، وزعم جماعة ممن تكلم على " المهذب " أنه غلط في قوله إن أسماء هي السائلة، وهم الغالطون ". قلت: كلا، بل هم المصيبون، والحافظ هو الغالط، والسبب ثقته البالغة بحفظ الشافعي وهو حري بذلك، لكن رواية الجماعة أضبط وأحفظ، ويمكن أن يقال: إن الغلط ليس من الشافعي، بل من ابن عيينة نفسه، بدليل أنه صح عنه الروايتان، الموافقة لرواية الجماعة، والمخالفة لها، فروى الشافعي والذي معه هذه، وروى الحميدي والذي معه رواية الجماعة، فكانت أولى وأصح، وخلافها معلولة بالشذوذ، ولو أن الحافظ رحمه الله جمع الروايات عن هشام كما فعلنا، لم يعترض

على النووي ومن معه، بل لوافقهم على تغليطهم لهذه الرواية. والعصمة لله وحده. وأما قوله " ولا بعد في أن يبهم الراوي ... " فمسلم، ولكن ذلك عندما لا تكون الرواية التي وقع فيها التسمية شاذة كما هنا. ومما يؤيد ما تقدم أن محمد بن إسحاق قد تابع هشاما على روايته فقال: حدثتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: " سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبها إذا طهرت من محيضها كيف تصنع به؟ قال: إن رأيت فيه دما فحكيه، ثم اقرصيه بماء، ثم انضحي في سائره فصلي فيه ". أخرجه أبو داود (385) والدارمي (1 / 239) والسياق له والبيهقي (2 / 406) وسنده حسن. فقولها " سمعت امرأة " مما يبعد أن تكون هي السامعة كما هو ظاهر. (تنبيه) في هذه الرواية زيادة " ثم انضحي في سائره "، وهي زيادة هامة لأنها تبين أن قوله في رواية هشام " ثم لتنضحه " ليس المراد نضح مكان الدم، بل الثوب كله. ويشهد لها حديث عائشة قالت: " كانت إحدانا تحيض ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها فتغسله وتنضح على سائره، ثم تصلي فيه ". أخرجه البخاري (1 / 326) وابن ماجه (1 / 217) والبيهقي (2 / 406 - 407) . وظاهر الحديث يدل كالحديث الذي قبله على أن الماء يكفي في غسل دم الحيض وأنه لا يجب فيه استعمال شيء من الحواد كالسدر والصابون ونحوه، لكن قد جاء ما يدل على وجوب ذلك وهو الحديث الآتي. " حكيه بضلع، واغسليه بماء وسدر ".

300

300 - " حكيه بضلع واغسليه بماء وسدر ". أخرجه أبو داود (1 / 141 - بشرح عون المعبود) والنسائي (1 / 69) والدارمي (1 / 239) وابن ماجه (1 / 217) وابن حبان في " صحيحه " (235) والبيهقي (2 / 407) وأحمد (6 / 355، 356) من طرق عن سفيان: حدثني ثابت الحداد حدثني عدي بن دينار قال: سمعت أم قيس بنت محصن تقول: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب؟ قال ... " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح ورجاله كلهم ثقات، وفي ثابت الحداد وهو ابن هرمز الكوفي مولى بكر بن وائل خلاف يسير، وثقه أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم، وتكلم فيه بعضهم بدون حجة، وفي " التقريب ": " صدوق يهم ". وكأنه لهذا لم يصحح الحافظ في " الفتح " (1 / 266) إسناده، بل قال: " إسناده حسن ". وقال في " التهذيب ": " وأخرج ابن خزيمة وابن حبان حديثه في الحيض في " صحيحيهما "، وصححه ابن القطان، وقال عقبه: لا أعلم له علة، وثابت ثقة ولا أعلم أحدا ضعفه غير الدارقطني ". ونقل في " التلخيص " (ص 12 - 13) تصحيح ابن القطان هذا وأقره، وهو الصواب. (تنبيه) : قوله " بضلع " كذا وقع عند جميع من أخرج الحديث بالضاد المعجمة، وهو بالكسر وفتح اللام ويكسر، وهو العود. لكن قال الحافظ في " التلخيص " (13) :

" ضبطه ابن دقيق العيد بفتح الصاد المهملة وإسكان اللام ثم عين مهملة وهو الحجر. قال: ووقع في بعض المواضع بكسر الضاد المعجمة وفتح اللام، ولعله تصحيف لأنه لا معنى يقضي تخصيص الضلع بذلك. كذا قال. لكن قال الصغاني في " العباب " في مادة " ضلع " بالمعجمة: " وفي الحديث حتيه بضلع ". قال ابن الأعرابي: الضلع ههنا العود الذي فيه اعوجاج. وكذا ذكره الأزهري في المادة المذكورة وزاد عن الليث: قال: " الأصل فيه ضلع الحيوان فسمي به العود الذي يشبهه ". فقه الحديث يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة أذكر أهمها: الأول: أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات، لأن جميع النجاسات بمثابة دم الحيض، ولا فرق بينه وبينها اتفاقا. وهو مذهب الجمهور وذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر. قال الشوكاني (1 / 35) : " والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا غير مقيد لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل وفرك المني، وإماطته بإذخرة، وأمثال ذلك كثير، فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره للمزية التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء لذلك، وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع، وغيره مشكوك فيه. وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها ".

قلت: وهذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ. ومما يدل على أن غير الماء لا يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني: " يكفيك الماء " فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي. فتأمل. الثاني: أنه يجب غسل دم الحيض ولو قل، لعموم الأمر، وهل يجب استعمال شيء من المواد لقطع أثر النجاسة كالسدر والصابون ونحوهما؟ فذهب الحنفية وغيرهم إلى عدم الوجوب مستدلين بعدم ورود الحاد في الحديثين الأولين، وذهب الشافعي والعترة كما في " نيل الأوطار " (1 / 35 - 36) إلى الوجوب واستدلوا بالأمر بالسدر في الحديث الثالث وهو من المواد، وجنح إلى هذا الصنعاني فقال في " سبل السلام " (1 / 55) ردا على الشارح المغربي في قوله " والقول الأول أظهر ": " وقد يقال: قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بالماء والسدر، والسدر من الحواد والحديث، الوارد به في غاية الصحة كما عرفت، فيقيد به ما أطلق في غيره (كالحديثين السابقين) ويخص الحاد بدم الحيض، ولا يقاس عليه غيره من النجاسات، وذلك لعدم تحقق شروط القياس، ويحمل حديث " ولا يضرك أثره "، وقول عائشة: " فلم يذهب " أي بعد الحاد ". قلت: وهذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث، ومن الغريب أن ابن حزم لم يتعرض له في " المحلى " (1 / 102) بذكر، فكأنه لم يبلغه. الثالث: أن دم الحيض نجس للأمر بغسله، وعليه الإجماع كما ذكره الشوكاني (1 / 35) عن النووي، وأما سائر الدماء فلا أعلم نجاستها اللهم إلا ما ذكره القرطبي في " تفسيره " (2 / 221) من " اتفقا العلماء على نجاسة الدم ". هكذا قال " الدم " فأطلقه، وفيه نظر من وجهين: الأول: أن ابن رشد ذكر ذلك مقيدا، فقال في " البداية " (1 / 62) :

" اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس " واختلفوا في دم السمك.. ". والثاني: أنه قد ثبت عن بعض السلف ما ينافي الإطلاق المذكور، بل إن بعض ذلك في حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. 1 - قصة ذلك الصحابي الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم وهو قائم يصلى فاستمر في صلاته والدماء تسيل منه. وذلك في غزوة ذات الرقاع، كما أخرجه أبو داود وغيره من حديث جابر بسند حسن كما بينته في " صحيح أبي داود " (192) ومن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بها، لأنه يبعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة. ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته بطلت كما قال الشوكاني (1 / 165) . 2 - عن محمد بن سيرين عن يحيى الجزار قال: صلى ابن مسعود وعلى بطنه فرث ودم من جزور نحرها، ولم يتوضأ. أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " (2 / 51 / 1) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 151 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 28 / 2) وإسناده صحيح أخرجوه من طرق عن ابن سيرين ويحيى ابن الجزار قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 133) : " وقال أبي وأبو زرعة: ثقة ". 3 - ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك، وذكر أن السبب في اختلافهم هو إختلافهم في ميتته، فمن جعل ميتتة داخلة تحت عموم التحرير جعل دمه كذلك، ومن أخرج ميتتة أخرج دمه قياسا على الميتة ". فهذا يشعر بأمرين: أحدهما: أن إطلاق الاتفاق على نجاسة الدم ليس بصواب لأن هناك بعض

الدماء اختلف في نجاستها كدم السمك مثلا، فما دام أن الاتفاق على إطلاقه لم يثبت، لم يصح الاستدلال به على موارد النزاع، بل وجب الرجوع فيه إلى النص، والنص إنما دل على نجاسة دم الحيض، وما سوى ذلك فهو على الأصل المتفق عليه بين المتنازعين وهو الطهارة فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة. الأمر الآخر: أن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجة إلا أنه محرم بنص القرآن فاستلزموا من التحريم التنجيس كما فعلوا تماما في الخمر ولا يخفى أنه لا يلزم من التحريم التنجيس بخلاف العكس كما بينه الصنعاني في " سبل السلام " ثم الشوكاني وغيرهما، ولذلك قال المحقق صديق حسن خان في " الروضة الندية " (1 / 18) بعد أن ذكر حديث أسماء المتقدم وحديث أم قيس الثالث: " فالأمر بغسل دم الحيض وحكه بضلع يفيد ثبوت نجاسته، وإن اختلف وجه تطهيره، فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا، وأما سائر الدماء فالأدلة مختلفة، مضطربة والبراءة الأصلية مستصحبة، حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة أو المساوية، ولو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى (فإنه رجس) إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير، لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح والميتة، ولكن لم يرد ما يفيد ذلك، بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب، والظاهر الرجوع إلى الأقرب وهو لحم الخنزير، لإفراد الضمير ولهذا جزمنا هنا بنجاسة لحم الخنزير دون الدم الذي ليس بدم حيض. ومن رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا الضمير المذكور في الآية، فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد الواقع بعد جملة مشتملة على أمور متعددة ". ولهذا لم يذكر الشوكانى في النجاسات من " الدرر البهية " الدم على عمومه، وإنما دم الحيض فقط، وتبعه على ذلك صديق حسن خان كما رأيت فيما نقلته عنه

آنفا. وأما تعقب العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " الروضة " بقوله: " هذا خطأ من المؤلف والشارح، فإن نجاسة دم الحيض ليست لأنه دم حيض بل لمطلق الدم، والمتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهوما أن الدم نجس، ولو لم يأت لفظ صريح بذلك، وقد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة ". قلت: فهذا تعقب لا طائل تحته، لأنه ليس فيه إلا مجرد الدعوى، وإلا فأين الدليل على نجاسة دم الحيض ليس لأنه دم حيض بل لمطلق الدم؟ ولو كان هناك دليل على هذا لذكره هو نفسه ولما خفي إن شاء الله تعالى على الشوكاني وصديق خان وغيرهما. ومما يؤيد ما ذكرته أن ابن حزم على سعة اطلاعه لم يجد دليلا على نجاسة الدم مطلقا، إلا حديثا واحدا وهو إنما يدل على نجاسة دم الحيض فقط كما سيأتي بيانه، فلو كان عنده غيره لأورده، كما هي عادته في استقصاء الأدلة لا سيما ما كان منها مؤيدا لمذهبه. وأما قول الشيخ أحمد شاكر: " والمتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهموما أن الدم نجس ". فهو مجرد دعوى أيضا، وشيء لم أشعر به البتة فيما وقفت عليه من الأحاديث بل وجدت فيها ما يبطل هذه الدعوى كما سبق في حديث الأنصاري وحديث ابن مسعود. ومثل ذلك قوله: " وقد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة ". فما علمنا أن للفطرة مدخلا في معرفة النجاسات في عرف الشارع، ألا ترى أن الشارع حكم بطهارة المني، ونجاسة المذي، فهل هذا مما يمكن معرفته بالفطرة، وكذلك ذهب الجمهور إلى نجاسة الخمر، وإنها تطهر إذا تخللت، فهل هذا مما يمكن معرفته بالفطرة؟ اللهم لا. فلو أنه قال " ما هو قذر " ولم يزد لكان مسلما. والله تعالى ولي الهداية والتوفيق.

301

301 - " إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) ". أخرجه الشيخان وأبو عوانة في " صحاحهم " وأصحاب السنن الأربعة ومالك والدارمي والدارقطني والبيهقي وأحمد من حديث عائشة قالت: " إن فاطمة بنت حبيش جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنى امرأة أستحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال ... " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والزيادة له وللبخاري. والشاهد من الحديث قوله: " فاغسلي عنك الدم "، فهو دليل آخر على نجاسة دم الحيض، ومن غرائب ابن حزم أنه ذهب إلى أن قوله فيه (الدم) على العموم يشمل جميع الدماء من الإنسان والحيوان! فقال في " المحلى " (1 / 102 - 103) : " وهذا عموم منه صلى الله عليه وسلم لنوع الدم، ولا نبالي بالسؤال إذا كان جوابه عليه السلام قائما بنفسه غير مردود بضمير إلى السؤال "! وقد رد عليه بعض الفضلاء، فقال في هامش النسخة المخطوطة من " المحلى " نقلا عن المطبوعة - ما نصه: " بل الأظهر أنه يريد دم الحيض، واللام للعهد الذكري الدال عليه ذكر الحيضة والسياق، فهو كعود الضمير سواء، فلا يتم قوله " وهذا عموم الخ ". قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه: " وهو استدراك واضح صحيح ".

302

قلت: فهذا يدلك على أن الذين ذهبوا إلى القول بنجاسة الدم إطلاقا ليس عندهم بذلك نقل صحيح صريح، فهذا ابن حزم يستدل عليه بمثل هذا الحديث وفيه ما رأيت، واقتصاره عليه وحده يشعر اللبيب بأن القوم ليس عندهم غيره وإلا لذكره ابن حزم وكذا غيره. فتأمل. وجملة القول: أنه لم يرد دليل فيما نعلم على نجاسة الدم على اختلاف أنواعه، إلا دم الحيض، ودعوى الاتفاق على نجاسته منقوضة بما سبق من النقول، والأصل الطهارة، فلا يترك إلا بنص صحيح يجوز به ترك الأصل، وإذ لم يرد شيء من ذلك فالبقاء على الأصل هو الواجب. والله أعلم. 302 - " إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشا من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ". أخرجه مسلم (7 / 58) وأبو يعلى في " مسنده " (355 / 2) والخطيب (13 / 64) وابن عساكر (17 / 353 / 1) من طريق الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه أحمد (4 / 107) : حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني أبو عمار به. قلت: وهذه متابعة قوية من أبي المغيرة للوليد بن مسلم، وإنما أخرجتها مع إخراج مسلم لحديثه، خشية أن يتعلق أحد بالوليد فيعل الحديث به لأنه كان يدلس تدليس التسوية، وهو لم يصرح بالتحديث بين الأوزاعي وأبي عمار، فأمنا تدليسه بهذه

المتابعة. وقد تابعه أيضا يزيد بن يوسف وهو الرحبي الصنعاني الدمشقي ولكنه ضعيف كما في " التقريب ". أخرجه أبو يعلى. وتابعه أيضا محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي به إلا أنه زاد في أوله: " إن الله عز وجل اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة ... ". أخرجه أحمد والترمذي (2 / 281) وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: محمد بن صعب وهو القرقساني صدوق كثير الغلط كما في " التقريب ". ففي ما تفرد به دون الثقات نظر، وتابعه يحيى بن أبي كثير لكن الراوي عنه سليمان بن أبي سليمان وهو الزهري اليمامي أشد ضعفا من القرقساني، فقال ابن معين ليس بشيء. وقال البخاري: منكر الحديث. ولفظ حديثه مغاير للجميع وهو: " إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم، واتخذه خليلا، ثم اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزارا، ثم اصطفى من ولد نزار مضر، واصطفى من ولد مضر كنانة ثم اصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب، واصطفاني من بني عبد المطلب ".

303

أخرجه الخطيب في " الموضح " (1 / 68 - 69) . وجملة القول أن الحديث إنما يصح باللفظ الأول. 303 - " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن يستقبلوا قبلتنا ويأكلوا ذبيحتنا وأن يصلوا صلاتنا، فإذا فعلوا ذلك " فقد " حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين ". أخرجه أبو داود (2641) والترمذي (2 / 100) عن سعيد بن يعقوب الطالقاني، والنسائي (2 / 161، 269) عن حبان (وهو ابن موسى المروزي) وأحمد (3 / 199) عن علي بن إسحاق (وهو السلمي المروزي) كلهم عن عبد الله بن المبارك أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وتابعه ابن وهب: أخبرني يحيى بن أيوب عن حميد الطويل به. أخرجه أبو داود (2642) والطحاوي في " شرح معاني الآثار " (2 / 123) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وكذلك طريق حبان المروزي. ورواه محمد بن عبد الله الأنصاري قال: أنبأنا حميد قال: سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة ما يحرم دم المسلم وماله، فقال: فذكره موقوفا.

304

وإسناده صحيح أيضا، ولا منافاة بينه وبين المرفوع، فكل صحيح. على أن المرفوع أصح، ورواته أكثر. وفيه دليل على بطلان الحديث الشائع اليوم على ألسنة الخطباء والكتاب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أهل الذمة: " لهم ما لنا، وعليهم ما علينا ". وهذا مما لا أصل له عنه صلى الله عليه وسلم، بل هذا الحديث الصحيح يبطله، لأنه صريح في أنه صلى الله عليه وسلم إنما قال ذلك فيمن أسلم من المشركين وأهل الكتاب، وعمدة أولئك الخطباء على بعض الفقهاء الذين لا علم عندهم بالحديث الشريف، كما بينته في " الأحاديث الضعيفة والموضوعة " (رقم 1103) فراجعه فإنه من المهمات. وللحديث شاهد بلفظ آخر، وهو: " من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين، وله مثل الذي لنا، وعليه مثل الذي علينا، ومن أسلم من المشركين فله أجره، وله مثل الذي لنا، وعليه مثل الذي علينا ". 304 - " من أسلم من أهل الكتاب فله أجره مرتين وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا ومن أسلم من المشركين فله أجره وله مثل الذي لنا وعليه مثل الذي علينا ". رواه الروياني في " مسنده " (30 / 220 / 1) : أنبأنا أحمد أنبأنا عمي أنبأنا ابن لهيعة عن سليمان بن عبد الرحمن عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي قال: " كنت تحت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فقال قولا حسنا فقال فيما قال: " فذكره. قلت: وهذا سند حسن: القاسم هو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن الشامي صاحب أبي أمامة وهو صدوق. وسليمان بن عبد الرحمن هو أبو عمر الخراساني الدمشقي وهو ثقة.

305

وابن لهيعة هو عبد الله المصري وهو سيىء الحفظ إلا ما رواه العبادلة عنه عبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقري، وعبد الله بن المبارك، وهذا من رواية الأول منهم، فإن عم أحمد في هذا السند هو عبد الله بن وهب وهو أشهر من أن يذكر. وأما أحمد فهو ابن عبد الرحمن بن وهب بن مسلم المصري الملقب (بحشل) وهو صدوق تغير بآخره كما في " التقريب " واحتج به مسلم، فحديثه حسن إذا لم يخالف. وقد أخرجه الإمام أحمد (5 / 259) : حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا ابن لهيعة به إلا أنه قال: " يوم الفتح ". بدل " حجة الوداع ". والأول أصح. 305 - " لا تسموا بالحريق. يعني في الوجه ". رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 142 / 1 - 2) : حدثنا زكريا ابن يحيى الساجي أنبأنا محمد بن المثني أنبأنا عثمان بن عمر أنبأنا عثمان بن مرة عن عكرمة عن ابن عباس قال: " كان العباس يسير مع النبي صلى الله عليه وسلم على بعير قد وسمه في وجهه بالنار، فقال: ما هذا الميسم يا عباس؟ ! قال: ميسم كنا نسمه في الجاهلية، فقال: فذكره ". قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم رجال الصحيح سوى الساجي وهو ثقة ففيه كما في " التقريب ". وله شاهد من حديث جعفر بن تمام عن جده العباس بن عبد المطلب: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوسم في الوجه، فقال العباس: لا أسم إلا في الجاعرين ". أخرجه أبو يعلى (312 / 2) ورجاله ثقات إلا أنه منقطع بين جعفر وجده.

306

306 - " لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الأقصى أصبح يتحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كانوا آمنوا به وصدقوه وسعوا بذلك إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم، قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فلذلك سمي أبو بكر الصديق ". أخرجه الحاكم (3 / 62) من طريق محمد بن كثير الصنعاني حدثنا معمر بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر، لأن الصنعاني فيه ضعف من قبل حفظه، ولذلك أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ضعفه أحمد ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق كثير الغلط ". قلت: فمثله لا يحتج به إذا انفرد، لكنه قد توبع كما يأتي، فحديثه لذلك صحيح وقد عزاه الحافظ ابن كثير في " التفسير " (15 / 138) للبيهقي (يعني في

" الدلائل ") من طريق الحاكم، ثم سكت عليه، وكان ذلك لشواهده التي أشرنا إليها آنفا، وإنما ذكرت الحديث من أجل ما فيه من سبب تسمية أبي بكر بـ " الصديق "، وإلا فسائره متواتر صح من طرق جماعة من الصحابة قد استقصى كثيرا منها الحافظ ابن كثير في أول تفسيره لسورة " الإسراء "، فلنذكر هنا الشواهد لهذه الزيادة فأقول: الأول: عن شداد بن أوس مرفوعا بلفظ: " صليت بأصحابي صلاة العتمة بمكة معتما فأتاني جبريل عليه السلام بدابة أبيض أو قال: بيضاء ... (الحديث وفيه:) فقال أبو بكر: أشهد أنك لرسول الله، وقال المشركون: انظروا إلى ابن أبي كبشة يزعم أنه أتى بيت المقدس الليلة! ... الحديث. أخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي وقال: " هذا إسناد صحيح ". الثاني: عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن في قصة الإسراء قال: " فتجهز - أو كلمة نحوها - ناس من قريش إلى أبي بكر، فقالوا: هل لك في صاحبك يزعم أنه جاء إلى بيت المقدس ثم رجع إلى مكة في ليلة واحدة؟ ! فقال أبو بكر: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: فأنا أشهد لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: فتصدقه في أن يأتي الشام في ليلة واحدة، ثم يرجع إلى مكة قبل أن يصبح؟ قال: نعم أنا أصدقه بأبعد من ذلك أصدقه بخبر السماء، قال أبو سلمة: سمي أبو بكر الصديق ". قلت: وهذا سند صحيح مرسل، وشاهد قوي لموصول عائشة. الثالث: عن أبي معشر قال: أنبأنا أبو وهب مولى أبي هريرة:

307

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به، قلت لجبريل إن قومي لا يصدقوني، فقال له جبريل يصدقك أبو بكر وهو الصديق ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (3 / 1 / 120) وهذا سند ضعيف. وروى الحاكم (3 / 62) عن محمد بن سليمان السعدي يحدث عن هارون بن سعد عن عمران بن ظبيان عن أبي يحيى سمع عليا: " لأنزل الله تعالى اسم أبي بكر رضي الله عنه من السماء صديقا " وقال: " لولا مكان محمد بن سليمان السعيدي من الجهالة لحكمت لهذا الإسناد بالصحة ". ووافقه الذهبي. (تنبيه) كذا وقع في " المستدرك ": " السعدي " وفي الموضع الآخر: " السعيدي " وكله خطأ والصواب " العبدي " كما في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 269) و " الميزان " و " اللسان ". هذا وقد جزم الإمام أبو جعفر الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 145) بأن سبب تسمية أبي بكر رضي الله عنه و " الصديق " إنما هو سبقه الناس إلى تصديقه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إتيانه بيت المقدس من مكة، ورجوعه منه إلى منزله بمكة في تلك الليلة، وإن كان المؤمنون يشهدون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك إذا وقفوا عليه. 307 - " تنكح المرأة على إحدى خصال ثلاثة، تنكح المرأة على مالها، وتنكح المرأة على جمالها، وتنكح المرأة على دينها، فخذ ذات الدين والخلق تربت يمينك ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1231) والحاكم (2 / 161) وأحمد (3 / 80 - 81) من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة عن عمته عن أبي سعيد

308

الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات معروفون غير عمة سعد واسمها زينب بنت كعب بن عجرة روى عنها ابنا أخويها سعد بن إسحاق هذا وسليمان بن محمد ابنا كعب بن عجرة، وذكرها ابن حبان في " الثقات "، وهي زوجة أبي سعيد الخدري، وذكرها ابن الأثير وابن فتحون في " الصحابة "، وقال ابن حزم. " مجهولة " كما في " الميزان " للذهبي وأقره، ومع ذلك فقد وافق الحاكم على تصحيحه! 308 - " اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين ". أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (110 / 2) فقال: حدثني ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن همام عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد: أحبوا المساكين فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه. فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن عندي، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي عيسى الأسواري فقد وثقه الطبراني وابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 271) وروى عنه ثلاثة منهم، أحدهم قتادة ولذلك قال البزار: " إنه مشهور ". وقول من قال فيه " مجهول " أو " لم يرو عنه غير قتادة " فبحسب علمه وفوق كل ذي علم عليم، فقد جزم في " التهذيب " أنه روى عنه ثابت البناني وقتادة وعاصم الأحول. قلت: وهؤلاء جميعا ثقات فبهم ترتفع الجهالة العينية، وبتوثيق من ذكرنا تزول الجهالة الحالية إن شاء الله تعالى، لاسيما وهو تابعي، ومن مذهب بعض المحدثين كابن رجب وابن كثير تحسين حديث المستور من التابعين، وهذا خير من المستور كما لا يخفى. وللحديث طريق أخرى عن أبي سعيد، وشواهد عن أنس بن مالك وعبادة ابن الصامت وابن عباس خرجتها كلها في " إرواء الغليل " (رقم 853) وإنما آثرت إيراد هذه الطريق هنا لأنها مع صلاح سندها عزيزة لم يتعرض لها بذكر كل من تكلم على طرق الحديث كابن الجوزي وابن الملقن في " الخلاصة " وابن حجر في " التلخيص " والسيوطي في " اللآلي " وغيرهم، ولا شك أن الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الصحة، ولذلك أنكر العلماء على ابن الجوزي إيراده إياه في " الموضوعات " وقال الحافظ في

309

" التلخيص " (ص 275) : " أسرف ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في " الموضوعات "، وكأنه أقدم عليه لما رآه مباينا للحال التي مات عليها النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان مكفيا، قال البيهقي: ووجهه عندي أنه لم يسأل حال المسكنة التي يرجع معناها إلى القلة، وإنما سأل المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع ". 309 - " يا معشر المهاجرين والأنصار إن من إخوانكم قوما ليس لهم مال ولا عشيرة، فليضم أحدكم إليه الرجلين أو الثلاثة ". أخرجه أبو داود (2534) عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أراد أن يغزو فقال: فذكره. قال جابر: " فما لأحدنا من ظهر يحمله إلا عقبة كعقبة يعني أحدهم، فضممت إلي اثنين أو ثلاثة. قال: ما لي إلا عقبة كعقبة أحدهم من جملي ". قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات سوى الأسود بن قيس وقد وثقه أبو زرعة والعجلي وابن حبان، وصحح له الترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، فلا يضره بعد هذا ذكر علي بن المديني إياه في جملة المجهولين الذين يروي عنهم الأسود بن قيس.

310

310 - " لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا، وتروح بطانا ". أخرجه أحمد (1 / 30) والترمذي (2 / 55 - بولاق) والحاكم (4 / 318) عن حيوة بن شريح: أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع عبد الله بن هبيرة يقول: أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أنه سمع نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وأقره الذهبي. وأقول: بل هو صحيح على شرط مسلم، فإن رجاله رجال الشيخين غير ابن هبيرة وأبي تميم فمن رجال مسلم وحده. وقد تابعه ابن لهيعة عن ابن هبيرة به. أخرجه أحمد (1 / 52) وابن ماجه (4164) وهو عنده من رواية عبد الله ابن وهب عنه. فالسند صحيح أيضا. 311 - " يرد الناس كلهم النار ثم يصدرون منها بأعمالهم فأولهم كلمع البرق ثم كمر الريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب ثم كشد الرجال ثم كمشيهم ". أخرجه الترمذي (2 / 198) والدارمي (2 / 329) والزيادة الأخيرة لهما، وكذا الحاكم (2 / 375 و 4 / 586) والسياق له، وأحمد (1 / 435) وأبو يعلى

(255 / 1) من طريق إسرائيل عن السدي قال: سألت مرة الهمداني عن قول الله عز وجل (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا) ؟ فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والزيادة الأولى لأحمد وأبي يعلى. والثانية للترمذي وأبي يعلى. وقال الدارمي وأحمد " عنها ". وقال الترمذي: " حديث حسن ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، ولعل اقتصار الترمذي. إنما هو بسبب أن شعبة قد رواه عن السدي به موقوفا. أخرجه الترمذي. لكن قال الإمام أحمد: (1 / 433) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة عن السدي عن مرة عن عبد الله قال: (وإن منكم إلا واردها) ؟ قال: يدخلونها أو يلجونها، ثم يصدرون منها بأعمالهم. قلت له: إسرائيل حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، هو عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو كلاما هذا معناه. وأخرجه الترمذي أيضا من هذا الوجه إلا أنه قال: " قال شعبة: وقد سمعته من السدي مرفوعا. ولكني عمدا أدعه ". فصح أن الحديث مرفوع، وترك شعبة رفعه، لا يعله ما دام أن شيخه السدي

312

وقد رفعه وهو ثقة احتج به مسلم واسمه إسماعيل بن عبد الرحمن. وأما السدي الصغير واسمه محمد بن مروان فهو متهم بالكذب. 312 - " كان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما، فلما قضى الصلاة، وضعهما في حجره، وقال: من أحبني فليحب هذين ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (60 / 2) عن علي بن صالح عن عاصم عن زر، عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي عاصم وهو ابن أبي النجود كلام لا يضر. وعلي بن صالح هو ابن صالح بن حي الهمداني الكوفي. 313 - " أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ فقال أصحابه: يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟ قال: إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلوا الطريق فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: نحن نحدثك، إن يوسف لما حضره الموت أخذ علينا موثقا من الله أن لا يخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا، قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: ما ندري أين قبر يوسف إلا عجوز من

بني إسرائيل، فبعث إليها فأتته فقال: دلوني على قبر يوسف، قالت: لا والله لا أفعل حتى تعطيني حكمي، قال: وما حكمك؟ قالت: أكون معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء، فقالت: انضبوا هذا الماء فأنضبوا، قالت: احفروا واستخرجوا عظام يوسف فلما أقلوها إلى الأرض إذا الطريق مثل ضوء النهار ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (344 / 1) والحاكم (2 / 404 - 405، 571 - 572) من ثلاث طرق عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فأكرمه فقال له: ائتنا، فأتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعرابي فأكرمه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعهدنا ائتنا، فأتاه الأعرابي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:) سل حاجتك، فقال: ناقة برحلها وأعنزا يحلبها أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. والسياق لأبي يعلى، والزيادات مع الرواية الأخرى للحاكم وقال: " صحيح على شرط الشيخين، وقد حكم أحمد وابن معين أن يونس سمع من أبي بردة حديث (لا نكاح إلا بولي) " ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن يونس لم يخرج له البخاري في " صحيحه "، وإنما في " جزء القراءة ". (فائدة) كنت استشكلت قديما قوله في هذا الحديث " عظام يوسف " لأنه يتعارض بظاهره مع الحديث الصحيح:

314

" إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " حتى وقفت على حديث ابن عمر رضي الله عنهما. " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بدن، قال له تميم الداري: ألا أتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك؟ قال: بلى فاتخذ له منبرا مرقاتين ". أخرجه أبو داود (1081) بإسناد جيد على شرط مسلم. فعلمت منه أنهم كانوا يطلقون " العظام "، ويريدون البدن كله، من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، كقوله تعالى * (وقرآن الفجر) * أي: صلاة الفجر. فزال الإشكال والحمد لله، فكتبت هذا لبيانه. 314 - " لا تصلوا عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها فإنها تطلع وتغرب على قرن شيطان وصلوا بين ذلك ما شئتم ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (200 / 2) حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا روح حدثنا أسامة بن زيد عن حفص بن عبيد الله عن أنس بن مالك: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير أسامة بن زيد وهو الليثي، وفيه كلام من قبل حفظه، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، وقد استشهد به مسلم. وللحديث شاهد من حديث علي مرفوعا بلفظ: " لا تصلوا بعد العصر، إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة ".

315

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (30 / 1 و 40 / 2) من طريق سفيان وشعبة وجرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن علي به. وهذا إسناد صحيح، وقد أخرجه أبو داود وغيره كما تقدم برقم (200) . وفي هذين الحديثين دليل على أن ما اشتهر في كتب الفقه من المنع عن الصلاة بعد العصر مطلقا ولو كانت الشمس مرتفعة نقية مخالف لصريح هذين الحديثين وحجتهم في ذلك الأحاديث المعروفة في النهي عن الصلاة بعد العصر، مطلقا، غير أن الحديثين المذكورين يقيدان تلك الأحاديث فاعلمه. 315 - " كل شيء ليس من ذكر الله عز وجل فهو لغو ولهو أو سهو إلا أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلم السباحة ". أخرجه النسائي في " كتاب عشرة النساء " (ق 74 / 2) والزيادة له، والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 89 / 2) وأبو نعيم في " أحاديث أبي القاسم الأصم " (ق 17 - 18) من طريقين عن محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن عبد الوهاب ابن بخت عن عطاء بن أبي رباح قال: " رأيت جابر بن عبد الله وجابر بن عمير الأنصاريين يرتميان، فمل أحدهما فجلس فقال له الآخر: كسلت؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة اتفاقا. وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 170) بعد أن عزاه لـ " المعجم ": " بإسناد جيد ".

وقال الهيثمي في " المجمع " (6 / 269) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " والبزار، ورجال الطبراني رجال الصحيح، خلا عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة ". قلت: وأبو عبد الرحيم اسمه خالد بن أبي يزيد بن سماك بن رستم الأموي مولاهم الحراني. ثم أخرجه النسائي من طريق محمد بن وهب بن أبي كريمة الحراني عن محمد ابن سلمة عن أبي عبد الرحيم قال: حدثني عبد الرحيم الزهري عن عطاء بن أبي رباح به. فجعل عبد الرحيم الزهري مكان عبد الوهاب بن بخت. ومحمد بن وهب هذا صدوق، ويرجح روايته متابعتان: الأولى: ما عند النسائي عن سعيد بن حفص قال: حدثنا موسى بن أعين عن خالد بن أبي يزيد أبي عبد الرحيم عن الزهري عن عطاء به. والأخرى: ما عند أبي نعيم عن يزيد بن سنان عن عبد الرحيم بن عطاف ابن صفوان الزهري عن عطاء به. لكن في طريق المتابعة الأولى سعيد بن حفص وهو أبو عمرو الحراني وهو صدوق تغير في آخره. وفي الأخرى يزيد بن سنان وهو أبو فروة الرهاوي وهو ضعيف، وأيضا فلم نجد في الرواة " عبد الرحيم الزهري " فضلا عن " عبد الرحيم بن عطاف بن صفوان الزهري " ولا ذكروا في شيوخ أبي عبد الرحيم الزهري وهو عند الاطلاق الإمام محمد بن مسلم بن شهاب فهذا كله يجعل رواية محمد بن وهب مرجوحة لمخالفتها للطريقين عن محمد بن سلمة إحداهما عن إسحاق ابن راهويه والأخرى: عن أبي الأصبغ عبد العزيز بن يحيى الحراني، وهو صدوق ربما وهم. والأول، حافظ ثقة ثبت مشهور.

ومما يرجح رواية ابن سلمة هذه على رواية ابن أعين، أنه ابن أخت خالد بن أبي يزيد، فهو بحديثه أعرف من ابن أعين، فروايته أرجح من روايته عند الاختلاف. ويمكن أن يقال: إن لخالد فيه شيخين: أحدهما عبد الوهاب بن بخت، والآخر الزهري، فكان تارة يرويه عن هذا، وتارة عن هذا، فروى كل من ابني سلمة وأعين ما سمع منه. وكان هذا الجمع لابد من المصير إليه لولا أن في الطريق إلى ابن أعين سعيدا الذي كان تغير، وأنهم لم يذكروا في شيوخ خالد الإمام الزهري. والله أعلم. وقد وجدت للحديث ثلاث شواهد دون ذكر السباحة. الأول: عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعا به وزاد: " فإنهن من الحق ". أخرجه الترمذي (1 / 308) والدارمي (2 / 205) وابن ماجه (2811) وأحمد (4 / 144، 148) من طريق عبد الله بن زيد الأزرق عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". الثاني: عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بالزيادة. أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (3 / 144 / 2) من طريق هارون بن عبد الله أنبأنا محمد بن الحسن قال: حدثني سليمان بن بلال عن ابن عجلان عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عنه. لكن محمد بن الحسن هو ابن زبالة، وهو متهم بالكذب، فلا يستشهد به. الثالث: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه الترمذي عن محمد بن إسحاق عنه.

316

قلت: وهو مرسل، رجاله ثقات. 316 - " كان يسلم تسليمة واحدة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 42 / 2 - زوائد المعجمين) حدثنا معاذ حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن حميد عن أنس به مرفوعا. وقال: " لم يرفعه عن حميد إلا عبد الوهاب ". قلت: وهو ثقة احتج به الشيخان، وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين ". قلت: لكن قال الذهبي: " قلت: لكن ما ضر تغيره حديثه، فإنه ما حدث بحديث في زمن التغير ". والحديث رواه البيهقي أيضا في " السنن " (2 / 179) من طريق أبي بكر بن إسحاق أنبأ أبو المثنى حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي به. وعزاه الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 433 - 434) للبيهقي في " المعرفة "، وسكت عليه، وقال الحافظ في " الدراية " (ص 90) : " ورجاله ثقات ". وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد (2 / 134 - 146) بلفظ: " كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، ويسلمون تسليمة. قلت في " الصحيح " بعضه رواه البزار

والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بالتسليمة الواحدة فقط. ورجاله رجال الصحيح ". قلت: في هذا الإطلاق نظر، فإن راويه عن عبد الله بن عبد الوهاب إنما هو معاذ وهو وإن كان ثقة فليس من رجال الصحيح وهو معاذ بن المثنى ابن معاذ بن نصر بن حسان أبو المثنى العنبري، ترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد " (13 / 131) ووثقه، وأرخ وفاته سنة (288) . ثم وجدت لحديث أنس طريقا أخرى فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 118 / 1) : أنبأنا يونس بن محمد قال: أنبأنا جرير بن حازم عن أيوب عن أنس. " أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم تسليمة ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكن أيوب وهو السختياني رأى أنس بن مالك، ولم يثبت سماعه منه، فقال ابن حبان في " الثقات ": " قيل: إنه سمع من أنس، ولا يصح ذلك عندي ". وجملة القول: أن هذا الحديث صحيح، وهو أصح الأحاديث التي وردت في التسليمة الواحدة في الصلاة، وقد ساق البيهقي قسما منها، ولا تخلو أسانيدها من ضعف، ولكنها في الجملة تشهد لهذا، وقال البيهقي عقبها: " وروي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، أنهم سلموا تسليمة واحدة، وهو من الاختلاف المباح، والاقتصار على الجائز ". وذكر نحوه الترمذي عن الصحابة. ثم قال: " قال الشافعي: إن شاء سلم تسليمة واحدة، وإن شاء سلم تسليمتين ". قلت: التسليمة الواحدة فرض لابد منه لقوله صلى الله عليه وسلم: " ... وتحليلها التسليم ". والتسليمتان سنة، ويجوز ترك الآخرى أحيانا لهذا الحديث. ولقد كان هديه صلى الله عليه وسلم في الخروج من الصلاة على وجوه: الأول: الاقتصار على التسليمة الواحدة. كما سبق.

317

الثاني: أن يقول عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم. الثالث: مثل الذي قبله إلا أنه يزيد في الثانية أيضا: " ورحمة الله ". الرابع: مثل الذي قبله، إلا أنه يزيد في التسليمة الأولى " وبركاته ". وكل ذلك ثبت في الأحاديث، وقد ذكرت مخرجيها في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " فمن شاء راجعه. 317 - " إذا رجعت إلى بيتك فمرهم فليحسنوا غذاء رباعهم ومرهم فليقلموا أظفارهم ولا يبطوا بها ضروع مواشيهم إذا حلبوا ". رواه الإمام أحمد (3 / 484) حدثنا أبو النضر حدثنا المرجى بن رجاء اليشكري قال: حدثني سلم بن عبد الرحمن قال: سمعت سوادة بن الربيع قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألته فأمر لي بذود ثم قال لي: فذكره. وهذا سند حسن: أبو النضر هو هاشم بن القاسم ثقة ثبت، والمرجى وسلم بن عبد الرحمن صدوقان كما في " التقريب "، وفي المرجى كلام لا يضر إن شاء الله تعالى ولذلك قواه الهيثمي حيث قال: (8 / 196) رواه أحمد وإسناده جيد. 318 - " لا غرار في صلاة، ولا تسليم ". أخرجه أبو داود (928) والحاكم (1 / 264) كلاهما عن الإمام أحمد وهذا في " المسند " (2 / 461) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 229) من

طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به. زاد أبو داود. " قال أحمد: يعني - فيما أرى - أن لا تسلم، ولا يسلم عليك، ويغرر الرجل بصلاته، فينصرف وهو فيها شاك ". ثم روى أحمد عن سفيان قال: سمعت أبي يقول: سألت أبا عمرو الشيباني عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا إغرار في الصلاة " فقال: إنما هو " لا غرار في الصلاة "، ومعنى (غرار) ، يقول: لا يخرج منها، وهو يظن أنه قد بقي عليه منها شيء، حتى يكون على اليقين والكمال ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. (فائدة) : قال ابن الأثير في " النهاية ": " (الغرار) النقصان، وغرار النوم قلته، ويريد بـ (غرار الصلاة) نقصان هيأتها وأركانها، و (غرار التسليم) أن يقول المجيب " وعليك " ولا يقول " السلام "، وقيل: أراد بالغرار النوم، أي ليس في الصلاة نوم. و" التسليم " يروى بالنصب والجر، فمن جره كان معطوفا على الصلاة كما تقدم، ومن نصب كان معطوفا على الغرار، ويكون المعنى: لا نقص ولا تسليم في صلاة، لأن الكلام في الصلاة بغير كلامها لا يجوز ". قلت: ومن الواضح أن تفسير الإمام أحمد المتقدم، إنما هو على رواية النصب، فإذا صحت هذه الرواية، فلا ينبغي تفسير " غرار التسليم " بحيث يشمل تسليم غير المصلي على المصلي، كما هو ظاهر كلام الإمام أحمد، وإنما يقتصر فيه على تسليم المصلي على من سلم عليه، فإنهم قد كانوا في أول الأمر يردون السلام

319

في الصلاة، ثم نهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه يكون هذا الحديث من الأدلة على ذلك. وأما حمله على تسليم غير المصلي على المصلي، فليس بصواب لثبوت تسليم الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث واحد، دون إنكار منه عليهم، بل أيدهم على ذلك بأن رد السلام عليهم بالإشارة، من ذلك حديث ابن عمر قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار، فسلموا عليه، وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه، وهو يصلي، قال: يقول: هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون - أحد رواة الحديث - كفه وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق ". أخرجه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح كما بينته في تعليقي على " كتاب الأحكام " لعبد الحق الإشبيلي (رقم الحديث 1369) ، ثم في " صحيح أبي داود " (860) وقد احتج به الإمام أحمد نفسه وذهب إلى العمل به، فقال إسحاق بن منصور المروزي في " المسائل " (ص 22) : قلت: تسلم على القوم، وهم في الصلاة؟ قال: نعم، فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر: كيف كان يرد؟ قال: كان يشير. قال المروزي: " قال إسحاق كما قال ". 319 - " لما أسن صلى الله عليه وسلم، وحمل اللحم اتخذ عمودا في مصلاه يعتمد عليه ". أخرجه أبو داود (948) : حدثنا عبد السلام بن عبد الرحمن الوابصي حدثنا أبي عن شيبان عن حصين بن عبد الرحمن عن هلال بن يساف قال:

" قدمت الرقة، فقال لي بعض أصحابي: هل لك في رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: غنيمة، فدفعنا إلى وابصة، قلت لصاحبي: نبدأ فننظر إلى دله، فإذا عليه قلنسوة لاطئة، ذات أذنين، وبرنس خز أغبر، وإذا هو معتمد على عصا في صلاته، فقلنا (له) بعد أن سلمنا؟ قال: حدثتني أم قيس بنت محصن: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أسن ... ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير عبد الرحمن الوابصي والد عبد السلام، واسم أبيه صخر بن عبد الرحمن، قال عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام " (رقم 1389 - بتحقيقي) : " كان قاضي حلب والرقة، ولا أعلم روى عنه إلا ابنه عبد السلام ". قلت: ولذلك قال عنه الحافظ ابن حجر في " التقريب ": " مجهول ". وأقول: لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه إبراهيم بن إسحاق الزهري حدثنا عبيد الله بن موسى أنبأ شيبان بن عبد الرحمن به. أخرجه الحاكم (1 / 264 - 265) وعند البيهقي (2 / 288) . وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو على شرط مسلم وحده، فإن هلال بن يساف لم يحتج به البخاري في " صحيحه "، وإنما روى له تعليقا. ثم استدركت فقلت: ليس هو على شرط مسلم أيضا، لأن عبيد الله بن موسى وهو أبو محمد العبسي وإن كان مسلم قد احتج به، فليس هو من شيوخه وإنما روى عنه بالواسطة، والراوي عنه هنا إبراهيم بن إسحاق الزهري، لم يرو له مسلم

320

أصلا وكذا سائر الستة، نعم هو ثقة فاضل كما قال الخطيب في ترجمته (6 / 25) فعلى هذا فالحديث صحيح فقط، ليس هو على شرط الشيخين كما ادعى الحاكم، ولا هو بالضعيف كما يشعر بذلك كلام الحافظ الإشبيلي المتقدم، ومن أجل ذلك كتبت هذا. والموفق الله تعالى. 320 - " ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذي ". أخرجه الإمام أحمد (1 / 404 - 405) وابن أبي شيبة في " كتاب الإيمان " (برقم 80 بتحقيقي) قالا: حدثنا محمد بن سابق حدثنا إسرائيل عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (332) ، ورواه الترمذي (1 / 357) والحاكم (1 / 12) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 235، 5 / 58) والخطيب (5 / 339) من طريقين آخرين عن ابن سابق به. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، وقد روي عن عبد الله من غير هذا الوجه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، ولكنه قد أعل، فقال المناوي في " فيض القدير " بعد أن نقل عن الترمذي تحسينه إياه: " ولم يبين المانع من صحته ". قال ابن القطان: " ولا ينبغي أن يصح، لأن فيه محمد بن سابق البغدادي، وهو ضعيف، وإن كان مشهورا، وربما وثقه بعضهم ". وقال

الدارقطني: " روي مرفوعا وموقوفا، والوقف أصح ". قلت: وفي إطلاق ابن القطان الضعف على ابن سابق نظر ظاهر، فإنه لا سلف له في ذلك سوى ابن معين، وقد وثقه العجلي، وقال يعقوب بن شيبة: كان شيخا صدوقا ثقة، وليس ممن يوصف بالضبط للحديث، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. أقول: فمثله حسن الحديث على أقل الأحوال، لأن جرحه غير مفسر، أضف إلى ذلك أن الشيخين قد احتجا به. وقد قال الذهبي فيه: " وهو ثقة عندي ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ". وذكر الخطيب عن ابن أبي شيبة أنه ذكر حديث محمد بن سابق هذا فقال: " إن كان حفظه، فهو حديث غريب ". وعن علي بن المديني أنه قال: " هذا حديث منكر من حديث إبراهيم عن علقمة، وإنما هذا من حديث أبي وائل من غير حديث الأعمش ". قال الخطيب: " قلت: رواه ليث بن أبي سليم عن زبيد اليامي عن أبي وائل عن عبد الله إلا أنه وقفه ولم يرفعه، ورواه إسحاق بن زياد العطار الكوفي - وكان صدوقا - عن إسرائيل

فخالف فيه محمد بن سابق ". قلت: ثم ساق سنده إلى العطار عن إسرائيل عن محمد بن عبد الرحمن عن الحكم عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله به مرفوعا. قلت: إسحاق بن زياد العطار هذا لم أجد من ذكره سوى الخطيب في هذا الموضع، ومخالفته لمحمد بن سابق في إسناده، مما يستبعد أن ترجح عليه. نعم من الممكن أن يقال: إذا كانت روايته محفوظة، فيكون لإسرائيل في هذا الحديث إسنادان عن إبراهيم، حفظ أحدهما محمد بن سابق والآخر إسحاق ابن زياد. وقد وجدت لروايته عن محمد بن عبد الرحمن متابعا، رواه إسماعيل بن أبان حدثنا صباح بن يحيى عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن إبراهيم به. أخرجه الحاكم (1 / 13) شاهدا، وقال: " محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وإن كان ينسب إلى سوء الحفظ، فإنه أحد فقهاء الإسلام وقضاتهم ". وللحديث طريق أخرى عن ابن مسعود يدل على أنه حديث محفوظ، وليس بمنكر، يرويه أبو بكر بن عياش عن الحسن بن عمرو الفقيمي عن محمد بن عبد الرحمن ابن يزيد عن أبيه عن عبد الله مرفوعا به. أخرجه البخاري في " الأدب " (312) وابن حبان في " صحيحه " (48) والحاكم (1 / 12) وأحمد (2 / 416) . وقال الحاكم: " على شرطهما ". قلت: بل هو صحيح فقط، ليس على شرطهما، فإن محمد بن عبد الرحمن ابن يزيد، لم يخرجا له، وأبو بكر بن عياش، لم يخرج له مسلم.

321

321 - " إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس، فإن استوى قائما فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو ". أخرجه أبو داود (1036) وابن ماجه (1208) والدارقطني (145) والبيهقي (2 / 343) وأحمد (4 / 253، 253 - 254) من طريق جابر الجعفي، قال: حدثنا المغيرة بن شبيل الأحمسي عن قيس بن أبي حازم عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير جابر الجعفي، وهو ضعيف رافضي وقال أبو داود عقب الحديث: " وليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث ". قلت: وقال الحافظ في " التلخيص " (2 / 4) : " وهو ضعيف جدا ". قلت: قال ابن الملقن في " خلاصة البدر المنير " (ق 68 / 2) عقبه: " قال في " المعرفة ": لا يحتج به، غير أنه روي من وجهين آخرين، واشتهر بين الفقهاء ". قلت: الوجهان المشار إليهما، أخرجهما الطحاوي، وأحدهما عند أبي داود وغيره عن المغيرة. " أنه صلى فنهض في الركعتين، فسبحوا به، فمضى فلما أتم صلاته سجد سجدتي السهو فلما انصرف، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت ". قال الحافظ: " ورواه الحاكم - يعني من أحد الوجهين - ومن حديث ابن عباس، ومن

حديث عقبة بن عامر مثله ". قلت: وأنت ترى أنه من فعله صلى الله عليه وسلم، وحديثنا قولي، وأنه ليس فيه التفصيل الذي في هذا من الاستواء قائما أو قبله. وقد وجدت لجابر الجعفي متابعين لم أر من نبه عليهما ممن خرج الحديث من المتأخرين، بل أعلوه جميعا به، وسبقهم إلى ذلك الحافظ عبد الحق الإشبيلي في " أحكامه " كما نبهت عليه في تحقيقي له، (التعليق رقم 901) ، ولذلك رأيت لزاما علي ذكرهما حتى لا يظن ظان أن الحديث ضعيف لرواية جابر له. الأول: قيس بن الربيع عن المغيرة بن شبيل عن قيس قال: " صلى بنا المغيرة بن شعبة، فقام في الركعتين، فسبح الناس خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما قضى صلاته، سلم وسجد سجدتي السهو، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا استتم أحدكم قائما، فليصل، وليسجد سجدتي السهو، وإن لم يستتم قائما، فليجلس، ولا سهو عليه ". والآخر: إبراهيم بن طهمان عن المغيرة بن شبيل به نحوه بلفظ: " فقلنا: سبحان الله، فأومى، وقال: سبحان الله، فمضى في صلاته، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، وهو جالس ثم قال: إذا صلى أحدكم، فقام من الجلوس، فإن لم يستتم قائما فليجلس، وليس عليه سجدتان، فإن استوى قائما فليمض في صلاته، وليسجد سجدتين وهو جالس ". أخرجه عنهما الطحاوي (1 / 355) . وقيس بن الربيع، وإن كان فيه ضعف من قبل حفظه، فإن متابعة إبراهيم بن طهمان له، وهو ثقة، مما يقوي حديثه، وهو وإن كان لم يقع في روايته التصريح برفع الحديث، فهو مرفوع قطعا، لأن التفصيل الذي فيه لا يقال من قبل الرأي لاسيما والحديث في جميع الطرق عن المغيرة مرفوع، فثبت الحديث والحمد لله.

322

وهو يدل على أن الذي يمنع القائم من الجلوس للتشهد إنما هو إذا استتم قائما، فأما إذا لم يستتم قائما فعليه الجلوس ففيه إبطال القول الوارد في بعض المذاهب أنه إذا كان أقرب إلى القيام لم يرجع. وإذا كان أقرب إلى القعود قعد فإن هذا التفصيل مع كونه مما لا أصل له في السنة فهو مخالف للحديث، فتشبث به وعض عليه بالنواجذ، ودع عنك آراء الرجال، فإنه إذا ورد الأثر بطل النظر، وإذا ورد نهر الله بطل نهر معقل. 322 - " تخرج الدابة، فتسم الناس على خراطيمهم، ثم يعمرون فيكم حتى يشترى الرجل البعير، فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطمين ". أخرجه أحمد (5 / 268) والبخاري في " التاريخ الكبير " (3 / 2 / 172) والبغوي في " حديث علي بن الجعد " (172 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 124) من طرق عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عمر بن عبد الرحمن بن عطية بن دلاف المزني عن أبي أمامة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون غير عمر هذا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم، فقال (3 / 1 / 121) : " روي عن أبي أمامة، وأبيه، روى عنه مالك وعبيد الله العمري وقريش ابن حيان وعبد العزيز بن أبي سلمة ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ولكن رواية مالك عنه تعديل له، فقد قال ابن معين: " كل من روى عنه مالك فهو ثقة إلا عبد الكريم ". وكذلك قال ابن حبان.

323

وكأن هذا هو مستند الهيثمي في توثيقه إياه بقوله في " المجمع " (8 / 6) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير عمر بن عبد الرحمن بن عطية وهو ثقة ". 323 - " دعها عنك ـ يعني الوسادة ـ إن استطعت أن تسجد على الأرض وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 189 / 2) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني شباب العصفري أنبأنا سهل أبو عتاب أنبأنا حفص بن سليمان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن عمر قال: " عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه مريضا، وأنا معه، فدخل عليه، وهو يصلي على عود، فوضع جبهته على العود، فأومأ إليه فطرح العود، وأخذ وسادة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وإليك البيان: أولا: طارق بن شهاب، وهو أبو عبد الله الكوفي، صحابي صغير، رأى النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمع منه، وهو يروي كثيرا عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنهما. احتج به الشيخان وأصحاب السنن الأربعة. ثانيا: قيس بن مسلم، وهو أبو عمرو الكوفي الجدلي ثقة احتج به الستة أيضا. ثالثا: حفص بن سليمان. هو إما حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر البزار الكوفي القاري، وإما حفص بن سليمان المنقري التميمي البصري، فإن كان الأول فهو متروك الحديث، وإن كان الآخر، فهو ثقة. ولكل من الاحتمالين وجه،

أما الأول فلأنه كوفي، وقيس بن مسلم كوفي أيضا، لكن الراوي عنه سهل أبو عتاب بصري كما يأتي. وأما الآخر، فعلى العكس من ذلك، فإنه بصري والراوي عنه كذلك، ولكن شيخه كوفي كما رأيت. ولذلك لم أستطع القطع بأنه هو، وأما الهيثمي فقد قطع بذلك، ولا أدري ما الذي برره له، ولكنه قد وقع في وهم عجيب فقال (2 / 148) : " ورواه الطبراني في " الكبير "، وفيه حفص بن سليمان المنقري، وهو متروك، واختلفت الرواية عن أحمد في توثيقه، والصحيح أنه ضعفه. والله أعلم ". قلت: فاختلط على الهيثمي حفص بن سليمان القاري الكوفي بحفص بن سليمان المنقري البصري، فالأول هو المتروك بخلاف الآخر، كما عرفت، وهو الذي اختلفت الرواية عن أحمد فيه. لا المنقري، فراجع ترجمته في " التهذيب " إن شئت. رابعا: سهل أبو عتاب، وهو سهل بن حماد أبو عتاب الدلال البصري، وهو ثقة من رجال مسلم والأربعة. خامسا: شباب العصفري، وهذا لقبه واسمه خليفة بن خياط العصفري وهو ثقة من شيوخ البخاري وممن احتج بهم في " صحيحه ". سادسا: عبد الله بن أحمد بن حنبل، فهو ثقة مشهور احتج به النسائي. قلت: ومن هذا التخريج يتبين أن رجال الإسناد كلهم ثقات لا شك فيهم سوى حفص بن سليمان، فإن كان هو المنقري كما جزم به الهيثمي فالسند صحيح كما قلنا أولا وإلا فلا.

وقد كنت جزمت بالأول قديما، تبعا للحافظ الهيثمي، وذلك في كتابي " تخريج صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "، ثم بدا لي التوقف عنه، لهذا التحقيق الذي ذكرته. نعم للحديث طريق أخرى عن ابن عمر يتقوى به، يرويه سريج بن يونس حدثنا قران بن تمام عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من استطاع منكم أن يسجد فليسجد، ومن لم يستطع، فلا يرفع إلى جبهته شيئا يسجد عليه، ولكن بركوعه وسجوده يوميء برأسه ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 43 / 1 - من زوائده) : حدثنا محمد ابن عبد الله بن بكير حدثنا سريج بن يونس به. وقال: " لم يروه عن عبيد الله إلا قران تفرد به سريج ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذا من فوقه سوى قران بضم أوله وتشديد الراء، فهو صدوق ربما أخطأ، كما في " التقريب "، فالسند جيد، لولا أنني لم أجد ترجمة لمحمد بن عبد الله بن بكير شيخ الطبراني، لكن الظاهر أنه لم يتفرد به، كما يشعر به قوله " تفرد به سريج ". ولعله لذلك قال الحافظ الهيثمي (2 / 149) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله موثقون، ليس فيهم كلام يضر. والله أعلم ".

324

وله شاهد من حديث جابر نحو حديث ابن عمر الأول. يرويه سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر به. أخرجه البزار (ص 66 - زوائده) والبيهقي. ورجال إسناده ثقات، وليس له علة تقدح في صحته، سوى عنعنة أبي الزبير، فإنه كان مدلسا، وبها أعله الحافظ عبد الحق الإشبيلي في " أحكامه " (رقم 1383 - بتحقيقي) ، ومع ذلك صرح الحافظ ابن حجر في " بلوغه " أنه قوي. فالله أعلم. والذي لا شك فيه أن الحديث بمجموع طرقه صحيح. والله تعالى هو الموفق. وقد روى أبو عوانة في " مسنده " (2 / 338) عن عمر بن محمد قال: دخلنا على حفص بن عاصم نعوده في شكوى قال: فحدثنا قال: " دخل علي عمي عبد الله بن عمر قال: فوجدني قد كسرت لي نمرقة يعني الوسادة قال: وبسطت عليها خمرة، قال: فأنا أسجد عليها، قال: فقال لي: يا ابن أخي لا تصنع هذا، تناول الأرض بوجهك، فإن لم تقدر على ذلك، فأومئ برأسك إيماء ". وسنده صحيح على شرط الشيخين. 324 - " من خبب خادما على أهلها، فليس منا، ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 397) : حدثنا أبو الجواب حدثنا عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله

325

صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو الجواب اسمه الأحوص بن جواب. وقد توبع، فأخرجه أبو داود (5170) وابن حبان (1319) من طريقين آخرين عن عمار بن رزيق به. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه الضياء في " المختارة " (64 / 25 / 2) وآخر من رواية بريدة بن الحصيب بلفظ: " ليس منا من حلف بالأمانة ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه، فليس منا ". 325 - " ليس منا من حلف بالأمانة، ومن خبب على امرئ زوجته أو مملوكه فليس منا ". أخرجه أحمد (5 / 352) : حدثنا وكيع حدثنا الوليد بن ثعلبة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه ابن حبان (1318) من طريق وكيع به نحوه. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الوليد هذا وقد وثقه ابن معين وابن حبان، وقد صحح إسناده المنذري في " الترغيب " (3 / 93) . (خبب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الباء الموحدة الأولى معناه خدع وأفسد.

326

326 - " إن صاحبكم تغسله الملائكة. يعني حنظلة ". رواه الحاكم (3 / 204) والبيهقي في " السنن " (4 / 15) عن ابن إسحاق حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند قتل حنظلة بن أبي عامر بعد أن التقى هو وأبو سفيان بن الحارث حين علاه شداد بن الأسود بالسيف فقتله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. فسألوا صاحبته فقالت: إنه خرج لما سمع لهائعة وهو جنب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لذلك غسلته الملائكة. وقال: " صحيح على شرط مسلم " وسكت عنه الذهبي وإنما هو حسن فقط لأن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم في المتابعات. وله شاهد أخرجه ابن عساكر (2 / 296 / 1) عن عبد الوهاب بن عطاء أنبأنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: " افتخر الحيان من الأوس والخزرج فقال الأوس: منا غسيل الملائكة حنظلة ابن الراهب، ومنا من اهتز له عرش الرحمن، ومنا من حمته الدبر عاصم بن ثابت بن الأفلح، ومنا من أجيزت شهادته بشهادة رجلين خزيمة بن ثابت، قال: فقال الخزرجيون: منا أربعة جمعوا القرآن لم يجمعه أحد غيرهم: زيد بن ثابت وأبو زيد وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل ". وقال ابن عساكر: " هذا حديث حسن صحيح ".

327

327 - " لو كان بعدي نبي لكان عمر ". رواه الترمذي (2 / 293) وحسنه، والحاكم (3 / 85) وصححه، وأحمد (4 / 154) والروياني في " مسنده " (50 / 1) والطبراني كما في " المنتقى من حديثه " (4 / 7 / 2) ، وأبو بكر النجاد في " الفوائد المنتقاة " (17 / 1 - 2) وابن سمعون في " الأمالي " (172 / 2) وأبو بكر القطيعي في " الفوائد المنتقاة " (4 / 7 / 2) والخطيب في " الموضح " (2 / 226) وابن عساكر (3 / 210 / 2) عن أبي عبد الرحمن المقري أنبأنا حيوة عن بكر بن عمرو عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر مرفوعا. ثم رواه النجاد من طريق ابن لهيعة عن مشرح به. قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات، وفي مشرح كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وقد وثقه ابن معين. وله شاهدان أحدهما من حديث عصمة. رواه الطبراني وفيه الفضل بن المختار وهو ضعيف. والآخر عن أبي سعيد الخدري. رواه الطبراني في " الأوسط ". قال الهيثمي (9 / 68) : " وفيه عبد المنعم بن بشير وهو ضعيف ". 328 - " ما بال رجال بلغهم عني أمر ترخصت فيه، فكرهوه وتنزهوا عنه؟ ! فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية ". رواه مسلم (7 / 90) وأحمد (6 / 45، 181) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: " صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا فترخص فيه، فبلغ ذلك ناسا من أصحابه، فكأنهم

329

كرهوه وتنزهوا عنه! فبلغه ذلك فقام خطيبا فقال: " فذكره. قلت: والأمر الذي ترخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التقبيل في الصيام خلافا لما قد يتبادر لبعض الأذهان، والدليل الحديث الآتي: " أنا أتقاكم لله، وأعلمكم بحدود الله ". 329 - " أنا أتقاكم لله، وأعلمكم بحدود الله ". رواه الإمام أحمد (5 / 434) : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج: أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار، أن الأنصاري أخبر عطاء: " أنه قبل امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم فأمر امرأته فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن رسول الله يفعل ذلك، فأخبرته امرأته، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يرخص له في أشياء، فارجعي إليه فقولي له، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم يرخص له في أشياء، فقال: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح متصل. 330 - " كنا إذا انتهينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي ". أخرجه زهير بن حرب في " العلم " (رقم 100 بتحقيقي) والبخاري في " الأدب المفرد " (1141) وأبو داود (4825) والترمذي (2 / 121) وأحمد (5 / 91 ، 98، 107 - 108) من طريق شريك عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب، وقد رواه زهير عن سماك أيضا ".

331

قلت: شريك فيه ضعف من قبل حفظه، لكن متابعة زهير إياه تقويه، وهو زهير بن معاوية بن خديج وهو ثقة من رجال الشيخين. وفي الحديث تنبيه على أدب من آداب المجالس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، طالما أهمله الناس اليوم، حتى أهل العلم، وهو أن الرجل إذا دخل المجلس، يجلس حيث ينتهي به المجلس، ولو عند عتبة الباب، فإذا وجد مثله فعليه أن يجلس فيه، ولا يترقب أن يقوم له بعض أهل المجلس من مجلسه، كما يفعل بعض المتكبرين من الرؤساء، والمتعجرفين من المتمشيخين، فإن هذا منهي عنه صراحة في قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقيم الرجل الرجل من مقعده، ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا ". أخرجه مسلم وزاد في رواية: " وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه ". 331 - " إن الرقى، والتمائم، والتولة شرك ". أخرجه أبو داود (3883) وابن ماجه (3530) وابن حبان (1412) وأحمد (1 / 381) من طريق يحيى الجزار عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد الله عن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: ورجاله ثقات كلهم غير ابن أخي زينب قال الحافظ في " التقريب ": " كأنه صحابي، ولم أره مسمى ". قلت: وسقط ذكره من كتاب ابن حبان،

فلا أدري أكذلك الرواية عنده أم سقط من الناسخ. وعلى كل حال، فإن للحديث طريقا أخرى يتقوى بها، أخرجه الحاكم (4 / 217) من طريق قيس بن السكن الأسدي قال: " دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على امرأة، فرأى عليها خرزا من الحمرة، فقطعه قطعا عنيفا، ثم قال: إن آل عبد الله عن الشرك أغنياء، وقال: كان مما حفظنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. الغريب: (الرقى) هي هنا كان ما فيه الاستعاذة بالجن، أو لا يفهم معناها، مثل كتابة

332

بعض المشايخ من العجم على كتبهم لفظة (يا كبيج) لحفظ الكتب من الأرضة زعموا. و (التمائم) جمع تميمة، وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين، ثم توسعوا فيها فسموا بها كل عوذة. قلت: ومن ذلك تعليق بعضهم نعل الفرس على باب الدار، أو في صدر المكان! وتعليق بعض السائقين نعلا في مقدمة السيارة أو مؤخرتها، أو الخرز الأزرق على مرآة السيارة التي تكون أمام السائق من الداخل، كل ذلك من أجل العين زعموا. وهل يدخل في (التمائم) الحجب التي يعلقها بعض الناس على أولادهم أو على أنفسهم إذا كانت من القرآن أو الأدعية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، للسلف في ذلك قولان، أرجحهما عندي المنع كما بينته فيما علقته على " الكلم الطيب " لشيخ الإسلام ابن تيمية (رقم التعليق 34) طبع المكتب الإسلامي. و (التولة) بكسر التاء وفتح الواو، ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره قال ابن الأثير: " جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى ". 332 - " لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر في مروطنا، وننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (214 / 1) : حدثنا إبراهيم حدثنا حماد عن عبيد الله بن عمر عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية أن عائشة قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير إبراهيم هذا وهو ابن الحجاج، ثم هما اثنان: إبراهيم بن الحجاج بن زيد السامي أبو إسحاق البصري وإبراهيم بن الحجاج النيلي أبو إسحاق البصري أيضا، وكلاهما يروي عنه

333

أبو يعلى، والأول، يروي عن حماد بن سلمة، والآخر عن حماد بن زيد، وكل من الحمادين يروي عن عبيد الله بن عمر، ولذلك لم يتعين عندي أيهما المراد هنا، ولا ضير في ذلك، فإنهما ثقتان، غير أن الأول احتج به مسلم، والآخر احتج به الشيخان. والحديث في " الصحيحين " دون ذكر الوجه، ولذلك أوردته، وهي زيادة مفسرة، لا تعارض رواية الصحيحين، فهي مقبولة. وهو دليل ظاهر على أن وجه المرأة ليس بعورة. والأدلة على ذلك متكاثرة. ومعنى كونه ليس بعورة، أنه يجوز كشفه، وإلا فالأفضل، والأورع ستره، لاسيما إذا كان جميلا. وأما إذا كان مزينا. فيجب ستره قولا واحدا، ومن شاء تفصيل هذا الإجمال، فعليه بكتابنا " حجاب المرأة المسلمة " فإنه جمع فأوعى. 333 - " إن للإسلام صوى ومنارا كمنار الطريق، منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئا وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم فمن ترك من ذلك شيئا، فقد ترك سهما من الإسلام ومن تركهن " كلهن "، فقد ولى الإسلام ظهره ". أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الإيمان " (رقم الحديث 3 بتحقيقي) قال: حدثنيه يحيى بن سعيد العطار عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن رجل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ومن طريق أبي عبيد أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (ق 98 / 2) وعبد الغني المقدسي في " الأمر بالمعروف والنهي عن

المنكر " (ق 82 / 1) وقال: " رواه الطبراني في السنة ". قلت: ويحيى بن سعيد هذا شامي ضعيف. وقد خالفه جماعة في إسناده فلم يذكروا الرجل فيه. وهو الصواب. فمنهم الوليد بن مسلم قال: حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي هريرة به. أخرجه الحاكم (1 / 21) من طريق محمد بن أبي السري العسقلاني حدثنا الوليد ابن مسلم به. وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد روى عن محمد بن خلف العسقلاني، واحتج بثور بن يزيد الشامي، فأما سماع خالد بن معدان عن أبي هريرة، فغير مستبدع. فقد حكى الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عنه أنه قال: لقيت سبعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قلت: لقد انتقل ذهن الحاكم رحمه الله من محمد بن أبي السري العسقلاني إلى محمد بن خلف العسقلاني، ومع أن ابن خلف ليس له دخل في هذا الحديث، فلم يرو عنه البخاري. وأما صاحب الحديث فهو ابن أبي السري كما هو مصرح به في سنده فهو ضعيف وهو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن أبو عبد الله بن أبي السري، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق عارف له أوهام كثيرة ". ومنهم محمد بن عيسى بن سميع عن ثور بن يزيد به.

أخرجه ابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (ق 317 / 1) . قلت: ومحمد هذا هو ابن عيسى بن القاسم بن سميع بالتصغير. قال الحافظ: " صدوق يخطىء ويدلس ". ومنهم روح بن عبادة حدثنا ثور بن يزيد به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 217 - 218) وفي " أحاديث أبي القاسم الأصم " (12 / 2) عن محمد بن يونس الكديمي حدثنا روح بن عبادة به. قلت: والكديمي متهم، وفي " التقريب ": " ضعيف ". قلت: لكنه لم يتفرد به، فقال أبو نعيم عقبه: " غريب من حديث خالد، تفرد به ثور، حدث به أحمد بن حنبل، والكبار عن روح ". قلت: وبمتابعة أحمد وغيره صح الحديث. والحمد لله. وله شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا بنحوه. أخرجه ابن دوست في " الأمالي " (ق 118 / 2) من طريقين عن عبد الله ابن صالح قال: حدثني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عنه. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، لكن عبد الله بن صالح وإن أخرج له البخاري فهو كما قال الحافظ: " صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة ". (الصوى) جمع " صوة "، وهي أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي والمفازة المجهولة، يستدل بها على الطريق وعلى طرفيها. أراد أن للإسلام طرائق، وأعلاما

334

يهتدى بها. كذا في " لسان العرب " عن أبي عمرو بن العلاء. 334 - " من قال: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وجبت له الجنة ". أخرجه أبو داود (1529) من طريق أبي الحسين زيد بن الحباب حدثنا عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني: حدثني أبو هاني الخولاني أنه سمع أبا علي الجنبي أنه سمع أبا سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي علي الجنبي واسمه عمرو بن مالك الهمداني وهو ثقة. واسم أبي هاني الخولاني حميد بن هاني. وللحديث طريق أخرى عن أبي سعيد، يرويه ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: يا أبا سعيد! ثلاثة من قالهن دخل الجنة، قلت: ما هن يا رسول الله؟ قال: من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا. ثم قال: يا أبا سعيد والرابعة لها من الفضل كما بين السماء إلى الأرض، وهي الجهاد في سبيل الله ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 14) . قلت: وإسناده لا بأس به في المتابعات والشواهد.

335

335 - " كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونطرد عنها طردا ". أخرجه ابن ماجه (1002) وابن خزيمة (1 /) وابن حبان (400) والحاكم (1 / 218) والبيهقي (3 / 104) والطيالسي (1073) من طريق هارون أبي مسلم حدثنا قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: هارون هذا مستور كما قال الحافظ، لكن

له شاهد من حديث أنس ابن مالك يتقوى به، يرويه عبد الحميد بن محمود قال: " صليت مع أنس بن مالك يوم الجمعة، فدفعنا إلى السواري فتقدمنا وتأخرنا، فقال أنس: كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي وابن حبان والحاكم وغيرهم بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " (677) . قلت: وهذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري، وأن الواجب أن يتقدم أو يتأخر. وقد روى ابن القاسم في " المدونة " (1 / 106) والبيهقي (3 / 104) من طريق أبي إسحاق عن معدي كرب عن ابن مسعود أنه قال: " لا تصفوا بين السواري ". وقال البيهقي: " وهذا - والله أعلم - لأن الأسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف ". وقال مالك: " لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد ". وفي " المغني " لابن قدامة (2 / 220) : " لا يكره للإمام أن يقف بين السواري، ويكره للمأمومين، لأنها تقطع صفوفهم، وكرهه ابن مسعود والنخعي، وروي عن حذيفة وابن عباس، ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وبن المنذر، لأنه لا دليل على المنع. ولنا ما روي عن معاوية بن قرة ... ، ولأنها تقطع الصف فإن كان الصف صغيرا، قدر ما بين الساريتين لم يكره لا ينقطع بها ".

وفي " فتح الباري " (1 / 477) : " قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد عن ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع النعال. انتهى. وقال القرطبي: روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين ". قلت: وفي حكم السارية، المنبر الطويل ذي الدرجات الكثيرة، فإنه يقطع الصف الأول، وتارة الثاني أيضا، قال الغزالي في " الإحياء " (2 / 139) : " إن المنبر يقطع بعض الصفوف، وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر، وما على طرفيه مقطوع، وكان الثوري يقول: الصف الأول، هو الخارج بين يدي المنبر، وهو متجه لأنه متصل، ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه ". قلت: وإنما يقطع المنبر الصف إذا كان مخالفا لمنبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان له ثلاث درجات، فلا ينقطع الصف بمثله، لأن الإمام يقف بجانب الدرجة الدنيا منها. فكان من شؤم مخالفة السنة في المنبر الوقوع في النهي الذي في هذا الحديث. ومثل ذلك في قطع الصف المدافئ التي توضع في بعض المساجد وضعا يترتب منه قطع الصف، دون أن ينتبه لهذا المحذور إمام المسجد أو أحد من المصلين فيه لبعد الناس أولا عن التفقه في الدين، وثانيا لعدم مبالاتهم بالابتعاد عما نهى عنه الشارع وكرهه. وينبغي أن يعلم أن كل من يسعى إلى وضع منبر طويل قاطع للصفوف أو يضع المدفئة التي تقطع الصف، فإنه يخشى أن يلحقه نصيب وافر من قوله صلى الله عليه وسلم: " ... ومن قطع صفا قطعه الله ". أخرجه أبو داود بسند صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " (رقم 672) .

336

336 - " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعرا ". ورد هذا الحديث عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو هريرة وعبد الله ابن عمر وسعد بن أبي وقاص وأبو سعيد الخدري وعمر وغيرهم. 1 - أما حديث أبي هريرة، فأخرجه البخاري (4 / 146) وفي " الأدب المفرد " (860) ومسلم (7 / 50) وأبو داود (5009) والترمذي (2 / 139) وابن ماجه (3759) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 370) وأحمد (2 / 288، 355، 391، 478، 480) من طرق عن الأعمش عن أبي صالح عنه. وقد صرح الأعمش بالتحديث في رواية البخاري. وتابعه عاصم عن أبي صالح به عند الطحاوي. أخرجه أحمد (2 / 331) . وتابعه أبو معمر عن أبي صالح به. لكني لم أعرف أبا معمر هذا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 2 - وأما حديث ابن عمر. فأخرجه البخاري في " الصحيح " وفي " الأدب المفرد " (870) والدارمي (2 / 297) وأحمد (2 / 39، 96، 223) عن حنظلة عن سالم عنه. 3 - وأما حديث سعد بن أبي وقاص، فأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه (3760) وأحمد (1 / 175، 181، / 8 /) وأبو يعلى (ق 53 / 1، 54 / 1) وأبو عبيد القاسم بن سلام في " غريب الحديث " (ق 7 / 1) من طرق عن شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن محمد بن سعد عن سعد به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

ورواه حماد بن سلمة فقال: عن قتادة عن عمر بن سعد بن مالك عن سعد به. أخرجه أحمد (1 / 175) . 4 - وأما حديث أبي سعيد، فأخرجه مسلم وأحمد (3 / 8، 41) من طريق ليث عن ابن الهاد عن يحنس مولى مصعب بن الزبير عنه قال: " بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج إذ عرض شاعر، ينشد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا الشيطان، أو: أمسكوا الشيطان، لأن يمتلئ ... ". 5 - وأما حديث عمر، فأخرجه الطحاوي من طريق خلاد بن يحيى قال: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن عمرو بن حريث عن عمر بن الخطاب به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط البخاري. وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة، خرج أحاديثهم الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد "، فمن شاء الاطلاع عليها فليرجع إليه (8 / 120) . قلت: وكل هذه الأحاديث عن هؤلاء الصحابة موافقة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وذلك مما يدل على صدقه وحفظه. وقد كتبت هذا التحقيق ردا على بعض الشيعة والمتشيعين من المعاصرين الذين يطعنون في أبي هريرة رضي الله عنه أشد الطعن وينسبونه إلى الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم والافتراء عليه، حاشاه من ذلك، فقد زعم أبو ريا من أذنابهم - عاملهم الله بما يستحقون - أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يحفظ الحديث عنه صلى الله عليه وسلم كما نطق به، وزعم أن في آخره زيادة لم يذكرها أبو هريرة، وهي: " هجيت به " وأن عائشة حفظت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم وردت به على أبي هريرة، وكل ذلك مما لا يصح إسناده كما بينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " (رقم 1111) . ونحن وإن كنا لا ننكر جواز وقوع النسيان من أبي هريرة - على حفظه - لأنه

ليس معصوما، ولكنا ننكر أشد الإنكار نسبته إلى النسيان بل الكذب لمجرد الدعوى وسوء الظن به، وهذا هو المثال بين أيدينا، فإذا كان جائزا كما ذكرنا أن يكون أبو هريرة لم يحفظ تلك الزيادة المزعومة، فهل يجوز أن لا يحفظها أيضا أولئك الجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! على أن هذا الحديث في سياقه ما يدل على بطلان تلك الزيادة من حيث المعنى، فإنه لم يذم الشعر مطلقا، وإنما الإكثار منه، وإذا كان كذلك فقوله " هجيت به "، يعطي أن القليل من الشعر الذي فيه هجاؤه صلى الله عليه وسلم جائز، وهذا باطل وما لزم منه باطل فهو باطل! جاء في " فيض القدير ": " وقال النووي: هذا الحديث محمول على التجرد للشعر بحيث يغلب عليه، فيشغله عن القرآن والذكر. وقال القرطبي: من غلب عليه الشعر، لزمه بحكم العادة الأدبية الأوصاف المذمومة، وعليه يحمل الحديث، وقول بعضهم: عنى به الشعر الذي هجي به هو أو غيره، رد بأن هجوه كفر كثر أو قل، وهجو غيره حرام وإن قل فلا يكون لتخصيص الذم بالكثير معنى ". وما ذكره عن النهي هو الذي ترجم به البخاري في " صحيحه " للحديث فقال: " باب ما يكره أن يكون الغالب على الإنسان الشعر حتى يصده عن ذكر الله ". وتقدمه إلى ذلك الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام، فقال بعد أن ذكر قول البعض المشار إليه: " والذي عندي في هذا الحديث غير هذا القول، لأن الذي هجى به النبي صلى الله عليه وسلم لو كان شطر بيت لكان كفرا، فكأنه إذا حمل وجه الحديث على امتلاء القلب منه أنه قد رخص في القليل منه، ولكن وجهه عندي أن يمتلئ قلبه من الشعر حتى يغلب عليه فيشغله عن القرآن وعن ذكر الله، فيكون الغالب عليه، فأما إذا كان القرآن والعلم الغالبين عليه، فليس جوفه ممتلئا ".

337

337 - " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يلبس حريرا ولا ذهبا ". أخرجه الحاكم (4 / 191) من طريق عمرو بن الحارث وغيره عن سليمان ابن عبد الرحمن عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: بل هو حسن، فإن القاسم وهو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، قد تكلم فيه بعضهم، والراجح من مجموع كلام العلماء فيه أنه حسن الحديث، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ". وسليمان بن عبد الرحمن هو ابن عيسى الدمشقي خراساني الأصل، وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما. وأما عمرو بن الحارث فهو أبو أيوب المصري ثقة فقيه حافظ. وأما " غيره " الذي أشير إليه في الإسناد فالظاهر أنه عبد الله بن لهيعة، فقد رأيناه مقرونا مع عمرو بن الحارث في غير ما حديث واحد، وقد أخرجه أحمد من طريقه فقال (5 / 261) : حدثنا يحيى بن إسحاق أخبرني ابن لهيعة عن سليمان بن عبد الرحمن به. وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 103) : " رواه أحمد ورواته ثقات "!

338

وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 143) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات ". قلت: ويؤخذ عليه أنه لم يعزه لأحمد، كما يؤخذ على المنذري أنه لم يعزه للحاكم، مع أن إسناده أصح، وأنه وثق ابن لهيعة، وفيه الضعف الذي ذكره الهيثمي. واعلم أن الحديث فيه دلالة بينة على تحريم الذهب والحرير، وهو بعمومه يشمل النساء مع الرجال، إلا أنه قد جاءت أحاديث تدل على أن النساء مستثنيات من التحريم كالحديث المشهور: " هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها ". إلا أن هذا ليس على عمومه، فقد جاءت أحاديث صحيحة تحرم على النساء جنسا معينا من الذهب، وهو ما كان طوقا أو سوارا أو حلقة، وكذلك حرم عليهن الأكل والشرب في آنية الذهب كالرجال، (راجع الأدلة في " آداب الزفاف ") . فبقي الحرير وحده مباحا لهن إباحة مطلقة لم يستثن منه شيء. نعم قد استثنى من جنس المباح لهن أمهات المؤمنين، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه منع أهله منه كما في الحديث الآتي: " كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول: إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا ". 338 - " كان يمنع أهله الحلية والحرير ويقول: إن كنتم تحبون حلية الجنة وحريرها فلا تلبسوها في الدنيا ". أخرجه النسائي (2 / 284) وابن حبان (1463) والحاكم (4 / 191) وأحمد (4 / 145) من طريق عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يخبر به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ".

339

وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: لم يخرجا لأبي عشانة ". قلت: واسمه حي بن يؤمن، وهو ثقة. قال السندي في حاشيته على النسائي. " قوله: " أهله الحلية " بكسر فسكون. الظاهر أنه يمنع أزواجه الحلية مطلقا سواء كان من ذهب أو فضة، ولعل ذلك مخصوص بهم، ليؤثروا الآخرة على الدنيا، وكذا الحرير، ويحتمل أن المراد بـ (الأهل) الرجال من أهل البيت، فالأمر واضح ". قلت: هذا الاحتمال بعيد غير متبادر فالاعتماد على ما ذكره أولا والله أعلم. وأقول: فهذا الحديث يدل على مثل ما دل عليه الحديث المشهور الذي سبق آنفا من إباحة الحرير لسائر النساء، إلا أنه قد يقال: إن الأولى بهن الرغبة عنه وعن الحلية مطلقا تشبيها بنسائه صلى الله عليه وسلم، لاسيما وقد ثبت عنه أنه قال: " ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر ". 339 - " ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر ". أخرجه ابن حبان (1464) : أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا سريج بن يونس حدثنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 230 / 2 مصورة المكتب الإسلامي) من طريق أبي حاتم الرازي حدثنا سريج بن يونس به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن سفيان وهو الفسوي ثقة حافظ مشهور. ومحمد بن عمرو هو ابن علقمة أخرج له البخاري مقرونا ومسلم ومتابعة. وأما قول المناوي في " فيض القدير " بعد أن عزاه تبعا لأصله إلى البيهقي في

" شعب الإيمان ": " وفيه عباد بن عباد، وثقه ابن معين، وقال ابن حبان: يأتي بالمناكير فاستحق الترك. نقله الذهبي. ورواه أيضا أبو نعيم في " الصحابة " بهذا اللفظ لكنه قال " الزعفران " بدل " المعصفر "، قال الحافظ العراقي: ضعيف ". وأقول: ما نقله عن الذهبي هو في ترجمة عباد بن عباد الأرسوفي من " الميزان " وليس هو المذكور في إسناد هذا الحديث، بل هو عباد بن عباد ابن حبيب المهلبي وهو أعلى طبقة من الأرسوفي، وهو الذي ذكروا في شيوخه محمد بن عمرو بن علقمة وفي الرواة عنه سريج بن يونس، وهو ثقة محتج به في الصحيحين، وترجمته في " الميزان " قبيل ترجمة (الأرسوفي) وقال فيه: " صدوق ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة ربما وهم ". فثبت الحديث والحمد لله، وزال ما أعله به المناوي، ولعل ما نقله عن العراقي من التضعيف إنما هو على أساس توهمه أعني العراقي أن عبادا هو الأرسوفي فضعفه بسببه. والله أعلم. ثم نقل المناوي في معنى الحديث عن مسند الفردوس: " يعني يتحلين بحلي الذهب، ويلبسن الثياب المزعفرة، ويتبرجن متعطرات متبخترات، كأكثر نساء زمننا، فيفتن بهن ".

340

340 - " نعم ليكررن عليكم حتى يرد إلى كل ذي حق حقه ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 45 / 1) عن محمد بن عبيد حدثنا محمد ابن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال: " لما نزلت هذه الآية * (إنك ميت وإنهم ميتون) * قال الزبير: يا رسول الله أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات. ثم أخرجه (46 / 1 - 2) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن عمرو به بلفظ: " لما نزلت (ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) ، قال الزبير: قلت: يا رسول الله ويكرر علينا خصومتنا في الدنيا؟ قال: نعم، قال: قلت: إن الأمر إذا لشديد ". وأخرجه الترمذي (2 / 216) وأحمد (1 / 164) من هذا الوجه، وزاد أحمد: " ولما نزلت (ثم لتسألن يومئذ عن النعيم) قال الزبير: أي رسول الله أي نعيم نسأل عنه؟ وإنما - يعني - هما الأسودان التمر والماء، قال: أما إن ذلك سيكون ". وهذا أخرجه الترمذي أيضا في مكان آخر (2 / 239) وقال عقبه:

341

" حديث حسن ". وقال في الأول: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه الحاكم من وجهين آخرين عن ابن عمرو به مثل لفظ محمد بن عبيد وزاد في آخره ما عند سفيان: " فوالله إن الأمر لشديد ". وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي! قلت: محمد بن عمرو وهو ابن علقمة إنما أخرج له مسلم وكذا البخاري متابعة، كما ذكره الذهبي نفسه في " الميزان ". 341 - " البذاذة من الإيمان. يعني التقشف ". أخرجه ابن ماجه (4118) عن أيوب بن سويد عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن أبي أمامة الحارثي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أيوب بن سويد قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: فهو لا بأس به في المتابعات، وقد توبع، فأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 40 / 1) من طريق سعيد بن سلمة بن أبي الحسام حدثني صالح بن كيسان أن عبد الله بن أبي أمامة بن ثعلبة حدثه عن أبيه به. وتابعه زهير بن محمد عن صالح به إلا أنه قال: " صالح بن أبي صالح ". خرجه الحاكم (1 / 9) وقال: " احتج مسلم بصالح بن أبي صالح السمان ".

ووافقه الذهبي. قلت: قد اختلف سعيد بن سلمة وزهير بن محمد في نسبة صالح هذا، فالأول قال: " ابن كيسان " والآخر " ابن أبي صالح ". وفي كل منهما ضعف من قبل حفظه لكن سعيدا أحسن حالا منه، وسواء كانت روايته أرجح، أو رواية زهير فإن كلا من الصالحين ثقة في الحديث لاسيما صالح بن كيسان فإنه محتج به في " الصحيحين ". وإن مما يرجح أنه هو أنهم ذكروه في الرواة عن عبد الله بن أبي أمامة دون الآخر والله أعلم. ثم رأيت الحديث قد أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (6 / 2 / 1) من طريق زهير فقال: عن صالح بن كيسان، فجزمت بما رجحته وتبين أن ما في " المستدرك " وهم من بعض الرواة إن لم يكن من الحاكم نفسه. وقد أدخل بعض الرواة بين عبد الله بن أبي أمامة وأبيه رجلا، فقال محمد ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي أمامة عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبي أمامة قال: " ذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما عنده الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا تسمعون، ألا تسمعون؟ إن البذاذة من الإيمان، إن البذاذة من الإيمان. يعني التقحل ". أخرجه أبو داود (4161) . قلت: وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه. وقد توبع، فرواه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن عبد الله بن عبيد الله بن حكيم بن حزام أن أبا المنيب بن أبي أمامة (هو عبد الله بن أبي أمامة) أخبره أنه لقي عبد الله بن كعب بن مالك: حدثني أبوك قال: فذكره. أخرجه الطبراني. ثم روى هو والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 478 و 4 / 151) من طريق

عبد الحميد بن جعفر عن عبد الله بن ثعلبة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: سمعت أباك يقول: فذكره. قلت: ورجال هذه الطريق ثقات كلهم، بخلاف التي قبلها، ففيها عبد العزيز ابن عبيد الله وهو الحمصي ضعيف. وشيخه عبد الله بن عبيد الله بن حكيم بن حزام لم أجد له ترجمة. وهي متفقة مع الطريق التي قبلها على تسمية الرجل بـ " عبد الله بن كعب " خلافا للطريق الأخيرة، ففيها " عبد الرحمن بن كعب "، وهي أجود. وكل من عبد الله وعبد الرحمن ثقة. ومجموع هذه الطرق الثلاث تحملنا على الاقتناع بثبوت الواسطة بين عبد الله بن أبي أمامة وأبيه. ويؤيد ذلك ما روى الطبراني أيضا بسند صحيح عن المنيب بن عبد الله بن أبي أمامة بن ثعلبة قال: " انصرفت من المسجد، فإذا برجل عليه ثياب بيض، وقميص ورداء سابغ، وعمامة بغير قلنسوة، قد أرخى من ورائه مثل ما بين يديه، فقال لي: أخبرني جدك أبو أمامة بن ثعلبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والظاهر أن هذا الرجل الذي لم يسم هو ابن كعب بن مالك، وعلى هذا فيكون قد حدث بهذا الحديث عبد الله بن أبي أمامة على ما سبق في الطرق المتقدمة، وابنه المنيب على ما في روايته هذه، ولكن المنيب هذا مجهول ما روى عنه سوى ابنه عبد الله، وهو الذي روى هذا الحديث عنه، ولذلك فلا يعتمد على روايته. وخلاصة القول أن الرواة قد اختلفوا على عبد الله بن أبي أمامة في هذا

الحديث فأسامة بن زيد وصالح بن كيسان قالا: عنه عن أبيه. ومحمد بن إسحاق وعبد الله بن عبيد الله بن حليم وعبد الحميد بن جعفر قالوا: عنه عن ابن كعب بن مالك عن أبي أمامة. ويبدو أن رواية هؤلاء الثلاثة أرجح لأنهم أكثر، ولأن معهم زيادة علم. ومن علم حجة على من لم يعلم. ثم اختلف هؤلاء الثلاثة في تسمية ابن كعب، فالأولان سمياه عبد الله، وسماه عبد الحميد بن جعفر عبد الرحمن. ولا شك عندي في أن روايته أصح من روايتهما لأنه ثقة احتج به مسلم، وكذلك سائر الرواة، فالاعتماد في تقوية الحديث على هذا الطريق، لثقة رواتها وسلامتها من العلل، فلنسق إسنادها بكامله لزيادة الاطمئنان لما ذكرنا. قال الطبراني رحمه الله: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي أنبأنا أحمد بن عاصم بن عنبسة العباداني أنبأنا عبد الله بن حمران أنبأنا عبد الحميد بن جعفر عن عبد الله بن ثعلبة عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال سمعت أباك يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره باللفظ المذكور أعلاه، وهو لفظ ابن ماجه. ومحمد بن عبد الله الحضرمي ثقة حافظ وهو الملقب بـ (مطين) ، وترجمته في " تذكرة الحفاظ " (2 / 210) . وأحمد بن عاصم بن عنبسة العباداني صدوق كما قال الحافظ في " التقريب " وتابعه إبراهيم بن مرزوق عند الطحاوي، ولا بأس، وبقية الرجال ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن أبي أمامة وهو صدوق أيضا. وكان الحامل على تحرير هذا أنني رأيت الحافظ المنذري قد نقل عن بعض المحدثين ما يشعر بتضعيفه للحديث، ولم يحرر القول فيه، ولو بإيجاز مع وقوع

342

خطأ منه، فاقتضى تحقيق القول فيه، فقد قال: (3 / 107) : " رواه أبو داود وابن ماجه كلاهما من رواية محمد بن إسحاق، وقد تكلم أبو عمر النمري في هذا الحديث ". فأقول: وغالب الظن أن الكلام المشار إليه إنما هو الاختلاف الذي في إسناده، وقد بينا الراجح منه فلا يضره. وأيضا فإن الحديث ليس عند ابن ماجه من رواية محمد بن إسحاق، كما سبق ذكره في أول البحث، فاقتضى التنبيه. ثم إن السيوطي قد عزى الحديث للإمام أحمد أيضا، ومع أن الحاكم قد أخرجه من طريقه، فإني لم أره في " المسند " له، وهو المراد عند إطلاق العزو إليه. وذكر المناوي في شرحه عليه: أن الحافظ العراقي قال في " أماليه ": " حديث حسن ". والديلمي: " هو صحيح ". وكذا قال الحافظ في " الفتح ". ثم رأيت للحديث طريقا أخرى، فقال الحميدي في " مسنده " (357) : حدثنا سفيان قال: حدثنا محمد بن إسحاق عن معبد بن كعب عن عمه أو أمه قال: " تعلمن يا هؤلاء أن البذاذة من الإيمان ". وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه، وقد سبق من طريقه بإسناد آخر له. 342 - " إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه ". أخرجه الخطيب في " تاريخه " (9 / 127) أخبرنا علي بن أحمد الرزاز حدثنا عبد الصمد بن علي الطستي حدثنا أحمد

بن بشر بن سعد المرثدي حدثنا سعد بن زنبور حدثنا إسماعيل بن مجالد عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن: علي بن أحمد الرزاز قال الذهبي صدوق وله ترجمة عند الخطيب (11 / 330 - 331) وقال: كتبنا عنه، وكان كثير السماع كثير الشيوخ وإلى الصدق ما هو، مات سنة (419) . وعبد الصمد الطستي ترجمه الخطيب أيضا (11 / 41) وقال: وكان ثقة سمعت البرقاني ذكره فأثنى عليه وحثنا على كتب حديثه. وأحمد بن بشر بن سعد المرثدي روى الخطيب (4 / 54) عن ابن خراش أنه كان يثني عليه، وعن علي ابن المنادي أنه قال: هو أحد الثقات مات سنة (286) ، وسعد بن زنبور روى الخطيب أيضا عن ابن معين أنه قال: هو ثقة ما أراه يكذب، مات سنة (230) وبقية رجال الإسناد معروفون من رجال التهذيب وهم من رواة الصحيح غير أن إسماعيل بن مجالد مع كونه من رجال البخاري فهو متكلم فيه من قبل حفظه، وفي " التقريب ": " أنه صدوق يخطىء ". قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن لاسيما وأنه لم ينفرد به بل رواه

343

غيره بإسناد آخر بهذا اللفظ تماما كما يأتي. قال الحافظ العراقي (3 / 153) : " رواه الطبراني والدارقطني بسند ضعيف ". وله شاهد آخر بنحوه بلفظ: " يا أيها الناس إنما العلم بالتعلم، والفقه بالتفقه، ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما يخشى الله من عباده العلماء ". قال في " المجمع " (1 / 128) : " رواه الطبراني في " الكبير " عن معاوية مرفوعا وفيه رجل لم يسم، وعتبة بن أبي حكيم وثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن حبان وضعفه جماعة ". قلت: وفي " التقريب ": " وهو صدوق يخطىء كثيرا ". وقال المناوي: " رواه ابن أبي عاصم أيضا قال ابن حجر في " المختصر ": إسناده حسن لأن فيه مبهما اعتضد بمجيئه من وجه آخر ". قلت: وكأن الحافظ أشار بذلك الوجه إلى حديث أبي هريرة. وقد أخرجه ابن عساكر أيضا في " تاريخ دمشق " (6 / 117 / 1) من طريق أخرى عن إسماعيل ابن مجالد به. 343 - " كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعا في الدنيا، أطولهم جوعا يوم القيامة ". روي من حديث ابن عمر وأبي جحيفة، وابن عمرو، وابن عباس، وسلمان. 1 - حديث ابن عمر. يرويه عبد العزيز بن عبد الله القرشي حدثنا يحيى البكاء

عن ابن عمر قال: " تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال " فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 78) وابن ماجه (3350) وقال الترمذي: " حديث غريب من هذا الوجه ". قلت: يعني ضعيف، وذلك لأن يحيى بن مسلم البكاء ضعيف. وعبد العزيز بن عبد الله القرشي منكر الحديث كما في " التقريب ". وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 139) عن أبيه: " هذا حديث منكر ". 2 - حديث أبي جحيفة، وله عنه طرق: الأولى: عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: " أكلت خبز بر بلحم سمين، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فتجشأت فقال: احبس أو اكفف جشاءك ... " الحديث وزاد: " قال: فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " الجوع " (2 / 2) من طريق الوليد بن عمرو ابن ساج عنه. قلت: والوليد هذا ضعيف، ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهما. لكنه لم يتفرد به، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 123) : " سمعت أبي وذكر حديثا كان في كتاب عمرو بن مرزوق ولم يحدث به عن مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة ... (فذكره) فسمعت أبي يقول: هذا

حديث باطل، ولم يبلغني أن عمرو بن مرزوق حدث به قط ". كذا قال، وسيأتي عن الإمام أحمد أنه ابن مرزوق كان يحدث به ثم ترك. وعمرو بن مرزوق ثقة له أوهام كما في " التقريب "، فلعله بدى له، أو عرض له شيء من الشك فترك التحديث به، والله أعلم. الثانية: عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة به. أخرجه الحاكم (4 / 121) عن فهد بن عوف حدثنا فضل بن أبي الفضل الأزدي أخبرني عمر بن موسى: أخبرني علي بن الأقمر ... وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: فهد قال المديني: كذاب، وعمر هالك ". وتعقبه المنذري أيضا فقال في " الترغيب " (3 / 122) : " بل واه جدا، فيه فهد بن عوف وعمر بن موسى ". قلت: وعمر هذا هو ابن موسى الوجيهي وهو متهم أيضا، وروي من طريق غيره، فقال ابن قدامة في " المنتخب " (10 / 194 / 1) : " قال مهنا: سألت أحمد ويحيى، قلت: حدثني عبد العزيز بن يحيى حدثنا شريك عن علي بن الأرقم ... (فذكره) ؟ فقالا: ليس بصحيح. قلت لأحمد: يروى من غير هذا الوجه؟ قال: كان عمرو بن مرزوق يحدث به عن مالك بن مغول عن علي بن الأرقم عن أبي جحيفة ثم تركه بعد. ثم سألته بعد؟ فقال: ليس بصحيح ". قلت: وعبد العزيز بن يحيى هو المدني كذبه إبراهيم بن المنذر الحزامي. وقال البخاري:

يضع الحديث. وأخرجه تمام في " الفوائد " (99 / 1) من طريق أبي ربيعة. حدثنا عمر بن الفضل عن رقبة عن علي بن الأقمر به. وهذا رجاله ثقات، لكن أبو ربيعة هو فهد بن عوف نفسه، وقد عرفت ضعفه. الثالثة: عن أبي رجاء عمن سمع أبا جحيفة به. وزاد في آخره: " قال أبو جحيفة: فما شبعت منذ ثلاثين سنة ". أخرجه ابن أبي الدنيا (1 / 2) . وفيه الرجل الذي لم يسم. لكن قال المنذري مستدركا على طريق الحاكم الواهية: " رواه البزار بإسنادين رواة أحدهما ثقات ". وقال الهيثمى (5 / 31) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " بأسانيد، وفي أحد أسانيد " الكبير " محمد بن خالد الكوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". 3 - حديث ابن عمرو قال: " تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اقصر من جشئك فإن.." الحديث. قال الهيثمي: " رواه الطبراني عن شيخه مسعود بن محمد وهو ضعيف ".

4 - حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أهل الشبع في الدنيا هم أهل الجوع غدا في الآخرة ". قال المنذري: " رواه الطبراني بإسناد حسن ". وقد أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 345 - 346) من طريق الطبراني، وقال: " لم يروه عن فضيل إلا يحيى بن سليمان القرشي وفيه مقال ". وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 71) : " إسناده ضعيف ". 5 - حديث سلمان، يرويه عطية بن عامر الجهني، قال: سمعت سلمان وأكره على طعام يأكله، فقال: حسبي: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ". أخرجه ابن ماجه (3351) من طريق سعيد بن محمد الثقفي عن موسى الجهني عن زيد بن وهب عن عطية ... وهكذا أخرجه ابن أبي الدنيا (1 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 330) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 198 - 199) . وقال العقيلي: " عطية في إسناده نظر ". قلت: وتعقبه الذهبي فقال: " ليس الضعف. إلا أن الحديث انفرد به واه، وهو سعيد بن محمد الوراق ". وأقول: كلا، ليس الضعف من سعيد فقط، فإن عطية مع قول العقيلي فيه

344

ما عرفت، فلم يوثقه غير ابن حبان (1 / 173) ، ومن المعلوم أن توثيقه غير معتمد عند المحققين من العلماء والنقاد، ومنهم الذهبي نفسه، ولهذا لم يوثقه الحافظ في " التقريب "، وإنما قال فيه: " مقبول ". يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة. ومنه يتبين أن تعقب الذهبي على العقيلي مما لا طائل تحته، وأن للحديث علتين سعيد الوراق، وعطية الجهني. وجملة القول أن الحديث قد جاء من طرق عمن ذكرنا من الصحابة وهي وإن كانت مفرداتها، لا تخلو من ضعف، فإن بعضها ليس ضعفها شديدا، ولذلك فإني أرى أنه يرتقي بمجموعها إلى درجة الحسن على أقل الأحوال. والله سبحانه وتعالى أعلم. 344 - " يا غلام إذا أكلت فقل: بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 2 / 2) : حدثنا عبيد بن غنام أنبأنا أبو بكر بن أبي شيبة الحديث وحدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي أنبأنا محمد بن أبي عمر العدني قالا: أنبأنا سفيان عن الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان عن عمرو بن أبي سلمة قال: " كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طرق عن وهب به بلفظ: " ... سم الله ... ".

وقد ذكرت طرقه مخرجة في " الإرواء " (2028) ، وإنما خرجته هنا من طريق الطبراني بهذا اللفظ لعزته، وقلة وجوده في كتب السنة المتداولة، وقد ذكره بهذا اللفظ العلامة ابن القيم في " زاد المعاد " بهذا اللفظ دون أن يعزوه لأحد كما هي عادته على الغالب. وفي الحديث دليل على أن السنة في التسمية على الطعام إنما هي " بسم الله " فقط ومثله حديث عائشة مرفوعا: " إذا أكل أحدكم طعاما فليقل: بسم الله، فإن نسي في أوله، فليقل: بسم الله في أوله وآخره ". أخرجه الترمذي وصححه، وله شاهد من حديث ابن مسعود تقدم ذكره مخرجا برقم (196) . وحديث عائشة قواه الحافظ في " الفتح " (9 / 455) وقال: " هو أصرح ما ورد في صفة التسمية " قال: " وأما قول النووي في آداب الأكل من " الأذكار ": " صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته، والأفضل أن يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، فإن قال: بسم الله كفاه وحصلت السنة ". فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلا خاصا ". وأقول: لا أفضل من سنته صلى الله عليه وسلم " وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم " فإذا لم يثبت في التسمية على الطعام إلا " بسم الله "، فلا يجوز الزيادة عليها فضلا عن أن تكون الزيادة أفضل منها! لأن القول بذلك خلاف ما أشرنا إليه من الحديث: " وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ".

345

345 - " استكثروا من النعال، فإن الرجل لا يزال راكبا ما انتعل ". أخرجه مسلم (6 / 153) وأبو داود (4133) وأحمد (3 / 337، 360) والخطيب في " تاريخ بغداد " (3 / 425) من طريق أبي الزبير عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في غزوة غزوناها: فذكره. قلت: وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه، لكن للحديث شواهد يتقوى بها. فمنها: عن عمران بن حصين مرفوعا به. أخرجه العقيلي (230) والخطيب (9 / 404 - 405) من طريق مجاعة بن الزبير الأسدي: حدثنا الحسن عنه. قلت: ورجاله ثقات غير مجاعة هذا، وهو حسن الحديث قال أحمد: " لم يكن به بأس ". وضعفه الدارقطني. والحسن هو البصري وهو مدلس أيضا وقد عنعنه. وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 138) : " رواه الطبراني وفيه مجاعة بن الزبير، لا بأس به في نفسه. وقال ابن عدي: هو ممن يحتمل ويكتب حديثه، وضعفه الدارقطني، وبقية رجاله ثقات ". ومنها عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به. قال الهيثمي:

346

" رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ". 346 - " إذا حدثتكم حديثا فلا تزيدن علي وقال: أربع من أطيب الكلام وهن من القرآن لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم قال: لا تسمين غلامك أفلح، ولا نجيحا، ولا رباحا، ولا يسارا (فإنك تقول: أثم هو؟ فلا يكون، فيقول: لا) ". أخرجه أحمد (5 / 11) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سلمة بن كهيل عن هلال بن يساف عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (899، 900) : حدثنا شعبة به مفرقا في موضعين وتابعه سفيان وهو الثوري عن سلمة بن كهيل به، دون شطره الأول، والأخير. أخرجه أحمد (5 / 20) وابن ماجه (3811) . ولشعبة فيه شيخ آخر، فقال الطيالسي (893) : حدثنا شعبة عن منصور قال: سمعت هلال بن يساف يحدث عن الربيع بن عميلة عن سمرة به مقتصرا على تسمية الغلام.

وكذلك أخرجه أحمد (5 / 7) ومسلم (6 / 172) من طرق أخرى عن شعبة به. وتابعه زهير عن منصور به أتم منه مثل رواية شعبة الأولى عن ابن كهيل، إلا أنه جعل الشطر الأول في آخر الحديث، وفيه الزيادة التي بين القوسين. أخرجه أحمد (5 / 10) ومسلم. ويتبين مما سبق أن هلال بن يساف، كان تارة يرويه عن سمرة مباشرة، وتارة عن الربيع بن عميلة عنه، فلعله سمعه أولا على هذا الوجه، ثم لقي سمرة فسمعه منه مباشرة، فكان يرويه تارة هكذا، وتارة هكذا، وهو ثقة غير معروف بالتدليس، فيحتمل منه ذلك. وقد تابعه الركين بن الربيع بن عميلة عن أبيه عن سمرة بقضية التسمية فقط، إلا أنه ذكر " نافعا " مكان " نجيحا ". أخرجه مسلم وأحمد (5 / 12) . وفي الحديث آداب ظاهرة، وفوائد باهرة، أهمها النهي عن الزيادة في حديثه صلى الله عليه وسلم، وهذا وإن كان معناه في رواية حديثه ونقله، فإنه يدل على المنع من الزيادة فيه تعبدا قصدا للاستزادة من الأجر بها من باب أولى، وأبرز صور هذا، الزيادة على الأذكار والأوراد الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم، كزيادة " الرحمن الرحيم " في التسمية على الطعام، فكما أنه لا يجوز للمسلم أن يروى قوله صلى الله عليه وسلم المتقدم (344) : " قل: بسم الله " بزيادة " الرحمن الرحيم "، فكذلك لا يجوز له، أن يقول هذه الزيادة على طعامه، لأنه زيادة على النص فعلا، فهو بالمنع أولى، لأن قوله صلى الله عليه وسلم: " قل باسم الله " تعليم للفعل، فإذا لم يجز الزيادة في التعليم الذي هو وسيلة للفعل، فلأن لا يجوز الزيادة في الفعل الذي هو الغاية أولى وأحرى. ألست ترى إلى ابن عمر رضي الله عنه أنه أنكر على من زاد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الحمد عقب العطاس، بحجة أنه مخالف لتعليمه صلى الله عليه وسلم، وقال له: " وأنا أقول: الحمد لله، والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس

347

هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا إذا عطس أحدنا أن يقول: الحمد لله على كل حال ". أخرجه الحاكم (4 / 265 - 266) وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. فإذا عرفت ما تقدم من البيان، فالحديث من الأدلة الكثيرة على رد الزيادة في الدين والعبادة. فتأمل في هذا واحفظه فإنه ينفعك إن شاء الله تعالى في إقناع المخالفين، هدانا الله وإياهم صراطه المستقيم. وفي الحديث النهي عن التسمية بـ (يسار) و (رباح) ، و (أفلح) و (نجيح) ونحوها، فينبغي التنبيه لهذا، وترك تسمية الأبناء بشيء منه، وقد كان في السلف من دعي بهذه الأسماء، فالظاهر أنه كان ذلك لسبب عدم علمهم بالحديث إذا كان من التابعين فمن بعدهم، أو قبل النهى عن ذلك إذا كان من الصحابة رضي الله عنهم. والله أعلم. 347 - " إذا دعا أحدكم أخاه لطعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 148) : حدثنا يزيد قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير سمع جابرا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح مسلسل بالتحديث، ولذلك خرجته، وإلا فقد أخرجه مسلم (4 / 153) : وحدثنا ابن نمير: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي

348

الزبير بهذا الإسناد مثله. قلت: يعني إسناد سفيان عن أبي الزبير عن جابر ساقه قبله لم يقع عنده فيه تصريح أبي الزبير بالتحديث، وتصريحه به مهم لأنه مدلس، فإذا عنعن كما وقع في " مسلم " لم تنشرح النفس لحديثه، وكذلك أخرجه أبو داود (3740) وأحمد (3 / 392) من طريق سفيان به وابن ماجه (1751) من طريق أحمد ابن يوسف السلمي حدثنا أبو عاصم به، لم يصرح أبو الزبير بالتحديث. ويزيد هو ابن سنان البصري نزيل مصر. قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 267) : " كتبت عنه، وهو صدوق ثقة ". 348 - " إن الشيطان يمشي في النعل الواحدة ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 142) : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا ابن وهب عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الربيع بن سليمان المرادي وهو ثقة. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من طريق أبي الزناد عن الأعرج به بلفظ " لا يمش أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعا، أو ليخلعهما جميعا ". وله شاهد من حديث جابر مرفوعا بلفظ: " لا تمش في نعل واحدة ". أخرجه مسلم (6 / 154) وأحمد (3 / 322) وغيرهما. قلت: فالحديث في النهي عن المشي في نعل واحدة صحيح مشهور، وإنما

خرجت حديث الطحاوي هذا لتضمنه علة النهي، فهو يرجح قولا واحدا من الأقوال التي قيلت في تحديدها، فجاء في " الفتح " (10 / 261) : " قال الخطابي: الحكمة في النهي أن النعل شرعت لوقاية الرجل عما يكون في الأرض من شوك أو نحوه، فإذا انفردت إحدى الرجلين احتاج الماشي أن يتوقى لإحدى رجليه ما لا يتوقى للأخرى فيخرج بذلك عن سجية مشيه، ولا يأمن مع ذلك من العثار. وقيل: لأنه لم يعدل بين جوارحه، وربما نسب فاعل ذلك إلى اختلال الرأي أو ضعفه. وقال ابن العربي: قيل: العلة فيها أنها مشية الشيطان، وقيل: لأنها خارجة عن الاعتدال. وقال البيهقي: الكراهة فيه للشهرة فتمتد الأبصار لمن ترى ذلك منه، وقد ورد النهي عن الشهرة في اللباس، فكل شيء صير صاحبه شهرة فحقه أن يجتنب ". فأقول: الصحيح من هذه الأقوال، هو الذي حكاه ابن العربي أنها مشية الشيطان. وتصديره إياه بقوله: " قيل " مما يشعر بتضعيفه، وذلك معناه أنه لم يقف على هذا الحديث الصحيح المؤيد لهذا " القيل "، ولو وقف عليه لما وسعه إلا الجزم به. وكذلك سكوت الحافظ عليه يشعرنا أنه لم يقف عليه أيضا، وإلا لذكره على طريقته في جمع الأحاديث وذكر أطرافها المناسبة للباب، لاسيما وليس في تعيين العلة وتحديدها سواه. فخذها فائدة نفيسة عزيزة ربما لا تراها في غير هذا المكان، يعود الفضل فيها إلى الإمام أبي جعفر الطحاوي، فهو الذي حفظها لنا بإسناد صحيح في كتابه دون عشرات الكتب الأخرى لغيره. (تنبيه) أما الحديث الذي رواه ليث عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة قالت: " ربما مشى النبي صلى الله عليه وسلم في نعل واحدة ". فهو ضعيف لا يحتج به. أخرجه الترمذي (1 / 329) من طريق هريم بن سفيان البجلي الكوفي والطحاوي من طريق مندل كلاهما عن ليث به.

349

وضعفه الطحاوي بقوله: " مندل ليس من أهل التثبت. وليث وإن كان من أهل الفضل فإن روايته ليست عند أهل العلم بالقوية ". قلت: مندل قد تابعه هريم وهو ثقة من رجال الشيخين، فبرئت عهدته منه، وانحصرت في الليث فهو علة الحديث، وهو ضعيف. قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق اختلط أخيرا ولم يتميز حديثه فترك ". وإذا عرف هذا فلا يجوز معارضة حديث الباب بهذا الحديث الواهي كما فعل بعض أهل الجهل بالآثار فيما ذكره الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى. 349 - " ما من رجل يلي أمر عشرة فما فوق ذلك إلا أتى الله عز وجل مغلولا يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أو أوبقه إثمه، أولها ملامة وأوسطها ندامة وآخرها خزى يوم القيامة ". أخرجه أحمد (5 / 267) حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن يزيد بن (أبي) مالك عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد شامي جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي يزيد وهو ابن عبد الرحمن بن أبي مالك الدمشقي القاضي كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن. وقال فيه الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ". والحديث قال الهيثمي (5 / 205) : " رواه أحمد والطبراني وفيه يزيد بن أبي مالك وثقه ابن حبان وغيره وبقية

350

رجاله ثقات ". وقال المنذري (3 / 132 - 133، 4 / 294) : " رواه أحمد، ورواته ثقات إلا يزيد بن أبي مالك، وهو ثقة، وقال بعضهم: لين ". 350 - " إن عشت إن شاء الله إلى قابل صمت التاسع مخافة أن يفوتني يوم عاشوراء ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 99 / 2) من طريقين عن أحمد بن يونس أنبأنا ابن أبي ذئب عن القاسم بن عباس عن عبد الله بن عمير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات. 351 - " اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 125 / 2) : حدثنا روح بن الفرج أبو الزنباع حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث به سعد عن هشام بن عروة عن موسى بن عقبة عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت مرفوعا وقال: " لم يروه عن موسى إلا هشام تفرد به الليث ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير روح بن الفرج وهو ثقة كما في " التقريب "

352

وقول الهيثمي في " المجمع " (3 / 306) : " رواه الطبراني في " الأوسط " " والكبير " ورجاله رجال الصحيح " ليس صحيحا على إطلاقه، وتلك عادة له أنه يطلق مثل هذا القول: " ورجاله رجال الصحيح " ويعني من فوق شيخ الطبراني، فاعلم هذا فإنه مفيد في مواطن النزاع والتحقيق. ثم رأيت الحديث في " تاريخ ابن عساكر " (16 / 241 / 2) من طريق عيسى ابن حماد أنبأنا الليث به. 352 - " البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا ". أخرجه ابن ماجه (3558) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (262) وأحمد وإسحاق في " مسنديهما " والنسائي في " الكبرى " والطبراني كلهم عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه ثوبا أبيض فقال: أجديد ثوبك هذا أم غسيل؟ فقال: بل غسيل، و (في رواية: جديدا) فقال: فذكره. زاد الدبري ويرزقك الله قرة عين في الدنيا والآخرة، قال: وإياك يا رسول الله ". قال الحافظ في " نتائج الأفكار " (1 / 27 / 2) : " هذا حديث حسن غريب، ورجال الإسناد رجال الصحيح، لكن أعله النسائي فقال: هذا حديث منكر أنكره يحيى القطان على عبد الرزاق، قال النسائي: وقد روي أيضا عنه متصلا يعني الزهري، وروي عنه مرسلا. قال:

353

وليس هذا من حديث الزهري. قلت: وجدت له شاهدا مرسلا أخرجه بن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن إدريس عن أبي الأشهب عن رجل، فذكر المتن بنحو رواية أحمد، وأبو الأشهب اسمه جعفر ابن حيان العطاردي وهو من رجال الصحيح، وسمع من كبار التابعين، وهذا يدل على أن للحديث أصلا، وأقل درجاته أن يوصف بالحسن ". (تنبيه) اقتصر النووي في " الأذكار " في عزوه على بن ماجة وابن السني وهو قصور ظاهر تعجب منه الحافظ. 353 - " إياي والتنعم، فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ". أخرجه أحمد (5 / 243، 244) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 155) من طرق عن بقية بن الوليد عن السري بن ينعم عن مريح بن مسروق عن معاذ بن جبل. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث به إلى اليمن قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات كما قال المنذري (3 / 125) والهيثمي (10 / 250) ، وسكتا عن عنعنة بقية مع كونه مشهورا بالتدليس! ولكنه قد صرح بالتحديث عند أبي نعيم، فزالت شبهة تدليسه وثبت الحديث بذلك. والحمد لله.

354

354 - " إياك وكل ما يعتذر منه ". رواه الضياء في " المختارة " (131 / 1) عن عمرو بن الضحاك حدثنا أبي الضحاك ابن مخلد أنبأ شبيب بن بشر عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن رجاله ثقات وفي شبيب كلام لا يضر. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وقال المناوي: " ورواه عن أنس أيضا الديلمي في " مسند الفردوس " وسنده حسن وأخرجه الحاكم في " المستدرك " من حديث سعد، والطبراني في " الأوسط " من حديث ابن عمر وجابر ". قلت: في حديث جابر محمد بن أبي حميد، وهو مجمع على ضعفه كما في " المجمع " (10 / 248) . 355 - " مثل المؤمن مثل النحلة، لا تأكل إلا طيبا، ولا تضع إلا طيبا ". أخرجه ابن حبان (رقم 30) وابن عساكر (2 / 43 / 1) من طريق مؤمل ابن إسماعيل حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم روى ابن عساكر بسنده عن هارون الحمال قال:

" وذكر هذا الحديث - حديث مؤمل - لأبي عبد الله (يعني الإمام أحمد) فقال أبو عبد الله: إنما حدثنا غندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مثل المؤمن مثل النحلة ". قلت: كذا وقع في نسخة ابن عساكر: " عن يعلى بن عطاء عن عبد الله ابن عمرو ". وأخشى أن يكون سقط منها شيء فقد أخرجه ابن أبي شيبة في " كتاب الإيمان " (رقم 89 - بتحقيقي) بسند أحمد مغايرا لما فيها، فقال: حدثنا غندر عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: " مثل المؤمن.... ". هكذا قال: " عن أبيه " ولم يرفعه ولعله الصواب. وإذا ثبت ذلك فالإمام أحمد يشير إلى أن مؤمل بن إسماعيل قد أخطأ في إسناد الحديث فقال: " عن وكيع بن عدس " والصواب " عن أبيه " كما قال غندر فإنه أوثق من مؤمل وأخطأ أيضا في رفعه، لأن غندرا أوقفه عند ابن أبي شيبة ولعله كذلك عند ابن عساكر، لكن بعض النساخ رفعه! نعم قد جاء مرفوعا من طريقين آخرين عن شعبة، فقال ابن السماك في " حديثه " (2 / 90 / 2) : حدثنا محمد بن عيسى حدثنا سلام بن سليمان حدثنا شعبة بإسناد غندر مرفوعا. وسلام هذا وهو أبو العباس المدائني الضرير قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". ولكن تابعه حجاج بن نصير قال: أنبأنا شعبة به. أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (110 / 1) . وحجاج ضعيف أيضا. لكن تابعه حرمي ابن عمارة بن أبي حفصة قال: أنبأنا شعبة به. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 248 / 1058) . وحرمي

356

صدوق يهم فهو بمجموع هذه المتابعات ثابت عن شعبة. وللحديث طريق أخرى أخرجها الحسين المروزي في " زوائد الزهد لابن المبارك " (ق 123 / 1 - كواكب 575) بسند صحيح عن عبد الله بن بريدة قال: " ذكر لي أن أبا سبرة بن سلمة سمع.... عبد الله بن عمرو...... " فذكره مرفوعا وفيه قصة. وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق حسن أو صحيح. والله أعلم. 356 - " أتاني جبريل عليه السلام فقال: إني كنت أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل عليك البيت الذي أنت فيه إلا أنه كان في البيت تمثال رجل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة ومر بالستر يقطع وفي رواية: إن في البيت سترا في الحائط فيه تماثيل، فاقطعوا رءوسها فاجعلوها بساطا أو وسائد فأوطئوه، فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل. فيجعل منه وسادتان توطآن ومر بالكلب فيخرج. ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا الكلب جرو كان للحسن والحسين عليهما السلام تحت نضد لهما. قال: ومازال يوصيني بالجار حتى ظننت أو رأيت أنه سيورثه ". أخرجه أحمد (2 / 305، 478) والسياق له وأبو داود (4158) والترمذي (2 / 132) وابن حبان في " صحيحه " (1487) من طريق يونس بن أبي إسحاق عن

مجاهد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وصححه الترمذي وغيره، وقد صرح يونس بالتحديث في رواية ابن حبان، وفي حفظه ضعف يسير لا يضر في حديثه، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم قليلا ". قلت: وقد تابعه أبو إسحاق، فقال أحمد (2 / 308) حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحاق عن مجاهد به مختصرا بالرواية الثانية. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لولا أن أبا إسحاق وهو السبيعي والد يونس، كان تغير في آخره، وقد اختلف عليه في لفظه، فرواه عنه معمر هكذا، ورواه أبو بكر عنه به نحوه بلفظ: " فإما أن تقطع رؤوسها، أو تجعل بساطا يوطأ ". أخرجه النسائي (2 / 302) . والأول أصح، لأن معمرا حفظه عن أبي بكر وهو ابن عياش الكوفي قال الحافظ: " ثقة عابد، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح ". فقه الحديث: الأول: تحريم الصور، لأنها سبب لمنع دخول الملائكة، والأحاديث في تحريمها أشهر من أن تذكر. الثاني: أن التحريم يشمل الصور التي ليست مجسمة ولا ظل لها لعموم قول جبريل عليه السلام: " فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل "، وهي الصور، ويؤيده أن التماثيل التي كانت على القرام لا ظل لها، ولا فرق في ذلك بين ما كان منها تطريزا على الثوب أو كتابة على الورق، أو رسما بالآلة الفوتوغرافية إذ كل ذلك صور وتصوير، والتفريق

بين التصوير اليدوي والتصوير الفوتوغرافي، فيحرم الأول دون الثاني، ظاهرية عصرية، وجمود لا يحمد كما حققته في " آداب الزفاف في السنة المطهرة " (ص 112 - 114) . الثالث: أن التحريم يشمل الصورة التي توطأ أيضا إذا تركت على حالها ولم تغير بالقطع، وهو الذي مال إليه الحافظ في " الفتح ". الرابع: أن قوله " حتى تصير كهيئة الشجرة "، دليل على أن التغيير الذي يحل به استعمال الصورة، إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة، فيغيرها حتى تصير على هيئة أخرى مباحة كالشجرة. وعليه فلا يجوز استعمال الصورة ولو كانت بحيث لا تعيش لو كانت حية كما يقول بعض الفقهاء، لأنها في هذه الحالة لا تزال صورة اسما وحقيقة، مثل الصور النصفية، وأمثالها، فاعلم هذا فإنه مما يهم المسلم معرفته في هذا العصر الذي انتشرت فيه الصور وعمت وطمت.، وإن شئت زيادة تحقيق في هذا، فراجع المصدر السابق (ص 111 / 112) . الخامس: فيه إشارة إلى أن الصورة إذا كانت من الجمادات فهي جائزة، ولا تمنع من دخول الملائكة، لقوله " كهيئة الشجرة "، فإنه لو كان تصوير الشجر حراما كتصوير ذوات الأرواح، لم يأمر جبريل عليه السلام، بتغييرها إلى صورة شجرة، وهذا ظاهر، ويؤيده حديث ابن عباس رضي الله عنه " وإن كنت لابد فاعلا، فاصنع الشجرة، وما لا نفس له ". رواه مسلم وأحمد (1 / 308) . السادس: تحريم اقتناء الكلب لأنه أيضا سبب يمنع من دخول الملائكة، وهل يمنع لو كان كلب ماشية أو صيد، الظاهر لا، لأنه يباح اقتناؤه. ويؤيده أن الصورة إذا كانت مباحة لا تمنع أيضا من دخول الملائكة بدليل أن

357

السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقتني لعب البنات، وتلعب بها هي ورفيقاتها على مرأة من النبي صلى الله عليه وسلم، فلا ينكرها عليها كما ثبت في البخاري وغيره، فلو كان ذلك مانعا من دخول الملائكة لما أقرها صلى الله عليه وسلم عليه. والله أعلم. 357 - " من أحب أن يتمثل له الناس قياما، فليتبوأ مقعده من النار ". أخرجه البخاري في " الأدب " (977) وأبو داود (5229) والترمذي (2 / 125) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 40) واللفظ له وأحمد (4 / 93، 100) والدولابي في " الكنى " (1 / 95) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (ق 196 / 2) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 51 / 2) والبغوي في " حديث علي بن الجعد " (7 / 69 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 219) من طرق عن حبيب بن الشهيد عن أبي مجلز قال: " دخل معاوية بيتا فيه عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عامر، فقام ابن عامر، وثبت ابن الزبير، وكان أدر بهما فقال معاوية: اجلس يا ابن عامر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: بل هو حديث صحيح، رجال إسناده ثقات رجال الشيخين، وأبو مجلز اسمه لاحق بن حميد، وهو ثقة، وحبيب بن الشهيد ثقة ثبت كما في " التقريب "، فلا وجه للاقتصار على تحسينه، وإن سكت عليه الحافظ في " الفتح " (11 / 42) ، لاسيما وله طريق أخرى، فقال المخلص في " الفوائد ": حدثنا عبد الله أنبأنا داود: أنبأنا مروان أنبأنا مغيرة بن مسلم السراج عن عبد الله بن بريدة قال:

" خرج معاوية فرآهم قياما لخروجه، فقال لهم: اجلسوا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سره أن يقوم له بنو آدم، وجبت له النار ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير شيخ المخلص عبد الله، وهو الحافظ أبو القاسم البغوي، ومغيرة بن مسلم السراج وهما ثقتان بلا خلاف وداود هو ابن رشيد، ومروان هو ابن معاوية الفزاري الكوفي الحافظ. وقد تابعه شبابة بن سوار حدثني المغيرة بن مسلم به إلا أنه قال: " من أحب أن يستجم له الرجال ... " والباقي مثله. أخرجه الطحاوي (2 / 38 - 39) والخطيب في " تاريخ بغداد " (13 / 193) . وللحديث عنده (11 / 361) شاهد مرسل في قصة طريفة، أخرجه من طريق عبد الرزاق بن سليمان بن علي بن الجعد قال: سمعت أبي يقول: " لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر، فناظرهم على متاع كان معهم، ثم نهض المأمون لبعض حاجته، ثم خرج، فقام كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد، فإنه لم يقم، قال: فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب، ثم استخلاه فقال له: يا شيخ ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك؟ قال: أجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وما هو؟ قال علي بن الجعد: سمعت المبارك بن فضالة يقول: سمعت الحسن يقول قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذكره باللفظ الأول) قال: فأطرق المأمون متفكرا في الحديث، ثم رفع رأسه فقال: لا يشترى إلا من هذا الشيخ، قال: فاشترى منه في ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار ". قلت: فصدق في علي بن الجعد (وهو ثقة ثبت) قول الله عز وجل: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب) .

ونحو هذه القصة ما أخرج الدينوري في " المنتقى من المجالسة " (ق 8 / 1 - نسخة حلب) : حدثنا أحمد بن علي البصري قال: " وجه المتوكل إلى أحمد بن العدل وغيره من العلماء فجمعهم في داره، ثم خرج عليهم، فقام الناس كلهم إلا أحمد بن العدل، فقال المتوكل لعبيد الله: إن هذا الرجل لا يرى بيعتنا، فقال له: بلى يا أمير المؤمنين ولكن في بصره سوء، فقال أحمد بن العدل: يا أمير المؤمنين ما في بصري من سوء، ولكنني نزهتك من عذاب الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده في النار "، فجاء المتوكل فجلس إلى جنبه ". وروى ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 170 / 2) بسنده عن الأوزاعي حدثني بعض حرس عمر بن عبد العزيز قال: " خرج علينا عمر بن عبد العزيز ونحن ننتظره يوم الجمعة، فلما رأيناه قمنا، فقال: إذا رأيتموني فلا تقوموا، ولكن توسعوا ". فقه الحديث: دلنا هذا الحديث على أمرين. الأول: تحريم حب الداخل على الناس القيام منهم له، وهو صريح الدلالة بحيث أنه لا يحتاج إلى بيان. والآخر: كراهة القيام من الجالسين للداخل، ولو كان لا يحب القيام، وذلك من باب التعاون على الخير، وعدم فتح باب الشر، وهذا معنى دقيق دلنا عليه راوي الحديث معاوية رضي الله عنه، وذلك بإنكاره على عبد الله بن عامر قيامه له، واحتج عليه بالحديث، وذلك من فقهه في الدين، وعلمه بقواعد الشريعة، التي منها " سد الذرائع "، ومعرفته بطبائع البشر، وتأثرهم بأسباب الخير والشر، فإنك إذا تصورت مجتمعا صالحا كمجتمع السلف الأول، لم يعتادوا القيام بعضهم لبعض، فمن النادر

أن تجد فيهم من يحب هذا القيام الذي يرديه في النار، وذلك لعدم وجود ما يذكره به وهو القيام نفسه، وعلى العكس من ذلك إذا نظرت إلى مجتمع كمجتمعنا اليوم، قد اعتادوا القيام المذكور، فإن هذه العادة لاسيما مع الاستمرار عليها فإنها تذكره به، ثم إن النفس تتوق إليه وتشتهيه حتى تحبه، فإذا أحبه هلك، فكان من باب التعاون على البر والتقوى أن يترك هذا القيام، حتى لمن نظنه أنه لا يحبه خشية أن يجره قيامنا له إلى أن يحبه، فنكون قد ساعدناه على إهلاك نفسه وذا لا يجوز. ومن الأدلة الشاهدة على ذلك أنك ترى بعض أهل العلم الذين يظن فيهم حسن الخلق، تتغير نفوسهم إذا ما وقع نظرهم على فرد لم يقم له، هذا إذا لم يغضبوا عليه ولم ينسبوه إلى قلة الأدب، ويبشروه بالحرمان من بركة العلم بسبب عدم احترامه لأهله بزعمهم. بل إن فيهم من يدعوهم إلى القيام، ويخدعهم بمثل قوله " أنتم لا تقومون لي كجسم من عظم ولحم، وإنما تقومون للعلم الذي في صدري "! ! كأن النبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يكن لديه علم! ! لأن الصحابة كانوا لا يقومون له، أو أن الصحابة كانوا لا يعظمونه عليه السلام التعظيم اللائق به! فهل يقول بهذا أو ذاك مسلم؟ ! ومن أجل هذا الحديث وغيره ذهب جماعة من أهل العلم إلى المنع من القيام للغير كما في " الفتح " (11 / 41) ثم قال: " ومحصل المنقول عن مالك إنكار القيام، ما دام الذي يقام لأجله لم يجلس، ولو كان في شغل نفسه، فإنه سئل عن المرأة تبالغ في إكرام زوجها، فتتلقاه وتنزع ثيابه، وتقف حتى يجلس؟ فقال: أما التلقي فلا بأس به، وأما القيام حتى يجلس فلا، فإن هذا فعل الجبابرة، وقد أنكره عمر بن عبد العزيز ". قلت: وليس في الباب ما يعارض دلالة هذا الحديث أصلا، والذين خالفوا فذهبوا إلى جواز هذا القيام بل استحبابه، استدلوا بأحاديث بعضها صحيح، وبعضها ضعيف والكل عند التأمل في طرقها ومتونها لا ينهض للاستدلال على ذلك، ومن أمثلة القسم الأول حديث " قوموا إلى سيدكم ". وقد تقدم الجواب عنه

358

برقم (67) من وجوه أقواه أنه صح بزيادة: " فأنزلوه " فراجعه. ومن أمثلة القسم الآخر حديث قيامه صلى الله عليه وسلم حين أقبل عليه أخوه من الرضاعة فأجلسه بين يديه. فهو حديث ضعيف معضل الإسناد، ولو صح فلا دليل فيه أيضا وقد بينت ذلك كله في " الأحاديث الضعيفة " (1148) . 358 - " ما كان في الدنيا شخص أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما كانوا يعلمون من كراهيته لذلك ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (946) والترمذي (2 / 125) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 39) وأحمد (3 / 132) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 183 / 2) واللفظ له من طرق عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وهذا الحديث مما يقوي ما دل عليه الحديث السابق من المنع من القيام للإكرام لأن القيام لو كان إكراما شرعا، لم يجز له صلى الله عليه وسلم أن يكرهه من أصحابه له، وهو أحق الناس بالإكرام، وهم أعرف الناس بحقه عليه الصلاة والسلام. وأيضا فقد كره الرسول صلى الله عليه وسلم هذا القيام له من أصحابه، فعلى المسلم - خاصة إذا كان من أهل العلم وذوي القدوة - أن يكره ذلك لنفسه اقتداء به صلى الله عليه وسلم، وأن يكره لغيره من المسلمين لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير "، فلا يقوم له أحد، ولا هو يقوم لأحد، بل كراهتهم لهذا القيام أولى بهم

359

من النبي عليه الصلاة والسلام، ذلك لأنهم إن لم يكرهوه اعتادوا القيام بعضهم لبعض، وذلك يؤدي بهم إلى حبهم له، وهو سبب يستحقون عليه النار كما في الحديث السابق، وليس كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه معصوم من أن يحب مثل هذه المعصية، فإذا كان مع ذلك قد كره القيام له، كان واضحا أن المسلم أولى بكراهته له. 359 - " نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وأذن في لحوم الخيل ". هو من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه. وله عنه طرق: الأولى: عن محمد بن علي عنه. أخرجه البخاري (4 / 16) ومسلم (6 / 66) وأبو داود (3788) والنسائي (2 / 199) والترمذي (1 / 331) والدارمي (2 / 87) والطحاوي (2 / 318) والبيهقي (9 / 325) وأحمد (3 / 361، 385) من طرق عن حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي به. وتابعه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر، فأسقط من الإسناد محمد ابن علي، ولفظه: " أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر ". أخرجه النسائي والطحاوي والترمذي (1 / 331) وقال: " هذا حديث حسن صحيح، وهكذا روى غير واحد عن عمرو بن دينار عن جابر ورواه حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي عن جابر ورواية ابن عيينة أصح. وسمعت محمدا يقول: سفيان بن عيينة أحفظ من حماد ابن زيد ". قال الحافظ في " الفتح " (9 / 559) :

" قلت: لكن اقتصر البخاري ومسلم على تخريج طريق حماد بن زيد، وقد وافقه ابن جريج عن عمرو وعلى إدخال الواسطة بين عمرو وجابر ولكنه لم يسمه، أخرجه أبو داود ". الثانية: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " أكلنا زمن خيبر الخيل وحمر الوحش، ونهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلي ". أخرجه مسلم وأبو داود (3789) والنسائي وابن ماجه (3191) والطحاوي والبيهقي وأحمد (3 / 356، 362) من طرق عن أبي الزبير به. ولفظ النسائي مثل لفظ ابن عيينة المتقدم بزيادة: " يوم خيبر ". ولفظ أبي داود وأحمد: " ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير، ولم ينهنا عن الخيل ". الثالثة: عن عطاء عنه قال: " كنا نأكل لحوم الخيل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم " زاد في رواية: " قلت: فالبغال؟ قال: لا ". أخرجه النسائي واللفظ له وابن ماجه (3197) والزيادة له والطحاوي (2 / 318، 322) والبيهقي. قلت: وإسناده صحيح. وللحديث شاهد من رواية أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت:

360

" نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه (بالمدينة) ". أخرجه البخاري ومسلم والدارمي والبيهقي وأحمد (6 / 345، 346، 353) والزيادة للدارمي ورواية للبخاري. وفي الحديث جواز أكل لحوم الخيل، وهو مذهب الأئمة الأربعة سوى أبي حنيفة فذهب إلى التحريم خلافا لصاحبيه فإنهما وافقا الجمهور، وهو الحق لهذا الحديث الصحيح، ولذلك اختاره الإمام أبو جعفر الطحاوي، وذكر أن حجة أبي حنيفة حديث خالد بن الوليد مرفوعا: " لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير ". ولكنه حديث منكر ضعيف الإسناد لا يحتج به إذا لم يخالف ما هو أصح منه، فكيف وقد خالف حديثين صحيحين كما ترى. وقد بينت ضعفه وعلله في " السلسلة الضعيفة " رقم (1149) . 360 - " ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منهم فلا يكونن عريفا ولا شرطيا ولا جابيا ولا خازنا ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " فقال (1558 - موارد) : أخبرنا أحمد ابن علي بن المثنى حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي أنبأنا جرير بن عبد الحميد عن رقبة بن مصقلة عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبي سعيد وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وهو ثقة، وأحمد بن علي بن المثنى هو أبو يعلى الموصلي وهو ثقة حافظ. وقد أخرجه في " مسنده "، فقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 240) .

" رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الرحمن بن مسعود (!) وهو ثقة ". قلت: وله طريق أخرى عن أبي هريرة وحده. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 117) والخطيب في " تاريخ بغداد " عن داود بن سليمان الخراساني: حدثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عنه. وقال الطبراني: " تفرد به داود بن سليمان، وهو شيخ لا بأس به ". قلت: وهذه فائدة عزيزة، فإن توثيق الطبراني للخراساني هذا مما لم يرد له ذكر في كتب الرجال مثل " الميزان " و " اللسان " وغيرهما، وإنما جاء فيهما أن الأزدي قال: " ضعيف جدا ". قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الستة، فهو شاهد لا بأس به عندي والله أعلم.

361

361 - " ليوشك رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا، ولم يل من أمر الناس شيئا ". أخرجه الحاكم (4 / 91) من طريق عاصم بن بهدلة عن يزيد بن شريك أن الضحاك بن قيس بعث معه بكسوة إلى مروان بن الحكم فقال مروان للبواب: أنظر من بالباب؟ قال: أبو هريرة، فأذن له فقال: يا أبا هريرة حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو حسن فقط للخلاف المعروف في حفظ عاصم هذا، والذهبي نفسه لما ترجمه في " الميزان "، وحكى أقوال الأئمة فيه قال: " قلت: هو حسن الحديث ". 362 - " لا يحل للخليفة إلا قصعتان قصعة يأكلها هو وأهله، وقصعة يطعمها ". رواه ابن أبي الدنيا في " الورع " (168 / 2) : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال: أنبأنا عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن عبد الله بن زرير الغافقي قال:

363

دخلنا على علي بن أبي طالب يوم أضحى فقدم إلينا خزيرة، فقلنا يا أمير المؤمنين لو قدمت إلينا من هذا البط والوز، والخير كثير، قال: يا ابن زرير إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. ورواه أحمد (رقم 1 / 78) وعنه ابن عساكر (12 / 188 / 1) من طريقين آخرين عن ابن لهيعة به. ورواه ابن عساكر من طريق حرملة عن ابن وهب به موقوفا على علي. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، وابن لهيعة إنما يخشى من سوء حفظه إذا لم يكن الحديث من رواية أحد العبادلة عنه كما صرح بذلك بعض الأئمة المتقدمين، وهذه كما ترى من رواية عبد الله بن وهب عنه. والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 231) : " رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف ". وأقول: الصواب فيه أنه ضعيف الحديث في غير رواية العبادلة عنه. صحيح الحديث من رواية أحدهم عنه كما سبق. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في " مسلم " بعض شيء مقرون ". 363 - " أربعة يبغضهم الله عز وجل: البياع الحلاف والفقير المختال والشيخ الزاني والإمام الجائر ". أخرجه النسائي (1 / 359) وابن حبان (1098) من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

364

364 - " باع آخرته بدنياه. قاله لرجل باع بثمن حلف أن لا يبيع به ". أخرجه ابن حبان (1099) : أخبرنا عبد الله بن صالح البخاري - ببغداد - حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا ابن فديك عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير عن أبي سعيد قال: " مر أعرابي بشاة، فقلت: تبيعها بثلاثة دراهم؟ فقال: لا والله، ثم باعها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ". فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير عبد الله بن صالح البخاري وهو ثقة مترجم له في " تاريخ بغداد " (9 / 481) . 365 - " احضروا الذكر وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها ". أخرجه أبو داود (1198) والحاكم (1 / 289) وعنهما البيهقي (3 / 238) وأحمد (5 / 11) من طريق معاذ بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده - ولم أسمعه منه: قال قتادة: عن يحيى بن مالك عن سمرة بن جندب أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. كذا قالا، ويحيى بن مالك هذا، قد أغفله كل من صنف في رجال الستة فيما علمنا فليس هو في " التهذيب " " ولا في " التقريب " ولا في " التذهيب ".

نعم ترجمه ابن أبي حاتم فقال (4 / 2 / 190) : " يحيى بن مالك، أبو أيوب الأزدي العتكي البصري المراغي، قبيلة من العرب. روى عن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة، وابن عباس، وسمرة بن جندب، وجويرية. مات في ولاية الحجاج. روى عنه قتادة، وأبو عمران الجوني، وأبو الواصل عبد الحميد بن واصل ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 256) وقال: " من أهل البصرة، يروي عن عبد الله بن عمر، روى عنه قتادة، مات أبو أيوب في ولاية الحجاج ". قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى لتابعيته، ورواية جماعة من الثقات عنه، مع تصحيح الحاكم والذهبي لحديثه. والله أعلم. وخالفه الحكم بن عبد الملك فقال: عن قتادة عن الحسن عن سمرة به. أخرجه أحمد (5 / 10) وكذا الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 70) وقال: " لم يروه عن قتادة إلا الحكم ". قلت: وهو ضعيف كما قال الهيثمي (2 / 177) ، وأشار المنذري في " الترغيب " (1 / 255) إلى تضعيف الحديث وعزاه للطبراني والأصبهاني. وفاته هو والهيثمي أنه في " المسند "، بل وفي " السنن " و " المستدرك " مصداقا للقول المشهور: " كم ترك الأول للآخر ". (تنبيه) لفظ الحكم: " ... فإن الرجل ليكون من أهل الجنة، فيتأخر عن الجمعة، فيؤخر عن الجنة، وإنه لمن أهلها ".

366

وهذا مخالف للفظ هشام كما هو ظاهر، فهو منكر من أجل المخالفة. والله أعلم. 366 - " إن التجار هم الفجار. قيل يا رسول الله: أو ليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنهم يحدثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون ". رواه أحمد (3 / 428) والطحاوي في " المشكل " (3 / 12) والحاكم (2 / 6 - 7) عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو راشد الحبراني سمع عبد الرحمن بن شبل يقول: فذكره مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وقد ذكر هشام بن أبي عبد الله سماع يحيى بن أبي كثير من أبي راشد، وهشام ثقة مأمون، وأدخل أبان بن يزيد العطار بينهما زيد بن سلام " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. ثم أخرجه الحاكم وابن عساكر (7 / 486 / 2) عن أبان به. وصرح ابن عساكر بسماع يحيى من زيد بن سلام أيضا. وخالفهم معمر فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده قال: كتب معاوية إلى عبد الرحمن بن شبل أن علم الناس ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجمعهم فقال: فذكره مرفوعا. رواه ابن عساكر.

367

ثم رواه من طريق معاوية بن سلام عن أخيه عن جده أبي سلام عن أبي راشد به مختصرا. والحديث قال المنذري (3 / 29) : " رواه أحمد بإسناد جيد ". 367 - " إن الرجل ليصل في اليوم إلى مائة عذراء. يعني في الجنة ". رواه أبو نعيم في " صفة الجنة " (169 / 1 - شيخ الإسلام) والضياء في " صفة الجنة " (82 / 2) من طريق الطبراني بسندين له عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قيل يا رسول الله هل نصل إلى نسائنا في الجنة؟ فقال: فذكره وقال الطبراني: " تفرد به الجعفي " قال المقدسي: " قلت: ورجاله عندي على شرط الصحيح ". قلت: وهو كما قال فالسند صحيح ولا نعلم له علة. وقد وجدت له شاهدا من حديث ابن عباس مرفوعا، أخرجه الحربي في " الغريب " (5 / 52 / 2)

368

وأبو نعيم عن زيد بن الحواري عنه، ورجاله ثقات غير زيد هذا فهو ضعيف. 368 - " المرأة أحق بولدها ما لم تزوج ". أخرجه الدارقطني في " سننه " (418) من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. " أن امرأة خاصمت زوجها في ولدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... ". فذكره. وكذلك رواه عبد الرزاق في " مصنفه ": أخبرنا المثنى بن الصباح به. وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " كما في " نصب الراية " (3 / 265) . قال الحافظ في " التلخيص " (4 / 11) : " والمثنى بن الصباح ضعيف. ويقويه ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم عن عكرمة قال: " خاصمت امرأة عمر عمر إلى أبي بكر، وكان طلقها، فقال أبو بكر: هي أعطف وألطف وأرحم وأحن وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج ". أقول: وهذا مع كونه موقوفا، فهو مرسل، وقد روي من وجوه أخرى مرسلا في " الموطأ " و " المصنف " لابن أبي شيبة ومن وجه آخر موصولا بإسناد ضعيف منقطع وقد خرجت ذلك كله في " إرواء الغليل " (2250) ، ولذلك فإني أرى أن تقوية الحديث بهذا الموقوف ليس بالقوي، فالأولى تقويته بأن المثنى قد توبع عليه من غير واحد، فتابعه ابن جريج عند أحمد (2 / 182) والدارقطني، والأوزاعي عند أبي داود (2276) والحاكم (2 / 207) كلاهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن

عمرو به أتم منه، ولفظه: " أن امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني هذا، كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أحق به ما لم تنكحي ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وقال المحقق ابن القيم في " زاد المعاد في هدي خير العباد ": " هذا الحديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب، ولم يجدوا بدا من الاحتجاج هنا به، ومدار الحديث عليه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا، وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم، وقد صرح بأن الجد هو عبد الله بن عمرو فبطل قول من يقول: لعله محمد والد شعيب فيكون الحديث مرسلا، وقد صح سماع شعيب من جده عبد الله بن عمرو، فبطل قول من قال: إنه منقطع. وقد احتج به البخاري خارج " صحيحه "، ونص على صحة حديثه، وقال: كان الحميدي وأحمد وإسحاق وعلي بن عبد الله يحتجون بحديثه، فمن الناس بعدهم؟ ! هذا لفظه. وقال إسحاق بن راهويه: هو عندنا كأيوب عن نافع عن ابن عمر، وحكى الحاكم في " علوم الحديث " له الاتفاق على صحة حديثه. وقولها: " كان بطني له وعاء " إلى آخره إدلاء منها وتوسل إلى اختصاصها به كما اختص بها في هذه المواطن الثلاثة، والأب لم يشاركها في ذلك، فنبهت في هذا الاختصاص على الاختصاص الذي طلبته بالاستفتاء والمخاصمة، وفي هذا دليل

على اعتبار المعاني والعلل، وتأثيرها في الأحكام، وإماطتها بها، وأن ذلك أمر مستقر في الفطرة السليمة حتى فطر النساء. وهذا الوصف الذي أدلت به المرأة، وجعلته سببا لتعليق الحكم به قد قرره النبي صلى الله عليه وسلم ورتب عليه أثره، ولو كان باطلا ألغاه، بل ترتيبه الحكم عقيبه دليل على تأثيره فيه وأنه سببه ". قال: " ودل الحديث على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد، فالأم أحق به من الأب ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها أو بالولد وصف يقتضي تخييره، وهذا ما لا يعرف فيه نزاع، وقد قضى به خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ابن الخطاب ... ". وقد أشار بقوله: " ما يمنع تقديمها " إلى أنه يشترط في الحاضنة أن تكون مسلمة دينة لأن الحاضن عادة حريص على تربية الطفل على دينه، وأن يربى عليه، فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه، وقد يغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده فلا يراجعها أبدا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه " فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم. وأشار بقوله " أو بالولد وصف يقتضي تخييره ". إلى أن الصبي إذا كان مميزا فيخير ولا يشمله هذا الحديث، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه ". وهو حديث صحيح كما بينته في " الإرواء " (2254) . ومن شاء الاطلاع على الأحكام المستنبطة من هذا الحديث مع البسط والتحقيق، فليرجع إلى كتاب العلامة ابن القيم: " زاد المعاد ".

369

369 - " كل مسلم على مسلم محرم، أخوان نصيران، لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين ". أخرجه النسائي (1 / 358) من طريق بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: " قلت يا نبي الله ما أتيتك حتى حلفت أكثر من عددهن - لأصابع يديه - ألا آتيك ولا آتي دينك، وإني كنت امرءا لا أعقل شيئا ألا ما علمني الله ورسوله، وإني أسألك بوجه الله عز وجل بما بعثك ربك إلينا؟ قال: بالإسلام، قال: قلت: وما آيات الإسلام؟ قال: أن تقول: أسلمت وجهي إلى الله عز وجل وتخليت، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، كل مسلم على مسلم حرام ... ". وهذا إسناد حسن، وصححه الحاكم (4 / 600) ووافقه الذهبي. 370 - " اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه ". أخرجه أحمد (5 / 256 - 257) : حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حريز حدثنا سليم ابن عامر عن أبي أمامة قال: " إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه وقالوا: مه مه! فقال: ادنه، فدنا منه قريبا قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك ؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم قال: أفتحبه لعمتك. قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر

371

ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه. فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء ". وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح. 371 - " لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل ". أخرجه أبو داود (2 / 311) والبخاري في " الأدب المفرد " (112) وأحمد (5 / 346 - 347) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (385) والبيهقي في " الشعب " (2 / 58 / 2) ونعيم بن حماد في " زوائد الزهد " (186) عن معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقال المنذري (4 / 21) : " رواه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح ". قلت: ولم أجده عند النسائي ولم يعزه إليه النابلسي في " الذخائر " (1 / 122) فالظاهر أنه في " سننه الكبرى ". ثم الحديث رواه عقبة بن عبد الله الأصم عن عبد الله بن بريدة بلفظ: " إذا قال الرجل للمنافق: يا سيد، فقد أغضب ربه تبارك وتعالى ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 198) والحاكم (4 / 311) والخطيب (5 / 454) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".

372

وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: عقبة ضعيف ". قلت: لكن تابعه قتادة كما سبق، فالحديث صحيح. 372 - " استعيذي بالله من هذا (يعني القمر) ، فإنه الغاسق إذا وقب ". أخرجه الترمذي (2/ 241) والطحاوي في " المشكل " (2 / 310) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 642) والحاكم (2 / 540 - 541) والطيالسي (رقم 1486) وأحمد (6 / 61، 206، 237) من طرق عن ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدها فأشار بها إلى القمر فقال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الحارث بن عبد الرحمن هذا وهو القرشي العامري وهو صدوق كما في " التقريب " وقد قرن به ابن أبي ذئب: المنذر بن أبي المنذر. رواه أحمد (6 / 215، 252) عن عبد الملك بن عمرو عنه. والمنذر هذا مقبول كما في " التقريب ". فالحديث صحيح.

373

وقد رواه النسائي أيضا في " كتاب التفسير " من " سننه الكبرى " كما في " تفسير ابن كثير " (4 / 573) وحسنه الحافظ في " الفتح " (8 / 206) . (فائدة) في الحديث دلالة على جواز الإشارة باليد إلى القمر خلافا لما نقل عن بعض المشايخ من كراهة ذلك، والحديث يرد عليه. 373 - " كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ولم نأخذ معنا زادا، فقلت: " يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا، فانطلق أخي ومكثت عند البهم، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قالا الآخر: نعم، فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني للقفا فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقتين سوداوين، فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء ثلج، فغسل به جوفي، ثم قال: ائتني بماء برد، فغسل به قلبي، ثم قال: ائتني بالسكينة، فذره في قلبي، ثم قال أحدهما لصحابه: حصه، فحاصه وختم عليه بخاتم النبوة، ثم قال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة، واجعل ألفا من أمته في كفة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم، فقال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم، ثم انطلقا وتركاني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفرقت فرقا شديدا ثم انطلقت إلى أمي فأخبرتها، بالذي لقيت، فأشفقت أن يكون قد التبس بي، فقالت: أعيذك بالله ،

374

فرحلت بعيرا لها فجعلتني على الرحل وركبت خلفي حتى بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي، وحدثتها بالذي لقيت فلم يرعها ذلك وقالت: إني رأيت خرج مني نورا أضاءت منه قصور الشام ". أخرجه الدارمي (1 / 8 - 9) والحاكم (2 / 616 - 617) وأحمد (4 / 184) من طريق بقية بن الوليد حدثني بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن عتبة بن عبد السلمي أنه حدثهم وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رجل كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟ قال: فذكره. والسياق للأول وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وفيه نظر فإن بقية إنما له في مسلم فرد حديث متابعة كما قال الخزرجي وهذا إسناد حسن فقد صرح بقية بالتحديث. وقد أورده في " المجمع " (8 / 222) وقال: " رواه أحمد والطبراني ولم يسق المتن وإسناد أحمد حسن ". ورواه أيضا أبو نعيم في " الدلائل " كما في " البداية " (2 / 275) . ولهذا الحديث شواهد كثيرة فانظر (أنا دعوة أبي إبراهيم) رقم (1545) . 374 - " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ". أخرجه الحاكم (3 / 195) عن رافع بن أشرس المروزي حدثنا حفيد الصفار عن إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وقال:

" صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: الصفار لا يدري من هو ". قلت: ونحوه ابن أشرس، فقد أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 482) من رواية أحمد بن منصور بن راشد المروزي عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا لكن قد روى هذا الحديث عنه اثنان آخران أحمد بن سيار ومحمد بن الليث، فهو مجهول الحال. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 368) عن ابن عباس مرفوعا وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه ضعف ". والشطر الأول منه له طريق أخرى عن جابر، رواه أبو حماد الحنفي عن ابن عقيل قال: سمعت جابر بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعا به في قصة قتل حمزة رضي الله عنه. أخرجه الحاكم (2 / 119 - 120) وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " أبو حماد هو المفضل بن صدقة، قال النسائي: متروك ". وله شاهد من حديث علي مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 300 / 2) من طريق علي بن الحزور أنبأنا الأصبغ بن نباتة قال: سمعت علي ابن أبي طالب يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد واه جدا، فإن علي بن الحزور وشيخه الأصبغ متروكان كما

375

قال الحافظ في " التقريب ". واقتصر الهيثمي في إعلاله على الأول منهما وهو قصور. (تنبيه) حديث جابر الأول عزاه المنذري في " الترغيب " (3 / 168) للترمذي أيضا وهو وهم، فلم يخرجه الترمذي، ولا رأيته معزوا إليه في غير " الترغيب " فليحقق هل هو خطأ من المؤلف، أم من الناسخ أو الطابع. فاقتضى التنبيه. وبعد كتابة ما تقدم وجدت للحديث طريقا أخرى عن إبراهيم الصائغ به. أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (6 / 377، 11 / 302) من طريق عمار بن نصر وأحمد بن شجاع المروزي عن حكيم بن زيد الأشعري عنه به. ورجاله كلهم ثقات غير حكيم هذا فأورده الذهبي ثم العسقلاني وقالا: " عن أبي إسحاق السبيعي، قال الأزدي فيه نظر "! وفاتهما ترجمة ابن أبي حاتم إياه بقوله (1 / 2 / 204 - 205) : " روى عن أبي إسحاق الهمداني وإبراهيم الصائغ. روى عنه أبو ثميلة وعبد الله ابن محمد بن الربيع العائذي الكرماني سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه؟ فقال: صالح، هو شيخ ". قلت: وهذه ترجمة هامة، وبالوقوف عليهما اطمأن القلب لثبوت الحديث، فاقتضى ذلك إيراده في هذه السلسلة، والحمد لله على توفيقه وفضله. 375 - " لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان ". أخرجه البخاري (6 / 416، 13 / 100) ومسلم (7 / 3) والطيالسي (رقم 1956) وأحمد (2 / 29، 93، 128) عن عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن عبد الله ابن عمر مرفوعا.

376

376 - " لا يزال هذا الأمر عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش ". أخرجه مسلم (6 / 3) واللفظ له وأبو داود (2 / 207) وأحمد (5 / 93، 98) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن جابر بن سمرة مرفوعا. وفي لفظ: " لا يزال هذا الأمر عزيزا منيعا ينصرون على من ناوأهم عليه إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ". أخرجه مسلم (6 / 3 - 4) وأحمد (5 / 101) وابنه في " زوائد المسند " (5 / 98) عن ابن عون عن الشعبي به. وله طريق أخرى بلفظ: (لا يزال هذا الأمر ماضيا حتى يقوم اثنا عشر أميرا كلهم من قريش) . أخرجه أحمد (5 / 97 - 98، 101) : حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك ابن عمير قال سمعت جابر بن سمرة يقول مرفوعا. وهذا إسناد صحيح على شرطهما. وقد أخرجه مسلم عنه بلفظ: " لا يزال أمر الناس ماضيا ".

وأخرجه أبو داود (2 / 207) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عن جابر بلفظ: " لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة، كلهم من قريش ". وهذا سند ضعيف رجاله كلهم ثقات غير أبي خالد هذا قال الذهبي: ما روى عنه سوى ولده وقد صحح له الترمذي وفي " التقريب " أنه مقبول. يعني لين الحديث قلت: وقد تفرد بهذه الجملة: " كلهم تجتمع عليه الأمة " وقد جاء الحديث من طرق أخرى أيضا بنحو ما سبق في مسلم والترمذي " والمسند " (5 / 107) وله شاهد من حديث ابن مسعود يرويه مجالد عن الشعبي عن مسروق قال: " كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال: نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل ".

377

أخرجه أحمد (1 / 398، 406) . ومجالد هو ابن سعيد قال في " التقريب ": " ليس بالقوي وقد تغير في آخر عمره ". قلت: والمعروف عن الشعبي أنه رواه عن جابر بن سمرة، رواه عنه ابن عون وابن أبي هند كما سبق قريبا، وكذلك رواه مجالد أيضا عند أحمد أيضا (5 / 88، 96) فأخشى أن تكون هذه الرواية من غلطاته. والله أعلم. ثم وجدت الحديث في المستدرك (4 / 501) وقال: " لا يسعني التسامح في هذا الكتاب عن الرواية عن مجالد وأقرانه ". كذا قال. 377 - " يا أيها الناس ابتاعوا أنفسكم من الله من مال الله، فإن بخل أحدكم أن يعطي ماله للناس فليبدأ بنفسه وليتصدق على نفسه فليأكل وليكتس مما رزقه الله عز وجل ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " وإسناده هكذا (ص 54) : حدثنا حماد بن الحسن الوراق حدثنا حبان بن هلال حدثنا سليم بن حيان حدثنا حميد بن هلال عن أبي قتادة مرفوعا. وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سليم بن حيان وهو ثقة كما في " التقريب ". وقد وجدت له شاهدا من حديث أنس أورده في " المنتخب " (2 / 519) وقال: " رواه البيهقي في الشعب والديلمي وابن النجار، قال ابن حجر في

الأطراف: نظيف الإسناد ولم أر من صححه ".

378

378 - " استقبل هذا الشعب حتى تكون في أعلاه، ولا نغرن من قبلك الليلة ". هو قطعة من حديث سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فأطنبوا السير حتى كانت عشية فحضرت الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فارس فقال: يا رسول الله إني انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا أنا بهوازن على بكرة آبائهم بظعنهم ونعمهم وشائهم اجتمعوا إلى حنين. فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى، ثم قال: من يحرسنا الليلة؟ قال أنس بن أبي مرثد الغنوي: أنا يا رسول الله، قال: فاركب. فركب فرسا له، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحديث، فلما أصبحنا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مصلاه فركع ركعتين ثم قال: هل أحسستم فارسكم؟ قالوا: يا رسول الله ما أحسسناه، فثوب بالصلاة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي يلتفت إلى الشعب حتى إذا قضى صلاته وسلم قال: أبشروا فقد جاءكم فارسكم فجعلنا ننظر إلى خلال الشجر في الشعب فإذا هو قد جاء حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم فقال: إني انطلقت حتى كنت في أعلى هذا الشعب حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت طلعت الشعبين كليهما فنظرت، فلم أر أحدا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل نزلت الليلة؟ قال: لا إلا مصليا أو قاضيا حاجة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أوجبت، فلا عليك ألا تعمل بعدها. أخرجه أبو داود (1 / 391 - 392) والحاكم (2 / 83 - 84) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي حدثنا معاوية بن سلام أخبرني زيد بن سلام حدثنا أبو كبشة السلولي أنه سمع سهل بن الحنظلية به. وقال الحاكم:

379

صحيح الإسناد ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. والحديث عزاه المنذري (2 / 156) وابن كثير في " البداية " (4 / 356) للنسائي أيضا، ولم ينسبه إليه النابلسي في " الذخائر "، ولم أجده في " سننه الصغرى " فالظاهر أنه في " سننه الكبرى ". 379 - " كلوا الزيت وادهنوا به، فإنه من شجرة مباركة ". وروي من حديث عمر، وأبي أسيد، وأبي هريرة، وعبد الله بن عباس. 1 - حديث عمر، له طريقان: الأولى: قال عبد الرزاق: عن معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه به. أخرجه الترمذي (1 / 340) وابن ماجه (3319) والحاكم (2 / 122) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (1 / 35) كلهم عن عبد الرزاق به. وقد أخرجه عبد الرزاق في " كتاب الجامع " (ج 1 رقم 149 - نسختي) بإسناده هذا إلا أنه قال: " عن أبيه أحسبه عن عمر ". وقال الترمذي عقبه: " لا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق عن معمر، وكان عبد الرزاق يضطرب في رواية هذا الحديث، فربما ذكر فيه: عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما رواه على الشك فقال: أحسبه عن عمر (الأصل: معمر) عن النبي صلى الله عليه وسلم، وربما قال: عن زيد بن أسلم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولم يذكر فيه: عن عمر ".

قلت: ونحوه في " العلل " لابن أبي حاتم (2 / 15 - 16) عن أبيه، وهو أدق في بيان مراحل اضطراب عبد الرزاق فيه، قال: " حدث مرة عن زيد بن أسلم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، هكذا رواه دهرا، ثم قال بعد: زيد بن أسلم عن أبيه أحسبه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يمت حتى جعله عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا شك ". قلت: وفيه إشعار بأن الصواب فيه مرسل، وهو ما صرح به ابن معين فيما روى عنه عباس الدوري في كتاب " التاريخ والعلل ليحيى بن معين " قال (23 / 2) : " سمعت يحيى بن معين يقول: حديث معمر عن زيد بن أسلم عن أبيه (عن عمر) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) : ليس هو بشيء، إنما هو عن زيد مرسلا ". وأما الحاكم فقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! ومن قبله المنذري في " الترغيب " (3 / 130) ! الطريق الأخرى: عن الصعب بن حكيم بن شريك بن نملة عن أبيه عن جده عنه به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 5 / 1) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، من دون عمر ثلاثتهم مجهولون. 2 - حديث أبي أسيد. يرويه سفيان عن عبد الله بن عيسى عن رجل يقال له عطاء من أهل الشام (وفي رواية: وليس بابن أبي رباح) عن أبي أسيد الأنصاري قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه البخاري في " الكنى " من " التاريخ الكبير " (ص 6) والترمذي والدارمي (2 / 102) والحاكم (2 / 397 - 398) وأحمد (3 / 497) وكذا النسائي في " مجلسين من الأمالي " (ق 58 / 2) والدولابي في " الكنى " (1 / 15) والعقيلي في " الضعفاء " (339) والخطيب في " الموضح " (2 / 94) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 190 / 2) من طرق عن سفيان به. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب من هذا الوجه، إنما نعرفه من حديث سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى ". قلت: وهما ثقتان محتج بهما في " الصحيحين "، وإنما علته من عطاء هذا، وكأنه خفي حاله على الترمذي، وإلا لأعله به كما فعله العقيلي، فقد روى عن البخاري أنه قال فيه: " لم يقم حديثه ". قال العقيلي: " وهو هذا، وقد روي بغير هذا الإسناد من وجه أيضا ضعيف ". وقال الذهبي في " الميزان "، وذكر له هذا الحديث: " لين البخاري حديثه، لا يدرى من هو ". ثم نسي الذهبي هذا، فإنه لما قال الحاكم عقب الحديث: " صحيح الإسناد "! وافقه عليه! 3 - حديث أبي هريرة. يرويه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: سمعت جدي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه به.

أخرجه ابن ماجه (3320) ، والحاكم شاهدا، وقال: " إسناد صحيح "! ورده الذهبي فقال: " قلت: عبد الله واه ". وقال البوصيري في " الزوائد " (200 / 1) : " هذا إسناد ضعيف لضعف عبد الله بن سعيد المقبري ". وأقول: بل هو متروك كما قال الحافظ في " التقريب "، فمثله لا يستشهد به. 4 - حديث ابن عباس. أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 43) بلفظ: " ائتدموا الشجرة، يعني الزيت، ومن عرض عليه طيب فليصب منه ". وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه النضر بن طاهر، وهو ضعيف ". قلت: والجملة الأولى منه قد جاءت في بعض الطرق لحديث عمر وأبي أسيد بلفظ: " ائتدموا بالزيت ". والجملة الأخرى وردت في حديث لأبي هريرة بسند صحيح على شرط مسلم، خرجته في " المشكاة " (3016) . وجملة القول أن الحديث بمجموع طريقي عمر وطريق أبي سعيد يرتقي إلى درجة الحسن لغيره على أقل الأحوال، والله أعلم. ويكفي في فضل الزيت قول الله تبارك وتعالى: (يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) . وللزيت فوائد هامة، ذكر بعضها العلامة ابن القيم في " زاد المعاد "، فمن شاء رجع إليه.

380

380 - " من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان ". أخرجه أبو داود (4681) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 16 / 2، 9 / 396 / 2) من طرق عن يحيى بن الحارث عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي القاسم بن عبد الرحمن وهو أبو عبد الرحمن الدمشقي كلام يسير، لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن، ولهذا قال الحافظ فيه " صدوق ". وللحديث شاهد، يرويه أبو مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ ابن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وزاد: " وأنكح لله ". رواه الترمذي (2 / 85) وأحمد (3 / 440) . وقال الترمذي: " هذا حديث حسن ". قلت: وإسناده حسن أيضا. وقد تابعه زبان بن فائد عن سهل بن معاذ به. أخرجه أحمد (3 / 338) . فالحديث بمجموع الطريقين صحيح، فلا تغتر بكلام المناوي عليه، فإنه لا تحقيق فيه، وحسبه خطأ أنه أوهم أنه ليس للحديث سوى طريق واحد ضعيف! وقد رواه ابن أبي شيبة في " كتاب الإيمان " (رقم 133 بتحقيقي) بإسناد حسن عن كعب بن مالك موقوفا. وما سبق يدل على أن أصله مرفوع.

381

وقد روي مرفوعا أيضا من طريق مسلمة بن علي أنبأنا يحيى بن الحارث عن نمير ابن أوس عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. أخرجه ابن عساكر (17 / 322 / 2) . وهذا إسناد لا تقوم به حجة، بل لا يستشهد به لأن مسلمة بن علي وهو الخشني متروك، وقد خالف الجماعة الذين سبقت الإشارة إليهم أنهم رووه عن يحيى ابن الحارث عن القاسم عن أبي أمامة. وفي روايتهم هذه كفاية وغنية عن رواية ابن مسلمة. 381 - " نهى عن المتعة، وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة، ومن كان أعطى شيئا فلا يأخذه ". أخرجه مسلم (4 / 134) من طريق معقل عن ابن أبي عبلة عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، ليس فيهم من ينبغي النظر فيه سوى معقل هذا وهو ابن عبيد الله الجزري. قال الذهبي فيه: " صدوق ضعفه ابن معين ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". قلت: فمثله يكون حديثه في مرتبة الحسن لذاته، أو لغيره على الأقل، ولم يتفرد بهذا الحديث، فقد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن الربيع بن سبرة،

لكن ليس فيها ذكر تأييد التحريم إلى يوم القيامة، إلا في هذه وفي طريق أخرى سأذكرها إن شاء الله، ومن أجل هذه الزيادة أوردت الحديث في هذه " السلسلة " وإلا فأحاديث النهي عن المتعة أشهر من أن تخرج هنا، وإن أنكرتها طائفة من الناس، اتباعا لأهوائهم، ولا ينفع البحث معهم إلا بعد وضع منهج علمي لنقد أحاديث الفريقين على ضوئه، وهيهات هيهات. والطريق التي أشرت إليها يرويها عبد العزيز بن عمر (بن عبد العزيز) : حدثني الربيع بن سبرة به بلفظ: " أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ". أخرجه مسلم (4 / 132) والدارمي (2 / 140) وابن ماجه (1962) والطحاوي (2 / 14) وابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 44 / 1) وابن الجارود (699) والبيهقي (7 / 203) وأحمد (3 / 404 - 405، 405 - 406) . وفي عبد العزيز هذا كلام يسير نحو الكلام في معقل، فأحدهما يقوى حديث الآخر. لاسيما وقد وجدت له شاهدا من حديث جابر، يرويه صدقة بن عبد الله عن إسماعيل بن أمية عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: " خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هن حرام إلى يوم القيامة، فودعننا عند ذلك، فسميت بذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل ذلك إلا ثنية الركاب ".

382

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 174 / 2) ، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 264 - 265) : " وفيه صدقة بن عبد الله، وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه أحمد وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح ". وجملة القول: أن الحديث بمجموع طرقيه وهذا الشاهد صحيح بلا ريب، والله تعالى هو الموفق. (تنبيه) جاء في كثير من طرق هذا الحديث أن التحريم كان يوم الفتح وهو الصواب وجاء في بعضها أنه كان في حجة الوداع وهو شاذ كما حققته في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " رقم (1959، 1960) . 382 - " إن مطعم ابن آدم قد ضرب للدنيا مثلا، فانظر ما يخرج من ابن آدم وإن قزحه وملحه، قد علم إلى ما يصير ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2489) والطبراني في " الكبير " (1 / 27 / 2) والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق 47 / 1) وعبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (5 / 136) عن أبي حذيفة موسى بن مسعود حدثنا سفيان عن يونس بن عبيد عن الحسن عن عتي عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه ابن أبي الدنيا في " الجوع " (8 / 2 - 9) من طرق أخرى عن يونس به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري غير عتي - مصغرا وهو ابن ضمرة السعدي وهو ثقة، لكن فيه علتان: الأولى: أن الحسن وهو البصري مدلس، وقد عنعنه.

والأخرى: أن موسى بن مسعود مع كونه أحد شيوخ البخاري في صحيحه، ففيه ضعف من قبل حفظه. قال الذهبي في " الميزان ": " صدوق إن شاء الله، يهم، تكلم فيه أحمد، وضعفه الترمذي. وقال ابن خزيمة: لا يحتج به ... ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، سيىء الحفظ، وكان يصحف ". وقد تابعه إسماعيل بن علية وغيره عند ابن أبي الدنيا، فأمنا بذلك سوء حفظه. لكن للحديث شاهد، يرويه علي بن زيد عن الحسن عن الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا ضحاك ما طعامك؟ قال: يا رسول الله اللحم واللبن، قال: ثم يصير إلى ماذا؟ قال: إلى ما قد علمت، قال: فإن الله تبارك وتعالى ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلا للدنيا ". أخرجه أحمد (3 / 452) وابن أبي الدنيا عن حماد بن زيد عن علي بن زيد. وقال المنذري (4 / 102) : " رواه أحمد ورواته رواة الصحيح إلا علي بن زيد بن جدعان ". قلت: وهو ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب ". قلت: وقال ابن خزيمة: " لا أحتج به لسوء حفظه ". قلت: ومن سوء حفظه أنه كان يقلب الأحاديث، فقد قال حماد بن زيد: أنبأنا علي بن زيد، وكان يقلب الأحاديث. قلت: ووصفه غيره بأنه كان اختلط. ولذلك فإني أخشى أن يكون هذا من

تخاليطه، وقد رواه عن الحسن البصري، فتدل روايته هذه عنه ورواية يونس ابن عبيد عنه على أن للحديث أصلا عن الحسن البصري، ولكن هل هو من روايته عن عتي عن أبي، أم من روايته عن الضحاك؟ لا نستطيع ترجيح إحداهما على الأخرى لأن في الأولى ابن جدعان، وفي الأخرى موسى بن مسعود، وكلاهما ضعيف، وإن كان ابن مسعود أحسن حالا من ابن جدعان، فيحتمل أن تكون روايته أرجح، وقد تأكدت من ذلك حين وقفت على من تابعه كما سبقت الإشارة إليه. ثم إن الحسن قد عنعن الحديث في كل من الروايتين عنه، فيحتمل أن يكون شيخه فيهما واحدا، فتعود الروايتان حينئذ إلى أنهم من طريق واحدة، وعلى هذا لم ينشرح القلب، ولم تطمئن النفس للاعتداد بهذا الشاهد، لأن مرجعه ومرجع المشهود له إلى طريق واحد، فلا يتقوى الحديث به، لأنه من باب تقوية الضعيف بنفسه! نعم للحديث شاهد آخر عن سلمان قال: " جاء قوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألكم طعام؟ قالوا: نعم، قال: فلكم شراب؟ قالوا: نعم، قال: فتصفونه؟ قالوا: نعم، قال: وتبرزونه؟ قالوا: نعم، قال: فإن معادهما كمعاد الدنيا، يقوم أحدكم إلى خلف بيته فيمسك على أنفه من نتنه ". قال الهيثمي (10 / 288) : " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ". قلت: فإذا كان إسناده من طريق أخرى غير طريق الحسن البصري كما آمل، فهو يصلح شاهدا للحديث، ويتقوى به. والله أعلم. وقد أخرجه ابن أبي الدنيا من طريق سفيان عن عاصم عن أبي عثمان قال: جاء رجل ... الحديث نحو رواية سلمان.

383

وهو شاهد قوي للحديث. والله أعلم. (قزحه) بتشديد الزاي هو من القزح وهو التوابل، يقال: قزحت القدر إذا طرحت فيها الأبزار. (ملحه) بتخفيف اللام. أي ألقى فيه الملح بقدر للإصلاح. يقال منه: ملحت القدر بالتخفيف، وأملحتها وملحتها إذا أكثرت ملحها حتى تفسد. 383 - " من السنة في الصلاة أن تضع أليتيك على عقبيك بين السجدتين ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 106 / 1) : حدثنا أحمد بن النضر العسكري حدثني عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي أنبأنا سفيان بن عيينة عن عبد الكريم عن طاووس عن ابن عباس رضي الله عنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان عبد الكريم هذا هو ابن مالك الجزري الحراني وأما إن كان هو ابن أبي المخارق المعلم البصري فهو ضعيف، وليس بين يدي ما يرجح أحد الاحتمالين على الآخر، فإن كلا منهما روى عن طاووس، وروى عن كل منهما ابن عيينة. بيد أن الحديث صحيح على كل حال، فقد رواه ابن عيينة أيضا عن إبراهيم ابن ميسرة عن طاووس به نحوه.

أخرجه الطبراني: حدثنا إسحاق عن عبد الرزاق عن ابن عيينة. قلت: وهذا إسناد جيد. وأخرج (3 / 105 / 2) بهذا الإسناد عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع طاووسا يقول: " قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين؟ قال: هي السنة، فقلت: إنا لنراه جفاء بالرجل! قال: هي سنة نبيك ". وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " والبيهقي (2 / 119) من طريق أخرى عن ابن جريج به. وهذا سند صحيح، صرح فيه كل من ابن جريج وأبي الزبير بالتحديث. وله طريق أخرى عن ابن عباس يرويه ابن إسحاق قال: حدثني عن انتصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه وصدور قدميه بين السجدتين إذا صلى - عبد الله ابن أبي نجيح المكي عن مجاهد بن جبر أبي الحجاج قال: سمعت عبد الله بن عباس يذكره قال: فقلت له: يا أبا العباس! والله إن كنا لنعد هذا جفاء ممن صنعه! قال: فقال: إنها سنة ". أخرجه البيهقي. قلت: وإسناده حسن صرح فيه ابن إسحاق أيضا بالتحديث. ثم روى بإسناد آخر صحيح عن أبي زهير معاوية بن حديج قال: " رأيت طاووسا يقعي، فقلت: رأيتك تقعي! قال: ما رأيتني أقعي؟ ! ولكنها الصلاة، رأيت العبادلة الثلاثة يفعلون ذلك عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير، يفعلونه. قال أبو زهير: وقد رأيته يقعي ". قلت: ففي الحديث وهذه الآثار دليل على شرعية الإقعاء المذكور، وأنه سنة يتعبد بها وليست للعذر كما زعم بعض المتعصبة، وكيف يكون كذلك وهؤلاء

384

العبادلة اتفقوا على الإتيان به في صلاتهم، وتبعهم طاووس التابعي الفقيه الجليل وقال الإمام أحمد في " مسائل المروزي " (19) : " وأهل مكة يفعلون ذلك ". فكفى بهم سلفا لمن أراد أن يعمل بهذه السنة ويحييها. ولا منافاة بينها، وبين السنة الأخرى، وهي الافتراش، بل كل سنة، فيفعل تارة هذه، وتارة هذه، اقتداء به صلى الله عليه وسلم، وحتى لا يضيع عليه شيء من هديه عليه الصلاة والسلام. 384 - " من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة ومن شرب الخمر في الدنيا لم يشربه في الآخرة ومن شرب في آنية الذهب والفضة في الدنيا لم يشرب بها في الآخرة ثم قال: لباس أهل الجنة وشراب أهل الجنة وآنية أهل الجنة ". أخرجه الحاكم (4 / 141) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 / 202 / 2) من طريق يحيى بن حمزة حدثني زيد بن واقد أن خالد بن عبد الله بن حسين حدثه قال: حدثني أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري غير خالد بن عبد الله بن حسين وهو الأموي الدمشقي مولى عثمان بن عفان. قال ابن حبان في " الثقات " (1 / 37) : " عداده في أهل الشام، يروي عن أبي هريرة. روى عنه زيد بن واقد، وإسماعيل

بن عبيد الله بن أبي المهاجر ". قلت: وزاد ابن أبي حاتم (1 / 2 / 339) في الرواة عنه: " محمد بن عبد الله الشعيثي " وكذا في " التهذيب ". وقال: " قال البخاري: سمع أبا هريرة. وقال إسحاق بن سيار النصيبي: أظنه لم يسمع من أبي هريرة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: وقال الآجري عن أبي داود: كان أعقل أهل زمانه ". قلت: وهذا الإسناد يشهد لقول البخاري أنه سمع أبا هريرة، ويجعل ظن النصيبي وهما. واعلم أن الأحاديث في تحريم لبس الحرير، وشرب الخمر، والشرب في أواني الذهب والفضة، هي أكثر من أن تحصر، وإنما أحببت أن أخص هذا بالذكر لأنه جمع الكلام على هذه الأمور الثلاثة، وساقها مساقا واحدا، ثم ختمها بقوله " لباس أهل الجنة ... "، الذي يظهر أنه خرج مخرج التعليل، يعني أن الله تعالى حرم لباس الحرير (على الرجال خاصة) لأنه لباسهم في الجنة كما قال تعالى: (ولباسهم فيها حرير) ، وحرم الخمر على الرجال والنساء لأنه شرابهم في الجنة (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين) ، وحرم الشرب في آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء أيضا لأنها آنيتهم (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون. يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب) . فمن استعجل التمتع بذلك غير مبال

ولا تائب عوقب بحرمانها منها في الآخرة جزاء وفاقا. وما أحسن ما روى الحاكم (2 / 455) عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال: " استأذن سعد على ابن عامر، وتحته مرافق من حرير، فأمر بها فرفعت، فدخل عليه، وعليه مطرف خز، فقال له: اسأذنت علي وتحتي مرافق من حرير، فأمرت بها فرفعت، فقال له: نعم الرجل أنت يا ابن عامر إن لم تكن ممن قال الله عز وجل (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) ، والله لأن اضطجع على جمر الغضا أحب إلي من أن أضطجع عليها ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقره المنذري!! وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، لأن صفوان بن عبد الله، لم يخرج له البخاري في " الصحيح "، وإنما روى له في " الأدب المفرد ". واعلم أن الحرير المحرم إنما هو الحرير الحيواني المعروف في بلاد الشام بالحرير البلدي وأما الحرير النباتي المصنوع من ألياف بعض النباتات، فليس من التحريم في شيء. وأما الخمر فهي محرمة بجميع أنواعها وأجناسها، ما اتخذ من العنب أو الذرة أو التمر أو غير ذلك، فكله حرام، لا فرق في شيء منه بين قليله وكثيره، لأن العلة الخمرية (السكر) وليس المادة التي يحصل بها (السكر) كما قال صلى الله عليه وسلم: " كل مسكر خمر، وكل خمر حرام ". رواه مسلم. وقال: " ما أسكر كثيره فقليله حرام ".

385

ولا تغتر بما جاء في بعض الكتب الفقهية عن بعض الأئمة من إباحة جنس منها بتفاصيل تذكر فيها، فإنما هي زلة من عالم، كان الأحرى أن تدفن ولا تذكر لولا العصبية الحمقاء. 385 - " نهى عن النفخ في الشراب، فقال له رجل: يا رسول الله إني لا أروى من نفسي واحد، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأبن القدح عن فيك، ثم تنفس قال: فإني أرى القذاة فيه، قال: فأهرقها ". أخرجه مالك (2 / 925 / 12) وعنه الترمذي (1 / 345) وابن حبان في " صحيحه " (1367) والحاكم (4 / 139) وأحمد (3 / 32) كلهم عن مالك عن أيوب بن حبيب مولى سعد بن أبي وقاص عن أبي المثنى الجهني قال: " كنت عند مروان بن الحكم، فدخل عليه أبو سعيد الخدري، فقال له مروان بن الحكم أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن النفخ في الشرب؟ فقال له أبو سعيد: نعم، فقال له رجل: يا رسول الله ... " الحديث. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وتابعه فليح عن أيوب بن حبيب به. أخرجه أحمد (3 / 68 - 69) .

قلت: ورجاله ثقات غير أبي المثنى الجهني، وقد أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 172) ، وقال ابن معين: " ثقة ". وأما ابن المديني فقال: " مجهول ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". والحديث أورده السيوطي مفرقا في موضعين من " الجامع الصغير " فأورد طرفه الأول معزوا للترمذي وحده! وأورد طرفه الآخر بلفظ: " ابن القدح عن فيك، ثم تنفس ". وقال: " رواه سمويه في " فوائده " والبيهقي في الشعب ". فشنع عليه المناوي في عدم عزوه لمالك والترمذي، وفي رمزه له بالحسن. وقال: " إنه يوهم أنه غير صحيح، وهو غير صحيح، بل صحيح، كيف وهو من أحاديث " الموطأ " الذي ليس بعد " الصحيحين " شيء أصح منه، وقال الترمذي: حسن صحيح، وأقره عليه النووي وغيره من الحفاظ ". وأقول: الأقرب إلى القواعد أنه حسن لما عرفت من حال أبي المثنى. فوائد الحديث 1 - النهي عن النفخ في الشراب، قال الحافظ في " الفتح " (10 / 80) : " وجاء في النهي عن النفخ في الإناء عدة أحاديث، وكذا النهي عن التنفس في الإناء، لأنه ربما حصل له تغير من النفس إما لكون المتنفس كان متغير الفم بمأكول

386

مثلا، أو لبعد عهده بالسواك والمضمضة، أو لأن النفس يصعد ببخار المعدة، والنفخ في هذه الأحوال كلها أشد من التنفس ". 2 - جواز الشرب بنفس واحد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الرجل حين قال: " إني لا أروى من نفس واحد "، فلو كان الشرب بنفس واحد لا يجوز، لبينه صلى الله عليه وسلم له، ولقال له مثلا: " وهل يجوز الشرب من نفس واحد ؟ ! ". وكان هذا أولى من القول له: " فأبن القدح ... "، لو لم يكن ذلك جائزا، فدل قوله هذا على جواز الشرب بنفس واحد، وأنه إذا أراد أن يتنفس تنفس خارج الإناء وهذا ما صرح به حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء، فإذا أراد أن يعود، فلينح الإناء، ثم ليعد، إن كان يريد ". 386 - " إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء فإذا أراد أن يعود فلينح الإناء ثم ليعد إن كان يريد ". أخرجه ابن ماجه (3427) والحاكم (4 / 139) من طريق الحارث بن أبي ذباب عن عمه عنه. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وسكت عنه الحافظ في " الفتح " (10 / 81) وإسناده حسن عندي، فإن الحارث هذا هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب، ليس به بأس كما قال أبو زرعة. وعمه ذكره ابن منده في الصحابة وسماه عياضا كما قال الحافظ في " التهذيب ". وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 206 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وعم الحارث اسمه عبد الله بن عبد الرحمن ابن الحارث ".

387

وقال الحافظ في " الفتح ": " واستدل به لمالك على جواز الشرب بنفس واحد، وأخرج ابن أبي شيبة الجواز عن سعيد بن المسيب وطائفة، وقال عمر بن عبد العزيز: " إنما نهي عن التنفس داخل الإناء، فأما من لم يتنفس، فإن شاء فليشرب بنفس واحد ". قلت: وهو تفصيل حسن، وقد ورد الأمر بالشرب بنفس واحد من حديث أبي قتادة مرفوعا. أخرجه الحاكم، وهو محمول على التفصيل المذكور ". قلت: لم أر الحديث المشار إليه عند الحاكم من حديث أبي قتادة، وإنما هو عنده من حديث أبي هريرة، وهو الذي سقت لفظه آنفا من رواية ابن ماجه، ولفظه عند الحاكم: " لا يتنفس أحدكم في الإناء إذا كان يشرب منه، ولكن إذا أراد أن يتنفس فليؤخره عنه ثم يتنفس ". فأنا أظن أنه هو الذي أراده الحافظ، لكنه وهم في عزوه لحديث أبي قتادة. والله أعلم. ثم إن ما تقدم من جواز الشرب بنفس واحد، لا ينافي أن السنة أن يشرب بثلاثة أنفاس، فكلاهما جائز لكن الثاني أفضل لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كان إذا شرب تنفس ثلاثا، وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ ". 387 - " كان إذا شرب تنفس ثلاثا، وقال: هو أهنأ وأمرأ وأبرأ ". أخرجه مسلم وأبو داود (3727) والنسائي في " الكبرى " (ق 65 / 2) والترمذي (1 / 344) وحسنه، وأحمد (3 / 118 - 119، 185، 211، 251) عن عبد الوارث بن سعيد أبي عصام عنه.

388

وتابعه ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس به، دون قوله: " وقال: هو أهنأ ... ". أخرجه مسلم والنسائي والترمذي وأحمد (3 / 114، 128، 185) . وفي رواية للنسائي من الطريق الأولى بلفظ: " إذا شرب أحدكم فليتنفس ثلاث مرات فإنه أهنأ وأمرأ ". وإسناده هكذا: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع قال: حدثني هشام بن أبي عبد الله به. قلت: وهذا سند صحيح، وكل من هشام وعبد الوارث بن سعيد ثقة ثبت، وقد اختلفا في لفظه على أبي عصام، فرواه أحدهما من فعله صلى الله عليه وسلم، والآخر من قوله. ويرجح الأول الطريق الثانية عن أنس فإنها من فعله أيضا. (تنبيه) عزى السيوطي في " الجامع الصغير " الحديث لـ (ق، 4) ولم أره في البخاري وابن ماجه. والله أعلم. 388 - " نهى عن الشرب من ثلمة القدح، وأن ينفخ في الشراب ". أخرجه أبو داود (3722) وابن حبان (1366) وأحمد (3 / 80) وكذا ابنه عبد الله من طريق قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي سعيد الخدري أنه قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم رجال مسلم لولا ما في قرة بن عبد الرحمن من الكلام. وقال الحافظ:

389

" اسمه يحيى، صدوق، وله مناكير ". قلت: لكن لحديثه شواهد تدل على صحته، وأنه قد حفظه. أما الشطر الثاني منه، فله شواهد كثيرة تقدم ذكر أحدها في الحديث الذي قبله. وأما الشطر الأول، فيشهد له حديث أبي هريرة قال: " نهى أن يشرب من كسر القدح ". قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 78) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات رجال الصحيح ". وحديث سهل بن سعد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينفخ في الشراب وأن يشرب من ثلمة القدح ". " رواه الطبراني، وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل وهو ضعيف ". وعن ابن عباس وابن عمر قالا: " يكره أن يشرب من ثلمة القدح، وأذن القدح ". " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". 389 - " إياكم ومحقرات الذنوب كقوم نزلوا في بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه ". أخرجه أحمد (5 / 331) حدثنا أنس بن عياض حدثني أبو حازم لا أعلمه إلا عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

390

ومن هذا الوجه أخرجه الروياني أيضا في " مسنده " (29 / 197 - 198) والبيهقي في " الشعب " (2 / 384 / 1 مصورة المكتب الإسلامي) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو عند أحمد ثلاثي. وقال الهيثمي (10 / 190) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الثلاثة من طريقين، ورجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الوهاب بن عبد الحكم وهو ثقة ". 390 - " كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ، وإذا أراد أن يأكل غسل يديه ". أخرجه النسائي (1 / 50) : أخبرنا محمد بن عبيد بن محمد قال: حدثنا عبد الله بن المبارك عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عبيد وهو أبو جعفر أو أبو يعلى النحاس الكوفي وهو صدوق. وتابعه سويد بن نصر قال أنبأنا عبد الله عن يونس به. أخرجه النسائي وفي " الكبرى " أيضا (ق 65 / 2) .

391

وسويد بن نصر ثقة. وتابعه علي بن إسحاق قال: أنبأنا عبد الله به. وتابعه محمد بن بكر قال: أنبأنا يونس به. أخرجه أحمد (6 / 118 - 119، 119) فالحديث صحيح على شرطهما، وقد صححه ابن حبان (231) . قلت: وهذا حديث عزيز جيد، فيه سنية غسل اليدين قبل الطعام فهو يغني عن الحديث المشهور في الباب بلفظ: " بركة الطعام الوضوء قبله وبعده ". وقد تكلمنا عليه في " الأحاديث الضعيفة " (رقم 168) . 391 - " إذا أكل أحدكم الطعام فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها ولا يرفع صحفة حتى يلعقها أو يلعقها، فإن آخر الطعام فيه بركة ". أخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (ق 60 / 1 - الوليمة) : أخبرنا يوسف بن سعيد قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير قال: سمعت جابر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يوسف بن سعيد وهو ابن مسلم المصيصي وهو ثقة حافظ.

392

وقد أخرجه مسلم من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر، هكذا معنعنا، وأبو الزبير مدلس معروف بذلك، ولا يحتج بحديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث، وقد صرح به في رواية ابن جريج هذه، وهي فائدة هامة ولذلك أخرجتها هنا. على أن لأبي الزبير متابعا ولحديثه شاهدا، أخرجت ذلك كله في " إرواء الغليل " رقم (2030) فلا ضرورة لإعادة ذلك هنا. وفي الحديث أدب جميل من آداب الطعام الواجبة، ألا وهو لعق الأصابع ومسح الصحفة بها. وقد أخل بذلك أكثر المسلمين اليوم متأثرين في ذلك بعادات أوربا الكافرة، وآدابها القائمة على الاعتداد بالمادة، وعدم الاعتراف بخالقها والشكر له على نعمه. فليحذر المسلم من أن يقلدهم في ذلك فيكون منهم لقوله صلى الله عليه وسلم: " ... ومن تشبه بقوم فهو منهم ". وإنما قلت: " ... الواجبة " لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ونهيه عن الإخلال به. فكن مؤمنا يأتمر بأمره صلى الله عليه وسلم، وينتهي عما نهى عنه، ولا تبال بالمستهزئين الذين يصدون عن سبيل الله من حيث يشعرون أو لا يشعرون. 392 - " إنه أعظم للبركة. يعني الطعام الذي ذهب فوره ". أخرجه الدارمي (2 / 100) وابن حبان (1344) والحاكم (4 / 118) وابن أبي الدنيا في " الجوع " (14 / 2) والبيهقي (7 / 280) عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر. أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره ثم تقول: إنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي!

قلت: وذلك من أوهامهما فإن قرة بن عبد الرحمن لم يحتج به مسلم، وإنما أخرج له في الشواهد كما صرح بذلك الذهبي نفسه في " الميزان "، ثم هو في نفسه ضعيف من قبل حفظه، وقد مضى ذكر شيء من حاله في أول الكتاب. نعم إنه لم يتفرد به، فقد تابعه عقيل بن خالد عن ابن شهاب به. أخرجه أحمد (6 / 350) : حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن عقيل، وحدثنا عتاب قال: حدثنا عبد الله، قال: أنبأنا ابن لهيعة، قال: حدثني عقيل ابن خالد عن ابن شهاب به. قلت: وهذا إسناد صحيح من طريق عبد الله وهو ابن المبارك، فإن ابن لهيعة وإن كان معروفا بسوء الحفظ، لكن المحققين من العلماء على أن حديثه صحيح إذا كان من رواية العبادلة عنه منهم عبد الله بن المبارك. وقد رواه عنه كما ترى. وعتاب هو ابن زياد المروزي، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 13) عن أبيه: " ثقة ". ولم يورده الحافظ في " التعجيل " مع أنه على شرطه! وقد صح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: " لا يؤكل طعام حتى يذهب بخاره ". أخرجه البيهقي بإسناد صحيح كما بينته في " الإرواء " (2038) . وأخرج الحاكم من طريق محمد بن عبيد الله بن العرزمي عن عطاء عن جابر مرفوعا بلفظ: " أبردوا الطعام الحار، فإن الطعام الحار غير ذي بركة ". والعرزمي هذا متروك شديد الضعف، لكن ذكر له السيوطي في " الجامع " شواهد عدة في بعضها نظر، منها حديث

393

أسماء هذا، ولا يخفى على اللبيب أن قوله فيه " أعظم للبركة " لا يساوي قوله " غير ذي بركة " فإن الأول يدل بمفهومه أنه دونه في البركة، فهذا شيء، وقوله " غير ذي بركة " فليحقق النظر في الشواهد الأخرى من حيث إسنادها ومن جهة شهادتها، فإن من تلك الشواهد ما عزاه لـ " الحلية " من حديث أنس. ولم أره فيه بهذا اللفظ. ثم رأيت المناوي ذكر أنه يعني حديث أنس قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة تفور، فرفع يده منها وقال: إن الله لم يطعمنا نارا، ثم ذكره. ولم يتكلم عن إسناده بشيء ولا رأيته في " البغية في ترتيب أحاديث الحلية ". 393 - " كلوا من جوانبها، ودعوا ذروتها يبارك لكم فيها، ثم قال: خذوا فكلوا، فوالذي نفس محمد بيده ليفتحن عليكم أرض فارس والروم، حتى يكثر الطعام فلا يذكر اسم الله عليه ". صحيح، رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (98 / 1) وعنه ابن عساكر (8 / 532 / 2) والبيهقي (7 / 283) والضياء في " المختارة " (112 / 1) عن عمرو بن عثمان حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق حدثنا عبد الله بن بسر قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة والطعام يومئذ قليل، فقال لأهله: اطبخوا هذه الشاة وانظروا إلى هذا الدقيق فاخبزوه واطبخوا واثردوا عليه، قال: وكان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها الغراء يحملها أربعة رجال، فلما أصبح وسبحوا الضحى أتى بتلك القصعة والتقوا عليها، فإذا كثر الناس جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعرابي ما هذه الجلسة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه أبو داود (3773) وابن ماجه مفرقا في موضعين (3263، 3275) دون قوله: " ثم قال ... ".

394

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وعثمان هو ابن سعيد بن كثير الحمصي. والحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم فقد فتح سلفنا أرض فارس والروم وورثنا ذلك منهم، وطغى الكثيرون منا فأعرضوا عن الشريعة وآدابها التي منها ابتداء الطعام بـ " بسم الله " فنسوا هذا حتى لا تكاد تجد فيهم ذاكرا! 394 - " يا عثمان إني لم أومر بالرهبانية أرغبت عن سنتي؟! قال: لا يا رسول الله قال: إن من سنتي أن أصلي وأنام وأصوم وأطعم وأنكح وأطلق، فمن رغب عن سنتي فليس مني، يا عثمان إن لأهلك عليك حقا ولنفسك عليك حقا ". أخرجه الدارمي (2 / 132) : حدثنا محمد بن يزيد الحزامي حدثنا يونس بن بكير: حدثني ابن إسحاق: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد ابن أبي وقاص قال: " لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء، بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ... (فذكره) . قال سعد: فو الله لقد كان أجمع رجال من المسلمين على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هو أقر عثمان على ما هو عليه أن نختصي، فنتبتل ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير ابن إسحاق، وهو ثقة مدلس، ولكنه صرح بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه. وله فيه إسناد آخر عن عائشة رضي الله عنها نحوه، وتوبع عليه كما بينته في " إرواء الغليل " (2075) .

395

395 - " لا تصوم المرأة يوما تطوعا في غير رمضان وزوجها شاهد إلا بإذنه ". أخرجه الدارمي في " سننه " (2 / 12) : أخبرنا محمد بن أحمد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، جميع رواته ثقات من رجاله. والحديث أخرجه الشيخان من طرق عن سفيان دون قوله: " يوما تطوعا في غير رمضان ". وهي زيادة صحيحة ثابتة، ومن أجلها خرجت الحديث هنا، وقد جاءت من طريقين آخرين عن أبي هريرة نحوه. وإسناد أحدهما صحيح، والآخر حسن، وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أتم منه وفيه بيان سبب وروده، مع فوائد أخرى ينبغي الاطلاع عليها، وهذا نصه، قال رضي الله عنه: " جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت؟ فقال: يا رسول الله أما قولها: " يضربني إذا صليت "، فإنها تقرأ بسورتين، (فتعطلني) وقد نهيتها (عنهما) ، قال: فقال: لو كانت سورة واحدة لكفت الناس. وأما قولها " يفطرني "، فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب، فلا أصبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها ". وأما قولها " إنى لا أصلي حتى تطلع الشمس " فإنا أهل بيت قد عرف لنا

396

ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصل ". أخرجه أبو داود والسياق له وابن حبان والحاكم وأحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد خرجته مع طرق حديث أبي هريرة في " الإرواء " (2063) . 396 - " كان في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس، فقال: إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم، فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ، ومن نسي صلاة فليصل إذا ذكر ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (58 / 1) عن عبد الجبار بن العباس الهمداني عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الجبار هذا وهو صدوق يتشيع كما قال الحافظ في " التقريب ". قلت: والتشيع لا يضر في الرواية عند المحدثين، لأن العبرة في الراوي إنما هو كونه مسلما عدلا ضابطا، أما التمذهب بمذهب مخالف لأهل السنة، فلا يعد عندهم جارحا ما لم ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة، كما بينه الحافظ ابن حجر في " شرح النخبة ". لاسيما وهذا الحديث قد جاء معناه في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أنس وغيره من الصحابة، وفي حديثه زيادة: " لا كفارة لها إلا ذلك ". فقه الحديث: وفي الحديث دلالة على أن النائم عن الصلاة أو الناسي لها لا تسقط عنه

الصلاة، وأنه يجب عليه أن يبادر إلى أدائها فور الاستيقاظ أو التذكر لها. ودلت زيادة أنس رضي الله عنه، على أن ذلك هو الكفارة، وأنه إن لم يفعل فلا يكفره شيء من الأعمال، اللهم إلا التوبة النصوح. وفي ذلك كله دليل على أن الصلاة التي تعمد صاحبها إخراجها عن وقتها، فلا يكفرها أن يصليها بعد وقتها، لأنه لا عذر له، والله عز وجل يقول: (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) ، وليس هو كالذى نام عنها أو نسيها، فهذا معذور بنص الحديث، ولذلك جعل له كفارة أن يصليها إذا تذكرها. ألست ترى أن هذا المعذور نفسه إذا لم يبادر إلى الصلاة حين التذكر فلا كفارة له بعد ذلك، لأنه أضاع الوقت الذي شرع الله له أن يتدارك فيه الصلاة الفائتة. فإذا كان هذا هو شأن المعذور أنه لا قضاء له بعد فوات الوقت المشروع له، فمن باب أولى أن يكون المتعمد الذي لم يصل الصلاة في وقتها وهو متذكر لها مكلف بها أن لا يكون له كفارة. وهذا فقه ظاهر لمن تأمله متجردا عن التأثر بالتقليد ورأي الجمهور. ومما سبق يتبين خطأ بعض المتأخرين الذي قاسوا المتعمد على الناسي فقالوا: " إذا وجب القضاء على النائم والناسي مع عدم تفريطهما فوجوبه على العامد المفرط أولى "! مع أن هذا القياس ساقط الاعتبار من أصله، لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه، فإن العامد المتذكر ضد الناسي والنائم. على أن القول بوجوب القضاء على المتعمد ينافي حكمة التوقيت للصلاة الذي هو شرط من شروط صحة الصلاة، فإذا أخل بالشرط بطل المشروط بداهة،

وقول شيخ الشمال في نشرة له في هذه المسألة " أن المصلي وجب عليه أمران: الصلاة، وإيقاعها في وقتها، فإذا ترك أحد الأمرين بقي الآخر ". فهذا مما يدل على جهل بالغ في الشرع، فإن الوقت للصلاة ليس فرضا فحسب، بل وشرط أيضا، ألا ترى أنه لو صلى قبل الوقت لم تقبل صلاته باتفاق العلماء. لكن كلام الشيخ المسكين يدل على أنه قد خرق اتفاقهم بقوله المتقدم، فإنه صريح أنه لو صلى قبل الوقت فإنه أدى واجبا، وضيع آخر! وهكذا يصدق عليه المثل السائر (من حفر بئرا لأخيه وقع فيه) ! فإنه يدندن دائما حول اتهام أنصار السنة بخرقهم الإجماع أو اتفاق العلماء، فها هو قد خالفهم بقوله المذكور الهزيل، هدانا الله وإياه سواء السبيل. وبعد فهذه كلمة وجيزة حول هذه المسألة المهمة بمناسبة هذا الحديث الشريف، ومن شاء تفصيل الكلام فيها فليرجع إلى كتاب الصلاة لابن القيم رحمه الله تعالى فإنه أشبع القول عليها مع التحقيق الدقيق بما لا تجده في كتاب. واعلم أنه ليس معنى قول أهل العلم المحققين ومنهم العز ابن عبد السلام الشافعي أنه لا يشرع القضاء على التارك للصلاة عمدا، أنه من باب التهوين لشأن ترك الصلاة حاشا لله، بل هو على النقيض من ذلك، فإنهم يقولون: إن من خطورة الصلاة وأدائها في وقتها أنه لا يمكن أن يتداركها بعد وقتها إلى الأبد، فلا يكفر ذنب إخراج الصلاة عن وقتها إلا ما يكفر أكبر الذنوب، ألا وهو التوبة النصوح. ولذلك فهم ينصحون من ابتلي بترك الصلاة أن يتوب إلى الله فورا، وأن يحافظ على أداء الصلاة في أوقاتها ومع الجماعة، وأن يكثر من الصلاة النافلة حتى يعوض بذلك بعض ما فاته من الثواب بتركه للصلاة في الوقت (وإن الحسنات يذهبت السيئات) وقد دل على ذلك حديث أبي هريرة " انظروا هل لعبدي من تطوع فتكملوا بها فريضته ". أخرجه أبو داود وغيره.

397

397 - " ما صدق نبي (من الأنبياء) ما صدقت، إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2305 موارد) قال: أخبرنا أبو خليفة حدثنا علي بن المديني حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن المختار بن فلفل عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (1 / 130) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حسين بن علي به وزاد في أوله: " أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدق نبي من الأنبياء.... ". ومن طريق مسلم أخرجه أبو بكر محمد بن الحسن الطبري في " الأمالي " (7 / 1) ثم رواه (4 / 1) من طريق أخرى عن المختار به. ويشهد للحديث ما روى ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي ليس معه أحد.... " الحديث. أخرجه الشيخان وغيرهما. وفي الحديث دليل واضح على أن كثرة الأتباع وقلتهم، ليست معيارا لمعرفة كون الداعية على حق أو باطل، فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع كون دعوتهم واحدة، ودينهم واحدا، فقد اختلفوا من حيث عدد أتباعهم قلة وكثرة، حتى كان فيهم من لم يصدقه إلا رجل واحد، بل ومن ليس معه أحد! ففي ذلك عبرة بالغة للداعية والمدعوين في هذا العصر، فالداعية عليه أن يتذكر هذه الحقيقة، ويمضي قدما في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ولا يبالي بقلة المستجيبين له، لأنه ليس عليه إلا البلاغ المبين، وله أسوة حسنة بالأنبياء السابقين

398

الذين لم يكن مع أحدهم إلا الرجل والرجلان! والمدعو عليه أن لا يستوحش من قلة المستجيبين للداعية، ويتخذ ذلك سببا للشك في الدعوة الحق وترك الإيمان بها، فضلا عن أن يتخذ ذلك دليلا على بطلان دعوته بحجة أنه لم يتبعه أحد، أو إنما اتبعه الأقلون! ولو كانت دعوته صادقة لاتبعه جماهير الناس! والله عز وجل يقول (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) . 398 - " استأمروا النساء في أبضاعهن، قيل: فإن البكر تستحي أن تكلم؟ قال: سكوتها إذنها ". رواه النسائي (2 / 78) وأحمد (6 / 45، 203) عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي مليكة يحدث عن ذكوان أبي عمرو مولى عائشة عن عائشة مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (8 / 57) ومسلم (4 / 141) وأحمد أيضا (6 / 165) من هذا الوجه بمعناه. وفي رواية " البكر تستأذن ". 399 - " نهى أن يشرب من في السقاء ". أخرجه أحمد (2 / 230، 487) : حدثنا إسماعيل قال أنبأنا أيوب عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا به. قال أيوب: أنبئت أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية. وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري وأخرجه الحاكم (4 / 140) من هذا الوجه وقال: " صحيح على شرط (خ) .

400

ووافقه الذهبي. قلت: وقد أخرجه في " صحيحه " (10 / 74) من طريق أيوب عن عكرمة به دون قول أيوب " انبئت.... ". وكذلك أخرجه ابن ماجه (2 / 336) ، وهو رواية لأحمد (2 / 247، 327) . وقد تابعه حماد بن زيد عن عكرمة به. أخرجه أحمد (2 / 353) وإسناده على شرط البخاري. وأورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 78) وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ". وقد ذهل عن كونه في بعض الكتب الستة وقد ذكره المنذري في " الترغيب " (3 / 118) من رواية الحاكم دون قوله " قال أيوب " فلم يحسن لأنه بذلك صار قول أيوب مدرجا في الحديث من قول أبي هريرة، ولا يخفى ما فيه. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مثل حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري وأبو داود (2 / 134) والدارمي (2 / 89 - 118 - 119) وابن ماجه (2 / 336) وأحمد (1 / 226، 241، 321، 339) من طريق عكرمة عنه. وله شاهد بلفظ: " نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه ". 400 - " نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه ". أخرجه الحاكم (4 / 140) من طريق الحارث بن أبي أسامة: حدثنا روح بن عبادة: حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. وقال: صحيح الإسناد.

401

وفي التلخيص: صحيح على شرط مسلم. وقال الحافظ في " الفتح " (10 / 79) : " سنده قوي ". 401 - " إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا، واجمع الإياس مما في أيدي الناس ". أخرجه ابن ماجه (2 / 542) وأحمد (5 / 412) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 462) عن عبد الله بن عثمان بن خثيم بن عثمان بن جبير مولى أبي أيوب عن أبي أيوب الأنصاري قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عظني وأوجز. فقال: فذكره. وهذا سند ضعيف لجهالة عثمان بن جبير قال في " الميزان ": ما روى عنه سوى عبد الله بن عثمان بن خثيم حسب " وفي " التقريب ": " مقبول " وبقية الرجال ثقات. وفي " الزوائد ": إسناده ضعيف وعثمان بن جبير قال الذهبي في " الطبقات " مجهول. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال البخاري وأبو حاتم روى عن أبيه عن جده عن أبي أيوب ". قال المحقق السندي (رح) بعد أن نقل هذا الكلام عن الزوائد: قلت: لكن كون الحديث من أوجز الكلمات وأجمعها للحكمة يدل على قربه

402

للثبوت فليتأمل. قلت: والحديث وإن كان إسناده ضعيفا فإنه لا يدل على ضعفه وعدم ثبوته في نفسه لاحتمال أن له إسنادا حسنا أو صحيحا أو أن له شواهد يدل مجموعها على ثبوته والواقع أن هذا الحديث كذلك فإن له شواهد تدل على أن له أصلا فقد روي من حديث ابن عمر عند الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ومن حديث سعد بن أبي وقاص عند الحاكم (4 / 326 - 327) وصححه ووافقه الذهبي. 402 - " ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية! فقال رجل: يا رسول الله: إنما هم أولاد المشركين! فقال: ألا إن خياركم أبناء المشركين، ثم قال: ألا لا تقتلوا ذرية، ألا لا تقتلوا ذرية، قال: كل نسمة تولد على الفطرة حتى يهب عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها ". أخرجه أحمد (3 / 435) والدارمي (2 / 223) والحاكم (2 / 123) والبيهقي (9 / 77) من طريق يونس بن عبيد عن الحسن عن الأسود بن سريع قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغزوت معه فأصبت ظهر أفضل الناس يومئذ حتى

403

قتلوا الولدان وقال مرة: الذرية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. والسياق لأحمد وليس عند الدارمي منه إلا المرفوع منه دون قوله: فقال رجل الخ. وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وهو كما قالا وقد صرح الحسن بسماعه من الأسود بن سريع في رواية الحاكم. 403 - " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة ". أخرجه الترمذي (2 / 30) من طريق الطيالسي وهو في " المسند " (ص 145 رقم 1076) وكذا أحمد (3 / 436، 5 / 35) وابن حبان (2313) من طريق شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط الشيخين، وقد أخرج الخطيب (8 / 417 - 418، 10 / 282) الشطر الأول منه من هذا الوجه، ورواه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 230) . والشطر الثاني أخرجه ابن ماجه (2 / 6 - 7) ، وله شواهد كثيرة فراجع بعضها فيما تقدم برقم (270، 1108) . 404 - " نضر الله امرءا سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فإنه رب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبدا: إخلاص العمل لله،

405

ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم، وقال: من كان همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت نيته الدنيا، فرق الله عليه ضيعته، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ". أخرجه أحمد (5 / 183) واللفظ له والدارمي (1 / 75) وابن حبان (72، 73 - موارد) وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 38 - 39) عن شعبة حدثنا عمر ابن سليمان من ولد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه. أن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحوا من نصف النهار، فقلنا: ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه، فقمت إليه فسألته فقال: أجل سألنا عن أشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، فذكره. وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، وروى ابن ماجه (2 / 524 - 525) الشطر الأخير منه من هذا الوجه، وقال البوصيري في " الزوائد " (252 / 1) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة بنحوه، ورواه الطبراني بإسناد لا بأس به ". 405 - " لا تسبوا ورقة فإني رأيت له جنة أو جنتين ". أخرجه الحاكم (2 / 609) من طريق أبي سعيد الأشج حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا.

406

وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. 406 - " كان يذكر الله على كل أحيانه ". أخرجه مسلم (1 / 194) وأبو داود (1 / 4) والترمذي (2 / 244 طبع بولاق) وابن ماجه (1 / 129) وكذا أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 217) والبيهقي (1 / 90) وأحمد (6 / 70، 153) من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن خالد بن سلمة عن عبد الله البهي عن عروة عن عائشة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ". قلت: بلى قد تابعه الوليد بن القاسم بن الوليد الهمداني، وهو ثقة حسن الحديث إذا لم يخالف.

أخرجه الإمام أحمد (6 / 278) : حدثنا الوليد حدثنا زكريا قال: حدثنا خالد ابن سلمة، به. وفيه فائدة هامة وهي تصريح زكريا بسماعه من خالد، فإنه قد قيل فيه: إنه يدلس عن الشعبي، وبعضهم كأبي داود وغيره أطلق ولم يقيده بالشعبي. والله أعلم. وفي " العلل " (1 / 51) : " سألت أبا زرعة عن حديث خالد بن سلمة ... (فذكره) ؟ فقال: ليس بذاك، هو حديث لا يروى إلا من هذا الوجه. فذكرت قول أبي زرعة لأبي رحمه الله؟ فقال: الذي أرى أن يذكر الله على الكنيف وغيره على هذا الحديث ". قلت: فقد اختلف الإمامان أبو زرعة وأبو حاتم في هذا الحديث، فضعفه الأول، وصححه الآخر، كما يدل عليه احتجاجه بالحديث وعدم موافقته على قول أبو زرعة، وذلك عجيب منه، فقد ذكروا في ترجمة البهي عنه أنه قال: " لا يحتج به وهو مضطرب الحديث ". والحق أن الحديث قوي لم يتكلم فيه غير أبي حاتم وقد صحح الحديث مسلم ووثق البهي ابن سعد وابن حبان. وفي الحديث دلالة على جواز تلاوة القرآن للجنب لأن القرآن ذكر (وأنزلنا إليك الذكر ... ) فيدخل في عموم قولها " يذكر الله ". نعم الأفضل أن يقرأ على طهارة لقوله صلى الله عليه وسلم حين رد السلام عقب التيمم: " إنى كرهت أن أذكر الله ألا على طهارة ". أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم (13) .

407

407 - " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله ". هو حديث متواتر كما قال السيوطي في " الجامع الصغير " فقد ورد عن جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة. الأول: أبو هريرة وله عنه طرق: 1 - الزهري أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة قال: " لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ، فقال أبو بكر: والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فو الله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق ". أخرجه البخاري (3 / 206، 12 / 232 - 234، 13 / 206) ومسلم (1 / 38) وأبو داود (1 / 243) والنسائي (2 / 161) والترمذي (2 / 100 طبع بولاق) وأحمد (1 / 19، 35، 47 - 48، 2 / 423، 528) من طرق عنه. 2 - عن الزهري أيضا عن سعيد بن المسيب عنه به. أخرجه مسلم (1 / 39) والنسائي (2 / 162) . 3 - عن الأعمش عن أبي صالح عنه. أخرجه مسلم والنسائي والترمذي وابن ماجه (2 / 475) .

4 - عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عنه بلفظ: " أقاتل الناس ". تفرد به مسلم. 5 - عن سفيان عن أبي صالح مولى التوأمة عنه. تفرد به أحمد (2 / 475) ، وسنده حسن. 6 - عن محمد عن أبي سلمة عنه. تفرد به أحمد أيضا (2 / 502) ، وسنده حسن. 7 - عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عنه. تفرد به أحمد (2 / 527) وسنده صحيح على شرط مسلم. 8 - عن عاصم عن زياد بن قيس عنه بلفظ " نقاتل الناس.... ". أخرجه النسائي وإسناده حسن. 9 - عن همام بن منبه عنه بلفظ: " لا أزل أقاتل.... ". أخرجه أحمد (2 / 314) بسند على شرطهما. 10 - عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه بلفظ همام. أخرجه أحمد (2 / 482) وهو على شرطهما أيضا. 11 - عن محمد بن عجلان قال سمعت أبي عنه بلفظ العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه. وقد ذكرت في محالها. 12 - عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر:

" لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله يفتح الله عليه. قال: فقال عمر: فما أحببت الإمارة قبل يومئذ، فتطاولت لها، واستشرفت رجاء أن يدفعها إلي، فلما كان الغد دعا عليا (ع) فدفعها إليه، فقال: قاتل ولا تلتفت حتى يفتح عليك، فسار قريبا ثم نادى: يا رسول الله علام أقاتل؟ قال: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإذا فعلوا ذلك فقد.... " الخ. أخرجه الطيالسي رقم (2441) : حدثنا وهيب عن سهيل به. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد أيضا (2 / 384) واللفظ له.. وهذا سند صحيح على شرط مسلم. 13 - عن كثير بن عبيد عنه بلفظ: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرم علي دماؤهم وأموالهم، وحسابهم على الله عز وجل ". أخرجه أحمد (2 / 345) من طريق سعيد بن كثير بن عبيد عنه. وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات معروفون غير كثير بن عبيد، وقد روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان وقد أخرجه من هذا الوجه ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح " (12 / 232) . وقد ذكرت آنفا أن الحديث رواه جمع من الصحابة وذكرت الأول منهم. والثاني: ابن عمر ولفظه: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله "

408

408 - " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله ". أخرجه البخاري (1 / 63 - 64) ومسلم (1 / 39) من طريق شعبة عن واقد بن محمد قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر مرفوعا. والثالث: جابر بن عبد الله رضي الله عنه ولفظه: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا من دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله، ثم قرأ (إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) ". 409 - " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوا: لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، ثم قرأ * (إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر) * ". أخرجه مسلم والترمذي (2 / 237 طبع بولاق) وأحمد (3 / 300) من طريق سفيان عن أبي الزبير عنه. وقال الترمذي: " حسن صحيح ". وأخرجه الحاكم (2 / 522) وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي وفيه نظر. وقد تابعه ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره دون قوله: ثم قرأ الخ.

أخرجه أحمد (3 / 295) بسند صحيح على شرطهما. وله طريقان آخران عنه: الأول عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. أخرجه مسلم والنسائي وابن ماجه. والآخر عن شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عنه. أخرجه أحمد (3 / 332، 339، 394) ، وهذا سند حسن، وليس فيهما الزيادة. والرابع طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك مرفوعا دونها. رواه الطبراني في " الكبير " قال الهيثمي (1 / 25) : " ورجاله موثقون ". قلت: وهو في مسلم وغيره بلفظ: " من وحد الله " وسيأتي إن شاء الله تعالى. والخامس: أوس بن أبي أوس الثقفي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد ثقيف فكان في قبة، فنام من كان فيها غيري، وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل فساره فقال: اذهب فاقتله، ثم قال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكنه يقولها تعوذا، فقال: ذره ثم قال: فذكر الحديث. أخرجه النسائي والدارمي (2 / 218) والطيالسي رقم (1109) وأحمد (4 / 8) من طريق شعبة عن النعمان بن سالم سمعت أوسا يقول: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وقد تابعه سماك عن النعمان به. أخرجه النسائي، ثم أخرجه هو وابن ماجه (2 / 457) وأحمد أيضا من طريق عبد الله بن بكر

السهمي قال: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن النعمان بن سالم أن عمرو بن أوس أخبره أن أباه أوسا قال: فذكره. وهذا سند صحيح أيضا على شرط مسلم، والظاهر أن النعمان رواه أولا هكذا عن عمرو عن أوس ثم رواه عن أوس مباشرة بدون واسطة. والسادس: النعمان بن بشير، أخرجه النسائي والبزار في " مسنده " (ص 4 مصورة المكتب) من طريق إسرائيل عن سماك عنه به نحو حديث أوس. وسنده صحيح رجاله رجال الصحيح، وعزاه الحافظ في " الفتح " (12 / 232) للبزار وحده فأبعد النجعة. السابع: أنس بن مالك رضي الله عنه وقد مضى برقم (303) وأزيد هنا فأقول: وهو صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري في " صحيحه " (1 / 395) من هذا الوجه إلا أنه لم يذكر فيه " لهم ما للمسلمين " الخ وزاد: " وحسابهم على الله " وقال: قال ابن أبي مريم أخبرنا يحيى حدثنا حميد حدثنا أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا التعليق إنما أورده البخاري ليدفع شبهة تدليس حميد وإن ثبت سماعه لهذا الحديث من أنس، وصله ابن نصر في " الإيمان " وكذا ابن منده كما في " الفتح ". وقد روي عن أنس مرفوعا بلفظ:

410

" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، قيل وما حقها؟ قال: زنى بعد إحصان أو كفر بعد إسلام، أو قتل نفس فيقتل به ". قال في " المجمع " (1 / 25 - 26) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عمرو بن هاشم البيروتي والأكثر على توثيقه ". وفي " التقريب ": إنه صدوق يخطىء. ثم إن الحديث قد رواه غير من ذكرنا من الصحابة، فمن شاء الاطلاع على ذلك فليراجع " مجمع الزوائد " (1 / 24 - 27) . قلت: وفي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على وجوب القتال في سبيل نشر الدعوة خلافا لما يذهب إليه بعض الكتاب في هذا العصر. ومن ألفاظ حديث أبي هريرة المتقدم: " أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ". 410 - " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ". أخرجه مسلم (1 / 39) من طريق العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به. والحديث صحيح متواتر عن أبي هريرة وغيره من طرق شتى بألفاظ متقاربة وقد أشرت إليها آنفا.

411

411 - " يا فاطمة أيسرك أن يقول الناس: فاطمة بنت محمد في يدها سلسلة من نار؟! ". أخرجه النسائي (2 / 285) والطيالسي (ص 133 رقم 990) ومن طريقه الحاكم (3 / 152، 153) عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن أبي أسماء عن ثوبان قال: " جاءت بنت هبيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ من ذهب (خواتيم ضخام) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يضرب يدها، فأتت فاطمة تشكو إليها، قال ثوبان: فدخل النبي صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب فقالت: هذا أهدى لي أبو حسن، وفي يدها السلسلة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذكر الحديث) ، فخرج ولم يقعد، فعمدت فاطمة إلى السلسلة فباعتها فاشترت بها نسمة فأعتقتها، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار. وقال الحاكم وكذا الذهبي: " صحيح على شرط الشيخين ". كذا قالا وأبو سلام واسمه ممطور وشيخه أبو أسماء واسمه عمرو بن مرثد لم يخرج لهما البخاري في صحيحه، وإنما روى لها في " الأدب المفرد " ثم إن فيه انقطاعا بين يحيى وأبي سلام فقد قيل إنه لم يسمع منه ثم إن يحيى مدلس، وصفه بذلك العقيلي وابن حبان. قلت: لكن رواه النسائي (2 / 284) وأحمد (5 / 278) من طريقين عن يحيى قال حدثنا زيد بن سلام أن جده - يعني أبا سلام - حدثه أن أبا أسماء حدثه به. وهذا سند موصول صحيح. وزاد أحمد بعد قوله: يضرب يدها: " أيسرك أن يجعل الله في يدك خواتيم من نار؟ ! . وفيه أنه صلى الله عليه وسلم عذم فاطمة عذما شديدا.

412

412 - " يا معاذ ثكلتك أمك، وهل يكب الناس على مناخرهم في جهنم إلا ما نطقت به ألسنتهم، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو يسكت عن شر، قولوا خيرا تغنموا، واسكتوا عن شر تسلموا ". أخرجه الحاكم (4 / 286 - 287) من طريق الربيع بن سليمان حدثنا عبد الله ابن وهب أخبرني أبو هانىء عن عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم على راحلته وأصحابه معه بين يديه فقال معاذ بن جبل: يا نبي الله أتأذن لي في أن أتقدم إليك على طيبة نفس؟ قال: نعم، فاقترب معاذ إليه فسارا جميعا، فقال معاذ: بأبي أنت يا رسول الله أسأل الله أن يجعل يومنا قبل يومك، أرأيت إن كان شيء - ولا نرى شيئا إن شاء الله تعالى - فأي الأعمال نعملها بعدك؟ فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الجهاد في سبيل الله ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الشيء الجهاد، والذي بالناس أملك من ذلك، فالصيام والصدقة، قال: نعم الشيء الصيام والصدقة، فذكر معاذ كل خير يعمله ابن آدم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعاد بالناس خير من ذلك، قال: فماذا بأبي أنت وأمي عاد بالناس خير من ذلك؟ قال: فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فيه قال: الصمت إلا من خير، قال:

413

وهل نؤاخذ بما تكلمت به ألسنتنا قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ معاذ ثم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول: كلا بل هو صحيح فقط فإن الربيع بن سليمان وعمرو بن مالك الجنبي لم يخرج لهما الشيخان وإنما أخرج البخاري للجنبي في " الأدب المفرد " وكذلك أخرج لأبي هانىء واسمه حميد بن هانىء، وهو من رجال مسلم فقط. والحديث أوده الهيثمي (10 / 299) بطوله وقال: " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن مالك الجنبي وهو ثقة ". 413 - " إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا: * (فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء، حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) * ". أخرجه أحمد (4 / 145) عن رشدين بن سعد وابن جرير في " التفسير " (7 / 115) عن أبي الصلت والدولابي في " الكنى " (1 / 111) عن حجاج ابن سليمان الرعيني ثلاثتهم عن حرملة بن عمران التجيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر مرفوعا.

414

وهذا إسناد قوي رجاله ثقات غير هؤلاء الثلاثة، ففيهم كلام لكن بعضهم يقوي بعضا، وقد قال ابن جرير: " وحدث بهذا الحديث محمد بن حرب عن ابن لهيعة عن عقبة بن مسلم به نحوه ". قلت: وهذه متابعة قوية من ابن لهيعة لحرملة، وقد رواه عنه ابن أبي الدنيا في " كتاب الشكر " ص (9) قال: حدثنا يعلى بن عبد الله بن يعلى الهذلي حدثنا بشر بن عمر حدثنا ابن لهيعة به. ويعلى هذا لم أجد من ترجمه. والحديث قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 115) : " رواه أحمد والطبراني والبيهقي في " الشعب " بسند حسن ". قلت: وهو عندي صحيح بالمتابعة المذكورة فإن ابن لهيعة ثقة في نفسه وإنما يخشى من سوء حفظه فإذا تابعه ثقة فذلك دليل على أنه قد حفظ. والله أعلم. 414 - " إن أناسا من أمتي يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 237) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة، ومحمد ابن جعفر قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص قال: سمعت ابن محيريز يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الستة، وجهالة اسم الصحابي لا تضر، كما في المصطلح تقرر. وأبو بكر بن حفص اسمه عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص،

415

وشيخه اسمه عبد الله بن محيريز. وخالف شعبة بلال بن يحيى العبسي فقال: عن أبي بكر بن حفص عن ابن محيريز عن ابن محيريز عن ثابت بن السمط عن عبادة بن الصامت به. أخرجه ابن ماجه (2 / 331) وأحمد (5 / 318) من طريق سعد بن أوس الكاتب عن بلال بن يحيى العبسي. وهذا إسناد رجاله ثقات أيضا، لكن شعبة أحفظ وأشهر من بلال بن يحيى، فروايته أصح. ثم وجدت الحديث في " مسند الطيالسي " (رقم 586) : حدثنا شعبة به إلا أنه قال: " عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وروي هذا الحديث عن أبي بكر بن حفص عن ابن محيريز عن زياد بن السمط عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وللحديث شاهد من حديث أبي مالك الأشعري تقدم (رقم 91) بلفظ: " ليشربن ناس.... ". وشاهد ثان من حديث أبي أمامة بلفظ: " لا تذهب الليالي والأيام ". وقد ذكرناه تحت الحديث (90) . وله شاهد ثالث من حديث عائشة في " المستدرك " (4 / 147) وسبق ذكره هناك. 415 - " إذا أصلح خادم أحدكم له طعامه فكفاه حره وبرده، فليجلسه معه، فإن أبى فليناوله أكلة في يده ". أخرجه أحمد (2 / 259) : حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا.

416

وهذا سند صحيح على شرط الستة. وقد أخرجوه بألفاظ أخر بمعناه من طرق أخرى خرجتها في " الإرواء " (2238) . 416 - " لا يشكر الله من لا يشكر الناس ". أخرجه أحمد (5 / 211، 212) من طريقين عن زياد بن كليب عن الأشعث ابن قيس مرفوعا. قال المنذري (2 / 56) وتبعه الهيثمي (8 / 180) : " ورجاله ثقات ". قلت: وهم من رجال مسلم، لكنه منقطع بين زياد والأشعث، فإنه لم يدركه، وبين وفاتيهما نحو ثمانين سنة. لكن له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (33) وأبو داود (2 / 290) وابن حبان (2070) والطيالسي (ص 326 رقم 2491) وأحمد (2 / 295، 302، 388، 492) من طرق عن الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد سمع أبا هريرة به. وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وقد ورد بلفظ: (أشكر الناس لله أشكرهم للناس) . وسيأتي برقم (1458) . وبلفظ: " من لم يشكر الناس ... " وسيأتي أيضا إن شاء الله تعالى. 417 - " إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه أنه يحبه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (79) وأبو داود (2 / 333) والترمذي (2 / 63) وابن حبان (2514) والحاكم (4 / 171) وأحمد (4 / 130) وابن السني (193) عن يحيى بن سعيد قال: حدثنا ثور بن يزيد قال: حدثنا حبيب بن عبيد عن المقدام بن معدي كرب مرفوعا به. وقال الترمذي:

418

" حديث حسن صحيح ". وهو كما قال وسكت عليه الحاكم والذهبي، ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وله شاهد بلفظ: " إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله فليخبره أنه يحبه لله عز وجل ". أخرجه أحمد (5 / 145، 173) من طريق ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا سالم الجيشاني أتى أبا أمية في منزله فقال: إني سمعت أبا ذر يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، وقد أحببتك فجئتك في منزلك. قال الهيثمي (10 / 281 - 282) : " رواه أحمد وإسناده حسن ". قلت: وليس بحسن فإن ابن لهيعة ضعيف من قبل حفظه. ثم رأيته من رواية ابن المبارك عنه وهي صحيحة، فانظره بالرقم (797) . والحديث رواه المقدسي أيضا في " المختارة " كما في الجامع، وروي بلفظ: " إذا أحب أحدكم عبدا فليخبره فإنه يجد مثل الذي يجد له ". رواه البيهقي في الشعب عن ابن عمر كما في " الجامع " ورمز له بالضعف وبين ذلك المناوي فقال: " وفيه عبد الله بن أبي مرة، أورده الذهبي في الضعفاء وقال: تابعي مجهول ". 418 - " إذا أحب الرجل الرجل فليخبر أنه أحبه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (79) : حدثنا يحيى بن بشر قال: حدثنا قبيصة قال: حدثنا سفيان عن رباح عن أبي عبيد الله عن مجاهد قال:

" لقيني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بمنكبي من ورائي قال: أما إني أحبك، قلت: أحبك الذي أحببتني له، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) لما أخبرتك. قال: ثم أخذ يعرض علي الخطبة قال: أما إن عندنا جارية، أما إنها عوراء ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال البخاري في " صحيحه " غير رباح وهو ابن أبي معروف بن أبي سارة المكي فمن رجال مسلم، وفيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وفي " التقريب ": " صدوق له أوهام ". هذا: وفي نسختنا من " الأدب ": رباح عن أبي عبيد الله كما رأيت. وهو تصحيف لا أشك فيه فإن رباح هذا يروى عن مجاهد مباشرة بلا واسطة وعنه سفيان الثوري، فيحتمل أن يكون حرف (عن) بين رباح وأبي عبيد الله زيادة من قلم بعض النساخ فيكون الأصل: رباح أبي عبيد الله، فإذا صح هذا فيكون أبو عبيد الله كنية رباح هذا وهي فائدة غزيرة، حيث لم أقف على كنيته في شيء من كتب التراجم التي عندي . والله أعلم. وللحديث شاهد آخر من حديث أنس قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مر رجل، فقال رجل من القوم: يا رسول الله إني لأحب هذا الرجل، قال: هل أعلمته ذلك؟ قال: لا، فقال: قم فأعلمه، قال: فقام إليه فقال: يا هذا والله إني لأحبك في الله، قال: أحبك الذي أحببتني له ". رواه أحمد (3 / 140 - 141) : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين بن واقد: حدثنا ثابت البناني حدثني أنس بن مالك. وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وصححه ابن حبان (2513) من طريق

419

أخرى عن الحسين. وأخرجه أبو داود (2 / 333) والحاكم (4 / 171) وأحمد أيضا (3 / 150) من طريق المبارك بن فضالة عن ثابت به. وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. قلت: فالحديث بهذه الشواهد صحيح بلا ريب. 419 - " سيكون قوم يأكلون بألسنتهم، كما تأكل البقرة من الأرض ". أخرجه أحمد (1 / 175 - 176) عن يعلى ويحيى بن سعيد قال يحيى: حدثنا رجل كنت أسميه فنسيت اسمه عن عمر بن سعد قال: " كانت لي حاجة إلى أبي سعد، قال: وحدثنا أبو حيان عن مجمع قال: كان لعمر بن سعد إلى أبيه حاجة فقدم بين يدي حاجته كلاما مما يحدث الناس يوصلون، لم يكن يسمعه، فلما فرغ قال: يا بني قد فرغت من كلامك؟ قال: نعم، قال: ما كنت من حاجتك أبعد ولا كنت فيك أزهد مني منذ سمعت كلامك هذا، سمعت رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال الهيثمي (8 / 116) : " رواه أحمد والبزار من طرق وفيه راو لم يسم ". قلت: الطريق الثاني طريق أبي حيان واسمه يحيى بن سعيد التيمي ليس فيه من لم يسم، فقد رواه عنه يحيى ابن سعيد القطان، وهو رواه عن مجمع وهو ابن يحيى ابن يزيد الأنصاري عن سعد. وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال مسلم فهو صحيح إذا كان مجمع سمعه من سعد، ثم قال الهيثمي: " وأحسنها ما رواه أحمد عن زيد بن أسلم عن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يخرج قوم يأكلون بألسنتهم كما تأكل البقر بألسنتها. ورجاله رجال الصحيح إلا أن زيد بن أسلم لم يسمع من سعد. والله أعلم ". قلت: طريق زيد بن أسلم عند أحمد (1 / 184) : حدثنا سريج بن النعمان حدثنا عبد العزيز يعني الدراوردي عنه. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري غير الدراوردي فمن رجال مسلم، لكنه منقطع كما ذكر الهيثمي. وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق حسن إن شاء الله تعالى أو صحيح، فإن له شاهدا من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا نحوه. أخرجه الترمذي وحسنه، وسيأتي تخريجه برقم (878) .

420

420 - " أدعو إلى الله وحده، الذي إن مسك ضر فدعوته كشف عنك، والذي إن ضللت بأرض قفر دعوته رد عليك، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت عليك ". أخرجه أحمد (5 / 64) : حدثنا عفان حدثنا وهيب حدثنا خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من بلهجيم قال: " قلت: يا رسول الله إلى م تدعو؟ قال " فذكره وفيه زيادة تأتي في " لا تسبن أحد ". وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري. وأخرجه الدولابي في " الكنى " ص (20) عن زهير قال: حدثنا أبو إسحاق عن أبي تميمة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أو قال له رجل إلى ما تدعو. الحديث. وهذا الشك الظاهر أنه من أبي إسحاق فقد كان اختلط بآخره والصواب أنه عن أبي تميمة عن الرجل فإن أبا تميمة ليس صحابيا. واسم الرجل جابر بن سليم أو سليم بن جابر أبو جري كما يأتي هناك. ثم أخرجه أحمد (5 / 377) من طريق أبي النضر حدثنا الحكم عن فضيل عن خالد الحذاء به نحوه إلا أنه قال: " عن أبي تميمة عن رجل من قومه أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: أنت رسول الله أو قال: أنت محمد؟ فقال: نعم، قال: فإلى م تدعو. (الحديث وفيه) : قال: فأسلم الرجل " وفيه الزيادة. والحكم وشيخه فضيل لم أعرفهما. ثم ظهر لي أنه شخص واحد، ففي " التعجيل "" الحكم بن فضل عن خالد الحذاء عن أبي تميمة عن رجل من قومه في النهي

421

عن السب ". قلت: كذا سمى أباه فضلا، والذي في " الميزان " و " تاريخ بغداد " (8 / 221 - 223) الحكم بن فضيل على التصغير وهو الأقرب إلى صورة الاسم في " المسند "، وعليه فحرف (عن) بين الحكم وفضيل محرفة عن (ابن) كما أنه سقطت نقطة الضاد من الطابع أو الناسخ، ثم هو ثقة وثقه أبو داود وابن معين، وضعفه بعضهم بغير حجة. 421 - " ادعوا الناس، وبشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا ". أخرجه مسلم (6 / 100) من طريق زيد بن أبي أنيسة عن سعيد بن أبي بردة حدثنا أبو بردة عن أبيه قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذا إلى اليمن فقال ": فذكره. وزاد قال: " فقلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع، وهو من العسل ينبذ حتى يشتد، والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد - قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطي جوامع الكلم بخواتمه، فقال: أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة ". وفي رواية (6 / 99) : " وعلما " بدل: " ولا تعسرا ". وقد ورد الحديث بلفظ " كان إذا بعث أحدا " و " يسرا ولا تعسرا ". 422 - " لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: * (آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم) * ". أخرجه البخاري (8 / 138، 13 / 385، 442) من حديث أبي هريرة قال: " كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربية لأهل الإسلام

423

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. 423 - " أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك ". أخرجه أبو داود (2 / 108) والترمذي (1 / 238) والدارمي (2 / 264) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (30) والدارقطني (303) والحاكم (2 / 46) من طريق طلق بن غنام عن شريك وقيس عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". والحاكم: " حديث شريك عن أبي حصين صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر فإن شريكا إنما أخرج له مسلم متابعة كما قال الذهبي نفسه في " الميزان " وهو سيىء الحفظ، ومثله متابعه قيس وهو ابن الربيع، لكن الحديث حسن باقترانهما معا، وهو صحيح لغيره لوروده من طرق أخرى. فقد أخرجه أبو داود من طريق يوسف بن ماهك المكي قال: كنت أكتب لفلان نفقة أيتام كان وليهم، فغالطوه بألف درهم، فأداها إليهم، فأدركت لهم من مالهم مثليها، قال: قلت اقبض الألف الذي ذهبوا به منك؟ قال: لا، حدثني أبي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ورجاله ثقات رجال مسلم غير ابن صحابيه فإنه لم يسم. وأخرجه بنحوه أحمد (3 / 414) ، وأخرج المرفوع منه فقط الدارقطني وقال: عن رجل من قريش عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

424

وقد صححه ابن السكن كما في " الفيض ". وأخرجه الطبراني في " الصغير " (96) وكذا الحاكم من طريق أيوب بن سويد حدثنا ابن شوذب عن أبي التياح عن أنس مرفوعا به. وأيوب هذا ضعيف. قال المناوي: " ورواه البيهقي عن أبي أمامة بسند ضعيف، وقال ابن الجوزي: لا يصح من جميع طرقه ". قلت: وهذا من مبالغاته، فالحديث من الطريق الأولى حسن، وهذه الشواهد والطرق ترقيه إلى درجة الصحة لاختلاف مخارجها، ولخلوها عن متهم. والله أعلم. 424 - " نهى عن الصور في البيت، ونهى الرجل أن يصنع ذلك ". أخرجه الترمذي (1 / 325) وأحمد (3 / 335، 384) عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى، الخ. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وهو كما قال: وهو على شرط مسلم. وأخرجه ابن حبان (1485) من هذا الوجه دون الشطر الثاني. 425 - " المؤمن مألفة، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ". أخرجه أحمد (5 / 335) والخطيب (11 / 376) عن عيسى بن يونس حدثنا

مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا به. وأورده الهيثمي في " المجمع " في موضعين (8 / 87، 10 / 273) بلفظ: المؤمن يألف ويؤلف ولا. الخ. وقال في الأول منهما: " رواه أحمد والطبراني وفيه مصعب بن ثابت وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجاله ثقات ". وقال في الآخر: " رواه أحمد والطبراني وإسناده جيد ". كذا قال. وفي " التقريب ": مصعب بن ثابت لين الحديث، وكان عابدا ". قلت: وخولف في إسناده فقال الخطيب بعد أن ساقه: " رواه خالد بن وضاح عن أبي حازم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وقد وصله الخطيب (8 / 288 - 289) فقال: أنبأنا محمد بن عبد الملك القرشي أنبأنا عمر بن أحمد الواعظ حدثنا الحر بن محمد بن الحسين بن إشكاب حدثنا الزبير ابن بكار حدثنا خالد بن وضاح به. وخالد هذا لم أجد من ترجمه وبقية رجاله كلهم ثقات. أما محمد بن عبد الملك فقال الخطيب (2 / 349) : " كتبنا عنه وكان صدوقا ". وعمر بن أحمد الواعظ هو المعروف بابن شاهين قال الخطيب أيضا (11 / 265) : " كان ثقة أمينا، قال محمد بن أبي الفوارس: كان ابن شاهين ثقة مأمونا قد

جمع وصنف ما لم يصنف أحد ". ثم أطال في ترجمته. والحر بن محمد ترجمه الخطيب أيضا وساق له هذا الحديث، وروى عن الدارقطني أنه قال فيه: " لا بأس به " وعن غيره أنه " شيخ ثقة ". وبقية رجاله ثقات رجال الستة غير الزبير بن بكار وهو ثقة كما في " التقريب ". ولكن خالدا هذا لم يتفرد به بل تابعه أبو صخر وهو حميد بن زياد بلفظ: " المؤمن مؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ". أخرجه أحمد وابنه عبد الله (2 / 400) قال أحمد: حدثنا هارون بن معروف - قال عبد الله: وسمعته أنا من هارون - قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني أبو صخر عن أبي حازم عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به. وأورده الهيثمي (8 / 87، 10 / 273) فقال: " رواه أحمد والبزار ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وكلهم من رجال مسلم فهو صحيح على شرطه. وقد أخرجه الحاكم (1 / 23) فقصر به، من طريق أحمد بن يحيى بن رزين حدثنا هارون بن معروف حدثنا عبد الله بن وهب حدثنا أبو صخر عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن المؤمن يألف " والباقي مثله، فأسقط من الإسناد أبا صالح، وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة ".

426

فتعقبه الذهبي بقوله: " علته انقطاعه، فإن أبا حازم هذا هو المديني لا الأشجعي، ولم يلق أبو صخر الأشجعي، ولا المديني لقي أبا هريرة ". قلت: قد وصله أحمد وابنه عبد الله بذكر أبي صالح بين المديني وأبي هريرة وهما ثقتان حجتان فزالت بذلك العلة وثبت الحديث، والحمد لله. وقد وجدت له طريقا أخرى عن أبي هريرة رواه الخطيب (3 / 117) عن أبي الحسين محمد بن العباس الفقيه حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبي وعمي أبو بكر عن أبي عبيدة الحداد عن ابن عون عن ابن سيرين والحسن قالا: لا عشنا إلى زمن لا يعشق فيه، قال أبو هريرة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ حديث سهل. ورجاله موثقون، غير أبي الحسين هذا قال الخطيب: " وفي رواياته نكرة ". ثم ساق له هذا الحديث. والحديث أخرجه البيهقي في " سننه " (10 / 236 - 237) من طريق عثمان ابن سعيد: حدثنا هارون بن معروف البغدادي به مثل إسناد أحمد ومتنه سواء. وله شاهد بلفظ: 426 - " المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف، ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس ". قال في " الجامع ": رواه الدارقطني في " الأفراد " والضياء المقدسي في " المختارة " عن جابر ثم

رمز له السيوطي بالصحة، ولم يتكلم عليه الشارح بشيء. وقد أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 273 - 274) بدون الجملة الأخيرة، وقال: " رواه أحمد والطبراني وإسناده جيد، ورواه الطبراني في " الأوسط " وفيه علي ابن بهرام ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". قلت: وليس هو في المسند من حديث جابر، وإنما فيه حديث سهل بن سعد وحديث أبي هريرة وقد تقدما آنفا، أقول هذا بعد مراجعة أحاديث جابر كلها من " المسند " حديثا حديثا، والله أعلم بمنشأ هذا الوهم من الهيثمي، وقد أورده في مكان آخر (8 / 87) فلم يقع في هذا الوهم، حيث قال: " رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق علي بن بهرام عن عبد الملك بن أبي كريمة ولم أعرفهما وبقية رجاله رجال الصحيح ". على أن في كلامه هذا ما يناقض ما نقلناه عنه سابقا الذي يفيد بعمومه أن عبد الملك بن أبي كريمة ثقة وهنا يجهله وهو معروف من رجال أبي داود في " السنن " وهو صدوق صالح، مات سنة أربع - وقيل: عشر - ومائتين كما في " التقريب ". والجملة الأخيرة منه أخرجها القضاعي في " مسند الشهاب " (101 / 1) من طريق علي بن بهرام قال: أنبأنا عبد الملك بن أبي كريمة عن ابن جريج عن عطاء عن جابر به. وتابعه عمرو بن بكر السكسكي عن ابن جريج به. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 420 / 2) . لكن عمرو هذا متروك. ولها شاهد من حديث ابن عمر قال:

" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من خير الناس؟ قال: أنفع الناس للناس ". أخرجه أبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة " (1 / 147 / 2) عن خنيس ابن بكر بن خنيس: حدثني أبي بكر بن خنيس عن عبد الله بن دينار عنه. قلت: وخنيس بن بكر، قال صالح جزرة: " ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقد تابعه إبراهيم بن عبد الحميد الجرشي أنبأنا بكر بن خنيس به. أخرجه ابن عساكر (11 / 444 / 1) . وإبراهيم هذا أظنه الذي في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 113) : " إبراهيم بن عبد الحميد، أبو إسحاق، روى عن داود بن عمرو، روى عنه الوليد بن مسلم، قال أبو زرعة: يشبه أن يكون حمصيا، ما به بأس ". قلت: فالإسناد بهذه المتابعة حسن، لأن بكر بن خنيس صدوق له أغلاط كما قال الحافظ، ويشهد له حديث جابر. وقد تابعه سكين بن أبي سراج أنبأنا عمرو ابن دينار به نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 209 / 2) . لكن سكين هذا ليس بالمعروف. ثم تبين لي أنه متهم، فراجع الحديث (903) . وبالجملة فهذه الزيادة في الحديث ثابتة فيه في رتبة الحسن كأصله أو أعلى، وقد قواها الحافظ السخاوي في " المقاصد ".

427

427 - " صوتان ملعونان، صوت مزمار عند نعمة، وصوت ويل عند مصيبة ". رواه أبو بكر الشافعي في " الرباعيات " (2 / 22 / 1) : حدثنا محمد بن يونس: حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا شبيب بن بشر حدثنا أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير محمد بن يونس وهو الكديمي وهو متهم بوضع الحديث، لكنه قد توبع على هذا الحدث، فأخرجه الضياء في " المختارة " (131 / 1) من طريقين آخرين عن الضحاك به. فالسند حسن إن شاء الله تعالى. وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 13) تبعا للمنذري في " الترغيب " (4 / 177) : " رواه البزار ورجاله ثقات ". قلت: وله شاهد يزداد به قوة، أخرجه الحاكم (4 / 40) من طريق محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عطاء عن جابر عن عبد الرحمن بن عوف قال: " أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيدي، فانطلقت معه إلى إبراهيم ابنه، وهو يجود بنفسه، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره حتى خرجت نفسه، قال: فوضعه وبكى قال: فقلت: تبكي يا رسول الله، وأنت تنهى عن البكاء؟ قال: إني لم أنه عن البكاء، ولكني نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة لطم وجوه وشق جيوب، وهذه رحمة ومن لا يرحم لا يرحم، ولولا أنه وعد صادق، وقول حق، وأن يلحق أولنا بآخرنا لحزنا عليك حزنا أشد من هذا، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون، تبكي العين، ويحزن القلب، ولا نقول ما يسخط الرب ".

428

سكت عليه الحاكم والذهبي، ورجال إسناده ثقات، إلا أن ابن أبي ليلى سيىء الحفظ، فمثله يستشهد به ويعتضد. وفي الحديث تحريم آلات الطرب لأن المزمار هو الآلة التي يزمر بها. وهو من الأحاديث الكثيرة التي ترد على ابن حزم إباحته لآلات الطرب، وقد تقدم حديث آخر في ذلك برقم (90) فراجعه فإنه مهم. ولي رسالة في الرد عليه يسر الله لي تبيضها ونشرها. 428 - " من وحد الله تعالى وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل ". أخرجه مسلم (1 / 40) وأحمد (3 / 472، 6 / 394، 395) من طريق أبي مالك الأشجعي عن أبيه مرفوعا. ووالد أبي مالك اسمه طارق بن أشيم، وقد روى عنه بلفظ أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله. الحديث وقد مضى برقم (409 - الرابع) . 429 - " الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (131) وأبو داود (2 / 158) والترمذي (1 / 304 طبع بولاق) وابن ماجه (2 / 362 - 363) والطحاوي (2 / 380) وفي " المشكل " (2 / 304) وابن حبان (1427) والحاكم (1 / 17 - 18) وأحمد (1 / 389، 438، 440) من طريق سفيان الثوري وشعبة عن سلمة بن كهيل عن عيسى بن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. وقال الحاكم:

430

" صحيح سنده، ثقات رواته ". وأقره الذهبي وهو كما قال. وقال الترمذي: " حسن صحيح، سمعت محمد بن إسماعيل يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا الحديث: " وما منا ولكن الله يذهبه بالتوكل " قال: هذا عندي قول عبد الله بن مسعود ". قلت: يعني أن هذا القدر من الحديث مدرج ليس مرفوعا وكأنه لهذا لم يورده السيوطي بتمامه وإنما أورد الجملة الأولى منه اعتمادا على كلام ابن حرب. قال الشارح المناوي: " لكن تعقبه ابن القطان بأن كل كلام مسوق في سياق، لا يقبل دعوى درجه إلا بحجة ". قلت: ولا حجة هنا في الإدراج فالحديث صحيح بكامله. 430 - " أحسنوا إلى أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يحلف أحدهم على اليمين قبل أن يستحلف عليها، ويشهد على الشهادة قبل أن يستشهد، فمن أحب منكم أن ينال بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة، فإن ثالثهما الشيطان، ومن كان منكم تسره حسنته، وتسوءه سيئته فهو مؤمن ". أخرجه ابن ماجه (2 / 64) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 284 - 285) وابن حبان (2282) دون قوله: " فمن أحب " الخ والطيالسي (ص 7 رقم 31) وأحمد (ج 1 رقم 177) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 45 - مصورة المكتب الإسلامي)

من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: " خطب عمر الناس بالجابية فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في مثل مقامي هذا فقال " فذكره. والسياق لأحمد. وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الستة وقد أشار الحاكم في " المستدرك " (1 / 114) إلى أن فيه، علة ولم يذكرها، ولعلها ما قيل في عبد الملك ابن عمير من الاختلاط وتغير حفظه، لكن الحديث صحيح، فقد جاء من طرق أخرى، فأخرجه أحمد (1 رقم 114) والترمذي (3 / 207 - تحفة) والحاكم وصححه والبيهقي (7 / 91) من طريق عبد الله بن المبارك أنبأنا محمد بن سوقة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية فقال فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. ثم قال الحاكم: " وقد رويناه بإسناد صحيح عن سعد بن أبي وقاص عن عمر رضي الله عنه ". ثم ساقه من طريق محمد بن مهاجر بن مسمار حدثني أبي عن عامر بن سعد عن أبيه قال وقف عمر بالجابية فقال: رحم الله رجلا سمع مقالتي فوعاها، إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف فينا كمقامي فيكم ثم قال: فذكره. وقال الذهبي. " وهذا صحيح ". قلت: ومحمد بن مهاجر بن مسمار لم أجد من ذكره إلا أن يكون هو محمد بن مهاجر القرشي فإنه لين كما في " التقريب ".

431

431 - " صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه ـ أو قال: أبويه ـ فيأخذ بثوبه ـ أو قال بيده ـ كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى ـ أو قال: فلا ينتهي ـ حتى يدخله الله وإياه الجنة ". أخرجه مسلم (8 / 41) وأحمد (2 / 488، 510) من طريق سليمان التيمي عن أبي السليل عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة إنه قد مات لي ابنان فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: قال: نعم، فذكره. 432 - " أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا ". أورده هكذا السيوطي في " الجامع الصغير " برواية الطبراني من حديث أسامة ابن شريك، وإنما أصل الحديث عنه هكذا: " قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم، إذ جاءه أناس فقالوا: من أحب عباد الله إلى الله؟ قال أحسنهم خلقا ". هكذا أورده المنذري (3 / 259) والهيثمي (8 / 24) برواية الطبراني وقالا: " ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". واللفظ للأول منهما وزاد: " وابن حبان في " صحيحه " وفي رواية لابن حبان بنحوه إلا أنه قال: " قالوا يا رسول الله فما خير ما أعطي الإنسان؟ قال: خلق حسن ". ورواه الحاكم والبيهقي بنحو هذه وقال الحاكم: " صحيح على شرطهما ولم يخرجاه لأن أسامة ليس له سوى راو واحد ". كذا قال، وليس بصواب فقد روى عنه زياد بن علاقة وابن الأقمر وغيرهما ".

433

قلت: الحديث أورده الحاكم في موضعين من " المستدرك " (4 / 198 - 199، 399 - 401) باللفظين لفظ الطبراني واللفظ الذي أشار إليه المنذري، وكأن المنذري رحمه الله لم يقف على اللفظ الأول في " المستدرك " وإلا لما تعقبه بما ذكر، فقد قال الحاكم عقبه: " قال أبو الحسن (الدارقطني) : وقد روى علي بن الأقمر ومجاهد عن أسامة ابن شريك ". فإن قيل: فهذا يخالف قول الحاكم " لأن أسامة ليس له سوى راو واحد ". قلت: نعم يخالفه على اعتبار أن نقل المنذري عن الحاكم صحيح بلفظه وليس كذلك، فنص عبارته هكذا: " ولم يخرجاه، والعلة عندهم فيه أن أسامة بن شريك ليس له راو غير زياد ابن علاقة ". فقد أشار بقوله: " عندهم " إلى أن الأمر ليس كذلك عند الحاكم نفسه، وقد بين ذلك في الموضع الثاني كما ذكرته آنفا. والله أعلم. ثم الحديث أخرجه ابن ماجه (2 / 339 - 340) والطيالسي (رقم 1233) وأحمد (4 / 278) من طرق عن زياد بن علاقة به باللفظ الثاني. وله عندهم زيادة في أوله فانظر (تداووا عباد الله) . 433 - " من قتل تحت راية عمية، يدعو عصبية أو ينصر عصبية، فقتلته جاهلية ". أخرجه مسلم (6 / 22) والنسائي (2 / 177) والطيالسي (ص 177 رقم 1259) من حديث جندب بن عبد الله البجلي.

434

وله شاهد من حديث أبي هريرة يأتي (982) بلفظ: " من خرج من الطاعة ". 434 - " كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية، وهو ساكت، فربما تبسم معهم ". رواه الترمذي (2 / 139) والطيالسي (ص 105 رقم 771) وأحمد (5 / 86، 88، 91، 105) عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: " جالست النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة، فكان أصحابه ... " الخ. والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وصرح سماك بسماعه عن جابر في رواية لأحمد وهو على شرط مسلم. ورواه ابن أبي شيبة أيضا كما في " الفتح " (10 / 444) . وله شاهد من حديث أبي أمامة نحوه رواه الطبراني لكن قال الهيثمي (8 / 128) : " وفيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك كذاب ". ثم الحديث عزاه العراقي (2 / 340) لمسلم من حديث ابن سمرة ولم أجد من وافقه على ذلك ولم ينسبه النابلسي في " الذخائر " (1 / 124 - 125) إلا إلى الترمذي من الستة. ثم وجدته عند مسلم (2 / 132) بمعناه في أثناء حديث، ورواه البيهقي (10 / 240) .

435

435 - " كان أصحابه يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (41) : حدثنا صدقة قال: أنبأنا معتمر عن حبيب أبي محمد عن بكر بن عبيد الله قال: فذكره. وهذا سند صحيح رجاله رجال البخاري في " صحيحه " غير حبيب هذا وهو ثقة عابد كما في " التقريب ". وبكر بن عبيد الله كذا في نسختنا وهو تحريف والصواب: بكر بن عبد الله - مكبرا - وهو ابن عمرو بن هلال المزني وهو ثقة ثبت جليل من الطبقة الوسطى من التابعين، أدرك جمعا غفيرا من الصحابة وروى عنهم. 436 - " كان أصحابه يمشون أمامه إذا خرج، ويدعون ظهره للملائكة ". أخرجه أحمد (3 / 302) : حدثنا وكيع عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح عن جابر قال: فذكره.

437

وأخرجه ابن ماجه (1 / 108) عن وكيع به. ثم أخرجه أحمد (3 / 332) وكذا الحاكم (4 / 281) من طريقين آخرين عن سفيان به بلفظ: " كان إذا خرج من بيته مشينا قدامه، وتركنا ظهره للملائكة ". سكت عليه الحاكم وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير نبيح مصغر وهو ابن عبد الله العنزي وثقه أبو زرعة وروى عنه جماعة كما في الخلاصة فقول الحافظ في التقريب " مقبول " فيه قصور في حقه. وقد ورد الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " امشوا أمامي ... ". وسيأتي تحقيق الكلام عليه إن شاء الله تعالى برقم (1557) . 437 - " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره، ومن مات وعليه دين فليس ثم دينار ولا درهم ولكنها الحسنات والسيئات، ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يأتي بالمخرج مما قال ". أخرجه أبو داود (2 / 117) والحاكم (2 / 27) والسياق له وأحمد (2 / 70) عن زهير حدثنا عمارة بن غزية عن يحيى بن راشد عن عبد الله بن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، ورجاله ثقات رجال مسلم غير يحيى بن

راشد وهو ثقة كما في " التقريب ". وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 152) : " رواه أبو داود والطبراني بإسناد جيد، وزاد - يعني الطبراني -: وليس بخارج ". وللحديث طريقان آخران: الأول عن المثنى بن يزيد عن مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال: " ومن أعان على خصومة بظلم باء بغضب من الله عز وجل ". هكذا أخرجه أبو داود، والمثنى مجهول، لكنه توبع على هذه الجملة الأخيرة كما خرجته في " إرواء الغليل " (2376) . والطريق الآخر أخرجه أحمد (2 / 82) عن أيوب بن سلمان رجل من أهل صنعاء عن ابن عمر مرفوعا به نحوه وزاد في آخره: " ركعتا الفجر حافظوا عليهما فإنهما من الفضائل ". وإسناده ضعيف، أيوب هذا فيه جهالة كما في " التعجيل " وبقية رجال إسناده موثقون. وله طريق ثالث إلا أنه ضعيف جدا، أخرجه الخطيب (8 / 379) قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: حدث لاحق بن الحسين بن عمران بن أبي الورد حدثنا أبو سليمان داود بن سليمان بن داود الأصبهاني - قدم بغداد - حدثنا أبو الصلت سهل ابن إسماعيل المرادي: حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعا به. وقال: " حديث باطل عن مالك ومن فوقه، وكان لاحق غير ثقة ".

438

438 - " مالي وللدنيا؟! ما أنا والدنيا؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب ظل تحت شجرة ثم راح وتركها ". أخرجه الترمذي (2 / 60) ، الحاكم (4 / 310) والطيالسي (ص 36 رقم 277) وعنه ابن ماجه (2 / 526) وأحمد (1 / 391، 441) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 102، 4 / 234) من طرق عن المسعودي عن عمرو بن مرة عن إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وهو كما قال، فإن له شاهدا يأتي بعده. ورواه الطبراني وأبو الشيخ في " كتاب الثواب " كما في " الترغيب " (4 / 113) . وسببه فيما قال ابن مسعود: " اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه، فقلت: يا رسول الله ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحديث. 439 - " ما لي وللدنيا؟! ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها ". أخرجه ابن حبان (2526) والحاكم (4 / 309 - 310) وأحمد (1 / 301) والضياء

440

في " المختارة " (66 / 85 / 1) عن ثابت بن يزيد حدثنا هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبه فقال: يا نبي الله لو اتخذت فراشا أوثر من هذا؟ فقال "، فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي. كذا قالا! وهلال بن خباب قال في " التقريب ": " صدوق تغير بآخره " ورمز له بأنه من رجال السنن الأربعة، وفي " الخلاصة " رمز له بأنه من رجال الستة، ولعله تصحيف. والله أعلم. والحديث رواه البيهقي أيضا كما في " الترغيب " (4 / 114) ، ويقويه شاهده الذي قبله. 440 - " من أمن رجلا على دمه فقتله فإنه يحمل لواء غدر يوم القيامة ". رواه النسائي في " الكبرى " (2 / 52 / 2 - سير) والبخاري " في التاريخ " (2 / 1 / 295) وابن ماجه (2 / 152 - 153) والطحاوي في " المشكل " (1 / 77) وأحمد (5 / 223، 224) والخرائطي في " المكارم " (29) من طريق عبد الملك بن عمير عن رفاعة بن شداد القتباني قال:

لولا كلمة سمعتها من عمرو بن الحمق الخزاعي لمشيت فيها بين رأس المختار وجسده، سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا سند صحيح ورجاله ثقات كما في " الزوائد " لأن رفاعة بن شداد القتباني - بكسر القاف وسكون المثناة - وثقه النسائي وذكره بن حبان في " الثقات " وباقي رجال الإسناد رجال مسلم. وفي لفظ للنسائي: " إذا اطمأن الرجل إلى الرجل ثم قتله رفع له لواء ... ". وورد بلفظ: " من أمن رجلا على دمه فقتله فأنا برىء من القاتل، وإن كان المقتول كافرا ". أخرجه البخاري في " التاريخ " والطحاوي في " المشكل " (1 / 78) والخرائطي والطبراني في " الصغير " (ص 9، 121) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 24) من طرق عن السدي عن رفاعة بن شداد به. وهذا سند حسن، رجاله ثقات غير السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن وهو صدوق يهم. كما في " التقريب ". وأخرجه الطيالسي (ص 181 رقم 1285) : حدثنا محمد بن أبان عن السدي به بلفظ: " إذا أمن الرجل الرجل على نفسه " والباقي مثله سواء. ورواه ابن حبان في " صحيحه " (رقم 1682 - موارد) بلفظ: " أيما رجل أمن رجلا " والباقي مثله، وكذلك هو في " المسند " (5 / 223 - 224) دون قوله: " وإن كان المقتول كافرا ". وله شاهد من حديث معاذ بن جبل مرفوعا به.

441

أخرجه أبو نعيم (3 / 324 - 325) وفي سنده متهم، وقال أبو نعيم: " هذا الحديث مشهور من حديث عمرو بن الحمق عن النبي صلى الله عليه وسلم ". 441 - " من أماثل أعمالكم إتيان الحلال (يعني النساء) ". أخرجه أحمد (4 / 231) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 20) من طريق الطبراني عن معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد الحرازي قال: سمعت أبا كبشة الأنماري قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه فدخل، ثم خرج وقد اغتسل فقلنا: يا رسول الله قد كان شيء؟ قال: أجل، مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا فإنه من أماثل ... ". قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.

442

442 - " إن يك من الشؤم شيء حق ففي المرأة والفرس والدار ". أخرجه أحمد (2 / 85) ، حدثنا محمد بن جعفر: حدثنا شعبة عن عمر بن محمد ابن زيد أنه سمع أباه يحدث عن ابن عمر به مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم (7 / 34) من هذا الوجه. وأخرجه البخاري من طريق أخرى عن عمر بلفظ: (إن كان ... ) ، وسيأتي إن شاء الله تعالى برقم (799) . والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء، لأن معناه: لو كان الشؤم ثابتا في شيء ما، لكان في هذه الثلاثة، لكنه ليس ثابتا في شيء أصلا. وعليه فما في بعض الروايات بلفظ " الشؤم في ثلاثة ". أو " إنما الشؤم في ثلاثة " فهو اختصار، وتصرف من بعض الرواة. والله أعلم. 443 - " ما طلعت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين : يا أيها الناس هلموا إلى ربكم، فإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى. ولا آبت شمس قط إلا بعث بجنبتيها ملكان يناديان، يسمعان أهل الأرض إلا الثقلين: اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا مالا تلفا ". أخرجه ابن حبان (2476) وأحمد (5 / 197) والطيالسي (رقم 979) ومن طريقهما أبو نعيم في " الحلية " (1 / 226، 2 / 233، 9 / 60) من طريقين عن قتادة عن خليد بن عبد الله العصري عن أبي الدرداء مرفوعا. وقال أبو نعيم: " رواه عدة عن قتادة منهم سليمان التيمي وشيبان بن عبد الرحمن النحوي وأبو

عوانة وسلام بن مسكين وغيرهم ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي (3 / 122) وقد أورده بهذا التمام: " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ". ثم ذهل، فأورده في مكان آخر (10 / 255) دون قوله. " ولا آبت شمس قط.. الخ ". وقال: " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " وزاد: " ولا آبت شمس قط " الخ ، رواه الطبراني في " الأوسط " إلا أنه قال: " اللهم من أنفق فأعطه خلفا، ومن أمسك فأعطه تلفا ". ورجال أحمد وبعض أسانيد الطبراني في " الكبير " رجال الصحيح ". قلت: وإنما قلت: " ذهل " لأن هذه الزيادة التي عزاها للطبراني في " الكبير " هي عند أحمد أيضا كما علمت. والحديث أورد الشطر الثاني منه المنذري في " الترغيب " (2 / 39) وقال: " رواه أحمد وابن حبان في " صحيحه " والحاكم بنحوه وقال: " صحيح الإسناد " والبيهقي من طريقه، ولفظه في إحدى رواياته ... ". قلت: فذكره على التمام وفي آخره زيادة: " وأنزل الله في ذلك قرآنا في قول الملكين: " يا أيها الناس هلموا إلى ربكم " في سورة يونس: (والله يدعو إلى دار السلام ويهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) وأنزل في قولهما: " اللهم أعط منفقا خلفا، وأعط ممسكا تلفا ": (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى. وما خلق الذكر والأنثى) إلى قوله: (العسرى) ".

444

قلت: وكذلك أخرجه ابن أبي حاتم وفي روايته تصريح قتادة بالتحديث كما في " الفتح ". وكذلك رواه ابن جرير (30 / 122) من طريق عباد بن راشد عن قتادة قال: حدثنا خليد البصري به بالشطر الثاني منه وزاد: " فأنزل الله في ذلك القرآن (فأما من أعطى..) إلى قوله (العسرى) ". 444 - " إذا وضع الرجل الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، وإذا وضع الرجل السوء على سريره قال: يا ويله أين تذهبون بي؟! ". أخرجه النسائي (1 / 270) وابن حبان (764) وأحمد (2 / 292، 500) والسياق له من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عبد الرحمن بن مهران أن أبا هريرة قال حين حضره الموت: " لا تضربوا على فسطاطا، ولا تتبعوني بمجمر، وأسرعوا بي، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وليس عند النسائي الموقوف منه. وقد روي مرفوعا بلفظ: (لا تتبع الجنازة) فانظر " كتاب الجنائز " (ص 70 طبع المكتب الإسلامي) . وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة، قالت: قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت لأهلها: يا ويلها أين يذهبون بها؟ ! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمع الإنسان لصعق ". أخرجه البخاري (3 / 142، 144، 189 - فتح) وأحمد (3 / 41، 58) .

445

445 - " ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة ". أخرجه أبو داود (2 / 46) والبيهقي في " سننه " (9 / 205) عن صفوان ابن سليم عن عدة (وقال البيهقي: ثلاثين) من أبناء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آبائهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. قال الحافظ العراقي في " فتح المغيث " (4 / 4) : " وهذا إسناد جيد وإن كان فيه من لم يسم، فإنهم عدة من أبناء الصحابة يبلغون حد التواتر الذي لا يشترط فيه العدالة ". وقال السخاوي في " المقاصد " ص (185) : " وسنده لا بأس به، ولا يضره جهالة من لم يسم من أبناء الصحابة، فإنهم عدد ينجبر به جهالتهم، ولذا سكت عليه أبو داود. (ثم قال:) وله شواهد بينتها في جزء أفردته لهذا الحديث، منها عن عمر بن سعد رفعه: " أنا خصم يوم القيامة لليتيم، والمعاهد، ومن أخاصمه أخصمه ". قلت: وانظر " أيحسب أحدكم متكئا "، وفي الكتاب الآخر " منعني ربي أن أظلم معاهدا "، (1195) و (لعلكم تقاتلون قوما "، (2947) . 446 - " لو أن رجلا يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرما في مرضاة الله عز وجل لحقره يوم القيامة ". أخرجه أحمد (4 / 185) والبخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 15) وأبو العباس الأصم في " حديثه " (رقم 54 - نسختي) وأبو بكر الشاشي في " الفوائد " (ق 107 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 15، 5 / 219) من طريق بقية حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن عتبة بن عبد قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

447

قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، وبقية إنما يخشى من عنعنته لأنه مدلس، ولكنه قد صرح بالتحديث، فأمنا بذلك تدليسه. 447 - " الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (125) والدارقطني (490) عن إسماعيل ابن عياش عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء، وهم إسماعيل بن عياش ومن فوقه. ولذلك جزم الحافظ بضعفه، فقال في " الفتح " (10 / 443) بعد ما عزاه للأدب المفرد: " سنده ضعيف، وأخرجه الطبراني في " الأوسط " وقال: لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ". وأما قول الهيثمي (8 / 122) بعد ما عزاه للأوسط: " وإسناده حسن ". فليس بحسن. نعم له شواهد يصل بها إلى رتبة الحسن منها عن عائشة قالت: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشعر؟ فقال: هو كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح ". قال الهيثمي: " رواه أبو يعلى، وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان وثقه دحيم وجماعة، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: إذا لم يكن له علة غير ابن ثوبان هذا فهو حسن الإسناد، لأن ابن ثوبان صدوق يخطىء كما في " التقريب "،

448

وقد رواه البخاري في " الأدب " (125) موقوفا عليها: حدثنا سعيد بن تليد قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثني جابر ابن إسماعيل وغيره عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت تقول: الشعر منه حسن، ومنه قبيح، فخذ بالحسن، ودع القبيح، ولقد رويت من شعر كعب بن مالك أشعارا، منها القصيدة فيها أربعون بيتا، ودون ذلك. قال الحافظ: " وسنده حسن، وأخرج أبو يعلى أوله من حديثها من وجه آخر مرفوعا ". قلت: ورجال البخاري ثقات رجال " صحيح البخاري، غير جابر بن إسماعيل فمن رجال مسلم، غير أنه تفرد عنه ابن وهب، ووثقه ابن حبان كما في " الخلاصة "، وقد تابعه غيره كما صرح به ابن وهب، وإن كنا نجهله، فالإسناد حسن كما قال الحافظ إن شاء الله تعالى. ثم وقفت على إسناد أبي يعلى والحمد لله، فوجدته حسنا، قال في " مسنده " (3 / 1167 مصورة المكتب الإسلامي) : حدثنا عباد بن موسى الختلي أنبأنا عبد الرحمن بن ثابت عن هشام عن أبيه عنها. وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الرحمن بن ثابت وهو ابن ثوبان العنسي الدمشقي، وقد عرفت حاله من كلام الحافظ المتقدم، وقد حسن له الترمذي، فالحديث بمجموع الطريقين صحيح. والله أعلم. 448 - " ما رزق عبد خير له ولا أوسع من الصبر ". أخرجه الحاكم (2 / 414) من طريق إسحاق بن سليمان الرازي قال: سمعت مالك ابن أنس وتلا قول الله عز وجل: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما

449

صبروا) فقال: حدثني الزهري أن عطاء ابن يزيد حدثه عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به. وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وله شاهد أخرجه القضاعي (67 / 1) عن إبراهيم بن عبد الله السعدي قال: أنبأنا الحسين بن علي أبو علي الأصم قال: أنبأنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير الحسين بن علي أبي علي الأصم فلم أجد له ترجمة. والسعدي له ترجمة في " اللسان ". 449 - " خلق الله آدم على صورته: طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك: فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم: فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: " ورحمة الله " فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ". أخرجه البخاري (6 / 281، 11 / 2 - 6) ومسلم (8 / 149) وأحمد (2 / 315) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 29)

450

من حديث همام بن منبه حدثنا أبو هريرة مرفوعا به. 450 - " ما تحاب رجلان في الله إلا كان أحبهما إلى الله عز وجل أشدهما حبا لصاحبه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (79) وابن حبان (2509) والحاكم في " المستدرك " (4 / 171) والخطيب في " التاريخ " (11 / 341) عن المبارك ابن فضالة عن ثابت عن أنس. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقره الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 139) . قلت: وهذا من الذهبي عجب فهو الذي ذكر في ترجمة المبارك هذا من " الميزان ": " وقال أبو داود: شديد التدليس، فإذا قال: حدثنا فهو ثبت، وقال أبو زرعة

يدلس كثيرا فإذا قال: حدثنا فهو ثقة ". قلت: وهو عند الحاكم معنعن! نعم قد قال: " حدثنا ثابت " في رواية البخاري وابن حبان فزالت العلة، وثبت الحديث. وقال المنذري (4 / 46) : " رواه الطبراني وأبو يعلى عن أنس، ورواته رواة الصحيح إلا مبارك بن فضالة ". وقال الهيثمي (10 / 276) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وأبو يعلى والبزار بنحوه، ورجال أبي يعلى والبزار رجال الصحيح، غير مبارك بن فضالة، وقد وثقه غير واحد على ضعف فيه ". قلت: وفي " التقريب ": " صدوق يدلس ويسوي ". وقد وجدت له متابعا قويا، إلا أنهم أعلوه، أخرجه الخطيب (9 / 440) : أخبرنا علي بن أبي علي حدثنا عمر بن محمد بن علي الناقد حدثنا أبو القاسم عبد الله بن الحسين بن علي البجلي الصفار حدثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت به. ثم ذكر الخطيب أن الصفار المذكور تفرد بحديث عبد الأعلى بن حماد هذا وإيصاله وهم على حماد بن سلمة، لأن حمادا إنما يرويه عن ثابت عن مطرف بن عبد الله ابن الشخير قال: كنا نتحدث أنه " ما تحاب رجلان في الله " وذلك يحفظ عنه، فلعل الصفار سها وجرى على العادة المستمرة في ثابت عن أنس ". قلت: الصفار هذا قد ذكر الخطيب أنه ثقة مأمون وقد وصله، والوصل زيادة، وهي من ثقة، فيجب قبولها. وجائز أن يكون لحماد فيه إسنادان: عن ثابت عن أنس، وعنه عن مطرف، فكان يرويه مرة هكذا، ومرة هكذا، ولهذه أمثلة كثيرة في الأسانيد، والعمدة إنما هو رواية الثقة، وطالما أن الصفار كذلك، فإن حديثه حجة إذا

451

ثبت الإسناد إليه، وقد تأملت في جميع رجال الإسناد، فوجدتهم ثقاتا غير شيخ الخطيب: علي بن أبي علي فلم أجد من ترجمه، والظاهر أنه ليس بغداديا، وإلا لأورده الخطيب في " تاريخه "، والله أعلم. وللحديث شاهد بلفظ: " ما من رجلين تحابا.... ". (تنبيه) جميع روايات الحديث بلفظ: " رجلان ". وأما الغزالي فذكره في الإحياء " (2 / 139) بلفظ: " اثنان ". ولم أجده في شيء من هذه الروايات. 451 - " ما أنزل الله داء، إلا قد أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله ". أخرجه أحمد (1 / 377، 413، 453) من طرق. منها طريق سفيان - وهو ابن عيينة - عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن حبيب قال: سمعت عبد الله بن مسعود يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه ابن ماجه (2 / 340) عن عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عطاء به، دون قوله: " علمه ... ". الخ.

452

وفي " الزوائد " (ق 231 / 2) مصورة المكتب الإسلامي) : " إسناد حديث عبد الله بن مسعود صحيح، رجاله ثقات ". قلت: وهو كما قال، فإن عطاء بن السائب وإن كان قد اختلط فسفيان في رواية ابن ماجه وهو الثوري روى عنه قبل الاختلاط. وقد رواه عنه خالد ابن عبد الله، عند ابن حبان (1394) ، وهو ثقة من رجال الشيخين، وعبيدة بن حميد أيضا، أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 196) ، وهو ثقة من رجال البخاري. وللحديث شاهد من رواية أبي سعيد الخدري بلفظ: " إن الله لم ينزل داء.... " وهو مخرج في " تخريج الحلال " (293) . 452 - " ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ". أخرجه أحمد (4 / 131) : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس قال: حدثنا بقية قال: حدثنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب مرفوعا. ثم أخرجه (4 / 132) : حدثنا الحكم بن نافع قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد به. قلت: وهذا سند صحيح برواية بقية وابن عياش عن بحير، وبقية رجاله ثقات اتفاقا. والحديث أورده في " المجمع " (4 / 119) وقال:

453

" رواه أحمد ورجاله ثقات " وقال المنذري (3 / 80) : " رواه أحمد بإسناد جيد ". وفي " الجامع ": " رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، ثم رمز لحسنه. قال شارحه المناوي بعد أن نقل كلام المنذري والهيثمي: " وبه يعرف أن رمز المؤلف لحسنه تقصير، وأنه كان الأولى الرمز لصحته ". قلت: وأخرجه البخاري أيضا في " الأدب المفرد " (30) : حدثنا إبراهيم ابن موسى قال: أنبأنا بقية قال: أخبرني بحير بن سعد به. 453 - " ما علمته إذ كان جاهلا، ولا أطعمته إذ كان ساغبا أو جائعا ". أخرجه أبو داود (1 / 408 - 409) والنسائي (2 / 209) وابن ماجه (2 / 45) والحاكم (4 / 133) وأحمد (4 / 166 - 167) من طريق أبي بشر جعفر بن أبي إياس عن عباد بن شرحبيل قال: " أصابتني سنة فدخلت حائطا من حيطان المدينة، ففركت سنبلا، فأكلت، وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه فضربني، وأخذ ثوبي، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (فذكر الحديث) ، وأمره فرد علي ثوبي، وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، بل هو على شرط الشيخين.

454

454 - " أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة وكل تكبيرة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن منكر صدقة وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ". أخرجه مسلم (3 / 82) والبخاري في " الأدب المفرد " (35) وأحمد (5 / 167) عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر: " أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، قال ". فذكره. وله طرق أخرى بألفاظ قريبة من هذه مختصرا ومطولا فانظر " تبسمك في وجه أخيك " و" رفعك العظم " و " على كل نفس " و " يصبح على كل سلامى ". 455 - " إنكم تختصمون إلي، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي لكم على نحو مما أسمع منكم، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة ". أخرجه البخاري (3 / 162) ومسلم (5 / 129) والنسائي (2 / 307، 311) والترمذي (1 / 250 - 251) وصححه ابن ماجه (2 / 51)

والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 282) وأحمد (6 / 290 - 291، 307) وأبو يعلى (4 / 1635 - 1636) كلهم عن هشام ابن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة مرفوعا. واللفظ لابن ماجه ثم أحمد وقد تفردا بقوله: " يأتي بها يوم القيامة ". وهي زيادة على شرط الشيخين. وقد تابعه الزهري عن عروة به نحوه. أخرجه أحمد (6 / 308) ، ورواه غيره بلفظ: " إنما أنا بشر.... ". وسيأتي برقم (1162) . وله طريق أخرى فيه بيان سبب ورود الحديث، أخرجه أبو داود (2 / 115) والطحاوي (2 / 287) وأحمد (6 / 320) من طريق أسامة بن زيد عن عبد الله ابن رافع عن أم سلمة قالت: " جاء رجلان من الأنصار يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث بينهما قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فذكره . إلا أنه قال: " يأتي بها أسطاما في عنقه يوم القيامة، فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذ قلتما، فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه ". وفي رواية لأبي داود: " إني إنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل علي فيه ". وأسامة هذا هو الليثي لا العدوي فالإسناد صحيح على شرط مسلم إن كان العدوي قد حفظ، فإن في حفظه شيئا، وقد قال في " التقريب ": " صدوق يهم " وأنت ترى أنه قد جاء بزيادات لم ترد في شيء من روايات الثقات وذلك مما يجعلنا نتوقف عن الاحتجاج بما تفرد به. والله أعلم.

456

والحديث أورده بتمامه وفيه الزيادة التي عند أبي داود صاحب " منتخب كنز العمال (2 / 207) وقال: رواه ابن أبي شيبة وأبو سعيد النقاش في " القضاة ". وللحديث شاهد مرفوع بلفظ: " إنما أنا بشر، فما حدثتكم من الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي، فإنما أنا بشر أصيب وأخطئ ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 27) : حدثنا إسماعيل بن عبد الله الأصبهاني حدثنا حسين بن حفص حدثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف في النخل بالمدينة، فجعل الناس يقولون: فيها وسق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيها كذا وكذا، فقالوا: صدق الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد ". قال الهيثمي " إسناده حسن إلا أن شيخ البزار لم أر من ترجمه. قال الحافظ: " قلت: هو الحافظ الشهير سمويه ترجمه أبو نعيم في " تاريخه "، ووثقه ابن منده وأبو الشيخ وأبو نعيم وغيرهم ". 456 - " خاب عبد وخسر لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر ". أخرجه الدولابي (1 / 173) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7 / 113 / 2) من طريقين عن صفوان بن عمرو عن يزيد بن أيهم أبي رواحة عن عمرو بن حبيب أنه قال لسعيد بن خالد بن عمرو بن عثمان: أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

457

فذكره. وهذا سند حسن يزيد بن أيهم روى عنه جماعة من الثقات منهم صفوان هذا، ومحمد بن حميد وإسماعيل بن عياش، وقد وثقه ابن حبان. وفي " الجامع ": " رواه الدولابي في " الكنى " وأبو نعيم في " المعرفة " وابن عساكر عن عمرو بن حبيب ". ولم يتكلم عليه الشارح بشيء غير أنه زاد في الرواة: الديلمي. 457 - " ألا إني أوشك أن أدعى فأجيب، فيليكم عمال من بعدي، يقولون ما يعلمون ويعملون بما يعرفون، وطاعة أولئك طاعة، فتلبثون كذلك دهرا، ثم يليكم عمال من بعدهم يقولون ما لا يعلمون، ويعملون ما لا يعرفون فمن ناصحهم ووازرهم وشد على أعضادهم فأولئك قد هلكوا وأهلكوا خالطوهم بأجسادكم وزايلوهم بأعمالكم واشهدوا على المحسن بأنه محسن وعلى المسيء بأنه مسيء ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 196 / 2) والبيهقي في " الزهد الكبير " (22 / 1) والسياق له عن حاتم بن يوسف حدثنا عبد المؤمن بن خالد الحنفي - قاضي مرو - قال: سمعت عبد الله بن بريدة يحدث عن يحيى بن يعمر عن أبي سعيد الخدري قال: " قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا، فكان من خطبته أن قال "، فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن يحيى إلا ابن بريدة، ولا عنه إلا عبد المؤمن تفرد به حاتم ".

458

قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه، فالسند صحيح. 458 - " خلقت الملائكة من نور وخلق إبليس من نار السموم وخلق آدم عليه السلام مما قد وصف لكم ". رواه مسلم (8 / 226) وابن منده في " التوحيد " (32 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (62) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 277 - هند) وابن عساكر (2 / 310 / 1) عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعا. قلت: وفيه إشارة إلى بطلان الحديث المشهور على ألسنة الناس: " أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ". ونحوه من الأحاديث التي تقول بأنه صلى الله عليه وسلم خلق من نور، فإن هذا الحديث دليل واضح على أن الملائكة فقط هم الذين خلقوا من نور، دون آدم وبنيه، فتنبه ولا تكن من الغافلين. وأما ما رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " (ص 151) عن عكرمة قال: " خلقت الملائكة من نور العزة، وخلق إبليس من نار العزة ". وعن عبد الله بن عمرو قال: " خلق الله الملائكة من نور الذراعين والصدر ". قلت: فهذا كله من الإسرائيليات التي لا يجوز الأخذ بها، لأنها لم ترد عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم. 459 - " الخلافة ثلاثون سنة، ثم تكون بعد ذلك ملكا ". أخرجه أبو داود (4646، 4647) والترمذي (2 / 35) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 313) وابن حبان في " صحيحه " (1534، 1535 - موارد)

وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 114 / 2) والحاكم (3 / 71، 145) وأحمد في " المسند " (5 / 220، 221) والروياني في " مسنده " (25 / 136 / 1) وأبو يعلى الموصلي في " المفاريد " (3 / 15 / 2) وأبو حفص الصيرفي في " حديثه " (ق 261 / 1) وخيثمة بن سليمان في " فضائل الصحابة " (3 / 108 - 109) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 8 / 1) وأبو نعيم في " فضائل الصحابة " (2 / 261 / 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 2) من طرق عن سعيد بن جمهان عن سفينة أبي عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرفوعا. ولفظ أبي داود: " خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك أو ملكه من يشاء ". وزاد هو والترمذي وابن أبي عاصم وأحمد وغيرهم: " قال سفينة: أمسك خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين، وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثني عشر سنة، وخلافة على رضي الله عنه ست سنين ". وزاد الترمذي: " قال سعيد: فقلت له: إن بنى أمية يزعمون أن الخلافة فيهم، قال: كذبوا بنو الزرقاء، بل هم ملوك من شر الملوك ". قلت: وهذه الزيادة تفرد بها حشرج بن نباتة عن سعيد بن جمهان، فهي ضعيفة لأن حشرجا هذا فيه ضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال النسائي: ليس بالقوي ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". قلت: وأما أصل الحديث فثابت. قال الترمذي: " وهذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان، ولا نعرفه إلا

من حديث سعيد بن جمهان ". وقال ابن أبي عاصم: " حديث ثابت من جهة النقل، سعيد بن جمهان روى عنه حماد بن سلمة والعوام بن حوشب وحشرج ". قلت: وقد وثقه جماعة من الأئمة منهم أحمد وابن معين وأبو داود. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أفراد ": قلت: ولذلك قوي حديثه هذا من سبق ذكره، ومنهم الحاكم صحح إسناده هنا، كما صححه في حديث آخر (3 / 606) قرنه أحمد بهذا الحديث، ووافقه الذهبي. وأشار إلى مثل هذا التصحيح الحافظ في " الفتح " (13 / 182) فقال موافقا: " وصححه ابن حبان وغيره ". واحتج به الإمام ابن جرير الطبري في جزئه في " الاعتقاد " (ص 7) . وصححه شيخ الإسلام ابن تيمية في " قاعدة " له في هذا الحديث محفوظة في المكتبة الظاهرية بخطه في " مسودته " (ق 81 / 2 - 84 / 2) قال في مطلعها: " وهو حديث مشهور من رواية حماد بن سلمة وعبد الوارث بن سعيد والعوام ابن حوشب عن سعيد بن جمهان عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه أهل السنن كأبي داود وغيره، واعتمد عليه الإمام أحمد وغيره في تقرير خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة، وثبته أحمد، واستدل به على من توقف في خلافة على من أجل افتراق الناس عليه، حتى قال أحمد: " من لم يربع بعلى في الخلافة فهو أضل من حمار أهله ". ونهى عن مناكحته، وهو متفق عليه بين الفقهاء، وعلماء السنة.... ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم كانت في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة هجرية، وإلى

عام ثلاثين سنة كان إصلاح ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن على السيد بين فئتين من المؤمنين بنزوله عن الأمر عام واحد وأربعين في شهر جمادى الآخرة، وسمي عام الجماعة لاجتماع الناس على معاوية، وهو أول الملوك، وفي الحديث الذي رواه مسلم: " سيكون خلافة نبوة ورحمة، ثم يكون ملك ورحمة، ثم يكون ملك وجبرية، ثم يكون ملك عضوض " ... ". وقد وجدت للحديثين شاهدين: الأول: عن أبي بكرة الثقفي. أخرجه البيهقي في " الدلائل " من طريق على بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به نحوه. والآخر: عن جابر بن عبد الله الأنصاري. أخرجه الواحدى في " الوسيط " (3 / 126 / 2) عن شافع بن محمد حدثنا ابن الوشاء بن إسماعيل البغدادي: حدثنا محمد بن الصباح حدثنا هشيم بن بشير عن أبي الزبير عنه به نحوه. وفي الأول علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف الحفظ، فهو صالح للاستشهاد به. وفي الآخر شافع بن محمد حدثنا ابن الوشاء بن إسماعيل البغدادي، ولم أعرفهما ولعل في النسخة تحريفا. وجملة القول أن الحديث حسن من طريق سعيد بن جمهان، صحيح بهذين

الشاهدين، لاسيما وقد قواه من سبق ذكرهم، وهاك أسماءهم: 1 - الإمام أحمد 2 - الترمذي 3 - ابن جرير الطبري 4 - ابن أبي عاصم 5 - ابن حبان 6 - الحاكم 7 - ابن تيمية 8 - الذهبي 9 - العسقلاني أقول: لقد أفضت في بيان صحة هذا الحديث على النهج العلمي الصحيح وذكر من صححه من أهل العلم العارفين به، لأني رأيت بعض المتأخرين ممن ليس له قدم راسخة فيه ذهب إلى تضعيفه، منهم ابن خلدون المؤرخ الشهير، فقال في " تاريخه " (2 / 458 طبع فاس بتعليق شكيب أرسلان) ما نصه: " وقد كان ينبغي أن نلحق دولة معاوية وأخباره بدول الخلفاء وأخبارهم، فهو تاليهم في الفضل والعدالة والصحبة، ولا ينظر في ذلك إلى حديث (الخلافة ثلاثون سنة) فإنه لم يصح، والحقيقة أن معاوية في عداد الخلفاء ... ". وتبعه على ذلك العلامة أبو بكر بن العربي، فقال في " العواصم من القواصم " (ص 201) : " وهذا حديث لا يصح "! هكذا أطلق الكلام في تضعيفه، دون أن يذكر علته، وليس ذلك من الأسلوب العلمي في شيء، لاسيما وقد صححه من عرفت من أهل العلم قبله، ولقد حاول صديقنا الأستاذ محب الدين الخطيب أن يتدارك الأمر ببيان العلة فجاء بشيء لو كان كما ذكره، لوافقناه على التضعيف المذكور، فقال في تعليقه عليه: " لأن راويه عن سفينة سعيد بن جمهان (الأصل: جهمان) . وقد اختلفوا فيه،

قال بعضهم لا بأس به. ووثقه بعضهم، وقال فيه الإمام أبو حاتم: " شيخ لا يحتج به ". وفي سنده حشرج بن نباته الواسطي وثقه بعضهم. وقال فيه النسائي: ليس بالقوي وعبد الله بن أحمد بن حنبل يروى هذا الخبر عن سويد الطحان قال فيه الحافظ ابن حجر في " تقريب التهذيب ": لين الحديث ". قلت: فقد أعله بثلاث علل، فنحن نجيب عنها بما يكشف لك الحقيقة إن شاء الله تعالى: الأولى: الاختلاف في سعيد بن جمهان. والجواب أنه ليس كل اختلاف في الراوي يضر، بل لابد من النظر والترجيح، وقد ذكرنا فيما تقدم أسماء بعض الأئمة الذين وثقوه وهم أحمد وابن معين وأبو داود، ويضاف إليهم هنا ابن حبان فإنه ذكره في " الثقات " والنسائي فإنه هو الذي قال: " ليس به بأس ". وعارض هؤلاء قول البخاري: " في حديثه عجائب ". وقول الساجى: " لا يتابع على حديثه ". قلت: فهذا جرح مبهم غير مفسر، فلا يصح الأخذ به في مقابلة توثيق من وثقه كما هو مقرر في " المصطلح "، زد على ذلك أن الموثقين جمع، ويزداد عددهم إذا ضم إليهم من صحح حديثه، باعتبار أن التصحيح يستلزم التوثيق كما هو ظاهر. وأيضا فإن ابن جمهان لم يتفرد بهذا الحديث، فقد ذكرنا له شاهدين كما سبق. الثانية: أن في سنده حشرج بن نباتة ...

وأقول: هذا يوهم أنه تفرد به، وليس كذلك، فقد تابعه جماعة من الثقات كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مطلع هذا التخريج وتقدم ذكرهم من قبل ابن تيمية رحمه الله، وهم حماد بن سلمة وعبد الوارث ابن سعيد والعوام بن حوشب، ثلاثتهم قد وافق حشرجا على أصل الحديث، فلا يجوز إعلال الحديث به، كما لا يخفى على المبتدىء في هذا العلم، فضلا عن المبرز فيه. ولعل الأستاذ الخطيب لم يتنبه لهذه المتابعات القوية ظنا منه أن الترمذي ما دام أنه رواه من طريق حشرج فكذلك رواه الآخرون، ولكن كيف خفي عليه قول الترمذي عقب الحديث كما تقدم نقله عنه: " وقد رواه غير واحد عن سعيد بن جمهان "؟ ! الثالثة: أن عبد الله بن أحمد رواه من طريق سويد الطحان وهو لين الحديث. فأقول: ذلك مما لا يضر الحديث إطلاقا، لأن من سبق عزو الحديث إليهم وهم جم غفير قد رووه من طرق كثيرة وصحيحة عن سعيد بن جمهان، ليس فيها سويد هذا! فهل يضر الثقات أن يشاركهم في الرواية أحد الضعفاء؟ ! فقد تبين بوضوح سلامة الحديث من علة قادحة في سنده، وأنه صحيح محتج به. وبالله التوفيق. وقد أعله الأستاذ الخطيب أيضا بعلة أخرى في متنه فقال: " وهذا الحديث المهلهل يعارضه ذلك الحديث الصحيح الصريح الفصيح في كتاب " الإمارة " من " صحيح مسلم " ... عن جابر بن سمرة قال: " دخلت مع أبي على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول: إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ... كلهم من قريش ". وهذه المعارضة مردودة، لأن من القواعد المقررة في علم المصطلح أنه لا يجوز رد الحديث الصحيح بمعارضته لما هو أصح منه، بل يجب الجمع والتوفيق

460

بينهما، وهذا ما صنعه أهل العلم هنا، فقد أشار الحافظ في " الفتح " (13 / 182) نقلا عن القاضي عياض إلى المعارضة المذكورة ثم أجاب أنه أراد في " حديث سفينة خلافة النبوة ولم يقيد في حديث جابر بن سمرة بذلك ". قلت: وهذا الجمع قوي جدا، ويؤيده لفظ أبي داود: " خلافة النبوة ثلاثون سنة ... ". فلا ينافي مجىء خلفاء آخرين من بعدهم لأنهم ليسوا خلفاء النبوة، فهؤلاء هم المعنيون في الحديث لا غيرهم، كما هو واضح. ويزيده وضوحا قول شيخ الإسلام في رسالته السابقة: " ويجوز تسمية من بعد الخلفاء الراشدين خلفاء وإن كانوا ملوكا، ولم يكونوا خلفاء الأنبياء بدليل ما رواه البخاري ومسلم في " صحيحيهما " عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فتكثر، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ". فقوله: " فتكثر " دليل على من سوى الراشدين فإنهم لم يكونوا كثيرا. وأيضا قوله " فوا ببيعة الأول فالأول " دل على أنهم يختلفون، " والراشدون لم يختلفوا ". 460 - " جريه شبرا، فقالت (أم سلمة) إذا تنكشف القدمان، قال: فجريه ذراعا ". أخرجه أبو يعلى في " سنده " (325 / 1) حدثنا إبراهيم بن الحجاج حدثنا حماد عن أيوب عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال في جر الذيل ما قال، قالت: قلت: يا رسول الله

461

فكيف بنا؟ فقال ... " فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير إبراهيم بن الحجاج وهو ثقة. ثم رواه هو (329 / 1) وأحمد (6 / 295، 309) من طريق محمد بن إسحاق عن نافع، بلفظ: " فذراع لا يزدن عليه ". وكذلك رواه عبد الله عن نافع عن سليمان بن يسار عنها. أخرجه أحمد (6 / 293) . ثم رواه (6 / 315) عن عبيد الله عن نافع به. قلت: وفي الحديث دليل على أن قدمي المرأة عورة، وأن ذلك كان أمرا معروفا عند النساء في عهد النبوة، فإنه لما قال صلى الله عليه وسلم: " جريه شبرا، قالت أم سلمة: " إذن تنكشف القدمان " مما يشعر بأنها كانت تعلم أن القدمين عورة لا يجوز كشفهما، ولذلك أمرها صلى الله عليه وسلم أن تجره ذراعا. وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذه الحقيقة، وذلك في قوله تعالى: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) . وراجع لهذا كتابنا " حجاب المرأة المسلمة "، (ص 36 - 37 - طبع المكتب الإسلامي) . 461 - " جزى الله الأنصار عنا خيرا، ولا سيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (ق 116 / 1) : حدثنا ابن أبي سمينة حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال: قال أبي: عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال:

" أمر أبي بخريزة فصنعت، ثم أمرني فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فأتيته وهو في منزله، قال: فقال لي: ماذا معك يا جابر؟ ألحم ذا؟ قال: قلت: لا، قال: فأتيت أبي، فقال لي: هل رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت: نعم، قال: فهلا سمعته يقول شيئا؟ قال: قلت: نعم، قال لي: ماذا معك يا جابر؟ ألحم ذا؟ قال: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون اشتهى فأمر بشاة داجن فذبحت، ثم أمر بها فشويت، ثم أمرني فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي: ماذا معك يا جابر؟ فأخبرته فقال " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن سمينة ولم أعرفه الآن. ثم رأيت ابن السني أخرج الحديث في " عمل اليوم والليلة " (271) فقال: أخبرنا أبو يعلى حدثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة. فعرفناه وهو صدوق كما في " التقريب " فثبت الإسناد والحمد لله. وقد توبع، فقال أبو يعلى عقبه: حدثنا أحمد بن الدورقي حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد به نحوه. والدورقي هذا - بفتح الدال - أحمد بن إبراهيم النكري البغدادي ثقة حافظ من شيوخ مسلم، فصح الحديث والحمد لله. وقد رواه النسائي كما في ترجمة إبراهيم من " التهذيب ". وتابعه محمد بن عمر بن علي بن مقدم حدثنا إبراهيم بن حبيب بن الشهيد به. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 285) عن عبد الله بن أحمد ابن سوادة عنه. وهذه متابعة قوية فإن ابن مقدم - بالتشديد - صدوق من رجال " السنن ". وابن سوادة صدوق أيضا كما في " تاريخ بغداد " (9 / 373) . ثم رأيته في " مستدرك الحاكم " (4 / 111 - 112) من طريق النسائي وغيره عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد حدثنا أبي به، وسقط من إسناده ذكر جده

462

حبيب بن الشهيد، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. 462 - " جرح رجل فيمن كان قبلكم جراحا، فجزع منه، فأخذ سكينا فخز بها يده، فما رقى الدم عنه حتى مات، فقال الله عز وجل: عبدي بادرني نفسه حرمت عليه الجنة ". رواه الطبراني (1 / 175 - 176) : حدثنا علي بن عبد العزيز أنبأنا حجاج ابن منهال حدثنا جرير بن حازم: أنبأنا الحسن حدثنا جندب بن عبد الله البجلي مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح متصل. وقد أخرجه البخاري في " صحيحه " (2 / 373) : حدثنا محمد قال: حدثنا حجاج قال جرير عن الحسن به نحوه. 463 - " اجعلوا مكان الدم خلوقا. يعني في رأس الصبي يوم الذبح عنه ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1057) : أخبرنا محمد بن المنذر بن سعيد: حدثنا يوسف بن سعيد حدثنا حجاج عن ابن جريج: أخبرني يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: " كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس الصبي، وضعوها على رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ". فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير شيخ ابن حبان محمد بن المنذر بن سعيد وهو أبو عبد الرحمن الهروي ثقة حافظ له

464

ترجمة في " تذكرة الحفاظ " (2 / 284) و " الشذرات " (2 / 242) . وأخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (9 / 303) من طريق عبد المجيد ابن عبد العزيز عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد الأنصاري به. وصححه ابن السكن كما في " التلخيص " رقم (1983) ، وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 58) : " رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخه إسحاق فإني لم أعرفه ". قلت: إسناد أبي يعلى في " مسنده " (3 / 1114 مصورة المكتب الإسلامي) هكذا: حدثنا إسحاق أنبأنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد به. وإسحاق هذا الذي لم يعرفه الهيثمي هو إسحاق بن أبي إسرائيل كما في حديث آخر عند أبي يعلى قبل هذا الحديث، واسم أبيه إبراهيم بن كامجرا أبو يعقوب المروزي وهو من شيوخ البخاري في " الأدب المفرد " وأبي داود وغيرهما، وهو ثقة كما قال ابن معين وغيره مات سنة (240) . 464 - " كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته، وقال: (آمين) ". أخرجه ابن حبان (462) والدارقطني (127) والحاكم (1 / 223) والبيهقي (2 / 58) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الزبيدي: حدثنا عمرو بن الحارث حدثنا عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: أخبرني محمد بن مسلم عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وقال الدارقطني:

" هذا إسناد حسن ". وأقره البيهقي. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! قلت: وهذا عجب منهم جميعا، لاسيما الذهبي منهم، فإنه نفسه أورد إسحاق ابن إبراهيم هذا في " الضعفاء " وقال: " كذبه محمد بن عوف، وقال أبو داود: ليس بشيء ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم كثيرا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب ". ثم هو ليس من رجال الشيخين كما زعم الذهبي تبعا للحاكم!! وعبد الله بن سالم هو الأشعري الوحاظي الحمصي ولم يخرج له مسلم! وهو ثقة، وكذلك سائر الرواة ثقات وهم من رجال الشيخين، فالعلة من إسحاق بن إبراهيم. لكنه لم يتفرد بهذا الحديث، فإن له طريقا آخر، يرويه بشر بن رافع عن أبي عبد الله بن عم أبي هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تلا (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول ". زاد في رواية: " فيرتج بها المسجد ". أخرجه أبو داود (934) وابن ماجه (853) والزيادة له.

قلت: وهذا إسناد ضعيف بينه البوصيري في " الزوائد " (56 / 1) بقوله: " هذا إسناد ضعيف، أبو عبد الله، لا يعرف حاله، وبشر ضعفه أحمد، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات ". وقال الحافظ في " التقريب ": " بشر بن رافع، فقيه، ضعيف الحديث ". ومما يقوي الحديث ويشهد لصحته حديث وائل بن حجر قال: فذكره بمعناه. أخرجه أبو داود (932) والترمذي (2 / 27) وحسنه من طريق سفيان عن سلمة ابن كهيل عن حجر بن عنبس عنه. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الشيخين غير حجر بن عنبس وهو صدوق كما في " التقريب ". وسفيان هو ابن سعيد الثوري، وتابعه علي بن صالح عن سلمة بن كهيل به ولفظه: " أنه صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجهر بآمين، وسلم عن يمينه، وعن شماله، حتى رأيت بياض خده ". أخرجه أبو داود (933) . وإسناده جيد أيضا. وفي الحديث مشروعية رفع الإمام صوته بالتأمين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم من الأئمة، خلافا للإمام أبي حنيفة وأتباعه، ولا حجة عندهم سوى التمسك بالعمومات القاضية بأن الأصل في الذكر خفض الصوت فيه. وهذا مما لا يفيد في مقابلة مثل هذا الحديث الخاص في بابه، كما لا يخفى على أهل العلم

465

الذين أنقذهم الله تبارك وتعالى من الجمود العقلي والتعصب المذهبي! وأما جهر المقتدين بالتأمين وراء الإمام، فلا نعلم فيه حديثا مرفوعا صحيحا يجب المصير إليه، ولذلك بقينا فيه على الأصل الذي سبقت الإشارة إليه. وهذا هو مذهب الإمام الشافعي في " الأم " أن الإمام يجهر بالتأمين دون المأمومين وهو أوسط المذاهب في المسألة وأعدلها. وإني لألاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم لو كانوا يجهرون بالتأمين خلف النبي صلى الله عليه وسلم لنقله وائل بن حجر وغيره ممن نقل جهره صلى الله عليه وسلم به، فدل ذلك على أن الإسرار به من المؤتمين هو السنة، فتأمل. 465 - " عليكم بالنسلان ". رواه الحاكم (1 / 443، 2 / 101) وأبو نعيم في " الطب " (2 / 8 / 1) عن روح بن عبادة حدثنا ابن جريج أخبرني جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: " شكا ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم المشي فدعا بهم فقال: (فذكره) فنسلنا فوجدناه أخف علينا ". وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله شاهد مرسل أخرجه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 127 / 1) :

466

حدثني أبي حدثني محمد بن عبيد عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق عن ابن عيينة عن رجل أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأصحابه وهم يمشون فشكوا الإعياء فأمرهم أن ينسلوا. قلت: وهذا مرسل لأن ابن عيينة واسمه الحكم أبو محمد الكندي مولاهم تابعي روى عن أبي جحيفة وغيره. ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير والد ابن قتيبة واسمه مسلم بن قتيبة فلم أجد له ترجمة، ويبدو أنه مجهول لا يعرف، فقد ترجم الخطيب (10 / 170) وغيره لابنه عبد الله بن مسلم بن قتيبة، فلم يذكروا في شيوخه والده هذا! (النسلان) بفتح النون والسين المهملة - الإسراع في المشي. 466 - " اركع ركعتين ولا تعودون لمثل هذا. يعني الإبطاء عن الخطبة. قاله لسليك الغطفاني ". أخرجه ابن حبان (569) والدارقطني (169) من طريق يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: " دخل سليك الغطفاني المسجد يوم الجمعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وقال ابن حبان: " أراد الإبطاء ". قلت: وإسناده حسن قد صرح عنده ابن إسحاق بالتحديث بخلاف

467

الدارقطني، وهي فائدة من أجلها خرجت الحديث هنا، وقد أورده عبد الحق الإشبيلي في " أحكامه " (رقم 1753 - بتحقيقي) من طريق الدارقطني وسكت عليه مشيرا بذلك إلى صحته! 467 - " أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله، قبل أن يحال بينكم وبينها ولقنوها موتاكم ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1460 - مصورة المكتب) وابن عدي في " الكامل " (ق 204 / 2) عنه وعن غيره، وابن حمصة في " جزء البطاقة " (ق 69 / 1) والخطيب في " تاريخ بغداد " (3 / 38) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 207 / 2) من طرق عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، ضمام بن إسماعيل قال الذهبي في " الميزان ": " صالح الحديث لينه بعضهم بلا حجة ... أورده ابن عدي في " كامله "، وسرد له أحاديث حسنة ". قلت: ثم ساق الذهبي قسما من تلك الأحاديث الحسنة، هذا أحدها. وقد أشار إلى تحسينه أيضا الحافظ عبد الحق الإشبيلي بقوله في " أحكامه " (رقم 1774) بعد أن ذكره من رواية ابن عدي: " ضمام هذا، كان متعبدا، صدوقا، صالح الحديث ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما أخطأ ". وكذا قال في شيخه موسى بن وردان. والحديث عزاه في " الجامع الصغير " لأبي يعلى وابن عدي، ورمز له بالضعف! وتعقبه المناوي فقال في شرحه:

" رمز المصنف لضعفه، وتقدمه الحافظ العراقي مبينا لعلته فقال: فيه موسى ابن وردان مختلف فيه. انتهى. ولعله بالنسبة لطريق ابن عدي، أما طريق أبي يعلى. فقد قال الحافظ الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير ضمام بن إسماعيل وهو ثقة. انتهى. وبذلك يعرف أن إطلاق رمز المصنف لضعفه غير جيد ". قلت: وفي هذا الكلام نظر من وجوه: أولا: أن قول العراقي في ابن وردان: " مختلف فيه " ليس نصا في تضعيفه، بل هو إلى تقويته أقرب منه إلى تضعيفه، لأن المعهود في استعمالهم لهذه العبارة " مختلف فيه " أنهم لا يريدون به التضعيف، بل يشيرون بذلك إلى أن حديثه حسن، أو على الأقل قريب من الحسن، ولا يريدون تضعيفه مطلقا، لأن من طبيعة الحديث الحسن أن يكون في رواية اختلاف، وإلا كان صحيحا. فتأمل. ثانيا: قول الهيثمي " رجاله رجال الصحيح ... " ليس بصحيح، فإن موسى بن وردان لم يخرج له البخاري ومسلم في " صحيحيهما "، وإنما أخرج له الأول في " الأدب المفرد "! ثالثا: ميل المناوي إلى أن طريق أبي يعلى ليس فيها موسى المذكور ليس بصواب كما يدلك عليه تخريجنا المذكور في أول هذا التحقيق، فاغتنمه فإنه عزيز نفيس. والحديث في " صحيح مسلم " وغيره من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا بلفظ: " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ". من فقه الحديث: فيه مشروعية تلقين المحتضر شهادة التوحيد، رجاء أن يقولها فيفلح. والمراد

468

بـ (موتاكم) من حضره الموت، لأنه لا يزال في دار التكليف، ومن الممكن أن يستفيد من تلقينه فيتذكر الشهادة ويقولها، فيكون من أهل الجنة. وأما تلقينه بعد الموت، فمع أنه بدعة لم ترد في السنة فلا فائدة منه لأنه خرج من دار التكليف إلى دار الجزاء، ولأنه غير قابل للتذكر، (لتنذر من كان حيا) . وصورة التلقين أن يؤمر بالشهادة، وما يذكر في بعض الكتب أنها تذكر عنده ولا يؤمر بها خلاف سنه النبي صلى الله عليه وسلم كما حققته في " كتاب الجنائز " (ص 10 - 11) فراجعه. 468 - " إذا نعس أحدكم في المسجد يوم الجمعة، فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره ". أخرجه أبو داود (1119) والترمذي (2 / 404) وابن حبان (571) والحاكم (1 / 291) والبيهقي (3 / 237) وأحمد (2 / 22، 32) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 186) من طرق عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "! وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! كذا قالا! وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه في جميع الطرق عنه، وكأنه لذلك قال البيهقي عقبه:

" ولا يتثبت رفع هذا الحديث، والمشهور عن ابن عمر من قوله ". ثم ساقه من طريق عمرو بن دينار عنه نحوه. قلت: وإسناده صحيح. لكن يتقوى المرفوع بأن له طريقا أخرى، وشاهدا. أما الطريق، فهو عند البيهقي عن أحمد بن عمر الوكيعي حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع به بلفظ: " إذا نعس أحدكم في الصلاة في المسجد يوم الجمعة ... " وقال: " والمراد بالصلاة موضع الصلاة، ولا يثبت رفع هذا الحديث ... ". قلت: ورجال هذه الطريق رجال مسلم، إلا أن المحاربي وصفه أحمد بأنه كان يدلس وكأنه لذلك لم يثبت البيهقي حديثه، ولولا ذلك لكان السند صحيحا، فلا أقل من أن يصلح للاستشهاد به. وأما الشاهد، فيرويه إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وزاد في روايته: " قيل لإسماعيل: والإمام يخطب؟ قال: نعم ". أخرجه البيهقي (3 / 237 - 238) وقال: " إسماعيل بن مسلم هذا غير قوي ". قلت: ومن طريقه رواه البزار (ص 70 - زوائده) والطبراني في " الكبير " كما في " مجمع الزوائد " للهيثمي (2 / 180) وقال: " وهو ضعيف ".

469

قلت: لكن حديثه يتقوى بما قبله. والله أعلم. 469 - " إذا حكمتم فاعدلوا وإذا قتلتم فأحسنوا، فإن الله محسن يحب المحسنين ". أخرجه ابن أبي عاصم في " الديات " (ص 56) وابن عدي في " الكامل " (328 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 113) من طرق عن محمد ابن بلال حدثنا عمران عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير محمد بن بلال وهو البصري الكندي قال ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به ". وقال الحافظ: " صدوق يغرب ". 470 - " صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي، إمام ظلوم غشوم، وكل غال مارق ". أخرجه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 120 / 2) والجرجاني في " الفوائد " (112 / 1) وابن أبي الحديد السلمي في " حديث أبي الفضل السلمي " (2 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (360 / 2) من طرق عن المعلى ابن زياد عن أبي

غالب عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير أبي غالب وهو صاحب أبي أمامة، وهو حسن الحديث. وفي " التقريب ": " صدوق يخطىء ". والحديث قال المنذري في " الترغيب " (3 / 144) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات ". وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 235) : " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط "، ورجال الكبير ثقات ". وفيه إشعار بأن إسناد الأوسط ليس كذلك، فإنه عنده (1 / 197 / 2) من طريق العلاء بن سليمان عن الخليل بن مرة عن أبي غالب به، وقال: " لم يروه عن الخليل إلا العلاء ". قلت: وكلاهما ضعيف. والحديث أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (4 / 1) وابن سمعون الواعظ في " المجلس الخامس عشر " (53 - 54) من طريق موسى بن خلف العمي حدثنا المعلى ابن زياد عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار مرفوعا به. ورجاله ثقات غير أن العمي هذا صدوق له أوهام كما في " التقريب "، فأخشى أن يكون قد وهم في إسناده على المعلى، لكن رواه ابن أبي عاصم أيضا من طريق ابن المبارك حدثني منيع حدثني معاوية ابن قرة به. غير أني لم أعرف منيعا هذا. والله أعلم.

471

471 - " إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه، ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 368) : حدثنا معاوية: حدثنا أبو إسحاق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأبو إسحاق هو الفزاري. ومعاوية هو ابن عمرو بن المهلب الأزدي الكوفي البغدادي، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 256) وقال: " صحيح ثابت، رواه عن الأعمش الناس جميعا ". قلت: منهم الثوري عند أبي نعيم (7 / 86) . وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه أبو يعلى في مسنده بسند ضعيف، وأخرجه أحمد (1 / 402 - 403) مختصرا بسند آخر فيه مجهول هو عبد ربه بن أبي يزيد، وقول الهيثمي في " المجمع " (10 / 189) : " رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران ابن داود القطان، وقد وثق ". فهو خطأ، لأن عبد ربه هذا لم يخرج له البخاري ومسلم شيئا. وكذلك قول المنذري في " الترغيب " (3 / 145) : " ... بإسناد حسن " فغير حسن لجهالة المذكور. وفي المحقرات من الذنوب حديث آخر صحيح مضى برقم (384) .

472

472 - " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ". أخرجه مسلم (7 / 18 - 19) وأحمد (3 / 382) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 90) من طريق ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " أرخص النبي صلى الله عليه وسلم في رقية الحية لبني عمرو. قال أبو الزبير: سمعت جابر بن عبد الله يقول: " لدغت رجلا منا عقرب ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله أرقي؟ قال.... " فذكره. وتابعه ليث بن سعد عن أبي الزبير. رواه أحمد (3 / 334) . وفي رواية لمسلم وأحمد (3 / 302 - 315) من طريق أبي سفيان عن جابر قال: " كان لي خال يرقي من العقرب، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، قال: فأتاه فقال: يا رسول الله إنك قد نهيت عن الرقى، وأنا أرقي من العقرب ؟ فقال: فذكر الحديث. وفي رواية أخرى من هذا الوجه: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إنه كانت عندنا رقية نرقي بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأسا، من استطاع ... ". وأخرجه ابن ماجه (3515) بنحوه وقال: " فقال لهم: اعرضوا علي، فعرضوها عليه، فقال: لا بأس بهذه، هذه مواثيق ".

وليس عنده قوله في آخره: " من استطاع ... " خلافا لما فعل السيوطي في " الجامع الصغير " فإنه عزاه لأحمد ومسلم وابن ماجه! وكذلك صنع في " الكبير " (2 / 217 / 2) وزاد في التخريج: عبد بن حميد وابن حبان وابن عساكر. وعزاه قبل ذلك بأحاديث للخرائطي في مكارم الأخلاق عن الحسن مرسلا! وقد أخرجه عن جابر موصولا كما رأيت. وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى، وذلك ما كان معناه مفهوما مشروعا، وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ فغير جائز. قال المناوي: " وقد تمسك ناس بهذا العموم، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها، وإن لم يعقل معناها، لكن دل حديث عوف الماضي أن ما يؤدي إلى شرك يمنع، وما لا يعرف معناه لا يؤمن أن يؤدي إليه، فيمنع احتياطا ". قلت: ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمح لآل عمرو بن حزم بأن يرقي إلا بعد أن اطلع على صفة الرقية، ورآها مما لا بأس به. بل إن الحديث بروايته الثانية من طريق أبي سفيان نص في المنع مما لا يعرف من الرقى، لأنه صلى الله عليه وسلم نهى نهيا عاما أول الأمر، ثم رخص فيما تبين أنه لا بأس به من الرقى، وما لا يعقل معناه منها لا سبيل إلى الحكم عليها بأنه لا بأس بها، فتبقى في عموم المنع. فتأمل. وأما الاسترقاء، وهو طلب الرقية من الغير، فهو وإن كان جائزا، فهو مكروه كما يدل عليه حديث " هم الذين لا يسترقون ... ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " متفق عليه. وأما ما وقع من الزيادة في رواية لمسلم: " هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ... " فهي زيادة شاذة، ولا مجال لتفصيل القول في ذلك الآن من الناحية الحديثية، وحسبك أنها تنافي ما دل عليه هذا الحديث من استحباب الترقية. وبالله التوفيق.

473

473 - " كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا؟ ويقول: ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة ". أخرجه مالك في " الموطأ " (2 / 956 / 2) وعند الحاكم (4 / 390 - 391) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن زفر بن صعصعة عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. والشطر الثاني منه أخرجه البخاري (4 / 349) من طريق سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات؟ قال الرؤيا الصالحة ". وللحديث شواهد كثيرة خرجتها في " إرواء الغليل " رقم (2539) . والحديث نص في أنه لا نبوة ولا وحي بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا المبشرات: الرؤيا الصالحة، وهي جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة. ولقد ضلت طائفة زعمت بقاء النبوة واستمرارها بعده صلى الله عليه وسلم، وتأولوا بل عطلوا معنى هذا الحديث، ونحوه مما في الباب، وكذلك حرفوا قول الله تعالى: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) بمثل قولهم: أي زينة النبيين! وتارة يقولون: هو آخر الأنبياء المشرعين، ويقولون ببقاء النبوة غير التشريعية،

474

ومن المؤسف أن بعضهم كان استخرج كلمات الشيخ محي الدين ابن عربي (النكرة) الدالة على بقاء هذه النبوة المزعومة من كتابه " الفتوحات المكية " في كراس نشره على الناس، ثم لم يستطع أحد من المشايخ أن يرد عليهم. وكانوا من قبل قد ألفوا بعض الرسائل في الرد عليهم، وإنما أمسكوا عن الرد على هذا الكراس، لأن من مكر جامعه أنه لم يضع فيه من عند نفسه شيئا سوى أنه ذكر فيه كلمات الشيخ المؤيدة لضلالهم في زعمهم المذكور، فلو ردوا عليه لكان الرد متوجها إلى الشيخ الأكبر، وذلك مما لا يجرؤ أحد منهم عليه، هذا إن لم يروه زندقة! فكأنهم يعتقدون أن الباطل إنما هو باعتبار المحل، فإذا قام فيمن يعتقدونه كافرا، فهو باطل، وأما إذا قام فيمن يعتقدونه مسلما بل وليا، فهو حق!! والله المستعان. 474 - " أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب ". أخرجه أحمد (6 / 52) عن يحيى وهو ابن سعيد، و (6 / 97) عن شعبة، وأبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 78 / 1) عن عبدة، وابن حبان في " صحيحه " (1831 - موارد) عن وكيع وعلي بن مسهر وابن عدي في " الكامل " (ق 223 / 2) عن ابن فضيل، والحاكم (3 / 120) عن يعلى بن عبيد، كلهم عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب، فقالت: " ما أظنني إلا راجعة، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: (فذكره) . فقال لها الزبير: ترجعين عسى الله عز وجل أن يصلح بك بين الناس ".

هذا لفظ شعبة. ومثله لفظ يعلى بن عبيد. ولفظ يحيى قال: " لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب، قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، فقال بعض من كان معها، بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح ... ". قلت: وإسناده صحيح جدا، رجاله ثقات أثبات من رجال الستة: الشيخين والأربعة رواه السبعة من الثقات عن إسماعيل بن أبي خالد وهو ثقة ثبت كما في " التقريب ". وقيس بن أبي حازم مثله، إلا أنه قد ذكر بعضهم فيه كلاما يفيد ظاهره أنه مجروح، فقال الذهبي في " الميزان ": " ثقة حجة كاد أن يكون صحابيا، وثقه ابن معين والناس. وقال علي ابن عبد الله عن يحيى بن سعيد منكر الحديث، ثم سمى له أحاديث استنكرها، فلم يصنع شيئا، بل هي ثابتة، لا ينكر له التفرد في سعة ما روى، من ذلك حديث كلاب الحوأب، وقال يعقوب السدوسي: تكلم فيه أصحابنا، فمنهم من حمل عليه، وقال: له مناكير، والذين أطروه عدوها غرائب، وقيل: كان يحمل على علي رضي الله عنه. إلى أن قال يعقوب: والمشهور أنه كان يقدم عثمان، ومنهم من جعل الحديث عنه من أصح الأسانيد. وقال إسماعيل بن أبي خالد: كان ثبتا، قال: وقد كبر حتى جاوز المائة وخرف. قلت: أجمعوا على الإحتجاج به، ومن تكلم فيه فقد آذى نفسه، نسأل الله العافية وترك الهوى، فقد قال معاوية بن صالح عن ابن معين: كان قيس أوثق من الزهري ". قلت: وقد تأول الحافظ في " التهذيب " قول يحيى بن سعيد وهو القطان: " منكر الحديث " بأن مراده الفرد المطلق.

قلت: فإن صح هذا التأويل فيه، وإلا فهو مردود لأنه جرح غير مفسر، لاسيما وهو معارض لإطباق الجميع على توثيقه والإحتجاج به، وفي مقدمتهم صاحبه إسماعيل بن أبي خالد، فقد وصفه بأنه ثبت كما تقدم ولا يضره وصفه إياه بأنه خرف، لأن الظاهر أنه لم يحدث في هذه الحالة، ولذلك احتجوا به مطلقا، ولئن كان حدث فيها، فإسماعيل أعرف الناس به، فلا يروي عنه والحالة هذه، وعلى هذا فالحديث من أصح الأحاديث، ولذلك تتابع الأئمة على تصحيحه قديما وحديثا. الأول: ابن حبان فقد أخرجه في صحيحه كما سبق. الثاني: الحاكم بإخراجه إياه في " المستدرك " كما تقدم ولم يقع في المطبوع منه التصريح بالتصحيح منه، ولا من الذهبي، فالظاهر أنه سقط من الطابع أو الناسخ، فقد نقل الحافظ في " الفتح " (13 / 45) عن الحاكم أنه صححه، وهو اللائق به لوضوح صحته. الثالث: الذهبي فقد قال في ترجمة السيدة عائشة من كتابه العظيم " سير النبلاء " (ص 60 بتعليق الأستاذ الأفغاني) : " هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجوه ". الرابع: الحافظ ابن كثير، فقال في " البداية " بعد أن عزاه كالذهبي لأحمد في " المسند ": " وهذا إسناد على شرط الشيخين، ولم يخرجوه ". الخامس: الحافظ ابن حجر فقد قال في " الفتح " بعد أن عزاه لأحمد وأبي يعلى والبزار: " وصححه ابن حبان والحاكم، وسنده على شرط الصحيح ".

فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث صرحوا بصحة هذا الحديث، وذلك ما يدل عليه النقد العلمي الحديثي كما سبق تحقيقه، ولا أعلم أحدا خالفهم ممن يعتد بعلمهم ومعرفتهم في هذا الميدان سوى يحيى بن سعيد القطان في كلمته المتقدمة، وقد عرفت جواب الحافظين الذهبي والعسقلاني عليه، فلا نعيده. إلا أن العلامة القاضي أبا بكر بن العربي رحمه الله تعالى جاء في كتابه " العواصم من القواصم "، كلام قد يدل ظاهره أنه يذهب إلى إنكار هذا الحديث ويبالغ في ذلك أشد المبالغة، فقال في " عاصمة " (ص 161) : " وأما الذي ذكرتم من الشهادة على ماء الحوأب، فقد بؤتم في ذكرها بأعظم حرب، ما كان شيء مما ذكرتم، ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث، ولا جرى ذلك الكلام، ولا شهد أحد بشهادتهم، وقد كتبت شهادتهم بهذا الباطل، وسوف تسألون ". ويشير بقوله " الشهادة " إلى ما كان ذكره من قبل في " قاصمة " (ص 148) : " فجاؤا إلى ماء الحوأب، ونبحت كلابه، فسألت عائشة؟ فقيل لها: هذا ماء الحوأب، فردت خطامها عنه، وذلك لما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أيتكن صاحبة الجمل الأدبب التي تنبحها كلاب الحوأب، فشهد طلحة والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب، وخمسون رجلا إليهم، وكانت أول شهادة زور دارت في الإسلام ". قلت: ونحن وإن كنا نوافقه على إنكار ثبوت تلك الشهادة، فإنها مما صان الله تبارك وتعالى أصحابه صلى الله عليه وسلم منها، لاسيما من كان منهم من العشرة المبشرين بالجنة كطلحة والزبير، فإننا ننكر عليه قوله " ولا قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحديث "! كيف وهو قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالسند الصحيح في عدة مصادر من كتب السنة المعروفة عند أهل العلم؟ !

ولعل عذره في ذلك أنه حين قال ذلك لم يكن مستحضرا للحديث أنه وارد في شيء من المصادر، بل لعله لم يكن قد اطلع عليها أصلا، فقد ثبت عن غير واحد من العلماء المغاربة أنه لم يكن عندهم علم ببعض الأصول الهامة من تأليف المشارقة، فهذا ابن حزم مثلا لا يعرف الترمذي وابن ماجه ولا كتابيهما! وقد تبين لي أن الحافظ عبد الحق الإشبيلي مثله في ذلك، فإنه لا علم عنده أيضا بسنن ابن ماجه، ولا بمسند الإمام أحمد، فقد رأيته يكثر العزو لأبي يعلى والبزار، ولا يعزو لأحمد وابن ماجه إطلاقا. وذلك في كتابه " الأحكام الكبرى " الذي أنا في صدد تحقيقه بإذن الله تعالى. فليس من البعيد أن أبا بكر بن العربي مثلهما في ذلك، وإن كان رحل إلى الشرق، والله أعلم. ولكن إذا كان ما ذكرته من العذر محتملا بالنسبة إلى أبي بكر بن العربي فما هو عذر الكاتب الإسلامي الكبير الأستاذ محب الدين الخطيب الذي علق على كلمة ابن العربي في " العاصمة " بقوله: " ... وأن الكلام الذي نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزعموا أن عائشة ذكرته عند وصولهم إلى ذلك الماء - ليس له موضع في دواوين السنة المعتبرة ... " ! كذا قال: وكأنه عفى الله عنا وعنه، لم يتعب نفسه في البحث عن الحديث في دواوين السنة المعتبرة، بل وفي بعض كتب التاريخ المعتمدة مثل " البداية " لابن كثير، لو أنه فعل هذا على الأقل، لعرف موضع الحديث في تلك الدواوين المعتبرة أو بعضها على الأقل، ولكنه أخذ يحسن الظن بابن العربي ويقلده، فوقع في إنكار هذا الحديث الصحيح وذلك من شؤم التقليد بغير حجة ولا برهان. بيد أن هذا مع بعده عن الصواب، والإنحراف عن التحقيق العلمي الصحيح، فإنه هين بجانب قول صديقنا الأستاذ سعيد الأفغاني في تعليقه على قول الحافظ الذهبي المتقدم في " سير النبلاء ": " هذا حديث صحيح الإسناد ": " في النفس من صحة هذا الحديث شيء، ولأمر ما أهمله أصحاب الصحاح،

وفي " معجم البلدان " مادة (حوءب) أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك الفزارية وكانت سبية وهبت لعائشة، وهي المقصودة بخطاب الرسول الذي زعموه، وقد ارتدت مع طلحة، وقتلت في حروب الردة، ومن العجيب أن يصرف بعض الناس هذه القصة إلى السيدة عائشة إرضاء لبعض الأهواء العصبية ". وفي هذا الكلام مؤاخذات: الأولى: يظن الأستاذ الصديق أن إهمال أصحاب (الصحاح) لحديث ما إنما هو لعلة فيه. وهذا خطأ بين عند كل من قرأ شيئا من علم المصطلح، وتراجم أصحاب (الصحاح) ، فإنهم لم يتعمدوا جمع كل ما صح عندهم، في " صحاحهم "، والإمام مسلم منهم قد صرح بذلك في " صحيحه "، (كتاب الصلاة) ، وما أكثر الأحاديث التي ينص الإمام البخاري على صحتها أو حسنها مما يذكره الترمذي عنه في " سننه " وهو لم يخرجها في " صحيحه ". الثانية: هذا إن كان يعني بـ (الصحاح) الكتب الستة، لكن هذا الإطلاق غير صحيح، لأن السنن الأربعة من الكتب الستة ليست من (الصحاح) لا استصطلاحا، ولا واقعا، فإن فيها أحاديث كثيرة ضعيفة والترمذي ينبه على ضعفها في غالب الأحيان. وإن كان يعني ما هو أعم من ذلك فليس بصحيح، فقد عرفت من تخريجنا المتقدم أن ابن حبان أخرجه في " صحيحه "، والحاكم في " المستدرك على الصحيحين ". الثالثة: وثوقه بما جاء في " معجم البلدان " بدون إسناد، ومؤلفه ليس من أهل العلم بالحديث، وعدم وثوقه بمسند الإمام أحمد، وقد ساق الحديث بالسند الصحيح، ولا بتصحيح الحافظ النقاد الذهبي له!! الرابعة: جزمه أن صاحبة الخطاب سلمى بنت مالك ... بدون حجة ولا برهان سوى الثقة العمياء بمؤلف " المعجم "، وقد أشرنا إلى حاله في هذا الميدان،

وبمثل هذه الثقة لا يجوز أن يقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسلمى بنت مالك كذا وكذا!! الخامسة: إن الخبر الذي ذكره ووثق به لا يصح من قبل إسناده بل واه جدا، فقد قال الأستاذ الخطيب بعد الذي نقلناه عنه آنفا من الكلام على هذا الحديث. " ولو كنا نستجيز نقل الأخبار الواهية لنقلنا في معارضة هذا الخبر خبرا آخر نقله ياقوت في " معجم البلدان " (مادة حوأب) عن سيف بن عمر التميمي أن المنبوحة من كلاب الحوأب هي أم زمل سلمى ... وهذا الخبر ضعيف، والخبر الذي أوردوه عن عائشة أو هى منه ". كذا قال! (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم) . السادسة: قوله: " إرضاء لبعض الأهواء ". وكأنه يشير بذلك إلى الشيعة الذين يبغضون السيدة عائشة رضي الله عنها ويفسقونها إن لم يكفروها بسبب خروجها يوم الجمل، ولكن من هم الذين أشار إليهم بقوله " بعض الناس "،؟ أهو الإمام أحمد الذي وقف الأستاذ على إسناده للحديث؟ أم الذهبي الذي صححه أم هو يحيى بن سعيد القطان شيخ الإمام أحمد وهو من الثقات الأثبات، لاسيما وقد تابعه ستة آخرون من الثقات كما تقدم؟ أم إسماعيل بن أبي خالد وهو مثله كما عرفت، أم شيخه قيس بن أبي حازم وهو مثله في الثقة والضبط، غير أنه قيل: إنه كان يحمل على علي رضي الله عنه. فهو إذن من شيعة عائشة رضي الله عنها، فلا يعقل أن يروي عنها ما لا أصل له مما فيه ارضاء لمن أشار إليهم الأستاذ! وللحديث شاهد يزداد به قوة، وهو من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه:

" ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعد ما كادت ". رواه البزار ورجاله " ثقات ". كذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 234) والحافظ في " فتح البارى " (13 / 45) . لكن أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 426) من طريق الأشج عن عقبة بن خالد عن ابن قدامة - يعني عصام! - عن عكرمة عن ابن عباس به. وقال: " قال أبي: لم يرو هذا الحديث غير عصام، وهو حديث منكر لا يروى من طريق غيره ". قلت: عصام هذا قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 25) عن أبيه " كوفي لا بأس به ". وكذا قال أبو زرعة وأبو داود. وقال ابن معين " صالح ". وقال النسائي: " ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: ولم يضعفه أحد، فمثله حجة، وسائر الرواة ثقات أيضا، وذلك ما صرح به الهيثمي والحافظ فالسند صحيح، فلا وجه عندي لقول أبي حاتم " حديث منكر "، إلا إن كان يعني به أنه حديث

غريب فرد، ويؤيده قوله عقبه: " لا يروى من طريق غيره ". فإن كان أراد هذا فلا إشكال، وإن أراد التضعيف فلا وجه له، لاسيما وهو موافق لحديث عائشة الصحيح، فأين النكارة؟ ! وجملة القول أن الحديث صحيح الإسناد، ولا إشكال في متنه خلافا لظن الأستاذ الأفغاني، فإن غاية ما فيه أن عائشة رضي الله عنها لما علمت بالحوأب كان عليها أن ترجع، والحديث يدل أنها لم ترجع! وهذا مما لا يليق أن ينسب لأم المؤمنين. وجوابنا على ذلك أنه ليس كل ما يقع من الكمل يكون لائقا بهم، إذ لا عصمة إلا لله وحده. والسني لا ينبغي له أن يغالي فيمن يحترمه حتى يرفعه إلى مصاف الأئمة الشيعة المعصومين! ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأ من أصله ولذلك همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبؤة النبي صلى الله عليه وسلم عند الحوأب، ولكن الزبير رضي الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله " عسى الله أن يصلح بك بين الناس " ولا نشك أنه كان مخطئا في ذلك أيضا. والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى ولا شك أن عائشة رضي الله عنها المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور. قال الإمام الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 69 - 70) : " وقد أظهرت عائشة الندم، كما أخرجه ابن عبد البر في " كتاب الإستيعاب " عن ابن أبي عتيق وهو عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال: قالت عائشة لابن عمر: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا غلب عليك - يعني ابن الزبير - فقالت: أما والله لو نهيتني ما خرجت انتهى ".

475

ولهذا الأثر طريق أخرى، فقال الذهبي في " سير النبلاء " (78 - 79) : " وروى إسماعيل بن علية عن أبي سفيان بن العلاء المازني عن ابن أبي عتيق قال: قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرنيه، فلما مر بها قيل لها: هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلا قد غلب عليك. يعني ابن الزبير ". وقال أيضا: " إسماعيل بن أبي خالد عن قيس قال: قالت عائشة وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها، فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا، ادفنوني مع أزواجه، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها. قلت: تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية، وتابت من ذلك. على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع ". وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي وائل قال: ولما بعث علي عمارا والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة، ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها ". يعني عائشة. وكانت خطبته قبل وقعة الجمل ليكفهم عن الخروج معها رضي الله عنها. 475 - " لا تأكل الحمار الأهلي ولا كل ذي ناب من السباع ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 320) : حدثنا علي بن معبد قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا أبو زيد عبد الله بن العلاء قال: حدثنا مسلم ابن مشكم كاتب أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت أبا ثعلبة الخشني يقول:

476

" أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله حدثني ما يحل لي مما يحرم علي، فقال: " فذكره. وأخرجه في " مشكل الآثار " (4 / 375) بهذا الإسناد دون سبب الحديث. قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب ". وهو في " الصحيحين " و " السنن " وغيرها من طريق أخرى بلفظ: " نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع ". وهو مخرج في " الارواء " (2552) . وله شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ: " كل ذي ناب من السباع فأكله حرام ". 476 - " كل ذي ناب من السباع فأكله حرام ". أخرجه مسلم ومالك والشافعي وأحمد والطحاوي والبيهقي من طريق عبيدة ابن سفيان عنه. وله طريق أخرى عن أبي هريرة بمعناه. وإسناده جيد، خرجته في المصدر السابق (2553) . فقه الحديث فيه دليل على أن الحمار الأهلي وكل ذي ناب من الوحوش حرام أكله وليس مكروها فقط، كما زعم بعض المفسرين في هذا العصر وتأول النهي على أنه للتنزيه. ولما رأى التصريح بالتحريم في حديث أبي هريرة زعم أنه رواية بالمعنى، ويدفعه أنه إن كانت الرواية بالمعنى من الصحابي وهو أبو هريرة فهو أدرى به ممن بعده، وإن كان يعني أنه من بعض من بعده فيرده مجيئه بلفظ التحريم من الطريق الأخرى. ويؤكده أن أبا ثعلبة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما يحل له وما يحرم؟ فأجابه بقوله: " لا تأكل ... " فهذا نص في أن النهي للتحريم لأنه هو الذى سأل عنه أبو ثعلبة، ولا

477

يصح في النظر السليم أن يكون الجواب عليه " لا تأكل ... " وهو يعني يجوز الأكل مع الكراهة! 477 - " البيت المعمور في السماء السابعة يدخله كل يوم ألف ملك، ثم لا يعودون إليه حتى تقوم الساعة ". أخرجه أحمد (3 / 153) وابن جرير (27 / 11) والحاكم (2 / 468) وعبد ابن حميد في " المنتخب " (ق 132 / 2) وتمام في " الفوائد " (ج 1 رقم 67) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الحاكم: " على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وهو وهم. فإن حمادا لم يخرج له البخاري شيئا. وتابعه سليمان وهو ابن المغيرة عن ثابت به نحوه. أخرجه ابن جرير حدثنا محمد بن سنان القزاز قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا سليمان. قلت: وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين غير القزاز وهو ضعيف. وله طريق أخرى عند البخاري (3 / 30 - 32) ومسلم (1 / 103 - 104) وابن جرير من طريق قتادة عن أنس بحديث الإسراء الطويل وفيه: " ثم رفع لي البيت المعمور، فقلت: يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا البيت المعمور، يدخله ... ". وله شاهد من حديث أبي هريرة نحوه إلا أنه قال: " السماء الدنيا ".

أخرجه الحسن بن رشيق في " المنتقى من الأمالي " (ق 44 / 2) والواحدي (4 / 92 / 1) عن روح بن جناح عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة. وقد عزاه ابن كثير في " تفسيره " (8 / 76 - منار) لابن أبي حاتم من هذا الوجه بزيادة " بحيال الكعبة ". وقال: " هذا حديث غريب جدا، تفرد به روح بن جناح هذا وهو القرشي الأموي مولاهم أبو سعيد الدمشقي، وقد أنكر عليه هذا الحديث جماعة من الحفاظ منهم الجوزجاني والعقيلي والحاكم وغيرهم. وقال الحاكم: لا أصل له من حديث أبي هريرة، ولا سعيد ولا الزهري ". قلت: ووقع في رواية ابن أبي حاتم: " السماء السابعة ". فلا أدري أهكذا روايته، أم هو تحريف من الناسخ أو الطابع. وله طريق أخرى عن أبي هريرة، فقال ابن الأعرابي في " المعجم " (10 / 2) : أخبرنا ابن الجنيد أنبأنا عمرو بن عاصم أنبأنا همام أنبأنا قتادة أنبأنا الحسن عنه مرفوعا به دون ذكر السماء. والحسن هو البصري، وهو مدلس، ورجاله ثقات. وله شاهد آخر من حديث ابن عباس نحوه وفيه: " وهو مثل بيت الحرام حياله، لو سقط لسقط عليه ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 150 / 2) من طريق إسحاق ابن بشر أبي حذيفه والواحدي في " تفسيره " (4 / 92 / 1) عن سعيد بن سالم كلاهما عن ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل عنعنة ابن جريج، وضعف سعيد بن سالم، وأما إسحاق بن بشر فكذاب، فلا يستشهد به ولا كرامة. وفي " الدر المنثور " (6 / 117) :

" أخرجه الطبراني وابن مردويه بسند ضعيف ". وأخرج ابن جرير من طريق خالد بن عرعرة: " أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه: ما البيت المعمور؟ قال: بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال الكعبة من فوقها، حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض، يصلي فيه كل يوم سبعون ألفا من الملائكة، ولا يعودون فيه أبدا ". ورجاله ثقات غير خالد بن عرعرة وهو مستور. قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 343) : " روى عن علي، وعنه سماك والقاسم بن عوف الشيباني ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 37) . وقد تابعه أبو الطفيل قال: " سأل ابن الكواء عليا عن البيت المعمور؟ ... ". أخرجه ابن جرير أيضا: حدثنا ابن حميد ... عن أبي الطفيل. وابن حميد اسمه محمد، وهو ضعيف جدا. ولهذه الزيادة شاهد مرسل من رواية قتادة قال: " ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال يوما لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه مسجد في السماء، تحته الكعبة، لو خر لخر عليها ... ". أخرجه ابن جرير: حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد قال: حدثنا سعيد عن قتادة. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، غير بشر وهو ابن هلال الصواف فمن رجال مسلم وحده.

478

وجملة القول: أن هذه الزيادة " حيال الكعبة " ثابتة بمجموع طرقها، وأصل الحديث أصح. والله أعلم. 478 - " قال الله عز وجل: لا يأتي النذر على ابن آدم بشيء لم أقدره عليه، ولكنه شيء أستخرج به من البخيل يؤتيني عليه ما لا يؤتيني على البخل. وفي رواية: ما لم يكن آتاني من قبل ". أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (2 / 242) : حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه في " صحيحيهما " وأبو داود وغيرهم من طرق أخرى عن أبي الزناد به، إلا أنهم لم يجعلوه حديثا قدسيا، وقد ذكرت لفظه ومن خرجه وطرقه في " إرواء الغليل " (2650) . ورواه النسائي (2 / 142) من طريق أخرى عن سفيان به مختصرا. وتابعه همام بن منبه عن أبي هريرة به. أخرجه ابن الجارود في " المنتقى " (932) وأحمد (2 / 314) بإسناد صحيح على شرطهما، ولم يخرجاه من هذا الطريق، ولا بلفظ الحديث القدسي. وللحديث طريق ثالث بلفظ: " لا تنذروا، فإن النذر لا يغني من القدر شيئا وإنما يستخرج به من البخيل ". أخرجه مسلم وصححه الترمذي. من فقه الحديث: دل الحديث بمجموع ألفاظه أن النذر لا يشرع عقده، بل هو مكروه، وظاهر النهي في بعض طرقه أنه حرام، وقد قال به قوم. إلا أن قوله تعالى: " أستخرج به من

البخيل " يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاص بنذر المجازاة أو المعاوضة، دون نذر الابتداء والتبرر، فهو قربة محضة، لأن للناذر فيه غرضا صحيحا وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب، وهو فوق ثواب التطوع. وهذا النذر هو المراد - والله أعلم - بقوله تعالى (يوفون بالنذر) دون الأول. قال الحافظ في " الفتح " (11 / 500) : " وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (يوفون بالنذر) قال: كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة ومما افترض عليهم فسماهم الله أبرارا، وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة ". وقال قبل ذلك: " وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي، على نذر المجازاة، فقال: هذا النهي محله أن يقول مثلا: إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا. ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكورة على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه، بل سلك فيه مسلك المعاوضة، ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه، وهذه حالة البخيل، فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله: " وإنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه ". وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض، أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر، وإليهما الإشارة بقوله في الحديث أيضا " فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا ". والحالة الأولى تقارب الكفر، والثانية خطأ صريح ". قال الحافظ:

قلت: بل تقرب من الكفر أيضا. ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال: " الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد، فيكون إقدامه على ذلك محرما، والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك ". وهو تفصيل حسن، ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة. قلت: يريد بالقصة ما أخرجه الحاكم (4 / 304) من طريق فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث أنه سمع عبد الله بن عمر وسأله رجل من بني كعب يقال له مسعود بن عمرو: يا أبا عبد الرحمن إن ابني كان بأرض فارس فيمن كان عند عمر بن عبيد الله وإنه وقع بالبصرة طاعون شديد فلما بلغ ذلك نذرت: إن الله جاء بابني أن أمشي إلى الكعبة، فجاء مريضا، فمات، فما ترى؟ فقال ابن عمر: (أو لم تنهوا عن النذر؟ ! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " النذر لا يقدم شيئا، ولا يؤخره، فإنما يستخرج به من البخيل "، أوف بنذرك) . وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو عند البخاري دون القصة من هذا الوجه، وفليح يقول الحافظ في " التقريب " عنه: " صدوق كثير الخطأ ". قلت: فلا ضير على أصل حديثه ما دام أنه لم يتفرد به. والله أعلم. وبالجملة ففي الحديث تحذير للمسلم أن يقدم على نذر المجازاة، فعلى الناس أن يعرفوا ذلك حتى لا يقعوا في النهي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!

479

479 - " النذر نذران، فما كان لله فكفارته الوفاء، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه وعليه كفارة يمين ". أخرجه ابن الجارود في " المنتقى " (935) وعنه البيهقي (10 / 72) : حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا محمد بن موسى بن أعين قال حدثنا خطاب: حدثنا عبد الكريم عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير خطاب وهو ابن القاسم الحراني وهو ثقة كما قال ابن معين وأبو زرعة في رواية عنه. وقال البرذعي عنه: " منكر الحديث، يقال: إنه اختلط قبل موته ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة اختلط قبل موته ". قلت: جزمه باختلاطه غير جيد، ولم يذكره أحد به غير أبي زرعة كما سبق، ولكنه لم يجزم به بل أشار إلى عدم ثبوت ذلك فيه بقوله: " يقال ... " فإنه من صيغ التمريض كما هو معلوم. ثم إن الحديث له شواهد من حديث عائشة وغيرها، وقد خرجتها في " الإرواء " فراجع الأحاديث (2653، 2654، 2656، 2657) . وفي الحديث دليل على أمرين اثنين: الأول: أن النذر إذا كان طاعة لله، وجب الوفاء به وأن ذلك كفارته، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ".

480

متفق عليه. والآخر: أن من نذر نذرا فيه عصيان للرحمن، وإطاعة للشيطان، فلا يجوز الوفاء به، وعليه الكفارة كفارة اليمين، وإذا كان النذر مكروها أو مباحا فعليه الكفارة من باب أولى، ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام: " كفارة النذر كفارة اليمين ". أخرجه مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه، وهو مخرج في " الإرواء " (2653) . وما ذكرنا من الأمر الأول والثاني متفق عليه بين العلماء، إلا في وجوب الكفارة في المعصية ونحوها، فالقول به مذهب الإمام أحمد وإسحاق كما قال الترمذي (1 / 288) ، وهو مذهب الحنفية أيضا، وهو الصواب لهذا الحديث وما في معناه مما أشرنا إليه. 480 - " هو الطهور ماؤه، الحل ميتته ". أخرجه مالك (1 / 44 ـ 45) عن صفوان بن سليم عن سعيد بن سلمة من آل بني الأزرق عن المغيرة بن أبي بردة وهو من بني عبد الدار أنه سمع أبا هريرة يقول: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا أفنتوضأ به؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. ومن طريق مالك أخرجه أصحاب السنن وغيرهم وصححه الترمذي وجماعة من المتقدمين والمتأخرين ذكرت أسماءهم في " صحيح أبي داود " (76) . وهذا إسناد رجاله ثقات غير سعيد بن سلمة، وقد ادعى بعضهم أنه مجهول لم يرو عنه غير صفوان، ومع ذلك وثقه النسائي وابن حبان، لكن قيل: إنه روى عنه أيضا الجلاح أبو كثير، وفيه نظر عندي يأتي بيانه. قال الحافظ في " التلخيص " (1 / 10) :

" وأما سعيد بن سلمة، فقد تابع صفوان بن سليم على روايته له عند الجلاح أبو كثير، رواه عنه الليث بن سعيد، وعمرو بن الحارث وغيرهما، ومن طريق الليث رواه أحمد والحاكم والبيهقي عنه ". قلت: يعني أن الجلاح هذا رواه أيضا عن سعيد بن سلمة، فيكون له راويان صفوان والجلاح. وحينئذ فعزو هذه المتابعة لأحمد فيه نظر، لأن السند عنده (2 / 378) هكذا: " حدثنا قتيبة بن سعيد عن ليث عن الجلاح أبي كثير عن المغيرة بن أبي بردة عن أبي هريرة ... ". فالجلاح في هذا السياق متابع لسعيد بن سلمة، لا لصفوان كما أدعى الحافظ رحمه الله، نعم إنما تصح دعواه بالنظر إلى سياق الحاكم لإسناده (1 / 141) وعنه تلقاه البيهقي (1 / 3) ، رواه من طريق عبيد بن عبد الواحد بن شريك حدثنا يحيى بن بكير: حدثني الليث عن يزيد بن أبي حبيب حدثني الجلاح (أبو) كثير أن ابن سلمة المخزومي حدثه أن المغيرة بن أبي بردة أخبره به. فهذا السياق مخالف لسياق أحمد في موضعين: الأول: أنه أدخل بين الليث والجلاح يزيد بن أبي حبيب، والأول أسقطه من بينهما. والآخر: أنه أدخل بين الجلاح وبين المغيرة بن سلمة المخزومي وهو سعيد ابن سلمة، والآخر أسقطه. وهذا الاختلاف كما يبدو لأول وهلة إنما هو بين قتيبة بن سعيد ويحيى بن بكير، ولو ثبتت هذه المخالفة عن يحيى لكانت مرجوحة لأنه دون قتيبة في الحفظ

والضبط فقد أطلق النسائي فيه الضعف، وتكلم فيه غيره، لكن قال ابن عدي: هو أثبت الناس في الليث. وهذا القول اعتمده الحافظ في " التقريب " فقال: " ثقة في الليث ". وقال في قتيبة: " ثقة ثبت ". وإذا تبين الفرق بين الرجلين، فالنفس تطمئن لرواية قتيبة المتفق على ثقته وضبطه، أكثر من رواية يحيى بن بكير المختلف فيه، ولو أن عبارة ابن عدي تعطي بإطلاقها ترجيح روايته عن الليث خاصة على رواية غيره عنه. ومع ذلك فإن في ثبوت هذا السياق عن يحيى نظر، لأن الراوي عنه عبيد ابن عبد الواحد بن شريك فيه كلام أيضا. وإليك ما جاء في ترجمته عند الخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 99) : " قال الدارقطني: صدوق. وقال أبو مزاحم موسى بن عبيد الله: كان أحد الثقات ولم أكتب عنه في تغيره شيئا. وقال ابن المنادي (يعني في تاريخه) : أكثر الناس عنه، ثم أصابه أذى فغيره في آخر أيامه، وكان على ذلك صدوقا. وقال الخطبي: لم أكتب عنه شيئا ". ويتلخص مما سبق أن سياق أحمد عن الليث عن الجلاح أبي كثير عن المغيرة ابن أبي بردة عن أبي هريرة، هو الصحيح عن الليث والجلاح. وإذا تبين هذا، فالسند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير المغيرة وهو ثقة كما قال النسائي، وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 218 - 219) وروى عنه جماعة. ولتمام الفائدة يحسن أن أسوق الآن لفظ هذا الإسناد فإنه أتم، قال أبو هريرة

481

رضي الله عنه: " أن ناسا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنا نبعد في البحر، ولا نحمل من الماء إلا الإداوة والإداوتين، لأنا لا نجد الصيد حتى نبعد، أفنتوضأ بماء البحر؟ قال: نعم فإنه الحل ميتته، الطهور ماؤه ". من فقه الحديث: وفي الحديث فائدة هامة وهي حل كل ما مات في البحر مما كان يحيى فيه، ولو كان طافيا على الماء، وما أحسن ما روي عن ابن عمر أنه سئل: آكل ما طفا على الماء؟ قال: إن طافيه ميتته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ماءه طهور، وميته حل. رواه الدارقطني (538) . وحديث النهي عن أكل ما طفا منه على الماء لا يصح كما هو مبين في موضع آخر. 481 - " لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير، قلت: إن ذلك لكائن؟ قال: نعم ليكونن ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 238 - مصورة المكتب) : حدثنا محمد ابن عبد الرحيم حدثنا عفان، وابن حبان في " صحيحه " (1889 - موارد) : أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا إبراهيم بن حجاج السامي قالا حدثنا عبد الواحد ابن زياد: حدثنا عثمان بن حكيم حدثنا أبو أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال البزار: " لا نعلمه من وجه يصح إلا من هذا الوجه ".

قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم غير أحمد بن علي وهو أبو يعلى الموصلي الحافظ صاحب " المسند " وهو ثقة حافظ. وللحديث طريق أخرى، أخرجه الحاكم (4 / 457) من طريق قتادة عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن عبد الله بن عمرو قال: فذكره نحوه مطولا موقوفا. وهو في حكم المرفوع وقال: " صحيح الإسناد على شرطهما، موقوف ". ووافقه الذهبي. وله عنده (4 / 455 - 456) طريق أخرى عنه موقوفا أيضا. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا: " والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول لو واريتها وراء هذا الحائط ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 291 / 2) عن خلف بن خليفة حدثنا يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عنه. قلت: ورجال إسناده ثقات رجال مسلم، إلا أن خلفا هذا كان اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد كما في " التقريب ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 331) : " رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح "! وله طريق أخرى عن أبي هريرة، بإسناده واه وزيادة في آخره: " فذاك فيهم مثل أبي بكر وعمر فيكم ".

ومن أجلها أوردته في " الضعيفة " (1254) . وله شاهد آخر من حديث النواس بن سمعان في حديثه الطويل في الدجال ويأجوج ومأجوج، وفي آخره: " فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة فتأخذهم تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، يتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة ". أخرجه أحمد (4 / 181 - 182) ومسلم (8 / 197 - 198) والحاكم (4 / 492 - 494) وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي! فوهما في استدراكه على مسلم. (يتهارجون) أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير ولا يكترثون كذلك. و (الهرج) بإسكان الراء الجماع، يقال: هرج زوجته أي جامعها. نووي. قلت: وبمعناه تماما (يتسافدون) . وله شاهد ثالث من حديث أبي ذر نحو حديث أبي هريرة. أخرجه الحاكم (3 / 343) من طريق سيف بن مسكين الأسواري حدثنا المبارك ابن فضالة عن المنتصر بن عمارة بن أبي ذر الغفاري عن أبيه عن جده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. وقال: " تفرد به سيف بن مسكين ". قال الذهبي: " هو واه، ومنتصر وأبوه مجهولان ".

482

482 - " ارحموا ترحموا واغفروا يغفر الله لكم وويل لأقماع القول وويل للمصرين الذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 380) وأحمد (2 / 165، 219) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (42 / 1) عن حريز بن عثمان حدثنا حبان بن زيد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 155) : " رواه أحمد بإسناد جيد ". وكذلك قال العراقي كما في " فيض القدير " للمناوي، وفيه: " وقال الهيثمي رجال أحمد رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعبي وثقه ابن حبان ورواه الطبراني كذلك. انتهى والمصنف رمز لصحته، وفيه ما ترى ". وأقول: ليس فيه ما ينافي الصحة، فإن الجودة قد تجامعها، وقد تنافيها حينما يراد بها ما دونها وهو الحسن. وليس هو المتحتم هنا. وحبان بن زيد وثقه أبو داود أيضا بقوله: " شيوخ حريز كلهم ثقات ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة من الثالثة، أخطأ من زعم أن له صحبة ".

483

(الأقماع) بفتح الهمزة جمع (قمع) بكسر القاف وفتح الميم وتسكن: الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع. شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئا مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجتازا كما يمر الشراب في القمع. كذلك قال الزمخشري: من المجاز " ويل لأقماع القول " وهم الذين يستمعون ولا يعون. 483 - " من لا يرحم لا يرحم، ومن لا يغفر لا يغفر له، ومن لا يتب لا يتب عليه ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 180 / 1) وأبو الحسن الحربي في " الفوائد المنتقاة " (3 / 155 / 1) عن هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثني أبي أنبأنا المفضل بن صدقة أبو حماد الكوفي عن زياد (بن علاقة) قال سمعت جريرا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير المفضل بن صدقة فهو مختلف فيه فقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: ليس بقوى يكتب حديثه.

وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأسا، وكان أحمد بن محمد بن شعيب يثني عليه ثناء تاما. وقال الأهوازي: كان عطاء بن مسلم يوثقه. وقال البغوي: صالح الحديث. قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى، وقد تابعه ثلاثة: الأول: قيس بن الربيع عن زياد بن علاقة به. أخرجه الطبراني. وقيس هذا ضعيف أيضا لسوء حفظه فيستشهد به. الثاني: سليمان بن أرقم عن زياد بن علاقة به دون الجملة الثالثة. أخرجه أحمد (4 / 365) . وسليمان أيضا ضعيف كسابقيه. الثالث: الوليد بن أبي ثور عن زياد به كالذي قبله. أخرجه الطبراني. والوليد ضعيف أيضا،

484

لكن اجتماع هؤلاء الأربعة على روايته عن زياد مما يدل على صحة الحديث، لأنهم غير متهمين في صدقهم، وليس فيهم من كان يسرق الحديث، فيبعد عادة أن يتفقوا على الخطأ. والله أعلم. والجملة الأولى من الحديث أخرجها الشيخان في " صحيحيهما " وأحمد والطبراني وغيرهم من طرق عن جرير. وقد خرجته في " مشكلة الفقر " (108) . والجملة الثانية يشهد لها الحديث الذي قبله. 484 - " أما أبوك فلو كان أقر بالتوحيد، فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 182) حدثنا هشيم أخبرنا حجاج حدثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. " أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام ابن العاص نحر حصته خمسين بدنة، وأن عمرا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. وهشيم والحجاج كلاهما مدلس، ولكنهما قد صرحا بالتحديث، فزالت شبهة تدليسهما. ومن هنا تعلم أن قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 192) : " رواه أحمد، وفيه الحجاج بن أرطأة وهو مدلس ". فليس دقيقا، فإنه يوهم أنه قد عنعنه، وليس كذلك كما ترى. والحديث دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين ويصل إليهما ثوابها، بدون وصية منهما. ولما كان الولد من

485

سعي الوالدين، فهو داخل في عموم قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب، مما أورده المجد ابن تيمية في " المنتقى " كما فعل البعض. واعلم أن كل الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد، فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل، ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء، اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في " نيل الأوطار " (4 / 78 - 80) ، ثم الكاتب في كتابه " أحكام الجنائز وبدعها " يسر الله إتمام طبعه، من ذلك الدعاء للموتى فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى. فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة، وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه لأنه من سعيهما، وليس له ذلك عن غيرهما إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه. والله أعلم. 485 - " ما لبعيرك يشكوك؟ زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد أن تنحره (لا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون معها) ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 173) حدثنا أسود بن عامر حدثنا أبو بكر بن عياش عن حبيب بن أبي عمرة عن المنهال بن عمرو عن يعلى قال: " ما أظن أن أحدا من الناس رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دون ما رأيت - فذكر أمر

الصبي، والنخلتين، وأمر البعير، إلا أنه قال - " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير أسود بن عامر فمن أفراد مسلم. ثم استدركت فقلت: إنه منقطع كما يأتي. وقد أخرجه الحاكم (2 / 617 - 618) من طريق يونس بن بكير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه قال: " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا، نزلا منزلا فقال: انطلق إلى هاتين الشجرتين فقل: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لكما أن تجتمعا، فانطلقت فقلت لهما ذلك، فانتزعت كل واحدة منهما من أصلها، فمرت كل واحدة إلى صاحبتها، فالتقيا جميعا، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته من ورائهما، ثم قال: انطلق فقل لهما لتعود كل واحدة إلى مكانها، فأتيتهما، فقلت ذلك لهما، فعادت كل واحدة إلى مكانها. وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين يأخذه كل يوم مرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنيه، فأدنته منه، فتفل في فيه وقال: اخرج عدو الله أنا رسول الله، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجعنا فأعلمينا ما صنع. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم استقبلته ومعها كبشان وأقط وسمن، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ هذا الكبش، فاتخذ منه ما أردت، فقالت: والذي أكرمك ما رأينا به شيئا منذ فارقتنا. ثم أتاه بعير فقام بين يديه، فرأى عينيه تدمعان، فبعث إلى أصحابه، فقال: ما لبعيركم هذا يشكوكم؟ فقالوا: كنا نعمل عليه، فلما كبر وذهب عمله تواعدنا عليه لننحره غدا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنحروه واجعلوه في الإبل يكون معها. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".

ووافقه الذهبي. قلت: وقوله في السند " عن أبيه " وهم كما صرح الحافظ في " التهذيب " لكنه قال في الرواة عن يعلى: " منهم من أرسل عنه كعطاء بن السائب والمنهال بن عمرو ". وذكر نحوه في ترجمة المنهال أنه أرسل عن يعلى بن مرة. وعلى هذا فالإسناد منقطع. وأخرجه أحمد (4 / 171، 172) من طريق وكيع حدثنا الأعمش به دون قصة الجمل إلا أنه لم يقل مرة عن أبيه. وأخرجه (4 / 170) من طريق عثمان بن حكيم قال: أخبرني عبد الرحمن ابن عبد العزيز عن يعلى بن مرة قال: " لقد رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي ... ". فذكرها. وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 158) : " وإسناده جيد ". كذا قال، وعبد الرحمن هذا أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا، وقال الحسيني: " ليس بالمشهور ". وبقية رجاله ثقات رجال مسلم. وقد تابعه عبد الله بن حفص عن يعلى بن مرة الثقفي به نحوه. أخرجه أحمد (4 / 173) من طريق عطاء بن السائب عنه. وعطاء كان اختلط. وعبد الله بن حفص مجهول كما قال الحافظ وغيره.

486

وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد. والله أعلم. 486 - " كان في بني إسرائيل امرأة قصيرة، فصنعت رجلين من خشب، فكانت تسير بين امرأتين قصيرتين واتخذت خاتما من ذهب وحشت تحت فصه أطيب الطيب: المسك فكانت إذا مرت بالمجلس حركته فنفنخ ريحه (وفي رواية) : وجعلت له غلقا فإذا مرت بالملأ أو بالمجلس قالت به ففتحته، ففاح ريحه ". أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 40) : حدثنا عثمان بن عمرو حدثنا المستمر ابن الريان حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم قال (3 / 46) : حدثنا عبد الصمد حدثنا المستمر بن الريان به وزاد في أوله: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدنيا فقال: إن الدنيا خضرة حلوة، فاتقوها واتقوا النساء. ثم ذكر نسوة ثلاثا من بني إسرائيل امرأيتن طويلتين تعرفان، وامرأة قصيرة لا تعرف فاتخذت رجلين من خشب ... " الحديث نحوه وفيه الرواية الأخرى. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في " صحيحه " (7 / 48) من طريق شعبة عن خليد بن جعفر والمستمر قالا: سمعنا أبا نضرة به مختصرا. ومن طريقه عن خليد وحده به نحو رواية عبد الصمد دون الزيادة في أوله. (فنفخ) كذا الأصل بالخاء المعجمة أي فاح كما في الرواية الأخرى.

487

وكنت أظن أن الصواب (فنفح) بالحاء المهملة، ففي القاموس: " نفح الطيب كمنع فاح ... " حتى رأيت في " النهاية " في مادة " نفخ ": " ... من نفخت الريح إذا جاءت بغتة " فظننت أنها صحيحة. والله أعلم. 487 - " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ". أخرجه أبو داود (2675) : حدثنا أبو صالح محبوب بن موسى أخبرنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني عن ابن سعد - قال غير أبي صالح عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حمرة معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها إليها. ورأى قرية نمل قد حرقناها، فقال: من حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال ". فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محبوب بن موسى، وهو ثقة. وعبد الرحمن بن عبد الله وهو ابن مسعود قد سمع من أبيه على الراجح عندنا كما سبق بيانه عند الحديث (197) . وقد تابعه المسعودي عن الحسن بن سعد به. دون قصة النمل. أخرجه أحمد (1 / 404) .

وفي رواية له عن المسعودي عن القاسم والحسن بن سعد به. وقد سبق ذكر الحديث برقم (25) من أجل فقرة أخرى، وقدر إعادته هنا لشيء من الزيادة في التخريج، ولنسوق له شاهدا بلفظ: " لا تعذبوا بعذاب الله عز وجل ". أخرجه أحمد (1 / 219 - 220) حدثنا سفيان عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه في " صحيحه " (4 / 329) والترمذي (1 / 275) والنسائي (2 / 170) وأحمد أيضا (1 / 217، 282) وعنه أبو داود (4351) والدارقطني (334) من طرق أخرى عن أيوب عن عكرمة: " أن عليا حرق قوما ارتدوا عن الإسلام، فبلغ ذلك ابن عباس، فقال: لو كنت أنا لقتلتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه. ولم أكن لأحرقهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله. فبلغ ذلك عليا فقال: صدق ابن عباس. والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". وليس عند البخاري قوله " لا تعذبوا بعذاب الله " وإنما لفظه: " ... لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقتلتهم ... ". وفي رواية لأحمد وهي رواية الدارقطني وقال: " ثابت صحيح ": " فقال: ويح ابن أم عباس " مكان " صدق ابن عباس ". ولا منافاة بين الروايتين، فإن " ويح " كلمة ترحم وتوجع، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب. كما في " النهاية " فهي هنا بالمعنى الآخر كما هو ظاهر.

488

(تنبيه) عزا الحديث بلفظ الترجمة في " الفتح الكبير " لمسلم عن كعب ابن مالك، ولم أره فيه. والله أعلم. وسيأتي للحديث شاهدان آخران من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي وأبي هريرة تحت رقم (1565) . 488 - " اعفوا عنه (يعني الخادم) في كل يوم سبعين مرة ". أخرجه أبو داود (5164) من طريق ابن وهب قال: أخبرني أبو هانئ الخولاني عن العباس بن جليد الحجري قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال " فذكره. وأخرجه الترمذي (1 / 353 - 354) من هذا الوجه ولكنه لم يسق لفظه، وإنما أحال على لفظ رشدين بن سعد عن أبي هانىء الخولاني به نحوه. وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح. وأبو هانىء اسمه حميد بن هانىء وهو ثقة، ومثله العباس بن جليد الحجري. فالسند صحيح. وقول أبي حاتم: " لا أعلم سمع عباس ابن جليد من عبد الله بن عمرو " يرده تصريحه بالسماع منه في هذا السند. وتابعه ابن لهيعة عن حميد بن هانىء به. أخرجه أحمد (2 / 111) . وتابعه سعيد بن أبي أيوب حدثنا أبو هانىء عن عباس الحجري عن عبد الله بن عمر ابن الخطاب: " أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي خادما يسيء ويظلم

489

أفأضربه؟ قال: تعفو عنه ... " الحديث. أخرجه أحمد (2 / 90) : حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد يعني ابن أبي أيوب. قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا. وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 163) : " ورواه أبو يعلى بإسناد جيد عنه، وهو رواية للترمذي ". قلت: ليس هو عند الترمذي بهذا اللفظ، فاعلمه. ثم قال: " وفي بعض نسخ أبي داود " عبد الله بن عمرو ". وقد أخرجه البخاري في " تاريخه " من حديث عباس بن جليد عن عبد الله بن عمرو بن العاصى. ومن حديثه أيضا عن عبد الله بن عمر. وقال الترمذي: روى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد وقال: عن عبد الله ابن عمرو. وذكر الأمير أبو نصر أن عباس بن جليد يروي عنهما كما ذكره البخاري ولم يذكر ابن يونس في " تاريخ مصر "، ولا ابن أبي حاتم روايته عن عبد الله بن عمرو بن العاصى. والله أعلم ". قلت: قد صرحت رواية سعيد بن أبي أيوب المتقدمة أنه عبد الله بن عمر ابن الخطاب وسعيد ثقة ثبت. فعلى روايته المعتمد. والله أعلم. 489 - " من ولى منكم عملا فأراد الله به خيرا جعل له وزيرا صالحا إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه ". أخرجه النسائي (2 / 187) عن بقية قال: حدثنا ابن المبارك عن ابن أبي حسين عن القاسم بن محمد قال: سمعت عمتي تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وقد صرح بقية بالتحديث فأمنا

490

بذلك شر تدليسه. وابن أبي حسين اسمه عمر بن سعيد بن أبي حسين النوفلي المكي. وله طريق أخرى عن القاسم، يرويه الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء، إن نسي لم يذكره، وإن ذكر لم يعنه ". أخرجه أبو داود (2932) وابن حبان في " صحيحه " (1551 - موارد) من طريقين عن الوليد به. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن زهير بن محمد وهو أبو المنذر الخراساني ضعيف من قبل حفظه. قال الحافظ: " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها. قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه ". قلت: لكنه في هذا الحديث قد حفظ أو كاد، فإنه لم يخرج فيه عن معنى حديث بقية. والله أعلم. 490 - " يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 192 - طبع بيروت) : أخبرنا وكيع ابن الجراح: أخبرنا الأعمش عن أبي صالح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل. وكذلك أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " المعجم " (ق 106 / 2) قال: أنبأنا إبراهيم أنبأنا وكيع به.

وإبراهيم هذا هو ابن عبد الله أبو إسحاق العبسي كما في إسناد حديث قبل هذا عنده. وهو إبراهيم بن عبد الله بن بكير بن الحارث العبسي، وهو آخر أصحاب وكيع وفاة، توفي سنة تسع وسبعين ومائتين كما في " الشذرات " (2 / 174) . وله جزء من حديث وكيع بن الجراح، يرويه أبو عمرو الحسن بن علي بن الحسن العطار عنه عن وكيع. وقد أخرج هذا الحديث فيه (ق 134 / 1) عن وكيع به إلا أنه وصله فقال: " عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ". وقد وجدت له متابعين عن وكيع: الأول: عبد الله بن أبي عرابة الشاشي قال حدثنا وكيع به. أخرجه أبو الحسن علي بن عمر الحربي السكري في " الفوائد المنتقاة " (157 / 2) : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال: حدثنا حاتم بن منصور الشاشي أبو سعيد قال: حدثنا عبد الله بن أبي عرابة الشاشي. وعبد الله هذا أورده السمعاني في " الشاشي " فقال: " هذه النسبة إلى مدينة وراء نهر سيحون يقال: لها (الشاش) ، وهي من ثغور الترك، خرج منها جماعة كثيرة من أئمة المسلمين منهم عبد الله بن أبي عرابة الشاشي، رحل إلى مرو والعراق، وسمع علي بن حجر وأحمد بن حنبل، روى عنه أهل بلده، ومات سنة (286) ". لكن الراوي عنه حاتم بن منصور لم أجد له الآن ترجمة.

والآخر: عبد الله بن نصر: حدثنا وكيع به. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 223 / 1) : حدثنا عمر بن سنان المنبجي حدثنا عبد الله بن نصر به. وقال: " وهذا غير محفوظ عن وكيع عن الأعمش، إنما يرويه مالك بن سعير عن الأعمش ". يعني أنه غير محفوظ عن وكيع عن الأعمش هكذا موصولا، وإنما يرويه مالك بن سعير عن الأعمش به موصولا. لكن مجيئه من الطريقين السابقين عن وكيع موصولا مما يقوي رواية ابن نصر هذا. وعليه فيكون مالك بن سعير قد تابعه على وصله، وتكون روايته مرجحة لرواية الوصل عن وكيع على رواية الإرسال عنه، والله أعلم. وقد أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (247 / 2) وأبو عروبة الحراني في " حديثه " (ق 98 / 1) وابن الحمامي في " جزء منتخب من مسموعاته " (ق 35 / 1) والرامهرمزي في " الأمثال " (ق 21 / 1) والحاكم في " المستدرك " والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 96 / 1) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 97 / 1) من طريق أبي الخطاب زياد بن يحيى الحساني حدثنا مالك بن سعير حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به. وقال ابن الحمامي: " تفرد به مجودا مرفوعا مالك بن سعير عن الأعمش، ورواه وكيع عن الأعمش عن أبي صالح موقوفا ". كذا قال، وهو إنما يعني مرسلا كما تقدم في رواية ابن سعد، وأيضا فالوقف في مثل هذا الحديث لا يعقل، كما هو ظاهر.

وقال الحاكم: " صحيح على شرطهما، فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير، والتفرد من الثقات مقبول ". ووافقه الذهبي. وأقول: مالك بن سعير صدوق كما قال أبو زرعة وأبو حاتم، لكن البخاري لم يحتج به، وإنما أخرج له متابعة، ومسلم إنما روى له في " المقدمة "، فمثله يحتج به إذا تفرد ولم يخالف، فإن رجحنا رواية وكيع المرسلة، فيكون مالك قد خالفه فتكون روايته شاذة، ورواية وكيع المرسلة هي المحفوظة، وإن رجحنا رواية وكيع الموصولة فتتفق الروايتان، ويكون كل منهما شاهدا للآخر، وهذا هو الأرجح عندي، لأن اتفاق ثلاثة من الرواة على روايته عن وكيع موصولا، يبعد في العادة أن يتفقوا على الخطأ، ولو كان في بعضهم ضعف بدون تهمة، أو في بعض الرواة عنه فإذا انضم إلى ذلك رواية مالك بن سعير قوي الحديث وارتقى إلى درجة الحسن أو الصحة، والله أعلم. (فائدة) قال الرامهرمزي عقب الحديث: " واتفقت ألفاظهم (يعني الرواة عن أبي الخطاب) في ضم الميم من قوله: " مهداة " إلا أن البرتي قال: " مهداة " بكسر الميم من الهداية، وكان ضابطا فهما متفوقا في الفقه واللغة، والذي قاله أجود في الاعتبار لأنه بعث صلى الله عليه وسلم هاديا كما قال عز وجل (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) ، وكما قال جل وعز (إنا أنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس) و (لتخرجهم من الظلمات إلى النور) وأشباه ذلك. ومن رواه بضم الميم إنما أراد أن الله أهداه إلى الناس. وهو قريب ".

491

ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث جبير بن مطعم مرفوعا بلفظ: " والذي نفسي بيده، لأقتلنهم، ولأصلبنهم، ولأهدينهم وهم كارهون، إني رحمة بعثني الله عز وجل، ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه، لي خمسة أسماء ... ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 76 / 2) عن أحمد بن صالح قال: وجدت في كتاب بالمدينة: عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي وإبراهيم بن محمد ابن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: " قال أبو جهل بن هشام حين قدم مكة منصرفه عن حمزة: يا معشر قريش إن محمدا قد نزل يثرب، وأرسل طلائعه، وإنما يريد أن يصيب منكم شيئا فاحذروا ... فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "، فذكره وقال: " قال أحمد بن صالح: أرجو أن يكون الحديث صحيحا ". قلت: محمد بن صالح التمار صدوق يخطىء كما في " التقريب ". ثم هو وجادة عن كتاب مجهول، فمثله لا يحتج به اتفاقا، فالصحة من أين؟ ! 491 - " أفضل الجهاد كلمة عدل (وفي رواية: حق) عند سلطان جائر ". ورد من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي أمامة، وطارق بن شهاب، وجابر ابن عبد الله، والزهري مرسلا. 1 - حديث أبي سعيد، وله عنه طريقان: الأولى: عن عطية العوفي عنه مرفوعا بالرواية الأولى.

أخرجه أبو داود (4344) والترمذي (2 / 26) وابن ماجه (4011) وقال الترمذي: " حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: عطية ضعيف، لكن يقوي حديثه هنا الطريق الآتية، وهي: الثانية: عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عنه مرفوعا. أخرجه الحاكم (4 / 505 - 506) والحميدي في " مسنده " (752) وأحمد (3 / 19، 61) بالروايتين وللحاكم الأخرى وقال: " تفرد به ابن جدعان، ولم يحتج به الشيخان ". قال الذهبي في " تلخيصه ": " قلت: هو صالح الحديث ". وقال في " الضعفاء " " حسن الحديث، صاحب غرائب، احتج به بعضهم ". وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال أحمد: ليس بشيء. وأقول: هو حسن الحديث عند المتابعة كما هنا. والله أعلم. 2 - حديث أبي أمامة يرويه صاحبه أبو غالب عنه قال: " عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل عند الجمرة الأولى فقال: يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ فسكت عنه، فلما رمى الجمرة الثانية سأله، فسكت عنه، فلما رمى جمرة العقبة وضع رجله في الغرز ليركب، قال: أين السائل؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: كلمة حق عند ذي سلطان جائر ". أخرجه ابن ماجه (4012) وأحمد (5 / 251، 256) والمخلص في " بعض الخامس من الفوائد " (ق 260 / 1) والروياني في " مسنده " (30 / 215 / 2)

وأبو بكر بن سلمان الفقيه في " المنتقى من حديثه " (ق 96 / 1) وأبو القاسم السمرقندي في جزء من " الفوائد المنتقاة " (ق 112 / 1) وابن عدي (112 / 2) والبيهقي في " الشعب " (2 / 438 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عنه. قلت: وهذا إسناد حسن، وفي أبي غالب خلاف لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وحديثه هذا صحيح بشاهده المتقدم والآتي. 3 - حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه: وهو صحابي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، كما قال أبو داود أخرجه النسائي (2 / 187) وأحمد (4 / 315) والبيهقي والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (ق 21 / 2) . قلت: وإسناده " صحيح " ومراسيل الصحابة حجة. (تنبيه) أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن ماجه عن أبي سعيد. وأحمد وابن ماجه والطبراني في " الكبير " والبيهقي في " الشعب " عن أبي أمامة. وأحمد والنسائي والبيهقي أيضا عن طارق. فقال المناوي في " شرحه ": " وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله، ولا كذلك، بل تمامه عند مخرجه ابن ماجه كأبي داود: أو أمير جائر ". فأقول: هذه الزيادة ليست عند ابن ماجه أصلا. ثم هي ليست من صلب الحديث، بل شك من بعض رواة أبي داود بدليل عدم ورودها عند غيره من حديث أبي سعيد ولا عن غيره ممن ذكرنا، فلا طائل إذن في استدراكها على السيوطي، نعم هي عند الخطيب في " التاريخ " (7 / 239) من طريق عطية عن أبي سعيد. فهي ضعيفة منكرة لتفرد عطية بها. 4 - حديث جابر: أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (321) من طريق عمار بن

492

إسحاق أخي محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عنه مثل حديث أبي أمامة وقال: " عمار بن إسحاق لا يتابع على حديثه، وليس بمشهور بالنقل، وآخر الحديث قد روي بإسناد أصلح من هذا في أفضل العمل كلمة حق عند إمام جائر ". 5 - الزهري. قال المناوي قال البيهقي: " وله شاهد مرسل بإسناد جيد، ثم ساقه عن الزهري بلفظ: أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ". قلت: ولم أره عند البيهقي في " الشعب " من مرسل الزهري، وإنما من مرسل طارق بن شهاب المتقدمة. 6 - ثم وجدته من حديثه بكر بن خنيس عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده مرفوعا أخرجه الحاكم (3 / 626) وسكت عليه، وضعفه الذهبي، وعلته بكر هذا فإنه ضعيف. 492 - " من علق تميمة فقد أشرك ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 156) والحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (155 من زوائده) ومن طريقه أبو الحسن محمد بن محمد البزاز البغدادي في " جزء من حديثه " (171 - 172) عن عبد العزيز بن منصور حدثنا يزيد بن أبي منصور عن دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة، وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وتركت هذا؟ قال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال ". فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير دخين وهو ابن عامر الحجري أبو ليلى المصري وثقه يعقوب بن سفيان وابن حبان وصحح له الحاكم (4 / 384) ، وقد أخرجه (4 / 219) من طريق أخرى عن يزيد بن أبي منصور. وللحديث طريق أخرى، يرويه مشرح بن هاعان عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة، فلا ودع الله له ". ولكن إسناده إلى مشرح ضعيف فيه جهالة، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر (1266) . (فائدة) التميمة: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم فأبطلها الإسلام كما في " النهاية " لابن الأثير. قلت: ولا تزال هذه الضلالة فاشية بين البدو والفلاحين وبعض المدنيين ومثلها الخرزات التي يضعها بعض السائقين أمامهم في السيارة يعلقونها على المرآة! وبعضهم يعلق نعلا في مقدمة السيارة أو في مؤخرتها! وغيرهم يعلقون نعل فرس في واجهة الدار أو الدكان! كل ذلك لدفع العين زعموا، وغير ذلك مما عم وطم بسبب الجهل بالتوحيد، وما ينافيه من الشركيات والوثنيات التي ما بعثت الرسل وأنزلت الكتب إلا من أجل إبطالها والقضاء عليها، فإلى الله المشتكى من جهل المسلمين اليوم، وبعدهم عن الدين. ولم يقف الأمر ببعضهم عند مجرد المخالفة، بل تعداه إلى التقرب بها إلى الله تعالى! فهذا الشيخ الجزولي صاحب " دلائل الخيرات " يقول في الحزب السابع في يوم الأحد (ص 111 طبع بولاق) : " اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، ما سجعت الحمائم، وحمت

493

الحوائم وسرحت البهائم، ونفعت التمائم "! وتأويل الشارح لـ " الدلائل " بأن " التمائم جمع تميمة وهي الورقة التي يكتب فيها شيء من الأسماء أو الآيات وتعلق على الرأس مثلا للتبرك ". فما لا يصح لأن التمائم عند الإطلاق إنما هي الخرزات كما سبق عن ابن الأثير، على أنه لو سلم بهذا التأويل فلا دليل في الشرع على أن التميمة بهذا المعنى تنفع، ولذلك جاء عن بعض السلف كراهة ذلك كما بينته في تعليقي على " الكلم الطيب " (ص 44 - 45 طبع المكتب الإسلامي) . 493 - " أما كان يجد هذا ما يسكن به شعره؟! ورأى رجلا آخر وعليه ثياب وسخة فقال: أما كان هذا يجد ماء يغسل به ثوبه؟! ". رواه أبو داود (رقم 4062) والنسائي (2 / 292) الشطر الأول منه وأحمد (3 / 357) ودحيم في " الأمالي " (25 / 2) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 114 / 1) وابن حبان (1438) والحاكم (4 / 186) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 78) عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم (زائرا في منزلنا) فرأى رجلا شعثا قد تفرق شعره فقال ... " فذكره. والسياق لأبي داود والزيادة لأحمد. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي. والحديث أورده الغزالي في " الإحياء " (1 / 122) بلفظ: " دخل عليه صلى الله عليه وسلم رجل ثائر الرأس، أشعث اللحية، فقال: أما كان لهذا دهن يسكن به شعره؟ ! ثم قال: يدخل أحدكم كأنه شيطان؟ ! ".

494

فقال الحافظ العراقي في " تخريجه ": " رواه أبو داود والترمذي وابن حبان من حديث جابر بإسناد جيد ". قلت: عزوه للترمذي خطأ، ولعله جاء من قبل الناسخ أو الطابع فهو قد عزاه إلى المخرجين بطريقة الرمز، فرمز إلى الترمذي منهم بحرف (ت) فتصحف على الناسخ أو غيره من (ن) وهو النسائي، وقد علمت أنه أخرجه مختصرا. ثم إنه ليس في حديث جابر عند أحد من مخرجيه ذكر للحية أصلا، ولا قوله: " يدخل أحدكم كأنه شيطان ". وإنما ورد ذلك في حديث عطاء بن يسار قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فدخل رجل ثائر الرأس واللحية فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده: أن اخرج، كأنه يعني إصلاح شعر رأسه ولحيته، ففعل الرجل، ثم رجع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان ". أخرجه مالك في " الموطأ " (2 / 949 / 7) بسند صحيح، ولكنه مرسل. 494 - " إن من ورائكم أيام الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم قالوا: يا نبي الله أو منهم؟ قال: بل منكم ". أخرجه ابن نصر في " السنة " (ص 9) من طريق إبراهيم بن أبي عبلة عن عتبة ابن غزوان أخي بني مازن بن صعصعة وكان من الصحابة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات لولا أن إبراهيم بن أبي عبلة عن عتبة ابن غزوان مرسل كما في " التهذيب ".

495

لكن له شاهد من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 76 / 1) من طريقين عن أحمد ابن عثمان بن حكيم الأودي أنبأنا سهل بن عثمان البجلي أنبأنا عبد الله بن نمير عن الأعمش عن زيد بن وهب عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وله شاهد آخر من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا به. أخرجه أبو داود (4341) والترمذي (2 / 177) وابن ماجه (4014) وابن حبان (1850) وابن أبي الدنيا في " الصبر " (ق 42 / 1) وقال الترمذي: " حديث حسن ". 495 - " الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار ". أخرجه الترمذي (1 / 361) وابن حبان (1929) والحاكم (1 / 52 - 53) وعبد الله بن وهب في " الجامع " (ص 73) وأحمد (2 / 501) ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 19 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 335 / 1) من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الترمذي:

حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي! ومحمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة. نعم تابعه سعيد بن أبي هلال عند ابن حبان (1930) فبه صح والحمد لله. وله شاهد من حديث أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1314) وابن ماجه (4184) والطحاوي في " المشكل " (4 / 238) والحاكم من طريق هشيم عن منصور بن زاذان عن الحسن عنه وقال الحاكم: " صحيح على شرطهما ". ووافقه الذهبي. وعزاه البوصيري في " الزوائد " لابن حبان أيضا في " صحيحه "، ولم يورده الهيثمي في " زوائده " إلا من حديث أبي هريرة كما تقدم. ثم قال البوصيرى: " فإن اعترض معترض على ابن حبان والحاكم في تصحيحه بقول الدارقطني: إن الحسن لم يسمع من أبي بكرة. قلت: احتج البخاري في " صحيحه " برواية الحسن عن أبي بكرة في أربعة أحاديث، وفي " مسند أحمد " و " المعجم الكبير " للطبراني التصريح بسماعه من أبي بكرة في عدة أحاديث، منها " إن ابني هذا سيد " والمثبت مقدم على النافي ". قلت: وهذا جواب صحيح، لكن الحسن - وهو البصري - مدلس معروف بذلك، فلا يكفي إثبات سماعه من أبي بكرة في الجملة، بل لابد من معرفة سماعه لهذا الحديث منه وهذا مما لم نره في شيء من الروايات، فالاعتراض بهذا الاعتبار لا يزال قائما لكن الحديث شاهد لا بأس به لحديث أبي سلمة عن أبي هريرة. والله أعلم.

496

496 - " لو أقررت الشيخ (يعني أبا قحافة) لأتيناه مكرمة لأبي بكر. قاله لأبي بكر ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 160) : حدثنا محمد بن سلمة الحراني عن هشام عن محمد بن سيرين قال: سئل أنس بن مالك عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن شاب إلا يسيرا، ولكن أبا بكر وعمر بعده خضبا بالحناء والكتم. قال: وجاء أبو بكر بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة يحمله. حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر (فذكره) ، فأسلم ولحيته ورأسه كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيروهما وجنبوه السواد ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وهشام هو ابن حسان القردوسي ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وصححه ابن حبان (1476) عن ابن سلمة وكذا الحاكم (3 / 244) ووافقه الذهبي. وللحديث شاهد من حديث أسماء بنت أبي بكر بقصة أبي قحافة دون قوله " وجنبوه السواد ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 349) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني يحيى ابن عباد ابن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن جدته أسماء بنت أبي بكر. قلت: وهذا إسناد حسن، وصححه ابن حبان (1700) من هذا الوجه. وللقصة شاهد آخر من حديث جابر بن عبد الله وفيه الزيادة. أخرجه مسلم وغيره من أصحاب " السنن " وهو مخرج في " تخريج الحلال والحرام " برقم (106) .

497

وله شاهد مرسل مختصر بلفظ: " غيروا رأس الشيخ بحناء ". أخرجه ابن سعد (5 / 452) . 497 - " إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي فإذنه التسبيح وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي فإذنها التصفيق ". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (2 / 247) من طرق عن حفص ابن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن سليمان الأعمش عن ذكوان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة والترمذي من طرق أخرى عن الأعمش به مختصرا بلفظ. " التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء ". وقال الترمذي " حسن صحيح ". وكذلك أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا. وهو في " صحيح أبي داود " برقم (867) . وإنما خرجته باللفظ الأول لأنه مفصل، ولبيان صحة إسناده. وقد أخرج أحمد في " مسنده " (2 / 290) حدثنا مروان بن معاوية الفزاري أن يزيد بن كيسان استأذن على سالم بن أبي الجعد وهو يصلي، فسبح لي فلما سلم قال: إن إذن الرجل إذا كان في الصلاة يسبح، وإن إذن المرأة أن تصفق، حدثنا مروان أنبأنا عوف عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. حدثنا مروان أخبرني عوف عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. قلت: وهذه أسانيد ثلاثة، وكلها صحيحة إلا أن الأول موقوف على سالم ابن

498

أبي الجعد وهو تابعي ثقة. والثاني عن الحسن وهو البصري مرسل. والثالث مرفوع، وهو على شرط الشيخين، فهو شاهد قوي لرواية إبراهيم بن طهمان السابقة. وفيها رد على قول الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (15 / 13) : " والحديث مثل أثر سالم بن أبي الجعد، والظاهر أنه مثله معنى لا لفظا، فإني لأم أجده بهذا اللفظ قط، إلا في هذا الموضع بهذا الإجمال ". قلت: فقد وجدناه بهذا اللفظ المفصل من رواية إبراهيم بن طهمان كما رأيت، وهي تدل على أن قوله في رواية ابن سيرين " مثله " إنما أراد به لفظا، وليس معنى فقط. لاسيما وهو المراد اصطلاحا من كلمة " مثله "، ولو أراد المعنى فقط لقال: " نحوه " كما جروا عليه في استعمالهم، ونصوا عليه في " المصطلح ". والله ولي التوفيق. وفي الحديث إشارة إلى ضعف الحديث الذي يورده الحنفية بلفظ: " من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه، فليعد صلاته ". فإن هذا الحديث الصحيح صريح في جواز الإشارة بالإذن بلفظ التسبيح، فكيف لا يجوز ذلك بالإشارة باليد أو الرأس؟ ! لاسيما وقد جاءت أحاديث كثيرة بجواز ذلك وقد خرجت بعضها في " صحيح أبي داود " رقم (858، 859، 860، 870) . وبينت علة الحديث المذكور في الإشارة المفهمة في " الأحاديث الضعيفة " (1104) ثم في " ضعيف أبي داود " رقم (169) . 498 - " لا جناح عليك. يعني في الكذب على الزوجة تطييبا لنفسها ". أخرجه الحميدي في " مسنده " (رقم 329) : حدثنا سفيان قال: حدثني صفوان ابن سليم عن عطاء بن يسار قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل علي جناح أن أكذب

أهلي؟ قال: لا، فلا يحب الله الكذب، قال: يا رسول الله استصلحها واستطيب نفسها، قال: لا جناح عليك ". هكذا وقع فيه عن عطاء بن يسار مرسلا، وهو قد أورده تحت " أحاديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها "، فلا أدري أسقط اسمها من السند، أو الناسخ أم الرواية عند الحميدي هكذا مرسلا. والسند صحيح إلى عطاء بن يسار، وقد جاء موصولا من طريق أخرى عنها. أخرجه مسلم (8 / 28) وأحمد (6 / 403، 404) من طريق ابن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة قالت: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في شيء من الكذب إلا في ثلاث: الرجل يقول القول يريد به الإصلاح، والرجل يقول القول في الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها. وله شاهد من حديث أسماء بنت يزيد نحوه. أخرجه الترمذي (1 / 352) وأحمد (6 / 454، 459، 460) من طريق شهر ابن حوشب عنها. وقال الترمذي: " حديث حسن ". وقوله " والرجل يحدث امرأته ... " قال القاضي عياض: " يحتمل أن يكون فيما يخبر به كل منهما كما له فيه من المحبة والاغتباط، وإن كان كذبا لما فيه من الاصلاح ودوام الألفة ". قلت: وليس من الكذب المباح أن يعدها بشيء لا يريد أن يفي به لها، أو يخبرها بأنه اشترى لها الحاجة الفلانية بسعر كذا، يعني أكثر من الواقع ترضية لها، لأن ذلك قد ينكشف لها فيكون سببا لكي تسيء ظنها بزوجها، وذلك من الفساد لا الإصلاح.

499

499 - " من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشا أو خموشا أو كدوحا في وجهه. قيل: يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهما، أو قيمتها من الذهب ". أخرجه أبو داود (1626) والنسائي (1 / 363) والترمذي (1 / 126) والدارمي (1 / 386) وابن ماجه (1840) والطحاوي (1 / 306) والحاكم (407) وأحمد (1 / 388، 441) وابن عدي (69 / 1، 73 / 2) من طريق حكيم بن جبير عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. والسياق لابن ماجه وزاد هو وغيره: " فقال رجل لسفيان: إن شعبة لا يحدث عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: قد حدثناه زبيد عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد ". قلت: حكيم بن جبير ضعيف، لكن متابعة زبيد وهو ابن الحارث الكوفي تقوي الحديث فإنه ثقة ثبت، وكذلك سائر الرواة ثقات، فالإسناد صحيح من طريق زبيد. قال الترمذي " حديث حسن ". 500 - " من كان له شعر فيلكرمه ". أخرجه أبو داود (4163) والطحاوي في " المشكل " (4 / 321) والبيهقي في " الشعب " (2 / 265 / 2) وأبو محمد العدل في " الفوائد " (3 / 1 / 2) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح " (10 / 310) ، وهو عندي

صحيح، لأن ابن أبي الزناد - وهو صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد - قد وجدت له متابعا قويا، فقال أبو نعيم في " تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن سعيد بن منصور عاليا " (ق 209 / 1) : وروى عنه أيضا إسماعيل بن عبد الله العبدي. حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله أنبأنا سعيد بن منصور أنبأنا ابن أبي ذئب عن سهيل به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير العبدي هذا وهو ثقة صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 182) وعبد الله بن جعفر هو عبد الله ابن محمد بن جعفر بن حبان المعروف بأبي الشيخ وهو ثقة حافظ له ترجمة في " تذكرة الحفاظ " (3 / 147 - 149) . وللحديث شاهدان: الأول: عن عائشة. أخرجه الطحاوي وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (7 / 80 / 2) وعنه عبد العزيز الكتاني في " حديثه " (236 / 1) والبيهقي أيضا وابن حيويه في " حديثه " (3 / 4 / 2) عن ابن إسحاق عن عمارة بن غزية عن القاسم عن عائشة به مرفوعا. قال الحافظ " وسنده حسن أيضا ". وهذا تساهل منه فإن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه من الطريقين عنه. إلا إن كان يعني أنه حسن لغيره، فهو صواب.. والشاهد الآخر: عن ابن عباس. أخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 67) عن سليمان بن أرقم عن عطاء بن أبي رباح عنه وسليمان بن أرقم ضعيف. (تنبيه) عزى السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 286 / 2) الحديث لأبي داود والبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة بهذا اللفظ. ثم ذكره بزيادة: " قيل: يا

رسول الله وما كرامته؟ قال: بدهنه وبمشطه كل يوم ". وقال: " رواه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " وابن عساكر عن ابن عمر، وفيه إسحاق ابن إسماعيل الرملي، قال أبو نعيم: حدث بأحاديث من حفظه فأخطأ فيها. وقال النسائي: صالح ". قلت: وهذه الزيادة مع ضعف سندها منكرة لأنها تخالف الحديث الآتي: " نهى صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا ".

الاستدراكات 1- آخر الحديث (32) ، وآخر الفائدة الثانية: ثمَّ رأيتُ بحثًا جيدًا لأَحدِ إِخواننا في مكّة المكرمة -بارك الله فيه- انتصرَ فيه لهذه السنة الظاهرة في رسالتِه التي أَهداها إِلي: "التتمات لبعض مسائل الصلاة" (ص 41-42) ، فراجعه تزدد به علمًا وفائدةً إِن شاءَ الله تعالى. 2- آخر الحديث (36) : ثمَّ تبيّن لي أنَّ تصحيح ابن القطان للحديث من الطريق الأُولى عن ابن عباس معلولٌ بالشذوذ، ومثلها الطريقُ الثالثة عنه، فإنّ ذكرَ جملة الأُذنين فيه شاذّة أَيضًا، وقد استفدتُ هذا كلّه من تحقيقٍ قام به الأَخ الفاضل مشهور حسن في تعليقه على كتاب "الخلافيات" للبيهقي (1/366-393) ، يسَّرَ الله له تمامَ إِخراجِه، ونفعَ اللهُ به قرّاءه بمنّه وكرمِه. لكنّي كنتُ أَودُّ من الأَخِ الفاضلِ أن يزوِّدَ قرّاءَه بخلاصةٍ نافعةٍ بعد ذلك الجهد الجهيد، والتعبِ الشديدِ في تتبعِ طرقِ الحديث، وهي بيان مرتبةِ الحديث، لأنّها بيتُ القصيدِ من التخريجِ، فإنّ من المقررِ في علمِ المصطلحِ أنَّ الحديثَ الضعيفَ يتقوى بكثرةِ الطرقِ بالشرطِ المعروفِ هناك، فالسؤالُ الذي يطرحُ نفسَه الآن -كما يقالُ في هذا الزمانِ-: هل يبقى الحديثُ على ضعفِه كما تَدلُّ عليه مفرداتُ طرقه، ويشيرُ إِليه صنيعُ الإِمامِ الدارقطنيّ والبيهقيّ، أَم إِنَّ مجموعَ طرقه يخرجه من الضعفِ، ويرقى به إِلى مرتبةِ الاحتجاجِ به، ولو في رتبةِ الحديثِ الحسن لغيره على الأَقلّ؟

وجوابًا عليه أَقولُ: إِنَّ هذا الحديثَ مثالٌ صالحٌ للحديثِ الضعيفِ الّذي يتقوَّى بكثرةِ الطرقِ وبغيرِها؛ وهاك البيان: أَوّلًا - إِنَّ كثيرًا من طرقِه ليسَ شديدَ الضعفِ، إنما ضعفها سوءُ حفظٍ في بعضِ رواتِها، كما هو حالُ الطريقِ الأُولى في الحديثِ رقم (1) ، ولذلك حسّنه جمعٌ من الحفّاظِ -كما تقدّمَ منّي هناك- وفيهم المنذري، وابن دقيق العيد -وهما من الشافعيّةِ- وأَخذَ به الإِمامُ أَحمدُ. ومثلُ طريق إِسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد في الحديثِ الثالثِ عن ابن عمر، فإن إِسماعيلَ ثقةٌ ضُعِّفَ في غيرِ الشاميين، وقد قال الحاكمُ فيه: "إِسماعيلُ بن عياش -على جلالتِه- إِذا انفردَ بحديث، لم يقبل منه، لسوء حفظِه". قلت: فهو حجّة مقبول الحديث هنا؛ لأنّه قد توبعَ -كما ترى-. ومثلُ طريقِ سويد بن سعيد في الحديث (9) ، فإِنّه ثقة من شيوخِ مسلمٍ ولكنّه كانَ اختلطَ. فهذه الطرقُ الثلاثُ ممّا يتقوى الحديثُ بها لانتفاءِ شدّةِ الضعف عنها، والطرقُ الأُخرى إِن لم تزدها قوّةً فلا تضرها كما لا يخفى. ثانيًا - لقد صوّبَ الدارقطنيُّ -كما تقدّم- مرسلَ سليمان بن موسى عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو تابعيٌّ حسنُ الحديثِ، والسندُ إِليه صحيح، فهو مرسلٌ قويٌّ، يحتجُّ به مطلقًا عند كثيرٍ من الفقهاءِ، وعند المحدثين -ومنهم الإِمامُ الشافعيُّ- إِذا جاءَ موصولًا من طريقٍ أُخرى، فكيفَ وقد جاءَ كذلك من طرقٍ كما تقدّمَ؟ ثالثًا - قد قال به بعضُ رواتِه من الصحابةِ؛ كابن عمر رضي الله عنه، فقد

صحَّ عنه أنّه قال: "الأُذنانِ من الرأس". أَخرجه الدارقطنيُّ (1/98/5) ، وكذا عبد الرزاق (1/11) . رابعًا - قد قال به أكَثرُ العلماءِ، كما في "المجموعِ" للنووي (1/413) ، وذلك مما يتقوى به الحديثُ الضعيفُ عند الإِمامِ الشافعيّ وغيره. انظر "جلباب المرأةِ المسلمة" (ص 13، 59-60) . خامسًا - قد صحَّ عملُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - به من حديث المقدامِ بن معد يكرب، وابن عباس، أنّه مسحَ رأسَه وأُذنيه، ظاهرهما وباطنهما، رواهما أبو داود وغيره، وهما مخرّجانِ في "صحيح أَبي داود" (112-114 و126) ، فلم يأَخذ لهما ماءً جديدًا، وأَمّا حديثُ عبد الله بن زيد المازنيّ، أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أَخذَ لأُذنيه ماءً خلافَ الماءِ الّذي أَخذَ لرأسِه، فهو حديثٌ شاذٌّ لا يصحُّ، والمحفوظُ -كما قالَ الحافظُ- بلفظ: "مسح برأسِه بماءٍ غير فضل يديه". رواه مسلم وغيره، وهو مخرّجٌ في "صحيح أَبي داود" برقم (111) ، وقد فصلتُ القولَ في الشذوذِ المذكورِ في المجلدِ الثاني من "الضعيفة" تحت الحديث (995) . فأَقولُ: بعضُ هذه الوجوهِ لو توفرت في الحديثِ المرسلِ، لكانت كافيةً لتقويته، ورفعه إِلى مرتبةِ الاحتجاجِ به، فكيفَ بها مجتمعةً؟ وهو اختيارُ الصنعانيّ. وثمّةَ وجهٌ آخر يمكنُ به تقويتُه من طريقِ النظر، وهو ما أَفادَه الإِمامُ أَبو جعفر الطحاويُّ في "شرح المعاني" (1/20) ، وهو: أنّهم أَجمعوا على أنَّ المرأةَ المحرمةَ لا يجبُ عليها أَن تغطيَ وجهها، وعليها أن تغطيَ رأسها وأُذنيها ظاهرهما وباطنهما، فدلّ ذلك على أنّ حكمَهما حكمُ الرأسِ في المسحِ، لا حكم الوجه، والله أَعلم. وبعد كتابةِ ما تقدّمَ، رأيتُ الحافظَ ابن حجرٍ في "النكت على كتابِ ابن

الصلاحِ" قد تكلمَ على بعض هذه الطرق وبيّن عللها، ولكنّه ختمَ ذلك بخلاصةٍ جيدة وفقَ ما انتهيتُ إِليه -والحمدُ للهِ- فقال: "وإِذا نظرَ المنصفُ إِلى مجموعِ هذه الطرقِ، علمَ أنَّ للحديثِ أَصلاً، وأنّه ليسَ مما يطرحُ، وقد حسّنوا أَحاديث كثيرةً باعتبارِ طرقٍ لها دون هذه، والله أَعلمُ". "النكت" (1/415) . 3- آخر الحديث (91) وهو في تحريم (العازف) وآلات الطرب: ثمَّ وقفتُ على مقالٍ في جريدةِ (الرباط) الأُردنيّة الأُسبوعيّة بقلم المدعو (حسان عبد المنان) ، ذهب فيه إِلى تضعيفِ هذا الحديثِ المتفق على صحتِه عند الأَئمةِ، والحفّاظِ المشهودِ لهم بالعلمِ والمعرفةِ لدى علماءِ الأُمّةِ كافّة، الذين لا يتفقونَ على ضلالةٍ، فجاءَ هذا (!) ليشذَّ عنهم ويخالفَ سبيلَهم، وقد كنتُ سميتُ منهم جماعةً في مقدمةِ كتابي الجديدِ "ضعيف الأَدبِ المفرد" (ص 14-15) في كلمةٍ قصيرةٍ كنتُ رددتُ بها عليه، وهم -بعد البخاريّ وابن حبان-: 1- ابن الصلاح 2- النووي 3- ابن تيميّة 4- ابن قيم الجوزيّة 5- ابن كثير الدمشقيّ 6- ابن حجر العسقلانيّ 7- السخاويّ 8- ابن الوزير اليماني 9- محمد بن إِسماعيل الصنعانيّ. ونقلتُ هناك عبارةَ النوويّ والعسقلانيّ في الرَّدِّ على ابن حزم تضعيفَه إِيّاه، وغير هؤلاءِ كثيرٌ ممّن سلكوا سبيلَهم -لم أَذكرهم هناك- ممّن لا يصحُّ في عقل عاقلٍ أن يُقرنَ مع أَحدِهم هذا الشاذُّ عنهم، فكيفَ يُقرن معهم جميعهم، ومنهم الشوكانيُّ، وأَخيرًا أُستاذه وشيخه -كما يزعمُ- الشيخ شعيب الأَرناؤوط؟!

لقد ذكَّرته هناك بهذه المخالفةِ الجسيمة الّتي لا أظنُّ أَنَّ مسلمًا يعترفُ بعلمِ هؤلاءِ الأَئمةِ وفضلهم يتجرّأُ على مخالفتهم، وإِضافةً إِلى ذلك بيّنتُ له وهاءَ ما تشبَّثَ به في تضعيفِ الحديث، فلمّا اطلعَ على ذلك عاند، واستكبرَ -كعادته- وركبَ رأسَه، فكتبَ ردًّا طويلًا مجموعًا فى خمسِ صفحات، ليس فيها شيءٌ من العلمِ، سوى آرائه الشحصيّة التي هي {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآَنُ مَاءً} ، فهو بحقٍّ رجلٌ (مَلِصٌ) ، كلما جوبه بدليلٍ لا مردَّ له تملّصَ بتأويلٍ له من عنده. خذ مثلًا (عطة بن قيس) التابعيّ الإِمام -كما وصفه الذهبيُّ- لماّ رددنا عليه قولَه فيه: " مجهول الحال " بأنَّ مسلمًا وثَّقه واحتجَّ به فى "صحيحه"، وبتوثيقِ الحافظ إِياه، تحذلقَ فقال: " لم يوثِّقه مسلم، وإِنّما ذكره فىِ الشواهدِ "، ثمَّ أَشارَ إِلى الحديثِ الذي يعْنيه أنّه فى " مسلم " برقم (477) . وهذا ممّا لم يقله قبله أَحد، وهو خلافُ ما عليه الحفاظُ الّذينَ ترجموا للرَّجلِ كالمزيِّ والذهبيِّ والعسقلانيِّ وغيرِهم، أَطلقوا عزوَه لمسلمٍ، ولم يقولوا: "في الشواهدِ"! بينما لمّا عزوه إِلى "البخاريِّ"، قيدوه فقالوا بالرمزِ: "تعليقًا"، وهذا من دقَّتهم -رضي الله عنهم- الّتي يغفلُ عنها المذكورُ، أَو يتغافلُ عنها؛ لأنّه لا يثقُ بعلمِهم! بل صرّحَ بذلك المزيُّ فقال في آخرِ ترجمتِه: "استشهدَ له البخاريُّ (يعني تعليقًا) بحديثٍ واحدٍ (يعني هذا) ، وروى له الباقون". وإنَّ ممّا يؤكّدُ هذا الحديثَ الذي أَشارَ إِليه؛ فإِنّه عند مسلمٍ حديثٌ بين حديثين فيما يقولُه المصلي إِذا رفعَ رأسَه من الرُّكوعِ، وثلاثتها أحاديث صحيحة، ليس في واحدٍ منها من لم يحتجَّ به مسلم. وما مثله فيما ادعاه إِلاّ كمثلِ من لو عارضَه معارضٌ فقال في راوي الحديث

الثالثِ - واسمه (قيس بن سعد، وليس رجال البخاري) : لم يوثقه مسلم، وإِنّما ذكره في الشواهدِ!! هكذا فليكن الاجتهادُ والتحقيقُ يا محققَ "الرباط"! وأمّا تحذلقه في موقفِه من توثيقِ الحافظ فهو أَعجبُ، فقد قال: "لا قيمةَ لأَحكامِ ابن حجر إِن لم تستند إِلى دليلٍ واضحٍ.." يعنى عند غير العالم! وأَما هو فلحكمِه بالجهالةِ قيمةٌ -وأَية قيمة- ولو لم يستند إِلى دليلٍ! نعوذُ بالله من زمان يتكلمُ فيه (الرويبضةُ) ! ونحوُ ذلك سائرُ أَجوبتِه وردودِه (عظمٌ بدونِ لحمٍ) ! والكلامُ في ذلك يطولُ، والمجالُ والوقتُ أَضيقُ وأَعزُّ من تتبعها، فأختمها بموقفِه تجاه قول ابن سعدٍ في (عطية) : "كانَ معروفًا"، فإِنّه قال: "ليس هذا بتوثيقٍ، وإنّما هو ضد مجهولٍ، ولا علاقةَ له بمجهولِ الحالِ الّتي ذكرتها فيه"! نقول له: أَينَ الدليلُ؟! هو يطالبُ أَميرَ المؤمنين في الحديثِ بالدليلِ على التوثيقِ، أَفلا يحقُّ لنا أَن نطالبَه بالدليلِ على ما يقولُ، وهو نفسُه في هذا العلمِ مجهول؟! إِلاّ أَنني أَرى أنَّ قولَه: "كانَ معروفًا" مطلقٌ، والمطقُ ينصرفُ إِلى الكمالِ كما يقولُ العلماءُ، فهو كما قالَ: "ضد مجهول"، ولكن خفيَ عليه أنّه حجّةٌ عليه، لأنّه كما يفهمُ من هذا اللفظِ "مجهول" الإِطلاق والشمول، فهو يشملُ مجهولَ العينِ ومجهولَ الحالِ، فكذلك ضده "معروف"؛ يشملُ معروفَ العين ومعروفَ الحالِ، فسقطَ ما زعم وقال!

ثمَّ وجدتُ للحافظِ كلامًا يؤيّدُ ما ذكرتُ، فانظر "مقدمة الفتح" (384) . وختامًا أَقولُ: قد تبيّنَ تكلُّفُه الإِجابةَ عن ردّي على ما كانَ تشبَّثَ به في تضعيفِ هذا الحديثِ الصحيح، بما كشفَ للقرّاءِ أنّه مبتدعٌ غيرُ متبعٍ، وإِنّ ممّا يؤكدُ ذلك صمتَه تجاه ما كنت أَدنته به من مخالفتِه لاجماعِ الأَئمةِ المُصحِّحين للحديثِ، فإِنّه لم يُجب عن ذلك ولو بحرفٍ واحدٍ، فحسبُه هذا إِدانةً له، واللهُ حسيبُه. وبقي هناك أَشياءُ كثيرةٌ في ردِّه، مجالُ ردي عليها واسعٌ جدًّا، ولكنَّ الوقتَ أَضيقُ وأَعزُّ من إِضاعتِه بالرّدِّ عليه، فإنَّ الرَّجلَ كثيرُ الكلامِ، ومن كثر كلامُه كثر سقطُه.. إلاّ أنّه لا بدَّ من بيان بعض النقاط الهامة منه: أَولاً - إِنّه يصورُ للناسِ أنَّ الخلافَ بيني وبينه خلافٌ شخصيٌّ لمجرّدِ اختلافٍ في الرأي، وهذا خلافُ الواقعِ، وإنّما هو خلافٌ منهجيٌّ؛ هو يهاجمُ السنّةَ الصحيحةَ، وأَنا أَدافعُ عنها؛ هو يضعّفُ الأَحاديثَ الصحيحة بناءً على آراءٍ وأَفكارٍ له خاصّة، وأَنا أُدافعُ عنها، وأَردُّ عليه متَّبعًا في ذلك قواعدَ العلماءِ وأحكامَهم، وهذا هو المثالُ بين يديك، وتأتي أَمثلةٌ أُخرى إِن شاءَ اللهُ تعالى، فانظر الاستدراك رقم: 13 ثانيًا - يطلبُ منّي الرفقَ واللينَ في الرَّدِّ عليه، وأنْ لا أَجرحَه -جاءَ ذلك في كلامٍ طويلٍ له- فأَقولُ: أَبشِرْ بكلِّ خيرٍ، ورفقٍ، ولينٍ يومَ تترفَّقُ أَنتَ بسنّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأَحاديثه الصحيحةِ، ولا تنتهك حرمتها، وترفعُ معولَ الهدمِ عليها، وتتبعُ سبيلَ علماءِ المسلمين، وتخالفُ طريق الجهلةِ المفُسدين، وباركَ اللهُ لك في خلافٍ تخالفني فيه في رأيٍ يحتملُ الخطأَ والصوابَ.

وأظنُّك تعلمُ موقفَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصارمَ إِذا انتُهكت محارمُ اللهِ، وأنَّ اللينَ والشدّةَ لكلٍّ منهما مكانُه اللائقُ به، بنصِّ الكتابِ والسنّةِ، وتعلم يقينًا قول الشاعر: ووضعُ الندى في موضعِ السيف بالعُلى ... مُضرٌّ كوضعِ السيفِ في موضعِ الندى! ولكن أَينَ كنتَ من هذا المطلبِ حين ألّفتَ رسالةً خاصةً في الرَّدِّ على المتمسكينَ بالسنّةِ سميتها "مناقشة الأَلبانيّين.."؛ فلقَّبتهم بغيرِ لقبِهم؟! وإِذا كانَ هذا هو العنوان، فكيفَ يكونُ حالُ المُعَنْوَن؟! لقد حشوتَه غمزًا ولمزًا، وظهرَ فيه ما تُكنّهُ في نفسِكَ من الأدبِ واللينِ الجمّ! ومع هذا، فكلُّ ذلك يهونُ تجاه محاربتِك لسنّةِ التراصِّ بالأَقدامِ والمناكبِ في الصفّ، وتجويزِكَ فيها الصلاةَ بين السواري لغير حاجة، وتضعيفِك لثلاثةِ أحاديث صحيحة بأَساليبِك الخاصةِ الملتوية كما يأتي بيانُه إِن شاءَ اللهُ في الاستدراك رقم: 13. ثالثًا - إِنَّه أخذَ عليَّ ثلاثةَ أُمور، أَوهمَ القرّاءَ أَنّي اعتديتُ عليه فيها، ولا شيءَ من ذلك والحمدُ للهِ: 1- نفى ما كنتُ نسبتُه اِليه من أنّه تشبثَ بعلّةِ الانقطاعِ تقليدًا لابن حزمٍ فقال: "لم أَتعرّضْ لحجّةِ ابن حزمٍ، ولا ذكرتُ ابن حزم..". فأَقولُ: هذا من تملُّصِه الّذي وصفتُه به فيما سبقَ؛ لأنَّ الذي نَسَبْتُه إليه هو الانقطاعُ وليسَ الحجّة؛ لأنَّ حجّةَ ابنِ حزمٍ من مجموعِ أَمرين: الانقطاعُ، وترددُ الراوي في اسمِ صحابيّ الحديثِ؛ هل هو (أبو عامر، أَم أبو مالك الأَشعريّ) ؟ فهو لم يتعرض لهذه الحجّةِ، ولكنّه تعرّضَ للانقطاعِ في أَوّلِ كلامِه على الحديثِ في

جريدةِ (الرباط) بقولِه: "فهذا الحديثِ معلقٌ" أَي: منقطع، كما شرحه هو بعد. فليتأمّل القارئ كيفَ نفى ما لم أَنسب إِليه، وهي الحجّة، ولم ينفِ ما نسبتُه إِليه وهو الانقطاعُ، موهمًا القرّاءَ أنّني قلتُ عليه ما لم يقل! فماذا يسمِّي القرّاءُ هذا الفعلَ منه؟! إِنّه -بلا شكّ- نوعٌ من التدليسِ، شاءَ أَم أَبى، إِلاّ أَن يكونَ عييًّا عاجزًا عن بيانِ مرادِه! 2- نفى قولي فيه: إِنّه "زادَ على ابن حزمٍ أنَّه لا مصححَ له غيرُ البخاريِّ وابن حبّانَ" فقال مستنكرًا: "أَينَ قلتُ أَنا ذلك في مقالي، بل أَينَ ما يفهمُ منه هذا؟! ". فأَقولُ: لم أَقل عنك أنّك قلتَ ذلك، وإنّما قلتُ: " زاد.. " إلخ العبارةِ المذكورةِ، فلا يجوزُ لكَ أن تنسبَ إِليَّ القولَ بذلك، ويبدو لي أنّك شعرتَ في قرارةِ نفسِك بخطئكَ فيما نسبت، ولذلك أَضربتَ عنها بقولِك: " بل أَين ما يفهمُ منه هذا في ذلك المقال؟!! ". والجوابُ فهمتُه من لسانِ حالِك، وأُسلوبك في مقالِك، والعلماءُ يقولون: "لسانُ الحالِ أَنطقُ من لسانِ المقالِ"، فأَنا على يقينٍ أنّك تعلمُ أن كثيرًا من الأَئمةِ -غير البخاريِّ وابن حبّانَ- قد صححوا الحديثَ، ومع ذلك؛ فإِنّك لم تذكر غيرَهما، فمن مجموعِ ما ذكرتَ، وما لم تذكر قلتُ ما ذكرتُه آنفًا، ولا سيّما وأنتَ معروف بكتمانِ ما هو عليكَ من أقوالِ العلماءِ، وسيأتي بعضُ الأَمثلةِ على ذلك إِن شاءَ اللهُ تعالى. ثم ليتَ شعري، لماذا اهتممتَ بما ظننتَه خطأً أَنّي نسبتُ إِليك ما لم تقل، -وظنّكَ لو كانَ ظنَّ المؤمنين، يضرّني ولا يضرُّك- ولم تهتم بما نسبتُ إِليكَ يقينًا، وهو مخالفتُك لإِجماعِ الأَئمةِ فيِ تصحيحهم لهذا الحديثِ، وقد نقلتَه عنّي في ردّك، ولم تتعرّض للجوابِ عنه ألبتّة، مع أنَّ هذه النسبةَ اليقينيّةَ تضرُّك ولا

تضرّني، أَليس هذا يعني أنَّ همَّكَ أن تتبعَ عثراتِ غيرِك، وتنسى نفسَك، غير آبهٍ بالحكمةِ القائلةِ: "يبصرُ أَحدُكم القذاةَ في عين أَخيه، ولا يرى الجذعَ في عينه"؟! 3- قال: "ادعيتَ عليَّ بالكذبِ لمسألةٍ، مع أنَّ الكذبَ المعروفَ لا يدخلُ في نحوِ هذه المسائلِ، فلو كانَ كلُّ مخطئٍ في مسألةٍ كاذبًا، لما سلم أَحدٌ، ولا أَنتَ؛ لأَنَّ مدارَ هذه المسائلِ العلم". فأَقولُ: نعم، الكليّة لا يقولُ بها أَحدٌ، حتّى ولا أَنتَ، ولكن لماذا المغالطةُ والتملصُ والتعمية، لماذا قلت: "لمسألةٍ" نكّرتها ولم تبيّنها، وذهبتَ تسوّدُ ما لا علاقةَ له بالمسألةِ! لقد قلتَ في مقالِك: "فيه عطية بن قيس الحمصيّ؛ فإِنّه ليس معروفًا بالضبطِ والإِتقانِ، لم يوثقه غير ابن حبان"، فهنا قلتُ لك: " وهذا كذبٌ، فقد وثقه الإِمامُ مسلمٌ.." إِلخ. وأَنا في هذا القولِ لم أُخالف شرعًا ولا لغةً، بل اتبعتُ فيه أَفصحَ من نطقَ بالضاد، في قولِه - صلى الله عليه وسلم - لمن خطؤه أَيسرُ من خطئِك بكثيرٍ، لأنّه اعتمدَ على نصٍّ عامٍّ من القرآنِ، لم يبلغْه تخصيصُه من السنّةِ: "كذبَ أَبو السنابل" (¬1) ، فأينَ خطؤكَ منه، ولم تستند فيه ولا إِلى قولِ عالمٍ يجبُ عليك اتباعُه؟! بل خالفتَ فيه كلَّ العلماءِ، واتبعتَ غيرَ سبيلهم! واللهُ المُستعانُ. 4- ولعلّه ختامًا، أَخذَ عليّ شيئًا آخر، فقال: "4- ثمَّ قلت: "إِلى غيرِ ذلك من التلبيساتِ والخطيئات (لا الأَخطاء) .." أقول: لماذا هذا الإِجمالُ أَيّها الشيخُ، هلاّ ذكرتَ لي شيئًا منها". هذا كلامُه، وفي الرَّدِّ عليه أَقول: أَمّا الإجمالُ، فأَنتَ تعرفُ سببَه، ولكنّك تتجاهله، فإنَّ ردي عليك في ¬

_ (¬1) وهو مخرّجٌ في "الصحيحة" (3274) ، وانظر تعليق الحافظ عليه في " الفتح " (9/475) ، ولا أَستبعدُ من المومأِ إِليه أَن يختلقَ له علّة من علله الكثيرة؛ فيضعفه ليبطلَ حجته عليه!

مقدمةِ "ضعيف الأدب" لم يكن وحيدًا، بل كانَ فيها ردودٌ أُخرى على أَمثالِك ممن يضعِّفونَ الأحاديثَ الصحيحةَ، وغيرِهم من يصحِّحونَ الأحاديثَ الضعيفة بغيرِ علمٍ، وفيهم من هو كثيرُ النقلِ عنّي والاستفادة من كتبي، والإشادة بها والإِحالة عليها، فيمِا يشعرُ أنّه من المقدِّرين والمحبين، ومع ذلك فقد شملتُه معك في الرَّدِّ؛ لتعلمَ أنّي أردُّ للعلمِ والانتصارِ للسنّةِ المظلومةِ من مدعي العلمِ، لا بخصومةٍ شخصيّةٍ كما تحاولُ أنْ تتأوّلَه بغيًا وعدوانًا، والمقصودُ أنَّ الرَّدَّ عليك كانَ في جملةِ ردودٍ أُخرى، وباختصارٍ شديدٍ في أَقلَّ من (16) صفحة، فلو أنّني أَفردتُ في الرَّدِّ عليك وحدَك مفصلاً لكانَ منه كتاب آخرُ أكَبرُ من الذي أُقدّمُ له: "ضعيف الأَدب المفرد"، وهذا غير مناسب كما لا يخفى عليك. وما دمتَ تحضُّني على أَن أَذكرَ لكَ شيئًا من تلك "التلبيسات والخطيئات" نعم "الخطئات" (لا الأخطاء) ، فها أَنا فاعلٌ ذلك إِن شاءَ اللهُ، لا من أَجلِك، فأَنتَ على علمٍ بما صدرَ منك! ولكن من أَجلِ بعض القرّاءِ الّذين لا ينتبهونَ لها، ولا يزالونَ يحسنونَ الظنَّ بقائلِها: أَوّلاً - قلت -بعد أنْ ذكرتَ أَنَّ الحديثَ معلقٌ عند البخاريّ، لم يصرّح بالسماعِ فهو منقطعٌ-: "واختلف في "قال لي"، والأَرجحُ أنّه تعليقٌ أَيضًا؛ لأَسبابٍ لا يتسعُ المقامُ لذكرِها".! فأَقولُ: فيه ما يأتي من التلبيسِ وغيرِه: 1- ليس هناك أَيُّ اختلافٍ في اتصالِ إِسنادٍ قال فيه البخاريُّ: "قال لي فلان"، وإنّما هناك مغربيٌّ غيرُ معروفٍ قال: "إِنَّه إِسنادٌ لا يذكرُه البخاريُّ للاحتجاجِ

به، وإنّما للاستشهادِ"، حكاه ابن الصّلاحِ في "المقدمة" (ص 75-76-الحلبيّة) ثم ردّه، وبيّن ذاك الحافظُ ابن حجر في "نكته عليه" فقال (2/601) : " قلت: لم يصب هذا المغربيُّ في التسويةِ بين قولِه: "قال فلان" وبين قولِه: "قال لي فلان"، فإنَّ الفرقَ بينهما ظاهرٌ لا يحتاجُ إِلى دليل، فإنَّ " قال لي " مثلُ التصريحِ في السماعِ، و" قال " المجرّدة ليست صريحةً أَصلاً ". ثمَّ أَفادَ -رحمه الله- فائدةً تقصمُ ظهرَ هذا الملبّسِ فقال: "فقد رأيتُ في " الصحيح " عدّةَ أحاديث قال فيها: "قال لنا فلان"، وأَوردها في تصانيفِه خارج "الجامع" بلفظ " حدّثنا "، ووجدتُ في " الصحيح " عكسَ ذلك، وفيه دليلٌ على أنّهما مترادفان ". 2- قوله: "والأَرجحُ أنّه تعليقٌ أيضًا". فأقولُ: فيه تلبيسٌ ظاهرٌ، فقد عرفتَ أنّه لا خلافَ هناك، وبالتالي فليس ثمّةَ راجحٌ ومرجوحٌ، وعلى افتراضِ وجودِه، فيكونُ الأَرجحَ لديه، فكانَ عليه أَن يقيِّدَه فيقول: والأَرجحُ عندي، وهو لو قالَ ذلك يكون مبطلاً مسيئًا إِلى الإِمامِ البخاريِّ؛ لأنّه يكونُ قد نسبَ إِليه ما لا يجوزُ من القولِ، كما هو ظاهرٌ لا يحتاجُ إِلى دليلٍ، فإِن أَبيتَ، نسبتُها إِليك أنّك تجوّزُ لنفسِك أَن تقولَ: "قال لي فلان" وأَنتَ تعني أنّه ما قالَ لك؟! وقد يكونُ فى قوله المتقدّمِ: "والأَرجح أنّه تعليقٌ أيضًا" تلبيسٌ آخرُ، وهو أنّه لا يعني ظاهرَه! وإنّما بتقديرِ مضافٍ محذوفٍ، أَي: في حكمِ التعليق، أَي: كما قال ذاك المغربيُّ، فإِن كانَ هذا مرادَه، فلم التلبيسُ؟ إِلاّ أنَّ مرادَه باطلٌ أيضًا كما تقدّمَ.

3- قوله: "لا يتسعُ المقامُ لذكرِها"! فأَقولُ: وهذه خطيئةٌ أُخرى؛ لأنّه لا يُتصورُ أنّه يوجدُ سببٌ واحدٌ -بَلْهَ أَسباب- تثبتُ أنَّ البخاريَّ يقول فيما لم يسمعْه من فلان: "قال لي فلان"؛ لأنّه الكذبُ بعينِه. ثانيًا - قلتَ في هشام بن عمّار: "لم يحتجَّ به البخاريُّ في صحيحه". قلتُ: هذا تلبيسٌ على القرّاءِ، وقلبٌ للحقائقِ العلميّةِ، فالرَّجلُ كلُّ من ترجمَ له كالحافظِ المزيِّ وغيرِه رمزوا له بحرف (خ) إِشارةً إِلى أنّه محتجٌّ به عند البخاريِّ، ولم يذكروا أنّه لم يروِ عنه احتجاجًا، وإِنَّما متابعةً، بل صرّح بما رمزوا أَعرفُ الناسِ به، أَلا وهو الحافظُ ابن حجر العسقلانيّ، فقد ذكرَ في "مقدمةِ الفتح" (ص 448-449) ثلاثةَ أَحاديث لهشمام: الأوّل والثاني منها موصولان، والثالث حديث المعازفِ هذا المعلّق، ثمَّ قال عقبَ ذلك: "وهذا جميعُ ما له في كتابِه ممّا تبيَّن لي أنّه احتجَّ به". والحديثُ الثاني الموصولُ هو في مناقبِ أَبي بكر رضي اللهُ عنه، ورقمه (3661) ، فخالفتَ قولَ الحافظِ أنّه ممّا احتجَّ به؛ بادعائك أنّه توبعَ عند البخاري برقم (4640) ، ففيه تلبيسٌ شديدٌ، إِذ إِنَّ هناك فرقًا بيّنًا بين أَن يتابَعَ الثقة من غيرِه -وهذا يقعُ كثيرًا جدًّا- وبين أَن يسوقَ البخاريُّ حديثَ مَنْ فيه ضعفٌ، ثمَّ يتبعُه بإسنادٍ آخرَ فيه متابعٌ تقويةً له، ففي مثل هذا ونحوه يقال: روى له البخاريُّ متابعةً، أمّا والحديثُ في موضعين متباعدين في البخاريِّ عن شيخين له فتدّعي أَنَّ أَحدَهما لم يحتجَّ به البخاريُّ؛ لأنّه روى له متابعًا في الموضعِ الآخرِ، فهذا في غايةِ التلبيسِ مع ما في ذلك من المخالفةِ للحفاظِ كما تقدّمَ، نعوذُ باللهِ من الخذلان. ومن الفائدةِ أَن أَستدرك عليك حديثًا آخرَ لهشامٍ معلقًا عند البخاريّ، في

مبايعةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يومَ الحديبية برقم (4187) ، وصله الحافظُ (7/456) ، وذكرَ أنّه وقعَ في بعضِ النسخِ: "وقال لي" فهو بهذا الاعتبارِ موصولٌ، فكأنّه لذلك صححه الحافظُ. لم ينتهِ -مع الأسف- تلبيسُك على القرّاء بما تقدّمَ، فقد أَتبعتَ الأحاديثَ الّتي ذكرتها، وزعمتَ أنَّ البخاريَّ لم يحتجّ بها - إِذ قلتَ: "ليس في أَحاديثه الأَربعةِ حديثٌ واحدٌ احتجَّ به البخاريُّ في "صحيحه"، وإِنّما ذكرها متابعةً وتعليقًا وفي الشواهدِ، ومثل هذا معروف عند عارفي "صحيح البخاريّ" أنّه ليسَ على شرطِه". فأَقولُ -والله المسُتعانُ-: لو أنَّه وقفَ عندَ قولِه: "وفي الشواهدِ"، لقلنا: هذا رأيه، إِلاّ أنّه باطلٌ كما سبقَ بيانُه، وأَمّا أَن يتابعَ كلامَه فينسبَ ذلك إِلى عارفي "صحيح البخاريّ"، فهو أَبطلُ وأَبطلُ، وتلبيسٌ على القرّاءِ يصعبُ على عامتِهم اكتشافُه إلاّ بالرجوعِ إِلى ما نقلتُه آنفًا عن الحفّاظِ، وبخاصةٍ منهم الحافظَ ابن حجرٍ الََّذي هو ليس فقط من "عارفي "صحيح البخاري""، بل هو أَعرفُهم به، وقد رأيت تصريحَه بخلافِ ما نسبَ إِليه هذا، فماذا أَقولُ؟ عاملَه اللهُ بما يستحقُّ. ثالثًا - بعدَ أَن سوّدَ من الجريدةِ عمودًا ونصفًا، وعرفتَ ما فيه، جاء بباقعةٍ أُخرى (ضِغثًا على إِبّالة) ، فأَخرجَ من روايةِ البيهقيِّ وابن حجر في "التغليق" متابعةَ بشر بن بكر لهشام بن عمّار، ولم يعزُها لابن عساكر -وهو أَقدمُ بقرونٍ من ابن حجر كما هو معلوم- تدليسًا وتلبيسًا من تلك التلبيساتِ الّتي حضَّني على أَن أَذكرَ له شيئًا منها! فقال عقب المتابعة المذكورة: "وهذه على أنّا سلّمنا أنّها متابعةٌ قويّةٌ لحديث هشام، ليس فيها نصٌّ صريحٌ على (المعازفِ) ؛ لأنّها رويت عند البيهقيّ وابن حجر ضمنَ روايةِ هشام بن عمّارٍ

المتقدمة، فذِكرُ (المعازفِ) معروفٌ في روايةِ هشام، ولم يصرِّح بها في روايةِ (بشر بن بكر) ، فلمّا امتزجت الروايتان ذكرت (المعازف) وكأنّها لهما". كذا قال -هداه الله- وفيه ما يأتي: لكنّي قبل ذلك أريدُ أن أَلفتَ النَّظرَ الى أنَّ قولَه: "وهذه على أًنَّا سلّمنا أنّها متابعةٌ قويّة لحديث هشام ... " فيه ركّة وغمغمةٌ، وعدمُ الإِفصاحِ عن مرادِه؛ فإِنّها تحتملُ التسليمَ بقوّةِ هذه المتابعةِ حقًّا، كِما تحتملُ التسليمَ بها افتراضًا، ولستُ أَدري هل كانَ هذا التعبيرُ المغمغمُ مقصودًا، أم هو خطأٌ قلميٌّ أو طبعيٌّ؟! وسواءٌ كانَ هذا أَم ذاك، فالمهمُّ الآن ما في تمامِ كلامِه من التلبيسِ والمكابرةِ، والإِنكارِ للحقائقِ العلميّةِ، وذلك قولُه: "لم يصرّح بـ (المعازف) في روايةِ (بشر بن بكر) ". فأَقولُ: هذا كذبٌ -شئتَ أم أَبيتَ- بل هو كذبٌ له قرونٌ، وبيانُه من وجوه: الأَوّلُ - أنَّ لفظه ثابتٌ صراحةً في رواِيةِ البيهقيِّ في الجزءِ وِالصفحة الّتي ذكرتَ أَنتَ (3/272) ! أَخرجه من طريق أبي بكر الإِسماعيليِّ: أخبرني الحسنُ ابن سفيانَ: ثنا هشامُ بن عمّارٍ.. (قلت: فساقَ إسنادَه ومتنَه كما تقدّمَ، ثمَّ قال:) قال (يعني أَبا بكر الأِسماعيليَّ) : وأَخبرني الحسن أَيضًا: ثنا عبد الرحمن بن إبراهيمَ: ثنا بشر -يعني ابن بكر-: ثنا ابن جابر عن عطية بن قيس قال: قام ربيعةُ الجرشيُّ في الناسِ -فذكرَ حديثاً فيه طول، قال: - فإِذا عبد الرحمن ابن غنم الأَشعريّ، قلت: يمينٌ حلفتُ عليها؟ قال: حدثني أبو عامر أو أبو مالكٍ.. أًنّه سمعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: "ليكوننَّ في أُمتي أَقوامٌ يستحلّونَ -قال في حديث هشام: الخمر والحرير، وفي حديث (دحيم) : الخزَّ والحريرَ والخمرَ والمعازف، ولينزلنَّ

أَقوامٌ ... " الحديث. قلتُ: فأَنتَ ترى في هذه الروايةِ تكذيبَ الرَّجلِ في قولِه: إِنَّ رواية (بشر) رويت عند البيهقيّ ضمنَ روايةِ هشام، والواقعُ عكسُه تمامًا، فالسياقُ لرواية عبد الرحمن بن إِبراهيم - وهو (دحيم) ، وفي ضمنها وقعت روايةُ هشام، إلاّ أنَّ الخطبَ في هذا سهلٌ، والمهم أنَّ فيه التصريح بأنَّ في روايةِ (دحيم) ذكرَ المعازفِ، ولا ضرورةَ للتذكيرِ بأنَّ روايةَ (دحيم) هي عن بشر، وهذا هي الكذبةُ الكُبرى! واللهُ المسُتعانُ. الوجهُ الثاني - أنَّ ذلكَ كلَّه ثابتٌ أيضًا في روايةِ ابن حجرٍ في "تغليق التعليق" بنفس المكان الّذي عزاه إِليه جزءًا وصفحة (5/19) ! أَخرجه من طريقٍ أُخرى عن الإِسماعيليِّ، عن شيخِه الحسن بن سفيان، عن شيخِه هشامِ بن عمّارٍ وبشرِ بن بكرٍ كما تقدّمَ عندَ البيهقي، إلاّ أنَّ الحافظَ قال عقبَه: "لفظ الحسنِ بن سفيان عن هشام بن عمّار، ولفظُ (دحيم) مثلُه". فإِذن؛ لا فرقَ بين رواية هشامٍ وبشرٍ، ففي كليهما لفظُ (المعازفِ) ، فبطل كلامُ المنكِرِ! وقد يقولُ من لم يتتبع تلبيساتِ الرَّجل: لعلّه لم يتنبّه لهذا الّذي بيَّنته، وهو واضحٌ جدًّا. فأَقولُ: ذلكَ ممكنٌ بالنسبةِ لغيرِه من أَمثالِه المبتدئين في هذا العلمِ، أَمّا هو فلا! فإِن قيل: لم؟ قلت: لكثرةِ ما أَخذنا عليه من التلبيساتِ، وتجاهلِه للنصوصِ الّتي تخالفُ هواه، وفيما سبقَ كفايةٌ لكلِّ ناشدٍ للحقِّ منصفٍ، والحبلُ جرّارٌ، كما سترى في بعضِ الاستدراكاتِ الأُخرى.

هذا أوّلاً. وثانيًا - لأنّه رأى في "فتح الباري" (10/54) رواية دحيم هذه بارزةً شاخصةً مختصرةً ليس فيها القصّة، وإِنّ جملةَ (المعازفِ) -الّتي لا يمكنُ أَن تخفى على أَحدٍ- ساقها الحافظُ ليبيّنَ ما سقطَ من روايةٍ أبي داود الختصرة، وقد ذكرها الرَّجلُ في العمود الثاني من مقالِه محتجَّا بها أنّه ليسَ فيها ذكرُ (المعازفِ) ، أَخذها من "الفتح" معرضًا عن قولِ الحافظِ عقبها: "نعم، ساقَ الإِسماعيليُّ الحديثَ من هذا الوجه من روايةِ (دُحيم) عن بشرِ ابن بكر بهذا الإِسنادِ فقال: "يستحلُّونَ الحرَ والحريرَ والخمرَ والمعازفَ" الحديث". فإِن قيلَ: من أَينَ لك أنّه رآها؟ قلت: من علمي اليقيني أنّه قرأَ شرحَ الحافظِ للحديثِ، وردّه على ابن حزمٍ تضعيفَه إِيّاه، ومن ردّه هو على ابن حجرٍ في العمودِ الثالثِ دفاعًا عن تضعيفِه لعطية ابن قيس فقال: "لذا فقولُ ابن حجر في "الفتح" (10/54) : قوّاه أبو حاتمٍ - ليس بدقيقٍ"! (¬1) فأَنتَ ترى أنَّه نقلَه من نفسِ الصفحةِ الّتيِ نقلتُ منها آنفًا قولَ الحافظِ في روايةِ الإِسماعيليّ، فهل بعد هذا كلِّه ترك مجالاً لأحدٍ أن يحسنَ الظنَّ به؟! وليس هذا فقط، فانظر التالي: ¬

_ (¬1) كذا قالَ، ثمَ ردّ على الحافظِ لأنّه فهمَ من قولِ الحافظِ في (عطية) : "صالح الحديث" تقويتَه، ويرى (المضعّفُ) أنَّه جرحٌ، مخالفًا في ذلك الذهبيَّ أيضًا فإنّه صرّحَ بأنّه تعديلٌ، كما سيأتي نقلُه عنه في الاستدراك (14) ، فالرَّجلُ ديدنه المخالفة! ولم لا؟ (خالِفْ تُعرف) ، وفعلاً قد عُرف!! ولكن بماذا؟!

الوجه الثالث - أَخرجه الحافظُ ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/155) من طريق الهيثم بن كليب الشاشي: نا عيسى بن أَحمدَ العسقلانيُّ: نا بشرُ بن بكر به مطولاً أَتم من روايةِ (دحيم) ، ومن نافلةِ القولِ أَن أَذكر أَنَّ فيه لفظَ (المعازفِ) . وما قلتُه في موقفِ الرَّجلِ من روايةِ الإِسماعيليّ وتجاهلِه إِيّاها، بل نفيه ما فيها: يمكنُ أَن أَقولَه في موقفِه من هذه من حيثُ علمُه بها وكتمانُه إِيّاها، كما أَشرتُ إِلى ذلك فيما تقدّمَ. نعم؛ يمكنُ أَن يقالَ: يحتملُ أنّه لم يتيسر له الرُّجوعُ إِليها؛ لأنّها في مصدرٍ غيرِ مطبوعٍ. فأَقولُ: هذا محتملٌ، وإِن كنتُ أَستبعدُه، ومع التسليمِ به فذلك ممّا لا يجوِّزُ له أَن ينكرَ ما لم يحط به علمُه. لقد طالُ الكلامُ جدًّا في هذا الاستدراك فوقَ ما كنتُ أَردتُ وأَتصوّرُ، وأَخذَ من وقتي الشيءَ الكثير، وذلك من شؤمِ هؤلاءِ الّذين (تزببوا قبل أَن يتحصرموا) ، وبخاصةٍ منهم هذا الّذي تميّزَ من بينهم بتضعيفِ الأَحاديثِ الصحيحةِ والطعن في رواتِها، واختلاقِ العلل لها، مع المخُالفةِ لأَئمةِ الحديثِ وحفّاظِها، لا يرقبُ فيهم إِلاًّ ولا ذمّة، ولكنّي أَتذكّرُ قولَ اللهِ تبارك وتعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} ، محتسبًا في ذلك الأَجرَ عندَ اللهِ تبارك وتعالى. ولعلَّ من الفائدةِ أَن أُلخِّصَ للقرّاءِ الكرامِ المخالفاتِ التي وقع فيها؛ تذكرةً له، وعبرةً لكلِّ من يريدُ أَن يعتبرَ: 1- خالفَ في تضعيفه لهذا الحديث الصحيح أَكثرَ من عشرة من حفّاظِ

الحديثِ ونقّادِه، على مرِّ العصورِ والسنينِ إِلى يومنا هذا، كالبخاريِّ وابن الصلاح وابن تيميّة ... وهلمّ جرَّا. 2- ضعّفَ راويهَ عطية بن قيسٍ الّذي لم يضعفه أَحدٌ -حتّى ابن حزم! - وشكك في توثيقِ مسلم إِيّاه، وابن حبّان، ورفض توثيقَ ابن حجرٍ له، مع توثيق الذين صححوا حديثَه! 3- زعمه أنَّ مسلمًا أَخرجَ له حديثًا في الشواهدِ، وهذا خلاف قول الّذين ترجموا له. 4- قوله: لا قيمةَ لأَحكامِ ابن حجر.. إِلخ. 5- زعمُه أَنَّ قولَ ابن سعدِ في الرّاوي: "كانَ معروفًا" ليس توثيقًا! 6- تضعيفُه لثلاثةِ أَحاديثَ صحيحةٍ في النهي عن الصلاةِ بين السواري، وقطعِ الصفِّ، ويأتي الرَّدُّ عليه مفصّلاً في الاستدراك رقم (13) . 7- تحريفه لكلامي؛ فيضعُ هو لفظ "الحجّة" مكان " الانقطاع "، لينسبَ لي ما لم أَقل، وما نسبتُه أَنا إِليه -بحقّ- لا ينفيه!! 8- حكى الخلافَ في قولِ البخاريِّ: "قال لي" هل هو تعليقٌ كقولِه: " قال " دون زيادة (لي) ولا خلافَ! والأَنكى أنّه قال من عنده: إِنَّ الأَرجحَ سواء!! 9- زعم أنَّ البخاريَّ لم يحتجَّ بهشامِ بن عمّارٍ! خلافًا لجميعِ الحفّاظِ المترجمين له، وخلافًا لتصريح الحافظِ. 10- زعمَ أنَّ ما أَسندَه له البخاريُّ من الحديث هو عنده متابعة! 11- نسبَ إِلى عارفي "صحيح البخاري" -ومنهم ابن حجر- زعمَه

المذكور. 12- أَنكرَ وجودَ لفظ (المعازف) في روايةِ البيهقيّ، وابن حجر، مع أنّه موجودٌ فيها، وفي غيرِها أَيضًا! ولتمامِ الفائدةِ أُلخّصُ أَيضًا ردِّي عليه في بعضِ الاستدراكاتِ الآتية فأَقولُ: 13- في الاستدراك (8) سرقَ تخريجي للحديث (266) وذكرتُ الدليلَ القاطعَ، وكتمَ حقيقةَ راويهِ (عبد الرحمن بن إِسحاق القرشيّ) ، فحذفَ نسبة (القرشيّ) من السندِ؛ لأنّه ثقة، ليلبسَ على القرّاءِ أنَّه (عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطي) المجمعُ على ضعفِه! كما كتمَ عنهم تقوية ثمانية من الحفّاظِ للحديثِ؛ منهم الذهبيّ والعسقلانيّ!! 14- ضعّفَ ثلاثةَ أَحاديث صحيحة عند جمعٍ من الحفّاظِ في تسويةِ الصفوف، كما سيأتي في الاستدراك (13) مفصّلاً، وسبقت الإِشارةُ إِلى ذلك. 15- نسبني -كما سترى هناك- مع غيري إِلى تقليدِ المنُاويّ في قولِنا في حديثٍ من تلك الأَحاديث الثلاثة صححه الحاكمُ: "ووافقه الذهبيُّ"، وهو في ذلك مفترٍ، وسترى هناك صورةَ الموافقةِ مصورةً عن "مستدركِ الحاكم" و"تلخيص الذهبي". 16- أَمثلةٌ أُخرى من تملصِه، بالمكابرةِ والمجادلةِ بالباطلِ من أقوالِ الحفّاظِ الموثِّقين للراوي الذي ضعفه هو بالجهالةِ، فقال عن ابن حبّان: متساهلٌ، وعن النسائي: إِنّه أحيانًا يوثِّقُ المجاهيل! وأمّا الإِمام الدارقطنيّ فقال في توثيقه: "موضع نظر"!! 17- كتمَ هناكَ توثيقَ الذهبيّ والعسقلانيّ! ولو ذكره، فلا نستبعدُ منه أَنْ

يقول: "إِنَّهما مقلدان"! فكم من مرّة خالفهما! وما العهدُ عنك ببعيدٍ، ويأتي. 18- خالفَ ستةً من الحفّاظِ أَجمعوا على تصحيحِ حديث: "من قطعَ صفًّا قطعَه الله"، أَعلّه بالإِرسالِ وقد صحَّ مسندًا، ثمَّ حاولَ تضعيفَ المرسلِ أيضًا براوي المُسنَد والمرسل (معاوية بن صالح) -وقد احتجَّ به مسلمٌ- فقال فيه: "وسط، أَو أَقلُّ من الوسطِ". 19- نقلَ عن الحافظِ قولَ الإِشبيلي في (عبد الحميد) : "لا يحتجُّ به"، ولم ينقل ردَّ الحافظِ إِيّاه بما تعقبَه به ابن القطّان! 25- نقلَ عن "الفتح" قولَ القرطبيّ في سببِ كراهيةِ الصلاةِ بين السواري: إِنُّه مصلّى الجنِّ! ولا أَصل له في السنّة، فسارعَ إِلى ردّه، ولكنّه لم ينقل عن "الفتح" السببَ الثابتَ في السنّةِ، ليوهمَ القرّاءَ أنّه ليسَ هناك سببٌ مشروعٌ ومنقولٌ، فقال الحافظُ: "ورد النهيُ الخاص عن الصلاةِ بين السواري بإِسنادٍ صحيح". 21- نسبَ إِلى ابن قدامة: "لم يصحَّ عند المجوّزِين دليلُ المانعين"، وهذا افتراءٌ عليه نشأَ من تحريفِه إِيّاه في النقل، وبيانه هناك. 22- كان قد أَبقى على الحديثِ المشارِ إِليه آنفًا: "من قطعَ صفًّا.." في طبعته لـ: "رياض الصالحين" مشيرًا بذلك إِلى صحتِه، ثمَّ ضعفَه مخالفًا ستةً من الحفّاظِ كما تقدّمَ -نكايةً بمن سمّاهم- زورًا- بـ (الأَلبانيّين) ! 23- حذفَ من طبعتِه المذكورةِ حديثَ البخاريِّ المسند غير المعلق (!) في لصق المصلى قدمه بقدمِ المصلي بجانبِه، حذفه دون أَن يُشعرَ القرّاء به في التعليق! ولا أَورده -والحمد لله- في "ضعيفتِه"، وما أَظنُّ أنَّه يعملُ به إِذا وقفَ في الصفِّ؛ لإِنّه يراه تنطُّعًا في الدينِ، ولو كانَ من عمل السلف! وإِلاّ لما ضعفه! 24- ينبز السلفيّين بالتقليدِ، جاهلاً الفرقَ بين الاتباعِ والتقليدِ!

وختامًا أقولُ: مع كلِّ هذه المشُاكساتِ، والمعانداتِ، والمُكابراتِ للحقائقِ العلميّةِ، والمخالفاتِ لحفّاظِ السنّةِ المحمديّةِ، وغيرها ممّا سيأتي بيانُه في المجلدِ الثاني وغيرِه إِن شاءَ اللهُ تعالى، مع ذلك كلِّه يتظاهرُ الرَّجلُ في رَدِّه عليّ بأنَّ الخلافَ بيني وبينه شخصيٌّ فقط، فيقول فيه: "لماذا لا تحتملُ خلافي، وأنا عليَّ أن أحتملَ خلافَك؟! "! ثمَّ يتباكى فيسألُ مستنكرًا: "كيفَ علمتَ أًنّي وغيري نكتبُ لأَهوائِنا، أطَّلعتَ على قلوبِنا..؟ "! أقولُ: قبلَ الجوابِ أتساءلُ: من تعني بقولِك: "وغيري"؟ (آلسقاف) عدوُّ السلفِ، والسنّةِ، وحفّاظِ الأُمّةِ، أَم غيره من المعتزلةِ والجهلةِ، وما أكَثرَهم في هذا الزمانِ الّذي يتكلّمُ فيه (الرويبضةُ) ! فإِنَّ قولَك هذا يشعرني بصفة أُخرى فيك ما كنّا نعلمها، وهي أنّك لا تحكمُ على أحدٍ بأنّه من (أهلِ الأَهواءِ) مهما كانَ انحرافُه عن أهلِ السنّةِ وعلمائِها، بل ولا على أحدٍ من الكفّارِ بالكفرِ، ولا.. ولا.. مهما قالوا وفعلوا؛ لأنّه لا يمكنُ الاطلاعُ على القلوبِ! فإِن كنتَ ترى هذا، فهذه باقعةٌ ومصيبةٌ أُخرى تخالفُ فيها الكتابَ والسنّةَ وإِجماعَ الأُمّة مخالفةً لا تحتاجُ إِلى بحثٍ ودليل. أقولُ: هذا لازمُ قولِك المذكورِ، ولكن لمّا كانَ من المعروفِ عند العلماءِ أنَّ لازمَ المذهبِ ليس بمذهبِ، فاٍنّي لا أدينُك به، إلاّ إِن صرّحتَ بالتزامِه، وإِلاّ فصرِّح بإنكارِه، ولعلّك تفعلُ، فإِنّه بحسبِك ما فعلتَ. والآن إِليكَ الجواب:

وليس يصحُّ في الأذهانِ شيءٌ ... إِذا احتاجَ النّهارُ إِلى دليل إِذا لم يكن مثلك -وقد فعلتَ بالسنّةِ الصحيحةِ ما فعلت، وخالفتَ أَئمة الحديثِ المتقدمين منهم والمتأخرينِ- من (أَهلِ الأهواء) ، فليسَ في الدنيا أحدٌ يصحُّ أن يقالَ فيه: إِنّه من (أهل الأهواءِ) ، ويكونُ السلفُ الصالحُ قد أخطأوا -في رأيك- حين أَطلقوا هذه الكلمةَ على المبتدعةِ المخالفين للسنّةِ، وعليه يجبُ بزعمِك أن تُرفعَ هذه الكلمةُ من قاموسِ العلماءِ؛ بسبب أنّه لا يمكنُ الاطلاعُ علِى ما في القلوبِ كما قلتَ! وقد تجاهلتَ الحكمةَ القائلةَ: "ما أَسرَّ عبدٌ سريرةً إلاّ ألبسَه اللهُ رداءَها، إِنْ خيرًا فخيرٌ، وإِنْ شرًّا فشرٌ"، ونسبه بعضُ الضعفاءِ إِلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يصحُّ، كما كنتُ بينتُه في "الضعيفة" (237) ، ومن ذلك قولُ الشاعر: ومهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ ... وإِن خالها تخفى على النَّاس تُعلمِ هذه سنّةُ الله في خلقِه، ولولا ذلك لفسدتِ الأرض وما عليها، ولما أمكنَ معرفةُ المؤمنِ من الكافرِ، والصالحِ من الطالحِ، ولم يكن هناك شيءٌ معروفٌ في الشرعِ اسمه (الحبّ في الله، والبغض في الله) وما يترتبُ من وراءِ ذلك من الأحكامِ المعروفةِ لدى المسلمين كافّة، وهذا ظاهرٌ لا يمكنُ أن يخفى على عاقل، إِلاّ أن يكونَ مكابرًا من (أَهلِ الأهواءِ) ! والله المسُتعان، ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللهِ. هذا، وللأخِ محمد سعيد عمر إِدريس ملحقٌ بكتاب الآجرّي "تحريم النرد والشطرنج والملاهي" في تحقيقِ أَحاديث الملاهي، ومنها حديثُ المعازفِ هذا، ردَّ فيه تضعيفَ ابن حزمٍ فأَحسنَ، وشرحَ غريبَه، فراجعه؛ فإنّه مفيد (ص 276-298) . 4- آخر الحديث (122) : وقد صرَّحَ القاسمُ بن الفضل بالتحديثِ أيضًا عند الحاكمِ والترمذيّ، وأمّا ابن حبّان؛ فأَدخلَ بينَه وبين أبي نضرة (الجريريَّ) من روايةِ هدبة بن خالد القيسي، وهي روايةٌ شاذةٌ، فقد أَخرجه أَبو نعيم في "دلائلِ النبوّةِ" (ص 318) من طريق

هدبةَ أيضًا في آخرين قالوا: ثنا القاسمُ به -لم يذكروا الجريري- وقال البزار عقب الحديث: "لا نعلمُ رواه هكذا إلاّ القاسم، وهو بصريٌّ مشهورٌ، وقد رواه عن أبي سعيد شهر بن حوشبٍ، وزادَ فيه على أَبي نضرة". 5- آخر الحديث (132) : (فائدة) : وأمّا ما رُوي عن عائشةَ رضي الله عنها؛ أنّها أسقطت من النبيّ - صلى الله عليه وسلم - سِقطًا فسمّاه عبد الله، وكناها به، فهو باطلٌ سندًا ومتنًا، وبيانه في المجلدِ التاسعِ من "الضعيفةِ" رقم (4137) . 6- آخر الحديث (176) قبل السطرين الأَخيرين: وأَخرجه البيهقيُّ في "السنن الكبرى" (7/282) من طريق عبد الرزاق أَيضًا بالوجهين المتقدمين، لكنّه لم يذكر الرَّجلَ بين الزهريّ وأبي هريرة، ثمَّ رواه هو والبزّارُ (3/342-343) من طريق زهير بن محمد البغدادي: ثنا عبد الرزّاق: ثنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن أَبي هريرة مرفوعًا به. قلت: وهذا إِسنادٌ صحيحٌ أَيضًا. 7- آخر الحديث (230) : ثمَّ وجدتُ ما يؤيدُ هذه الترجمةَ من قولِ راوي الحديث نفسه؛ أَبي بكرة الثقفيّ رضى الله عنه، كما يؤكّدُ أَنّ النهي فيه: "لا تعد" لا يعني الركوع دون الصفِّ، والمشي إِليه، ولا يشملُ الاعتدادَ بالركعةِ؛ فقد روى علي بن حجر في "حديثه" (1/17/1) : حدّثنا إِسماعيلُ بن جعفر المدني: حدثنا حميدٌ، عن القاسمِ بن ربيعةَ، عن أَبي بكرةَ -رجل كانت له صحبةٌ- أنّه كانَ يخرجُ من بيتِه فيجدُ الناسَ قد ركعوا، فيركعُ معهم، ثمَّ يدرجُ راكعًا حتّى يدخلَ في الصفِّ، ثمَّ يعتدُّ بها.

قلت: وهذا إِسنادٌ صحيح، رجاله كلُّهم ثقات، وفيه حجّةٌ قويّةٌ أَنَّ المقصودَ بالنهي إِنّما هو الإِسراعُ في المشي؛ لأنّ راوي الحديثِ أَدرى بمرويِّه من غيرِه، ولا سيما إِذا كانَ هو المخاطبَ بالنهي، فخذها؛ فإِنّها عزيزةٌ قد لا تجدها في المطولاتِ من كتبِ الحديثِ والتخريج، وبالله التوفيق. 8- آخر الحديث (266) : (تنبيه) : من غرائبِ التتابعِ في الخطأ، ومخالفةِ النقدِ العلميّ الصحيح، وتتابعِ العلماءِ الحفّاظِ على تقويةِ هذا الحديث - ما وقعَ فيه مَنْ جاءَ بعدَ المبُاركفوريِّ من المخرِّجين، وهم جمع: الأَوّل - المبُاركفوريّ، وقد سبقَ بيانُ سببِ خطئِه مفصلاً. الثاني - الشيخ أَحمد شاكر رحمه الله في تعليقِه على "المسند" (2/332) ، ويغلبُ على ظنّي أنَّ سببَ خطئِه - مع وقوعِ نسبةِ (القرشيّ) في "المسندِ" أنَّ الحديثَ وقعَ فيه بين حديثين لعبد الرحمن بن إِسحاقَ، عن النعمان بن سعد، عن علي، وهو فيهما الواسطيّ يقينًا، فانتقلَ بصرُه أو وَهْلُه إِليه، ولم ينتبه لنسبةِ (القرشيّ) في حديثنا. ومثل هذا الانتقال لا عيبَ فيه؛ لأنّه لا ينجو منه كاتبٌ أَو مؤلفٌ، وإِنّما العيبُ على الذين جاؤوا من بعدِه فقلدوه، وتجاهلوا النسبةَ المذكورةَ، أَو وهّموا راويَها بغير حجّةٍ أَو برهانٍ، وهم: الثالث - الشيخ شعيب الأَرناؤوط، وبقية الستة المشاركونَ له في التحقيقِ (!) في التعليقِ على "المسندِ" أيضًا (2/438 - طبع المؤسسة) ، فقد تجرّأَ -أَو تجرؤوا جميعًا- على تخطئةِ الرواةِ بمجرّدِ الدعوى فقالوا: "وقولُ أَحدِ الرواةِ في هذا الحديثِ في نسب (عبد الرحمن) : "القرشيّ"

وَهَمٌ؛ فإنَّ عبدَ الرحمن بن إِسحاق القرشيّ لا يروي عن سيار أبي الحكم، ولا يروي عنه كذلك أبو معاويةَ محمد بن حازم الضرير". فأَقولُ: هذه مكابرةٌ ما بعدها مكابرة، وجحدٌ للحقائقِ العلميّةِ ما مثله جحودٌ، وبيان ذلك في أُمورٍ: 1- لم ينفِ أحدٌ من أهلِ العلمِ نفيَهم هذا -فيما علمت- فهو مردودٌ عليهم؛ لأنّهم لا يعتقدون في أنفسِهم أنّهم من أَهلِ الاستقراءِ والاستدراكِ على أهلِ الاختصاصِ من العلماءِ، هذا ما نظنّه بهم، فلا يجوزُ لهم -إِذن- أن ينفوا (ما لم يحيطوا بعلمِه) ! 2- قد أثبتَ ما نَفَوا الحافظُ أبو محمدٍ ابن أبي حاتمٍ كما كنّا ذكرنا هناك، فتجاهلوه كاشفين بذلك عن مكابرتِهم، وقول الحافظِ موجودٌ في كتابه "الجرح والتعديل" (2/2/212) الّذي هو تحت أيديهم. 3- قد أثبتَ تلك النسبةَ (القرشيّ) ثقتانِ هما: (أَبو عبد الرحمن عبد الله ابن عمر) في "المسند" وهو الملقب بـ (مشكدانه) ، وهو ثقةٌ من شيوخِ مسلم، والآخرُ (يحيى بن يحيى) عند الحاكم وهو أبو زكريّا النيسابوريّ، وهو ثقةٌ ثبتٌ من شيوخِ البخاريِّ ومسلمٍ. وقد يقولُ قائلٌ: لعلّهم لم يقفوا على روايةِ الحاكمِ هذه؟ فأَقول: ذلك ممكن، وإِن كانوا عزوه إِليه (ص 185) ؛ لأنّه ثبتَ عندي يقينًا أنَّ بعضَ المخرِّجين يسرقون العزوَ من بعضِ كتبي، يجدونه لقمةً سائغةً، والأمثلةُ على ذلك كثيرةٌ، وأَظهرُ ما يتجلى ذلك حينما يكونُ في عزوي شيءٌ من الخطأِ الّذي لا يخلو منه بشرٌ، وقد يكونُ خطأً مطبعيًّا، فينقلُه السارقُ فينفضحُ، ويأتي قريبًا مثالٌ ممّا وقعَ فيه المدعو (حسان عبد المنان) ، أقولُ: فيمكنُ أن يكونَ عزوُهم من هذا القبيلِ،

اعتمدوا على عزوي للحاكمِ بالجزء والصفحةِ دون أن يرجعوا إِلى كتابِه مباشرةً، ولو فعلوا لرأوا (القرشيّ) ! فثبتَ يقينًا بطلان دعواهم أنَّ راوي الحديثِ هو عبد الرحمنِ الواسطيّ الضعيف، وبالتالي يثبت بطلان دعوى أنَّ الحديثَ ضعيفٌ. ولا يشكلُ على هذا ما ذكروا من روايةِ هذا الضعيفِ عن (سيار) ، وعنه (أَبو معاوية) كما كنتُ ذكرتُ هناك، وذلك لسببين: أَحدهما - أنَّه من المقررِ عند العلماءِ "أنَّ ذكرَك الشيءَ لا ينفي ما عداه"؛ ولغفلتِهم عن هذه الحقيقةِ العلميّةِ جزموا بالنفي! والآخر - أنّه لا مانعَ أَن يشتركَ الراويانِ المسمَّيانِ باسمٍ واحدٍ عن شيخٍ واحدٍ أَو أَكثر، وعنهما كذلك شيخٌ واحدٌ أَو أَكثر. ومن الأَمثلةِ المعروفةِ في ذلك (عبد الكريم بن مالك الجزري الحرّاني) ، وهو ثقة، و (عبد الكريم بن أَبي المخارق البصري) ، وهو ضعيف، وقد اشتركا في الرواية عن بعضِ الشيوخِ، مثل: سعيد بن جبير، وطاوس، وعطاء بن أَبي رَباح، ونحوِهم من الأَكابرِ، واشتركَ في الروايةِ عن كلٍّ منهما إِسرائيلُ بن يونس والسفيانانِ وغيرُهم من الثقاتِ، ولهذا قالَ الحافظُ في "التقريب/ترجمة عبد الكريم البصري": "وقد شاركَ الجزريّ في بعضِ المشايخِ، فربما التبسَ به على من لا فهمَ له"! فإِذا جاءَ (عبد الكريم) هكذا غير منسوبٍ في سندٍ من تلك الأَسانيدِ المشتركةِ، وجاءَ في رواية أُخرى (عبد الكريم الجزري) هكذا منسوبًا، لم يجزْ بداهةً ادّعاءُ أنّه البصريُّ! هذا حالُ أُولئك المكابرين تمامًا، ولذلك فقد أَصابَهم شيءٌ من رشاشِ كلامِ الحافظِ المتقدم.

وقد يجادلُ بعضُهم فيقول: المثالُ مختلفٌ؟ فنقولُ سلفًا: لا اختلافَ إِلاّ بالنسبةِ لِنَفْيِكم، وهو باطلٌ لا قيمةَ له كما تقدّمَ تحقيقُه. وأوَضّحُ ذلك للقرّاءِ الكرامِ فأَقول: لقد اشترك (عبد الرحمن بن إِسحاقَ القرشيّ) مع (عبد الرحمن بن إِسحاق الواسطيّ) في الروايةِ عن (سيار أبي الحكم) ، وروى عن كلٍِّ منهما أَبو معاويةَ الضرير، فوقعَ (عبد الرحمن بن إِسحاق) -هكذا غير منسوبٍ- عند بعض المخرّجين للحديثِ، ووقعَ عند غيرِهم (عبد الرحمن بن إسحاقَ القرشيّ) هكذا منسوبًا، فكيفَ جازَ لهم ادّعاءُ أنّه (الواسطيّ) مع أنّه لم يُنسب في السند، وإِنكارُ أنّه القرشيُّ، وقد جاءَ منسوبًا فيه؟ فقد ظهرَ جليًّا أنَّ المثالَ مطابقٌ تمامًا للمُمَثّلِ له. وأَمّا مضعّفُ الأحاديثِ المصححةِ (حسان عبد المنان) الّذي سبقت الإِشارةُ إِليه، فقد شارك المذكورين في الخطأ والمكابرةِ استقلالاً أو تقليدًا -لا أَدري، وأَحلاهما مُرٌّ- فإِنّه اقتبسَ تخريجَه للحديثِ من تخريجي إِيّاه في الطبعاتِ السابقةِ، فقال (ص 552) من " ضعيفته ": "أَخرجه الترمذيُّ (3558) ، وأَحمدُ (1/153) ، والحاكم (1/538) من طريق عبد الرحمن بن إِسحاق عن سيار. قلت: وعبد الرحمن بن إِسحاق هذا مجمعٌ على ضعفِه، وهو منكر الحديث. [وافقني على تضعيفِه الشيخ شعيب] ". فليتأمل القرّاء في هذا التخريج، يجد فيه على اختصارِه آفاتٍ: الأُولى - سرقة التخريج كما أَشرتُ آنفًا، والدليلُ أنَّهِ قلدني في عزوي إِيّاه لأَحمد سابقًا في الجزء والصفحة، والصواب "عبد الله بن أْحمد" كما تقدّم.

الثانية - التدليسُ باختصارِه من الإِسنادِ نسبة (القرشيّ) الثابتة في تخريجي؛ ليمهِّدَ بذلك تضعيفَه للحديث بالواسطيّ! الثالثة - تجاهلُه -مع الذين سبقتِ الإِشارةُ إِليهم- ثبوتَ نسبةِ (القرشيّ) في "المسند" و"المستدرك"، لكن يردُ هنا الاحتمالُ الّذي ذكرته هناك، وهو الاتكالُ في التخريجِ على عزوِ غيرِهم، وعدمُ الرُّجرعِ إِلى "المستدركِ" مباشرةَ، وهذا هو الأَقربُ بالنسبةِ لـ (حسان) للدليلِ المذكورِ في الآفةِ (الأُولى) ، وسواءٌ كانَ هذا أَم ذاك فأَحلاهما مُرّ. وهناك ناسٌ آخرونَ تتابعوا، منهم الدكتور محمد سعيد البخاري، ولقد كانَ جريئًا في التوهيم -مثل شعيب وأَعوانِه- فإِنّه علقَ على الحديثِ في "كتابِ الدعاءِ" للطبرانيِّ مضعِّفًا له بالواسطيّ! ذلك أنّه بعد أَن نقلَ تحسينَه عن الحافظِ ابن حجر، وتصحيحَه من الحاكمِ، والذهبيِّ، عقّبَ عليه بقولِه (2/1283) : "قلت: ولعلّه اشتبه عليهما عبد الرحمنِ بن إِسحاقَ الواسطيّ بعبد الرحمنِ بن إِسحاقَ القرشيّ، وهو صدوق، ولا يروي عن سيار أبي الحكم". فيا للعجبِ من هذا الدكتورِ وتعقيبه عليهما، كيفَ ينسبُ الوهمَ إِليهما وفي إِسنادِهما أنّه (القرشيّ) ؟! والله، إِنَّ تتابعَ هؤلاءِ على هذا التضعيفِ، والتوهيمِ، والمكابرةِ لإِحدى الكُبَر! ولقد كانَ يكفي هؤلاءِ رادعًا عن مضيِّهم في تتابعِهم أن يتذكروا -مع علمِهم باتفاقِ العلماءِ على تضعيفِ الواسطيّ- حقيقة أُخرى، وهي اتفاقُ كلِّ من أَخرجَ الحديث أَو نقلَه مسلّمين بصحتِه وحسنِه، وفيهم من ضعفَ الواسطيّ، وهم: 1- الترمذي 2- الحاكم 3- المنذري 4- النووي 5- ابن تيميّة 6- الذهبيّ 7- العراقيّ 8- العسقلانيّ.

وأَصحابُ الأَرقام (1 و3 و6 و8) ممّن ضعّفَ الواسطيّ، فيبعد والحالةُ هذه -إِن لم أقل: يستحيلُ- أَن يتفقَ مثلُ هؤلاءِ الحفّاظِ على تقويةِ الحديثِ وفيه (الواسطيّ) المتفق على تضعيفِه، وفيهم من صرّحَ بتضعيفِه كما بينتُ، ثمَّ يأتي بعضُ الناشئين ممّن لا علمَ عندهم -كعلمِهم على الأَقلِّ- فيخالفونهم بمجرّدِ الدعوى والجهلِ والتوهيم للثقاتِ! وليس هذا فقط، بل ويخالفونَ ثمانيةً من الحفّاظِ تتابعوا على تقويةِ الحديثِ على مرِّ القرونِ دون أَن يُعْرفَ أيُّ مخالفٍ لهم، إلاّ من هؤلاءِ الخلفِ بدونِ حجّةٍ أَو برهانٍ، والله المسُتعانُ". 9- آخر الحديث (270) وأمّا ما أَثارَه في هذه الأَيّامِ أحدُ إِخواننا الدعاةِ من التفريقِ بين (الطائفةِ المنصورةِ) و (الفرقة الناجية) ، فهو رأيٌ له، لا أَراه بعيدًا عن الصوابِ، فقد تقدّمَ هناك النقلُ عن أئمةِ الحديثِ في تفسيرِ الطائفةِ المنصورةِ أنّهم أهلُ العلمِ بالحديثِ وأَصحابُ الآثارِ، وبالضرورةِ تعلمُ أنّه ليس كلُّ من كانَ من الفرقةِ الناجيةِ هو من أهلِ العلمِ بعامّةِ، بله من أَهلِ العلمِ بالحديثِ بخاصةِ، أَلا ترى أن أَصحابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هم الذين يمثلونَ الفرقةَ الناجيةَ، ولذلك أُمرنا بأن نتمسّكَ بما كانوا عليه، ومع ذلك فلم يكونوا جميعًا علماء، بل كان جمهورُهم تابعًا لعلمائهم؟ فبين (الطائفةِ) و (الفرقة) عمومٌ وخصوصٌ ظاهران، ولكنّي مع ذلك لا أَرى كبيرَ فائدةٍ من الأَخذِ والرَّدِّ في هذه القضيةِ حرصًا على الدعوةِ، ووحدةِ الكلمةِ. 10- آخر الحديث (278) ثمَّ رأيتُ في ترجمةِ (خلف بن أَيوب) في "سير أعلامِ النبلاءِ" للحافظِ الذهبيِّ ما يؤيدُ رأيي الّذي كنتُ انتهيتُ إِليه هناك، وهو أنّه وسط، فقد وصفَه الذهبيُّ بـ "الإِمام المحدّث الفقيه" ثمَّ قال (9/541) :

"وقد ليَّنه من جهةِ إِتقانِه يحيى بن معين". فأَشارَ الذهبيُّ إِلى أنَّ تضعيفَ ابن معين المطلق الّذي كنتُ نقلتُه عنه هناك ليسَ على إِطلاقِه، وإِنّما هو "من جهةِ إِتقانِه"، فمثله يكونُ حسنَ الحديثِ، والله أَعلمُ. 11- الحديث (302) بعد السطر (13) وتابع الوليدَ بن مسلمٍ بشرُ بن بكرٍ أيضًا عن الأَوزاعيِّ مثل لفظِ الوليدِ، أَخرجه البغويّ في "شرح السنّة" (13/194/3613) . (تنبيه) من أَوهامِ المعلِّقِ على "مسندِ أبي يعلى" قوله (3/470) في تعليقِه على هذا الحديث: "إِسناده صحيح، الوليد بن مسلم صرّح بالتحديثِ عندَ البغويِّ"! وفيه ثلاثة أَخطاء: الأَوّل - أن البغويَّ لم وروهِ عن الوليدِ وإِنَّما عن بشر كما رأيت، فلعلّه سبق قلم. الثاني - أنَّ تصريحَه بالتحديث إِنّما هو عند مسلم، وكذلك هو عند ابن حبّان في "صحيحه" (8/47/209 و6441 - الإحسان) . الثالث - أَنَّ قولَه المذكور يشعر العارف بهذا العلم الشريفِ أنّه لا يعلمُ أَنَّ تدليسَ الوليد بن مسلم من النوعِ الذي لا يفيد تصريحُه بالسماعِ من شيخِه فقط؛ لأنّه كانَ يدلِّسُ تدليس التسوية، أي يسقطُ الرّاوي بين شيخِه وشيخِ شيخِه، كما هو مشروحٌ في ترجمته، وقولُه هذا لولا أنّه تكررَ منه كثيرًا في أحاديث الوليدِ بن مسلم لاعتبرته سهوًا قَلَميًّا لا ينجو منه كاتب، ولكن تكراره إِيّاه أنبأني بأنّه خطأٌ علميٌّ فكريٌّ، فانظر مثلاً الأَحاديث (41 و559) من المجلد الأَوّل والثاني من

"الإِحسان" طبع المؤسسه اللذين يحيلُ إِليهما كثيرًا في تعليقِه على "موارد الظمآن"، مدعيًا أنّهما من تحقيقِه، والحديث (6489) من "الضعيفة"، فهو في هذه الأَمثلة وغيرِها مثلما تقدمَ عنه، ويكفي أَنَّ الوليد عنعنَ بين الشيخين ولم يصرِّح بالتحديث، وهذا إِنْ دلَّ على شيءٍ -كما يقالُ اليوم- فإِنَّما يدلُّ على الحداثة! 12- آخر الحديث (332) ثمَّ رأيتُ الحديثَ في "مسندِ أبي يعلى" المطبوعِ بتعليقِ وتخريجِ الأَخ (حسين سليم) الدارانيّ الدمشقيّ، فرأيتُه قد وقعَ في خطأٍ فاحشٍ، فوجبَ التنبيهُ عليه حتّى لا يغترَّ من لا علمَ عنده، فقد عزاه (7/467) لمالكٍ والشيخين وأَبي داودَ وأحمدَ! ولا أَصلَ للحديثِ عندهم، ومنشأُ هذا إنّما هو الاهتمامُ بالتخريجِ دونَ فقهِ الحديثِ المخرَّج أَو الانتباه له، ذلك أنَّ الحديثَ عند "أبي يعلى" له تتمةٌ في أَوله بلفظ: "لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النساءِ ما نرى، لمنعهنَّ من المساجدِ؛ كما منعت بنو إِسرائيل نساءها، لقد رأَيتنا نصلي ... " الحديث. فهذا الطرفُ الأَوّلُ من الحديثِ هو الّذي ينصبُّ عليه تخريجه المذكور، وأمّا طرفهُ الآخر الّذي عزوته لأَبي يعلى فقط، فلم يروِه أَحدٌ منهم مطقًا في المواضعِ الَّتي أَشارَ إِليها! وإنّما أَخرجوه هم وبقيّةُ الستةِ مختصرًا نحوه بلفظ: " ... ما يعرفن من الغلسِ" ليس فيه ذكر "وجوه بعض". وهو مخرّجٌ في "صحيح أَبي داود" (رقم 450) و"الإِرواءِ" (1/278) . قلت: فوقعَ في خطأينِ متعاكسين؛ عزا إِليهم ما ليسَ عندهم، ولم يعزُ إِليهم ما عندَهم!! فهكذا فليكن التخريج! فيا ترى كيفَ يكونُ عندَه التحقيقُ؟!

13- الحديث (333) كنت ذكرت له هناك ثلاثة طرق عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أَبي هريرة. ثمَّ وجدث له طريقًا رابعًا، يرويه عيسى بن يُونسَ -وهو ابن أبي إِسحاقَ السبيعيّ- عن ثور بن يزيد به. أَخرجه ابن السُّنّي في "عمل اليومِ والليلةِ" (56/157) من طريق سليمان ابن عمر بن خالد، والطبراني في "مسند الشاميّين" (1/241) (رقم: 429) من طريق عمرو بن خالد الحرّانيّ، قالا: حدثنا عيسى بن يونس به. وهذا إِسنادٌ صحيح. (فائدة) : قوله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ذكرَ بعد الإِيمانِ بالله أَسهمًا من الإِسلامِ كالصلاةِ والزكاةِ: " فمن تركَ من ذلكَ شيئًا، فقد تركَ سهمًا من الإِسلامِ، ومن تركهنَّ كلَّهنَّ فقد ولّى الإِسلامَ ظهرَه". أَقولُ: فهذا نصٌّ صريحٌ في أنَّ المسلمَ لا يخرجُ من الأِسلامِ بتركِ شيءٍ من أَسهمِه ومنها الصلاة، فحسبُ التاركِ أنّه فاسق لا تقبلُ له شهادة، ويُخشى عليه سوءُ الخاتمةِ، وقد تقدّمَ في بحثٍ مفصلٍ في حكمِ تاركِ الصلاةِ تحت الحديثِ (87) ، وهو من الأَدلةِ القاطعةِ على ما ذكرنا، ولذلك حاولَ بعضُهم أَن يَتنصلَ من دلالتِه بمحاولةِ تضعيفِه، وهيهات، فقد رددنا عليه ذلك بالحجّةِ والبرهانِ، وبيانِ من صححه من علماءِ الإِسلامِ، فراجعه.

14- آخر الحديث (335) لقد ضعّفَ هذا الحديثَ وشاهدَه من حديث أَنس في جملةِ ما ضعّفَ من الأَحاديثِ الصحيحةِ الكثيرةِ - المدعو (حسان عبد المنان) في رسالةٍ له أسماها "مناقشة الأَلبانييّن في مسألةِ الصلاةِ بين السواري"، ذهبَ فيها تقليدًا منه لغيرِه إِلى جوازِ الصلاةِ بينها لغيرِ عذرٍ، قياسًا على الإِمامِ والمنفردِ! وهذا من أَبطلِ قياسٍ على وجه الأَرضِ، كما هو ظاهرٌ بداهةً لكلِّ ذي لُبٍّ، فإِنّه من بابِ قياس غير المعذور على المعذور -هذا لو لم يعارض السنّةَ- كيفَ لا؛ والقطعُ الذي يحصلُ بصلاةِ الجماعةِ بين السواري، لا يحصلُ بصلاةِ المنفردِ بينها؟! ليس غرضي الآن الردَّ عليه مفصلاً من الناحيةِ الحديثيّةِ فضلاً عن الناحيةِ الفقهيّةِ، فإِنَّ المجالَ ضيقٌ -كما ترى- والوقتُ أَضيقُ، إلاّ بمقدارِ ما لا بدَّ منه من الدفاعِ عن حديثِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. لقد تشبثَ المذكورُ في تضعيفِ الحديثِ بقولِ أبي حاتمٍ في راويةِ (هارون بن مسلم) : "مجهول"، وقول الحافظِ ابن حجر: "مستور"! معارضًا بهما توثيقَ من وثقه وصححَ حديثَه كابن حبّان، وابن خزيمةَ، والحاكمِ، والذهبيِّ! ويجيبُ على ذلك بأنَّ هؤلاءِ من المتُساهلين، وأَمّا الذهبيُّ فمتناقض! والجوابُ بأَوجزِ ما يمكنُ من العبارةِ: لا يمكنُ لأَيِّ عالمٍ -بحكمِ ارتفاعِ العصمةِ- إلاّ أَن يقعَ منه الخطأُ كما صحَّ عن الإِمامِ مالك، سواءٌ كانَ الخطأُ من بابِ التساهلِ أَم التشكك، أَم التعارضِ، أَم خطأً محضًا، وعليه فلا يجوزُ ردُّ قولِ العالمِ بمجرّدِ القولِ بأنّه متساهلٌ أَو متناقض، وهذا ما وقع فيه المدعي! أوّلاً - أَمّا الذهبيُّ، فقد تعقبَ في "الميزانِ" قول أبي حاتم في "هارون":

"مجهول" بقولِه (4/286) : "قلت: روى عنه أَبو داود الطيالسيُّ، ومسلمُ بن قتيبة، وعمر بن سفيان". فأَين التناقضُ المزعومُ؟ ولو افترضنا أنَّ هناكَ تناقضًا، فلا بدَّ في هذه الحالةِ من الترجيحِ، وليس هو إلاّ التصحيحُ لما يأتي. ثانيًا - أَمّا ردّه التوثيقَ والتصحيحَ بدعوى التساهلِ فهو معارَضٌ بأنَّ الجهالةَ الّتي اعتمدَ عليها إِنّما هي من معروفٍ بالتشددِ وهو أَبو حاتمٍ رحمه الله، قال الحافظُ الذهبيُّ في ترجمتِه من "السير" (13/260) : "إِذا وثّقَ أَبو حاتمٍ رجلاً، فتمسّكْ بقولِه؛ فإِنّه لا يُوثِّقُ إلاّ رجلاً صحيحَ الحديثِ، وإِذا ليّنَ رجلاً أَو قال فيه: "لا يحتجُّ به"؛ فتوقّفْ حتّى ترى ما قالَ غيرُه فيه، فإِن وثَّقه أَحد، فلا تَبْنِ على تجريح أبي حاتم؛ فإِنّه متعنّتٌ في الرِّجالِ، فقد قالَ في طائفة من رجال (الصحاح) : ليس بحجة، ليس بقوي، أو نحو ذلك". وقد وصفه بالتعنتِ الحافظُ ابن حجر أيضًا في "مقدمةِ الفتح" (ص 441) ، فراجعه إِن شئتَ. ثالثًا - أَمّا استشهادُ مدعي التضعيف بقول الحافظِ في هارون: "مستور"، وقوله في "مقدمته": "من روى عنه أكثر من واحدٍ ولم يوثَّق، وإِليه الإِشارةُ بلفظ: مستور أَو مجهول الحال". فأَقول: مجهول الحال خيرٌ من مجهولِ العين، ولذلك فرَّقَ بينهما الحافظُ في المرتبة، وفي التعريف، ففي الأَوّل قال: "السابعة: من روى..". وفي الآخر

قال: "التاسعة من لم يروِ عنه غير واحدٍ ولم يُوَثّق، وإِليه الإِشارةُ بلفظِ: مجهول". إِلاّ أنّني أُلاحظُ أنَّ قولَه في المرتبةِ السابعةِ: "ولم يوثَّق" لا ينطبق على (هارون) هذا؛ لأنّه قد وثقه ابن حبّان صراحةً، والذين صححوا حديثَه ضمنًا، ولهذا كنتُ ذهبتُ إِلى تحسينِ إِسنادِه فيما تقدّم. وبما تقدّمَ يسقطُ في الهاوية ما تشبثَ به مدعي التضعيفِ، ويترجحُ ثبوتُ الحديثِ بمرتبةِ الحسنِ على الأَقلِّ من هذا الإِسناد. وأمّا جعجعته فىِ أَربعِ صفحات (18-21) سوّدها ممّا أَملاه عليه عُجبُه وغرورُه، فهي ممّا لا يستحقُّ الردَّ ولو كانَ في الوقتِ فراغٌ! لأنّه لا يخرجُ عمّا كانَ تشبَّثَ به من قولِ أَبي حاتمٍ: "مجهول"، وقول الحافظ: "مجهول الحال"، وقد سبقَ الجوابُ والحمدُ للهِ. نعم، في (ص 18) ما لا بدَّ من عرضِه على القرّاءِ، فإِنّه سيكشف عن طبيعةِ هذا المضعف للأَحاديثِ الصحيحةِ، وهي أنّه يخطئُ -على الأَقل- في رؤيةِ الماديات التي يشتركُ في رؤيتها الصالح والطالحِ، فكيفَ تكونُ رؤيتُه للمعنويّاتِ الّتي لا تُرى إلاّ بالبصيرةِ القلبيّةِ التي ينفردُ بها المؤمنونَ الصادقون؟ لقد زعمَ أَنّني أَخطأتُ أَنا وغيري في قولي المتقدّمِ في تصحيحِ الحاكمِ: "ووافقه الذهبيُّ"، فقال هداه الله: "هذا وهمٌ عظيمٌ، قلدوا فيه المناوي في "فيض القدير"، زعموا أنَّ الحديثَ الّذي سكتَ عنة الذهبيُّ فقد وافقَ فيه الحاكمَ"! وإِلى القرّاءِ الكرامِ صورة الحديثِ من "المستدرك"، وتصحيحِ الحاكمِ إِيّاه مع موافقةِ الذهبيِّ محاطة بدائرةٍ في أسفل الصفحة؛ ليعلموا من يستحقُّ الوصفَ بأنّه "ذو وهمٍ عظيمٍ"؟

قالوا حدثنا سفيان ثنا يحيى بن هاني عن عبد الحميد بن محمود قال كنت مع أنس بن مالك أصلي قال بين السواري قال فتأخر أنس فلما صلينا قال إنا كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم* {حدثنا} أبو بكر بن إسحاق أنبأ عبيد بن محمد بن خلف ثنا عقبة بن مكرم ثنا مسلم بن قتيبة عن هارون بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه قال كنا ننهي عن الصلوة بين السواري ونطرد عنها طردا * كلا الإسنادين صحيحان ولم يخرجا في هذا الباب شيئًا. {حدثنا} أبو بكر بن إسحاق أنبأ أبو المثنى ثنا مسدد ثنا يزيد بن زريع عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه * هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. {وله شاهد} صحيح في الأخذ عنه (حدثنا) أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أسيد بن عاصم ثنا الحسين بن جعفر عن سفيان وتكتب له اليمنى حسنة حتى يدخل المسجد * صحيح * {شداد أبو طلحة الراسبي} سمعت معاوية بن قرة عن أنس قال من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى * على شرط (م) * {زائدة} عن المختار بن فلفل عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم حضهم على الصلاة ونهاهم أن ينصرفوا قبل انصرافه من الصلاة * على شرط (م) * {قال} أنس كنا نتقي الصلاة بين السواري * مر باسناده * {هارون} بن مسلم عن قتادة عن معاوية بن قرة عن أبيه كنا ننهي عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها طردا * صحيح * {يزيد بن زريع} عن حميد عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه * على شرطهما * ولننظر الآن كيفَ ضعّفَ حديثَ أَنسٍ الشاهد المتقدم، وكيفَ خالفَ المتقدمين والمتأخرين من الحفّاظ المتقنين ممّن وثّقَ راويه عبد الحميد بن محمود، وصحح حديثَه، ووهَّم ابن حبّان والدارقطنيّ والذهبيّ والعسقلانيّ، وغيرهم ممّن صححَ الحديثَ، كالترمذيّ وابن خزيمة وابن حبّان أيضًا، والحاكم والذهبيّ، هؤلاءِ الأَئمةُ كلّهم مخطئونَ عند (حسان) الّذين لم يتّبعهم (بإحسان) ، فزعمَ أنَّ (عبد الحميد) هذا مجهولٌ! واتكأَ على قولِ أبي حاتمٍ فيه: (شيخ) ، وهذا لا يعني عنده أنّه مجهولٌ كما يأتي، وعلى قولِ عبد الحقِّ فيه: "لا يحتجُّ به"، وعزاه لـ "التهذيبِ"، ويأتي بيانُ ما فيه ممّا يخلُّ بالأَمانةِ العلميّةِ. أمّا قولُ عبد الحقِّ المذكور، فلأنّ عدمَ الاحتجاجِ بالشخصِ له أسبابٌ كثيرةٌ

معروفةٌ عند العلماءِ غير الجهالةِ، كسوءِ الحفظِ مثلاً، وكذلكَ قولُ أبي حاتمٍ، فقد نقلَ هو نفسُه (ص 22) عنه أنّه قال: "وإِذا قيلَ: (شيخ) فهو بالمنزلةِ الثالثةِ؛ يُكتبُ حديثُه وينظرُ فيه، إلاّ أنّه دون الثانية"، وفسَّره (المضعِّف) بقولِه: "يريدُ دون مرتبةِ الصدوق ونحوه". وهذا حجّةٌ علية؛ لأنّه ليس بمعنى "مجهول" أَولاً، ولأنّه قالَ في كلٍّ من المرتبتين: الثانية والثالثة: "فهو ممّن يكتبُ حديثه، وينظرُ فيه"، فهذا القولُ من أَبي حاتمٍ أقربُ إِلى التعديلِ منه إِلى التجريح، ولذلك قال الحافظُ الذهبيُّ في مقدمةِ "المغني": "لم أذكر فيه من قيل فيه: (محلّه الصدقُ) ، ولا من قيل فيه: (يكتبُ حديثه) ، ولا: (لا بأسَ به) ، ولا من قيلَ فيه: (شيخ) أو (صالح الحديث) ؛ فإِن هذا باب تعديلٍ". ويبدو لي أنَّ (المُضعِّفَ) قد شعرَ أنَّ كلامَ أبي حاتمٍ عليه، لا له، ولذلك لجأَ إِلى الخلاصِ منه بتحريفِ كلامِه في نفسِ الصفحةِ فقال: الصحيح أنّه قال: "مجهول"، مكان "شيخ"! وهذا قولٌ باطلٌ مخالفٌ لما أَثبته فيِ الكتابِ محققه المعلميُّ اليمانيُّ رحمه الله، ولنقلِ الحافظِ المزيّ في "التهذيبِ" أنَّ أَبا حاتمٍ قال: "شيخ"، وهذا نوعٌ جديدٌ منه في مخالفتِه المعروف الثابت عند العلماءِ. هداهِ الله. وانظروا الآنَ كيفَ تنصّل من مخالفة الحُفَّاظِ الّذين وثقوا الرَّجلَ: أمّا ابن حبّان؛ فدفعه بدعوى تساهله، وسبقَ الجوابُ عنه، وأَمّا النَّسائي؛ فقال فيه: "إِنَّه أَحيانًا يوثقُ المجاهيلَ، وهذا منها"! وأَمّا الدارقطنيّ، فلما لم يجد في توثيقِه مغمزًا قال: "فموضعُ نظر"!! أَمّا جهلُه وتجاهلُه ومكابرتُه وخوضُه في علمٍ لا يحسنُه فليس موضعَ نظرٍ! وصدق رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذ قال:

"إِذا لم تستحِ فاصنع ما شئت". وأمّا توثيقُ الحافظِ الذهبيّ والعسقلانيّ، فقد كتمهما عن القرّاءِ؛ لأَنّه لا جوابَ لديه إلاّ أَن يقول فيهما: إِنّهما مقلدان! واللهُ المسُتعانُ. ولم يكتفِ الرَّجلُ بتضعيفِ الحديثين السابقين، بل أَلحقَ بهما حديثًا ثالثًا صحيحًا وقفَ في طريق هواه، وهو قول النبىّ - صلى الله عليه وسلم -: " ... ومن قطع صفَّا قطعه الله"، وإِسناده صحيحٌ كما ذكرتُ هناك، وقد صححه جمعٌ كابن خزيمةَ والحاكمِ والمنذريّ والنوويّ والذهبيِّ والعسقلانيِّ، وأَعلّه ذاك العليلُ بإرسالِ الليثِ بنِ سعدٍ إِيّاه، وعدمِ ذكرِه في آخرِ الحديثِ جملةَ القطعِ هذه، مع أنَّ ابن وهبٍ قد أَسنده من حديثِ ابن عمر بالزيادةِ، وزيادةُ الثقةِ على الثقةِ مقبولةٌ اتفاقًا، ولم يخالف في ذلك إلاّ هذا الخالف! ثمَّ حاولَ النيلَ من إِسنادِه، وتضعيفَه مسندًا ومرسلاً بمعاويِةَ بن صالحٍ، فقال: "وقد اختلف فيه، والذي يظهرُ من أَقوالِ الأَئمةِ أَنّه وسط، أو أَقل من الوسطِ..". فليتأمل القرّاءُ كيفَ لا يستقرُّ على حُكمٍ: "وسط، أَو أَقل من الوسط" توصلاً منه إِلى تضعيفِ الحديث من أَصلِه، مع أنَّ معاويةَ احتجَّ به مسلم، وعليه استقرَّ رأيُ كافّة الحفّاظِ المتأخرين الذين هم أَعلمُ بالخلافِ الّذي حكاه، ولذلك تتابعوا على تصحيح حديثِه، وقال الحافظُ الذهبيُّ في ترجمتِه من "السير" (7/158) : "الإِمامُ الحافظُ الثقةُ قاضى الأَندلس.. وكانَ من أَوعيةِ العلمِ". كناطحٍ صخرةً يومًا ليوهنَها ... فلم يَضِرْها وأَوهى قرنَه الوعلُ وبالجملةِ؛ لقد تيقنتُ من متابعتي لتضعيفاتِه الظالمةِ للأَحاديثِ الصحيحةِ الثابتةِ عند حفّاظِ الأُمّةِ - أَنَّ الرَّجل مغرمٌ بالمخُالفةِ والمشاكسةِ، وعدمِ الاعتدادِ بقواعدِهم وأَحكامِهم، مُتشبِّثًا بأَوهى العللِ، ولو كانت كخيوطِ القمرِ!

ولو لم يكن هناك إلاّ طريقته في تضعيف هذه الأَحاديثِ الثلاثة لكفى دلالةً على ما ذكرتُ، فكيفَ وهناكَ العشراتُ -إِن لم أَقل: المئات- التي أَعمَلَ فيها معولَ الهدمِ، على طريقةِ أهلِ الأَهواءِ قديمًا وحديثًا، ومنهم الإِباضيّة الذين يمجّد بهم السقافُ، ويعتمدُ على "مسندِ ربيعِهم"؟! وقد رأيتُ لأَحدِ المعاصرين منهم "رسالة في الرفعِ والضمِّ في الصلاةِ" ذهبَ فيها إِلى تضعيفِ أَحاديث رفعِ اليدين في الصلاةِ، وهي متواترةٌ تواترًا معنويًّا، وأحاديث وضعِ اليمنى على اليسرى في القيامِ، وهي مشهورةٌ في "الصحيحين"، و"السنن" وغيرِها، بنفسِ أُسلوبِ ذاك الخالف، أكَتفي بذكرِ مثالين فقط: ضعَّف حديث ابن عمر المتفق عليه في الرفعِ، بأنّه من روايةِ ابن شهاب الزهريّ؛ فقال (ص 18) : "قال فيه الحافظُ الذهبيّ في الميزانِ: إِنّه كانَ يدلّسُ"! ومع أنَّ الزهريَّ صرّحَ بالتحديثِ فِي بعضِ الرواياتِ، فقد دلّسَ الإِباضيُّ على القرّاءِ -كما يفعلُ أمثالُه من أَهلِ الأهواءِ- فأَسقطَ تمامَ كلامِ الذهبيّ: "في النادر"، وهذا ليس بجرحٍ كما هو معروف في علم المصطلح. ثمَّ ضعّفَ حديثَ وائل بن حجر في وضعِ اليدين عند مسلم وغيرِه بقولِه (ص 28) : إِنّه من روايةِ علقمةَ بن وائلٍ عن أبيه، قال ابن حجر في "التهذيب": علقمة لم يسمع من أبيه! أَقولُ: ومع أنَّ هذا ليسَ من قولِ ابن حجر فيه، وإِنَّما هو نقلٌ منه لحكايةِ أَحدِهم ذلك عن ابن معين، وهي مقطوعةٌ، ومع ذلك فقد صرّحَ علقمةُ بالتحديثِ عن أَبيه في روايةِ النسائي، كما كنت بينتُه في "الصحيحة" تحت الحديثِ (3176) .

ومن الغرائبِ -بل اللطائفِ- أنَّ هذا الحديثَ المشارَ إِليه كنتُ خرّجتُه لإِعلالِ الخالفِ إِيّاه في تعليقه على طبعتهِ لـ "رياض الصالحين" بقولِه (ص 220) : "في إِسنادِه نظر"! هكذا قال، عمّاه ولِم يبينه، وفي ظنّي أنّه يلتقي مع الإِباضيِّ في إِعلالِه بالانقطاعِ! لأنَّه في مسلمٍ أيضًا من روايةِ علقمةَ عن أَبيه! أَعتقدُ أنَّ في هذين المثالين ما يقنعُ كلَّ عاقلٍ منصفٍ أنَّ هذا الخالفَ يُقلِّد مذهب أَهل الأهواءِ في اختلاقِ العللِ للطعنِ في الأحاديثِ الصحيحةِ، بقصدٍ أَو بغيرِ قصدٍ -فالله حسيبُه-. ولكنّي أَقول ناصحًا لكلِّ من يقبلُ النصيحةَ: {انتهوا خيرًا لكم} . وبعد، فقد بقي شيءٌ، وهو الإِتيانُ بالدليلِ على أنّه أخلَّ بالأَمانةِ العلميّةِ، فلْأَقتصر على أَقلِّ ما يمكنُ من الأَمثلةِ، فقد طالَ الحديثُ أكثرَ مما كنتُ أُريدُ بأكثرَ ممّا يستحقُّ، والله المُستعانُ: 1- نقل عن "التهذيبِ" -كما تقدّمَ- قولَ عبد الحقِّ في (عبد الحميد) : "لا يحتجُّ به" فلم ينقل تمامَه وهو قول الحافظِ: "فردَّ عليه ابن القطّانِ وقال: لَم أَرَ أحدًا ذكرَه في (الضعفاءِ) ". 2- نقل (ص 15) عن "الفتح" قولَ القرطبيّ في سببِ كراهةِ الصلاةِ بين السواري، أنّه مصلَّى الجنِّ! ثمَّ تعقبَه، ولم ينقل عن الحافظِ السببَ الصحيحَ الّذي ذكره الحافظُ في الصفحةِ المقابلةِ لقولِ القرطبيِّ وهو قولُه: "ورودُ النهيِ الخاص عن الصلاةِ بين السواري كما رواه الحاكمُ من حديثِ أَنسٍ بإِسنادٍ صحيح". 3- قال (ص 18) معللاً تساهلَ الحاكمِ في تصحيحِ حديثِ قُرّةَ:

"لهذا كلِّه لم يلتفت ابنُ حجرٍ إِلى.. تقويةِ ابن خزيمةَ والحاكمِ له"! فأَقولُ: ولكنّه التفتَ إِلى تصحيحِ الحاكم لحديثِ أنس، وصرّحَ بصحةِ إِسنادِه كما ذكرتُ آنفًا، فَلِمَ تذكر ما لك، وتكتمُ ما عليك؟ وصنيعُ مَنْ هذا؟! 4- نسبَ (ص 16، 26) إِلى ابن قدامةَ أنّه قالَ: "لم يصحَّ عند المجوِّزين دليلُ المانعين". وفي هذا تقويلٌ لابنِ قدامةَ ما لم يقل؛ لأنّه يشيرُ بذلك إِلى عبارته الّتي نقلها (ص 15) عنه، ونصّها: "لا دليلَ على المنعِ عندَهم"، فهذا في وادٍ، وما تقوّله في وادٍ آخر، لأنّ من أَول أَسبابِ اختلافِ الأَئمةِ أنْ لا يكونَ الحديثُ قد بلغَه -كما قال ابن تيميّة- فمن الممكنِ أَن يكونَ السببُ عدمَ وصولِ الحديث إِليهم، أو وصلَهم وتأوّلوه، أو لم يصحَّ عندهم، كلُّ هذا ممكنٌ، فلا يجوزُ حملُ كلامِ ابن قدامةَ على إِثباتِ الوصولِ مع نفي الصحةِ كما هو ظاهرٌ جدًّا، فابن قدامةَ قال: "لا دليلَ"، فهو أعمُّ من كونِه وصل أَو لم يصل، ولم يقل: "لم يصحَّ" كما زعمَ، وقال: "دليل على المنع" ولم يقل: دليل المانعين، لينصبَّ على الحديث! فهل كانَ هذا التقويلُ عن غفلةٍ عن الفرقِ المذكورِ، أم عن تغافلٍ؟ أحلاهما مرُّ! وهناك أمورٌ أُخرى تعرّضَ لي فيها بباطلٍ، لا مناسبةَ لبيانِها الآن، والله المُستعان. ولكن لا بدَّ لي أَخيرًا من التنبيهِ على أمرٍ هامٍّ يتعلّقُ بموقفِ (المُضعّفِ) سابقًا من الحديثِ الثالثِ وغيرِه، ممّا يحققُ الوصفَ المذكورَ فيه. لقد كانَ الحديثُ من أَحاديث "رياض الصالحين" الّتي أَبقاها (المضعّفُ) في طبعتِه لـ "الرياض" رقم (839) ، مقرًّا للنوويِّ على تصحيحه إِيّاه، فكيفَ هذا وقد ضعفَه في "مناقشتهِ الأَلبانيّين"؟ كما عرفَ من الرَّدِّ عليه في هذا الاستدراك.

والجواب: لم يتنبّه حين صححه أنّه من حججِ أَنصارِ السّنةِ هنا الذين لقّبهم -بغيًا وحسدًا وعدوانًا- بـ (الأَلبانييّن) ، وإِلاّ لاختلقَ له علّةً كما فعلَ في "المناقشةِ"، ولأَوردَه في "ضعيفتِه" الّتي ذيّلَ بها "رياضَه"، أَو اكتفى بحذفِه كما فعلَ ببعضِ الأَحاديثِ الصحيحةِ لتعارضِها مع هواه حين لا يجدُ له علّةَ يمكنُ أَن يتظاهرَ بها، والأَمثلةُ كثيرةٌ، وحسبُنا الآنَ مثالٌ واحدٌ يناسبُ المقامَ: أَوردَ النوويُّ رحمه الله (رقم 1094) حديثَ أَنسٍ مرفوعًا: "أَقيموا صفوفَكم وتراصّوا.." الحديث، وقال: "رواه البخاريُّ بلفظه (¬1) ، ومسلمٌ بمعناه، وفي رواية للبخاريِّ: وكانَ أَحدُنا يلزقُ منكبَه بمنكبِ صاحبِه، وقدمَه بقدمِه". فحذفَ (المضعّفُ) من "رياضِه" (رقم 837) روايةَ البخاريّ هذه لضعفِها عنده كما نصَّ على ذلك في "المقدمة" (ص 15) لا لضعفٍ في سندِها، وإلاّ لما أَبقى الروايةَ الأُولى، وإنّما لأنّها تؤيّدُ من حيث المعنى ما ضعفَه من الأحاديثِ الثلاثةِ كما هو ظاهرٌ، لأنّ اللزقَ المذكورَ فيها لا يمكنُ تحقيقُه مع تفريقِ الساريةِ بين المرءِ وأَخيه! وهذا السنّةُ لا يحافظُ عليها إلاّ أَنصارُ الحديثِ والسنّةِ في كلِّ بلادِ الدنيا، ولا أَظنُّ المذكورَ يشاركُهم في العملِ بها، ويلزقُ قدمَه بقدمِ صاحبِه إِذا صلّى مع الجماعةِ، كيفَ وهو يحاربُها ويؤلفُ رسالةً للرَّدِّ على المتمسكين بها، ويتهمهم فيها (ص 13) بأنّهم "خرجوا من تقليدِ الأَئمة إِلى تقليد من لا يذكرُ أَمامَهم"؟! فأَقولُ: نعم، إِنّي أَرى أَن لا أُذكرَ معهم، للفرقِ الشاسعِ بيني وبينهم، ¬

_ (¬1) عزاه (المضعف) إِلى (خ 718) ، وهو خطأ، فإنّه فيه مختصرٌ، وليس فيه "تراصّوا"، وإنّما هو (719) ، فأخشى أَن كونَ هذا اللفظُ عندَه غيرَ صحيح أيضًا؛ لأنّه في المعنى مثلُ الروايةِ الأُخرى الّتي حذفها مضعفًا! أَسالُ اللهَ أَن يلهمَه العملَ بما يحملُنا على حسنِ الظنِّ به!

وحسبي أَن أَكونَ تابعًا لهم في علمِهم وقواعدِهم وهديهم، وداعيًا بدعوتِهم، ولكن أَينَ أَنتَ منهم، وقد خالفتهم في ذلك كلِّه؟ وها هو مثالٌ واحدٌ من عشراتِ الأَمثلةِ؛ تبيّنُ لكلِّ ذي عينٍ أنّك تنهجُ نهجًا خاصًّا في نقدِ الحديثِ، تقلِّدُ فيه أَهلَ البدعِ والأَهواءِ، ثمَّ تبني عليه فقهًا مضطربًا هزيلاً. وأَمّا اتهامكُ لإِخواننا بالتقليدِ فهو (شِنْشِنَةٌ نعرفها من أَخزم) لجهلك بالفرقِ بين الاتباعِ على بصيرةٍ، والتقليدِ الأعمى (¬1) ، والمثالُ أَمامَك الآن أَيضًا، فإِذا أَنا بيّنتُ للناسِ هذه السنّةَ الّتي تُنكرها بالأَحاديثِ الصحيحةِ الّتي أَنت تضعفها، ووافقتُ أَئمةَ الحديثِ في تصحيحها، أَفيكونون مقلدين لي أَم متبعين للسنّةِ؟ وليتَ شعري إِذا كانَ هؤلاءِ من المقلدين عندك؛ فماذا تسمي من يغترُّ بشقشقتِك، ويفتتنُ بكثرةِ كلامِك، ويمشي وراءَ سرابِك؟ - ولا بدَّ من وجود أَمثالِ هؤلاءِ المغترِّين من باب (لكلِّ ساقطةٍ في الحيِّ لاقطة) ! وصدقَ الله: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} . وختامًا أَقولُ: إِنَّ تضعيفَ هذا الرَّجلِ لعشراتِ الأَحاديثِ الصحيحةِ -والّتي لا خلافَ في صحتِها لدى المحدثين- من أكبرِ الأدلةِ على أنّه وضعَ لنفسِه قواعدَ غيرَ قواعدِهم، ولذلك تختلفُ أحكامُه عن أَحكامِهم، فالخلافُ بيننا وبينه أُصولي جذري، ليسَ فرعيًّا كما قد يتوهمُ بعضُ طيبي القلوبِ، ولذلك فلا يمكنُ التفاهمُ معه -لو افترضنا فيه الإخلاص- إلاّ بعدَ اتفاقه معنا على القواعدِ والأُصولِ (¬2) ، شأنُه في ذلك شأنُ ¬

_ (¬1) انظر الفرق بين الاتباع والتقليد من كلام ابن عبد البر في "سلسلة الأَحاديث الضعيفة" (2/18) . (¬2) وهي المعروفةُ في "علم المصطلح".

كلّ الفرقِ الضالةِ قديمًا وحديثًا -وهيهات هيهات- والله المُستعانُ، ولا حولَ ولا قوَّةَ إلاّ بالله. 15- آخر الحديث (417) . ثمَّ تبيّنَ لي أنّه لا وجه لتضعيفِ المناوي لروايةِ البيهقي في "الشعبِ" بـ (عبد الله بن أَبي مرّة) المجهول؛ لأنّه قائمٌ على وهم وقعَ له في اسمِ هذا التابعيّ، فقد وقفتُ على إِسنادِه في "الشعبِ" -وقد طبع أَخيرًا- فإِذا هو عنده (6/489/9010) من طريقِ منصور عن عبد الله بن مرّةَ عن عبد الله بن عمر مرفوعًا بلفظ حديثِ الترجمةِ دون قوله: "أنّه يحبّه"، وزاد: "فإِنّه يجد له مثل الّذي عنده". واِسناده صحيحٌ، فإِنَّ (عبد الله بن مرّةَ) هذا -هو الهمدانيُّ الخارفيّ- ثقةٌ بلا خلافٍ، ومن رجالِ الشيخين، وهو غيرُ عبد الله بن أبي مرّةَ المجهول، ومن هذا الوجه أَخرجه ابن أبي الدنيا أَيضًا في كتابِ "الإخوان" (141/74) كما أَملاه عليَّ هاتفيًّا أَحدُ الإِخوانِ، جزاه الله خيرًا. 16- آخر الحديث (419) : ثمَّ وجدتُ له شاهدًا عن عبد الله بن مسعودٍ قال: "ليأتينَّ على الناسِ زمانٌ يأكلونَ فيه بألسنتِهم.." الحديث. أَخرجه البيهقيُّ في "شعبِ الإيمان" (4/252/4977) بإسنادٍ صحيحٍ، وهو موقوفٌ في حكمِ المرفوعِ؛ لأنّه من أُمورِ الغيبِ الّتي لا تقالُ بالرأي، وأَخرجَ قُبيله حديثَ الترجمةِ من طريق (يعلى) فقط.

17- الحديث (455) : أَوّلاً - يضافُ إِلى مصادرِ التخريجِ: وعليّ بن الجعدِ في "مسنده" (2/1124-1125) ، ومن طريقِه أبو يعلى في "مسندِه" (6/143) (رقم: 3419) ، وعنه الخطيبُ (11/341) ، والبزّارُ (4/231/3600 - كشف الأَستار) عن مبارك بن فضالةَ به. وقال الحافظُ في "مختصر زوائد البزّار" (2/2309) : "هذا إِسنادٌ حسن"! كذا قال؛ مع أنَّ المبارَكَ مدلسٌ تدليسَ التسويةِ عنده، كما كنتُ نقلتُه عنه هناك، وسأذكرُ تحقيق القول فيه. ولفظُ روايةِ البزارِ هذه: "اثنان" مكان "رجلان"، وقد كنتُ نبّهتُ تحتَه أَنّي لم أَجده في شيءٍ من المصادرِ المذكووةِ هناك، فهذه فائدةٌ جديدةٌ، ولكن ليس لها قيمةٌ تذكرُ؛ لأنّها شاذّةٌ مخالفةٌ لروايةِ الثقاتِ عن المبارك، ولمتابعيه أيضًا كما يأتي، نعم قيمتُها بيانُ أَنَّ الغزاليَّ لم يبتدئ ذاك اللفظَ، وإِنّما نقله. ثانيًا - كنتُ خرّجتُ هناك متابعًا قويًا للمباركِ بن فضالةَ، وهو حمّادُ بن سلمةَ، وأَجبتُ عن توهيمِ الخطيبِ إِيّاه، ثمَّ وجدتُ له متابعًا ثانيًا، فقال الطبرانيُّ في "المعجمِ الأَوسطِ" (1/163/1/3045) : حدثنا إِبراهيمُ قال: ثنا نصر قال: ثنا عبد الله بن الزبيرِ اليحمديّ قال: ثنا ثابتٌ البُنانيّ به، وقال: "لم يروه عن ثابتٍ إلاّ عبد الله بن الزبير". كذا قال، وهو متعقبٌ بما سبقَ. وعبد الله بن الزبير اليحمديّ، هكذا وقعَ منسوبًا في "المعجم"، وكذلك هو

في "مجمعِ البحرين" (8/217/4996) ، ولم أَجد من نسبَه هذه النسبةَ، فإِنَّه مترجمٌ في "تهذيبِ الكمالِ" وفروعه بغيرِ هذه النسبةِ: (عبد الله بن الزبير بن معبد الباهليّ أَبو الزبيرِ، ويقالُ: أَبو معبدٍ البصريّ، روى عن ثابتٍ البنانيّ.. وعنه عمّار بن طالوت وزيد بن الحريش ونصر بن عليّ الجهضميِّ. قال أبو حاتمٍ: "لا يعرف") . وزادَ الحافظُ: "قلتُ: وذكرَه ابن حبّان في "الثقات"، وقال الدارقطنيّ: بصريّ صالح". وأَقولُ: عَزْوُهُ لـ "الثقات" وهمٌ تبعَه عليه المعلّقُ على "مجمع البحرين" اشتبه عليه بـ (عبد الله بن الزبير الأَسدي الكوفي والد أبي أَحمد الزبيري"، ذكره ابن حبّان في "ثقاتِه" (8/345) ، وهو من تساهلاتِه، فقد ضعفَه أَبو نُعيمٍ، وأَبو زرعةَ، وأَبو حاتمٍ في "الجرح والتعديل"، وهكذا هو في "لسان الميزان"، وهو متأخرٌ عن الباهليّ: هذا روى عن ثابتٍ -كما ترى- فهو تابعُ تابعيٍّ، والأَسديُّ ذكره ابنُ حبّانَ في الطبقةِ الرّابعةِ، أي: في تبعِ أَتباعِ التابعين. والباهليُّ لم يضعفْه أَحدٌ، بل قالَ فيه الدارقطنيُّ: "صالح" كما تقدّم، وقال الذهبيُّ في "الكاشف": "ليس بالحافظِ". ففيه إِشارةٌ إِلى أنّه وسطٌ، ويؤيدُه قولُه في "المغني": "حسن الحديث". وأَمّا الحافظُ فقال:

"مقبول". وسائرُ رجالِ الاٍسنادِ ثقاتٌ من رجالِ "التهذيبِ" غيرُ شيخِ الطبرانيّ (إِبراهيم) -وهو ابن هاشمٍ البغويّ- وهو ثقةٌ، فالمتابعةُ لا بأسَ بها، والاٍسنادُ حسن، واللهُ أَعلمُ. ثالثًا - كنتُ نقلتُ هناك قولَ الحافظِ في (المبُاركِ) : إِنّه يدلِّسُ ويسوِّي، وأَشرتُ إِليه آنفًا، فالّذي أُريدُ تحقيقَه الآن إِنّما هو أنَّ قولَه فيه: "ويسوّي" خطأٌ -لعلّه سبقُ قلمٍ- والصوابُ الاقتصارُ على قولِه فيه: "يدلسُ" وذلك لأَمرين: الأَوّل - أنَّ هذا هو الّذي اتفقَ عليه الحفّاظُ الّذين رموه بالتدليسِ، مثلُ يحيى ابن سعيدٍ، وأَحمدَ بن حنبلٍ، وأَبي داود، وأَبي زرعةَ وغيرِهم، وكلّهم قالوا: "إِذا قالَ: "حدّثنا" فهو ثبتٌ، أَو ثقةٌ". وقال يحيى، وعبد الرحمن بن مهدي -واللفظُ له-: "لم نكتب لـ (المبارك) شيئًا، إلاّ شيئًا يقول فيه: سمعتُ الحسنُ". وقد ذكرت بعضَ أَقوالِهم هناك، وهذا التدليسُ هو الّذي يسميه الحافظُ في "طبقاتِ المدلسين" بتدليس الاٍسنادِ، وهو المُرادُ عندهم عند الإِطلاقِ، وهو أَن يسقطَ منه شيخه. وأَمّا تدليسُ التسويةِ فهو أَن يصنعَ ذلك لشيخِه -كما في "الطبقاتِ"- ُمُسْقِطًا شيخَ شيخِه، وقد اشتهرَ بهذا النوعِ من التدليسِ الوليدُ بن مسليم تلميذُ الإِمامِ الأَوزاعيّ، فكانَ يسقطُ من إِسنادِه شيخَ الأَوزاعيّ، وقد يغفلُ عن هذا النوعِ من التدليسِ بعضُ المعاصرين فيمشّي حديثَه إِذا صرّحَ بالتحديثِ عن شيخِه! وضربت عليه مثلاً في الاستدراك المتقدّم برقم (10) ، فراجعه، ونبّهتُ على تدليسِ الوليدِ

هذا في أكَثرَ من حديث تقدّمَ (256، 265، 302) . والمقصودُ أنَّ هذا النوعَ من التدليسِ لم أر أحدًا من المتقدمين رمى به (المبارك) . وأَمّا قولُ الإِمامِ أحمد فيه: "يقولُ في غير حديثٍ عن الحسن: حدثنا عمران بن حصين". وأصحابُ الحسنِ لا يقولونَ ذلك كما في "الميزانِ"، قال الحافظُ في "التهذيب": "يعني أنّه يصرّحُ بسماعِ الحسنِ من هؤلاءِ (يعني عمران وغيره) ، وأَصحابُ الحسنِ يذكرونَه بالعنعنة". هذا كلُّ ما جاءَ في ترجمةِ (المبُارك) ممّا يمكنُ أَن يكونَ مستندَ الحافظِ في رميه إِيّاه بتدليسِ التسويةِ، وهو -كما ترى- لا صلةَ له به مطلقًا، بل هو نقيضُه تمامًا؛ فإِنَّ الحسنَ -وهو البصريُّ- معروفٌ بالتدليسِ، فإذا عنعنَ عن عمران أَو غيرِه، احتملَ أن يكونَ بينهما راوٍ أسقطَه الحسن، فإِذا صرّحَ (المبُارك) بتحديثِ الحسن فيكونُ قد أَوصله، فهذا نقيضُ تدليسِ التسويةِ تمامًا كما هو ظاهرٌ جليٌّ. وغايةُ ما يستفادُ من قولِ أَحمدَ هذا رميُ (المبُاركِ) بالخطأِ في تصريحِه بالتحديثِ بين الحسن وعمران مخالفًا في ذلك الثقاتِ، وإِنَّ ممّا لا شكَّ فيه أَنَّ (المباركَ) في حفظِه ضعفٌ، ولذلك نزلَ حديثُه من مرتبةِ الصحيحِ إِلى مرتبةِ الحسن، بشرطِ التصريحِ بالتحديثِ طبعًا، ولذلك قال الذهبيُّ في "تذكرةِ الحفّاظ": "لم يبلغ حديثه درجةَ الصحة". وقال في "سير أَعلامِ النبلاءِ" (7/284) :

"قلت: هو حسنُ الحديثِ، ولم يذكره ابن حبّان في "الضعفاءِ"، وكانَ من أَوعيةِ العلم". والخلاصةُ: أنَّ الحافظَ وَهِمَ في وصفِ (المبارك) بتدليس التسوية، وأنَّ الرَّجلَ إِذا صرّحَ بالتحديثِ عن شيخِه فهو حسنُ الحديثِ، والله أَعلمُ. 18- آخر الحديث (489) . وتابعَ بقيةَ مسلمُ بن خالدٍ عن عبد الرحمنِ بن أبي بكر قال: أَخبرني القاسمُ به. أَخرجه أحمدُ (6/70) . وهذا إِسنادٌ جيدٌ في المتابعاتِ، مسلم بن خالد -وهو الزنجيّ- قال الذهبيُّ في "المغني": "صدوق يهم..". وقال الحافظُ: "صدوق كثيرُ الأَوهامِ". وعبد الرحمنِ بن أَبي بكر، أَظنّه عبد الرحمن بن القاسمِ، نسبه الزنجيُّ إِلى جدّه أَبي بكر الصديق. ثمَّ وجدتُ للحديثِ طريقًا أُخرى من روايةِ عمرةَ عن عائشةَ مثل حديث الترجمةِ. أَخرجه البزّارُ (2/234/1592) بسندٍ جيدٍ، وقال الهيثميُّ (5/210) : ".. ورجالُه رجالُ الصحيح".

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الجديدة إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا، وسيئاتِ أعمالنِا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (¬1) . أما بعد؛ فهذه طبعة جديدة للمجلد الثاني من "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، منقحة ومزيدة، ومضاف إليها فوائد جديدة؛ توفرت لدي في برهة هذه السنوات العديدة التي مضت دون أن أتمكن من إعادة طبعه على هذه الصورة الجميلة المرضية، لانقطاع علاقتي الطباعية مع ناشره الأول صاحب المكتب الإِسلامي، بسبب هجرتي من دمشق إلى عمان الشامية أولاً، ثم قطعت كل علاقاتي الأخوية التي كانت قائمة بيني وبينه بعد أن تبين لي من طرق عديدة أنه كان يستغل ثقتي به، وسكني إليه، وانكبابي على العلم، فتصرف بتصرفات منافية للثقة والأمانة المنوطة به، والتي كنت أظن أنها متحققة فيه، غير أن واقعه المؤسف العلمي، فضلاً عن المادي، حملني حملاً على إعلاني مقاطعتي إياه، وقد كنت كشفت عن بعض أفاعيله في بعض مقدماتي، مثل مقدمة "آداب الزفاف" نشر المكتبة الإِسلامية بعمان، و"مختصر البخاري" المجلد الثاني نشر دار ابن القيم في الدمام. و"مختصر ¬

_ (¬1) هذه هي خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلّمها أصحابه، وإني لأحمد الله تعالى أن وفقني لإحيائها، وأنه استجاب الكثيرون من محبي السنة للعمل بها، بعد أن كانوا في غفلة عنها، ولكني لاحظت أن بعضهم قد يزيد عليها بعض الكلمات، أو ينقص منها، فأرجو منهم أن يلتزموها كما جاءت عنه - صلى الله عليه وسلم - دون أي زيادة أو نقص. وليراجع من شاء رسالتي فيها.

مسلم للمندري"، و"صفة الصلاة" وكلاهما نشر مكتبة المعارف في الرياض، وماذا عسى أَن يقول القراء المنصفون إذا علموا أنه مع مقاطعتي المذكورة لا يزال متسلطاً على كتبي، يطبعها كيف يشاء، وبالعدد الذي يشاء كأنه المالك لها؛ مع إنذاري إياه مراراً وتكراراً بعدم رغبتي في ذلك؟! ولكن لا.. ولم يقف جنفه عليّ وحدي، بل تعداه إلى الإِخوة الذين بدأت أتعامل معهم وأتنازل لهم عن بعض كتبي، بعد أن كنت عرضت ذلك عليه قبل سنوات، فأبى ذلك، واستكبر عليّ واستعلى، وعندي خطابه إلي بما ذكرتُ عنه! فهو لا يزال يطبع الكتب الأربعة المذكورة آنفاً، مع علمه بأنها صارت ملكاً لهم، كما يطبع غيرها مع تزوير له في بعضها كما فعل في كتاب "التنكيل"، فمن شاء قابل بين طبعة مكتبة المعارف، وطبعة المكتب الإِسلامي، فإنه سيرى العجب العجاب، وبخاصة إذا قرأ مقدمتي لطبعة المعارف، ومع ذلك فهو مستمر في طبع ما ذكرنا دون أي حق شرعي، ويُعلن ذلك في فهارِسه دون أي رادع أو وازع، فإنك لو فتحت على أول كتاب في فهرسه الأخير لعامِ (1991 م) فإنك ستجد كتابي "آداب الزفاف" الذي كنت بينت في مقدمة طبعة "صفة الصلاة" المشار إليها آنفاً ما يكفي لردعه عن استمراره في نشره، لأنه صار ملكاً لصاحب المكتبة الإِسلامية، وقد اعترف هو بذلك لبعضهم، ولكنه الكيد والبغي والجشع والطمع. وإن مما يؤكد لك هذا أنه لما حذف منه مقدمتي البالغ عدد صفحاتها (72) صفحة، لم يعد القارىء يستفيد من الأرقام التي تشير إلى نص متقدم أو متأخر، لأنها تشير إلى صفحات الطبعة الشرعية، وبعضها إلى نص في المقدمة المحذوفة!! فيا معشر القراء! هل ترون من يفعل هذا بالمؤلف وقرائه يكون صادقاً حين يعلن في مقدمة "فهرسه" الآنف الذكر؛ أنه يتعامل معهم بموجب النصح والإِخلاص! أم الأمر كما قال تعالى: {إنها كلمة هو قائلها} ؟!

وأما حقوقي المتراكمة لديه منذ بضع سنين، وأشياء أخرى هو يعلمها؛ ما كنت أحاسبه عليها لثقتي السابقة به، فإني أرجو من الله تعالى أن يعوضني بديلها من حسناته، {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ} ، يوم لا درهم فيه ولا دينار، وإنما هي الحسنات والسيئات، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مَظْلَمتِه، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئاتِ صاحِبه فحُمل عليه". رواه البخاري، وذلك هو المفلس حقاً، كما جاء في الحديث الآتي في الكتاب برقم (847) . نسأل الله السلامة، ومعذرة إلى القراء، فإني مصدور! *** هذا، ولعله مما يحسن ذكره في هذه المقدمة، ولفت أنظار القراء إليه، الأمور التالية: 1- سيرى القراء تحت الحديث الآتي: 503- (طُوبى للشامِ، إن ملائكةَ الرحمن باسطةٌ أجنحتَها عليه) . رداً رصيناً هادئاً في تسع صفحات على تعقيب لأحد الفضلاء من المشايخ المكيين (¬1) -وقد توفي رحمه الله منذ بضع سنين- ذهب فيه إلى تضعيف الحديث المذكور في خطاب كان أرسله إلي، وقد نشطت للرد عليه لفضله وسلوكه طريق النقد النزيه، الذي لا يظهر منه أنه يَردُّ حباً في الظهور خلافاً لكثير من الناشئين، والصبيان المغرورين، الذين همهم المسارعة إلى الرد على الألباني، لا بياناً للحق، لأنهم يعلمون في قرارة نفوسهم، أنهم ليسوا أهلاً لذلك، لا لأن الألباني لا يخطىء، حاشا لله، فلا معصومَ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنا بفضل الله أرجع إلى الحق إذا بدا لي من غيري، مهما كان شأنه، وكتبي، وتراجعي عما تبين لي من خطئي أكبرُ شاهد على ما ¬

_ (¬1) هو الشيخ عبد الرحيم صديق، كاتب العدل بمكة سابقاً، رحمه الله تعالى.

أقول، حتى اتخذ ذلك بعض الصبيان الشانئين الجاهلين غرضاً لينسبني إلى ما لا يليق إلا به وبأمثاله من الزائغين الضالين. من أجل هذا الفرق بين هؤلاء والشيخ الفاضل، كنت نشطت في الرد عليه، وبيان وجهة نظري فيما ذهب إليه، ولعله كان اقتنع بصواب ما كتبت، لأنه لم يرسل إليّ بعد ذلك تعقيباً آخر. ويمكن تلخيص كلامه في أمرين اثنين: الأول: تضعيفه للراوي يحيى بن أيوب الغافقي، وزعمه أن الأئمة على تضعيف أحاديثه. والآخر: تضعيفه لابن لهيعة تضعيفاً مطلقاً، وكذا تضعيفه للحارث بن أبي أسامة. وقد بينت خطأه في ذلك بياناً شافياً هناك اعتماداً على أقوال الأئمة النقاد، ويرجع ذلك إلى ما يأتي ملخصاً: أولاً: قدم الجرح على التعديل مطلقاً، والصواب: أنه يقدَّم إذا كان سبب الجرح مبيَّناً، وكان في نفسه جرحاً مؤثراً، والواقع هنا على خلاف ذلك. أما الغافقي، فلأنه ثقة في نفسه، لكن في حفظه ضعف يسير لا ينزل به حديثه عن مرتبة الاحتجاج به، وعلى هذا جرى الأئمة المخرجين لأحاديثه، فقد احتج به مسلم، وصحح حديثه هذا الأئمة من قبلي، كالترمذي وابن حبان والحاكم والمنذري والذهبي، وذلك مقتضى قول الحافظ فيه: "صدوق ربما وهم".

فكيف يصح مع هذا قول الشيخ: "إن الأئمة ما زالوا يضعفون أحاديث الغافقي"؟! وأما ابن لهيعة، فقد أجمل الكلام فيه ولم يفصِّل، فأوهم القراء أنه لا يحتج بحديثه مطلقاً، وليس كذلك، فقد صرحوا بصحه حديثه إذا روى عنه أحد العبادلة، فكان على الشيخ أن يُقيد ولا يطلِق، وأن يتتبع طرق الحديث في مكتبته العامرة لعله يجد له طريقاً من رواية أحدهم، وقد وفقني الله تعالى فأوقفني على رواية ابن وهب عنه. أخرجه الفَسَوي في "التاريخ والمعرفة" (2/301) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/114 طبع دمشق) . فصح الحديث والحمد لله من هذه الطريق وحدها، فكيف وقد تابعه الغافقي، وهو ثقة حسن الحديث كما تقدم، فكيف وقد تابعهما عمرو بن الحارث الحافظ الثقة الفقيه كما سيأتي بيانه هناك. ثانياً: تغافل الشيخ رحمه الله أو غفل عن قاعدة تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد، وهذا مما يقع فيه كثير من الناشئين الناقدين مع الأسف، فإن ابن لهيعة ممن يستشهد به عند العلماء، ومن الغرائب أن الشيخ نفسه ذكر أن مسلماً أخرج له مقروناً، فلم يشعر رحمه الله أنه ينقل ما هو حجة عليه! ثالثاً وأخيراً: ومن عجائبه أنه أعل الحديث أيضاً بأن في سند الحاكم الحارث بن أبي أسامة، ومع أنه وهم في تضعيفه كما أثبت هناك، فقد غفل أيضاً عن كون الحاكم قرنه مع ثقتين آخرين، فلو أنه كان ضعيفاً -كما زعم- لم يضر في صحة الحديث، فإنه متابع منهما ومن غيرهما كما بينت هناك. وهناك أمور أخرى من الأخطاء والأوهام ستمر بالقارىء إن شاء الله تعالى، وإنما اقتصرت على ذكر ما يتعلق بتضعيفه للحديث، دفاعاً عن حَمَلة الحديث وتصحيحاً له، وتذكيراً بأن الكتابة في هذا العلم الشريف تصحيحاً

وتضعيفاً لا يُحسنه مَنْ تعلّق به في تأخرٍ من السنِّ، أو حداثةٍ فيه، وإنما يُحسِنه أهل الاختصاص فيه الذين أفنوا حياتهم وشاخوا فيه، حتى جرى الحديث النبوي الصحيح في عروقهم، وصار جزءاً لا يتجزأ من حياتهم، أما من لم يكن كذلك فلا شك أنه سيقع في شؤم رد الأحاديث الصحيحة وتضعيفها، أو العكس، كما هو شان أهل الأهواء والبدع. نسأل الله السلامة. وتقريباً للموضوع إلى أذهان القراء لا بد من إخراج الحديث من الطرق الثلاث التي ضعفها الشيخ الفاضل، لتتمثل لهم الحقيقة بأجلى صورة؛ ذلك لأني كنت أخرجته يومئذ مختصراً ومعزواً لبعض كتبي، دون أن أسوق طرقه، فأقول: الأولى: عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن زيد بن ثابت. أخرجه الترمذي (3949) وأحمد (5/185) وابن أبي شيبة (5/325) ، والحاكم (2/229) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/175-176) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/112-113 طبع دمشق) من طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني وجرير بن حازم كلاهما عن يحيى بن أيوب به. الثانية: عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيبة به. أخرجه أحمد (5/324) والفَسَوي في "المعرفة" (2/301) والطبراني (5/176/4934) وابن عساكر أيضاً (1/114 و115) من طرق منها عبد الله بن وهب عنه. وقرن الفَسَوي وابن عساكر مع ابن لهيعة عمرَو بن الحارث، وأشار إلى ذلك ابن حبان في روايته الآتية. الثالثة: عمرو بن الحارث -وذكر ابن سلم آخر معه- عن يزيد بن أبي حبيبة به.

أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1/574/2311- موارد) من طريق ابن وهب أيضاً: أخبرني عمرو بن الحارث.. وابن سلم هو عبد الله بن محمد المقدسي، شيخ ابن حبان في هذا الحديث، وهو ثقة، والآخر الذي يشير إليه هو ابن لهيعة كما صرحت بذلك رواية الفسوي وابن عساكر المذكورة قبله. وقد أخرجه الطبراني (رقم 4925) وابن عساكر عن عمرو بن الحارث وحده. فأنت ترى -أيها القارىء الكريم- أنه لقد اتفق هؤلاء الثلاثة: يحيى بن أيوب، وعبد الله بن لهيعة وعمرو بن الحارث على رواية الحديث عن يزيد بن أبي حبيب بسنده الصحيج الذي لا خلاف فيه، فلو فرض أنهم جميعًا ضعفاء في الحفظ لما تردد من شم رائحة هذا العلم الشريف في تصحيح حديثهم إعمالاً لقاعدة تقوية الحديث بالمتابعات والطرق، فكيف وثلاثتهم ثقات على التفصيل المتقدم؟! فكيف وقد صححه من تقدم ذكرهم من الأئمة؟! فأرجو مخلصًا أن يعتبر بهذا البحث والتحقيق أولئك الناشئون المتهافتون على الرد عليّ لخطأ يبدو لهم، ويسودون في ذلك الصفحات، ويؤلفون الرسائل، ويطلعون على الناس بردود فجة لا علم فيها، والمثال قريب بين يديك. وإذا كان هذا حال هذا الشيخ الفاضل، فكيف يكون حال سبطه المسمى بـ "خالد المؤذن" في مؤلفه الذي أسماه بـ "إقامة البرهان على ضعف حديث (استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان) ، وفيه الرد على العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني"؟! وقد ذكر في مقدمته (ص 17) أنه عرضه على جمع سماهم، أشهرهم أحسن ما يقال فيه أنه لم يُعرف، ولم يشتهر بهذا العلم، ومنهم الشيخ الفاضل، وذكر أنه جده من جهة أمه، وقال عنه:

"فلما نظر فيه استحسنه، وشجعني على نشره"! فما قيمة استحسانه رحمه الله، وقد عرفتَ مبلغه من العلم؟! بل إن العاقل اللبيب ليستشعر معي مبلغ قيمة هذا المستحسَن من هذا المستحسِن!! وليس غرضي الآن الرد على هذا السِّبط في "إقامته" وبيان ما فيه من الجهل بهذا العلم، وتناقضه في الحكم، واتباعه للهوى، فذلك له مكان آخر إن شاء الله تعالى. وإنما أريد أن ألفت النظر إلى الفرق بين الجد والسبط من الناحية الأخلاقية، فالجد -رحمه الله- قنع بالرد علي كتابةً مع الثناء البالغِ كما سترى فيما يأتي تحت الحديث: (طوبى..) ، لم يُرِدْ بذلك تظاهرًا وشهرة بالرد على الألباني، وأما السبط فسلك غير سبيل جده، حبًا في الظهور، وقديمًا قالوا: حب الظهور يقصم الظهور، فلم يراسلني ويطلعني على وجهة نظره، بل سألني هاتفيًا عدة أسئلة أجبته عليها بكل صراحة، كما حكى ذلك هو نفسه في "الإِقامة" (ص 11-13) ، ثم نشره على الناس بذلك العنوان الضخم: ".. وفيه الرد على العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني"! ويصفه (ص 11) بأنه "محدث العصر"! فإذا كان صادقًا مع نفسه في هذا القول كما هو الظاهر، فمن الظاهر أيضًا أنه يوحي بذلك العنوان أن الراد على الألباني لا بد أن يكون "محدث العصور"! وكتابه يطفح بالأنانية والعجب والغرور، نسأل الله تعالى لنا وله السلامة من كل الآفات في الدنيا والآخرة. 2- مثال ثان لتجرؤ بعض الطلبة على تضعيف الحديث الآتي: 613- (لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه..) الحديث. خرّجتُ الحديث هناك من رواية حذيفة، وحسنه الترمذي وبينت علته. لكني قويته بشاهد من حديث ابن عمر، وقد ترددت في أحد رواته، هل هو

اللؤلؤي الفقيه الحافظ، فذكر ذلك الطالب أنه ليس به، وأنه المدائني الضرير، وأنه غير معروف، فتأكدت من كونه المدائني، بإخراجي من غير مصدر واحد عنه، وخطأتُ جزمَه بأنه مجهول، لرواية جماعة من الحفاظ عنه، وكأنه لا يعلم أن مثله يحتج به العلماء كما قرره الذهبي في "الميزان"، ونقله عنه اللكنوي في "الرفع والتكميل"، ولذلك أخرجه الضياء المقدسي في "المختارة"، وجوّد إسناده العراقي والهيثمي، كما سترى هناك، فكان على ذلك الطالب أن يتحرى، وأن يبحث، ولا يقف عند رأيه الشخصي، فإنه يبدو أنه لا معرفة له بهذا العلم، وإلا كان يكفيه تحسين الترمذي إياه من الطريق الأولى، ويعتبر الطريق الآخر شاهدًا له، لأنه ليس شديد الضعف على الأقل! 3- مثال ثالث، لشاب مصري سمى نفسه فيصل عبد الحليم ذكر أنه في الثانية والعشرين من عمرِه! كان أرسل إلي خطابًا منذ بضع سنين بغير تاريخ وتوقيع، يثني علي كثيرًا، ويذكر أنه اطلع على مؤلفاتي (!) وأنه عكف عليها، وجعلها غايته..، وأنه يود أن يتتلمذ علي.. ومع ذلك فقد قرن مع خطابه رسالة ينتقد فيها خمسة أحاديث من هذا المجلد ويضعفها بجرأة عجيبة، وجهل بالغ، يكفي العاقل أن يتصور ذلك من عمره المذكور، فمتى تعلّم؟ ومتى تمكّن أن يصير نقّادًا لمن يتمنى أن يكون له تلميذًا.. وإليك أيها القارىء الكريم مثالًا واحدًا من نقده، تتأكد منه ما وصفتُه به، وتقيس عليه باقي الأمثلة: لقد أنكر عليّ تقويتي للحديث الآتي: 619- (ثلاثٌ لا تردُّ: الوسائدُ..) الحديث. وحجته في ذلك أن راويه عن ابن عمر مسلم بن جندب؛ لم يوثقه أحد سوى العجلي وابن حبان، ويقول: إنهما متساهلان! وهذا مما يضحك الثكلى، لأن ما ذكره من التساهل فمن كتبي ومؤلفاتي وتعليقاتي وردودي

عرف ذلك، فأنا الذي أشعتُ ذلك في العصر الحاضر، والفضل لله وحده أولًا وآخرًا، وهذا مما يقع فيه كثير من الناقدين المُحْدَثين، وذلك لجهلهم أن ذلك ليس على إطلاقه كما يظن هذا المنكِر وغيره من الناشئين، كما نبهت عليه مرارًا في مناسباتٍ كثيرة، ومن ذلك أن لا يتفرد المتساهل بالتوثيق، وهذا موجود هنا، فقد وثقه الحافظ ابن حجر، وكذا الذهبي، ثم هو إلى ذلك من أفاضل التابعين، وكان يقضي بغير رزق، وقال ابن مجاهد: "كان من فصحاء الناس، وكان معلم عمر بن عبد العزيز، وكان عمر يثني عليه وعلى فصاحته بالقرآن". وقد روى عنه جماعة من فضلاء التابعين كزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ويحيى بن أبي كثير، وغيرهم. فلا جرم أن وثقه من ذكرنا من الأئمة، فماذا عسى يمكن أن يقول القائل فيمن يضعف حديث هذا الفاضل، وتوثيق الحفاظ إياه؟! لا شك أنه الجهل أو التجاهل، وأحلاهما مر. 4- لا يزال بعض المحققين والمعلقين يتعقبونني بغير علم، فيخطئون في حق هذا العلم الشريف، بعضهم بحقد دفين يكادُ يلمسُ باليد، وبعضهم بسبب انتقال العدوى إليهم، أو ربما بقصد بيان الحق -إن شاء الله- وأنا أذكر هنا مثالًا واحدًا، ثم أدع الحكم للقراء فيه، وبيان رأيهم في الحامل عليه: سيأتي تحت الحديث (759) أن عمران القطان؛ وفي حفظه ضعف، قد خالف ثقتين في إسناد هذا الحديث، فقد روياه عن قتادة عن الحسن عن زياد بن رباح عن أبي هريرة. فقال عمران: عن قتادة عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة. فأسقط الحسن بين قتادة وابن رباح، وجعل عبد الله مكان زياد! قلت: وهذه مخالفة مكشوفة لا تخفى على المبتدئين في هذا العلم،

ومع ذلك لم يقدر المعلق على "مسند أبي يعلى" إلا أن يتعقبني بقوله بعد أن ذكر أن عمران هذا حسن الحديث: "وقد اتهمه الشيخ ناصر الدين الألباني في "الصحيحة" بأنه أسقط من الإِسناد الحسن، وقلب زياد بن رباح إلى عبد الله بن رباح، ولا أظنه أصاب في اتهامه هذا"! كذا قال -أصلحه الله- فإنه لا يجوز النقد بالظن المجرد عن الدليل، لأن الظن لا يغني من الحق شيئًا، ولأنه أكذب الحديث كما قال - صلى الله عليه وسلم -. هذا أولًا. وثانيًا: ألا يعلم أن من أنواع علوم الحديث: الحديث الشاذ، وأنه ما رواه الثقة مخالفًا لمن هو أوثق منه، أو أكثر عددًا، والمخالف هنا هو أقل عددًا وحفظًا، فإنه حسن الحديث باعتراف المعلق، فإذا لم يكن هذا شاذًا عنده، فمعنى ذلك أحد أمرين: إما أنه لا يعرف الحديث الشاذ، أو أنه يخالف قواعد علماء الحديث، وأحلاهما مر. 5- وهناك كتيب صغير بعنوان "بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد" بقلم أبي عبد الله عادل بن عبد الله السعيدان، وتقديم الشيخ الفاضل مقبل بن هادي اليماني، في (63) صفحة صغيرة بالمرة، ذهب فيها إلى تضعيف الحديثين المشار إليهما، أما حديث السوق فسيأتي الرد عليه إن شاء الله تعالى في المجلد السابع من هذه "السلسلة" برقم (3139) . وأما حديث الزهد فهو الآتي في هذا المجلد برقم (944) ، والذي يمكن ذكره هنا أن الرجل غير منصف معي، بل ولا مع بعض رواة الحديث، وإليك البيان: 1- أما الأول فإن كل من يقابل تخريجي هناك وكلامي على الرواة بكل

تجرد وإنصاف، مع تخريجه وكلامه هو على الحديث والرواة يجد أنه لم يبذل أي جهد في التحقيق الذي زعمه في عنوان الرسالة، وغاية ما فعل أنه عاكسني في اعتدادي ببعض الرواة والطرق، واستشهادي بها، بل سوّى بين الطرق التي فيها كذاب، وبعض الطرق النظيفة منه، فانظر إلى الخلاصة التي قدمها للحديث من أربع طرق، ففي الأولى كذاب، وكذلك في الثالثة. وأما الثانية فهي سالمة من الضعف الشديد لأنها من رواية زافر بن سليمان عن محمد بن عيينة، وهما صدوقان، في حفظهما ضعف كما نقلته عن الحافظ هناك، يصلحان للاستشهاد كما هو معلوم في "المصطلح". وأما الرابعة، فهي مرسلة، ورجالها ثقات، ولذلك جوّدت إسنادها هناك. فماذا فعل الباحث المحترم؟! إنه أولًا: لقد صرح عند تخريجه للطريق الأولى التي فيها الكذاب: أنه نقل ذلك عني، ولكنه دلس على القراء، فلم يذكر أنني بينت أن فيه الكذاب! فيتبادر إلى أذهانهم أنني استشهدت به على الأقل! وهذا زور ينبغي أن يترفع عنه الباحث المخلص. ثانيًا: وكذلك لما ذكر (ص 48) قوله: "وللحديث شاهد مرسل بلفظ..". أوهمهم أنه من بحثه وكده! والواقع أنه مما استفاده مني، فقد قلت هناك: "وقد وجدت له شاهدًا مرسلًا بإسناد جيد بلفظ.."! وإنما فعل ذلك لأمرين: أحدهما: أن يتشبع بما لم يعطَ، فهو كما في الحديث الصحيح:

"كلابس ثوبي زور"! والآخر: أنه لو نقله عني لوجب عليه أن ينقله كما هو عندي، فقد كنت صرحت هناك قائلًا: "بإسناد جيد" كما رأيت! فتعمد كتم ذلك عن قرائه، لأنه لا يريد أن يلقي في أذهانهم وقلوبهم أنه مرسل جيد! لأن ذلك يتنافى مع الخط الذي خطه لنفسه، وهو تضعيفه للحديث! وهنا لا بد لي من وقفة معه عند هذا المرسل وما فعل به من محاولة إسقاط الاستشهاد به بادعاء الاضطراب في إسناده، فإنه يعلم، أو لعله يعلم أن الحديث المرسل إذا جاء مسندًا من طريق أخرى ولو ضعيفة أنه يتقوى بمجموعهما عند الإِمام الشافعي وابن تيمية وغيرهما (¬1) ، فلكي لا يرد عليه أنه يتقوى هذا المرسل بمسند زافر بن سليمان اتخذ لنفسه خط الرجعة، فذهب يُحوِّش من هنا وهناك عدة روايات معلقات في بعضها ذكر ربعي بن حراش مكان مجاهد -وهذا هو المحفوظ- وفي بعضها: ربعي بن حراش عن الربيع ابن خُثيم، (ووقع عنده في أكثر من موضع: خيثم!) لم يجاوز إبراهيم، إلى غير ذلك من الروايات التي لا سنام لها ولا خطام، ثم خلص إلى القول (ص 50) : "بهذه الطرق يتبين أن هذا المرسل فيه اضطراب واضح، وهذا مما يقدح في صحة هذا الطريق"! كذا قال هداه الله. وهذا وحده كاف ليدل على أن الرجل ليس أهلًا للبحث في هذا العلم؛ فضلًا عن أن يتولى الرد على من لا يدانيه فيه! ذلك لأن الحديث المضطرب عند أهل العلم هو الذي جاء على وجوه مختلفة ¬

_ (¬1) كالحافظ ابن جر، فانظر كلامه في "النكت على ابن الصلاح" (2/566-567) .

متعادلة القوة والصحة، لا يمكن ترجيح بعضها على بعض، وهذا يوجب عليه -لو كان منصفًا- أن يخرج تلك الطرق، ويتكلم عليها طريقًا طريقًا، فما ضعف منها طُرح، وما صح منها وجب التوفيق بينها، وإلا قيل إنه مضطرب، فهل بذل شيئًا من الجهد، ولا أقول: "بذل الجهد" كله ليكون صادقًا مع عنوان رسالته؟! لا شيء من ذلك مع الأسف، وإنما هو مجرد تحويش وادعاء لا يعجز عن مثله أعداء السنة، وما أحسن ما قيل: والدعاوي ما لم تقيموا عليها ... بينات أبناؤها أدعياء وإذا كان الأمر كذلك، فلقد كان من الواجب عليه أن يقنع بقول أبي نعيم الذي نقله (ص 48) : "رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع، فلم يجاوزوا فيه مجاهدًا". فإن فيه إشارة قوية أنهم اختلفوا على الحسن بن الربيع، ومن ذلك أن بعضهم رواه عن مجاهد عن أنس، فجعله مسندًا، لكن الأثبات لم يتعدوا به مجاهدًا، وهو المحفوظ كما سبق. وجملة القول: إن هذا المرسل الصحيح، ومسند زافر عن محمد بن عيينة عن أبي حازم عن سهل، إذا ضُم أحدهما إلى الآخر، صار الحديث بذلك قويًا، فإذا ضُم إليهما رواية محمد بن كثير عن سفيان الثوري عن أبي حازم به، فإنها إن لم تزده قوة لم تضره، كما هو ظاهر. 2- وأما أنه غير منصف مع الرواة أيضًا، فقد تبين ذلك مما ذكرته آنفًا، فإنه سوّى بين الكذابين، وبين الصدوقين في عدم الاستشهاد بهم، وهذا خلاف ما عليه العلماء في الحديث الحسن أو الصحيح لغيره فلا داعي للإِعادة.

وبهذه المناسبة ألفت نظر القراء إلى رسالة "وقفات مع (النظرات) " تأليف الأخ الفاضل سمير أمين الزهيري، يرد ردًا موجزًا نافعًا بإذن الله على (نظرات) المؤذن وصاحبه العدوى الطائشة الجائرة التي طعنت في صحة أحاديث في المجلد الأول من هذه السلسلة الصحيحة، وصرح -جزاه الله خيرًا- أنهما ما أصابا ولا في حديث واحد! وضرب على ذلك بعض الأمثلة، ونماذج من مناقشاتهما الفاشلة. ثم نصحهما أن يشتغلا بكتبهما وتنقيحها، ففيها الكثير مما يحتاج إلى إعادة النظر قبل الاشتغال بكتب غيرهما. وقد ذكر في مقدمة الرسالة الأسباب التي تحملهم على الرد عليَّ، وحصرها في أربعة: 1- الحداثة. 2- ضحالة العلم. 3- الأهواء. 4- حب الظهور. ثم تكلم على كل سبب منها بشيء من التفصيل، فأحيل القراء إليها والاستفادة منها، فإنها نادرة في بابها. وأضيف أنا إلى ما ذكر: الشيخوخة! فقد تنبه بعضهم لأهمية هذا العلم في سن متأخرة، فأخذوا يصححون ويضعفون فيخطئون كثيرًا. 6- وأخيرًا أرى أن ألفت النظر إلى ما ذكرته تحت الحديث (516) ، وهو أنني كنت واهمًا مع الحاكم والذهبي في قولهما: إن عطاء والد يعلى على شرط مسلم. والحقيقة أنه ليس على شرطه، بل ولا يعرف إلا برواية ابنه عنه. فَجلَّ من لا ينسى. ومن الغرائب أنه كان قد قلدني في خطئي هذا بعض

من يدعي التحقيق، فلعله يعود فيقلدني في الرجوع إلى الصواب، فهذا أولى به من ذاك التقليد! على أن الحديث لا ينزل بذلك عن مرتبة الحسن لما ذكرت له من الطرق هناك، فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضلِه. وهذا آخر ما يسر الله لي كَتْبه في هذه المقدمة لهذه الطبعة الجديدة، سائلًا المولى سبحانه وتعالى أن ينفع بها أكثر مما نفع بسابقاتها، وأن يكفينا شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنه سميع مجيب. "وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك". عمّان/الجمعة 3 ربيع الآخر سنة 1412 هـ وكتب محمد ناصر الدين الألباني

501

501 - " نهى صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا ". أخرجه أبو داود (4159) والنسائي (2 / 276) والترمذي (1 / 326) وابن حبان (1480) وأحمد (4 / 86) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 79 / 2) والكشي في " جزء الأنصاري " (ق 11 / 1) وعنه أبو نعيم (6 / 276) وابن عدي في " الكامل " (ق 8 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 212 / 1) من طرق عن هشام بن حسان قال: سمعت الحسن عن عبد الله بن مغفل به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، لكن الحسن البصري مدلس وقد عنعنه في جميع الطرق المشار إليها لكن له شاهدان يتقوى بهما. الأول: عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (398) عن محمد بن موسى الحريري حدثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن ابن عمر وقال: " محمد بن موسى لا يتابع عليه وقد روي هذا من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا ". قلت: وكأن العقيلي يشير بذلك إلى حديث الحسن الذي قبله. والشاهد الآخر هو: " كان ينهانا عن الإرفاه، قلنا: وما الإرفاه؟ قال: الترجل كل يوم ". 502 - " كان ينهانا عن الإرفاه، قلنا: وما الإرفاه؟ قال: الترجل كل يوم ". أخرجه النسائي (2 / 276 - 277) أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال حدثنا خالد بن الحارث عن كهمس عن عبد الله بن شقيق قال:

" كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عاملا بمصر، فأتاه رجل من أصحابه، فإذا هو شعيث الرأس مشعان قال: ما لي أراك مشعانا وأنت أمير؟ قال " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الصحيح غير إسماعيل بن مسعود وهو أبو مسعود الجحدري وهو ثقة. وله طريق أخرى، يرويه الجريري عن عبد الله بن بريدة. أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر فقدم عليه وهو يمد ناقة له. فقال: إنى لم آتك زائرا وإنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم فرآه شعثا فقال: ما لي أراك شعثا وأنت أمير البلد قال: قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه. ورآه حافيا، فقال: ما لي أراك حافيا قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتفي أحيانا ". أخرجه أحمد (6 / 22) : حدثنا يزيد بن هارون قال: أخبرني الجريري به. وأخرجه أبو داود (4160) والنسائي (2 / 292 - 293) . قلت: هذا إسناد صحيح أيضا على شرط الشيخين وليس عند النسائي الأمر بالاحتفاء وزاد: " سئل ابن بريدة عن الإرفاه؟ قال: الترجل ".

503

غريب الحديث: 1 - الإرفاه. قال في " النهاية ": هو كثرة التدهن والتنعم وقيل: التوسع في المشرب والمطعم أراد ترك التنعم والدعة ولين العيش لأنه من زي العجم وأرباب الدنيا ". قلت: والحديث يرد ذلك التفسير ولهذا قال أبو الحسن السندي في حاشيته على النسائي: " وتفسير الصحابي يغني عما ذكروا، فهو أعلم بالمراد ". قلت: ومثله تفسير عبد الله بن بريدة في رواية النسائي، والظاهر أنه تلقاه عن الصحابي. والله أعلم. 2 - (الترجل) هو تسريح الشعر وتنظيفه وتحسينه. 3 - (غبا) بكسر المعجمة وتشديد الباء: أن يفعل يوما ويترك يوما والمراد كراهة المداومة عليه وخصوصية الفعل يوما والترك يوما غير مراد. قاله السندي 4 - (شعث الرأس) أي متفرق الشعر. 5 - (مشعان) بضم الميم وسكون الشين المعجمة وعين مهملة وآخره نون مشددة هو المنتفش الشعر الثائر الرأس. 6 - (يمد ناقة) أي يسقيها مديدا من الماء. 503 - " طوبى للشام إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه ". قلت: هو حديث صحيح أخرجه الترمذي (2 / 33) طبع بولاق وقال: حديث حسن وزاد في بعض النسخ: صحيح والحاكم في " المستدرك " (2 / 229) وأحمد (5 / 184) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 63) : ورواه ابن حبان في

" صحيحه " والطبراني بإسناد صحيح. هذا ما قلته في " تخريج فضائل الشام " (ص 91) . فتعقبني بعض الفضلاء المكيين من كتاب العدل في رسالة كتبها إلي بتاريخ 29 / 4 / 90 دلت على علم وفضل فرأيت العناية بها وكتابة هذا الجواب، قال حفظه الله: 1 - إن الترمذي والحاكم أخرجاه من طريق يحيى بن أيوب الغافقي وابن أيوب وإن احتجا به إلا أن أئمة الجرح والتعديل لازالوا يضعفون الأحاديث الواردة من طريقه كما سيأتي. 2 - إن الإمام أحمد أخرجه عن ابن لهيعة، وعبد الله بن لهيعة لا يخفى الكلام عليه وإن أخرج له مسلم مقرونا. 3 - أما قول الحاكم: على شرط خ م وموافقة الذهبي له، فالذهبي رحمه الله له أوهام وتناقضات في تلخيصه قد لا تخفى، فمنها أن في سند الحاكم أيضا الحارث بن أبي أسامة وغفل الذهبي رحمه الله عنه فقد غمزه في " تلخيص المستدرك " صفحة (158 / 1) فقد صحح الحاكم حديثه على شرط خ م، فقال الذهبي: قلت: خبر منكر والحارث ليس بعمدة وقد ذكره الذهبي أيضا في " الضعفاء والمتروكين " وقال: إنه ضعيف كما جاء في فيض المناوي صحيفة (7 / 6) وقد ترجم له في تذكرة الحفاظ 4 - وأما يحيى بن أيوب فقد أخرج له الحاكم حديثا في المستدرك ص (201 / 2) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، فتعقبه الذهبي بقوله: " يحيى بن أيوب فيه كلام ". 5 - وأخرج الحاكم أيضا في مستدركه ص (97 / 3) له حديثا قال فيه: إنه على

شرط الشيخين فتعقبه الذهبي بقوله: " يحيى وإن كان، ثقة فقد ضعف، ولا يصح بوجه " أي الحديث. 6 - وأخرج الحاكم أيضا في مستدركه ص (44 / 4) له حديثا قال فيه: إنه على شرط الشيخين فرد عليه الذهبي بقوله: هو خبر منكر ويحيى ليس بالقوي. 7 - وأخرج الحاكم أيضا في مستدركه ص (243 / 4) له حديثا قال إنه على شرط الشيخين، فرد عليه الذهبي بقوله: " قلت: هذا من مناكير يحيى ". 8، 9، 10 - أحال الكاتب الفاضل على أحاديث ليحيى في " الجوهر النقي " والمناوي انتقداها عليه بنحو ما ذكر. 11 - وقال الحافظ في " التلخيص الحبير " (ص 118) : فيه (أي يحيى) مقال ولكنه صدوق. وهكذا قال في التقريب: صدوق ربما أخطأ، قلت: ولعله قلد شيخه الحافظ العراقي، فقد جاء عنه في تخريج أحاديث الإحياء ص (355 / 3) قوله: " تفرد به يحيى بن أيوب وفيه مقال ولكنه صدوق ". 12 - لم أحتج إلى نقل كلام أهل العلم في ابن لهيعة وتساهل ابن حبان والترمذي في التصحيح فهذا معلوم لدى المشتغلين بهذا الشأن. 13 - فإذا كان الحديث مداره على هذين الرجلين ابن لهيعة وابن أيوب الغافقيين وقد سلف كلام أئمة هذا الشأن فيهما فأنى له الصحة. والله أعلم. وجوابا عليه أقول مراعيا ترتيبه: 1 - لا تخلوا هذه الفقرة من مبالغة مباينة للواقع وهي قوله: " إلا أن أئمة الجرح والتعديل لازالوا يضعفون ... " فكيف يصح هذا الكلام والحافظ العراقي والعسقلاني يقويان حديثه كما نقله الكاتب الفاضل نفسه عنهما فيما تقدم فالحق أن يقال: إن الأئمة مختلفون في الاحتجاج بحديثه. وحين يكون الأمر كذلك فالفصل في هذا الاختلاف إنما يكون بالرجوع إلى قواعد هذا العلم

ومصطلحه. 2 - لي على هذه الفقرة ملاحظتان: الأولى: أنها توهم أن أحمد لم يخرجه من طريق ابن أيوب والواقع خلافه، فهو في الصفحة التي أشرت إليها في " تخرج الفضائل " أخرجه عن ابن أيوب، نعم هو أخرجه في الصفحة التي قبلها عن ابن لهيعة أيضا. والأخرى. نعم ابن لهيعة فيه كلام لا يخفى والأحاديث التي نوردها في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " من روايته أكثر من أن تحصر. بيد أن هذا الكلام فيه ليس على إطلاقه، فإن رواية العبادلة الثلاثة عنه صحيحة وهم عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وعبد الله ابن يزيد المقريء فإنهم رووا عنه قبل احتراق كتبه، كما هو مشروح في ترجمته من " التهذيب ". وثمة ملاحظة ثالثة وهي أن ضعف ابن لهيعة إنما هو من سوء حفظه فمثله يتقوى حديثه بمجيئه من وجه آخر ولو كان مثله في الضعف ما لم يشتد ضعفه وهذا بين في كتب " المصطلح " كالتقريب للنووى وغيره. 3 - لا شك أن الذهبي له أوهام وتناقضات كثيرة في " تلخيصه على المستدرك " وأنا بفضل الله من أعرف الناس بذلك وأكثرهم تعقبا وتنبيها عليه إلا أن موقفه تجاه هذا الحديث بالذات سليم، لأنه أقر الحاكم (2 / 229) على قوله فيه: " صحيح على شرط الشيخين " ولا شك أنه على شرطهما ولكن يجوز لغيرهما أن يناقشهما في صحته كما فعل الذهبي في غير هذا الحديث وضرب الكاتب الفاضل على ذلك بعض الأمثلة. ثم قد تكون المناقشة مسلمة أو مردودة كما ستراه مفصلا. ولكننا نأخذ على الكاتب هنا أمورا. الأول: إعلاله سند الحاكم بأن فيه الحارث بن أبي أسامة، فإنه يفيد بظاهره أن الحاكم لم يروه إلا من طريقه وإلا لم يجز إعلاله به وهذا غريب جدا من الكاتب لأن

الحاكم أخرجه من طريق عثمان بن سعيد الدارمي وبشر بن موسى الأسدي والحارث بن أبي أسامة التميمي كلهم قالوا: حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا يحيى بن أيوب ... ثم قال الحاكم: " رواه جرير بن حازم عن يحيى بن أيوب ". ثم ساق سنده إليه به. فهؤلاء ثلاثة من الثقات تابعوا الحارث على هذا الحديث! وليس من طريقة أهل العلم إعلال الحديث بالطعن في فرد من أفراد الجماعة المتفقين على رواية الحديث. وقد تابعه أحمد أيضا فقال (5 / 185) : حدثنا يحيى بن إسحاق به! الثاني: أن الذهبي لم يغفل هنا ولكنه لما رأى الجماعة قد تابعوا الحارث لم ير من الجائز في هذا العلم غمزه لأنه لا يفيد شيئا كما هو ظاهر فالغفلة من غيره لا منه! ! الثالث: أن الحديث الذي أشار إليه الكاتب ونقل عن الذهبي أنه استنكره وقال عنه: " والحارث ليس بعمدة ". إنما علته من شيخ شيخ الحارث وهو أبو عامر الخزاز واسمه صالح بن رستم ففيه ضعف من قبل حفظه كما يشير إلى ذلك قول الحافظ في " التقريب ". " صدوق كثير الخطأ ". ثم هو ممن لم يحتج به البخاري وإنما روى له تعليقا، فلو أن الكاتب نسب الغفلة إلى الذهبي هنا لكان أصاب. الرابع: أن ما نقله عن الذهبي في " الضعفاء والمتروكين " بواسطة المناوي أنه قال فيه: ضعيف. فليس بصحيح وذلك من شؤم الواسطة! فلو أن الكاتب تجاوزها وراجع ديوان " الضعفاء والمتروكين " بنفسه لوجد فيه عكس ما نقله المناوي فقد قال في ترجمة الحارث منه (ق 152 / 1) . " صاحب المسند، صدوق، لينه بعضهم "

قلت: والتليين المشار إليه مع أنه من غير الذهبي فهو مما لا يعتد به كما يأتي الخامس: أن قوله " وقد ترجم له في تذكرة الحفاظ " فما لا طائل تحته، لأنه لم يبين بماذا ترجم له، أبالتوثيق أم بالتضعيف على أن الثاني أقرب إلى أن يتبادر إلى ذهن القارىء، لأنه لم ينقل ذلك إلا في صدد الكلام على تضعيف الرجل، فكيف والواقع أن ترجمته له في " التذكرة " يؤخذ منها التوثيق لا التضعيف وإليك نص كلامه. قال (2 / 619) : " وثقه إبراهيم الحربي مع علمه بأنه يأخذ الدراهم (يعنى على التحديث) وأبو حاتم بن حبان، وقال الدارقطني: صدوق، وأما أخذ الدراهم على الرواية فكان فقيرا كثير البنات. وقال أبو الفتح الأزدي وابن حزم: ضعيف ". ومن عرف حال أبي الفتح الأزدي وما فيه من الضعف المذكور في ترجمته في " الميزان " وغيره وعرف شذوذ ابن حزم في علم الجرح عن الجماعة كمثل خروجه عنهم في الفقه لم يعتد بخلافهما لمن هم الأئمة الموثوق بهم في هذا العلم ولذلك قال الذهبي في ترجمة الحارث هذا من " الميزان ": " وكان حافظا عارفا بالحديث عالي الإسناد بالمرة تكلم فيه بلا حجة ": فقد أشار بهذا إلى رد تضعيف أبي الفتح وابن حزم إياه. وممن وثقه أحمد ابن كامل وأبو العباس النباتي ولما نقل الحافظ في " اللسان " قول الذهبي المتقدم " ليس بعمدة " تعقبه بقوله: " مع أنه في " الميزان " كتب مقابله صحيح واصطلاحه أن العمل على توثيقه ". وجملة القول أن الحارث بن أبي أسامة ثقة حافظ وأن من تكلم فيه لا يعتد بكلامه وأن الذهبي تناقض قوله فيه والراجح منه ما ذكره في " الميزان " و " الضعفاء " أنه ثقة صدوق وأن قوله في " التلخيص ": " ليس بعمدة " هو الذي ليس بعمدة لأنه قاله من ذاكرته والذاكرة قد تخون وما ذكره في المصدرين المشار إليهما إنما ذكره بعد

دراسة لترجمته وتمحيص لما جاء فيها كما هو ظاهر لا يخفى على طالب العلم إن شاء الله تعالى. 5 - قلت: قول الذهبي " يحيى وإن كان ثقة، فقد ضعف " لا يساوي أنه ضعيف، بل هو ظاهر في أنه عنده ثقة مع ضعف فيه فهو على هذا لا ينافي موافقته الحاكم على تصحيح هذا الحديث الذي نحن في صدد الدفاع عنه ولا ينافي قوله عقب الحديث الآخر : " ولا يصح بوجه " لأنه ذكر له قبل ذلك علة أخرى كان يحسن بالكاتب الفاضل أن يذكرها، ونص كلام الذهبي: " قلت: أحمد منكر الحديث وهو ممن نقم على مسلم إخراجه في " الصحيح " ويحيى وإن كان ثقة فقد ضعف ". وأحمد هذا هو ابن عبد الرحمن بن وهب فيه كلام كثير حتى إن الذهبي أورده في " الضعفاء " (2 / 2) وقال: " قال ابن عدي: رأيت شيوخ مصر مجمعين على ضعفه حدث بما لا أصل له " وذكر له في " الميزان " حديثا من روايته عن عمه عبد الله ابن وهب بسنده الصحيح عن ابن عمر مرفوعا وقال: " فهذا موضوع على ابن وهب ". وذكر له حديثا آخر عن عمه أيضا بسنده الصحيح عن أنس مرفوعا " كان يجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) في الصلاة " ولا يصح في الجهر حديث، وإنما أتى من اختلاطه، ولذلك قال الحافظ: " صدوق تغير بآخره ". قلت: فهو آفة الحديث الذي قال الذهبي فيه " ولا يصح بوجه " وليس يحيى ابن أيوب. وجملة القول: أن قول الذهبي: " وإن كان ثقة فقد ضعف " إنما يعني أنه ثقة

من الدرجة الوسطى لا العليا لأن فيه ضعفا، فهو في زمرة الذين يحتج بحديثهم في مرتبة الحسن ما لم يخالف أو يتبين خطؤه وهذا هو معنى قوله فيه في " الضعفاء " (218 / 2) : " ثقة قال النسائي: ليس بذلك القوي، وقال أبو حاتم: لا يحتج به ". وقوله في " التذكرة " (1 / 228) بعد أن حكى بعض أقوال الموثقين والمضعفين. " قلت: حديثه في الكتب الستة وحديثه فيه مناكير ". ولا يخفى على طالب العلم أن قوله: " فيه مناكير " ليس بمعنى منكر الحديث فإن الأول معناه أنه يقع أحيانا في حديثه مناكير والآخر معناه أنه كثير المناكير فهذا لا يحتج به، بخلاف الأول فهو حجة عند عدم المخالفة كما ذكرنا ولذلك احتج به مسلم وأما البخاري، فإنما روى له استشهادا ومتابعة كما أفاده الحافظ في " مقدمة الفتح " (ص 451) . وإذا عرفت هذا سهل عليك أن تفهم على الصواب قول الذهبي الذي نقله الكاتب في الفقرة 6 -: " هو خبر منكر ويحيى ليس بالقوي ". فإن ثمة فرقا أيضا بين قول الحافظ " ليس بالقوي " وقوله " ليس بقوي " فإن هذا ينفي عنه مطلق القوة فهو يساوي قوله " ضعيف " وليس كذلك قوله الأول: " ليس بالقوي " فإنه ينفي نوعا خاصا من القوة وهي قوة الحفاظ الأثبات وعليه فلا منافاة بين قوله هذا وقوله المتقدم " يحيى وإن كان ثقة ففيه ضعف " وأما قوله " هو خبر منكر " فلم يظهر لي وجه نكارته والله أعلم إلا إن كان يعني تفرد يحيى به، فهو غير ضار حينئذ على أنه لم يتفرد به كما مضى ويأتي فلا وجه لقوله " منكر " والله أعلم. 7 - قول الذهبي " قلت: هذا من مناكير يحيى ". أي من مفاريده كما تقدم

قبله فليس فيه تضعيف مطلق ليحيى. 8 - 10 - يجاب عن هذه الأمثلة التي أشار إليها الكاتب بنحو ما سبق. 11 - قلت: ما جاء في هذه الفقرة عن الحافظين العراقي والعسقلاني يؤيد ما ذهبنا إليه من بيان حال يحيى بن أيوب، فإن قولهما " فيه مقال ولكنه صدوق " وقول الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما أخطأ " صريح في أن خطأه قليل ومن ثبتت عدالته وثقته، فلا يسقط حديثه لمجرد أن أخطأ في أحاديث. وخلاصة القول في يحيى أن الأئمة اختلفوا فيه، فمنهم الموثق مطلقا ومنهم من قال فيه: ثقة حافظ ومنهم من قال: لا يحتج به ومنهم من قال: سيء الحفظ ومنهم من قال: ربما أخل في حفظه ولم أر من أطلق فيه الضعف، فمن كان في هذه الحالة، فلا يجوز أن يميل طالب العلم إلى تجريحه مطلقا أو تعديله مطلقا إلا ساهيا، بل لابد من التوفيق بين هذه الأقوال المتعارضة إذا أمكن وإلا فتقديم الجرح على التعديل وهذا الأخير هو ما فعله الكاتب الفاضل والأول هو الذي ذهب إليه الحافظ الذهبي والعراقي والعسقلاني وهو الذي أختاره وهو أنه حسن الحديث لا صحيحه ولا ضعيفه إلا إذا تبين خطؤه وهو هنا قد تأكدنا من صوابه بمتابعة ابن لهيعة له كما تقدم ومتابعة غيره كما يأتي. 12 - قلت: في ابن لهيعة تفصيل سبقت الإشارة إليه في الجواب عن الفقرة الثانية فلا نعيد الكلام فيه. 13 - فإذا كان الحديث مداره على هذين الرجلين ... فأنى له الصحة! قلت: قد أثبتنا أن ابن أيوب حسن الحديث، فإذا كان كذلك فحديثه بدون شك يرتقي بمتابعة ابن لهيعة إلى مرتبة الصحة. وهب أنه ضعيف الحديث كابن لهيعة فالحديث بمجموع روايتهما إياه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره كما سبقت الإشارة إليه في أول هذه المقالة. على أن الحديث صحيح كما كنت قلته في " تخريج الفضائل " فإنه قد تابعهما

عمرو ابن الحارث وهو ثقة فقيه حافظ كما قال الحافظ في " التقريب ". وروايته عند ابن حبان في " صحيحه " (2311 - زوائده) وهو مطبوع. فكان من الواجب على حضرة الكاتب أن يرجع إليه وهو من المصادر التي نسبت الحديث إليها في " التخريج " المذكور فهو على علم به، فعدم رجوعه إليه والنظر في إسناده مما لا يغتفر لمن أراد التحقيق في حديث ما لاسيما إذا كان تحقيقه في سبيل الرد على من صححه من المتقدمين كالحافظ المنذري والمتأخرين مثلي. وأزيد هنا فأقول: قد أخرجه أيضا ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 29 / 2) من الطريقين السابقين ومن طريق الطبراني عن أحمد بن رشدين المصري أنبأنا حرملة بن يحيى أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث بإسناده مرفوعا بلفظ: " طوبى للشام إن الرحمن لباسط رحمته عليه ". لكن أحمد هذا هو ابن محمد بن الحجاج بن رشدين أبو جعفر المصري. قال في " الميزان ": " قال ابن عدي: كذبوه وأنكرت عليه أشياء ". ثم ذكر له حديثا من أباطيله. وأرى أن الحديث بهذا اللفظ من أباطيله أيضا لتفرده به دون كل من روى هذا الحديث من الثقات وغيرهم، فوجب التنبيه عليه لاسيما وظاهر كلام المنذري أنه صحيح بهذا اللفظ، فإنه قال بعد أن ذكره بلفظ الترجمة: " رواه الترمذي وصححه وابن حبان في " صحيحه " والطبراني بإسناد صحيح ولفظه .... " فذكره بهذا اللفظ المنكر. وأصرح منه في إيهام التصحيح صنيع الهيثمي فإنه أورده في " المجمع " (10 / 60) بهذا اللفظ وقال: " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح "! وحق العبارة أن تتبع بقوله:

504

" غير أحمد بن رشدين .... " فإنه ليس من رجال الصحيح بل هو من شيوخ الطبراني الضعفاء! وكثيرا ما يصنع الهيثمي مثل هذا التعميم المخل فكن منه على ذكر تنج إن شاء الله تعالى من الخطأ. 504 - " المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ". أخرجه البخاري (2 / 98) وأبو داود (4893) والترمذي (1 / 268) وأحمد (2 / 91) عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب أن سالما أخبره أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والسياق للبخاري وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والجملة الأولى منه عند مسلم (8 / 10 - 11) والترمذي (1 / 350) وحسنه من حديث أبي هريرة وكذلك عند أبي داود (4918) لكن بلفظ " المؤمن أخو المؤمن " وعنده أيضا (3356) من حديث سويد بن حنظلة باللفظ الأول والترمذي (2 / 183 ) وغيره من حديث عمرو بن الأحوص وأحمد (5 / 24 / 71) من حديث رجل من بني سليط. (تنبيه) أورد المنذري هذا الحديث في " الترغيب " من رواية أبي داود والترمذي فقط عن ابن عمر وهذا قصور فاحش إذ فاته أنه في. صحيح البخاري ". وأفحش منه أن السيوطي أود الجملة الأولى منه من رواية أبي داود عن سويد بن حنظلة! ففاته أنه عند الشيخين وغيرهما ممن ذكرنا عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاقتضى التنبيه.

505

505 - " لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا جلهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله انتهكوها ". أخرجه ابن ماجه (4245) : حدثنا عيسى بن يونس الرملي حدثنا عقبة بن علقمة بن خديج المعافري عن أرطاة بن المنذر عن أبي عامر الألهاني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال المنذري (3 / 178) : " رواه ابن ماجه ورواته ثقات ". وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 262 / 1) : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وأبو عامر الألهاني اسمه عبد الله بن غابر ". 506 - " لا تكثروا الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ". أخرجه ابن ماجه (4193) من طريق عبد الحميد بن جعفر عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات غير عبد الحميد بن جعفر، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق وربما وهم ". وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 258 / 1) :

507

" هذا إسناد صحيح وأبو بكر الحنفي اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد البصري ". قلت: وله طريق أخرى عن أبي هريرة أخرجه الترمذي (2 / 50) وأحمد (2 / 31) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 247 / 1) من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عنه. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا. وروى أبو عبيدة الناجي عن الحسن هذا الحديث قوله ولم يذكر فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: وأبو طارق هذا هو السعدي وهو مجهول كما في " التقريب ". وله عنه طريق ثالث أخرجه ابن ماجه (4217) من طريق أبي رجاء عن برد بن سنان عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن مكحولا وأبا رجاء واسمه محرز بن عبد الله الجزري مدلسان وقد عنعنا ومنه تعلم أن قول البوصيري في " الزوائد " (ق 260 / 1) : " هذا إسناد حسن " فغير حسن! 507 - " ما ضرب صلى الله عليه وسلم بيده خادما قط ولا امرأة، ولا ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خير بين أمرين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما فإذا كان إثما كان أبعد الناس من الإثم، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه حتى تنتهك حرمات الله عز وجل فيكون هو ينتقم لله عز وجل ".

508

أخرجه أحمد (6 / 232) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: ذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وتابعه هشام بن عروة فقال أحمد (6 / 229) : حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه به نحوه. وهو عند مسلم (7 / 80) من هذا الوجه دون التخيير وعند البخاري (2 / 394) من الوجه الأول دون الضرب. 508 - " يا نعايا العرب! يا نعايا العرب! ثلاثا، إن أخوف ما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " وابن عدي في " الكامل " (ق 220 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 122) و " أخبار أصبهان " (2 / 66) والبيهقي في " الزهد " (2 / 37 / 2) من طريق عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي عن الزهري عن عباد بن تميم عن عمه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله ابن بديل هذا فقال ابن عدي " له أشياء تنكر عليه من الزيادة في متن أو في إسناد ولم أر للمتقدمين فيه كلاما فأذكره ". قلت: روى ابن أبي حاتم (2 / 2 / 15) عن ابن معين أنه قال فيه " صالح ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء " . والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (6 / 655) :

" رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير عبد الله بن بديل بن ورقاء وهو ثقة ". وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 190) : " رواه الطبراني بإسنادين أحدهما صحيح ". تنبيه: (الرياء) بالراء. ووقع في " الترغيب " و " المجمع ". (الزنا) بالزاي. وقال المنذري: " وقد قيده بعض الحفاظ (الرياء) بالراء والياء ". قلت وكذلك هو في كل المصادر المخطوطة وغيرها التي عزونا الحديث إليها وكذلك أورده ابن الأثير في " النهاية " وقال: " وفي رواية: " يا نعيان العرب ". يقال: نعى الميت ينعاه نعيا: إذا أذاع موته وأخبر به وإذا ندبه. قال الزمخشري: في (نعايا) ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون جمع (نعي) وهو المصدر كصفي وصفايا والثاني أن يكون اسم جمع كما جاء في أخية أخايا. والثالث: أن يكون جمع نعاء التي هي اسم الفعل. والمعنى: يا نعايا العرب جئن فهذا وقتكن وزمانكن يريد أن العرب قد هلكت. والنعيان مصدر بمعنى النعي وقيل إنه جمع ناع، كراع ورعيان. والمشهور في العربية أن العرب كانوا إذا مات منهم شريف أو قتل بعثوا راكبا إلى القبائل ينعاه إليهم، يقول: نعاء فلانا أو يا نعاء العرب أي: هلك فلان، أو هلكت العرب بموت فلان. فنعاء من نعيت مثل نظار ودراك. فقوله: نعاء فلانا معناه: انع فلانا كما تقول: دراك فلانا أي : أدركه، فأما قوله " يا نعاء العرب " مع حرف النداء، فالمنادى محذوف تقديره يا هذا انع العرب، أو يا هؤلاء انعوا العرب بموت فلان، كقوله

509

تعالى: * (ألا يا اسجدوا) * أي يا هؤلاء اسجدوا، فيمن قرأ بتخفيف ألا. 509 - " إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان ". أخرجه أبو داود (4690) والحاكم (1 / 22) من طريق سعيد ابن أبي مريم أنبأنا نافع بن يزيد حدثنا ابن الهاد أن سعيد بن أبي سعيد حدثنا أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا إلا في نافع فإنما أخرج له البخاري تعليقا، فهو على شرط مسلم وحده. ثم أخرجه الحاكم من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه ". لكن إسناده ضعيف وبيانه في " السلسلة الضعيفة (1274) . والحديث عزاه المنذري في " الترغيب " (3 / 191) للترمذي أيضا. وذلك من تساهله، فإنه عند الترمذي (2 / 104) معلق بدون سند. 510 - " من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين رجليه دخل الجنة ". أخرجه الترمذي (2 / 66) من طريق ابن عجلان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " هذا حديث حسن غريب وأبو حازم اسمه سلمان مولى عزة الأشجعية ". قلت: وهو ثقة محتج به في " الصحيحين " وكذلك سائر الرواة إلا ابن عجلان

واسمه محمد فأخرج له مسلم في " الشواهد " وهو حسن الحديث. وللحديث شاهد يرويه تميم بن يزيد مولى بني زمعة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ثم قال: فذكر نحوه. أخرجه أحمد (5 / 362) عن عثمان يعني ابن حكيم عنه ورجاله ثقات رجال مسلم غير تميم هذا وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه (1 / 1 / 442) بهذه الطريق ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وذكره كذلك ابن حبان في " الثقات " (1 / 5) لكنه ذكر أنس بن مالك بدل رجل له صحبة. ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحاكم (4 / 357) من الطريق الأولى عن أبي هريرة ومن طريق أبي واقد عن إسحاق مولى زائدة عن محمد ابن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حفظ ما بين لحييه ورجليه دخل الجنة ". وقال: " صحيح الإسناد وأبو واقد هو صالح بن محمد ". ووافقه الذهبي. قلت: صالح هذا قال الذهبي في " الميزان ": مقارب الحال، ثم ذكر أقوال الأئمة فيه وكلها متفقة على تضعيفه إلا قول أحمد الآتي وقد أورده في " الضعفاء " وقال: " قال أحمد: ما أرى به بأسا، وقال الدارقطني وجماعة ضعيف ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى.

511

511 - " كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا ". أخرجه أبو داود (4270) وابن حبان (51) والحاكم (4 / 351) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5 / 209 / 2) من طريق خالد بن دهقان قال: كنا في غزوة القسطنطينية بـ (ذلقية) فأقبل رجل من أهل فلسطين من أشرافهم وخيارهم يعرفون ذلك له يقال له هانئ بن كلثوم بن شريك الكناني فسلم على عبد الله بن أبي زكريا وكان يعرف له حقه قال لنا خالد: فحدثنا عبد الله ابن أبي زكريا قال: سمعت أم الدرداء تقول: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. والسياق لأبي داود وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي وهو كما قالا، فإن رجاله كلهم ثقات وقول الحافظ في خالد هذا: " مقبول " قصور منه فإنه ثقة وثقه ابن معين وغيره كما ذكر هو نفسه في " التهذيب ". وللحديث شاهد من حديث معاوية بن أبي سفيان مرفوعا به. أخرجه النسائي (2 / 163) والحاكم وأحمد (4 / 99) من طريق ثور عن أبي عون عن أبي إدريس قال: سمعت معاوية يخطب فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: أبو عون هذا لم يوثقه غير ابن حبان وقد ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 414 - 415) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

512

والحديث في ظاهره مخالف لقوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * لأن القتل دون الشرك قطعا فكيف لا يغفره الله وقد وفق المناوي تبعا لغيره بحمل الحديث على ما إذا استحل وإلا فهو تهويل وتغليظ. وخير منه قول السندي في حاشيته على النسائي: " وكأن المراد كل ذنب ترجى مغفرته ابتداء إلا قتل المؤمن، فإنه لا يغفر بلا سبق عقوبة وإلا الكفر، فإنه لا يغفر أصلا ولو حمل على القتل مستحلا لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر (يعني لأن الاستحلال كفر ولا فرق بين استحلال القتل أو غيره من الذنوب، إذ كل ذلك كفر) . ثم لابد من حمله على ما إذا لم يتب وإلا فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له كيف وقد يدخل القاتل والمقتول الجنة معا كما إذا قتله وهو كافر ثم آمن وقتل ". 512 - " يخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران وأذنان تسمعان ولسان ينطق يقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد وبكل من دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين ". أخرجه الترمذي (2 / 95) وأحمد (2 / 336) من طريق عبد العزيز ابن مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين . ثم قال الترمذي: " وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وروى أشعث بن سوار عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ". قلت: قد رواه فراس أيضا عن عطية عن أبي سعيد مثله إلا أنه قال: " وبمن قتل

513

نفسه بغير نفس " مكان " " وبالمصورين " وزاد: " فينطوي عليهم فيقذفهم في غمرات جهنم ". أخرجه أحمد (3 / 40) والبزار نحوه وقال: " فتنطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام " مكان زيادة أحمد كما في " الترغيب " (3 / 204) وقال: " وفي إسناديهما عطية العوفي ورواه الطبراني بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح وقد روي عن أبي سعيد من قوله موقوفا عليه ". قلت: وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها يرويه ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن القاسم بن محمد عنها مرفوعا نحوه إلا أنه قال: " ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب ". وزاد: " قال: فينطوي عليهم ويرمي بهم في غمرات جهنم ". أخرجه أحمد (6 / 110) . وابن لهيعة ضعيف. 513 - " يا عائشة إياك ومحقرات الأعمال (وفي لفظ: الذنوب) فإن لها من الله طالبا ". أخرجه الدارمي (2 / 303) وابن ماجه (4243) وابن حبان (2497) وأحمد (6 / 70، 151) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7 / 176 / 1) من طريق سعيد بن مسلم بن بانك قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني عوف بن الحارث بن الطفيل عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير ابن بانك بموحدة ونون مفتوحة وهو ثقة كما في " التقريب ". والحديث عزاه المنذري (3 / 212) للنسائي والظاهر أنه يعني السنن الكبرى له وإلا فلم أره في " المجتبى " له وهي الصغرى.

514

514 - " لو غفر لكم ما تأتون إلى البهائم لغفر لكم كثيرا ". أخرجه أحمد (6 / 441) : حدثنا هيثم بن خارجة قال: أنبأنا أبو الربيع سليمان بن عتبة السلمي عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات معرفون غير سليمان بن عتبة وهو الدمشقي الداراني مختلف فيه، فقال أحمد: لا أعرفه وقال ابن معين: لا شيء، وقال دحيم: ثقة، ووثقه أيضا أبو مسهر والهيثم ابن خارجة وهشام بن عمار وابن حبان ومع أن الموثقين أكثر، فإنهم دمشقيون مثل المترجم فهم أعرف به من غيرهم من الغرباء، والله أعلم. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له غرائب ". وقال عبد الله بن أحمد في زوائده على " المسند " (6 / 442) حدثني الهيثم بن خارجة عن أبي الربيع بهذه الأحاديث كلها إلا أنه أوقف منها حديث " لو غفر لكم ما تأتون ... " وقد حدثناه أبي عنه مرفوعا ". قلت: الأب أجل من الولد وأحفظ والكل حجة ولا بعد أن ينشط تارة فيرفع الحديث ولا ينشط أخرى فيوقفه. فالظاهر أن الهيثم حدث به أحمد مرفوعا

515

وحدث ابنه موقوفا، فحفظ كل ما سمع. فالحديث ثابت مرفوعا وموقوفا والرفع زيادة فهو المعتمد وهذا في رأيي خير من قول المنذري في " الترغيب " (3 / 212) : " رواه أحمد والبيهقي مرفوعا هكذا ورواه عبد الله في زياداته موقوفا على أبي الدرداء وإسناده أصح وهو أشبه ". كذا قال وهو من الغرائب، فإن إسناد الموقوف هو عين إسناد المرفوع وإنما الخلاف بين أحمد وابنه، فإذا كان لابد من الترجيح بين روايتيهما، فإن مما لا شك فيه أن رواية أحمد أرجح لأنه أحفظ كما سبق ولكني أرى أن لا مبرر لذلك مع إمكان الجمع الذي ذكرته. ومن العجيب أن المناوي نقل عن الهيثمي مثلما قال المنذري من الترجيح فكأنه قلده في ذلك. والله أعلم. ثم وجدت متابعا لأحمد أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 95 / 2) من طريق عباس بن محمد الدوري حدثنا الهيثم بن خارجة به مرفوعا. 515 - " من أدرك والديه أو أحدهما ثم دخل النار من بعد ذلك فأبعده الله وأسحقه ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 344، 5 / 29) عن شعبة عن قتادة قال: سمعت زرارة ابن أوفى يحدث عن أبي بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره وأخرجه الطيالسي (1321) : حدثنا شعبة به دون قوله: " وأسحقه ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بن مالك وهو صحابي عداده في أهل البصرة وقد اختلف في اسمه على أقوال رجح الحافظ هذا الذي في رواية قتادة هذه وقد خالفه ابن جدعان، فقال الطيالسي أيضا (1322) : حدثنا شعبة عن علي بن زيد أن زرارة يحدث عن رجل من قومه يقال له: مالك أو أبو مالك أو ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره بزيادة فيه دون الزيادة المتقدمة.

516

وكذلك رواه حماد ابن سلمة أنبأنا علي بن زيد عن زرارة إلا أنه قال : عن مالك بن عمرو القشيري. جزم بذلك ولم يشك. وابن جدعان ضعيف، فلا يحتج به لاسيما مع مخالفته لمثل قتادة وهو ثقة محتج به في " الصحيحين ". 516 - " رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد ". أخرجه الترمذي (1 / 346) وابن حبان (2026) والحسن بن سفيان في " الأربعين " (ق 69 / 2) من طريق خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم به. ثم أخرجه الترمذي من طريق محمد بن جعفر والبخاري في " الأدب المفرد " رقم (2) عن شعبة به موقوفا على ابن عمرو ولم يرفعه. وقال الترمذي: " وهذا أصح وهكذا روى أصحاب شعبة عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه غير خالد بن الحارث عن شعبة وخالد بن الحارث ثقة مأمون ". قلت: وقد احتج به الشيخان وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة ثبت " وقد وجدت له متابعين على رفعه: الأول: عبد الرحمن حدثنا شعبة به مرفوعا، أخرجه الحاكم (4 / 151 - 152) من طريقين عنه وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا وعبد الرحمن هو ابن مهدي وهو من هو في الثقة والحفظ والضبط. وأحد طريقيه عند الحاكم من رواية عبد الله بن أحمد عن أبيه عنه ولم أره في مسند أحمد. والله أعلم.

والآخر أبو إسحاق الفزازي عن شعبة به، أخرجه أبو الشيخ في " الفوائد " (ق 81 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 76 / 1) . وأبو إسحاق هذا هو إبراهيم بن محمد بن الحارث وهو إمام ثقة حافظ محتج به في " الصحيحين " أيضا. قلت: فهؤلاء ثلاثة من الثقات الأثبات اتفقوا على رواية الحديث عن شعبة مرفوعا فثبت الحديث بذلك وأن قول الترمذي: إن الموقوف أصح إنما هو باعتبار أنه لم يعلم أحدا رفعه غير خالد بن الحارث أما وقد وجدنا غيره قد رفعه، فالرفع أصح وذلك كله مصداق لقول من قال: كم ترك الأول للآخر. وله طريق أخرى عن يعلى بن عطاء. عند أبي نعيم في " الحلية " (6 / 215) ولكن لا أدري إذا كان وقع في إسناده تحريف أم لا.

517

517 - " سبحان الله! وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 371) : حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: " عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به جرح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا له طبيب بني فلان قال: فدعوه فجاء فقال: يا رسول الله ويغني الدواء شيئا؟ فقال ... ". فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم غير الرجل الأنصاري وهو صحابي كما هو الظاهر وجهالة الصحابي لا تضر، لاسيما وأصل الحديث مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه عنه جماعة من الصحابة منهم أنس ابن مالك وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر وأسامة بن شريك وعبد الله بن مسعود وصفوان ابن عسال وقد خرجت أحاديثهم وتكلمت على أسانيدها وجلها صحيح في " تخريج أحاديث الحلال والحرام " رقم (290) . وإنما أوردت هذا هنا لهذه الفائدة التي تفرد بها من بيان سبب ورود الحديث. والحمد لله على توفيقه. 518 - " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم، فعليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل الشجر ". أخرجه الطيالسي (368) : حدثنا المسعودي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (1 / 197) . ورجاله ثقات غير أن المسعودي كان اختلط قبل موته واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي لكنه قد توبع، فأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 49 / 1) من طريق زفر بن الهذيل عن أبي حنيفة عن قيس بن مسلم به . وهذه متابعة لا بأس بها وخالفهما يزيد بن أبي خالد فقال: عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. لم يذكر فيه عبد الله وهو ابن مسعود.

أخرجه أحمد (4 / 315) حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي خالد به. ويزيد هذا هو ابن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا وكان يدلس ". قلت فمثله لا يعارض روايتي المسعودي وأبي حنيفة فروايتهما أرجح ويؤيده ما أخرجه الحاكم (4 / 196) من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي حدثنا أبو زيد سعيد بن الربيع حدثنا شعبة عن الركين بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله مرفوعا بلفظ: " ما أنزل الله من داء إلا وقد أنزل له شفاء وفي ألبان البقر شفاء من كل داء ". وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وفيما قالاه نظر، فإن رجاله على شرط مسلم غير الرقاشي. ثم هو ضعيف الحفظ قال الحافظ: " صدوق يخطىء تغير حفظه ". قلت: فمثله يحتج به فيما وافق غيره أما فيما خالف أو تفرد فلا وقد تفرد هنا بقوله: " شفاء من كل داء. وقد رواه الربيع بن الركين عن إبراهيم بن مهاجر عن قيس بن مسلم به ولفظه: " تداووا بألبان البقر فإني أرجو أن يجعل الله فيها شفاء فإنها تأكل من الشجر ". أخرجه الطبراني (3 / 49 / 1) . والربيع بن الركين هو الربيع بن سهل بن الركين بن الربيع ابن عميلة الفزاري وهو ضعيف اتفاقا وهو حفيد الركين بن الربيع الذي في سند الحاكم وهو على

ضعفه فلفظ روايته أقرب إلى معنى لفظ المسعودي من تابعه الدالاني في رواية الرقاشي. وجملة القول: أن الصواب في إسناد الحديث أنه من مسند ابن مسعود لاتفاق الجميع عليه خلافا لأبي خالد الدالاني وفي متنه لفظ المسعودي لمتابعة من ذكرنا له خلافا للرقاشي. والله أعلم. ثم وجدت للمسعودي متابعا آخر فقال البغوي في حديث علي ابن الجعد (ق 97 / 1) : حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا أبو وكيع الجراح ابن مليح عن قيس بن مسلم به سندا ومتنا. وهذا سند جيد رجاله ثقات رجال مسلم وفي أبي وكيع ضعف يسير في حفظه، وقال الحافظ فيه: " صدوق يهم ". وأخرجه من طريق قيس عن قيس بن مسلم به مرسلا لم يذكر ابن مسعود وذكر فيه تلك الزيادة بلفظ: " هو دواء من كل داء ". وقيس هو ابن الربيع الأسدي وهو ضعيف أيضا لسوء حفظه. ثم أخرجه من طريق حجاج بن نصير حدثنا شعبة عن الربيع بن الركين ابن الربيع عن قيس بن مسلم مثل رواية الرقاشي سندا ومتنا وحجاج ابن نصير ضعيف.

519

519 - " إنه من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار ". أخرجه أحمد (6 / 159) : حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا محمد بن مهزم عن عبد الرحمن بن القاسم حدثنا القاسم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن مهزم وقد وثقه ابن معين وقال أبو حاتم: ليس به بأس وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 224) وتبعه الهيثمي في " المجمع " (8 / 153) : " رواه أحمد ورواته ثقات إلا أن عبد الرحمن بن القاسم لم يسمع من عائشة "! كذا قال وكأنه سقط من نسختهما من " المسند " قوله: " حدثنا القاسم " وهو ثابت في النسخة المطبوعة وهو صحيح فقد تابعه عبد الرحمن بن أبي بكر عن القاسم بن محمد به أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 434 - نسخة المكتب) وضعفه بعبد الرحمن هذا. لكن عبد الرحمن بن القاسم ثقة فمتابعته إياه تنفع ولا تضر وقد رأيت الحديث في " جزء " من رواية محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال (مجموع 107 - ظاهرية) : حدثنا إسحاق بن إبراهيم وأحمد الدورقي قالا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ... فساقه مثل أحمد تماما إلا أنه لم يسق من متنه إلا الجملة الأخيرة منه بلفظ: " حسن الخلق وحسن الجوار وصلة الرحم يزدن في الأعمار ويعمرن الديار ".

520

وللشطر الأول من الحديث شاهد من طريق ابن أبي مليكة عن يعلى ابن مملك عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير " . أخرجه أحمد (6 / 451) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 352 - طبع الهند) والترمذي (1 / 362) وقال: " حديث حسن صحيح ". كذا قال. ويعلى بن مملك قال الذهبي: " ما روى عنه سوى ابن أبي مليكة ". ومعنى هذا أنه مجهول ونحوه قول الحافظ: " مقبول ". ثم رأيت الحديث من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر أنه سمع القاسم بن محمد بن (أبي) بكر يقول: سمعت عمتي عائشة تقول ... الحديث دون قوله " وصلة الرحم ... " وزاد: " ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من خيري الدنيا والآخرة ". أخرجه أبو نعيم (9 / 159) وإسناده ضعيف من أجل عبد الرحمن هذا ولكن لعله لا بأس به في المتابعات، فقد قال الساجي: " صدوق فيه ضعف يحتمل ". 520 - " قال الله: أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته ". أخرجه أبو داود (1694) والترمذي (1 / 348) من طريق سفيان ابن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة قال:

" اشتكى أبو الرداد الليثي، فعاده عبد الرحمن بن عوف فقال: خيرهم وأوصلهم وما علمت أبا محمد؟ فقال عبد الرحمن: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. ثم أخرجاه من طريق معمر عن الزهري حدثني أبو سلمة أن الرداد الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعناه. وأخرجه أحمد (1 / 194) من هذه الطريق بلفظ سفيان وابن حبان (2033) بنحوه. وقال الترمذي: " حديث سفيان عن الزهري حديث صحيح ومعمر كذا يقول قال محمد: وحديث معمر خطأ ". وتعقبه المنذري بقوله (3 / 225) : " وفي تصحيح الترمذي له نظر، فإن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه شيئا، قاله يحيى بن معين وغيره ". قلت: الذي يبدو لي أن الترمذي لا يعني أن الحديث صحيح بالنظر إلى نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بالنسبة للزهري فقط يعني أن ما نسبه سفيان إليه من الحديث بالسند المذكور صحيح النسبة إليه بخلاف ما نسبه إليه معمر فهو خطأ، هذا الذي يتبادر إلى الذهن من النظر إلى جملة كلامه وذلك لا يعطي أن الحديث عنده صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. هذا أقوله تخريجا وتوجيها لكلام الترمذي. وإلا فالحديث صحيح عندي ولم يخطىء فيه معمر، بل إن سفيان هو الذي قصر في إسناده فصيره منقطعا. والدليل على ذلك أن معمرا قد توبع عليه، فقال الإمام أحمد عقب روايته السابقة وكأنه أشار إلى تقويتها: حدثنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري حدثني أبو سلمة ابن عبد الرحمن أن أبا الرداد الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. فهذه متابعة قوية لمعمر من شعيب بن أبي حمزة فإنه ثقة واحتج به

الشيخان بل هو من أثبت الناس في الزهري كما قال الحافظ في " التقريب ". ولذلك جزم في " التهذيب " بأن حديث معمر هو الصواب. ويؤيده أنه قد تابعه أيضا محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (53) . ومحمد هذا هو ابن عبد الله بن أبي عتيق: محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو حسن الحديث عن الزهري كما قال الذهلي. قلت: فهذان متابعان قويان لمعمر تشهدان لحديثه بالصحة، فكيف يصح الحكم عليه بالخطأ ولو من إمام المحدثين؟ ورحم الله مالكا إذ قال: " ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر ". يعني النبي صلى الله عليه وسلم. والخلاصة أن الصحيح في إسناد هذا الحديث أنه من رواية أبي سلمة أن الرداد أخبره عن عبد الرحمن بن عوف. فهو إسناد متصل غير منقطع. ولكن ذلك لا يجعله صحيحا لأن أبا الرداد هذا لا يعرف إلا بهذا الإسناد ولم يوثقه غير ابن حبان ولهذا قال الحافظ: " مقبول ". يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث. ولكنه قد توبع، فقال الإمام أحمد (1 / 191) : " حدثنا يزيد ابن هارون: أخبرنا هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن إبراهيم بن عبد الله ابن قارظ أن أباه حدثه أنه دخل على عبد الرحمن بن عوف وهو مريض، فقال له عبد الرحمن: وصلتك رحم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن قارظ والد إبراهيم، فلم أجد من ترجمه ولا ذكروه في شيوخ ابنه إبراهيم فكأنه غير مشهور وفي كلام ابن حجر ما يشعر بذلك، فإنه قال بعد أن صوب رواية معمر المتقدمة: " وللمتن متابع رواه أبو يعلى بسند صحيح من طريق عبد الله ابن قارظ عن عبد الرحمن بن عوف من غير ذكر أبي الرداد فيه ". وفاته أن هذه الطريق في مسند أحمد أيضا. وقد وجدت للحديث شاهدا قويا فقال الإمام أحمد (2 / 498) : حدثنا يزيد قال: وأنبأنا محمد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

521

قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنهما إنما أخرجا لمحمد وهو ابن عمرو بن علقمة الليثي المدني - متابعة وهو حسن الحديث كما قال الذهبي. وبذلك صح الحديث والحمد لله. وهو يدل على أن أبا سلمة كان له فيه إسنادان: الأول عن أبي الرداد عن عبد الرحمن كما تقدم والآخر هذا كما أن يزيد بن هارون له فيه إسنادان: أحدهما إسناده المتقدم عن الدستوائي عن ... عن ابن قارظ والآخر هذا. وهو من الأحاديث التي فاتت الحافظ الهيثمي فلم يورده في كتابه " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه لتفرد أحمد به عن الستة بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة. وأما ما أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 118 / 2) من طريق محمد بن يزيد البكري الجوزجاني أنبأنا أبو مطيع البلخي الحكم بن عبد الله أنبأنا شعبة عن سليمان الأعمش عن أبي ظبيان عن جرير مرفوعا بلفظ: " إن الله كتب في أم الكتاب قبل أن يخلق السماوات والأرض: أنا الرحمن الرحيم خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته ". قلت: فهذا ضعيف جدا من أجل البلخي، فقد ضعفوه واتهمه بعضهم بالكذب والوضع. والبكري هذا لم أعرفه. 521 - " انطلقوا بنا إلى البصير الذي في بني واقف نعوده. قال: وكان رجلا أعمى ". أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (ق 133 / 1) أنبأنا ابن عفان أنبأنا حسين الجعفي عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن عفان هذا وهو الحسن بن علي بن عفان العامري كما في موضع آخر من " المعجم " (135 / 2) وهو صدوق كما قال الحافظ في " التقريب " وقد توبع فأخرجه السلفي في " الطيوريات " (ق 174 / 1) من طريقين آخرين عن حسين بن علي الجعفي به. وقال:

" قال ابن صاعد: وقوله: عن جابر بن عبد الله وهم والصحيح عن محمد بن جبير بن مطعم ". ثم رواه السلفي من طريق ابن صاعد عن سعيد ابن عبد الرحمن وعبد الجبار بن العلاء: أنبأنا سفيان عن عمرو عن محمد بن جبير مرسلا به. قلت: وقال ابن وهب في " الجامع " (38) : وسمعت سفيان بن عيينة يحدث عن عمرو به. ثم رواه السلفي من طريق إبراهيم بن بشار أنبأنا سفيان بن عيينة أنبأنا عمرو بن دينار عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعا. فزاد في السند: " عن أبيه " فصيره مسندا عن جبير بن مطعم. وإبراهيم بن بشار هو الرمادي وهو ثقة حافظ وله أوهام كما في " التقريب " وقد تابعه محمد بن يونس الجمال كما في تاريخ بغداد (7 / 431) للخطيب وقال: " والمحفوظ عن محمد بن جبير فقط ". قلت: الأرجح عندي أنه عن جابر كما رواه الجعفي وهو ثقة محتج به في " الصحيحين ". ولم يتفرد به حتى يحكم عليه بالوهم، فقد أخرجه الخطيب من طريق الدارقطني: حدثنا محمد بن مخلد - ولم نسمعه إلا منه - حدثنا ابن علويه الصوفي الحسن بن منصور حدثنا سفيان بن عيينة به وقال الدارقطني: تفرد به ابن مخلد عن ابن علويه عن ابن عيينة وهو معروف برواية حسين الجعفي عن ابن عيينة ". قلت: وهذا إسناد صحيح كسابقه، الحسن بن منصور من شيوخ البخاري في " صحيحه " وابن مخلد وهو العطاء الدوري ثقة حافظ. فهي متابعة قوية لرواية الجعفي من الحسن بن منصور وإذا كان قد خالفهما سعيد بن عبد الرحمن وهو ابن حسان وعبد الجبار بن العلاء كما تقدم، فإن معهما من المرجحات ما ليس مع

522

مخالفيهما من ذلك أنهما من رجال " الصحيح " والآخران ليسا كذلك ومنه أن معهما زيادة وهي الوصل والزيادة من الثقة مقبولة فكيف من ثقتين؟ فإن قيل: فهلا رجحت بهذه الطريقة نفسها رواية إبراهيم بن بشار التي أسندها عن جبير بن مطعم؟ أقول: كنت أفعل ذلك لو أن الذي تابعه وهو محمد بن يونس الجمال كان ثقة أما وهو ضعيف كما في التقريب فتبقى روايته مرجوحة لتجردها عن المتابع القوي. ومع ذلك فإنه يمكن اعتبار روايته مرجحا آخر لرواية الجعفي والحسن بن منصور على ما خالفهما بجامع الاشتراك في إسناد الحديث ومخالفة من أرسله غاية ما في الأمر أنه وقع في روايته أن صحابي الحديث جبير بن مطعم وفي روايتهما: جابر بن عبد الله " فترجح روايتهما على روايته بالكثرة والثقة. والله أعلم. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 240) من رواية جبير ابن مطعم وقال: " رواه البزار بإسناد جيد "! وقد عرفت أن الأرجح من حديث جابر بن عبد الله. 522 - " إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عز وجل لكرم ضريبته وحسن خلقه ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 220) : حدثنا علي بن إسحاق حدثنا عبد الله أنبأنا بن لهيعة أخبرني الحارث بن يزيد عن ابن حجيرة الأكبر عن عبد الله ابن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ثم أخرجه (2 / 177) من طريقين آخرين صحيحين عن ابن لهيعة به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وابن لهيعة واسمه عبد الله وإن كان قد ساء حفظه إلا أن عبد الله هذا وهو ابن المبارك صحيح الحديث عنه لأنه

523

سمع منه قديما كما نبه على ذلك الحافظ عبد الغني ابن سعيد وغيره. ولم يتنبه لهذا المنذري في " الترغيب " (3 / 257) ثم الهيثمي في " المجمع " (8 / 22) فأعلاه بابن لهيعة! وعزاه الثاني منهما للطبراني أيضا في " الكبير " و " الأوسط " وقال: " وبقية رجاله رجال الصحيح ". والحديث أخرجه أيضا الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 9 / 60) عن ابن لهيعة . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة ". أخرجه الحاكم (1 / 60) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وأخرجه هو وغيره من حديث عائشة مرفوعا نحوه بلفظ: " درجات قائم الليل صائم النهار ". وقال أيضا: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وصححه ابن حبان (1927) . 523 - " يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق ". أخرجه أحمد (6 / 104) حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن شريك يعني ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: قلت: وهذا إسناد على شرط البخاري وفي شريك وهو ابن عبد الله ابن أبي نمر

524

كلام من قبل حفظه لكنه لم يتفرد بالحديث، فقال أحمد أيضا (6 / 71) : حدثنا هيثم بن خارجة قال: حدثنا حفص بن ميسرة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره إلا أنه قال: " أدخل عليهم الرفق ". وبهذا اللفظ أورده المنذري (3 / 262) من حديث عائشة وقال: " رواه أحمد والبزار من حديث جابر ورواتهما رواة الصحيح ". ونحوه في " مجمع الزوائد " (8 / 19) للهيثمي وإسناد أحمد الثاني صحيح على شرط البخاري. وسبب الحديث ما روى المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن البداوة فقالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع وإنه أراد البداوة مرة، فأرسل إلى ناقة مرحمة من إبل الصدقة فقال لي: يا عائشة ارفقي، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه ". 524 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبدو إلى هذه التلاع وإنه أراد البداوة مرة، فأرسل إلى ناقة محرمة من إبل الصدقة فقال لي: يا عائشة ارفقي، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه ولا نزع من شيء قط إلا شانه ". أخرجه أبو داود (2478) والسياق له وأحمد (6 / 58 / 222) من طريق شريك عن المقدام. وشريك سيء الحفظ لكن تابعه شعبة عند مسلم (8 / 22 - 23) والبخاري في " الأدب المفرد " (469 / 475) وأحمد (6 / 125 / 171) وإسرائيل عند أحمد (6 / 112 / 206) . 525 - " ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا ". أخرجه أبو داود (5212) والترمذي (2 / 121) وابن ماجه (3703) وأحمد (4 / 289 / 303) وابن عدي (31 / 1) من طريق الأجلح عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال الترمذي:

" حديث حسن غريب من حديث أبي إسحاق عن البراء وقد روي عن البراء من غير وجه والأجلح هو ابن عبد الله بن حجية بن عدي الكندي ". قلت: وهو مختلف فيه وهو حسن الحديث إن شاء الله لكن شيخه أبا إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي كان اختلط ولا أدري سمع منه قبل الاختلاط أم بعده ثم هو إلى ذلك مدلس وقد عنعنه. ومن طرقه التي أشار إليها الترمذي ما أخرجه أحمد (4 / 289) من طريق مالك عن أبي داود قال: " لقيت البراء بن عازب فسلم علي وأخذ بيدي وضحك في وجهي قال: تدري لم فعلت هذا بك؟ قال: قلت: لا أدري ولكن لا أراك فعلته إلا لخير قال: إنه لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل بي مثل الذي فعلت بك فسألني؟ فقلت مثل الذي قلت لي، فقال: ما من مسلمين يلتقيان فيسلم أحدهما على صاحبه ويأخذ بيده لا يأخذه إلا لله عز وجل لا يتفرقان حتى يغفر لهما ". ولكنه إسناد واه جدا أبو داود وهو الأعمى يسمى نفيع متروك كما قال الحافظ في " التقريب " وبه أعله المنذري في " الترغيب " (3 / 270) ثم الهيثمي في " المجمع " (8 / 37) وعزواه للطبراني فقط في " الأوسط "! ومنها ما عند أحمد (4 / 293) من طريق زهير عن أبي بلج يحيى ابن أبي سليم قال: حدثنا أبو الحكم على البصري عن أبي بحر عن البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيما مسلمين التقيا، فأخذ أحدهما بيد صاحبه، ثم حمد الله تفرقا ليس بينهما خطيئة ". قال ابن أبي حاتم عن أبيه (2 / 274) :

" قد جود زهير هذا الحديث ولا أعلم أحدا جوده كتجويد هذا. قلت لأبي: هو محفوظ؟ قال: زهير ثقة ". قلت: وزهير هو ابن معاوية وقد خولف في إسناده، فرواه هشيم عن أبي بلج عن زيد أبي الحكم العنزي عن البراء به نحوه. أخرجه أبو داود (5311) . ورجح الحافظ في " التعجيل " (ص 292 - 293) رواية هشيم لمتابعة أبي عوانة له ولم يذكر مصدرها. وعلى ذلك فعلة هذا الإسناد زيد هذا وهو ابن أبي الشعثاء أبو الحكم العنزي قال الذهبي: لا يعرف. وللحديث شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " ما من مسلمين التقيا فأخذ أحدهما بيد صاحبه إلا كان حقا على الله أن يحضر دعاءهما ولا يفرق بين أيديهما حتى يغفر لهما ". أخرجه أحمد (3 / 142) : حدثنا محمد بن بكر حدثنا ميمون المرائي حدثنا ميمون بن سياه عن أنس بن مالك. وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 270) : " رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورواة أحمد كلهم ثقات إلا ميمون المرائي وهذا الحديث مما أنكر عليه ". قلت: هو مترجم في " التهذيب " باسم " ميمون بن موسى المرئي وذكر في شيوخه ميمون بن سياه وفي الرواة عنه البرساني وهو محمد بن بكر لكن أخرجه الضياء في " المختارة " (ق 240 / 1 - 2) من طريق أحمد هكذا ومن طريق أبي يعلى ومحمد ابن إبراهيم الفسوي عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة حدثنا يوسف بن يعقوب السدوسي حدثنا ميمون بن عجلان عن ميمون بن سياه به. فسمى والد ميمون عجلان ولذلك قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 36) :

526

" رواه أحمد والبزار وأبو يعلى ورجال أحمد رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان، وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد ". قلت: وهذا اختلاف مشكل لم يتبين لي الراجح منه فإن الطريق إلى ميمون المرائي صحيح وكذلك إلى ميمون بن عجلان وقد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 239) ولم يذكر فيه أكثر مما يستفاد من إسناد أبي يعلى وقال " وسئل أبي عنه؟ فقال: شيخ ". فالله أعلم بالصواب من الروايتين. وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه وشاهده صحيح أو على الأقل حسن كما قال الترمذي. 526 - " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر ". ذكره المنذري في " الترغيب " (3 / 270) ثم الهيثمي في " المجمع " (8 / 36) من رواية الطبراني في " الأوسط " عن حذيفة، فقال الأول منهما: " ورواته لا أعلم فيهم مجروحا ". وقال الآخر: " ويعقوب بن محمد بن الطحلاء روى عنه غير واحد ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات ". قلت: وفي هذا الكلام غرابة، فإنه إنما يقال في الراوي: " روى عنه غير واحد ولم يضعفه أحد "، إذا كان مستورا غير معروف بتوثيق. وليس كذلك ابن طحلاء فقد وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وغيرهم واحتج به مسلم ولذلك فإني أخشى أن يكون يعقوب بن محمد هذا هو غير ابن الطحلاء. والله اعلم. وقد وجدت للحديث طريقا أخرى يتقوى بها، فقال عبد الله بن وهب في " الجامع "

(38 - 39) أخبرني ابن لهيعة عن الوليد ابن أبي الوليد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه سمع حذيفة بن اليمان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقيه فقال: يا حذيفة ناولني يدك فقبض يده، ثم الثانية، ثم الثالثة، فقال: ما يمنعك؟ فقال: إني جنب، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أنه إنما أخرج لابن لهيعة - واسمه عبد الله - مقرونا بغيره وهو صحيح الحديث إذا كان من رواية العبادلة عنه، كهذا على ما هو مقرر في ترجمته والوليد بن أبي الوليد هو أبو عثمان المدني مولى ابن عمر ويقال: مولى لآل عثمان قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 20) : " جعله البخاري اسمين، قال أبي: هو واحد. سئل أبو زرعة عنه؟ فقال ثقة " قلت: وهذا التوثيق مما فات الحافظ ابن حجر، فلم يذكره في ترجمة الوليد هذا من " التهذيب " ولم يحك فيه توثيقا سوى ابن حبان الذي أورده في " الثقات " (1 / 246) وهو متساهل في التوثيق معروف بذلك ولذلك لا يعتمده المحققون من العلماء وعلى هذا جرى الحافظ في " التقريب " فقال فيه: " لين الحديث ". وظني أنه لو وقف على توثيق أبي زرعة إياه لوثقه ولم يلينه. والله أعلم. والحديث أخرجه ابن شاهين أيضا في " الترغيب " (ق 310 / 2) عن الوليد بن أبي الوليد المديني عن يعقوب الحرقي عن حذيفة به. هكذا في مسودتي ليس فيها بيان الراوي عن الوليد هل هو ثقة أم لا وإن كان المفروض أن حذفه أو عدم ذكره يكون عادة لكونه ثقة وليس الأصل تحت يدي الآن، فإنه في المدينة المنورة وأنا أكتب هذا في دمشق (3 / 4 / 1387) ولذلك فإني لا أستطيع المقابلة بين هذا الإسناد وبين إسناد ابن وهب والترجيح بينهما. وللحديث طريق أخرى في " الجامع " ولكنها واهية، فقال (27) : أخبرني ابن

527

سمعان عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن حذيفة بن اليمان به نحوه. ورجاله ثقات غير ابن سمعان واسمه عبد الله بن زياد قال مالك وابن معين وغيرهما: كذاب. فالعمدة على الطريق الأولى وإنما ذكرت هذه للكشف عن حالها. وله شاهد من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة فأراد أن يصافحه فتنحى حذيفة ... الحديث نحوه. قال الهيثمي: " رواه البزار وفيه مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور ". 527 - " قد أقبل أهل اليمن وهم أرق قلوبا منكم (قال أنس) : وهم أول من جاء بالمصافحة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (967) وأحمد (3 / 212 - 251) من طرق عن حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك قال: " لما جاء أهل اليمن قال النبي صلى الله عليه وسلم ... ". والسياق للبخاري دون الزيادة وظاهره أن قوله: " وهم ... " من تمام الحديث المرفوع وعلى ذلك جرى الحافظ في " الفتح " (11 / 46) فقال بعد أن عزاه للبخاري: " بسند صحيح من طريق حميد ... " وفي " جامع ابن وهب من هذا الوجه: وكانوا أول من أظهر المصافحة ".

528

ثم لم ينبه على أن هذه الزيادة مدرجة فيه وأنها من قول أنس رضي الله عنه كما تدل عليه الزيادة بين المعكوفتين وهي عند أحمد في رواية: حدثنا عفان حدثنا حماد به. والسند صحيح على شرط مسلم وحميد قد صرح بالتحديث في رواية يحيى بن أيوب عنه قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقدم عليكم غدا أقوام هم أرق قلوبا للإسلام منكم ". قال: فقدم الأشعريون، فيهم أبو موسى الأشعري، فلما دنوا من المدينة جعلوا يرتجزون يقولون: غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه. فلما أن قدموا تصافحوا، فكانوا هم أول من أحدث المصافحة " أخرجه أحمد (3 / 155، 223) . قلت: وإسناده صحيح أيضا على شرط مسلم. 528 - " لا تلعن الريح فإنها مأمورة وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه ". أخرجه أبو داود (4708) : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا أبان الحديث وحدثنا زيد بن أخزم الطائي حدثنا بشر بن عمر حدثنا أبان بن يزيد العطار حدثنا قتادة عن أبي العالية - قال زيد: عن ابن عباس - " أن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وأخرجه الترمذي (1 / 357) حدثنا زيد بن أخزم الطائي البصري به وأخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 175 - 176) من طريق أخرى عن يزيد به وأخرجه ابن حبان (1988) والبيهقي في " الشعب " (2 / 102 / 1) من طريق أبي

529

قدامة حدثنا بشر بن عمر به. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعلم أحدا أسنده غير بشر بن عمر ". قال المنذري عقبه في " الترغيب " (3 / 288 - 289) : " وبشر هذا ثقة احتج به البخاري ومسلم وغيرهما ولا أعلم فيه جرحا ". وأخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (59 / 200 / 1) . 529 - " إني لا أصافح النساء إنما قولي لمائة امرأة كقولي لامرأة واحدة ". أخرجه مالك (2 / 982 / 2) وعند النسائي في " عشرة النساء " من " السنن الكبرى " له (2 / 93 / 2) وكذا ابن حبان (14) وأحمد (6 / 357) عن محمد ابن المنكدر عن أميمة بنت رقيقة أنها قالت: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة نبايعه على الإسلام، فقلن: يا رسول الله نبايعك على أن لا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا نأتي ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيك في معروف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فيما استطعتن وأطقتن قالت: فقلن: الله ورسوله أرحم بنا من أنفسنا هلم نبايعك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه النسائي في " المجتبى " (2 / 184) والترمذي (1 / 302) وابن ماجه (2874) وأحمد والحميدي في مسنده (341) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر به إلا أن الحميدي والترمذي اختصراه وزاد هذا بعد قوله: " هلم نبايعك ": " قال سفيان: تعني صافحنا ". وهي عند أحمد بلفظ: " قلنا يا رسول الله ألا تصافحنا؟ ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

قلت: وإسناده صحيح. وتابعهما محمد بن إسحاق: حدثني محمد ابن المنكدر به وزاد في آخره: " قالت: ولم يصافح رسول الله صلى الله عليه وسلم منا امرأة " . أخرجه أحمد والحاكم (4 / 71) بسند حسن. وله شاهد من حديث أسماء بنت يزيد مثله مختصرا. أخرجه الحميدي (368) وأحمد (6 / 454، 459) والدولابي في " الكنى " (2 / 128) وابن عبد البر في " التمهيد " (3 / 24 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 293) من طريق شهر بن حوشب عنها. وفيه عند أحمد: " فقالت له أسماء: ألا تحسر لنا عن يدك يا رسول الله؟ فقال لها إني لست أصافح النساء ". وشهر ضعيف من قبل حفظه وهذه الزيادة تشعر بأن النساء كن يأخذن بيده صلى الله عليه وسلم عند المبايعة من فوق ثوبه صلى الله عليه وسلم، وقد روي في ذلك بعض الروايات الأخرى ولكنها مراسيل كلها ذكرها الحافظ في " الفتح " (8 / 488) ، فلا يحتج بشيء منها لاسيما وقد خالفت ما هو أصح منها كذا الحديث والآتي بعده وكحديث عائشة في مبايعته صلى الله عليه وسلم للنساء قالت: " ولا والله ما مست يده صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط في المبايعة ما بايعهن إلا بقوله: قد بايعتك على ذلك " . أخرجه البخاري. وأما قول أم عطية رضي الله عنها:

" بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ علينا أن لا يشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة، فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدتني فلانة.... ". الحديث أخرجه البخاري فليس صريحا في أن النساء كن يصافحنه صلى الله عليه وسلم فلا يرد بمثله النص الصريح من قوله صلى الله عليه وسلم هذا وفعله أيضا الذي روته أميمة بنت رقيقة وعائشة وابن عمر كما يأتي. قال الحافظ: " وكأن عائشة أشارت بذلك إلى الرد على ما جاء عن أم عطية، فعند ابن خزيمة وابن حبان والبزار والطبري وابن مردويه من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن عن جدته أم عطية في قصة المبايعة، قال: فمد يده من خارج البيت ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم أشهد. وكذا الحديث الذي بعده حيث قالت فيه " قبضت منا امرأة يدها، فإنه يشعر بأنهن كن يبايعنه بأيديهن. ويمكن الجواب عن الأول بأن مد الأيدي من وراء الحجاب إشارة إلى وقوع المبايعة وإن لم تقع مصافحة. وعن الثاني بأن المراد بقبض اليد التأخر عن القبول، أو كانت المبايعة تقع بحائل، فقد روى أبو داود في " المراسيل " عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بايع النساء أتى ببرد قطري فوضعه على يده وقال: لا أصافح النساء.... ". ثم ذكر بقية الأحاديث بمعناه وكلها مراسيل لا تقوم الحجة بها. وما ذكره من الجواب عن حديثي أم عطية هو العمدة على أن حديثها من طريق إسماعيل بن عبد الرحمن ليس بالقوي لأن إسماعيل هذا ليس بالمشهور وإنما يستشهد به كما بينته في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 26 طبع المكتب الإسلامي) . وجملة القول أنه لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صافح امرأة قط حتى ولا في المبايعة فضلا عن المصافحة عند الملاقاة، فاحتجاج البعض لجوازها بحديث أم عطية الذي ذكرته مع أن المصافحة لم تذكر فيه وإعراضه عن الأحاديث الصريحة في تنزهه صلى الله عليه وسلم عن المصافحة لأمر لا يصدر من مؤمن مخلص، لاسيما وهناك الوعيد الشديد فيمن

يمس امرأة لا تحل له كما تقدم في الحديث (229) . ويشهد لحديث أميمة بنت رقيقة الحديث الآتي. وبعد كتابة ما تقدم رأيت إسحاق بن منصور المروزي قال في " مسائل أحمد وإسحاق " (211 / 1) : " قلت (يعني لأحمد) : تكره مصافحة النساء قال: أكرهه. قال إسحاق: كما قال، عجوز كانت أو غير عجوز إنما بايعهن النبي صلى الله عليه وسلم على يده الثوب ". ثم رأيت في " المستدرك " (2 / 486) من طريق إسماعيل بن أبي أويس حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن ابن عجلان عن أبيه عن فاطمة بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس. " أن أبا حذيفة بن عتبة رضي الله عنه أتى بها وبهند بنت عتبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تبايعه، فقالت: أخذ علينا، فشرط علينا، قالت: قلت له: يا ابن عم هل علمت في قومك من هذه العاهات أو الهنات شيئا؟ قال أبو حذيفة: إيها فبايعنه، فإن بهذا يبايع، وهكذا يشترط. فقالت: هند: لا أبايعك على السرقة إني أسرق من مال زوجي فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده وكفت يدها حتى أرسل إلى أبي سفيان، فتحلل لها منه، فقال أبو سفيان: أما الرطب فنعم وأما اليابس فلا ولا نعمة! قالت: فبايعناه ثم قالت فاطمة: ما كانت قبة أبغض إلي من قبتك ولا أحب أن يبيحها الله وما فيها وو الله ما من قبة أحب إلي أن يعمرها الله يبارك وفيها من قبتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأيضا والله لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده ". قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وإسناده حسن وفي محمد بن عجلان وإسماعيل بن أبي أويس كلام لا يضر إن شاء الله تعالى.

530

وهذا الحديث يؤيد أن المبايعة كانت تقع بينه صلى الله عليه وسلم وبين النساء بمد الأيدي كما تقدم عن الحافظ لا بالمصافحة، إذ لو وقعت لذكرها الراوي كما هو ظاهر. فلا اختلاف بينه أيضا وبين حديث الباب والحديث الآتي. 530 - " كان لا يصافح النساء في البيعة ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 213) حدثنا عتاب بن زياد أنبأنا عبد الله أنبأنا أسامة بن زيد حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان.... قلت: وهذا إسناد حسن على ما تقرر عند العلماء من الاحتجاج بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كأحمد والحميدي والبخاري والترمذي وغيرهم ومن دونه ثقات. وعبد الله هو ابن المبارك. 531 - " قال الله عز وجل: يؤذيني ابن آدم يقول: يا خيبة الدهر (وفي رواية: يسب الدهر) فلا يقولن أحدكم: يا خيبة الدهر، فإني أنا الدهر: أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما ". أخرجه البخاري (3 / 330، 4 / 478) ومسلم (7 / 45) والسياق له وأبو داود (5274) وأحمد (2 / 138، 272، 275) من طرق عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. واستدركه الحاكم (2 / 453) من هذا الوجه واللفظ وقال: " صحيح على شرطهما ولم يخرجاه هكذا ". ووافقه الذهبي، فوهما في الاستدراك على مسلم وقد أخرجه كما ترى واغتر به المنذري فأورده في " الترغيب " بهذا اللفظ وقال (3 / 290) : " رواه أبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ".

وفي هذا الكلام على قلته ثلاث مؤاخذات: الأولى: لم يعزه لمسلم وهو عنده بهذا التمام كما رأيت. الثانية: عزاه لأبي داود وهو عنده مختصر ليس فيه " يقول يا خيبة الدهر " وإنما عنده الرواية الأخرى وهي رواية للشيخين وكذا ليس عنده " فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر ". الثالثة: أنه قال: إن الحاكم صححه على شرط مسلم والواقع أنه إنما صححه على شرط الشيخين. وهو الصواب الموافق لحال الإسناد. معنى الحديث: قال المنذري: " ومعنى الحديث أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته مصيبة أو مكروه يسب الدهر اعتقادا منهم أن الذي أصابه فعل الدهر كما كانت العرب تستمطر بالأنواء وتقول: مطرنا بنوء كذا اعتقادا أن ذلك فعل الأنواء، فكان هذا كاللاعن للفاعل ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وكان (محمد) ابن داود ينكر رواية أهل الحديث " وأنا الدهر " بضم الراء ويقول: لو كان كذلك كان الدهر اسما من أسماء الله عز وجل وكان يرويه " وأنا الدهر أقلب الليل والنهار "، بفتح راء الدهر على النظر في معناه: أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار. ورجح هذا بعضهم ورواية من قال: " فإن الله هو الدهر " يرد هذا. والجمهور

532

على ضم الراء. والله أعلم ". وللحديث طريق أخرى بلفظ آخر وهو: " لا تسبوا الدهر، فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك ". 532 - " لا تسبوا الدهر، فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر: الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتي بملوك بعد ملوك ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 496) : حدثنا ابن نمير حدثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن ذكوان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم وفي هشام ابن سعد كلام لا يضر. والحديث عزاه المنذري (3 / 290) للبيهقي وحده فقصر! وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 71) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ". 533 - " لما عرج بي ربي عز وجل مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 224) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان حدثني راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. وأخرجه أبو داود (4878) : حدثنا ابن المصفى حدثنا بقية وأبو المغيرة قالا: حدثنا صفوان به. قال أبو داود حدثناه يحيى بن عثمان عن بقية ليس فيه أنس. حدثنا عيسى بن أبي عيسى السليحيني عن أبي المغيرة كما قال ابن المصفى. قلت: والموصول من طريق بقية هو الصواب لأنه رواية الأكثر عنه ولأنه الموافق لرواية أبي المغيرة وهو أوثق منه واسمه عبد القدوس ابن الحجاج الخولاني

534

الحمصي ثقة من رجال الشيخين ومن فوقه ثقات من رجال مسلم خلا راشد بن سعد ومع كونه ليس من رجال مسلم - على ثقته - فهو متابع فالسند من طريق عبد الرحمن بن جبير - وهو ابن نفير - صحيح على شرط مسلم. والداعي إلى تحرير هذا أنني رأيت المنذري قال في تخريجه للحديث من كتابه " الترغيب " (3 / 300) : " رواه أبو داود وذكر أن بعضهم رواه مرسلا ". فخشيت أن يتوهم من لا علم عنده بإسناد هذا الحديث، أن رواية البعض إياه مرسلا مما يعل به الحديث، فأحببت الكشف عن أن هذا البعض إنما هو بقية وأنه لم يتفق الرواة عنه على روايته مرسلا بل الأكثر عنه على وصله وأنه هو الصواب لموافقته لرواية أبي المغيرة التي لم يختلف عليه فيها. والله الموفق. ثم الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصمت " (4 / 34 / 1) : حدثنا حسين بن مهدي حدثنا عبد القدوس أبو المغيرة به. 534 - " أكثر خطايا ابن آدم في لسانه ". أخرجه الطبراني (3 / 78 / 1 - 2) وأبو الشيخ في " أحاديثه " (10 / 2) وابن عساكر (15 / 389 / 1) من طريق أبي بكر النهشلي عن الأعمش عن شقيق قال: " لبى عبد الله رضي الله عنه على الصفا، ثم قال: يا لسان قل خيرا تغنم اسكت تسلم من قبل أن تندم قالوا: يا أبا عبد الرحمن هذا شيء أنت تقوله أم سمعته؟ قال: لا بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ". فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم. وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 8) : " رواه الطبراني ورواته رواة الصحيح وأبو الشيخ في " الثواب " والبيهقي بإسناد حسن ".

535

535 - " ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدته ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 4) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (7) وابن أبي الدنيا في " الورع " (ق 165 / 2) وأبو بكر ابن النقور في الجزء الأول من " الفوائد الحسان " (133 / 1) وأبو نعيم في " الرواة عن سعيد ابن منصور " (209 / 1 - 2) والبيهقي في " الشعب " (9 / 65 / 2) عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن أبيه. " أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر رضي الله عنهما وهو يمد لسانه، فقال : ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ فقال: هذا أوردني الموارد إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ". فذكره. وقال ابن النقور: " تفرد بهذا الحديث أبو أسامة زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب، مخرج عنه في " الصحيحين "، رواه عن أبيه أبي خالد أسلم وهو من سبي اليمن يقال: كان بجاويا حديثه عند البخاري وحده واختلف عن زيد فرواه هشام بن سعد ومحمد بن عجلان وداود بن قيس وعبد الله بن عمر العمري كرواية عبد العزيز التي رويناها ورواه سفيان الثوري عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي بكر وقال فيه: " إن أسلم قال: رأيت أبا بكر ". وقيل: إن هذا وهم من الثوري ورواه سعيد بن الخميس عن زيد عن عمر عن أبي بكر لم يذكر فيه أسلم، والصحيح من ذلك رواية عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي ومن تابعه عن زيد عن أبيه عن عمر عن أبي بكر كما أوردناه. والله أعلم ". قلت: فالحديث صحيح الإسناد على شرط البخاري، فإن الدراوردي ثقة وإن كان من أفراد مسلم فقد تابعه الجماعة الذين ذكرهم ابن النقور، فالحديث عن زيد بن أسلم صحيح مشهور. وقد تابعه أيضا مالك، فأخرجه في " الموطأ " (2 / 988 / 12) عن زيد بن أسلم به دون الحديث المرفوع

536

والحديث نقل السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 527 / 2 - مصورة المكتب) عن الحافظ ابن كثير أنه قال: " إسناده جيد ". 536 - " من صمت نجا ". أخرجه الترمذي (2 / 82) والدارمي (2 / 299) وأحمد (2 / 159، 177) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 26 / 2) من طرق عن ابن لهيعة عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ". قلت: يعني أنه حديث ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة الذي عرف به لكن رواه عنه بعض العبادلة الذين حديثهم عنه صحيح عند المحققين من أهل العلم منهم عبد الله بن المبارك فقال في " كتاب الزهد " (ق 172 / 1 كواكب 575 ورقم 5، 38 - طبع الهند) : أنبأنا عبد الله بن لهيعة به. ومنهم عبد الله بن وهب، فرواه في " الجامع " (49) عنه. وأخرجه ابن شاهين في " الترغيب " (ق 107 / 1) من طريق ابن وهب عنه به لكنه قرن معه عمرو بن الحارث وهو ثقة ولعل الطبراني أخرجه من هذه الطريق فقد قال المنذري (4 / 9) : " رواه الترمذي وقال: حديث غريب والطبراني ورواته ثقات ". ونقل المناوي عن الزين العراقي أنه قال: " سند الترمذي ضعيف وهو عند الطبراني بسند جيد ".

537

537 - " يا عائشة إياك والفحش إياك والفحش، فإن الفحش لو كان رجلا لكان رجل سوء ". رواه العقيلي في " الضعفاء " (259) عن عبد الجبار بن الورد قال: سمعت ابن أبي مليكة يقول: قالت عائشة: فذكره مرفوعا. وقال: " عبد الجبار قال البخاري: يخالف في بعض حديثه "، وقد روى هذا بغير هذا الإسناد بأصلح من هذا وبألفاظ مختلفة في معنى الفحش ". قلت: وقول البخاري هذا جرح لين لا ينهض عندي لاسقاط حديث عبد الجبار هذا فقد وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو داود وغيرهم وقال ابن عدي: " لا بأس به يكتب حديثه "، وقال السلمي عن الدارقطني: " لين ". قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن وبقية رجال الإسناد ثقات فالحديث عندي ثابت حسن على أقل الدرجات.

538

538 - " ما من آدمي إلا في رأسه حكمة بيد ملك، فإذا تواضع قيل للملك: ارفع حكمته وإذا تكبر قيل للملك: ضع حكمته ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 182 / 1) من طريق سلام أبي المنذر عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وفيه ضعف من قبل حفظه وبعضهم يجود حديثه أو يحسنه. فقد أخرج له الحاكم (2 / 591) حديثا آخر بهذا السند ساكتا عليه، وقال الذهبي: " إسناده جيد "! وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 82) وقد ذكره عن ابن عباس: " رواه الطبراني وإسناده حسن " . وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 16) : " رواه الطبراني والبزار بنحوه من حديث أبي هريرة وإسنادهما حسن "! كذا قال وفيه نظر يعرف بعضه مما سبق وحديث ابن عباس خير إسنادا من حديث أبي هريرة فإن مدارهما على ابن جدعان غير أن الأول يرويه عنه سلام أبو المنذر وأما الآخر فرواه المنهال بن خليفة عنه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (427) وابن عدي في " الكامل " (322 / 2) والضياء في " المنتقى " من مسموعاته بمرو " (ق 142 / 1) وقال العقيلي:

" منهال بن خليفة قال يحيى: ضعيف وقال البخاري: " فيه نظر " ولا يتابع عليه إلا من طريق تقاربه وإنما يروى هذا مرسلا ". قلت: وكأنه يشير إلى الطريق الأولى وهي خير من هذه كما ترى، فإن سلاما موثق عند جماعة وهو حسن الحديث بخلاف المنهال، فإن الجمهور على تضعيفه بل البخاري ضعفه جدا بقوله المتقدم. وأما المرسل الذي أشار إليه، فلم أقف عليه وإنما وجدت له شاهدا موصولا من حديث أنس وله عنه طريقان: الأول: عن علي بن الحسن الشامي عن خليد بن دعلج عن قتادة عن أنس مرفوعا. أخرجه ابن عساكر في " مدح التواضع " (ق 89 / 1 / 2) وقال: هذا حديث حسن غريب تفرد به علي بن الحسن عن خليد بن دعلج وقد روى عن أنس من وجه آخر ". قلت: أنى له الحسن وعلي بن الحسن هذا متهم، قال ابن حبان: " لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب " وقال ابن عدي بعد أن أورد له عدة أحاديث: " كلها ليست محفوظة وهي بواطيل هي وجميع حديثه هو ضعيف جدا ". وقال الدارقطني: " يكذب يروي عن الثقات بواطيل " وقال الحاكم: " روى أحاديث موضوعة ". قلت: فمثله لا يستشهد بحديثه فضلا عن أن يحتج به أو يحسن حديثه. ثم ساق ابن عساكر من الوجه الآخر وهو من طريق الزبير بن بكار: حدثنا أبو

539

ضمرة - يعني أنس بن عياض الليثي حدثنا عبيد الله بن عمر عن واقد بن سلامة عن الرقاشي يزيد عن أنس مرفوعا نحوه. وأخرجه الدامغاني الفقيه في " الأحاديث والأخبار " (1 / 111 / 2) من طريق أخرى عن أبي ضمرة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، يزيد وهو ابن أبان ضعيف ووافد ابن سلامة أورده البخاري والعقيلي وابن الجارود في " الضعفاء " وقال أبو محمد بن أبي حاتم عن أبيه (4 / 2 / 50) : " هو يروي عن الرقاشي فما يقال فيه؟ ! قال أبو محمد: يعني أن الرقاشي ليس بقوي، فما وجد في حديثه من الإنكار يحتمل أن يكون من يزيد الرقاشي ". قلت: هو رجل صالح متعبد وقد بين الساجي سبب تضعيفه فقال: كان يهم ولا يحفظ ويحمل حديثه لصدقه وصلاحه. وقال ابن عدي له: أحاديث صالحة عن أنس وغيره وأرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه. قلت: فمثله قد يستشهد به، فإذا انضم إليه المرسل الذي أشار إليه العقيلي صلحا للاستشهاد بهما وبذلك يرتقي الحديث إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى. 539 - " إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة أن يقال له: ألم أصح لك جسمك وأروك من الماء البارد؟ ". أخرجه الترمذي (2 / 240) وابن حبان (2585) والحاكم (4 / 138) وفي " علوم الحديث " (187) وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 31) وابن معين في " التاريخ والعلل " (4 / 2) والخرائطي في " فضيلة الشكر " (ق 132 / 2) وتمام في

540

" الفوائد " (36 / 1) وابن بشران في " الأمالي " (18 / 5 / 1) وابن شاذان الأزجي في " الفوائد " (2 / 102 / 1) والرامهرمزي في " الفاصل " (ص 137) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 20 / 1، 8 / 203 / 1) والضياء في " المنتقى من مسموعاته " (ق 59 / 1) وكذا أبو القاسم بن أبي القعنب في " حديث القاسم بن الأشيب " (ق 7 / 2) كلهم من طريق عبد الله بن العلاء بن زبر قال: سمعت الضحاك بن عرزب يحدث عن أبي هريرة مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأما الترمذي فقال: " حديث غريب. والضحاك هو ابن عبد الرحمن بن عرزب ويقال ابن عرزم أصح ". ولا أدري لماذا استغربه الترمذي واستغرابه يعني التضعيف غالبا مع أن رجاله كلهم ثقات، فالسند صحيح كما قال الذهبي تبعا للحاكم. 540 - " إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها، يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب ". أخرجه أحمد (2 / 378 - 379) : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر بن مضر عن يزيد ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (8 / 223 - 224) بهذا الإسناد إلا أنه قال: " عيسى ابن طلحة " مكان " أبي سلمة ". ولعله أصح فقد تابعه ابن أبي حازم عن يزيد عنه به. أخرجه البخاري (4 / 255) والزيادة له

وتابعه أيضا الدراوردي عنه به أخرجه مسلم وتابعه محمد بن إسحاق : حدثني محمد ابن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي سلمة به. ولفظه: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا يهوي بها سبعين خريفا في النار ". أخرجه أحمد (2 / 236) والترمذي (2 / 51) وقال: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". وله شاهد من طريق أخرى أخرجه أحمد (2 / 355 / 533) من طريق جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الرجل ليتكلم بالكلمة وما يرى أنها تبلغ حيث بلغت يهوي بها في النار سبعين خريفا ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحسن مدلس وقد قيل: إنه لم يسمع من أبي هريرة. وأخرجه أحمد أيضا (2 / 402) من طريق الزبير بن سعيد قال: وحدث صفوان بن سليم أيضا عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بنحوه إلا أنه قال: ".... بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها من أبعد من الثريا ". والزبير هذا لين الحديث كما في " التقريب ". وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة وفي أوله زيادة إلا أن في سندها ضعفا. والصواب فيها الوقف كما حققته في الكتاب الآخر (1299) .

541

541 - " قال الله عز وجل: الكبرياء ردائي والعزة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما ألقيه في النار ". أخرجه أحمد (2 / 248) : حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن الأغر عن أبي هريرة - قال سفيان أول مرة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أعاده فقال: الأغر عن أبي هريرة - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيح وسفيان هو ابن عيينة وهو وإن كان سمع من عطاء بعد اختلاطه، فقد تابعه سفيان الثوري وقد سمع منه قبل الاختلاط فقال أحمد أيضا (2 / 376) : حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا سفيان عن عطاء بن السائب به. إلا أنه قال: " والعظمة " بدل " والعزة ". وكذلك أخرجه أبو داود (4090) وابن ماجه (4174) وأحمد أيضا (2 / 414، 427، 442) والضياء في " المختارة " (61 / 246 / 1) من طرق أخرى عن عطاء به. وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (49 - موارد) وابن ماجه أيضا (4175) والواحدي في " تفسيره " (4 / 61 / 2) من طريقين آخرين عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا به. فهذا إسناد آخر لعطاء ولعله من تخاليطه. ويرجح اللفظ الأول أمران: الأول: أن أبا إسحاق - وهو السبيعي - رواه عن أبي مسلم الأغر حدثه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن نازعني بشيء منهما عذبته ". أخرجه مسلم في " صحيحه " (8 / 35 - 36) والبخاري في " الأدب المفرد " (552) واللفظ له.

والآخر: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: " فإن رداءه الكبرياء وإزاره العزة ... ". أخرجه أحمد وغيره في حديث لفضالة بن عبيد، وهو الآتي بعد هذا. (تنبيه) أورد المنذري هذا الحديث في " الترغيب " (4 / 16) من رواية مسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: العز إزاري والكبرياء ردائي ... وهذا مخالف لما في " مسلم " وكذا البخاري كما ترى، ثم قال: " ورواه البرقاني في " مستخرجه " من الطريق الذي أخرجه مسلم ولفظه ... فذكره باللفظ الذي عزاه لمسلم إلا أن تمامه بلفظ البخاري ، ولفظ مسلم مختصر: " فمن ينازعني عذبته ". وبلفظ البرقاني أورده السيوطي في " الجامع الصغير " وعزاه لسمويه. وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عز وجل قال: " الكبرياء ردائي، فمن نازعني ردائي قصمته ". أخرجه الحاكم (1 / 61) من طريق سهل بن بكار حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عنه وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

542

542 - " ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعة وعصى إمامه ومات عاصيا، وأمة أو عبد أبق فمات، وامرأة غاب عنها زوجها قد كفاها مؤنة الدنيا فتبرجت بعده، فلا تسأل عنهم. وثلاثة لا تسأل عنهم: رجل نازع الله عز وجل رداءه، فإن رداءه الكبرياء وإزاره العزة، ورجل شك في أمر الله والقنوط من رحمة الله ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (590) وابن حبان (50) والحاكم (1 / 119) - دون الشطر الثاني - وأحمد (6 / 19) وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 89) وابن عساكر في " مدح التواضع وذم الكبر " (5 / 88 / 1) من طريق حيوة بن شريح: حدثني أبو هاني أن أبا علي عمرو بن مالك الجنبي حدثه عن فضالة ابن عبيد مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته ولم يخرجاه ولا أعرف له علة "، ووافقه الذهبي! قلت: وقد وهما في بعض ما قالا، فإن أبا علي الجنبي لم يخرج له الشيخان في " صحيحيهما " وأبو هاني واسمه حميد بن هاني لم يخرج له البخاري. وقال ابن عساكر: " حديث حسن غريب تفرد به أبو هاني ورجال إسناده ثقات ". 543 - " من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (549) والحاكم (1 / 60) وأحمد (2 / 118) من طرق عن يونس بن القاسم أبي عمر اليمامي قال: حدثنا عكرمة بن خالد

544

قال: سمعت ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووقع في " التلخيص ": " على شرط مسلم " وكذا نقل المنذري في " الترغيب " (4 / 20) عن الحاكم وكل ذلك وهم فإنه على شرط البخاري فقط لأن يونس بن القاسم لم يخرج له مسلم. والحديث قال المنذري: " رواه الطبراني في " الكبير " ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". 544 - " آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ". رواه البغوي في " شرح السنة " (3 / 187 / 2) من طريق أبي الشيخ عن عبيد الله ابن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله كل جعلني الله فداك متكئا فإنه أهون عليك، فأحنى رأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض وقال: بل آكل ... قلت: وهذا إسناد ضعيف عبيد الله بن الوليد وهو الوصافي قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف لكنه قد توبع، فأخرجه ابن سعد (1 / 1 / 281) من طريق أبي معشر عن سعيد المقبري عنها مرفوعا به في حديث خرجته في " الضعيفة " (2045) . وأبو معشر اسمه نجيح وهو ضعيف أيضا. والحديث قال الهيثمي (9 / 19) : " رواه أبو يعلى وإسناده حسن ". وله شاهد معضل أخرجه ابن سعد (1 / 371) عن يحيى بن أبي كثير مرفوعا به. ورجاله ثقات. ورواه البيهقي أيضا كما في " الفيض " للمناوي وقال:

545

" ورواه هناد عن عمرو بن مرة ... ولتعدد هذه الطرق رمز المؤلف لحسنه ". قلت: بل هو صحيح. فإن له شاهدا مرسلا صحيحا أخرجه أحمد في " الزهد " (ص 5 - 6) من طريق جرير بن حازم قال: سمعت الحسن يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطعام أمر به فألقي على الأرض وقال " فذكره ... وإسناده مرسل صحيح. وأخرج الطرف الأول منه المروزي في " زوائد الزهد " (995) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن به. وأخرجه أحمد أيضا (ص 5) من طريق عبدة بن أيمن عن عطاء بن أبي رباح به نحوه مرسلا. ورجاله ثقات غير عبدة بن أيمن فلم أعرفه. وأخرجه البزار ومن طريقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 273) من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا به، دون الشطر الثاني. 545 - " رخص النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب في ثلاث: في الحرب وفي الإصلاح بين الناس وقول الرجل لامرأته. (وفي رواية) : وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 404) : حدثنا حجاج قال: حدثنا ابن جريج عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة أنها قالت: فذكره . قلت: وهذا إسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه من هذا الوجه وإنما من وجه آخر عن الزهري كما يأتي. ثم قال الإمام أحمد: حدثنا يونس بن محمد قال: حدثنا ليث يعني بن سعد عن يزيد يعني بن الهاد عن عبد الوهاب عن ابن شهاب به.

وأخرجه أبو داود (2 / 304) والطبراني في " الصغير " (ص 37) من طريقين آخرين عن ابن الهاد به. وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الوهاب وهو ابن أبي بكر: رفيع المدني وكيل الزهري. قال أبو حاتم: ثقة صحيح الحديث ما به بأس من قدماء أصحاب الزهري. وقال النسائي: ثقة. وقد توبع، فقال أحمد: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن صالح بن كيسان قال: حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب به بلفظ: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيرا أو يقول خيرا. وقالت: لم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث ... " فذكره بالرواية الثانية. وكذا أخرجه مسلم (8 / 28) عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد به وأخرجه البخاري (5 / 328 - 329 فتح) من طريق عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد به . دون قوله " وقالت: لم أسمعه ... ". وأخرجه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب بتمامه إلا أنه جعل هذه الزيادة التي من قولها من قول ابن شهاب فقال: " قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء ... ". وعلى هذه الرواية تكون الزيادة غير مرفوعة وإنما من قول الزهري ولهذا قال الحافظ في " الفتح ": " وهذه الزيادة مدرجة بين ذلك مسلم في روايته من طريق يونس عن الزهري فذكر الحديث، قال: وقال الزهري. وكذا أخرجها النسائي مفردة من رواية يونس

وقال: يونس أثبت في الزهري من غيره. وجزم موسى بن هارون وغيره بإدراجها. ورويناه في " فوائد بن أبي ميسرة " من طريق عبد الوهاب بن رفيع عن ابن شهاب. فساقه بسنده مقتصرا على الزيادة وهو وهم شديد ". وأقول: لا وهم منه البتة، فإنه ثقة صحيح الحديث كما تقدم وقد تابعه ثقتان ابن جريج وصالح بن كيسان واقتصر الأول منهما على الزيادة أيضا كما سبق بيانه فهؤلاء ثلاثة من الثقات الأثبات اتفقوا على رفع هذه الزيادة، فصلها اثنان منهما عن أول الحديث ووصلها به الآخر وهو صالح، فاتفاقهم حجة وذلك يدل على أنها مرفوعة ثابتة وأنها ليست مدرجة كما زعم الحافظ ويتعجب منه كيف خفيت عليه رواية ابن جريج فلم يذكرها أصلا وكيف اقتصر في عزوه رواية ابن رفيع على " فوائد ابن أبي ميسرة " وهي في " السنن " و " المسند "؟ ! ويشهد لها ما أخرجه الحميدي في " مسنده " (329) حدثنا سفيان قال حدثني صفوان ابن سليم عن عطاء بن يسار قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: هل علي جناح أن أكذب على أهلي؟ قال: لا، فلا يحب الله الكذب قال: يا رسول الله استصلحها وأستطيب نفسها! قال: لا جناح عليك ". قلت: وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل وليس هو على شرط " مسنده " وقد أورده في " أحاديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها " منه وكأنه أشار بذلك إلى أن الحديث وإن كان وقع له هكذا مرسلا، فهو يرجح إلى أنه من مسندها ولذلك أورده فيه. والله أعلم. ويشهد لها أيضا حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل مع امرأته لترضى عنه أو كذب في الحرب، فإن الحرب خدعة أو كذب في إصلاح بين الناس ". أخرجه أحمد (6 / 459، 461) والترمذي (3 / 127 - تحفة) وقال: " حديث حسن ".

فقه الحديث: بعد أن فرغنا من تحقيق القول في صحة الحديث ودفع إعلاله بالإدراج أنقل إلى القارىء الكريم ما ذكره النووي رحمه الله في شرح الحديث: " قال القاضي لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو؟ فقالت طائفة: هو على إطلاقه وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضيع للمصلحة وقالوا: الكذب المذموم ما فيه مضرة واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم: * (بل فعله كبيرهم) * و * (إني سقيم) * وقوله " إنها أختي "، وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم * (أيتها العير إنكم لسارقون) *. قالوا: ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو. وقال آخرون منهم الطبري: لا يجوز الكذب في شيء أصلا، قالوا: وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية واستعمال المعاريض لا صريح الكذب مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا وينوي: إن قدر الله ذلك. وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى، وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه: مات إمامكم الأعظم وينوي إمامهم في الأزمان الماضية أو غدا يأتينا مدد. أي طعام ونحوه، هذا من المعاريض المباحة، فكل هذا جائز. وتأولوا في قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض. والله أعلم ". قلت: ولا يخفى على البصير أن قول الطائفة الأولى هو الأرجح والأليق بظواهر هذه الأحاديث وتأويلها بما تأولته الطائفة الأخرى من حملها على المعاريض مما لا يخفى بعده، لاسيما في الكذب في الحرب. فإنه أوضح من أن يحتاج إلى التدليل على جوازه ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (6 / 119) : " قال النووي: الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى. وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما

546

انقلب حلالا انتهى. ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وإذن النبي صلى الله عليه وسلم وإخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه ". 546 - " لا نعلم شيئا خيرا من مائة مثله إلا الرجل المؤمن ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 109) : حدثنا هارون حدثنا ابن وهب حدثني أسامة عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 82) : حدثنا حسنون بن أحمد المصري حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب إلا أنه قال: " ألف " مكان " مائة " وأسقط من الإسناد محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان وقال الطبراني عقبه: " لم يروه عن عبد الله بن دينار إلا أسامة تفرد به ابن وهب ولا يروى إلا بهذا الإسناد ". قلت: ورواية أحمد أصح سندا ومتنا لأن شيخ الطبراني حسنون هذا لا أعرفه. وإسناد أحمد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن عبد الله بن عمرو وهو سبط الحسن الملقب بـ (الديباج) وهو مختلف فيه، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ".

547

وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 64) : " رواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير إلا أن الطبراني قال في الحديث ... من ألف مثله . ومداره على أسامة ابن زيد بن أسلم وهو ضعيف جدا ". كذا قال. والراجح عندنا أنه ليس ابن زيد بن أسلم وهو العدوي وإنما هو أسامة ابن زيد الليثي وهو من رجال مسلم وأما العدوي فضعيف. وكان من الصعب بل من المستحيل تعيين المراد منهما في هذا الحديث على رواية الطبراني لأن كلا منهما روى عنه عبد الله بن وهب. ولم يذكرا في الرواة عن عبد الله بن دينار وإنما أمكن التعيين برواية أحمد التي فيها أن شيخ أسامة هو " الديباج " وقد ذكر في ترجمته من " التهذيب " أن أسامة بن زيد الليثي هو الذي روى عنه. وبذلك زال إعلال الهيثمي للحديث بابن أسلم. والله أعلم. 547 - " لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره، فاقتلوها في الحل والحرم ". رواه ابن ماجه (1246) وابن عدي (68 / 1) عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة قالت: لدغ النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي فقال: فذكره. وقال ابن عدي: " لا أعرفه إلا من حديث الحكم عن قتادة، قال ابن معين ضعيف ". قلت: لكن لم ينفرد به الحكم فقد رواه ابن خزيمة في " صحيحه " عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة عن قتادة به. وللحديث شاهد قوي من حديث علي رضي الله عنه، وفيه بيان سبب وروده وهو: " لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره. ثم دعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ بـ * (قل يا أيها الكافرون) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * ".

548

548 - " لعن الله العقرب لا تدع مصليا ولا غيره. ثم دعا بماء وملح وجعل يمسح عليها ويقرأ بـ * (قل يا أيها الكافرون) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * ". أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 117) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 223) وأبو محمد الخلال في " فضائل قل هو الله أحد " (ق 202 / 1) من طرق عن محمد بن فضيل عن مطرف عن المنهال بن عمرو عن محمد بن الحنفية عن على قال: " لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب وهو يصلي، فلما فرغ قال ... ". فذكره وقال الطبراني: " لم يروه عن مطرف إلا ابن فضيل ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه إلا أن المنهال لم يخرج له مسلم . وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 152 / 2) : أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان عن مطرف به إلا أنه لم يذكر عليا في إسناده ولا يضر الموصول لما تقرر أن زيادة الثقة مقبولة، لاسيما وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن مسعود نحوه وفيه: " ثم أمر بملح فألقي في ماء فجعل يده فيه، فجعل يقلبها حيث لدغته ويقرأ ... ". ولكنه لم يذكر * (قل يا أيها الكافرون) *. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 83 / 1) بسند ضعيف. 549 - " ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 21) : حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: أنبأنا ليث

قال: أخبرني أبو هانىء الخولاني عن عمرو بن مالك الجنبي قال: حدثني فضالة بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع : فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، ثم أخرجه (6 / 22) عن رشدين بن سعد عن حميد أبي هانىء الخولاني به. وأخرج ابن ماجه (3934) من طريق عبد الله بن وهب عن أبي هانىء به القضية الأولى والأخيرة. وأخرجه ابن حبان (25) من طريق أخرى عن الليث بن سعد به وأخرجه الحاكم (1 / 10 - 11) من طريقين آخرين عن الليث به وأخرجا له شاهدا من حديث أنس مرفوعا نحوه إلا أنه لم يذكر القضية الثالثة وقال في الأولى: والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه. أخرجه ابن حبان (26) والحاكم (1 / 11) من طريق حماد بن سلمة عن يونس بن عبيد وحميد عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " على شرط مسلم ". وأقره الذهبي، وهو كما قالا. وهو عند مسلم في " صحيحه " (1 / 49) من حديث أبي هريرة مرفوعا به دون قوله " والذي نفسي بيده " ولذلك خرجته. وعلقه البخاري (4 / 118) عنه ولكنه لم يسق لفظه ووصله من حديث أبي شريح مرفوعا بلفظ: " والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه ".

550

550 - " إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك، فأنت مؤمن ". أخرجه أحمد (5 / 251، 252، 256) وابن حبان (103) والحاكم (1 / 14) من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن أبي أمامة قال: " قال رجل: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: فذكره. قال: يا رسول الله فما الإثم؟ قال: إذا حاك في صدرك شيء فدعه ". وقال الحاكم ووافقه الذهبي: " صحيح متصل على شرط الشيخين ". وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن زيد بن سلام وجده ممطورا لم يخرج لهما البخاري في " صحيحه "، وإنما في " الأدب المفرد ". 551 - " أفضل الساعات جوف الليل الآخر ". أخرجه أحمد (5 / 385) عن محمد بن ذكوان عن شهر بن حوشب عن عمرو بن عبسة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر؟ قال: حر وعبد، قلت: ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام وإطعام الطعام، قلت: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة، قال: قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده، قال: قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: خلق حسن، قال: قلت: أي الصلاة أفضل، قال: طول القنوت، قال: قلت: أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجر ما كره ربك

عز وجل، قال: قلت: أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه، قال: قلت: أي الساعات أفضل، قال: جوف الليل الآخر ... ". قلت: وهذا إسناد ضعيف محمد بن ذكوان وهو الطاحي وشهر ضعيفان لكن الحديث ثبت غالبه من طرق أخرى. أولا: الفقرة الأخيرة منه أخرجها أحمد (5 / 187) من طريق أبي بكر بن عبد الله عن حبيب بن عبيد عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ورجاله ثقات غير أبي بكر وهو ابن أبي مريم فإنه سيء الحفظ. وأخرج هو (5 / 111 - 113 - 114) وابن ماجه (1364) من طريق يزيد بن طلق عن عبد الرحمن البيلماني، عن عمرو بن عبسة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول الله من أسلم؟ قال: حر وعبد. قال: فقلت: وهل من ساعة أقرب إلى الله تعالى من أخرى؟ قال: جوف الليل الآخر " وقال ابن ماجه " الليل الأوسط " وهو شاذ. قلت: وابن البيلماني ضعيف وابن طلق مجهول. لكن لهذه الفقرة طريق أخرى صحيحة عن عمرو بن عبسة تجد الكلام عليها في " صحيح أبي داود " (1198) . ثانيا: فقرة " أي الجهاد أفضل؟ "، فقد أخرج أحمد (4 / 114) من طريق أبي قلابة عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان قال: وما الإيمان؟ قال: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال الهجرة قال: فما الهجرة؟ قال : أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال: أن تقاتل الكفار إذا لقيتهم.

قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده واهريق دمه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما حجة مبرورة أو عمرة. قلت: ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان أبو قلابة - واسمه عبد الله بن زيد - سمعه من عمرو فإنه مدلس وعلى كل حال فهذه الفقرة ثابتة بمجموع الطريقين والله أعلم. ثالثا: فقرة " أي الهجرة أفضل؟ ". قد جاءت في الطريق الآنفة الذكر، فهي حسنة أيضا. رابعا: فقرة أي الصلاة أفضل. هذه صحيحة لأن لها شواهد منها عند مسلم وغيره من حديث جابر " أفضل الصلاة طول القنوت ". خامسا: فقرة " الصبر والسماحة ". لها شاهد من حديث جابر وله عنه طريقان. الأولى: عن الحسن عنه أنه قال: " قيل يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسماحة ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (ق 184 / 2) ورجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن الحسن وهو البصري مدلس ولم يصرح بالسماع. الثانية: عن يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر. أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصبر " (43 / 2) وابن عدي في " الكامل " من طريق أبي يعلى. قلت: ويوسف هذا ضعيف لكن الحديث قوي بمجموع طرقه الثلاث. سادسا: فقرة " حر وعبد ". أخرجها مسلم في " صحيحه " (2 / 208 - 209) من طريق أخرى عن عمرو بن عبسة.

552

552 - " أفضل الجهاد من عقر جواده وأهريق دمه ". أخرجه أحمد من طريقين عن عمرو بن عبسة مرفوعا في أثناء حديث تقدم ذكره وتخريجه في الذي قبله، فهذا القدر منه حسن بمجموع الطريقين. 553 - " أفضل الهجرة أن تهجر ما كره ربك عز وجل ". أخرجه أحمد من طريقين عن عمرو بن عبسة مرفوعا في أثناء حديث تقدم ذكره وتخريجه قبل حديث، فهذا القدر منه حسن بمجموع الطريقين أيضا. 554 - " الإيمان الصبر والسماحة ". أخرجه أحمد من حديث أبي أمامة، وابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا وغيرهما من طريقين عن جابر كما تقدم بيانه قبل حديثين. 555 - " أوصيك بتقوى الله، فإنه رأس كل شيء وعليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام وعليك بذكر الله وتلاوة القرآن، فإنه روحك في السماء وذكرك في الأرض ". أخرجه أحمد (3 / 82) حدثنا حسين حدثنا ابن عياش يعني إسماعيل عن الحجاج بن مروان الكلاعي وعقيل بن مدرك السلمي عن أبي سعيد الخدري أن رجلا جاءه فقال: أوصني فقال: سألت عما سألت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلك: فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير الحجاج بن مروان الكلاعي قال في " التعجيل ": " ليس بالمشهور " قلت: وهو مقرون بعقيل بن مدرك السلمي وقد روى عنه ثلاثة من الثقات وذكره ابن حبان في " الثقات " لكن يؤخذ من ترجمته منه (2 / 233) ومن " التهذيب " أنه من أتباع التابعين، فقد قال فيه بعد أن ذكر جماعة من التابعين روى عنهم: " وأرسل عن أبي عبد الله الصنابحي ".

وعليه فهو منقطع بينه وبين أبي سعيد ولا أدري إذا كان الأمر كذلك بين قرينه الحجاج الكلاعي وأبي سعيد وقد وجدت للحديث طريقا أخرى أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 197) والخطيب (7 / 392) وكذا أبو بكر الشافعي في (الفوائد) (73 / 256 / 1 - 2) وأبو محمد الجوهري في " الفوائد المنتقاة " (4 / 2) والواحدي في " الوسيط " (1 / 126 / 2) من طريق ليث عن مجاهد عن أبي سعيد بلفظ: " فإنه نور لك في الأرض وذكر في السماء ". به نحوه، وقال الطبراني: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد ". قلت: وفاته إسناد أحمد والحديث بمجموع الطريقين عندي حسن. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 215) : " رواه أحمد وأبو يعلى ... ورجال أحمد ثقات وفي إسناد أبي يعلى ليث بن أبي سليم وهو مدلس ". قلت: لا أعرف أحدا رماه بالتدليس وإنما هو ضعيف لاختلاطه وكثرة خطئه. ولبعضه شاهد من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي رهبانية ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله ". أخرجه أحمد (3 / 266) عن زيد العمي عن أبي إياس عنه. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل زيد وهو ابن أبي الحواري وهو ضعيف كما في " التقريب "، وقد قال فيه الدارقطني وغيره " صالح " فمثله يستشهد به.

556

ثم وجدت للحديث شاهدا آخر من حديث أبي ذر رضي الله عنه مرفوعا به بلفظ: " فإن ذلك لك نور في السماوات ونور في الأرض ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 82 / 2) عن إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي ذر. لكن إبراهيم هذا ضعيف بل اتهمه بعضهم. 556 - " إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: (رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة) ". أخرجه أحمد (2 / 21) حدثنا ابن نمير عن مالك يعني ابن مغول عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ولكن الرواة اختلفوا على مالك في قوله " الغفور ". فذكر عنه ابن نمير هذا الحرف وتابعه المحاربي عند الترمذي (2 / 254) وخالفه عند ابن السني (364) فقال: " الرحيم " مكان " الغفور ". وكذلك قال أبو أسامة عن مالك عند أبي داود (1516) وابن ماجه (3814) وقرن هذا مع أبي أسامة المحاربي، فقد اختلف عليه أيضا في هذا الحرف. وكذلك قال سفيان عن مالك عند ابن حبان (2459) وروايته عند الترمذي أيضا ولكنه لم يسق لفظه وإنما أحال فيه على رواية المحاربي قائلا: " نحوه بمعناه " فلا أدري كيف وقع هذا الحرف عند الترمذي عن سفيان هل هو " الغفور " أم " الرحيم ". وعلى كل حال، فهذا اضطراب شديد فيه لم يترجح عندي منه شيء. لأن اللفظ الأول اتفق عليه ابن نمير والمحاربي واللفظ الآخر اتفق عليه أبو أسامة وسفيان.

نعم قد يمكن ترجيح لفظهما على لفظ الأولين لأن أحدهما وهو المحاربي قد اختلف عليه كما سبق فروايته الموافقة لروايتهما مما يرجحها على روايته الأخرى الموافقة لابن نمير وحده! ولكن سيأتي ما يدعم هذه الرواية ويرجحها رواية ودراية. وقد وجدت للحديث طريقا أخرى كان يمكن الترجيح بها لولا أن الراوي تردد في هذا الحرف نفسه! فأخرجه أحمد (2 / 67) من طريق زهير حدثنا أبو إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر قال: " كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته استغفر مائة مرة، ثم يقول: اللهم اغفر لي وارحمني وتب علي إنك أنت التواب الرحيم أو إنك تواب غفور ". قلت: وأبو إسحاق هو السبيعي وهو ثقة ولكنه مدلس وهو إلى ذلك كان اختلط وقد روى عنه زهير وهو ابن معاوية بن حديج بعد اختلاطه. فهو الذي تردد في هذا الحرف وزاد على ذلك أن جعل الاستغفار مطلقا مائة مرة والاستغفار بهذا الدعاء مرة واحدة! ! ووجدت للحديث طريقا ثالثا أخرجه أحمد أيضا (2 / 84) عن يونس بن خباب حدثنا أبو الفضل أو بن الفضل عن ابن عمر " أنه كان قاعدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور " حتى عد العاد بيده مائة مرة ". قلت: وهذا سند ضعيف يونس هذا قال الحافظ " صدوق يخطىء ورمي بالرفض " و" أبو الفضل أو ابن الفضل مجهول ". قلت: وهذا الإسناد وإن كان ضعيفا، فهو شاهد لا بأس به كمرجح لرواية

557

" الغفور " ويؤيده ملاحظة المعنى فإن قوله: " رب اغفر لي " يناسب قوله " الغفور "، أكثر من قوله " الرحيم " هذا ما بدا لي من التحقيق في هذا الحرف ولم أقف على أحد كتب فيه، فإن أصبت، فمن الله وله الحمد وهو وليي وإن كانت الأخرى فأستغفره من ذنبي خطئي وعمدي وكل ذلك عندي. ثم إن الحديث قال الترمذي عقبه: " حديث حسن صحيح غريب ". وعزاه الحاكم (1 / 511) لمسلم فوهم. 557 - " أبشر إن الله يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا ليكون حظه من النار في الآخرة ". أخرجه أحمد (2 / 440) وابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 229 / 2) قالا: حدثنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. " أنه عاد مريضا ومعه أبو هريرة من وعك كان به فقال (له) رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن ماجه (3470) والحاكم (1 / 345) وكذا ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (159 / 1 - 2) من طريق أخرى عن أبي أسامة به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الأشعري هذا قال أبو حاتم: لا بأس به. وروى عنه جماعة من الثقات ولذلك جزم الذهبي في " الميزان " بأنه ثقة.

558

وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول "! والحديث أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 40 / 1) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن تميم حدثني إسماعيل بن عبيد الله به. إلا أنه زاد فيه فقال : " خرج النبي صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعلي وأنا معه، فقبض على يده، فوضع يده على جبهته وكان يرى ذلك من تمام عيادة المريض، ثم قال ... " فذكره دون قوله " أبشر " في أوله، وقوله " في الآخرة " في آخره. قلت: وهذه زيادة منكرة لتفرد ابن تميم بها وهو ضعيف مخالفا ابن جابر وهو ثقة. 558 - " يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعا أقرع ويفر منه صاحبه ويطلبه ويقول: أنا كنزك، قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه ". أخرجه أحمد في " المسند " (2 / 312، 316) : حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث هذا أحدها. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وله طريق ثانية. قال أحمد (2 / 379) : حدثنا قتيبة حدثنا ليث بن سعد عن ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة به نحوه وقال: " أقرع ذا زبيبتين ". وإسناده جيد. وله طريق ثالثة أخرجه (2 / 489) من طريق الحسن عن أبي هريرة نحوه وقال:

559

" له زبيبتان ". وزاد في آخره: " ثم يتبعه بسائر جسده ". وإسناده صحيح إن كان الحسن وهو البصري سمعه من أبي هريرة ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وله طريق رابعة. أخرجه (2 / 530) قال: حدثنا علي بن حفص أنبأنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة نحوه. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن علي بن حفص هو المدائني لم يخرج له البخاري، فهو على شرط مسلم وقد أخرجه (3 / 73) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا نحوه وقال: " فإذا أتاه فر منه، فيناديه: خذ كنزك الذي خبأته، فأنا عنه غني، فإذا رأى أن لابد منه سلك يده في فيه فيقضمها قضم الفحل ". 559 - " ما بلغ أن تؤدى زكاته، فزكي فليس بكنز ". أخرجه أبو داود (1564) من طريق عتاب بن بشير عن ثابت ابن عجلان عن عطاء عن أم سلمة قالت: " كنت ألبس أوضاحا من ذهب، فقلت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، فيه ثلاث علل: الأولى: الانقطاع بين عطاء - وهو ابن أبي رباح - وأم سلمة، فإنه لم يسمع منها كما قال أحمد وابن المديني. الثانية: ثابت بن عجلان فإنه مختلف فيه وقد أورده العقيلي في " الضعفاء " (ص 63) وقال: " حدثنا عبد الله بن أحمد قال: سألت أبي عن ثابت بن عجلان؟ قال: كان يكون

بالباب والأبواب. قلت: هو ثقة؟ فسكت كأنه حسن أمره ". وقال الذهبي في " الميزان ": " وثقه ابن معين وقال أحمد: أنا متوقف فيه. وقال أبو حاتم: صالح وذكره ابن عدي (ق 46 / 2) وساق له ثلاثة أحاديث غريبة. وذكره العقيلي في " الضعفاء " وقال: " لا يتابع في حديثه ". فمما أنكر عليه حديث عتاب بن بشير ... (قلت: فذكره) . قال الحافظ عبد الحق: ثابت لا يحتج به، فناقشه على قوله أبو الحسن ابن القطان وقال: قول العقيلي أيضا فيه تحامل عليه، فقال: إنما يمر (!) بهذا من لا يعرف بالثقة مطلقا، فأما من عرف بها فانفراده لا يضره إلا أن كثر ذلك منه. قلت: أما من عرف بأنه ثقة فنعم وأما من وثق (و) مثل الإمام أحمد يتوقف فيه وسئل أبو حاتم؟ فقال: صالح الحديث فلا نرقيه إلى رتبة الثقة، فتفرد هذا يعد منكرا، فرجح قول العقيلي وعبد الحق ". قلت: هذا رأي الذهبي في الخلاف المذكور وخالفه الحافظ ابن حجر فانتصر لابن القطان، فقال في " التهذيب ": " وصدق فإن مثل هذا لا يضره إلا مخالفة الثقات لا غير، فيكون حديثه حينئذ شاذا ". قلت: وأنا أرى أن الصواب مع الحافظ رحمه الله لأن توقف أحمد في ثابت ليس مثلما لو كان ضعفه، فلو أنه ضعفه لم يضر فيه مع توثيق من وثقه لأنه جرح غير مفسر، فهو غير معتبر فكيف وهو لم يصرح بتضعيفه وكأنه لهذا رمز السيوطي لحسنه في " الجامع الصغير " وقال شارحه المناوي: " قال ابن عبد البر: في سنده مقال قال الزين العراقي في " شرح الترمذي ": إسناده جيد رجاله رجال البخاري وفيه ثابت ابن عجلان ... وقد أحسن المصنف حيث اقتصر على تحسينه قال ابن القطان: وللحديث إسناد إلى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده صحيح.

قلت: وقد صرفهم جميعا الاختلاف في ثابت عن الانتباه للعلة الحقيقية في الإسناد ألا وهي الانقطاع. الثالثة على أني أرى أنه لو ذهب ذاهب إلى إعلاله بعتاب بن بشير بدل ثابت بن عجلان لم يكن قد أبعد عن الصواب، فإنه دونه في الثقة كما يتبين ذلك بالرجوع إلى ترجمتيهما من " التهذيب ". وحسبك دليلا على ذلك قول الحافظ في عتاب: " صدوق يخطىء " وفي ثابت: " صدوق "! وجملة القول أن هذا الإسناد ضعيف لانقطاعه وسوء حفظ عتاب. إلا أن المرفوع منه يشهد له حديث خالد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب قال: " خرجت مع عبد الله بن عمر فلحقه أعرابي فقال له: قول الله: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) *؟ قال له ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة فلما أنزلت جعلها الله طهورا للأموال. ثم التفت، فقال: ما أبالي لو كان لي أحد ذهبا أعلم عدده وأزكيه وأعمل فيه بطاعة الله عز وجل ". أخرجه ابن ماجه (1787) والبيهقي (4 / 82) من طريق ابن شهاب حدثني خالد بن أسلم به. وعلقه البخاري (3 / 250) مختصرا. وإسناده صحيح. وهو وإن كان موقوفا فهو في حكم المرفوع لأنه في أسباب النزول وذلك لا يكون إلا بتوقيف من الرسول صلى الله عليه وسلم وحديث ابن عمر هذا هام جدا في تفسير آية الإنفاق هذه فإن ظاهرها وجوب إنفاق جميع ما عند المسلم من الذهب والفضة وقد أخذ بهذا الظاهر بعض الأحزاب الإسلامية في العصر الحاضر ولم يلتفتوا إلى هذا الحديث المبين للمراد منها وأنها كانت قبل فرض الزكاة المطهرة للأموال، فلما نزلت قيدت الآية وبينت أن المقصود منها إنفاق الجزء المفروض على الأموال من الزكاة وعلى ذلك دلت سائر الأحاديث التي وردت في الترهيب من منع الزكاة وكذلك سيرة السلف الصالح فإن

560

من المقطوع به أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما من أغنياء الصحابة لم ينفقوا أموالهم كلها بل ماتوا وقد خلفوا لورثتهم أموالا طائلة كما هو مذكور في كتب السيرة والتراجم. وجملة القول أن الحديث بهذا الشاهد حسن أو صحيح. والله أعلم. وقد روى مالك (1 / 256 / 1) عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: " هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة ". وإسناده صحيح غاية. 560 - " شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع ". أخرجه أبو داود (3511) وابن حبان (808) وأحمد (2 / 302 / 320) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 50) من طريق موسى بن علي سمعت أبي يحدث عن عبد العزيز بن مروان بن الحكم قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد العزيز ابن مروان بن الحكم وهو والد عمر بن عبد العزيز - وهو ثقة. 561 - " الناس يومئذ على جسر جهنم ". أخرجه أحمد (6 / 116 - 117) من طريق عبد الله بن عنبسة بن سعيد عن حبيب بن أبي عمرة عن مجاهد قال: قال ابن عباس: " أتدري ما سعة جهنم؟ قلت: لا قال: أجل والله ما تدري إن بين شحمة أذن أحدهم وبين عاتقه مسيرة سبعين خريفا تجري فيها أودية القيح والدم. قلت: أنهارا؟ قال: لا بل أودية، ثم قال: أتدرون ما سعة جهنم؟ قلت: لا قال: أجل والله ما

562

تدري حدثتني عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه) * فأين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال: هم على جسر جهنم ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عنبسه ابن سعيد وهو ابن الضريس الأسدي وهو ثقة بلا خلاف. 562 - " نعم سحور المؤمن التمر ". أخرجه ابن حبان (883) والبيهقي (4 / 236 - 237) عن محمد ابن أبي بكر المقدمي حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير حدثنا محمد بن موسى المدني عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح. وله طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا عند أبي عوانة في " صحيحه " وفي متنه زيادة وإسناده واه جدا ولذلك أوردته من أجلها في السلسلة الأخرى (1326) . وله شاهد من حديث جابر وله عنه طريقان: الأولى: عن زمعة بن صالح عن عمرو ابن دينار عنه مرفوعا به. أخرجه ابن عدي (ق 150 / 2) أبو نعيم في " الحلية " (3 / 350) والخطيب (2 / 286 - 12 / 438) والسلفي في أواخر مجلس من " أمالي أبي مطيع المصري "

(ق 64 / 2) من طريق الطبراني وقال أبو نعيم: " تفرد به زمعة ". قلت: وهو ضعيف. والأخرى: عن محمد بن عمرو الواقفي عن أبي الزبير عنه به. أخرجه المحاملي في الثالث من " الأمالي " (ق 33 / 1) . والواقفي هذا ضعيف كما في " التقريب ". وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه. لكن قال الهيثمي (3 / 151) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ". فلعله عند البزار من غير هذين الطريقين. ثم تبين لي أنه من الطريق الأولى من " زوائد البزار " (ص 106) وله شاهد ثان من حديث عقبة بن عامر. أخرجه أبو الحسن بن عبد كويه في " ثلاثة مجالس " (ق 10 / 2) من طريق الطبراني وابن عدي (58 / 1) عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عنه. وابن لهيعة ضعيف لسوء حفظه، فهو ممن يستشهد به. وشاهد ثالث مرسل. أخرجه الخطيب في " التلخيص " (ق 108 / 2) من طريق إسماعيل ابن عياش عن إبراهيم بن شعيث عن سعيد بن عبد الله ابن أبي هند. وإبراهيم هذا ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 105) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

563

تنبيه: عزى الحديث المنذري في " الترغيب " (2 / 94) وتبعه عليه الخطيب التبريزي في " المشكاة " (1998) إلى أبي داود وذلك وهم لا أدري من أين جاءهما! 563 - " من صام يوما في سبيل الله جعل الله بينه وبين النار خندقا كما بين السماء والأرض ". أخرجه الترمذي في " سننه " (11 / 32 / 2) وأبو حزم بن يعقوب الحنبلي في " كتاب الفروسية " (1 / 7 / 2) كلاهما من طريق الوليد ابن جميل عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب من حديث أبي أمامة ". قلت: وهو كما قال وفي الوليد وشيخه كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن، لاسيما وللحديث شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " و " الأوسط " (1 / 107 / 1) من طريق عبد الله بن الوليد العدني حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن بشر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أم الدرداء عن أبي الدرداء. وقال: " لم يروه عن سفيان إلا عبد الله بن الوليد ". قلت: وهو صدوق ربما أخطأ كما قال الحافظ لكن شهر بن حوشب فيه ضعف لسوء حفظه فيستشهد به. فقول المنذري في " الترغيب " (2 / 62) وتبعه الهيثمي (3 / 194) : " رواه الطبراني في " الأوسط والصغير " بإسناد حسن " ليس بحسن إلا إن أراد أنه حسن لغيره فنعم.

564

وله شاهد آخر من حديث جابر مرفوعا به. أخرجه الطبراني أيضا في " الأوسط " وفيه أبو ظبية واسمه عيسى ابن سليمان ضعفه ابن معين. وساق له ابن عدي عدة مناكير. وذكره ابن حبان في " الثقات ". (تنبيه) وقع آخر الحديث في النسخة المطبوعة من " السنن " (1 / 306 - طبع بولاق) " كما بين المشرق والمغرب " والذي أثبتناه أصح من وجوه. أولا: أنه الثابت في نسخة مصححه مخطوطة من " السنن " ولذلك عزوت إليها ومن صحتها أنه كتب على هامشها أن في نسخة " المشرق والمغرب ". ثانيا: أنه الذي نقله عن " السنن " المنذري في " الترغيب " والتبريزي في " المشكاة " (2064) والسيوطي في " الجامع ". ثالثا: أنه الموافق لرواية أبي حزم من الوجه الذي هو في " السنن ". رابعا: أنه المطابق لرواية حديث أبي الدرداء وجابر. والله أعلم. 564 - " إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا ". أخرجه البخاري (7 / 79، 10 / 350 - فتح) والترمذي (4 / 369 - 370) وأحمد (2 / 92، 114) عن محمد بن أبي يعقوب عن عبد الرحمن بن أبي نعم أن رجلا سأل ابن عمر (وأنا جالس) عن دم البعوض يصيب الثوب؟ (فقال له: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق) ، فقال ابن عمر: (ها) انظروا إلى هذا! يسأل عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم! ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. والزيادات لأحمد والسياق للترمذي وقال: " هذا حديث حسن صحيح ".

565

565 - " أحصوا هلال شعبان لرمضان ولا تخلطوا برمضان إلا أن يوافق ذلك صياما كان يصومه أحدكم وصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فإنها ليست تغمى عليكم العدة ". أخرجه الدارقطني (ص 230) والحاكم (1 / 425) وعنهما البيهقي (4 / 206) والبغوي في " شرح السنة " (2 / 182 / 1 - 2) من طريق أبي معاوية عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط للخلاف في محمد بن عمرو ولأن مسلما لم يحتج به وإنما روى له متابعة. ثم إن الحديث بهذا التمام للدارقطني وحده وليس عند البغوي قوله: " وصوموا لرؤيته ... " الخ. وعند الحاكم الفقرة الأولى منه فقط. وكذلك أخرجه الترمذي (1 / 133) وأعله بقوله: " لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث أبي معاوية والصحيح ما روي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تقدموا شهر رمضان بيوم أو يومين ". وهكذا روي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث محمد بن عمرو الليثي ". قلت: لما لم يقع للترمذي من الحديث إلا طرفه الأول كما أشرنا قام في نفسه أن أبا معاوية وهم فيه فقال: " احصوا هلال شعبان لرمضان " مكان قوله: " لا تقدموا ... " الخ. ولذلك حكم عليه بالوهم ولست أرى ذلك لأن رواية الدارقطني قد جمعت بين

566

الفقرتين غاية ما في الأمر أنه وقع فيها " ولا تخلطوا برمضان " بدل قوله " لا تقدموا شهر رمضان بيوم أو يومين " ولا يخفى أن المعنى واحد، لاسيما ولفظه عند البغوي: " ولا تصلوا رمضان بشيء إلا أن يوافق ... " الخ. وكأنه لما ذكرنا سكت البيهقي عن الحديث فلم يعله بشيء. على أني قد وجدت لأبي معاوية متابعا أخرجه الضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 97 / 1) من طريق يحيى بن راشد حدثنا محمد بن عمرو به. ويحيى بن راشد هو المازني البراء وهو ضعيف يصلح للاعتبار والاستشهاد، فثبت أن الحديث حسن. والله أعلم. وقد روى له الدارقطني شاهدا من حديث رافع بن خديج مرفوعا نحوه. إلا أن في إسناده الواقدي، وهو متروك لا يصلح للاستشهاد. فأنما أوردته تنبيها. ثم رأيت ابن أبي حاتم قد ساق الحديث في " العلل " (1 / 245) من طريق يحيى بن راشد قال: حدثنا محمد بن عمرو به وقال: " قال أبي: ليس هذا الحديث بمحفوظ ". فكأنه لم يقع له من طريق أبي معاوية كما لم تقع للترمذي هذه الطريق وبالجمع بينهما ينجو الحديث من الشذوذ والمخالفة. والله أعلم. 566 - " أفضل الصدقة جهد المقل وابدأ بمن تعول ". أخرجه البغوي في " حديث أبي الجهم العلاء بن موسى " (2 / 2) حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط مسلم غير أبي الجهم هذا. وقد ترجمه الخطيب (12 / 240 - 241) وقال: " وكان صدوقا توفي في أول سنة ثمان وعشرين ومائتين ".

567

وللحديث شاهد بإسناد صحيح عن أبي هريرة مرفوعا وهو مخرج في " الإرواء " (826) ولأوله شاهدان آخران عن أبي أمامة وأبي ذر. مخرجان فيه (889) . وشاهد آخر من حديث عبد الله بن حبشي مرفوعا. أخرجه أحمد (3 / 411 - 412) وإسناده صحيح على شرط مسلم. 567 - " ما من عبد مسلم ينفق من كل مال له زوجين في سبيل الله إلا استقبلته حجبة الجنة كلهم يدعوه إلى ما عنده. قلت: وكيف ذلك؟ قال: إن كانت إبلا فبعيرين وإن كانت بقرا فبقرتين ". أخرجه النسائي (2 / 66) والدارمي (1 / 204) وابن حبان (1649 - 1652) والحاكم (2 / 86) وأحمد (5 / 151، 153، 159، 164) من طرق عن الحسن عن صعصعة بن معاوية قال: " لقيت أبا ذر قال: قلت: حدثني، قال: نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. والسياق للنسائي وزاد أحمد وابن حبان: " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم ". وقد أخرجها النسائي في " الجنائز " (1 / 256 ) ، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا لولا أن فيه عنعنة الحسن البصري لكنه قد صرح بالتحديث عند أحمد من طريقين عنه فهو على شرط الشيخين، وصعصعة من الصحابة رضي الله عنهم.

568

568 - " من أحيا أرضا ميتة له بها أجر وما أكلت منه العافية فله به أجر ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 313) قال: حدثنا يحيى عن هشام بن سعيد يعني ابن عروة أخبرني عبيد الله بن عبد الرحمن الأنصاري قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول فذكره مرفوعا. ثم قال (3 / 326 - 327) : حدثنا أبو النضر: حدثنا أبو عقيل - قال عبد الله: قال أبي: أبو عقيل اسمه عبد الله بن عقيل -: حدثنا هشام بن عروة: حدثني عبيد الله ابن عبد الرحمن ابن رافع عن جابر بن عبد الله به. قلت: فهذا يبين أن في الطريق الأولى تحريفا وتقديما وتأخيرا والصواب فيها: " يحيى بن سعيد عن هشام يعني ابن عروة " فأخطأ الطابع والناسخ فنقل: " ابن سعيد " من بعد " يحيى " وجعله بين " هشام " و " يعني ابن عروة ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع الأنصاري فهو مجهول. وهو راوي حديث بئر بضاعة. لكن للحديث طريقان آخران أحدهما من طريق هشام بن عروة نفسه بإسناد آخر وهو ما أخرجه أحمد (3 / 304) قال: حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله مرفوعا به بلفظ: " من أحيا أرضا ميتة فله منها يعني أجرا وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة ". وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

والطريق الآخر الثالث ما عند أحمد (3 / 356) حدثنا: يونس ويحيى ابن أبي بكير قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر به إلا أن يونس قال: " فله فيها أجر " وقال ابن أبي بكير: " فهي له " وقالا: " العافية ". وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم فقد أخرج بهذا الإسناد غير ما حديث إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه ولكنه متابع كما مر. هذا وقد اختلف في هذه اللفظة من الحديث: " فله فيها أجر " أو " فهي له " في الفقرة الأولى منه. فرواية يحيى بن سعيد عن هشام ابن عروة عن عبيد الله بن عبد الرحمن ورواية عباد بن عباد المهلبي مثل الرواية الأولى وهي رواية يونس وهي رواية ثقتين آخرين عن هشام بالإسنادين خالفا فيهما يحيى بن سعيد وعابد بن عباد وهما حماد بن أسامة وحماد بن زيد أما الأول فأخرج حديثه أحمد (3 / 381) قال: حدثنا حماد بن أسامة حدثني هشام بن عروة: حدثني عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع به بلفظ: (من أحيا أرضا ميتة فهي له وما أكلت العافية منه له به صدقة) . وأما ابن زيد فقال أحمد (3 / 338) : حدثنا يونس: حدثنا حماد يعني ابن زيد: حدثنا هشام بن عروة عن وهيب بن كيسان عن جابر به إلا أنه قال: فهو له صدقة. فقال رجل: يا أبا المنذر - قال أبو عبد الرحمن: أبو المنذر هشام بن عروة - ما العافية؟ ما أعتافها من شيء ". ولم يتبين لي الآن الرواية الصحيحة منهما وعسى أن نقف بعد على ما يرجح إحداهما على الأخرى فنبينه في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى. ثم رأيت الحديث في " غريب الحديث " لأبي عبيد (ق 52 / 1) : حدثنا معاوية عن

569

هشام بن عروة عن عبيد الله بن عبد الرحمن به باللفظ الثاني: " فهي له ". وأخرجه الدارمي (2 / 267) من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة به باللفظ الأول " فله فيها أجر ". فتأكدت بذلك من التصويب الذي قدمته لرواية المسند ولكني لا أزال مترددا في الأرجح من اللفظين وإن كان يمكن القول بصحتهما معا أي فهي له ملكا وله أجرا. والله أعلم. 569 - " يا أيها الناس! أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام تدخلو الجنة بسلام ". أخرجه الترمذي (2 / 79) والدارمي (1 / 340) وابن ماجه (رقم 1335، 3251 ) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 17) والحاكم (3 / 13) وأحمد (5 / 451 ) وابن سعد في " الطبقات " (4 / 235) والضياء في " المختارة " (58 / 176 / 1 - 2) من طرق عن عوف بن أبي جميلة عن زرارة بن أبي أوفى: حدثني عبد الله بن سلام قال: " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله وقيل: قد قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قدم رسول الله قد قدم رسول الله (ثلاثا) ، فجثت في الناس لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال ... " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " قلت: ووافقه الذهبي وهو كما قالا. 570 - " إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد ".

أخرجه مسلم (8 / 160) وابن ماجه (2 / 545) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 17) من طريق مطر الوراق حدثني قتادة عن مطرف ابن عبد الله بن الشخير عن عياض ابن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطبهم فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات ولكن له علتان: عنعنة قتادة وسوء حفظ مطر الوراق ولم يسمع قتادة هذا الحديث من مطرف كما حققته فيما علقته على كتابي " مختصر صحيح مسلم " وهو على وشك التمام أنظر الحديث (3906 منه) . ومن هاتين العلتين توجهت الهمة إلى تتبع طرق الحديث لعل فيها ما يشد من عضده فوجدته في " سنن أبي داود " (2 / 300) من طريق الحجاج عن قتادة عن يزيد بن عبد الله عن عياض به. قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا لأن الحجاج وهو ابن أرطاة مدلس أيضا، ثم هو منقطع بين يزيد بن عبد الله وعياض بينهما أخوه مطرف بن عبد الله كما رواه أحمد بالسند الصحيح عن قتادة به، فذكر الخطبة ولكن ليس فيها هذا الحديث إلا من طريق مطر الوراق السابقة وهو مذكور في التعليق المشار إليه. ووجدت للحديث شاهدا، أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (426) وابن ماجه (4214) من طريق يزيد بن أبي حبيب عن سنان ابن سعد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله عز وجل أوحى إلي أن تواضعوا ولا يبغ بعضكم على بعض ". قلت: وإسناده خير من إسناد حديث عياض رجاله ثقات رجال الشيخين غير

571

سنان بن سعد وقيل: سعد بن سنان وهو مختلف فيه، فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه وتجد تفصيل ذلك في " التهذيب ". وابن أبي حاتم لما ترجمه (2 / 1 / 251) لم يذكر فيه غير توثيق ابن معين، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أفراد ". قلت: فهو حسن الحديث. وبحديث عياض يرتقي إلى درجة الصحيح والله أعلم. 571 - " اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (981) والترمذي (2 / 340) والدارمي (2 / 109) وابن ماجه (3694) وابن حبان (1360) وأحمد (2 / 170 و 196) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 287) من طرق عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: هو كما قال ورجاله ثقات وعطاء بن السائب إنما يخشى من اختلاطه وما دام أنه لم يتفرد بالحديث فقد أمناه، فقد مضى الحديث قريبا (569) عن عبد الله بن سلام دون الفقرة الأولى منه وهي في غنية عن الاستشهاد لها لكثرة النصوص من الآيات والأحاديث التي وردت بلفظها ومعناها. وليس لابن ماجه من الحديث إلا هذه الفقرة وفقرة الإفشاء.

572

(تنبيه) عزا السيوطي هذا الحديث في " الجامع الصغير " للترمذي من حديث أبي هريرة! وإنما هو عنده كما عند غيره من حديث ابن عمرو وأما حديث أبي هريرة عنده، فهو بغير هذا السياق وفيه زيادة: " واضربوا الهام " وهي زيادة منكرة بإسناد ضعيف ولذلك أوردته في " السلسلة الأخرى " (1324) وانطلى الأمر على المناوي فإنه بعد أن نقل تصحيح الترمذي إياه وأقره! قال بعد قوله (عن أبي هريرة) : " قال: قلت: يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي ... " فأوهم أن هذا عند الترمذي وإنما هو عند أحمد ومن طريق أخرى غير الطريق التي صححها الترمذي على أنهما في الضعف سواء كما بينته هناك. 572 - " تبسمك في وجه أخيك لك صدقة وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة وبصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة وإماطتك الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة ". أخرجه الترمذي (1 / 354) والسياق له والبخاري في " الأدب المفرد " (128) وابن حبان (864) عن عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه عن أبي ذر مرفوعا. وقال الترمذي: " حسن غريب وأبو زميل اسمه سماك بن الوليد الحنفي ". قلت: وهو ثقة كسائر الرواة غير مرثد وهو ابن عبد الله الزماني قال الذهبي: " ليس بمعروف ما روى عنه سوى ولده مالك ". وفي التقريب: هو مقبول. قلت: ولعل ابن حبان أورده في " ثقاته " على قاعدته المعروفة وهو المناسب

573

لإخراجه حديثه في " صحيحه "، وهو لا يستحق ذلك وغايته أن يكون حسنا لغيره فإن له طريقا أخرى بنحوه يأتي بعد ثلاثة أحاديث. 573 - " على كل مسلم صدقة قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعتمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة ". أخرجه البخاري (2 / 121) وفي " الأدب المفرد " (35 - 46) ومسلم (3 / 83) والسياق له والنسائي (1 / 351) والطيالسي (ص 67 رقم 495) وأحمد (4 / 395، 411) من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا وكذلك رواه الدارمي (2 / 309) . وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث أبي موسى يأتي في التخريج قريبا. 574 - " على كل عضو من أعضاء بني آدم صدقة ". أخرجه أحمد (2 / 395) : حدثنا هوذة حدثنا عوف عن خلاس عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة غير هوذة وهو ابن خليفة وهو ثقة. وهو مختصر: " كل سلامى من الناس عليه صدقة " ويأتي. 575 - " على كل نفس في كل يوم طلعت فيه الشمس صدقة منه على نفسه قلت: يا رسول الله من أين أتصدق وليس لنا أموال؟ قال: لأن من أبواب الصدقة التكبير وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله وأستغفر الله وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتعزل الشوكة عن طريق الناس والعظمة والحجر وتهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه

وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ولك في جماعك زوجتك أجر قال أبو ذر: كيف يكون لي أجر في شهوتي؟ فقال: أرأيت لو كان لك ولد فأدرك ورجوت خيره، فمات أكنت تحتسبه؟ قلت: نعم قال: فأنت خلقته؟ قال: بل الله خلقه قال: فأنت هديته؟ قال: بل الله هداه قال: فأنت ترزقه؟ قال: بل الله كان يرزقه قال: كذلك فضعه في حلاله وجنبه حرامه، فإن شاء الله أحياه وإن شاء أماته ولك أجر ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 168) : حدثنا عبد الملك بن عمرو حدثنا علي يعني ابن مبارك عن يحيى عن زيد بن سلام عن أبي سلام قال أبو ذر: على كل نفس الخ. كذا الأصل لم يرفعه والظاهر أنه سقط من الناسخ بدليل السياق. وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ورواه ابن حبان والنسائي كما رمز له في المنتخب (2 / 535) والله أعلم. وله طريق أخرى أخصر منه بلفظ: " تبسمك في وجه أخيك صدقة ". وقد مر وله حديث آخر قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: " إيمان بالله وجهاد في سبيله قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال : أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ". أخرجه البخاري (3 / 117) وفي " الأدب المفرد " (34، 46) ومسلم (1 / 62) وأحمد (5 / 150، 171) عن أبي مراوح عنه. وعند النسائي ولبعضه (2 / 57) منه الجملة الأولى.

576

ولبعضه شاهد مختصر بلفظ: " على كل سلامى من بني آدم فهي في كل يوم صدقة ويجزي من ذلك كله ركعتا الضحى ". أخرجه الطبراني في الصغير ص (133) : حدثنا عبد الله بن محمد ابن سختان الشيرازي حدثنا علي بن محمد الزياداباذي حدثنا سالم بن نوح عن هشام بن حسان عن قيس بن سعد عن طاووس عن ابن عباس رفعه. وقال: تفرد به علي بن محمد. قلت: ذكره السمعاني بغير جرح أو تعديل. وشيخه عبد الله بن محمد لم أره وبقية رجاله ثقات رجال البخاري. وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 237) : " رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه من لم أجد من ترجمه ". قلت: وله طريق أخرى عن طاووس بلفظ أتم وهو. " في ابن آدم ستون وثلاثمائة سلامى أو عظم أو مفصل على كل واحد في كل يوم صدقة كل كلمة طيبة صدقة وعون الرجل أخاه صدقة والشربة من الماء تسقيها صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ". 576 - " في ابن آدم ستون وثلاثمائة سلامى أو عظم أو مفصل على كل واحد في كل يوم صدقة كل كلمة طيبة صدقة وعون الرجل أخاه صدقة والشربة من الماء تسقيها صدقة وإماطة الأذى عن الطريق صدقة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (62) من طريق ليث عن طاووس عن ابن عباس أظنه رفعه، شك ليث. قلت: وهو ابن أبي سليم وهو صدوق إلا أنه كان اختلط لكن تابعه قيس بن سعد عند الطبراني كما مر في " على كل سلامى " فيتقوى به وبقية رجاله ثقات رجال الصحيحين. فالحديث حسن إن شاء الله تعالى. وله طريق أخرى بلفظ عن أبي ذر أيضا وهو: " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة ، فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة ويجزىء من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى "

577

577 - " يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة وكل تحميدة صدقة وكل تهليلة صدقة وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى ". أخرجه مسلم (2 / 158) وأبو داود (2 / 249) وأحمد (5 / 167، 168) عن أبي الأسود الديلي عن أبي ذر مرفوعا. وراجع ما سبق " أو ليس قد جعل الله لكم " وله شاهد بلفظ: " في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل " وقد سبق أيضا. وآخر بلفظ: " على كل ميسم من الانسان صلاة (وفي رواية: يصبح على كل ميسم من ابن آدم كل يوم صدقة) فقال رجل من القوم: ومن يطيق هذا؟ فقال: أمر بالمعروف ونهي عن المنكر صلاة وإن حملا عن الضعيف صلاة وإن كل خطوة يخطوها أحدكم إلى صلاة صلاة ". قال في " المجمع " (3 / 104) : " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الكبير والصغير بنحوه من حديث ابن عباس وزاد في الصغير: ويجزىء من ذلك كله ركعتا الضحى. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". قلت: وهو في " مسند أبي يعلى " (2 / 640 - 641) باللفظ الأول وفيه الوليد بن أبي ثور ضعيف. ثم رواه باللفظ الآخر بسند صحيح. ورواية " الصغير " مضت بلفظ: (على كل سلامى) .

578

578 - " لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني مكانه ما به حب لقاء الله عز وجل ". أخرجه أحمد (2 / 530) : حدثنا علي أنبأنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه كما يأتي وعلي هذا هو ابن حفص المدائني أبو الحسن البغدادي وهو ثقة. والحديث أخرجه مالك في " الموطأ " (1 / 239) وعنه البخاري (13 / 63) ومسلم (8 / 182) وأحمد (2 / 236) عن أبي الزناد به دون قوله: " ما به حب لقاء الله عز وجل ". ومن أجل هذه الزيادة خرجته هنا. ويشهد لها ما رواه أبو حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه بلفظ: " يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر وليس به الدين، إلا البلاء ". أخرجه مسلم وابن ماجه (2 / 494) . ومعنى الحديث أنه لا يتمنى الموت تدينا وتقربا إلى الله وحبا في لقائه وإنما لما نزل به من البلاء والمحن في أمور دنياه. ففيه إشارة إلى جواز تمني الموت تدينا. ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ... " لأنه خاص بما إذا كان التمني لأمر دنيوي كما هو ظاهر. قال الحافظ: " ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف . قال النووي: لا كراهة في ذلك بل فعله خلائق من السلف منهم عمر ابن الخطاب و ... ".

579

579 - " يبايع لرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا يسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا وهم الذين يستخرجون كنزه ". أخرجه أحمد (2 / 291، 312، 328، 351) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن سمعان وهو ثقة. ولذلك سكت الحافظ في " الفتح " (3 / 362) عليه، بعد ما عزاه لأحمد. 580 - " كان لا يفطر أيام البيض في حضر ولا سفر ". أخرجه النسائي في سننه (1 / 321) : أخبرنا القاسم بن زكريا قال: حدثنا عبيد الله قال: حدثنا يعقوب عن جعفر عن سعيد عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يعقوب وجعفر الراوي عن سعيد وهو ابن جبير. أما الأول فهو يعقوب بن عبد الله بن سعد القمي وأما الآخر فهو جعفر بن أبي المغيرة القمي، قال الحافظ في كل منهما: " صدوق يهم " وقال الذهبي في الآخر منهما: " صدوق ". وفي الأول: " عالم أهل (قم) قال النسائي وغيره: ليس به بأس. وقال الدارقطني: ليس بالقوي. قلت: خرج له البخاري تعليقا ". وأخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (59 / 212 / 1) من طريق أخرى عنه.

581

581 - " يقول الله عز وجل: من عمل حسنة فله عشر أمثالها أو أزيد ومن عمل سيئة فجزاؤها مثلها أو أغفر ومن عمل قراب الأرض خطيئة، ثم لقيني لا يشرك بي شيئا جعلت له مثلها مغفرة ومن اقترب إلي شبرا اقتربت إليه ذراعا ومن اقترب إلي ذراعا اقتربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ". أخرجه مسلم (8 / 67) وابن ماجه (1 / 382) وأحمد (5 / 153) واللفظ له والطيالسي (ص 62 رقم 464) من طريقين عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وإسناده صحيح على شرط الستة. ورواه الحاكم (4 / 241) من طريق ثالث عن المعرور به ببعض اختصار وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. 582 - " من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 449) حدثنا روح حدثنا سعيد عن قتادة حدثنا سالم ابن أبي الجعد الغطفاني عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح متصل رجاله رجال الشيخين غير أن البخاري لم يخرج لمعدان هذا. وقد أخرجه مسلم كما يأتي. وسعيد هو ابن أبي عروبة. وقد تابعه جماعة . فقال أحمد: حدثنا حسين في " تفسير شيبان ": عن قتادة حدثنا سالم بن أبي الجعد به. وشيبان هذا هو ابن عبد الرحمن التميمي أبو معاوية النحوي، ثم قال: حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: حدثنا همام - قال عفان في حديثه: حدثنا همام قال: كان قتادة يقص به علينا - قال حدثنا سالم بن أبي الجعد به.

ثم رجع إلى حديث عبد الصمد قال: حدثنا همام حدثنا قتادة به إلا أنه قال: " من حفظ عشر آيات من سورة الكهف ". قلت: ومعنى هذا - والله أعلم - أن عبد الصمد وعفانا اختلفا على همام في هذا الحرف من الحديث، فقال عبد الصمد: " من سورة الكهف " لم يذكر فيه " أول " وقال عفان: " من أول سورة الكهف " كما قال الجماعة عن قتادة ولا شك أن هذا هو الصواب لأن الجماعة أحفظ، لاسيما ومعهم زيادة ويؤكد ذلك أن عفانا قد توبع فقال الإمام أحمد (5 / 196) : حدثنا يزيد أنبأنا همام بن يحيى عن قتادة به وقال أبو داود في " سننه " (4323) : حدثنا حفص ابن عمر حدثنا همام حدثنا قتادة به. وقال: " وكذا قال هشام الدستوائي عن قتادة إلا أنه قال: " من حفظ من خواتيم سورة الكهف ". وقال شعبة عن قتادة: " من آخر الكهف ". قلت: رواية هشام أخرجها مسلم (2 / 199) : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ ابن هشام حدثني أبي فذكره مثل رواية الجماعة. فلا أدري أوهم أبو داود فيما عزى إلى هشام أم أن هذا اختلف عليه الرواة على نحو ما سبق من الخلاف على همام. وهذا أقرب. وأما رواية شعبة فهي كما ذكر أبو داود. وقد وصلها أحمد (6 / 446) والداني في " الفتن " (132 / 2) ومسلم وقال عقبها: " وقال همام: " من أول الكهف " كما قال هشام ". يشير بذلك إلى ترجيح روايتهما على رواية شعبة وهو كذلك لو كانا وحيدين

583

فكيف ومعهما رواية سعيد بن أبي عروبة وشيبان بن عبد الرحمن كما سبق. بل إن شعبة قد وافقهم عليها في رواية عنه أخرجها الترمذي وصححها ولكنه شذ عنهم جميعا في لفظ آخر فقال: " ثلاث " مكان " عشر " وبيان ذلك في السلسلة الأخرى (1336) . ثم رأيت شعبة قد روى ذلك الحرف على وجه آخر بلفظ " من سورة الكهف ". لم يقل " أول " ولا " آخر "، وكأنه لتردده بينهما. أخرجه عنه هكذا الخطيب في " تاريخه " (1 / 290) . فائدة: قد جاء في حديث آخر بيان المراد من الحفظ والعصمة المذكورين في هذا الحديث وهو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الدجال: " فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنها جواركم من فتنه ". أخرجه أبو داود (4321) بسند صحيح وأصله عند مسلم (8 / 197) دون قوله " فإنها ... ". 583 - " يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقا واحدا ". أخرجه البخاري (8 / 538 - فتح) : حدثنا آدم حدثنا الليث عن خالد ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: هكذا ساقه البخاري في " التفسير " وهو قطعة من حديث أبي سعيد الطويل في رؤية الله في الآخرة ساقه بتمامه في " التوحيد " (13 / 362 - 364) : حدثنا يحيى بن بكير: حدثنا الليث به، بلفظ:

" فيقول - يعني الرب تبارك وتعالى للمؤمنين - هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق فيكشف عن ساقه فيسجد ... " وأخرجه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 344) بسنده عن يحيى بن بكير به وقال: " رواه البخاري في " الصحيح " عن ابن بكير ورواه عن آدم ابن أبي إياس عن الليث مختصرا وقال في هذا الحديث: يكشف ربنا عن ساقه. ورواه مسلم عن عيسى بن حماد عن الليث كما رواه ابن بكير. وروي ذلك أيضا عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: أخرجه مسلم في " الإيمان " من " صحيحه " (1 / 114 - 117) : حدثني سويد ابن سعيد قال: حدثني حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم به. إلا أنه قال: " ... فيقولون نعم، فكشف عن ساق ... " ثم ساقه عن عيسى بن حماد عن الليث به نحوه لم يسق لفظه. ومن طريق هشام بن سعد: حدثنا زيد بن أسلم به نحوه لم يسق لفظه أيضا وإنما أحال فيهما على لفظ حديث حفص. وقد أخرج حديث هشام ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 113) وكذا الحاكم (4 / 582 - 584) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي وفيه عنده: " نعم، الساق، فيكشف عن ساق ". وأخرجه ابن خزيمة وأحمد أيضا (3 / 16 - 17) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق حدثنا زيد بن أسلم به بلفظ " قال: فيكشف عن ساق ". ولفظ ابن بكير عند البخاري " هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟ فيقولون: الساق ". وهو لفظ مسلم عن سعيد بن

سويد إلا أنه قال: " نعم " مكان " الساق ". وجمع بينهما هشام بن سعد عند الحاكم كما رأيت وهي عند مسلم ولكنه لم يسق لفظه كما سبق. وجملة القول: أن الحديث صحيح مستفيض عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد. وقد غمزه الكوثري - كما هي عادته في أحاديث الصفات - فقال في تعليقه على " الأسماء " (ص 345) : " ففي سند البخاري ابن بكير وابن أبي هلال وفي سند مسلم سويد بن سعيد ". قلت: وإذا أنت ألقيت نظرة منصفة على التخريج السابق تعلم ما في كلام الكوثري هذا من البعد عن النقد العلم النزيه، فإن ابن بكير لم يتفرد به عن الليث بل تابعه آدم عند البخاري كما رأيت في تخريجنا وفي كلام البيهقي الذي تجاهله الكوثري لغاية في نفسه وتابعه أيضا عيسى ابن حماد عند مسلم على أن ابن بكير وإن تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، فذلك في غير روايته عن الليث، فقال ابن عدي: " كان جار الليث بن سعد وهو أثبت الناس فيه ". وأما سويد بن سعيد، فهو وإن كان فيه ضعف من قبل حفظه فلا يضره ذلك هنا لأنه متابع من طرق أخرى عن زيد كما سمعت ورأيت. ومثل ذلك يقال عن سعيد بن أبي هلال، فقد تابعه حفص بن ميسرة وهشام بن سعد وعبد الرحمن بن إسحاق، فاتفاق هؤلاء الثلاثة على الحديث يجعله في منجاة من النقد عند من ينصف. نعم لقد اختلف في حرف منه، فقال الأول: " عن ساقه " وقال الآخرون: " عن ساق ". والنفس إلى رواية هؤلاء أميل ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (8 / 539) بعد أن ذكره باللفظ الأول: " فأخرجها الإسماعيلي كذلك. ثم قال: في قوله " عن ساقه " نكرة. ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ: يكشف عن ساق. قال الإسماعيلي: هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله ذو أعضاء

وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شيء ". قلت: نعم ليس كمثله شيء ولكن لا يلزم من إثبات ما أثبته الله لنفسه من الصفات شيء من التشبيه أصلا كما لا يلزم من إثبات ذاته تعالى التشبيه، فكما أن ذاته تعالى لا تشبه الذوات وهي حق ثابت، فكذلك صفاته تعالى لا تشبه الصفات وهي أيضا حقائق ثابتة تتناسب مع جلال الله وعظمته وتنزيهه، فلا محذور من نسبة الساق إلى الله تعالى إذا ثبت ذلك في الشرع وأنا وإن كنت أرى من حيث الرواية أن لفظ " ساق " أصح من لفظ " ساقه " فإنه لا فرق بينهما عندي من حيث الدراية لأن سياق الحديث يدل على أن المعنى هو ساق الله تبارك وتعالى وأصرح الروايات في ذلك رواية هشام عند الحاكم بلفظ: " هل بينكم وبين الله من آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم الساق، فيكشف عن ساق ... ". قلت: فهذا صريح أو كالصريح بأن المعنى إنما هو ساق ذي الجلالة تبارك وتعالى. فالظاهر أن سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حين كان يقول: " عن ساقه ". ولا بأس عليه من ذلك ما دام أنه أصاب الحق. وأن مما يؤكد صحة الحديث في الجملة ذلك الشاهد عن ابن مسعود الذي ذكره البيهقي مرفوعا وإن لم أكن وقفت عليه الآن مرفوعا وقد أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 115) من طريق أبي الزعراء قال: " ذكروا الدجال عند عبد الله، قال: تقترفون أيها الناس عند خروجه ثلاث فرق ... فذكر الحديث بطوله: وقال: ثم يتمثل الله للخلق، فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه فعند ذلك يكشف عن ساق ، فلا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا خر لله ساجدا ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الزعراء واسمه عبد الله ابن هانىء

584

الأزدي وقد وثقه ابن سعد وابن حبان والعجلي ولم يرو عنه غير ابن أخته سلمة ابن كهيل. ووجدت للحديث شاهدا آخر مرفوعا وهو نص في الخلاف السابق في " الساق " وإسناده قوي، فأحببت أن أسوقه إلى القراء لعزته وصراحته وهو: " إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مناد: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ههنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سجدا وذلك قول الله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) * ويبقى كل منافق، فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة) ". 584 - " إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مناد: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ههنا؟ فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سجدا وذلك قول الله تعالى: * (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون) * ويبقى كل منافق، فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة ". أخرجه الدارمي في " سننه " (2 / 326) : أخبرنا محمد بن يزيد البزاز عن يونس ابن بكير قال: أخبرني ابن إسحاق قال: أخبرني سعيد بن يسار قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الصحيح، إلا أن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة.

585

585 - " كان لا ينام حتى يقرأ * (ألم، تنزيل) * السجدة و * (تبارك الذي بيده الملك) * ". صحيح. أخرجه الترمذي (2 / 146) والدارمي (2 / 455) وأحمد (3 / 340) والبغوي في " تفسيره " (6 / 496) عن ليث عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. وقال الترمذي: " هذا حديث رواه غير واحد عن ليث بن أبي سليم مثل هذا. ورواه مغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وروى زهير قال: قلت لأبي الزبير: سمعت من جابر (فذكر هذا الحديث) ؟ فقال أبو الزبير: إنما أخبرنيه صفوان أو ابن صفوان. وكأن زهيرا أنكر أن يكون هذا الحديث عن أبي الزبير عن جابر ". قلت: وهذا التعليق وصله البغوي في " الجعديات " (ق 117 / 2) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 54 / 2) فقال: حدثنا علي أخبرنا زهير قال: قلت ... الخ. قلت: فعلة الحديث هو صفوان أو ابن صفوان، لم ينسب لكني رأيت الحافظ ابن حجر قد أورده في " باب من نسب إلى أبيه أو جده ... " بأنه " صفوان بن عبد الله بن صفوان، نسب لجده " فإذا كان كذلك فهو صفوان وابن صفوان وهو ثقة من رجال مسلم. وكذلك سائر رجاله عند البغوي وزهير هو ابن معاوية بن خديج أبو خيثمة فالسند صحيح، والله ولى التوفيق. وأما رواية المغيرة بن مسلم، فقد وصلها الثعلبي في " تفسيره " (3 / 84 / 1) والواحدي في " الوسيط " (3 / 199 / 1) بإسنادهما عنه عن أبي الزبير عن جابر به وزاد: " ويقول: هما يفضلان كل سورة في القرآن بسبعين سنة، ومن قرأهما كتبت له سبعون حسنة ومحي عنه سبعون سيئة ورفع له سبعون درجة ".

586

والمغيرة هذا صدوق كما قال الحافظ، ولكني في شك من ثبوت هذه الزيادة عنه وليس في متناول يدي الآن إسناد الحديث إليه لأعيد النظر فيه، ولما كنت نقلته من المصدرين المذكورين لم أنقل منه إلا قسمه الأعلى المذكور هنا، وإني لأخشى أن تكون هذه الزيادة مدرجة في الحديث، فقد روى الدارمي (2 / 455) حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا أبو الزبير عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال: " من قرأ تنزيل السجدة وتبارك الذي بيده الملك كتب له سبعون حسنة وحط عنه بها سبعون سيئة ورفع له بها سبعون درجة ". قلت: وهذا إسناد مقطوع حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن ضمرة، وثقه العجلي وابن حبان، وروى عنه جمع من الثقات. والبحث في هذه الزيادة يحتاج إلى مزيد من التحقيق، فعسى أن ييسر لي ذلك قريبا. 586 - " * (قل يا أيها الكافرون) * تعدل ربع القرآن ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 55 / 1) والحاكم (1 / 566 - تلخيص) من طريق غسان بن الربيع حدثنا جعفر بن ميسرة الأشجعي عن أبيه عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: بل جعفر بن ميسرة منكر الحديث جدا. قاله أبو حاتم، وغسان ضعفه الدارقطني ".

قلت: هذا قد وثق، فالعلة من جعفر، فقد ضعفه البخاري جدا بقوله: " منكر الحديث " لكنه لم يتفرد به، فقد جاء من طريق أخرى عن ابن عمر، أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 203 / 2) من طريقين عن سعيد بن أبي مريم أنبأنا يحيى ابن أيوب عن عبيد الله بن زحر عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عنه مرفوعا به. ورجاله ثقات غير ابن زحر وابن أبي سليم، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما. فيتقوى حديثهما بما روى سلمة بن وردان قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وزاد: " وإذا زلزت ربع القرآن وإذا جاء نصر الله ربع القرآن ". أخرجه أحمد (3 / 146 - 147) والخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 380) والترمذي (2 / 147) وقال: " حديث حسن ". ورجاله ثقات غير سلمة فإنه ضعيف لسوء حفظه أيضا، فالحديث حسن بمجموع الطرق، لاسيما وله طريق أخرى عن أنس، وشاهد آخر عن ابن عباس وهما مخرجان في " السلسلة الأخرى " (1342) وله شاهد ثالث من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 32) وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 105) وقال الطبراني: " تفرد به زكريا بن عطية ". قلت: وهو مجهول. والحديث ذكره الحافظ في " نتائج الأفكار " من طريق الطبراني هذه وأعله بالجهالة ثم قال:

587

" وللحديث شواهد مرسلة "! ثم ساق شاهدين اثنين مقطوعين! ! ففاتته هذه الشواهد الكثيرة الموصولة. والموفق الله تبارك وتعالى. 587 - " كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف: زجر وأمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال، فأحلوا حلاله وحرموا حرامه وافعلوا ما أمرتم به وانتهوا عما نهيتم عنه واعتبروا بأمثاله واعملوا بمحكمه وآمنوا بمتشابهه وقولوا: * (آمنا به كل من عند ربنا) * ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 184 - 185) والحاكم (1 / 553) وابن حبان (1782) والهروي في " ذم الكلام " (ق 62 / 2) من طرق عن حيوة ابن شريح عن عقيل بن خالد عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد قال الحاكم " صحيح "! ووافقه الذهبي ورجاله ثقات رجال الشيخين غير سلمة هذا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم وروى عن أبيه أنه قال: " لا بأس به ". لكن أعله الطحاوي بالانقطاع، فإنه ساقه بعده من طريق عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث بن سعد قال: حدثني عقيل بن خالد عن ابن شهاب قال: أخبرني سلمة بن أبي سلمة (عن أبيه) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر هذا الحديث ولم يذكر فيه عبد الله بن مسعود. ثم قال الطحاوي: " فاختلف حيوة والليث عن عقيل في إسناده، فرواه كل واحد منهما على ما ذكرناه في روايته إياه عنه وكان أهل العلم بالأسانيد يدفعون هذا الإسناد بانقطاعه في إسناده،

لأن أبا سلمة لا يتهيأ في سنه لقاء عبد الله بن مسعود ولا أخذه إياه عنه ". وأقول في إسناد طريق الليث عبد الله بن صالح وفيه ضعف من قبل حفظه ولذلك فرواية حيوة أصح، لكنها منقطعة لما ذكره الطحاوي من عدم سماع أبي سلمة من ابن مسعود، فقد مات هذا سنة (32) وهي السنة التي مات فيها عبد الرحمن بن عوف والد أبي سلمة وقد ذكروا أنه لم يسمع من أبيه لصغره. فهذه هي علة الحديث: الانقطاع وقد وجدت له طريقا أخرى موصولة يرويها عثمان بن حيان العامري عن فلفلة الحنفي قال: " فزعت فيمن فزع إلى عبد الله - يعني ابن مسعود - في المصاحف فدخلنا عليه، فقال رجل من القوم: إنا لم نأتك زائرين، ولكنا جئنا حين راعنا هذا الخبر، قال: إن القرآن أنزل على نبيكم من سبعة أبواب على سبعة أحرف وإن الكتاب الأول كان ينزل من باب واحد، على حرف واحد ". أخرجه الطحاوي (4 / 182) وأحمد (1 / 445) . قلت: وهذا إسناد جيد موصول، رجاله كلهم ثقات معرفون غير فلفلة هذا واسم أبيه عبد الله أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 92 - 93) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (1 / 185) وروى عنه جماعة من الثقات كما في " التهذيب "، ويمكن أن يكون فلفلة هذا هو الواسطة في رواية هذا الحديث بين أبي سلمة وابن مسعود. وبالجملة فالحديث حسن عندي بهذه الطريق. والله أعلم. وقد روي من حديث أبي هريرة غير أن إسناده واه جدا فلا يصلح للاستشهاد وفي أوله زيادة، أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (1346) .

588

588 - " إن لكل شيء سناما وسنام القرآن سورة البقرة، وإن الشيطان إذا سمع سورة البقرة تقرأ، خرج من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ". أخرجه الحاكم (1 / 561) من طريق عمرو بن أبي قيس عن عاصم ابن أبي النجود عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود موقوفا ومرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو عندي حسن لأن في عاصم هذا بعض الضعف من قبل حفظه. ولنصفه الآخر طريق أخرى عنده عن عاصم به نحوه. والنصف الأول أخرجه الدارمي (2 / 447) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم به موقوفا على ابن مسعود وزاد: " وإن لكل شيء لبابا وإن لباب القرآن المفصل ". قلت: وإسناده حسن. وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد مرفوعا نحوه وآخر من حديث أبي هريرة نحوه وهما مخرجان في الكتاب الآخر (1348 و 1349) ولطرفه الأول منه شاهد آخر من حديث معقل بن يسار مرفوعا بلفظ: " البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكا واستخرجت * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * من تحت العرش فوصلت بها ... ". أخرجه أحمد (5 / 26) عن رجل عن أبيه عنه. قلت: وهذا إسناد ظاهر الضعف وقد سمي الرجل الأول في بعض الطرق بأبي عثمان وصرح فيها بأنه ليس النهدي، فهو مجهول على كل حال.

589

589 - " من قرأ * (قل هو الله أحد) * حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة ". أخرجه أحمد (5 / 437) والعقيلي في " الضعفاء " (147) من طريق ابن لهيعة ورشدين بن سعد قالا: حدثنا زبان بن فائد (الحمراوي) عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه معاذ بن أنس الجهني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد: " فقال عمر: إذن نستكثر قصورا يا رسول الله! فقال: الله أكثر وأطيب ". وأخرجه ابن السني (687) عن ابن لهيعة وحده، دون الزيادة. قلت: وهذا إسناد لين من أجل زبان، قال الحافظ: " ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته ". وقال الهيثمي في " المجمع " (7 / 145) : " رواه الطبراني وأحمد وفي إسنادهما رشدين بن سعد وزبان. وكلاهما ضعيف وفيهما توثيق لين " . قلت: رشدين قد تابعه ابن لهيعة عند أحمد وذلك مما يقويه ويبعد العلة عنه وزبان غير متهم، فحديثه مما يستشهد به. وقد وجدت له شاهدا موصولا وآخر مرسلا، أما الأول فأخرجه الطبراني في " الأوسط " عن أبي هريرة مرفوعا به دون الزيادة وزاد: " ومن قرأها عشرين مرة بنى له قصران ومن قرأها ثلاثين مرة بنى له ثلاث ". قال الهيثمي: " وفيه هانىء بن المتوكل وهو ضعيف ". وأما الآخر، فقال الدارمي في " سننه " (2 / 459) : حدثنا عبد الله ابن يزيد حدثنا حيوة قال: أخبرني أبو عقيل أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الحديث مثل حديث معاذ بن أنس بتمامه وفيه الزيادة الثانية التي في الشاهد الأول.

590

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي عقيل واسمه زهرة بن معبد فهو من رجال البخاري وحده، فإذا ضم إلى هذا المرسل الصحيح الموصولان من حديث معاذ وأبي هريرة، تقوى الحديث، وبلغ رتبة الحسن على أقل الدرجات. 590 - " سيليكم أمراء بعدي يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم، فلا طاعة لمن عصى الله ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (225) والحاكم (3 / 356) من طريق عبد الله بن واقد عن أبي الزبير عن جابر عن عبادة بن الصامت مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: تفرد به عبد الله بن واقد وهو ضعيف ". فقال المناوي عقبه: " وبه يعلم أن رمز المصنف لحسنه غير حسن ". وقال العقيلي: " وقد روي في هذا رواية من غير هذا الوجه أصلح من هذه الرواية بخلاف هذا اللفظ ". والحديث عزاه السيوطي للطبراني أيضا في الكبير. ولم أره في " المجمع " ولعل رمزه عليه بالحسن باعتبار أن له طريقا أخرى عن عبادة فيها زيادة لم ترد في هذه الطريق ولذلك أوردتها في " السلسلة الأخرى " (1353) ، وأما هذه فقد استخرت الله تعالى، فأوردتها هنا لتقويها بمجموع الطريقين. والله الهادي إلى سواء السبيل. ثم وجدت له شاهدا من حديث ابن مسعود مرفوعا بلفظ:

591

" سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. فقلت: يا رسول الله! إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله ". أخرجه أحمد وابنه (1 / 339 - 400) وابن ماجه (2865) والسياق له والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 74 / 2) من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود به. ولفظ الطبراني: " سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ويحدثون البدع ... " الحديث. قلت: وإسناده جيد على شرط مسلم. 591 - " إن أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ أو قال: من الصيغة ما تكلف امرأة الغني، فذكر امرأة من بني إسرائيل كانت قصيرة واتخذت رجلين من خشب وخاتما له غلق وطبق وحشته مسكا وخرجت بين امرأتين طويلتين أو جسيمتين، فبعثوا إنسانا يتبعهم، فعرف الطويلتين ولم يعرف صاحبة الرجلين من خشب ". أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 208) : حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني قال: حدثنا المعتمر عن أبيه قال: حدثنا أبو نضرة عن أبي سعيد أو جابر أن نبي الله صلى الله عليه وسلم خطب خطبة فأطالها، وذكر فيها أمر الدنيا والآخرة، فذكر أن أول ما هلك ... الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرج في صحيحه (7 / 47 - 48) من طرق عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا قصة المرأة القصيرة فقط ولذلك خرجته.

592

وكذلك أخرجه أحمد (3 / 46) من طريق المستمر بن الريان الإيادي حدثنا أبو نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري به، إلا أنه زاد في أوله فقال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدنيا فقال. إن الدنيا خضرة حلوة، فاتقوها واتقوا النساء. ثم ذكر نسوة ثلاثا من بني إسرائيل ... " الحديث نحوه. وسنده صحيح أيضا. 592 - " إن لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال ". أخرجه الترمذي (2 / 54) والبخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 222) وابن حبان (2470) والحاكم (4 / 318) وأحمد (4 / 160) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 86 / 1) من طرق عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن كعب بن عياض قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالوا، بل هو عندي على شرط مسلم. وقد أعل بما لا يقدح كما يأتي. وروي من حديث أبي هريرة. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (299) عن علي بن قتيبة حدثنا مالك عن موسى الأحمر عنه مرفوعا به. وقال: " ليس له أصل من حديث مالك ولا من وجه يثبت وعلي ابن قتيبة الرفاعي بصري لين الحديث، عن " الثقات " بالبواطيل وما لا أصل له ".

593

وقوله " ولا من وجه يثبت " مردود بحديث كعب بن عياض، فإنه لا علة له وقد صححه من ذكرنا وخرجه ابن عبد البر وصححه أيضا كما في " الفيض ". 593 - " من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر الدعاء في الرخاء ". رواه الترمذي (2 / 244) وابن عدي (255 / 1) وعبد الغني المقدسي في " الدعاء " (144 - 145) وكذا ابن عساكر (3 / 183 / 1) عن عبيد بن واقد حدثنا سعيد بن عطية عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة مرفوعا. وقال ابن عدي: " وعبيد بن واقد عامة ما يرويه لا يتابع عليه ". قلت: وأشار الترمذي إلى تضعيفه بقوله: " غريب ". وله طريق أخرى عند الحاكم (1 / 544) ومن طريقه ابن النجار في " الذيل " (10 / 107 / 1) وعند المقدسي عن عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن أبي عامر الألهاني عن أبي هريرة. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " احتج البخاري بابن صالح وأبو عامر الآلهاني أظنه الهوزني وهو صدوق ". ووافقه الذهبي.

594

قلت: وفيه نظر فإن ابن صالح فيه ضعف من قبل حفظه. وأبو عامر الهوزني اسمه عبد الله بن لحي وهو ثقة ولكن يبدو أنه غير الألهاني فإن هذا أورده ابن أبي حاتم في " الكنى " (4 / 2 / 411) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وكذلك أورده في الكنى ابن حبان في " الثقات " (1 / 271 - 272) وأما عبد الله بن لحي فقد أورداه في " الأسماء " فهذا دليل على التفريق وإن كان صنيع الحافظ ابن حجر يدل على خلاف ذلك، فإنه أورد أبا عامر الألهاني في الكنى وقال " اسمه عبد الله بن عامر " تقدم. فرجعنا إلى الأسماء فلم نجد فيها من اسمه عبد الله بن عامر وكنيته أبو عامر من هذه الطبقة " ولكن وجدناه يقول: " عبد الله بن عامر بن لحي في ترجمة عبد الله بن لحي. ففيه إشارة إلى أن عبد الله بن عامر المكنى بأبي عامر الألهاني هو عنده عبد الله بن عامر ابن لحي المكنى بأبي عامر الهوزني ويناقضه أنه فرق في الكنى بينهما. وهو الصواب. والله أعلم. والحديث عزاه المنذري في " الترغيب " (2 / 271) للحاكم من حديث سلمان أيضا فلينظر فإني لم أجده في " الذكر والدعاء " من " مستدركه ". 594 - " ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهي ". رواه الترمذي (2 / 261) والحاكم (1 / 493) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح معاني الآثار " (6 - 7) وابن عساكر (5 / 61 / 1) عن صالح المري عن هاشم بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". وقال الحاكم: " حديث مستقيم الإسناد، تفرد به صالح المري وهو أحد زهاد أهل البصرة ".

595

وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: صالح متروك ". وسبقه إلى نحو ذلك المنذري فقال في " الترغيب " (2 / 277) متعقبا على الحاكم: " لا شك في زهده، لكن تركه أبو داود والنسائي ". لكن روي له شاهد بسند ضعيف، رواه أحمد (2 / 177) عن ابن عمرو نحوه. وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف وفي أول حديثه زيادة: " القلوب أوعية بعضها أوعى من بعض فإذا سألتم الله ... ". 595 - " إذا سألتم الله، فاسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ". أخرجه أبو داود (1486) وكذا البغوي وابن أبي عاصم وابن السكن والمعمري في " اليوم والليله " وابن قانع كما في " الإصابة " وابن عساكر (12 / 230 - 231) من طريق ضمضم عن شريح حدثنا أبو ظبية أن أبا بحرية السكوني حدثه عن مالك بن يسار السكوني ثم العوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، ضمضم هذا هو ابن زرعة وثقه جماعة منهم ابن معين وضعفه أبو حاتم وقال الحافظ: " صدوق يهم " وسائرهم ثقات، وقول الحافظ في أبي ظبية: " مقبول " غير مقبول بل هو قصور، فإن الرجل قد وثقه جماعة من المتقدمين منهم ابن معين وقال الدارقطني " ليس به بأس ".

وقد روى عنه جماعة من الثقات . والحديث صحيح، فإن له شواهد، منها عن أبي بكرة مرفوعا به، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 224) من طريق أبي جعفر الأخرم حدثنا عمار بن خالد حدثنا القاسم بن مالك المزني عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه . وهذا رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمار بن خالد وهو ثقة، وكذا من دونه. وقد قال الهيثمي (10 / 169) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير عمار بن خالد الواسطي وهو ثقة. وقد صح عن خالد بإسناد آخر له مرسلا، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 21 / 1) : أنبأنا حفص بن غياث عن خالد عن أبي قلابة عن ابن محيريز مرفوعا به. وهذا سند مرسل صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين واسم ابن محيريز عبد الله. لكن أخرجه يعقوب بن أحمد الصيرفي في " المنتقى من فوائده " (257 / 2) من طريق أبي نعيم حدثنا سفيان عن خالد عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن محيريز به. ولعل هذا أصح، فقد ذكره ابن أبي حاتم (2 / 206) من رواية بشر بن المفضل عن خالد الحذاء به. وقال: " قال أبي: يقال: هو عبد الله بن محيريز، الصحيح. وكذلك قال خالد عن أبي قلابة ". قلت: فإن كان هو عبد الله فالسند صحيح وإن كان عبد الرحمن، فمحتمل للصحة لأنه قد أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 129) وقد روى عنه جماعة. فهو صالح للاستشهاد به.

وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " لا تستروا الجدر ... سلوا الله ببطون أكفكم ... "، الحديث وزاد في آخره: فإذا فرغتم فامسحوا بها وجوهكم ". أخرجه أبو داود (1485) من طريق عبد الله بن يعقوب بن إسحاق عمن حدثه عن محمد بن كعب القرظي حدثني عبد الله بن عباس. وقال : " روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا ". قلت: وعلته الرجل الذي لم يسم وقد سماه ابن ماجه وغيره صالح ابن حسان كما بينته في تعليقي على " المشكاة " (2243) وهو ضعيف جدا وعلى ذلك فهذه الزيادة منكرة. ولم أجد لها حتى الآن شاهدا. وكأنه لذلك قال العز ابن عبد السلام " لا يمسح وجهه إلا جاهل ". فاعتراض المناوي عليه ليس في محله، كيف وهذه الزيادة لو كانت ضعيفة السند لم يجز العمل بها لأنها تضمنت حكما شرعيا وهو استحباب المسح المذكور، فكيف وهي ضعيفة جدا؟ ! (تنبيه) لا يصلح شاهدا للزيادة حديث ابن عمر مرفوعا: " كان إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه ". لأن فيه متهما بالوضع، وقال أبو زرعة: " حديث منكر أخاف أن لا يكون له أصل ". كما بينته في التعليق على " المشكاة " (2245) . ولا حديث السائب بن يزيد عن أبيه نحوه. أخرجه أبو داود (1492) . لأن فيه ابن لهيعة وهو ضعيف عن حفص بن هاشم

596

بن عتبة بن أبي وقاص وهو مجهول كما قال الحافظ. وقال الذهبي: " روى عنه ابن لهيعة وحده لا يدرى من هو؟ ". 596 - " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد ودعوة المسافر ودعوة المظلوم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (32، 481) وأبو داود (1536) والترمذي (2 / 256) وابن ماجه (3862) وابن حبان (2406) والطيالسي (2517) وأحمد (2 / 258، 348، 478، 517، 523) وابن ماسي في " فوائده - آخر جزء الأنصاري " (ق 9 / 2) والبرزالي في " جزء فيه أحاديث منتخبة من جزء الأنصاري " رقم الحديث (15 - وهو الأخير) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 211 / 2) من طرق عدة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي جعفر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وقال الترمذي: " حديث حسن، وأبو جعفر الرازي هذا الذي روى عنه يحيى بن أبي كثير، يقال له أبو جعفر المؤذن وقد روى عنه يحيى بن أبي كثير غير حديث ". قلت: لم أر في شيء من الطرق تقييد أبي جعفر بأنه الرازي وهو مع كونه ضعيفا من قبل حفظه، فلم يدرك أبا هريرة ولم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، بل هو غيره قطعا فقد صرح بسماعه من أبي هريرة في رواية البخاري وكذا أحمد في روايته بل إن ابن ماسي في روايته قد سماه فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن علي عن

أبي هريرة. لكن هذه الرواية كأنها شاذة وهي تشهد لقول ابن حبان في " صحيحه " في أبي جعفر هذا أنه محمد بن علي بن الحسين فتعقبه الحافظ بعد أن ساق الرواية المذكورة: " وليس هذا بمستقيم، لأن محمد بن علي لم يكن مؤذنا ولأن أبا جعفر هذا قد صرح بسماعه من أبي هريرة في عدة أحاديث، وأما محمد بن علي بن الحسين فلم يدرك أبا هريرة فتعين أنه غيره. والله تعالى أعلم ". وفي " الميزان ": " أبو جعفر الحنفي اليمامي: عن أبي هريرة وعنه عثمان بن أبي العاتكة مجهول. أبو جعفر عن أبي هريرة. أراه الذي قبله. روى عنه يحيى ابن أبي كثير وحده، فقيل الأنصاري المؤذن، له حديث النزول وحديث ثلاث دعوات ويقال مدني فلعله محمد بن علي بن الحسين وروايته عن أبي هريرة وعن أم سلمة فيها إرسال، لم يلحقهما أصلا ". قلت: وجملة القول أن أبا جعفر هذا إن كان هو المؤذن الأنصاري أو الحنفي اليمامي، فهو مجهول وإن كان هو أبا جعفر الرازي، فهو ضعيف منقطع وإن كان محمد بن علي بن الحسين فهو مرسل. إلا أن الحديث، مع ضعف إسناده، فهو حسن لغيره كما قال الترمذي وذلك لأني وجدت له شاهدا من حديث عقبه بن عامر الجهني مرفوعا بنحوه وهو بلفظ: " ثلاثة تستجاب دعوتهم: الوالد والمسافر والمظلوم ". أخرجه أحمد (4 / 154) والخطيب (12 / 380 - 381) من طريق زيد بن سلام عن عبد الله بن زيد الأزرق عن عقبه بن عامر الجهني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم.... قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن الأزرق أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 58) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (1 / 148) على قاعدته المعروفة.

597

597 - " إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإن لم يقم به نسيه ". أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 73) : حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرني أنس بن عياض عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. 598 - " ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل ورجل خرج غازيا في سبيل الله ورجل خرج حاجا ". أخرجه الحميدي في " مسنده " (1190) : حدثنا سفيان حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق الحميدي رواه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 251) ، وإليها فقط عزاه السيوطي في " الجامع "! وبيض له المناوي! قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أبو نعيم (3 / 13 - 14) من طريق أخرى عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا نحوه إلا أنه قال " والمعتمر " مكان " رجل خرج إلى المسجد ". وفي سنده الحكم بن عبدة البصري وهو مستور كما في " التقريب ".

599

599 - " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ". أخرجه أبو داود (4291) وأبو عمرو الداني في " الفتن " (45 / 1) والحاكم (4 / 522) والبيهقي في " معرفة السنن والآثار " (ص 52) والخطيب في " التاريخ " (2 / 61) والهروي في " ذم الكلام " (ق 111 / 2) من طرق عن ابن وهب: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن شراحيل بن يزيد المعافري عن أبي علقمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وسكت عليه الحاكم والذهبي، وأما المناوي فنقل عنه أنه صححه، فلعله سقط ذلك من النسخة المطبوعة من " المستدرك "، والسند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم. ووقع عند الحاكم والهروي مكان " شراحيل ": " شرحبيل " ولا أراه محفوظا وقد أشار إلى ذلك الحافظ في ترجمة " شرحبيل بن شريك " من " التهذيب ". والله أعلم. ولا يعلل الحديث قول أبي داود عقبه: " رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني لم يجز به شراحيل ". وذلك لأن سعيد بن أبي أيوب ثقة ثبت كما في " التقريب " وقد وصله وأسنده، فهي زيادة من ثقة يجب قبولها.

600

600 - " أخرجوا العواتق وذوات الخدور، فليشهدن العيد ودعوة المسلمين وليعتزل الحيض مصلى المسلمين ". أخرجه الحميدي في " مسنده " رقم (362) : حدثنا سفيان قال: حدثنا أيوب عن حفصة قالت: فسألنا أم عطية هل سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: نعم بأبا، وكانت إذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: بأبا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه بنحوه، وزادا في رواية لهما: " قلت: يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها ". وهي عند الحميدي أيضا (361) . وزاد مسلم في رواية أخرى: " قالت: الحيض يخرجن فيكن خلف الناس، يكبرن مع الناس ". وزاد البخاري في رواية له: " فقلت لها: آلحيض؟ قالت: نعم، أليس الحائض تشهد عرفات وتشهد كذا وتشهد كذا؟ ".

601

601 - " أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام ". رواه عبد الغني المقدسي في " كتاب الدعاء " (141 / 2) من طريق أبي يعلى والطبراني من طريقين عن مسروق بن المرزبان حدثنا حفص بن غياث عن عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير مسروق وهو صدوق له أوهام، كما قال الحافظ، فمثله حسن الحديث فلا يرتقي حديثه إلى درجة الصحيح وقد أحسن السيوطي صنعا حين رمز لحسنه في " الجامع الصغير "، وأما تعقب المناوي له بقوله: " قال المنذري: وهو إسناد جيد قوي، وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير مسروق بن المرزبان وهو ثقة وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه تقصير، وحقه الرمز لصحته ". فتعقب لا وجه له وهو إنما اغتر بقول الهيثمي في ابن المرزبان أنه ثقة. وهذا توثيق مجمل بعد أن عرفت ما فيه من الضعف اليسير. نعم الحديث صحيح، فقد أورد له المقدسي شاهدا من طرق عن زيد ابن الحريش حدثنا عمر بن الهيثم حدثنا عوف عن الحسن عن عبد الله بن مغفل مرفوعا. ورجاله موثقون غير عمر هذا فإنه مجهول كما في " التقريب ". والحسن مدلس وقد عنعنه.

602

ثم رأيت الحديث أخرجه ابن حبان (1939) من طريق أبي يعلى: حدثنا محمد بن بكار حدثنا إسماعيل بن زكريا حدثنا عاصم الأحول به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وابن بكار هو العيشي البصري فصح الحديث بذلك والحمد لله. 602 - " من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا. لم يصبه ذلك البلاء ". أخرجه الترمذي (2 / 253) من طريق عبد الله بن عمر العمري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " حديث (حسن) غريب من هذا الوجه ". قلت: ورجاله ثقات غير العمري فإنه ضعيف لسوء حفظه. وقد وجدت له طريقا أخرى خيرا من هذه يرويه مروان بن محمد الطاطري حدثنا الوليد ابن عتبة حدثنا محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 13) وفي " أخبار أصبهان " (1 / 271) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 / 255 / 2) من طرق عن مروان به. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث محمد، تفرد به مروان عن الوليد ".

قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير الوليد بن عتبة فقال البخاري في " تاريخه ": " معروف الحديث ". وأما أبو حاتم فقال: " مجهول ". قلت: قد عرفه البخاري، ومن عرف حجة على من لم يعرف. لاسيما إذا كان العارف مثل البخاري أمير المؤمنين في الحديث. فالحديث إن لم يكن حسنا لذاته من هذه الطريق، فلا أقل من أن يكون حسنا لغيره بالطريق التي قبله. لاسيما وله طريق أخرى عن ابن عمر، يرويه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه وزاد في آخره: " كائنا ما كان، ما عاش ". أخرجه الترمذي وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 265) وقال الترمذي: " حديث غريب، وعمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، شيخ بصري وليس هو بالقوي في الحديث وقد تفرد بأحاديث عن سالم بن عبد الله ". قلت: ومما يدل على ضعفه اضطرابه في إسناد هذا الحديث، فرواه مرة هكذا ومرة قال: عن سالم عن ابن عمر مرفوعا. لم يذكر عمر في سنده. أخرجه ابن ماجه (3892) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (6 / 2) وابن الأعرابي في " المعجم " (ق 238 / 2) والخرائطي في " فضيلة الشكر " (1 / 2) وتمام الرازي في " الفوائد " (ق 117 / 1) والحنائي في " الفوائد " (3 / 258 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 149 / 2) من طرق عنه به. وقال الحنائي:

603

" غريب، لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير مولاهم واختلف عليه فيه، فرواه عنه ابن عليه كما أخرجناه، ورواه عنه حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار قال: سمعت سالم بن عبد الله ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلم يسنده، بل أرسله. قال: وقد رواه أحمد بن منصور الرمادي عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سالم بن عبد الله قال: كان يقال: من رأى مبتلى. الحديث. وهذا أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى وإنما تفرد عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بذكر النبي صلى الله عليه وسلم على الاختلاف الذي ذكرناه عليه فيه وعمرو بن دينار هذا فيه نظر وهو غير عمرو بن دينار المكي مولى ابن باذان صاحب جابر ذاك ثقة جليل حافظ ". قلت: ومن وجوه الاختلاف على عمرو هذا ما أخرجه ابن عدي في " الكامل " (66 / 2) من طريق الحكم بن سنان حدثنا عمرو بن دينار عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال: " إنما يرويه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده، ومن قال: عن عمرو بن دينار عن نافع عن ابن عمر، فقد أخطأ ". قلت: قد تابعه محمد بن سوقه عن نافع به كما تقدم، فلعل هذا هو أصل الحديث عن عمرو بن دينار، فرواه مرة هكذا على الصواب وسمعه منه الحكم بن سنان على ضعفه ، ثم اضطرب في روايته على ما سبق شرحه. وعلى كل حال فالحديث قوي بمجموع الطريقين الأولين. والله أعلم. 603 - " ذراري المسلمين في الجنة تكفلهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم ". رواه أحمد (2 / 326) وابن حبان (1826) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (289 / 1) والحاكم (2 / 370) وابن

604

عساكر (11 / 328 / 2) عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان حدثني عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة مرفوعا. أورده في ترجمة عطاء هذا وروي عن علي وهو ابن المديني أنه قال: " لا أعرفه " وعن أبي زرعة أنه قال: " كان من خيار عباد الله ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وحسن له الترمذي، وفي " التقريب أنه صدوق ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط. 604 - " كان إذا أراد أن يسجد كبر ثم يسجد وإذا قام من القعدة كبر ثم قام ".

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (284 / 2) حدثنا كامل بن طلحة حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " وفي كامل وابن عمرو كلام لا يضر. والحديث نص صريح في أن السنة التكبير ثم السجود وأنه يكبر وهو قاعد ثم ينهض. ففيه إبطال لما يفعله بعض المقلدين من مد التكبير من القعود إلى القيام!

605

605 - " ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير ". أخرجه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (ق 88 / 1) : حدثني يحيى بن معين قال: حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة قال: إنه أخبره عن صفية بنت شيبة قالت: أخبرتني أم عثمان بنت أبي سفيان عن ابن عباس مرفوعا به، وقال: " لم يسند هذا الحديث إلا هشام بن يوسف ولا رواه إلا يحيى ابن معين ". كذا قال. وذلك على ما أحاط به علمه، وإلا فقد توبع ابن معين فقال أبو داود في " سننه " (1985) : حدثنا أبو يعقوب البغدادي - ثقة - حدثنا هشام بن يوسف به. وأبو يعقوب هذا هو إسحاق بن أبي إسرائيل: إبراهيم بن كامجرا المروزي وهو ثقة كما قال أبو داود وغيره وقد تكلم فيه بعضهم لوقفه في القرآن، وذلك لا يضره في روايته كما تقرر في " المصطلح " خلافا لما نقله الزيلعي عن ابن القطان فيه لاسيما وقد تابعه ابن معين كما رأيت. ومن هذا الوجه أخرجه المخلص في " جزء منتقى من الجزء الرابع من حديثه " (88 / 1) : حدثنا عبد الله - هو البغوي - حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثني هشام بن يوسف به إلا أنه قال: عن ابن جريج أخبرني عبد الحميد بن جبير به. فصرح ابن جريج بالتحديث عنده. وهذه فائدة هامة. وقد توبع عليها كما يأتي وكذلك أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 277) بإسناد المخلص وسياقه. وأخرجه الدارمي في " سنه " فقال (2 / 64) : أخبرنا علي بن عبد الله المديني حدثنا هشام بن يوسف مصرحا فيه ابن جريج بالتحديث.

606

وأخرجه الدارقطني أيضا عن أبي بكر بن عياش عن ابن عطاء يعني يعقوب عن صفية بنت شيبة به. ويعقوب هذا ضعيف، لكنه من الطريق الأولى صحيح لولا أن أم عثمان بنت أبي سفيان قال ابن القطان: " لا يعرف حالها " كما نقله الزيلعي عنه، وبها ضعفا الحديث. لكن قال الحافظ في " التقريب ": " أم عثمان بنت سفيان أو أبي سفيان، وهي أم ولد شيبة بن عثمان لها صحبة وحديث ". وأوردها ابن عبد البر في " الاستيعاب في معرفة الأصحاب " وقال: " كانت من المبايعات، روت عنها صفية بنت شيبة وروى عبد الله ابن مسافع عن أمه عنها ". قلت: فإذا ثبتت صحبتها، فقد زالت جهالتها، لأن الصحابة كلهم عدول كما هو مقرر في " علم الأصول ". وبذلك صح الحديث والحمد لله الذي به تتم الصالحات. 606 - " ما شأني أجعلك حذائي (يعني في الصلاة) فتخنس؟ ". أخرجه أحمد (1 / 330) : حدثنا عبد الله بن بكر حدثنا حاتم بن أبي صغيرة أبو يونس عن عمرو بن دينار أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر الليل، فصليت خلفه، فأخذ بيدي، فجرني، فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي: فذكره، فقلت: يا رسول الله أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك وأنت

607

رسول الله الذي أعطاك الله؟ قال: فأعجبته ، فدعا الله لي أن يزيدني علما وفهما. قال: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعته بنفخ، ثم أتاه بلال، فقال: يا رسول الله الصلاة، فقام فصلى ما أعاد وضوأ ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه الضياء في " المختارة " (67 / 118 / 2) من طريق الإمام أحمد ثم قال: " قد روي في " الصحيحين " ذكر صلاة ابن عباس مع النبي صلى الله عليه وسلم من غير طريق، لكن فيما رويناه من ذكر الانخناس، وقول النبي صلى الله عليه وسلم وجواب النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكراه في (الصحيح) ". وفي الحديث من الفقه أن السنة أن الرجل الواحد، إذا اقتدى بالإمام وقف حذاءه عن يمينه لا يتقدم عنه ولا يتأخر وهو مذهب الحنابلة كما في " منار السبيل " (1 / 128) . 607 - " أطيب الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور ". صحيح. وله طريقان: الأول عن رافع بن خديج، رواه أحمد (4 / 141) والطبراني في " الأوسط " (1 / 135 / 1) والحاكم (2 / 10) عن المسعودي عن وائل بن داود عن عباية بن رفاعة عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل ... وقال الطبراني: " لم يروه عن وائل إلا المسعودي ".

قلت: وهو ثقة لكنه كان قد اختلط وقد خالفه الثوري فقال: عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير عن عمه. أخرجه الحاكم وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. الثاني عن ابن عمر، رواه الطبراني في " الأوسط " عن الحسن بن عرفة حدثنا قدامة بن شهاب المازني حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن وبرة بن عبد الرحمن عن ابن عمر مرفوعا به وقال: " لم يروه عن إسماعيل إلا قدامة تفرد به الحسن بن عرفة " . قلت: وهو لا بأس به وبقية رجاله ثقات، فالسند صحيح إن شاء الله. وقال المنذري (3 / 3) وتبعه الهيثمي (4 / 61) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله ثقات ". وقد رواه شريك عن وائل بن داود عن جميع بن عمير عن خاله أبي بردة مرفوعا به. أخرجه أحمد (3 / 466) والحاكم أيضا وهذا خلاف آخر على وائل وقال الحاكم: " وإذا اختلف الثوري وشريك فالحكم للثوري ". قلت: وهذا مما لا ريب فيه، فإن شريكا سيء الحفظ، والثوري ثقة حافظ إمام ولذلك فلا يضره مخالفة غير شريك إياه، فقد قال أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 121 / 2) : حدثنا أبو معاوية ومروان بن معاوية كلاهما عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره مرسلا لم يذكر في إسناده " عن عمه " وهي زيادة صحيحة لرواية الثوري لها وإن خطأها البيهقي كما نقله المنذري عنه. والله أعلم. ثم رأيت في " العلل " لابن أبي حاتم قال (2 / 443) :

608

" سألت أبي عن حديث رواه أبو إسماعيل المؤدب عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير بن أخي البراء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل ... (الحديث) قال أبي: وحدثني أيضا الحسن بن شاذان عن ابن نمير هكذا متصلا عن البراء، وأما الثقات: الثوري وجماعته فرووا عن وائل بن داود عن سعيد بن عمير أن النبي صلى الله عليه وسلم. والمرسل أشبه ". قلت: فهذا يدل أن الرواة اختلفوا على الثوري في إسناده، فالحاكم رواه عنه موصولا كما تقدم وأبو حاتم يذكر أنه رواه مرسلا. ويتلخص مما سبق أن جماعة رووه عن وائل مرسلا وآخرون رووه عنه موصولا ولا شك أن الحكم لمن وصل لأن معهم زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم، والذين وصلوه ثقات: ابن نمير وأبو سعيد المؤدب وسفيان الثوري في إحدى الروايتين عنه وكذلك شريك ثقة وإن كان سيء الحفظ فيحتج به فيما وافق الثقات كما هو الشأن هنا ولا يحتج به فيما خالفهم كما فعل هنا أيضا فإنه وافقهم في الوصل وخالفهم في اسم الصحابي فقال: عن خاله أبي بردة. وقالوا: عن عمه. وقال بعضهم: عن البراء. فقد اتفقوا على وصله واختلفوا في صحابيه، وذلك مما لا يضر فيه لأن الصحابة كلهم عدول. والله أعلم. 608 - " إن هذا لا يصلح. يعني اشتراط المرأة لزوجها أن لا تتزوج بعده ". أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 238) من طريق نعيم بن حماد حدثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر الأنصارية: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: إني اشترطت لزوجي أن لا أتزوج بعده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... ". فذكره . وقال الطبراني: " تفرد به نعيم ".

قلت: وهو ضعيف وأما قول الهيثمي في " المجمع " (4 / 255) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الصغير " ورجاله رجال الصحيح ". فهو وهم أو تساهل منه، فإن نعيما هذا - وقد تفرد به - إنما أخرج له البخاري تعليقا، ومسلم في مقدمة " صحيحه ". فلا ينبغي إطلاق عزو حديثه إليهما، لأنه يوهم أنه محتج به عندهما! وقوله " بنت البراء ... " لعله خطأ مطبعي، والصواب: " امرأة البراء " وذلك لوجهين: الأول: أنه كذلك وقع في " المجمع " ولفظه: " عن أم مبشر أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب امرأة البراء بن معرور ... ". والظاهر أن هذا السياق لكبير الطبراني. والآخر: أني وجدت للحديث شاهدا قويا مفصلا ولذلك خرجته في هذا الكتاب وإلا فنعيم من حق الكتاب الآخر فقال البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 285) : قال لنا الجعفي أنبأنا زيد بن الحباب قال: أنبأنا يحيى بن عبد الله بن أبي قتادة عن محمد بن عبد الرحمن بن خلاد الأنصاري عن أم مبشر الأنصارية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها وهي في بعض حالاتها - وكانت امرأة البراء بن معرور فتوفي عنها فقال: - إن زيد ابن حارثة قد مات أهله، ولن آلو أن أختار له امرأة، فقد اخترتك له، فقالت: يا رسول الله إني حلفت للبراء أن لا أتزوج بعده رجلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترغبين عنه؟ قالت: أفأرغب عنه وقد أنزله الله بالمنزلة منك؟ إنما هي غيرة، قالت: فالأمر إليك، قال: فزوجها من زيد بن حارثة ونقلها إلى نسائه، فكانت اللقاح تجيء فتحلب فيناولها الحلاب فتشرب، ثم يناوله من أراد من نسائه. قالت: فدخل علي وأنا عند عائشة فوضع يده على ركبتها وأسر إليها شيئا دوني، فقالت بيدها في صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم

609

تدفعه عن نفسها، فقلت: مالك تصنعين هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعيها، فإنها تصنع هذا، وأشد من هذا ". قلت: ورجال إسناده ثقات رجال " الصحيح "، غير يحيى بن عبد الله ومحمد بن عبد الرحمن، وقد وثقهما ابن حبان (2 / 301، 1 / 209) والأول منهما روى عنه جماعة من الثقات كما في " الجرح " (4 / 2 / 161) وقال ابن حبان: " روى عنه أهل المدينة، كنيته أبو عبد الله مات سنة ثنتين وسبعين ومائة ". فالحديث بهذا الشاهد حسن. والله أعلم. 609 - " إذا كان الذي ابتاعها (يعني السرقة) من الذي سرقها غير متهم يخير سيدها، فإن شاء أخذ الذي سرق منه بثمنها وإن شاء اتبع سارقه ".

أخرجه النسائي (2 / 233) والحاكم (2 / 36) وأحمد (4 / 226) عن ابن جريج قال: ولقد أخبرني عكرمة بن خالد أن أسيد بن حضير الأنصاري - ثم أحد بني حارثة - أخبره: " أنه كان عاملا على اليمامة، وأن مروان كتب إليه أن معاوية كتب إليه أن أيما رجل سرق منه فهو أحق بها حيث وجدها، ثم كتب بذلك مروان إلي وكتبت إلى مروان أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بأنه إذا كان ... ثم قضى بذلك أبو بكر وعمر وعثمان. فبعث مروان بكتابي إلى معاوية وكتب معاوية إلى مروان: إنك لست أنت ولا أسيد تقضيان علي، ولكني أقضي فيما وليت عليكما، فانفذ لما أمرتك به، فبعث مروان بكتاب معاوية، فقلت: لا أقضي به ما وليت بما قال معاوية ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: أسيد هذا مات زمن عمر، ولم يلقه عكرمة ولا بقي إلى أيام معاوية، فتحقق هذا ". قلت: التحقيق أن قوله: " ابن حضير " وهم من بعض رواته والصواب " ابن ظهير " . قال الحافظ المزي في ترجمة ابن حضير بعد أن ساق الحديث من طريق هارون بن عبد الله عن حماد بن مسعدة عن ابن جريج: " فإنه وهم. قال هارون: قال أحمد: هو في كتاب ابن جريج " أسيد بن ظهير، ولكن كذا حدثهم بالبصرة. ورواه عبد الرزاق وغيره عن ابن جريج عن عكرمة عن أسيد بن ظهير، وهو الصواب ". أقول: رواية عبد الرزاق عند النسائي قال: أخبرنا عمرو بن منصور قال: حدثنا سعيد بن ذؤيب قال: حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج: ولقد أخبرني ... إلى آخر السياق المذكور في مطلع التخريج. وأنت ترى أنه وقع فيه " أسيد بن حضير ". وهذا خلاف ما عزاه المزي لرواية عبد الرزاق، فهل روايته في " النسائي " مخالفة لروايته عند

غيره ممن نقلها المزي عنه؟ أم أن نسختنا منه وقع فيها خطأ من الطابع أو الناسخ؟ كل من الأمرين محتمل في الظاهر ولكن مما يرجح الاحتمال الثاني: أن الحافظ المزي أورد الحديث في " تحفة الأشراف لمعرفة الأطراف " (1 / 75) وتبعه النابلسي في " الذخائر " (1 / 17) من طريق النسائي عن عمرو بن منصور به ... فذكره كما ذكره في " التهذيب " على الصواب. وقال عقبه: " وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق وقيل عن أسيد بن حضير وهو وهم ". فتبين أن الذي في نسختنا من " النسائي " خطأ من الناسخ أو الطابع. وإذا كان الأمر كذلك: فابن ظهير صحابي وقد استصغر يوم أحد وروى عنه غير عكرمة ابنه رافع ومجاهد. فثبت الحديث وزال الوهم. والموفق الله. وفي الحديث فائدتان هامتان: الأولى: أن من وجد ماله المسروق عند رجل غير متهم اشتراها من الغاصب أو السارق ، فليس له أن يأخذه إلا بالثمن وإن شاء لاحق المعتدي عند الحاكم. وأما حديث سمرة المخالف لهذا بلفظ: " من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به، ويتبع البيع من باعه " فهو حديث معلول كما بينته في التعليق على " المشكاة " (2949) فلا يصلح لمعارضة هذا الحديث الصحيح، لاسيما وقد قضى به الخلفاء الراشدون. والأخرى: أن القاضي لا يجب عليه في القضاء أن يتبنى رأى الخليفة إذا ظهر له أنه مخالف للسنة، ألا ترى إلى أسيد بن ظهير كيف امتنع عن الحكم بما أمر به معاوية وقال: " لا أقضي ما وليت بما قال معاوية ". ففيه رد صريح على من يذهب اليوم من الأحزاب الإسلامية إلى وجوب طاعة الخليفة الصالح فيما تبناه من أحكام ولو خالف النص في وجهة نظر المأمور وزعمهم أن العمل جرى على ذلك من المسلمين الأولين وهو زعم باطل لا سبيل لهم إلى إثباته،

610

كيف وهو منقوض بعشرات النصوص هذا واحد منها، ومنها مخالفة علي رضي الله عنه في متعة الحج لعثمان بن عفان في خلافته، فلم يطعه، بل خالفه مخالفة صريحة كما في " صحيح مسلم " (4 / 46) عن سعيد بن المسيب قال: " اجتمع علي وعثمان رضي الله عنهما بعسفان، فكان عثمان ينهى عن المتعة أو العمرة، فقال علي: ما تريد إلى أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى عنه؟ ! فقال عثمان: دعنا منك ! فقال: إني لا أستطيع أن أدعك. فلما أن رأى علي ذلك أهل بهما جميعا ". 610 - " ألا إن العارية مؤداة والمنحة مردودة والدين مقضي والزعيم غارم ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 293) : حدثنا علي بن إسحاق أنبأنا ابن المبارك حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن (في الأصل: عن) جابر قال: حدثني سعيد ابن أبي سعيد عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير علي ابن إسحاق وهو السلمي وهو ثقة اتفاقا وجهالة الصحابي لا تضر. وقال الهيثمي (4 / 145) : " ورجاله ثقات ". وللحديث شاهد من طريق إسماعيل بن عياش حدثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه أحمد (5 / 267) وأصحاب السنن إلا النسائي وقال الترمذي (2 / 252 - تحفة) : " حديث حسن وفي الباب عن سمرة وصفوان بن أمية وأنس وقد روي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا من غير هذا الوجه ".

611

قلت: وعلى هذا فاقتصاره على تحسين الحديث مع هذه الشواهد والطرق قصور بين، لاسيما والطريق الأولى عند أحمد صحيحة لذاتها كما عرفت. ومن طرقه وألفاظه الحديث الآتي بعده. وقد خولف ابن المبارك في إسناده، فقال ابن ماجه (2 / 72 ) : حدثنا هشام بن عمار وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقيان قالا: حدثنا محمد بن شعيب عن عبد الرحمن بن يزيد عن سعيد بن أبي سعيد عن أنس مرفوعا به. قال في " الزوائد ": " وهذا إسناد صحيح، وعبد الرحمن بن يزيد هو ابن جابر ثقة. وسعيد بن أبي سعيد هو المقبري ". قلت: ومحمد بن شعيب هو ابن شابور وهو ثقة اتفاقا، وقد زاد على ابن المبارك فسمى الصحابي أنسا، فهي زيادة مقبولة وليست مخالفة لرواية ابن المبارك كما هو ظاهر. ولقد أبعد الزيلعي النجعة، فنسب الحديث في " نصب الراية " (4 / 58) للطبراني وحده في " مسند الشاميين " من طريق هشام بن عمار حدثنا محمد بن شعيب به. وتبعه على ذلك الحافظ في " الدراية " (ص 290) ! ! 611 - " العارية مؤداة والمنحة مرودة ومن وجد لقطة مصراة، فلا يحل له صرارها حتى يريها ". رواه ابن حبان في صحيحه (1174) : أخبرنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا الجراح بن مليح البهراني حدثنا حاتم بن حريث الطائي قال: سمعت أبا أمامة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند حسن، حاتم هذا، روى عنه سوى الجراح هذا معاوية بن صالح قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 257) :

" قال ابن معين: لا أعرفه، وسألت أبي عنه؟ فقال: شيخ ". قال الحافظ في " التهذيب ": " قلت: وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال عثمان بن سعيد الدارمي: ثقة. قال ابن عدي: لعزة حديثه لم يعرفه ابن معين وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى وبقية رجاله رجال الصحيح غير أحمد بن الحسن الصيرفي وهو ثقة وثقه الدارقطني والخطيب كما في " تاريخه " (4 / 82 - 84) . والحديث أشار إليه الحافظ في " التلخيص " وقال (ص - 25) : " وصححه ابن حبان من طريق حاتم هذه، وقد وثقه عثمان الدارمي ". والحديث رواه النسائي من هذا الوجه فقال: أنبأنا عمرو بن منصور أنبأنا الهيثم بن خارجة به. ذكره ابن حزم (9 / 172) وأعله بقوله: " حاتم بن حريث مجهول ". كذا قال، وكأنه لم يقف على توثيق الدارمي له أو لم يعتد به، فلا أدري ما وجهه حينئذ مع قول ابن عدي: " لا بأس به ". واعلم أن الطرف الأول من الحديث " العارية مؤداة " قد روي من طريق أخرى عن أبي أمامة، ومن طرق أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ابن حزم وضعفها كلها وفاته الطريق الأولى باللفظ الأول عند أحمد وهي صحيحة عندنا كما علمت وإن كان المعروف عن ابن حزم أنه لا يحتج برواية من لم يسم من الصحابة خلافا للجمهور. ومما لا يرتاب فيه عاقل أن هذه الطرق ولو قيل بأن مفرداتها لا تخلو من ضعف فإن مجموعها مما يدل على أن للحديث أصلا أصيلا، فكيف والطريق

الأولى صحيحة وهذه حسنة؟ فكيف وله شاهد بلفظ: " بل عارية مؤداة " كما سيأتي (631) .

612

612 - " كان قائما يصلي في بيته، فجاء رجل فاطلع في بيته، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم سهما من كنانته، فسدده نحو عينيه حتى انصرف ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1069) وأحمد (3 / 191) وأبو القاسم البغوي في " حديث هدبة " (رقم 80) من طريق حماد بن سلمة أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن طلحة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه البخاري في " الديات " وأحمد أيضا (3 / 125 / 178) من طريق حميد عن أنس مختصرا نحوه وفيه عند أحمد - وإسناده ثلاثي: " فأخرج الرجل رأسه " وأخرجه مسلم (6 / 181) وغيره من طريق أخرى عن أنس نحوه، وليس عنده وكذا البخاري ذكر الصلاة، خلافا لما يوهمه كلام المعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي وكذلك كلام شارحه الفاضل. 613 - " لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء ما لا يطيق ". رواه الترمذي (2 / 41 - بولاق) وابن ماجه (4016) وأحمد (5 / 405) عن علي بن زيد عن الحسن عن جندب عن حذيفة مرفوعا. وقال: " حديث حسن غريب " . قلت: علي بن زيد هو ابن جدعان وهو ضعيف، والحسن هو البصري وهو مدلس وقد عنعنه. وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 138) عن أبيه:

" هذا حديث منكر ". وذكره في موضع آخر (2 / 306) من طريق عمرو بن عاصم الكلابي عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد به. فقال: " قال أبي: قد زاد في الإسناد جندبا وليس بمحفوظ، حدثنا أبو سلمة عن حماد، وليس فيه جندب ". قلت: وهو عندهم جميعا من طريق عمرو بن عاصم، فكأن أبا حاتم يشير إلى إعلال الحديث بالانقطاع بين الحسن وحذيفة وهو على كل حال منقطع، لما ذكر من التدليس. ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 204 / 1) : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة أنبأنا زكريا بن يحيى المدائني أنبأنا شبابة بن سوار أنبأنا ورقاء ابن عمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه به. قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان زكريا بن يحيى هو أبو يحيى اللؤلؤي الفقيه الحافظ وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي خيثمة وهو ثقة حافظ له ترجمة في " تذكرة الحفاظ " (2 / 278) وغيره.

614

614 - " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار (يعني من سدر الحرم) ". أخرجه أبو داود (5239) والنسائي في " السير " (2 / 43 / 2) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 119، 120) والطبراني في " الأوسط " (1 / 123 / 1) وعنه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (56 / 136 / 3) والبيهقي في " السنن الكبرى " (6 / 139) من طرق عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله ابن حبشي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال الطبراني - والزيادة له -: " لا يروى عن عبد الله بن حبشي إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن جريج ". قلت: ورجاله ثقات، والإسناد جيد لولا أن فيه عنعنة ابن جريج وقد صرح بالتحديث عن عثمان بن أبي سليمان هذا في حديث آخر له أخرجه أحمد (3 / 411 / - 412) والضياء، فالله أعلم. وقد خالفه في إسناده معمر فقال: عن عثمان بن أبي سليمان عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. أخرجه أبو داود (5240) والبيهقي (6 / 139 - 140) .

وابن جريج أحفظ من معمر، فالموصول أولى لولا أن فيه العنعنة لكن الحديث صحيح بما له من الشواهد، فمنها عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رؤوسهم صبا ". أخرجه الطحاوي (4 / 117) والخطيب في " الموضح " (1 / 38 - 39) والبيهقي (6 / 140) من طريقين عن وكيع بن الجراح قال: حدثنا محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة بن الزبير عنها. قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن شريك وهو ثقة وأما إعلال البيهقي نقلا عن أبي علي الحافظ بقوله: " ما أراه حفظه عن وكيع، وقد تكلموا فيه يعني القاسم بن محمد بن أبي شيبة والمحفوظ رواية أبي أحمد الزبيري ومن تبعه على روايته عن محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلا ". قلت: فهذا الإعلال غير قادح لأن القاسم هذا لم يتفرد به عن وكيع بل قد تابعه مليح بن وكيع بن الجراح كما أشرنا إليه وهو ثقة. ولذلك قال الخطيب بعد ما روى قول الدارقطني: تفرد به وكيع عن محمد بن شريك وتفرد به عنه مليح: " قلت: وهكذا رواه القاسم بن محمد بن أبي شيبة عن وكيع ". وقال الخطيب عقبه. " ورواه أبو معاوية عن أبي عثمان محمد بن شريك فأرسله ولم يذكر فيه عائشة. أخبرناه.... ". قلت: فيبدو مما ذكرنا أن الأصح عن محمد بن شريك مرسل، ولكنه مرسل صحيح الإسناد، فهو على كل حال شاهد قوي لحديث الباب، لاسيما وقد توبع ابن شريك على وصله،

615

أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " من طريق إسماعيل بن عبد الله بن زرارة حدثنا حماد أبو بشر العبدي والأشعث بن سعيد عن عمرو بن دينار به. لكن الأشعث هذا متروك، وإن قرن به حماد أبو بشر العبدي، فإني لم أعرفه. فإن وثق فالسند جيد. وله شاهد جيد وهو: " قاطع السدر، يصوب الله رأسه في النار ". 615 - " قاطع السدر، يصوب الله رأسه في النار ". أخرجه البيهقي (6 / 141) من طريق عبد القاهر بن شعيب عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، كما هو المعروف في إسناد بهز بن حكيم عن أبيه عن جده. وعبد القاهر بن شعيب قال صالح جزرة: لا بأس به. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وتابعه يحيى بن الحارث عن أخيه مخارق بن الحارث عن بهز بن حكيم به بلفظ: " من الله لا من رسوله لعن الله عاضد السدر ". ورجاله ثقات غير مخارق هذا فلم أجد من ترجمه، وقد ذكره الحافظ في شيوخ يحيى بن الحارث.

وله شاهد ضعيف، يرويه إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا بلفظ: " اخرج فأذن في الناس من الله لا من رسوله لعن الله قاطع السدرة ". أخرجه البيهقي، والطحاوي (4 / 119) نحوه. وإبراهيم هذا وهو الخوزي متروك، وقد اضطرب في إسناده كما بينه البيهقي، فالاعتماد على ما قبله. والله أعلم.

إذا ثبت الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أشكل على بعض العلماء، فتأوله أبو داود بقوله: " هذا الحديث مختصر، يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها، صوب الله رأسه في النار ". وذهب الطحاوي إلى أنه منسوخ، واحتج بأن عروة بن الزبير - وهو أحد رواة الحديث قد ورد عنه أنه قطع السدر. ثم روى ذلك بإسناده عنه. وأخرجه أبو داود (5241) بأتم منه من طريق حسان بن إبراهيم قال: سألت هشام بن عروة عن قطع السدر؟ وهو مستند إلى قصر عروة فقال: أترى هذه الأبواب والمصاريع؟ إنما هي من سدر عروة، كان عروة يقطعه من أرضه، وقال: لا بأس به. زاد في روايته: فقال: هي يا عراقي جئتني ببدعة! قال: قلت: إنما البدعة من قبلكم، سمعت من يقول بمكة: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قطع السدر. قلت: وإسناده جيد. وهو صريح في أن عروة كان يرى جواز قطع السدر. قال الطحاوي: " لأن عروة مع عدالته وعلمه وجلالة منزلته في العلم لا يدع شيئا قد ثبت عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضده إلا لما يوجب ذلك له، فثبت بما ذكرنا نسخ الحديث ". قلت: وأولى من ذلك كله عندي أن الحديث محمول على قطع سدر الحرم، كما أفادته زيادة الطبراني في حديث عبد الله بن حبشي، وبذلك يزول الإشكال. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

616

616 - " ابنوه عريشا كعريش موسى. يعني مسجد المدينة ". روي مرسلا عن الحسن البصري وسالم بن عطية والزهري وراشد بن سعد وموصولا عن أبي الدرداء وعبادة بن الصامت. 1 - عن الحسن. أخرجه ابن أبي الدنيا في " قصر الأمل " (3 / 25 / 2) من طريق إسماعيل بن مسلم عنه قال: " لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه عليه أصحابه وهو يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال ... ". فذكره. قال ابن كثير في " البداية " (3 / 215) : " وهذا مرسل ". قلت: ورجاله ثقات كلهم إن كان إسماعيل هذا هو العبدي القاضي، وإن كان هو المكي البصري فهو ضعيف، وكلاهما روى عن الحسن. وقد توبع، فأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 100 / 2) وعنه ابن عساكر (12 / 317 / 2) من طريق أيوب عن الحسن به. وإسناده صحيح مرسل. 2 - عن سالم بن عطية - أخرجه البيهقي في " سننه " (2 / 439) عن ليث عنه. وليث هو ابن أبي سليم ضعيف وشيخه سالم لم أجد له ترجمة.

3 - عن الزهري. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 239 - 240) : أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني معمر بن راشد عنه قال: فذكره في أثناء حديث طويل في بناء المسجد. قلت: وهذا إسناد واه جدا محمد بن عمر هو الواقدي وهو متروك، فلا يصلح للشواهد والمتابعات. 4 - عن راشد بن سعد. قال المفضل الجندي في " كتاب فضل المدينة " (رقم 47 - منسوختي) : حدثنا ابن أبي عمر وسعيد قالا: حدثنا سفيان عن ثور بن يزيد عنه قال: " وجه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة وأصحابا له معهم قصبة أو جريدة وهم يمسحون بها المسجد، فقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله لو بنينا مسجدنا هذا على بناء مسجد الشام فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجريدة أو القصبة وهجل بها - يعني رمى بها - وقال: خشيبات وثمام وعريش كعريش موسى، والأمر أعجل من ذلك ". قلت: وهذا إسناد مرسل أيضا صحيح رجاله كلهم ثقات. وقد روى موصولا، وهو: 5 - عن أبي الدرداء. قال أبو حامد الحضرمي الثقة في " حديثه " (ق / 2 / 2) أنبأنا زيد بن سعيد الواسطي: حدثنا بشر بن السري حدثنا سفيان الثوري عن ثور عن خالد بن معدان عن أبي الدرداء قال: فذكره مثل الذي قبله مع اختصاره في قول الصحابي. ورواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 193 / 1) : حدثنا محمد بن هارون حدثنا زيد بن سعيد الواسطي به. والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (7 / 117 / 1) من طريق البغوي عن زيد الواسطي به.

قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري غير زيد هذا، أورده الذهبي في " الميزان " فقال: " عن أبي إسحاق بخبر باطل متنه: " من أدخل على مؤمن سرورا لم تمسه النار ". وقال الحافظ في " اللسان ": " وساق المؤلف في " معجمه " من وجه آخر عن أبي حامد (عنه) وقال: هذا خبر منكر ورواته أعلام ثقات، فالآفة زيد هذا ولم أجد أحدا ذكره بجرح ولا تعديل ". 6 - عن عبادة. أخرجه ابن أبي الدنيا من طريق أبي سنان عن يعلى ابن شداد بن أوس عنه. " أن الأنصار جمعوا مالا، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ابن هذا المسجد وزينه، إلى متى تصلي تحت هذا الجريد؟ فقال: " ما بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى ". وهذا الحديث غريب من هذا الوجه. كذا قال الحافظ ابن كثير في " البداية " (3 / 215) . وأبو سنان هذا اسمه عيسى بن سنان الحنفي، وهو لين الحديث كما في " التقريب ". وجملة القول: أن الحديث بمجموع المرسلين الصحيحين وهذا الموصول يرتقي إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى. ثم وجدت له شاهدا آخر مرسل، رواه نعيم بن حماد في " زوائد زهد ابن المبارك " (رقم 198) قال: أنبأنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال: قالوا: يا رسول الله هده، يعنون المسجد، يقولون: طينه، قال:

617

لا بل عرش كعرش موسى. يعني العريش. ورجاله ثقات. غير أن ابن حماد نفسه ضعيف. 617 - " من أعطي عطاء فوجد فليجز به ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور ". أخرجه أبو داود (4813) من طريق بشر حدثنا عمارة بن غزية قال: حدثني رجل من قومي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال: " رواه يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل عن جابر ". قلت: وصله البخاري في " الأدب المفرد " (215) : حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن شرحبيل مولى الأنصار عن جابر به. وأورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 318) من طريق بشر وقال: " قال أبي : هذا الرجل هو شرحبيل بن سعد ". قلت: وقد خالف بشرا إسماعيل بن عياش، فقال عن عمارة بن غزية عن أبي الزبير عن جابر به. أخرجه الترمذي (1 / 365) وقال: " حديث حسن غريب. ومعنى قوله : " ومن كتم فقد كفر " يقول: قد كفر تلك النعمة ". قلت: إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذه منها، لاسيما وقد خالفه بشر وهو ابن المفضل وهو ثقة، فالصواب أن تابعي الحديث إنما هو

618

شرحبيل بن سعد، كما جزم به أبو داود وأبو حاتم وهو رواية البخاري ويؤيده ذلك أن زيد بن أبي أنيسة رواه أيضا عن شرحبيل الأنصاري عن جابر به. أخرجه ابن حبان ( 2073) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 41 / 2) وإذ قد دار السند على شرحبيل بن سعد، فهو إسناد ضعيف، لأن شرحبيل هذا يكاد يكون متفقا على تضعيفه، فلم يوثقه غير ابن حبان وشيخه ابن خزيمة، فأخرجا له في " الصحيح ". وذلك من تساهلهما الذي عرفا به. نعم للحديث طريق أخرى عن جابر يتقوى بها أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 20 / 2) من طريق أيوب بن سويد عن الأوزاعي عن محمد بن المنكدر عن جابر يرفعه. قلت: وأيوب هذا صدوق يخطىء كما في " التقريب " فهو شاهد جيد. وقد صح الحديث من طريق أخرى مختصرا بلفظ: " من أبلي بلاء فذكره، فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ". 618 - " من أبلي بلاء فذكره، فقد شكره وإن كتمه فقد كفره ". أخرجه أبو داود (4814) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 259) من طريق جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا به نحوه. أخرجه ابن عساكر (16 / 302 / 1) وفيه عثمان بن فائد وهو ضعيف وقد وقع بياض في النسخة، فلم يتبين سنده كاملا.

619

619 - " ثلاث لا ترد: الوسائد والدهن واللبن ". أخرجه الترمذي (2 / 130) وعنه البغوي في " شرح السنة " (3 / 112 / 2) وأبو الشيخ في " طبقات المحدثين " (ص 185) وبشر بن مطر في " حديثه " (3 / 89 / 1) وابن حبان في " الثقات " (1 / 10) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 196 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 99) من طريق عبد الله بن مسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب، وعبد الله هو ابن مسلم بن جندب وهو مدني ". قلت: وكأنه قد خفي حاله على الترمذي ولذلك استغرب حديثه، وقد عرفه غيره، فقال ابن أبي حاتم في كتابه (2 / 2 / 165) : " سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: مديني لا بأس به ". وكذا قال الحافظ في " التقريب ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (2 / 159) وقال العجلي: " مدني ثقة ". وقال الذهبي: " مقل ما علمت لأحد فيه مغمزا ". وأما أبوه هو أشهر منه قال ابن حبان في " الثقات " (1 / 213) : " يروي عن ابن عمر، وكان قاضي المدينة، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري و ... و ... مات سنة ست ومائة ". وقال العجلي:

" تابعي ثقة ". وكذا قال الحافظ إنه ثقة. قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون فالإسناد جيد لا علة فيه، فقول ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 308) عن أبيه: " هذا حديث منكر " مردود. ومثله ما نقله المناوي عن ابن القيم أنه قال: " حديث معلول، رواه الترمذي وذكر علته، ولا أحفظ الآن ما قيل فيه إلا أنه من رواية عبد الله بن مسلم بن جندب عن أبيه عن ابن عمر ". قلت: فهذا مردود أيضا لأنه مجرد دعوة، ثم قال المناوي: " وقال ابن حبان: إسناده حسن، لكنه ليس على شرط البخاري ". (تنبيه) سقط من رواية ابن حبان اسم عبد الله هذا، ووقع عنده: " مسلم بن جندب عن أبيه عن ابن عمر ... ". وليس السقط من الناسخ، بل الرواية عنده هكذا وقعت له، فإنه أورده في ترجمة " جندب بن سلامة " وقال: " ويقال ابن سلام المدني يروي عن ابن عمر، روى عنه مسلم بن جندب ". ثم ساق الحديث. ولا شك أن هذه الرواية شاذة، لمخالفتها للروايات الأخرى المطبقة على أنها من رواية عبد الله بن مسلم عن أبيه عن ابن عمر، وأنه لا ذكر لجندب فيها. والله أعلم. وقد وجدت للحديث طريقا أخرى عن ابن عمر، فقال الروياني في " مسنده " (ق 249 / 2) : أنبأنا العباس بن محمد أنبأنا أبو الربيع سليمان بن داود بن رشيد أنبأنا خالد بن زياد الدمشقي عن زهير بن محمد المكي عن نافع عنه به. ورجاله ثقات غير خالد هذا فمجهول، وزهير بن محمد هو أبو المنذر التميمي الخراساني، قال الحافظ:

620

" رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها ". ومن هذه الطريق أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5 / 213 / 2) وقال: " لا أعرف أبا الربيع هذا ولا خالدا إلا من هذا الوجه ". فتعقبه الحافظ في " اللسان " بقوله: " أما أبو الربيع فهو الختلي بلا شك ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، مترجم في " التهذيب " وغيره. (فائدة) قال الترمذي: " الدهن يعني به الطيب ". 620 - " ضالة المسلم حرق النار ". أخرجه أحمد (5 / 80) والدارمي (2 / 266) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 174) و " الكبير " (1 / 102 / 2) من طريق سعيد الجريري عن أبي العلاء بن الشخير عن مطرف حدثنا أبو مسلم الجذمي - جذيمة عبد القيس - حدثنا الجارود مرفوعا به. وزاد أحمد والطبراني: وقال في اللقطة الضالة تجدها فانشدها ولا تكتم ولا تغيب فإن عرفت فأدها، وإلا فمال الله يؤتيه من يشاء. قلت: وأبو العلاء هذا اسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير وهو ثقة لكن اختلفوا عليه في إسناده، فرواه هكذا سعيد الجريري وتابعه قتادة وخالد الحذاء عند أحمد والدارمي وفي رواية لأحمد عن الحذاء به إلا أنه أسقط من الإسناد أبا مسلم الجذمي. والصواب

الأول لأنه قد تابعهم أيوب عن أبي العلاء به. لكن خالفه الحسن - وهو البصري - فقال: عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 25) وعنه الضياء في " المختارة " (58 / 182 / 2) وابن ماجه (2502) وابن حبان (1171) وابن سعد (7 / 34) وأبو عبيد في " غريب الحديث " (5 / 1) والبيهقي (6 / 191) والضياء أيضا من طريق حميد الطويل عنه. وتابعه قتادة عن مطرف به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 33) والضياء . ولعل هذه الرواية عن مطرف عن أبيه أرجح من رواية مطرف عن أبي مسلم الجذمي عن الجارود لاتفاق ثقتين عليها وهما الحسن وقتادة بخلاف تلك، فقد تفرد بها أبو العلاء كما رأيت. فإن كان كذلك، فالإسناد صحيح وأما طريق أبي مسلم فإنه ليس بالمشهور. لكنه لم يتفرد به، فأخرجه الطبراني (3 / 102 / 1 - 2) من طريق أبي معشر البراء، أنبأنا المثنى بن سعيد عن قتادة عن عبد الله بن بابي عن عبد الله بن عمرو أن الجارود أبا المنذر أخبره به. قلت: فهذه متابعة قوية والسند جيد وهو على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث عصمة مرفوعا به وزاد:

621

" ثلاث مرات ". رواه الطبراني في " الكبير " وفيه أحمد بن راشد وهو ضعيف. كذا في " مجمع الزوائد " (4 / 167) . 621 - " الأنبياء - صلوات الله عليهم - أحياء في قبورهم يصلون ". أخرجه البزار في " مسنده " (256) وتمام الرازي في " الفوائد " (رقم 56 - نسختي) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 285 / 2) وابن عدي في " الكامل " (ق 90 / 2) والبيهقي في " حياة الأنبياء " (ص 3) من طريق الحسن بن قتيبة المدائني حدثنا المستلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج بن الأسود عن ثابت البناني عن أنس مرفوعا به. وقال البيهقي: " يعد في أفراد الحسن بن قتيبة ". وقال ابن عدي: " وله أحاديث غرائب حسان، وأرجو أنه لا بأس به ". كذا قال، ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل هو هالك، قال الدارقطني في رواية البرقاني عنه " متروك الحديث ". وقال أبو حاتم: " ضعيف ". وقال الأزدي: " واهي الحديث ". وقال العقيلي: كثير الوهم ". قلت: وأقره الحافظ في " اللسان "، وبقية رجال الإسناد ثقات ليس فيهم من ينظر فيه غير الحجاج بن الأسود،

فقد أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " نكرة، ما روى عنه - فيما أعلم - سوى مستلم بن سعيد فأتى بخبر منكر عنه عن أنس في أن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون. رواه البيهقي ". لكن تعقبه الحافظ في " اللسان "، فقال عقبه: " وإنما هو حجاج بن أبي زياد الأسود يعرف بـ " زق العسل " وهو بصري كان ينزل القسامل. روى عن ثابت وجابر بن زيد وأبي نضرة وجماعة. وعنه جرير بن حازم وحماد بن سلمة وروح بن عبادة وآخرون. قال أحمد: ثقة، ورجل صالح، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث وذكره ابن حبان في " الثقات " فقال: " حجاج ابن أبي زياد الأسود من أهل البصرة ... وهو الذي يحدث عنه حماد بن سلمة فيقول: حدثني حجاج بن الأسود ". قلت: ويتلخص منه أن حجاجا هذا ثقة بلا خلاف وأن الذهبي توهم أنه غيره فلم يعرفه ولذلك استنكر حديثه، ويبدو أنه عرفه فيما بعد، فقد أخرج له الحاكم في " المستدرك " (4 / 332) حديثا آخر، فقال الذهبي في " تلخيصه ": " قلت: حجاج ثقة ". وكأنه لذلك لم يورده في كتابه " الضعفاء " ولا في " ذيله ". والله أعلم. وجملة القول: أن الحديث بهذا الإسناد ضعيف، وأن علته إنما هي من الحسن بن قتيبة المدائني ولكنه لم يتفرد به، خلافا لما سبق ذكره عن البيهقي، فقال أبو يعلى الموصلي في " مسنده " (ق 168 / 1) حدثنا أبو الجهم الأزرق بن علي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا المستلم بن سعيد به.

ومن طرق أبي يعلى أخرجه البيهقي قال: أخبرنا الثقة من أهل العلم قال: أنبأنا أبو عمرو بن حمدان قال: أنبأنا أبو يعلى الموصلي ... قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، غير الأزرق هذا قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يغرب ". ولم يتفرد به، فقد أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 83) من طريق عبد الله بن إبراهيم بن الصباح عن عبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير حدثنا يحيى بن أبي بكير به. أورده في ترجمة ابن الصباح هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وعبد الله بن محمد بن يحيى بن أبي بكير، فترجمه الخطيب (10 / 8) وقال: " سمع جده يحيى بن أبي بكير قاضي كرمان ... وكان ثقة ". فهذه متابعة قوية للأزرق، تدل على أنه قد حفظ ولم يغرب. وكأنه لذلك قال المناوي في " فيض القدير " بعد ما عزاه أصله لأبي يعلى : " وهو حديث صحيح ". ولكنه لم يبين وجهه، وقد كفيناك مؤنته، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

622

هذا. وقد كنت برهة من الدهر أرى أن هذا الحديث ضعيف لظني أنه مما تفرد به ابن قتيبة - كما قال البيهقي - ولم أكن قد وقفت عليه في " مسند أبي يعلى " و" أخبار أصبهان ". فلما وقفت على إسناده فيهما تبين لي أنه إسناد قوي وأن التفرد المذكور غير صحيح، ولذلك بادرت إلى إخراجه في هذا الكتاب تبرئة للذمة وأداء للأمانة العلمية ولو أن ذلك قد يفتح الطريق لجاهل أو حاقد إلى الطعن والغمز واللمز، فلست أبالي بذلك ما دمت أني أقوم بواجب ديني أرجو ثوابه من الله تعالى وحده. فإذا رأيت أيها القارىء الكريم في شيء من تآليفي خلاف هذا التحقيق، فأضرب عليه واعتمد هذا وعض عليه بالنواجذ، فإني لا أظن أنه يتيسر لك الوقوف على مثله. والله ولى التوفيق. ثم اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إنما هي حياة برزخية، ليست من حياة الدنيا في شيء، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا. هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد: الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره حياة حقيقية! قال: يأكل ويشرب ويجامع نساءه! ! . وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى. 622 - " من احتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين كان شفاء من كل داء ". أخرجه أبو داود (2 / 151) وعنه البيهقي (9 / 340) :

حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم وفي سعيد بن عبد الرحمن كلام لا يضر إن شاء الله تعالى. قال الحافظ في " الفتح " (10 / 122) : وثقه الأكثر ولينه بعضهم من قبل حفظه. وقال في " التقريب ": " صدوق له أوهام وأفرط ابن حبان في تضعيفه ". وقد أخرج الحديث مختصرا أبو محمد المخلدي العدل في " الفوائد " (3 / 224 / 1) والحاكم (4 / 210) من هذا الوجه وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وتعقبه المناوي بقوله: " لكن ضعفه ابن القطان بأنه من رواية سعيد الجمحي عن سهل عن أبيه وسهل وأبوه مجهولان. اهـ . لكن ذكر جدي في تذكرته أن شيخه الحافظ العراقي أفتى بأن إسناده صحيح على شرط مسلم ". قلت: وهذا هو الصواب أنه على شرط مسلم فإن رجاله كلهم رجال صحيحه وما منعنا أن نحكم نحن بصحته إلا ما في سعيد بن عبد الرحمن من ضعف في حفظه، وأما تضعيف ابن القطان له فهو بناء منه على أن شيخ سعيد هذا هو سهل وليس كذلك بل هو سهيل - بالتصغير - ابن أبي صالح كما جاء منسوبا في " المستدرك "، وهو وأبوه ثقتان معروفان من رجال مسلم أيضا. وللحديث شواهد من فعله عليه السلام ومن قوله فانظر: (خير يوم تحتجمون فيه) و (كان يحتجم) .

623

623 - " عليكم بالأبكار، فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ". أخرجه ابن ماجه (1861) : حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن طلحة التيمي حدثني عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: الجهالة: فإن عبد الرحمن بن سالم بن عتبة، لم يذكروا عنه راويا غير محمد بن طلحة هذا. ولذا قال الحافظ في " التقريب ": " مجهول ". قلت: ومثله أبوه سالم بن عتبة، فليس له راو غير ابنه عبد الرحمن هذا. والأخرى: الاضطراب في إسناده، فرواه الحزامي عن محمد بن طلحة هكذا، وخالفه فيض بن وثيق فقال عنه: أخبرني عبد الرحمن بن سالم ابن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده به. أخرجه المقابري في " حديثه " (ق 87 / 1) ، وتمام الرازي في " الفوائد " (113 / 2) والبيهقي (7 / 81) . وخالفه أيضا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي أنبأنا محمد بن طلحة التيمي به. أخرجه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 36 / 1) .

وخالفه كذلك إبراهيم بن حمزة الزبيري عن محمد بن طلحة به. أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 3 / 1) وقال: " وعبد الرحمن بن عويم ليست له صحبة ". وكذلك قال البيهقي بعد أن رواه من طريق عبد الله بن الزبير الحميدي حدثنا محمد بن طلحة به. قلت: فهو مرسل، على رواية الجماعة عن محمد بن طلحة، وأما على رواية إبراهيم الحزامي عنه فهو موصول لأنه قال: " عتبة بن عويم " مكان " عبد الرحمن بن عويم ". وعتبة له صحبة كأبيه، لكن الصواب رواية الجماعة. ومن هذا تعلم أن قول صاحب " المشكاة " (3092) : " رواه ابن ماجه مرسلا ". خطأ، فإنما هو موصولا، ورواه البغوي وغيره مرسلا، كما شرحنا. وله شاهد من حديث جابر مرفوعا به وزاد: " وأقل حبا ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 163 / 1 ) : حدثنا محمد بن موسى الإصطخري أنبأنا عصمة بن المتوكل عن بحر السقا عن أبي الزبير عنه. وقال: " لم يروه عن بحر إلا عصمة ". قلت: وهو إسناد واه مسلسل بالعلل: الأولى: عنعنة أبي الزبير، فإنه كان مدلسا. الثانية: بحر السقاء فإنه ضعيف كما في " التقريب ": الثالثة: عصمة بن المتوكل، قال العقيلي في " الضعفاء " (325) :

" قليل الضبط للحديث، يهم وهما. قال أبو عبد الله - يعني الإمام أحمد -: لا أعرفه ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 259) : " رواه الطبراني وفيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني ". كذا قال، وليس في إسناد الأوسط أبو بلال هذا، فلا أدري أسقط من نسخة " زوائد المعجمين "، أم وقع في " المجمع " خطأ من الناسخ أو الطابع، فقد جاء فيه عقب هذا: " وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تزوجوا الأبكار فإنهن أعذب أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير. رواه الطبراني وفيه أبو بلال الأشعري ضعفه الدارقطني ". فهذا التخريج مثل تخريج حديث جابر تماما، ومثله غير معتاد، فمن الجائز أن يكون نظر الناسخ أو الطابع انتقل من تخريج الأول إلى هذا فكتب أو طبع مرتين في الحديثين، فذهب تخريج الحديث الأول! ثم تأكدت من هذا الاحتمال حين رأيت المناوي نقل عن الهيثمي أنه قال: " فيه بحر بن كنيز - في الأصل: يحيى بن كثير ، وهو خطأ مطبعي - السقاء وهو متروك ".

شاهد ثان: عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه الحافظ ابن المظفر في " حديث حاجب بن أركين " (1 / 254 / 2) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عبد الرحمن بن زيد هذا متهم وقد مضى له أحاديث. وقد أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 72 / 1) بسند صحيح عن عاصم قال: قال عمر، فذكره موقوفا عليه، ولعله الصواب. شاهد ثالث: عن بشر بن عاصم عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: " عليكم بشواب النساء ، فإنهن أطيب أفواها وأنتق بطونا وأسخن أقبالا ". أخرجه الشيرازي في " الألقاب " كما في " الجامع الصغير "، ولم يتكلم المناوي في شرحه على إسناده بشيء! سوى أنه ذكر أنه وقع في بعض النسخ " يسير " بمثناة تحتية مضمومة فمهملة مصغر، وفي بعضها " بشر " بالباء الموحدة كما ذكرنا وهو الصواب لأنه المذكور في كتب الرجال، وهو ثقة كأبيه، فإن صح السند إليه، فهو إسناد جيد، وما أراه يصح. لكن من الممكن أن يقال: بأن الحديث حسن بمجموع هذه الطرق، فإن بعضها ليس شديد الضعف. والله أعلم. ثم جزمت بذلك حين رأيت الحديث في " كتاب السنن " لسعيد بن منصور (512، 513، 514) عن عمرو بن عثمان ومكحول مرسلا.

624

(تنبيه) قوله في حديث جابر " خبأ " هو بالخاء المكسورة أي خداعا كما في " الفيض ". 624 - " لم ير للمتحابين مثل النكاح ". أخرجه ابن ماجه (1847) والحاكم (2 / 160) والبيهقي (7 / 78) والطبراني (3 / 106 / 1) وتمام في " الفوائد " (130 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (398) والمقدسي في " المختارة " (62 / 281 / 2) من طريق محمد بن مسلم الطائفي حدثنا إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه لأن سفيان بن عيينة ومعمر بن راشد أوقفاه عن إبراهيم بن ميسرة على ابن عباس ". ووافقه الذهبي. قلت: لكن الطائفي هذا مع كونه من رجال مسلم في حفظه ضعف أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". فلا يحتج به، لاسيما مع المخالفة التي أشار إليها الحاكم. فقد أخرجه العقيلي من طريق الحميدي: حدثنا سفيان عن إبراهيم به مرسلا. وقال: " هذا أولى ".

وتابعه ابن جريج عن إبراهيم به. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 2 / 1) . وسفيان هو ابن عيينة. وقد روي عنه موصولا بإسناد آخر له، فقال ابن شاذان في " المشيخة الصغرى " (رقم 60 - نسختي) : حدثني أبو الفوارس أحمد بن علي بن عبد الله - محتسب المصيصة من حفظه - أنبأنا أبو بشر حيان بن بشر - قاضي المصيصة - أنبأنا أحمد بن حرب الطائي أنبأنا سفيان ابن عيينة أنبأنا عمرو بن دينار به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون من الطائي فصاعدا. وأما حيان بن بشر، فذكره أبي حاتم (1 / 248) من رواية عمر بن شبة النميري عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما أحمد بن علي أبو الفوارس فلم أجد له ترجمة فيما لدي من المراجع، وأغلب الظن أنه في " تاريخ ابن عساكر " ولست أطوله الآن. ولم يتفرد به ابن عيينة، فقد رواه إبراهيم بن يزيد عن سليمان الأحول وعمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندنا يتيمة وقد خطبها رجل معدم ورجل موسر وهي تهوى المعدم ونحن نهوى الموسر، فقال صلى الله عليه وسلم ... ) فذكره. أخرجه أبو عبد الله بن منده في " الأمالي " (ق 46 / 1) هكذا، والطبراني في

" المعجم الكبير " (3 / 102 / 1) المرفوع منه فقط. لكن إبراهيم هذا وهو الخوزي متروك ولم يعرفه ابن عدي، فقال: " مجهول ". فراجع " اللسان " (1 / 125) . وروي عن إبراهيم بن ميسرة من طريق أخرى عنه موصولا، فقال: عبد الصمد بن حسان حدثنا سفيان الثوري عن إبراهيم بن ميسرة به. أخرجه أبو القاسم المهرواني في " الفوائد المنتخبة " (55 / 1) وقال: " لم يروه هكذا موصولا عن الثوري إلا عبد الصمد بن حسان، وتابعه مؤمل بن إسماعيل. ورواه غيرهما عن سفيان مرسلا لم يذكر ابن عباس في إسناده، وهو الصواب ". قلت: لم أره عن الثوري مرسلا، وإنما عن ابن عيينة كما تقدم، فرواية عبد الصمد هذه جيدة لأنه صدوق كما قال الذهبي، ولم يرو ما شذ به عن الثقات بخلاف الطائفي وغيره كما رأيت، بل قد تابعه مؤمل ابن إسماعيل كما ذكر المهرواني فهو متابع لا بأس به لعبد الصمد. فإذا ضم إلى هذا الموصول طريق ابن عيينة الأخرى الموصولة عن عمرو بن دينار أخذ الحديث قوة، وارتقى إلى درجة الصحة إن شاء الله تعالى. (تنبيه) قال المناوي في " الفيض ": " وفيه عند ابن ماجه سعيد بن سليمان قال في " الكاشف ": (قال) أحمد: كان يصحف ". قلت: هذا الإعلال ليس بشيء، فقد رواه غيره من الثقات عند الحاكم وغيره.

625

625 - " إذا تزوج العبد، فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله فيما بقي ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 162 / 1) من طريق عصمة بن المتوكل أنبأنا زافر بن سليمان عن إسرائيل بن يونس عن جابر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: " لم يروه عن زافر إلا عصمة ". قلت: وكلاهما ضعيف، وفوقهما ضعيفان آخران: وهما جابر وهو ابن يزيد الجعفي، ويزيد الرقاشي، وجابر أشد ضعفا منه، لكنه لم يتفرد به عنه، فقد أخرجه الطبراني أيضا من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الحسن بن خليل بن مرة عن أبيه عن يزيد الرقاشي به. قلت: وهذا إسناد مسلسل بالضعفاء: 1 - عبد الله بن صالح هو كاتب الليث المصري فيه ضعف وغفلة. 2 - الحسن بن الخليل بن مرة لم أجد له ترجمة، وقد ذكر في ترجمة أبيه من " التهذيب " أنه روى عنه ابنه علي بن الخليل بن مرة، ولم أجد له ترجمة أيضا. 3 - الخليل بن مرة ضعيف كما في " التقريب ". 4 - يزيد الرقاشي وهو ابن أبان ضعيف أيضا. وقد روي عنه من طريق أخرى خير من هذه عن الخليل. أخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 84) عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي حدثنا الخليل بن مرة به. قلت: فقد صح الإسناد إلى الخليل وهو وإن كان ضعيفا كما ذكرنا، فليس ذلك

لتهمة في صدقه وإنما لضعف في حفظه وكذلك شيخه يزيد ابن أبان الرقاشي وقد قال فيه ابن عدي: " له أحاديث صالحة عن أنس وغيره وأرجو أنه لا بأس به لرواية الثقات عنه ". وقال في الخليل: " لم أر في حديثه حديثا منكرا قد جاوز الحد وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث ". قلت: فمثلهما، وإن كان لا يحتج بحديثهما ولكن يستشهد به وقد جاء من طريق أخرى عن أنس هي خير من هذه فمجموعها يقوي الحديث ويرتقي إلى درجة الحسن ولفظه : (من رزقه الله امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الثاني) . أخرجه الطبراني في " الأوسط " (3 / 161 / 1) والحاكم (2 / 161) عن عمرو بن أبي سلمة التنيسي حدثنا زهير بن محمد: أخبرني عبد الرحمن - زاد الحاكم: ابن زيد - عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وعبد الرحمن هذا هو ابن زيد بن عقبة الأزرق مدني ثقة مأمون ". ووافقه الذهبي. كذا قال: وزهير بن محمد هو أبو المنذر الخراساني الشامي أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ثقة فيه لين ". وفي " التقريب ": " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد

كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه، فكثر غلطه ". قلت: وهذا من رواية التنيسي عنه وهو شامي، ولذلك فالإسناد عندي ضعيف. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 272) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الرحمن عن أنس وعنه زهير بن محمد ولم أعرفه إلا أن يكون عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، فيكون إسناده منقطعا وإن كان غيره، فلم أعرفه. والله أعلم ". قلت: بينت رواية الحاكم أنه عبد الرحمن بن زيد، ثم ذكر أنه ابن عقبة وقد ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 2 / 233) وقال: " يعد في أهل المدينة، روى عن أنس بن مالك، روى عنه عمرو بن يحيى وسألت أبي عنه؟ فقال: ما بحديثه بأس ". وأورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 125) . (تنبيه) ذكرت آنفا أن الذهبي أقر الحاكم على تصحيحه، وهو الذي وقع في النسخة المطبوعة من " التلخيص ". ثم رأيت المناوي يقول في " الفيض ": " قال الحاكم: صحيح، فتعقبه الذهبي بأن زهيرا وثق، لكن له مناكير،. اهـ. وقال ابن حجر: سنده ضعيف ". ونقل المنذري في " الترغيب " (3 / 68) تصحيح الحاكم إياه، وأقره أيضا! وكذلك صنع الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 4 / 99) ولكنه ذكر أن ابن الجوزي رواه في " العلل " من حديث أنس بسند ضعيف، وهو عند الطبراني في " الأوسط ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 252) :

626

" رواه الطبراني في " الأوسط " بإسنادين وفيهما يزيد الرقاشي وجابر الجعفي وكلاهما ضعيف، وقد وثقا ". قلت: التوثيق المذكور مما لا يعتد به لاسيما في الجعفي، فقد اتهمه بعضهم لكنه ليس في الطريق الأخرى عند الطبراني، وقد تابعه الخليل بن مرة وهو خير منه كما سبق تحقيقه. فإذا ضمت هذه الطريق إلى طريق عبد الرحمن بن زيد أخذ الحديث بهما قوة. والله تعالى أعلم. 626 - " المتباريان لا يجابان ولا يؤكل طعامهما ". هكذا أورده الخطيب التبريزي في " المشكاة " (3226) ثم السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " شعب الإيمان " عن أبي هريرة مرفوعا. وقال المناوي: " ورواه عنه أيضا ابن لال والديلمي ". هكذا قال، ولم يتكلم على إسناده بشيء وقد وقفت عليه، فقال ابن السماك في جزء من " حديثه " (ق 64 / 1) : حدثنا سعيد بن عثمان الأهوازي أنبأنا معاذ بن أسد أنبأنا علي بن الحسن الضرير عن أبي حمزة السكري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به إلا أنه قال: " المترائيان ". وعليه حرف (صـ) إشارة إلى أنه كذلك هو في الأصل، والنسخة جيدة، فإنها بخط الحافظ ابن عساكر مؤرخ دمشق وسماعه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري، غير سعيد بن عثمان الأهوازي ترجمه الخطيب وقال (9 / 97) :

627

" وكان ثقة، وقال الدارقطني: صدوق، حدث ببغداد ". قلت: وعلي بن الحسن الضرير هو علي بن الحسن بن شقيق العبدي مولاهم المروزي: فقد ذكروا في شيوخه أبا حمزة السكري، شيخه في هذا الحديث، ولكني لم أر من وصفه بـ (الضرير) . والله أعلم. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس. " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارين أن يؤكل ". أخرجه أبو داود (3754) وغيره بإسناد رجاله ثقات لكنهم صححوا أنه مرسل كما بينته في التعليق على " المشكاة "، وهو مرسل صحيح الإسناد ، فهو شاهد قوي، لاسيما وقد أودعه الضياء المقدسي في " المختارة " (64 / 41 / 1) ، وأشار إلى الخلاف في وصله وإرساله. 627 - " إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم، فأطعمه من طعامه، فليأكل ولا يسأله عنه وإن سقاه من شرابه، فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه ". أخرجه الحاكم (4 / 126) وأحمد (2 / 399) والخطيب (3 / 87

628

- 88) والديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 113 - مختصره) من طريق مسلم بن خالد عن زيد بن أسلم عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وله شاهد صحيح على شرط مسلم حدثناه ... ". ثم ساقه من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة رواية قال: فذكره. ووافقه الذهبي. وقوله: " إنه على شرط مسلم " فيه تساهل لأنه إنما روى لابن عجلان متابعة، فالحديث بمجموع الطريقين صحيح. وقوله " رواية " هو بمعنى مرفوعا كما هو مقرر في علم المصطلح. فلا ينبغي أن يعل الإسناد الأول بهذا، بل هذا شاهد قوي له، كما ذكر الحاكم. والله أعلم. 628 - " عليكم بالرمي فإنه خير لعبكم ". رواه أبو حفص المؤدب في " المنتقى من حديث ابن مخلد وغيره " (225 / 2) والخطيب في " الموضح " (2 / 30) عن حاتم بن الليث حدثنا يحيى بن حماد حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير حاتم بن الليث فقال الخطيب (8 / 245) : " كان ثقة ثبتا متقنا حافظا ". وبقية رجاله رجال الشيخين ولولا أن عبد الملك بن عمير كان تغير حفظه في آخر

629

عمره لجزمت بصحة هذا السند. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (2 / 170) : " رواه البزار والطبراني في الأوسط وإسنادهما جيد قوي ". وقال الهيثمي (6 / 269) : " رواه الطبراني في الأوسط والكبير والبزار ورجال الطبراني رجال الصحيح خلا عبد الوهاب بن بخت وهو ثقة ". 629 - " ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته ". أخرجه الترمذي (1 / 249) والحاكم (4 / 94) وأحمد (4 / 231) من طريق علي بن الحكم قال: حدثني أبو حسن عن عمرو بن مرة قال: قلت: لمعاوية بن أبي سفيان إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قال: فجعل معاوية رجلا على حوائج الناس. وقال الحاكم: إسناده صحيح ووافقه الذهبي! وذلك من أوهامها، فإن أبا الحسن هذا هو الجزري وقد قال الذهبي نفسه في ترجمته من الميزان: " تفرد عنه علي بن الحكم " وقال الحافظ في التقريب " مجهول ". لكن الحديث له إسناد آخر صحيح بلفظ: " من ولاه الله عز وجل شيئا من أمر المسلمين، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره ". أخرجه أبو داود (2948) والترمذي ولم يسق لفظه

630

والحاكم وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 84 / 1 - 2) من طريق القاسم بن مخيمرة أن أبا مريم الأزدي أخبره قال: " دخلت على معاوية فقال: ما أنعمنا بك أبا فلان! وهي كلمة تقولها العرب، فقلت: حديثا سمعته أخبرك به، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " وإسناده شامي صحيح ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وله شاهد من حديث معاذ مرفوعا به نحوه. أخرجه أحمد (5 / 238) بإسناد قال المنذري (3 / 141) : " جيد " وإنما هو حسن في الشواهد، لأن فيه شريكا القاضي وهو سيء الحفظ. وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 210) : " رواه أحمد والطبراني. ورجال أحمد ثقات "! 630 - " بل عارية مؤداة ". أخرجه أبو داود (2 / 266) والنسائي كما في " المحلى " (9 / 173) وابن حبان في " صحيحه " (1173) وأحمد (4 / 222) عن حبان بن هلال أنبأنا همام بن يحيى أنبأنا قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان بن يعلى ابن أمية عن أبيه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا. فقلت: يا رسول الله أعارية مضمونة أم عارية مؤداة؟ قال ... " فذكره. وقال ابن حزم:

631

" حديث حسن، ليس في شيء مما يروى في العارية خبر يصح غيره ". كذا قال: وفي الباب حديثان آخران ثابتان سأذكرهما بعد هذا. وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات وقد قال الحافظ في " بلوغ المرام ": " رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان ". قلت: وليس هو عند النسائي في " المجتبى " فالظاهر أنه في سننه الكبرى! وفي الحديث دلالة على وجوب أداء العارية ما بقيت عينها، فإذا تلفت في يد المستعير لم يجب عليه الضمان، لأنه فرق فيه بين الضمان والأداء، فأوجب الأداء دون الضمان. وهذا مذهب أبي حنيفة وابن حزم واختاره الصنعاني فقال: " والحديث دليل لمن ذهب إلى أنها لا تضمن العارية، إلا بالتضمين وهو أوضح الأقوال ". ويدل للاستثناء المذكور، حديث صفوان بن أمية الآتي وهو: " لا بل عارية مضمونة ". 631 - " لا بل عارية مضمونة ". أخرجه أبو داود (2 / 265) والبيهقي (6 / 89) وأحمد (6 / 465) عن شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه أدراعا يوم حنين، فقال: أغصب يا محمد؟ . فقال: فذكره.

قلت: وهذا سند ضعيف، وله علتان: الأولى: جهالة أمية هذا، لم يورده ابن أبي حاتم ولا وثقه أحد ولهذا قال الحافظ " مقبول ". لكنه لم يتفرد به كما يأتي. الثانية: شريك وهو ابن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ، وقد تابعه قيس بن الربيع، ولكنه خالفه في إسناده، فأدخل بين عبد العزيز وأمية بن صفوان ابن أبي مليكة. علقه البيهقي. وتابعه أيضا جرير لكنه قال: عن عبد العزيز عن أناس من آل عبد الله بن صفوان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا صفوان هل عندك من سلاح، قال: عارية أم غصبا، قال: لا بل عارية، فأعاره ما بين الثلاثين إلى الأربعين درعا ... الحديث. أخرجه أبو داود وعنه البيهقي. ثم أخرجه هذا من طريق أنس بن عياض الليثي عن جعفر بن محمد عن أبيه. أن صفوان أعار رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحا هي ثمانون درعا فقال له أعارية،

مضمونة أم غصبا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ثم قال: " وبعض هذه الأخبار وإن كان مرسلا فإنه يقوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول ". ويشير بقوله " بشواهده " إلى حديث جابر بن عبد الله وحديث ابن عباس. أما حديث جابر ، فأخرجه الحاكم (3 / 48 - 49) . وعنه البيهقي (6 / 89) من طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن جابر عن أبيه جابر بن عبد الله. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار إلى حنين - فذكر الحديث وفيه - ثم بعث رسول الله إلى صفوان بن أمية فسأله أدراعا عنده مائة درع وما يصلحها من عدتها ، فقال أغصبا يا محمد؟ فقال: بل عارية مضمونة، حتى نؤديها عليك. ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو حسن فقط للكلام المعروف في ابن إسحاق، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، كما في هذا. وأما حديث ابن عباس، فأخرجه البيهقي (6 / 88) عن الحاكم عن إسحاق بن عبد الواحد القرشي، حدثنا خالد بن عبد الله عن خالد الحذاء عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدراعا وسلاحا في غزوة حنين، فقال: يا رسول الله أعارية مؤداة؟ قال: عارية مؤداة. قلت: وهذا سند ضعيف علته إسحاق هذا قال أبو علي الحافظ: متروك الحديث. وقال الخطيب:

632

" لا بأس به ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل هو واه ". ولهذا قال الحافظ في بلوغ المرام عقب حديث صفوان هذا: " وصححه الحاكم، وأخرج له شاهدا ضعيفا عن ابن عباس ". وفي الحديث دليل على أن العارية تضمن ولا خلاف بينه وبين الحديث الذي قبله لأنه يدل على الضمان إذا تعهد بذلك المستعير، والحديث المشار إليه محمول على ما إذا لم يتعهد، فلا تعارض. أي أن الأصل في العارية إذا تلفت أن لا تضمن، إلا بالتعهد. قال الصنعاني: " الحديث دليل على تضمين العارية، فإن وصفها بـ " مضمونه " يحتمل أنها صفة موضحة، وأن المراد من شأنها الضمان، فيدل على ضمانها مطلقا. ويحتمل أنها صفة للتقييد، وهو الأظهر، لأنها تأسيس ولأنها كثيرة. ثم ظاهره أن المراد عارية قد ضمناها لك وحينئذ يحتمل أنه يلزم ويحتمل أنه غير لازم، كالوعد وهو بعيد. فيتم الدليل بالحديث للقائل أنها تضمن وهو الأظهر بالتضمين، إما بطلب صاحبها له، أو بتبرع المستعير ". 632 - " المختلعات والمنتزعات هن المنافقات ". أخرجه النسائي (2 / 104) والبيهقي (7 / 316) وأحمد (2 / 414) من طريق أيوب عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره قال النسائي: " قال الحسن: لم أسمعه من غير أبي هريرة ". قلت: وهذا نص صريح منه أنه سمعه من أبي هريرة، وهو ثقة صادق فلا أدري وجه جزم النسائي رحمه الله تعالى بنفي سماعه منه! مع أن السند إليه صحيح على شرط

مسلم، وقد قال الحافظ في " التهذيب " بعد أن ساقه في ترجمة الحسن: " وهذا إسناد لا مطعن في أحد من رواته وهو يؤيد أنه سمع من أبي هريرة في الجملة، وقصته في هذا شبيهة بقصته في سمرة سواء ". قلت: يعني أن الذي تحرر في اختلاف العلماء في سماع الحسن من سمرة أنه سمع شيئا قليلا، فكذلك سماعه من أبي هريرة ثابت، ولكنه قليل أيضا بدلالة هذا الحديث. والله أعلم. وبالجملة فهذا الإسناد متصل صحيح، فلا يتلفت إلى إعلال النسائي بالانقطاع، لأنه يلزم منه أحد أمرين: إما تكذيب الحسن البصري في قوله المذكور، وإما توهيم أحد الرواة الذين رووا ذلك عنه. وكل منهما مما لا سبيل إليه، أما الأول فواضح، وأما الآخر، فلأنه لا يجوز توهيم الثقات بدون حجة أو بينة وهذا واضح بين. ثم إن للحديث شواهد: الأول: عن أنس بن مالك مرفوعا مثله. أخرجه المخلص في " العاشر من حديثه " (214 / 2) عن أبي سحيم حدثنا عبد العزيز بن صهيب عنه. وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو سحيم - واسمه المبارك بن سحيم - قال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". الثاني: عن عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره إلا أنه قال: " والمتبرجات " " مكان والمنتزعات ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 376) والخطيب في " التاريخ " (3 / 358) من طريق محمد بن هارون الحضرمي حدثنا الحسين بن علي بن الأسود العجلي حدثنا وكيع

حدثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي وائل عنه. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث الأعمش والثوري تفرد به وكيع ". قلت: هو ثقة حجة وكذلك من فوقه، فالسند صحيح إن سلم ممن دونه وهو الذي يدل عليه قول أبي نعيم " تفرد به وكيع " فإن مفهومه أن من دونه لم يتفرد به، وهذا خلاف ما رواه الخطيب عن الدارقطني أنه قال: " ما حدث به غير أبي حامد ". قلت: يعني الحضرمي هذا وهو ثقة أيضا، لكن شيخه العجلي متكلم فيه، قال أبو حاتم: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: ربما أخطأ، وقال أحمد: لا أعرفه. وقال ابن عدي: " يسرق الحديث وأحاديثه لا يتابع عليها ". قلت: فإن كان قد توبع عليه كما يفيده مفهوم كلام أبي نعيم المتقدم فالإسناد صحيح، وذلك ما أستبعده لما سبق ذكره عن الدارقطني، ولأن العجلي قد خولف في إسناده! فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 141 / 1) : أنبأنا وكيع قال: أنبأنا أبو الأشهب عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ العجلي. فهذا هو الصحيح عن وكيع، وهو إسناد صحيح مرسل، فهو على كل حال شاهد

قوي للحديث. والله أعلم. الثالث: عن ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره دون قوله: " والمنتزعات ". أخرجه الترمذي (1 / 323) وابن عدي والحربي في " غريب الحديث " (5 / 185 / 1) عن ليث عن أبي الخطاب عن زرعة عن أبي إدريس عنه. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب، وليس إسناده بالقوي ". قلت: وعلته ليث وهو ابن أبي سليم ضعيف، وشيخه أبو الخطاب مجهول، كما قال الحافظ. وله علة أخرى، فقد ذكره ابن أبي حاتم (1 / 304 - 305) من طريق أبي بكر بن عياش عن ليث به إلا أنه لم يذكر في إسناده أبا إدريس وقال: " وهذا الصحيح، قد وصلوه، زادوا فيه رجلا ". قلت: لكن الحديث صحيح يشهد له ما قبله من الطرق. الرابع: عقبة بن عامر الجهني بلفظ: " إن المختلعات المنتزعات هن المنافقات " . رواه الطبري (ج 4 رقم 4842 صفحة 568) قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا حفص بن بشر قال حدثنا قيس بن الربيع عن أشعث بن سوار عن الحسن عن ثابت بن يزيد عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره ". قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل أشعث بن سوار، فإنه ضعيف كما في " التقريب ". ومثله قيس بن الربيع وبه وحده أعله الهيثمي (5 / 5) بعد أن عزاه للطبراني وقال:

633

" وبقية رجاله رجال الصحيح "! كذا قال ولا أدري إذا كان شيخ قيس في رواية الطبراني هو غير أشعث بن سوار. 633 - " كان يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 484) عن عبد الحميد ابن جعفر عن عمران بن أبي أنس قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد مرسل قوي، عمران تابعي، مات سنة (117) . ثم أوقفني الأستاذ شعيب الأرناؤط على وصله في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الشيخ (ص 183) من هذا الوجه عن عمران عن أنس مرفوعا به. ورجاله ثقات، فثبت موصولا والحمد لله. وقد روي له شاهد من طريق عتيق بن يعقوب الزبيري أنبأنا عقبة بن علي عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " كان إذا اكتحل جعل في العين اليمنى ثلاثا وفي اليسرى مرودين، فجعلها وترا ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 199 / 1) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن عمر وهو العمري المكبر ضعيف. وعقبة بن علي ليس بالمشهور، قال العقيلي في " الضعفاء ":

" لا يتابع على حديثه وربما حدث بالمنكر عن الثقات ". وعتيق بن يعقوب فيه ضعف يسير كما بينه في " اللسان "، فالعلة ممن فوقه عبد الله أو عقبة. ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط " أيضا والبزار كما في " مجمع الزوائد " (5 / 96) وقال: " وهو ضعيف ". قلت: ولم أره في " الطب " من " زوائد البزار ". والله أعلم. وإنما فيه (ص 166) من طريق الوضاح بن يحيى حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن أنس مرفوعا بلفظ: " كان يكتحل وترا ". وقال الهيثمي: " والوضاح بن يحيى ضعيف " . قلت: ولفظه مجمل، يحتمل أنه عنى وترا في عين واحدة دون الأخرى، أي فهو وتر بالنسبة إليهما معا وهو الأظهر. ويحتمل أنه عنى وترا بالنسبة لكل واحدة منهما، يعني ثلاثا في كل عين، وهذا روي صريحا في حديث ابن عباس، من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عنه. لكنه إسناد لا تقوم به حجة، لأن عباد بن منصور كان تغير في آخره، مع كونه مدلسا، كما كنت بينته في تخريج حديثه هذا في " إرواء الغليل " رقم (75) ، وأن بينه وبين عكرمة رجلين أسقطهما هو، أحدهما وهو إبراهيم ابن أبي يحيى الأسلمي كذاب، والآخر ضعيف. وأشرت هناك إلى تخطئة العلامة الشيخ أحمد شاكر لتصحيحه إسناد هذا

الحديث في تعليقه على " المسند " (3318) . والآن قد بدا لي أنه لابد من توضيح ما أشرنا إليه هناك لأن بعض الأساتذة المشتغلين بالتحقيق لما اطلع عليه أشكل عليه الأمر ، فأقول: إن العلامة أحمد شاكر رحمه الله تعالى بنى تصحيحه المذكور على أمور هامة: الأول: أن عباد بن منصور ثقة (ج 4 / 6، 5 / 108) . الثاني: أنه لم يكن مدلسا أصلا. الثالث: شكه في ثبوته الكلمات التي وردت عن بعض أئمة الحديث الدالة على أن عبادا كان مدلسا، وشكه في دلالتها إن صحت! الرابع: أن ابن أبي يحيى الذي دلسه عباد ليس هو إبراهيم ابن أبي يحيى الكذاب، وإنما هو محمد بن أبي يحيى الثقة! هذه هي الدعائم التي بنى عليها الشيخ المومى إليه صحة الحديث. وجوابا على ذلك أقول، وبالله التوفيق: أولا: لا نعلم أحدا من الأئمة المتقدمين، ولا من الحفاظ المتأخرين أطلق التوثيق على عباد بن منصور كما فعل الشيخ رحمه الله تعالى، اللهم إلا رواية عن يحيى بن سعيد هي معارضة بأقوى منها. وقبل الشروع في بيان ذلك أسرد لك أقوال الأئمة التي ذكرها الحافظ في " التهذيب " في ترجمة عباد هذا: 1 - قال علي بن المديني: قلت: ليحيى بن سعيد: عباد بن منصور كان قد تغير؟ قال: لا أدري، إلا أنا حين رأيناه نحن كان لا يحفظ، ولم أر يحيى يرضاه. (الجرح والتعديل 3 / 1 / 86) ، ابن عدي (ق 238 / 1) . 2 - وقال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد: قال جدي: عباد ثقة، لا ينبغي أن

يترك حديثه لرأي أخطأ فيه. يعني القدر. 3 - وقال الدوري: عن ابن معين: ليس بشيء، وكان يرمى بالقدر. 4 - وقال أبو زرعة: لين. (الجرح 3 / 1 / 86) . 5 - وقال أبو حاتم: كان ضعيف الحديث، يكتب حديثه ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة. (الجرح 3 / 1 / 86) دون التصريح باسم " إبراهيم ". 6 - وقال علي بن المديني: سمعت يحيى بن سعيد: قلت: لعباد بن منصور: سمعت حديث. " مررت بملأ من الملائكة ... " و " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكتحل ... " يعني من عكرمة؟ فقال: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. 7 - وقال أبو داود: ليس بذاك. 8 - وقال النسائي: ليس بحجة، وفي موضع آخر: ليس بالقوي. 9 - وقال ابن عدي كما تقدم في الحديث الذي قبله: هو في جملة من يكتب حديثه. 10 - وقال ابن حبان: كل ما روي عن عكرمة سمعه من إبراهيم ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه، فدلسها عن عكرمة. 11 - وقال الدارقطني: ليس بالقوي. 12 - وقال أحمد: كانت أحاديثه منكرة، وكان قدريا، وكان يدلس.

13 - وقال ابن أبي شيبة: روى عن أيوب وعكرمة أحاديث مناكير. 14 - وقال أبو بكر البزار: روى عن عكرمة أحاديث، ولم يسمع منه. 15 - وقال العجلي: لا بأس به يكتب حديثه، وقال مرة: جائز الحديث. 16 - وقال ابن سعد: وهو ضعيف عندهم، وله أحاديث منكرة. 17 - وقال الجوزجاني: كان يرمى برأيهم، وكان سييء الحفظ، وتغير أخيرا. قلت: بعد هذا السرد لما قيل في عباد، يتبين لك أن كل هؤلاء الأئمة اتفقت أقوالهم على تضعيفه، إلا ما في الرواية رقم (2) عن يحيى بن سعيد، فسيأتي بيان ما يعارضها، وإلا قول العجلي (15) : " لا بأس به يكتب حديثه. وقال مرة: جائز الحديث ". وهذا كما ترى ليس صريحا في التوثيق، بل إن كل من كان على علم بأقوال الأئمة في الرجال وتعابيرهم في التعديل والتجريح ليشعر معي أن هذا القول من العجلي ليشير إلى أن في الرجل ضعفا ولو يسيرا، وحينئذ فلا يجوز الاعتماد عليه في توثيق عباد توثيقا مطلقا لأمرين: الأول: أنه ليس صريحا في ذلك كما ذكرنا. والآخر: أنه لو كان صريحا، فالعجلي معروف بالتساهل في التوثيق كابن حبان تماما، فتوثيقه مردود إذا خالف أقوال الأئمة الموثوق بنقدهم وجرحهم. على أنه يمكن بشيء من التسامح أن يحمل كلامه على موافقة كلماتهم، لأنه ليس صريحا في التوثيق كما ذكرنا. وأما قول يحيى بن سعيد في الرواية الثانية عنه: ثقة. فالجواب من وجهين: الأول: معارضته بما في الرواية الأولى عنه وترجيحها عليه بأمرين: 1 - أنها أصح، لأنها من رواية علي بن المديني الإمام الثبت، وتلك من رواية

أحمد بن يحيى بن سعيد الذي لم يزد الحافظ في ترجمته على قوله فيه " صدوق "! 2 - أنها تضمنت جرحا مفسرا، والجرح المفسر مقدم على التعديل عند التعارض كما هو معلوم في " المصطلح ". وثمة وجه آخر: معارضته بأقوال الأئمة الآخرين، فإنها متفقة على تضعيف الرجل مع بيان سبب التضعيف في كثير منها مثل قول ابن سعيد نفسه إنه لا يحفظ ومثله وأصرح منه قول الجوزجاني أنه كان سيء الحفظ، وأنه تغير أخيرا. ومثل قول أبي داود أن عنده أحاديث فيها نكارة. وكأنه تلقى ذلك من قول شيخه أحمد: أحاديثه منكرة. ونحوه قول ابن سعد: له أحاديث منكرة. وبعضهم رماه بالتدليس، وعبارة أحمد أعم وأشمل من عبارة ابن حبان التي توحي بأن تدليسه خاص بما رواه عن عكرمة. قلت: فالأخذ بأقوال هؤلاء الأئمة الجارحة لعباد خير من الأخذ بقول يحيى بن سعيد الموثق له، لاسيما وقوله الأول موافقه لهم، كما هو بين ظاهر، والحمد لله تعالى. قلت: فإذا عرفت هذا فانظر إلى ما صنع العلامة أحمد شاكر، لقد ذكر قول النسائي وابن سعد المضعفين له ثم قال عقبه مباشرة (4 / 6) : " وكلامهم فيه يرجع إلى رأيه في القدر، وإلى أنه يدلس، فيروي أحاديث عن عكرمة لم يسمعها منه، ولم يطعن أحد في صدقه ". قلت: كذا قال، وهو من الغرائب، إذ كيف يسوغ أن يوجه كلامهم المضعف له بخلاف ما نص جمهورهم على سبب التضعيف. فهذا النسائي نفسه أطلق التضعيف، ولم يرمه بالقدر، بل أضاف إلى ذلك أنه كان تغير! وكذلك نسبه إلى التغير الجوزجاني كما في الفقرة (17) ، وزاد على ذلك أنه كان سيء الحفظ. ونحوه قول يحيى بن سعيد رقم (1) : كان لا يحفظ.

وهذا ابن سعد بعد أن عزا تضعيفه إلى أئمة الحديث أتبعه بقوله: " وله أحاديث منكرة ". ومثله قول ابن أبي شيبة رقم (13) وأعم منه قول أحمد (رقم 12) : " كانت أحاديثه منكرة ". فهذه الأقوال علاوة على أنها جرح واضح فهي تضمن في نفس الوقت بيان سبب الجرح وهو أنه يتفرد بأحاديث لا يتابعه عليها الثقات. وذلك يلتقى مع أقوال الذين وصفوه بسوء الحفظ وبالتغير، وذلك جرح مفسر فكيف يصح مع هذا كله أن يقال: " وكلامهم فيه يرجع إلى رأيه في القدر "! ؟ والحقيقة أنه لو ثبتت ثقة عباد وحفظه وعدم تدليسه، لم يضر في روايته رأيه في القدر لأن العمدة فيها إنما هو العدالة والضبط والسلامة من العلة القادحة كالتدليس، وهذا مفقود هنا، أما الضبط فلما سبق بيانه من أقوال الأئمة أنه كان لا يحفظ. ومنه تعلم أنه لا ينافي ذلك قول الشيخ أحمد: " ولم يطعن أحد في صدقه ". لأنه ليكون ثقة لابد مع ذلك أن لا يطعن أحد في حفظه أيضا، وهذا غير متحقق هنا كما سلف. وأما التدليس، فهذا قد جزم بنفيه الشيخ أحمد، والرد عليه فيما يأتي، وهنا ينتهي الكلام عليه في قوله: إنه ثقة، ويتبين أنه ضعيف سيء الحفظ. الثاني: قوله: أنه لم يكن مدلسا أصلا. ويكفي في الرد على هذا قول الإمام أحمد (فقرة 12) :

وكان يدلس. وقول ابن حبان (فقرة 10) : " كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه، فدلسها عن عكرمة ". ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه كان يدلس فقال: " صدوق، رمي بالقدر وكان يدلس، وتغير بآخره ". قلت: فهذه نصوص صريحة في أن عبادا كان مدلسا. فبماذا رد ذلك الشيخ أحمد؟ لقد قال (5 / 109) : " هي تهمة نسبت إليه لكلمات نقلت، لا نراها تصح أو تستقيم " ! ثم ساق قول أبي حاتم المتقدم في (الفقرة 5) : " نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي يحيى ... ". ثم قول يحيى بن سعيد: قلت لعباد: سمعت حديث ... فقال عباد: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. قال الشيخ أحمد: " فهذه كلمات توهم التدليس (!) وقد أوقعت في وهم كثير من المحدثين أنه أخذ هذه الأحاديث من إبراهيم بن أبي يحيى، حتى أن بعضهم حين نقل شيئا من هذه الكلمات كالميزان والتهذيب لم يقل: " ابن أبي يحيى " بل قال: " إبراهيم بن أبي يحيى " وإبراهيم ضعيف جدا عندهم. فأخطؤوا خطأ فاحشا، ونسبوا الرجل إلى تدليس عن راو ضعيف هو منه براء، وهو تدليس بعيد أن يكون، إن لم يكن غير معقول، فإنهم زعموا أنه يدلس اسم راو متأخر مات سنة 184 فكيف يدلس عباد راويا لا يزال حيا وهو أصغر من بعض تلاميذه! ! ".

قلت: الجواب عن هذا سهل جدا - ولا أدرى كيف خفي ذلك على الشيخ الفاضل؟ - فإن من المعلوم في الأسباب التي تحمل المدلس على التدليس أن تكون روايته عمن هو أصغر سنا - من باب رواية الأكابر عن الأصاغر - فيسقطه حبا في العلو بالإسناد أو لعلمه بأنه غير مقبول الرواية عند المحدثين، وهذان الأمران متحققان في ابن أبي يحيى فما وجه استغراب بل استنكار الشيخ لتدليس عباد إياه، ثم لشيخه داود وهو ضعيف أيضا؟ ! أفمثل هذا يرد اتهام الأئمة إياه بالتدليس، بل وينسبون إلى الخطأ الفاحش، ويتلقى ذلك الخلف عن السلف، حتى جاء الشيخ يتهمهم بذلك بدون حجة؟ ! بل باستنكار ما هو واقع في عديد من الروايات من رواية الأكابر عن الأصاغر، ومن إسقاط الشيخ تلميذه الذي هو شيخه في حديث ما كما هو الواقع هنا على ما بينا. وأما قوله: " فهذه كلمات توهم التدليس ". فالجواب: من وجهين: الأولى: أن من كلمات التدليس كلمة الإمام أحمد: " وكان يدلس ". فهي كما ترى صريحة في التدليس، فلا جرم أن الشيخ لم يتعرض لذكرها، فضلا للجواب عنها! والآخر: أن ما ذكره الشيخ عن أبي حاتم ظاهر في اتهامه لعباد بالتدليس وهو قوله: " نرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي يحى ... ". فإن كان الشيخ يرد لذلك من قبل أن أبا حاتم لم يجزم بذلك لقوله " نرى " فالجواب: أنه لا فرق بين قوله هذا، وبين قوله الشيخ أحمد نفسه قبله بكلمات: " لا نراها تصح "! كما تقدم نقله عنه! وجوابنا القاطع أن رأي العالم المختص في علمه حجة على غير المختص، لا يجوز رده إلا بحجة أقوى فأين هي؟ ! ونحو قول أبي حاتم قول يحيى بن سعيد: قلت لعباد: سمعت حديث ... من

عكرمة؟ فقال: حدثهن ابن أبي يحيى عن داود عن عكرمة. فإنه ظاهر في أن يحيى كان عنده شك - على الأقل في سماع عباد للأحاديث المذكورة من عكرمة، ولذلك سأله هل سمعها منه؟ فلم يجبه عباد بجواب يزيل الشك، بل أجاب بما يؤكده، وهو قوله: حدثهن إبراهيم ... ، فلم يقل حدثنيهن وبهذا يثبت أن عبادا مدلس، وإلا فما الذي منعه من التصريح بأنه سمع، ولو بلفظ " نعم " إلى القول بما يشبه كلام السياسيين الذي لا يكون صريحا في الجواب، ويحتمل وجوها من المعاني؟ ! وهذا مما تورط به - في نقدي - العلامة أحمد شاكر نفسه فقال في آخر كلامه: " فلو صحت هذه الأسئلة (يعني من يحيى لعباد) وهذه الجوابات من عباد لكان الأقرب إلى الصواب أن يكون قال: حدثهن ابن أبي يحيى وداود بن الحصين عن عكرمة ، يريد تقوية روايته بأن داود بن الحصين ومحمد بن أبي يحيى رويا هذه الأحاديث أيضا عن عكرمة كما رواها، لا أنه يريد أن يثبت على نفسه تدليسا لا حاجة له به "! قلت: نعم لو كان له اختيار في ذلك يسعه أن لا يثبت على نفسه التدليس لما فعل. أما وقد سئل من الإمام يحيى بن سعيد هل سمع؟ والمفروض أنه سمع كما يزعم الشيخ فما الذي منعه من التصريح بذلك جوابا على سؤال الإمام؟ إلى القول بأنه تابعه على روايته عن عكرمة ابن أبي يحيى وداود! فيا عجبا كيف يرضى الشيخ تفسيره ذاك وهو أبعد ما يكون عن إجابة السؤال، لاسيما وهو به قد خرج عن نص الرواية فإنها تقول: " حدثهن ابن أبي يحيى عن داود "، والشيخ يقول: " ابن أبي يحيى وداود "؟ ! نعم، قد يقال إن الشيخ استجاز مثل هذا القول المخالف للرواية لأنه في شك من صحتها كما أشار إلى ذلك بقوله السابق " فلو صحت هذه الأسئلة ... " ومثله قوله السابق أيضا " لا نراها تصح "! وسيأتي الجواب عنه في الفقرة التالية. وهذا كله على فرض أن الرواية بلفظ " حدثهن " كما رجحه الشيخ، وأما على الرواية الأخرى: " حدثني " فهي نص لا يحتمل المعنى الذي ذكره الشيخ إطلاقا. فثبت أن عبادا مدلس، وأن نفي الشيخ له مما لا وجه له.

الثالث: شك الشيخ في صحة سؤال يحيى بن سعيد لعباد هل سمع تلك الأحاديث عن عكرمة؟ ولم يحمله على الشك في صحته ضعف في إسناده وقف عليه، وإنما هو اضطراب وقع - في زعمه - في متنه! فقد ذكر أنه وقع في " الميزان " بلفظ: " حدثني ابن أبي يحيى " بدل " حدثهن ابن أبي يحيى " الذي سبق نقله عن " التهذيب ". أقول: ومع أن مثل هذا الاختلاف لا يعتبر اضطرابا قادحا في الصحة - لدي العارفين بهذا العلم، لإمكان حمل الرواية الأولى - إن قيل إنها مبهمة - على الأولى، لأنها مفصلة كما هو واضح. ومع ذلك فاللفظ الأول هو الأرجح، بل الراجح عندي لثبوته في كتاب " الضعفاء " للعقيلي، وإسناده هكذا (ص 273) : حدثنا محمد بن موسى قال: حدثنا محمد بن سليمان قال: سمعت أحمد بن داود الحداد يقول: سمعت علي بن المديني يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: فذكره، ورواه الحافظ المزي في " التهذيب " من طريق العقيلي. قلت: وهذا إسناد جيد، الحداد هذا ثقة مترجم في " تاريخ بغداد (4 / 183 - 140) ، مات سنة إحدى أو اثنتين ومائتين. ومحمد بن سليمان هو أبو جعفر المصيصي المعروف بلوين، فيما يظهر، وهو ثقة من رجال " التهذيب " مات سنة (240) . ومحمد بن موسى هو أبو عبد الله المعروف بالنهرتيري، وهو ثقة جليل مترجم أيضا في " التاريخ " (3 / 241 - 242) ، مات سنة (289) . قلت: فقد بان بهذا التخريج أن المسألة صحيحة ثابتة عن يحيى بن سعيد القطان وباللفظ الذي يبطل تفسير الشيخ أحمد لها كما تقدم، ويثبت اعتراف عباد بأنه لم يسمع تلك الأحاديث من عكرمة، وإنما تلقاها عن إبراهيم - وهو ضعيف جدا كما اعترف الشيخ به - عن داود وهو ضعيف في عكرمة خاصة. الرابع: وأما زعم الشيخ أن ابن أبي يحيى ليس هو إبراهيم، وإنما هو محمد ابن أبي

634

يحيى وهذا ثقة، فمردود بأنه قول محدث، لم يقله أحد قبله فيما أعلمه، بل هو مخالف لتصريح ابن حبان المتقدم في الفقرة (10) . " كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى ... ". وعليه جرى من بعده من الحفاظ المتأخرين، فقد قال الحافظ المزي في " التهذيب " " روى عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي - وهو أكبر منه - ". ولم أر أحدا ذكر أنه روى عن محمد بن أبي يحيى والد إبراهيم. وأما تصريح عباد بن منصور بسماعه لهذا الحديث عند الترمذي، فهو إن كان محفوظا عنه غير شاذ - مما لا يفرح به، لأن تصريح المدلس بالتحديث إنما ينفع إذا كان حافظا ضابطا، وعباد ليس كذلك، فلعله وهم فيه بسبب سوء حفظه، أو تغيره في آخر أمره. وجملة القول أن حديث ابن عباس هذا لا يصلح شاهدا لحديث الترجمة لشدة ضعف إسناده، ولأن لفظه مخالف للفظه في العين الأخرى فبقي على ضعفه. نعم من الممكن أن يقال: إن حديث ابن عمر عند الطبراني يصلح شاهدا له، لأنه في المعنى مثله، وإسناده ليس شديد الضعف، وهذا الذي أنا إليه أميل، فالحديث صحيح. والله أعلم. 634 - " لك بها سبعمائة ناقة مخطومة في الجنة ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 116) من طرق عن فضيل بن عياض عن سليمان بن مهران عن أبي عمرو الشيباني عن ابن مسعود قال: " جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: يا رسول الله هذه الناقة في سبيل الله، قال ... " فذكره. وقال:

635

" مشهور من حديث الأعمش، ثابت، حدث به عن الفضيل جماعة من المتقدمين ". قلت: والشيباني اسمه سعد بن إياس. وقد تابعه جرير عن الأعمش به. أخرجه الحاكم (2 / 90) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 635 - " من تطبب ولا يعلم منه طب، فهو ضامن ". أخرجه أبو داود (4586) والنسائي (2 / 250) وابن ماجه (3466) والدارقطني (ص 370) والحاكم (4 / 212) والبيهقي (141) من طريق الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال أبو داود: " لم يروه إلا الوليد، لا ندري هو صحيح أم لا؟ ". وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! قلت: وهو بعيد، فإن ابن جريج والوليد مدلسان وقد عنعناه، إلا عند الدارقطني والحاكم فقد وقع فيه تصريح الوليد بالتحديث. فقد انحصرت العلة في عنعنة شيخه ابن جريج.

636

وأعله البيهقي بعلة أخرى فقال: " ورواه محمود بن خالد عن الوليد، عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكر أباه ". كذا قال، ولعلها رواية وقعت له، وإلا فقد رواه النسائي عنه مثل رواية الجماعة عن الوليد، فقال عقبها: " أخبرنا محمود بن خالد قال: حدثنا الوليد عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله سواء ". وأما الدارقطني فأعله بعلة أخرى، فقال: " لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم، وغيره يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: وذا لا يضر فإن الوليد ثقة حافظ، وإنما العلة العنعنة كما بينا. وللحديث شاهد من رواية عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز: حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك، فأعنت، فهو ضامن ". قال عبد العزيز: أما إنه ليس بالعنت إنما هو قطع العروق والبط والكي. قلت: وإسناده حسن لولا أنه مرسل مع جهالة المرسل، لكن الحديث حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم. 636 - " أبايعك على أن تعبد الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتناصح المسلمين وتفارق المشرك ". أخرجه النسائي (2 / 183) والبيهقي (9 / 13) وأحمد (4 / 365)

من طريق أبي وائل عن أبي نخيلة البجلي قال: قال جرير: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبايع فقلت: يا رسول الله ابسط يدك حتى أبايعك، واشترط علي فأنت أعلم، قال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، وأبو نخيلة بالخاء المعجمة، وقيل بالمهملة وبه جزم إبراهيم الحربي وقال: هو رجل صالح. وقد جزم غير واحد بصحبته كما بينه الحافظ في " الإصابة ". ولهذا الحديث شاهد من حديث أعرابي، ويأتي بلفظ: " إنكم إن شهدتم ... ". والحديث أخرجه الطبراني أيضا في " المعجم الكبير " (ج 1 ورقه 111 وجه 1) من طريق أبي وائل به. وقد رويت الجملة الأخيرة منه من طريق أخرى عن جرير بلفظ: " أنا برىء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، قالوا: يا رسول الله: ولم؟ قال: لا تراءى نارهما ". أخرجه الترمذي (2 / 397) : حدثنا هناد: حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله: أن رسول الله بعث سرية إلى خثعم ، فاعتصم ناس بالسجود، فأسرع فيهم القتل، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فأمر لهم بنصف العقل وقال ... " فذكره. ثم قال الترمذي: حدثنا هناد: حدثنا عبدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن

أبي حازم مثل حديث أبي معاوية ولم يذكر فيه عن جرير، وهذا أصح. وفي الباب عن سمرة، وأكثر أصحاب إسماعيل قالوا: عن إسماعيل عن قيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية ولم يذكروا فيه عن جرير، وروى حماد بن سلمه عن الحجاج بن أرطاة عن إسماعيل بن أبي خالد عن جرير مثل حديث أبي معاوية، وسمعت محمدا يقول: الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وروى سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو مثلهم ". قلت: إسناد الحديث الأول الموصول رجاله ثقات رجال مسلم، لكن أعله الترمذي تبعا للبخاري وغيره بالإرسال، ولولا أن في أبي معاوية - واسمه محمد بن خازم بمعجمتين - شيئا من الضعف من قبل حفظه لقلت " إنه زاد الوصل، والزيادة من الثقة مقبولة، على أنه قد تابعه في وصله الحجاج بن أرطاة كما ذكر الترمذي وقد وصله البيهقي (9 / 12 - 13) مختصرا بلفظ: " من أقام مع المشركين فقد برئت منه الذمة " ويأتي، لكن الحجاج مدلس وقد عنعنه. ثم أن الحديث أورده الهيثمي (5 / 253) عن قيس بن أبي حازم عن خالد بن الوليد. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث خالد بن الوليد إلى ناس من خثعم الحديث وقال: " رواه الطبراني ورجاله ثقات ". ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحافظ في " تخريج الكشاف " (4 / 55 رقم 457) فقال: رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث جابر.... وصله أبو معاوية عن

637

إسماعيل عن قيس عنه، وأرسله غيره من أصحاب إسماعيل كعبدة بن سليمان ووكيع وهشيم ومروان، وتابعه حجاج بن أرطاة، عن إسماعيل موصولا وحجاج ضعيف، ورجح البخاري وغيره المرسل، وخالف الجميع حفص بن غياث فرواه عن إسماعيل عن قيس، عن خالد بن الوليد: خرجه الطبراني ". وهو عند أبي داود في " الجهاد " وأخرجه الطبراني أيضا في " المعجم الكبير " (ج 1 ورقة 109 وجه 1) مخطوط المكتبة الظاهرية (رقم 282 حديث) عن أبي معاوية به. وفي معناه حديث: " لا يقبل الله من مشرك بعد ما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين ". وقد ذكر في محله. 637 - " ما تواد اثنان في الله عز وجل، أو في الإسلام، فيفرق بينهما إلا ذنب يحدثه أحدهما ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (401) من طريق سنان بن سعد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير سنان ابن سعد، ويقال: سعد بن سنان، قال الحافظ: " صدوق له أفراد ". قلت: وهذا مما لم يتفرد به، فقد رواه جماعة عن غير أنس من الصحابة، فمنهم عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: فذكره في حديث. أخرجه أحمد (2 / 68) من طريق ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن نافع، عن ابن عمر. ورجاله ثقات، إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ، فحديثه مما يستشهد به.

638

ومنهم أبو هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 202) عن إسحاق بن راهويه حدثنا كلثوم بن محمد بن أبي سدرة حدثنا عطاء بن ميسرة عنه. قلت: وهذا إسناد منقطع ضعيف، عطاء بن ميسرة هو ابن أبي مسلم الخراساني ولم يسمع من أحد من الصحابة. وكلثوم هذا قال أبو حاتم: يتكلمون فيه. ومنهم رجل من بني سليط قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكر حديثا فيه هذا. يرويه علي بن زيد عن الحسن حدثني رجل من بني سليط. أخرجه أحمد (5 / 71) . وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، وحسنه الهيثمي (10 / 275) ، رجاله ثقات غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف الحفظ. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. وبالله التوفيق. 638 - " أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود ". أخرجه أبو داود (4375) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 129) وأحمد (6 / 181) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 43) وابن عدي في " الكامل " (306 / 1) والحافظ ابن المظفر في " الفوائد المنتقاة " (2 / 214 / 2) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 48 / 1) وكذا البيهقي (8 / 334) من طرق عن عبد الملك بن زيد عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

أورده ابن عدي في ترجمة عبد الملك هذا مع حديث آخر له، وقال: " وهذان الحديثان منكران بهذا الإسناد، لم يروهما غير عبد الملك ابن زيد ". قلت: قد وثقه ابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال ابن الجنيد: ضعيف الحديث. فمثله حسن الحديث، وهو ما يعطيه قول النسائي المذكور، وقد اعتمده الحافظ في " التقريب ". ومثله يحتج بحديثه في مرتبة الحسن، إلا أن يتبين خطؤه، وهذا غير موجود في هذا الحديث، وكأنه لذلك قوى الطحاوي حديثه هذا، بل قد جاء ما يؤيد حفظه إياه سندا ومتنا، فقد تابعه أبو بكر بن نافع العمري عن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (465) والطحاوي، وابن حبان في " صحيحه " (1520) وكذا أبو يعلى في " مسنده " (237 / 2) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (73 / 255 / 1) وابن المظفر في " الفوائد " والبيهقي كلهم من طرق عن العمري به لم يذكروا في إسناده " عن أبيه " غير ابن المظفر في إحدى روايتيه. لكن أبو بكر هذا - وهو مولى زيد بن الخطاب كما وقع صريحا في " فوائد الشافعي " ورواية للطحاوي - قال ابن معين: ليس بشيء.

وقال أبو داود: لم يكن عنده إلا حديث واحد. ثم ذكر هذا. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وتابعه أيضا عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن حمد بن عمرو ابن حزم عن أبيه عن عمرة به. دون قوله " إلا الحدود ". أخرجه الطحاوي (3 / 128) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 236) وقال: " وقد روي بغير هذا الإسناد، وفيه أيضا لين وليس فيه شيء ثابت ". أورده في ترجمة عبد الرحمن هذا، وروى عن البخاري أنه قال: " روى عنه الواقدي عجائب ". قلت: الواقدي متهم، فلا يغمز في شيخه بما روى من العجائب عنه، والأصل براءة الذمة، فلا ينقل عنها إلا بحجة، وكأنه لذلك قال الحافظ فيه: " مقبول ". يعني عند المتابعة، وقد توبع كما عرفت فيكون حديثه مقبولا. وقد توبع أيضا مع شيء من المخالفة لا تضر إن شاء الله تعالى. فقال الخلال في " الأمر بالمعروف " (ق 5 / 2) : أنبأنا أحمد بن الفرج أبو عتبة الحمصي قال: حدثنا ابن أبي فديك حدثنا ابن أبي ذئب عن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن جده عن عمر مرفوعا به.

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين، غير أحمد بن الفرج، فهو ضعيف من قبل حفظه، غير متهم في صدقه، قال ابن عدي: " لا يحتج به، هو وسط ". وقال ابن أبي حاتم: " محله الصدق ". قلت: فمثله يستشهد به ولا يحتج به، خصوصا فيما خالف فيه الثقات كقوله في هذا الإسناد: " عن أبيه عن جده عن عمر " فهو من أخطائه، لا ممن فوقه، فإنهم ثقات والصواب: " عن أبيه عن عمرة عن عائشة " كما تقدم في رواية الجماعة. وعلى كل حال فاتفاق هؤلاء الأربعة على رواية هذا الحديث عن محمد بن أبي بكر دليل قاطع على أن له أصلا عنه لأنه يبعد عادة تواطؤهم على الخطأ، فإذا اختلفوا عليه، فالعبرة بما عليه رواية الجماعة وقد عرفتها. وقد تابعهم عبد العزيز بن عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب. عند الطحاوي (3 / 129) . وعبد العزيز هذا ثقة، وكذلك من دونه، فهو إسناد صحيح. وقد وجدت له طريقا أخرى عن عائشة رضي الله عنها، فقال الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 185 / 1) : أنبأنا محمد بن عبد الله الحضرمي: أنبأنا إسحاق بن زيد الخطابي أنبأنا محمد بن سليمان بن (أبي) داود أنبأنا المثنى أبو حاتم العطار: أنبأنا عبيد الله بن عيزار عن القاسم بن محمد عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره دون الزيادة. وقال: " لم يروه عن عبيد الله إلا المثنى، ولا عنه إلا محمد، وريحان بن سعيد ". قلت: وهذا إسناد ضعيف المثنى هذا وهو ابن بكر البصري قال العقيلي (ص 429) : " لا يتابع على حديثه ".

وقال الدارقطني: " متروك ". وعبيد الله بن عيزار ثقة كما في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 330) . وسائر الرواة ثقات معروفون، غير إسحاق بن زيد الخطابي ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح "، والسمعاني في " الأنساب "، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا ولعله في " الثقات " لابن حبان. وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ الترجمة إلا أنه قال: " زلاتهم " دون الحدود. أخرجه الطبراني في " الأوسط " وعنه أبو نعيم في " تاريخ أصبهان " (2 / 234) والخطيب في " تاريخه " (10 / 85 - 86) من طريقين عن عبد الله بن محمد بن يزيد الرفاعي حدثني أبي أنبأنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عنه. وقال الطبراني: " لا يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله ابن يزيد ". قلت: وهو ثقة كما قال الخطيب وكناه بأبي محمد الحنفي المروزي وفي ترجمته أورد الحديث. وذكر أنه مات سنة (275) . وسائر رواته موثوقون، حديثهم حسن غير محمد بن يزيد الرفاعي، فقد اختلفوا فيه، وقال الحافظ في " التقريب ": " ليس بالقوي ". قلت: فمثله لا أقل من أن يكون حسن الحديث لغيره، فالحديث شاهد حسن لحديث عائشة. والله أعلم.

وقال الهيثمي في " المجمع " (6 / 282) : " رواه الطبراني عن محمد بن عاصم عن عبد الله بن محمد بن يزيد الرفاعي، ولم أعرفهما ، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: عبد الله قد عرفنا أنه ثقة. وأما محمد بن عاصم، فهو متابع من محمد بن مخلد وهو ثقة، فجهالته لا تضر. وعاصم وهو ابن بهدلة لم يحتج به الشيخان. وله طريق أخرى يرويه إبراهيم بن حماد الأزدي حدثنا عبد الرحمن ابن حماد البصري قال: حدثنا الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله مرفوعا بلفظ: " تجافوا عن ذنب السخي، فإن الله آخذ بيده كلما عثر ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 108) وقال: " غريب ". قلت وإبراهيم بن حماد الأزدي الظاهر أنه الزهري الضرير ضعفه الدارقطني. ثم رواه (5 / 58 - 59) من طريق الطبراني عن بشر بن عبيد الله الدارسي قال: حدثنا محمد بن حميد العتكي، عن الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة. عن عبد الله بلفظ: " تجاوزوا.... ". وبشر هذا قال ابن عدي:

بين الضعف جدا. وله شاهد آخر من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " تجاوزا في عقوبة ذوي الهيئات ". أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (ق 33 / 1) : أنبأنا تمتام (محمد بن غالب) أنبأنا عبد الصمد بن النعمان أنبأنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن عبد الله بن دينار عنه. وأخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (122) من هذا الوجه. قلت: وهذا إسناد جيد عبد العزيز وهو الماجشون وابن دينار ثقتان من رجال الشيخين، وعبد الصمد بن النعمان قال الذهبي: " وثقه يحيى بن معين وغيره وقال الدارقطني والنسائي: ليس بالقوي " ووثقه ابن حبان أيضا والعجلي، كما في " اللسان "، فهو حسن الحديث على أقل الأحوال. وتمتام ثقة مأمون كما قال الدارقطني. فثبت هذا الإسناد. والحمد لله. وروى الطحاوي (3 / 130) عن محمد بن عبد العزيز بن عبد الله ابن عمر، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تجافوا عن عقوبة ذوي المروءة، وهم ذوو الصلاح ". لكن محمد هذا، قال الذهبي في " الضعفاء ": " ضعفوه ". وللشطر الأول منه، شاهد من حديث زيد بن ثابت مرفوعا وزاد: " إلا في حد من حدود الله تعالى ". لكن إسناده ضعيف جدا كما بينته في " ترتيب المعجم الصغير " رقم (314) . ووقع في " الجامع الصغير " و " الفتح الكبير " مرموزا له بـ (طس) أي الطبراني في

" المعجم الأوسط "، وهو وهم، فإن الهيثمي لم يعزه إلا إلى " الصغير " وقال: " وفيه محمد بن كثير بن مروان الفهري وهو ضعيف ". قلت: بل هو ضعيف جدا كما بينته هناك. وله شاهد عن الحسن البصري مرسلا. أخرجه ابن المرزبان في " كتاب المروءة " (1 / 2) عن علي بن محمد القرشي، حدثنا علي بن سليمان عن الفضل بن روح عنه. وهذا إسناد مظلم، من دون الحسن لم أعرفهم. والقرشي يحتمل أن يكون أبا الحسن المدائني الأخباري صاحب التصانيف، وفيه كلام. ثم رواه من طريق إبراهيم بن الفضل عن جعفر بن محمد عليه السلام مرفوعا بلفظ: " تجاوزوا لذي المروءة عن عثراتهم، فوالذي نفسي بيده إن أحدهم ليعثر وإن يده لفي يد الله عز وجل ". وهذا ضعيف جدا، فإنه مع إعضاله فيه إبراهيم بن الفضل متروك. وفيما تقدم من الطرق والشواهد كفاية. والله أعلم . وأما ما روى عبد العزيز بن عبد الله أبو عمر الرملي، حدثنا ذو النون ابن إبراهيم الزاهد المصري حدثنا فضيل بن عياض الزاهد حدثنا ليث عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " تجاوزوا عن ذنب السخي، وزلة العالم، وسطوة السلطان العادل فإن الله تعالى آخذ بأيديهم كلما عثر عاثر منهم ".

639

أخرجه الخطيب في " التاريخ " (14 / 98) . قلت: فهذا ضعيف لا يصح ليث وهو ابن أبي سليم كان اختلط. وذو النون ضعفه الدارقطني والجوزقاني. وأبو عمر الرملي لم أعرفه. وتابعه أحمد بن صليح الفيومي حدثنا أبو الفيض ذو النون به مختصرا دون ذكر زلة العالم وسطوة السلطان العادل. أخرجه أبو نعيم (10 / 4) ثم أخرجه من طريق محمد بن عقبة المكي عن فضيل بن عياض مثله. (فائدة) روى البيهقي عن الشافعي رحمه الله أنه قال: " وذوو الهيئات الذين يقالون عثراتهم: الذين ليسوا يعرفون بالشر، فيزل أحدهم الزلة ". 639 - " كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم، أو دعا على قوم ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " رقم (620) : أنبأنا محمد بن محمد بن مرزوق الباهلي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم وفي ابن مرزوق كلام لا يسقط

640

حديثه عن مرتبة الاحتجاج به، لاسيما وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة. " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد، أو يدعو على أحد ". أخرجه ابن خزيمة أيضا من طريق أبي داود: حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. 640 - " أيما ضيف نزل بقوم، فأصبح الضيف محروما، فله أن يأخذ بقدر قراه، ولا حرج عليه ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 40) وأحمد (2 / 380) من طريق معاوية بن صالح عن أبي طلحة، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي طلحة واسمه نعيم بن زياد، وهو ثقة. 641 - " كان لا ينام حتى يقرأ الزمر وبني إسرائيل ". أخرجه الترمذي (4 / 232 - تحفة) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 126 / 2) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 69) والحاكم (2 / 434) وأحمد (6 / 68 / 122) من طرق عن حماد بن زيد عن أبي لبابة قال: قالت عائشة: فذكره مرفوعا . قلت: وهذا إسناد جيد سكت عليه الحاكم والذهبي ورجاله ثقات وقال الترمذي :

642

" أخبرني محمد بن إسماعيل (يعني البخاري) قال: أبو لبابة هذا اسمه مروان مولى عبد الرحمن بن زياد، وسمع من عائشة، سمع منه حماد ابن زيد ". قلت: وقال ابن معين: " ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " ولم يعرفه ابن خزيمة فقال مترجما عن الحديث: " باب استحباب قراءة بني إسرائيل ... إن كان أبو لبابة هذا يجوز الاحتجاج بخبره، فإني لا أعرفه بعدالة ولا بحرج ". قلت: قد عرفه البخاري ومن وثقه، ومن عرف حجة على من لم يعرف. 642 - " من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قرأ بألف آية كتب من المقنطرين ". أخرجه أبو داود (1 / 221 - التازية) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 125) وابن حبان (662) وابن السني (697) عن أبي سوية أنه سمع ابن حجيرة يخبر عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وقال: " إن صح الخبر فإني لا أعرف أبا سوية بعدالة ولا جرح ". قلت: هو صدوق كما في " التقريب " واسمه عبيد بن سوية، وقال ابن يونس وابن ماكولا: " كان فاضلا ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جماعة. وابن حجيرة اسمه عبد الرحمن، ثقة من رجال مسلم. فالإسناد جيد. وله شاهد عن ابن عمر قال: فذكره مثله، إلا أنه قال في الجملة الأخيرة: " ومن قرأ بمائتي آية كتب من الفائزين ".

أخرجه الدارمي (2 / 465) من طريق أبي إسحاق عن المغيرة بن عبد الله الجدلي عنه. ورجاله ثقات غير المغيرة بن عبد الله الجدلي ، فلم أعرفه، وفي طبقته المغيرة بن عبد الله اليشكري الكوفي، روى عنه جماعة منهم أبو إسحاق السبيعي فلعله هذا. وهذه الجملة وإن كانت موقوفة فلها حكم المرفوع. والله أعلم. وقد روي الحديث عن أبي هريرة مرفوعا بالجملة الأولى منه بلفظ: " من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين ". رواه الحاكم (1 / 555) : أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب - بهمدان - حدثنا محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به. ورواه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (696) : حدثني محمد بن حفص البعلبكي حدثنا محمد بن إبراهيم الصوري حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: هو كما قالا، إن صح السند به إلى ابن إسماعيل وكان هو موسى، لا مؤمل، وفي كل من الأمرين نظر! أما الأول، فإن مدار السند - كما رأيت - على محمد بن إبراهيم بن كثير الصوري، وقد أورده الذهبي في " الميزان " وكناه أبا الحسن وقال: " روى عن الفريابي ومؤمل بن إسماعيل، روى عن رواد بن الجراح خبرا باطلا أو منكرا في ذكر المهدي ، وكان غاليا في التشيع ".

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ". وترجم له ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (14 / 381 / 2) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، فهو في عداد المجهولين إن لم يكن من المجروحين! وأما الآخر، فلا تطمئن النفس إلى أن ابن إسماعيل هو موسى وذلك لأمرين: أولا: أن كتاب الحاكم فيه كثير من التصحيفات في رجال كتابه كما هو معروف عند الخبيرين به، فخلافه مرجوح عند التعارض، كما هو الواقع هنا، ففي رواية ابن السني أنه مؤمل بن إسماعيل، لا موسى بن إسماعيل. ثانيا: أنهم لم يذكروا في شيوخ الصوري هذا موسى بن إسماعيل بل مؤمل بن إسماعيل ، كما رأيت في كلام الذهبي ومثله في " لسان العسقلاني ". ومما سبق يتبين أن السند ليس على شرط مسلم، لأن مؤمل بن إسماعيل ليس من رجاله ولا هو صحيح، لأن مؤملا سيىء الحفظ كما في " التقريب "، وأيضا فقد عرفت حال الصوري. وقد روي الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " من صلى في ليلة بمائة آية لم يكتب من الغافلين، ومن صلى في ليلة بمائتي آية فإنه يكتب من القانتين المخلصين ". أخرجه الحاكم (1 / 308 - 309) عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن عبيد الله بن سلمان عن أبيه أبي عبد الله سلمان الأغر عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره. وقال: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي؟ وأقول: وقد وهما، فإن ابن أبي الزناد لم يحتج به مسلم، وإنما روى له شيئا في المقدمة، ثم هو إلى ذلك فيه ضعف قال الحافظ: " صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها ".

643

والراوي عنه سعد، لم يخرج له مسلم أصلا، وفيه ضعف أيضا، أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء " وقال: " قال ابن حبان: كان ممن فحش خطؤه، وقال ابن معين: لا بأس به ". وقال الحافظ: " صدوق، له أغاليط ". قلت: فمثل هذا الإسناد مما لا يطمئن القلب لثبوته، لاسيما والمحفوظ في الحديث " عشر آيات " بدل " مائة " كما سبق. والله أعلم. 643 - " من قرأ في ليلة مائة آية لم يكتب من الغافلين، أو كتب من القانتين ". أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 66) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 124 / 2) كلاهما بإسناد واحد، فقال: حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي حدثنا علي بن الحسن بن شقيق أخبرنا أبو حمزة (السكري) عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقوله: " أو كتب من القانتين ". شك من بعض رواته، وهو مما لا ينبغي الشك فيه عندي وذلك لأمرين: الأول: أن قوله: " لم يكتب من الغافلين "، قد ثبت فيمن قام بعشر آيات، كما تقدم في الحديث الآنف الذكر. والآخر: أن قوله " كتب من القانتين "، ثبت فيمن قام بمائة آية. فقد روى عبد الله بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

644

" من قرأ عشر آيات في ليلة لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ". أخرجه الحاكم (1 / 555 - 556) شاهدا، وقال الذهبي: " قلت: إسناده واه ". وأقول عبد الله هذا الظاهر أنه ابن سمعان المخزومي المدني وهو متهم. ولكن قد جاء معناه في أحاديث أخرى، فشطره الأول ثبت من حديث ابن عمرو كما تقدم، وشطره الآخر ثبت نحوه من حديث تميم الداري وهو الآتي بعده، بل صح ذلك من طريق أخرى عن أبي حمزة، كما يأتي برقم (757) . 644 - " من قرأ بمائة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة ". أخرجه الدارمي (2 / 464) : حدثنا يحيى بن بسطام، حدثنا يحيى ابن حمزة حدثني زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى عن كثير بن مرة عن تميم الداري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون غير يحيى بن بسطام، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 132) : " سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ صدوق، ما بحديثه بأس، قدري، أدخله البخاري في " كتاب الضعفاء "، فيحول من هناك ". ثم رأيته في " المسند " (4 / 103) من طريق الهيثم بن حميد عن زيد بن واقد به، فصح الحديث والحمد لله. 645 - " اقرءوا المعوذات في دبر كل صلاة ". أخرجه النسائي (1 / 196) وابن خزيمة في " صحيحه " (755) عن ليث عن حنين بن أبي حكيم عن علي بن

646

رباح عن عقبة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير حنين ابن أبي حكيم، فهو صدوق. 646 - " نعمت السورتان يقرأ بهما في ركعتين قبل الفجر * (قل هو الله أحد) * و * (قل يا أيها الكافرون) * ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 121 / 2) : حدثنا بندار، أنبأنا إسحاق بن يوسف الأزرق، حدثنا الجريري، عن عبد الله بن شفيق عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعا قبل الظهر، وركعتين قبل العصر لا يدعهما، قالت: وكان يقول.... ". فذكره. وأخرجه ابن حبان (610) من طريق يزيد بن هارون عن سعيد الجريري به، دون قوله في أوله: " كان.... ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم، غير أن الجريري كان اختلط قليلا قبل موته بثلاث سنوات. 647 - " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور القلم ". أخرجه أحمد (1 / 407 - 408) : حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا بشير ابن سلمان عن سيار، عن طارق بن شهاب قال:

" كنا عند عبد الله جلوسا، فجاء رجل فقال : قد أقيمت الصلاة، فقام، وقمنا معه، فلما دخلنا المسجد، رأينا الناس ركوعا في مقدم المسجد، فكبر، وركع، وركعنا، ثم مشينا، وصنعنا مثل الذي صنع، فمر رجل يسرع فقال: عليك السلام يا أبا عبد الرحمن، فقال: صدق الله، ورسوله، فلما صلينا ورجعنا، دخل إلى أهله، جلسنا، فقال بعضنا لبعض: أما سمعتم رده على الرجل: صدق الله، وبلغت رسله، أيكم يسأله؟ فقال طارق: أنا أسأله، فسأله حين خرج، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ثم قال أحمد (1 / 419 - 420) : حدثنا يحيى بن آدم أنبأنا بشير أبو إسماعيل به دون قوله: " وشهادة الزور..... "، ودون قصة الركوع والمشي. وإسناده صحيح أيضا. وخالفهما أبو نعيم حدثنا بشير بن سلمان به مثل رواية الزبيري، إلا أنه لم يذكر: " وقطع الأرحام.... ". وقال بدلها: " وحتى يخرج الرجل بماله إلى أطراف الأرض فيرجع فيقول: لم أربح شيئا ". أخرجه الحاكم (4 / 445 - 446) من طريق السري بن خزيمة، حدثنا أبو نعيم. وسكت عليه هو والذهبي. وأبو نعيم ثقة حجة وهو الفضل بن دكين. لكن الراوي عنه السري بن خزيمة لم أجد له ترجمة.

648

وقد وجدت لآخر الحديث شاهدا من حديث عمرو بن تغلب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ".... وإن من أشراط الساعة أن يكثر التجار، ويظهر القلم " . أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1171) : حدثنا ابن فضالة عن الحسن قال: قال عمرو بن تغلب به. ومن طريق الطيالسي أخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 59 / 2) . قلت: وابن فضالة - واسمه مبارك - صدوق، ولكنه يدلس، وكذلك الحسن وهو البصري، لكن هذا قد صرح بالتحديث عن عمرو في " مسند أحمد " (5 / 69) وقد أخرج الطرف الأول من الحديث. 648 - " إن من أشراط الساعة إذا كانت التحية على المعرفة. وفي رواية: أن يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة ". أخرجه أحمد (1 / 387) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 36 / 2) من طريق مجالد عن عامر، عن الأسود بن يزيد قال:

649

" أقيمت الصلاة في المسجد، فجئنا نمشي مع عبد الله بن مسعود فلما ركع الناس، ركع عبد الله وركعنا معه ونحن نمشي، فمر رجل بين يديه، فقال: السلام عليك يا أبا عبد الرحمن، فقال عبد الله وهو راكع: صدق الله ورسوله، فلما انصرف سأله بعض القوم لم قلت: حين سلم عليك الرجل: صدق الله ورسوله؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره بالرواية الأولى. قلت: ورجاله ثقات كلهم غير مجالد، وهو ابن سعيد وليس بالقوي، لكن يقويه الرواية الأخرى، فقد روى شريك، عن عياش العامري عن الأسود بن هلال، عن بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بالرواية الأخرى. أخرجه أحمد (1 / 405 - 406) . وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات، رجاله كلاهم ثقات غير شريك وهو ابن عبد الله القاضي، فإنه سيء الحفظ، لكن مجيء الحديث من الطريق السابقة يجعلنا نطمئن لثبوته، وأنه قد حفظه. ويزيده قوة أن له طريقا ثالثة عن ابن مسعود مرفوعا بمعناه. وقد خرجته قبيل هذا. 649 - " إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد لا يصلي فيه ركعتين ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " وغيره من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا. وفي إسناده ضعف بينته في الكتاب الآخر (1530) . لكن الحديث له طريق أخرى عن ابن مسعود يتقوى بها، لأنه لا علة فيه سوى الجهالة كما بينته هناك (1531) . وله شاهد مرسل يرويه شريك عن العباس بن ذريح عن عامر رفعه. أخرجه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (10 / 107 / 1) .

650

وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير شريك وهو ابن عبد الله القاضي، فإنه سيء الحفظ، لكنه ثقة في نفسه، غير متهم في صدقه، فحديثه صحيح إذا توبع عليه. والله أعلم. 650 - " ثلاثة لا يقبل منهم صلاة ولا تصعد إلى السماء ولا تجاوز رءوسهم: رجل أم قوما وهم له كارهون، ورجل صلى على جنازة ولم يؤمر، وامرأة دعاها زوجها من الليل فأبت عليه ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (161 / 1) من طريق عطاء بن دينار الهذلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... فذكره. ومن طريق عمرو بن الوليد عن أنس بن مالك يرفعه. يعني مثل هذا. وقال: " أمليت الخبر الأول، وهو مرسل، لأن حديث أنس الذي بعده مثله، لولا هذا لما كنت أخرج الخبر المرسل في هذا الكتاب ". قلت: الخبر الأول رجاله ثقات، لكنه معضل، لأن عطاء بن دينار الهذلي لم يلق أحدا من الصحابة، وإنما يروي عن التابعين. والخبر الآخر رجاله ثقات أيضا وهو موصول، إلا أن عمرو بن الوليد قال الذهبي: " ما روى عنه سوى يزيد بن أبي حبيب ". لكن يبدو من ترجمته أنه كان فاضلا معروفا، فقال ابن يونس:

651

كان من أهل الفضل والفقه. وذكره يعقوب بن سفيان في " ثقات أهل مصر ". وكذلك ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقضية إخراج ابن خزيمة لحديثه في " الصحيح " أنه ثقة عنده وهذا هو الذي ترجح لي، فالحديث جيد. والله أعلم. 651 - " الخير عادة والشر لجاجة ومن يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ". أخرجه ابن ماجه (1 / 95 - 96) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم: حدثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس أنه حدثه قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، غير مروان بن جناح، وهو " لا بأس به " كما في التقريب تبعا للدارقطني. ورواه ابن حبان في " صحيحه " من طريق هشام بن عمار بإسناده ومتنه سواء كما في " موارد الظمآن " (82) ، وكذلك أخرجه ابن عدي في " الكامل " (135 / 2) في ترجمة روح بن جناح وهو أخو مروان بن جناح، لكن وقع عنده " روح بن جناح " مكان " مروان بن جناح " فلا أدري أهو سهو من الرواة، أم أن الوليد بن مسلم رواه عن الأخوين معا، وعنه هشام، فكان يرويه عن هذا تارة وعن هذا تارة. والله أعلم. ورواه الضياء في " موافقات هشام بن عمار " (58 / 2) . وأخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (3 / 1) من طريق عمرو بن عثمان قال: أنبأنا الوليد بن مسلم عن مروان بن جناح به. وأخرجه عبد الغني المقدسي في " العلم " (5 / 2) ،

652

وأخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 345) من طريق أخرى عن الوليد به دون الفقرة الثانية منه. 652 - " نهى عن أن تكلم النساء (يعني في بيوتهن) إلا بإذن أزواجهن ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (8 / 230 / 2) عن قيس بن الربيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن أبي جعفر مولى بني هاشم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل قيس وشيخه، فإنهما ضعيفان من قبل الحفظ. لكن ذكر له الخرائطي شاهدا عن تميم بن سلمة قال: " أقبل عمرو بن العاص إلى بيت علي بن أبي طالب في حاجة، فلم يجد عليا، فرجع ثم عاد فلم يجده، مرتين أو ثلاثا، فجاء علي فقال له: أما استطعت إذ كانت حاجتك إليها أن تدخل؟ قال: " نهينا أن ندخل عليهن إلا بإذن أزواجهن ". قلت: وإسناده صحيح. وقد عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " الكبير " من حديث عمرو بلفظ الترجمة. وقال المناوي:

653

" رمز المصنف لحسن، وعدل عن عزوه للدارقطني، لكونه غير موصول الإسناد عنده ". 653 - " عمرو بن العاص من صالحي قريش ". أخرجه الترمذي (2 / 316) وأحمد (1 / 161) عن ابن أبي مليكة قال: قال طلحة بن عبيد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي: " ليس إسناده بمتصل، ابن أبي مليكة لم يدرك طلحة ". قلت: ورجال إسناده ثقات أثبات، وقد روي موصولا من طريق سليمان بن أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة بن عبيد الله حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن طلحة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

654

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 13 / 1) وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 285) وإسناده ضعيف كما بينته في الكتاب الآخر (1537) . لكن له شاهد بلفظ: " أسلم الناس وآمن عمرو العاص "، وآخر بلفظ: " ابنا العاص مؤمنان هشام وعمرو ". وقد مضيا (155، 156) . 654 - " ليس أحد أفضل عند الله من مؤمن يعمر في الإسلام، لتسبيحه وتكبيره وتهليله ". أخرجه أحمد (1 / 163) وعنه الضياء في " المختارة " (1 / 283) من طريق طلحة بن يحيى بن طلحة عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن عبد الله بن شداد. " أن نفرا من بني عذرة ثلاثة، أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يكفينيهم؟ قال طلحة: أنا، قال: فكانوا عند طلحة، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثا، فخرج فيه أحدهم، فاستشهد، قال: ثم بعث بعثا، فخرج فيهم آخر، فاستشهد، قال: ثم مات الثالث على فراشه ، قال طلحة: فرأيت هؤلاء الثلاثة الذين كانوا عندي في الجنة، فرأيت الميت على فراشه أمامهم، ورأيت الذي استشهد أخيرا يليه، ورأيت الذي استشهد أولهم آخرهم؟ قال: فدخلني من ذلك، قال: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما أنكرت من ذلك؟ ليس أحد ... الحديث. قلت: وهذا إسناد حسن، وهو صحيح على شرط مسلم، وفي طلحة ابن يحيى كلام من قبل حفظه، لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وعبد الله بن شداد تابعي كبير ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يقال إنه مرسل. فأقول: بل الظاهر أنه مسند تلقاه من طلحة نفسه، لقوله: في أثناء الحديث: " قال طلحة ". والله أعلم.

655

655 - " الطاعم الشاكر، بمنزلة الصائم الصابر ". أخرجه الترمذي (2 / 79) حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا محمد بن معن المدني الغفاري، حدثني أبي عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وقال: " هذا حديث حسن غريب ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، مع أن معنا والد محمد لم يوثقه غير ابن حبان وأما ابنه فقد وثقه ابن معين أيضا. ولكنه قد خولف في إسناده، فقال عمر بن علي المقدمي: سمعت معن بن محمد يحدث عن سعيد بن أبي سعيد المقبري قال: " كنت أنا وحنظلة بالبقيع مع أبي هريرة رضي الله عنه، فحدثنا أبو هريرة بالبقيع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 136) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. قلت: فقد خالفه المقدمي، فجعل تابعيه سعيد بن أبي سعيد، وليس أبا سعيد وهو الراجح عندي، لأنه أوثق من محمد بن معن الغفاري، وقد توبع، فقال أحمد (2 / 283) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن رجل من بني غفار أنه سمع سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة به.

وأخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 315 - نسخة محمد عبد اللطيف) عن عبد الرزاق به. وهذا إسناد صحيح إلى الرجل الغفاري ومن الظاهر أنه معن والد محمد، فإنه غفاري كما صرحت به رواية الترمذي المتقدمة، فهذا يؤكد أرجحية رواية المقدمي على رواية محمد بن معن. وأخرجه ابن حبان (952) من طريق معتمر بن سليمان عن معمر بن راشد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة به. هكذا وقع في " موارد الظمآن ": معمر عن سعيد. وأنا أخشى أن يكون منقطعا، أو وقع في سنده سقط، فإن بين معمر وسعيد المقبري واسطتين، كما يدل عليه رواية أحمد عن عبد الرزاق عنه. ثم رأيت الحافظ يقول في " الفتح " (9 / 504) : " لكن في هذه الرواية انقطاع خفي على ابن حبان، فقد رويناه في " مسند مسدد " عن معتمر عن معمر عن رجل من بني غفار عن المقبري، وكذلك أخرجه عبد الرزاق في " جامعه " عن معمر. وهذا الرجل هو معن بن محمد الغفاري فيما أظن لاشتهار الحديث من طريقه ". قلت: عبد الرزاق إنما رواه عن معمر عن الزهري عن الرجل، فروايته مخالفة لرواية مسدد عن معتمر. وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة، فقال أحمد (2 / 289 ) : حدثنا عبيد بن

أبي قرة حدثنا سليمان بن بلال: حدثني محمد بن عبد الله بن أبي حرة عن عمه حكيم بن حرة عن سليمان الأغر عنه به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، وفي عبيد بن أبي قرة كلام لا يضر. وسليمان بن بلال ثقة من رجال الشيخين، وقد خولف فقال عبد العزيز ابن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن أبي حرة عن عمه حكيم بن أبي حرة عن سنان بن سنة الأسلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه. أخرجه الدارمي (2 / 95) وابن ماجه (1765) وأحمد (4 / 343) وكذا ابنه عبد الله والقضاعي في " مسند الشهاب " (17 / 1) من طرق عن عبد العزيز به. وقال البوصيري في " زوائد ابن ماجه ": " إسناده صحيح ". قلت: وهو كما قال لولا المخالفة المذكورة، وسليمان أحفظ من عبد العزيز، فروايته أصح إن كان أبي قرة قد حفظها عنه. ولكن الحديث على كل حال صحيح، لأن الاختلاف في اسم صحابي الحديث لا يضر كما هو ظاهر، وقد زاد الدارمي في إسناده " عن أبيه "، فصار الحديث عنده من رواية " سنة " والد سنان، وهي منكرة لأنه تفرد بها نعيم بن حماد وهو ضعيف، لاسيما وقد خالفه من سبقت الإشارة إليه، وقد عزى هذه الرواية صاحب " المشكاة " (4206) إلى ابن ماجه أيضا وذلك وهم . والله تعالى أعلم. ثم رأيت الحديث قد أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 142 - 143) من الوجهين: عن سليمان بن بلال وعبد العزيز بن محمد، وذكرهما ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 13 - 14) وقال: " فقيل لأبي زرعة أيهما أصح؟ قال: حديث الدراوردي أشبه ". كذا قال، والله أعلم.

656

ثم رأيت للحديث طريقا أخرى عن أبي هريرة، ولكنها مما لا يفرح به وإنما أذكرها للمعرفة، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 142) من طريق إسحاق بن العنبري حدثنا يعلى بن عبيد عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة به. وقال: " غريب من حديث الثوري تفرد به إسحاق عن يعلى ". قلت: يعلى ومن فوقه ثقات من رجال مسلم، وإنما الآفة من إسحاق هذا فقد أورده الذهبي في " الضعفاء والمتروكين " وقال: " كذاب "! والحديث علقه البخاري في " صحيحه " بصيغة الجزم فقال (2 / 510) " باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر، فيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وقد خولف إسحاق بن موسى الأنصاري في إسناده من قبل يعقوب بن حميد بن كاسب: حدثنا محمد بن معن عن أبيه عن عبد الله بن عبد الله الأموي عن معن بن محمد عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة به. ويعقوب هذا فيه ضعف، فرواية الأنصاري مقدمة على روايته لأنه أوثق منه، لاسيما ويشهد له رواية عبد الرزاق المتقدمة . والله أعلم. 656 - " آمروا اليتيمة في نفسها وإذنها صماتها ". هكذا أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 3 / 2) من رواية الطبراني في " المعجم الكبير " عن أبي موسى الأشعري وتبعه صاحب " الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير " ولكنه لم يرمز له بأنه من (الزيادة) فلعله سقط ذلك من الناسخ أو الطابع، فإني لم أره في " الجامع الصغير " الذي عليه شرح المناوي، ولم يذكره الهيثمي بهذا اللفظ وإنما بلفظ:

657

" تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت، فقد أذنت وإذا أبت لم تكره ". وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ". قلت: وهو في " المسند " (4 / 394 / 408) وكذا " سنن الدارمي " (2 / 138) من طريقين عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي موسى به. قلت: وهذا سند صحيح على شرطهما. وله شواهد مخرجة في " الإرواء " (1828) . 657 - " من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين ومن قرأ في ليلة مائة آية كتب من القانتين ". أخرجه الحاكم (1 / 308) من طريق عبدان أنبأنا أبو حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. 658 - " لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب ". أخرجه العقيلي (171) وابن عدي (164 / 1)

والقضاعي في " مسند الشهاب " (117 / 1) عن سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير سلام هذا وهو مختلف فيه، فقال ابن عدي في آخر ترجمته : " وأرجو أنه لا بأس به ". وروى عن البخاري أنه قال فيه: " منكر الحديث " . وقال الذهبي: " ضعفه يحيى، وقال أحمد: حسن الحديث. وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ". ثم ساق له حديثين هذا أحدهما، وقال: " ما أحسنه من حديث لو صح ". قلت: هو حسن على الأقل بشاهده الآتي وغيره، فقد أخرجه أبو الحسن القزويني في " الأمالي " (12 / 1) عن كثير بن يحيى قال: حدثنا أبي عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير يحيى والد كثير وهو يحيى بن كثير أبو النضر صاحب البصري، قال الحافظ: " ضعيف ".

وابنه كثير ثقة، فقد روى عنه أبو زرعة، وقد علم عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة بل سئل عنه فقال: " صدوق ". وقال أبو حاتم: " محله الصدق وكان يتشيع " كما ذكره ابنه في " الجرح والتعديل ". قلت: ولا أدري إذا كان العقيلي عنى هذا الإسناد أو غيره بقوله عقب حديث ابن أبي الصهباء: " لا يتابع عليه عن ثابت، وقد روي بغير هذا الإسناد بإسناد صالح ". ونقل المناوي عن الحافظ العراقي أنه قال: " وطرقه كلها ضعيفة ". ثم قال المناوي: " وكان ينبغي للمصنف تقويتها بتعددها الذي رقاه إلى رتبة الحسن ولهذا قال في " المنار ": هو حسن بها. بل قال المنذري: رواه البزار بإسناد جيد ". (تنبيه) لقد جرى الجمهور على التفريق بين سلام بن أبي الصهباء هذا، وبين سلام بن سليمان المزني أبي المنذر الكوفي أصله من البصرة، الذي روى له النسائي عن ثابت عن أنس مرفوعا " حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعل قرة عيني في الصلاة. ومنهم ابن أبي حاتم فقال في الأول منهما (2 / 1 / 257) عن أبيه: " شيخ ". وقال عن الآخر (2 / 1 / 259) : " قال أبي: صدوق صالح الحديث ".

659

وأما ابن عدي فجعلهما واحدا، فإنه لم يترجم للمزني هذا وساق حديثه الذي عند النسائي في ترجمة ابن أبي الصهباء، وهو أمر محتمل جدا فقد اشتركا في ثلاثة أشياء، فكل منهما بصري ويكنى بأبي المنذر ويروي عن ثابت ويعد عادة مثل هذا الاتفاق، في الراويين المختلفين. والله أعلم. 659 - " إنه أعظم للبركة. يعني الطعام الذي ذهب فوره ودخانه ". أخرجه الدارمي (2 / 100) وابن حبان في " صحيحه " (1344) والحاكم (4 / 118) والبيهقي (7 / 280) عن قرة بن عبد الرحمن عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر: " أنها كانت إذا ثردت غطته شيئا حتى يذهب فوره ودخانه، ثم تقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره . وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم في الشواهد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقد تابعه عقيل بن خالد عن ابن شهاب به. أخرجه أحمد (6 / 350) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 177) من طريق عبد الله ابن المبارك حدثنا ابن لهيعة حدثني عقيل به. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث ابن المبارك عن ابن لهيعة ". قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه العبادلة ومنهم ابن المبارك هذا. والحديث قال الهيثمي (5 / 19) : " رواه أحمد بإسنادين أحدهما منقطع، وفي الآخر ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف، ورواه الطبراني وفيه قرة بن عبد الرحمن، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره وبقية رجالهما رجال الصحيح ".

660

قلت: وكأنه لم يتنبه أن حديث ابن لهيعة من رواية ابن المبارك عنه. وإلا لما ضعفه. والله أعلم. 660 - " اقرءوا القرآن، فإنكم تؤجرون عليه أما إني لا أقول: * (ألم) * حرف ولكن ألف عشر ولام عشر وميم عشر، فتلك ثلاثون ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (1 / 285) والديلمي (1 / 1 / 13) من طريق محمد بن أحمد بن الجنيد قال: أنبأنا أبو عاصم عن سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الصحيح غير ابن الجنيد، ترجمه الخطيب وقال: " وهو شيخ صدوق ". ووثقه غيره. وقد خولف في رفعه، فقال الدارمي في " سننه " (2 / 429) حدثنا أبو عامر قبيصة أنبأنا سفيان به نحوه إلا أنه أوقفه. ويرجح الرفع أن الترمذي أخرجه (4 / 53) من طريق محمد بن كعب القرظي فقال: سمعت عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله فله ... " الحديث نحوه وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده جيد أيضا وقد خرجته في تعليقي على " الطحاوية " (ص 201 - الطبعة الرابعة، طبع المكتب الإسلامي) و " المشكاة " (2137) .

ثم رأيت الحافظ ضياء الدين المقدسي قد أخرج الحديث في " جزء فيه أحاديث وحكايات وأشعار " (9 / 1) من طريق الخطيب به وقال: " عطاء بن السائب ثقة إلا أنه اختلط في آخر عمره، فإذا روى عنه مثل سفيان وشعبة وحماد بن سلمة، فإنهم سمعوا منه قبل الاختلاط وحديثهم عنه صحيح، ومحمد بن الجنيد وثقه أحمد بن إسحاق بن البهلول ". وأقول: قرن حماد مع سفيان وشعبة فيه عندي نظر، لأنه قد سمع من عطاء بعد الاختلاط أيضا كما حققه الحافظ في " التهذيب "، فينبغي التوقف عن تصحيح حديثه عنه، حتى يتبين أنه سمعه منه قبل الاختلاط خلافا لبعض فضلاء المعاصرين وقد ألحق الحافظ في " نتائج الأفكار " بسفيان وشعبة الأعمش لعلو طبقته وهذه فائدة لم أجد أحدا نبه عليها غيره، فجزاه الله خيرا. (تنبيه) في النسخة المطبوعة من " تاريخ الخطيب " بعد قوله " تؤجرون "، زيادة " وكل حرف عشر حسنات " وضعها الطابع بين المعكوفتين وكأنه أخذها من بعض نسخ " التاريخ " ولكني لما وجدتها مباينة للسياق، ولم ترد في " الجامع الصغير " وكذا " الكبير " للسيوطي لم أطمئن لثبوتها فلم استدركها. ثم تأكدت من ذلك حين رأيت الضياء قد رواه عن الخطيب بدونها، وكذلك هو عند الديلمي. والحمد لله على توفيقه وأسأله المزيد من فضله. ثم وجدت لعطاء بن السائب متابعا، فقال ابن نصر في " قيام الليل " (70) حدثنا يحيى أخبرنا أبو معاوية عن الهجري عن أبي الأحوص به بلفظ أتم منه ونصه: " إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا مأدبته ما استطعتم وإن هذا القرآن هو حبل الله وهو النور المبين والشفاء النافع عصمة من تمسك به ونجاة من تبعه لا يعوج فيقوم ولا يزيغ فيستعتب ولا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد، اتلوه فإن الله يأجركم على تلاوته بكل حرف عشر حسنات أما إني لا أقول بـ * (ألم ) * ولكن بألف عشرا وبالام عشرا وبالميم عشرا ".

661

وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الهجري واسمه إبراهيم بن مسلم وهو لين الحديث. ومن طريقه أخرجه الحاكم (1 / 555) وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " إبراهيم ضعيف ". وله متابع آخر أخرجه الحاكم (1 / 566) عن عاصم بن أبي النجود عن أبي الأحوص به نحو حديث عطاء وقال: " صحيح الإسناد " وأقره الذهبي. وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (808) موقوفا: أخبرنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص به. وشريك سيء الحفظ. 661 - " أبشروا هذا ربكم قد فتح بابا من أبواب السماء يباهي بكم الملائكة، يقول: انظروا إلى عبادي قد قضوا فريضة وهم ينتظرون أخرى ". أخرجه ابن ماجه (801) وأحمد (2 / 186) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو قال: " صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم " المغرب، فرجع من رجع وعقب من عقب، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم مسرعا قد حفزه النفس وقد حسر عن ركبتيه فقال.... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وأبو أيوب، هو المراغي الأزدي البصري. وقال البوصيري في " الزوائد " (54 / 1) :

662

" هذا إسناد رجاله ثقات ". وكذا قال المنذري في " الترغيب " (1 / 160) ولكنه أعله بالانقطاع بين أبي أيوب وابن عمرو ولا وجه له. والله أعلم. وله طريق أخرى أخرجه أحمد (2 / 208) عن علي بن زيد عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو به. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله كلهم ثقات غير علي بن زيد وهو ابن جدعان، ففيه ضعف من قبل حفظه. 662 - " ذهب أهل الهجرة بما فيها ". أخرج الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 252) والحاكم (3 / 316) من طريقين عن زهير بن معاوية حدثنا عاصم الأحول عن أبي عثمان النهدي حدثنا مجاشع بن مسعود قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم " بأخي مجالد بعد الفتح، فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي مجالد لتبايعه على الهجرة، فقال: (فذكره) ، فقلت: فعلى أي شيء تبايعه يا رسول الله؟ قال: أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد ". والسياق للحاكم وسكت عليه هو والذهبي، وزاد الطحاوي: " قال: فلقيت معبدا بعد - وكان أكبرهما - فسألته، فقال: صدق مجاشع ". قلت: وإسناده صحيح.

663

663 - " اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليستتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله ". رواه أبو عبد الله القطان في حديثه (56 / 1) : وعنه البيهقي (8 / 330) : حدثنا حفص بن عمرو الربالي قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال: سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري يقول: حدثني عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن رجم الأسلمي قال: فذكره. ورواه العقيلي (203) من طريق الثقفي ومن طريق آخر عن يحيى بن سعيد به، وزاد في رواية ما بين المعكوفتين. وسندها حسن، والأصل صحيح. وأخرجه أبو القاسم الحنائي في " المنتقى من حديث الجصاص وأبي بكر الحنائي " (160 / 2) وابن سمعون في الأمالي " (2 / 183 / 2) من طرق أخرى عن الريالي به. وتابعه أنس بن عياض عن يحيى بن سعيد به، وفيه الزيادة. أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 20) والبيهقي والحاكم

664

(4 / 244) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه الديلمي في " مسنده " (1 / 1 / 40 - مختصره) عن يحيى بن أبي سليمان عن زيد أبي عتاب عنه. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، زيد هذا - وهو ابن أبي عتاب وثقه ابن معين. ويحيى بن أبي سليمان قال أبو حاتم: يكتب حديثه، ليس بالقوي. وقال البخاري: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات ". 664 - " اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله تعالى عليه يبارك لكم فيه ". أخرجه أبو داود (2 / 139) وابن ماجه (2 / 307) وابن حبان (1345) والحاكم (2 / 103) وأحمد (3 / 501) من طريق الوليد بن مسلم قال: حدثني وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده. " أن رجلا قال: يا رسول الله إنا نأكل ولا نشبع، قال: فلعلكم تأكلون متفرقين؟ اجتمعوا.... " الخ.

أورده الحاكم شاهدا ولم يصححه هو ولا الذهبي، وأما الحافظ العراقي فقال في تخريج الإحياء (2 / 4) . " إسناده حسن ". قلت: وليس بحسن، فإن وحشي بن حرب بن وحشي قال صالح جزرة: " لا يشتغل به ولا بأبيه " كما في " الميزان ". وقال في ترجمة أبيه حرب: " ما روى عنه سوى ابنه وحشي الحمصي ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " مستور " وقال في أبيه " مقبول ". وفي " فيض القدير ": " ووحشي هذا قال فيه المزني والذهبي : فيه لين. وقصارى أمر الحديث ما قاله الحافظ العراقي أن إسناده حسن، وقال ابن حجر: في صحته نظر، فإن وحشي الأعلى هو قاتل حمزة، وثبت أنه لما أسلم قال له المصطفى: غيب وجهك عني، فيبعد سماعه منه بعد ذلك إلا أن يكون أرسل وقول ابن عساكر: إن صحابي هذا الحديث غير قاتل حمزة يرده ورود التصريح بأنه قاتله في عدة طرق للطبراني وغيره ". أقول: وبالجملة فالإسناد ضعيف لما ذكرناه، وأما ما نظر فيه ابن حجر فلا طائل تحته فإن غاية ما فيه أن وحشيا أرسله ومرسل الصحابي حجة كما تقرر في المصطلح على أنه لا تلازم عندي بين قوله عليه السلام: " غيب وجهك عني " وبين عدم سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم. لكن الحديث حسن لغيره لأن له شواهد في معناه فانظر:

665

" إن الله يحب كثرة الأيدي في الطعام ". و " إن أحب الطعام.... " و " كلوا جميعا ". ولعله لذلك أقر الحافظ المنذري في " الترغيب " (3 / 121) ابن حبان على تصحيحه إياه ولم يشر إلى تضعيفه له بتصديره إياه " بقوله: " وروي.... " كما هي عادته واصطلاحه. والله أعلم. 665 - " عليكم بالإثمد فإنه منبتة للشعر، مذهبة للقذى، مصفاة للبصر ". رواه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 412) والطبراني (1 / 12 / 1) : عن أبي جعفر النفيلي أنبأنا يونس بن راشد عن عون بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب مرفوعا. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 178) من طرق عن الفريابي به. وقال: " حديث غريب من حديث ابن الحنفية، لم يروه عنه إلا ابنه عون، ولا عنه إلا يونس ". قلت: وهذا سند رجاله كلهم ثقات معروفون غير عون هذا فأورده ابن حبان في " الثقات " (2 / 228) وقال: " يروي عن أبيه عن جده، روى عنه عبد الملك بن أبي عياش ". قلت فقد روى عنه يونس بن راشد أيضا وزاد في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 386 ) محمد بن موسى، فالسند حسن كما قال " المنذري في " الترغيب " (3 / 115) . 666 - " أكرموا الشعر ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 113 - 114)

وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 214) والديلمي (1 / 1 / 34) من طريق خالد بن إلياس عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال ابن عدي: " وهذا يرويه عن هشام بن عروة خالد بن إلياس ". يعني أنه تفرد به، وهو ضعيف جدا، ومن طريقه أخرجه البزار كما في " المجمع " للهيثمي وقال (5 / 164) : " وهو متروك ". وقال الحافظ في " مختصر الديلمي ": " ضعيف ". قلت: لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه إسماعيل بن عياش، لكنه خالفه في إسناده فقال: عن هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: " كانت لأبي قتادة جمة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكرمها. فكان يرجلها غبا ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 265 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 509 / 1) وكذا الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " وقال: " رواه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين وهي ضعيفة، وبقية رجاله ثقات ". لكن الحديث له شواهد كثيرة تدل على صحته، وقد مضى ذكرها تحت الحديث (500 - من كان له شعر فليكرمه) . ومما يشهد له ما أخرجه البيهقي أيضا من طريق أحمد بن منصور حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجرشي عن أشياخهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي قتادة: " إن اتخذت (شعرا) فأكرمه ".

667

قال: فكان أبو قتادة - حسبت - يرجله كل يوم مرتين. والجرشي هذا لم أعرفه وكذا الأشياخ! ثم رواه من طريقين عن محمد بن المنكدر به مرسلا وقال: " وهو أصح، ووصله ضعيف ". 667 - " الجماعة رحمة والفرقة عذاب ". أخرجه أحمد (4 / 278) وهو وابنه عبد الله في " الزوائد " (4 / 375) والقضاعي (3 / 1) عن أبي وكيع الجراح بن مليح عن أبي عبد الرحمن عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي أبي عبد الرحمن واسمه القاسم بن عبد الرحمن كلام لا ينزل حديثه من رتبة الحسن، وكذلك الجراح بن مليح. والحديث عزاه السيوطي لعبد الله والقضاعي فقط، وهو قصور. واعلم أن الحديث عند أحمد وابنه قطعة من حديث نصه بتمامه: " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة ... ". وقد أورده السيوطي بتمامه من رواية البيهقي فقط في " شعب الإيمان "! بتقديم جملة " التحدث بنعمة الله شكر ". 668 - " آية الإيمان حب الأنصار وآية المنافق بغض الأنصار ". أخرجه البخاري (1 / 10 / 4 / 223) ومسلم (1 / 60) والنسائي (2 / 271)

669

والطيالسي (ص 281 رقم 1101) وأحمد (3 / 130 / 134 / 249) من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا. ولفظه عند مسلم والنسائي على القلب: " حب الأنصار آية الإيمان، وبغض الأنصار آية النفاق ". 669 - " كان يأخذ الوبرة من قصة من فيء الله عز وجل فيقول: مالي من هذا إلا مثل ما لأحدكم، إلا الخمس وهو مردود فيكم، فأدوا الخيط والمخيط، فما فوقها وإياكم الغلول، فإنه عار وشنار على صاحبه يوم القيامة ". أخرجه أحمد (4 / 127 - 128) حدثنا أبو عاصم حدثنا وهب أبو خالد قال: حدثتني أم حبيبة بنت العرباض عن أبيها مرفوعا. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، غير أم حبيبة هذه قال الذهبي: " تفرد عنها وهب أبو خالد ". وفي " التقريب ": " مقبولة ". وقال الهيثمي (5 / 337) : " رواه أحمد والبزار والطبراني وفيه أم حبيبة بنت العرباض ولم أجد من وثقها، ولا جرحها، وبقية رجاله ثقات ". قلت: وقال الذهبي أيضا: " وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها ". قلت: وعليه فحديثها حسن، لأن له شاهدا من حديث عبادة بن الصامت بلفظ: " كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، فيقول: ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم منه، إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا الخيط والمخيط، وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله تعالى القريب والبعيد ، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، إنه لينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا يأخذكم في الله لومة لائم ".

670

670 - " كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم، فيقول: ما لي فيه إلا مثل ما لأحدكم منه، إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا الخيط والمخيط، وما فوق ذلك، وجاهدوا في سبيل الله تعالى القريب والبعيد ، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، إنه لينجي الله تبارك وتعالى به من الهم والغم وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا يأخذكم في الله لومة لائم ". أخرجه عبد الله بن أحمد (4 / 330) قال: حدثنا عبد الله بن سالم الكوفي المفلوج - وكان ثقة - حدثنا عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجد عن عبادة بن الصامت مرفوعا. وهذا إسناد رجاله ثقات غير ربيعة بن ناجد قال في الخلاصة: " روى عنه أبو صادق الأزدى فقط ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقال الذهبي في " الميزان ": " لا يكاد يعرف ". وأما الحافظ فقال في التقريب: " إنه ثقة ". وما أدري عمدته في ذلك وما أراه إلا وهما منه رحمه الله تعالى. ثم الحديث روى ابن ماجه (2 / 111 - 112) منه قوله: " أقيموا حدود الله " الخ. بإسناد عبد الله بن أحمد. وقال في " الزوائد ":

671

" هذا إسناد صحيح على شرط ابن حبان، فقد ذكر جميع رواته في ثقاته ". قلت: وشرط ابن حبان في التوثيق فيه تساهل كثير، فإنه يوثق المجاهيل مثل ربيعة بن ناجد هذا الذي لم يرو عنه غير أبي صادق. ورواه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (ق 67 / 1) من الوجه المذكور بتمامه. وأخرجه أحمد (5 / 216 / 226) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 428 / 1) من طريقين آخرين عن المقدام بن معدي كرب عن عبادة ابن الصامت به نحوه. فالحديث بمجموع طرقه صحيح إن شاء الله تعالى. ثم رأيت ابن أبي حاتم قد أورده (1 / 453) من طريق أخرى عن عبادة به مثل رواية ابن ماجه وقال: " قال أبي: هذا حديث حسن إن كان محفوظا ". وأقول: هو بلا شك محفوظ بمجموع هذه الطرق. 671 - " كان بشرا من البشر: يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 256) : حدثنا حماد بن خالد قال: حدثنا ليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة، قال: " سئلت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟ قالت.... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد خالفه عبد الله بن صالح فقال: حدثني معاوية بن صالح به إلا أنه قال: " عروة " مكان " القاسم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (541) وعنه الترمذي في " الشمائل "

672

(2 / 185 - طبع المطبعة الأدبية) . قلت: وعبد الله بن صالح فيه ضعف من قبل حفظه فلا يعتد بمخالفته وخالفه أيضا عبد الله بن وهب عن معاوية فقال: " عمرة " بدل " القاسم ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2136) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 331) من طريقين عنه به. وقال أبو نعيم: " روى الليث بن سعد عن معاوية مثله ". قلت: في روايته " القاسم " بدل " عمرة " كما سبق، فلعل ما ذكره أبو نعيم، رواية وقعت له عن الليث. ثم قال: " واختلف على يحيى بن سعيد، فرواه يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن حميد بن قيس عن مجاهد عن عائشة. ورواه ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن مجاهد عن عائشة رضي الله تعالى عنها، من دون حميد ". قلت: وأصح الروايات عندي رواية الليث وابن وهب لأنهما من الثقات الحفاظ ولم يترجح عندي أي روايتيهما أصح، اللهم إلا إذا ثبت أن الليث قد رواه مرة مثل رواية ابن وهب عن عمرة كما ذكر أبو نعيم، فحينئذ فهذه الرواية أصح لاتفاقهما عليها وعلى كل حال، فهذا الاختلاف لا يخدج في صحة الحديث لأن كلا من القاسم أو عمرة ثقة، فهو انتقال من ثقة إلى آخر. فالاختلاف في ذلك ليس مما يضر في صحة الحديث. والله أعلم. 672 - " ولد الزنا شر الثلاثة ". أخرجه أبو داود (3963) والطحاوي في " المشكل " (1 / 391) والحاكم (2 / 214) والبيهقي (10 / 57، 59) وأحمد (2 / 311)

من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وزاد البيهقي في رواية: " قال سفيان: يعني إذا عمل بعمل أبويه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة به. أخرجه الحاكم وعنه البيهقي . قلت: وإسناده حسن في المتابعات والشواهد. وتفسير سفيان المذكور قد روي مرفوعا من حديث عبد الله بن عباس، وعائشة. أما حديث ابن عباس فيرويه ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد الزنا شر الثلاثة، إذا عمل بعمل أبويه " . أخرجه ابن عدي (127 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 92 / 2) و" الأوسط " (1 / 183 / 2) وقال: " لم يروه عن داود إلا ابن أبي ليلى ". قلت: واسمه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف لسوء حفظه.

وأما حديث عائشة، فيرويه إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن قيس عنها به. أخرجه هكذا ابن الأعرابي في " المعجم " (8 / 1 - 2) من طريق إسحاق بن منصور أنبأنا إسرائيل عنه. وخالفه أسود بن عامر فقال: حدثنا إسرائيل قال: حدثنا إبراهيم ابن إسحاق عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عنها، به. أخرجه أحمد (6 / 109) . قلت: وهذا الاضطراب من إبراهيم بن إسحاق، وهو إبراهيم ابن الفضل المخزومي المترجم في " التهذيب "، وهو متروك كما في " التقريب " وسائر الرواة ثقات. وهذا التفسير، وإن لم يثبت رفعه، فالأخذ به لا مناص منه، كي لا يتعارض الحديث مع النصوص القاطعة في الكتاب والسنة أن الإنسان لا يؤاخذ بجرم غيره. وراجع لهذا المعنى الحديث (1287) من الكتاب الآخر. وقد روي الحديث عن عائشة رضي الله عنها على وجه آخر، لو صح إسناده لكان قاطعا للإشكال، ورافعا للنزاع، وهو ما روى سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن الزهري عن عروة قال: " بلغ عائشة رضي الله عنها أن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولد الزنا شر الثلاثة. فقالت: (يرحم الله أبا هريرة) أساء سمعا، فأساء إجابة لم يكن الحديث على هذا إنما كان رجل (من المنافقين) يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يعذرني من فلان؟ قيل يا رسول الله إنه مع ما به ولد زنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هو شر الثلاثة " والله عز وجل يقول: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ".

أخرجه الطحاوي والحاكم وعنه البيهقي وضعفه بقوله: " سلمة بن الفضل الأبرش يروي مناكير ". قلت: وقال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". وفيه علة أخرى وهي عنعنة ابن إسحاق فإنه مدلس، ومع ذلك فقد قال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ".! ورده الذهبي بقوله: " كذا قال، وسلمة لم يحتج به (م) وقد وثق، وضعفه ابن راهويه ". قلت: وكذلك ابن إسحاق لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة على أنه مدلس وقد عنعنه. قال الإمام الطحاوي عقبه: " فبان لنا بحديث عائشة رضي الله عنها أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره عنه أبو هريرة: " ولد الزنا شر الثلاثة " إنما كان لإنسان بعينه كان منه من الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان منه مما صار به كافرا شرا من أمه، ومن الزاني الذي كان حملها به منه. والله تعالى نسأله التوفيق. قلت: ولكن في إسناد حديثها ما علمت من الضعف وذلك يمنع من تفسير الحديث به. فالأولى تفسيره بقول سفيان المؤيد بحديثين مرفوعين، ولو كانا ضعيفين إلا أن يبدو لأحد ما هو أقوى منه، فيصار حينئذ إليه. ويبدو من كلام ابن القيم رحمه الله في رسالته " المنار "، أنه جنح إلى هذا التفسير، لأن مؤداه إلى أن الحديث ليس على عمومه، فقد ذكر حديث " لا يدخل الجنة ولد زنا "، وحكى قول ابن الجوزي أنه معارض لآية * (ولا تزر وازرة ... ) *

673

فقال: " قلت: ليس معارضا لها إن صح، فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه، بل إن النطفة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب، ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص. وقد ورد في ذمه " أنه شر الثلاثة "، وهو حديث حسن، ومعناه صحيح بهذا الاعتبار، فإن شر الأبوين عارض وهذا نطفته خبيثة وشره من أصله وشر الأبوين من فعلهما ". 673 - " لا يدخل الجنة عاق ولا منان ولا مدمن خمر ولا ولد زنية ". أخرجه الدارمي (2 / 112) وكذا النسائي (2 / 332) والبخاري في " التاريخ الصغير " (124) وعبد الرزاق في " المصنف " (2 / 205) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 236) وابن حبان (1382، 1383) والطحاوي في " المشكل " (1 / 395) وأحمد (2 / 201، 203) من طريق سالم بن أبي الجعد عن جابان عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وليس للبخاري منه إلا الزيادة وقال:

" لا يعلم لجابان سماع من عبد الله، ولا لسالم سماع من جابان ويروى عن علي بن زيد عن عيسى بن حطان عن عبد الله بن عمرو رفعه في أولاد الزنا ولا يصح ". وقال ابن خزيمة: " ليس هذا الخبر من شرطنا لأن جابان مجهول ". ورواه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 15 / 1) من طريق عبد الله بن مرة عن جابان عن عبد الله بن عمرو به. قلت: وعلة هذا الإسناد، جابان هذا، فإنه لا يدرى من هو كما قال الذهبي، وإن وثقه ابن حبان على قاعدته. والزيادة التي في آخره منكرة لأنها بظاهرها تخالف النصوص القاطعة بأن أحدا لا يحمل وزر أحد وأنه لا يجني أحد على أحد وفي ذلك غير الآية أحاديث كثيرة، خرجتها في " الإرواء " (2362) ولذلك أنكرتها السيدة عائشة رضي الله عنها فقد روى عبد الرزاق عنها أنها كانت تعيب ذلك وتقول : " ما عليه من وزر أبويه، قال الله تعالى * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ". وإسناده صحيح. وقد رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 183 - 184) عنها مرفوعا. وفي إسناده من لم أعرفه. وكذا قال الهيثمي (6 / 257) . وقال البيهقي (10 / 58) عقب الموقوف: " رفعه بعض الضعفاء، والصحيح موقوف ". ومن هذا تعلم أن قول السخاوي فيما نقله ابن عراق عنه (2 / 228) : " أخرجه الطبراني من حديث عائشة، وسنده جيد ". فهو غير جيد.

وقد وجدت للحديث شواهد يتقوى بها، فقال الطحاوي (1 / 395) : حدثنا أبو أمية حدثنا محمد بن سابق حدثنا إسرائيل (في الأصل: أبو إسرائيل) عن منصور عن أبي الحجاج عن مولى لأبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه. قلت: وهذا شاهد قوي رجاله كلهم ثقات غير مولى أبي قتادة، فلم أعرفه لكنه إن كان صحابيا، فلا تضر الجهالة به لأن الصحابة كلهم عدول كما هو معلوم ومن المحتمل أن يكون منهم لأن الراوي عنه أبا الحجاج هو مجاهد بن جبر التابعي المشهور. وقد ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 31) من طريق عبيد بن إسحاق عن مسكين بن دينار التيمي عن مجاهد: حدثني زيد الجرشي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر ". قلت: وعلته عبيد هذا وهو العطار ضعفه الجمهور. وقد اختلف على مجاهد في إسناده هذا الحديث اختلافا كبيرا، استوعب أبو نعيم في " الحلية " (3 / 307 - 309) طرقه. وقد جاء الحديث في بعضها بتمامه منها طريق عبيد هذه وغيرها وبعضها في " المسند " (3 / 28، 44) ولم يرد في بعضها الآخر إلا الزيادة التي في آخره وقد أخرجها الطحاوي (1 / 393 - 394) . وقد رويت هذه الزيادة من حديث أبي هريرة ولكنها غير محفوظة عنه كما بينته في الكتاب الآخر (1462) . وجملة القول أن الحديث بهذه الطرق والشواهد لا ينزل عن درجة الحسن.

والله أعلم. وقوله " لا يدخل الجنة ولد زنية "، ليس على ظاهره بل المراد به من تحقق بالزنا حتى صار غالبا عليه، فاستحق بذلك أن يكون منسوبا إليه، فيقال: هو ابن له، كما ينسب المتحققون بالدنيا إليها، فيقال لهم: بنو الدنيا بعلمهم وتحققهم بها، وكما قيل للمسافر ابن السبيل، فمثل ذلك ولد زنية وابن زنية، قيل لمن تحقق بالزنا، حتى صار تحققه منسوبا إليه، وصار الزنا غالبا عليه، فهو المراد بقوله " لا يدخل الجنة " ولم يرد به المولود من الزنا ولم يكن هو من ذوي الزنا، لما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله. وهذا المعنى استفدته من كلام أبي جعفر الطحاوي رحمه الله وشرحه لهذا الحديث. والله أعلم. ثم وجدت للحديث شاهدا آخر دون الزيادة، ولفظه: " لا يلج حائط القدس: مدمن خمر ولا العاق لوالديه ولا المنان عطاءه ". أخرجه أحمد (3 / 226) قال: حدثنا هشيم حدثنا محمد بن عبد الله العمي عن علي بن زيد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف. ومحمد بن عبد الله العمي أورده السمعاني في " الأنساب " من روايته عن ثابت البناني، ورواية أبي النضر وغيره عنه، فهو مستور. وبالجملة فهو شاهد لا بأس به. ويقويه ما أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 237) من طريقين عن خالد بن الحارث قال: حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن نافع عن عروة بن مسعود عن عبد الله بن عمرو أنه قال: " لا يدخل حظيرة القدس سكير ولا عاق ولا منان ".

674

وإسناده صحيح، وهو موقوف في حكم المرفوع، فهو شاهد قوي لحديث أنس هذا. ومما يشهد له الحديث الآتي: " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى ". 674 - " ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والمدمن الخمر والمنان بما أعطى ". أخرجه النسائي (1 / 357) وأحمد (2 / 134) وابن خزيمة في " التوحيد " (235) وابن حبان (56) عن عمر بن محمد يعني ابن زيد ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن عبد الله بن يسار مولى ابن عمر قال: أشهد لسمعت سالما يقول: قال عبد الله رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وسياق المتن للنسائي. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار وقد روى عنه جماعة من الثقات ووثقه ابن حبان، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، ثم رواه أحمد (2 / 69، 128) عن قطن بن وهب بن عويمر بن الأجدع عمن حدثه عن سالم بن عبد الله به مختصرا بلفظ: " ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر والعاق والديوث الذي يقر في أهله الخبث ". وقطن هذا ثقة من رجال مسلم ، لكن شيخه لم يسم فهو مجهول.

675

675 - " لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا مكذب بقدر ". أخرجه أحمد (6 / 441) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 32 / 2) : حدثنا أبو جعفر السويدي قال: حدثنا أبو الربيع: سليمان بن عتبة الدمشقي قال: سمعت يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عائذ الله عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وروى منه ابن ماجه (3376) القضية الوسطى منه من طريق أخرى عن سليمان بن عتبة به. قال البوصيري في " الزوائد ": " إسناده حسن، وسليمان بن عتبة مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات ". قلت: وهو كما قال. 676 - " كفاك الحية ضربة بالسوط أصبتها أم أخطأتها ". أخرجه أبو العباس الأصم في " حديثه " (رقم 150 - نسختي) والدارقطني في " الأفراد " (ج 3 رقم 48 نسختي) من طريق إسماعيل بن مسلمة بن قعنب حدثنا حميد بن الأسود عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " حديث غريب من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة، تفرد به أبو الأسود حميد بن الأسود عنه، ولا نعلم حدث به غير إسماعيل بن مسلمة بن قعنب عنه ".

قلت: وإسماعيل هذا صدوق كما قال أبو حاتم وهو أخو الإمام عبد الله بن مسلمة . وقال الذهبي: " ما علمت به بأسا إلا أنه ليس في الثقة كأخيه ". قلت: ثم ذكر له حديثا أخطأ في رفعه، وذلك مما لا يخدج فيه لأن الخطأ لا يسلم منه بشر، وقد وثقه ابن حبان والحاكم، فالحديث حسن الإسناد، فإن من فوقه من الثقات المعروفين على خلاف مشهور في محمد بن عمرو لا يضره ولا يمنع من الاحتجاج بحديثه. والحديث أخرجه البيهقي في " السنن " (2 / 266) من هذا الوجه، وقال: " وهذا إن صح، فإنما أراد - والله أعلم - وقوع الكفاية بها في الإتيان بالمأمور، فقد أمر صلى الله عليه وسلم بقتلها، وأراد - والله أعلم - إذا امتنعت بنفسها عند الخطأ ولم يرد به المنع من الزيادة على ضربة واحدة ". والحديث لم يتكلم عليه المناوي بشيء، فكأنه لم يقف على سنده.

677

677 - " مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن ". أخرجه أحمد (1 / 272) : حدثنا أسود بن عامر حدثنا الحسن يعني ابن صالح عن محمد بن المنكدر قال: حدثت عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ورواه عبد بن حميد في " المنتخب " (80 / 1) والخلعي في " الفوائد " (105 / 1) عن الحسن بن صالح به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير شيخ ابن المنكدر فهو مجهول لم يسم وقد جاء مسمى في بعض الطرق، فأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1379) وعنه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (154 / 1) وابن عدي في " الكامل " (220 / 1) عن عبد الله بن خراش حدثنا العوام بن حوشب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به نحوه. وقال ابن عدي: " عبد الله بن خراش منكر الحديث ". قلت: ولم يتفرد به، فقد رواه إسرائيل: أنبأنا حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير به. أخرجه ابن أبي حاتم (2 / 26) والسلفي في " الطيوريات " (198 / 1) وكذا أبو نعيم في " الحلية " (9 / 253) من طرق عن إسرائيل به. قال ابن أبي حاتم: " ورواه أحمد بن يونس فقال: عن إسرائيل عن ثوير عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال أبي: حديث حكيم عندي أصح. قلت لأبي: فحكيم بن جبير أحب إليك أو ثوير؟ فقال: ما فيهما إلا ضعيف غال في التشيع. قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: هما متقاربان ". وقد أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 161 / 2) وابن بشران في " الأمالي " (25 / 87 / 2) عن ثوير بن أبي فاختة به.

ثم روى ابن أبي حاتم عن أبي زرعة أنه رجح أيضا حديث حكيم. قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب "، وكذلك ثوير. ثم قال ابن أبي حاتم (2 / 37) : " سألت أبي عن حديث رواه المؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن محمد بن المنكدر عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. سمعت أبي يقول: هذا خطأ، إنما هو كما رواه حسن بن صالح عن محمد بن المنكدر قال: حدثت عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: وقد أخرجه من حديث ابن عمرو أبو الحسن الحربي في " الفوائد المنتقاة " (3 / 155 / 2) من طريق المؤمل به. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا مختصرا بلفظ: " مدمن الخمر كعابد وثن ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 386) وابن ماجه (3375) وأبو بكر الملحمي في " مجلسين من الأمالي " (1 / 2) وأبو الحسين الآبنوسي في " الفوائد " (3 / 2) والواحدي في " الوسيط " (1 / 255) والضياء المقدسي في " المنتقى من الأحاديث الصحاح والحسان " (278 / 2) من طرق عن محمد بن سليمان بن الأصبهاني عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة. وقال الآبنوسي: " قال الدارقطني: تفرد به محمد بن سليمان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة ". قلت: وفي رواية للبخاري عن سليمان عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن عبد الله عن أبيه قال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره وقال: " ولا يصح حديث أبي هريرة في هذا ". قلت: وأكثر الرواة عن محمد بن سليمان أوصلوه، وهو الأرجح عندي.

678

ومحمد بن سليمان قال الذهبي في " الضعفاء ": " صدوق، قال أبو حاتم: لا يحتج به ". وقال الحافظ في " التقريب ". " صدوق يخطىء ". قلت: فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. والله أعلم. (فائدة) : ذكر الضياء عن ابن حبان أنه قال: " يشبه أن يكون معنى الخبر: من لقي الله مدمن خمر مستحلا لشربه لقيه كعابد وثن، لاستوائهما في حالة الكفر ". 678 - " لا يدخل الجنة مدمن خمر ولا مؤمن بسحر ولا قاطع رحم ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1381) من طريق أبي حريز عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: ورجال إسناده ثقات غير أبي حريز، ففيه ضعف، وقد صحح هذا الحديث الحاكم والذهبي، وبينت خطأهما في ذلك في الكتاب الآخر (1463) ، وذكرت له هناك شاهدا من حديث أبي سعيد الخدري، فالحديث بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. 679 - " تكون النسم طيرا تعلق بالشجر، حتى إذا كانوا يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها ". أخرجه أحمد (6 / 424 - 425) والطبراني في " الكبير " كما في " الحاوي " (2 / 361) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 77) من طريق ابن لهيعة: حدثنا أبو الأسود

680

محمد بن عبد الرحمن بن نوفل أنه سمع درة بنت معاذ تحدث عن أم هانىء: " أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... " فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ، فقول السيوطي: " أخرجه أحمد والطبراني في " الكبير " بسند حسن " غير حسن، إلا إن كان يعني أنه حسن لغيره، فنعم. ودرة بنت معاذ، قال الحافظ في " التعجيل ": " قلت: هي معدودة في " الصحابة "، روى عنها أيضا ابن المنكدر، وزيد بن أسلم ". قلت: ومع ذلك فلم يوردها في " الإصابة "! وكذا ابن عبد البر، لم يذكرها في " الاستيعاب ". والله أعلم. وللحديث شاهد قوي من حديث كعب بن مالك مرفوعا به نحوه. أخرجه مالك وغيره بسند صحيح، وسيأتي برقم (995) . 680 - " سيصيب أمتي داء الأمم، فقالوا: يا رسول الله وما داء الأمم؟ قال: الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ". أخرجه الحاكم (4 / 168) من طريق أبي هانىء حميد بن هانىء الخولاني حدثني أبو سعيد الغفاري أنه قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي . قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي سعيد هذا، أورده الحافظ في " التعجيل " عن الهيثمي، وقال: " ذكره ابن حبان في " الثقات ". فأفاد الحافظ " أنه في نسخة " الثقات " بخط الحافظ أبي علي البكري (أبو سعد) بسكون العين وقال: مولى بني غفار. وكذا هو في " الكنى " لأبي أحمد. ثم وجدته في " تاريخ ابن يونس " فقال: مولى بني غفار. روى عنه أبو هانىء وخلاد بن سليمان الحضرمي، فأفاد عنه راويا آخر ". قلت: وكذلك أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 379 / 1) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وشذ الدولابي فأورده في فصل المعروفين بالكنى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كتابه " الكنى " (1 / 33) فقال: " وأبو سعيد الغفاري ". ولم يزد! وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 340) : " سألت أبي عن حديث ... ابن وهب عن أبي هانىء حميد بن هانىء الخولاني عن أبي سعيد الغفاري ... (فذكره) فقال أبي: إنما هو أبو سعيد الغفاري. ثم ذكرته لعلي بن الحسين بن الجنيد قال: حدثنا أحمد بن صالح عن ابن وهب، فقال: أبو سعيد الغفاري ". قلت: كذا في المواضع الثلاثة " سعيد "، ولا يستقيم المعنى به، فلعل الصواب في الأخيرين منها " سعد ". والله أعلم.

681

وقال المناوي في " الفيض ": " ورواه أيضا الطبراني. قال الهيثمي: وفيه أبو سعيد الغفاري، لم يرو عنه غير حميد بن هانىء، ورجاله وثقوا، ورواه عنه ابن أبي الدنيا في " ذم الحسد " قال الحافظ العراقي: وسنده جيد ". قلت: قد روى عنه خلاد بن سليمان أيضا كما تقدم، فقد ارتفعت عنه جهالة العين، ثم هو تابعي، فمثله يحسن حديثه جماعة من الحفاظ، فلا جرم جود إسناده الحافظ العراقي، وهو الذي انشرح له صدري، واطمأنت إليه نفسي، فالحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وعلى آله وسلم. 681 - " عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ". أخرجه أبو داود (2571) والحاكم (2 / 114) وعنه البيهقي (5 / 256) من طريق خالد بن يزيد حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع ابن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. ذكره الحاكم شاهدا للطريق الآتية وقال: " إن سلم من خالد بن يزيد العمري ". وأقره الذهبي. قلت: كذا وقع عنده " العمري "، ولم يقع ذلك عند أبي داود وما أراه محفوظا فإن العمري لم يخرج له أبو داود ولا غيره من الستة شيئا وهو متهم بالكذب وإنما هو خالد بن يزيد الأزدي العتكي ويقال الهدادي وهو صدوق يهم كما في " التقريب ". وأبو جعفر الرازي ضعيف لسوء حفظه.

لكن الحديث له طريق أخرى يتقوى بها، يرويه قبيصة بن عقبة حدثنا الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس بن مالك به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 250) والحاكم (1 / 445) من طريق محمد بن أسلم العابد حدثنا قبيصة بن عقبة به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. قلت: محمد بن أسلم لم يخرجا له، لكن تابعه عند الحاكم رويم ابن يزيد، وهو ثقة كما قال الخطيب (8 / 429) وكذلك محمد بن أسلم، فقد وثقه أبو حاتم وأبو زرعة كما في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 201) فالسند صحيح وإن كان بعضهم أعله بالإرسال، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 254) : " سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول: ذاكرت أبا زرعة بحديث رواه قبيصة بن عقبة عن الليث عن عقيل عن الزهري عن أنس قال.. (فذكره) فقال: أعرفه من حديث رويم بن يزيد عن الليث هكذا، فمن رواه عن قبيصة؟ فقلت: حدثني محمد بن أسلم عن قبيصة هكذا. فقال: محمد بن أسلم ثقة، فذاكرت به مسلم بن الحجاج، فقال: أخرج إلي عبد الملك بن شعيب كتاب جده فرأيت في كتاب الليث على ما رواه قتيبة، قال أبو الفضل : حدثنا قتيبة عن عقيل عن الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالدلجة. الحديث ". قلت: فقد أعله مسلم بالارسال، وتابعه الدارقطني فقال: " المحفوظ عن ليث مرسل ". رواه الخطيب عنه. لكن اتفاق قبيصة ورويم على وصله عن الليث، لا يجعلنا نطمئن لهذا الإعلال، لأنهما ثقتان، وزيادة الثقة مقبولة. والله تعالى أعلم،

682

لاسيما وقد رواه رويم في آخر حديث له مصرحا بتحديث الزهري عن أنس بلفظ: " إذا أخصبت الأرض فانزلوا عن ظهركم وأعطوا حقه من الكلأ وإذا أجدبت الأرض فامضوا عليها وعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ". 682 - " إذا أخصبت الأرض فانزلوا عن ظهركم وأعطوا حقه من الكلأ وإذا أجدبت الأرض فامضوا عليها وعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل ". أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 31) والخطيب (8 / 429) والبيهقي (5 / 256) من طريقين عن رويم بن يزيد حدثني الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير رويم هذا وهو ثقة كما تقدم في الحديث السابق. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 257) : " رواه الطبراني ورجاله ثقات ". وقال في مكان آخر (3 / 213) : " رواه أبو يعلى وفيه حميد بن الربيع وثقه أحمد والدارقطني وضعفه جماعة، ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا رويم المعولي وهو ثقة ". قلت: حميد بن الربيع عند أبي يعلى في " مسنده " (913) إنما هو متابع لغيره، فلا يضره الضعف الذي فيه. وللحديث شواهد كثيرة، منها عن عبد الله بن مغفل مرفوعا نحوه. قال الهيثمي (3 / 313) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". ومنها عن خالد بن معدان عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد في أوله:

683

" إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف، فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فنزلوها منازلها، فإن أجدبت الأرض ... " الحديث. " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ". ومنها عن الحسن عن جابر مرفوعا نحوه وفيه زيادة: " وإذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان ". وفيه انقطاع ولذلك مع عدم وجود الشاهد المعتبر له أوردته في الكتاب الآخر (1140) . 683 - " يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها الا العوافي (يريد عوافي السباع والطير) ، وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما ". أخرجه البخاري (4 / 72 - فتح) ومسلم (4 / 123) وأحمد (2 / 234) من طرق عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرج الحاكم (4 / 565) الشطر الثاني منه، واستدركه على الشيخين ووافقه الذهبي، فلم يصيبا. 684 - " آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى، إذا لم تستح فاصنع ما شئت ". أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " من حديث أبي مسعود البدري. قال

المناوي في " فيض القدير ": وإسناده ضعيف لضعف فتح المصري، لكن يشهد له ما رواه البيهقي في " الشعب " عن أبي مسعود المذكور بلفظ: " إن آخر ما بقي من النبوة الأولى ... " والباقي سواء، بل رواه البخاري عن أبي مسعود بلفظ: " إن مما أدرك الناس ... " إلى آخر ما هنا. قلت: أخرجه في " الأنبياء " (2 / 379) وفي " الأدب " (4 / 140) و " الأدب المفرد " (597، 1316) وكذا أبو داود (4797) وابن ماجه (4183) من طريق منصور قال: سمعت ربعي بن حراش يحدث عن أبي مسعود به. وخالفه في إسناده أبو مالك الأشجعي فقال: حدثني ربعي بن حراش عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ: " إن آخر ما تعلق به أهل الجاهلية من كلام النبوة إذا لم ... ". أخرجه أحمد (5 / 405) : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مالك به. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 371) والخطيب في " التاريخ " (12 / 135 - 136) من طرق أخرى عن يزيد بن هارون به وزاد أحمد والخطيب في أوله: " المعروف كله صدقة، وإن ... ". وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وأبو مالك اسمه سعد بن طارق ولا يعل برواية منصور المتقدمة لأنه - كما قال الحافظ في " الفتح " (6 / 280) : ليس ببعيد أن يكون ربعي سمعه من أبي مسعود ومن حذيفة جميعا، يعني فحدث به عن هذا تارة وعن هذا تارة ومثل هذا الجمع لابد منه، لأن توهيم الثقة لا يجوز بغير حجه كما هو

معروف في علم المصطلح. وعلى هذا فحديث حذيفة شاهد قوي لرواية ابن عساكر هذه وبالله التوفيق. ثم رأيت الحديث عند الأخميمي في " حديثه عن شيوخه " (2 / 2 / 1) : حدثنا محمد (يعني ابن عبد الله بن سعيد المهراني) حدثنا محمد بن بشار، حدثنا يحيى ابن سعيد عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش به مرفوعا بلفظ: " آخر ما تعلق به الناس من كلام النبوة ... " الحديث. وهذا رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهراني هذا فلم أجد له ترجمة. لكن أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 78) من طريق الحسن بن عبيد الله عن ربعي بن حراش به نحوه. فهذه متابعات قوية لأبي مالك الأشجعي تدل على أنه قد حفظ.

685

685 - " آمركم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث، آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وتعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وتطيعوا لمن ولاه الله عليكم أمركم. وأنهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ". أخرجه ابن حبان (1543) من طريق عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه أن سهيل بن ذكوان حدثه أن أباه حدثه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (5 / 130) وكذا أحمد (2 / 327، 360، 367) من طرق أخرى عن سهيل به نحوه. والحديث عزاه في " الجامع الكبير " (1 / 3 / 2) لأبي نعيم أيضا في " الحلية "، ولم أره في فهرسها. والله أعلم،

686

ولم يذكره في " الجامع الصغير " من نسخة المناوي، وأورده في " الفتح الكبير " من رواية " الحلية " فقط! دون قوله في أوله " آمركم بثلاث وأنهاكم عن ثلاث "، ولم يرمز له بحرف (ز) إشارة إلى أنه من " زوائد الجامع الصغير "، فلعله سقط من الطابع. والله أعلم. 686 - " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرا منها شربة ماء ". روي من حديث سهل بن سعد وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وجماعة من الصحابة والحسن وعمرو بن مرة مرسلا. 1 - أما حديث سهل، فيرويه عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 52) وابن عدي (249 / 1) وأبو نعيم (3 / 253) والعقيلي في " الضعفاء " (250) وقال: " عبد الحميد بن سليمان أخو فليح، قال ابن معين: ليس بشيء وتابعه زكريا بن منظور وهو دونه ". قلت: وهما ضعيفان كما في " التقريب ". فقول الترمذي عقبه: " حديث صحيح غريب من هذا الوجه " مما لا وجه له لأن عبد الحميد هذا لم يوثقه أحد بل هو شبه متفق على تضعيفه. نعم لو أنه صححه أو على الأقل حسنه للمتابعة التي أشار إليها العقيلي، والشواهد الآتي بيانها لكان صوابا.

والمتابعة المذكورة أخرجها ابن ماجه (4110) من طرق عن أبي يحيى زكريا بن منظور حدثنا أبو حازم به. وزكريا هذا لم يتهم بالكذب، فيمكن الاستشهاد به، لاسيما وقد وثقه بعضهم وقال ابن عدي: يكتب حديثه. 2 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه محمد بن عمار عن صالح مولى التوأمة عنه. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (306 / 2) . وصالح هذا ضعيف لاختلاطه، فهو غير متهم. 3 - وأما حديث ابن عمر، فيرويه أبو مصعب عن مالك عن نافع عنه مرفوعا. أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (116 / 1) . 4 - وأما حديث ابن عباس، فيرويه الحسن بن عمارة عن الحكم عن مجاهد عنه به. أخرجه أبو نعيم (3 / 304، 8 / 290) وقال: " غريب من حديث الحكم، لم نكتبه إلا من حديث الحسن عنه ". قلت: والحسن هذا متروك شديد الضعف فلا يستشهد به. 6 - وأما حديث الجماعة من الصحابة، فيرويه ابن المبارك في " الزهد " (178 / 2 كواكب 575) : أنبأنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عثمان ابن عبيد الله بن (أبي) رافع أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوه مرفوعا به.

687

وهذا إسناد رجاله ثقات غير عثمان هذا فأورده ابن أبي حاتم (3 / 1 / 156) من رواية ابن أبي ذئب فقط عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر أنه مولى سعيد بن العاص المديني، وعليه يكون الحديث من رواية ابن عياش عن أهل المدينة وهي ضعيفة، لكن يستشهد بها. 7 - وأما رواية الحسن، فقال ابن المبارك أيضا: أنبأنا حريث ابن السائب الأسدي قال: حدثنا الحسن مرفوعا به. وهذا مرسل لا بأس به في الشواهد، الحريث هذا قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". 8 - وأما حديث عمرو بن مرة فقال السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 3 / 1) : " رواه هناد عنه مرسلا ". وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب. والله أعلم. 687 - " ائت حرثك أنى شئت وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت ولا تقبح الوجه ولا تضرب ". أخرجه أبو داود (1 / 334) وأحمد (5 / 3، 5) عن بهز بن حكيم حدثني أبي عن جدي قال: " قلت: يا رسول الله نساؤنا ما نأتي منهن وما نذر؟ قال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في بهز بن حكيم، وهو صدوق كما

688

في " التقريب ". وأما أبوه حكيم وهو ابن معاوية بن حيدة فروى عنه جمع من الثقات ووثقه ابن حبان (1 / 24) . 688 - " أالفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتصبن عليكم الدنيا صبا حتى لا يزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيه، وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ". أخرجه ابن ماجه (رقم 5) حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا محمد بن عيسى بن سميع حدثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال (فذكره) قال أبو الدرداء: صدق - والله - رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا - والله - على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات وفي هشام بن عمار وإبراهيم الأفطس كلام لا ينزل الحديث عما ذكرنا وقد بيض له البوصيري في " زوائد ابن ماجه " (1 / 2) .

689

689 - " أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة ". أخرجه محمد بن حمزة الفقيه في " أحاديثه " (ق 215 / 2) والواحدي في " الوسيط " (1 / 180 / 2) والضياء في " المختارة " (127 / 1) من طريقين عن سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك عن سليمان التيمي (زاد الأولان: عن حميد) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح وسليمان التيمي سمع من أنس، فهو متصل سواء ثبتت الزيادة أو لم تثبت ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم. والحديث عزاه في " الجامعين " للطبراني أيضا في " المعجم الكبير "، ولم أره في ترجمة أنس منه، فالله أعلم وفي " الفيض ": " قال في " الفردوس ": صحيح. ورواه جمع عن عقبة بن مالك الليثي، وسببه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية، فأغاروا على قوم، فشذ رجل منهم فاتبعه رجل من السرية شاهرا سيفه فقال: إني مسلم، فقتله، فنهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال قولا شديدا، ثم ذكره ". قلت: حديث عقبة أخرجه النسائي في " السير " (1 / 39 / 1) وأحمد (4 / 110، 5 / 288 - 289) من طريق حميد بن هلال عن بشر بن عاصم عنه ولفظه: " إن الله عز وجل أبي على من قتل مؤمنا، قالها ثلاث مرات ". ورجاله ثقات غير بشر هذا وهو الليثي، أورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 360) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 48 - 49) والحاكم (1 / 18 - 19) من هذا الوجه إلا أنهما قالا: " نصر بن عاصم الليثي " وقال الحاكم:

690

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا إن كان قوله " نصر " محفوظا. والله أعلم. 690 - " أبى الله والمؤمنون أن يختلف عليك يا أبا بكر ". أخرجه أحمد (6 / 47) والحسن بن عرفة في " جزئه " (2 / 2) ومن طريقه ابن بلبان في " تحفة الصديق، في فضائل أبي بكر الصديق " (50 / 1) من طريق عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي عن ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: " لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لأبي بكر كتابا لا يختلف عليه، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم قال ... ". فذكره. وقال ابن بلبان: " تفرد به ابن أبي مليكة أبو محمد ويقال له: أبو بكر القرشي ". قلت: وهو ضعيف لكنه لم يتفرد به، فقال أحمد (6 / 106) : حدثنا مؤمل قال: حدثنا نافع يعني ابن عمر حدثنا ابن أبي مليكة به نحوه. وهذا إسناد جيد في المتابعات، نافع هذا ثقة ثبت ومؤمل هو ابن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ كما في " التقريب ". وله طريق أخرى من رواية عروة عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: " ادعي لي أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر ". أخرجه مسلم (7 / 110) وأحمد (6 / 144) . وله طريق ثالث يرويه القاسم بن محمد عنها نحوه ولفظه: " لقد هممت أو أردت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، وأعهده أن يقول القائلون أو

يتمنى المتمنون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون ". أخرجه البخاري (4 / 46 - 47، 405 - 406) . طريق رابع. يرويه عبيد الله بن عبد الله عنها قالت: " لما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة ... فقال - وهو في بيت ميمونة لعبد الله بن زمعة : مر الناس فليصلوا، فلقي عمر بن الخطاب فقال: يا عمر صل بالناس. فصلى بهم، فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته فعرفه وكان جهير الصوت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس هذا صوت عمر؟ قالوا بلى، قال: يأبى الله عز وجل ذلك والمؤمنون، مروا أبا بكر فليصل بالناس، قالت عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق لا يملك دمعه ... " الحديث. أخرجه أحمد (6 / 34) من طريق معمر عن الزهري عنه. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وخالفه عبد الرحمن بن إسحاق فقال: عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر. أخرجه أبو داود (4661) . فجعله من مسند ابن زمعة ولعله الصواب فقد قال ابن إسحاق: حدثني الزهري حدثني عبد الملك بن أبي بكر ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن عبد الله بن زمعة قال: فذكر نحوه وزاد بعد قوله: " يأبى الله ذلك والمسلمون ": " فبعث إلى أبي بكر، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة، فصلى بالناس ". أخرجه أبو داود (4660) والسياق له وأحمد (4 / 322) . وهذا سند جيد.

691

691 - " إن اليهود قوم حسد وإنهم لا يحسدوننا على شيء كما يحسدونا على السلام وعلى (آمين) ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 73 / 2) : حدثنا أبو بشر الواسطي أنبأنا خالد يعني ابن عبد الله عن سهيل - وهو ابن أبي صالح - عن أبيه عن عائشة قالت: " دخل يهودي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: السام عليك يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وعليك، فقالت عائشة: فهممت أن أتكلم، فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، فسكت. ثم دخل آخر، فقال: السام عليك فقال: عليك، فهممت أن أتكلم، فعلمت كراهية النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، ثم دخل الثالث فقال. السام عليك، فلم أصبر حتى قلت: وعليك السام وغضب الله ولعنته إخوان القردة والخنازير! أتحيون رسول الله بما لم يحيه الله؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش، قالوا قولا فرددنا عليهم، إن اليهود ... ". ورواه أبو نعيم أيضا. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وأبو بشر الواسطي اسمه إسحاق بن شاهين وهو من شيوخ البخاري. والحديث أخرجه ابن ماجه (1 / 281) من طريق حماد بن سلمة حدثنا سهيل بن أبي صالح به مقتصرا على الجملة المذكورة أعلاه بنحوه. وقال البوصيري في " الزوائد ": " هذا إسناد صحيح، احتج مسلم بجميع رواته ". وللحديث طريق أخرى، يرويه حصين بن عبد الرحمن عن عمرو بن قيس عن محمد بن الأشعث عن عائشة قالت: " بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ استأذن رجل من اليهود ... " الحديث بتمامه نحوه وأتم منه إلا أن لم يذكر الحسد على السلام ولفظه: " لا يحسدوننا على شيء كما يحسدوننا على يوم الجمعة التي هدانا الله وضلوا عنها وعلى القبلة التي هدانا الله لها وضلوا عنها وعلى قولنا خلف الإمام: آمين ".

692

وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن الأشعث وقد وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة وهو تابعي كبير. وللترجمة شاهد من حديث أنس بلفظ: " إن اليهود ليحسدونكم على السلام والتأمين ". 692 - " إن اليهود ليحسدونكم على السلام والتأمين ". أخرجه أبو نعيم في " أحاديث مشايخ أبي القاسم الأصم " (35 / 1) والخطيب في " التاريخ " (11 / 43) والضياء المقدسي في " المختارة " (ق 45 / 1) من طريق إبراهيم بن إسحاق الحربي: حدثنا أبو ظفر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال المقدسي: " أبو ظفر اسمه عبد السلام بن مطهر بن حسام بن مصك بن ظالم بن شيطان الأزدي البصري، روى عنه البخاري وأبو داود ". قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات، فهو صحيح. 693 - " الفجر فجران فجر يحرم فيه الطعام وتحل فيه الصلاة وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 52 / 2) وعنه الحاكم (1 / 425) من طريق أبي أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال ابن خزيمة:

" (لم) يرفعه في الدنيا غير أبي أحمد الزبيري ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. من فقه الحديث: قال ابن خزيمة: " في هذا الخبر دلالة على أن صلاة الفرض لا يجوز أداؤها قبل دخول وقتها ". وقال: " (فجر يحرم فيه الطعام) يريد على الصائم. (ويحل فيه الصلاة) يريد صلاة الصبح. (وفجر يحرم فيه الصلاة) يريد صلاة الصبح، إذا طلع الفجر الأول لم يحل أن يصلي في ذلك الوقت صلاة الصبح، لأن الفجر الأول يكون بالليل، ولم يرد أنه لا يجوز أن يتطوع بالصلاة بعد الفجر الأول. وقوله (ويحل فيه الطعام) يريد لمن يريد الصيام ".

694

694 - " التيمم ضربة للوجه والكفين ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (38 / 2) وأحمد (4 / 263) عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في التيمم ضربة ... قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، ومعناه في " الصحيحين " وأبي داود وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (343 - 362) . 695 - " إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (61) وعنه أبو عمرو الداني في " الفتن " (62 / 2) واللالكائي في " شرح أصول السنة " (230 / 1 - كواكب 576) وكذا الطبراني في " الكبير " وعنه الحافظ عبد الغني المقدسي في " العلم " (ق 16 / 2) وابن منده في " المعرفة " (2 / 220 / 1) عن ابن المبارك عن ابن لهيعة عن بكر بن سوادة عن أبي أمية الجمحي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد الأول: " قال ابن المبارك: الأصاغر: أهل البدع ". قلت: وهذا إسناد جيد لأن حديث ابن لهيعة صحيح إذا كان من رواية أحد العبادلة عنه وابن المبارك منهم. فما نقله المناوي عن الهيثمي أنه أعله بقوله: فيه ابن لهيعة ضعيف ليس بجيد ولذلك قال الحافظ المقدسي عقبه: " وإسناده حسن ". ورواه الهروي في " ذم الكلام " (ق 137 / 2) من هذا الوجه مرفوعا وعن ابن مسعود موقوفا عليه.

696

وكذا رواه اللالكائي عنه. وهو شاهد قوي لأنه لا يقال بالرأي. 696 - " تنام عيناي ولا ينام قلبي ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 9 / 2) من طريق يحيى بن سعيد عن ابن عجلان قال: سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره . قلت: وهذا إسناد جيد. وله عنده شاهد صحيح من حديث عائشة قالت: " فقلت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي ". وقد رواه الشيخان في " صحيحيهما " وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1212) . وله شاهد ثالث من حديث أبي بكرة مرفوعا. أخرجه أحمد (5 / 40، 49، 51 - 52) . وعن ابن عباس في أثناء حديث. أخرجه أبو نعيم (4 / 304 - 305) . 697 - " نعم الميتة أن يموت الرجل دون حقه ". أخرجه أحمد (1 / 184) وعنه أبو عمرو الداني في " الفتن " (148 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 290) من طريق إبراهيم بن المهاجر عن أبي بكر بن حفص

698

- فذكر قصة - قال: سمعت أبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال أبو نعيم: " وأبو بكر اسمه عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين. وإبراهيم بن المهاجر وهو البجلي مختلف فيه ، فقال أحمد: لا بأس به وقال يحيى القطان: لم يكن بقوي، وفي " التقريب ": " صدوق لين الحفظ ". قلت: فهو حسن الحديث أن شاء الله تعالى. 698 - " خير الناس في الفتن رجل آخذ بعنان فرسه أو قال برسن فرسه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزل في باديته يؤدي حق الله الذي عليه ". أخرجه الحاكم (4 / 446) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا. وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا إذا كان الراوي له عن عبد الرزاق وهو إسحاق بن إبراهيم - وهو الدبري - لم يتفرد به.

699

وله طريق أخرى عنه بلفظ: " ألا أخبركم بخير الناس منزلة "، وقد سبق. ثم رأيته في المستدرك (4 / 464) من طريق يحيى بن جعفر حدثنا عبد الرزاق به فقال : أيضا: صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي. وهو كما قالا فقد توبع عليه الدبري. ثم رأيت في " الفتن "، لأبي عمرو الداني (ق 153 / 1) من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر به. فصح الحديث يقينا والحمد لله. وله شاهد من حديث أم مالك البهزية. أخرجه الترمذي وحسنه، " راجع المشكاة " (5400) . 699 - " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم يتسمنون: يحبون السمن ينطقون الشهادة قبل أن يسألوها ". أخرجه الترمذي (2 / 35، 49) وابن حبان (2285) والحاكم (3 / 471) وأحمد (4 / 426) عن وكيع حدثنا الأعمش حدثنا هلال بن يساف عن عمران بن حصين مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقول الحاكم: " على شرط الشيخين " وهم وإن وافقه الذهبي لأن هلالا إنما أخرج له خ تعليقا. وقد أخرجه الترمذي أيضا من طريق محمد بن الفضيل عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف به. فادخل علي بن مدرك بين الأعمش وهلال. قال الترمذي: هكذا روى محمد بن فضيل هذا الحديث عن الأعمش عن علي بن مدرك عن هلال بن يساف، وروى غير واحد من الحفاظ هذا الحديث عن الأعمش عن هلال بن يساف ولم يذكروا فيه علي بن مدرك. ثم ساق إسناده المذكور ثم قال:

700

" وهذا أصح من حديث محمد بن فضيل ". وللحديث طريقان آخران سبق ذكرهما في " خير أمتي " وله شاهد بلفظ: " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ". 700 - " خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته ". أخرجه البخاري (5 / 199، 7 / 6، 11 / 460) ومسلم (7 / 184 - 185) وابن ماجه (2 / 63 - 64) والطيالسي (ص 39 رقم 299) وأحمد (1 / 378، 417، 434، 438، 442) والخطيب في تاريخه (12 / 53) من طريق إبراهيم عن عبيدة السلماني عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. وزاد الشيخان وغيرهما: " قال إبراهيم: وكان أصحابنا ينهوننا ونحن غلمان أن نحلف بالشهادة والعهد ". وله شاهد من حديث النعمان بن بشير بهذا اللفظ إلا أنه قال ثلاث مرات " ثم الذين يلونهم " فأثبت القرن الرابع. أخرجه أحمد (4 / 267، 276، 277) من طريق عاصم عن خيثمة بن عبد الرحمن عنه. وهذا سند حسن، وقال في " المجمع " (10 / 19) : " رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي طرقهم عاصم ابن بهدلة وهو حسن الحديث وبقية رجال أحمد رجال الصحيح ". وثبت ذلك في الحديث الآتي. وفي ثبوت هذه الزيادة عندي نظر لأنها لم تأت من طريق صحيحة وعاصم بن بهدلة في حفظه شيء فلا يحتج بما تفرد به دون الثقات.

701

701 - " قل لخالد لا يقتلن امرأة ولا عسيفا ". أخرجه أبو داود (1 / 416) من طريق عمر بن المرقع بن صيفي حدثني أبي عن جده رباح بن ربيع قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فرأى الناس مجتمعين على شيء، فبعث رجلا فقال: انظر علام اجتمع هؤلاء؟ فجاء، فقال : امرأة قتيل، فقال: ما كانت هذه لتقاتل! قال: وعلى المقدمة خالد بن الوليد فبعث رجلا فقال ... " فذكره. وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات وقد رواه أبو الزناد عن المرقع أتم منه وهذا لفظه: " الحق خالدا فقل: لا تقتلن ذرية ولا عسيفا ". أخرجه الطحاوي (2 / 127) والحاكم (2 / 122) وأحمد (3 / 488) عن أبي الزناد قال: حدثني المرقع بن صيفي عن جده رياح بن الربيع أخي حنظلة الكاتب أنه أخبره: أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها وعلى مقدمتها خالد بن الوليد، فمر رباح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة، فوقفوا ينظرون إليها، ويتعجبون من خلقها، حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته، فانفرجوا عنها، فوقف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما كانت هذه لتقاتل، فقال لأحدهم ... فذكره. ورواه ابن ماجه (2 / 195) من هذا الوجه وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول: كلا بل هو صحيح فقط، المرقع بن صيفي لم يرو له الشيخان شيئا، وهو ثقة.

702

ثم إن الحديث في سنده اختلاف على أبي الزناد، فرواه عنه هكذا ابنه عبد الرحمن، وهي رواية الحاكم، ورواية لأحمد (4 / 178 - 179) . وتابعه المغيرة بن عبد الرحمن وهو ابن عبد الله الحزامي وهي رواية أحمد وابن ماجه والطحاوي. وابن جريج قال: أخبرت عن أبي الزناد به. أخرجه أحمد. وخالفهم سفيان الثوري فقال عن أبي الزناد عن المرقع بن صيفي، عن حنظلة الكاتب قال: غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم فمررنا على امرأة مقتولة الحديث نحوه بلفظ: " انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن لا تقتل ذرية ولا عسيفا ". أخرجه أحمد والطحاوي وابن ماجه وقال بعد أن ساق بعد هذه الرواية، الرواية الأولى: " قال أبو بكر بن أبي شيبة: يخطىء الثوري فيه ". فأشار إلى أن الرواية الأولى هي الصواب، وهو الحق، لاتفاق من ذكرنا من الثقات عليها، ويقوي ذلك أن عمر بن المرقع بن صيفي رواه عن أبيه مثل رواية الثقات عن أبي الزناد كما تقدم، والابن أدرى برواية أبيه وجده عادة. وللحديث شاهد بلفظ: " ما بال أقوام جاوزهم " وقد مضى (401) . ثم الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (6 / 111) للنسائي وابن حبان من حديث رباح بن الربيع وهو بكسر الراء والتحتانيه. 702 - " إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع ".

703

أخرجه أبو داود (1 / 433 - 434) والنسائي في " السير " (2 / 48 / 1) وابن حبان في " صحيحه " (1630 - موارد) والحاكم (3 / 598) وأحمد (6 / 8) من طريق ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن بكير بن الأشج عن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال: " بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني ... " الحديث قال: " فذهبت ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأسلمت ". سكت عليه الحاكم والذهبي وهو إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن علي بن أبي رافع وهو ثقة كما في " التقريب ". 703 - " لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب وهي صلاة الأوابين ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 133 / 1) والحاكم (1 / 314) من طريق إسماعيل بن عبيد الله بن زرارة الرقي حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وقال ابن خزيمة: " لم يتابع هذا الشيخ إسماعيل بن عبد الله على إيصال هذا الخبر، رواه الدراوردي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا، ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قوله ". قلت: إسماعيل بن عبد الله هذا صدوق كما في " التقريب "، وقد وصله مرفوعا وهي زيادة فيجب قبولها لكنه ليس على شرط مسلم، فإنه لم يخرج لإسماعيل شيئا

ولا لابن عمرو إلا متابعة. والإسناد حسن.

704

704 - " لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتم أحدهم في طريق، فاضطروهم إلى أضيقه ". أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " وأحمد وغيرهم من حديث أبي هريرة مرفوعا وهو مخرج في " إرواء الغليل " (1271) . والغرض من إيراده هنا أنه جمعنا مجلس فيه طائفة من أصحابنا أهل الحديث فورد سؤال عن جواز بدء غير المسلم بالسلام، فأجبت بالنفي محتجا بهذا الحديث، فأبدى أحدهم فهما للحديث مؤداه أن النهي الذي فيه إنما هو إذا لقيه في الطريق وأما إذا أتاه في حانوته أو منزله فلا مانع من بدئه بالسلام! ثم جرى النقاش حوله طويلا. وكل يدلي بما عنده من رأي، وكان من قولي يومئذ: أن قوله: لا تبدؤوا مطلق، ليس مقيدا بالطريق وأن قوله: " وإذا لقيتم أحدهم في طريق ... " لا يقيده، فإنه من عطف الجملة على الجملة، ودعمت ذلك بالمعنى الذي تضمنته هذه الجملة، وهو أن اضطرارهم إلى أضيق الطرق إنما هو إشارة إلى ترك إكرامهم لكفرهم، فناسب أن لا يبادؤوا من أجل ذلك بالسلام لهذا المعنى، وذلك يقتضي تعميم الحكم. هذا ما ذكرته يومئذ، ثم وجدت ما يقويه ويشهد له في عدة روايات: الأولى: قول راوي الحديث سهيل بن أبي صالح: " خرجت مع أبي إلى الشام، فكان أهل الشام يمرون بأهل الصوامع فيسلمون عليهم، فسمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره. أخرجه أحمد (2 / 346) وأبو داود بسند صحيح على شرط مسلم. فهذا نص من راوي الحديث - وهو أبو صالح واسمه ذكوان تابعي ثقة، أن النهي يشمل الكتابي ولو كان في منزله ولم يكن في الطريق. وراوي الحديث أدرى بمرويه من غيره، فلا أقل من أن يصلح للاستعانة به على الترجيح.

ولا يشكل على هذا لفظ الحديث عند البخاري في " أدبه " (1111) وأحمد في " مسنده " (2 / 444) : " إذا لقيتم المشركين في الطريق، فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها ". فإنه شاذ بهذا اللفظ، فقد أخرجه البخاري أيضا (1103) ومسلم وأحمد (2 / 266، 459) وغيرهما من طرق عن سهيل بن أبي صالح باللفظ المذكور أعلاه. الثانية: عن أبي عثمان النهدي قال: " كتب أبو موسى إلى رهبان يسلم عليه في كتابه، فقيل له: أتسلم عليه وهو كافر؟ ! قال: إنه كتب إلي، فسلم علي ورددت عليه ". أخرجه البخاري في " أدبه " (1101) بسند جيد. ووجه الاستدلال به، أن قول القائل " أتسلم عليه وهو كافر " يشعر بأن بدأ الكافر بالسلام كان معروفا عندهم أنه لا يجوز على وجه العموم وليس خاص بلقائه في الطريق، ولذلك استنكر ذلك السائل على أبي موسى وأقره هذا عليه ولم ينكره بل اعتذر بأنه فعل ذلك ردا عليه لا مبتدئا به، فثبت المراد. الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كتب إلى هرقل ملك الروم وهو في الشام لم يبدأه بالسلام، وإنما قال فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد بن عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى ... أخرجه البخاري ومسلم وهو في " الأدب المفرد " (1109) . فلو كان النهي المذكور خاصا بالطريق لبادأه عليه السلام بالسلام الإسلامي، ولم يقل له: " سلام على من اتبع الهدى ".

الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عاد الغلام اليهودي قال له: أسلم ... الحديث، فلم يبدأه بالسلام. وهو حديث صحيح رواه البخاري وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (1272) . فلو كان البدء الممنوع إنما هو إذا لقيه في الطريق لبدأه عليه السلام بالسلام لأنه ليس في الطريق كما هو ظاهر. ومثله. الخامسة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء عمه أبا طالب في مرض موته لم يبدأه أيضا بالسلام، وإنما قال له: " يا عم قل لا إله إلا الله " ... الحديث أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1273) . فثبت من هذه الروايات أن بدأ الكتابي بالسلام لا يجوز مطلقا سواء كان في الطريق أو في المنزل أو غيره. فإن قيل: فهل يجوز أن يبدأه بغير السلام من مثل قوله: كيف أصبحت أو أمسيت أو كيف حالك ونحو ذلك؟ فأقول: الذي يبدو لي والله أعلم الجواز، لأن النهي المذكور في الحديث إنما هو عن السلام وهو عند الإطلاق إنما يراد به السلام الإسلامي المتضمن لاسم الله عز وجل، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض فأفشوه بينهم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (989) وسيأتي (1894) . ومما يؤيد ما ذكرته قول علقمة: " إنما سلم عبد الله (يعني ابن مسعود) على الدهاقين إشارة ". أخرجه البخاري (1104) مترجما له بقوله: " من سلم على الذمي إشارة ". وسنده صحيح.

فأجاز ابن مسعود ابتداءهم في السلام بالإشارة لأنه ليس السلام الخاص بالمسلمين، فكذلك يقال في السلام عليهم بنحو ما ذكرنا من الألفاظ. وأما ما جاء في بعض كتب الحنابلة مثل " الدليل " أنه يحرم بداءتهم أيضا بـ " كيف أصبحت أو أمسيت؟ " أو " كيف أنت أو حالك؟ " فلا أعلم له دليلا من السنة بل قد صرح في شرحه " منار السبيل " أنه قيس على السلام! أقول: ولا يخفى أنه قياس مع الفارق، لما في السلام من الفضائل التي لم ترد في غيره من الألفاظ المذكورة. والله أعلم. مسألة أخرى جرى البحث فيها في المجلس المشار إليه، وهي: هل يجوز أن يقال في رد السلام على غير المسلم: وعليكم السلام؟ فأجبت بالجواز بشرط أن يكون سلامه فصيحا بينا لا يلوي فيه لسانه، كما كان اليهود يفعلونه مع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بقولهم: السام عليكم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإجابابتهم بـ " وعليكم " فقط، كما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما من حديث عائشة. قلت: فالنظر في سبب هذا التشريع، يقتضي جواز الرد بالمثل عند تحقق الشرط المذكور، وأيدت ذلك بأمرين اثنين: الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود إذا سلم عليكم أحدهم فإنما يقول : السام عليك، فقولوا: وعليك " أخرجه الشيخان، والبخاري أيضا في " الأدب المفرد " (1106) . فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " فقولوا: وعليك " بأنهم يقولون: السام عليك، فهذا التعليل يعطي أنهم إذا قالوا: " السلام عليك " أن يرد عليهم بالمثل: " وعليك السلام "، ويؤيده الأمر الآتي وهو: الثاني: عموم قوله تعالى * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * فإنها بعمومها تشمل غير المسلمين أيضا.

705

هذا ما قلته في ذلك المجلس. وأزيد الآن فأقول: ويؤيد أن الآية على عمومها أمران: الأول: ما أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1107) والسياق له وابن جرير الطبري في " التفسير " (10039) من طريقين عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: " ردوا السلام على من كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ذلك بأن الله يقول: * (وإذا حييتم بتحية ... ) * الآية ". قلت: وسنده صحيح لولا أنه من رواية سماك عن عكرمة وروايته عنه خاصة مضطربة ولعل ذلك إذا كانت مرفوعة وهذه موقوفة كما ترى، ويقويها ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لو قال لي فرعون: " بارك الله فيك " قلت: وفيك. وفرعون قد مات. أخرجه البخاري في " أدبه " (113) ، وسنده صحيح على شرط مسلم. والآخر: قول الله تبارك وتعالى: * (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) *. فهذه الآية صريحة بالأمر بالإحسان إلى الكفار المواطنين الذين يسالمون المؤمنين ولا يؤذونهم والعدل معهم ومما لا ريب فيه أن أحدهم إذا سلم قائلا بصراحة: " السلام عليكم "، فرددناه عليه باقتضاب: " وعليك " أنه ليس من العدل في شيء بله البر لأننا في هذه الحالة نسوي بينه وبين من قد يقول منهم " السام عليكم "، وهذا ظلم ظاهر. والله أعلم. 705 - " كان إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا ". أخرجه أبو داود (3851) وابن حبان (1351) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (464) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 204 / 2) عن ابن وهب: أخبرني

706

سعيد بن أيوب عن أبي عقيل زهرة بن معبد القرشي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي أيوب الأنصاري قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد به. أخرجه الطبراني. ورشدين ضعيف من قبل حفظه مع صلاحه وعبادته. 706 - " إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ويبعث يوم الجمعة زهراء منيرة أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها تضيء لهم يمشون في ضوئها ألوانهم كالثلج بياضا وريحهم تسطع كالمسك يخوضون في جبال الكافور ينظر إليهم الثقلان ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 182 / 1) والحاكم (1 / 277) من طريقين عن الهيثم بن حميد أخبرني أبو معبد - وهو حفص بن غيلان - عن طاووس عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات. وقال الحاكم: " هذا حديث شاذ، صحيح الإسناد، فإن أبا معبد من ثقات الشاميين الذين يجمع حديثهم والهيثم بن حميد من أعيان أهل الشام ". ووافقه الذهبي. وأقول: وصف هذا الحديث الصحيح الإسناد بأنه شاذ، إنما هو اصطلاح تفرد به

707

الحاكم دون الجمهور، فقد نقلوا عنه أنه قال في " الشاذ ": " هو الذي يتفرد به الثقة، وليس له متابع ". وهذا خلاف قول الإمام الشافعي: " هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس، وليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره ". وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين، وخلافه هو الشاذ ومن الغريب أن تعريف الحاكم للشاذ بما سبق يلزم منه رد مئات الأحاديث الصحيحة ، لاسيما ما كان منها في كتابه هو نفسه " المستدرك "! 707 - " كان داود أعبد البشر ". أخرجه الترمذي (2 / 262) والحاكم (2 / 433) من طريق عبد الله ابن ربيعة الدمشقي: حدثني عائذ الله أبو إدريس الخولاني عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حسن غريب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل عبد الله هذا قال أحمد: أحاديثه موضوعة ". قلت هو عبد الله بن ربيعة بن يزيد، ووقع في " المستدرك ": " عبد الله ابن يزيد " نسب إلى جده وانقلب على بعضهم فقال: " عبد الله بن يزيد بن ربيعة ". وهو مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " ولم أر أحدا ذكر قول أحمد المذكور في ترجمته، حتى ولا الذهبي وإنما أورده في " الميزان " في ترجمة عبد الله بن يزيد بن آدم الدمشقي روى عن واثلة وأبي أمامة. وهذا كما ترى غير المترجم، فإنه أعلى طبقة منه، هذا

708

تابعي وذاك من أتباع التابعين مع اختلاف اسم جدهما والله أعلم. وبالجملة، فالإسناد ضعيف لجهالة عبد الله بن ربيعة هذا، لكني وجدت للحديث شاهدا يتقوى به، يرويه عكرمة بن عمار حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ألم أخبر أنك تقوم الليل، وتصوم النهار؟ - وذكر الحديث بطوله - وقال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صم صوم داود، فإنه كان أعبد الناس كان يصوم يوما ويفطر يوما إنك لا تدري لعله أن يطول بك العمر " . أخرجه مسلم (3 / 162 - 163) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 217 / 1) والسياق له. وله شاهد آخر عن أنس مرفوعا. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 267) . وعن ابن جدعان عن عطاء مرسلا. أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (8 / 1) . وعن عبد الله بن يزيد بن ربيعة الدمشقي حدثنا أبو إدريس الخولاني عن أبي الدرداء مرفوعا. أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 229) . 708 - " قال إبليس: كل خلقك بينت رزقه، ففيما رزقي؟ قال: فيما لم يذكر اسمي عليه ". أخرجه أبو الشيخ في " كتاب العظمة " (12 / 128 / 1) وأبو نعيم في " الحلية "

709

(8 / 126) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (257 / 2) من طرق عن الهيثم بن أيوب الطالقاني حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث منصور وفضيل لم يروه عنه متصلا إلا الهيثم ". قلت: وهو ثقة نبيل ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالحديث صحيح الإسناد. 709 - " لا يشرب الخمر رجل من أمتي فتقبل له صلاة أربعين صباحا ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 103 / 2) من طريق عبد الله بن يوسف حدثنا محمد بن المهاجر عن عروة بن رويم عن ابن الديلمي - الذي كان يسكن بيت المقدس - أنه مكث في طلب عبد الله بن عمرو بن العاص بالمدينة، فسأل عنه قالوا: قد سافر إلى مكة، فاتبعه فوجده قد سار إلى الطائف، فاتبعه، فوجده في مزرعة يمشي مخاصرا رجلا من قريش، والقرشي يزن بالخمر، فلما لقيته سلمت عليه وسلم علي، قال: ما غدا بك اليوم، ومن أين أقبلت؟ فأخبرته، ثم سألته: هل سمعت يا عبد الله بن عمرو رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر شراب الخمر بشيء.؟ ! قال: نعم، فانتزع القرشي يده ثم ذهب، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (1 / 257 - 258) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! قلت: وابن المهاجر هذا وهو الأنصاري الشامي لم يخرج له البخاري إلا في " الأدب المفرد ".

710

وقد تابعه عثمان بن حصين بن علان الدمشقي عن عروة به دون القصة وقال: " يوما " بدل " صباحا ". أخرجه النسائي (2 / 230) وسنده صحيح أيضا. 710 - " أبشر عمار، تقتلك الفئة الباغية ". أخرجه الترمذي (2 / 310) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 185، 186) وأحمد (5 / 306، 306 - 307) من حديث أبي سعيد الخدري قال: أخبرني من هو خير مني (أبو قتادة) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه ويقول: " بؤس ابن سمية، تقتلك ... " الحديث. وأخرجه البخاري (1 / 124، 2 / 205) وأحمد (3 / 5، 22، 28، 91) من طريق أخرى عن أبي سعيد في قصة بناء المسجد، قال: " فرآه النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل ينفض التراب عنه ويقول: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار " قال عمار: أعوذ بالله من الفتن. وقد ورد الحديث عن جماعة آخرين من الصحابة عند مسلم وأحمد (2 / 161، 164، 206، 4 / 197، 179، 5 / 215، 6 / 289، 300، 311، 315) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 2 / 3، 3 / 1 / 177، 180، 181، 185) وأبي نعيم في " الحلية " (4 / 361، 7 / 198) والحاكم في " المستدرك " (3 / 386 - 387)

711

والخطيب في " التاريخ " (11 / 218) . 711 - " يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانيا، يعني حجة ". أخرجه الحاكم (4 / 557 - 558) من طريق سعيد بن مسعود حدثنا النضر بن شميل حدثنا سليمان بن عبيد حدثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات وسليمان بن عبيد هو السلمي قال ابن معين: ثقة: وقال أبو حاتم: صدوق. كما في " الجرح والتعديل: (2 / 1 / 95) . وسعيد بن مسعود، كذا وقع في " المستدرك " (سعيد) والصواب " سعد " وهو ابن مسعود المروزي، قال ابن حاتم (2 / 1 / 95) : " روى عن إسحاق بن منصور السلولي وروح بن عبادة وخلف بن تميم ومحمد بن مصعب القرقساني، كتب إلى أبي وأبي زرعة وإلى ببعض حديثه وهو صدوق ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

712

وقد رواه بعض المجهولين عن أبي الصديق مطولا، فهو من حصة الكتاب الآخر (1588) . 712 - أبشروا وبشروا من وراءكم أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقا دخل الجنة ". أخرجه أحمد (4 / 402، 411) من طريقين عن حماد بن سلمة حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي نفر من قومي، فقال: (فذكره) فخرجنا من عند النبي صلى الله عليه وسلم نبشر الناس، فاستقبلنا عمر بن الخطاب فرجع بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال (رسول الله صلى الله عليه وسلم: من ردكم؟ قالوا: عمر، قال: لم رددتهم يا عمر) فقال عمر: إذا يتكل الناس، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو عمران الجوني اسمه عبد الملك بن حبيب الأزدي. وأما أبو بكر بن أبي موسى، فلم يذكروا له اسما. وروى النسائي - ولعله في الكبرى - عن سهل بن حنيف وعن زيد بن خالد الجهني مرفوعا بلفظ " بشر الناس أنه من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له وجبت له الجنة ". وذكره في " المجمع " (1 / 18) من رواية الطبراني في " الكبير " عن زيد بن خالد وقال: " ورجاله موثقون ".

713

713 - " أبشروا أبشروا أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: نعم ، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به، فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدا ". رواه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (58 / 1) : حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح الخزاعي قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ": فذكره ، ثم رأيته في " المصنف " لابن أبي شيبة (12 / 165) بهذا السند، وأخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (74) من طريق أخرى عن أبي خالد الأحمر به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. وله شاهد مرسل أخرجه أبو الحسين الكلابي في " حديثه " (240 / 1) عن الليث بن سعد عن سعيد (يعني المقبري) عن نافع بن جبير به مرسلا. قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد وهو أصح من الموصول. وقد وصله الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 77 / 1) من طريق أبي عبادة الزرقي الأنصاري أنبأنا الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة فخرج علينا فقال ... " فذكره لكن أبو عبادة هذا متروك واسمه عيسى بن عبد الرحمن بن فروة.

714

714 - " أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة ". أخرجه أبو داود (3092) : حدثنا سهل بن بكار عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن أم العلاء قالت: " عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات رجال البخاري وفي بعضهم كلام لا يضر. (تنبيه) : أورد السيوطي هذا الحديث في " الجامع الكبير " (1 / 6 / 2) من رواية الطبراني فقط عن أبي العلاء! ولم يورده الهيثمي في " المجمع؟ لأنه في " السنن "، فليس على شرطه. وللحديث طريق أخرى عن أم العلاء بلفظ: " اصبري، فإنه (يعني وجع الحمى) يذهب خبث المؤمن كما تذهب النار خبث الحديد ". أخرجه ابن السكن وابن منده من طريق الزبيدي عن يونس بن سيف أن حرام بن حكيم أخبره عن عمته أم العلاء. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عادها من حمى، فرآها تضور من شدة الوجع فقال لها ... ". الحديث. كذا في " الإصابة " لابن حجر. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات فهو إسناد جيد

وله شاهد من طريق فاطمة الخزاعية قالت: " عاد النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من الأنصار وهي وجعة، فقال لها : كيف تجدينك؟ قالت: بخير إلا أن أم ملدم قد برحت بي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " اصبري فإنها ... " الحديث. قال الهيثمي (2 / 307) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح ". وله شاهد آخر من حديث خالد بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد امرأة من الأنصار، فقال لها: أهي أم ملدم؟ قالت: نعم، فلعنها الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسبيها، فإنها تغسل ذنوب العبد كما يذهب الكير خبث الحديد ". أخرجه الحاكم (1 / 346) وقال: " صحيح على شرط مسلم وإنما أخرجه بغير هذا اللفظ من حديث حجاج ابن أبي عثمان عن أبي الزبير " ووافقه الذهبي. قلت: حديث حجاج يأتي بعده. وخالد بن يزيد هو الجمحي المصري وهو ثقة محتج به في " الصحيحين ".

715

715 - " لا تسبي الحمى، فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ". أخرجه مسلم (8 / 16) والبخاري في " الأدب المفرد " (516) والبيهقي (3 / 377) من طريق أبي الزبير، حدثنا جابر بن عبد الله: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب، فقال: مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها، فقال: ... " فذكره. ورواه ابن ماجه (2 / 348) من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه دون القصة. وفيه موسى بن عبيدة ضعيف. 716 - " المسجد بيت كل تقي ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 176) والقضاعي في " مسند الشهاب " (1 / 140 / 2) من طريقين عن عبد الله بن معاوية الجمحي حدثنا صالح بن بشير المري عن الجريري عن أبي عثمان قال: " كتب سلمان إلى أبي الدرداء: يا أخي عليك بالمسجد فالزمه، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... ". فذكره، وقال أبو نعيم: " غريب من حديث صالح، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ". قلت: وصالح ضعيف. وله طريق أخرى، أخرجه القضاعي أيضا (8 / 2 - النسخة المغربية) وابن عساكر (13 / 378 / 1) من طريق الربيع بن ثعلب قال: أنبأنا إسماعيل بن عياش عن مطعم بن المقدام وغيره عن محمد بن واسع قال:

717

" كتب أبو الدرداء إلى سلمان: أما بعد يا أخي، فاغتنم صحتك قبل سقمك، وفراغك قبل أن ينزل من البلاء ما لا يستطيع أحد من الناس رده، ويا أخي اغتنم دعوة المؤمن المبتلى، ويا أخي ليكن المسجد بيتك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، فهو جيد لولا الانقطاع بين الربيع وأبي الدرداء، فإنه لم يسمع منه ولا من غيره من الصحابة، لكن إذا ضم إليه الطريق الأولى الموصولة أخذ الحديث قوة، وارتقى إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه ابن الجوزي في " صفوة الصفوة " (1 / 198 / 1) من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن صاحب له أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان به. وهذا منقطع أيضا. 717 - " كان إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه ". أخرجه الترمذي (1 / 323) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 246) من طريق يحيى بن محمد الجاري عن عبد العزيز بن محمد عن عبيد الله بن عمر عن ابن عمر مرفوعا . وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الجاري، فإنه قد ضعف فقال البخاري " يتكلمون فيه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " يغرب "، وقال ابن عدي:

" ليس بحديثه بأس ". وأورده الذهبي في " الضعفاء " مع قول البخاري فيه. وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: ومثله مما يتردد النظر في الحكم على حديثه بين الحسن والضعف، لكن قال العقيلي: " إن هذا الحديث ذكر للإمام أحمد فأنكره، وقال: إنما هذا موقوف " . ذكره في ترجمة عبد العزيز بن محمد وهو الدراوردي، ولعل إعلاله بالراوي عنه وهو الجاري أولى. نعم إنه لم يتفرد به، فقد قال ابن سعد في " الطبقات " (1 / 456 - طبع بيروت) : أخبرنا محمد بن سليم العبدي حدثني الدراوردي به. قلت: لكن محمد بن سليم هذا ممن لا يفرح بمتابعته، لشدة ضعفه فقد قال ابن معين : " ليس بثقة، يكذب في الحديث "، وضعفه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 275) عن أبيه. وللحديث شاهد يرويه أبو شيبة الواسطي عن طريف بن شهاب عن الحسن قال: فذكره مرفوعا. أخرجه ابن سعد. وهذا مع إرساله، فإن أبا شيبة الواسطي واسمه عبد الرحمن بن إسحاق ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب "

وقال الذهبي في " الضعفاء والمتروكين ": " ضعفوه ": قلت: وقد ضعفه البخاري جدا فقال: " فيه نظر " ولذلك فلا يصلح شاهدا لحديث ابن عمر، وعليه لم تطب نفسي لإيراده في " الصحيحة " فأوردته هنا، فإن وجدت له فيما بعد شاهدا معتبرا نقلته إليها. والله أعلم. ثم رأيت ما يوجب نقله إليها، فقد أخرجه الخطيب (11 / 293) من طريق عثمان بن نصر البغدادي حدثنا الوليد بن شجاع حدثنا عبد العزيز ابن محمد الدراوردي به. وهذه متابعة قوية للجاري، فإن ابن شجاع هذا ثقة من رجال مسلم، لكن عثمان بن نصر هذا لم يزد الخطيب في ترجمته على قوله: " وقع حديثه إلى الغرباء "! ثم ساق له هذا الحديث، ولم يذكر له وفاة، ولا جرحا أو تعديلا. لكن له طريق أخرى، فقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 120) : " وعن أبي عبد السلام قال: قلت لابن عمر: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتم؟ قال : كان يدور كور عمامته على رأسه، ويغرزها من ورائه، ويرسلها بين كتفيه. رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح خلا أبا عبد السلام وهو ثقة ". وقال: " وعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه، ومن خلفه. رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه الحجاج بن رشدين وهو ضعيف ". وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح. والله أعلم.

718

ومما يشهد له حديث عمرو بن حريث قال: " كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وعليه عمامة سوداء، قد أرخى طرفيها (وفي رواية: طرفها) بين كتفيه ". أخرجه مسلم (4 / 112) وأبو داود (4077) والنسائي ( 2 / 300) - والرواية الأخرى لهما - وابن ماجه (3587) . ومن ذلك حديث عائشة: " أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم على برذون، وعليه عمامة طرفها بين كتفيه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: رأيته؟ ذاك جبريل عليه السلام ". أخرجه أحمد (6 / 148، 152) والحاكم (4 / 193 - 194) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وقد وهما، فإن فيه عبد الله بن عمر العمري المكبر وهو ضعيف. 718 - " من ترك اللباس تواضعا لله، وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخير من أي حلل الإيمان شاء يلبسها ". أخرجه الترمذي (2 / 79) والحاكم (4 / 183) وأحمد (3 / 439) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 48)

من طريق أبي مرحوم عبد الرحيم بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره . وقال الترمذي: " حديث حسن، ومعنى قوله (حلل الإيمان) يعني ما يعطى أهل الإيمان من حلل الجنة ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: والأقرب إلى الصواب أنه حسن كما قال الترمذي، فإن في أبي مرحوم بعض الكلام، لكنه لا يضر في حديثه كما بينته في " الإرواء " (1989) . لاسيما ولم يتفرد به، بل تابعه زبان بن فائد عن سهل بن معاذ به. أخرجه أحمد (3 / 438) وأبو نعيم والحاكم أيضا (1 / 61) ذكره شاهدا وقال : " يتفرد به زبان "! كذا قال، وكأنه نسي طريق أبي مرحوم المتقدمة. وزبان فيه ضعف من قبل حفظه. وتابعه محمد بن عجلان عن سهل بن معاذ به. أخرجه أبو نعيم (8 / 47) من طريق بقية بن الوليد عن إبراهيم بن أدهم عن محمد بن عجلان. وبقية مدلس وقد عنعنه. وتابعه خير بن نعيم عن سهل بن معاذ به. أخرجه أبو نعيم أيضا من طريق ابن لهيعة عنه.

719

وابن لهيعة ضعيف. وبالجملة فالحديث صحيح بهذه المتابعات. 719 - " نهى أن ينتعل الرجل قائما ". ورد عن جمع من الصحابة، منهم أبو هريرة وعبد الله بن عمر وأنس وجابر. 1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق أربعة: الأولى: عند ابن ماجه (2 / 380) : حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن محمد وهو ابن إسحاق الطنافسي وهو ثقة، فهو إسناد صحيح إن كان الأعمش سمعه من أبي صالح، فقد وصف بالتدليس ، ومع ذلك أخرج له الشيخان في " الصحيحين " بالعنعنة كثيرا من الأحاديث بهذا الإسناد! الثانية: رواه الترمذي (1 / 328) والعقيلي في " الضعفاء " (78) عن الحارث بن نبهان عن معمر عن عمار بن أبي عمار عنه به. وقال الترمذي:

" هذا حديث غريب، وروى عبد الله بن عمرو الرقي هذا الحديث عن معمر عن قتادة عن أنس، وكلا الحديثين لا يصح عند أهل الحديث، والحارث بن نبهان ليس عندهم بالحافظ، ولا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصلا ". وقال العقيلي بعد أن ساق عدة أحاديث للحارث هذا: " كل هذه الأحاديث لا يتابع عليها، أسانيدها مناكير والمتون معروفة بغير هذه الأسانيد ". قلت: والحارث هذا متروك وقد خالفه الرقي كما تقدم في كلام الترمذي، وهو ثقة فروايته عن معمر هي الصواب، ويأتي الكلام عليها. الثالثة: عن سلمة بن حبيب عن عروة بن علي السهمي عنه. أخرجه ابن مخلد في " المنتقى من أحاديثه " (82 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (331) وقال: " عروة مجهول بالنقل، وسلمة نحوه ". وكذا قال الذهبي. الرابعة: عن سعيد بن بشير عن عمر بن دارم عن سيف بن كريب عنه مرفوعا. أخرجه ابن الأعرابي في " المعجم " (18 / 1) . وهذا إسناد ضعيف، سعيد بن بشير ضعيف، ومن فوقه لم أعرفهما. 2 - أما حديث ابن عمر، فقال ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن دينار عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير علي بن محمد وهو ابن أبي الخصيب، وهو صدوق ربما أخطأ كما قال الحافظ. 3 - وأما حديث أنس، فيرويه سليمان بن عبيد الله الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو

عن قتادة عنه به مرفوعا. أخرجه الترمذي وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 769) وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (205 / 1) ، والروياني في " مسنده " (240 / 2) وقال الترمذي : " هذا حديث غريب، قال محمد بن إسماعيل: ولا يصح هذا الحديث، ولا حديث معمر عن عمار أبي عمار عن أبي هريرة ". قلت: ورجال هذا ثقات رجال الشيخين غير سليمان الرقي فهو صدوق ليس بالقوي كما في " التقريب "، فمثله يصلح للاستشهاد به، لاسيما وقد روي من غير طريقه عن أنس، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 139) وقال: " رواه البزار، وفيه عنبسة بن سالم، قال البزار: " لا نعلمه توبع على هذا " وضعفه أبو داود ". قلت: وعنبسة هذا ليس في الطريق الأولى، فلعله رواه بإسناد آخر عن أنس. والله أعلم. ثم تحقق ما رجوته، فقد رأيته في " زوائد البزار " (ص 171) من طريق عنبسة هذا عن عبيد الله بن أبي بكر عن أنس. وسائر رجاله ثقات. 4 - وأما حديث جابر، فأخرجه أبو داود (2 / 187) من طريق أبي الزبير عنه مرفوعا. ورجاله ثقات فهو صحيح لولا عنعنة أبي الزبير، على أن مسلما قد أخرج عشرات الأحاديث من روايته عن جابر معنعنا من غير طريق الليث عنه، فهو على كل حال شاهد جيد، لاسيما وقد قال النووي في " رياضه ": إسناده حسن. كما نقله المناوي في " الفيض ": وخلاصة القول: أن الحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

720

(تنبيه) قال المناوي: " والأمر في الحديث للإرشاد، لأن لبسها قاعدا أسهل وأمكن، ومنه أخذ الطيبي وغيره تخصيص النهي بما في لبسه قائما تعب، كالتاسومة والخف، لا كقبقاب وسرموزة ". والله تعالى أعلم بحكم تشريعه ونواهيه. 720 - " كان يكثر دهن رأسه ويسرح لحيته بالماء ". رواه ابن الأعرابي في " المعجم " (59 / 1) أنبأنا محمد (يعني ابن هارون) أنبأنا مسلم بن إبراهيم أنبأنا مبشر بن مكسر عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير محمد بن هارون وهو ابن عيسى أبو بكر الأزدي الرزاز، ترجمه الخطيب (3 / 354) وقال: " روى عنه أبو العباس بن عقدة، و ... و ... أحاديث مستقيمة وقال الدارقطني: ليس بالقوي ". ومبشر بن مكسر، قال ابن معين: صويلح. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا بأس به. وبقية رجاله رجال الشيخين. والحديث عزاه في " الجامع الصغير " للبيهقي في " شعب الإيمان " عن سهل بن سعد . وقال المناوي: " وكذا الترمذي في الشمائل ". قلت: وهو وهم، فليس هو في " الشمائل " من حديث سهل، وإنما من حديث أنس بن مالك كما خرجته على " المشكاة " (4445) وبينت هناك أن إسناده ضعيف،

721

فهو شاهد لا بأس به لهذا، والله أعلم. 721 - " الدينار كنز والدرهم كنز والقيراط كنز، قالوا: يا رسول الله أما الدينار والدرهم فقد عرفناهما، فما القيراط؟ قال: نصف درهم، نصف درهم، نصف درهم ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 107) من طريق أبي عبد الرحمن المقرىء : حدثنا ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات، وابن لهيعة إنما يتقى حديثه إذا كان من رواية غير العبادلة عنه، فإن حديثهم عنه صحيح، كما نص عليه أهل العلم في ترجمته، وهذا من رواية أحدهم عنه، وهو أبو عبد الرحمن فإنه عبد الله بن يزيد المقرىء، وتابعه ثانيهم عبد الله بن وهب، ذكره من طريقه ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 219 - 220) وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر "! ولا وجه لهذا عندي، وكأنه جرى على الجادة في حديث ابن لهيعة، والصواب التفصيل الذي ذكرته، وهو التفريق بين حديث العامة عنه وحديث العبادلة. والله أعلم. ومن هذا التفصيل يتبين لك وجه قول المناوي في شرح قول السيوطي في " الجامع الصغير ": " رواه ابن مردويه عن أبي هريرة " قال: " بإسناد ضعيف، ورواه عنه في " الفردوس " وبيض لسنده ". ووجهه أنه يحتمل أن يكون عند ابن مردويه من طريق غير العبادلة عن ابن لهيعة أو من طريق غيره من الضعفاء. والله أعلم.

722

722 - " إذا خفضت فأشمى ولا تنهكي، فإنه أسرى للوجه وأحظى للزوج ". رواه الدولابي (2 / 122) والخطيب في " التاريخ " (5 / 327) عن محمد بن سلام الجمحي مولى قدامة بن مظعون قال: حدثنا زائدة بن أبي الرقاد أبو معاذ عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم عطية: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير زائدة بن أبي الرقاد فإنه منكر الحديث كما قال الحافظ في " التقريب ". وأما قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 172) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وإسناده حسن ". فإن كان من غير هذا الوجه فمحتمل وإن كان منه فلا وما أراه إلا منه، فقد رأيت ابن عدي قد أخرجه في " الكامل " (150 / 2) وقال: " هذا يرويه عن ثابت زائدة بن أبي الرقاد ولا أعلم يرويه غيره، وزائدة له أحاديث حسان، وفي بعض أحاديثه ما ينكر ". قلت: وروى الخطيب عن القواريري أنه أنكر هذا الحديث. قلت: لكن للحديث طريق أخرى عن أنس أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 245) عن إسماعيل بن أبي أمية حدثنا أبو هلال الراسبي: سمعت الحسن: حدثنا أنس قال: " كانت ختانة بالمدينة يقال لها: أم أيمن، فقال: لها النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: ورجاله موثقون غير إسماعيل هذا والظاهر أنه الذي في " الميزان " و" اللسان ":

" إسماعيل بن أمية، ويقال: ابن أبي أمية حدث عن أبي الأشهب العطاردي تركه الدارقطني ". وله شاهد من حديث علي قال: " كانت خفاضة بالمدينة، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. أخرجه الخطيب (12 / 291) من طريق عوف بن محمد أبي غسان حدثنا أبو تغلب عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري حدثنا مسعر عن عروة بن مرة عن أبي البختري عنه. ذكره في ترجمة عوف هذا وقال عن ابن منده: " روى عنه عمرو بن علي وبندار "، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأبو تغلب هذا لم أجد له ترجمة. وبقية رجاله معروفون ثقات من رجال " التهذيب " لكن أبا البختري لم يسمع من علي شيئا واسمه سعيد بن فيروز. وله شاهد آخر، عن الضحاك بن قيس قال: " كانت أم عطية خافضة في المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 206 / 1) عن أبي أمية الطرسوسي أنبأنا منصور بن صقير أنبأنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عنه. وقال: " ذكر أبو الطيب أن الضحاك بن قيس هذا آخر غير الفهيري ". قلت: وهو الذي جزم به غير واحد وحكاه في " التهذيب " عن ابن معين والخطيب.

قال المفضل الغلابي في " أسئلة ابن معين ": " وسألته عن حديث حدثنيه عبد الله بن جعفر - هو الرقي - عن عبيد الله بن عمرو - هو الرقي - قال: حدثني رجل من أهل الكوفة (عن عبد الملك بن عمير) عن الضحاك بن قيس قال: (قلت: فذكره) فقال: الضحاك بن قيس ليس بالفهري ". قلت: ورواية ابن جعفر هذه تدل على أنه سقط من إسناد ابن عساكر الرجل الكوفي ولعل ذلك من منصور بن صقير، فإنه ضعيف، ومن طريقه أخرجه ابن منده كما في " التهذيب ". وقد جاءت رواية فيها تسمية الرجل الكوفي، أخرجها أبو داود (5271) من طريق مروان حدثنا محمد بن حسان الكوفي، عن عبد الملك بن عمير عن أم عطية الأنصارية: " أن امرأة كانت تختن في المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره بنحوه. وقال: " روي عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بمعناه وإسناده، قال أبو داود: ليس هو بالقوي وقد روي مرسلا، ومحمد بن حسان مجهول وهذا الحديث ضعيف ". قلت: وسبب الضعف الجهالة والاضطراب في إسناده كما ترى، وقد قال الحافظ عقب رواية ابن صقير عند ابن منده: " وقد أدخل عبد الله بن جعفر الرقي، وهو أوثق من منصور بين عبيد الله وعبد الملك الرجل الكوفي الذي لم يسمه، فيظهر من رواية مروان بن معاوية أنه محمد بن حسان الكوفي فهو الذي تفرد به وهو مجهول. ويحصل من هذا أنه اختلف

على عبد الملك بن عمير هل رواه عن أم عطية بواسطة أو لا؟ وهل رواه الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه منه أو أرسله؟ أو أخذه عن أم عطية؟ أو أرسله عنها؟ كل ذلك محتمل ". وأقول: لكن مجيء الحديث من طرق متعددة ومخارج متباينة لا يبعد أن يعطي ذلك للحديث قوة يرتقي بها إلى درجة الحسن، لاسيما وقد حسن الطريق الأولى الهيثمي كما سبق، والله أعلم. ثم وجدت للكوفي متابعا، أخرجه الحاكم (3 / 525) من طريق هلال بن العلاء الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عبد الملك بن عمير عن الضحاك ابن قيس، قال: " كانت بالمدينة امرأة تخفض ... " الحديث. وسكت عليه الحاكم والذهبي، ورجاله ثقات، غير العلاء بن هلال الرقي والد هلال، قال الحافظ: فيه لين. وزيد بن أبي أنيسة حراني، فلم يتفرد به محمد بن حسان الكوفي. والله أعلم. والضحاك بن قيس صحابي ثبت سماعه في غير ما حديث واحد، وسيأتي أحدها برقم (1189) . ووجدت له شاهدا آخر يرويه مندل بن علي عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر قال: " دخل على النبي صلى الله عليه وسلم " نسوة من الأنصار فقال: يا نساء الأنصار اخضبن غمسا واخفضن ولا تنهكن فإنه أحظى عند أزواجكن وإياكن وكفر المنعمين ". قال: مندل: يعني الزوج ".

أخرجه البزار (175) وقال: " مندل ضعيف ". وكذا قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 171 - 172) وزاد: " وثق، وبقية رجاله ثقات ". قلت: وبالجملة فالحديث بهذه الطرق والشواهد صحيح. والله أعلم. وأعلم أن ختن النساء كان معروفا عند السلف خلافا لما يظنه من لا علم عنده، فإليك بعض الآثار في ذلك: 1 - عن الحسن قال: " دعي عثمان بن أبي العاص إلى طعامه، فقيل: هل تدري ما هذا؟ هذا ختان جارية! فقال: هذا شيء ما كنا نراه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى أن يأكل ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 7 / 2) من طريق أبي حمزة العطار عنه. قلت: وأبو حمزة اسمه إسحاق بن الربيع حسن الحديث كما قال أبو حاتم، وسائر رواته موثقون، فإن كان الحسن سمعه من عثمان فهو سند حسن. وقد رواه محمد بن إسحاق عن طلحة بن عبيد الله بن كريز عن الحسن به دون ذكر " جارية ". أخرجه الطبراني أيضا وأحمد (4 / 217) ، وإسناده جيد لولا عنعنة ابن إسحاق، فإنه مدلس، وبه أعله الهيثمي (4 / 60) . 2 - عن أم المهاجر قالت: " سبيت وجواري من الروم، فعرض علينا عثمان الإسلام ، فلم يسلم منا غيري وغير أخرى فقال: اخفضوهما وطهروهما، فكنت أخدم عثمان " .

723

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1245، 1246) . 3 - عن أم علقمة " أن بنات أخي عائشة ختن، فقيل لعائشة: ألا ندعو لهن من يليهن؟ قالت: بلى، فأرسلت إلى عدي، فأتاهن، فمرت عائشة في البيت، فرأته يتغنى، ويحرك رأسه طربا - وكان ذا شعر كثير - فقالت: أف، شيطان! أخرجوه، أخرجوه ". أخرجه البخاري في " الأدب " (1247) . قلت: وإسناده محتمل للتحسين، رجاله ثقات، غير أم علقمة هذه واسمها مرجانة وثقها العجلي وابن حبان، وروى عنها ثقتان. 723 - " اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيرا. قاله للمطلقة ثلاثا وهي في عدتها ". أخرجه مسلم (4 / 200) وأبو داود (1 / 525 - طبعة الحلبي) والدارمي (2 / 168) وابن ماجه (1 / 627) والحاكم (2 / 207) وأحمد (3 / 321) من طرق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: " طلقت خالتي ثلاثا، فخرجت تجد نخلا لها، فلقيها رجل فنهاها، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال لها "، فذكره. اللفظ لأبي داود والدارمي والحاكم وقال: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي. وهو كما قالوا والعهدة عليهم. قلت: ولعله إنما استدركه على مسلم لمغايرة يسيرة في اللفظ، لأنه قال: " بلى فجدي ... " وقال: " معروفا " بدل " خيرا ". وهو لفظ أحمد وابن ماجه.

724

724 - " عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر ". أخرجه ابن ماجه (3496) والقاضي الخلعي في " الفوائد " (20 / 50 / 1) من طريق إسماعيل بن مسلم المكي عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وإسماعيل هذا ضعيف، لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر به. أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 4 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 357) . لكن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه. إلا أنه لم يتفرد به، فقد أخرجه المخلص وابن عدي في " الكامل " (143 / 2) من طريق زياد بن الربيع قال: حدثنا هشام بن حسان عن محمد ابن المنكدر به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. وقد أعل بما لا يقدح، فقد ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 260) من هذه الطريق، وأنه سأل عنه أباه، فأجابه بقوله: " حديث منكر، لم يروه عن محمد إلا الصعقل (!) إسماعيل بن مسلم ونحوه ولعل هشام بن حسان أخذه من إسماعيل بن مسلم، فإنه كان يدلس ". قلت: لم أر من رماه بالتدليس مطلقا وإنما تكلموا في روايته عن الحسن وعطاء خاصة لأنه كان يرسل عنهما كما قال أبو داود، ولذلك قال الحافظ: " ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين، وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه قيل: كان يرسل عنهما ".

725

وهذا الحديث من روايته عن محمد بن المنكدر، فلا مجال لإعلاله ، لاسيما وللحديث شاهد بنحوه من حديث ابن عباس عند الترمذي وحسنه وقد خرجته في " المشكاة " (4472) وليس لديه " عند النوم " لكنها عند أحمد (1 / 274) وابن حبان (1440) من طريق أخرى عنه نحوه. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وللزيادة شاهد آخر من حديث أبي النعمان معبد بن هوذة الأنصاري مرفوعا بلفظ: " اكتحلوا بالإثمد المروح، فإنه يجلو البصر وينبت الشعر ". أخرجه أحمد (3 / 476، 499 - 500) وأبو داود (2377 ) وقال: " قال لي يحيى بن معين: هو حديث منكر ". قلت: وعلته أنه من رواية النعمان بن معبد بن هوذة وهو مجهول كما في " التقريب ". والحديث أخرجه ابن ماجه (3495) والحاكم (4 / 207) من حديث جابر مرفوعا به دون الزيادة، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وأقول: فيه عثمان بن عبد الملك، وهو لين الحديث كما قال الحافظ في " التقريب ". 725 - " كان أول من ضيف الضيف إبراهيم، وهو أول من اختتن على رأس ثمانين سنة واختتن بالقدوم ". رواه ابن عساكر (2 / 167 / 1) : أخبرنا أبو المعالي محمد بن إسماعيل ابن

محمد بن إسماعيل بن محمد بن الحسين أنبأنا أبو حامد أحمد بن الحسن ابن محمد الأزهري أنبأنا أبو محمد المخلدي أنبأنا أبو العباس السراج أنبأنا محمد بن عثمان ابن كرمة العجلي أنبأنا أبو أسامة: حدثني محمد بن عمرو، أنبأنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات معرفون، وأبو المعالي هو الفارسي ثم النيسابوري راوي " السنن الكبرى " للبيهقي، وراوي " البخاري " عن العيار كما في " شذرات الذهب " (4 / 124 - 125) . وأبو حامد الأزهري هو النيسابوري الشروطي الثقة كما في " الشذرات " أيضا (3 / 311) . وأبو محمد المخلدي اسمه الحسن بن أحمد بن الحسن من أهل نيسابور، قال السمعاني في " الأنساب " (514 / 2) : " روى عنه الحاكم ووثقه وجماعة سواه، توفي سنة 339 ". قلت: وقد فات هذا صاحب " الشذرات " فلم يورده في وفيات هذه السنة. وأبو العباس السراج هو الحافظ الثقة صاحب " المسند " المعروف به. وبقية رجال الإسناد معرفون من رجال " التهذيب ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من حديث أبي هريرة دون الشطر الثاني منه من رواية ابن أبي الدنيا في " قرى الضيف "، وبيض له المناوي، فلم يتكلم عليه بشيء.

726

726 - " أخذنا فألك من فيك ". أخرجه أبو داود (2 / 158 - 159) وأحمد (2 / 388) وابن السني (رقم 286) والحسن بن علي الجوهري (ق 28 / 1) من طريق وهيب عن سهيل بن أبي صالح عن رجل عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال " . فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا الرجل الذي لم يسم. لكنه قد جاء، مسمى ، فأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 270) من طريقين آخرين عن وهيب به إلا أنه قال: " عن أبيه " وأبوه هو أبو صالح واسمه ذكوان ثقة من رجال الشيخين، فصح الحديث والحمد لله. وله شاهد من حديث كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده به. أخرجه أبو الشيخ وابن السني (285) وابن عدي في " الكامل " (274 / 2) وقال: " كثير عامة أحاديثه لا يتابع عليه ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 106) : " وكثير بن عبد الله ضعيف جدا، وقد حسن الترمذي حديثه وبقية رجاله ثقات ". وله شاهد آخر، من حديث ابن عمر به نحوه. أخرجه أبو الشيخ عن حفص بن عمار أنبأنا مبارك بن فضالة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه. وهذا سند ضعيف، المبارك ضعيف وحفص بن عمار مجهول.

727

ورواه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 87) من طريق البزار عن حفص. ومن شواهده ما رواه العسكري في الأمثال، والخلعي في " فوائده " عن سمرة بن جندب. قال المناوي: " ورمز السيوطي للحديث بالحسن، ولعله لاعتضاده ". قلت: وكأنهما لم يقفا على الطريق الصحيحة عند أبي الشيخ عن أبي هريرة، فالحمد لله على توفيقه. 727 - " لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإن الله يطعمهم ويسقيهم ". روي من حديث عقبة بن عامر الجهني وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله. 1 - أما حديث عقبة، فيرويه بكر بن يونس بن بكير عن موسى بن علي عن أبيه عنه به. أخرجه الترمذي (2 / 3) وابن ماجه (3444) والروياني في " مسنده " (9 / 49 / 1) وابن أبي حاتم (2 / 242) وابن عدي في " الكامل " (36 / 2) وقال: " ليس يرويه عن موسى بن علي غير بكر بن يونس وعامة ما يرويه لا يتابعونه عليه، وقال البخاري: منكر الحديث ". وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: " هذا حديث باطل، وبكر هذا منكر الحديث ".

كذا قال " باطل "! ولا يخلو من مبالغة ، فإن بكرا لم يجمع على ضعفه فضلا عن تركه فقد قال العجلي فيه: " لا بأس به " . وذكره ابن حبان في " الثقات " وإن كان الجمهور على تضعيفه، فالحق أن حديثه ضعيف إذا لم يوجد ما يشهد له ويقويه وليس الأمر كذلك هنا لما يأتي له من الشواهد، ولعله لذلك قال الترمذي عقبه: " حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". 2 - أما حديث عبد الرحمن بن عوف، فيرويه إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا محمد بن العلاء الثقفي حدثني خالي الوليد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 410) وقال: " صحيح الإسناد، رواته كلهم مدنيون وعندنا فيه حديث مالك عن نافع الذي تفرد به محمد بن محمد بن الوليد اليشكري عنه ". قلت: كذا قال! ووافقه الذهبي وهو عجب منهما، فإن ما بين عبد الرحمن بن عوف والحزامي لم أجد من ترجمهم، وقوله: " الوليد بن عبد الرحمن بن عوف " كأنه نسب إلى جده ولم أدر اسم والد الوليد، وقد ذكر الحافظ في ترجمة عبد الرحمن بن عوف أنه روى عنه أولاده: إبراهيم وحميد وعمر ومصعب وأبو سلمة ". وقد راجعت ترجمة الوليد منسوبا إلى كل من هؤلاء الخمسة في " الجرح والتعديل " وغيره فلم أعثر عليه. والله أعلم.

وأما قوله: " وعندنا فيه ... " الخ. فيعني الحديث الآتي، ومما سترى في تخريجه يتبين لك أن قوله: " تفرد به اليشكري " إنما هو على مبلغ علمه وإلا فقد تابعه جمع كما يأتي. 3 - أما حديث ابن عمر، فأخرجه العقيلي في " الضعفاء " (257) والدارقطني في " غرائب مالك " من طريق عبد الوهاب بن نافع العامري قال: حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به، وقال العقيلي: " عبد الوهاب منكر الحديث لا يقيمه ". وقال الدارقطني: " عبد الوهاب واه جدا ". ثم قال العقيلي: " ليس له أصل من حديث مالك ولا رواه ثقة عنه وله رواية من غير هذا الوجه فيه لين أيضا ". وقال الحافظ في " اللسان " عقب الحديث: " ثم أخرجه (الدارقطني) من خمسة أوجه عن مالك، وقال: كل من رواه عن مالك ضعيف ". قلت: لعل من هذه الأوجه رواية اليشكري التي أشار إليها الحاكم فيما تقدم من كلامه، وقد أخرجها الخطيب في " الفوائد الصحاح الغرائب " (ج 1 رقم 17 - منسوختي) من طريق محمد بن غالب بن حرب قال: حدثنا محمد بن الوليد اليشكري قال : حدثنا مالك بن أنس به وقال: " هذا حديث غريب من حديث مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر. تفرد بروايته محمد بن الوليد اليشكري، وتابعه علي بن قتيبة الرفاعي عن مالك، وليس بثابت من حديثه ".

قلت: واليشكري كذبه الأزدي وهو محمد بن عمر بن الوليد بن لاحق نسب إلى جده. قال ابن حبان: لا تجوز الرواية عنه. وقال أبو حاتم: أرى أمره مضطربا. 4 - وأما حديث جابر، فيرويه محمد بن ثابت عن شريك بن عبد الله عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 50 - 51 / 221) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (11 / 309 / 1) . قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير شريك بن عبد الله وهو القاضي، وهو صدوق سيء الحفظ. ومحمد بن ثابت، هو أخو علي بن ثابت قال ابن معين: ثقة مأمون. وقال ابن أبي حاتم (2 / 3 / 216) عن أبيه: " ليس به بأس ". وجملة القول أن الحديث بهذا الشاهد حسن كما قال الترمذي، والله تعالى أعلم.

728

(تنبيه) عزا السيوطي الحديث للترمذي وابن ماجه والحاكم عن عقبة، وأعله المناوي ببكر بن يونس، وعزاه إلى " طب والمستدرك " ولم أره فيه إلا من حديث عبد الرحمن بن عوف كما تقدم. والله أعلم. 728 - " إذا أدى العبد حق الله وحق مواليه كان له أجران ". أخرجه مسلم (5 / 94 - 95) وأحمد (2 / 252) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به، فحدثتها كعبا فقال كعب: ليس عليه حساب ولا على مؤمن مزهد. وقد رواه غير أبي معاوية بلفظ: " نعما لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده ". أخرجه البخاري (5 / 134) من طريق أبي أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه أحمد (2 / 390) من طريق إسرائيل عن الأعمش به بلفظ: " نعما للمملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه " وزاد: قال كعب: صدق الله ورسوله لا حساب عليه ولا على مؤمن مزهد. وله طريق أخرى بلفظ: " نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة الله وصحابة سيده نعما له ". أخرجه مسلم (5 / 95) من طريق عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام ابن منبه عنه. وكذلك أخرجه أحمد (318) .

729

729 - " إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة ". أخرجه البخاري (1 / 20) والنسائي (1 / 353) والطيالسي (ص 86 رقم 615) والسياق له من حديث أبي مسعود البدري مرفوعا. وفي رواية للبخاري (6 / 189) : " المسلم " بدل " الرجل ". 730 - " إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض شيئا ". رواه البخاري (2 / 117، 119، 120) ومسلم (3 / 90) وأبو داود (1 / 267 ) والنسائي (1 / 351 - 352) والترمذي (1 / 130) وصححه وابن ماجه (2 / 44) وأحمد (6 / 44، 99، 278) من حديث عائشة مرفوعا. ولطرفه الأول شاهد بلفظ: " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره ". 731 - " إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها من غير أمره فله نصف أجره ". أخرجه البخاري (3 / 8 و 6 / 292) واللفظ له ومسلم (3 / 91) وأبو داود (1 / 267) وأحمد (2 / 316) من حديث أبي هريرة، إلا أن أبا داود قال: " فلها نصف أجره ".

732

732 - " إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب، فأنا أولاكم به وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه ". رواه ابن سعد (1 / 387 - 388) : أخبرنا عبد الملك بن مسلمة ابن قعنب قال: أخبرنا سليمان بن بلال عن ربيعة عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد أو أبي أسيد مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن، وهو على شرط مسلم، ورواه عبد الغنى المقدسي في " العلم " (2 / 43 / 2) من طريق أخرى عن سليمان بن بلال به. ورواه ابن وهب في " المسند " (8 / 164 / 2) أخبرني القاسم بن عبد الله عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن به. وابن حبان (92) والبزار كما في " الأحكام الكبرى " رقم (101) ، وبينت في تعليقى عليه وجه كونه حسنا ومن صححه، وأن الحديث خاص بطبقة معينة من أهل العلم. وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 434) من طريق ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وقال يحيى عن أبي هريرة وهو وهم ليس فيه أبو هريرة، إنما هو سعيد بن كيسان. قلت: فهو شاهد مرسل قوي.

733

733 - " أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا، حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة طعمة ". رواه ابن وهب في " الجامع " (84) : أخبرني ابن لهيعة عن الحارث ابن يزيد عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا. ورواه أحمد (2 / 177) : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة به وقال: الحارث ابن يزيد الحضرمي. وأخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 6، 27، 52) والحاكم (4 / 314) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 104 / 1) من طرق عن ابن لهيعة به. وسكت الحاكم عليه وكذا الذهبي. قلت: وهذا سند حسن، بل صحيح، فإن ابن لهيعة وإن كان ضعيفا، فإنه من رواية عبد الله بن وهب عنه، وهي صحيحة. وله طريق أخرى، فقال ابن وهب وابن المبارك في " الزهد " (1204) : أخبرنا موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال: فذكره موقوفا. قلت: وهذا سند صحيح، فهو ثابت مرفوعا وموقوفا، ولا منافاة بينهما، فإن الراوي قد لا ينشط أحيانا فيوقفه، كما يعلم ذلك العارفون بهذا العلم الشريف.

734

734 - " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة ". أخرجه مسلم (3 / 45) وأحمد (5 / 342، 343، 344) عن يحيى بن أبي كثير أن زيدا حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه به مرفوعا. واستدركه الحاكم (1 / 383) فقال: " صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم مختصرا ". كذا قال، وهو عنده بهذا اللفظ إلا أنه قال في أوله: " إن في أمتي أربعا من أمر الجاهلية ليسوا بتاركيهن الفخر ... " الحديث. وله شاهد بلفظ: " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة والطعن في الأحساب والعدوى: أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول؟ ! والأنواء: مطرنا بنوء كذا وكذا ". 735 - " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لن يدعهن الناس: النياحة والطعن في الأحساب والعدوى: أجرب بعير فأجرب مائة بعير، من أجرب البعير الأول؟! والأنواء: مطرنا بنوء كذا وكذا ". أخرجه الترمذي (1 / 186 طبع بولاق) والطحاوي (2 / 378) والطيالسي (رقم 2395) وأحمد (2 / 291، 414، 415، 455، 526، 531) عن علقمة بن مرثد عن أبي الربيع المدني عن أبي هريرة به. وقال الترمذي: " حديث حسن ". وأبو الربيع هذا كأنه مجهول وقال أبو حاتم: " صالح الحديث " وفي التقريب: إنه مقبول. ورواه البزار بلفظ:

736

" أربع في أمتي ليس هم بتاركيها: الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب، والنياحة، تبعث يوم القيامة النائحة إذا لم تتب عليها درع من قطران ". هكذا أورده الهيثمي في " المجمع " (3 / 13) وقال: رواه البزار وإسناده " حسن ". ولم تذكر فيه الخصلة الرابعة، فلا أدري أسقطت من الراوي أم من الناسخ، وهذه الزيادة: " النائحة إذا لم تتب " الخ صحت من حديث أبي مالك الأشعري كما سيأتي في " النائحة ... " رقم (1952) . وللحديث شواهد بألفاظ " اثنتان في الناس ". وهو مخرج في " شرح الطحاوية " (ص 298) " ثلاث من عمل ". " ثلاثة من الكفر " وسيأتيان (1801) . " شعبتان من الكفر " وسيأتي (1896) . (ثلاث لا يتركن) . 736 - " أرحامكم أرحامكم ". رواه ابن حبان (2037) والحافظ العراقي في " المجلس 86 من الأمالي " عن الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبير حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن قتادة عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه ... فذكره وقال: " هذا حديث صحيح، أخرجه بن حبان في صحيحه هكذا وقد رواه الرافعي في " أماليه " من رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بلفظ: " صلوا أرحامكم، فإنه أبقى لكم في الدنيا والآخرة ". ولم يقل: " في مرضه ". 737 - " استعيذوا بالله تعالى من العين فإن العين حق ". أخرجه ابن ماجه (2 / 356) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (89 - 90)

738

والديلمي (1 / 1 / 48 - 49) والحاكم (4 / 215) من طريق وهيب عن أبي واقد الليثي قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يحدث عن عائشة رضي الله عنها به مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 738 - " أسرع قبائل العرب فناء قريش، ويوشك أن تمر المرأة بالنعل، فتقول: إن هذا نعل قرشي ". أخرجه أحمد (2 / 336) حدثنا عمر بن سعد: حدثنا يحيى - يعني - ابن زكريا بن أبي زائدة عن سعد بن طارق عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وفي " المجمع " (10 / 28) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار ببعضه والطبراني في " الأوسط " وقال: " هذه " بدل " هذا " ورجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح ". وللحديث شاهد من رواية عائشة بلفظ: " يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا ". ويأتي إن شاء الله تعالى برقم (1953) . 739 - " من لائمكم من خدمكم فأطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون ومن لا يلائمكم من خدمكم فبيعوا ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ".

740

أخرجه أحمد (5 / 168، 173) وكذا أبو داود (2 / 337) عن منصور عن مجاهد عن مورق عن أبي ذر مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وله شاهد بلفظ: " أرقاءكم، أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون، فإن جاؤوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم ". 740 - " أرقاءكم، أرقاءكم، أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون، فإن جاءوا بذنب لا تريدون أن تغفروه فبيعوا عباد الله ولا تعذبوهم ". قال في " المجمع " (4 / 236) : " رواه أحمد والطبراني عن يزيد بن جارية، وفيه عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف ". قلت: هو في المسند (4 / 35 - 36) عن سفيان عن عاصم يعني ابن عبيد الله عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه مرفوعا. وكذا رواه ابن سعد في " الطبقات " (2 / 185) لكن وقع فيه عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن أبيه، فجعله من مسند زيد بن الخطاب، وكل من عبد الرحمن بن يزيد بن جارية، وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قد روى عنه عاصم بن عبيد الله، فلعله اختلط الأمر عليه، فكان تارة يرويه عن هذا، وتارة عن هذا. ورجاله ثقات رجال البخاري غير عاصم هذا فهو كما قال الهيثمي ضعيف، وتبعه الحافظ في " التقريب ". لكن الحديث له شاهد بلفظ:

741

" كان يوصي بالمملوكين خيرا ويقول: أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم من لبوسكم ولا تعذبوا خلق الله عز وجل ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد (29) حدثنا شعبة بن سليمان قال: حدثنا مروان بن معاوية قال: حدثنا الفضل بن مبشر قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: فذكره. وهذا سند ضعيف الفضل بن مبشر فيه لين كما في " التقريب ". وشعبة بن سليمان لم أعرفه، وأخشى أن يكون وقع فيه تحريف من النساخ وأما مروان بن معاوية فثقة حافظ من رجال الستة. ثم رأيت البخاري أخرجه في مكان آخر ص (30 - 31) فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا مروان بن معاوية به. 741 - " أوصيك أن تستحي من الله عز وجل كما تستحي رجلا من صالحي قومك ". أخرجه أحمد في " الزهد " (ص 46) وأبو عروبة الحراني في " الطبقات " (2 / 10 / 1 - المنتقى منه) والسلمي في " آداب الصحبة " (ق 12 / 1) والبيهقي في " الشعب " (2 / 462 / 2) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 50) من طريقين عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد سمع سعيد بن يزيد الأنصاري: " أن رجلا قال: يا رسول الله أوصني، قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، على خلاف في صحبة سعيد ابن يزيد وهو ابن الأزور وقد أثبتها له أبو الخير هذا كما في بعض طرق هذا الحديث وهو أدرى بها من غيره، وقال المناوي في " الفيض ": " قال الذهبي: روى عنه أبو الخير اليزني وزعم أن له صحبة. اهـ. قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني. فذكره. قال الهيثمي: رجاله وثقوا على ضعف فيهم ".

742

وقد روي الحديث عن أبي أمامة، غير أن إسناده فيه متهم ، فلم أستجز الاستشهاد به، فأوردته في السلسلة الأخرى (1637) . 742 - " قال الله عز وجل: وعزتي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين، إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع فيه عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع فيه عبادي ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 98) من طريقين عن محمد بن يعلى حدثنا عمر بن صبح عن ثور عن مكحول عن شداد بن أوس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد واه بالمرة، عمر بن صبح قال ابن حبان وغيره: " يضع الحديث ". لكن له طريق آخر أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " برقم (157) : أخبرنا عوف عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. وهذا إسناد صحيح، لكنه مرسل. وقد وصله يحيى بن صاعد في " زوائد الزهد " (158) قال: حدثنا محمد بن يحيى بن ميمون بالبصرة قال: أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وتابعه البزار عن ابن ميمون هذا، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 308) من الوجهين المرسل عن الحسن والموصول عن أبي هريرة وقال: " رواهما البزار عن شيخه محمد بن يحيى بن ميمون ولم أعرفه وبقية رجال المرسل رجال الصحيح وكذلك رجال المسند غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث ".

743

قلت: فالمسند ضعيف لجهالة محمد بن يحيى بن ميمون، ولكنه يتقوى بمرسل الحسن البصري لأنه من غير طريقه، فيرتقي إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى. 743 - " أقيموا الصفوف، فإنما تصفون كصفوف الملائكة حاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولا تذروا فرجات الشيطان، ومن وصل صفا وصله الله ". رواه الدولابي في " الكنى " (1 / 39) عن أبي الزاهرية عن أبي شجرة مرفوعا . قلت: وسنده صحيح ولكنه مرسل لأن أبا شجرة واسمه كثير بن مرة الحضرمي تابعي ثقة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا كما في " التهذيب " ولكنه قد ثبت عنه موصولا بذكر عبد الله بن عمر فيه، فصح الحديث والحمد لله، ولذلك خرجته في " صحيح أبي داود " (672) . 744 - " إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا، اتخذوا دين الله دخلا وعباد الله خولا ومال الله عز وجل دولا ". ورد من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأبي ذر الغفاري ومعاوية بن أبي سفيان. 1 - أما حديث أبي هريرة، فيرويه سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه تمام في " الفوائد " (59 / 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 2) .

وتابعه إسماعيل بن جعفر المدائني حدثنا العلاء به. إلا أنه أوقفه على أبي هريرة، ولكنه في حكم المرفوع كما هو ظاهر. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (305 / 2) وابن خزيمة في " حديث علي بن حجر " (ج 3 رقم 15 - نسختي) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 176 / 2) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد سرد أبو يعلى بهذا الإسناد أحاديث كثيرة جلها في " صحيح مسلم ". 2 - أما حديث أبي سعيد، فيرويه عطية عنه. أخرجه أحمد (3 / 80) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 191 - 192) وتمام أيضا والبيهقي وابن عساكر والحاكم (4 / 480) شاهدا للحديث الآتي. 3 - أما حديث أبي ذر، فيرويه شريك بن عبد الله عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن حلام بن جذل الغفاري قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 479 - 480) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: شريك سيء الحفظ ولم يحتج به مسلم. وحلام بن جذل، وفي " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 308) : " جزل " بالزاي ولعله الصواب وقال: " روى عنه أبو الطفيل ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قلت: فالرجل مجهول، وليس من رجال مسلم.

745

4 - أما حديث معاوية فيرويه مصعب بن عبد الله حدثني عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير أو غيره قال: " اشتكى عمرو بن عثمان، فكان العواد يدخلون عليه، فيخرجون ويتخلف عنده مروان، فيطيل، فأنكرت ذلك رملة بنت معاوية.... فلما خرج عمرو إلى الحج، خرجت رملة إلى أبيها، فقدمت عليه الشام، فأخبرته (فقال) : أشهد يا مروان لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره ". أخرجه ابن عساكر (13 / 294 / 1) . قلت: مصعب هذا صدوق عالم بالنسب، فإن كان حفظ اسم شيخه وأنه عبد الله بن محمد.... فالإسناد واه جدا، لأن عبد الله متروك الحديث كما قال أبو حاتم ولكنه لم يجزم بأنه هو، بل تردد بين أن يكون هو أو غيره. وبالجملة، فالعمدة في إثبات صحة الحديث إنما هو الطريق الأولى والثانية والثالثة شاهدان جيدان له. والله أعلم. 745 - " أسامة أحب الناس، ما حاشا فاطمة ولا غيرها ". رواه الحاكم (3 / 596) وأحمد (2 / 96) وأبو أمية الطرسوسي " في مسند ابن عمر " (210 / 1) والطبراني في " الكبير " (1 / 21 / 1) وابن عساكر (2 / 343 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عن موسى ابن عقبة عن سالم عن ابن عمر مرفوعا به، وليس عند الحاكم الاستثناء المذكور، وقال:

746

" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وهو كما قالا. ثم أخرجه أحمد (2 / 89، 106) من طرق أخرى عن موسى به دون الاستثناء. وله عنده (2 / 110) طريق ثانية: حدثنا سليمان أنبأنا إسماعيل أخبرني ابن دينار عن ابن عمر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد ، فطعن بعض الناس في إمرته، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده " . وهذا إسناد صحيح، سليمان هو ابن داود الهاشمي وهو ثقة جليل فقيه وإسماعيل هو ابن جعفر الأنصاري القاري ثقة ثبت. ومثله ابن دينار وهو عبد الله. وأخرجه البخاري ومسلم. 746 - " اسم الله الأعظم في سور من القرآن ثلاث: في البقرة وآل عمران وطه ". أخرجه ابن معين في " التاريخ والعلل " (10 / 152 / 2) وابن ماجه (3856) وللطحاوي " مشكل الآثار " (1 / 63) والفريابي في " فضائل القرآن " (184 / 1) وتمام في " الفوائد " (36 / 2) وأبو عبد الله بن مروان القرشي في " الفوائد " (25 / 110 / 2) والسياق له، والحاكم (1 / 506) من طريق عبد الله بن العلاء قال: سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يخبر عن أبي أمامة مرفوعا به. قال القاسم أبو عبد الرحمن: " فالتمست في البقرة، فإذا هو في آية الكرسي * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * وفي آل عمران، فاتحتها * (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) * وفي طه: * (وعنت الوجوه للحي القيوم) * ".

747

قلت: وهذا إسناد حسن، لأن القاسم ثقة لكن في حفظه شيء. وعبد الله بن العلاء هو ابن زبر، وهو ثقة. وقد تابعه غيلان بن أنس وهو مقبول عند ابن حجر. أخرجه ابن ماجه (3856) والطحاوي والفريابي. والحديث قال المناوي بعد ما عزاه أصله لابن ماجه والطبراني والحاكم: " وفيه هشام بن عماره مختلف فيه ". قلت: هذا لا وجود له عند ابن ماجه والحاكم، فيحتمل أن يكون في طريق الطبراني ولا يضر حديثه لأنه متابع عند الآخرين، فالحديث ثابت. والله أعلم. 747 - " أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس. (يعني بالعين ) ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1760) وعنه الطحاوي في " المشكل " (4 / 77) : حدثنا طالب حبيب بن عمرو بن سهل - ضجيع حمزة - قال: حدثني عبد الرحمن بن جابر عن أبيه.

748

قلت: وهذا إسناد حسن. ابن جابر ثقة محتج به في " الصحيحين "، وطالب بن حبيب صدوق يهم كما في " التقريب ". ومن طريقه رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (ق 24 / 2) والعقيلي (196) وابن عدي (208 / 1) وقال في طالب: " أرجو أنه لا بأس به ". والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 106) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح، خلا طالب بن حبيب بن عمرو وهو ثقة ". وقال الحافظ في " الفتح " (10 / 167) : " وسنده حسن ". وقال السخاوي في " المقاصد ": " ورجاله ثقات ". 748 - " أما إنك لو لم تعطيه شيئا كتبت عليك كذبة ". أخرجه أبو داود (2 / 313) وأحمد (3 / 447) والضياء المقدسي في " المختارة " (58 / 184 / 1) والخرائطي أيضا في " مكارم الأخلاق " (ص 33) عن الليث عن ابن عجلان أن رجلا من موالي عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي حدثه عن عبد الله بن عامر أنه قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله تعال أعطيك، فقال رسول الله: وما أردت أن تعطيه؟ قالت: أعطيه تمرا قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. ورجاله ثقات غير المولى الذي لم يسم، ومن طريقه رواه البيهقي أيضا، ورواه ابن أبي الدنيا فسماه زيادا قاله في

749

" الترغيب " (3 / 30) . قلت: وكذلك سماه الضياء. وزياد هذا لم أعرفه، قال العراقي (3 / 117) : " وله شاهد من حديث أبي هريرة وابن مسعود، ورجالهما ثقات إلا أن الزهري لم يسمع من أبي هريرة ". أقول: أما حديث ابن مسعود فلم أعرفه الآن، وأما حديث أبي هريرة فهو بلفظ: " من قال لصبي: تعال هاك، ثم لم يعطه شيئا، فهي كذبة ". رواه ابن وهب في " الجامع " (80) بسند صحيح عن ابن شهاب عن أبي هريرة مرفوعا ، وأخرجه أحمد (2 / 452) . وهذا سند رجاله ثقات، لكنه منقطع بين ابن شهاب وأبي هريرة، فإنه لم يسمع منه كما قال الحافظ المنذري (3 / 29) والعراقي. 749 - " أما إنك لا تجني عليه، ولا يجني عليك ". أخرجه النسائي (2 / 251) وأحمد (2 / 226 - 228 و 4 / 163) والدولابي في " الكنى " (1 / 29) من طريق إياد بن لقيط عن أبي رمثة قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي فقال: من هذا معك؟ قال: ابني، أشهد به، قال " فذكره.

750

وهذا سند صحيح. وزاد أحمد في رواية: " وقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * ". ثم أخرجه ابنه عبد الله من طريق أخرى عن أبي رمثة وفيه الزيادة. وفيه ثابت بن منقذ وليس بالمشهور كما في " التعجيل ". ثم الحديث رواه أبو داود والبغوي والباوردي وابن قانع والطبراني في " الكبير " والحاكم والبيهقي في " السنن " عن أبي رمثة كما في " المنتخب " (6 / 126) . وأقول: إنما رواه أبو داود (2 / 195) بدون الجملة الثانية. 750 - " أكثر منافقي أمتي قراؤها ". ورد من حديث عبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن عباس وعصمة بن مالك. 1 - أما حديث ابن عمرو، فله عنه طريقان: الأولى: عن محمد بن هدية الصدفي عنه. أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (451) ومن طريقه أحمد (2 / 175) وعنه ابن بطة في " الإبانة " (5 / 48 / 2) والبخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 257 / 822) والفريابي في " صفة النفاق " (ص 53 - 54) : حدثنا عبد الرحمن بن شريح المعافري: حدثني شراحيل بن يزيد عنه به. وقال بعضهم: شرحبيل بن يزيد، وشراحيل أصح كما قال البخاري وابن أبي حاتم (4 / 1 / 115) عن أبيه.

وأخرجه أحمد أيضا والفريابي (ص 54) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن شريح به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن هدية، فلم أر من وثقه. الثانية: يرويه ابن لهيعة حدثنا دراج عن عبد الرحمن بن جبير عنه. أخرجه أحمد وابن بطه. وإسناده حسن في المتابعات، فإن دراجا فيه ضعف، ومثله ابن لهيعة، لكن الراوي عنه عند ابن بطه عبد الله بن وهب، وهو صحيح الحديث عنه، لأنه سمع منه قديما، وكذلك عبد الله بن المبارك وعبد الله ابن يزيد المقري. 2 - وأما حديث عقبة، فيرويه عنه مشرح بن هاعان، وله عنه طريقان: الأولى: عن ابن لهيعة حدثنا مشرح به. أخرجه أحمد (4 / 151، 154 - 155) والفريابي وابن بطة وابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 105 / 1) وابن عدي في " الكامل (211 / 1) والخطيب في " تاريخ بغداد " (1 / 56 / 6) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 19 / 1) من طرق عنه. وهذا إسناد حسن، مشرح ثقة، وفيه كلام يسير من قبل حفظه، لا يضر، وابن لهيعة ثقة إذا روى عنه أحد العبادلة، وهذا قد رواه عنه العبادلة الثلاثة: عبد الله بن يزيد عند أحمد، وابن المبارك عند الفريابي، وابن وهب عند ابن بطة، لاسيما وقد توبع، وهو فيما يأتي. والأخرى: قال أحمد: حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا الوليد بن المغيرة حدثنا مشرح بن هاعان به.

وأخرجه الفريابي (53) من هذا الوجه. قلت: وهذا إسناد جيد، الوليد بن المغيرة ثقة. وأبو سلمة الخزاعي - واسمه منصور بن سلمة - ثقة ثبت كما في " التقريب ". ومشرح عرفت حاله وصدقه. 3 - أما حديث ابن عباس، فيرويه حفص بن عمر العدني قال: حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عنه. أخرجه العقيلي في ترجمة العدني هذا وقال (99) : " لا يتابع عليه من حديث ابن عباس، وقد روي هذا عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صالح ". 4 - وأما حديث عصمة بن مالك، فيرويه الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عنه. أخرجه ابن عدي في ترجمة الفضل هذا وقال في آخرها (324 / 1) : " عامة حديثه مما لا يتابع عليه، إما سندا، وإما متنا ". وقال أبو حاتم: " أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل ". ومن طريقه رواه الطبراني كما في " فيض القدير " للمناوي وقال: " وهو ضعيف ". قلت: وبالجملة فالحديث صحيح بالطرق التي قبل هذه. والله أعلم.

751

751 - " أكمل المؤمنين إيمانا أحاسنهم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ". أخرجه الطبراني في " معجمه الصغير " (ص 125) ومن طريقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 67) حدثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم حدثنا يعقوب بن أبي عباد القلزمي حدثنا محمد بن عيينة عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. وقال: " لم يروه عن محمد بن عيينة - أخي سفيان - إلا يعقوب ". قلت: ولم أجد له ترجمة وبقية رجاله موثوقون كلهم. وفي " المجمع " (8 / 21) . " رواه الطبراني في الأوسط والصغير وفيه يعقوب بن أبي عباد القلزمي ولم أعرفه ". قلت: ثم عرفته وهو يعقوب بن إسحاق بن أبي عباد، نسب إلى جده. قال ابن أبي حاتم (4 / 203) " محله الصدق، لا بأس به " ووثقه السمعاني، فثبت الإسناد والحمد لله. وقد جاء مجموع الحديث في أحاديث متفرقة، فانظر الحديث المتقدم برقم (284) . ومن شواهده الحديث الآتي بلفظ: " إن أحبكم إلي أحاسنكم أخلاقا الموطؤون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلي المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء العنت ".

أخرجه الطبراني في " الصغير " (172) من طريق صالح المري عن سعيد الجريري عن أبي عثمان النهدي عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني: " لم يروه عن الجريري إلا صالح المري ". قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب "، ولذلك أشار المنذري (3 / 260) إلى ضعف الحديث. وقال الهيثمي (8 / 21) : " رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه صالح بن بشير المري، " وهو ضعيف ". وقال شيخه العراقي (2 / 141) : " سنده ضعيف "، ورواه الخطيب (5 / 563) عن الطبراني. قلت: لكن الحديث له شواهد كثيرة يرقى بها إلى درجة الحسن، منها: " إن أحبكم إلي وأقربكم مني في الآخرة محاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني في الآخرة مساويكم أخلاقا، الثرثارون المتفيهقون المتشدقون ". أخرجه أحمد (4 / 193، 194) من طريق داود عن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا. وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وقال الهيثمي (8 / 21) : " رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح ". وكذا قال المنذري (3 / 261) ، وذكر أن ابن حبان أخرجه أيضا في " صحيحه ". قلت: غير أن الحديث منقطع فإن مكحولا لم يسمع من أبي ثعلبة كما في " التهذيب " ، لكن هذا الانقطاع ينجبر بمجيء الحديث من طرق أخرى، منها ما سيأتي

752

عن جابر برقم (791) ومنها بلفظ: " إن أحبكم إلي يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا، وإن أبغضكم إلي يوم القيامة المتشدقون المتفيهقون ". رواه الطبراني عن ابن مسعود رفعه. قال الهيثمي (8 / 21) : " وفيه عبد الله الرمادي ولم أعرفه ". ورواه البزار بلفظ: " ألا أنبئكم بخياركم ". وله شواهد تقويه انظر الحديثين قبله. 752 - " طاعة الإمام حق على المرء المسلم ما لم يأمر بمعصية الله عز وجل، فإذا أمر بمعصية الله، فلا طاعة له ". أخرجه تمام في " الفوائد " (10 / 1) : أخبرنا الحسن بن حبيب حدثنا بدر ابن الهيثم الدمشقي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا عبد الرحمن بن المغراء عن عبيد الله بن عمر

753

عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن المغراء وهو صدوق تكلم في حديثه عن الأعمش، كما في " التقريب "، وهذا من روايته عن غيره كما ترى، فالحديث جيد، لاسيما وفي معناه أحاديث كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما. وبدر بن الهيثم، هو أبو القاسم اللخمي القاضي الكوفي نزيل بغداد ترجمه الخطيب (7 / 107 - 108) وقال: " وكان ثقة، من المعمرين، مات سنة 317 ". وسقطت ترجمته من " تاريخ دمشق " لابن عساكر، نسخة المكتبة الظاهرية، فيها بياض مكان الترجمة. والحسن بن حبيب، هو أبو علي الفقيه الشافعي المعروف بـ (الخضايري ) ترجمه ابن عساكر (4 / 213 / 2) ترجمة جيدة وقال: " أحد الثقات الأثبات، ولد سنة (242) ومات سنة (338) ". والحديث عزاه في " الجامع الصغير " للبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة. وبيض له المناوي، فلم يتكلم على إسناده بشيء. فالحمد لله على توفيقه. 753 - " كان يحتجم في رأسه، ويسميه أم مغيث ". أخرجه تمام في " الفوائد " (20 / 2) والخطيب في " تاريخ بغداد " (13 / 95) من طريق زكريا بن يحيى الواسطي - رحمويه - حدثنا بشر بن عبد الله بن عمر بن عبد العزيز أخبرني عبد العزيز بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: فذكره مرفوعا.

754

قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير بشر بن عبد الله هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 361) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن يروي عنه جماعة من الثقات، وهو على شرط ابن حبان، فلعله في كتابه " الثقات ". وعبد العزيز بن عمر، مع كونه من رجال الشيخين فقد تكلم فيه، فأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ثقة، ضعفه أبو مسهر ". وقال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يخطىء ". والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للخطيب وحده فقصر! 754 - " أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها، أطعموها الأسارى ". أخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 275 / 1) أنبأنا أبو بكر بن خلاد أنبأنا الحارث بن أبي أسامة أنبأنا معاوية بن زائدة أنبأنا عاصم بن كليب الجرمي حدثني أبي أن رجلا من الأنصار أخبره قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، قال: وأنا غلام مع أبي، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر جالسا قال: فأخذ من حفيرة القبر فرمى للحافر قال: يقول :

755

أوسع من قبل رأسه، وأوسع من قبل رجليه، رب عدق له في الجنة ". قلت: وهذا سند صحيح. وأخرجه هو وأبو داود (3332) من طريقين آخرين عن عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار، فلما انصرفنا لقينا داعي امرأة من قريش فقال: إن فلانة تدعوك ومن معك على طعام، فانصرف، وجلس وجلسنا معه، وجيء بالطعام، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده ووضع القوم أيديهم، فنظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أكلته في فيه لا يسيغها، فكفوا أيديهم لينظروا ما يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ لقمته فلفظها، وقال: أجد ... " الحديث. 755 - " يتجلى لنا ربنا عز وجل يوم القيامة ضاحكا ". أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (153) والطبراني في " المعجم الكبير " وتمام في " الفوائد " (83 / 2) وأحمد (4 / 407 - 408) من طريق حماد بن سلمة: حدثنا علي بن زيد عن عمارة القرشي عن أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ولفظ أحمد وهو رواية لابن خزيمة: " يجمع الله عز وجل الأمم في صعيد يوم القيامة، فإذا بدا لله أن يصدع بين خلقه، مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم حتى يقحمونهم في النار، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن على مكان رفيع ، فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون. فيقول: ما تنتظرون، فيقولون: ننتظر ربنا عز وجل، قال: فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟

756

فيقولون: نعم، فيقول: كيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: إنه لا عدل له، فيتجلى لنا ضاحكا، فيقول: أبشروا أيها المسلمون، فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصراينا ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، عمارة هذا لم أعرفه، وقوله " بدا لله " منكر. وعلي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف الحفظ، لكن الحديث صحيح في الجملة، فإن له شاهدا من حديث جابر بن عبد الله من رواية أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود؟ فقال: " نجيء نحن يوم القيامة - عن كذا وكذا، انظر أي ذلك فوق الناس، قال: فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا عز وجل، فيقول : أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك ... " الحديث. أخرجه مسلم (1 / 122) وأحمد (3 / 383) ، وله عنده (3 / 345) طريق أخرى عن أبي الزبير به نحوه مرفوعا. قلت: فهذا يدل على أن ابن جدعان قد حفظ الحديث، وأما بقية الحديث عند أحمد، فقد أخرجه هو (4 / 391، 402، 410) ومسلم (8 / 104) من طرق أخرى عن أبي بردة نحوه. وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إذا جمع الله الأولى والأخرى يوم القيامة، جاء الرب تبارك وتعالى إلى المؤمنين، فوقف عليهم والمؤمنون على كوم (فقالوا لعقبة: ما الكوم؟ قال: مكان مرتفع) فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه، ثم يقول لهم الثانية، فيضحك في وجوههم، فيخرون له سجدا " 756 - " إذا جمع الله الأولى والأخرى يوم القيامة، جاء الرب تبارك وتعالى إلى المؤمنين، فوقف عليهم، والمؤمنون على كوم (فقالوا لعقبة: ما الكوم؟ قال: مكان مرتفع) فيقول: هل تعرفون ربكم؟ فيقولون: إن عرفنا نفسه عرفناه، ثم يقول لهم الثانية، فيضحك في وجوههم، فيخرون له سجدا ".

757

أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 153) من طريق فرقد بن الحجاج قال: سمعت عقبة ابن أبي الحسناء قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير عقبة هذا فهو مجهول وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " لكن يشهد له حديث جابر المتقدم. واعلم أن هذا الحديث كغيره من أحاديث الصفات يجب إمراره على على ظاهره، دون تعطيل أو تشبيه كما هو مذهب السلف، وليس مذهبهم التفويض كما يزعم الكوثري وأمثاله من المعطلة، كما شرحه ابن تيمية في رسالته " التدمرية " وغيرها والتفويض بزعمهم إمرار النصوص بدون فهم، مع الإيمان بألفاظها! ولازم ذلك نسبة الجهل إلى السلف بأعز شيء لديهم وأقدسه عندهم وهو أسماء الله وصفاته. ومن عرف هذا علم خطورة ما ينسبونه إليهم. والله المستعان. وراجع لهذا مقدمتي لكتابي " مختصر العلو للذهبي "، يسر الله طبعه. 757 - " أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك ". رواه الترمذي (2 / 272) وابن ماجه (4236) وابن حبان في صحيحه (96 / 2) في (النوع السبعون من قطعة منه محفوظة في الظاهرية) والثعلبي (3 / 158 / 2 ) والقضاعي (5 / 2) والحاكم (2 / 427) والخطيب (6 / 397، 12 / 42) عن الحسن بن عرفة أنبأنا المحاربي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قال ابن عرفة " وأنا من الأقل ". ورواه ابن منده في " التوحيد " (38 / 2) عن يوسف بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي وقال:

758

" هذا إسناد حسن مشهور عن المحاربي ". وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد روي عن أبي هريرة من غير هذا الوجه "! وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: والصواب أنه حسن لذاته، صحيح لغيره، فقد أخرجه أبو يعلى (311 / 1 وص 1571 - مصورة المكتب) عن محمد بن ربيعة عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: " عمر أمتي ما بين الستين سنة إلى السبعين ". قلت: وهذا إسناد حسن أيضا رجاله موثقون رجال مسلم، غير محمد بن ربيعة وهو الكلابي، وهو صدوق كما في " التقريب ". 758 - " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدنيا ". أخرجه مسلم (1 / 76) والترمذي (3 / 220 - 221 بشرح التحفة) وصححه، وكذا ابن حبان (1868) وأحمد (2 / 304 - 523) والفريابي في " صفة المنافق " (ص 65 من " دفائن الكنوز ") من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا به دون المبادرة

759

(810) أخرجه الحاكم (4 / 438 - 439) عن سنان بن سعد عنه. قلت: وإسناده حسن. 759 - " بادروا بالأعمال ستا: طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان ودابة الأرض وخويصة أحدكم وأمر العامة ". أخرجه مسلم (8 / 208) وأحمد (2 / 324، 407) من طريق شعبة وهمام عن قتادة عن الحسن عن زياد بن رباح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وخالفهما عمران القطان فقال: عن قتادة عن عبد الله بن رباح عن أبي هريرة. أخرجه الطيالسي (2770 - ترتيبه) وعنه أحمد (2 / 511) والحاكم (4 / 516) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي! وأقول: كلا، فإن القطان هذا في حفظه ضعف، وهو حسن الحديث إذا لم يخالف وقد خالف هنا في الإسناد، وإن كان حفظ المتن، فإنه قال: عبد الله بن رباح ، مكان زياد بن رباح وأسقط منه الحسن وهو البصري! وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة به. أخرجه مسلم وأحمد (2 / 337، 372) .

760

760 - " إن كان في شيء مما تداوون به خير ففي الحجامة ". أخرجه أبو داود (2 / 151) وابن ماجه (2 / 350) والحاكم (4 / 410) وأحمد (2 / 342، 423) عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر، فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة وهو حسن الحديث . وللحديث طريق أخرى بلفظ: " إن الحجامة أفضل ما تداوى به الناس) "، وهو مخرج في الكتاب الآخر (3900) ويأتي، وله شاهد مضى برقم (245) . 761 - " أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام والطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجسا على الكافرين ". رواه أحمد (5 / 81) وابن حبان في ترجمة أبي نصير مسلم بن عبيد من " الثقات " (1 / 215) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 341 - 342) عن يزيد بن هارون حدثنا أبو نصير مسلم بن عبيد سمعت أبا عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، أبو نصير هذا، وثقه ابن حبان كما عرفت، وسئل أحمد عنه فقال: ثقة،

762

وقال ابن معين: صالح. 762 - " كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث عاملا سأل عن اسمه، فإذا أعجبه اسمه فرح به ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه، وإذا دخل قرية سأل عن اسمها، فإن أعجبه اسمها، فرح بها ورؤي بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمها رؤي كراهية ذلك في وجهه ". أخرجه أبو داود (2 / 859) وابن حبان (1430) وتمام في " الفوائد " (109 / 2) وأحمد (5 / 347 - 348) وابن عساكر (2 / 136 / 1) عن هشام عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. وليس عند ابن حبان قضية العامل، وهي عند تمام دون قضية القرية. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن عدي (28 / 2) من طريق أوس بن عبد الله بن بريدة عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير، ولكن يتفاءل. فذكر قصة إسلام بريدة. الحديث ". وأوس هذا ضعيف جدا، لكن تفاؤله صلى الله عليه وسلم ثابت عنه في غير ما حديث، وما قبله صحيح بمتابعة قتادة. والله أعلم. والحديث عزاه في " الجامع " للحكيم والبغوي عن بريدة. قال المناوي: " ورواه عنه أيضا قاسم بن أصبغ وسكت عليه عبد الحق مصححا له. قال ابن

763

القطان : وما مثله يصح. فإن فيه أوس بن ... منكر الحديث. وروى أبو داود عنه قوله: " كان لا يتطير " قال: وإسناده صحيح. " قلت: الصواب تصحيح عبد الحق، وليس هو تصحيحا لذاته حتى يرد عليه ما تعقبه ابن القطان، وإنما هو على التفصيل الذي ذكرته. فتنبه ولا تكن من الغافلين. ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " كان يتفاءل ولا يتطير ". ويأتي تخريجه قريبا إن شاء الله تعالى رقم (778) . 763 - " إن أعظم الناس جرما إنسان شاعر يهجو القبيلة من أسرها ورجل تنفى من أبيه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (126) : حدثنا قتيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن يوسف بن ماهك عن عبيد بن عمير عن عائشة مرفوعا. قال الحافظ في " الفتح " (10 / 443) : " وسنده حسن ". قلت: وهذا في رأيي قصور، بل هو صحيح، فإن رجاله كلهم ثقات أثبات، من رجال الستة. وقد أخرجه ابن ماجه (2 / 411) من طريق شيبان عن الأعمش به بلفظ: " إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلا فهجا القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه، وزنى أمه ". قال في الزوائد (227 / 1) :

764

" هذا إسناد صحيح رجاله ثقات (قال) : وفي الإسناد أربعة من التابعين يروي بعضهم عن بعض ". قلت: وصححه ابن حبان أيضا رقم (2014) . 764 - " إن آل أبى فلان ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله وصالح المؤمنين ". أخرجه البخاري (10 / 344 - 345) وأحمد (4 / 203) وعنه مسلم (1 / 136) عن محمد بن جعفر: حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارا غير سر يقول : فذكره. ثم قال البخاري: زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس به: " ولكن لهم رحم أبلها ببلالها " يعني أصلها بصلتها. قال الحافظ: وقد وصله البخاري في " كتاب البر والصلة " فقال: حدثنا محمد بن عبد الواحد بن عنبسة حدثنا جدي فذكره. وأخرجه الإسماعيلي من رواية نهد بن سليمان عن محمد بن عبد الواحد المذكور به نحوه ". قلت: ومحمد هذا لم أجد له ترجمة في شيء من الكتب التي عندي، وقد تابعه على هذه الزيادة الفضل بن موفق لكنه ضعيف بلفظ آخر خرجته في " الضعيفة " (1679) . 765 - " إن أوليائي يوم القيامة المتقون، وإن كان نسب أقرب من نسب، فلا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم، فتقولون: يا محمد! فأقول هكذا وهكذا: لا وأعرض في كلا عطفيه ".

766

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 129) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن. 766 - " الحجامة على الريق أمثل وفيه شفاء وبركة وتزيد في العقل وفي الحفظ، فاحتجموا على بركة الله يوم الخميس، واجتنبوا الحجامة يوم الأربعاء والجمعة والسبت ويوم الأحد تحريا، واحتجموا يوم الاثنين والثلاثاء، فإنه اليوم الذي عافى الله فيه أيوب من البلاء وضربه بالبلاء يوم الأربعاء، فإنه لا يبدو جذام ولا برص إلا يوم الأربعاء أو ليلة الأربعاء ". أخرجه ابن ماجه (3487) وابن عدي (87 / 1) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (224 / 2) بطرفه الأول من طريق عثمان بن مطر عن الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن نافع عن ابن عمر قال: " يا نافع قد تبيغ بي الدم، فالتمس لي حجاما، واجعله رفيقا إن استطعت ولا تجعله شيخا كبيرا ولا صبيا صغيرا، فإن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. وقال ابن عدي: " لعل البلاء من عثمان بن مطر، لا من الحسن، فإنه يرويه عنه غيره ". قلت: والحسن هذا ضعيف الحديث مع عبادته وفضله كما قال الحافظ في " التقريب " . وقال الذهبي في " الضعفاء ": " ضعفه جماعة ". وعثمان بن مطر ضعيف أيضا. لكن الحسن قد توبع كما تقدم عن ابن عدي.

وقد وجدت له متابعين آخرين: الأول: أبو علي عثمان بن جعفر: حدثنا محمد بن جحادة به. مع تقديم وتأخير. أخرجه الحاكم (4 / 409) وقال: " رواته كلهم ثقات، غير عثمان بن جعفر هذا فإني لا أعرفه بعدالة ولا جرح ". قلت: وأورده الحافظ في " اللسان " بهذا الحديث وقول الحاكم فيه، ولم يزد عليه سوى أنه قال: إنه حديث منكر. وأما الذهبي فلم يورده في " الميزان " وأما في " التلخيص " فقال: " قلت: هو هذا، وهو واه ". ويعني به المتابعة التالية: الثاني: غزال بن محمد عن محمد بن جحادة به باختصار اليوم الذي عوفي فيه أيوب واليوم الذي أصابه البلاء، والباقي مثله سواء. أخرجه ابن عساكر في " جزء أخبار القرآن " (ق 5 / 1) والحاكم (4 / 211) من طرق عن أبي الخطاب زياد بن يحيى الحساني حدثنا غزال بن محمد به. وقال: " رواته كلهم ثقات إلا غزال بن محمد فإنه مجهول لا أعرفه بعدالة ولا جرح ". وأقره الذهبي. وقال في " الميزان ": " لا يعرف وخبره منكر في الحجامة ". ووجدت لابن جحادة متابعين:

الأول: عطاف بن خالد عن نافع به مع تقديم وتأخير. أخرجه الحاكم (4 / 211 - 212) والخطيب (10 / 39) طرفه الأول من طريق عبد الله بن صالح المصري حدثنا عطاف بن خالد به. قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وهو إسناد حسن في المتابعات، فإن رجاله رجال البخاري غير عطاف بن خالد وهو صدوق يهم كما في " التقريب " وابن صالح فيه ضعف أيضا. والآخر: سعيد بن ميمون عن نافع به، دون ذكر اليوم الذي عوفي فيه أيوب. أخرجه ابن ماجه (3488) من طريق عثمان بن عبد الرحمن حدثنا عبد الله بن عصمة عن سعيد بن ميمون. قلت: وهؤلاء الثلاثة كلهم مجهولون. وروي من طريق أخرى مختصرا موقوفا مع اختلاف في بعض العبارات. أخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن هشام الدستوائي حدثني أبي عن أيوب عن نافع قال: قال لي ابن عمر: " يا نافع اذهب فأتني بحجام ، ولا تأتني بشيخ كبير ولا غلام صغير، وقال: احتجموا يوم السبت واحتجموا يوم الأحد والاثنين والثلاثاء ولا تحتجموا يوم الأربعاء ". وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: عبد الله متروك ". قلت: وروايته لهذا الحديث على هذه المخالفة مما يشهد لضعفه، فإنه جعل

767

السبت والأحد من الأيام المأمور بالحجامة فيها، وهي في كل الروايات المتقدمة من الأيام المنهي عنها! وبالجملة فالحديث عندي حسن بمجموع هذه الروايات. والله أعلم. 767 - " اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا، فإنه ليس دونها حجاب ". رواه أحمد (3 / 153) والضياء في " المختارة " (249 / 2) من طريق أحمد وأبي يعلى عن يحيى بن إسحاق السيلحيني أخبرني يحيى بن أيوب حدثني أبو عبد الله الأسدي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات غير أبي عبد الله الأسدي فلم أعرفه ولم يورده ابن حبان في " الثقات ". ثم راجعت " الكنى " من " تعجيل المنفعة " للحافظ ابن حجر، فإذا به يقول: " هو عبد الرحمن بن عيسى، تقدم في الأسماء ". فلما رجعت إلى الأسماء لم أجده! وسيأتي في الحديث الذي بعده أن الذي يسمى بهذا الاسم هو أبو عبد الغفار. لكذا الحديث له شاهد يأتي بعده فهو به حسن، وأصله في " الصحيحين " من حديث ابن عباس، دون لفظة " كافر ". (دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا، ففجوره على نفسه) . أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1266 - ترتيبه) : حدثنا أبو معشر عن سعيد عن

أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه أحمد (2 / 367) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 18 / 2) والقضاعي (14 / 1) والخطيب في " تاريخه " (2 / 271 - 272) من طرق أخرى عن أبي معشر به. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف لسوء حفظ أبي معشر وقول الحافظ في " الفتح " (3 / 281) : " وإسناده حسن ". وكذا قال شيخه الهيثمي في " المجمع " (10 / 151) لعلهما أرادا لاعتضاده وإلا فالحافظ نفسه قد جرم بضعف أبي معشر في " التقريب " . وله شاهد من حديث أبي عبد الغفار عبد الرحمن بن عيسى - بصري - سماه ابنه بمصر عند ابن عفير - قال: سمعت أنس بن مالك يقول مرفوعا بلفظ: " إياكم ودعوة المظلوم، وإن كافرا، فإنه ليس لها حجاب دون الله ". أخرجه ابن معين في " التاريخ (10 / 157 / 1) وعنه الدولابي في " الكنى " (2 / 73) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 81 / 2) . قلت: ورجاله ثقات غير أبي عبد الغفار هذا فإنه مجهول كما في كنى " الميزان " و" اللسان " ولم يسمياه مطلقا، فخذها فائدة: أنه عبد الرحمن بن عيسى، وسلفهما في ذلك أبو حاتم كما في كتاب ابنه (4 / 2 / 406) . وقد قال في قسم الأسماء (2 / 2 / 272) : " عبد الرحمن بن عيسى، روى عن الزهري. روى سعيد بن أبي أيوب عن عمران بن سليم عنه. سألت أبي عنه؟ فقال. مجهول ".

فلعله هذا، ولا يبعد أن يكون له رواية عن الزهري أيضا من باب رواية الأقران. والله أعلم. (تنبيه) أورده الصغاني في " مشارق الأنوار " (2 / 145) من حديث أنس رضي الله عنه عازيا للبخاري رامزا، وصرح بذلك الشارح ابن الملك وقال المعلق عليه : " لم نجده في صحيح البخاري فليراجع ". ولسنا نشك أن عزوه للبخاري خطأ وذلك لأمور: الأول: أننا لم نجده في " صحيحه " وإنما عنده حديث ابن عباس: " اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " ويأتي (772) ، فالظاهر أنه اشتبه عليه هذا بذاك. الثاني: أن الشيخ النابلسي لم يورده البتة في " الذخائر ". الثالث: أن الحافظ ابن حجر قال في شرح حديث ابن عباس (3 / 281) . " قوله (حجاب) وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا: دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه. وإسناده حسن ". قلت: فلو كان الحديث في " صحيح البخاري " لكان أشار إليه في الشرح، واستغنى به عن النقل من مسند أحمد لأنه دون البخاري في الصحة بدرجات وهذا أمر بين لا يخفى على من له مطالعة في شرح الحافظ، فإن من عادته حين الشرح أن يشير إلى طرق الحديث وشواهده التي في " الصحيح " قبل كل شيء. وحديث أبي هريرة مضى قبله.

768

الرابع: أن السيوطي أورده في " الجامع الصغير " من حديث أنس بلفظ: (إياكم ودعوة المظلوم وإن كانت من كافر فإنه ليس لها حجاب دون الله عز وجل) . وقال: " رواه سمويه عن أنس ". فكل ما تقدم وغيره مما لم يذكر يدل على وهم نسبة الحديث للبخاري. 768 - " برئت الذمة ممن أقام مع المشركين في بلادهم ". رواه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 15 / 1) عن عمران القطان عن الحجاج عن إسماعيل بن خالد عن قيس عن جرير بن بجيلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا سند حسن لولا عنعنة الحجاج وهو ابن أرطاة، لكنه لم يتفرد به كما حققته فيما تقدم (636) ، وفي " الإرواء " (1193) . والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني فقط عن جرير، فقال المناوي: " وظاهر صنيع المصنف، أنه لم يوجد مخرجا لأحد من الستة، لكن رأيته في " الفردوس " رمز للترمذي وأبي داود، فلينظر ". قلت: نظرنا فوجدناه عندهما بلفظ آخر وقد أورده السيوطي من روايتهما بلفظ: " أنا بريء ممن ... " وهو مخرج في المصدرين السابقين. 769 - " بطحان على ترعة من ترع الجنة ". رواه ابن حيويه في " حديثه " (3 / 8 / 1) والديلمي (2 / 1 / 16) عن يعقوب بن كاسب أنبأنا المغيرة بن عبد الرحمن حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن عن الأحنف بن قيس عن عروة عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير يعقوب وهو ابن

770

حميد بن كاسب، فإنما أخرج له البخاري في " خلق أفعال العباد "، وهو صدوق ربما وهم ، كما في " التقريب " وفي المغيرة بن عبد الرحمن وهو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. والحديث أورده السيوطي في " الجامع " بلفظ: " بطحان على بركة من برك الجنة " . برواية البزار عن عائشة. وقال المناوي: " قال الهيثمي: فيه راو له يسم " . قلت: روايتنا هذه سالمة منه. والحمد لله على توفيقه. 770 - " اتق الله عز وجل ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي وإياك والمخيلة فإن الله تبارك وتعالى لا يحب المخيلة وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر يعلمه فيك، فلا تعيره بأمر تعلمه فيه، فيكون لك أجره وعليه إثمه ولا تشتمن أحدا ". أخرجه أحمد (5 / 63) : حدثنا هشيم حدثنا يونس بن عبيد عن عبد ربه الهجيمي عن جابر بن سليم أو سليم قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس مع أصحابه، فقلت: أيكم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فإما أن يكون أومأ إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم، قال: فإذا هو محتب ببردة، قد وقع هدبها على قدميه، قال: فقلت: يا رسول الله أجفو عن أشياء فعلمني، قال " فذكره. وهكذا رواه المروزي في " زوائد الزهد " (1017) .

وهذا رجاله ثقات رجال الستة، غير عبد ربه الهجيمي. قال الحسيني: مجهول. وتعقبه الحافظ في " التعجيل " فقال: قلت: هذا غلط نشأ عن تصحيف وإنما هو عبيدة الهجيمي كذا هو في أصل " المسند " عن هشيم عن يونس بن عبيد عن عبيدة الهجيمي عن جابر بن سليم، وعن عفان عن حماد عن يونس عن عبيدة الهجيمي عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر بن سليم. وقد بين المزي في " التهذيب " في ترجمته هذا الاختلاف، وليس هو بمجهول فقد أخرج له أبو داود والنسائي، وروى عنه أيضا عبد السلام أبو الخليل ". أقول: ولم يصنع الحافظ شيئا في رفع الجهالة عن الهجيمي هذا، فإن مجرد رواية أبي داود والنسائي له لا يخرجه من عداد المجهولين كما لا يخفى ولعل الحافظ أراد أنه ليس مجهول العين لرواية اثنين عنه. وحمل كلامه على هذا المعنى ضروري لكي لا يتعارض مع قوله عنه في " التقريب ": إنه " مجهول " أي مجهول العدالة. والله أعلم. فهذا الإسناد ضعيف لجهالة الهجيمي هذا ولانقطاعه بينه وبين جابر بن سليم كما بينته رواية حماد عن يونس التي جاء ذكرها في كلام الحافظ وستأتي في " لا تحقرن من المعروف شيئا ". على أن ما ادعاه من التصحيف، ينافيه أن رواية المروزي موافقة لما في " المسند ". والحديث قال العراقي (3 / 105) : " رواه أحمد والطبراني بإسناد جيد ". كذا قال. وانظر " عليك بتقوى الله ". قلت:

771

ورواه الطيالسي (ص 767 رقم 1208) من طريق أخرى فقال: حدثنا قرة بن خالد حدثنا قرة بن موسى عن جابر بن سليم مرفوعا به وعنده زيادات. وهذا ضعيف أيضا ومنقطع، قرة بن موسى هو أبو الهيثم الهجيمي وثقه ابن حبان وفي " التقريب ": " مجهول من السادسة " يعني أنه لم يثبت له لقاء أحد من الصحابة. وبالجملة فالحديث من هذين الوجهين المنقطعين ضعيف وهو صحيح من وجوه أخرى بدون قوله: اتق الله. وسيأتي فيما مرت الإشارة إليه. 771 - " زينوا القرآن بأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا ". أخرجه تمام في " الفوائد " (159 / 2) والحاكم (1 / 575) من طريق صدقة بن أبي عمران عن علقمة بن مرثد عن زاذان عن البراء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وإسناده جيد على شرط مسلم. وفي صدقة كلام لا يضر، وقد قال الذهبي فيه وكذا الحافظ: " صدوق ". وللشطر الأول منه طرق أخرى عن البراء، خرجتها في " صحيح أبي داود " (1320) وذكرت له هناك شواهد من حديث أبي هريرة وعائشة وأزيد هنا شاهدا آخر من حديث ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " حسن الصوت تزيين للقرآن ". رواه ابن سعد (6 / 90) وابن نصر (ص 54) عن سعيد بن زربي قال: حدثنا

772

حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس قال: " كنت رجلا قد أعطاني الله حسن صوت في القرآن ، فكان عبد الله يستقرئني ويقول: اقرأ فداك أبي وأمي، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ": فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سعيد بن زربي وهو منكر الحديث كما قال الحافظ في " التقريب ". 772 - " اتركوا الحبشة ما تركوكم، فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبشة ". رواه أبو داود (2 / 212) وعنه الخطيب في " التاريخ " (12 / 403) والحاكم (4 / 453) وأحمد (5 / 371) من طريق زهير بن محمد عن موسى ابن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: وقد وهما، فإن زهيرا هذا فيه ضعف كما يأتي. وعزاه عبد الحق في " الأحكام الكبرى " (110 / 1) لابن أبي شيبة ثم قال: " زهير بن محمد سيء الحفظ، لا يحتج به ". قلت: وموسى بن جبير فيه جهالة. قال ابن القطان: " لا تعرف حاله ". وقال ابن حبان في " الثقات ": " كان يخطىء ويخالف "! وقال الحافظ: " مستور ".

والشطر الأول رواه ابن عدي (274 / 2) عن عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله المزني عن أبيه عن جده مرفوعا قال: " كثير هذا عامة أحاديثه لا يتابع عليه ". لكن له شاهد خير من هذا، وهو بلفظ: " دعوا الحبشة ما ودعوكم واتركوا الترك ما تركوكم ". أخرجه أبو داود (2 / 210) من طريق السيباني عن أبي سكينة، رجل من المحررين عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره، وأخرجه النسائي (2 / 64 - 65) في حديث طويل. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله كلهم ثقات غير أبي سكينة هذا قال الحافظ في " التقريب ": " قيل اسمه محلم، مختلف في صحبته ". قلت: إذا لم تثبت صحبته، فهو تابعي مستور روى عنه ثلاثة، فالحديث شاهد حسن للشطر الأول من حديث الترجمة، والشطر الثاني منه له شاهد بلفظ. " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ". أخرجه الشيخان وأحمد (2 / 310، 317) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا. وله طريق أخرى عنه في " المستدرك " (4 / 452 - 453) . وشاهد من حديث ابن عمر مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (2 / 220) .

773

773 - " اتخذوا الغنم، فإن فيها بركة ". رواه أبو بكر المقرىء في " الفوائد " (1 / 113 / 1) والخطيب (7 / 11) من طريقين عن هشام عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأم هانىء: فذكره. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. ورواه ابن ماجه (2304) من طريق ثالثة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم هانىء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: " اتخذي غنما فإن فيها بركة ". قال في " الزوائد " (ق 142 / 1) : " وإسناده صحيح، ورجاله ثقات ". قلت: وهو كما قال. وله طريق رابعة عند الخطيب (8 / 202) عن حفص بن عمر - ويعرف بالكفر - حدثنا هشام بن عروة، ولفظه: " يا أم هانىء اتخذي غنما، فإنها تغدو وتروح بخير ". أوده في ترجمة حفص هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن له في المسند (6 / 343) طريق آخر عن أم هانىء نفسها، بلفظ حفص المذكور. وفيه موسى أو فلان بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة لم يوثقه أحد. وفي " المجمع " (4 / 66) : " رواه أحمد، وفيه موسى بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة، ولم أعرفه ".

774

774 - " آتي باب الجنة يوم القيامة، فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد ، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك ". أخرجه مسلم في " صحيحه (1 / 130) وأحمد (3 / 136) من طريق هاشم بن القاسم حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو على شرط البخاري، ولكنه لم يخرجه، وذلك مما يؤكد، أنه لم يخرج كل ما كان على شرطه. 775 - " ليس للمرأة أن تنتهك شيئا من مالها إلا بأذن زوجها ". أخرجه تمام في " الفوائد " (10 / 182 / 2) من طريق عنبسة بن سعيد، عن حماد مولى بني أمية عن جناح مولى الوليد عن واثلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، حماد مولى بني أمية كأنه مجهول، لم يذكروا فيه شيئا سوى أن الأزدي تركه. وقد ذكر تمام أن اسم أبيه صالح، وهذه فائدة لم يذكروها في ترجمته. وكذلك لم يذكروا اسم والد شيخه جناح، وقد سماه تمام عبادا، وترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 537) برواية جماعة من الثقات عنه. وأورده ابن حبان في " الثقات ". وعنبسة بن سعيد، الظاهر أنه ابن أبان بن سعيد بن العاص أبو خالد الأموي، وثقه الدارقطني.

والحديث عزاه السيوطي للطبراني في " الكبير "، وقال المناوي: " قال الهيثمي: وفيه جماعة لم أعرفهم ". قلت: لكن للحديث شواهد تدل على أنه ثابت، وبعضها حسن لذاته، وهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وصححه الحاكم والذهبي، وروي من حديث عبد الله بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن جده مرفوعا. رواه الطحاوي (2 / 403) . ومن حديث عبادة بن الصامت. أخرجه أحمد (5 / 327) . وسيأتي تخريج حديث ابن عمرو وحديث الأنصاري برقم (825) . قلت: وهذا الحديث وما أشرنا إليه مما في معناه يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف بمالها الخاص بها إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها، ولكن لا ينبغي للزوج - إذا كان مسلما صادقا - أن يستغل هذا الحكم، فيتجبر على زوجته، ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلى القاضي الشرعي لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة إذا جار عليها زوجها، فمنعها من التصرف المشروع في مالها. فالقاضي ينصفها أيضا. فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به. فتأمل.

776

776 - " ابن اخت القوم منهم ". أخرجه البخاري (6 / 431، 12 / 39) والنسائي (1 / 366) والدارمي (2 / 243) من طريق شعبة: حدثنا معاوية بن قرة وقتادة عن أنس قال: " دعا النبي صلى الله عليه وسلم " الأنصار فقال: هل فيكم أحد غيركم قالوا: لا إلا ابن أخت لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره والسياق للبخاري وكذلك أخرجه مسلم أيضا (2 / 106) والترمذي (2 / 324 طبع بولاق) . وله طريقان آخران: الأول: عن يزيد بن هارون عن حميد عن أنس. والآخر: عن حماد بن سلمة قال: أنبأنا ثابت عنه. أخرجهما أحمد (4 / 201، 246) وكلاهما صحيح على شرط مسلم وللحديث شواهد عن جمع من الصحابة منهم أبو موسى الأشعري. أخرجه أبو داود (2 / 332 - 433) وأحمد (4 / 396) عن عوف عن زياد بن مخراق عن أبي كنانة به مرفوعا. وأبو كنانة مجهول ويقال: هو معاوية بن مرة ولم يثبت كما قال في " التقريب "، وبقية رجاله ثقات. ومنهم جبير بن مطعم. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 39 / 1) . 777 - " كان يتفاءل ولا يتطير ويعجبه الاسم الحسن ". أخرجه أحمد (1 / 257، 303، 304، 319)

778

عن ليث بن أبي سليم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود الطيالسي (رقم 2690) إلا أنه قال: عن عبد الملك، قال أبو داود: أظنه ابن أبي بشير. وأخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 369 - نسخة المكتب) لكن لم يذكر في السند عبد الملك هذا. وهذا إسناد ضعيف من أجل ليث وهو ابن أبي سليم، لكنه لم ينفرد به. فأخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (65 / 65 / 1) من طريق ابن حبان عن جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن سعيد بن جبير به. قلت: فصح الحديث بذلك، والحمد لله. وقد ذكر الضياء أن ابن حبان أخرجه في كتابه يعني " الصحيح "، ولم أره في " موارد الظمآن ". فالله أعلم. 778 - " أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (9 / 6 - النهضة) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 96 / 1) من طريق نافع بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. 779 - " ابغوني الضعفاء، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ". أخرجه أبو داود (1 / 405 - التازية) والنسائي (2 / 65) والترمذي (3 / 32 ) التحفة) وابن حبان (1620) الحاكم (2 / 106، 145) وأحمد (5 / 198) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي:

" حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالوا. وقد عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لمسلم أيضا وهو وهم، فليس هو فيه ومداره على زيد بن أرطاة وليس هو على شرطه وإن كان ثقة، ولذلك جزم الحاكم والذهبي بأنهما لم يخرجاه، وكذلك النابلسي في " الذخائر " (3 / 158) لم يعزه إلا لأصحاب السنن الثلاثة! ووقع معزوا للبخاري في " الأدب المفرد " في " الفتح الكبير "، ولعله سهو من بعض النساخ. واعلم أنه قد جاء تفسير النصر المذكور في الحديث، وأنه ليس نصرا بذوات الصالحين، وإنما هو بدعائهم وإخلاصهم وذلك في الحديث الآتي: " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها: بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ". أخرجه النسائي (2 / 65) وتمام في " الفوائد " (ق 105 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 26) من طرق عن طلحة بن مصرف عن مصعب بن سعد عن أبيه. " أنه ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " : فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (4 / 30 - النهضة) من طريق أخرى عن مصعب به دون التفسير المذكور. وكذلك أخرجه أحمد (1 / 163) من طريق أخرى عن سعد.

780

780 - " لا عدوى ولا هامة ولا صفر، واتقوا المجذوم كما يتقى الأسد ". رواه ابن وهب (106) . حدثني عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: حدثني رجال أهل رضا وقناعة من أبناء الصحابة وأولية الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند حسن، ولكنه مرسل وقد صح موصولا، فقال البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 155 - 460) : " روى إبراهيم بن حمزة عن الدراوردي عن محمد بن أبي الزناد - وقال إبراهيم: هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد كان يطلب مع أبيه - عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: اتقوا المجذوم ". ورواه الخطيب في " التاريخ " من طريق البخاري، ثم قال (2 - 307) : " وفي موضعين من هذا الحديث خطأ ". 1 - (الأول) رواية الدراوردي عن أبي الزناد. 2 - والثاني: رواية محمد بن عبد الرحمن عن جده أبي الزناد. وقد ذكر أن محمدا لم يروه عن جده، وأن الواقدي انفرد بالرواية عن محمد. وقد روى حديث الدراوردي هذا غير البخاري على الصواب، أخبرناه (ثم ساق إسناده إلى إسماعيل بن إسحاق حدثنا إبراهيم بن حمزة، ومن طريق يحيى بن محمد الحارثي قالا: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكر الحديث بتمامه. ثم رواه من طريق أبي يعلى الموصلي حدثنا عبد الرحمن بن سلام حدثنا عبد العزيز بن محمد به ثم قال:

781

" فاتفق علي بن المديني (لم يسبق له ذكر) ويحيى بن محمد الحارثي وعبد الرحمن بن سلام الجمحي وإسماعيل بن إسحاق عن إبراهيم بن حمزة على أن الحديث عن الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان - وهو المعروف بالديباج - عن أبي الزناد وهو الصحيح ". قلت: وإذا تحرر هذا، فالديباج صدوق، وإنما سمى به لحسنه، وبقية رجال الإسناد ثقات رجال مسلم، فالإسناد جيد. ويزداد قوة برواية عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الرجال من أبناء الصحابة مرسلا كما ذكرنا، وبأن له طريقا أخرى عن أبي هريرة به. كما يأتي (784) . ولشطره الثاني طريق ثالث أخرجه أحمد (2 / 443) : حدثنا وكيع قال: حدثنا النهاس عن شيخ بمكة عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند ضعيف لجهالة الشيخ المكي، والراوي عنه ضعيف. والعمدة فيما تقدم، وفيه الكفاية. والحديث بيض له المناوي فلم يتكلم على إسناده بشيء، ولم يعزه السيوطي إلا " للتاريخ الكبير "! ثم وجدت له - أعني الشطر الثاني - طريقا أخرى أخرجه ابن عدي في " الكامل " (326 / 2) عن يحيى بن عبد الله بن بكير حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين، وفي المغيرة هذا وهو الحزامي المدني كلام لا يضر. 781 - " لا عدوى ولا طيرة والعين حق ". أخرجه أحمد (2 / 420) من طريق ابن وهب قال: حدثنا معروف بن سويد الجذامي أنه سمع علي بن رباح يقول سمعت أبا هريرة يقول مرفوعا به.

782

قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير معروف هذا وقد وثقه ابن حبان وحده، وروى عنه ابن لهيعة أيضا وفي " التقريب ": " إنه مقبول ". قلت: فالحديث حسن إن شاء الله، فإن له طريقا أخرى بلفظ: " لا عدوى ولا هامة وخير الطير الفأل والعين حق ". أخرجه أحمد (2 / 477) من طريق سعيد الجريري عن مضارب بن حزن عن أبي هريرة مرفوعا. وروى منه ابن ماجه الجملة الأخيرة فقط من هذا الوجه. وهي متفق عليها من طريق أخرى عنه، فانظرها فيما سيأتي إن شاء الله (1248) . وهذا إسناد رجاله ثقات أيضا رجال الشيخين غير مضارب هذا وقد وثقه العجلي وروى عنه قتادة أيضا، وفي " التقريب " إنه مقبول، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى بالذي قبله، وروي الحديث بلفظ: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا حسد والعين حق ". أخرجه أحمد (2 / 222) من طريق رشدين بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن هشام بن أبي رقية عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل رشدين هذا فإنه ضعيف كما في " التقريب " وبقية رجاله ثقات. 782 - " لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة، فقال أعرابي: ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها بعير أجرب فيجربها؟ قال: فمن أعدى الأول؟ ".

أخرجه البخاري (10 / 139، 197 - 198) ومسلم (7 / 31) وأبو داود (2 / 158) وأحمد (2 / 267) من طريق ابن شهاب أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة به مرفوعا. وكذلك أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 378 ) . وله طريق أخرى رواه أبو صالح عنه. أخرجه البخاري (10 / 176) والطحاوي دون قول الأعرابي وجوابه. ورواه كذلك العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. أخرجه أبو داود (2 / 158) وأحمد (2 / 397) . وسنده صحيح على شرط مسلم وفيه: " نوء " بدل: " طيرة " وقد أخرجه مسلم أيضا (7 / 32) . وله شاهد من حديث ابن عمر بنحو حديث أبي سلمة. أخرجه ابن ماجه (1 / 44، 2 / 363) وأحمد (2 / 24 - 25) من طريق وكيع حدثنا أبو جناب عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا. وهذا سند ضعيف، أبو جناب اسمه يحيى بن أبي حية ضعيف وولده مجهول. ولابن عمرو حديث آخر مختصرا ويأتي قريبا برقم (788) . وشاهد آخر من حديث ابن عباس. أخرجه الطحاوي (2 / 277 - 278) وأحمد (1 / 269، 328) من طريق سماك عن عكرمة عنه. وإسناده صحيح على شرط مسلم.

783

ورواه ابن ماجه دون قول الأعرابي. وشاهد ثالث عن ابن مسعود يأتي (1152) بلفظ: " لا يعدي شيء شيئا " وورد من حديث أبي هريرة أيضا. وهو: " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ". 783 - " لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد ". أخرجه البخاري معلقا (10 / 129) فقال: وقال عفان: حدثنا سليم بن حيان: حدثنا سعيد بن ميناء قال: سمعت أبا هريرة يقول مرفوعا به. وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي داود الطيالسي وسلم بن قتيبة كلاهما عن سليم بن حيان شيخ عفان فيه. فالسند صحيح، ووصله ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح ". وأخرج ابن خزيمة له شاهدا من حديث عائشة ولفظه: " لا عدوى، وإذا رأيت المجذوم ففر منه كما تفر من الأسد ". وقال الحافظ في شرح قوله: وفر من المجذوم، من الحديث الذي قبله: " لم أقف عليه من حديث أبي هريرة إلا من هذا الوجه ومن وجه آخر عند أبي نعيم في " الطب " لكنه معلول ". قلت: وقد رواه أحمد أيضا من وجه آخر معلول ولعله الذي أشار إليه الحافظ، فانظر الحديث المتقدم (781) ، وقد قال البغوي في " شرح السنة " (3 / 367 نسخة المكتب الإسلامي) بعد ما رواه عن البخاري: " هذا حديث صحيح ".

784

784 - " لا عدوى ولا طيرة ولا غول ". أخرجه مسلم (7 / 32) وأحمد (3 / 293، 312) من طرق عن أبي الزبير عن جابر به. وقد رواه ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله به إلا أنه قال: ولا صفر بدل: " ولا طيرة ". أخرجه مسلم أيضا والطحاوي (2 / 378) وأحمد (3 / 381) . 785 - " لا عدوى ولا صفر ولا هامة ". أخرجه مسلم (7 - 31) والطحاوي (2 - 378) وأحمد (3 / 449 - 450) عن الزهري قال: حدثني السائب بن يزيد بن أخت نمر مرفوعا به. 786 - " لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح، الكلمة الحسنة ". أخرجه البخاري (10 / 175) ومسلم (7 / 33) وأبو داود (2 / 158) والترمذي (1 / 305) صححه والطحاوي (2 / 378) والطيالسي (رقم 1961) وأحمد (3 / 130، 154، 173، 178، 276) وكذا ابن ماجه (2 / 362) من طرق عن قتادة عن أنس به. وقد صرح قتادة بالسماع في رواية عند أحمد. وله شاهد من حديث أبي هريرة بنحوه. أخرجه الشيخان وأحمد (2 - 266) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عنه. وله طريق أخرى بلفظ: " لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح ".

787

787 - " لا عدوى ولا طيرة وأحب الفأل الصالح ". أخرجه مسلم (7 / 33) وأحمد (2 / 507) عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة. 788 - " لا عدوى ولا طيرة وإنما الشؤم في ثلاثة: المرأة والفرس والدار ". أخرجه البخاري (10 / 174 - 175، 199 - 200) ومسلم (7 / 34) وأحمد (2 / 153) عن يونس عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر مرفوعا به. وانظر الحديث الآتي (799) والماضي (442) والذي بعد هذا. 789 - " لا عدوى ولا طيرة ولا هام إن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار ، وإذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تهبطوا، وإذا كان بأرض وأنتم بها فلا تفروا منه ". أخرجه هكذا أحمد (1 / 180) من طريق هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن سعيد بن المسيب قال: سألت سعد بن أبي وقاص عن الطيرة فانتهرني وقال: من حدثك؟ ! فكرهت أن أحدثه من حدثني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. وقد أخرجه أبو داود (2 / 159) والطحاوي (2 / 377، 381) من طرق أخرى عن يحيى به دون قوله: " وإذا سمعتم ... " الخ. وهو رواية لأحمد (1 / 174) . وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحضرمي بن لاحق وقد قال ابن معين : ليس به بأس.

790

واعتمده الحافظ في " التقريب ". وللحديث شاهدان: الأول: عن أنس بن مالك مرفوعا مثله. أخرجه الطحاوي من طريق عتبة بن حميد قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر عنه. وهذا إسناد حسن، عتبة بن حميد صدوق له أوهام وبقية رجاله ثقات. والآخر عن أبي سعيد الخدري مرفوعا مثله دون لفظة " ولا هام ". أخرجه الطحاوي أيضا من طريق ابن أبي ليلى عن عطية عنه. وهذا إسناد حسن في الشواهد. وله شواهد أخرى فانظر الحديث الآتي بلفظ: " إن كان الشؤم ... " رقم (799) . 790 - " ذروهما ذميمة ". هو من حديث أنس قال: قال رجل: يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا وكثير فيها أموالنا، فتحولنا إلى دار أخرى، فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (132) وأبو داود (2 - 159) من طريق بشر بن عمر الزهراني عن عكرمة بن عمار، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه. وقال البخاري:

791

" في إسناده نظر ". قلت: ووجهه أن عكرمة بن عمار قد تكلم فيه بعض المتقدمين من قبل حفظه، وقد وثقه جمع واحتج به مسلم في " صحيحه "، وقال الحافظ في التقريب " صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب " قلت: وهذه ليس منها، فالحديث على أقل الدرجات حسن الإسناد، فإن بقية رجاله ثقات أثبات، لاسيما وقد روي من طرق أخرى، فقد أخرجه الإمام مالك (3 - 140) عن يحيى بن سعيد أنه قال: " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر، فقل العدد وذهب المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوها ذميمة ". وهذا معضل، لكن قال ابن عبد البر: " هذا حديث محفوظ من وجوه من حديث أنس وغيره ". ثم الحديث أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 482) عن موسى بن مسعود أبي حذيفة حدثنا عكرمة به. 791 - " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: قد علمنا " الثرثارون والمتشدقون " فما " المتفيهقون؟ " قال: المتكبرون ". أخرجه الترمذي (1 / 363) والخطيب في " التاريخ " (4 / 63) عن مبارك بن

792

فضالة حدثني عبد ربه بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا. وقال الترمذي: " وفي الباب عن أبي هريرة وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وروى بعضهم هذا الحديث عن المبارك بن فضالة عن محمد بن المنكدر عن جابر ولم يذكر فيه عبد ربه بن سعيد، وهذا أصح ". قلت: ومداره في الحالين على ابن فضالة وهو صدوق يدلس وقد صرح بالتحديث كما ترى، فهو حسن الإسناد. وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي هو بلفظ: شرار أمتي " وسيأتي، ومضى بعضه تحت الحديث (751) . وللحديث هناك شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني وهو مخرج في " المشكاة " (4797 ) . وآخر من حديث ابن عباس مختصرا نحوه بلفظ: خياركم أحاسنكم أخلاقا ... ". رواه البيهقي في " الشعب " كما في " الجامع ". 792 - " إن من أحبكم إلي أحسنكم خلقا ". أخرجه أحمد (2 / 189) من طريق شعبة عن سليمان سمعت أبا وائل يحدث عن مسروق عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الستة وقد أخرجه البخاري (2 / 445) بلفظ

793

" أخلاقا ". 793 - " من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر ". رواه أبو داود (3905) وابن ماجه (3726) وأحمد (1 / 227، 311) والحربي في " الغريب " (5 / 195 / 1) عن عبيد الله بن الأخنس عن الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، وعبيد الله بن الأخنس وثقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائي وابن حبان إلا أنه قال " يخطىء كثيرا "! فما أرى أن يعتد بقوله هذا كثيرا! 794 - " إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الساهر بالليل الظامئ بالهواجر ". أخرجه تمام في " الفوائد " (13 / 234 / 1 - 2) من طريق عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عفير هذا قال الحافظ وغيره: " ضعيف ". وقال غيره " ضعيف جدا ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " كما في جزء الظاهرية (ق 24 / 1 مجموع 6) وفي " الجامع الصغير " وشرحه للمناوي وزاد فقال: " ورواه الحاكم من حديث أبي هريرة، وقال على شرطهما وأقره الذهبي. فلو آثره المصنف لصحته كان أولى من إيثاره هذا لضعفه ".

795

قلت: ولم أره عند الحاكم بهذا اللفظ، وأخرجه قريبا منه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 9) من طريق فضيل بن سليمان النميري عن صالح بن خوات عن محمد بن يحيى بن حبان عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليدرك بحسن الخلق درجات الصائم القائم الظمآن في الهواجر ". قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين - على ضعف في النميري - غير صالح بن خوات، وقد روى عنه جماعة وذكره ابن حبان في " الثقات " وأخرجه البخاري في " المفرد " (284) عنه بنحوه. وأما الحاكم فلفظه: " إن الله ليبلغ العبد بحسن خلقه درجة الصوم والصلاة ". أخرجه (1 / 60) من طريق إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا حبان بن هلال حدثنا حماد بن سلمة عن بديل عن عطاء عن أبي هريرة. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: العروقي ليس من رجاله، فهو صحيح فقط. 795 - " إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار ". أخرجه أبو داود (4798) وابن حبان (1927) والحاكم (1 / 60) من طريق عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي.

قلت: وهو كما قالا لولا أنه اختلف في سماع المطلب من عائشة فقال أبو حاتم: " روايته عنها مرسلة ولم يدركها ". وقال أبو زرعة: " نرجو أن يكون سمع منها ". لكن الحديث على كل حال صحيح بما تقدم وقد وجدت له طريقا أخرى عنها موصولة ، أخرجه ابن عدي في " الكامل " (149 / 1) عن اليمان بن عدي حدثنا زهير بن محمد عن يحيى بن سعيد عن القاسم عنها به. وقال: " لا أعلم يرويه عن زهير غير يمان ". قلت: وفيهما ضعف غير شديد، فحديثهما في الشواهد لا بأس به. (تنبيه) عزى السيوطي الحديث في " زوائد الجامع الصغير " وفي " الجامع الكبير " (2 / 167 / 1) لأحمد والحاكم، ولم أره في " المسند " فأخشى أن يكون تحرف (حم) من (د) فإنه لم يعزه إليه. والله أعلم. وللحديث شواهد منها ما أخرجه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 8 / 1) من طريق أبي بكر النهشلي عن عبد الملك بن عمار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وعبد الملك ابن عمار لم أعرفه ويحتمل أن ابن عمار أصله ابن عمير، فتحرف على الناسخ، فإن ابن عمير كوفي وكذلك الراوي عنه أبو بكر النهشلي وهما ثقتان.

796

796 - " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ". ورد من حديث أبي سعيد الخدري وحذيفة ابن اليمان وعلي بن أبي طالب وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر والبراء بن عازب وأبي هريرة وجابر بن عبد الله وقرة بن إياس. 1 - أما حديث أبي سعيد، فيرويه عبد الرحمن بن أبي نعم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه الترمذي (4 / 339) والحاكم (3 / 166 - 167) والطبراني (1 / 123 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 71) والخطيب في " التاريخ " (4 / 207 و 11 / 90) وأحمد (3 / 3، 62، 64، 80 ، 82) وابن عساكر (18 - 47 - 1) من طرق عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو كما قال، فإن ابن أبي نعم ثقة احتج به الشيخان. وزاد أحمد في روايته: " وفاطمة سيدة نسائهم إلا ما كان لمريم بنت عمران ". وفي سنده يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي مولاهم الكوفي، قال الحافظ: " ضعيف، كبر فتغير صار يتلقن وكان شيعيا ".

وزاد الحاكم وكذا الطبراني وأبو نعيم والخطيب في رواية لهم: " إلا ابني الخالة: عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا ". وقال الحاكم: " حديث قد صح من أوجه كثيرة وأنا أتعجب أنهما لم يخرجاه ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: الحكم فيه لين ". يعني الحكم به عبد الرحمن بن أبي نعم. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق سيء الحفظ ". قلت: والحديث أورده الهيثمي في " المجمع: (9 - 201) بالزيادة الأولى وقال : " رواه الترمذي غير ذكر فاطمة ومريم - رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح "! كذا قال وفيه نظر من وجهين: الأول: أنه يوهم أن رجالهما محتج بهم في " الصحيح " وليس كذلك فإن يزيد بن أبي زياد الذي سبق بيان ضعفه لم يحتج به في " الصحيح " أي صحيح مسلم، بل إنما أخرج له مقرونا بغيره، كما صرح بذلك الذهبي في آخر ترجمته. والآخر: أنه يوهم أن يزيد هذا حجة في نفسه وليس كذلك كما تقدم بيانه. وللحديث طريق أخرى يرويه عطية عن أبي سعيد به. دون الزيادة. أخرجه الطبراني والخطيب (9 - 232) .

(تنبيه) أورد السيوطي حديث أبي سعيد هذا في " الجامع الصغير " بالزيادتين من رواية أحمد وأبي يعلى وابن حبان والطبراني والحاكم! ولا يخفى ما في ذلك من الإخلال والإيهام، فإن أحدا من هؤلاء لم يخرجه كما أورده، اللهم إلا أن يكون أبا يعلى والطبراني وذلك ما استبعده جدا، ثم إن الزيادة الأولى لم يروها غير أحمد وأبي يعلى والحاكم، والزيادة الأخرى لم يروها إلا الحاكم! ! وبيض المناوي للحديث ولم يتنبه لهذا الخلط الذي وقع للسيوطي! وله طريق ثالث عن أبي سعيد. أخرجه الطبراني (1 / 123 / 1) وإسناده حسن، رجاله ثقات غير حرب بن حسن الطحان، قال الأزدي: ليس حديثه بذاك . وذكره ابن حبان في " الثقات ". 2 - وأما حديث حذيفة، فله عنه ثلاثة طرق: الأولى: عن إسرائيل عن ميسرة النهدي عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عنه قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فصليت معه المغرب، ثم قام يصلي حتى صلى العشاء (الأصل: الغداة!) ثم خرج، فاتبعته، فقال: عرض لي ملك استأذن ربه أن يسلم علي ويبشرني في أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ". أخرجه الترمذي (2 / 307) وابن حبان (2229) وأحمد (5 / 391) والطبراني (1 / 123 / 1) والخطيب (6 / 372) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 255 / 2) من طريقين عن إسرائيل به وزاد الترمذي وأحمد:

" وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة " وقال الترمذي: " حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير ميسرة وهو ابن حبيب وهو ثقة وصحح الزيادة الحاكم (3 - 151) ووافقه الذهبي. الثانية: قال أحمد (5 / 392) : حدثنا أسود بن عامر: حدثنا إسرائيل عن ابن أبي السفر عن الشعبي عنه قال: فذكره نحوه: دون الزيادة وقال: " قال: فقال حذيفة: فاستغفر لي ولأمي، قال: غفر الله لك يا حذيفة ولأمك ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، واسم ابن أبي السفر عبد الله. وقد أخرجه ابن عساكر أيضا من طريق أحمد. الثالثة: عن المسيب بن واضح أنبأنا عطاء بن مسلم الخفاف أبو محمد الحلبي عن أبي عمرو الأشجعي عن سالم بن أبي الجعد عن قيس بن أبي حازم عنه به نحوه. وزاد : " قال عطاء: وحدثونا أنه قال: وأبوهما خير منهما ". أخرجه الطبراني وابن عساكر. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات، المسيب بن واضح سيء الحفظ، ومثله شيخه الخفاف، لكن أبو عمرو الأشجعي لم أجد من ترجمه ومن طريقه رواه الطبراني في " الأوسط " أيضا كما في " المجمع " (9 / 183) وقال: " ولم أعرفه " وأخرجه في " الكبير " (1 / 123 / 1) من طريق آخر عن عطاء. 3 - وأما حديث علي فله عنه ثلاث طرق:

الأولى: عن علي بن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح قال: حدثنا أبي عن أبيه عن معاوية بن ميسرة بن شريح عن ميسرة عن شريح عنه مرفوعا به. وفيه قصة. أخرجه أبو نعيم (4 / 140) والخطيب (12 / 4) ، ذكره في ترجمة علي هذا وروى له بهذا الإسناد عن ميسرة بن شريح قال: " تقدمت إلى شريح امرأة، فقالت: إن لي إحليلا وإن لي فرجا ... (وساق الحديث وفيه) أنه أمر بعد أضلاعها وقال : إن عدد أضلاع الرجل من الجانب الأيمن ثمانية عشر ضلعا، ومن الجانب الأيسر سبعة عشر ضلعا. فقال ابن أبي حاتم الرازي في كتاب " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 193) : سمعت أبي يقول: كتبت هذا الحديث لأسمعه من علي بن عبد الله، فلما تدبرته، فإذا هو شبيه الموضوع، فلم أسمعه على العمد ". ومن فوقه من آبائه فلم أعرفهم. الثانية: عن الحارث عنه مرفوعا به. أخرجه الطبراني (1 / 122 / 2) وابن عساكر (4 / 256 / 1) . قال الهيثمي (9 / 182) : " والحارث الأعور ضعيف ". الثالثة: عن أبي حفص الأعشى عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عنه به وزاد: " وأبوهما خير منهما ". أخرجه الخطيب (1 / 140 ) وعنه ابن عساكر (4 / 256 / 1) . وأبو حفص هذا لم أعرفه.

الرابعة: عن أبي جناب عن الشعبي عن زيد بن يثيع عنه به. أخرجه الخطيب (2 / 185) وكذا الطبراني. وأبو جناب اسمه يحيى بن أبي حية ضعفوه لكثرة تدليسه. 4 - وأما حديث عمر بن الخطاب، فيرويه أحمد بن المقدام حدثنا حكيم بن حزام أبو سمير حدثنا الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التميمي عن أبيه قال: " وجد علي بن أبي طالب درعا له عند يهودي التقطها فعرفها ( ... القصة) فقال علي: ثكلتك أمك أما سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.. " الخ القصة. أخرجه الطبراني (1 / 122 / 2) وأبو نعيم (4 / 139 - 140) وقال: " غريب من حديث الأعمش عن إبراهيم، تفرد به حكيم ". قلت: وهو متروك الحديث كما قال أبو حاتم. 5 - وأما حديث ابن مسعود، فله عنه طريقان. الأولى: عن علي بن صالح عن عاصم عن زر عن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وفيه الزيادة: " وأبوهما خير منهما ". أخرجه الحاكم (3 / 167) وقال: " صحيح بهذه الزيادة ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن للخلاف المعروف في عاصم وهو ابن بهدلة. الثانية: عن عبد الحميد بن بحر عن أبي سعيد الكوفي قال: حدثنا منصور ابن أبي

الأسود عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بدون الزيادة. أخرجه أبو نعيم (5 / 58) . وعبد الحميد هذا قال ابن عدي وابن حبان: كان يسرق الحديث. 6 - وأما حديث عبد الله بن عمر، فيرويه المعلى بن عبد الرحمن حدثنا ابن أبي ذئب عن نافع عنه به وفيه الزيادة: وزاد ابن عساكر في أوله " ابناي هذان ". أخرجه الحاكم (3 / 167) وابن عساكر (4 / 256 / 1) . ذكره الحاكم شاهدا لحديث ابن مسعود ولا يصلح لذلك، فإنه شديد الضعف ولهذا تعقبه الذهبي بقوله: " قلت: معلى متروك ". 7 - وأما حديث البراء، فقال الهيثمي (9 / 184) : " رواه الطبراني وإسناده حسن ". ولم أره في " معجمه الكبير " لا في " مسند البراء " منه، ولا في ترجمة الحسن ابن علي رضي الله عنه وفيها ساق الأحاديث المتقدمة، وقد أخرجه ابن عساكر (4 / 256 / 1) وفيه محمد بن حميد وهو الرازي وهو ضعيف كما في " التقريب ". 8 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه محمد بن مروان الذهلي حدثني أبو حازم حدثني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وفي أوله زيادة: " إن ملكا من السماء لم يكن زارني، فاستأذن الله عز وجل في زيارتي، فبشرني أن

الحسن ... ". أخرجه الطبراني (1 / 123 / 1) . وهذا إسناد حسن رجاله ثقات كلهم غير الذهلي هذا، قال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". وسقط من نسخة الهيثمي من " المعجم " اسم " محمد بن " فلم يعرفه فقال (9 / 183) : " رواه الطبراني، وفيه مروان الذهلي ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح ". ثم أخرجه الطبراني من طريق سيف بن محمد أنبأنا سفيان عن أبي الجحاف وحبيب بن أبي ثابت عن أبي حازم به دون الزيادة. لكن سيف هذا كذبوه فلا يستشهد به. 9 - وأما حديث جابر، فيرويه جابر - وهو الجعفي - عن عبد الرحمن ابن سابط عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الطبراني وابن عساكر (4 / 256 / 1) . قال الهيثمي: " وجابر الجعفي ضعيف ". قلت: لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه الربيع بن سعد، عن عبد الرحمن بن سابط به لكن لفظه: " من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا. يعني الحسن. وفي رواية: الحسين ". أخرجه ابن حبان (2236) وابن عساكر، وقال :

الصواب الرواية الأخرى. قلت: وهكذا على الصواب ذكره الذهبي في " الميزان " من رواية ابن حبان، وهي عنده عن أبي يعلى، وكذلك أورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 187) وقال: " رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعد وقيل ابن سعيد وهو ثقة ". قلت: إنما وثقه ابن حبان فقط، قال الذهبي: " لا يكاد يعرف ". 10 - وأما حديث قرة بن إياس، فيرويه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا به وفيه زيادة: " وأبوهما خير منهما ". أخرجه الطبراني (1 / 123 / 2) . وابن زياد ضعيف. وأما قول الهيثمي (9 / 183) : " وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وفيه خلاف وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: فهذا الاطلاق فيه نظر لأن شيخ الطبراني وهو محمد بن عثمان بن أبي شيبة ليس من رجال " الصحيح " ثم هو متكلم فيه. وفي الباب عند ابن عساكر عن أنس وجهم. وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب بل هو متواتر كما نقله المناوي وكذلك

797

الزيادات التي سبق تخريجها، فهي صحيحة ثابتة. 797 - " إذا أحب أحدكم صاحبه فليأته في منزله، فليخبره بأنه يحبه لله عز وجل ". رواه ابن المبارك في " الزهد " (188 / 1 من الكواكب 575 ورقم 712 - طبع الهند ) : حدثنا ابن لهيعة حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن أبا سالم الجيشاني أتى إلى أبي أمية في منزله فقال: إني سمعت أبا ذر يقول: فذكره مرفوعا وزاد في آخره: " فقد جئتك في منزلك ". قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات وابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة وابن المبارك أحدهم. وقد رواه عنه عبد الله بن وهب أيضا في " الجامع " (ص 36) . 798 - " إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة، فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان ". هو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ورد عنه من طرق منقطعة وبعضها مرسلة وبعضها موصول قوي.

فأخرجه أبو داود (2 / 106) والدارمي (2 / 250) وابن ماجه (2 / 16) والدارقطني (297) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عنه به. وابن أبي ليلى سيىء الحفظ لكن تابعه عمر بن قيس الماصر وهو ثقة. رواه عنه الدارقطني بإسناد صحيح لكن خالفهما جمع، فرووه عن القاسم عن ابن مسعود ليس فيه: " عن أبيه ". أخرجه الدارقطني عن أبي العميس وهو عتبة بن عبد الله بن مسعود والطيالسي (رقم 399) وأحمد (1 / 466) عن المسعودي وأحمد عن معن وهو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ثلاثتهم عن القاسم به. فهو على هذا منقطع وقال الترمذي (1 / 240) إنه مرسل. لكن قد يقال: إن من وصله ثقة، وهي زيادة يجب قولها. والله أعلم. طريق ثان: أخرجه النسائي (2 / 230) والدارقطني وأحمد من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه. وهو منقطع أيضا. طريق ثالث: أخرجه الترمذي وأحمد من طريق ابن عجلان عن عون بن عبد الله عنه. وقال الترمذي: " حديث مرسل عون بن عبد الله لم يدرك ابن مسعود ". طريق رابع، وهو موصول أخرجه أبو داود والنسائي والدارقطني عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث عن أبيه عن جده عنه. وهذا إسناد حسن لولا أن عبد الرحمن بن قيس هذا مجهول الحال كما في " التقريب ". وأما قول من قال إنه منقطع فلا وجه له. وقد أخرجه الحاكم (2 / 45) من هذا الوجه وقال:

799

" صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. كذا قالا. طريق خامس موصول أيضا، أخرجه الدارقطني من طريق محمد بن عبيد ابن عبد أنبأنا أحمد بن مسيح الجمال أنبأنا عصمة بن عبد الله أنبأنا إسرائيل عن الأعمش عن أبي وائل عنه. وعصمة بن عبد الله فمن دونه لم أجد من ترجمهم. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح لاختلاف مخارجها وقد جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " قاعدة العقود ". 799 - " ان كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة والفرس ". أخرجه البخاري (9 / 112) من طريق يزيد بن زريع: حدثنا عمر بن محمد العسقلاني عن أبيه عن ابن عمر قال: ذكروا الشؤم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : فذكره. وقد تابعه شعبة عن عمر بلفظ (إن يك) وخلا في (442) . ومحمد هذا هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر المدني وهو ثقة حجة، وقد أجاد حفظ الحديث ورواه غيره عن ابن عمر بلفظ: (الشؤم في) كما يأتي برقم (1897) والراجح عندي رواية محمد هذه لأن لها شواهد صحيحة، وقد تابعه عليها حمزة بن عبد الله بن عمر عند مسلم (7 / 34) والطحاوي (2 / 381) . فمن شواهده عن سهل بن سعد بهذا اللفظ. أخرجه مالك (3 / 140) وعنه البخاري في " صحيحه " وفي " الأدب المفرد " (132) ومسلم (7 / 34 - 35) وابن ماجه (2 / 615) والطحاوي (2 / 381) وأحمد (5 / 335، 338) كلهم عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد مرفوعا به.

800

وقد تابعه هشام بن سعد عن أبي حازم. أخرجه مسلم. ومنها عن جابر مرفوعا بنحوه. أخرجه مسلم أيضا والنسائي (2 / 150) عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا به. وكذلك أخرجه الطحاوي. وله شواهد أخرى فانظر " (لا عدوى..) الحديث وقد مضى (789) . 800 - " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما قليلا ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (7 / 76) وفي " الأدب المفرد " (ص 22) وأبو داود (2 / 336) والترمذي (1 / 349) وأحمد (5 / 333) والسياق له من حديث سهل بن سعد. وله شاهد من حديث أبي هريرة خرجته في الكتاب الآخر ( 1637) لكن صح بلفظ آخر وهو: " كافل اليتيم "، ويأتي برقم (960) . وشاهد آخر من حديث أم سعيد ابنة مرة الفهري عن أبيها مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد ". وسنده مقبول، رجاله كلهم رجال الشيخين غير أم سعيد هذه وهي مقبولة غير أن الرواية عنها وهي أنيسة لا تعرف كما في " التقريب ". 801 - " اهج المشركين، فإن جبريل معك ". أخرجه البخاري (5 / 51) تعليقا وأحمد (4 / 286، 303) موصولا وكذا الخطيب (14 / 31) عن الشيباني سليمان بن أبي سليمان عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان ابن ثابت: فذكره.

802

قلت: وسنده صحيح على شرط الشيخين. وقال الحافظ في " شرح البخاري ": " وصله النسائي وإسناده على شرط البخاري ". وأخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 22) عن عمران بن ظبيان عن عدي به. وليس عنده وكذا أحمد قوله: " يوم قريظة ". ثم أخرجه البخاري (4 / 79 - 80، 5 / 51، 7 / 109) ومسلم (7 / 163) والطيالسي (ص 99 رقم 730) وأحمد (4 / 299، 302) عن شعبة عن عدي به إلا أنه شك فقال: اهجهم أو قال هاجهم. وأخرجه الحاكم (3 / 487) عن عيسى بن عبد الرحمن حدثني عدي بن ثابت به بلفظ. قال لحسان بن ثابت: إن روح القدس معك ما هاجيتهم. وله عنده طريق أخرى مطولا وسيأتي (1970) بلفظ: " اذهب إلى أبي بكر ... ". وفي المسند (4 / 298، 301) و " المعجم الصغير " (ص 207) طريق ثان وهو عن أبي إسحاق عن البراء. وسنده صحيح على شرطهما. وله شاهد بلفظ: " اهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله والذي نفس محمد بيده كأنما تنضحوهم بالنبل ". 802 - " اهجوا بالشعر إن المؤمن يجاهد بنفسه وماله، والذي نفس محمد بيده كأنما تنضحوهم بالنبل ". أخرجه أحمد (3 / 460) : حدثنا علي بن بحر حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب عن كعب بن مالك مرفوعا به. وهذا سند حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن بحر وهو ثقة

803

فاضل. وفي ابن أخي ابن شهاب كلام من قبل حفظه وفي التقريب: " صدوق له أوهام ". قلت: لكنه قد توبع كما ذكرته في: " إن المؤمن يجاهد ... ". وسيأتي بإذن الله (1631) . 803 - " لا يقولن أحدكم عبدي، فكلكم عبيد الله ولكن ليقل: فتاي ولا يقل العبد ربي ولكن ليقل: سيدي ". أخرجه مسلم (7 / 46 - 47) عن جرير وأحمد (2 / 496) حدثنا ابن نمير حدثنا الأعمش ويعلى - ثلاثتهم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به. ثم ساقه مسلم من طريق أبي معاوية الحديث. وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا وكيع كلاهما عن الأعمش بهذا الإسناد وفي حديثهما زيادة بلفظ: " ولا يقل العبد لسيده مولاي ". وزاد أبو معاوية على وكيع: " فإن مولاكم الله عز وجل ". وفي ثبوت هذه الزيادة وما قبلها نظر بينه الحافظ في " الفتح " بقوله: " بين مسلم الاختلاف في ذلك على الأعمش وأن منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها. وقال عياض: حذفها أصح. وقال القرطبي: المشهور حذفها. قال: وإنما صرنا إلى الترجيح للتعارض مع تعذر الجمع وعدم العلم بالتاريخ. انتهى ومقتضى ظاهر هذه الزيادة أن إطلاق السيد أسهل من إطلاق المولى، وهو خلاف المتعارف، فإن المولى يطلق على أوجه متعددة منها الأسفل والأعلى والسيد لا يطلق إلا على الأعلى، فكان إطلاق " المولى " أسهل وأقرب إلى عدم الكراهية. والله أعلم ". وأقول: لا مجال للطعن في رواة هذه الزيادة عن الأعمش وهما أبو معاوية

واسمه محمد بن خازم - وأبو سعيد الأشج، واسمه عبد الله بن سعيد، فإن كليهما ثقة من رجال الشيخين لا مطعن فيهما، لكن قد خالفهما كما سبق جرير وهو ابن عبد الحميد وابن نمير واسمه عبد الله ويعلى وهو ابن عبيد الطنافسي وثلاثتهم ثقة محتج بهم عند الشيخين أيضا، فيتردد النظر بين ترجيح روايتهم على رواية الثقتين لكونهم أكثر وبين ترجيح روايتهما على روايتهم لأن معهما زيادة وزيادة الثقة مقبولة وكان اللائق بالناظر أن يقف عند هذا دون أي تردد لولا ثلاثة أمور : الأول: أن الحديث رواه أحمد (2 / 444) : أنبأنا وكيع عن الأعمش به دون الزيادة. فقد خالف الإمام أبا سعيد الأشج، وهو أحفظ منه. الثاني: أن الحديث أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " (209 و 210) وأحمد (2 / 423 و 444 و 463 و 484 و 491 و 508) وغيرهم من طرق أخرى عن أبي هريرة دون الزيادة ويأتي ذكر بعض ألفاظهم. الثالث: أن همام بن منبه قال حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقل أحدكم اسق ربك أطعم ربك وضىء ربك ولا يقل أحدكم ربي وليقل سيدي، مولاي ولا يقل أحدكم عبدي أمتي وليقل: فتاي، فتاتي، غلامي ". أخرجه البخاري (3 / 124) ومسلم وأحمد (2 / 316) . فزاد في هذه الرواية " مولاي "، ولفظ أحمد: " ومولاي " وهذه الزيادة تخالف الزيادة الأولى مخالفة لا يمكن التوفيق بينهما إلا بالترجيح كما سبق عن القرطبي وهذه أرجح لعدم المعارض. الرابع: أنه ثبت في الحديث: " السيد الله " ولم يثبت في الحديث المرفوع أن

804

" المولى " هو الله، فإذا جاز اطلاق لفظ " السيد " على سيد العبد، فمن باب أولى أن يجوز إطلاق لفظ " المولى " عليه، لاسيما وهو يطلق على الأدنى أيضا كما تقدم في كلام الحافظ، فهذا النظر الصحيح مع الأمور الثلاثة التي قبلها تجعلنا نرجح رواية الثلاثة الثقات على رواية الثقتين اللذين تفردا بهذه الزيادة ، فكان لابد من الترجيح ومما لا شك فيه أن اجتماع هذه الأمور الأربعة مما لا يفسح المجال للتردد المذكور بل نقطع بها أن الزيادة التي تفرد بها الثقتان شاذة فلا تثبت. والله أعلم. ومن ألفاظ الحديث في بعض طرقه المشار إليها آنفا: " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله ولكن ليقل: غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي ". أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " وأحمد (2 / 462 ، 484) . ومنها بلفظ: " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ولا يقولن المملوك ربي وربتي وليقل المالك: فتاي وفتاتي وليقل المملوك سيدي وسيدتي، فإنكم المملوكون والرب الله عز وجل ". أخرجه في " الأدب المفرد " وأبو داود (4975 ) وأحمد (2 / 423) بسند صحيح على شرط مسلم. 804 - " كان يزور البيت كل ليلة من ليالي منى ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 491) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 181 / 1) والبيهقي في " السنن الكبرى " (5 / 146) من طرق عن إبراهيم بن محمد بن عرعرة قال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا (ولم أسمعه) وقال: سمعته من أبي ولم يقرأه، قال: فكان فيه: عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس مرفوعا به. هكذا وقع عندهم - والزيادة للطحاوي - غير الطبراني، فقال : حدثنا الحسن بن علي المعمري. أنبأنا

إبراهيم بن محمد بن عرعرة: أنبأنا معاذ بن هشام قال: وجدت في كتاب أبي ... الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم. وأبو حسان هو الأعرج البصري مشهور بكنيته واسمه مسلم بن عبد الله. وقد أعل الحديث بما لا يقدح، فقد روى الخطيب في " التاريخ " (6 / 149) عن الأثرم قال: قلت: لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل - تحفظ عن قتادة عن أبي حسان ... (فذكر الحديث) . فقال: كتبوه من كتاب معاذ ولم يسمعوه. قلت: ها هنا إنسان يزعم أنه قد سمعه من معاذ، فأنكر ذلك، قال: من هو؟ قلت : إبراهيم بن عرعرة. فتغير وجهه ونفض يده وقال: كذب وزور، سبحان الله! ما سمعوه منه إنما قال فلان: كتبناه من كتابه ولم يسمعه منه، سبحان الله! واستعظم ذلك منه. ولعل الإمام أحمد يشير بقوله " فلان ... " إلى علي بن المديني، فقد أخرجه الخطيب من طريق إسماعيل القاضي عنه قال: روى قتادة حديثا غريبا لا يحفظ عن أحد من أصحاب قتادة إلا من حديث هشام، فنسخته من كتاب ابنه معاذ بن هشام وهو حاضر لم أسمعه منه عن قتادة، وقال لي معاذ: هاته حتى أقرأه، قلت: دعه اليوم - قال: حدثنا أبو حسان (فذكره) قال علي بن المديني : هكذا هو في الكتاب. وعقب الخطيب على ذلك بقوله: " وما الذي يمنع أن يكون إبراهيم بن محمد بن عرعرة سمع هذا الحديث من معاذ مع سماعه منه غيره، وقد قال ابن أبي حاتم الرازي في كتاب " الجرح والتعديل ": سئل أبي عن إبراهيم بن عرعرة؟ فقال: " صدوق ". ثم روى الخطيب عن ابن معين أنه قال: ثقة معروف بالحديث كان يحيى بن سعيد يكرمه مشهور بالطلب، كيس الكتاب ولكنه يفسد نفسه يدخل في كل

شيء. وعن إبراهيم بن خرزاذ: احفظ من رأيت أربعة ... فذكر فيهم إبراهيم بن عرعرة. قلت: ووثقه أبو زرعة أيضا بروايته عنه. وقال الحاكم: هو إمام من حفاظ الحديث. وقال الخليلي: حافظ كبير ثقة متفق عليه. ووثقه غير هؤلاء أيضا. قلت: ويشكل على ما رجحه الخطيب من سماع ابن عرعرة لهذا الحديث من معاذ تصريحه بأن معاذا دفع إليه كتاب أبيه، فكان فيه هذا ... فهذا معناه أنه لم يسمع منه وذلك ما صرحت به زيادة الطحاوي المتقدمة: " ولم أسمعه منه ". ومعنى ذلك أن روايته وجادة وليست سماعا. ويمكن الخلاص من الإشكال بأن يقال: لا ينافي عدم سماعه للكتاب من معاذ أن لا يكون سمع منه هذا الحديث خاصة، فإن الطبراني قد صرح بسماعه الحديث منه والسند إليه بذلك صحيح، فإن المعمري وإن تكلم فيه بعضهم، فقد استقر الحال آخرا على توثيقه كما قال الحافظ ويشهد له ما تقدم من قول الأثرم " أن إبراهيم بن عرعرة يزعم أنه قد سمعه من معاذ " فإنه يشعرنا بأن سماعه منه كان معروفا عندهم ولولا ذلك

805

كان يسع الإمام أحمد أن يرد ذلك بعدم ثبوت رواية من روى عن ابن عرعرة السماع منه ولم يكن به حاجة إلى التصريح بالتكذيب. فتأمل. وجملة القول أن الحديث صحيح على كل حال سواء ثبت سماع ابن عرعرة إياه من معاذ أم لا أما الأول فواضح لثقة ابن عرعرة وحفظه وأما على الآخر فغايته أن يكون روايته وجادة في كتاب معاذ، وقد ناوله هذا إياه، فهي وجادة صحيحة من أقوى الوجادات مقرونة بمناولة الشيخ. وبالله التوفيق. ومما يقوي الحديث أن له شاهدا مرسلا قويا، فقد قال البيهقي عقبه مشيرا إلى تقوية الحديث به: " وروى الثوري في " الجامع " عن ابن طاووس عن طاووس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض كل ليلة يعني ليالي منى ". 805 - " كنا نتزود لحوم الهدي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 309) : حدثنا سفيان عن عمرو عن عطاء عن جابر: فذكره. وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (4 / 57) ومن طريقه مسلم في " صحيحه " (6 / 81) . وأخرجه البخاري (6 / 239 - استانبول) البيهقي (9 / 291) من طرق أخرى عن سفيان بن عيينة به. وتابعه شعبة عن عمرو بن دينار به. أخرجه الدارمى (2 / 80) وأحمد (3 / 368) . وتابع عمرا ابن جريج فقال: حدثنا عطاء به ولفظه: " كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى، فأرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: كلوا وتزودوا. قلت: لعطاء: قال جابر: حتى جئنا المدينة؟ قال: نعم ".

هكذا أخرجه مسلم من طريق محمد بن حاتم حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج به. وخالفه الإمام أحمد فقال (3 / 317) : حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه قال: " لا " مكان " نعم ". وكذلك أخرجه البخاري والبيهقي عن مسدد حدثنا يحيى به. وتابعه عمرو بن علي عند النسائي كما في " الفتح " (9 / 455) . فهؤلاء ثلاثة من الثقات الحفاظ أحمد ومسدد وعمرو بن علي خالفوا محمد بن حاتم فقالوا " لا " مكان " نعم "، ولا شك أن روايتهم أرجح وهو الذي جزم به الحافظ فقال: " والذي وقع في البخاري هو المعتمد، وقد نبه على اختلاف البخاري ومسلم في هذه اللفظة الحمدي في " جمعه " وتبعه عياض ولم يذكرا ترجيحا وأغفل ذلك شراح البخاري أصلا، فبما وقفت عليه ". وأقول: لكن الحديث قد جاء من طريق غير يحيى عن ابن جريج، وهي طريق عمرو بن دينار عن عطاء بمعنى لفظ حديث محمد بن حاتم كما رأيت. وعلى ذلك فيكون هناك خلاف أقدم حول هذه اللفظة بين عمرو بن دينار من جهة وابن جريج من جهة أخرى وكلاهما ثقة حافظ فلابد من التوفيق بين روايتيهما أو الترجيح والمصير إلى الأول هو الأصل، وقد حاول ذلك الحافظ ابن حجر فقال عقب ترجيحه السابق لرواية البخاري النافيه على رواية مسلم المثبتة: " ثم ليس المراد بقوله " لا " نفي الحكم بل مراده أن جابرا لم يصرح باستمرار ذلك منهم حتى قدموا، فيكون على هذا معنى قوله: في رواية عمرو بن دينار. " كنا نتزود لحوم الهدي إلى المدينة " أي لتوجهنا إلى المدينة ولا يلزم من ذلك بقاؤها معهم حتى يصلوا المدينة. والله أعلم ".

قلت: لكن هناك طرق أخرى عن عطاء تبطل هذا التأويل مع مخالفته للظاهر، منها ما عند ابن أبي شيبة: أنبأنا علي بن مسهر عن عبد الملك عن عطاء به بلفظ: " كنا نبلغ المدينة بلحوم الأضاحي ". وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه أبو الزبير عن جابر قال: " أكلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الأضاحي وتزودنا حتى بلغنا بها المدينة ". أخرجه أحمد (3 / 386) من طريق زهير والطحاوي (2 / 308) من طريقين أخريين ثلاثتهم عن أبي الزبير به. وهو على شرط مسلم، مع عنعنه أبي الزبير، لكنه يتقوى برواية عبد الملك وهو ابن أبي سليمان وهو ثقة. ومما يشهد لروايتهما رواية شعبة عن عمرو بن دينار عند الدارمي بلفظ: " إن كنا لنتزود من مكة إلى المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الأضاحي ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. قلت: فهذا اللفظ عن عمرو بن دينار ومتابعة عبد الملك وأبو الزبير على معناه المصرحة بأنهم بلغوا بما تزودوا به من الأضاحي أو الهدي إلى المدينة يبطل بكل وضوح ذلك المعنى الذي تقدم ذكره عن الحافظ في سبيل التوفيق بين رواية البخاري النافية وروايته الأخرى عن عمرو المثبتة، فتعين أنه لابد من الترجيح ولا يشك أي باحث ذي نظر ثاقب أن رواية عمرو هي الراجحة لما لها من الشواهد التي ذكرنا ولأنها مثبتة، ومن المعلوم في الأصول أن المثبت مقدم على النافي، لاسيما وأن للحديث شواهد عن غير جابر من الصحابة ولعلي إذا نشطت ذكرت ما تيسر لي منها. وتبين بهذا التخريج أن رواية ابن جريج غير محفوظة وهو ما أشار إليه الإمام

البيهقي بقوله عقب رواية عمرو: " فالتزود إلى المدينة حفظه عمرو بن دينار عن عطاء (أي ولم يحفظه ابن جريج عنه) وحفظه أيضا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء، وحفظه زهير بن معاوية (قلت: وغيره كما تقدمت الإشارة إليه ) عن أبي الزبير عن جابر ". وقد روى التزود المذكور من الصحابة غير جابر. 1 - ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم والدارمي والبيهقي. 2 - وأبو سعيد الخدري: " كنا نتزود من وشيق الحج حتى يكاد يحول عليه الحول " . أخرجه أحمد (3 / 85) بسند حسن. (تنبيه) لقد شاع بين الناس الذين يعودون من الحج التذمر البالغ مما يرونه من ذهاب الهدايا والضحايا في منى طعما للطيور وسباع الوحوش، أو لقما للخنادق الضخمة التي تحفرها الجرارات الآلية ثم تقبرها فيها حتى لقد حمل ذلك بعض المفتين الرسميين على إفتاء بعض الناس بجواز بل وجوب صرف أثمان الضحايا والهدايا في منى إلى الفقراء، أو يشترى بها بديلها في بلاد المكلفين بها، ولست الآن بصدد بيان ما في مثل هذه الفتوى من الجور ومخالفة النصوص الموجبة لما استيسر من الهدي دون القيمة وإنما غرضي أن أنبه أن التذمر المذكور يجب أن يعلم أن المسؤول عنه إنما هم المسلمون أنفسهم لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن ، وإنما أذكر هنا سببا واحدا منها وهو عدم اقتدائهم بالسلف الصالح رضي الله عنهم في الانتفاع من الهدايا

806

بذبحها وسلخها وتقطيعها وتقديمها قطعا إلى الفقراء والأكل منها ثم إصلاحها بطريقة فطرية، كتشريقه وتقديده تحت أشعة الشمس بعد تمليحه أو طبخه مع التمليح الزائد ليصلح للادخار، أو بطريقة أخرى علمية فنية إن تيسرت لو أن المسلمين صنعوا في الهدايا هذا وغيره مما يمكن استعماله من الأسباب والوسائل لزالت الشكوى بإذن الله، ولكن إلى الله المشتكى من غالب المسلمين الذين يحجون إلى تلك البلاد المقدسة وهو في غاية من الجهل بأحكام المناسك الواجبة، فضلا عن غيرها من الآداب والثقافة الإسلامية العامة. والله المستعان. 806 - " العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن عم الرجل صنو أبيه ". (عن أبي هريرة وعمر بن الخطاب والحسن بن مسلم وعلي وعبد المطلب ربيعة بن الحارث) . صحيح، وله طرق: الأول: عن أبي هريرة. رواه الترمذي (2 / 305) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (3 / 21 / 1 - 2) عن الأعرج عنه. وإسناده صحيح وأصله عند مسلم (3 / 68) وأحمد (2 / 322) وغيرهما. الثاني: عن عمر بن الخطاب. رواه أبو بكر أيضا: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن عمر الثقفي أنبأنا أبي أنبأنا حصين بن المخارق عن الأعمش عن أبي رزين عنه مرفوعا. لكن الحصين هذا ضعيف جدا. الثالث: عن الحسن بن مسلم المكي مرفوعا. وإسناده صحيح إلى الحسن وهو تابعي ثقة. الرابع: عن علي مرفوعا بلفظ. " أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ".

807

أخرجه أحمد (1 / 94) بسند صحيح. الخامس: عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث مرفوعا بلفظ: " يا أيها الناس! من آذى العباس فقد آذاني، إنما عم الرجل صنو أبيه ". أخرجه أحمد (4 / 165) من طريق يزيد بن عطاء عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل حدثني عبد المطلب بن ربيعة ... قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي مولاهم فهو سيء الحفظ. ونحوه يزيد بن عطاء. لكن ذكرت له شاهدا في " المشكاة " (3156) يتقوى به. 807 - " ملئ عمار إيمانا إلى مشاشه ". أخرجه النسائي (2 / 269 - 270) والحاكم (3 / 392 - 393) من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي عمار واسمه عريب بن حميد الهمداني وهو ثقة، وجهالة الصحابي لا تضر على أنه قد سماه محمد بن أبي يعقوب حدثنا عبد الرحمن بن مهدي به فقال: " عبد الله " يعني ابن مسعود. أخرجه الحاكم وقال: " صحيح على شرط الشيخين إن كان محمد بن أبي يعقوب حفظ عن عبد الرحمن بن مهدي! ووافقه الذهبي! قلت: ابن أبي يعقوب هذا ثقة من شيوخ البخاري، واسمه أبيه إسحاق فإذا

808

كان قد حفظه، فلا يزيد على كونه صحيحا لأن أبا عمار ليس من رجال الشيخين كما ذكر آنفا . وله طريق أخرى، يرويه عثام بن علي عن الأعمش عن أبي إسحاق عن هانىء بن هانىء قال: " دخل عمار على علي، فقال: مرحبا بالطيب المطيب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره. أخرجه ابن ماجه (147) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 139) . قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري غير هانىء بن هانىء وهو مستور كما في " التقريب ". وله شاهد يرويه محمد بن حميد حدثنا سلمة بن الفضل عن ابن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " من قرنه إلى قدمه . يعني مشاشه ". أخرجه أبو نعيم. قلت: وإسناده ضعيف مسلسل بالضعفاء، وهم من دون سعيد بن جبير. 808 - " بعثت في نسم الساعة ". رواه الدولابي في " الكنى (1 / 23) وابن منده في " المعرفة " (2 / 234 / 2 ) عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي جبيرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات وفي صحبة أبي جبيرة خلاف، ورجح الحافظ في " التقريب " أن له صحبة وذكر في " الإصابه " أنه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث، وهذا هو الصواب خلافا لقول العجلي في الثقات ":

809

" ليس له إلا حديث واحد ". قلت: يشير إلى ما رواه الشعبي قال: حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال: " فينا نزلت في بني سلمة * (ولا تنابزوا بالألقاب) * قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعي أحد منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله إنه يغضب من هذا: قال: فنزلت * (ولا تنابزوا بالألقاب) * ". أخرجه أحمد (4 / 260) وغيره وصححه الترمذي (4 / 187) والحاكم (2 / 463) والذهبي. وفي ذلك كله إشارة إلى أن الراجح عندهم صحبة أبي جبيرة، وهو ظاهر قوله " فينا نزلت ". والله أعلم . والحديث رواه الحاكم أيضا في " الكنى " كما في " الفتح الكبير " ولم يعزه لغيره! قوله: (نسم الساعة) . في " النهاية ": " هو من النسيم أول هبوب الريح الضعيفة، أي: بعثت في أول أشراط الساعة وضعف مجيئها. وقيل: هو جمع نسمة، أي: بعثت في ذوي أرواح خلقهم الله تعالى قبل اقتراب الساعة كأنه قال: في آخر النشو من بني آدم ". قلت: فهو بمعنى الحديث الأخر " بعثت بين يدي الساعة ". 809 - " بعثت من خير قرون بني آدم قرنا فقرنا، حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه ". رواه البخاري (4 / 151 - النهضة) وأحمد (2 / 373 و 417) وابن سعد

810

(1 / 25) وابن عساكر (12 / 240 / 1) عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن سعيد يعني المقبري عن أبي هريرة مرفوعا. 810 - " تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع أقوام دينهم بعرض الدنيا ". أخرجه الترمذي (3 / 221 بشرح التحفة) وابن أبي شيبة في " الإيمان " (رقم 64 ) والحاكم (4 / 438 - 439) والفريابي في " صفة المنافق " (ص 66 من " دفائن الكنوز ") من طرق عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك مرفوعا به. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب من هذا الوجه ". قال الشارح: " لم يحسنه الترمذي والظاهر أنه حسن ". وهو كما قال، فإن سعد بن سنان وثقه ابن معين وحسبك به. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ: " بادروا " وقد تقدم. وآخر من حديث ابن عمر يأتي بلفظ: " ليغشين " رقم (1267) . 811 - " الحسن مني والحسين من علي ". أخرجه أبو داود (2 / 186) وأحمد (4 / 132) وابن عساكر (4 / 258 / 2) من طريق بقية حدثنا بجير بن سعد عن خالد بن معدان قال: " وفد المقدام بن معدي كرب وعمرو بن الأسود إلى معاوية، فقال معاوية للمقدام: أعلمت أن الحسن بن علي توفي؟ فرجع المقدام، فقال له معاوية: أتراها مصيبة؟ فقال: ولم لا أراها مصيبة، وقد وضعه رسول الله في حجره وقال ... " فذكره.

812

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وقال المناوي: " قال الحافظ العراقي: وسنده جيد، وقال غيره: فيه بقية صدوق له مناكير وغرائب وعجائب ". قلت: ولا منافاة بين القولين، فإن بقية إنما يخشى من تدليسه وهنا قد صرح بالتحديث كما رأيت وهو في رواية أحمد. 812 - " خير التابعين رجل من قرن يقال له أويس ". رواه مسلم (7 / 189) وابن سعد (6 / 113) والعقيلي في " الضعفاء " (50) والحاكم (3 - 404) عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أسير بن جابر: أن عمر بن الخطاب قال لأويس القرني: استغفر لي قال: أنت أحق أن تستغفر لي ، إنك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر (3 - 98 - 2) . ثم روى عن ابن صاعد أنه قال: " أسانيد أحاديث أويس صحاح، رواها الثقات وهذا الحديث منها وهذا يسميه أهل البصرة يسير بن جابر ويسميه أهل الكوفة يسير بن عمرو، وله صحبة ". وله شاهد من حديث علي يرويه يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى قال: " لما كان يوم صفين، نادى مناد من أصحاب معاوية وأصحاب علي: أفيكم أويس القرني، قالوا: نعم، فضرب دابته، حتى دخل معهم، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: خير التابعين أويس القرني ". أخرجه الحاكم (3 - 402) عن شريك عن يزيد بن أبي زياد. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل شريك ويزيد، فإنهما ضعيفان من قبل حفظهما، فحديثه حسن في الشواهد.

813

813 - " اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتنة ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب ". رواه أحمد (5 / 427، 427 - 428، 428) وأبو عمرو الداني في " الفتن " (179 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 559 مخطوطة المكتب الإسلامي) عن عمرو بن أبي عمرو عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين. ومحمود بن لبيد صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة كما قال الحافظ في " التقريب " ومراسيل الصحابة حجة كما هو مقرر في علم المصطلح ولذلك رمز له السيوطي بالصحة في " الجامع الصغير " وصرح بذلك في " الكبير " (1 / 19 / 2) فقال: " وصحح ". 814 - " هذان السمع والبصر. يعني أبا بكر وعمر ". أخرجه الترمذي (4 / 311) : حدثنا قتيبة أنبأنا ابن أبي فديك عن عبد العزيز بن المطلب عن أبيه عن جده - عبد الله بن حنطب. " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أبا بكر وعمر، فقال " فذكره وقال: " وفي الباب عن عبد الله بن عمر، هذا حديث مرسل وعبد الله بن حنطب لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: رجاله ثقات، لكن وقع اختلاف في موضعين من إسناده: الأول: في رواية ابن أبي فديك عن عبد العزيز هل بينهما واسطة أم لا؟ فرواه قتيبة عنه هكذا بدون الواسطة، وتابعه موسى بن أيوب فقال: عن ابن أبي فديك عن عبد العزيز. أخرجه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 385) عن أبيه: حدثنا موسى ابن أيوب به. وقال عنه: " وهذا أشبه ". يعني من الوجه الآتي:

وخالفهما آدم بن أبي إياس العسقلاني، فقال: حدثني محمد بن إسماعيل ابن أبي فديك المدني عن الحسن بن عبد الله بن عطية السعدي عن عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده عبد الله بن حنطب قال: " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى أبي بكر وعمر، فقال " الحديث. أخرجه الحاكم (3 / 69) وقال: " صحيح الإسناد ". وقال الذهبي: " قلت: حسن ": قلت: ولعله يعني حسن لغيره وإلا فإن الحسن بن عبد الله بن عطية السعدي لم أجد له ترجمة، لكنه قد توبع كما يأتي، فقد قال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي فديك قال حدثني غير واحد عن عبد العزيز بن المطلب به ". وقد وصله ابن منده من طريق دحيم عن ابن أبي فديك به، كما في " الإصابة " للحافظ ابن حجر وقال: " وكذا هو عند البغوي، وسمى منهم عمرو بن أبي عمرو وعلي بن عبد الرحمن ابن عثمان، فهذا يدل على أن ابن أبي فديك لم يسمعه من عبد العزيز، وقد رواه أحمد بن صالح المصري وآخرون عن ابن أبي فديك هكذا وسموا المبهمين علي بن عبد الرحمن، وعمرو بن أبي عمرو. ورواه جعفر بن مسافر عن ابن أبي فديك فقال: عن المغيرة بن عبد الرحمن عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. فهذا اختلاف آخر، يقتضي أن يكون الحديث من رواية حنطب والد عبد الله، وقد قيل في المطلب بن عبد الله بن حنطب : إنه المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب، فإن ثبت، فالصحبة للمطلب بن حنطب. والله أعلم ".

قلت: ويتضح من هذا التحقيق أن أكثر الرواة على إثبات الواسطة بين ابن أبي فديك وعبد العزيز بن المطلب، ولذلك فقول أبي حاتم في الوجه الأول: " إنه أشبه "، ليس بالمقبول، وقد أشار الحافظ إلى رده بقوله في " التهذيب ": " وقد سقط بين ابن أبي فديك وبين عبد العزيز واسطة ". والموضع الآخر: الاختلاف في مسند الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل هو عبد الله بن حنطب أم أبوه حنطب؟ فقال ابن أبي فديك في جميع الروايات عنه: إنه عبد الله، وقال جعفر بن مسافر عنه عن المغيرة بن عبد الرحمن: إنه حنطب، كما تقدم في كلام الحافظ. ولا شك عندي أن الأول أرجح، لأنه رواية الأكثر، فمخالفة جعفر بن مسافر، لا يعتد بها، لاسيما وقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه ، كما يشير إلى ذلك قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما أخطأ ". وقد خالفهم في موضع آخر من السند، وهو أنه جعل شيخ ابن أبي فديك المغيرة بن عبد الرحمن، وذلك مما لم يذكره أحد منهم، لكن الخطب في هذه المخالفة سهل، لأنه يمكن أن يكون المغيرة هذا من جملة أولئك الشيوخ الذين أشار إليهم دحيم في روايته عن ابن أبي فديك. ثم وجدت لجعفر متابعا عند ابن عبد البر في " الاستيعاب " (1 / 401 - النهضة) وقال: " والمغيرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامي ضعيف، وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي، وذلك ثقة ". فإذا ترجح أن الحديث من مسند عبد الله بن حنطب، فهل هو صحابي أم لا؟ اختلفوا في ذلك، وقد جزم بصحبته ابن عبد البر وهو مقتضى قوله في رواية الحاكم.

" كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم "، ومثلها رواية ابن أبي حاتم عن ابن أبي فديك عن غير واحد، ففيها قوله: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وكذلك رواية موسى بن أيوب عن ابن أبي فديك، كما في " الإصابة " وقال عقبها: " فهذا يقتضي ثبوت صحبته ". قلت: وهو الذي نرجحه. وإذا عرفت ذلك، فالإسناد عندي صحيح كما قال الحاكم، لأن السعدي لم يتفرد به، بل تابعه جماعة منهم عمرو بن أبي عمرو وهو ثقة. والله أعلم. والحديث أورده السيوطي في " الجامع " بهذا اللفظ من رواية الترمذي والحاكم، وبلفظ: " أبو بكر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس ". برواية أبي يعلى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده، قال ابن عبد البر: وما له غيره، (حل) عن ابن عباس. (خط) عن جابر.

قلت: وهو بهذا اللفظ شاذ عندي أو منكر، لمخالفته لرواية الجماعة عن ابن أبي فديك في لفظه المتقدم الذي فيه قرن عمر مع أبي بكر، خلافا لهذا، ولم أقف على إسناده إلى المطلب لننظر هل هو شاذ أم منكر. وأما حديث (حل) فلم أره في " فهرس الحلية "، لكن ذكر المناوي أن في إسناده الوليد بن الفضل، وقد قال الذهبي في " الميزان ": " قال ابن حبان: يروي الموضوعات "، ثم ذكر له حديثا قال: إنه باطل. وفي " اللسان ": " وقال الحاكم وأبو نعيم وأبو سعيد النقاش: روى عن الكوفيين الموضوعات ".

815

وأما حديث (خط) عن جابر، فهو صحيح، وإسناده حسن، لكنه يختلف في متنه عن هذا بعض الشيء ولذلك رأيت أن أفرده بالتخريج، وهو الآتي. 815 - " أبو بكر وعمر من هذا الدين كمنزلة السمع والبصر من الرأس ". أخرجه الطبراني والخطيب في " تاريخ بغداد " (8 / 459 - 460) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات وفي ابن عقيل كلام من قبل حفظه لا ينزل به حديثه عن هذه المرتبة التي ذكرنا. وأخرجه ابن شاهين في " فضائل العشرة المبشرين بالجنة " من " السنة " له (رقم 70 - نسختي) من طريقين عن الحكم بن مروان حدثنا فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر. " أن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث رجلا في حاجة مهمة وأبو بكر عن يمينه وعمر عن يساره، فقال له علي بن أبي طالب: ألا تبعث أحد هذين؟ فقال .... " فذكره. لكن الفرات هذا متروك، فلا يستشهد به. وله شاهدان آخران من حديث عمرو بن العاص وحذيفة بن اليمان، أخرجهما الهيثمي في " مجمع الزائد " (9 / 52 - 53) .

816

816 - " السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (303 / 2) من طريق السري ابن عاصم حدثنا حفص بن عمر الأيلي حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أورده في ترجمة ابن أبي رواد وقال فيه : " وفي بعض رواياته ما لا يتابع عليه ". قلت: وهذا جرح لين وقد وثقه جماعة واحتج به مسلم، فلو أن الإسناد لم يكن فيه غيره لكان جيدا ولكن العلة فيمن دونه، فإن حفص بن عمر قال فيه ابن عدي نفسه: " أحاديثه كلها إما منكرة المتن أو السند وهو إلى الضعف أقرب ". وقال أبو حاتم: " كان شيخا كذابا ". والسري بن عاصم وهاه ابن عدي، وقال: يسرق الحديث، وكذبه ابن خراش. وساق له الذهبي بعض الأحاديث المنكرة، وقال: " إنها من بلاياه ومصائبه ". قلت: فلو أن ابن عدي ساق الحديث في ترجمة أحدهما لكان أقرب إلى الصواب.

ويمكن أن يقال: لعل ابن عدي إنما أورده في ترجمة ابن أبي رواد لأن الحديث معروف به، قد رواه عنه غير هذين، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 331) : " سئل أو زرعة عن حديث رواه أبو تقي قال: حدثني بقية قال: حدثني عبد العزيز بن أبي رواد به ... فذكره بلفظ: (لا تبدأوا بالكلام قبل السلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام، فلا تجيبوه) قال أبو زرعة: هذا حديث ليس له أصل، لم يسمع بقية هذا الحديث من عبد العزيز إنما هو عن أهل حمص وأهل حمص لا يميزون هذا ". قلت: أبو تقي اسمه هشام بن عبد الملك ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 199) وقال: " غريب من حديث عبد العزيز لم نكتبه إلا من حديث بقية ". قلت: ولم يصرح عنده بالتحديث، لكن قد صرح به في رواية أخرى، فقال ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (210) : أخبرنا العباس ابن أحمد الحمصي: حدثنا كثير بن عبيد حدثنا بقية بن الوليد حدثنا ابن أبي رواد به مختصرا بلفظ: " من بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه ". وكثير بن عبيد هذا حمصي ثقة ومن الصعب الاقتناع بأن مجرد كونه حمصيا - مع كونه ثقة - لا يميز بين قول بقية " عن " وبين قوله " حدثنا "! ولذلك فإني أذهب إلى أن الحديث بهذا الإسناد حسن على أقل الدرجات. والعباس بن أحمد الحمصي له ترجمة في " تاريخ ابن عساكر " (8 / 444 / 2) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا لكن روى عنه جمع. وقد روي من طرق أخرى عن نافع به ولكنها واهية. فأخرجه الطبراني في " الأوسط " من طريق هارون بن محمد أبي الطيب عن عبد الله العمري عنه. قال الهيثمي (8 / 32) : " وهارون بن محمد كذاب ".

817

قلت: وساقه هكذا ابن أبي حاتم (1 / 332) وقال: " قال أبو زرعة: هذا حديث ليس له أصل ". وأخرجه السلفي في " الطيوريات " (ق 252 / 1) من طريق الواقدي أنبأنا هارون السرخسي عن عبيد الله عن نافع به. والواقدي متهم واسمه محمد بن عمر بن واقد الأسلمي. 817 - " لا تأذنوا لمن لم يبدأ بالسلام ". رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 357) : حدثنا أبو أحمد عمر بن عبيد الله بن إبراهيم الوراق ـ إمام الجامع ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا سريج بن يونس حدثنا علي بن هاشم عن إبراهيم عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. أورده في ترجمة عمر هذا وقال: " توفي سنة ثمان وستين وثلاثمائة " ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وبقية رجاله ثقات كلهم غير أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه. وإبراهيم هو ابن طهمان ثقة من رجال الشيخين. وعبد الله بن محمد بن عبد العزيز هو أبو القاسم البغوي الحافظ الصدوق. والحديث قال الهيثمي (8 / 32) : " رواه أبو يعلى، وفيه من لم أعرفه "! وللحديث شاهد يرويه عبد الملك بن عطاء عن أبي هريرة ـ أشك في رفعه ـ قال: " لا يؤذن للمستأذن حتى يبدأ بالسلام ". قال الهيثمي:

818

" رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات إلا أن عبد الملك لم أجد له سماعا من أبي هريرة، قال ابن حبان: روى عن يزيد بن الأصم ". وله شاهد آخر بمعناه يرويه عمرو بن أبي سفيان أن عمرو بن عبد الله بن صفوان أخبره أن كلدة بن حنبل أخبره: أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ وضغابيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ارجع، فقل: السلام عليكم أأدخل؟ ". 818 - " ارجع، فقل: السلام عليكم أأدخل؟ ". وذلك بعد ما أسلم صفوان. قال عمرو: وأخبرني بهذا الحديث أمية بن صفوان ولم يقل سمعه من كلدة. أخرجه أحمد (3 / 414) وأبو داود (5176) والترمذي (2 / 118 ـ 119) وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح. وأخرج أبو داود (5177) من طريق ربعي قال: حدثنا رجل من بني عامر. أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت، فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ ". 819 - " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل؟ ". فسمعه الرجل، فقال: السلام عليكم، أأدخل، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل ". قلت: وإسناد صحيح أيضا وجهالة الصحابي لا تضر على أنه يحتمل أن يكون هو صفوان بن أمية الذي في الحديث المتقدم.

وجملة القول: أن الحديث عن جابر صحيح بهذه الشواهد الصحيحة. والحمد لله على توفيقه. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " والضياء في " المختارة " عن جابر. وأعله المناوي بقول الهيثمي المتقدم: " وفيه من لم أعرفهم ". ولا يخفاك إن هذا قاله في طريق أبي يعلى ولا يلزم أن يكون الأمر كذلك بالنسبة لطريق البيهقي والضياء بدليل رواية أبي نعيم، فإنها خالية ممن لا يعرف كما تقدم. ثم وقعت على إسناد أبي يعلى فقال في " مسنده " (2 / 499) : حدثنا عبد الأعلى أنبأنا معتمر أنبأنا أبو إسماعيل عن أبي الزبير والوليد بن عبد الله بن أبي مغيث عن جابر مرفوعا بلفظ أبي نعيم. وليس في هذا الإسناد من لا يعرف عندي، ورجاله ثقات كلهم غير أبي إسماعيل هذا وهو إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك. وأبو الزبير سبق. والوليد بن عبد الله بن أبي مغيث يروي عن التابعين وعنه جماعة منهم الخوزي أبو إسماعيل هذا. والراوي عنه معتمر هو ابن سليمان بن طرخان من رجال الشيخين. وعبد الأعلى شيخ أبي يعلى هو ابن حماد المعروف بالنرسي من شيوخ البخاري ومسلم، فلا أدري كيف لم يعرف الهيثمي بعض هؤلاء؟ ! .

820

فائدة: (اللبأ) هو أول ما يحلب عند الولادة. و (الضغابيس) هي صغار القثاء، واحدها ضغبوس. وقيل هي نبت ينبت في أصول الثمام يشبه الهليون، يسلق بالخل والزيت ويؤكل. 820 - " أبو سفيان بن الحارث خير أهلي ". أخرجه الطبراني والحاكم (3 / 255) من طريق عمرو بن عاصم الكلابي حدثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن أبي حبة البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي. وهو كما قال، غير أن في الكلابي ضعفا في حفظه، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق في حفظه شيء ". والحديث أورده في " المجمع " (9 / 274) بهذا اللفظ وزيادة: " أو من خير أهلي " وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " وإسناده حسن ".

821

(تنبيه) : ذكر المناوي الحديث بلفظ " خير أهل الجنة " من رواية الطبراني والحاكم وهو وهم نشأ من التلفيق بين هذا الحديث وبين حديث آخر مرسل بلفظ: " أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة ". 821 - " أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام، فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا (يعني الحسين) ، فقلت: هذا؟ فقال: نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء ".

822

أخرجه الحاكم (3 / 176 - 177) عن محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث. " أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة، قال: وما هو؟ قالت: إنه شديد، قال: وما هو؟ قالت رأيت كأن قطعة من جسدك قطعت ووضعت في حجري، فقال: رأيت خيرا، تلد فاطمة إن شاء الله غلاما فيكون في حجرك، فولدت فاطمة الحسين، فكان في حجري كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخلت يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره، ثم حانت مني التفاتة فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك؟ ... " فذكره وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل ومحمد بن مصعب ضعيف ". قلت: لكن له شواهد عديدة تشهد لصحته، منها ما عند أحمد (6 / 294) حدثنا وكيع قال: حدثني عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة قال وكيع: شك هو يعني عبد الله بن سعيد - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحدهما: " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي : إن ابنك هذا: حسين مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ". 822 - " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا: حسين مقتول وإن شئت أريتك من تربتة الأرض التي يقتل بها ". قال " فأخرج تربة حمراء ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال الهيثمي (9 / 187) :

823

" رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". وله شاهد آخر من حديث أنس نحوه. أخرجه أحمد (3 / 242، 265) عن عمارة بن زاذان حدثنا ثابت عنه. وعمارة هذا " صدوق كثير الخطأ ". كما في " التقريب ". وشاهد آخر من حديث عبد الله بن نجي عن أبيه سار مع علي، فلما حاذى (نينوى) ... قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان ... " الحديث نحو حديث أم الفضل. أخرجه أحمد (1 / 85) . قلت: ورجاله ثقات غير نجي، قال الحافظ: " مقبول " يعني عند المتابعة وقد توبع، فقد قال الهيثمي (7 / 187) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا ". ثم ذكره من حديث أم سلمة وأبي الطفيل وإسناده حسن. 823 - " إياكن وكفر المنعمين، فقلت: يا رسول الله وما كفر المنعمين؟ قال: لعل إحداكن تطول أيمتها من أبويها، ثم يرزقها الله زوجا ويرزقها منه ولدا، فتغضب الغضبة فتكفر فتقول: ما رأيت منك خيرا قط ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1048) : حدثنا مخلد قال: حدثنا مبشر ابن إسماعيل عن ابن أبي غنية عن محمد بن مهاجر عن أبيه عن أسماء ابنة زيد الأنصارية: " مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في جوار أتراب لي، فسلم علينا، وقال.... ". فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح " غير مهاجر وهو

824

ابن أبي مسلم روى عنه جماعة من الثقات غير ابنه محمد هذا، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقد تابعه عبد الحميد بن بهرام حدثني شهر قال: سمعت أسماء بنت يزيد الأنصارية تحدث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوما ... " الحديث نحوه. أخرجه أحمد (6 / 452 - 453 - 453، 457 - 458) والبخاري (1047) . ولأبي داود (5204) منه قصة السلام فقط، وكذلك أخرجه الترمذي (2 / 117) والدارمي (2 / 277) وابن ماجه (7701) ، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن، قال أحمد بن حنبل: لا بأس بحديث عبد الحميد ابن بهرام عن شهر بن حوشب ... ". ولهما شاهد من حديث جرير بن عبد الله. أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 392 - نسخة المكتب) . 824 - " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين ". روي عن جمع من الصحابة منهم علي بن أبي طالب وأنس بن مالك وأبو جحيفة وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري. 1 - أما حديث علي، فله عنه طرق: الأولى: عن الحارث عنه به وزاد: " لا تخبرهما يا علي ". أخرجه الترمذي (4 / 310) وابن ماجه (1 / 49) وابن عدي (214 / 2) والخطيب

وابن شاهين في " السنة " (رقم 67 نسختي) والخطيب في " تاريخ بغداد " (10 / 192) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 307 / 2) . قلت: سكت عنه الترمذي، والحارث ضعيف، وأسقطه بعض الرواة من السند عند ابن عساكر في بعض رواياته. وجعل بعضهم مكانه زيد بن يثيع وهو ثقة . لكن الراوي عن الشعبي ضعيف. الثانية: عن زر بن حبيش عنه. أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 99) وابن عدي (100 / 2) وعبد الغني المقدسي في " الإكمال " (1 / 14 / 2) وابن عساكر (9 / 310 / 1) من طرق عن عاصم بن بهدلة عنه. وقال المقدسي: " هذا حديث مشهور، له طرق جمة، روي عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: وهذا إسناد حسن، معروف الحسن، فإن زرا هذا ثقة من رجال الشيخين، وعاصم، أخرجا له مقرونا، قال الحافظ: " صدوق له أوهام، حجة في القراءة ". الثالثة: قال عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1 / 80) : حدثني وهب بن بقية الواسطي حدثنا عمر (في الأصل: عمرو) بن يونس اليمامي عن عبد الله بن عمر اليمامي عن الحسن بن زيد بن حسن حدثني أبي عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال: " كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: " يا علي هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيين والمرسلين ". قلت: وهذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات معروفون، غير الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان، وقال ابن معين: ضعيف،

وقال ابن عدي: أحاديثه عن أبيه أنكر مما روى عن عكرمة. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، يهم، وكان فاضلا ". وبقية الرجال مترجمون في " التهذيب " غير عمر بن يونس اليمامي، فترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 142 - 143) وروى عن أحمد وابن معين أنهما قالا: ثقة. وأخرجه ابن عساكر (9 / 307 / 1) من طريق ابن أحمد وغيره عن وهب به. وتابعه عنده إبراهيم بن مرزوق أنبأنا عمر بن يونس به. الرابعة: عن الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن علي بن الحسين ... (كذا الأصل إشارة إلى أن مكان النقط سقط) عن علي بن أبي طالب به. أخرجه الترمذي (4 / 310) وقال: " حديث غريب من هذا الوجه ". قلت: والوليد هذا متروك متهم بالكذب. وأخرجه ابن عساكر (13 / 1) عنه، ومن طريق عصمة بن محمد الأنصاري أنبأنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب به. قلت: وهذا إسناد متصل ولكن عصمة بن محمد كذاب يضع الحديث كما قال ابن معين. 2 - وأما حديث أنس، فله عنه طريقان:

الأولى: يرويه قتادة عنه به، وفيه الزيادة. أخرجه الترمذي (4 / 310) والضياء المقدسي في " المختارة " (197 - 198) وابن عساكر (2 / 250 / 1، 9 / 311 / 1، 13 / 24 / 1) من طريق محمد بن كثير قال: حدثنا الأوزاعي عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن كثير وهو الصنعاني المصيصي قال الحافظ: " صدوق كثير الغلط ". قلت: ويبدو أن بعضهم توهم أنه محمد بن كثير العبدي البصري، وهو من رجال الشيخين أيضا. فقال المناوي: " قال الصدر المناوي: سنده سند البخاري "! فالتبس عليه الصنعاني المضعف بالبصري الثقة! وقد خولف في إسناده كما يأتي وأشار ابن أبي حاتم (2 / 390) إلى أنه منكر. الثانية: أخرجه ابن عساكر (9 / 310 / 2) والضياء (145 / 2) من طريق أبي يعلى الموصلي: حدثنا سهل بن زنجلة الرازي حدثنا عبد الرحمن بن عمر حدثنا عبد الله بن يزيد العبدي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد لم أعرف منه غير سهل هذا، وهو ثقة. 3 - وأما حديث أبو جحيفة، فيرويه خنيس بن بكر بن خنيس حدثنا مالك بن مغول عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه به. أخرجه ابن حبان (2192) وكذا ابن ماجه (1 / 51) والدولابي في " الكنى " (1 / 120) من طرق عنه.

قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير خنيس هذا، قال صالح جزرة: " ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وسكت عليه البوصيري في " الزوائد " (8 / 1) ، لكنه نص في " المقدمة " أن ما سكت عليه، ففيه نظر. 4 - وأما حديث جابر، فرواه الطبراني في " الأوسط " عن شيخه المقدام بن داود، وقد قال ابن دقيق العيد: إنه وثق، وضعفه النسائي وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي (9 / 53) ، ومن هذا الوجه أخرجه ابن عساكر (13 / 24 / 1) . 5 - وأما حديث أبي سعيد، فرواه البزار والطبراني في " الأوسط "، وفيه علي بن عابس وهو ضعيف. 6 - وأما حديث ابن عمر، فيرويه داود بن مهران الدباغ أبو سليمان: حدثنا عبد الرحمن بن مالك بن مغول عن عبيد الله عن نافع عنه. أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (77) وابن عساكر (13 / 23 / 2) ، وقال ابن أبي حاتم (2 / 389) عن أبيه: " هذا حديث باطل، يعني بهذا الإسناد، وامتنع أن يحدثنا، وقال: اضربوا عليه ". قلت: ورجاله ثقات غير عبد الرحمن بن مالك بن مغول، وهو كذاب كما قال أبو داود، وقال الدارقطني: متروك، فهو آفة هذا الإسناد، وإنما ذكرته لبيان حاله. وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح بلا ريب، لأن بعض طرقه حسن لذاته كما رأيت، وبعضه يستشهد به، والبعض الآخر مما اشتد ضعفه فنحن بما

825

تقدم في غنى عنه، وكأنه لذلك رمز السيوطي له بالصحة. (تنبيه) لقد أوقفني بعض الإخوان المجدين في الدراسة وطلب العلم على هذا الحديث في كتاب " أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب " للشيخ محمد بن درويش الحوت البيروتي (ص 13 - طبعة الحلبي 1346) قال فيه: " رواه الشيخان وغيرهما عن علي وغيره ". وهذا خطأ محض فلم يروه الشيخان أصلا. كما يتبين من هذا التخريج فاقتضى التنبيه. 825 - " لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ". أخرجه أبو داود (2 / 110) والنسائي (1 / 352) وأحمد (2 / 179، 184، 202) عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: هذا سند حسن. وورد بلفظ: " لا يجوز لامرأة هبة في مالها إذا ملك عصمتها ". أخرجه أبو داود أيضا والنسائي (2 / 137) واللفظ له وابن ماجه (2 / 70) والحاكم (2 / 47) عن عمرو به وزاد ابن ماجه: " إلا بإذن زوجها ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو حسن للخلاف المشهور في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وله شاهد بلفظ: " لا يجوز للمرأة في مالها أمر إلا بإذن زوجها ".

826

أخرجه ابن ماجه (2 / 70) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 403) وابن منده في " المعرفة (2 / 323 / 1) من طريق الليث بن سعد عن عبد الله بن يحيى الأنصاري ـ رجل من ولد كعب بن مالك ـ عن أبيه عن جده. أن جدته خيرة امرأة كعب بن مالك أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلي لها فقالت: إني تصدقت بهذا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره ". فهل استأذنت كعبا؟ قالت: نعم، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كعب بن مالك، فقال: هل أذنت لخيرة أن تتصدق بحليها؟ فقال: نعم، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ". قال الطحاوي: " حديث شاذ لا يثبت " وقال ابن عبد البر: " إسناده ضعيف لا تقوم به الحجة ". قلت: وعلته عبد الله بن يحيى الأنصاري ووالده، فإنهما مجهولان كما في " التقريب ". وله شاهد آخر من حديث واثلة، وقد مضى برقم (776) ، وأجبت هناك عن إشكال يورده البعض على الحديث فيما إذا كان الزوج مستبدا في ولايته على زوجته، فراجعه. 826 - " ذاك جبريل عرض لي في جانب الحرة، فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة. فقلت: يا جبريل وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم، قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم. قال: قلت: وإن سرق وإن زنى؟ قال: نعم وإن شرب الخمر ".

أخرجه البخاري (8 / 79 ـ نهضة) وفي " الأدب المفرد " (803) ومسلم (3 / 76) والترمذي (3 / 269) وأحمد (5 / 152) من طريق زيد بن وهب عن أبي ذر قال: " خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده ليس معه إنسان، قال: فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد، قال: فجعلت أمشي في ظل القمر، قال: فالتفت فرآني، فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر جعلني الله فداءك، قال: يا أبا ذر تعاله، قال: فمشيت معه ساعة، فقال: " إن المكثيرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح فيه بيمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا ". قال: فمشيت معه ساعة، فقال: اجلس ها هنا، فقال: فأجلسني في قاع حوله حجارة، فقال لي: اجلس ها هنا حتى أرجع إليك. قال: فانطلق في الحرة حتى لا أراه، فلبث عني، فأطال اللبث، ثم إني سمعته وهو مقبل يقول: وإن سرق وإن زنى! قال: فلما جاء لم أصبر، فقلت : يا نبي الله جعلني الله فداءك من تكلم في جانب الحرة؟ ما سمعت أحدا يرجع إليك شيئا، قال ... " فذكره. وليس عند الترمذي منه سوى قوله: " أتاني جبرئيل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: نعم ". وقال: هذا حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي الدرداء. قلت: وأخرجه هكذا مختصرا مثل الترمذي، البخاري أيضا (4 / 90) ومسلم من هذا الوجه. وتابعه المعرور بن سويد عن أبي ذر به.

أخرجه البخاري (2 / 63) ومسلم (1 / 66) وأحمد (5 / 152، 159، 161) . وحديث أبي الدرداء وصله ابن حبان (10) من طريق هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس حدثنا الأعمش عن أبي صالح عنه. وهشام فيه ضعف، وكأنه لذلك قال البخاري عقب حديث زيد بن وهب: " مرسل لا يصح، والصحيح حديث أبي ذر ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع " بلفظ: " أتاني جبريل، فقال: بشر أمتك ... " الحديث بتمامه، قال: " رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان عن أبي ذر ". ولم أره بهذا اللفظ عند أحد من هؤلاء ولا أخرجه النسائي وأما ابن حبان فلم أره في " موارد الظمآن " إلا من حديث أبي الدرداء كما تقدم، وليس لفظه بهذا اللفظ الذي ساقه السيوطي ولا بتمامه. ثم ذكره السيوطي بلفظ الترمذي المتقدم، وقال: رواه الشيخان. ولم يعزه إلى الترمذي! فتأمل كم في صنيعه من خلل.

827

827 - " كان إذا جلس احتبى بيديه ". أخرجه أبو داود (4846) والترمذي في " الشمائل " (1 / 221 ـ 222) وابن عدي في " الكامل " (140 / 2) وعنه البيهقي في " السنن " (3 / 236) من طريق عبد الله بن إبراهيم المدني قال: حدثني إسحاق بن محمد الأنصاري عن ربيح بن عبد الرحمن بن أبي سعيد عن أبيه عن جده أبي سعيد الخدري مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وفيه علل: الأولى: ربيح هذا مختلف فيه، فقال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. الثانية: إسحاق بن محمد الأنصاري. قال الحافظ: " مجهول تفرد عنه الغفاري ". الثالثة: عبد الله بن إبراهيم المدني متروك واتهمه ابن حبان وغيره بالوضع وبه أعله أبو داود، فقال عقب الحديث: " شيخ منكر الحديث ". وقال المناوي بعد أن ذكر العلة الأولى والثالثة: " ومن ثم جزم الحافظ العراقي بضعف إسناده وبه تبين أن رمز المصنف لحسنه غير حسن بل وإن لم يحسنه، فاقتصاره على عزوه لمخرجه (يعني أبا داود) مع سكوته عما عقبه به من بيان القادح من سوء التصرف ".

وأقول: لكن الحديث صحيح لغيره، فإن له شواهد كثيرة تؤيده: الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة محتبيا بيده هكذا ". أخرجه البخاري (4 / 179) والبيهقي (3 / 235) وزاد: " وشبك أبو حاتم بيديه ". وراجع " الفتح " (11 / 56) . الثاني: عن ابن عباس قال: " بت ليلة عند خالتي ميمونة.. (فذكر صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل) قال: فصلى إحدى عشرة ركعة، ثم احتبى حتى إني لأسمع نفسه راقدا، فلما تبين له الفجر صلى ركعتين خفيفتين ". أخرجه مسلم (1 / 528 / 185 ـ بتحقيق عبد الباقي) . الثالث: عن جابر بن سليم قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو محتب بشملة، قد وقع هدبها على قدميه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1182 ) وأبو داود (4075) والبيهقي (3 / 236) وأحمد (5 / 63) بإسنادين عنه. الرابع: عن أبي هريرة. " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فوجدني في المسجد، فأخذ بيدي، فانطلقت معه حتى جئنا سوق بني قينقاع ... ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد، فجلس فاحتبى.... " الحديث. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1183) وأحمد (2 / 532) وإسناده حسن.

وهو في " البخاري " (2 / 21) ومسلم (4 / 1882 / 57) من طريق أخرى عن أبي هريرة لكن ليس فيه موضع الشاهد. ويشهد له. الخامس: عن رجل من بني سليط: " أنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قاعد على باب مسجده محتب وعليه ثوب قطر.... ". أخرجه أحمد (4 / 69 ـ 5 / 24 ـ 381) ، قلت: وإسناده صحيح. السادس: عن علي يرويه حنش بن المعتمر: " أن عليا رضي الله عنه: كان باليمن فاحتفروا زبية للأسد، فجاء حتى وقع فيها رجل وتعلق بآخر ... (الحديث) قال: فارتفعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: كان متكئا فاحتبى ... ". رواه أحمد (1 / 152) وسنده حسن. السابع: وفي حديث التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبيا ... " . أخرجه أحمد (3 / 441 ـ 442) . وإسناده حسن في الشواهد. وبالجملة فالحديث صحيح ولا يضر أن راويه متهم، فقد يصدق الكذوب وأي دليل على صدقه هنا أكبر من هذه الشواهد؟

828

828 - " من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات فبرئت منه الذمة، ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات، فقد برئت منه الذمة ". أخرجه أحمد (4 / 79) من طريق محمد بن ثابت عن أبي عمران الجوني قال: حدثني بعض أصحاب محمد - وغزونا نحو فارس - فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل محمد بن ثابت وهو العبدي البصري صدوق لين الحديث كما في " التقريب ". وقد خالفه عباد بن عباد فقال: عن أبي عمران الجوني عن زهير بن عبد الله يرفعه. أخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 47 / 2) : حدثني عباد ابن عباد به. وعباد هذا هو أبو معاوية الأزدي البصري، قال الحافظ: " ثقة ربما وهم ". وإسناده هذا كأنه مرسل، فقد قال أحمد: حدثنا أزهر حدثنا هشام - يعني - الدستوائي عن أبي عمران الجوني قال: " كنا بفارس وعلينا أمير يقال له: زهير بن عبد الله، فقال: حدثني رجل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم قال أحمد (5 / 271) : حدثنا عبد الصمد حدثنا أبان حدثنا أبو عمران حدثنا زهير بن عبد الله - وكان عاملا على (توج) - وأثنى عليه خيرا - عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: فقد بينت رواية الدستوائي وأبان أن رواية محمد بن ثابت وعباد فيها إرسال وأن الصواب أن الحديث من رواية زهير عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تابعهما الحارث بن عمير في " أدب البخاري " (1194) وفي " تاريخه الكبير " (2 / 1 / 389) . وزهير هذا ذكره جماعة في الصحابة وجزم ابن أبي حاتم عن أبيه بأن حديثه مرسل وكذا ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " . قلت: وعلى كل حال فالحديث صحيح متصل الإسناد وجهالة الصحابي لا تضر. ولشطره الأول شاهد من حديث علي بن شيبان به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1192) وأبو داود (5041) من طريق عمر بن جابر الجعفي عن وعلة بن عبد الرحمن بن وثاب عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه به. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، عبد الرحمن بن علي ثقة ومن دونه من المقبولين عند الحافظ بن حجر. وله شاهد آخر من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( ق 82 / 2، 83 / 2) . لكن إسناده واه، فيه الحسن بن عمارة وهو متروك. وفي معناه ما رواه عبد الجبار بن عمر عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينام على سطح ليس بمحجور عليه ". أخرجه الترمذي (2 / 139) وقال: " حديث غريب لا نعرفه من حديث محمد بن المنكدر عن جابر إلا من هذا الوجه وعبد الجبار بن عمر يضعف ".

829

829 - " إنه أتاني ملك، فقال: يا محمد أما يرضيك أن ربك عز وجل يقول: إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا؟ قال: بلى ". أخرجه النسائي (1 / 191) والدارمي (2 / 317) وابن حبان (2391) والحاكم (2 / 420) وأحمد (4 / 30) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن سليمان مولى الحسن بن علي عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه، فقالوا: يا رسول الله إنا لنرى السرور في وجهك فقال ... ": فذكره. والسياق لأحمد وفي رواية ابن حبان: " قلت: بلى أي رب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. كذا قال! . وسليمان هذا قال الذهبي نفسه في " الميزان ": " ما روى عنه سوى ثابت البناني، قال النسائي: ليس بالمشهور ". لكن الحديث صحيح، فإن له طريقا أخرى يرويه أبو معشر عن إسحاق بن كعب بن عجرة عن أبي طلحة الأنصاري به نحوه. أخرجه أحمد (4 / 29) . وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ أبي معشر، وإسحاق بن كعب مجهول الحال. فهو إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات. وله شاهد من حديث سلمة بن وردان قال: سمعت أنسا ومالك بن أوس بن الحدثان.

830

أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يتبرز، فلم يجد أحدا يتبعه، فخرج عمر، فاتبعه بفخارة أو مطهرة، فوجده ساجدا في مسرب، فتنحى، فجلس وراءه حتى رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه فقال: " أحسنت يا عمر! حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني إن جبريل جاءني فقال: من صلى عليك واحدة صلى الله عليه عشرا ورفع له عشر درجات ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (642) . وسلمة بن وردان ضعيف بغير تهمة، فيصلح للاستشهاد به. وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الرحمن بن عوف وقد خرجته في " الإرواء " (467) . والحديث أورده في " الفتح الكبير " بلفظ: " أتاني جبريل فقال: يا محمد أما يرضيك ... " الخ. ولم أره عند أحد هكذا، وهو في " الجامع الكبير " (1 / 11 / 1) بلفظ " أتاني الملك فقال ... " الخ. نعم لفظ النسائي: " جاءني جبريل ... ". 830 - " أتاني جبريل، فقال: يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعائر الحج ". أخرجه ابن ماجه (2 / 216 - 217) وابن حبان (974) والحاكم (1 / 450) وأحمد (5 / 192) من طريق سفيان عن عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن خلاد بن السائب عن زيد بن خالد الجهني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. واللفظ لابن حبان، وقال الآخرون: " جاءني جبريل.. " والباقي مثله سواء، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ".

831

قلت: وهو كما قال وإن خولف ابن لبيد في إسناده على ما حققته في " الإرواء " . وسفيان هو الثوري وقد خالفه أسامة بن زيد في إسناده فقال: " حدثني عبد الله بن أبي لبيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرني جبريل برفع الصوت في الإهلال، فإنه من شعائر الحج ". أخرجه أحمد (2 / 325) . وأسامة بن زيد هو الليثي مولاهم وفيه كلام من قبل حفظه والمتقرر أنه حسن الحديث إذا لم يخالف وأما مع المخالفة - كما هنا - فليس بحجة. (تنبيه) أورد السيوطي الحديث من رواية الأربعة الذين ذكرنا بلفظ: " أتاني جبريل فقال لي إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا ... ". ولم يروه أحد منهم بهذا اللفظ وإنما باللفظ المذكور أعلاه. فلا أدري من أين جاء به السيوطي! 831 - " أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت، فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس ". روي من حديث سهل بن سعد وجابر بن عبد الله وعلي بن أبي طالب. 1 - أما حديث علي، فيرويه زافر بن سليمان عن محمد بن عينية عن أبي حازم عنه مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 61 / 2 - من الجمع بينه وبين " الصغير ") والسهمي في " تاريخ جرجان " (62) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 253) والحاكم (4 / 324 - 325)

وقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! قلت: وهو من تساهلهما وخاصة الذهبي! فإنه أورد زافرا هذا في " الضعفاء " وقال: " قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه ". وقال الحافظ: " صدوق كثير الأوهام ". 2 - وأما حديث جابر، فيرويه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عنه. أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1755) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان ". قلت: وهذا سند ضعيف وله علتان: الأولى عنعنة أبي الزبير، فإنه كان مدلسا. والأخرى: ضعف الحسن بن أبي جعفر. قال الحافظ: " ضعيف الحديث مع عبادته وفضله ". 3 - وأما حديث علي، فيرويه علي بن حفص بن عمر حدثنا الحسن بن الحسين عن زيد بن علي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عنه. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 202) وقال: " غريب من حديث جعفر عن أسلافه متصلا لم نكتبه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو ضعيف، علي بن حفص والحسن بن الحسين لم أعرفهما. وزيد بن علي هو ابن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين أبو الحسين حفيد

832

زيد بن علي الذي ينسب إليه الزيدية مستور لم يوثقه أحد، وقال الحافظ: " مقبول ". ومن فوقه ثقات من رجال مسلم. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (2 / 11) من حديث سهل وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " " بإسناد حسن ". قال المناوي عن الحافظ ابن حجر: " وقد اختلف فيه نظر حافظين، فسلكا طريقين متناقضين، فصححه الحاكم ووهاه ابن الجوزي والصواب أنه لا يحكم عليه بصحة ولا وضع ولو توبع زافر لكان حسنا لكن جزم العراقي في " الرد على الصغاني والمنذري في " ترغيبه " بحسنه ". قلت: وهو الصواب الذي يدل عليه مجموع هذه الطرق والله أعلم. 832 - " خير المجالس أوسعها ". رواه البخاري في " المفرد " (1136) وأبو داود (4820) والحاكم (4 / 269) وأحمد (3 / 18 / 69) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (108 / 1) والقضاعي (100 / 1) من طريق عبد الرحمن بن أبي الموال عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري قال: أذن أبو سعيد بجنازة في قومه، فكأنه تخلف حتى أخذ الناس مجالسهم، ثم جاء فلما رآه القوم تشذبوا عنه، وقام بعضهم ليجلس في مجلسه، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، ثم تنحى فجلس في مكان واسع. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري كما قال الحاكم، وفي عبد الرحمن هذا كلام لا يضر، قال الحافظ:

833

" صدوق ربما أخطأ ". وله شاهد من حديث أنس. رواه البغوي في " حديث مصعب الزبيري " (49 / 1) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (290 / 1) والحاكم عن الدراوردي عن مصعب بن ثابت عن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير مصعب ابن ثابت وهو الأسدي الزبيري ضعيف من قبل حفظه قال الحافظ: " لين الحديث وكان عابدا ". وأما قول الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي. فهو وهم لأن مصعبا هذا مع ضعفه المذكور لم يخرج مسلم شيئا. 833 - " تحول إلى الظل ". أخرجه الحاكم (4 / 271) من طريق منجاب بن الحارث حدثنا علي بن مسهر عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبيه قال: " رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا قاعد في الشمس، فقال ... " فذكره. وزاد: " فإنه مبارك " وقال: " صحيح الإسناد وإن أرسله شعبة، فإن منجاب بن الحارث وعلي ابن مسهر ثقتان ". قلت: والمرسل أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1298) حدثنا شعبة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال:

834

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب، فرأى أبي في الشمس، فأمره أو أومى إليه أن ادن إلى الظل "، فذكره دون الزيادة. وكذا أخرجه أحمد (3 / 426) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة به. وأخرجه الحاكم من طريق الطيالسي به إلا أن فيه الزيادة. وهي عندي شاذة عن شعبة وعن إسماعيل ابن أبي خالد. أما الأول، فواضح من تفرد رواية الحاكم بها عن الطيالسي مع مخالفته لرواية " مسنده " ولرواية محمد بن جعفر عند أحمد. وأما الآخر، فلأنه قد رواه جماعة عن إسماعيل دون قوله: " فإنه مبارك ". منهم يحيى بن سعيد وهريم ووكيع كلهم لم يذكروا هذه الزيادة فهي شاذة. أخرجه عنهم أحمد (3 / 426 - 427، 4 / 262) وأخرجه ابن حبان (1958) عن يحيى بن سعيد. 834 - " إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال: على طهارة ". أخرجه أبو داود (1 / 4) والنسائي (1 / 16) والدارمي (2 / 287) وابن ماجه

(1 / 145) والحاكم (1 / 167) وعنه البيهقي (1 / 90) وأحمد (5 / 80) عن قتادة عن الحسن عن حضين بن المنذر أبي ساسان عن المهاجر بن قنفذ. " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال.... " فذكره. وليس عند النسائي والدارمي المتن المذكور أعلاه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. كذا قال، مع أنه قال في " الميزان ": " كان الحسن البصري كثير التدليس، فإذا قال في حديث: " عن فلان " ضعف احتجاجه، ولاسيما عمن قيل: إنه لم يسمع منهم كأبي هريرة ونحوه، فعدوا ما كان له عن أبي هريرة في جملة المنقطع ". لكن الظاهر أن المراد من تدليسه إنما هو ما كان من روايته عن الصحابة دون غيرهم لأن الحافظ في " التهذيب " أكثر من ذكر النقول عن العلماء في روايته عمن لم يلقهم وكلهم من الصحابة، فلم يذكروا ولا رجلا واحدا من التابعين روى عنه الحسن ولم يلقه ويشهد لذلك إطباق العلماء جميعا على الاحتجاج برواية الحسن عن غيره من التابعين بحيث أني لا أذكر أن أحدا أعل حديثا ما من روايته عن تابعي لم يصرح بسماعه منه. هذا ما ظهر لي في هذا المقام. والله سبحانه أعلم. على أن لحديثه هذا شاهدا من حديث ابن عمر عند أبي داود (1 / 54 - 55) والطيالسي (رقم 1851) عن محمد ثابت العبدي عن نافع عن ابن عمر به نحوه. وهذا إسناد حسن في الشواهد إلا أن فيه مستنكرة أنكرت عليه في مسح

835

الذراعين في التيمم ولذلك أوردته في كتابي: " ضعيف سنن أبي داود " (رقم 58) . (فائدة) لما كان " السلام " اسما من أسماء الله تعالى كما سيأتي في الحديث (1894) كره النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكره إلا على طهارة، فدل ذلك على أن تلاوة القرآن بغير طهارة مكروه من باب أولى، فلا ينبغي إطلاق القول بجواز قراءته للمحدث كما يفعل بعض إخواننا من أهل الحديث. 835 - " ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما ". أخرجه الترمذي (4 / 345) وابن ماجه (1 / 66) والحاكم (3 / 388) والخطيب (11 / 288) من طريق عبد العزيز بن سياه عن حبيب ابن أبي ثابت عن عطاء بن يسار عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد العزيز بن سياه وهو شيخ كوفي وقد روى عنه الناس ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين ولم يتفرد به، فقال الإمام أحمد (6 / 113) : حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا عبد الله بن حبيب عن حبيب بن أبي ثابت عن عطاء بن يسار قال: " جاء رجل فوقع في علي وفي عمار رضي الله تعالى عنهما عند عائشة، فقالت: أما علي فلست قائلة فيه شيئا وأما عمار، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: (لا يخير بين أمرين....) ". قلت: وعبد الله هذا هو ابن حبيب بن أبي ثابت وهو ثقة أيضا من رجال مسلم، فالإسناد صحيح لولا عنعنة حبيب، فقد رمي بالتدليس ولكنه صحيح قطعا بما بعده. فقد أخرجه الحاكم (3 / 388) وأحمد (1 / 389 و 445) عن عمار بن معاوية الدهني عن سالم بن أبي الجعد الأشجعي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ابن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا اختار الأرشد منهما " وقال:

836

" صحيح على شرط الشيخين إن كان سالم بن أبي الجعد سمع من عبد الله ابن مسعود ". ووافقه الذهبي. قلت: عمار لم يخرج له البخاري والإسناد منقطع، قال علي بن المديني: " سالم بن أبي الجعد لم يلق ابن مسعود ". لكن الحديث صحيح يشهد له ما قبله. 836 - " غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود والنصارى ". رواه أحمد (2 / 261، 499) وابن سعد (1 / 439) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وإسناده حسن. وتابعه عمر بن أبي سلمة عن أبيه به دون ذكر النصارى. أخرجه الترمذي (1 / 325 ) وقال: " حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة ". ثم رواه هو والنسائي (2 / 278) وأحمد (1 / 165) وابن عساكر (11 / 68 / 2) حدثنا محمد بن كناسة الأسدي أخبرنا هشام بن عروة عن عثمان بن عروة عن أبيه عن الزبير مرفوعا دون قوله: " والنصارى ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن كناسة هذا، فهو صدوق.

837

وقد خالفه عيسى بن يونس، فقال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه النسائي وقال: " كلاهما غير محفوظ " والله أعلم. ثم رواه ابن سعد (9 / 191) عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن نافع بن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، قال: فصبغ أبو بكر بالحناء والكتم وصبغ عمر فاشتد صبغه وصفر عثمان بن عفان قال: فقيل لنافع بن جبير: فالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: كان يمس الدر. ومن الطرق التي أشار إليها الترمذي عن أبي هريرة ما عند الشيخين وغيرهما عنه مرفوعا بلفظ. " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ". وقد خرجته في " تخريج الحلال والحرام " (105) . 837 - " إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه الظل وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل فليقم ". أخرجه أبو داود (4822) والحميدي في " المسند " (1138) من طريق سفيان قال: حدثنا محمد بن المنكدر ـ وهو متكئ على يدي في الطواف ـ قال: أخبرني من سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا الرجل الذي لم يسم وقد أسقطه بعض الرواة عن ابن المنكدر، فقال الإمام أحمد (2 / 383) : حدثنا عفان حدثنا عبد الوارث حدثنا محمد بن المنكدر عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد على شرط الشيخين وعبد الوارث هو ابن سعيد أبو عبيدة

838

البصري أحد الأعلام. وتابعه معمر عن ابن المنكدر عن أبي هريرة به نحوه إلا أنه أوقفه . أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 400 مخطوطة المكتب الإسلامي) . قلت: ورواية عبد الوارث أصح الروايات عندي لأنه مع كونه ثقة ثبتا كما في " التقريب " فقد تابعه سفيان ـ وهو ابن عيينة ـ على رفعه وتابعه معمر ـ وهو ابن راشد ـ على إسقاط الرجل الذي لم يسم ـ من إسناده ومن المعلوم أن ابن المنكدر قد سمع من أبي هريرة، فاتصل السند وثبت الحديث والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 838 - " نهى أن يجلس بين الضح والظل، وقال: مجلس الشيطان ". أخرجه أحمد (3 / 413) : حدثنا بهز وعفان قالا: حدثنا همام قال عفان في حديثه: حدثنا قتادة عن كثير عن أبي عياض عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نهى ... قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير كثير وهو ابن أبي كثير البصري كما قال العجلي وابن حبان وقد روى عنه جماعة من الثقات. وأبو عياض اسمه عمرو بن الأسود العنسي. وقد تابعهما عبد الله بن رجاء فقال: حدثنا همام به إلا أنه سمى الصحابي أبا هريرة. أخرجه الحاكم (4 / 271) وقال : " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: عبد الله بن رجاء هو الغداني صدوق يهم قليلا كما قال الحافز وأخشى أن يكون قد وهم في تسمية الصحابي أبا هريرة لمخالفته لشيخي أحمد: بهز

وعفان، لاسيما وقد تابعهما محمد بن كثير حدثنا همام به. أخرجه أبو بكر الشافعي في " حديثه " (ق 4 / 2) . وتابعه شعبة عن قتادة به وقال: " مقعد الشيطان ". أخرجه الشافعي. والحديث صححه أحمد وابن راهويه، فقال المروزي في " مسائله عنهما " (ص 223) : " قلت: يكره أن يجلس الرجل بين الظل والشمس؟ قال: (يعني أحمد) هذا مكروه أليس قد نهى عن ذا؟ قال إسحاق: قد صح النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وللحديث شاهد يرويه مقدام بن داود حدثنا عبد الله بن محمد بن المغيرة حدثنا سفيان الثوري حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا به. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (221 / 2) وقال: " لا أعلمه يرويه عن الثوري غير عبد الله بن محمد وأحاديثه عامتها مما لا يتابع عليه ومع ضعفه يكتب حديثه ". قلت: هو متهم بالوضع، فلا يفرح بشهادته! على أن الراوي عنه المقدام بن داود ضعيف جدا. وله شاهد أحسن حالا منه يرويه أبو المنيب عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا به دون قوله: " مقعد الشيطان ". أخرجه ابن ماجه (3722) . قلت: وإسناده حسن كما قال البوصيري في " الزوائد (ق 249 / 1 ـ 2) .

839

839 - " أتاني جبريل فقال: يا محمد إن الله عز وجل لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومستقيها ". أخرجه أحمد (1 / 316) والحاكم (4 / 145) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 150) عن مالك بن خير الزيادي أن مالك بن سعد التجيبي حدثه أنه سمع ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، فإن التجيبي هذا ترجمه ابن أبي حاتم وقال (4 / 1 / 109 ) عن أبي زرعة: " مصري لا بأس به ". والزيادي ترجمه ابن أبي حاتم أيضا (4 / 1 / 208) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا لكن روى عنه جماعة من الثقات، وثقه ابن حبان ولذلك قال الذهبي في " الميزان " : " محله الصدق، قال ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته. يريد أنه ما نص أحد على أنه ثقة وفي رواة " الصحيحين " عدد كثير ما علمنا أن أحدا نص على توثيقهم والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعة ولم يأت بما ينكر عليه أن حديثه صحيح ". وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 73) : " رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات ".

840

وعزاه في " الجامع الكبير " (1 / 11 / 2) للطبراني والحاكم والبيهقي في " الشعب " والضياء المقدسي في " المختارة ". ولم أجده عند هذا الأخير، ومن عادته أن يرتب أحاديث الصحابي الواحد على ترتيب أسماء الرواة عنه، فلم أره ذكر مالك بن سعد هذا في الرواة عنه أصلا، فلا أدري أوهم السيوطي أم الحديث عند الضياء من طريق أخرى غير طريق مالك هذا. والله أعلم. قوله " ومعتصرها " أي لنفسه. قال في " الصحاح ": اعتصرت عصيرا اتخذته. قال الأشرفي: قد يكون عصيره لغيره، و " المعتصر " من يعتصر لنفسه نحو " كال " و" اكتال " و " قصد " و " اقتصد ". 840 - " أتاني جبريل، فقال: يا محمد! قل، قلت: وما أقول؟ قال: قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ ومن شر ما ينزل من السماء ومن شر ما يعرج فيها ومن شر ما ذرأ في الأرض وبرأ ومن شر ما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير، يا رحمن! ". عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 11 / 2) لأحمد والطبراني في " الكبير " وابن السني في " عمل اليوم والليلة " عن عبد الرحمن بن خنبش. وهو عند أحمد (3 / 319) وابن السني (631) عن جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنبش التميمي ـ وكان شيخا كبيرا ـ أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة كادته الشياطين؟ فقال: " إن الشياطين تحدرت تلك الليلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية والشعاب وفيهم شيطان بيده شعلة من نار يريد أن يحرق بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهبط إليه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد.... " الحديث وزاد في آخره:

841

" قال: فطفئت نارهم وهزمهم الله تبارك وتعالى ". هكذا أخرجاه ليس عندهما من قوله صلى الله عليه وسلم: " أتاني جبريل " فلعله في رواية الطبراني ويحتمل أن يكون من تصرف السيوطي رواه بالمعنى ليتمكن من إيراده في محله المناسب من كتاب " الجامع "! والإسناد صحيح، رجاله إلى ابن خنبش على شرط مسلم وقد اختلفوا في صحبته وقد اختار الحافظ في " الإصابة " قول من جزم بأن له صحبة وهذا الحديث يشهد لذلك. فإنه قد صرح فيه أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. 841 - " أتاه جبريل عليه السلام في أول ما أوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة من ماء فنضح بها فرجه ". أخرجه ابن ماجه (1 / 172 ـ 173) والدارقطني (ص 41) والحاكم (3 / 217) والبيهقي (1 / 161) وأحمد (4 / 161) من طريق ابن لهيعة عن عقيل بن خالد عن ابن شهاب عن عروة عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن لهيعة، فهو ضعيف لسوء حفظه، لكن تابعه رشدين عند أحمد وابنه (5 / 203) والدارقطني وهو ابن سعد وهو في الضعف مثل ابن لهيعة، فأحدهما يقوي الآخر. لاسيما وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " جاءني جبريل، فقال: يا محمد إذا توضأت فانتضخ ". أخرجه ابن ماجه (1 / 173) مختصرا والترمذي (1 / 71) وهذا لفظه وقال: " حديث غريب وسمعت محمدا يقول: الحسن بن علي الهاشمي منكر الحديث ".

842

وفي " التقريب " أنه ضعيف. وله شواهد أخرى في النضح من فعله صلى الله عليه وسلم، خرجت بعضها في " صحيح أبي داود " (159) . " تنبيه " أورد السيوطي الحديث في " الجامع " بلفظ: " أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي ... " من رواية أحمد والدارقطني والحاكم، هكذا جعله من قوله صلى الله عليه وسلم وهو عندهم من قول الصحابي وكذلك هو عند البيهقي! نعم هو عند ابن ماجه ـ ولم يعزه إليه ـ من قوله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " علمني جبرائيل الوضوء وأمرني أن أنضح تحت ثوبي لما يخرج من البول بعد الوضوء ". 842 - " أتاني جبريل عليه السلام من عند الله تبارك وتعالى، فقال: يا محمد إن الله عز وجل قال لك: إني قد فرضت على أمتك خمس صلوات، من وافاهن على وضوئهن ومواقيتهن وسجودهن، فإن له عندي بهن عهد أن أدخله بهن الجنة ومن لقيني قد أنقص من ذلك شيئا ـ أو كلمة تشبهها ـ فليس له عندي عهد إن شئت عذبته وإن شئت رحمته ". أخرجه الطيالسي في " المسند " (1 / 66 / 251 ـ ترتيبه) : حدثنا زمعة عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني قال: كنت في مجلس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم عبادة بن الصامت، فذكروا الوتر، فقال بعضهم: واجب، وقال بعضهم سنة، فقال عبادة بن الصامت: أما أنا فأشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ومن طريق الطيالسي رواه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 126 ـ 127) وقال:

غريب من حديث الزهري لم يروه عنه بهذا اللفظ إلا زمعة وإنما يعرف من حديث ابن محيريز عن المخدجي عن عبادة. قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أن زمعة بن صالح إنما أخرج له مقرونا وهو ضعيف كما في " التقريب ". لكن الحديث صحيح، فإن له طريقين آخرين عن عبادة أحدهما طريق المخدجي التي أشار إليها أبو نعيم، والأخرى عن الصنابحي عنه. أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في " صحيح أبو داود " (451، 1276) . وقد وجدت له شاهدا من حديث إسحاق بن كعب بن عجرة الأنصاري عن أبيه كعب بن عجرة قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد سبعة، ثلاثة من عربنا وأربعة من موالينا، فقال: ما يجلبكم ههنا؟ قلنا إنا ننتظر الصلاة ، قال فيكت بأصبعه الأرض، ثم نكس ساعة، ثم رفع إلينا رأسه قال: أتدرون ما يقول ربكم؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: إنه يقول: من صلى الصلوات لوقتها وأقام حقها كان له على الله عهد ... ". الحديث نحوه. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 225 ـ 225) ورجاله ثقات غير إسحاق هذا، فإنه مجهول الحال. لكنه لم يتفرد به فقد رواه عيسى بن المسيب البجلي عن الشعبي عن كعب بن عجرة به. أخرجه أحمد (4 / 244) . ورجاله ثقات غير عيسى هذا، فإنه ضعيف وقد وثق، فالسند بمجموع الطريقين

843

حسن ، فإذا ضم إلى طريق زمعة صار الحديث بمجموع ذلك صحيحا إن شاء الله تعالى. 843 - " أتاني جبرئيل وميكائيل، فجلس جبرئيل عن يميني وجلس ميكائيل عن يساري، فقال: اقرأ على حرف، فقال: ميكائيل: استزده، فقال: اقرأ القرآن على حرفين ، (قال: استزده) حتى بلغ سبعة أحرف، (قال:) وكل كاف شاف ". أخرجه النسائي (1 / 50) والطحاوي في " المشكل " (4 / 189) وأحمد (5 / 114، 122) من طريق حميد الطويل عن أنس بن مالك عن أبي بن كعب قال: " ما حك في نفسي شيء منذ أسلمت إلا أني قرأت آية، وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال صاحبي: أقرأينها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتيناه، فقلت: يا رسول الله أقرأتني آية كذا؟ قال: نعم، وقال صاحبي: أقرأتينها كذا؟ قال: نعم، أتاني جبرئيل ... " الحديث. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أدخل بعض الرواة عبادة بن الصمت بين أنس وأبي. وله طرق أخرى عن أبي. فرواه سليمان بن صرد الخزاعي عنه به نحوه، وزاد في آخره: " إن قلت: (غفورا رحيما) أو قلت: (سميعا عليما) أو (عليما سميعا) ، فالله كذلك ما لم تختم آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب ". أخرجه أبو داود في " سننه " (1 / 232) والطحاوي وأحمد (5 / 125) . قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا، والخزاعي هذا صحابي معروف، فهو من رواية الصحابي عن الصحابي، كالذى قبله.

وقد رواه ابن عباس أيضا عن أبي. أخرجه النسائي. قلت: وإسناده حسن. وله شاهد من حديث أبي بكرة الثقفي نحوه. أخرجه أحمد (5/ 41، 51) وابن أبي شيبة (12 / 68 / 1) . وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث ابن مسعود بلفظ: (أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف. كل كاف شاف) . رواه الطبري (ج 1 رقم 43 صفحة 45) . قال حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب أخبرني سليمان بن بلال عن أبي عيسى بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده عبد الله بن مسعود. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فذكره ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي عيسى بن عبد الله بن مسعود فلم أعرفه وهو إسناد مشكل حقا كما قال المحقق أحمد شاكر في تعليقه على الطبري، فإن قوله " عن جده " معناه أن راوي الحديث هو مسعود والد عبد الله وليس عبد الله بن مسعود وهذا مما لا وجود له في كتب السنة، فالظاهر أن أبا عيسى فيه نسب إلى جده عبد الله بن مسعود وهذا أمر معروف أن ينسب الراوي إلى جده ولكن من هو والد أبي عيسى هذا؟ بل من هو أبو عيسى نفسه؟ هذا ما لم يتبين لنا. ومن المحتمل أن يكون هو القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود أو أخاه معن ابن عبد الرحمن، فإن كلا منهما يروي عن أبيه عن جده ولكن يبعد هذا الاحتمال أن الأول كنيته أبو عبد الرحمن، والآخر كنيته أبو القاسم، فالله أعلم.

844

844 - " أتحبون أن تجتهدوا في الدعاء؟ قولوا: اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك ". أخرجه أحمد (2 / 299) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 223) بإسناد صحيح عن أبي قرة موسى بن طارق عن موسى بن عقبة عن أبي صالح السمان وعطاء بن يسار - أو أحدهما - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وقال: " غريب من حديث موسى بن عقبة، تفرد به أبو قرة موسى ابن طارق ". قلت. وهو ثقة ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد صحيح. وقد أخرجه الحاكم (1 / 499) من طريق خارجة بن مصعب عن موسى بن عقبة به، وقال: " صحيح الإسناد، فإن خارجة لم ينقم عليه إلا روايته عن المجهولين، وإذا روى عن الثقات الأثبات فروايته مقبولة ". قلت: ووافقه الذهبي وهذا مردود عليهما لاسيما الذهبي، فإنه أورد خارجة هذا في " الضعفاء " وقال: " ضعفه الدارقطني وغيره ". وقول الحاكم: " لم ينقم عليه إلا روايته عن المجهولين " مما لم أره لغيره من الحفاظ النقاد وإنما اتهموه بالكذب كما في رواية عن ابن معين ورمي أيضا بالتدليس، فقال يحيى بن يحيى - وهو راوي هذا الحديث عنه -: كان يدلس عن غياث بن إبراهيم وغياث ذهب حديثه ولا يعرف صحيح حديثه من غيره ".

845

ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " متروك، وكان يدلس عن الكذابين ويقال: إن ابن معين كذبه ". وبالجملة، فالعمدة في صحة هذا الحديث على رواية أبي قرة. والله أعلم. 845 - " أتدرون ما العضه؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (425) والطحاوي في " المشكل " (3 / 139 ) والبيهقي في " السنن " (10 / 246 - 247) من طريق يزيد ابن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات، وفي سنان بن سعد - ويقال: سعد بن سنان - خلاف وقد قال الحافظ: " صدوق، له أفراد ". قلت: ويشهد له الحديث الآتي: " ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس، وفي رواية: النميمة التي تفسد بين الناس ". 846 - " ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس، وفي رواية: النميمة التي تفسد بين الناس ". أخرجه مسلم (8 / 28) والدارمي (2 / 300) والطحاوي في " المشكل " (3 / 138) والبيهقي (10 / 246) وأحمد (1 / 437) من طرق عن أبي إسحاق قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن محمد صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والرواية الأخرى للدارمي. وقد تابعه زيد بن أبي أنيسة عن أبي الأحوص به. أخرجه الطحاوي بسند جيد.

847

847 - " أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم، فطرحت عليه، ثم طرح في النار ". أخرجه مسلم (8 / 18) والترمذي (3 / 291 ـ 292) وأحمد (2 / 303، 334، 372) عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وعلق البخاري في " صحيحه " (8 / 35) بعض طرفه الأول بلفظ: " إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة ". 848 - " أتدرون ما هذان الكتابان؟ فقلنا: لا يا رسول الله، إلا أن تخبرنا، فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزاد فيهم ولا ينقص منهم أبدا، ثم قال للذي في شماله: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أجمل على آخرهم، فلا يزداد فيهم ولا ينقص منهم، فقال أصحابه: ففيم العمل يا رسول الله إن كان أمر قد فرغ منه؟ فقال: سددوا وقاربوا، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن عمل أي عمل. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيديه فنبذهما، ثم قال: فرغ ربكم من العباد فريق في الجنة وفريق في السعير ".

849

أخرجه الترمذي (3 / 199 ـ 200) وأحمد (2 / 167) وابن أبي عاصم في " السنة " (348) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 168 ـ 169) من طرق عن أبي قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال " فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب، وأبو قبيل اسمه حيي بن هانىء ". قلت: وهو حسن الحديث، وثقه أحمد وجماعة، وقال ابن حبان في " الثقات ": " يخطىء ". وفي " التقريب ": " صدوق يهم ". وشفي ـ وهو ابن ماتع ـ ثقة، فالإسناد حسن. " تنبيه " عزى العلامة الشنقيطي هذا الحديث في " زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم " لرواية مسلم وهو وهم محض لا أدري كيف وقع له ذلك ووقع في " الفتح الكبير " معزوا لـ (حم، ق، ن) ، وأظن أن (ق) محرف من (ت) . والله أعلم. وأما في " الجامع الكبير " (1 / 14 / 2) فعزاه لـ (حم، ت) فقط، وعزاه في " تحفة الأحوذي " للنسائي ولعله يعني " الكبرى " له، فإني لم أره في " سننه الصغرى ". 849 - " أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قلنا: نعم، فقال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ فقلنا: نعم، فقال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنة؟ قلنا: نعم ، قال: والذي نفس محمد بيده إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، وذلك أن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأحمر ".

850

أخرجه البخاري (8 / 93 ـ نهضة) ومسلم (1 / 139) والترمذي (3 / 330 ـ 331 ) وابن ماجه (2 / 573) والطحاوي في " المشكل " (1 / 154 ـ 156) وأحمد ( 1 / 386، 437 ـ 438، 445) وأبو نعيم (4 / 152) من طريق أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في قبة، فقال ... " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". (تنبيه) عزاه السيوطي في " زيادات الجامع الصغير " لأحمد والترمذي وابن ماجه فقط، وهذا تقصير فاحش! وكذلك هو في " الجامع الكبير " (1 / 15 / 2) . 850 - " اتركوني ما تركتكم، فإذا حدثتكم فخذوا عني، فإنما هلك من كان قبلكم، بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ". أخرجه الترمذي (3 / 379) وابن ماجه (1 / 4 ـ 5) وأحمد (2 / 495) من طرق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. واللفظ للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (9 / 77 ـ نهضة) ومسلم (4 / 102) والنسائي (2 / 2) وأحمد (2 / 247، 258، 313، 428، 447 ـ 448، 457، 467، 482، 495، 503، 508، 517) من طرق عديدة عن أبي هريرة به نحوه وهو مخرج في " الإرواء " (155، 313) . 851 - " أتزعمون أني من آخركم وفاة ألا إني من أولكم وفاة وتتبعوني أفنادا يهلك بعضكم بعضا ".

852

أخرجه أحمد فى " المسند " (4 / 106) : حدثنا أبو المغيرة قال: سمعت الأوزاعي قال: حدثني ربيعة بن يزيد قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال....." فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، متصل بالسماع. وله شاهد من حديث سلمة بن نفيل السكوني مرفوعا نحوه. أخرجه الدارمي (1 / 29) وأحمد (4 / 104 ) من طريق أرطاة بن المنذر حدثنا ضمرة بن حبيب قال: حدثنا سلمة بن نفيل به. قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا متصل. (أفنادا) أي جماعات متفرقين قوما بعد قوم، واحدهم (فند) . 852 - " أتسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء، قال: إني لأسمع أطيط السماء وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 43) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 153 / 1) من طريق عبد الوهاب بن عطاء حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ قال لهم.... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وفي ابن عطاء كلام لا يضر. وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا بلفظ:

853

" أطت السماء وحق لها أن تئط ... " الحديث مثله. أخرجه أبو نعيم فى " الحلية " (6 / 269) من طريق زائدة بن أبي الرقاد حدثنا زياد النميري عنه. وهذا إسناد ضعيف. 853 - " أتعلم أول زمرة تدخل الجنة من أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم، فقال: المهاجرون يأتون يوم القيامة إلى باب الجنة ويستفتحون، فيقول لهم الخزنة: أو قد حوسبتم؟ فيقولون: بأي شيء نحاسب وإنما كانت أسيافنا على عواتقنا في سبيل الله حتى متنا على ذلك؟ قال: فيفتح لهم، فيقيلون فيه أربعين عاما قبل أن يدخلها الناس ". أخرجه الحاكم (2 / 70) من طريق عياش بن عباس عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو على شرط مسلم فقط، فإن عياشا هذا إنما أخرج له البخاري في " جزء القراءة ". 854 - " إن أردت تليين قلبك، فأطعم المسكين وامسح رأس اليتيم ". أخرجه أحمد (2 / 263) : حدثنا أبو كامل حدثنا حماد عن أبي عمران الجوني عن رجل عن أبي هريرة. " أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال له " فذكره. وتابعه سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة به.

أخرجه الطبراني في " مختصر مكارم الأخلاق " (1 / 120 / 1) . قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم، وقد أسقطه بعضهم، فقال أحمد (2 / 387) حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة عن أبي عمران عن أبي هريرة. " أن رجلا شكا ... " الحديث دون قوله: " إن أردت تليين قلبك ". قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة لكن الإسناد الأول يعله ويكشف أن بين أبي عمران وأبي هريرة الرجل الذي لم يسم، وكأن الهيثمي لم يقف على الإسناد الأول، فقد ذكره بلفظ الإسناد الآخر وقال (8 / 160) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ! " وفهم منه المناري أنه يعني صحيح الإسناد، فقال: " وروى أحمد بسند قال الهيثمي ـ تبعا لشيخه الزين العراقي ـ: صحيح ... " فذكره باللفظ الثاني. قلت: وهذا الفهم غير صحيح لأن قوله: " ورجاله رجال الصحيح " لا يعني أكثر من توفر شرط واحد من شروط الصحة وهو ثقة الرجال وأنهم من رجال الصحيح وأما سلامته من العلة القادحة كالانقطاع مثلا، فهذا القول لا ينفيه. فتنبه. نعم للحديث شاهد يمكن أن يرتقي به إلى درجة الحسن وهو ما روى الطبراني في " الكبير " عن أبي الدرداء قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يشكو قسوة قلبه، قال: أتحب أن يلين قلبك؟ وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتدرك حاجتك ". قال الهيثمي عقبه:

" وفي إسناده من لم يسم وبقية مدلس ". ونحوه في " الترغيب " (3 / 231) . قلت: قد أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 214) من طريق معمر عن صاحب له أن أبا الدرداء.... فذكر الحديث، فهذا سالم من بقية لكنه مع جهالة صاحب معمر ما أظن أن هذا الصاحب قد أدرك أبا الدرداء، والله أعلم. وأخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 75) : حدثنا أبو الحارث محمد بن مصعب الدمشقي حدثنا هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن محمد بن واسع الأزدي أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان: يا أخي أدن اليتيم وامسح برأسه وأطعمه من طعامك، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: وأتاه رجل يشكو إليه قسوة القلب فقال: أدن اليتيم وامسح برأسه وأطعمه من طعامك، يلن قلبك وتقدر على حاجتك. وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي الحارث هذا ترجمه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 / 521 / 2 / 522 / 2) وذكر له بعض الأحاديث ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا. ومحمد بن واسع قال ابن المديني: ما أعلمه سمع من أحد من الصحابة. وحديث الخرائطي هذا أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 30 / 1) بزيادة " وألطفه " وقال: " رواه الضياء والبيهقي والخرائطي وابن عساكر عن أبي الدرداء ".

855

قلت: وأخرجه الخرائطي (ص 74) من طريق سيار بن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن أبي عمران الجوني قال: قال رجل يا رسول الله أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أدن منك اليتيم الحديث دون قوله " وألطفه ". وإسناده مرسل حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير سيار بن حاتم قال الحافظ: " صدوق له أوهام ". 855 - " رحم الله عبدا قال فغنم، أو سكت فسلم ". أخرجه البغوي في " حديث كامل بن طلحة " (3 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (47 / 2) من طريقين عن الحسن مرفوعا مرسلا. وأخرجه ابن المبارك " الزهد " (380) : أخبرنا ابن لهيعة قال: حدثني خالد بن أبي عمران. " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمسك لسانه طويلا، ثم أرسله، ثم قال أتخوف عليكم هذا، رحم الله عبدا قال خيرا وغنم، أو سكت عن سوء فسلم ". ورجاله ثقات ولكنه مرسل بل معضل، فإن خالدا هذا إنما يروي عن عروة وطبقته مات سنة (139) . وقد روي موصولا، فذكره السيوطي في " الجامع " من رواية أبي أمامة مرفوعا وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 95) : " رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت " والبيهقي في " الشعب " من حديث أنس بسند فيه ضعف، فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين ".

856

قلت: فالحديث عندي حسن بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. 856 - " ليس للنساء وسط الطريق ". رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 5 / 2) وابن حبان في " صحيحه " (1969 - موارد) وابن عدي (192 / 1) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 475 / 2) عن مسلم بن خالد الزنجي أنبأنا شريك بن أبي نمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن بما بعده. فقد رواه الدولابي (1 / 45) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 475 / 1) عن الحارث بن الحكم عن أبي عمرو بن حماس مرفوعا به إلا أنه قال: " سراة الطريق ". قلت: وهذا مرسل أبو عمرو بن حماس، قال الحافظ: " مقبول، من السادسة مات سنة تسع وثلاثين " يعني ومائة. والحارث بن الحكم ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 73) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد خالفه شداد بن أبي عمرو ابن حماس فقال: عن أبيه عن حمزة بن أبي أسيد الأنصاري عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد، فاختلط الرجال مع النساء في الطريق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء:

857

" استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق ". فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به. أخرجه أبو داود (5272) والهيثم بن كليب في " مسنده " (ق 190 / 1) والبيهقي في " الشعب " لكن شداد هذا مجهول، كما قال الحافظ في " التقريب ". وبالجملة فالحديث حسن بمجموع الطريقين والله أعلم. 857 - " اتق يا أبا الوليد أن تأتي يوم القيامة ببعير تحمله على رقبتك له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها ثؤاج ". أخرجه الحميدي في " مسنده " (895) قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا ابن طاووس عن أبيه قال: " استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة بن الصامت على الصدقة، ثم قال له " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا أنه مرسل لكن قد وصله البيهقي في " السنن " (4 / 158) من طريق ابن أبي عمر حدثنا سفيان به إلا أنه قال: عن أبيه عن عبادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على الصدقة ... الحديث. فهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وابن أبي عمر اسمه محمد بن يحيى وهو ثقة من شيوخ مسلم وكان لازم سفيان بن عيينة. وهكذا موصولا أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " كما في " المجمع " (3 / 86) وقال: " ورجاله رجال الصحيح ".

858

858 - " اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم ". أخرجه مسلم (8 / 18) والبخاري في " الأدب المفرد " (483) وأحمد (3 / 323 ) عن داود بن قيس عن عبيد الله بن مقسم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وطرفه الأول ورد من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ: " أيها الناس اتقوا الظلم، فإنه ظلمات يوم القيامة ". أخرجه أحمد (2 / 92، 106، 136) من طريق عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر به. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري لكن عطاء كان اختلط. وله طريق أخرى عنه مختصر بلفظ: " الظلم ظلمات يوم القيامة ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (3 / 113) وفي " الأدب المفرد " (475) ومسلم وأحمد (2 / 137، 146) عن عبد الله بن دينار عنه. وله شاهد بتمامه دون قوله " اتقوا الظلم " من حديث عبد الله بن عمرو ابن العاص مرفوعا به ولفظه: " الظلم ظلمات يوم القيامة وإياكم والفحش، فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش وإياكم والشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا

859

وأمرهم بالبخل فبخلو وأمرهم بالفجور ففجروا ". أخرجه أحمد (2 / 159) وإسناده صحيح. وأخرج الدارمي (2 / 240) منه أوله بلفظ: " إياكم والظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ". وأخرج منه " إياكم والشح ... " أبو داود (1 / 268) والحاكم (1 / 415) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد (2 / 195) أيضا مثل رواية الدارمي مع اللفظ الذي قبله. وله بهذا التمام طريق أخرى عن ابن عمرو، فقال الحسن بن عرفة في " جزئه " (رقم 91 - منسوختي) : أنبأنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الأبار عن محمد بن جحادة عن بكر بن عبد الله المزني عنه به. قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الأبار هذا، وهو ثقة. وله بهذا التمام شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أحمد (2 / 331) من طريقين عن سعيد بن أبي سعيد عنه. قلت: وإحداهما صحيح الإسناد على شرط الشيخين، والأخرى جيدة. وقد أخرجها ابن حبان (1566) . 859 - " في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ". أخرجه البخاري (10 / 118 - 119) ومسلم (7 / 25) وابن ماجه (2 / 342)

عن الليث بن سعد عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني أبو سلمة وسعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبرهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه الترمذي (2 / 3 طبع بولاق) وأحمد (2 / 241) عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة وحده به. وقال الترمذي: " حديث صحيح والحبة السوداء: هي الشونيز ". وكذلك رواه مسلم أيضا عن ابن عيينة، ثم أخرجه هو وأحمد (2 / 268، 343) عن معمر وهو عن شعيب كلهم عن الزهري عن أبي سلمة وحده، ثم أخرجه هو وأحمد أيضا (2 / 510) من طريقين آخرين عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وحده عن أبي هريرة بلفظ: " عليكم هذه الحبة السوداء ". ويأتي برقم (863) . وتابعه عن أبي سلمة محمد بن عمرو بلفظ: " في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، قالوا: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت ". أخرجه أحمد (2 / 261 و 423 و 429 و 504) من طرق عنه. قلت: وهذا إسناد حسن. وللحديث طرق أخرى عن أبي هريرة وشواهد بلفظ: " إن هذه الحبة "، " ما من داء إلا في ... " ومن شواهده ما أخرجه أحمد (6 / 146) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأشهلي عن داود بن الحصين عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا بهذا اللفظ تماما. ورجاله ثقات رجال الستة غير إبراهيم بن إسماعيل هذا فهو ضعيف.

860

ولحديثها طريقان آخران فراجع ما سبقت الإشارة إليه من الشواهد، وسيأتي برقم (1819) بلفظ: (الحبة السوداء) . 860 - " الطير تجري بقدر. وكان يعجبه الفأل الحسن ". أخرجه الحاكم (1 / 32) وأحمد (6 / 129 - 130) وابن أبي عاصم في " السنة " (254) والبزار (131) وابن عدي (99 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " ( 357) عن سعيد بن مسروق عن يوسف ابن أبي بردة بن أبي موسى عن أبي بردة قال: أتيت عائشة فقلت: يا أماه حدثيني بشيء سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: فذكرته مرفوعا. وقال الحاكم: احتج الشيخان برواة هذا الحديث عن آخرهم غير يوسف بن أبي بردة ولم يهملاه لجرح ولا لضعف بل لقلة حديثه، فإنه عزيز الحديث جدا. ووافقه الذهبي. ويوسف هذا قد روى عنه إسرائيل أيضا ووثقه ابن حبان، فالحديث محتمل للتحسين، لاسيما وأن شطره الأخير له شاهد من حديث أبي هريرة وسيأتي. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (7 / 209) وقال: " رواه البزار وقال : لا يروى إلا بهذا الإسناد، ورجاله رجال الصحيح غير يوسف بن أبي بردة وثقه ابن حبان ". وقد فاته أنه في " المسند " فاقتصر على عزوه للبزار وهو قصور. وللحديث طريق أخرى عند الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 342) عن يحيى بن مسلمة (الأصل: سلمة) ابن قعنب حدثنا حسان بن إبراهيم عن سعد بن إبراهيم عن سفيان الثوري عن أبي بردة به إلا أنه قال: " كل شيء بقدر.... ". ورجاله ثقات غير يحيى هذا، قال العقيلي: " حدث بمناكير "

861

ويشهد للحديث ما يأتي بعده. 861 - " كل شيء بقدر حتى العجز والكيس، أو العجز والكيس ". أخرجه مالك (3 / 93) وعنه مسلم في " صحيحه " (8 / 51) والبخاري في " أفعال العباد " (ص 73) وأحمد في " المسند " (2 / 110) وفي " السنة " أيضا (ص 121) كلهم عن مالك عن زياد بن سعد عن عمرو بن مسلم عن طاووس اليماني أنه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: كل شيء بقدر، قال طاووس: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: فذكره مرفوعا. وله شاهد بلفظ: " كل شيء بقضاء وقدر ولو هذه وضرب بإصبعه السبابة على حبل ذراعه الآخر ". وهو من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: تماروا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في القدر فكرهه كراهية شديدة حتى كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: فيم أنتم! قالوا تمارينا في القدر يا رسول الله فقال: فذكره. قال الهيثمي (7 / 208) : " رواه الطبراني في الأوسط وفي جماعة لم أعرفهم ". (تنبيه) أورد صاحب " التاج الجامع للأصول الخمسة " حديث ابن عمر المذكور بلفظ : " كل شيء بقضاء وقدر ... " وقال (1 / 29) : " رواه الشيخان ومالك ".

862

فزاد في متنه لفظة " القضاء ". ولا أصل لها لا عند من ذكرهم ولا عند غيرهم ممن ذكرتهم. على أن قوله: " رواه الشيخان " يوهم أن الحديث عند البخاري في " صحيحه "، لأنه المراد عند إطلاق العزو إليه، لاسيما إذا قرن مع صاحبه مسلم فقيل: " الشيخان " وإنما أخرجه في " أفعال العباد " كما سبق. وكم له من مثل هذا الإيهام وغيره مما دفعني منذ ربع قرن من الزمان إلى تعقبه في " الجزء الأول " منه، وكنت نشرت طرفا منه في بعض المجلات الإسلامية. 862 - " إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته ". أخرجه أحمد (2 / 244) : حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وإنما أخرج مسلم منه الشطر الأول بلفظ: " إذا قاتل أحدكم أخاه ... ". وأخرجه بتمامه الآجري في " الشريعة " (ص 314) والبيهقي في " الأسماء " (ص 290) من طرق عن سفيان به. ثم أخرجه من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة به. وسنده حسن. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 27) عن ابن عجلان قال: أخبرني أبي وسعيد عن أبي هريرة مرفوعا دون الشطر الثاني. وهو حسن أيضا. وكذلك أخرجه البخاري في صحيحه (5 / 138) من وجه آخر ضعيف عن

863

سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. ورواه أحمد عن ابن عجلان بلفظ: " إذا ضرب أحدكم فليجنب الوجه ولا تقل قبح الله وجهك، ووجه من أشبه وجهك، فإن الله تعالى خلق آدم على صورته ". قال أحمد (2 / 251 و 434) : حدثنا يحيى عن ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند حسن. وأخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 26) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 291) وقال البخاري في " الأدب المفرد " حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا ابن عينية عن ابن عجلان به إلا أنه أوقفه على أبي هريرة به، وعلقه الآجري ورواه البخاري من طريق أخرى عن ابن عينية به مرفوعا مقتصرا على قوله: " لا تقولوا قبح الله وجهه " فالظاهر أن ابن عجلان كان تارة يرفعه، وأخرى يوقفه، والحديث مرفوع بلا شك. وأخرج الشطر الأول منه أبو داود (2 / 243) من طريق عمر يعني ابن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وسنده حسن في المتابعات. 863 - " عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء، إلا السام ". أخرجه الترمذي (2 / 3) وأحمد (2 / 241) عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي:

" حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم عن سفيان غير أنه لم يسق لفظه بل أحال على لفظ عقيل عن ابن شهاب وقد مضى قريبا بلفظ: " في الحبة السوداء ... " رقم (859) . ثم أخرجه أحمد (2 / 268) وكذا مسلم عن معمر عن الزهري به. وللزهرى فيه إسناد آخر رواه عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بهذا اللفظ. أخرجه مسلم وأحمد (2 / 510) . وله شاهد من حديث عائشة بهذا اللفظ. أخرجه أحمد (6 / 138) : حدثنا وكيع قال: حدثني أبو عقيل عن بهية عنها. وأبو عقيل اسمه يحيى بن المتوكل المدني وهو ضعيف، وبهية لا تعرف. وله شاهد آخر من حديث ابن عمر بهذا اللفظ. أخرجه ابن ماجه (2 / 342) من طريق عثمان بن عبد الملك قال: سمعت سالم بن عبد الله يحدث عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وعثمان هذا لين الحديث، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم. وله شاهد ثالث بلفظ: " عليكم بهذه الحبة السوداء وهي الشونيز، فإن فيها شفاء ". أخرجه أحمد (5 / 354) : حدثنا زيد: حدثني حسين حدثني عبد الله قال : سمعت أبي

بريدة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. زيد هو ابن الحباب، وحسين هو ابن واقد. وله طريق أخرى عن عبد الله بن بريدة بلفظ: " الكماة دواء العين وإن العجوة من فاكهة الجنة وإن هذه الحبة السوداء يعني الشونيز - الذي يكون في الملح دواء من كل داء إلا الموت ". أخرجه أحمد (5 / 346) حدثنا أسود بن عامر: حدثنا زهير عن واصل بن حبان البجلي حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير أن له علة دقيقة وهي أن زهير وهو ابن معاوية أخطأ في قوله: واصل بن حيان وإنما هو صالح بن حيان وهذا ضعيف. قال أحمد في صالح هذا: " انقلب على زهير اسمه ". وقال أبو داود: وغلط فيه زهير، وقال ابن معين: " زهير عن صالح بن حيان وواصل بن حبان فجعلهما واصل بن حيان " كما في " تهذيب التهذيب ". قلت: وقد رواه على الجادة محمد بن عبيد فقال: حدثنا صالح يعني ابن حيان عن ابن بريدة به أتم منه فانظر: " إن الجنة عرضت علي " في الكتاب الآخر رقم (3899) .

864

864 - " إن فيه (يعني الحجامة) شفاء ". أخرجه البخاري (10 / 124) ومسلم (7 / 21) والحاكم (4 / 208 و 409) وأحمد (3 / 335) من طريق عمرو بن الحارث أن بكيرا حدثه أن عاصم بن عمر بن قتادة حدثه أن جابر بن عبد الله عاد المقنع، ثم قال: لا أبرح حتى تحتجم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقد استدركه الحاكم على الشيخين فوهم. 865 - " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ". رواه مسلم (8 / 62) وأبو داود (2 / 262) والترمذي (2 / 112) والدارمي (1 / 126 - 127) وابن ماجه (1 / 91) وأحمد (2 / 397) من حديث أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 866 - " بئس مطية الرجل زعموا ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (رقم 377) : أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي مسعود قال: قيل له: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في " زعموا "؟ قال: فذكره. وهكذا أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (762) وأبو داود (4972)

والطحاوي في " المشكل " (1 / 68) من طرق عن الأوزاعي به إلا أنهم قالوا: " عن أبي قلابة قال: قال أبو مسعود لأبي عبد الله، أو قال أبو عبد الله لأبي مسعود: ما سمعت ... " الخ. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين وأبو قلابة قد صرح بالتحديث في رواية الوليد بن مسلم قال: أنبأنا الأوزاعي أنبأنا يحيى بن أبي كثير أنبأنا أبو قلابة أنبأنا أبو عبد الله مرفوعا به. أخرجه الطحاوي وابن منده في " المعرفة " (2 / 251 / 2) . قلت: وهذا إسناد صحيح متصل بالتحديث، وقال أبو داود: " أبو عبد الله هذا حذيفة ". قلت: وقد جاء ذلك مفسرا في إسناد أحمد: " أو قال أبو مسعود لأبي عبد الله يعني حذيفة ". ولذلك أورده في " مسند حذيفة ". وخالفهم جميعا يحيى بن عبد العزيز فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهلب أن عبد الله بن عامر قال يا أبا مسعود ما سمعت ... الخ. وهذه رواية شاذة بل منكرة، فإن يحيى هذا ليس بالمشهور بالحفظ والضبط ولهذا قال الحافظ: " مقبول ". يعني عند المتابعة وإلا فلين عند التفرد كما هو اصطلاحه، فكيف وقد خالف؟ . قلت: وفي الحديث ذم استعمال هذه الكلمة " زعموا " وإن كانت في اللغة قد تأتي بمعنى قال كما هو معلوم ولذلك لم تأت في القرآن إلا في الإخبار عن المذمومين بأشياء مذمومة كانت منهم مثل قوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا) * ثم أتبع

867

ذلك بقوله * (بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم) * ونحو ذلك من الآيات، قال الطحاوي رحمه الله تعالى بعد أن ساق بعضها: " وكل هذه الأشياء فإخبار من الله بها عن قوم مذمومين في أحوال لهم مذمومة وبأقوال كانت منهم، كانوا فيها كاذبين، فكان مكروها لأحد من الناس لزوم أخلاق المذمومين في أخلاقهم، الكافرين في أديانهم، الكاذبين في أقوالهم. وكان الأولى بأهل الإيمان لزوم أخلاق المؤمنين الذين سبقوهم بالإيمان وما كانوا عليه من المذاهب المحمودة والأقوال الصادقة التي حمدهم الله تعالى عليها، رضوان الله عليهم ورحمته، وبالله التوفيق ". وقال البغوي في " شرح السنة " (3 / 413) نسخة المكتب: " إنما ذم هذه اللفظة لأنها تستعمل غالبا في حديث لا سند له ولا ثبت فيه إنما هو شيء يحكي على الألسن، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم ما يقدمه الرجل أمام كلامه ليتوصل به إلى حاجته من قولهم: زعموا، بالمطية التي يتوصل بها الرجل إلى مقصده الذي يؤمه، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبت فيما يحكيه والاحتياط فيما يرويه، فلا يروي حديثا حتى يكون مرويا عن ثقة، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع "، وقال عليه السلام: " من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ". 867 - " اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم ". أخرجه الترمذي (2 / 516) وابن حبان (795) والحاكم (1 / 9، 389) وأحمد (5 / 251، 262) من طريق معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: فذكره. واللفظ للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". ولفظ أحمد والحاكم:

868

" اعبدوا الله "، وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. ولفظ ابن حبان: " أطيعوا ربكم ". 868 - " اتقوا الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم ". أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (10 / 169) من طريق عمر بن حفص السدوسي حدثنا عبد الله بن المبارك البغدادي - مولى العباس سنة تسع عشرة - حدثنا همام بن يحيى عن قتادة عن أبي الخليل صالح عن أم سلمة. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه ... " فذكره، وزاد: " وجعل يكررها ". أورده في ترجمة عبد الله هذا وليس هو ابن المبارك الإمام المشهور ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وسائر رواته ثقات رجال الشيخين غير السدوسي هذا وهو ثقة كما قال الخطيب في ترجمته (11 / 216) . والحديث أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار (4 / 235 - 236) من طريق أبي عوانة عن قتادة عن سفينة مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: " كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يغرغر بها في صدره وما يفيض بها لسانه ". وإسناده صحيح إن كان قتادة سمعه من سفينة. لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث أنس عند الطحاوي وغيره، وصححه الحاكم والذهبي وآخر من حديث علي أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (158) وأبو داود وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (2178) .

869

869 - " اتقوا الله وصلوا أرحامكم ". رواه ابن عساكر (16 / 74 / 2) عن الفضل بن موفق عن المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن يعني عبد الله بن مسعود رفعه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، المسعودي كان اختلط. والفضل ضعفه أبو حاتم ولذلك جزم المناوي بضعف إسناده لكنه قواه ببعض الشواهد فقال: " ورواه الطبراني باللفظ المذكور عن جابر، وزاد: فإنه ليس من ثواب أسرع من صلة الرحم. ورواه ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة وزاد: فإنه أبقى لكم في الدنيا وخير لكم في الآخرة. وبذلك يصير حسنا ". قلت: لكن في إسناد الطبراني محمد بن كثير عن جابر الجعفي، قال الهيثمي (8 / 149) : " وكلاهما ضعيف جدا ". وأما رواية ابن جرير - وهي في تفسيره (7 / 521 / 8422، 8427) فهي بإسنادين له عن قتادة مرسلا، فهو شاهد قوي لموصول ابن مسعود، والله أعلم. والحديث كالتفسير لقوله تعالى في سورة النساء * (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام) * لأن المعنى: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها وهو المعنى الذي اختاره ابن جرير من حيث الأسلوب العربي، فراجعه. 870 - " اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام، يقول الله جل جلاله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ". رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 186) والدولابي (2 / 123)

والطبراني (1 / 186 / 1) من طريقين عن سعد بن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري أنبأنا عبد الله بن محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله رحمه الله حدثني خزيمة بن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه عن جده عن خزيمة بن ثابت مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علل: الأولى: محمد بن عمارة هذا في عداد المجهولين أورده البخاري في " التاريخ " ثم ابن أبي حاتم (4 / 1 / 44) من رواية ابنه خزيمة فقط عنه ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. الثانية: ابنه خزيمة أورده البخاري أيضا (2 / 1 / 190) وابن أبي حاتم (1 / 2 / 382) من رواية عبد الله بن محمد هذا ولم يذكرا فيه شيئا. الثالثة: عبد الله بن محمد بن عمران لم أجد له ترجمة. وبالجملة فالإسناد مظلم مجهول. لكن الحديث حسن على أقل الدرجات، فقد أخرج ابن حبان (2409) طرفه الأول من حديث أبي هريرة مرفوعا: " اتقوا دعوة المظلوم ". وسنده صحيح. وورد من حديث أنس أيضا بزيادة فيه، وقد سبق تخريجه برقم (767) . وأخرج ابن حبان أيضا (2408) والترمذي (2 / 280) وابن ماجه (1752) وأحمد (2 / 305، 445) من طريق أبي مدلة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. " ثلاثة لا ترد دعوتهم ... ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ".

871

وقال الترمذي: " حديث حسن ". وله عنده (2 / 86) طريق أخرى، أعلها بالانقطاع. 871 - " اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار ". أخرجه الحاكم (1 / 29) عن أبي كريب حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن عاصم بن كليب عن محارب بن دثار عن ابن عمر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال: " احتج مسلم بعاصم بن كليب، والباقون متفق على الاحتجاج بهم ". ووافقه الذهبي. وقال في " العلو " (رقم 13 - مختصره) : " غريب، وإسناده جيد ". قلت: فهو صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الديلمي في " المسند " (1 / 1 / 42 - 43) من طريق أحمد بن إسماعيل بن الحارث حدثنا عمرو بن مرزوق أخبرنا زائدة عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار به. وعطاء بن السائب كان اختلط، لكن عمرو بن مرزوق ثقة له أوهام. وأحمد إسماعيل بن الحارث لم أجد له ترجمة. 872 - " أتموا الوضوء، ويل للأعقاب من النار ". أخرجه ابن ماجه (1 / 170) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا شيبة بن الأحنف عن أبي سلام الأسود عن أبي صالح الأشعري حدثني أبو عبد الله الأشعري عن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

873

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير شيبة بن الأحنف، فقال دحيم: " كان الوليد يروي عنه، ما سمعت أحدا يعرفه " وذكره أبو زرعة الدمشقي في نفر ذوي أسنان وعلم. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ". وعلى ذلك قال البوصيري في الزوائد " (ق 34 / 2) : " هذا إسناد حسن، ما علمت في رجاله ضعفا ". قلت: وهو كما قال، لولا أن الوليد بن مسلم كان يدلس تدليس التسوية! ولم يصرح بالتحديث عن شيخه، ومن فوقه. نعم الحديث صحيح لغيره، فقد ثبت مرفوعا بلفظ: " أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار ". أخرجه أحمد (2 / 164 و 193 و 201) ومسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما " وغيرهم من طرق عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يحيى عن عبد الله بن عمرو قال: " أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما يتوضؤون لم يتموا الوضوء، فقال: " فذكره. والسياق لأحمد. وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (87) . 873 - " إتيان النساء في أدبارهن حرام ". أخرجه النسائي في " العشرة " من " السنن الكبرى " (1 / 77 / 2) عن عبد الله بن شداد الأعرج عن رجل عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: ورجاله ثقات غير هذا الرجل لم يسم لكن الحديث صحيح، فقد جاء من طرق أخرى عن خزيمة وغيره بألفاظ متقاربة، وقد ذكرت بعضها في " آداب الزفاف " (ص 29 - 30 طبع المكتب الإسلامي ".

874

874 - " أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل يضع حافره عند منتهى طرفة، فلم نزايل ظهره أنا وجبريل حتى أتيت بيت المقدس، ففتحت لنا أبواب السماء ورأيت الجنة والنار ". أخرجه أحمد (5 / 392 و 394) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، قال حذيفة بن اليمان: " ولم يصل في بيت المقدس، قال زر: فقلت له: بلى قد صلى، قال حذيفة: ما اسمك يا أصلع، فإني أعرف وجهك ولا أعرف اسمك! فقلت: أنا زر بن حبيش، قال: وما يدريك أنه قد صلى، قال: فقلت: يقول الله عز وجل : * (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) * قال: فهل تجده صلى؟ لو صلى لصليتم فيه كما تصلون في المسجد الحرام. قال زر: وربط الدابة بالحلقة التي يربط بها الأنبياء عليهم السلام. قال حذيفة: أو كان يخاف أن تذهب منه وقد أتاه الله بها؟ ! ". وأخرجه الترمذي (4 / 139) والحاكم (2 / 359) من طرق أخرى عن عاصم به نحوه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط للخلاف المعروف في عاصم بن بهدلة. 875 - " اثبت حراء، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ". ورد من حديث سعيد بن زيد وعثمان بن عفان وأنس بن مالك وبريدة بن الحصيب وأبي هريرة.

1 - أما حديث سعيد بن زيد، فيرويه عبد الله بن ظالم المازني عنه قال: " أشهد على التسعة أنهم في الجنة ولو شهدت على العاشر لم آثم، قيل: وكيف ذاك، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بحراء، فقال: (فذكره) ، قيل: ومن هم؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، قيل: فمن العاشر؟ قال: أنا ". أخرجه أبو داود (2 / 264) والترمذي (4 / 336) وابن ماجه (1 / 61) والحاكم ( 3 / 450) وأحمد (1 / 187، 188، 189) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وصححه ابن حبان (2198) . قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير المازني هذا، فقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جماعة وتابعه أبو إسحاق عند أبي نعيم (4 / 341) . 2 - وأما حديث عثمان، فيرويه أبو إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: " لما حصر عثمان أشرف عليهم فوق داره، ثم قال: أذكركم بالله، هل تعلمون أن حراء حين انتفض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. أخرجه ابن حبان ( 2168) والترمذي (4 / 320) وقال: " حديث حسن صحيح ". وله عنده (4 / 322 ) طريق أخرى يرويه يحيى بن أبي الحجاج المنقري عن أبي مسعود الجريري عن ثمامة بن حزن القشيري قال: " شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان ... " فذكره بلفظ: " اسكن ثبير فإنما عليك ... ".

وقال: " حديث حسن ". قلت: يحيى هذا لين الحديث كما في " التقريب " وانظر " الإرواء " (1593) . 3 - وأما حديث أنس، فيرويه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان.... " الحديث وقال: " وشهيدان ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (5 / 365) من طريق محمد بن يونس حدثنا قريش بن أنس حدثنا سعيد بن أبي عروبة. وابن يونس هذا هو الكديمي متهم ولكنه لم يتفرد به كما يأتي، فقد أخرجه البخاري (7 / 30) والترمذي (4 / 318) وصححه وأحمد (3 / 112) . من طريق يحيى عن سعيد به إلا أنه قال: " أحد " بدل " حراء " فقال الحافظ في " شرحه ". " وقد وقع في رواية لمسلم ولأبي يعلى من وجه آخر عن سعيد " حراء " والأول أصح، ولولا اتحاد المخرج لجوزت تعدد القصة. ثم ظهر لي أن الاختلاف فيه من سعيد، فإني وجدته في " مسند الحارث ابن أبي أسامة " عن روح بن عبادة عن سعيد، فقيل فيه أحدا أو حراء " بالشك ". وأقول فيه أمران: الأول: أن الحديث من رواية أنس لم أجده في " مسلم " إطلاقا ولم يعزه إليه السيوطي في " زيادة الجامع الصغير " (6 / 2) . والآخر: لا شك في تعدد القصة لتعدد الطرق بذلك ولكن لا يلزم منه أن أنسا حدث بكل ذلك، وإذا كان ابن أبي عروبة، قد اختلف عليه فيه، فذلك لأنه كان اختلط كما في " التقريب ". فلابد من ترجيح أحد اللفظين عنه، فنظرنا فوجدنا البخاري قد

أخرجه (7 / 38) من طرق أخرى منها يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة، ويزيد هذا قال إبراهيم بن محمد بن عرعرة: لم يكن أحد أثبت منه وقال أحمد: ما أتقنه وما أحفظه! يا لك من صحة حديث صدوق متقن، قال: وكل شيء رواه يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة فلا تبال أن لا تسمعه من أحد سماعه منه قديم ". قلت: فهذا يرجح أن المحفوظ عن سعيد إنما هو بلفظ " أحد "، لأنه حدث به سعيد قبل اختلاطه. ولا يخدج في ذلك أنه تابعه عمران عن قتادة به، باللفظ الآخر. أخرجه الطيالسي (2 / 139 / 2516) . لأن عمران هذا - وهو ابن داور أبو العوام القطان في حفظه ضعف. ويشهد له حديث سهل بن سعد قال: " ارتج أحد وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... "، فذكره بلفظ حديث أنس. أخرجه أحمد (5 / 331) بسند صحيح كما قال الحافظ (7 / 30) وعزاه لأبي يعلى فقط! 4 - وأما حديث بريدة، فيرويه ابنه عبد الله عنه بلفظ: " كان جالسا على حراء ومعه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، فتحرك الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "، فذكره.

أخرجه أحمد (5 / 346) بسند صحيح أيضا كما قال الحافظ، وتمام في " الفوائد " (132 / 1) . 5 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه سهيل عن أبيه عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلى وطلحة والزبير، فتحركت الصخرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد ". أخرجه مسلم (7 / 128) والترمذي (4 / 319) وأحمد (2 / 419) والخطيب (8 / 161) وقال الترمذي: " حديث صحيح ". وزاد مسلم في رواية: " وسعد بن أبي وقاص ". وزاد أحمد وهي عند البخاري في " الأدب المفرد " (337) والترمذي (2 / 309) وحسنه وأبي نعيم (9 / 42) : " وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال: نعم الرجل أبو بكر، نعم الرجل عمر، نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح، نعم الرجل أسيد بن حضير، نعم الرجل ثابت بن قيس بن شماس، نعم الرجل معاذ بن جبل، نعم الرجل معاذ بن عمرو بن الجموح ". وسنده صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (2217) ، وقال الحاكم (3 / 233 ، 268، 246) : " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي.

876

876 - " أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن ". أخرجه داود (2 / 389) وأحمد (6 / 446 و 448) والغطريف في " حديثه (رقم 89 - منسوختي) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 9) من طريق شعبة عن القاسم بن أبي بزة عن عطاء الكيخاراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. واللفظ للغطريف، ولفظ الآخرين: " ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ". قلت: وهذا إسناد صحيح، وصححه ابن حبان (1921) . وتابعه الحسن بن مسلم عن خاله عطاء بن نافع به بلفظ الغطريف، وفي رواية بلفظ: " إن أفضل شيء في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن ". أخرجه أحمد (6 / 442) وسنده صحيح أيضا . وتابعه قبيصة بن الليث عن مطرف عن عطاء به مثل لفظ الغطريف عند أبي داود وأحمد وزاد: " وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة ". أخرجه الترمذي (3 / 146) وقال: " حديث غريب من هذا الوجه ". قلت: وسنده جيد. وتابعه يعلى بن مملك عن أم الدرداء به أتم منه، ولفظه: " من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الخير وليس شيء أثقل ... ". الحديث.

أخرجه أحمد (6 / 451) والخرائطي والترمذي (3 / 149) دون قوله " وليس ... " وزاد: ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير ". وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: ابن مملك هذا لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه غير ابن أبي مليكة، ولذلك قال الحافظ: " مقبول " يعني عند المتابعة. ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (464) والبيهقي في " السنن " (10 / 193) مثل لفظ الترمذي وزاد: وقال: " أثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن، إن الله يبغض الفاحش البذي ". وهذه الزيادة أخرجها ابن حبان أيضا (1920) وكذا الترمذي (1 / 145) ولفظه: " ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، فإن الله تعالى يبغض الفاحش البذي ". وقال أيضا: " حديث حسن صحيح ". وقد عرفت ما فيه لكن الشطر الأول منه قد صح من الطريق الأول، وله شاهد من حديث عائشة مضى (518) . والشطر الآخر له شاهدان أحدهما من حديث ابن عمرو بلفظ: " الفاحش المتفحش ".

877

أخرجه أحمد (2 / 162 و 199) بسند قوي بما قبله وما بعده. والآخر من حديث أسامة بن زيد به. أخرجه أحمد أيضا (5 / 202) بإسناد مقبول عند الحافظ، وصححه ابن حبان (1974 ) وليس له في المسند سوى طريق واحد، خلافا لمن وهم. وله شاهد ثالث من حديث ابن مسعود بلفظ: " ... الفاحش البذي ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 78 / 1) . وفيه سوار بن مصعب وهو ضعيف. 877 - " للعبد المملوك الصالح أجران ". أخرجه البخاري (5 / 132) وفي " الأدب المفرد " (32) (5 / 94) ومسلم (5 / 94) وأحمد (2 / 330) من طريق يونس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به، وزاد: " والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك ". لكن الزيادة المذكورة مدرجة في الحديث عند " الصحيحين " لأنه وقع عندهما بلفظ: " والذي نفسي بيده ... ". والصواب أنه من قول أبي هريرة كما وقع في الرواية الأولى وهي لأحمد و " الأدب " والمعنى يشهد لذلك لأن أم النبي صلى الله عليه وسلم ماتت وهو صغير كما هو معلوم. وهذا مما يدل على أن ترجيح ما في " الصحيحين " على ما كان عند غيرهما ليس على إطلاقه. فتأمل.

878

878 - " إذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه ". أخرجه النسائي (1 / 174) وأحمد (1 / 437) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 55 / 1) من طريق شعبة قال: أنبأنا أبو إسحاق أنبأنا أبو الأحوص عن عبد الله قال: " كنا لا ندري ما نقول في كل ركعتين غير أن نسبح ونكبر ونحمد ربنا وإن محمدا صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وخواتمه، فقال: فذكره. قلت وهذا إسناد صحيح متصل على شرط مسلم. وتابعه إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق حدثني أبي عن أبي إسحاق أخبرني أبو الأحوص والأسود بن يزيد وعمرو بن ميمون وأصحاب عبد الله أنهم سمعوه يقول: فذكره. أخرجه الطبراني: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن عبد الله الحضرمي قالا: أنبأنا عبد الله بن محمد بن سالم القزاز أنبأنا إبراهيم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير القزاز هذا، قال الحافظ : " ثقة ربما خالف ". وفي الحديث فائدة هامة وهي مشروعية الدعاء في التشهد الأول ولم أر من قال به من الأئمة غير ابن حزم والصواب معه وإن كان هو استدل بمطلقات يمكن للمخالفين ردها بنصوص أخرى مقيدة، أما هذا الحديث فهو في نفسه نص واضح مفسر لا يقبل التقييد، فرحم الله امرءا أنصف واتبع السنة.

879

والحديث دليل من عشرات الأدلة على أن الكتب المذهبية قد فاتها غير قليل من هدي خير البرية صلى الله عليه وسلم، فهل في ذلك ما يحمل المتعصبة على الاهتمام بدراسة السنة والاستنارة بنورها؟ ! لعل وعسى. 879 - " الزكاة في هذه الأربعة: الحنطة والشعير والزبيب والتمر ". أخرجه الدارقطني (201) من طريق محمد بن عبد الله بن الحكم عن موسى بن طلحة عن عمر بن الخطاب قال: " إنما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة ... " الخ. ومحمد بن عبيد الله هو العرزمي متروك لكن قد توبع. فأخرجه الدارقطني أيضا والحاكم (1 / 401) من طريق عبد الرحمن ابن مهدي حدثنا سفيان عن عمرو بن عثمان عن موسى بن طلحة قال: " عندنا كتاب معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما أخذ الصدقة من الحنطه.... " الخ. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وتمام كلام الحاكم: " وموسى بن طلحة تابعي كبير لم ينكر له أنه يدرك أيام معاذ رضي الله عنه ". قال الحافظ في " التلخيص " (5 / 560) : " قلت: قد منع ذلك أبو زرعة، وقال ابن عبد البر: لم يلق معاذا ولا أدركه. قلت: لكن ذكر له الحاكم شاهدا بإسناد صحيح بلفظ:

880

" لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة ... " فذكرها. فالحديث صحيح لغيره. والله أعلم. 880 - " إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها ". أخرجه أبو داود (2 / 314 - 315) والترمذي (2 / 139) وأحمد (2 / 165، 187) عن نافع بن عمر عن بشر بن عاصم بن سفيان عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن، غريب "، وفي الباب عن سعد. قلت: وهو كما قال الترمذي: حسن، رجاله كلهم ثقات غير عاصم بن سفيان وهو صدوق كما قال في " التقريب ". وحديث سعد الذي أشار إليه الترمذي مضى بلفظ: " سيكون قوم يأكلون ". برقم (419) . وقد روي الحديث مرسلا، لكن الأصح الموصول. قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 341) : " سألت أبي عن حديث رواه وكيع عن نافع بن عمر الجمحي عن بشر بن عاصم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. فقلت لأبي: أليس قد حدثتنا عن أبي الوليد وسعيد بن سليمان عن نافع بن عمر عن بشر بن عاصم الثقفي عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، وقال: جميعا صحيحين، قصر وكيع " . يعني أن وكيع أرسله، فقصر، وأن أبا الوليد وسعيد بن سليمان وصلاه بذكر ابن عمرو فيه، وهو الأصح.

881

881 - " أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة ". علقه البخاري في صحيحه " كتاب الإيمان " فقال: " باب الدين يسر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم " فذكره وقد وصله هو في " الأدب المفرد " رقم (283) وأحمد في المسند (رقم 2108) والضياء في " المختارة " (64 / 37 / 2) كلهم من طريق يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأديان أحب إلى الله عز وجل؟ قال: الحنيفية السمحة ". ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه وقال الهيثمي في المجمع (1 / 50) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " " والأوسط " والبزار وفيه ابن إسحاق وهو مدلس ولم يصرح بالسماع ". ومنه تعلم أن قول الحافظ في " الفتح " (1 / 78) بعد أن عزاه لـ " الأدب المفرد " و" المسند ": " وإسناده حسن " غير حسن وأنه قد غلا محقق المسند حين قال: " إسناده صحيح "! ! ثم وجدت للحديث شواهد تقويه خرجتها في " تمام النعمة في التعليق على فقه السنة " (ج 1 ص 1) . 882 - " أيحسب أحدكم متكئا على أريكته قد يظن أن الله لم يحرم شيئا إلا ما في هذا القرآن؟ ! ألا وإني والله قد أمرت ووعظت ونهيت عن أشياء إنها لمثل هذا القرآن أو أكثر وإن الله عز وجل لم يحل لكم أن تدخلوا بيوت أهل الكتاب إلا بإذن ولا ضرب نسائهم ولا أكل ثمارهم، إذا أعطوكم الذي عليهم ".

أخرجه أبو داود (2 / 45) وعنه ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 149) عن أشعث بن شعبة حدثنا أرطاة بن المنذر قال: سمعت حكيم بن عمير أبا الأحوص يحدث عن العرباض بن سارية السلمي قال: " نزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر ومعه من معه من أصحابه وكان صاحب خيبر رجلا ماردا منكرا، فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ألكم أن تذبحوا حمرنا وتأكلوا ثمرنا وتضربوا نساءنا؟ ! فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا ابن عوف اركب فرسك ثم نادي: ألا إن الجنة لا تحل إلا لمؤمن وأن اجتمعوا للصلاة، قال: فاجتمعوا، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام فقال: " فذكره. وهذا سند حسن إن شاء الله تعالى، أشعث بن شعبة، قال الذهبي: " قال أبو زرعة وغيره لين، وقواه ابن حبان، روى عنه عبد الوهاب بن نجدة وأحمد بن السرح وجماعة ". قلت: وهذا الحديث رواه عنه محمد بن عيسى وهو ابن نجيح البغدادي وهو ثقة فقيه. وأرطاة بن المنذر ثقة. وحكيم بن عمير، قال أبو حاتم: لا بأس به وفي " التقريب ": صدوق يهم. وقد وردت هذه القصة عن خالد بن الوليد بنحوها بلفظ: " يا أيها الناس ما بالكم أسرعتم....، وهو من حصة الكتاب الآخر (3902) .

883

883 - " كان يحمل ماء زمزم في الأداوى والقرب وكان يصب على المرضى ويسقيهم ". أخرجه الترمذي (1 / 180) وكذا البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 - 173 ) والبيهقي (5 / 202) من طريق خلاد بن يزيد الحنفي عن زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: " أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... " الحديث. والزيادة للبخاري وقال: " لا يتابع عليه ". يعني الحنفي هذا، وهو ثقة كما قال ابن حبان، فإنه روى عنه جماعة وقال: " ربما أخطأ " وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ". ولذلك قال الترمذي عقبه: " حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". وله شاهد من طريق أبي الزبير قال: " كنا عند جابر بن عبد الله، فتحدثنا، فحضرت صلاة العصر فقام، فصلى بنا في ثوب واحد قد تلبب به ورداؤه موضوع، ثم أتي بماء زمزم، فشرب، ثم شرب، فقالوا: ما هذا؟ قال: هذا ماء زمزم، قال فيه رسول الله صلى لله عليه وسلم: " ماء زمزم لما شرب له " قال: ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة قبل أن تفتح مكة إلى سهيل بن عمرو: أن أهد لنا من ماء زمزم، ولا يترك. قال: فبعث إليه بمزادتين ".

884

قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات. واستهداؤه صلى الله عليه وسلم للماء من سهيل له شاهد من حديث ابن عباس. أخرجه البيهقي. 884 - " اجتنب الغضب ". أخرجه أحمد (5 / 408) : حدثنا سفيان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. " أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بكلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، قال: اجتنب الغضب، ثم أعاد عليه، فقال " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين وجهالة الصحابي لا تضر كما هو معلوم. والحديث عزاه السيوطي لابن أبي الدنيا في " كتاب ذم الغضب "، وابن عساكر ففاته كونه في " المسند " كما فات ذلك المناوي ولم يتكلم على إسناده بشيء! 885 - " اجتنبوا الكبائر وسددوا وأبشروا ". أخرجه أحمد (3 / 394) عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ وعنعنة أبي الزبير

886

لكن الحديث حسن، فإن له شاهدا من حديث قتادة مرسلا، ذكره السيوطي في " الجامع " من رواية ابن جرير عنه وفاته كونه مسندا في " المسند " عن جابر! ولم يستدركه المناوي! بل الحديث صحيح، فإن الطرف الأول منه له شاهد من حديث سهل بن أبي حثمة عند الطبراني ومن حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما بلفظ: " اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله ... " وهو مخرج في " الإرواء "، وراجع " صحيح الجامع الصغير " (143، 144) . وطرفه الآخر له شاهد من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها. أخرجه الشيخان وغيرهما وراجع له " صحيح الجامع " (3521، 3522) . 886 - " اجتنبوا كل ما أسكر ". أخرجه أحمد (1 / 145) والديلمي (1 / 1 / 40) معلقا من طريق علي بن زيد عن ربيعة بن النابغة عن أبيه عن علي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور وعن الأوعية وأن تحبس لحوم الأضاحي بعد ثلاث، ثم قال: إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ونهيتكم عن الأوعية ، فاشربوا فيها واجتنبوا كل مسكر ونهيتكم عن لحوم الأضاحي أن تحبسوها بعد ثلاث، فاحبسوا ما بدا لكم ". قلت: وهذا سند ضعيف، ربيعة بن النابغة وأبوه مجهولان. وعلي بن زيد وهو ابن جدعان ضعيف. لكن الحديث له شاهد من حديث ابن عمرو قال:

887

" ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الأوعية: الدباء والحنتم والمزفت والنقير، فقال أعرابي : إنه لا ظروف لنا، فقال: اشربوا ما حل. (وفي رواية) اجتبوا ما أسكر ". أخرجه أبو داود (2 / 132) من طريق شريك عن زياد بن فياض عن أبي عياض عنه. قلت: وهذا سند ضعيف أيضا شريك هو ابن عبد الله سيء الحفظ. فالحديث بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. ثم وجدت له شاهد آخر يرويه يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " اشربوا فيما شئتم واجتنبوا كل مسكر ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 164 - زوائده) وقال الهيثمي: " هذا إسناد حسن "! ثم وجدت له شاهدا خيرا مما تقدم أخرجه النسائي في " زيارة القبور " من طريق المغيرة بن سبيع حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. " إني كنت نهيتكم أن تأكلوا لحوم الأضاحي إلا ثلاثا ... " الحديث مثل حديث علي وأتم منه. وسنده صحيح، وأصله عند مسلم، وقد خرجته في " الجنائز " (177 - 178) وروى أبو عبيد في " الغريب " (71 / 1) طرفه الأخير الذي عند النسائي. 887 - " اجعل بين أذانك وإقامتك نفسا قدر ما يقضي المعتصر حاجته في مهل وقدر ما يفرغ الآكل من طعامه في مهل ". روي من حديث أبي بن كعب وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وسلمان الفارسي.

1 - أما حديث أبي، فيرويه عبد الله بن الفضل عن عبد الله بن أبي الجوزاء عنه به. أخرجه عبد الله بن أحمد في " زيادات المسند " (5 / 143) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 141 / 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف عبد الله بن أبي الجوزاء لا يعرف وقد أغفلوه، فلم يترجموه، نعم أورده في " الكنى " من " التعجيل " فقال: " عب - أبو الجوزاء عن أبي بن كعب رضي الله عنه وعنه أبو الفضل مجهول، وقال الأزدي: متروك، قال الحسيني في " الإكمال ": لعله عبد الله بن الفضل. قلت: هذا الترجي واقع، وحديثه في الأمر بالفصل بين الأذان والإقامة. أخرجه عبد الله بن أحمد في " زياداته " من طريق سلم بن قتيبة الباهلي عن مالك بن مغول عن أبي الفضل هكذا، وأخرجه أيضا من رواية معارك بن عباد عن عبد الله بن الفضل عن عبد الله بن أبي الجوزاء عن أبي، ولعبد الله بن الفضل ترجمة في " التهذيب " فإن كان عبد الله يكنى أبا الفضل، فذلك وإلا فيحتمل أنها كانت " ابن الفضل " فتصحف. قلت: ويؤيد التصحيف أنه في " المسند " المطبوع على الصواب: " ابن الفضل ". 2 - وأما حديث جابر، فيرويه عبد المنعم صاحب السقاء، قال: حدثنا يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عنه به. أخرجه الترمذي (1 / 373) والعقيلي في " الضعفاء " (266) وابن عدي في " الكامل " وعنه البيهقي (1 / 428) والخطيب في " تلخيص المتشابه " (26، 27) . وقال الترمذي: " لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول

وعبد المنعم شيخ بصري ". وقال العقيلي: " لا يتابع عليه (يعني عبد المنعم) وهو منكر الحديث، وقد تابعه من هو دونه ". وكذلك قال البخاري في " التاريخ الصغير " (204) أنه منكر الحديث. وقال البيهقي: " هكذا رواه جماعة عن عبد المنعم بن نعيم أبي سعيد، قال البخاري: هو منكر الحديث، ويحيى بن مسلم البكاء الكوفي ضعفه يحيى بن معين ". وكأن البيهقي يشير بقوله " هكذا.. " إلى أن الجماعة قد خولفوا وهو كذلك، فقد أخرجه الحاكم (1 / 204) من طريق علي بن حماد ابن أبي طالب حدثنا عبد المنعم بن نعيم الرياحي حدثنا عمرو بن فائد الأسواري حدثنا يحيى بن مسلم به. فأدخل بين عبد المنعم ويحيى بن مسلم عمرو بن فائد، وقال: " ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد والباقون شيوخ البصرة وهذه سنة غريبة لا أعرف لها إسنادا غير هذا ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: قال الدارقطني: عمرو بن فائد متروك ". قلت: وفاتهما معا أن فيه عبد المنعم أيضا وهو ضعيف جدا كما يفيده قول البخاري المتقدم: منكر الحديث. وقد قال الذهبي في " الضعفاء والمتروكين ": " ضعفه الدارقطني وغيره ". ثم رأيت الحافظ العراقي في " تخريج الأحياء " (1 / 157) قد تعقب الحاكم بنحو ما ذكرنا.

888

3 - وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه أبو الشيخ في " الأذان " وعنه البيهقي من طريق حمدان بن الهيثم بن خالد البغدادي حدثنا صبيح بن عمير السيرافي حدثنا الحسن بن عبيد الله عن الحسن وعطاء كلاهما عن أبي هريرة، وقال البيهقي: " إسناده ليس بالمعروف ". قلت: يشير إلى أن صبيحا مجهول كما قال الحافظ في ترجمته من " اللسان " وذكر تبعا لأصله أن الأزدي قال: " فيه لين ". وحمدان بن الهيثم هو شيخ أبي الشيخ، ووثقه لكنه أتى بشيء منكر عن أحمد، فراجع " الميزان ". 4 - وأما حديث سلمان، فرواه أبو الشيخ أيضا كما في " الجامع الصغير " ولم يتكلم المناوي على إسناده ولا على إسناد الذي قبله بشيء ومع ذلك فقد ختم الكلام على الحديث بقوله: " وبذلك كله يعلم ما في تحسين المؤلف له إلا أن يريد أنه حسن لغيره ". قلت: وهذا هو الذي أراه أنه حسن لأن طرقه - إلا الثالث منها ليس فيها ضعف شديد. والله أعلم. (تنبيه) : المعتصر هنا هو الذي يحتاج إلى الغائط ليتأهب للصلاة وهو من (العصر) . أو (العصر) وهو الملجأ والمستخفى. 888 - " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ".

889

أخرجه مالك (2 / 985 / 5) والترمذي (2 / 52) وابن ماجه (3969) وابن حبان (1576) والحاكم (1 / 45 - 46) وأحمد (3 / 469) والحميدي (911) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 279 و 286 طبع المجمع العلمي) من طرق عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه (عن جده) عن بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وهكذا رواه غير واحد عن محمد بن عمرو نحو هذا قالوا: عن محمد بن عمرو عن أبيه عن جده عن بلال بن الحارث، وروى هذا الحديث مالك عن محمد بن عمرو عن أبيه عن بلال بن الحارث لم يذكر فيه عن جده ". قلت: وفيه وجوه أخرى من الاختلاف خرجها ابن عساكر، ثم قال: وهذه الأسانيد كلها فيها خلل والصواب رواية محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده كذلك رواه الثوري وابن عينيه و.. و.. و.. و.. ". ثم أخرج رواياتهم كلها مما يؤكد أن هذه هي المحفوظة. ثم ساقه من طرق أخرى عن علقمة بن وقاص الليثي عن بلال به. وعلقمة هذا ثقة ثبت، فصح الحديث. والحمد لله. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه مختصرا، وقد مضى برقم (537) . 889 - " إن العين لتولع الرجل بإذن الله حتى يصعد حالقا، ثم يتردى منه ". أخرجه أحمد (5 / 146) حدثنا يونس بن محمد حدثنا ديلم عن وهب بن أبي دبي - (كذا وفي الخلاصة: دنى بضم المهملة وبنون) - عن أبي حرب عن محجن عن أبي ذر به مرفوعا.

890

وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون غير محجن هذا أورده في " التعجيل " من هذا الإسناد وقال: " ذكره ابن حبان في " الثقات " وفي " المجمع " (5 / 106) : " رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات ". وعزاه في " الجامع " لأبي يعلى أيضا وقال الشارح: " ورواه عنه أيضا الحارث بن أبي أسامة والديلمي وغيرهما ". قلت: وللحديث شاهد بلفظ: " العين حق تستنزل الحالق " فهو به قوي وسيأتي (1250) . ثم رأيت الحديث في " الكامل " لابن عدي، أخرجه من طريق أبي يعلى بإسناده عن ديلم عن محجن به لم يذكر بينهما أبا حرب. ثم أخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن ديلم بن غزوان قال: حدثنا وهب بن أبي دبي عن أبي حرب عن أبي محجن به. 890 - " أملك عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " رقم (134) وعنه أحمد (5 / 259) وكذا الترمذي (2 / 65) من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر الجهني قال: " قلت: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال ... " فذكره. وقال: " حديث حسن ". وفيه إشارة إلى ضعف إسناده وهو من قبل ابن زحر وابن يزيد وهو الألهاني

891

فإنهما ضعيفان وإنما حسنه لمجيئه من طرق أخرى، فقد أخرجه أحمد (4 / 148) من طريق معاذ بن رفاعة حدثني علي بن يزيد به . ثم أخرجه (4 / 158) من طريق ابن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن فروة ابن مجاهد اللخمي قال: " لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " يا عقبة بن عامر! صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك ". 891 - " يا عقبة بن عامر! صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك ". قال: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: يا عقبة بن عامر أملك.. (الحديث) ، ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: (يا عقبة بن عامر! ألا أعلمك سورا ما أنزلت في التوراة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها؟ * (قل هو الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) *. قال عقبة: فما أتت علي ليلة إلا قرأتهن فيها، وحق لي أن لا أدعهن وقد أمرني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان فروة بن مجاهد إذا حدث بهذا الحديث يقول: ألا فرب من لا يملك لسانه أو لا يبكي على خطيئته ولا يسعه بيته ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون غير فروة ابن مجاهد وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جماعة وقال البخاري: كانوا لا يشكون أنه من الأبدال. وأخرج الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 163 / 2) ومن طريقه الضياء في

جزء من " المختارة " (ق 89 / 1) من طريق ابن سمعان ورشدين ابن سعد عن عقيل كلاهما عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن سعد عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه أنه قال: " يا رسول الله حدثني بأمر أعتصم به، قال: املك عليك هذا وأشار إلى لسانه ". قلت: وهذا سند ضعيف، ابن سمعان اسمه عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان المخزومي وهو متروك. ورشدين بن سعد ضعيف لكن الحديث صحيح بما قبله. ثم وجدت شاهدا آخر، يرويه صدقة بن عبد الله عن عبد الله بن علي عن سليمان بن حبيب عن أسود بن أصرم المحاربي قال: " قلت: يا رسول الله أوصني. قال: أملك يدك. قال: فما أملك إذا لم أملك يدي؟ قال أملك لسانك. قال: قلت: فما أملك إذا لم أملك لساني. قال: لا تبسط يدك إلا إلى خير ولا تقل بلسانك إلا معروفا ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 179) . وصدقة بن عبد الله هو أبو معاوية السمين ضعيف.

892

892 - " من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار ". أخرجه أبو داود (2 / 298) واللفظ له والبخاري في " الأدب المفرد " (188) وعبد الله بن أحمد في الزهد (ص 216) وكذا الدارمي (2 / 314) وأبو يعلى في " مسنده " (ق 98 / 2) وعنه ابن حبان (1979) وابن عساكر في " تاريخه " (12 / 301 / 1) من طريق شريك عن الركين عن نعيم بن حنظلة عن عمار بن ياسر مرفوعا. وقال العراقي (3 / 137) : " سنده حسن ". قلت: وهو محتمل، فإن له شواهد منها: " من كان ذا لسانين جعل الله له يوم القيامة لسانين من نار ". قال المنذري (4 / 31) : " رواه ابن أبي الدنيا في كتاب " الصمت " والطبراني والأصبهاني وغيرهم عن أنس ". وقال الهيثمي (8 / 95) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه مقدام بن داود وهو ضعيف، ورواه البزار بنحوه وأبو يعلى وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف ". قلت: ومن طريقه أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 39 / 2) ، وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 738) عنه عن الحسن وقتادة عن أنس به. وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. وأخرجه الخطيب (12 / 103) من طريق أبي حفص العبدي عن ثابت عن أنس.

893

وأبو حفص هو عمر بن حفص وهو ضعيف. وفي الباب عن سعد بن أبي وقاص وجندب بن عبد الله البجلي عند الطبراني بإسنادين متروكين. وعن أبي هريرة عند ابن عساكر (15 / 276 / 1) بسند ضعيف. 893 - " لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار. وفي رواية: بجهنم ". أخرجه أبو داود (4906) والترمذي (1 / 357) والحاكم (1 / 48) وأحمد (5 / 15) عن هشام حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرواية الأولى. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم : " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: هو كما قالوا لولا عنعنة الحسن وهو البصري لكن لعل الحديث حسن بالرواية الأخرى، فقد أخرجها البغوي في " شرح السنة " (3 / 448 نسخة المكتب) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن حميد بن هلال يرفع الحديث قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات. 894 - " أعينوا أخاكم. يعني سلمان في مكاتبته ". هو جملة من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه يرويه عبد الله بن عباس قال: حدثني سلمان الفارسي حديثه من فيه قال:

" كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من أهل قرية يقال لها (جي) وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته، أي ملازم النار كما تحبس الجارية وأجهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي يوقدها لا يتركها تخبو ساعة، قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة، قال: فشغل في بنيان له يوما، فقال لي: يا بني إني قد شغلت في بنيان هذا اليوم عن ضيعتي، فاذهب فاطلعها وأمرني فيها ببعض ما يريد، فخرجت أريد ضيعته، فمررت بكنيسة من كنائس النصارى، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون. قال: فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت: هذا والله خير من الدين الذي نحن عليه، فو الله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها، فقلت لهم: أين أصل هذا الدين؟ قالوا: بالشام، قال: ثم رجعت إلى أبي، وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، قال: فلما جئته قال: أي بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت ؟ قال: قلت: يا أبت مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم، فو الله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس، قال: أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك وأجدادك خير منه، قال: قلت: كلا والله إنه خير من ديننا ، قال: فخافني، فجعل في رجلي قيدا، ثم حبسني بيته. قال: وبعثت إلى النصارى فقلت لهم: إذا قدم عليكم ركب من الشام تجار من النصارى فأخبروني بهم، قال فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى، قال: فأخبروني بهم، فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم أخبروني بهم، فألقيت الحديد من رجلي، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة. قال: فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك، قال: فادخل، فدخلت معه، قال:

فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها، فإذا جمعوا إليه منها أشياء اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، قال: وأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه، فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها، فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، قالوا: وما علمك بذلك؟ قال: قلت: أنا أدلكم على كنزه، قالوا: فدلنا عليه، قال: فأريتهم موضعه، قال: فاستخرجوا منه سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلما رأوها قالوا: والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه، ثم رجموه بالحجارة. ثم جاؤا برجل آخر فجعلوه بمكانه قال يقول سلمان: فما رأيت رجلا لا يصلي الخمس أرى أنه أفضل منه، أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ونهارا منه، قال: فأحببته حبا لم أحبه من قبله وأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة، فقلت له: يا فلان إني كنت معك، وأحببتك حبا لم أحبه من قبلك، وقد حضرك ما ترى من أمر الله، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني! والله ما أعلم أحدا اليوم على ما كنت عليه، لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان، فهو على ما كنت عليه فالحق به. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له: يا فلان إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره. قال : فقال لي: أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلم يلبث أن مات فلما حضرته الوفاة قلت له: يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك، وقد حضرك من الله عز وجل ما ترى، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان، فالحق به. فلما مات وغيب، لحقت بصاحب نصيبين فجئته، فأخبرته بخبرى، وما أمرني به صاحبي، قال: فأقم عندي، فأقمت عنده، فوجدته على أمر صاحبيه، فأقمت مع خير رجل، فو الله ما لبث أن نزل به الموت، فلما حضر، قلت له: يا فلان! إن فلانا كان أوصى بي إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ قال: أي بني! والله ما نعلم أحدا بقي على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية، فإنه بمثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، قال: فإنه على أمرنا. قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبري، فقال: أقم عندي، فأقمت مع رجل على هدي أصحابه وأمرهم. قال: واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة، قال: ثم نزل به أمر الله، فلما حضر، قلت له: يا فلان إني كنت مع فلان، فأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، ثم أوصى بي فلان إليك، فإلى من توصي وما تأمرني؟

قال: أي بني ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه ولكنه قد أظلك زمان نبي هو مبعوث بدين إبراهيم، يخرج بأرض العرب، مهاجرا إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل. قال: ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجار، فقلت لهم: تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ قالوا: نعم، فأعطيتموها وحملوني حتى إذا قدموا بي وادي القرى ظلموني، فباعوني من رجل من اليهود عبدا فكنت عنده ورأيت النخل، ورجوت أن تكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي، فبينما أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة، فابتاعني منه واحتملني إلى المدينة، فو الله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها. وبعث الله رسوله، فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر، مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فو الله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل، وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال: فلان! قاتل الله بني قيلة، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم، يزعمون أنه نبي، قال: فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني سأسقط على سيدي، قال: ونزلت عن

النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك: ماذا تقول ماذا تقول ؟ قال: فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ ! أقبل على عملك . قال: قلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبت عما قال. وقد كان عندي شيء قد جمعته، فلما أمسيت أخذته، ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء، فدخلت عليه فقلت له: إنه قد بلغني أنك رجل صالح، ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة وهذا شيء كان عندي للصدقة، فرأيتكم أحق به من غيركم، قال: فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا، وأمسك يده فلم يأكل، قال: فقلت في نفسي: هذه واحدة، ثم انصرفت عنه، فجمعت شيئا، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، ثم جئت به فقلت: إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، قال: فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها وأمر أصحابه فأكلوا معه، قال: فقلت في نفسي: هاتان اثنتان، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد قال: وقد تبع جنازة من أصحابه عليه شملتان له وهو جالس في أصحابه، فسلمت عليه، ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم استدرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي، قال: فألقى رداءه عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم، فعرفته، فانكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحول، فتحولت، فقصصت عليه حديثي - كما حدثتك يا ابن عباس - قال: فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه. ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر وأحد، قال: ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كاتب يا سلمان! فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير، بأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أعينوا أخاكم " فأعانوني بالنخل، الرجل بثلاثين ودية والرجل بعشرين

والرجل بخمس عشرة والرجل بعشر. يعني الرجل بقدر ما عنده - حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب يا سلمان ففقر لها، فإذا فرغت فأتني أكون أنا أضعها بيدي، ففقرت لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها، فجعلنا نقرب له الودي، ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي على المال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المغازي، فقال: ما فعل الفارسي المكاتب؟ . قال: فدعيت له، فقال: خذ هذه فأد بها ما عليك يا سلمان! فقلت: وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال: خذها، فإن الله عزوجل سيؤدي بها عنك، قال: فأخذتها فوزنت لهم منها - والذي نفس سلمان بيده - أربعين أوقية، فأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد ". أخرجه أحمد (5 / 441 - 444) وابن سعد في " الطبقات " (4 / 53 - 57 من طريق ابن إسحاق حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري عن محمود بن لبيد عن عبد الله بن عباس. قلت: وهذا إسناد حسن وأورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 332 - 336) فقال: رواه أحمد كله والطبراني في الكبير بنحوه ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق وقد صرح بالسماع ". قلت: وروى قطعة منه الحاكم (2 / 16) من هذا الوجه وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. كذا قال! وفي رواية لأحمد (5 / 444) عن ابن إسحاق أيضا حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن رجل من بني عبد القيس عن سلمان الخير قال

895

" لما قلت: وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال: خذها فأوفهم منها ". 895 - " أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي ". رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " (ق 115 / 1) وأبو الحسن السكري الحربي في " الثاني " من " الفوائد " (160 / 2) وأبو القاسم ابن الجراح الوزير في " السابع من الثاني من الأمالي " (13 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 96) عن عبد المجيد بن أبي رواد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه ابن عدي (253 / 2) وقال: " حديث غير محفوظ، على أن ابن أبي رواد يتثبت في حديث ابن جريج ". قلت: ابن جريج وأبو الزبير مدلسان وقد عنعنا، وعبد المجيد ابن أبي رواد هو ابن عبد العزيز بن أبي رواد، قال الحافظ: " صدوق يخطىء " فقول الحافظ العراقي في " التخريج " (2 / 326) " إسناده حسن " غير حسن، وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 121) : " رواه أبو يعلى والطبراني وأبو الشيخ في " كتاب الثواب " كلهم من رواية عبد المجيد بن أبي رواد وقد وثق ولكن في الحديث نكارة ". وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة. رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 81) عن مقدام بن داود المصري حدثنا النضر بن عبد الجبار حدثنا ابن لهيعة عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا.

896

قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا، ابن لهيعة سيء الحفظ والمقدام قال الذهبي في " الضعفاء ": " صويلح، قال ابن أبي حاتم: تكلموا فيه، قال ابن القطان: قال الدارقطني ضعيف ". قلت: ويشهد له أيضا حديث: " اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه " وقد مضى تخريجه (664) . فالحديث بمجموع ذلك حسن إن شاء الله تعالى. وقد عزاه السيوطي لابن حبان في " صحيحه "، ولم أره في " الموارد ". والله أعلم. 896 - " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبرأ لدينه وعرضه ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2551 - موارد) والديلمي (1 / 1 / 13) عن عبد الله بن عياش القتباني عن ابن عجلان عن الحارث بن يزيد العكلي عن عامر الشعبي قال: سمعت النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون وفي ابن عياش وابن عجلان كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية ابن حبان والطبراني في " الكبير " بزيادة: " يوشك أن يقع فيه وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله في الأرض محارمه ". وقال المناوي في شرحه:

897

" لم يرمز المصنف له بشيء، وسها من زعم أنه رمز لحسنه. قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني المقدام بن داود وقد وثق على ضعف فيه ". قلت: إسناد ابن حبان خلو من المقدام هذا، نعم ليس عنده الزيادة ولكن معناها ثابت في " الصحيحين " وغيرهما وقد وجدت لها طريقا أخرى بلفظ قريب منه وهو: " حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك، من ترك ما اشتبه عليه من الإثم، كان لما استبان له أترك ومن اجترأ على ما شك فيه أوشك أن يواقع الحرام، وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله في الأرض معاصيه أو قال: محارمه ". أخرجه أحمد (4 / 271) : حدثنا سفيان قال: حفظته من أبي فروة أولا، ثم عن مجالد: سمعته من الشعبي يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأبو فروة اسمه مسلم ابن سالم النهدي الكوفي. وقد روى عنه جماعة منهم السفيانان وسفيان هنا هو ابن عينية وقد رواه عنه الثوري أيضا، فقال أحمد (4 / 275) حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبي فروة عن الشعبي به دون قوله: " وإن لكل ملك حمى ... ". لكن مؤمل وهو ابن إسماعيل سيء الحفظ، فلا يضر الزيادة أن لا يحفظها مثله وقد حفظها الثقات. 897 - " اجعلوا بينكم وبين النار حجابا ولو بشق تمرة ". رواه الطبراني في " الكبير " من حديث فضالة بن عبيد مرفوعا. قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 106) : " وفيه ابن لهيعة وفيه كلام ".

قلت: لكن يشهد له الحديث الذي ذكره قبله وهو عن عبد الله بن مخمر - بخاء معجمة، وفي الأصل: مجمر بجيم وهو تصحيف - من أهل اليمن يرويه عبد الله بن عبد الرحمن أنه سمعه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعائشة: " احتجبي من النار ولو بشق تمرة ". رواه الطبراني أيضا. قال الهيثمي: " وفيه سعيد بن أبي مريم وهو ضعيف لاختلاطه ". قلت: لا أعرف في الرواة سعيد بن أبي مريم، نعم فيهم سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم ابن أبي مريم المصري ولكنه لم يوصف بالاختلاط بل هو ثقة ثبت، فالله أعلم . ثم إن الحديث أورده الحافظ في ترجمة عبد الله بن مخمر هذا عن يحيى بن أيوب الغافقي عن عبد الله بن قرط - وقيل قريط - أنه سمع عبد الله بن مخمر به. أخرجه ابن أبي حاتم في " الوحدان " وابن منده وأبو نعيم وغيرهم. فأنت ترى أن الراوي عندهم عبد الله بن قرط وعند الطبراني عبد الله بن عبد الرحمن، فهل هذا اختلاف في الراوي أم اختلاف نشأ من الناسخ. والله أعلم. وعلى كل حال، فلحديث عائشة طرق أخرى، فقد روى كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: " يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة، فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان ".

898

أخرجه أحمد ( 6 / 79) بإسناد حسن كما قال المنذري في " الترغيب " (2 / 22) وتبعه الحافظ في " الفتح " (3 / 221) لولا أن فيه عنعنة المطلب هذا فإنه كثير التدليس كما قال في " التقريب " على أنهم اختلفوا في ثبوت سماعه من عائشة، فنفاه أبو حاتم ، وقال أبو زرعة: نرجو أن يكون سمع منها. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات. 898 - " أجملوا في طلب الدنيا، فإن كلا ميسر لما خلق له ". أخرجه ابن ماجه (2 / 3) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 34 / 2) والحاكم (2 / 3) والبيهقي (5 / 264) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 265) من طريق ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد الأنصاري عن أبي حميد الساعدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن عبد الملك هذا لم يخرج له البخاري شيئا. 899 - " إن الله يحب سمح البيع، سمح الشراء، سمح القضاء ". أخرجه الترمذي (2 / 273 - تحفة) : أخبرنا أبو كريب حدثنا إسحاق بن سليمان عن مغيرة بن مسلم عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال:

" هذا حديث غريب وقد روى بعضهم هذا الحديث عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة ". قلت: وصله الحاكم (2 / 56) من طريق إسحاق بن أحمد الخزاز - بالري - حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي حدثنا المغيرة بن مسلم عن يونس بن عبيد عن سعيد المقبري به، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا لولا أني لم أعرف الخزاز هذا لكنه لم يتفرد به، فقد قال المناوي في " الفيض ": " وقال الترمذي في " العلل ": سألت عنه محمدا، يعني البخاري؟ فقال: هو حديث خطأ، رواه بن علية عن يونس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة، قال: وكنت أفرح به حتى رواه بعضهم عن يونس عمن حدثه عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه. كذا قال ". قلت: هذا البعض عندي مجهول، فلا تضر مخالفته لرواية ابن علية الموافقة لرواية المغيرة بن مسلم من رواية الخزاز عنه واتفاقهما على هذه الرواية يجعلها تترجح على رواية أبي كريب عن إسحاق بن سليمان عن المغيرة عن يونس عن الحسن عن أبي هريرة. وإلا فالحسن عن أبي هريرة في حكم المنقطع، بخلاف سعيد المقبري عن أبي هريرة، فهو متصل وعلى هذا فالحديث صحيح الإسناد، والله أعلم. وقد رواه البيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أحب الله تعالى عبدا سمحا إذا باع وسمحا إذا اشترى وسمحا إذا قضى وسمحا إذا اقتضى ". لكنه ضعيف الإسناد جدا، فإن فيه عدة علل، أهمها الواقدي، فإنه متهم بالكذب وبقية العلل راجعها إن شئت في " فيض القدير ".

900

900 - " لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم ". أخرجه أبو داود (4379) والترمذي (1 / 274) من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن إسرائيل حدثنا سماك بن حرب عن علقمة بن وائل الكندي عن أبيه. أن امرأة خرجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تريد الصلاة، فتلقاها رجل، فتجللها، فقضى حاجته منها، فصاحت، فانطلق، ومر عليها رجل فقالت: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا، فانطلقوا فأخذوا الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها وأتوها، فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أمر به ليرجم، قام صاحبها الذي وقع عليها، فقال: يا رسول الله أنا صاحبها، فقال لها: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولا حسنا، وقال للرجل الذي وقع عليها: ارجموه، وقال، فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح وعلقمة بن وائل سمع من أبيه ". قلت: ورجاله ثقات كلهم رجال مسلم وفي سماك كلام لا يضر وهو حسن الحديث في غير روايته عن عكرمة، ففيها ضعف غير أن الفريابي قد خولف في بعض سياقه، فقال الإمام أحمد (6 / 379) : حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير قال: حدثنا إسرائيل به بلفظ: " خرجت امرأة إلى الصلاة، فلقيها رجل فتجللها بثيابه فقضى حاجته منها وذهب وانتهى إليها رجل، فقالت له: إن الرجل فعل بي كذا وكذا، فذهب الرجل في طلبه فانتهى إليها قوم من الأنصار، فوقفوا عليها، فقالت لهم: إن رجلا فعل بي كذا وكذا، فذهبوا في طلبه، فجاؤا بالرجل الذي ذهب في طلب الرجل الذي وقع عليها! فذهبوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: هو هذا، فلما أمر النبي صلى الله عليه وسلم برجمه، قال الذي وقع

عليها: يا رسول الله أنا هو، فقال للمرأة: اذهبي فقد غفر الله لك، وقال للرجل قولا حسنا، فقيل: يا نبي الله ألا ترجمه؟ فقال: فذكره. فقد صرح ابن الزبير بأن الحد لم يقم على المعترف وهو الصواب، فقد رواه أسباط بن نصر عن سماك به مثله ولفظه: " أن امرأة وقع عليها رجل في سواد الصبح وهي تعمد إلى المسجد، فاستغاثت برجل مر عليها وفر صاحبها، ثم مر عليها قوم ذو عدة فاستغاثت بهم، فأدركها الذي استغاثت به وسبقهما الآخر فذهب، فجاؤوا به يقودونه إليها، فقال: إنما أنا الذي أغثتك وقد ذهب الآخر، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبر أنه وقع عليها وأخبره القوم أنهم أدركوه يشتد، فقال إنما كنت أغيثها على صاحبها، فأدركوني هؤلاء فأخذوني، قالت: كذب هو الذي وقع علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فارجموه، قال: فقام رجل من الناس، فقال : لا ترجموه وارجموني أنا الذي فعلت الفعل، فاعترف، فاجتمع ثلاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي وقع عليها والذي أجابها والمرأة، فقال: أما أنت فقد غفر الله لك وقال للذي أجابها قولا حسنا. فقال عمر رضي الله عنه: ارجم الذي اعترف بالزنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا لأنه قد تاب إلى الله - أحسبه قال - توبة لو تابها أهل المدينة أو أهل يثرب لقبل منهم، فأرسلهم ". وأسباط بن نصر وإن كان فيه كلام من قبل حفظه فقد احتج به مسلم، وقال فيه البخاري: صدوق، وضعفه آخرون فهو لا بأس به في الشواهد والمتابعات ، فروايته ترجح رواية ابن الزبير على رواية الفريابي عن سماك. والله أعلم. وقد أخرج البيهقي هذه الرواية عن أسباط (8 / 285) ، ثم ذكر رواية إسرائيل

901

معلقا وأحال في لفظها على رواية أسباط، ولم يعلها، فأشار بذلك إلى صحتها. والله أعلم. قلت: وفي هذا الحديث فائدة هامة، وهي أن الحد يسقط عمن تاب توبة صحيحة وإليه ذهب ابن القيم في بحث له في " الإعلام " فراجعه (30 / 17 - 20 مطبعة السعادة ". 901 - " ما أحب أنى حكيت أحدا وأن لي كذا وكذا ". رواه ابن المبارك في " الزهد " (189 / 5 من الكواكب 575) رقم 742 ط حدثنا سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي حذيفة - رجل من أصحاب عبد الله - عن عائشة قالت: ذهبت أحكي امرأة ورجلا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وزاد في آخره: " أعظم ذلك ". قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 278) من طريق الترمذي حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان ومسعر به. وقال الترمذي ( 2 / 82) : " حديث حسن صحيح ". 902 - " مقام أحدكم في سبيل الله خير من صلاة ستين عاما خاليا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟ اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة ".

رواه الترمذي (3 / 14) والحاكم (2 / 68) والبيهقي (9 / 160) وأحمد (2 / 524) ومن طريقه عبد الغني المقدسي في " السنة " (249 / 2) عن هشام بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن ابن أبي ذباب عن أبي هريرة. أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشعب فيه عينة ماء عذب، وأعجبه طيبه، فقال لو أقمت في هذا الشعب واعتزلت الناس، ولا أفعل حتى استأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تفعل فإن مقام ... ! " الحديث. وقال المقدسي: " هذا إسناد صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! قلت: وهشام بن سعد، فيه كلام من قبل حفظه، فهو حسن الحديث، ولكنه ليس على شرط مسلم، لأنه إنما أخرج له في الشواهد كما قال الحاكم نفسه، ونقل هذا القول ذاته في " الميزان " عنه! وكأنه لذلك قال الترمذي. " حديث حسن ". لكن الحديث صحيح لغيره، فإن له شاهدا من حديث أبي أمامة قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " الحديث نحوه دون قوله: " ألا تحبون ... ". أخرجه أحمد (5 / 266) بسند ضعيف. وطرفه الأول منه أعني: " مقام أحدكم.." . أخرجه الدارمي (2 / 202) وعنه الحاكم (2 / 68) وكذا ابن عساكر في " الأربعين في الجهاد " (رقم الحديث 13 - نسختي) والبيهقي (9 / 161) من طريق عبد الله بن صالح حدثني يحيى بن أيوب عن هشام عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم:

903

" صحيح على شرط البخاري " ووافقه الذهبي! وقال ابن عساكر. " هذا حديث حسن ". قلت: الحسن في سماعه من عمران خلاف، ثم هو مدلس وقد عنعنه، وعبد الله بن صالح، وإن كان من شيوخ البخاري ففيه ضعف من قبل حفظه. وقوله " من قاتل ... ". أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من حديث معاذ وصححه ابن حبان والحاكم وبعض طرقه صحيحة، وقد خرجته في التعليق على " الترغيب " (2 / 169) . ثم وجدت لابن صالح متابعا، أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 30) والخطيب في " التاريخ " (10 / 295) من طريق يحيى بن سليم قال حدثنا إسماعيل بن عبيد الله بن سلمان المكي قال: حدثنا الحسن به. 903 - " لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم السماء، ثم تبتم لتاب عليكم ". أخرجه ابن ماجه (2 / 561 - 562) : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب المديني حدثنا أبو معاوية: حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا. قلت وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يعقوب ابن حميد وهو صدوق ربما وهم كما في " التقريب ". وفي " الزوائد ":

904

" هذا إسناد حسن، ويعقوب بن حميد مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات ". وقال المنذري (4 / 73) : " وإسناده جيد ". وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 12) " حسن ". وله شاهد بنحوه من حديث أنس فراجع ما يأتي " والذي نفسي بيده " برقم (1951) . 904 - " أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن والحارث ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 8 / 2) من طريق أبي يعلى وهذا في " مسنده " (2 / 739) عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن أنس مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف " الحسن هو البصري وقد عنعنه وإسماعيل بن مسلم هو وأبو إسحاق المكي ضعيف الحديث كما في " التقريب، وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (8 / 49) . ولكن للحديث شاهد قوي يرويه به الحجاج بن أرطاة عن عمير بن سعيد عن سبرة بن أبي سبرة عن أبيه: " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم، قال : ما ولدك؟ قال: فلان، وفلان، وعبد العزى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عبد الرحمن، إن أحق أسمائكم أو من خير أسمائكم إن سميتم عبد الله، وعبد الرحمن، والحارث ". ومن هذا الوجه أخرجه ابن منده كما في " الإصابة " (2 / 392) . قلت: وهذا سند ضعيف، من أجل الحجاج، فإنه مدلس، وقد عنعنه. وسبرة بن أبي سبرة، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 296) ، ولم يذكر فيه جرحا ولا

تعديلا، لكن أوردوه في " الصحابة " وذكره ابن حجر في " القسم الأول " من " الإصابة "، وساق له هذا الحديث من رواية أبي أحمد الحاكم عن الحجاج به. وقد تابعه أخوه عبد الرحمن نحوه، رواه أبو إسحاق عن خيثمة بن عبد الرحمن بن (أبي) سبرة: " أن أباه عبد الرحمن ذهب مع جده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: ما اسم ابنك؟ قال: عزيز، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسمه عزيزا، ولكن سمه عبد الرحمن، ثم قال: " فذكره. أخرجه أحمد (4 / 178) وابن حبان (1945) مختصرا، وكذا الحاكم (4 / 276) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: لكن ظاهره الإرسال، وقد وصله أحمد في رواية له من هذا الوجه عن خيثمة بن عبد الرحمن عن أبيه به نحوه. قلت: فهذا موصول، وكذلك رواه الطبراني، قال الهيثمي (8 / 50) : " ورجاله رجال الصحيح ". وللحديث شاهد مرسل قوي بلفظ: " خير الأسماء عبد الله، وعبد الرحمن، ونحو هذا، وأصدق الأسماء الحارث وهمام، حارث لدنياه ولدينه، وهمام بهما، وشر الأسماء حرب ومرة ". رواه ابن وهب في " الجامع " (ص 7) : أخبرني ابن لهيعة عن جعفر ابن ربيعة عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن عامر اليحصبي مرفوعا. قلت: وهذا سند مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات، واليحصبي كنيته أبو عمران الدمشقي المقري.

905

وقد تابعه عبد الوهاب بن بخت، فقال ابن وهب: أخبرني داود بن قيس عنه به دون قوله " ونحو هذا ". وإسناده مرسل صحيح أيضا، لكن ابن بخت كان قد سكن الشام، فمن الجائز أن يكون تلقاه عن اليحصبي، فلا يتقوى أحدهما بالآخر، كما هو ظاهر. 905 - " احبسوا صبيانكم حتى تذهب فوعة العشاء، فإنها ساعة تخترق فيها الشياطين ". أخرجه الحاكم (4 / 284) من طريق حماد بن سلمة قال: أنبأنا حبيب المعلم عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي. قلت: وهو كما قالا. وله عند أحمد طريق أخرى مختصرا فقال (3 / 360) : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن بعض أهله عن أبيه عن طلق بن حبيب عن جابر مرفوعا بلفظ : " اتقوا فورة العشاء. كأنه لما يخاف من الاحتضار ". ورجاله ثقات رجال مسلم غير البعض المشار إليه فهو مجهول. 906 - " أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على مسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، (يعني مسجد المدينة) شهرا ومن كف غضبه ستر الله عورته ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه

رجاء يوم القيامة ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام (وإن سوء الخلق يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 209 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (18 / 1 / 2) عن عبد الرحمن بن قيس الضبي أنبأنا سكين ابن أبي سراج أنبأنا عمرو بن دينار عن ابن عمر: " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وليس فيه الجملة التي بين المعكوفتين وليس عند ابن عساكر قوله: " ولأن أمشي ... " الخ. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا سكين هذا اتهمه ابن حبان، فقال: " يروي الموضوعات ". وقال البخاري: " منكر الحديث ". وعبد الرحمن بن قيس الضبي مثله أو شر منه، قال الحافظ في " التقريب ": " متروك، كذبه أبو زرعة وغيره ". لكن قد جاء بإسناد خير من هذا، فرواه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص 80 رقم 36) وأبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة " (1 / 147 / 2) - ببعضه - وابن عساكر (11 / 444 / 1) من طرق عن بكر بن خنيس عن عبد الله بن دينار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (كذا قال ابن أبي الدنيا، وقال الآخران: عن عبد الله بن عمر - قال: قيل يا رسول الله من أحب الناس إلى الله ... " وفيه الزيادة. قلت: وهذا إسناد حسن، فإن بكر بن خنيس صدوق له أغلاط كما قال الحافظ. وعبد الله بن دينار ثقة من رجال الشيخين.

907

فثبت الحديث. والحمد لله تعالى. 907 - " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصولن عليهم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم، قيل: يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه، فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ". أخرجه مسلم (6 / 24) والدارمي (2 / 324) وأحمد (6 / 24، 28) من حديث عوف بن مالك. 908 - " كان يحتجم على الأخدعين والكاهل وكان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين ". أخرجه الترمذي (2 / 5) والحاكم (4 / 210) من طريق همام وجرير بن حازم قالا: حدثنا قتادة عن أنس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وله شاهد من حديث ابن عباس بلفظ: " كان يحتجم لسبع عشرة ... ". أخرجه الحاكم (4 / 409) من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: لا ".

909

وهذا هو الصواب لأن عبادا هذا فيه ضعف لتغيره وتدليسه وقد سبق تفصيل ذلك بما لا تجده في مكان آخر تحت الحديث (633) . لكن لحديثه هذا شاهد من قوله صلى الله عليه وسلم، وقد مضى برقم (622) . 909 - " احتج آدم وموسى، فحج آدم موسى ". أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (4 / 349) عن أبي بكر أحمد بن القاسم الأنماطي المعروف بـ (بلبل) : حدثنا عبد الله بن سوار أبو السوار أخبرنا حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن أنس عن جندب أو غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أورده الخطيب في ترجمة الأنماطي هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا لكن يبدو من التخريج الآتي عن الهيثمي أنه لم يتفرد به ومن فوقه كلهم ثقات غير أن الحسن مدلس وقد عنعنه. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (7 / 191 بأتم منه عن جندب ابن عبد الله وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " احتج آدم وموسى، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده ... " الحديث وقال: " رواه أبو يعلى وأحمد بنحوه والطبراني ورجالهم رجال الصحيح ". قلت: أخرجه أحمد (2 / 464) وأبو يعلى (1 / 422) وابن أبي عاصم في " السنة " (143) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 83 / 2) من طرق أخرى عن حماد بن سلمة به إلا أنه قال: عن الحسن عن جندب ولم يذكر أنسا بينهما، ولفظه: " لقي آدم موسى صلى الله عليهما، فقال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده وأسكنك جنته وأسجد لك ملائكته، ثم فعلت ما فعلت وأخرجت ذريتك من الجنة ؟

910

قال آدم عليه السلام: أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك وقربك نجيا . قال: نعم، قال: فأنا أقدم أم الذكر؟ قال: بل الذكر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ". وأخرجه أحمد والطبراني من طريقين عن حماد عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وإسناده صحيح، وإسناد الأول معلول بالانقطاع كما سبق. (تنبيه) أورد الحديث السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 23 / 1) وفي " زيادته على الجامع الصغير " (ق 8 / 1) باللفظ المذكور أعلاه من رواية الخطيب عن أنس. وإنما هو عنده من روايته عنه عن جندب كما تقدم وذكر أنس في السند شاذ كما تدل عليه الطرق السابقة عند أحمد والطبراني وغيرهما. ثم إن الحديث في " الصحيحين " و " المسند " (2 / 248، 264، 268، 287، 314، 392 ، 398، 448) وغيرها من طرق عن أبي هريرة به نحوه بتمامه. 910 - " احذروا الدنيا، فإنها خضرة حلوة ". أخرجه الإمام أحمد في " الزهد " (ص 11) : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا سفيان بن سعيد عن الزبير بن عدي عن مصعب بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا أنه مرسل لكن له شاهد موصول بلفظ: " إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ". 911 - " إن الدنيا خضرة حلوة وإن الله عز وجل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ". أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 22)

912

من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. 912 - " إذا رأيتم المداحين، فاحثوا في وجوههم التراب ". ورد من حديث المقداد بن الأسود وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعبادة بن الصامت. 1 - أما حديث المقداد، فله عنه طرق: الأولى: عن همام بن الحارث. " أن رجلا جعل يمدح عثمان، فعمد المقداد، فجثا على ركبتيه وكان رجلا ضخما، فجعل يحثو في وجهه الحصباء، فقال له عثمان: ما شأنك؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فذكره. أخرجه مسلم (8 / 228) وأبو داود (2 / 290 ) وأحمد (6 / 5) من طريق إبراهيم عنه. الثانية: عن مجاهد عن أبي معمر قال: " قام رجل يثني على أمير من الأمراء ... " الحديث نحوه.

أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " (339) والترمذي ( 3 / 284) وابن ماجه (2 / 407) وأحمد أيضا من طريق حبيب بن أبي ثابت عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وتابعه ابن أبي نجيح عن مجاهد: " أن سعيد بن العاص بعث وفدا من العراق إلى عثمان، فجاؤوا يثنون عليه، فجعل المقداد يحثو في وجوههم التراب، وقال " فذكره نحوه. وفي لفظ: " فقام المقداد فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: احثوا في وجوه المداحين التراب. فقال الزبير: أما المقداد فقد قضى ما عليه ". أخرجه أحمد، ورجاله ثقات لكنه منقطع، فإن مجاهدا لم يسمع من عثمان بن عفان وقد مات سنة (35) والمقداد، فقد مات قبله بسنتين، فبينهما أبو معمر كما في رواية حبيب المتقدمة عنه مع أن حبيبا كان مدلسا وقد عنعنه. الثالثة: عن عبد الله البهي. " أن ركبا وقفوا على عثمان بن عفان فمدحوه وأثنوا عليه، وثم المقداد بن الأسود، فأخذ قبضة من الأرض.. ". الحديث نحوه. أخرجه أحمد ورجال إسناده ثقات، فهو صحيح إن كان البهي أدرك القصة وذلك مما لا أعتقده. الرابعة: عن ميمون بن شبيب قال: " جاء رجل يثني على عامل لعثمان عند المقداد ، فحثا في وجهه التراب.. ". الحديث. أخرجه أحمد وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 377) .

وسنده صحيح إن كان ميمون أدرك القصة ولا أظن ذلك. 2 - وأما حديث ابن عمر، فله عنه طرق أيضا. الأولى: عن عطاء بن أبي رباح. " أن رجلا كان يمدح رجلا عند ابن عمر، فجعل ابن عمر يحثو التراب نحو فيه، وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " . فذكره بلفظ الترجمة. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (340) والخطيب في " التاريخ " (11 / 107) . قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري في " صحيحه ". الثانية: عن زيد بن أسلم قال: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ: " احثوا في وجوه المداحين التراب ". أخرجه ابن حبان (2008) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 127) والخطيب (7 / 338) وابن عساكر في " تاريخه " (17 / 448 / 1) من طرق عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح غاية. الثالثة: عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير قال: مدحك أخاك في وجهه كإمرارك على حلقه موسى رهيصا - أي شديدا - قال: " ومدح رجل ابن عمر رضي الله عنه في وجهه ، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره باللفظ الآنف الذكر) ، ثم أخذ ابن عمر التراب فرمى به في وجه المادح، وقال: هذا في وجهك (ثلاث مرات) ". أخرجه أبو نعيم (6 / 99) من طريق بقية بن الوليد حدثني ثور عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ... وقال:

913

" غريب من حديث ثور لم نكتبه إلا من حديث بقية ". قلت: وهو ثقة، وقد صرح بالتحديث، فالسند جيد. 3 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه سالم الخياط عن الحسن عنه نحوه. أخرجه الترمذي (3 / 285) وقال: " حديث غريب من حديث أبي هريرة ". قلت: وسنده ضعيف، الحسن هو البصري وهو مدلس وقد عنعنه. وسالم هو ابن عبد الله البصري، صدوق سيء الحفظ. 4 - وأما حديث عبادة، فعزاه في " الجامع " لابن عساكر. 913 - " دخلت الجنة فسمعت فيها قراءة، قلت: من هذا؟ فقالوا: حارثة بن النعمان، كذلكم البر كذلكم البر (وكان أبر الناس بأمه) ". رواه ابن وهب في " الجامع " (22) سمعت سفيان يحدث عن ابن شهاب عن عمرة ابنة عبد الرحمن عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه الحاكم (3 / 208) من طريق أخرى عن سفيان به وصححه كما ذكرنا ووافقه الذهبي. ثم رواه ابن وهب (ص 20) من طريق موسى بن زيد عن ابن شهاب به إلا أنه أرسله فلم يذكر عائشة وزاد:

914

و" كان حارثة أبر هذه الأمة بأمه ". وقد وصله معمر أيضا عن الزهري عن عمرة عن عائشة به، وفيه الزيادة بلفظ: " وكان أبر الناس بأمه ". أخرجه أحمد (6 / 151 - 152) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 420 - نسخة المكتب) وابن النجار في " ذيل التاريخ " (10 / 134 / 2) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر به . وفي رواية عبد الرزاق: " نمت، فرأيتني في الجنة، فسمعت صوت قارىء يقرأ ... " الحديث مثله. أخرجه أحمد (166 - 167) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 6 / 356) وقال: " رواه ابن أبي عتيق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مثله ". 914 - " الوالد أوسط أبواب الجنة ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (رقم 981) : حدثنا شعبة عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وهكذا أخرجه أحمد (5 / 196) وابن ماجه (2089) والحاكم (4 / 152) من طريق أخرى عن شعبة به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وتابعه سفيان الثوري: حدثنا عطاء به ولفظه: حدثني عبد الرحمن السلمي. " أن رجلا منا أمرته أمه أن يتزوج، فلما تزوج، أمرته أن يفارقها، فارتحل إلى أبي الدرداء فسأله عن ذلك، فقال: ما أنا بالذي آمرك أن تطلق وما أنا بالذي آمرك أن

تمسك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه ". (قال: فرجع وقد فارقها) ": أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 158) والسياق له وأحمد (6 / 445) والزيادة له. وتابعه ابن عيينة قال: حدثنا عطاء بن السائب به مع اختصار في القصة. أخرجه الحميدي في " مسنده " (395) حدثنا سفيان به. ومن طريق الحميدي أخرجه الحاكم (4 / 152) . وأخرجه الترمذي (1 / 347) وابن ماجه أيضا (3663) من طرق أخرى عن سفيان به. وقال الترمذى: " حديث حسن صحيح ". وابن حبان (2023) والحاكم أيضا (2 / 197) وأحمد (5 / 198) وابن عساكر (19 / 153 / 1 - 2) من طرق أخرى عن عطاء به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. (تنبيه) قوله " فاحفظ ذلك الباب أو ضيعه "، الظاهر من السياق أنه قول أبي الدرداء غير مرفوع. ويؤيده رواية عبد الرزاق أنبأنا سفيان عن عطاء به لم يذكر منه إلا لفظ الترجمة أخرجه أحمد (6 / 447 - 448) . لكن في رواية الطحاوي المتقدمة بعد قوله: " أو ضيعه " " أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، الشك من ابن مرزوق ". قلت: ومع الشك المذكور فإن بينه وبين سفيان الثوري أبا حذيفة موسى بن مسعود وهو سيىء الحفظ كما في " التقريب ". والله أعلم.

915

915 - " أخنع اسم عند الله يوم القيامة، رجل تسمى ملك الأملاك ". أخرجه أحمد (2 / 244) والحميدي (1127) قالا: حدثنا سفيان عن أبي الزناد الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه مسلم (6 / 174) وأبو داود (2 / 309) من طريق أحمد، والحاكم (4 / 274) من طريق الحميدي، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". ورده الذهبي بأنهما قد أخرجاه وهو كما قال، فقد أخرجه البخاري (10 / 485 - 486) ومسلم أيضا والترمذي (4 / 29) من طرق أخرى عن سفيان به وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح ". قلت: وزاد مسلم في رواية: " لا مالك إلا الله عز وجل ". وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه وأغيظه عليه، رجل كان يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله ". أخرجه مسلم وأحمد (2 / 315) من طريق همام بن منبه حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. (تنبيه) أورد السيوطي الحديث باللفظ الأول في " الجامع الصغير " على الصواب من رواية الشيخين وأبي داود والترمذي، ثم أورده في " زيادة الجامع الصغير " (8 / 1) من رواية أبي داود بلفظ: " أحرج اسم ... " فكأنه تصحف عليه أو على بعض نساخ " أبي داود " ثم لم يتنبه له السيوطي فأورده في " الزيادة " وتبعه على ذلك صاحب " الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير "! .

916

916 - " إن الأنصار قد قضوا الذي عليهم وبقي الذي عليكم، فأحسنوا إلى محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم ". أخرجه ابن حبان (2293) وأحمد (3 / 187، 205 - 206) من طرق عن حميد عن أنس بن مالك. " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما عاصبا رأسه، فتلقاه ذراري الأنصار وخدمهم، ذخرة الأنصار يومئذ، فقال: والذي نفسي بيده إني لأحبكم (مرتين أو ثلاثا) ثم قال " فذكره. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أحمد (3 / 162) من طريق ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. وسنده صحيح أيضا على شرطهما . وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث سهل بن سعد وعبد الله بن جعفر وإبراهيم بن محمد بن حاطب مرفوعا به. قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 37) : " رواه الطبراني، وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل، وهو ضعيف ". وذكره قبل صفحة بنحوه وقال: " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " و " الكبير " بأسانيد في أحدها عبد الله بن مصعب، وفي الآخر عبد المهيمن بن عباس وكلاهما ضعيف ". قلت. لكن أحدهما يقوي الآخر وحديثهما صحيح بشهادة حديث أنس. وفي رواية لأحمد (3 / 241) من طريق علي بن زيد قال:

917

" بلغ مصعب بن الزبير عن عريف الأنصار شيء، فهم به، فدخل عليه أنس بن مالك فقال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " استوصوا بالأنصار خيرا أو قال معروفا اقبلوا من محسنهم وتجاوزا عن مسيئهم ". فألقى مصعب نفسه عن سريره وألزق خده بالبساط، وقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرأس والعين، فتركه ". وعلي بن زيد وهو ابن جدعان فيه ضعف لكن حديثه جيد في الشواهد. وله في " مسند البزار " ( ص 289 - زوائده) شاهد من حديث أبي بكر الصديق. 917 - " ألا إن الناس دثاري والأنصار شعاري لو سلك الناس واديا وسلكت الأنصار شعبة لاتبعت شعبة الأنصار ولولا الهجرة لكنت رجلا من الأنصار، فمن ولى أمر الأنصار ، فليحسن إلى محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم ومن أفزعهم، فقد أفزع هذا الذي بين هاتين. وأشار إلى نفسه صلى الله عليه وسلم ". أخرجه الحاكم (4 / 79) وأحمد (5 / 307) من طريق ابن وهب: أخبرني أبو صخر أن يحيى بن النضر الأنصاري حدثه أنه سمع أبا قتادة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر للأنصار: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يحيى بن النضر وهو ثقة : وقال الهيثمي (10 / 35) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن النضر الأنصاري وهو ثقة ".

918

وقال في مكان آخر (10 / 33) : " رواه الطبراني في " الأوسط " عن شيخه مقدام بن داود وهو ضعيف، وقال ابن دقيق العيد: إنه وثق، وبقية رجاله ثقات ". 918 - " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى لصحابه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (724) والبخاري في " الأدب المفرد " (ص 12 ) وأبو داود (2 / 301 - 302) والترمذي (1 / 83) وابن ماجه (2 / 552) وابن حبان (2039) والحاكم (2 / 356 و 4 / 162 - 163) والبغوي في " حديث ابن الجعد " (7 / 70 / 1) وأحمد (5 / 36، 38) عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني حدثنا أبي عن أبي بكرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح "، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". قلت وهو كما قالا، فإن رجال إسناده ثقات كلهم. وقد روى الحديث بزيادة وهو : " ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة مع ما يدخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب وإن أعجل البر ثوابا لصلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونوا فقراء فتنموا أموالهم ويكثر عددهم إذا تواصلوا ". قال في " المجمع " (8 / 152) : " رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن موسى بن أبي عثمان الأنطاكي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". قلت: وأخرج الشطر الثاني منه ابن حبان (2038) بلفظ:

919

" إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم.... ". رواه من طريق أبي يعلى: حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن الحسن عن أبي بكرة مرفوعا به. قلت: ورجاله ثقات كلهم على عنعنة الحسن وهو البصري غير الجرمي هذا ولم أعرفه الآن، ولما عزاه المنذري في " الترغيب " (3 / 228) لابن حبان في " صحيحه " سكت عليه، فلعله عرفه. وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي هريرة، سيأتي في هذا المجلد إن شاء الله تعالى برقم (978) . 919 - " أطع أباك وطلقها ". أخرجه أبو داود (5138) والترمذي (1 / 223) وابن ماجه (2088) وابن حبان (2024 / 2025) والطحاوي في " المشكل " (2 / 159) والحاكم (2 / 197) وأحمد (2 / 42 و 53 و 157) من طريق ابن أبي ذئب حدثني خالي الحارث بن عبد الرحمن عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهما قال: " كانت تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها، فقال عمر: طلقها فأبيت، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال " فذكره، والسياق للحاكم وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه. الذهبي. وقال الترمذي: " حسن صحيح ". وأقول: بل هو حسن فقط، فإن الحارث هذا لم يرو له الشيخان شيئا ولا روى عنه غير ابن أبي ذئب، وقال أحمد والنسائي: " ليس به بأس ".

920

920 - " ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا ". أخرجه البخاري (3 / 237) ومسلم (3 / 83 - 84) من طريق أبي الحباب سعيد بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا به. وله شاهد من حديث أبي الدرداء بلفظ: " ما طلعت شمس قط " وقد مضى. ورواه ابن حبان (815) من طريق عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبي عمرة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن ملكا بباب من أبواب الجنة يقول: من يقرض اليوم يجز غدا، وملك بباب آخر يقول: اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا ". قلت: وهذا إسناد صحيح. وله شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (814) والحاكم (2 / 445) وأحمد (5 / 197) . 921 - " من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها، فقالوا: يا رسول الله أفلا نبشر الناس؟ قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة - أراه -، فوقه عرش الرحمن، ومنها تفجر أنهار الجنة ".

922

أخرجه البخاري (4 / 14، 9 / 101) وأحمد (2 / 335، 339) والبيهقي في " الأسماء " (398) من طريق فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وفليح هذا مع كونه من رجال الشيخين، فهو صدوق كثير الخطأ، كما قال الحافظ لكن يشهد لحديثه، وأنه قد حفظه حديث معاذ ابن جبل من رواية زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه بتمامه. وفي إسناده اختلاف يأتي بيانه في الحديث الآتي بعده. (تنبيه) أخرج الحاكم (1 / 80) الحديث مختصرا من الوجه المذكور، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". وأقره الذهبي. قلت: فوهما في استدراكه على البخاري وقد أخرجه بأتم من لفظه! ومن الغريب أن السيوطي أورده مختصرا كذلك في " زيادة الجامع الصغير " من رواية أحمد والبخاري ! وقد أخرجه كذلك ابن حبان (18) من الوجه المذكور لكن وقع عنده " عبد الرحمن بن أبي عمرة " مكان " عطاء بن يسار ". 922 - " الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مسيرة مائة عام - وقال عفان: كما بين السماء إلى الأرض - والفردوس أعلاها درجة ومنها تخرج الأنهار الأربعة والعرش من فوقها، وإذا سألتم الله تبارك وتعالى، فاسألوه الفردوس ". أخرجه الترمذي (3 / 326) والحاكم (1 / 80) وأحمد (5 / 316، 321) والسياق له من طرق عن همام بن يحيى عن

زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " إسناده صحيح "، وأقره الذهبي. وأعله الترمذي بالمخالفة، فإنه أخرجه هو وابن ماجه (2 / 590) وأحمد (5 / 240 - 241) من طريقين عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بأتم منه وقال: " وهكذا روى هذا الحديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل. وهذا عندي أصح من حديث همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت وعطاء لم يدرك معاذ بن جبل، معاذ قديم الموت مات في خلافة عمر ". قلت: همام بن يحيى ثقة محتج به في الصحيحين، فيمكن أن يكون لعطاء فيه إسنادان : أحدهما عن عبادة حفظه هو والآخر عن معاذ حفظه الجماعة، فلا تعارض. ومما يؤيد هذا أن البخاري أخرجه من طريق هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا به كما تقدم، فهذا إسناد ثالث لعطاء، فالجمع أولى من تخطئة ثقتين وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا الجمع كما في نقل المباركفوري عنه، والله أعلم. (تنبيه) قوله: " مائة عام " هو رواية أحمد، وفي رواية الآخرين " كما بين السماء والأرض " وهي رواية عفان عنده ومثلها روايتهم عن معاذ إلا أحمد فهي عنده باللفظ الأول: " مائة عام ". ويشهد له حديث شريك بن عبد الله عن محمد بن جحادة عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا به مختصرا. بلفظ: " الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام ".

923

أخرجه أحمد (2 / 292) والترمذي (3 / 325) وقال: " حديث حسن، وفي نسخة: حسن صحيح غريب ". وأقول: شريك سيء الحفظ لكن يدل على أنه قد حفظ رواية أحمد عن عبادة ومعاذ المتقدمين ولا تعارض بينهما وبين رواية الآخرين " كما بين السماء والأرض " لأن روايتهما مفصلة والأخرى مجملة والمفصل يقضي على المجمل كما هو معلوم من علم الأصول. 923 - " من ذرعه القيء فلا يقض ". رواه الحربي في " غريب الحديث " (5 / 55 / 1) : حدثنا الحكم ابن موسى حدثنا عيسى بن يونس عن هشام عن محمد عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال مسلم لكن أعله بعضهم بما لا يقدح. وقد تكلمت عليه وبينت صحته في تعليقي على رسالة " الصيام " لابن تيمية، ثم في " الإرواء " (905) . 924 - " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلا مسلما ". أخرجه مسلم (5 / 160) وأبو داود (2 / 43) والترمذي (2 / 398) وصححه وأحمد (رقم 201) من طريق ابن جريج: حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم به. وقد تابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير.

925

أخرجه أحمد (3 / 245) . وتابعه حماد بن سلمة عنه إلا أنه أسقط من السند عمر وجعله من مسند جابر. أخرجه أبو عبيد في " الأموال " (رقم 270، 271) . والصواب الأول، وكذلك رواه سفيان الثوري بلفظ: " لئن عشت لأخرجن " ويأتي إن شاء الله تعالى برقم ( 1134) . والحديث أخرجه الطحاوي في " المشكل " (4 / 12) عن ابن جريج وسفيان . وله طريق أخرى أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 204 / 1) : حدثنا عبد الله (هو البغوي) قال: حدثنا محرز (وهو ابن عون) حدثنا القاسم بن محمد عن عبد الله بن محمد عن جابر عن عمر به. قلت: وهذا سند حسن، رجاله ثقات إلا أن عبد الله بن محمد وهو ابن عقيل فيه كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. 925 - " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء (والرحم شجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله) ". رواه أبو داود (4941) والترمذي (1 / 350) وأحمد (2 / 160) والحميدي (591) والحاكم (4 / 159) وصححه ووافقه الذهبي والخطيب في " التاريخ " (3 / 260) وأبو الفتح الخرقي في " الفوائد الملتقطة " (222 - 223) كلهم عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن أبي قابوس مولى عبد الله بن عمرو مرفوعا. وقال الترمذي:

" هذا حديث حسن صحيح ". وصححه الخرقي أيضا. قلت: ورواه العراقي في " العشاريات " (59 / 1) من هذا الوجه مسلسلا بقول الراوي: " وهو أول حديث سمعته منه " ثم قال: " هذا حديث صحيح ". وصححه أيضا ابن ناصر الدين الدمشقي في بعض مجالسه المحفوظة في ظاهرية دمشق، لكن أوراقها مشوشه الترتيب. وقال: " ولأبي قابوس متابع، رويناه في " مسندي أحمد بن حنبل وعبد بن حميد " من حديث أبي خداش حبان بن زيد الشرعبي الحمصي أحد الثقات عن عبد الله بن عمرو بمعناه، وللحديث شاهد عن نيف وعشرين صحابيا منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي قابوس، فقال الذهبي: " لا يعرف ". وقال الحافظ: " مقبول ". يعني عند المتابعة. وقد توبع كما تقدم عن ابن ناصر الدين مع الشواهد التي أشار إليها. ومنها حديث أبي إسحاق عن أبي ظبيان عن جرير مرفوعا بلفظ: " من لا يرحم من في الأرض لا يرحمه من في السماء ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 118 / 2) قال المنذري في " الترغيب " (3 / 155) : " وإسناده جيد قوي "!

926

كذا قال، والصواب قول الذهبي في " العلو " (رقم 5 - مختصره) : " رواته ثقات ". وذلك لأن أبا إسحاق وهو السبيعي كان اختلط، ثم هو مدلس. (تنبيه) قوله في هذا الحديث " في " هو بمعنى " على " كما في قوله تعالى * (قل سيحوا في الأرض) * فالحديث من الأدلة الكثيرة على أن الله تعالى فوق المخلوقات كلها، وفي ذلك ألف الحافظ الذهبي كتابه " العلو للعلي العظيم " وقد انتهيت من اختصاره قريبا، ووضعت له مقدمة ضافية وخرجت أحاديثه وآثاره ونزهته من الأخبار الواهية. يسر الله طبعه. 926 - " المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن يكف عليه ضيعته ويحوطه من ورائه ". أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 37) وعنه أبو داود (2 / 304) والبخاري في " الأدب المفرد " (رقم 239) من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 160 ) وأقره المناوي، وإنما لم يصححه للخلاف في ابن زيد هذا، وقد قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، يخطىء ".

927

وللشطر الأول منه شاهد يرويه محمد بن عمار بن سعد المؤذن حدثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (ق 129 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (2 / 2 / 2) من طريق عثمان ابن محمد بن عثمان العثماني حدثنا محمد بن عمار بن سعد المؤذن به. وقال الطبراني: " تفرد به عثمان بن محمد بن عثمان ". قلت: قد تابعه محمد بن الحسن: حدثني محمد بن عمار به. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (306 / 2) . فالإسناد حسن محمد بن عمار وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع. وشريك ثقة من رجال الشيخين، وإن كان في حفظه شيء. وأخرجه ابن وهب ( ص 30) معضلا فقال: حدثني سليمان بن القاسم وجرير بن حازم مرفوعا به. وجرير ثقة من أتباع التابعين. وسليمان ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 137) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. 927 - " الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل ". أخرجه أبو داود (2 / 293 - التازية) والترمذي (2 / 278 - بشرح التحفة) والحاكم (4 / 171) وأحمد (2 / 303، 334) والخطيب (4 / 115) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 154 / 1) عن زهير بن محمد الخراساني حدثنا موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي:

" حديث حسن غريب ". وأما الحاكم فسكت عنه فأحسن لأن زهيرا هذا فيه ضعف، قال الحافظ " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها ، قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم : حدث بالشام من حفظه، فكثر غلطه ". لكن له طريق أخرى، يرويه إبراهيم بن محمد الأنصاري عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة به. أخرجه ابن عساكر في " المجلس الثالث والخمسين من الأمالي " (ق 2 / 2) والحاكم وقال: " صحيح إن شاء الله تعالى ". ووافقه الذهبي وهذا عجب، فقد أورده في كتابه " الضعفاء " أعني إبراهيم هذا، وقال: " له مناكير ". قلت: وهذه عبارة ابن عدي فيه كما في " اللسان " لابن حجر، وقال: " وساق له ثلاثة أحاديث، ثم قال: وله غير ذلك، وأحاديثه صالحة محتملة ". قلت: فهو ضعيف لكنه ليس شديد الضعف فيصلح للاستشهاد به فالحديث به حسن. والله أعلم. وأما ما رواه ابن عساكر من طريق يحيى بن حمزة الدمشقي عن الحكم بن عبد الله عن القاسم عن عائشة مرفوعا به. فإنه لا يصلح شاهدا لشدة ضعف الحكم هذا، وهو الأيلي، قال أحمد: أحاديثه كلها موضوعة.

928

وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال السعدي وأبو حاتم: كذاب. 928 - " من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (404، 405) وأبو داود (2 / 303 - تازية ) والحاكم (4 / 163) وأحمد (4 / 320) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 500 ) عن أبي عثمان الوليد بن أبي الوليد عن عمران بن أبي أنس عن أبي خراش السلمي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وكذلك قال العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 199) والعلامة ابن المرتضى اليماني في " إيثار الحق على الخلق " (425) . ويبدو لي الآن أنه كذلك، فإن رجاله كلهم - عدا الصحابي رجال مسلم، وقد كنت قلت في تعليقي على " المشكاة " (5036) : " إسناده لين ". وذلك بناء على قول الحافظ ابن حجر في ترجمة الوليد هذا من " التقريب " لين الحديث. وهو أخذ ذلك مما ذكره في ترجمته من " التهذيب " وليس فيها من التوثيق غير قول ابن حبان في " الثقات " " ربما خالف على قلة روايته ". قلت: وقد فاته قول ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 20) : " سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: ثقة ".

929

فلما وقفت على هذا التوثيق من مثل هذا الإمام اعتمدته لأنه أقعد بهذا العلم من ابن حبان مع عدم مخالفته إياه في الجملة في هذه الترجمة، وبناء على ذلك صححت الحديث ورجعت عن التليين السابق، وقد نبهت على هذا في تحقيق الثاني للمشكاة والله أعلم. 929 - " إن الله يسأل العبد يوم القيامة حتى ليقول: فما منعك إذا رأيت المنكر أن تنكره، فإذا لقن الله عبدا حجته قال: أي رب! وثقت بك وفرقت من الناس ". رواه ابن ماجه (4017) وابن حبان (1845) والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (ق 29 / 1) وكذا الحميدي في " مسنده " (739) وعساكر (17 / 345 / 2) عن عبد الله بن عبد الرحمن أن نهارا - رجلا من عبد القيس كان يسكن في بني النجار، وكان يذكره بفضل وصلاح - أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير نهار العبدي، قال ابن خراش: صدوق. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطىء. وعبد الله بن عبد الرحمن هو ابن معمر بن حزم أبو طوالة ثقة من من رجال الشيخين. 930 - " من يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة فقلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيدي فعد خمسا فقال:

اتق المحارم تكن أعبد الناس وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما ولا تكثر الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ". أخرجه الترمذي (2 / 50) وأحمد (2 / 310) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 42) من طريق جعفر بن سليمان عن أبي طارق عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا . وقال الترمذي: " حديث غريب، والحسن لم يسمع من أبي هريرة شيئا ". قلت: والصواب أنه سمع منه في الجملة كما بينه الحافظ في " تهذيب التهذيب " غير أنه أعني الحسن مدلس، فلا يحتج بما رواه عنه معنعنا كما في هذا الحديث. ثم إن فيه علة أخرى وهي جهالة أبي طارق هذا، قال الذهبي: " لا يعرف ". لكن للحديث طريقا أخرى عن أبي هريرة، قال المنذري (3 / 237) : " رواه البزار والبيهقي في كتاب " الزهد " عن مكحول عن واثلة. عنه وقد سمع مكحول من واثلة ، قاله الترمذي وغيره لكن بقية إسناده فيهم ضعف ". قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الخرائطي بإسناد آخر عن مكحول بلفظ: (كن ورعا تكن أعبد الناس وكن قنعا تكن أشكر الناس وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلما) . أخرجه الخرائطي (ص 39) قال: حدثنا نصر بن داود الصاغاني: حدثنا أبو الربيع الزهراني: حدثنا إسماعيل بن زكريا عن أبي رجاء عن برد بن سنان عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عن أبي هريرة.

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون. وأبو رجاء اسمه محرز بن عبد الله الجزري قال أبو داود: ثقة. وكذا وثقه أبو حاتم وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " كان يدلس عن مكحول يعتبر بحديثه ما بين فيه السماع عن مكحول وغيره. قلت: وهذا الحديث إنما رواه عن مكحول بواسطة برد بن سنان فزالت بذلك مظنة تدليسه عنه لكن الذهبي قال في " الكنى " من " الميزان " ما نصه: " أبو رجاء الجزري عن فرات بن السائب، وعنه عبدة بن سليمان وإسماعيل بن زكريا يقال اسمه محرز، قال ابن حبان روى عن فرات وأهل الجزيرة المناكير الكثيرة التي لا يتابع عليها لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، فمن ذلك عن فرات عن ميمون عن ابن عمر مرفوعا: ما صبر أهل البيت على ضر ثلاثا إلا أتاهم الله برزق ". فيظهر أن ابن حبان تناقض في هذا الرجل فمرة أورده في " الثقات " وأخرى في كتابه " الضعفاء " . ولعل منشأ تلك المناكير من الذين دلسهم وليست منه نفسه، فإنه ثقة كما سبق ، والله أعلم. والحديث أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 365) و " أخبار أصبهان " (2 / 302) والبيهقي في " الزهد " (ق 99 / 2) من طريق أخرى عن أبي رجاء به وزاد: " وأقل الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب ". ولهذه الزيادة طريق ثالثة عن أبي هريرة مضى برقم (506) . ولها شاهد يرويه إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني حدثني أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال: " دخلت المسجد، وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فجلست إليه فقال:

931

يا أبا ذر! إن للمسجد تحية وإن تحيته ركعتان .... ". وهو حديث طويل جدا، فيه أسئلة كثيرة من أبي ذر مع جواب النبي صلى الله عليه وسلم عليها. أخرجه ابن حبان (94) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 166 - 168) . لكن إسناده واه جدا إبراهيم هذا متروك. ولبعض الحديث شاهد آخر بلفظ: " يا أبا الدرداء أحسن جوار من جاورك تكن مؤمنا وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما وارض بما قسم الله تكن من أغنى الناس ". أخرجه الخرائطي (ص 41) عن عبد المنعم بن بشير حدثنا أبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي الدرداء مرفوعا به. وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد المنعم بل اتهمه ابن معين، وسائر رجاله ثقات. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق حسن على أقل الأحوال ولعله لذلك قال الدارقطني على ما في " تخريج الإحياء " (2 / 160) : " والحديث ثابت ". والله أعلم. 931 - " ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ المغلوبون الضعفاء وأهل النار كل جعظري جواظ مستكبر ". أخرجه الحاكم (1 / 61) عن زيد بن الحباب و (3 / 619) عن عبد الله بن صالح كلاهما قال: حدثني موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن سراقة ابن مالك مرفوعا . وهذا لفظ الأول، ولفظ عبد الله:

932

" يا سراقة ألا أخبرك؟ .. " وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. كذا قالا وهو معلول منقطع كما بينه الثقة عبد الله بن يزيد المقرىء قال: حدثنا موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: بلغني عن سراقة بن مالك به. أخرجه أحمد (4 / 175) . فهذا يبين أن علي بن رباح لم يسمعه من سراقة، بل أخذه عن راو مجهول. وبذلك يصير الإسناد ضعيفا. نعم رواه عبد الله بن يزيد هذا وابن المبارك أيضا عن موسى بن علي عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " أن أهل النار.. " وسيأتي إن شاء الله (1741) . وبالجملة فهو ضعيف منقطع عن سراقة وموصول صحيح عن ابن عمر كما سيأتي بيانه هناك. 932 - " ألا أنبئكم بأهل الجنة؟ الضعفاء المظلومون، ألا أنبئكم بأهل النار؟ كل شديد جعظري ". أخرجه الطيالسي (ص 332 رقم 2551) وأحمد (2 / 508) عن البراء ابن يزيد قال : حدثنا عبد الله بن شقيق العقيلي عن أبي هريرة مرفوعا. وفيه قولهم. " قالوا: بلى يا رسول الله " بعد السؤال في الموضعين، وزاد في آخره: " هم الذين لا يألمون رؤوسهم ". ثم أخرجه أحمد (2 / 369) والبزار (ص 226 - زوائده) عن البراء ابن عبد عن عبد الله بن شقيق دون الزيادة، ولعل هذه الزيادة مدرجة من بعض الرواة تفسيرا. والبراء هذا هو ابن عبد الله بن يزيد نسب في الرواية الأولى إلى جده، وهو ضعيف

933

كما في " التقريب " وبقية رجاله ثقات رجال مسلم، وتوبع عليه فأخرجه أحمد (5 / 369) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي بشر عن عبد الله (وفي الأصل عبيد الله وهو خطأ مطبعي) بن شقيق عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا بلفظ: " ألا أدلكم ". والباقي مثله سواء بدون الزيادة. وهذا سند صحيح على شرط مسلم وجهالة الصحابي لا تضر لاسيما وقد سمي في الرواية الأولى. قلت: فهذه الطريق تبين أن الزيادة منكرة لتفرد الضعيف بها وتجردها عن المتابعة. 933 - " أجب عني، اللهم أيده بروح القدس ". أخرجه مسلم (7 / 162 - 163) وأبو داود (2 / 316) والطيالسي (ص 304 رقم 2309) وأحمد (2 / 269 و 5 / 222) عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، " أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد، فلحظ إليه، فقال: قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره؟) قال: اللهم نعم ". وزاد أحمد في رواية: " فانصرف عمر وهو يعرف أنه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وإسنادها صحيح. وللزهري فيه إسناد آخر بلفظ: " يا حسان أجب ... " وسيأتي برقم (1954) . وله شاهد أحدهما عن عائشة، وسيأتي (1180) . والآخر عن البراء وقد مضى (801) .

934

934 - " من أكل برجل مسلم أكلة، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم ومن اكتسى برجل مسلم ثوبا، فإن الله يكسوه مثله في جهنم ومن قام برجل مسلم مقام سمعة، فإن الله يقوم به مقام سمعة يوم القيامة ". رواه الحاكم (4 / 127 - 128) والدينوري في " المنتقى من المجالسة " (162 / 1) عن ابن جريج قال: قال سليمان: حدثنا وقاص بن ربيعة أن المستورد حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ورواه ابن عساكر (17 / 391 - 392 ) من طرق عن ابن جريج به، صرح ابن جريج في بعضها بالتحديث لكن في الطريق إليه سفيان ابن وكيع وهو ضعيف. ثم رواه من طريق أبي يعلى الموصلي: حدثنا عمرو بن الضحاك بن مخلد أنبأنا أبي قال: قال: سليمان بن موسى أنبأنا وقاص بن ربيعة به . ثم رواه من طريق أخرى عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد أنبأنا ابن جريج عن سليمان به، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: كيف وفيه عنعنة ابن جريج، نعم قد تابعه الضحاك بن مخلد عند أبي يعلى وهو ثقة من رجال الشيخين. وله متابع آخر، فقد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (240) وأبو داود (4881) من طريق بقية عن ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن وقاص بن ربيعة به. لكن مكحولا مدلس ومثله بقية وهو ابن الوليد. وقد وجدت له شاهدا قويا، فقال ابن المبارك في " الزهد " (707) : أخبرنا جعفر بن حبان عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا إسناد صحيح، ولكنه مرسل. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. والله أعلم.

935

935 - " المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (418) وأبو داود (4790) والترمذي (1 / 356) والحاكم (1 / 43) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 56) وابن عدي في " الكامل " (33 / 2) من طريق بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي : " حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". كذا قال وفيه نظر يبينه قول العقيلي: " لا يتابع عليه بشر بن رافع إلا من هو قريب منه في الضعف ". قلت: بشر هذا ضعيف الحديث كما في " التقريب " وقد تابعه الحجاج بن فرافصة عن يحيى بن أبي كثير به. أخرجه أبو داود والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 202 ) وأحمد (2 / 394) والقضاعي في " مسند الشهاب " (3 / 2 / 1 - 2) وأبو نعيم (3 / 11) والخطيب (9 / 38) والحاكم أيضا وكذا في " علوم الحديث " ( ص 117) وقال في " المستدرك ": " الحجاج بن فرافصة قال ابن معين: لا بأس به ، وقال أبو حاتم: شيخ صالح متعبد ". ولكنه في " معرفة العلوم " أعله بأن الحجاج لم يسم شيخه في رواية سفيان عنه، بل قال: " عن رجل عن أبي سلمة ". وهي رواية أحمد وأبي داود، وهذه علة غير قادحة، فقد سماه سفيان عنه في بعض الروايات الأخرى وهي ثابتة عنه. والحجاج هذا قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق عابد يهم ".

فإذا ضم إلى روايته رواية بشر بن رافع تقوى الحديث بمجموعها وارتقى إلى درجة الحسن، وقد أخرجه عنه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (679) مرسلا، فقال أخبرنا أسامة بن زيد عن رجل من بلحارث بن عقبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا الرجل هو أبو الأسباط الحارثي بشر بن رافع كما ذكر المعلق الفاضل على " الزهد ". وبهذا الإسناد أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 39) حدثني أسامة بن زيد به. وقد وجدت للحديث شاهدا ولكنه مما لا يفرح به لشدة ضعفه، أذكره لبيان حاله، أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " عن كعب بن مالك مرفوعا به. قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 82) : " وفيه يوسف بن السفر وهو كذاب ". (فائدة) قال أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى. " (الغر) في كلام العرب هو الذي لا غائلة ولا باطن له يخالف ظاهره، ومن كان هذا سبيله أمن المسلمون (الأصل: من المسلمين) من لسانه ويده وهي صفة المؤمنين، و (الفاجر) ظاهره خلاف باطنه لأن باطنه هو ما يكره وظاهره مخالف لذلك، كالمنافق الذي يظهر شيئا غير مكروه منه، وهو الإسلام الذي يحمده أهله عليه ويبطن خلافه وهو الكفر الذي يذمه المسلمون عليه ".

936

936 - " المؤمنون هينون لينون مثل الجمل الألف الذي إن قيد انقاد وإن سيق انساق وإن أنخته على صخرة استناخ ". رواه العقيلي في " الضعفاء " (214) عن عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد عن أبيه عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وقال: " ليس له أصل عن ثقة، عبد الله بن عبد العزيز أحاديثه مناكير غير محفوظة ليس ممن يقيم الحديث، منها ". ثم ذكر له حديثين هذا أحدهما. وقال أبو حاتم وغيره: " أحاديثه منكرة " وقال ابن الجنيد: " لا يساوي شيئا، يحدث بأحاديث كذب ". (تنبيه) كذا في العقيلي " الألف " وفي الجامع الصغير " الأنف " بالنون بدل اللام. قال في " النهاية ": " أي المأنوف، وهو الذي عقر الخشاش أنفه، فهو لا يمتنع على قائده للوجع الذي به، وقيل: الأنف الذلول ". ثم وجدته في " مسند القضاعي " (4 / 2 / 2 / 1) كما في " الجامع "، أخرجه من الوجه المذكور. وقد روي كذلك مرسلا أخرجه ابن المبارك في " الزهد ": أخبرنا سعيد بن عبد العزيز عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

937

وهذا مرسل، صحيح الإسناد لولا أن سعيد بن عبد العزيز كان اختلط قبل موته، لكني وجدت للحديث شاهدا جيدا مختصرا بلفظ: " فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ". فالحديث به حسن. وهو في آخر الحديث الآتي بعده. وطرفه الأول له شواهد تأتي بعد الحديث المشار إليه. 937 - " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وعليكم بالطاعة وإن عبدا حبشيا، فإنما المؤمن كالجمل الأنف حيثما قيد انقاد ". أخرجه ابن ماجه (43) والحاكم (1 / 96) وأحمد (4 / 126) من طريق عبد الرحمن بن عمرو السلمي أنه سمع العرباض بن سارية يقول: " وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقلنا: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع فماذا تعهد إلينا؟ قال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون غير عبد الرحمن ابن عمرو هذا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات "، وروى عنه جماعة من الثقات، وصحح له الترمذي وابن حبان والحاكم كما في " التهذيب "، وقد أخرج ابن حبان (102) هذا الحديث من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن عمرو مقرونا بحجر بن حجر الكلاعي عن العرباض به، دون قوله: " فإنما المؤمن ... ". وكذلك أخرجه من الوجه الأول المخلص في " سبعة مجالس " (ق 51 / 1) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (11 / 265 / 2) واللالكائي في " شرح السنة " (228 / 1 - كواكب 576) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (10 / 104 / 2) وكذا

938

أبو نعيم في " المستخرج على صحيح مسلم " (1 / 3 / 1) وقال: " حديث جيد من صحيح حديث الشاميين ". وأخرج طرفه الأول الخطيب في " الفقيه والمتفقه " (ق 106 / 1) . 938 - " ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ على كل قريب هين سهل ". أخرجه الترمذي (2 / 80) وابن حبان (1096، 1097) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (11، 23) وأحمد (1 / 415) والطبراني فى " المعجم الكبير " (3 / 83 / 2) وأبو القاسم بن أبي القعنب في " حديث القاسم بن الأشيب " (8 / 1) وأبو القاسم القشيري في " الأربعين " (196 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (94 / 1) من طرق عن هشام بن عروة عن موسى ابن عقبة عن عبد الله بن عمرو الأودي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". كذا قال، والأودي هذا لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه غير موسى بن عقبة، فهو في عداد المجهولين. وقد رواه بعض الضعفاء عن هشام بإسناد آخر، فقال ابن أبي حاتم فى " العلل " (2 / 108) : " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه مصعب بن عبد الله الزبيري عن أبيه عن هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم " قلت: فذكره " قالا: هذا

خطأ رواه الليث بن سعد وعبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن موسى بن عقبة عن عبد الله بن عمرو الأودي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الصحيح. قلت لأبي زرعة: العفو ممن هو؟ قال: من عبد الله بن مصعب. قلت: ما حال عبد الله بن مصعب؟ قال: شيخ ". قلت: ومن طريقه أخرجه البغوي في " حديث مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري (ق 138 / 2) قال: حدثنا مصعب قال: حدثني أبي عن هشام بن عروة ... به " وكذا أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 137 / 1) من طريق أخرى عن مصعب به . وقال: " لم يروه عن هشام إلا الزبيري، تفرد به ابنه ". قلت: الابن صدوق والأب ضعيف، ضعفه ابن معين. وقال الهيثمي بعد أن ذكره في " المجمع " (4 / 75) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وأبو يعلى، وفيه عبد الله بن مصعب الزبيري وهو ضعيف ". وأما قول المناوي في " فيض القدير ": " قال الهيثمي بعد ما عزاه لأبي يعلى: فيه عبد الله بن مصعب الزبيري ضعيف، وقال عقب عزوه للطبراني: رجاله رجال الصحيح. وقال العلائي: سند هذا أقوى من الأول ". فهو خطأ سواء كان من المناوي أو من الهيثمي نفسه، فقد عرفت أن إسناد الطبراني فيه أيضا الزبيري الضعيف. وأما قول العلائي فلا أدري وجهه. لكن للحديث عدة شواهد يتقوى بها.

الأول: عن معيقيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حرمت النار على الهين اللين السهل القريب ". أخرجه الخرائطي (23) والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " عن شيبان بن فروخ حدثنا أبو أمية بن يعلى الثقفي عن محمد بن معيقيب عن أبيه. قلت: وأبو أمية هذا ضعيف كما قال الهيثمي. الثاني: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تحرم النار على كل هين لين سهل قريب ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " والعقيلي في " الضعفاء " (ص 444) عن جمهور بن منصور القرشي قال: حدثنا وهب بن حكيم الأزدي عن محمد بن سيرين عنه. وقال الطبراني: " لم يروه عن ابن سيرين إلا وهب، تفرد به جمهور ". قلت: لم أجد له ترجمة إلا ما قاله العقيلي عقب الحديث: " قال لنا الحضرمي : سألت ابن نمير عن جمهور؟ فقال: اكتب عنه ". وأما وهب بن حكيم، فقال العقيلي: " مجهول بالنقل، ولا يتابع على حديثه ". يعني هذا، وقال: " هذا يروى من غير هذا الوجه، بإسناد صالح ".

939

الثالث: عن أنس قال: " قيل: يا رسول الله من يحرم على النار؟ قال: الهين اللين السهل القريب ". أخرجه الطبراني عن الحارث بن عبيدة عن محمد بن أبي بكر عن حميد عنه وقال: " لم يروه عن حميد إلا محمد ولا عنه إلا الحارث ". قلت: قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال الدارقطني: ضعيف. وذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع هذه الشواهد. والله أعلم. 939 - " المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم ". أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عمر رضي الله عنهما وهو عند الترمذي إلا أنه لم يسم الصحابي ". كذا في " بلوغ المرام (4 / 314 بشرحه) . قلت: وفي هذا التخريج أمور: أولا: أن هذا اللفظ ليس لابن ماجه ولا للترمذي ! أما الأول، فهو عنده

(2 / 493) بهذا السياق لكنه قال: " أعظم أجرا " بدل " خير " وأما الترمذي فلفظه " إن المسلم إذا كان يخالط ... " والباقي مثله إلا أنه قال: " ... من المسلم الذي ... ". ثانيا: أن الترمذي أخرجه (3 / 319) من طريق شعبة عن سليمان الأعمش عن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أراه عن النبي فذكره وقال عقبه: " قال ابن عدي: (أحد شيوخ الترمذي فيه) : كان شعبة يرى أنه ابن عمر " . ثالثا: أن إسناده عند ابن ماجه ليس بحسن، فإنه قال: " حدثنا علي بن ميمون الرقي حدثنا عبد الواحد بن صالح حدثنا إسحاق ابن يوسف عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن ابن عمر ". وعبد الواحد هذا لا يعرف إلا في هذا الإسناد بهذا الحديث ولم يرو عنه إلا علي بن ميمون الرقي كما قال الذهبي، وأشار بذلك إلى أنه مجهول وقد صرح بذلك الحافظ في " التقريب ". لكنه لم ينفرد به، فقد رأيت أن الترمذي قد أخرجه من طريق شعبة عن الأعمش وكذلك أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (388) ، ولفظه عين اللفظ الذي ذكره الحافظ معزوا لابن ماجه! ورواه أحمد (5022) من هذه الطريق باللفظين لفظ البخاري ولفظ ابن ماجه، وسنده مثل الترمذي، قال فيه: " عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وأراه ابن عمر، قال حجاج: قال شعبة قال سليمان وهو ابن عمر ". وهذا الاختلاف في سند الحديث ومتنه مما لا يعل به الحديث لأنه غير جوهري، وسواء سمي صحابي الحديث أم لم يسم، وسواء كان اللفظ " أعظم أجرا " أو " خير " فالسند صحيح كلهم ثقات من رجال الشيخين. ثم أخرجه أحمد (5 / 365) عن سفيان بن سعيد الأعمش به مثل رواية شعبة عند أحمد وبلفظ ابن ماجه، وأخرجه ابن الجوزي في " جامع المسانيد " (65 / 1 المحمودية)

940

من هذا الوجه بلفظ: " خير " . وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 365) من طريق أخرى عن الأعمش به. وخالفهم أبو بكر الداهري فقال: عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر به . أخرجه أبو نعيم (5 / 62 - 63) وقال: " غريب من حديث حبيب والأعمش، تفرد به الداهري ". قلت: وهو متروك، لاسيما وقد خالفه الثقات فالاعتماد عليهم. 940 - " إن لكل دين خلقا وخلق الإسلام الحياء ". روي من حديث أنس وعبد الله بن عباس. 1 - أما حديث أنس، فله عنه طريقان: الأول: عن معاوية بن يحيى عن الزهري عنه مرفوعا به. أخرجه ابن ماجه (4181) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 49) والطبراني في " الصغير " (ص 5) والبغوي في " حديث علي بن الجعد " (12 / 169 / 1) وابن المظفر في " الفوائد المنتقاة " (2 / 216 / 2) وأبو الحسن بن لؤلؤ في " حديث حمزة الكاتب " (206 / 1) وأبو الحسن الحربي في " جزء فيه نسخة عبد العزيز بن المختار عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة " (164 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (86 / 1) وابن عساكر (8 / 446 / 2، 16 / 392 / 2) .

قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، معاوية بن يحيى وهو الصدفي قال: الحافظ: " ضعيف : وما حدث بالشام أحسن مما حدث بالري ". وتابعه عباد بن كثير عن عمر بن عبد العزيز عن الزهري به. أخرجه الباغندي في " مسند عمر " (ص 13) والخطيب في " الموضح " (2 / 146) . وعباد بن كثير وهو الفلسطيني ضعيف وهو خير من البصري، ذاك متروك. وتابعه عيسى بن يونس عن مالك عن الزهري به. أخرجه الخطيب (8 / 4) وعنه ابن عساكر (4 / 327 / 1) من طريق الحسين بن أحمد بن عبد الله بن وهب الأسدي حدثنا محمد بن عبد الرحمن ابن سهم حدثنا عيسى بن يونس. قلت: ورجاله ثقات غير الحسين بن أحمد هذا، ترجمه الخطيب وذكر أنه روى عن جماعة كثيرة سماهم، وعنه عبد الصمد الطستي وأبو بكر الشافعي ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن يظهر أن في نسخة " تاريخ الخطيب " سقطا! فقد حكى ابن عساكر كلام الخطيب فيه، وزاد في الرواة عنه علي بن محمد بن معلى الشونيزي، وقال: " قال: وما علمت منه إلا خيرا ". وابن سهم وهو الأنطاكي. ترجمه الخطيب أيضا (2 / 310) وقال: " وكان ثقة ". وذكر ابن أبي حاتم (2 / 2 / 5) عن أبيه أن مسلما روى عنه: فالظاهر أنه يعني أنه روى عنه خارج " الصحيح ". وبالجملة فهذا الإسناد حسن، ولا يعكر عليه أن مالكا أخرجه في " الموطأ "

(2 / 905 / 9) عن سلمة بن صفوان بن سلمة الزرقي عن يزيد بن طلحة بن ركانة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. لا يعكر هذا على ذاك لأنه إسناد آخر وهو مرسل، بل هو شاهد للموصول لا بأس به. ويزيد بن طلحة، ترجمه ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 273) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن قال السيوطي في " إسعاف المبطأ ": " له صحبة ". الثاني: عن سويد بن سعيد حدثنا صالح بن موسى الطلحي حدثنا قتادة عن أنس به. أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (155 / 1) . قلت: وهذا سند ضعيف جدا، صالح بن موسى الطلحي متروك كما في " التقريب ". وسويد بن سعيد ضعيف، وأفحش فيه ابن معين القول. 2 - وأما حديث ابن عباس، فيرويه سعيد بن محمد الوراق حدثنا صالح بن حسان عن محمد بن كعب عنه مرفوعا به. أخرجه الخرائطي، والعقيلي في " الضعفاء " (187 ) وابن عدي في " الكامل " (198 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 220) ، وقال العقيلي: " صالح بن حسان قال البخاري: " منكر الحديث "، وفي هذا رواية من وجه آخر أيضا فيه لين ".

941

وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 288 ) عن أبيه: " هذا حديث منكر ". وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طريقي أنس وحديث يزيد بن طلحة. والله تعالى أعلم. 941 - " يوضع الميزان يوم القيامة فلو وزن فيه السموات والأرض لوسعت، فتقول الملائكة: يا رب لمن يزن هذا؟ فيقول الله تعالى: لمن شئت من خلقي، فتقول الملائكة: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك، ويوضع الصراط مثل حد الموسى، فتقول الملائكة: من تجيز على هذا؟ فيقول: من شئت من خلقي، فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ". رواه الحاكم (4 / 586) قال حدثني محمد بن صالح بن هانىء حدثنا المسيب بن زهير حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي عثمان عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فذكره ". وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر، فإن هدبة بن خالد وإن كان من شيوخ مسلم، فإن الراوي عنه المسيب بن زهير لم أر من وثقه، وقد ترجم له الخطيب (13 / 149) وكناه أبا مسلم التاجر، وذكر أنه روى عنه جماعة، وأنه توفي سنة (285) ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد رواه الآجري في " الشريعة " (382) عن عبيد الله بن معاذ قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حماد بن سلمة به موقوفا على سلمان. وإسناده صحيح، وله حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي. ولجملة الصراط منه شاهد من حديث يزيد عن عبد الرحمن أبي خالد الدالاني، حدثنا المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعا:

942

" يجمع الله الناس يوم القيامة ... فيمرون على الصراط، والصراط كحد السيف دحض مزلة ... " الحديث بطوله. أخرجه الحاكم (4 / 589 - 592) وقال: " صحيح، وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ما أنكره حديثا على جودة إسناده. وأبو خالد شيعي منحرف ". قلت: ترجمه الذهبي وغيره، ولم يذكر أحد أنه شيعي، ثم هو مختلف فيه. وقال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا ". قلت: وجملة الصراط هذه أوردها الحوت في " أسنى المطالب " (ص 123) وقال: " رواه البيهقي وقال: إسناده ضعيف ". قلت: وفاته هذا الشاهد القوي من حديث سلمان! 942 - " ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ولا منعوه إلا ضرهم ". رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 195 / 1) وابن منده في " المعرفة " (2 / 29 / 1) عن إبراهيم بن الحجاج أنبأنا حماد بن سلمة عن هشام ابن عروة عن أبيه عن

عبيد الله بن معمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فذكره . وليس عند الطبراني الجملة الأخيرة. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير إبراهيم ابن الحجاج وهو السامي - بالسين المهملة - وهو ثقة. وقال الهيثمي (8 / 19) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير إبراهيم بن الحجاج السامي وهو ثقة ". وللحديث شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا بلفظ: " لا يريد الله بأهل بيت رفقا إلا نفعهم، ولا يحرمهم إياه إلا ضرهم ". رواه البيهقي في " شعب الإيمان " كما في " المشكاة " (5103) .

943

943 - " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ". أخرجه الترمذي (2 / 52) والعقيلي في " الضعفاء " (250) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 3 / 253) عن عبد الحميد بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الترمذي: " هذا حديث صحيح غريب من هذا الوجه ". كذا قال وهو من تساهله، فقد قال العقيلي: " عبد الحميد بن سليمان أخو فليح، قال ابن معين: ليس بشيء، وتابعه زكريا بن منظور وهو دونه ". وقال ابن عدي في " الكامل " (249 / 1) بعد أن رواه من طريق الأول: " وهو ممن يكتب حديثه ". قلت: وكلاهما ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب ". وأخرجه الحاكم (4 / 306 ) من طريق الآخر وقال:

" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: زكريا ضعفوه ". وأقول. والصواب أن الحديث صحيح لغيره، فإن له شواهد تقويه. الأول: عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (4 / 92) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 116 / 1) عن علي بن عيسى بن محمد بن المثنى حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن أبي عون حدثنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عنه. وقال الخطيب: " غريب جدا من حديث مالك لا أعلم رواه غير أبي جعفر بن أبي عون عن أبي مصعب، وعنه علي بن عيسى الماليني، وكان ثقة ". قلت: وكذلك شيخه أبو جعفر ثقة أيضا كما قال الخطيب في ترجمته (1 / 311) . وأبو مصعب اسمه أحمد بن أبي بكر الزهري المدني وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه، والسند مع غرابته صحيح. الثاني: عن ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 304، 8 / 290) من طريق الحسن ابن عمارة عن الحكم عن مجاهد عنه وقال: " غريب من حديث الحكم لم نكتبه إلا من حديث الحسن عنه ". قلت: والحسن متروك. الثالث: قال ابن المبارك في " الزهد " (509) : أخبرنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني عثمان بن عبد الله بن رافع أن رجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حدثوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

944

قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، إسماعيل بن عياش ثقة لكنه في المدنيين ضعيف وهذا منه، فإن عثمان هذا مدني، وقد ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 156) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا لكن ذكر أنه روى عنه جمع من الثقات. الرابع: وقال ابن المبارك أيضا (620) : أخبرنا حريث بن السائب الأسدي قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل حسن الإسناد، الحسن هو البصري، وحريث قال الحافظ: " صدوق يخطىء من السابعة ". 944 - " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس ". أخرجه ابن ماجه (4102) وأبو الشيخ في " التاريخ " (ص 183) والمحاملي في " مجلسين من الأمالي " (140 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (117) والروياني في " مسنده " (814 / 2 وابن عدي في " الكامل " (117 / 2) وابن سمعون في " الأمالي " (2 / 157 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 252 - 253 و 7 / 136) وفي " أخبار أصبهان " (2 / 244 - 245) والحاكم (4 / 313) من طرق عن خالد بن عمر القرشي عن سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله.

" قلت: خالد وضاع ". قلت: لكنه لم يتفرد به كما يأتي. فقال العقيلي: " ليس له من حديث الثوري أصل وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني ولعله أخذه عنه ودلسه لأن المشهور به خالد هذا ". قلت: وهذه المتابعة أخرجها الخلعي في " الفوائد " (18 / 67 / 1) وابن عدي وقال: " ولا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري لهذا الحديث، فإن ابن كثير ثقة، وهذا الحديث عن الثوري منكر ". وتابعه أيضا أبو قتادة قال: حدثنا سفيان به. أخرجه محمد بن عبد الواحد المقدسي في " المنتقى من حديث أبي علي الأوقي " (3 / 2) . قلت: لكن أبو قتادة - وهو عبد الله بن واقد الحراني - قال الحافظ: " متروك، وكان أحمد يثني عليه، وقال: لعله كبر واختلط، وكان يدلس ". قلت: فيحتمل احتمالا قويا أن يكون تلقاه عن خالد بن عمرو ثم دلسه عنه، كما قال ابن عدي في متابعة ابن كثير. لكن قوله فيه أعني ابن كثير أنه ثقة، فيه نظر، فقد ضعفه جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد، كما رواه عنه ابن عدي نفسه في ترجمته من " الكامل " (370 / 2) ثم ختمها بقوله: " له أحاديث مما لا يتابعه أحد عليه " فكيف يكون مثله عنده ثقة؟ ! فالظاهر أنه اشتبه عليه بمحمد بن كثير العبدي فإنه

ثقة من رجال الشيخين وقد قال الحافظ في ترجمة الصنعاني: " صدوق كثير الغلط ". وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 107) : " سألت أبي عن حديث رواه علي بن ميمون الرقي عن محمد بن كثير عن سفيان (قلت: فذكره، وقال:) فقال أبي: هذا حديث باطل. يعني بهذا الإسناد ". ثم قال ابن عدي: " وقد روي عن زافر عن محمد بن عيينة أخو سفيان بن عينية عن أبي حازم عن سهل. وروي أيضا من حديث زافر عن محمد بن عينية عن أبي حازم عن ابن عمر ". قلت: وزافر - وهو ابن سليمان - صدوق كثير الأوهام ونحوه محمد بن عينية، فإنه صدوق له أوهام كما في " التقريب "، وقد اضطرب أحدهما في إسناده، فمرة جعله من مسند سهل، وأخرى من مسند ابن عمر. والأول أولى لموافقته للمتابعات السابقة. على أني قد وجدت له طريقا أخرى عن ابن عمر. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (3 / 162 / 3) عن محمد بن أحمد بن العلس: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس حدثنا عن مالك عن نافع عنه. وهذا إسناد رجاله رجال الشيخين غير ابن العلس هذا فلم أعرفه. وقد وجدت له شاهدا مرسلا بإسناد جيد بلفظ: " ازهد في الدنيا يحبك الله وأما الناس، فانبذ إليهم هذا يحبوك ".

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 41) من طريق أبي أحمد إبراهيم ابن محمد بن أحمد الهمداني حدثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم المستملي حدثنا أبو عبيدة ابن أبي السفر حدثنا الحسن بن الربيع حدثنا المفضل بن يونس حدثنا إبراهيم بن أدهم عن منصور عن مجاهد عن أنس: " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا أنا عملته أحبني الله عز وجل وأحبني الناس عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم.. " فذكره وقال: " ذكر أنس في هذا الحديث وهم من عمر أو أبي أحمد، فقد رواه الأثبات عن الحسن بن الربيع فلم يجاوزوا فيه مجاهدا ". ثم ساقه من طريق أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا الحسن بن الربيع أبو علي البجلي به مرسلا مرفوعا، لم يذكر فيه أنسا وقال: " قال الحسن، قال المفضل: لم يسند لنا إبراهيم بن أدهم حديثا غير هذا، ورواه طالوت عن إبراهيم، فلم يجاوز به إبراهيم، وهو من حديث منصور ومجاهد عزيز، مشهوره ما رواه سفيان الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد ". قلت: قد تقدم حديث سفيان من طرق عنه وهي وإن كانت ضعيفة ولكنها ليست شديدة الضعف - بإستثناء رواية خالد بن عمرو الوضاع - فهي لذلك صالحة للاعتبار، فالحديث قوي بها ويزداد قوة بهذا الشاهد المرسل، فإن رجاله كلهم ثقات أما من وصله، ففيه ضعف، فإن أبا حفص عمر بن إبراهيم قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، في حديثه عن قتادة ضعف ". وأما أبو أحمد إبراهيم بن محمد بن أحمد الهمداني فلم أجد له ترجمة وكلام أبي نعيم المتقدم فيه يشعر بأنه محل للضعف. وجملة القول أن الحديث صحيح بهذا الشاهد المرسل،

945

والطرق الموصولة المشار إليها. والله أعلم. 945 - " أوجب طلحة ". رواه الترمذي (1 / 316) وفي " الشمائل " (ص 85) وابن حبان (2212) والحاكم (3 / 374) وأحمد (1 / 165) وابن هشام في " السيرة " (3 / 91 - 92) من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه عن جده عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام قال: " كان على النبي صلى الله عليه وسلم درعان يوم أحد فنهض إلى الصخرة فلم يستطع فأقعد طلحة تحته فصعد النبي صلى الله عليه وسلم عليه حتى استوى على الصخرة، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ". فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن إسحاق ". قلت: وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وابن هشام وابن حبان، فأمنا بذلك تدليسه، فالحديث حسن كما قال المنذري وليس على شرط مسلم لأنه إنما أخرج لابن إسحاق متابعة. لكن له شاهد من حديث عائشة أم المؤمنين مرفوعا به. أخرجه الحاكم (3 / 376) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". لكن رده الذهبي بقوله: " قلت: لا والله، وإسحاق (بن يحيى بن طلحة) قال أحمد متروك ".

946

946 - " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وماذا عمل فيما علم ". أخرجه الترمذي (2 / 67) وأبو يعلى في " مسنده " (254 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 48 / 1) " والصغير " (رقم 648 - الروض) وابن عدي في " الكامل " (ق 95 / 1) والخطيب (12 / 440) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5 / 182 / 1، 12 / 239 / 2) من طريق حسين بن قيس الرحبي حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث الحسين بن قيس، وهو يضعف في الحديث من قبل حفظه ". قلت: لكن له شواهد تدل على أنه قد حفظه من حديث أبي برزة الأسلمي ومعاذ بن جبل. 1 - أما حديث أبي برزة، فيرويه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله بن جريج عنه. أخرجه الترمذي والدارمي (1 / 131) وأبو يعلى في " مسنده " (353 / 2) والخطيب في " اقتضاء العلم العمل " (رقم 1 بتحقيقي) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وتابعه إبراهيم الزراع حدثنا ابن نمير عن الأعمش به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 232) . وابن نمير ثقة، لكن إبراهيم هذا لم أعرفه.

2 - وأما حديث معاذ، فيرويه صامت بن معاذ الجندي حدثنا عبد المجيد ابن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان الثوري عن صفوان بن سليم عن عدي ابن عدي عن الصنابحي عنه. أخرجه الخطيب في " الاقتضاء " (2) وفي " التاريخ " (11 / 441) . وهذا سند لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير عبد المجيد وصامت ففيهما ضعف، وقد قال المنذري في " الترغيب " (4 / 198) : " رواه البزار والطبراني بإسناد صحيح ". فالظاهر أنهما أخرجاه من غير هذا الوجه وإلا فهو بعيد عن الصحة! وقد رواه ليث عن عدي بن عدي به موقوفا. أخرجه الدارمي (1 / 131) والخطيب (3) لكنه قال: " رجاء بن حيوة " مكان " الصنابحي ". والأول أصح. وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف وقد أوقفه، والرفع هو الصواب لهذه الشواهد. وقد روي من حديث ابن عباس وزاد في آخره: " وعن حبنا أهل البيت " . وهو بهذه الزيادة باطل، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (1922) .

947

947 - " ما قل وكفى خير مما كثر وألهى ". رواه ابن عدي (7 / 2) عن إسماعيل بن سليمان الأزرق عن أنس مرفوعا. وقال: " إسماعيل هذا قال يحيى: ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وله شاهد من حديث ثوبان. رواه القضاعي (102 / 2) من طريق يزيد بن ربيعة قال: سمعت أبا الأشعث يقول: سمعت ثوبان يقول: فذكره. ويزيد بن ربيعة هو الرحبي الدمشقي وهو ضعيف. لكن له شاهد ثان من حديث أبي الدرداء مرفوعا به في آخر حديث له. وإسناده صحيح، وقد خرجته في " المشكاة " (5218) . وله شاهد ثالث عن أبي سعيد. رواه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 295) : حدثنا محمد بن عباد أنبأنا أبو سعيد عن صدقة بن الربيع عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد - أراه عن أبيه شك أبو عبد الله - قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو على الأعواد وهو يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير صدقة بن الربيع، أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 433) بهذه الرواية عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما الهيثمي فجزم في " المجمع " (10 / 256) بأنه ثقة. ولعل عمدته في ذلك أن يكون رآه في " الثقات " لابن حبان، كما وقع له في تراجم كثيرة. وأبو سعيد هو مولى بني هاشم، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله البصري.

948

948 - " أفضل الناس كل مخموم القلب صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب؟ قال: التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد ". رواه ابن ماجه (4216) وابن عساكر (17 / 29 / 2) من طريقين عن يحيى بن حمزة حدثني زيد بن واقد عن مغيث بن سمي الأوزاعي عن عبد الله بن عمرو قال: " قيل: يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم ... ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وتابعه القاسم بن موسى عن زيد بن واقد به. أخرجه ابن عساكر وقال: " وكذا رواه صدقة بن خالد عن زيد ".. قلت: وزاد ابن عساكر من طريق القاسم بن موسى، وفي إحدى الطريقين عن يحيى بن حمزة: " قالوا: فمن يليه يا رسول الله؟ قال الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة، قالوا: ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا : فمن يليه؟ قال: مؤمن في خلق حسن ". وقد عزاه السيوطي في " زيادة الجامع الصغير " لابن ماجه بهذه الزيادة وليست عنده كما رأيت، وقد عزاه في " الجامع الكبير " للحكيم والطبراني وأبي نعيم في " الحلية " والبيهقي في " الشعب "، فالظاهر أن الزيادة لهم أو لبعضهم على الأقل.

949

949 - " من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ". أخرجه الترمذي (2 / 76) عن الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان وهو الرقاشي عن أنس مرفوعا. وسكت عنه الترمذي، وهو إسناد ضعيف لكنه حسن في المتابعات، قال المنذري (4 / 82) : " ورواه الترمذي عن يزيد الرقاشي عنه وقد وثق ولا بأس به في المتابعات ". قلت: وورد بلفظ أتم منه وهو: " من كانت الدنيا همته وسدمه ولها شخص وإياها ينوي، جعل الله الفقر بين عينيه وشتت عليه ضيعته ولم يأته منها إلا ما كتب له منها ومن كانت الآخرة همته وسدمه ولها شخص وإياها ينوي، جعل الله عز وجل الغنى في قلبه وجمع عليه ضيعته وأتته الدنيا وهي صاغرة ". قال المنذري (3 / 9) : " رواه البزار والطبراني واللفظ له، وابن حبان في صحيحه عن أنس ". قلت: ولعل هؤلاء أو بعضهم لاسيما ابن حبان أخرجوه من طريق غير طريق الرقاشي السابقة. والله أعلم. وقد أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 8 / 2 و 129 / 1 ) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن وقتادة، ومن طريق داود بن محبر حدثنا همام عن قتادة، كلاهما عن أنس به. ثم رأيته في " زوائد البزار " (ص 322) من

950

طريق إسماعيل عن الحسن وحده. وإسماعيل هذا هو المكي، ضعيف. وله شاهد بلفظ : " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ". 950 - " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة ". أخرجه ابن ماجه (2 / 524 - 525) وابن حبان (72) من طريق شعبة عن عمرو بن سليمان قال: سمعت عبد الرحمن بن أبان بن عثمان ابن عفان عن أبيه عن زيد بن ثابت مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات كما قال في " الزوائد ". 951 - " إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال الرياء، يقول الله عز وجل لأصحاب ذلك يوم القيامة إذا جازى الناس: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟! ". رواه أحمد (5 / 428 و 429) وأبو محمد الضراب في " ذم الرياء " (277 / 2 / 299 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 201 / 1) عن عمرو بن أبي عمر وعن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمود بن لبيد، فإنه من رجال مسلم وحده، قال الحافظ: " وهو صحابي صغير، وجل روايته عن الصحابة ".

952

قلت: له في " المسند " عدة أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 217 / 1) عن عبد الله بن شبيب أنبأنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو به إلا أنه قال: عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج مرفوعا. قلت: وعبد الله بن شبيب واه، فلا تقبل زيادته. 952 - " لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه كما يدركه الموت ". رواه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 90، 7 / 246) وابن عساكر (2 / 11 / 1) عن المسيب بن واضح حدثنا يوسف بن سباط حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا. وقال أبو نعيم: " تفرد به عن الثوري يوسف بن أسباط ". قلت: وهو ضعيف ومثله المسيب بن واضح. لكن له شاهدان يتقوى بهما: الأول: من حديث أبي سعيد الخدري. يرويه علي بن يزيد الصدائي، أنبأنا فضيل بن مرزوق عن عطية عنه مرفوعا به. أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (ق 143 / 2) والطبراني في " الأوسط " (1 / 135 / 2) وابن عدي في " الكامل " (263 / 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالضعفاء، عطية العوفي فمن دونه. والشاهد الآخر من حديث أبي الدرداء وقد خرجته في تعليقي على " المشكاة " (5312) وقد صححه ابن حبان، فالحديث حسن على أقل المراتب. والله أعلم.

953

953 - " ما رأيت مثل النار نام هاربها ولا مثل الجنة نام طالبها ". أخرجه بن المبارك في " الزهد " (رقم 27) والترمذي (2 / 99) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 178) وفي " صفة الجنة " (6 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب " (67 / 3) والسلفي في " معجم السفر " (153 / 2) عن يحيى بن عبيد الله المديني عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره. وقال أبو نعيم: " لم يروه عن عبيد الله بن موهب إلا ابنه يحيى ". قلت: وهو متروك، وأبوه مجهول. وقال الترمذي: " هذا حديث إنما نعرفه من حديث يحيى بن عبيد الله، وهو ضعيف عند أكثر أهل الحديث ". قلت: وقد أخرجه ابن المبارك أيضا (28) من طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال: فذكره موقوفا عليه، وهو الأشبه. ثم وجدت للحديث شاهدين مرفوعين يتقوى بهما. الأول: عن عمر بن الخطاب مرفوعا به. أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (ص 302، 335) من طريق سعد بن سعيد عن أبي طيبة عن كرز بن وبرة عن الربيع بن خثيم عنه.

954

قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد: الربيع هذا ثقة مخضرم. وكرز بن وبرة أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 170) من رواية جماعة من الثقات عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وطول ترجمته جدا السهمي (ص 295 - 316) قال: " وكان معروفا بالزهد والعبادة ". وأبو طيبة اسمه عبد الله بن مسلم السلمي، قال الحافظ: " صدوق يهم ". وسعد بن سعيد وهو الجرجاني قال البخاري: " لا يصح حديثه " يعني حديثا معينا غير هذا. وقال ابن عدي: " رجل صالح له عن الثوري ما لا يتابع عليه، دخلته غفلة الصالحين ". والآخر: عن أنس مرفوعا به. رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " وقال (10 / 412) : " وفيه محمد بن مصعب القرقساني، وهو ضعيف بغير كذب ". فالحديث بمجموع الطريقين حسن إن شاء الله تعالى. 954 - " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله تعالى غالية ألا إن سلعة الله الجنة جاءت الراجفة تتبعها الرادفة جاء الموت بما فيه ".

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 377) عن وكيع والحاكم (4 / 308) من طريق عبد الله بن الوليد العدني كلاهما عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب، تفرد به وكيع عن الثوري بهذا اللفظ ". قلت: كلا، فقد تابعه العدني كما رأيت وتابعه أيضا قبيصة عن سفيان به دون الإدلاج والسلعة وكذلك أخرجه أحمد (5 / 136) عن وكيع وزاد قبيصة في أوله: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ثلثا الليل قام، فقال: يا أيها الناس! اذكروا الله، جاءت الراجفة.... ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده حسن من أجل الخلاف المعروف في ابن عقيل. ومن طريق قبيصة أخرجه أبو نعيم أيضا (1 / 256) والحاكم (2 / 421، 513) وقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وإنما هو حسن فقط لما ذكرنا. وتابعه أيضا محمد بن يوسف حدثنا سفيان به مثل رواية قبيصة. أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 36) . وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به دون قوله: " جاءت ... ". خرجه الترمذي وحسنه وفيه ضعف بينته في التعليق على " المشكاة " (5348) .

955

955 - " شيبتني (هود) و (الواقعة) و (المرسلات) و (عم يتساءلون) و (إذا الشمس كورت) ". أخرجه الترمذي (2 / 225) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 435) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 350) والحاكم (2 / 344) والضياء في " الأحاديث المختارة " (66 / 75 / 1) من طريق شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال: " قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله قد شبت؟ قال ". فذكره، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث ابن عباس إلا من هذا الوجه ". قلت: قد تابعه أبو الأحوص عن أبي إسحاق الهمداني به. أخرجه الحاكم (2 / 476 ) وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وإن كان قد أعل بالاختلاف في إسناده، فقد اتفق شيبان وأبو الأحوص على وصله من هذا الوجه وهما ثقتان، فاتفاقهما حجة، ثم وجدت لهما متابعا آخر وهو إسرائيل عند ابن سعد قرنه مع شيبان. قال الترمذي عقب ما سبق نقله عنه: " وروى علي بن صالح هذا الحديث عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة نحو هذا، وروي عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة شيء من هذا مرسلا. وروى أبو بكر بن عياش عن إسحاق عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث شيبان عن أبي إسحاق ولم يذكر فيه " عن ابن عباس "، حدثنا بذلك هاشم بن الوليد الهروي حدثنا أبو بكر بن عياش ". قلت: ورواية علي بن صالح وصلها عنه أبو نعيم، ثم قال عقبها:

" اختلف على أبي إسحاق، فرواه أبو إسحاق عن أبي جحيفة وروي عنه عن عمرو بن شرحبيل عن أبي بكر وروي عنه عن مسروق عن أبي بكر وروي عنه عن مصعب بن سعد عن أبيه وروي عنه عن عامر بن سعد عن أبي بكر وروي عنه عن أبي الأحوص عن عبد الله، رضي الله تعالى عنهم ". قلت: وذكر ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 110، 124) بعض هذه الوجوه من الاختلاف، ثم قال عن أبيه: " ورواه شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة أن أبا بكر قال للنبي صلى الله عليه وسلم. وهذا أشبه بالصواب ". كذا قال لم يذكر بينهما ابن عباس والصواب إثباته كما تقدم تخريجه من رواية الجماعة عنه، فلا أدري أسقط ذكره من الناسخ أم هكذا وقع عند أبي حاتم، فإن كان كذلك فهو يعني أن الصواب أنه مرسل وهذا لا يلتقي مع قوله في الموضع الأول المشار إليه وهو: " سئل أبي عن حديث أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال أبو بكر ... الحديث متصل أصح، كما رواه شيبان، أو مرسل كما رواه أبو الأحوص؟ قال مرسل أصح ". قلت: فلعل قوله في الموضع الآخر: " ورواه شيبان ... " سبق قلم منه أراد أن يقول أبو الأحوص، فقال: شيبان، لكن رواية أبي الأحوص عند الحاكم متصلة أيضا كما تقدم، فالأمر مشكل وهو يحتاج إلى مزيد من التحقيق وعسى أن ييسر لنا ذلك بعد. ثم رأيت ابن سعد قد روى عن ثقتين قالا: أنبأنا أبو الأحوص أنبأنا أبو إسحاق عن عكرمة قال: قال أبو بكر. فعرفت أن أبا الأحوص قد اختلف عليه في وصله وإرساله، فرواه الحاكم عنه

موصولا كما تقدم ورواه ابن سعد هكذا مرسلا وهي الرواية التي قال عنها أبو حاتم: إنها أشبه بالصواب. والله أعلم. والحديث أخرجه ابن سعد عن قتادة مرفوعا مختصرا بلفظ: " شيبتني هود وأخواتها ". وإسناده صحيح لولا أنه مرسل. لكن رواه الطبراني في " الكبير " عن عقبة بن عامر مرفوعا به. قال الهيثمي (7 / 37) : " ورجاله رجال الصحيح ". وأخرجه أيضا من حديث سهل بن سعد مرفوعا به وزاد: " (الواقعة) و (الحاقة) و (إذا الشمس كورت) ".

956

لكن في سنده سعيد بن سلام العطار وهو كذاب. ورواية أبي إسحاق عن مسروق عن أبي بكر التي ذكرها أبو نعيم، وصلها أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (1 / 28) عن هشام بن عمار حدثنا أبو معاوية عن زكريا بن أبي زائدة عنه مختصرا: " شيبتني هود وأخواتها ". ورجاله ثقات. وكذا رواه ابن مردويه وزاد كما في " الجامع ": " قبل المشيب ". وأخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (3 / 145) من طريق محمد ابن سيرين عن عمران بن الحصين مرفوعا به دون الزيادة. قلت: وإسناده حسن. وأخرجه أبو الشيخ في " أحاديثه " (13 / 1) من طريق جبارة حدثنا عبد الكريم بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبيه قال : " قلت: يا رسول الله لقد شبت، قال " فذكره. قلت: وعبد الكريم هو البجلي الكوفي مقبول عند الحافظ. وجبارة هو ابن مغلس الحماني وهو ضعيف. 956 - " إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمها أبناء الملوك أبناء فارس والروم سلط شرارها على خيارها ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (رقم 187 - رواية نعيم) والمعافى بن عمران

في " الزهد " (ق 238 / 2) والترمذي (2 / 42 - 43) والعقيلي في " الضعفاء " (408) وابن عدي في " الكامل " (323 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 308) والبيهقي في " الدلائل " (ج 2) من طرق عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب، وقد رواه أبو معاوية عن يحيى بن سعيد الأنصاري حدثنا بذلك محمد بن إسماعيل الواسطي حدثنا أبو معاوية عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ولا يعرف لحديث أبي معاوية عن يحيى بن سعيد أصل، إنما المعروف حديث موسى بن عبيدة وقد روى مالك بن أنس هذا الحديث عن يحيى بن سعيد مرسلا ولم يذكر فيه عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ". قلت: موسى بن عبيدة ضعيف لكن متابعة يحيى بن سعيد تشهد لصحة حديثه وقول الترمذي: إنه لا أصل له عنه، أراه مجازفة ظاهرة لأن السند إليه بذلك صحيح، فإن أبا معاوية ثقة من رجال الشيخين ومحمد بن إسماعيل الواسطي ثقة حافظ كما قال الحافظ، ومالك كثيرا ما يرسل ما هو معروف وصله كما لا يخفى على العالم بهذا الفن الشريف، على أنه يبدو أنه قد اختلف فيه على مالك، فقد أخرجه نصر المقدسي في (المجلس 347 من " الأمالي ") من طريق القعنبي عبد الله بن مسلمة ابن قعنب قال: أنبأنا مالك عن يحيى بن سعيد عن يحنس مولى الزبير مرفوعا به إلا أنه قال: " سلط بعضهم على بعض ". فزاد في السند يحنس هذا. وكذلك أخرجه الداني في " الفتن " (188 / 1 - 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 2) من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد به. وخالفهم الفرج بن فضالة فقال: عن يحيى بن سعيد الأنصاري يرفعه.

أخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 37 / 2) . لكن الفرج هذا ضعيف. وخالفهم أيضا حماد بن سلمة حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيد ابن سنوطا عن خولة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه ابن حبان (1864) من طريق مؤمل بن إسماعيل: حدثنا حماد بن سلمة به. لكن مؤمل هذا صدوق سيء الحفظ كما في " التقريب ". فيبدو من هذا التخريج أن الرواة اختلفوا على يحيى بن سعيد في إسناده وأن الأرجح رواية من قال عنه عن يحنس لأنهم أكثر. ثم رواية من قال عنه عبد الله بن دينار عن ابن عمر لأنه ثقة كما سبق وتترجح هذه على ما قبلها بمتابعة موسى بن عبيدة، وهو وإن كان ضعيفا كما تقدم، فلا بأس به في المتابعات إن شاء الله تعالى. ويحنس هذا يكنى أبو موسى. قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 313) : " روى عن عمر وأبي سعيد وأبي هريرة، روى عنه وهب بن كيسان ويحيى بن سعيد الأنصاري وابن الهاد وقطن بن وهب ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة، أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 237) ، قال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده حسن ".

957

957 - " يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر ". رواه الترمذي (2 / 42) وابن بطة في " الإبانة " (1 / 173 / 2) عن عمر بن شاكر عن أنس مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب من هذا الوجه، وعمر بن شاكر شيخ بصري وقد روى عنه غير واحد من أهل العلم ". قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب ". لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة: الأول: عن أبي ثعلبة الخشني في حديث له بلفظ: " فإن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر.. " الحديث. أخرجه جماعة منهم الترمذي (2 / 177) وقال:

" حديث حسن غريب "، وصححه ابن حبان (1850) . قلت: وفي سنده ضعف كما كنت بينته في " تخريج المشكاة (5144) . الثاني: عن أبي هريرة مرفوعا في حديث له: " المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر ". أخرجه أحمد (5 / 390 - 391) وأبو عمرو بن منده في " أحاديثه " (ق 18 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 252 / 2) من طرق عن ابن لهيعة عن أبي يونس عنه. قلت: وإسناده لا بأس في الشواهد رجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ. الثالث: عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " يأتي على الناس زمان المتمسك فيه بسنتي عند اختلاف أمتي كالقابض على الجمر ". أخرجه أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (ق 188 / 2) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (99 / 1) من طريقين عن حميد بن علي البختري حدثنا

958

جعفر بن محمد الهمداني حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود عنه. قلت: من دون أبي إسحاق - واسمه إبراهيم بن محمد ثقة حافظ - لم أعرفهم. وقد عزاه السيوطي للحكيم الترمذي عن ابن مسعود، وبيض له المناوي! وجملة القول أن الحديث بهذه الشواهد صحيح ثابت لأنه ليس في شيء من طرقها متهم ، لاسيما وقد حسن بعضها الترمذي وغيره، والله أعلم. 958 - " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تدعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت ". أخرجه أبو داود (4297) والروياني في " مسنده " (25 / 134 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 97 / 2) من طرق عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو عبد السلام عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، فإن ابن جابر ثقة من رجال " الصحيحين ". وشيخه أبو عبد السلام مجهول لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه أبو أسماء الرحبي عن ثوبان به. أخرجه أحمد (5 / 278) وابن أبي الدنيا في " العقوبات " (62 / 1) ومحمد بن محمد بن مخلد البزار في " حديث ابن السماك " (182 - 183) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 182) عن المبارك بن فضالة حدثنا مرزوق أبو عبد الله الحمصي أنبأنا أبو أسماء الرحبي. قلت: وهذا سند جيد، رجاله ثقات والمبارك إنما يخشى منه التدليس أما وقد

959

صرح بالتحديث فلا ضير منه، فالحديث بمجموع الطريقين صحيح عندي. والله أعلم. 959 - " أمتي أمة مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل ". أخرجه أبو داود (4278) والحاكم (4 / 444) وأحمد (4 / 410 و 418) من طريق المسعودي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وقال الحافظ ابن حجر في " بذل الماعون " (54 / 2) : " سنده حسن ". كذا قالوا، والمسعودي كان اختلط. ولكن الحديث صحيح، فقد أخرجه أحمد (4 / 408) والبخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 38 - 39) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 3) والقاضي الخولاني في " تاريخ داريا " (ص 82 - 83) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (154 / 1) والواحدي في " الوسيط " (1 / 128 / 1) من طرق أخرى كثيرة عن أبي بردة به. ولأبي بردة فيه إسناد آخر ، فقال محمد بن فضيل بن غزوان: حدثنا صدفة بن المثنى حدثنا رياح عن أبي بردة قال: " بينما أنا واقف في السوق في إمارة زياد، إذ ضربت بإحدى يدي على الأخرى تعجبا، فقال رجل من الأنصار - قد كانت لوالده صحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم -: مما تعجب يا أبا بردة؟ قلت: أعجب من قوم دينهم واحد ونبيهم واحد ودعوتهم واحدة وحجهم

960

واحد وغزوهم واحد يستحل بعضهم قتل بعض، قال: فلا تعجب ، فإني سمعت والدي أخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. أخرجه البخاري في " التاريخ " والحاكم (4 / 353 - 254) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: هو كما قالا لولا الرجل الأنصاري الذي لم يسم. ثم أخرجه الحاكم (1 / 49 و4 / 254) وكذا الطحاوي في " المشكل " (1 / 105) والخطيب في " التاريخ " . (4 / 205) من طريق أبي حصين عن أبي بردة عن عبد الله بن يزيد مرفوعا بلفظ. " جعل عذاب هذه الأمة في دنياها ". وقال الحاكم والزيادة له: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وإنما هو على شرط البخاري وحده فإن أبا بكر بن عياش لم يخرج له مسلم. وبايعه الحسن بن الحكم النخعي عن أبي بردة به دون الزيادة. أخرجه الحاكم (1 / 50) . 960 - " ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما يجد أحدكم من مس القرصة ". رواه النسائي (2 / 62) والترمذي (3 / 19) وابن ماجه (2802) والدارمي (2 / 205) وابن بشران في " الأمالي " (18 / 7 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 264 - 265) والبيهقي (9 / 164) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 141 / 1) كلهم من

961

طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب صحيح "، وقال أبو نعيم: " ثابت مشهور من حديث القعقاع عن أبي صالح ". قلت: ورجاله كلهم ثقات إلا أن محمد بن عجلان في حفظه شيء من الضعف وقد قال فيه الذهبي: " إنه متوسط في الحفظ ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى وقد صحح له جماعة منهم ابن حبان، فقد أخرج له أحاديث جمة منها هذا الحديث برقم (1613) . 961 - " إنكم لا ترجعون إلى الله بشيء أفضل مما خرج منه. يعني القرآن ". أخرجه الترمذي (2 / 150) : حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا عبد الرحمن ابن مهدي عن معاوية عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير ابن نفير مرفوعا مرسلا. قلت: وسكت عليه الترمذي، وقال البخاري في " أفعال العباد " ص (91) : " هذا الخبر لا يصح لإرساله وانقطاعه ". قلت: لكنه ورد موصولا، فأخرجه الحاكم (1 / 555) وعنه البيهقي في " الأسماء الصفات " (236) من طريق سلمة بن شبيب حدثني أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عن جبير بن نفير عن أبي ذر الغفاري مرفوعا به وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " وأقره البيهقي، ووافقه الذهبي.

قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير زيد بن أرطاة وهو ثقة كما في " التقريب ". ثم أخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح به إلا أنه ذكر عقبة بن عامر بدل أبي ذر، ثم قال البيهقي: " ويحتمل أن يكون جبير بن نفير رواه عنهما جميعا، ورواه غيره عن أحمد بن حنبل دون ذكر أبي ذر رضي الله عنه في إسناده ". قلت: أخرجه كذلك مرسلا في كتاب " الزهد " لأحمد كما في الجامع الصغير، لكن سلمة بن شبيب الذي رواه عنه موصولا ثقة احتج به مسلم فزيادته مقبولة ويقوي الحديث أن له شاهدا من حديث أبي أمامة مرفوعا بسند ضعيف قد خرجته في " المشكاة " (1332) .

962

962 - " كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة إذا اتقى الله. وأشار مالك: بالسبابة والوسطى ". أخرجه مسلم (8 / 221) وأحمد (2 / 375) واللفظ له من حديث أبي هريرة مرفوعا به. وله شاهد من حديث مرة الفهري بتقديم وتأخير. رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " ص (73) عن أنيسة عن أم سعد ابنة مرة الفهري عنه به. وسنده ضعيف، وروي بلفظ: " أنا وكافل اليتيم " وسبق ذكره برقم (800) . 963 - " لا يزال هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة ". أخرجه أحمد (5 / 92، 94، 105) والطيالسي (ص 104 رقم 756) من طرق عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (6 / 53) بلفظ: " لن يبرح هذا الدين " والباقي مثله سواء، واستدركه الحاكم (4 / 449) فوهم. وهو رواية لأحمد (5 / 103، 106، 108) لكنه قال في هذه الرواية عن جابر بن سمرة قال: " نبئت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " فذكره، وفي أخرى له (585) : عن جابر بن سمرة عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع الحديث إلى أنه عن رجل من الصحابة لم يسم وهو حجة، على أنه قد وقع عند الطيالسي تصريح جابر بن سمرة بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم.

ثم وجدت له طريقا أخرى عن جابر مصرحا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الخطيب (12 / 250 - 251) من طريق عباس بن محمد الدوري حدثنا عاصم بن عمر المقدمي حدثنا أبي عن فطر بن خليفة عن أبي خليفة عن أبي خالد الوالبي قال: حدثنا جابر بن سمرة السوائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا يزل هذا الأمر ظاهرا لا يضره من ناوأه ". وقال: حدثنا عاصم بن عمر المقدمي حدثنا أبي عن فطر بن خليفة عن معد بن خالد الجدلي عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. والإسنادان رجالهما ثقات غير أن الإسناد الأول فيه أبو خالد الوالبي، قال في " التقريب " : مقبول، أي: لين الحديث. وأما الراوي عنه أبو خليفة فلم أعرفه، ولعل الأصل: فطر بن خليفة بن أبي خليفة فتصحفت لفظة (ابن) على الناسخ فصارت (عن ) كما يقع ذلك كثيرا في الأسانيد. والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد صح الحديث من طريق أخرى بلفظ: " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ".

964

964 - " لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ". أخرجه مسلم (6 / 4) وأحمد (5 / 86، 87، 88، 89) من طريق حاتم بن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن جابر بن سمرة مرفوعا. وللحديث طرق أخرى كثيرة عن جابر نحوه، فانظر الحديث المتقدم (375) . 965 - " لا يزال أهل الغرب ظاهرين حتى تقوم الساعة ". رواه مسلم (6 / 54) وابن الأعرابي في " المعجم " (31 / 1 / 112 / 1) والجرجاني (424) والدورقي في " مسند سعد " (3 / 136 / 2) وابن منده في " المعرفة " (2 / 179 / 1) من حديث أبي عثمان عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا . واعلم أن المراد بأهل الغرب في هذا الحديث أهل الشام لأنهم يقعون في الجهة الغربية الشمالية بالنسبة للمدينة المنورة التي فيها نطق عليه الصلة والسلام بهذا الحديث الشريف، ففيه بشارة عظيمة لمن كان فيها من أنصار السنة المتمسكين بها والذابين عنها والصابرين في سبيل الدعوة إليها. نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم وأن يحشرنا في زمرتهم تحت لواء صاحبها محمد صلى الله عليه وسلم.

966

966 - " لا يزال الناس يسألون يقولون: ما كذا ما كذا حتى يقولوا: الله خالق الناس فمن خلق الله؟ فعند ذلك يضلون ". رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (59 / 1) من طريق محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (1 / 85) دون قوله: " فعند ذلك يضلون ". ثم رواه من حديث أبي هريرة نحوه وفيه (فليستعذ بالله ولينته) ، وقد مضى (117) . 967 - " لو أن العباد لم يذنبوا لخلق الله عز وجل خلقا يذنبون، ثم يغفر لهم وهو الغفور الرحيم ". أخرجه الحاكم (4 / 246) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 204) عن شعبة عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم عن عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه مرفوعا. أورده شاهدا لحديث أبي هريرة الآتي بعده إن شاء الله وسكت عليه. وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير أبي بلج (بفتح أوله وسكون اللام بعدها جيم وفي الأصل: بلح بالحاء وهو خطأ) يحيى بن أبي سليم وهو صدوق ربما أخطأ كما في التقريب. ويشهد له: " لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم ".

968

968 - " لو أنكم لم تكن لكم ذنوب يغفرها الله لكم لجاء الله بقوم لهم ذنوب يغفرها لهم ". أخرجه مسلم (8 / 94) من طريق محمد بن كعب القرظي عن أبي صرمة عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا. وله عنده طريق أخرى عن أبي صرمة بلفظ: " لولا أنكم تذنبون ". ويأتي إن شاء الله برقم (1963) . وله شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ: " لو أنكم لا تخطئون لأتى الله بقوم يخطئون يغفر لهم ". 969 - " لو أنكم لا تخطئون لأتى الله بقوم يخطئون يغفر لهم ". أخرجه الحاكم (4 / 246) عن عمرو بن الحارث أن دراجا حدثه عن ابن حجير عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ودراج متكلم فيه وفي التقريب: " صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف ". قلت: فهو حسن إن شاء الله تعالى بشواهده السابقة والآتية، لاسيما وأن له طريقا أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " لو تكونون - أو قال: لو أنكم تكونون - على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ولو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون كي يغفر لهم ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (1075) والطيالسي أيضا (ص 337 رقم

970

2583) وأحمد (2 / 304 - 305، 305) من طريق سعد بن عبيد الطائي أبي مجاهد حدثنا أبو المدلة مولى أم المؤمنين سمع أبا هريرة يقول: " قلنا: يا رسول الله إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة، وإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد، قال " فذكره. وهذا سند ضعيف من أجل أبي المدلة هذا، قال الذهبي : " لا يكاد يعرف لم يرو عنه سوى أبي مجاهد ". وفي التقريب: " مقبول ". وبقية رجال إسناد الحديث ثقات رجال البخاري. قلت: لكنه حديث حسن أو صحيح بشواهده المتقدمة وغيرها، فانظر الحديث الآتي بلفظ: " لو تدومون ... " رقم (1965) . وبلفظ: " لو كنتم تكونون ... رقم (1976) . ومن شواهده: " لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ليغفر لهم ". 970 - " لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون ليغفر لهم ". أخرجه الإمام أحمد (1 / 289) : حدثنا أحمد بن عبد الملك الحراني قال: حدثنا يحيى بن عمرو بن مالك النكري قال: سمعت أبي يحدث عن أبي الجوزاء عن ابن عباس مرفوعا. وهذا سند ضعيف، يحيى بن عمرو النكري بضم النون قال في " التقريب ":

" ضعيف ويقال: إن حماد بن زيد كذبه ". وبقية رجال الإسناد ثقات رجال البخاري غير عمرو بن مالك وهو صدوق له أوهام. وفي " المجمع " (10 / 215) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " والبزار وفيه يحيى بن عمرو بن مالك النكري وهو ضعيف وقد وثق وبقية رجاله ثقات ". قلت: لكن الحديث له شواهد كثيرة يصير بها صحيحا، فمنها ما تقدم. ومنها عن أبي أيوب بلفظ: " يا أبا أيوب لو لم تذنبوا ... " الحديث، إلا أنه قال: فيغفر لهم ". أخرجه الخطيب (4 / 217) من طريق أحمد بن عبد الله الحداد حدثنا يزيد بن عمر عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الله مولى عفرة عن محمد بن كعب القرظي عن أبي أيوب. ويزيد بن عمر لم أعرفه وكذلك عبد الله مولى عفرة لم أجد من ذكره وأخشى أن يكون في الإسناد شيء من السقط أو التحريف، فقد أخرجه الترمذي (2 / 270) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عمر مولى غفرة عن محمد بن كعب به إلا أنه لم يسق لفظه بل أحال على لفظ آخر قبله وهو: " لولا أنكم تذنبون ... "، وسيأتي (1963) ، فقال الترمذي: نحوه. وعمر هذا ضعيف وكان كثير الإرسال كما في " التقريب ". وتابعه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن محمد بن كعب القرظي عن أبي أيوب نحوه.

971

أخرجه الخطيب أيضا (5 / 341) . وإسحاق هذا متروك كما في " التقريب ". وخالفه إبراهيم بن عبيد بن رفاعة فقال: عن محمد بن كعب القرظي عن أبي صرمة عن أبي أيوب مرفوعا نحوه بلفظ: " لو أنكم لم تكن. وقد مضى قريبا (968) فزاد في الإسناد " أبي صرمة " وهو الصواب فقد رواه كذلك عن أبي صرمة عنه محمد بن قيس باللفظ الذي أشرنا إليه عند الترمذي الآتي برقم (1963) . ومن الشواهد أيضا: حديث ابن عمرو مرفوعا بلفظ: " لو لم تذنبوا لخلق الله خلقا يذنبون ثم يغفر لهم ". قال في " المجمع " (10 / 215) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ، وقال في " الأوسط ": لخلق الله خلقا يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم وهو الغفور الرحيم ". رواه البزار بنحو " الأوسط " محالا على موقوف عبد الله بن عمرو. ورجالهم ثقات وفي بعضهم خلاف ". قلت: وقد أخرجه الحاكم بنحو لفظ " الأوسط " وقد سبق قريبا (967) . وهو حسن الإسناد كما بينته هناك. ومن الشواهد أيضا حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم) . رواه البزار، قال الهيثمي (10 / 215) : " وفيه يحيى بن كثير صاحب البصري وهو ضعيف ". قلت: لكن له شاهد من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ تماما بزيادة في أوله: " والذي نفسي بيده " وسيأتي برقم (1950) . فالحديث من الصحيح لغيره. 971 - " لا يورد الممرض على المصح ". أخرجه البخاري (10 / 198، 200) ومسلم (7 / 32) وأبو داود (2 / 158) والطحاوي (2 / 275) وفي " المشكل " (2 / 262) وأحمد (2 / 406) من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. وقد تابعه محمد بن عمرو: حدثني أبو سلمة به. أخرجه ابن ماجه (2 / 363) وأحمد (2 / 434) . وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم للمجذوم:

" إنا قد بايعناك فارجع " وسيأتي برقم (1968) . (الممرض) : هو الذي له إبل مرضى و (المصح) ، من له إبل صحاح. واعلم أنه لا تعارض بين هذين الحديثين وبين أحاديث " لا عدوى ... " المتقدمة برقم (781 - 789) لأن المقصود بهما إثبات العدوى وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم والمراد بتلك الأحاديث نفي العدوى التي كان أهل الجاهلية يعتقدونها، وهي انتقالها بنفسها دون النظر إلى مشيئة الله في ذلك كما يرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: " فمن أعدى الأول؟ ". فقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم نظر الأعرابي بهذا القول الكريم إلى المسبب الأول ألا وهو الله عز وجل ولم ينكر عليه قوله " ما بال الإبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها الأجرب فيجربها "، بل إنه صلى الله عليه وسلم أقره على هذا الذي كان يشاهده، وإنما أنكر عليه وقوفه عند هذا الظاهر فقط بقوله له: " فمن أعدى الأول؟ ". وجملة القول: أن الحديثين يثبتان العدوى وهي ثابتة تجربة ومشاهدة. والأحاديث الأخرى لا تنفيها وإنما تنفي عدوى مقرونة بالغفلة عن الله تعالى الخالق لها. وما أشبه اليوم بالبارحة، فإن الأطباء الأوربيين في أشد الغفلة عنه تعالى لشركهم وضلالهم وإيمانهم بالعدوى على الطريقة الجاهلية، فلهولاء يقال: " فمن أعدى الأول؟ " فأما المؤمن الغافل عن الأخذ بالأسباب، فهو يذكر بها، ويقال له كما في حديث الترجمة " لا يورد الممرض على المصح " أخذا بالأسباب التي خلقها الله تعالى، وكما في بعض الأحاديث المتقدمة: " وفر من المجذوم فرارك من الأسد ". هذا هو الذي يظهر لي من الجمع بين هذه الأخبار وقد قيل غير ذلك مما هو مذكور في " الفتح " وغيره. والله أعلم.

972

972 - " من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يحل بينه وبين دخول الجنة إلا الموت ". أخرجه ابن السني (رقم 121) قال: حدثنا محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي الحمصي حدثنا اليمان بن سعيد وأحمد بن هارون جميعا بالمصيصة قالا: حدثنا محمد بن حمير عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن عبيد الله بن الفضل الكلاعي الحمصي له ترجمة جيدة في " تاريخ ابن عساكر " (15 / 323 / 2) . واليمان بن سعيد أظنه محرفا من " اليمان بن يزيد "، فقد أورده هكذا في " الميزان ": " وقال: عن محمد بن حميد الحمصي بخبر طويل في عذاب الفساق أظنه موضوعا " قال الحافظ في " اللسان " : " وأفاد شيخنا في الذيل أن الدارقطني قال في " المؤتلف والمختلف ": مجهول ، وتبعه ابن ماكولا ". قلت: وقرينه أحمد بن هارون قال الذهبي: " صاحب مناكير عن الثقات قاله ابن عدي ". قال الحافظ: " وذكره ابن حبان في الثقات ". وبقية رجال الإسناد ثقات على شرط البخاري. والحديث صحيح فإنه جاء من طريق أو طرق أخرى عن ابن حمير، فقد رواه النسائي - كما في " زاد المعاد " (1 / 110) ولعله في " سننه الكبرى " أو في " عمل اليوم والليلة " له - من طريق الحسين بن بشر عن محمد بن حمير، والحسين هذا ثقة وقد تابعه هارون بن داود النجار الطرسوسي، ومحمد بن العلاء بن

زبريق الحمصي، وعلي بن صدقة وغيرهم كما قال الحافظ في " التهذيب " (2 / 331) ، وصرح أن النسائي أخرجه في " اليوم والليلة ". ورواه الطبراني أيضا وابن حبان في صحيحه كما في " الترغيب " (2 / 261) فقال: " رواه النسائي والطبراني بأسانيد أحدها صحيح، وقال شيخنا أبو الحسن: هو على شرط البخاري وابن حبان في كتاب الصلاة وصححه وزاد الطبراني في بعض طرقه : (وقل هو الله أحد) وإسناده بهذه الزيادة جيد أيضا ". وقال الهيثمي (10 / 102) بعد أن ساقه بالروايتين: " رواه الطبراني في الكبير والأوسط بأسانيد وأحدها جيد ". قلت: وقد تكلم بعضهم في الحديث حتى أن ابن الجوزي أورده في " الموضوعات " فأخطأ خطأ فاحشا، كما نبه على ذلك الحافظ بن حجر وغيره، وقد ذكرنا كلامه في ذلك في " التعليقات الجياد على زاد المعاد " فلا حاجة للإعادة. وقد روي الحديث بإسناد آخر بلفظ: " من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة كان بمنزلة من قاتل عن أنبياء الله عز وجل حتى يستشهد ". أخرجه ابن السني (رقم 120) قال: أخبرنا أبو محمد بن صاعد: حدثنا علي بن الحسن بن معروف: حدثنا عبد الحميد بن إبراهيم أبو التقى حدثنا إسماعيل بن عياش

عن داود بن إبراهيم الذهلي أنه أخبره عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت: وهذا إسناد ضعيف: داود بن إبراهيم الذهلي لم أجد له ترجمة وإسماعيل بن عياش ثقة في روايته عن الشاميين ولا ندري أهذه منها أو لا؟ وعبد الحميد بن إبراهيم أبو التقى قال في " التقريب ": " صدوق إلا أنه ذهبت كتبه فساء حفظه ". (تنبيه) أورد الحديث العيني في (عمدة الرعاية) (3 / 204) بلفظ: " من قرأ آية الكرسي وقل هو الله أحد دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت " وقال: " رواه ابن السني من حديث إسماعيل بن عياش عن داود بن إبراهيم الذهلي عن أبي أمامة ". وأنت ترى أن هذا اللفظ ليس لابن السني وبين اللفظين فرق كبير، والظاهر أنه رواية للطبراني كما يفهم مما نقلنا في الحديث المتقدم عن الهيثمي والمنذري ولا أدري ما وجه هذا الخطأ؟ وكنت أريد أن أقول: (إنه سبق قلم) ولكن يقف دون ذلك أن العيني ذكره من الطريق الذي نقلناه عن ابن السني باللفظ المغاير للفظه. والله أعلم. وللحديث شواهد منها: " من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، ما بينه وبين أن يدخل الجنة إلا أن يموت، فإذا مات دخل الجنة ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 221) من طريق مكي بن إبراهيم حدثنا هاشم بن هاشم عن عمر بن إبراهيم عن محمد بن كعب عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال:

" حديث غريب من حديث المغيرة تفرد به هاشم بن هاشم عن عمر عنه، ما كتبناه عاليا إلا من حديث مكي ". قلت: وإسناده ثقات رجال الشيخين غير عمر هذا، وقد أورد له الذهبي في " الميزان " حديثا آخر ثم قال: " قال العقيلي: لا يتابع عليه: حدثنا محمد بن إسماعيل: حدثنا مكي ابن إبراهيم. قلت: فذكره بهذا الإسناد ". قال الحافظ: " وبقية كلامه: فأما المتن فقد روي بأسانيد جياد، وذكره ابن حبان في الثقات وسمى جده محمد بن الأسود ". قلت: فمثله لا بأس بروايته في الشواهد، وهذا منها.

973

وفي الباب عن أنس بلفظ : " أوحى الله تعالى إلى موسى ... ". وهو من حصة الكتاب الآخر (3901) . 973 - " إنما أنا خازن وإنما يعطي الله عز وجل، فمن أعطيته عطاء عن طيب نفس، فهو أن يبارك لأحدكم. ومن أعطيته عطاء عن شره وشره مسألة فهو كالآكل ولا يشبع ". أخرجه أحمد في أحاديث سيأتي إسنادها في: (لا تزال أمة من أمتي) برقم (1971 ) وقد أخرجه مسلم أيضا (3 / 95) وهو عندهما من طريق معاوية بن صالح حدثني ربيعة بن يزيد الدمشقي عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال: سمعت معاوية يقول : فذكره مرفوعا. وقد رواه ابن لهيعة جعفر بن ربيعة عن ربيعة بن يزيد به. أخرجه أحمد أيضا (4 / 100) . وهذا سند حسن في المتابعات. وله طريق أخرى بلفظ: " إنما أنا مبلغ ... " ويأتي بإذن الله تعالى (1628) . وأخرجه ابن عساكر (16 / 327 / 1) من طريق معاوية بن إسحاق الدمشقي عن يزيد بن ربيعة عن عبد الله بن عامر الحضرمي به. أورده في ترجمة معاوية بن إسحاق هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا.

974

974 - " فتنة الأحلاس هي فتنة هرب وحرب، ثم فتنة السراء دخلها أو دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي يزعم أنه مني وليس مني إنما وليي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع، ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحدا من هذه الأمة إلا لطمته لطمة، فإذا قيل: انقطعت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا حتى يصير الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، إذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من اليوم أو غد ". أخرجه أبو داود (2 / 200) والحاكم (4 / 467) وأحمد (2 / 133) من طريق أبي المغيرة: حدثنا عبد الله بن سالم: حدثني العلاء بن عتبة الحمصي أو اليحصبي عن عمير بن هاني العنسي سمعت عبد الله بن عمر يقول: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قعودا نذكر الفتن، فأكثر ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله وما فتنة الأحلاس؟ قال: هي ". الحديث. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير العلاء بن عتبة وهو صدوق كما في التقريب. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. (كورك) بفتح وكسر. (ضلع) بكسر ففتح، ويسكن واحد الضلوع أو الأضلاع. قال الخطابي: " هو مثل ومعناه الأمر الذي لا يثبت ولا يستقيم وذلك أن الضلع لا يقوم بالورك. وبالجملة يريد أن هذا الرجل غير خليق للملك ولا مستقل به ". 975 - " إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر ". رواه أبو داود (4263) عن الليث بن سعد، وأبو القاسم الحنائي في " الثالث من الفوائد " (82 / 1) عن عبد الله بن صالح كلاهما قال: حدثني معاوية بن صالح أن

976

عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه عن أبيه عن المقداد بن الأسود مرفوعا. وقال الحنائي: " لا نعرفه إلا من حديث أبي صالح كاتب الليث بن سعد ". قلت: قد عرفه غيره من غير طريقه، فإن أبا داود أخرجه من حديث الليث بن سعد كما رأيت، ولفظه أتم وهو: " إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلي فصبر فواها ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. 976 - " تدور رحى الإسلام بعد خمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما. قلت: (وفي رواية: قال عمر يا نبي الله) : مما بقي أو مما مضى؟ قال: مما مضى ". هذا حديث صحيح من معالم نبوته صلى الله عليه وسلم يرويه عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وله عنه طرق. الأولى: عن منصور عن ربعي بن حراش عن البراء بن ناجية عنه به. أخرجه أبو داود (4254) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 235 و 236) والحاكم (4 / 521) وأحمد (1 / 393) وأبو يعلى في " المسند " أيضا (ق 255 / 1) وابن الأعرابي في " معجمه " (ق 141 / 2) وابن عدي في " الكامل " (ق 91 / 1) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (ق 63 / 2) والخطابي في " غريب الحديث " (ق 116 / 2 - 117 / 1) من طرق عن منصور به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي.

قلت: وهو كما قالا، رجاله ثقات رجال الشيخين غير البراء بن ناجية وهو ثقة. الثانية: عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عنه مرفوعا به دون قوله: " قلت ... ". أخرجه أحمد (1 / 390، 451) وأبو يعلى والطحاوي وابن الأعرابي وابن حبان في " صحيحه " (1865 - موارد) والخطابي من طرق عنه. قلت: وهذا سند صحيح أيضا على شرط الشيخين على ما في سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود من أبيه من الاختلاف والراجح عندي أنه سمع منه كما هو مبين في غير هذا الموضع. الثالثة: عن شريك عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عنه. أخرجه الطحاوي والطبراني (3 / 72 / 1) . (فائدة) قال الخطيب رحمه الله تعالى: " قوله (تدور رحى الإسلام) مثل يريد أن هذه المدة إذا انتهت حدث في الإسلام أمر عظيم يخاف لذلك على أهله الهلاك، يقال للأمر إذا تغير واستحال: قد دارت رحاه، وهذا - والله أعلم - إشارة إلى انقضاء مدة الخلافة. وقوله: (يقم لهم دينهم) أي: ملكهم وسلطانهم والدين: الملك والسلطان، ومنه قوله تعالى: * (ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك) * وكان بين مبايعة الحسن بن علي معاوية بن أبي سفيان إلى انقضاء ملك بني أمية من المشرق نحوا من سبعين سنة ". وقال الطحاوي رحمه الله تعالى: " قوله (بعد خمس وثلاثين، أو ست وثلاثين ....) ليس ذلك على الشك ولكن يكون ذلك فيما يشاء الله عز وجل من تلك السنين، فشاء عز وجل أن كان ذلك في سنة

977

خمس وثلاثين، فتهيأ فيها على المسلمين حصر إمامهم وقبض يده عما يتولاه عليهم مع جلالة مقداره لأنه من الخلفاء الراشدين المهديين حتى كان ذلك سببا لسفك دمه رضوان الله عليه وحتى كان ذلك سببا لوقوع اختلاف الآراء، فكان ذلك مما لو هلكوا عليه لكان سبيل من هلك لعظمه ولما حل بالإسلام منه، ولكن الله ستر وتلافى وخلف نبيه في أمته من يحفظ دينهم عليهم ويبقى ذلك لهم ". 977 - " أكثر ما يدخل الناس الجنة تقوى الله وحسن الخلق وأكثر ما يدخل الناس النار الفم والفرج ". أخرجه الترمذي (1 / 361) وابن ماجه (4246) وأحمد (2 / 291 و 392، 442) من طريقين عن يزيد بن عبد الرحمن الأودي عن أبي هريرة قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال " فذكره. وقال الترمذي. " حديث صحيح غريب ". قلت. وإسناده حسن، فإن يزيد هذا وثقه ابن حبان والعجلي، وروى عنه جماعة. 978 - " ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع ". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (10 / 35) من طريق المقرئ عن أبي حنيفة عن يحيى بن أبي كثير عن مجاهد وعكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: " كذا رواه عبد الله بن يزيد المقرىء عن أبي حنيفة، وخالفه إبراهيم بن طهمان وعلي بن ظبيان والقاسم بن الحكم، فرووه عن أبي حنيفة عن ناصح بن عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن أبي

سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل عن يحيى عن أبي سلمة عن أبيه، والحديث مشهور بالإرسال ". قلت: ثم ساقه من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير يرويه قال: " ثلاث من كن فيه رأى وبالهن قبل موته - فذكرهن، وفي أخرهن - واليمين الفاجر تدعى الديار بلاقع ". قلت: وهذا متصل صحيح الإسناد. ثم روي من طريق أبي العلاء عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أعجل الخير ثوابا صلة الرحم وإن أعجل الشر عقوبة البغي واليمين الصبر الفاجرة تدع الديار بلاقع ". قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد. ورواية علي بن ظبيان وصلها القضاعي في " مسند الشهاب " (16 / 1) . ورواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبيه وصلها الخرائطي في " مكارم الأخلاق " ( ص 45) من طريق ابن علاثة عن هشام بن حسان عنه مرفوعا بلفظ: " إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم حتى إن أهل البيت ليكونون فجارا تنمى أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم ". وابن علاثة صدوق يخطىء كما في " التقريب "، لكن يبدو أنه لم ينفرد به، فقد قال المنذري في " الترغيب " (3 / 47) وقد ذكره بلفظ: " اليمين الفاجرة تذهب المال أو تذهب بالمال ": " رواه البزار وإسناده صحيح لو صح سماع أبي سلمة من أبيه عبد الرحمن بن عوف ". ونحوه في " المجمع " (4 / 179) . وللحديث طريق أخر عن أبي هريرة مرفوعا به أتم منه ولفظه:

" إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم وإن أهل البيت ليكونون فجارا، فتنموا أموالهم ويكثر عددهم إذا وصلوا أرحامهم وإن أعجل المعصية عقوبة البغي والخيانة واليمين الغموس يذهب المال ويثقل في الرحم ويذر الديار بلاقع ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 155 / 2 - من " زوائد المعجمين ": حدثنا أحمد - هو ابن عقال - حدثنا أبو جعفر هو النفيلي - حدثنا أبو الدهماء البصري - شيخ صدق - عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: وقال: " لم يروه عن محمد بن عمرو إلا أبو الدهماء، تفرد به النفيلي ". قلت: وهو ثقة لكن شيخه أبو الدهماء، وإن وثق في هذا السند، فقد قال الذهبي : " قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به ". ثم ساق له هذا الحديث من طريق النفيلي عنه. وأما الحافظ فقد قال في " التقريب ": " وهو مقبول ". وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 152) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه أبو الدهماء البصري وهو ضعيف جدا ". وقال في موضع آخر (8 / 180) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه أبو الدهماء البصري وثقه النفيلي، وضعفه ابن حبان ". قلت: لكن له شاهد من حديث أبي بكرة مضى ذكره تحت الحديث (918) . وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد صحيح ثابت، وللجملة الأخيرة منه شاهد آخر من حديث واثلة، بلفظ:

979

" اليمين الغموس تدع الديار بلاقع ". أخرجه خيثمة الأطرابلسي في " المنتخب من الفوائد " (1 / 189 / 1) والدولابي في " الكنى " (2 / 165) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (359 / 2) والخطيب في " تلخيص المتشابه " (13 / 147 / 1) عن عبد الحميد بن عبد العزيز السكوني (وقال بعضهم: اليشكري) عن عمرو بن قيس عن واثلة بن الأسقع مرفوعا. قلت: وعبد الحميد هذا لم أعرفه ولم يترجم له أحد حتى ولا ابن عساكر في " تاريخ دمشق "، وإنما ترجم لسمي له حمصي أيضا ولكنه دون هذا في الطبقة بكثير مات سنة (292) . وعمرو بن قيس وهو السكوني الحمصي ثقة تابعي. 979 - " بادروا بالأعمال خصالا ستا: إمرة السفهاء وكثرة الشرط وقطيعة الرحم وبيع الحكم واستخفافا بالدم ونشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم ولا أعلمهم ما يقدمونه إلا ليغنيهم ". أخرجه أحمد (3 / 494) وأبو عبيد في " فضائل القرآن " (ق 34 / 2) وأبو غرزة الحافظ في " مسند عابس " (2 / 1) وابن أبي الدنيا في " العقوبات " (78 / 1) عن شريك عن أبي اليقظان عن زاذان عن عليم قال: " كنت مع عابس الغفاري على سطح، فرأى قوما يتحملون من الطاعون، فقال: ما لهؤلاء يتحملون من الطاعون؟ ! يا طاعون خذني إليك (مرتين) ، فقال له ابن عم له ذو صحبة: لم تتمنى الموت وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا يتمنين أحدكم الموت

فإنه عند انقطاع عمله؟ فقال: فذكره مرفوعا. والسياق لأبي غرزة. ثم أخرجه من طريق ليث: حدثني عثمان عن زاذان به إلا أنه سقط من إسناده " عليم ". وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 80) معلقا من الوجهين. قلت: وهما ضعيفان، أبو اليقظان واسمه عثمان بن عمير، قال الحافظ: " ضعيف، واختلط وكان يدلس ". وفي الأول منهما شريك وهو ابن عبد الله القاضي، وفي الآخر: ليث وهو ابن أبي سليم وهما ضعيفان. لكن الحديث صحيح، فقد رواه الطبراني وابن شاهين من طريق موسى الجهني عن زاذان قال: " كنت مع رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عابس ... " فذكره نحوه . وكذا رواه أبو بكر بن علي من هذا الوجه مثله كما في " الإصابة ". ويشهد له حديث النهاس بن قهم أبو الخطاب عن شداد أبي عمار الشامي قال: قال عوف بن مالك : يا طاعون خذني إليك، قال: فقالوا: أليس قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما عمر المسلم كان خيرا له "؟ قال: بلى ولكني أخاف ستا ... " . فذكرها. أخرجه أحمد (6 / 22، 23) . والنهاس هذا ضعيف. وحديث جميل بن عبيد الطائي حدثنا أبو المعلى (عن الحسن) قال: قال الحكم بن عمرو الغفاري: يا طاعون خذني إليك الحديث نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 324 / 1 - 2) والحاكم (3 / 443) والزيادة له، وسكت عليه هو والذهبي.

980

وأبو المعلى لم أعرفه، وقد ذكر الدولابي في " الكنى " (2 / 124) من طريق حجاج بن نصير قال: حدثنا أبو المعلى زيد بن أبي ليلى السعدي عن الحسن عن معقل بن يسار ... فذكر قصة أخرى، فيحتمل أن يكون هو هذا ولكني لم أجد له ترجمة أيضا. وروى ابن شاهين من طريق القاسم عن أبي أمامة عن عابس صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الخصال الست. والحديث أشار إلى صحته الحافظ في ترجمة الحكم من " الإصابة " (1 / 346) ، وهو حري بذلك لطرقه التي ذكرنا. 980 - " لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم ". أخرجه مسلم (3 / 154) من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا. وقد عزاه المنذري في " الترغيب " (2 / 87) للنسائي أيضا ولم أجده في " سننه " الصغرى فلعله في " الكبرى " له. والشطر الثاني من الحديث قد جاء من طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه وهو الآتي بعده، إن شاء الله تعالى. وسبب الحديث ما رواه ابن سعد (4 / 85) بسند صحيح عن محمد ابن سيرين قال: " دخل سلمان على أبي الدرداء في يوم جمعة، فقيل له: هو نائم، قال: فقال: ما له؟ قالوا: إنه إذا كان ليلة الجمعة أحياها ويصوم يوم الجمعة، قال: فأمرهم فصنعوا طعاما في يوم جمعة ، ثم أتاهم فقال: كل، قال: إني صائم، فلم يزل به حتى أكل، ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا له ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عويمر! سلمان أعلم منك، وهو يضرب

981

على فخذ أبي الدرداء، عويمر! سلمان أعلم منك (ثلاث مرات) ". فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح. 981 - " لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم أو بعده يوم ". أخرجه الترمذي (1 / 143) وابن ماجه (1 / 526) وأحمد (2 / 495) من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه الترمذي. وقد جاء من طرق أخرى فانظر الذي قبله. و " إن يوم الجمعة يوم عيد ... " وهو مخرج في " الإرواء " رقم (94) . و " نهى عن صيام يوم الجمعة ". وسيأتي برقم (1012) . ومن طرقه ما أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 339) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله يوما أو بعده يوما " . وهذا إسناده حسن. وأخرجه أحمد (2 / 365 و 422 و 458 و 526) والطحاوي أيضا من طريق عبد الملك بن عمير عن زياد الحارثي عنه نحوه. وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة غير زياد الحارثي، قال في " التعجيل ". " قال شيخنا: لا أعرفه. قلت قد جزم الحسيني بأنه أبو الأوبر وهو معروف ولكنه مشهور بكنيته أكثر من اسمه، وقد سماه زيادا النسائي والدولابي وأبو أحمد الحاكم وغيرهم ووثقه ابن معين وابن حبان وصحح حديثه ".

982

قلت: وقد جاء مكنيا بهذه الكنية في بعض طرق الحديث في " المسند " مما يدل على أنه هو زياد الحارثي، فالسند صحيح. والله أعلم. ويأتي الحديث نحوه من طريق أخرى عن أبي هريرة (1012) . وله شاهد من حديث جنادة بن أبي أمية قال: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من الأزد يوم الجمعة، فدعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعام بين يديه، فقلنا: إنا صيام، فقال: صمتم أمس؟ قلنا: لا قال: أفتصومون غدا؟ قلنا: لا، قال: فأفطروا، ثم قال : " لا تصوموا يوم الجمعة مفردا ". أخرجه الحاكم (3 / 608) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه أن ابن إسحاق لم يخرج له مسلم إلا مقرونا، ثم هو مدلس وقد عنعنه. 982 - " نفقة الرجل على أهله يحتسبها صدقة ". أخرجه البخاري (5 / 17) والترمذي (1 / 356) وقال " حسن صحيح " وأحمد (5 / 273) عن أبي مسعود البدري مرفوعا. وليس عند الأولين (يحتسبها) . وهي زيادة صحيحة ثابتة عند الشيخين وغيرهما.

983

983 - " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات مات ميتة جاهلية ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقتل، فقتلة جاهلية ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه ". أخرجه مسلم (6 / 21) والنسائي (2 / 177) وأحمد (2 / 306 و 488) من حديث أبي هريرة مرفوعا. ولبعضه شاهد عن حديث جندب بن عبد الله البجلي مضى (433) بلفظ: " من قتل تحت راية عمية " ... 984 - " من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ". أخرجه مسلم (6 / 22) من حديث ابن عمر. وأخرجه الحاكم (1 / 77 و 117) بلفظ: " من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمامة وجماعة فإن موتته موتة جاهلية ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". وافقه الذهبي. 985 - " يا أيها الناس إن هذا من غنائمكم، أدوا الخيط والمخيط، فما فوق ذلك، فما دون ذلك، فإن الغلول عار على أهله يوم القيامة وشنار ونار ".

أخرجه ابن ماجه (2 / 197) عن أبي سنان عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد عن عبادة بن الصامت قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين إلى جنب بعير من المقاسم، ثم تناول شيئا من البعير فأخذ منه قردة - يعني وبرة - فجعل بين إصبعيه ثم قال: " فذكره. ورجاله ثقات غير عيسى بن سنان وهو مختلف فيه قال في " الميزان ": ضعفه أحمد وابن معين وهو ممن يكتب حديثه على لينه وقواه بعضهم يسيرا، وقال العجلي: لا بأس به، وقال أبو حاتم، ليس بالقوي ". وفي " التقريب ": " لين الحديث ". قلت: لكنه يتقوى بورود الحديث من طريق أخرى عن عبادة بلفظ: " يا أيها الناس إنه لا يحل لي مما أفاء الله عليكم قدر هذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط وإياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة وعليكم بالجهاد في سبيل الله، فإنه بابا من أبواب الجنة يذهب الله به الهم والغم. وكان يكره {الأنفال} ويقول: ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم ". أخرجه ابن حبان (1693) والحاكم (3 / 49) (5 / 318، 319، 324) مفرقا من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن سليمان بن موسى الأشدق عن مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وبرة من جنب بعير ثم قال " فذكره. وروى منه النسائي (2 / 178 ) الجملة الأولى، والدارمي (2 / 229، 230) الثانية والثالثة والأخيرة بهذا الإسناد.

وهو إسناد حسن رجاله كلهم ثقات وفي عبد الرحمن بن الحارث وشيخه سليمان بن موسى الأشدق كلام لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن، لاسيما وقد جاء من طرق هذه إحداها. والثاني عن يعلى بن شداد عن عبادة وهو الذي قبله. والثالث عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ويحيى ابن أبي كثير عن أبي سلام به بلفظ أتم منه وسيأتي (1972) بلفظ: " إن هذه من غنائمكم ". وقد روى أبو سلام هذه القصة عن عمرو بن عبسة أيضا قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعير، فلما أسلم أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال: ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم "! أخرجه أبو داود (1 / 433) : حدثنا الوليد بن عتبة حدثنا الوليد حدثنا عبد الله بن العلاء أنه سمع أبا سلام بن الأسود قال: سمعت عمرو بن عبسة. وهذا سند صحيح رجاله رجال الصحيح غير الوليد بن عتبة وهو ثقة. وشيخه الوليد هو ابن مسلم. ولأبي سلام فيه إسناد آخر، قال الدولابي في " الكنى " (2 / 163) : أخبرني أحمد بن شعيب عن محمد بن وهب قال: حدثنا محمد بن سلمة قال: حدثني أبو عبد الرحيم، قال: حدثني منصور الخولاني عن أبي يزيد غيلان عن أبي سلام عن المقدام بن كعب (بياض ) معد يكرب عن الحارث ابن معاوية عن عبادة بن الصامت: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إلى بعير من القسم، فلما فرغ أخذ قردة بين إصبعيه وهي وبرة فقال: " ألا إن هذه من غنائكم وليس لي منها إلا الخمس والخمس مردود عليكم " .

986

هكذا وقع إسناده في الأصل: بياض بين كعب ومعد ولعل الصواب: المقدام بن معد يكرب فقد أورد الحديث الحافظ في " الإصابة " وقال: " قال: أبو نعيم: " رواه أبو سلام عن المقدام الكندي فقال: الحارث بن معاوية الكندي ". والمقدام الكندي هو ابن معد يكرب وهو صحابي مشهور، وأما الحارث هذا فقد اختلفوا في صحبته واستظهر الحافظ في " التعجيل " أنه من المخضرمين. وذكر نحوه في " الإصابة ". وغيلان هو ابن أنس قال في " التقريب ": " مقبول ". وبقية الرجال ثقات غير منصور الخولاني فلم أجد له ترجمة. 986 - " خير الصحابة أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا يغلب اثنا عشر ألفا من قلة ". أخرجه أبو داود (1 / 407) والترمذي (1 / 294) وابن خزيمة في " صحيحه " ( 1 / 255 / 1) وابن حبان (1663) والحاكم (1 / 443 و 2 / 101) وأحمد (1 / 294) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (73 / 1) ومحمد بن مخلد في " المنتقى من حديثه " (2 / 3 / 2) والضياء في " المختارة " (62 / 292 / 2) من طريق وهب بن جرير حدثنا أبي سمعت يونس عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لخلاف بين الناقلين فيه عن الزهري ".

وكذا قال الذهبي. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم وإنما روي هذا الحديث عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وقد رواه حبان ابن علي العنزي عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه الليث بن سعد عن عقيل عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ". قلت: جرير بن حازم ثقة احتج به الشيخان وقد وصله وهي زيادة يجب قبولها ولا يضره رواية من قصر به على الزهري ولذلك قال ابن القطان كما في الفيض: " هذا ليس بعلة فالأقرب صحته ". وقد تابعه حبان بن علي العنزي على وصله، كما ذكره الترمذي. ووصله لوين في " حديثه " (ق 2 / 2) : حدثنا حبان بن علي به. وهكذا وصله ابن عدي (108 / 1) من طريق أخرى عنه. وأخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 238) من طريق النسائي عنه. وأخرجه الدارمي (2 / 215) هكذا: حدثنا محمد بن الصلت حدثنا حبان ابن علي عن يونس وعقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس مرفوعا به نحوه بلفظ: " وما بلغ اثني عشر ألفا فصبروا وصدقوا فغلبوا من قلة ".

ورجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير حبان بن علي وهو ضعيف لكنه لم يترك كما قال الذهبي، فمثله يستشهد به. ورواية الليث التي علقها الترمذي عن عقيل عن الزهري مرسلا وصلها الطحاوي من طريق ابن صالح عنه. وابن صالح اسمه عبد الله كاتب الليث وفيه ضعف فلا يحتج به عند التفرد فكيف عند المخالفة؟

987

987 - " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، فقلت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث ". أخرجه البخاري (13 / 9 - 10، 91 - 92) ومسلم (8 / 165 - 166) وابن حبان (1906) عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:

988

" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فزعا محمرا وجهه يقول ": فذكره. 988 - " لا تجني نفس على أخرى ". أخرجه ابن ماجه (2 / 148) : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل حدثنا عمرو بن عاصم حدثنا أبو العوام القطان عن محمد بن جحادة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك مرفوعا. قال في " الزوائد ": " إسناده صحيح، محمد بن عبد الله ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال النسائي: لا بأس به، وأبو العوام القطان اسمه عمران بن داور وثقه الجمهور وباقي رجال الإسناد على شرط الشيخين " . قلت: عمران متكلم فيه من جهة حفظه، وفي التقريب: " صدوق يهم "، فحديثه لا يبلغ درجة الصحيح، بل هو حسن فقط. غير أن حديثه هذا صحيح، لأن له شاهدا من حديث الأشعث بن سليم عن أبيه عن رجل من بني ثعلبة بن يربوع مرفوعا بهذا اللفظ. أخرجه النسائي (2 / 251) وأحمد (5 / 377) وسنده صحيح رجاله رجال الشيخين. وله شاهد آخر بلفظ: " ألا لا يجني جان إلا على نفسه ... " وسيأتي إن شاء الله تعالى برقم (1974) . وشاهد ثالث وهو: " لا تجني أم على ولد، لا تجني أم على ولد ".

989

989 - " لا تجني أم على ولد لا تجني أم على ولد ". أخرجه النسائي (2 / 251) وابن ماجه (2 / 147) وابن حبان (1683) والحاكم (2 / 611 - 612) وصححه عن يزيد بن زياد ابن أبي الجعد عن جامع بن شداد عن طارق المحاربي مرفوعا به. وهذا سند صحيح، ويزيد هذا ثقة. والحديث رواه أبو يعلى أيضا وأبو نعيم كما في المنتخب (2 / 518) . 990 - " لا تجني عليه ولا يجني عليك ". أخرجه ابن ماجه (2 / 147 - 148) وأحمد (4 / 344 - 345، 5 / 81) عن هشيم أنبأنا يونس بن عبيد عن حصين بن أبي الحر عن الخشخاش العنبري قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ابن لي قال: فقال: ابنك هذا؟ قال: قلت: نعم، قال: " فذكره. قال في " الزوائد ": " إسناده كلهم ثقات إلا أن هشيما كان يدلس ". قلت: ولكنه قد صرح بسماعه كما في هذه الرواية وهي لأحمد، فالإسناد صحيح ولفظه على القلب: " لا يجني عليك ولا تجني عليه ". والحديث رواه أيضا أبو يعلى والبغوي وابن قانع وابن منده والطبراني في " الكبير " وسعيد بن منصور في " سننه " كما في " المنتخب " (6 / 126) . وله شاهد من حديث أبي رمثة وهو مخرج في " إرواء الغليل " (2362) . 991 - " من أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغض الأنصار أبغضه الله ". أخرجه ابن ماجه (1 / 70) من حديث البراء بن عازب وسنده صحيح على شرط الشيخين.

وقد أخرجاه في حديث: " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ". وسيأتي بإذن الله (1975) . وقد ورد بهذا اللفظ تماما من حديث أبي هريرة. أخرجه أحمد (2 / 501 و 527) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. وهذا إسناد حسن، وقال الهيثمي (10 / 39) : " رواه أبو يعلى وإسناده جيد، ورواه البزار وفيه محمد بن عمرو وهو حسن الحديث، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وكأنه ذهل عن كونه في " المسند " من هذا الوجه وإلا لعزاه له قبل أولئك. وورد من حديث الحارث بن زياد مرفوعا. أخرجه ابن حبان (2291) . ومن حديث معاوية بن أبي سفيان. أخرجه أحمد أيضا (4 / 100) عن الحكم بن ميناء عن يزيد بن جارية عنه. وهذا إسناد محتمل للتحسين أو هو حسن لغيره. وقال الهيثمي: " رواه أحمد وأبو يعلى قال: مثله والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجال أحمد رجال الصحيح ". كذا قال: وليس بصحيح، فإن يزيد بن جارية هذا لم يرو له من الستة إلا النسائي، ووثقه لكن وقع في كتاب الهيثمي: " عن زيد بن ثابت " بدل: " يزيد بن جارية " فلا أدري آلوهم منه أو من بعض النساخ. وورد الحديث بلفظ: " من أحب الأنصار فبحبي أحبهم ومن أبغض الأنصار فببغضي أبغضهم ". رواه الطبراني من حديث أبي هريرة. قال في " مجمع الزوائد " (10 / 39) :

992

" ورجاله رجال الصحيح، غير أحمد بن حاتم وهو ثقة، ورواه الطبراني أيضا عن معاوية بهذا اللفظ، ورجاله رجال الصحيح غير النعمان بن مرة وهو ثقة ". قلت: وهو في " المعجم الصغير " (ص 241 - 244) في حديث طويل عن وائل بن حجر أنه قال لمعاوية: فكيف تصنع بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وفيه ضعف وجهالة. 992 - " كان إذا بعث أحدا من أصحابه في بعض أمره قال: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا ". أخرجه مسلم (5 / 141) وأبو داود (2 / 293) من طريق أبي أسامة عن بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا. الحديث. وسيأتي في " يسروا ولا تعسروا ... " برقم (1151) . 993 - " الطيرة من الدار والمرأة والفرس ". أخرجه أحمد (6 / 150، 240، 246) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 341) عن قتادة عن أبي حسان قال: " دخل رجلان من بني عامر على عائشة، فأخبراها أن أبا هريرة يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فذكره) فغضبت، فطارت شقة منها في السماء وشقة في الأرض، وقالت: والذي أنزل الفرقان على محمد ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، إنما قال: كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك ". وفي رواية لأحمد: " ولكن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: كان أهل الجاهلية يقولون: الطيرة في المرأة والدار والدابة، ثم قرأت عائشة (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب) إلى آخر الآية ". وأخرجها الحاكم (2 / 479) وقال:

" صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، بل هو على شرط مسلم، فإن أبا حسان هذا قال الزركشي في " الإجابة " (ص 128) : " اسمه مسلم الأجرد، يروي عن ابن عباس وعائشة ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم. ورواه ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح " (6 / 46) . ويشهد له ما أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1537) : حدثنا محمد بن راشد عن مكحول قيل لعائشة: إن أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الشؤم في ثلاث: في الدار والمرأة والفرس. فقالت عائشة: لم يحفظ أبو هريرة لأنه دخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قاتل الله اليهود يقولون : إن الشؤم في الدار والمرأة والفرس، فسمع آخر الحديث، ولم يسمع أوله ". وإسناده حسن لولا الانقطاع بين مكحول وعائشة، لكن لا بأس به في المتابعات والشواهد، إن كان الرجل الساقط من بينهما هو شخص ثالث غير العامريين المتقدمين . هذا ولعل الخطأ الذي أنكرته السيدة عائشة هو من الراوي عن أبي هريرة، وليس أبا هريرة نفسه، فقد روى أحمد (2 / 289) من طريق أبي معشر عن محمد بن قيس قال: " سئل أبو هريرة: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطيرة في ثلاث في المسكن والفرس والمرأة؟ قال: كنت إذن أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما لم يقل ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) يقول: أصدق الطيرة الفأل والعين حق ". وأبو معشر فيه ضعف.

وقد وجدت لحديث الترجمة شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " الطيرة في المرأة والدار والفرس ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 381) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 192 / 2) من طرق عن محمد بن جعفر عن عتبة بن مسلم عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، لكنه شاذ بهذا الاختصار، فقد خالفه سليمان بن بلال: حدثني عتبة بن مسلم بلفظ : " إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس.. " الحديث. أخرجه مسلم (7 / 34) والطحاوي. قلت: فزادا في أوله. " إن كان الشؤم في شيء ". وهي زيادة من ثقة فيجب قبولها، لاسيما وقد جاءت من طريق أخرى عن ابن عمر عند البخاري ولها شواهد كثيرة منها عن سهل بن سعد وجابر وقد خرجتها فيما تقدم (799) . ومنها عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " لا طيرة، وإن كانت الطيرة في شيء ففي المرأة .... ". أخرجه الطحاوي من طريق يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق أن سعيد بن المسيب حدثه قال: " سألت سعدا عن الطيرة. فانتهرني (زاد في رواية: فقال : من حدثك؟ فكرهت أن أحدثه) وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره.

وإسناده جيد، فقد ذكر له شاهدا من رواية ابن أبي ليلى عن عطية عن أبي سعيد به. وآخر من حديث أنس وسنده حسن. ونحوه حديث صخر أو حكيم بن معاوية مرفوعا بلفظ: " لا شؤم، وقد يكون اليمن في ثلاثة: في المرأة، والفرس، والدار ". وهو صحيح الإسناد كما بينته فيما سيأتي (1930) . وجملة القول أن الحديث اختلف الرواة في لفظه، فمنهم من رواه كما في الترجمة، ومنهم من زاد عليه في أوله ما يدل على أنه لا طيرة أو شؤم (وهما بمعنى واحد كما قال العلماء) ، وعليه الأكثرون، فروايتهم هي الراجحة، لأن معهم زيادة علم، فيجب قبولها، وقد تأيد ذلك بحديث عائشة الذي فيه أن أهل الجاهلية هم الذين كانوا يقولون ذلك، وقد قال الزركشي في " الإجابة " (ص 128) : " قال بعض الأئمة: ورواية عائشة في هذا أشبه بالصواب إن شاء الله تعالى ( يعنى من حديث أبي هريرة) لموافقته نهيه عليه الصلاة والسلام عن الطيرة نهيا عاما، وكراهتها وترغيبه في تركها بقوله: " يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب ، وهم الذين لا يكتوون (الأصل لا يكنزون) ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون ". قلت: وقد أشار بقوله: " بعض الأئمة " إلى الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى. فقد ذهب إلى ترجيح حديث عائشة المذكور في " مشكل الآثار "، ونحوه في " شرح المعاني " وبه ختم بحثه في هذا الموضوع، وقال في حديث سعد وما في معناه: " ففي هذا الحديث ما يدل على غير ما دل عليه ما قبله من الحديث، (يعني حديث ابن عمر برواية عتبة بن مسلم وما في معناه عن ابن عمر) ، وذلك أن سعدا أنتهر سعيدا حين ذكر له الطيرة، وأخبره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا طيرة، ثم قال: إن تكن الطيرة في شيء ففي المرأة والفرس والدار، فلم يخبر أنها فيهن، وإنما قال: إن تكن في شيء

994

ففيهن، أي: لو كانت تكون في شيء لكانت في هؤلاء، فإذ لم تكن في هؤلاء الثلاث فليست في شيء ". 994 - " إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق ". أخرجه الترمذي (1 / 228) والدارمي (2 / 247) وابن ماجه (2 / 5) وابن حبان (1095) والحاكم (2 / 6) من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن أبيه عن جده: " أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون، فقال: يا معشر التجار! فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه فقال " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي مع أنه قال في ترجمة إسماعيل هذا: " ما علمت روى عنه سوى عبد الله بن عثمان بن خثيم ولكن صحح هذا الترمذي ". وفي التقريب: إنه مقبول. وللحديث شاهد يرتقي به إلى درجة الحسن إن شاء الله ولفظه: " إن التجار هم الفجار. قالوا: يا رسول الله: أليس قد أحل الله البيع؟ قال بلى ولكنهم يحلفون فيأثمون ويحدثون فيكذبون ".

995

وقد مضى تخريجه برقم (365) فراجعه. 995 - " إن أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر تعلق بشجر الجنة ". رواه ابن ماجه (1449) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 210 / 1) وابن منده في " المعرفة " (2 / 363 / 1) عن محمد بن إسحاق عن الحارث بن فضيل عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال: " لما حضر كعبا الوفاة دخلت عليه أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: يا أبا عبد الرحمن إن لقيت ابني فأقرأه مني السلام، فقال: يغفر الله لك يا أم مبشر نحن أشغل من ذلك فقالت: يا أبا عبد الرحمن أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فذكره) قال: بلى، قالت: فهو ذلك ". قلت: وهذا سند ضعيف، رجاله ثقات وإنما علته ابن إسحاق فقد كان يدلس والظاهر أنه تلقاه عن بعض الضعفاء ثم أسقطه، فقد رواه معمر الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: " قالت أم مبشر لكعب بن مالك وهو شاك: اقرأ على ابني السلام - تعني مبشرا - فقال: يغفر الله لك يا أم مبشر أو لم تسمعي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما نسمة المسلم طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعها الله عز وجل إلى جسده يوم القيامة! قالت: صدقت، فأستغفر الله ". أخرجه أحمد (3 / 455) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وفيه مخالفة لما روى ابن إسحاق، فإن قولها " صدقت، فأستغفر الله " صريح في أن كعبا أقام الحجة عليها بخلاف رواية ابن إسحاق فإنها على العكس من ذلك، كما هو

996

ظاهر. ومتن الحديث دون القصة أخرجه مالك في " الموطأ " (1 / 240 / 49) وعنه النسائي (1 / 292) وابن ماجه (4271) وأحمد (3 / 455) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 156) كلهم عن مالك عن الزهري به نحوه. وتابعه صالح ويونس عن ابن شهاب. رواه أحمد (3 / 455) . وتابعه أيضا سفيان بن عينية. رواه أحمد (6 / 386) والترمذي (1 / 309) وقال: " حديث حسن صحيح ". وتابعه الليث بن سعد. عند ابن حبان في " صحيحه " (734) ، وكلهم قالوا: " المسلم " أو " المؤمن " إلا سفيان، فإنه قال: " الشهداء "، فروايته شاذة والله أعلم. 996 - " قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون ". رواه الضياء في " المختارة " (1 / 434) من طريق الطيالسي وهذا في " المسند " (623) : حدثنا ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران قال: حدثني عمير مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال: " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة فرأى صورا، قال: فدعا بدلو من ماء، فأتيته به، فجعل يمحوها ويقول: فذكره. ث

م رواه من طريق خالد بن يزيد العمري أنبأنا ابن أبي ذئب به، ثم قال: " لم نعتمد في رواية هذا الحديث على خالد العمري بل على رواية أبي داود ". قلت: لكن شيخه ابن مهران وهو المديني مولى بني هاشم مجهول كما قال الحافظ في " التقريب ". ثم رواه (1 / 437 - 438) من طريق أحمد بن عبد الرحمن أنبأنا عمي ابن وهب حدثني ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن كريب مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد به وقال: " أحمد بن عبد الرحمن متكلم فيه، وقد أخرج له مسلم في " صحيحه " وتقدم هذا الحديث في رواية عمير مولى ابن عباس ". قلت: فالحديث بمجموع الطريقين ثابت إن شاء الله تعالى، ولاسيما وفي لعن المصورين وأنهم أشد الناس عذابا أحاديث كثيرة، بعضها في " الصحيحين " وقد مضى بعضها (364) .

997

997 - " إنما تضرب أكباد المطي إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 306 / 1) : حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح عن زيد بن أسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري: " أن أبا بصرة جميل بن بصرة لقي أبا هريرة وهو مقبل من (الطور) ، فقال: لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " : فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وهو على شرط الشيخين إن كان محمد بن المنهال هذا هو التميمي الحافظ، وفي طبقته محمد بن المنهال البصري الأنماطي أخو الحجاج وهو ثقة اتفاقا وكلاهما يروي عن يزيد بن زريع وعنهما أبو يعلى. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن أبي هريرة بلفظ " لا تشد الرحال " وقد خرجتها في " إرواء الغليل " (رقم 951) ، وإنما خرجته هنا لهذه الزيادة التي فيها إنكار أبي بصرة على أبي هريرة رضي الله عنهما سفره إلى الطور، ولها طرق أخرى أوردتها هناك، فلما وقفت على هذه الطريق أحببت أن أقيدها هنا، وقد فاتتني ثم. وفي هذه الزيادة فائدة هامة، وهي أن راوي الحديث وهو الصحابي الجليل أبو بصرة رضي الله عنه قد فهم من النبي صلى الله عليه وسلم أن النهي يشمل غير المساجد الثلاثة من المواطن الفاضلة كالطور وهو جبل كلم الله عليه موسى تكليما ولذلك أنكر على أبي هريرة سفره إليه، وقال: " لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته " وأقره على ذلك أبو هريرة ولم

998

يقل له كما يقول بعض المتأخرين : " الاستثناء مفرغ، والمعنى: لا تسافر لمسجد للصلاة فيه إلا لهذه الثلاثة " ! بل المراد: لا يسافر إلى موضع من المواضع الفاضلة التي تقصد لذاتها ابتغاء بركتها وفضل العبادة فيها إلا إلى ثلاثة مساجد. وهذا هو الذي يدل عليه فهم الصحابين المذكورين، وثبت مثله عن ابن عمر رضي الله عنه كما بينته في كتابي " أحكام الجنائز وبدعها " وهو الذي اختاره جماعة من العلماء كالقاضي عياض، والإمام الجويني والقاضي حسين، فقالوا: " يحرم شد الرحل لغير المساجد الثلاثة كقبور الصالحين والمواضع الفاضلة ". ذكره المناوي في " الفيض ". فليس هو رأي ابن تيمية وحده كما يظن بعض الجهلة وإن كان له فضل الدعوة إليه، والانتصار له بالسنة وأقوال السلف بما لا يعرف له مثيل، فجزاه الله عنا خير الجزاء. فهل آن للغافلين أن يعودوا إلى رشدهم ويتبعوا السلف في عبادتهم وأن ينتهوا عن اتهام الأبرياء بما ليس فيهم؟ . 998 - " أوثق عري الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله ". رواه الطبراني (3 / 125 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 429 - مكتب) عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " أي عرى الإيمان أظنه قال -: أوثق؟ قال الله ورسوله أعلم، قال: الموالاة ... ".

قلت: وهذا سند ضعيف جدا، حنش هذا متروك كما في " التقريب " وغيره. (وانظر تعليقي على " المشكاة " (2 / 609 / 49) . لكن للحديث شواهد عدة يتقوى بها. الأول: عن البراء بن عازب، يرويه ليث عن عمرو بن مرة عن معاوية بن سويد بن مقرن عنه مرفوعا به دون الموالاة والمعاداة. أخرجه الطيالسي (2 / 48 / 2110) وأحمد (4 / 286) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 187 / 2) . ورجاله ثقات غير ليث وهو ابن أبي سليم ضعيف. الثاني: عن عبد الله بن مسعود، وله عنه طريقان: الأولى: يرويه الصعق بن حزن قال: حدثني عقيل الجعد عن أبي إسحاق عن سويد بن غفلة عنه. أخرجه الطيالسي (378 - مسنده) وابن أبي شيبة (12 / 189 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 81 / 2) وفي " الصغير " (ص 130) والحاكم (2 / 480) وقال : " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ليس بصحيح، فإن الصعق وإن كان موثقا، فإن شيخه منكر الحديث. قاله البخاري ". والأخرى. من رواية هشام بن عمار حدثنا الوليد بن مسلم حدثني بكير ابن معروف عن مقاتل بن حيان عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن ابن مسعود به نحوه. أخرجه الطبراني (3 / 74 / 2) .

999

قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، ورجاله ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر فيها. 999 - " إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلقها وذهب بمهرها ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته وآخر يقتل دابة عبثا ". رواه الحاكم (2 / 182) من طريق ابن خزيمة أبي بكر محمد بن إسحاق الإمام المشهور: حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث العنبري: حدثني أبي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن محمد بن سيرين عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "، ووافقه الذهبي. قلت: وليس كما قالا، فإن عبد الوارث بن عبد الصمد ليس من رجال البخاري وإنما هو من رواة مسلم. ثم إن عبد الرحمن بن عبد الله وإن روى له البخاري فهو متكلم فيه، وقال الذهبي في " الميزان ": إنه صالح الحديث وقد وثق وفي التقريب: " صدوق يخطىء ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى.

1000

1000 - " إن الله مع الدائن (أي المديون) حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله ". أخرجه الدارمي (2 / 263) وابن ماجه (2 / 75) والحاكم (2 / 23) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 204) وابن عساكر (9 / 36 / 1) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: حدثنا سعيد بن سفيان مولى الأسلميين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... وزادوا إلا الحاكم: " قال: وكان عبد الله بن جعفر يقول لخازنه: اذهب فخذ لي بدين فإني أكره أن أبيت ليلة إلا والله معي، بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي . وقال في الزوائد: " إسناده صحيح ". وقال المنذري (3 / 36) : " إسناده حسن ": كذا قالوا! ورجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سفيان قال الذهبي في " الميزان ": " لا يكاد يعرف، قواه ابن حبان

" وقال الحافظ في التقريب ". " مقبول ". أي عند المتابعة. ولم أقف له على متابع بهذا المتن أو السند، وإن كان له شواهد، فهو لذلك صحيح المعنى، فانظر الحديث الآتي (1029) بلفظ: " من أخذ دينا.... ".

الاستدراكات 1- 508- (يا نعايا العرب..) . ثم وجدت له شاهدًا قويًا موقوفًا، أخرجه الحسين المروزي في "زوائد الزهد" (393/1114) قال: أخبرنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن محمود بن الربيع عن شداد بن أوس أنه قال حين حضرته الوفاة: فذكره، وتابعه صالح بن كيسان عن الزهري به. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/333/6829) . وهذا إسناد صحيح، وهو أصح من المرفوع، وقد أشار إلى ذلك ابن أبي حاتم في "العلل" (2/124/1864) عن أبيه. ولعله من الممكن أن يقال: إنه في حكم المرفوع، وبخاصة أن شدادًا قاله في حضرة وفاته. والمرفوع عزاه الحافظ في "المطالب العالية" لأبي يعلى من الطريق المتقدمة هناك عن عم عباد بن تميم به. وليس هو في "مسند أبي يعلى" المطبوع، ولا عزاه إليه الهيثمي في "مجمعه"، فهو إذن في "مسند أبي يعلى الكبير". ومن هذه الطريق أخرجه البيهقي في "الشعب" (5/332/6824) . ثم رواه (6825) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن جوتي: نا عبد الملك بن عبد الرحمن الذَّماري: نا سفيان الثوري عن ابن أبي ذئب عن الزهري به.

واسحاق هذا من شيوخ الطبراني، وهو منكر الحديث كما قال ابن عدي رحمه الله تعالى. 2- 528- (لا تَلعن الريحَ، فإنها مأمورةٌ..) . لقد أشكل على بعض الطلبة تصحيح هذا الحديث من الحفاظ المذكورين هناك، مع قول شعبة: "لم يسمع قتادة من أبي العالية إلا ثلاثة أحاديث.." فذكرها، وليس هذا منها. وجوابًا عليه أقول: إن هذا الحصر غير مسلم به عند العلماء؛ لأنه يخالف الواقع، فقد سمع منه حديثين آخرين: أحدهما: رؤيته - صلى الله عليه وسلم - موسى عليه السلام ليلة المعراج؛ عند البخاري (3396) ومسلم (1/105) . والآخر: دعاء الكرب، وهو في "الصحيحين" أيضًا، وصرح فيه بالتحديث في رواية لمسلم (8/85) وأحمد (1/339) . وراجع "تهذيب التهذيب" و"فتح الباري" (11/145-146) . 3- 548- (لعن الله العقرب لا تدع مصليًا..) . ثم رأيت الحديث في "مصنف ابن أبي شيبة" المطبوع في الهند (ج 10/418/9850) مرسلًا كما كنت نقلته عن مخطوطة الظاهرية، لكن محقق المطبوعة زاد في السند بين معكوفتين: [عن علي] . وأحال فيها على تعليق له على الحديث نفسه تقدم (ج 7/40/3604) ، وذكر هناك أن الزيادة وردت في "الكنز/كتاب الطب" برمز (ش) وغيره عن علي. فرجعت إلى "الكنز" فوجدته في المجلد العاشر صفحة (107 حديث 28544) عزاه لـ (ش، هب، والمستغفري في "الدعوات" وأبو نعيم في "الطب" عن علي) . وفي مكان آخر قريب (109/28548) عزاه لـ (طس وابن مردويه وأبو نعيم

في "الطب" عنه) . ثم رأيته قد ذكره في "كتاب القصاص" (ج 15/45/40015) عزاه مختصرًا دون القصة لـ (هب) عنه. وبناء عليه؛ كان لا بد لي من التحقيق في صحة نسبة هذه الزيادة إلى ابن أبي شيبة أولًا، ثم صحة ثبوتها عن عبد الرحيم بن سليمان ثانيًا، فرأيت الحديث في "كتاب الطب" لأبي نعيم (ق 97/2) و"شعب الإيمان" للبيهقي (2/518/2575) أخرجاه من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا عمي أبو بكر: ثنا عبد الرحيم بن سليمان بزيادة: "عن علي". فانكشف لي أن هذه الزيادة لا تصح عنهما؛ لأن محمد بن عثمان بن أبي شيبة -وهو ابن أخي أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة مؤلف "المصنف"- مع كونه من الحفاظ؛ فقد اختلف فيه اختلافًا شديدًا، فمن موثق، وقائل: "لا بأس به"، ومن مكذب له، وقائل: "كان يضع الحديث"! وله ترجمة مبسطة في "الميزان" و"اللسان" و"سير الأعلام" (14/21-23) ، وقد أورده الذهبي في "الضعفاء" وقال: "حافظ، وثقه جزرة، وكذبه عبد الله بن أحمد". قلت: وهو إلى هذا قد خالف الإِمام الحافظ الثقة الأجل بقي بن مخلد راوي "المصنف" عن ابن أبي شيبة، ولذلك فزيادته عليه منكرة لا تصح، فبقي الحديث عن ابن الحنفية مرسلًا، يتقوى بمسند ابن مسعود المخرج هناك، وبالله تعالى التوفيق. 4- 704- (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام..) . يلحق بآخر البحث الوارد تحته المتعلق برد السلام على الذمي ما يأتي: ثم قرأ علي أحد إخواننا من كتاب "أحكام أهل الذمة" لابن قيم الجوزية (1/ 199-200) ما يوافق تمامًا هذا الذي قلته من الرد على أهل الكتاب بالشرط المذكور، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

5- 717- (كان إذا اعتم سدل..) . يلحق بالصفحة (335) بعد السطر (15) : وقد خالفهما أبو أسامة فقال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع قال: كان ابن عمر يعتم ويرخيها بين كتفيه. قال عبيد الله: أخبرنا أشياخنا أنهم رأوا أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتمون ويرخونها بين أكتافهم. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/427/5028) ، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (رقم 6249) بسند صحيح. 6- 764- (إن آل أبي فلان..) . يُلحق بآخر التخريج: ثم وجدت لمحمد بن عبد الواحد متابعًا آخر عند أبي عوانة في "صحيحه" (1/96) من طريقين عن أبي العاصي -من ولد سعيد بن العاص- قال: حدثني عنبسة بن عبد الواحد به. لكنّ أبا العاصي هذا لم أعرفه، ولم يذكره الذهبي في كتابه "المقتنى في الكنى"، إلا أنني أخشى أن تكون هي كنية محمد بن عبد الواحد نفسه، فإن عبد الواحد هو من ولد سعيد بن العاص؛ فإنه عنبسة بن عبد الواحد بن أمية بن عبد الله ابن سعيد بن العاص الأموي، فإذا كان هو نفسه لم يصلح أن يكون متابعًا كما هو ظاهر، ولكن هل يخرج من الجهالة بإخراج أبي عوانة له في "صحيحه؟ " موضع نظر. والله أعلم. إلا أن الزيادة التي جاء بها -وحاول تضعيفها- هي صحيحة؛ لأن لها شاهدًا من حديث أبى هريرة، رواه مسلم وغيره، وسيأتي تخريجه في هذه السلسلة برقم (3177) .

وقد تغافل عنه الأخ حسان عبد المنان في تعليقه على ما طبع هو من كتاب "رياض الصالحين" للنووي، معللًا إياها بالجهالة المذكورة؛ مقتبسًا إياها من تخريجي المتقدم للحديث دون أن يشير إلى ذلك كما هي عادته، ودون أن يستدرك عليّ ما به تتقوى الزيادة كهذا الشاهد؛ لأن همه تكثير سواد الأحاديث الضعيفة وانتقاد من صححها؛ متشبثًا بما قد يبدو له من علة، ومعرضًا عما قد يقويها من المتابعات والشواهد كما هو الشأن في هذه الزيادة، وهذا أمر ظاهر جلي في "ضعيفته" التي طبعها في آخر طبعته لـ "الرياض"، فقد ضعف فيها عشرات الأحاديث الصحيحة، بعضها في " الصحيحين " أو أحدهما كهذا، والغريب أن الشاهد المذكور هو في طبعته من " الرياض " قبيل هذا الحديث! فهل تعامى عنه قصدًا تظاهرًا بالتحقيق؛ أم كان ذلك عن سهو منه؟ لقد كان المفروض أن نحسن الظن به، ولكن تصرفه السيىء في " ضعيفته " منعنا من ذلك، فقد رأيته ضعف فيها كثيرًا من أحاديث "مسلم" بمثل هذا التعامي، فقد انتقد فيها (558/116) تصحيحي لحديث جابر: "وجنبوه السواد" في "غاية المرام"، فأعله هو -محقًا- بعنعنة أبي الزبير، وأسكنه تعامى أيضًا عن شاهده من حديث أنس الذي أشرت إليه هناك، وقلت فيه: "وهو مخرج في "الأحاديث الصحيحة" (496) "! وانظر الاستدراك الآتي (11 و13) فهناك ترى أحاديث أخرى صحيحة ضعفها، وبعضها في "صحيح مسلم" أيضًا! 7- 808- (بعثت في نسم الساعة) . ثم وقفت على خلافٍ وقع في إسناد الحديث، وذلك على وجهين: الأول: في اسم راوي الحديث عن أبي جبيرة، فسماه ابن عيينة -كما تقدم هناك- قيس بن أبي حازم. وخالفه المسعودي فقال: عن إسماعيل عن الشعبي عن أبي جبيرة.

أخرجه ابن جرير الطبري في "تاريخه" (1/8) . لكن المسعودي -واسمه عبد الرحمن بن عبد الله- كان اختلط. وخالفهما مروان بن معاوية فقال: عن إسماعيل عن شبيل بن عوف عن أبي جبيرة. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/390-391) من طريق يعقوب ابن حميد: ثنا مروان.. وقال الهيثمي (10/390) : "رواه الطبراني بإسناد حسن". قلت: وهو كما قال للخلاف المعروف في يعقوب هذا. وأشار إلى ذلك الحافظ فقال في " التقريب ": "صدوق، ربما وهم". قلت: ولكن قد توبع من جمع، فروايته أرجح من رواية اللذين قبله، ولكنهم قد خولفوا جميعًا، وهو الوجه التالي: والوجه الآخر: أن جمعًا من الثقات قالوا: عن إسماعيل عن شبيل عن أبي جبيرة عن أشياخ من الأنصار قالوا: سمعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. فزاد: الأشياخ. أخرجه الطبري في "التاريخ" (1/8-9) عن يزيد -وهو ابن هارون- والطبراني في "المعجم الكبير" (22/391/972) ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (4/161) عن معتمر بن سليمان، كلاهما عن إسماعيل به. وتابعه غيرهما، فقال أبو نعيم عقبه: "رواه أبو حمزة السكري، ومروان بن معاوية (الذي تقدم في الوجه الأول) وغيرهم عن إسماعيل مثله". قلت: فهؤلاء الثقات جعلوا الحديث من مسند الأشياخ من الأنصار من رواية

أبي جبيرة عنه، وليس من مسنده هو نفسه. وهذا هو الصحيح لاتفاق الجماعة عليه. وهو للحديث أقوى؛ للخلاف في صحبة أبي جبيرة كما تقدم ذكره هناك. 8- 839- (أتاني جبريل فقال: يا محمد..) . ثم رأيت في "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (1/442/1094) أنه قال للحافظ أحمد بن صالح المصري الطبري: ما تقول في مالك بن الخير الزبادي؟ قال: "ثقة". قلت: وهذه فائدة عزيزة -خلت منها كتب التراجم المعروفة- أطلعني عليها الأخ علي الحلبي، تولاه الله وجزاه خيرًا. 9- 866- (بئس مطية الرجل زعموا) . ثم وقفت على تخريج الشيخ شعيب لهذا الحديث في تعليقه على "مشكل الآثار" (1/173-174) ؛ تبنى فيه قول الحافظ بأنه منقطع، يعني: بين أبي قلابة وأبي مسعود، وبينه وبين حذيفة، وبين وفاة هذين (68) سنة. وبناء على ذلك توقف الشيخ عن قبول تصريح أبي قلابة في إسناد الطحاوي بالتحديث، زاعمًا أن التصريح بالتحديث لم يرد في المصادر الأخرى التي وقف هو عليها، ثم ختم كلامه بتوهيمي بإيرادي الحديث في "الصحيحة". وجوابي عليه من وجوه: أولًا: بطلان زعمه المذكور؛ لأنه قائم على إنكار الواقع الذي لم يحط به علمه، فقد كنت ذكرت هناك من مصادر الحديث مخطوط "المعرفة" لابن منده؛ مع ذكر المجلد والورقة والوجه! وسقت إسناده مسلسلًا بالتحديث من الوليد بن مسلم إلى أبي قلابة قال: نا أبو عبد الله. فهذا مصدر غير "مشكل الطحاوي"، وفيه فائدة مهمة جدًا، وهي تصريح الوليد بالتحديث في الإِسناد في كل طبقاته، فَأمِنَّا بذلك تدليسه تدليس التسوية أولًا، وتحققنا من صحة سماع أبي قلابة من أبي عبد الله حذيفة

للحديث ثانيًا، ولذلك فتغاضي الشيخ شعيب عن هذه الحقيقة مما يتنافى مع الأمانة العلمية؛ لما يترتب عليه من قلب الحقائق، وإظهار الحديث الصحيح بمظهر الحديث المعلول! ثانيًا: لا يجوز -في نقدي- تقديم نفي السماع على إثباته لمخالفته القاعدة المتفق عليها: "المثبت مقدم على النافي"، ولا سيما والنافي ليس عنده إلا تاريخ الوفاة التي لا سند لها إلا أقوال معلقة، والمثبت معه السند الصحيح! وكأنه لذلك أشار الحافظ المزي في "تهذيبه" إلى تضعيف الانقطاع المذكور، فقال -وقد ذكر رواية أبي قلابة عن حذيفة-: "وقيل: لم يسمع منه". ويشبه ما فعله الشيخ شعيب بهذا الحديث -إلى حد كبير- ما صنعه أصحابه الحنفية بحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين التي صرح فيها أبو هريرة بأنه كان حاضرها بقوله: صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ... كما في البخاري (1227) وغيره، فنفوا ذلك! متعلقين بقول الزهري المقطوع: إن ذا اليدين استشهد ببدر، وإسلام أبي هريرة كان بعد بدر بأربع سنين، فلم يشهد القصة، فردوا الصحيح بما لم يصح من قول الزهري، انظر "فتح الباري" (3/96-97) . على أنه لو فرض ثبوت تاريخ وفاة حذيفة وأبي قلابة فذلك لا يعني الانقطاع؛ إلا لو ثبت مع ذلك تاريخ ولادة أبي قلابة؛ بحيث يقطع أنه لم يدرك حذيفة في وقت التحمل على الأقل، وهيهات! فقد نفى ذلك الذهبي -وهو من أعلم الناس بالتاريخ- فقال في "سير الأعلام" (4/468) : "ما علمت متى ولد". والله أعلم. 10- 895- (أحب الطعام إلى الله ما كثرت عليه الأيدي) . ثم وجدتُ له شاهدًا آخر من حديث أنس مرفوعًا بلفظ:

"إن الله يحب كثرة الأيدي على الطعام". أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/188) بسند ضعيف. ويبدو لي أن الحديث كان مشهورًا عند السلف؛ فقد رواه الأصبهاني في "ترغيبه" (2/819) عن عطاء مقطوعًا. ورواه البيهقي في "الشعب" (5/76/5837) عن الأوزاعي كذلك. 11- 907- (خيار أئمتكم..) . هذا الحديث قد أخرجه مع الإِمام مسلم ابن حبان أيضًا (7/55/4570 - الإِحسان) وأبو عوانة (4/482-486) ، وكلهم أخرجوه من طريق مسلم بن قرظة عن عوف بن مالك رضي الله عنه. قلت. وهذا الحديث مما جنى عليه المشار إليه في الاستدراك رقم (6) ، فأعله فيما علق على ما سماه بـ "رياض الصالحين"! بقوله: "مسلم بن قرظة مجهول الحال. وانظر الحديث رقم (129) ". وجهل أن إخراج هؤلاء الثلاثة له في "صحاحهم" إنما هو منهم توثيق له؛ أعني مسلمًا وابن حبان وأبا عوانة، كما أنه تجاهل إيراد ابن حبان إياه في "الثقات" (5/396) ، وجزم الذهبي في "الكاشف" بأنه ثقة، ولذلك لم يسع شيخه شعيبًا الأرناؤوط إلا أن يقول في تعليقه على "الإِحسان" (10/449) : "إسناده قوي على شرط مسلم". وكيف لا والرجل تابعي مشهور كما قال البزار؟! وذكره يعقوب بن سفيان في الطبقة العليا من تابعي أهل الشام في كتابه "المعرفة" (2/333) . ونحوه ما في "تاريخ ابن عساكر" (16/482) عن أبي زرعة الدمشقي أنه ذكره في الطبقة التي تلي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وهي العليا. يضاف إلى ذلك أن الإِمام أحمد احتج بهذا الحديث على عدم جواز الخروج على الأئمة، وذكر أنه جاء من غير وجه. كما رواه عنه الخلال في "السنة" (1/3/

629 تحقيق الزهراني) . كل هذا قالوه في ابن قرظة وحديثه، والرجل يعله بجهالته! فهل هو الجهل أو التجاهل؛ أم الأمران معًا؟! ولم يكتف الرجل بتضعيف هذا الحديث فقط من أحاديث مسلم، بل هناك أحاديث أخرى ضعفها بمثل هذا الجهل والجهالة (!) كما ستأتي الإِشارة إلى ذلك تحت الاستدراك (13) ، ولكني أريد هنا أن أبين أن الرقم (129) الذي ذكره في آخر كلمته الآنفة الذكر إنما يشير به إلى حديث أما سلمة: "إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون.." الحديث، وفيه: "قالوا: ألا نقاتلهم؟ قال: لا ما أقاموا الصلاة". رواه مسلم. فقد أعله الرجل بمثل ما أعل الذي قبله من الجهل؛ فقال (89/6) : "في صحته نظر، فإن في إسناده ضبة بن محصن، وفيه جهالة حال". كذا قال هداه الله، فإنه لا يزال ضالعًا في مخالفة الأئمة، راكبًا رأسه، لا يلوي على شيء من العلم، فإن هذا الحديث يقال فيه مثل ما قلنا في الذي قبله وزيادة، فقد قال الحافظ ابن خلفون الأندلسي في ضبة هذا: "ثقة مشهور". وقال الذهبي: "ثقة". وقال الحافظ: " صدوق ". وصحح حديثه هذا الترمذي، ولم يضعفه أحد إلا هذا المتأخر، بل يزيده قوة أن له شاهدين؛ أحدهما حديث عوف هذا؛ والآخر حديث أبي هريرة نحوه رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح، وسيأتي تخريجه برقم (3007) ، وتحته الرد على هذا المتأخر. والله المستعان على فساد أهل هذا الزمان، وإعجاب كل ذي رأي برأيه،

فوالله الذي لا إله إلا هو لولا أن كثيرًا من الناس يغترون بكل ما يطبع وينشر من أي شخص كان -يحسبون السراب ماء، والعظم لحمًا، وإنما هو كما قيل قديمًا: عظم على وضم- لما سودت سطرًا واحدًا في الرد على هذا وأمثاله كذاك السقاف الآتي بيان بعض ويلاته، ونحوه من الأغرار الذين ليس لهم سابقة في هذا العلم وغيره، ولم يتأدبوا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا.. من لم يعرف لعالمنا حقه"، ولا هم يقبلون نصيحة العلماء، قال العلامة الشاطبي رحمه الله في كتابه "الاعتصام" -وهو في صدد بيان علامات أهل الأهواء والبدع (3/99) -: "والعالم (تأملوا لم يقل: طالب العلم!) إذا لم يشهد له العلماء فهو في الحكم باق على الأصل من عدم العلم حتى يشهد فيه غيره، ويعلم هو من نفسه ما شهد له به، وإلا فهو على يقين من عدم العلم أو على شك، فاختيار الإِقدام في هاتين الحالتين على الإِحجام لا يكون إلا باتباع الهوى، إذ كان ينبغي له أن يستفتي في نفسه غيره، ولم يفعل، وكان من حقه أن لا يقدم إلا أن يقدمه غيره، ولم يفعل". هذه نصيحة الإِمام الشاطبي إلى (العالم) الذي بإمكانه أن يتقدم إلى الناس بشيء من العلم، ينصحه بأن لا يتقدم حتى يشهد له العلماء خشية أن يكون من أهل الأهواء، فماذا كان ينصح يا ترى لو رأى بعض هؤلاء المتعلقين بهذا العلم في زمننا هذا؟! لا شك أنه كان يقول له: "ليس هذا عشك فادرجي"، فهل من معتبر؟! وإني والله لأخشى على هذا البعض أن يشملهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "يُنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويُخلف لها هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء، وليسوا على شيء" (¬1) . والله المستعان. 12- 925- (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) . أقول: هذا الحديث مع صحته كما تقدم هناك وتلقي الأمة له بالقبول على ¬

_ (¬1) مخرج فيما سيأتي برقم (1682) من (المجلد الرابع) .

اختلاف مشاربهم، فقد تجرأ المدعو بـ (حسن السقاف) على إنكاره بكل صفاقة، مخالفًا بذلك سبيل المؤمنين، فصرح في تعليقه على " دفع شبه التشبيه " لابن الجوزي فزعم (ص 62) : أنه حديث ضعيف! ثم غلا فصرح (ص 64) بأنه حديث باطل!! ثم أخذ يرد عليّ تصحيحي إياه لشواهده؛ متحاملًا متجاهلًا لتصحيح من صححه من الحفاظ، مشككًا فيما نقلته عن بعض المخطوطات التي لم ترها عيناه، وما حمله على ذلك إلا جهمية عارمة طغت على قلبه، فلم يعد يفقه ما يقوله العلماء من المتقدمين أو المتأخرين، فذكرت هناك من المصححين: الترمذي والحاكم والذهبي والخِرقى والمنذري والعراقي وابن ناصر الدين الدمشقي، وأضيف الآن إليهم الحافظ ابن حجر في كتابه الذي طبع حديثًا "الإِمتاع" (ص 62-63) حتى قال في معناه شعرًا: إن من يرحم من في الأرض قد ... آن أن يرحمه من في السما فارحم الخلق جميعًا إنما ... يرحم الرحمن فينا الرحما ومن المتأخرين الذين صححوا هذا الحديث الشيخان الغماريان: أحمد الغماري في كتابه "فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب" (1/459) وقال: "وقد رويناه من طرق متعددة". ونقل تصحيح الترمذي والحاكم وأقرهما. والغماري الآخر الشيخ عبد الله الذي صحح الحديث في كتابه الذي أسماه "الكنز الثمين"، فإنه أورده فيه برقم (1867) ، وقد ذكر في مقدمته أن كل ما فيه صحيح، وهو أخو الشيخ أحمد الغماري، وهو أصغر منه سنًّا وعلمًا، وهما ممن يُجِلُّهُما السقاف ويقلدهما تقليدًا أعمى، وإذا ذكر أحدهما قال فيه: "سيدي"! فما عسى أن يقول المسلم المنصف في مثل هذا الرجل الذي يخالف أولئك الحفاظ ويسلك غير سبيلهم، بل ويخالف شيخه وسيده -على حد تعبيره- عبد الله الغماري؟! لا شك أنه {فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .

هذا أولًا. وثانيًا: هذا الحديث فيه جملتان مباركتان: الأولى: "ارحموا من في الأرض"، وشواهده كثيرة جدًا عن جمع من الصحابة، استوعبهم الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في مجلسه المشار إليه هناك عند تخريج الحديث، وقد طبع أخيرًا بتحقيق الأخ الفاضل أبي عبد الله محمود بن محمد الحداد، فراجع فهرس أحاديثه تجد أسماءهم والإِشارة إلى مواضع أحاديثهم منه، وبعضها مما اتفق عليه الشيخان، من ذلك أسامة بن زيد، وهو مخرج في "أحاكم الجنائز" (163-164) بلفظ: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء". والجملة الأخرى: "يرحمكم من في السماء". وهي صحيحة كما تقدم، وقد بسط الكلام عليها الأخ الفاضل المشار إليه آنفًا، وهي التي أقامت ذاك المبطل وأقعدته، بل وقصصت ظهره؛ لأن حرف "في" فيها هو بمعناه في الجملة الأولى بداهة؛ أي "على"، لا يجادل في ذلك إلا معاند، فهي تؤكد أن هذا الحرف هو بهذا المعنى نفسه في قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ؛ أي: على السماء؛ أي: فوق العرش، وبذلك فسرها علماء السلف والخلف -ومنهم ابن عبد البر في "التمهيد"، والبيهقي في كتابيه: "الأسماء" و"الاعتقاد"- وذاك المبطل يعلم هذه الحقيقة ولكنه يكابر، ويبطل الحديث الصحيح ليسمي هذا التفسير تأويلًا، ويسمي تعطيله لمعنى الآية الكريمة تفسيرًا على قاعدة: (رمتني بدائها وانسلت) ، فيقول (ص 65) : "أي صاحب العظمة والرفعة والكبرياء وهو الله تعالى..". ويؤكد هذا التعطيل في مكان آخر (ص 139) ، ويضيف إليه فيقول -فض فوه-. "والآية مؤولة عند المجسمة بـ (من على السماء) .."!

فيا ويله ما أجرأه على نبز السلف بـ "المجسمة"! وفيهم من يتظاهر بتبجيله؛ وإن كنت أعلم أنه لا مبجَّل عنده إلا هواه، وإلا فقل لي بربك كيف يرمي بالتجسيم من فسر الآية بما سبق أن عزوته للسلف؛ ومنهم الإمام البيهقي في كتابيه المذكورين آنفًا (¬1) ، وهما من الكتب التي يحض هذا الهالك على قراءتها في تعليقه (ص 78) ؟! وهل أدل على اتباعه لهواه من مخالفته للعلماء الذين صححوا حديث الرحمة هذا، ومنهم شيخاه الغماريان؟! وكذلك تضعيفه لكثير من الأحاديث الصحيحة الأخرى كحديث الجارية؛ وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ ". رواه مسلم، وصححه جمع كما فصلت القول في ذلك فيما يأتي برقم (3161) ، وكحديث اختصام الملأ الأعلى، وقد صححه البخاري والترمذي وأبو زرعة والضياء، وهو غير حديث: "رأيت ربي جعدًا أمرد.." فإنه منكر، وحديث: "رأيت ربي بمنى عند النفر على جمل.. "، فإنه موضوع كما هو مبين في "الضعيفة" (6330) ، وقد لبَّس (السقاف) بهذا على القراء فأوهمهم أن الذهبي أنكر حديث الاختصام، وإنما أراد هذا، فارجع الى الرقم المذكور لترى العجب من تدليس هذا الرجل وتضليله للقراء. وقد وجدت لحديث الاختصام طريقًا أخرى -بل شاهدًا صحيحًا- فخرجته في "الصحيحة" (3169) . وإن مما يجب التنبيه عليه بهذه المناسبة أن الرجل كما يضعف الأحاديث الصحيحة؛ فهو على العكس من ذلك يقوي الأحاديث الضعيفة والموضوعة، ويحتج بها معطلًا بها معاني الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة، فهو مثلًا يبطل دلالة الحديث المتواتر في النزول الإِلهي، وقوله تعالى فيه: "من يدعوني فأستجيب له.." بحديث تفرد بروايته حفص بن غياث لم يذكر فيه النزول ولا قوله تعالى المذكور، بل رواه بلفظ: "ثم يأمر مناديًا ينادي يقول: هل من داع.."، وهذا خطأ بيقين؛ لمخالفة حفص لستة من الثقات رووه باللفظ الأول، وهو المحفوظ في ¬

_ (¬1) وقد نقلت عبارته تحت الحديث (6332 - الضعيفة) ، ونقلت هناك عن ابن الجوزي أنه فسر الآية كما فسرها البيهقي؛ فهل هو مجسم أيضًا؟!.

"الصحيحين" وغيرهما، وهو متواتر كما ذكر ابن عبد البر في "التمهيد"، وقد بسطت القول في هذا وسميت المخالفين لحفص في "الضعيفة" (3897) ، ورددت على هذا المبطل ما زعمه من صحة حديث حفص بما لا يتسع المجال لذكره هنا. وكذلك احتج بحديث موضوع من أحاديث الإِباضية فيه!: ".. ولا تضربوا لله الأمثال، ولا تصفوه بالزوال، فإنه بكل مكان". وقد بينت بطلانه، وكشفت عواره في "الضعيفة" (5332) ، والغريب العجيب من هذا الأفين أنه نقل الحديث من كتاب "مسند الربيع بن حبيب"، وهو الكتاب الوحيد من تأليف الإِباضية، ركن إليه المذكور من باب القاعدة اليهودية: "الغاية تبرر الوسيلة"؛ لأن فيه رد حديث النزول الذي اصطلح علماء الكلام على تفسير "النزول" بالزوال تحريفًا للكلم عن مواضعه، وتنفيرًا من الإِيمان بالنزول الإِلهي، وأعجب من ذلك أن قوله فيه: "فإنه بكل مكان" مما يكفر الأفين به (ص 127) من تعليقه على "ابن الجوزي"، ومع ذلك روى هذا الحديث الإِباضي الموضوع ليعطل به حديث النزول المتواتر، أليس ذلك من أكبر الأدلة على أنه ينطلق من تلك القاعدة اليهودية، ومنها يندفع لإبطال الأحاديث الصحيحة؟! والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جدًا، فحسبنا الآن حديث الرحمة هذا وما ذكر معه. والله المستعان. 13- 937- (عن العرباض بن سارية في الموعظة) . كنت خرجته هناك من الطريق المشهور في السنن وغيرها من رواية عبد الرحمن ابن عمرو السلمي عنه، وصححته لرواية جمع من الثقات عنه، مع توثيق ابن حبان إياه، وتصحيح من صحح حديثه هذا كالترمذي وابن حبان والحاكم وأبي نعيم والضياء المقدسي. فأزيد هنا فأقول: وصححه أيضًا جمع آخر من الحفاظ كالبزار والهروي وأبي العباس الدغولي

والذهبي، وقال في السلمي هذا: "صدوق"، وابن القيم في " إعلامه " وغيرهم. ويلحق بهؤلاء المصححين كل من احتج به أو شرحه، وهم جمع غفير لا يمكن حصرهم، منهم الخطيب في "الفقه والمتفقه"، والخطابي في "معالمه"، وابن تيمية في " فتاويه "، والشاطبي في "اعتصامه"، وغيرهم كثير وكثير جدًا. يضاف إلى إجماع هؤلاء الحفاظ والأئمة على تصحيحه أنه قد جاء من وجوه أخر كما قال الشاطبي وابن رجب الحنبلي، وقد كنت خرجت الكثير الطيب منها؛ في "الإرواء" (8/107-108) و"ظلال الجنة" (1/17-20) ، فأرى من الضروري أن ألخص الكلام عليها هنا للسبب الآتي بيانه. تلك هي الطريق الأولى وقد عرفت صحتها. الطريق الثانية: عن يحيى بن أبي المطاع قال: سمعت العرباض بن سارية. أخرجه ابن ماجه وابن أبي عاصم وابن نصر والحاكم والطبراني. وإسناده صحيح متصل. الثالثة: من طريقين عن أرطأة بن المنذر عن المهاصِر بن حبيب عنه. أخرجه ابن أبي عاصم والطبراني في "الكبير" و" مسند الشاميين ". وإسناده صحيح لا علة فيه. الرابعة: عن جبير بن نفير عنه. الخامسة: من طريقين عن خالد بن معدان عن ابن أبي بلال عن العرباض. أخرجه أحمد والطبراني بسند حسن في الشواهد، وابن أبي بلال -اسمه عبد الله- وثقه ابن حبان، وحسن إسناده الحافظ في حديث آخر له. وللحديث شاهد عن رجل أنصاري من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند حسن عنه، مخرج في "الإِرواء" (8/108) .

لقد أفضت في ذكر هذه الطرق تأكيدًا لصحة الحديث، وردًا على رجل طلع علينا أخيرًا بطبعةٍ جديدة لكتاب النووي "رياض الصالحين" منمقة مزخرفة يعجبك مظهرها، ولكنها قبيحة جدًا في مخبرها، ويكفي القارىء دلالة على ذلك أنه حذف منه قرابة (130) حديثًا زاعمًا أنها كلها ضعيفة، وبعضها في " صحيح البخاري " و"مسلم"، ونقدها كلها نقدًا خالف فيه أصول علم الحديث وقواعده المعروفة عند العلماء (¬1) ، وجعلها في آخر طبعته، ثم أتبعها بأرقام يشير بها إلى أحاديث أخرى ضعفها في التعليق عليها، وهذه كلها صحيحة، وعددها (15) حديثًا، وبعضها في "الصحيحين" أو أحدهما، وإليك أرقامها في طبعته مع الرمز لما كان منها فيهما: (105- وهو حديث العرباض هذا، 129-م، والرد عليه في "الصحيحة" (3007) ، 207 (انظر الصحيحة 173) ، 217 - مروا أولادكم بالصلاة (مخرج في الإرواء 247) ، 241 - خ (الصحيحة 764) ، 243 (الصحيحة 919) ، 273 - م، 501 - م، 509 - م، والرد عليه في "الصحيحة" (3176) ، 957 - م، وهو في فضل صوم يوم عرفة، ص 405 - م (الصحيحة 545) ، 1262 (الصحيحة 1243) ، ص 441، ص 450 (الصحيحة 2435) ، 1431 (الصحيحة 128) . وأما أحاديث " ضعيفته " البالغ عددها (130) فهي على قسمين: أحدهما مما كنت نبهت على ضعفه في مقدمة طبعتنا لـ "الرياض"، وتبناه هو وتوسع في تخريجه والكشف عن علله، وهو في ذلك عالة على كتبي مثل: "الإِرواء" والسلسلتين وغيرها دون أن يصرح بذلك إلا نادرًا لتقوية موقفه فقط! وذلك مِن تشبعه بما لم يعط، وذلك ما يظهر لكل من يتنبه لبعض عباراته، ولمن قابل تخريجه بتخريجاتي، ولا أدل على ذلك من وقوعه في الخطأ الذي كنت وقعت فيه بسبب أو آخر، فقد نقل من ¬

_ (¬1) ذكرت فيما تقدم بعض الأحاديث الصحيحة مما ضعفه بجهل بالغ، فانظر الاستدراك (6 و11) .

"الصحيحة" (266) -دون عزو طبعًا- تخريج الحديث وفيه: ".. وأحمد (1/ 153) "، وهذا خطأ! والصواب: "وعبد الله بن أحمد.." كما هو مصحح عندي في نسختي، أضف إلى ذلك أنه كتم عن قرائه تحسين الترمذي إياه وتصحيح الحاكم والذهبي، وموافقتي للترمذي. وأغرب من ذلك وأسوأ أنه قلدني (ص 518/25) في تضعيف الحديث رقم (1681 - الضعيفة) ، ووافقه على ذلك شيخه شعيب، وأنا قد رجعت عنه فنقلته الى "الصحيحة" (2827 و2828) ؛ لشواهد وقفت عليها، فما أشبههما بالجن الذين قال الله فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ..} الآية! فلو أن الرجل يريد الإصلاح والنصح لحاول إنقاذ ما يمكن من الأحاديث الضعيفة السند بتتبع الطرق والشواهد لتقويتها لو كان أهلًا لذلك، وإلا فإن تضعيف الأحاديث الصحيحة لا يعجز عنه الملاحدة فضلًا عن المنافقين وأهل الأهواء أمثال أبي ريا وأذنابه. وبالجملة؛ ففي هذا القسم أحاديث ضعيفة فعلًا، مما كنت أشرت إلى ضعفها في المقدمة كما سبق، وفصلت الكلام على ضعفها في بعض مؤلفاتي المشار إليها آنفًا، فأخذ الرجل منها خلاصتها، وقدمها إلى القراء على أنها من جهده وتحقيقه!! وأما القسم الآخر؛ فهو مما اشتط فيه عن القواعد العلمية، واتبع فيه هواه، فبلغ عدد الأحاديث الصحيحة التي جنى عليها وضعّفها نحو (60) حديثًا، بعضها في (الصحيح) أيضًا كالأحاديث (68، 116، 123، 127 بترقيم ضعيفته) . ومنها حديث الزهد (رقم 20) تعامى فيه عن طرقه وشواهده، وأحال فيها إلى "الصحيحة"! وقد سبق الرد على مقلّده في المقدمة (ص 13-17) ؛ فارجع إليها لزامًا. وبسط القول في بيان عوار كلامه في تضعيفه إياها كلها يحتاج إلى تأليف كتاب خاص، وذلك مما لا يتسع له وقتي، فعسى أن يقوم بذلك بعض إخواننا الأقوياء في هذا العلم كالأخ علي الحلبي، وسمير الزهيري، وأبي إسحاق الحويني ونحوهم جزاهم الله

خيرًا. ولكن لا بد من تقديم بعض النماذج لتأكيد جنايته على السنة الصحيحة التي شملت أيضًا الأحاديث المتقدمة في هذا المجلد، وهذه أرقامها (545 - م و563 و569 و580 و596 و629 و686 و718 و764 - خ و908 و919 و922 و927 و938 و943 و946 و954) . فالحديث (569) طعن فيه -هداه الله- بأن فيه انقطاعًا بين زرارة بن أوفي وعبد الله بن سلام مع أنه صرح بسماعه منه؛ ولكنه شكك فيه بقوله (ص 528) : "ما أراه يصح والله أعلم، ولا أدري الوهم ممن هو؟ أمن ابن أبي شيبة أم أبي أسامة؟! ". يقول هذا وهو يعلم أن ابن أبي شيبة هو الثقة الحافظ صاحب كتاب "المصنف". وأبو أسامة هو حماد بن أسامة الثقة الثبت، وقد احتج البخاري في "تاريخه" (2/1/439) برواية ابن أبي شيبة هذه لإثبات سماع زرارة من ابن سلام، ودعمها برواية أخرى فقال: وقال سليمان عن حماد قال: ثنا زرارة قال: نا عبد الله بن سلام. وهذا إسناد صحيح متصل. فسليمان هو ابن حرب، وحماد هو ابن زيد، وكلاهما ثقة من رجال الشيخين. ثم روى البخاري بسند صحيح عن زرارة: حدثني تميم الداري. وتميم توفي قبل ابن سلام بثلاث سنين، فأين الوهم أيها الغارق في الوهم والإِيهام؟! فلا جرم أن أجمع العلماء على تصحيح هذا الحديث، فصرح بتصحيحه الترمذي والبغوي والحاكم والذهبي، وأقرهم المنذري والنووي والحافظ، وقد كتم هذا عن قرائه ليوهمهم أن لا معارض له! بل أنه فعل ذلك في كل الأحاديث التي ضعفها، ومن ذلك حديث "ضعيفته" (93 - ما من أحد يسلم علي..) ، لما نقل عن ابن القيم في "جلاء الأفهام" (ص 19) إعلال ابن تيمية إياه لم يذكر أن ابن القيم قال: "وقد صح إسناد هذا الحديث"، وهذا خلاف ما عليه أهل السنة، أنهم حين ردهم على أهل البدعة يذكرون ما لهم وما عليهم، ثم يبينون الصواب من ذلك كما

قال ابن تيمية رحمه الله في كتبه، على أن ابن تيمية قد صحح هذا الحديث في بعض ردوده على خصومه، واحتج به الإِمام أحمد وغيره في جواز زيارة قبره - صلى الله عليه وسلم -، وليس هذا مجال بيان ذلك. وأما الحديث (954) فجاء فيه بإفك له قرنان كما يقال في بعض اللغات، فزعم (ص 515) أن راويه ابن عقيل "ضعيف، كلهم ضعفوه إلا ابن عبد البر.. انظر (التهذيب) "! فإذا رجع القارىء إلى "التهذيب" وجد فيه أنه احتج به الأئمة: أحمد وابن راهويه والحميدي. فهل هؤلاء ليسوا بأئمة عنده أم الأمر كما قيل: "حبك الشيء يعمي ويصم"؟! ثم إنه تعامى عن قول الحافظ العجلي في "ثقاته" (277/880 - ترتيب) : "تابعي ثقة، جائز الحديث". وعن قول ابن القطان بعد أن ذكر الخلاف فيه: "حسن الحديث". فلم يأخذ بقوله هذا وهو الصواب، بينما اعتمد عليه في تضعيفه لحديث العرباض وهو مخطىء!! لم يسبقه إليه أحد! كما تجاهل قول الحافظ الذهبي في "المغني": "حسن الحديث، احتج به أحمد وإسحاق". وقول الحافظ في " التقريب ": " صدوق ". وبعد؛ فإن مجال القول فيما صنع الرجل في "رياض النووي" وما حطم من صحاح أحاديثه، ومن أحاديث "الصحيحة" لواسع جدًا، فلنقتصر على ما تقدم من

الأمثلة والبينات، فإنها تدل دلالة قاطعة لدى كل منصف لا يحابي ولا يداري على أن الرجل غير موثوق بعلمه، ولا هو مؤتمن في نقله، بل هو مغرور بنفسه، لا يبالي بمخالفته للقواعد العلمية، ولا بأقوال الأئمة الحفاظ النقاد، بل إن لسان حاله يقول: هم رجال ونحن رجال! وقد سمعنا ذلك مرارًا من بعض الجهال. وإن من غروره بنفسه وعجبه بعلمه أنه تمنى في مقدمة "ضعيفته" أن أرجع أنا إلى موافقته في تضعيفاته! كما رجع شيخه شعيب حيث وافقه في نحو مائة حديث منها فيما ذكر هو عقبها، وأظنه كان مبالغًا في ذلك، لأني رأيت الشيخ في بعض تعليقاته يخالف بعض ما نسبه إليه، أقول هذا بيانًا للواقع لا تبرئة للشيخ، فإننا نعرف منه إنكاره لبعض الأحاديث الصحيحة كحديث: " إذا وقع الذباب " ونحوه، فالرجل يريدني أن أكون مثله في تحطيم السنة الصحيحة، وأنا بفضل الله الناصر لها، والذاب عنها جهل الجاهلين، وانتحال المبطلين. هذا، وإن مما شجعني على الرد عليه في هذا الاستدراك -علاوة على ما لا بد منه من بيان الحق، وتبصير من قد يغتر بكثرة كلامه ونُقوله المبتورة- أنه تكشف لي إعجابه برأيه وإصراره على خطئه، وبطره الحق في نقاش جرى بيني وبينه في أول ليلة من رمضان المبارك لهذه السنة (1412) حول تضعيفه لحديث العرباض، بحضور بعض الأفاضل، فقد وجهت إليه بعض الأسئلة، تبين لنا من أجوبته عليها أنه ليس على معرفة بهذا العلم ومتعلقاته، إلى درجة أنه لا يتبنى قول العلماء: "المثبت مقدم على النافي" ونحوه من القواعد العلمية! ولهذا فهو يقدم الجرح مطلقًا على التعديل، والتجهيل على التوثيق، والتضعيف على التصحيح، بل وجهله على علم غيره! فلا يقبل خبر أحدهم بأن للحديث الضعيف سندًا آخر يقويه، ولا حكمه بثبوته حتى يقف هو عليه ويرتضيه، ولذلك فهو يكتمه ويطويه، إلى غير ذلك مما لا يتيسر لي الآن أن أحصيه. أقول هذا تحذيرًا للقراء من جنايته على السنة، ونصحًا له على أنه أخ لنا في

الدين، ولعله يصحح موقفه منها على ضوء ما تقدم من البيان، ومستعينًا بأقوال العلماء الذين سبقونا في هذا الشأن، وملتزمًا لقواعدهم، وبخاصة من شهد لهم القاصي والداني بنبوغهم في هذا الميدان من المتقدمين والمتأخرين، كابن تيمية وابن قيم الجوزية وابن كثير والذهبي والعسقلاني وغيرهم، فإذا فعل ذلك انتُفع بعلمه مع الإخلاص لله فيه. ومع هذا كله فلا أجد في نفسي حرجًا من الاعتراف بأن الرجل كان في نقاشه معي أديبًا لطيفًا، ومصرحًا في أوله بما كان الأولى به أن يُعلنه في مقدمة "ضعيفته"؛ ليكون أقرب إلى الإِخلاص لله، وأبعد عن المحاباة والمداراة، فقد قال بعد توطئة وتودد: "وأنا ما تعلمت هذا العلم -إن كان عندي قليل من العلم- فما تعلمته إلا بك، فأنت الذي فتحت لنا هذا الباب في كتبك، ووالله لولا كتبك واستفادتنا منها ومطالعتنا لها ما توصلنا إلى ما توصلنا إليه الآن. حتى الشيخ شعيب كان عندي قبل فترة وشهد بهذا، وقال: إنه استفاد من كتبك كثيرًا". هكذا قال. وأرجو أن تكون هذه الكلمة خرجت من قلبه، لنرى آثارها الطيبة برجوعه قريبًا إلى الصواب إن شاء الله تعالى. 14- 959- (أمتي أمة مرحومة) . كنت خرجته ثمة من رواية جمع عن المسعودي عن سعيد عن أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه، وأعللته باختلاط المسعودي. ثم رأيت الروياني قد أخرج الحديث في "مسنده" (23/3/2) قال: نا محمد بن معمر: نا معاذ بن معاذ: نا المسعودي به. فأقول هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير المسعودي، وهو ثقة هنا، قال الحافظ:

"صدوق، اختلط قبل موته، وضابطه أن من سمع منه بـ (بغداد) فبعد الاختلاط". قلت: ومعاذ بن معاذ، وهو العنبري البصري، فيكون سمع منه قبل الاختلاط، وقد صرح بذلك الحافظ العراقي في "التقييد والإِيضاح" (ص 402) ، وتبعه ابن الكيال (293-295) ، فعليه فقد زالت العلة، وصح الإِسناد والحمد لله، وهذا من فضله تعالى وتوفيقه إياي في خدمة السنة والذب عنها. أقول هذا لأنني وقفت في هذه الأيام على رسالة صغيرة لمؤلف مجهول في هذا العلم الشريف؛ سماها "المنهج الصحيح في الحكم على الحديث النبوي الشريف" بقلم عادل مرشد؛ ذكر في مقدمتها أنه من تلامذة الشيخ شعيب الأرناؤوط، تبين لي منها أنه لا يعرف من هذا العلم إلا التقليد والنقل من هنا وهناك على جهل أيضًا بعلم المصطلح كقوله (ص 24) : "وتدرك العلة بتفرد الراوي". فهذا خطأ؛ لأن الراوي إذا كان ثقة وتفرد بحديث؛ فهو صحيح ما لم يخالف من هو أوثق منه أو أكثر عددًا، فالعلة تدرك بالمخالفة وليس بالتفرد. ولا أريد الآن الرد عليه وعلى ما في رُسَيْلته من الأخطاء، لأن الوقت أضيق من أن يتسع للرد على مثلها، وإن كان قد تبين لي منها أن تأليفه إياها إنما كان بباعث حقد دفين، فقد اختار أربعة أحاديث صحيحة مما كنت صححته في بعض كتبي، فضعفها هو كلها، أحدها مما صححه جمع كمسلم وابن حبان وغيرهما، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خلق الله التربة يوم السبت.." الحديث، أعله بزعم مخالفته للقرآن، وهو زعم كنت رددته؛ بل بينت بطلانه في غير ما كتاب من كتبي مثل: "مختصر العلو" (111-112) ، وهذه السلسلة (1833) ، والتعليق على "المشكاة" (5735) ، ولم يأت المشار إليه في تأييد زعمه بشيء جديد، وإنما هو يجتر ما قاله غيره مما قد رددته

هناك، دون أن يدلي ولو بكلمة واحدة للرد علي متجاهلًا ذلك كله، وليس ذلك من شأن من يريد الحق، وهو في ذلك كله قد قلد شيخه في تعليقه على "صحيح ابن حبان" (14/30-32) ، وهو قد رأى يقينًا ردي المشار إليه في كتبي، فإنه كثير الاستفادة منها كما تقدم (ص 724) ، فاكتفى فيه بحكاية الأقوال المردود عليها، دون الجواب عن ردي على مذهب من قال: "عنزة ولو طارت"، ومن أراد الوقوف على الحقيقة فليرجع إلى المواضع المشار إليها من كتبي. ولذلك فقد أنصف الأستاذ رضاء الله المباركفوري في تعليقه على كتاب "العظمة" لأبي الشيخ (4/1358-1360) ، فحكى أقوال الذين أعلوه بالمخالفة، وردي لها، ثم أعاد شيئًا من ذلك في مكان آخر (ص 1377) ، ثم انتهى إلى موافقته إياي على صحة الحديث، وأنه لا حجة عند من أعلوه بالمخالفة، فجزاه الله خيرًا. فإذن لا داعي لإِعادة ردي المشار إليه آنفًا، ولكن لا بد لي من أن أقدم طريقًا أخرى للحديث هي نص فيما ذهبنا إليه، وهو ما أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (6/427/11392) من طريق الأخضر بن عجلان عن ابن جريج المكي عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعًا: "يا أبا هريرة! إن الله خلق السماوات والأرضين وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش يوم السابع، وخلق التربة يوم السبت.." الحديث. ورجاله ثقات. فقد جمع هذا النص بين الأيام المذكورة في القرآن والأيام السبعة المذكورة في الحديث الذي بين فيه ما جرى على الأرض من تطوير في الخلق، وهو ما كنا حملنا عليه الحديث الصحيح في رد ما أعلوه به، فالحمد لله على توفيقه، ونسأله المزيد منه بفضله وكرمه. (تنبيه) : لقد شارك شعيبًا في تضعيف هذا الحديث الصحيح تلميذه الآخر المدعو (حسان عبد المنان) في "ضعيفته" التي سبقت الإِشارة إليها في بعض

الاستدراكات المتقدمة، وكأنه شعر مما حكاه من التعليل الذي ذكره شيخه وغيره وليس فيه ما تقوم به الحجة، فأراد هو أن يتظاهر بما لم تستطعه الأوائل! فقال (ص 266) في أحد رواته إسماعيل بن أمية: "لم يصرح بالتحديث". قلت: وإسماعيل هذا ثقة ثبت كما قال الحافظ، وقد احتج به الشيخان، ولم يتهم بتدليس. ومن هنا يتجلى خطورة ما عليه الشيخ شعيب من تشبثه في تضعيف الأحاديث الصحيحة بأوهى العلل، وتشجيعه للطلاب الذين يتمرنون على يديه في تخريج الأحاديث على تقليده في ذلك، وابتكار العلل التي لا حقيقة لها في التضعيف. والله المستعان. ومعذرة إلى القراء فقد جرني البحث إلى الابتعاد عما كنت أريد الكتابة فيه، ألا وهو حديث هذا الاستدراك، فإنه من الأحاديث الأربعة الصحيحة التي ضعفها المومى إليه في رسيلته! (ص 36-37) بزعم أنه يخالف الأحاديث الصحيحة من رواية غير واحد من أصحابه - صلى الله عليه وسلم - أنه يخرج ناس من أمته من النار بالشفاعة! قلت: فأكد بزعمه جهله بطريقة التوفيق بين الأحاديث التي يظهر لبعضهم التعارض بينها؛ والحقيقة أنه لا تعارض عند التأمل والابتعاد عن التظاهر بالتحقيق المزيف كما هو الواقع في هذا الحديث الصحيح، فإنه ليس المراد به كل فرد من أفراد الأمة، وإنما من كان منهم قد صارت ذنوبه مكفرة بما أصابه من البلايا في حياته؛ كما قال البيهقي في "شعب الإِيمان" (1/342) : "وحديث الشفاعة يكون فيمن لم تَصِر ذنوبه مكفرة في حياته". قلت: فالحديث إذن من باب إطلاق الكل وإرادة البعض، أطلق "الأمة" وأراد بعضها؛ وهم الذين كفرت ذنوبهم بالبلايا ونحوها مما ذكر في الحديث، وما أكثر

المكفرات في الأحاديث الصحيحة والحمد لله، وفي ذلك ألف الحافظ ابن حجر كتابه المعروف في المكفرات. والباب المشار إليه واسع جدًا في الشرع، من كان على معرفة به لم يتعرض لمثل هذا الجهل الذي وقع فيه هذا المغرور، من ذلك قوله تعالى: {وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ} ؛ أي: صلاة الفجر، وقوله: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} ؛ أي: صَلِّ ما تيسر من صلاة الليل، ونحو ذلك وهو كثير. ومن هذا القبيل الحديث المتقدم (764- إن آل أبي فلان ليسوا بأوليائي..) الحديث؛ فإنه ليس على إطلاقه. قال الداودي: "المراد بهذا النفي من لم يسلم منهم". قال الحافظ عقبه في "الفتح" (10/420) : "أي فهو من إطلاق الكل وإرادة البعض، والمنفي على هذا المجموع لا الجميع". وقد يستنكر بعض القراء وصفي لهذا المؤلف بـ "المغرور"، فأقول: إن لم يكن هذا وأمثاله مغرورًا فليس في الدنيا من يستحق هذا الوصف، فاسمعوا كيف يقول بعد تخريج هذا الحديث (ص 36) : "صحح إسناده الحاكم ووافقه الذهبي، وحسن سنده ابن حجر، وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني في "الصحيحة" (959) لطرقه! وهذا الحديث مع أن أكثر أسانيده لا تصح (¬1) منكر المتن؛ لأنه يخالف الأحاديث الصحيحة ... " إلخ ما تقدم عنه.. فلنفترض أيها القراء! أن الشيخ الألباني لا علم عنده في رأي هذا المغرور، ¬

_ (¬1) فيه إشارة الى أن بعض أسانيده صحيح، فهو موافق للذين ذكر عنهم تصحيحه، لكنه تعالى عليهم بإدعاء نكارته! فما أجهله!

فهل الأمر كذلك عنده بالنسبة للحافظ ابن حجر والذهبي والحاكم؟! فإن لم يكن كذلك، فكيف يستعلي عليهم وينسبهم بلسان الحال -ولسان الحال أنطق من لسان المقال في بعض الأحوال - إلى أنهم جهلوا ما علمه هو من النكارة؟! ثم ليتأمل القراء في قوله عني: إنني صححت الحديث بطرقه، فإنه إذا رجع إلى تخريجي هناك فسيجد أنني خرجت الحديث أولًا من طريق المسعودي عن سعيد ابن أبي بردة ... ثم من طرق كثيرة عن أبي بردة به. فإذن الطرق مدارها على أبي بردة وحده. وعليه، فقوله بأنني صححت الحديث لطرقه، كذب إن كان يدري معنى قول العلماء في الحديث: "صحيح لطرقه"، فإنه بمعنى قولهم: "صحيح لغيره". ومن الواضح جدًا أن تصحيحي لغيره، لأنني لم أذكر طريقًا لغير أبي بردة، وتأكيدًا لهذا المعنى أضفت في هذه الطبعة الجديدة: "فهو إسناد صحيح جدًا"؛ لأن أبا بردة ثقة محتج به في "الصحيحين"، فهل كان كذبه هذا عمدًا تمويهًا على القراء وتضعيفًا للثقة بصحة الحديث؛ أو أنه لا يدري معنى ما قال؟! فما أحسن ما قيل في مثل هذه المناسبة: فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم ثم وجدت لأبي بردة متابعًا قويًا، أخرجه القضاعي في "مسند الشهاب" (2/100/968) من طريق البختري بن المختار قال: سمعت أبا بكر وأبا بردة يحدثان عن أبيهما -يعني أبا موسى الأشعري- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به. قلت: وهذا إسناد جيد، أبو بكر ثقة كأخيه أبي بردة، والبختري بن المختار وثقه وكيع وابن المديني، وهو من رجال مسلم، وقال الذهبي والحافظ العسقلاني: " صدوق ". هذا؛ وقد بقي شيء كدت أن أنساه، وهو قول المغرور عقب ما تقدم نقله عنه

من إعلاله الحديث بحديث الشفاعة: "قال الإِمام البخاري في "التاريخ الصغير" بعد أن أورد طرق هذا الحديث وأبان عن عللها: والخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة.. أكثر وأبين". فأقول: هذا حق لا شك فيه عند أهل العلم، أما أنه أكثر فهو المعروف في كتب السنة، وقد كنت خرجت طائفة منها في "ظلال الجنة" (2/401-404) . وأما أنه أبين؛ فيكفي للدلالة عليه أن المذكور إنما أشكل عليه حديث الترجمة ولم يتبين وجهه؛ بخلاف حديث الشفاعة فتبناه، وضرب به حديث الترجمة، مع أنه لا تعارض بينهما كما تقدم بيانه. لكن قول المذكور عن البخاري أنه أبان عن علل طرق الحديث التي أوردها؛ فهو كذب على البخاري! فإنه لم يزد البخاري في "الصغير" على أن خرج الحديث باللفظ المختصر الذي كنت خرجته هناك في آخر التخريج من طريق أبي بردة عن عبد الله بن يزيد، فقد خرجه البخاري في "الصغير" (ص 118 - هندية) من طريق أربعة عن أبي بردة، قال في ثلاث منها: "عن رجل من الأنصار" لم يسمه، وزاد في الثانية منها: "عن أبيه". وقال في الرابعة: "عن عبد الله بن يزيد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -"، فسماه وصرح بسماعه إياه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد كنت خرجته هناك كشاهد لحديث أبي موسى. وعبد الله بن يزيد هو الأنصاري الخطمي، له ولأبيه صحبة. ثم عقب البخاري على هذه الطرق الأربعة بقوله: "ويروى عن طلحة بن يحيى و.. وسعيد بن أبي بردة و.. والبختري بن المختار.. وعن أبي بردة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي أسانيدها نظر، والأول أشبه، والخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشفاعة.. أكثر وأبين". قلت: فأنت ترى أن البخاري لم يبين علة هذه الطرق التي أشار إليها، وإنما

اقتصر على قوله: "في أسانيدها نظر". فأين البيان المزعوم؟! والحقيقة أن في أكثر الطرق التي أشار البخاري إليها بتسميته لرواتها الذين دارت الطرق عليهم، وعددهم أحد عشر راويًا، أكثرهم ضعفاء، ولذلك حذفتهم مشيرًا إلى ذلك بالنقط ( ... ) وأبقيت الثلاثة الذين تراهم؛ لأنهم ثقات محتج بهم كما تقدم؛ إلا طلحة بن يحيى فلم يسبق له ذكر، وهو ثقة من رجال مسلم فيه كلام يسير، أشار إليه الحافظ بقوله: "صدوق يخطىء". وقد أخرج حديثه وحديث الآخرين الذين سردهم البخاري آنفًا في "التاريخ الكبير" (1/1/37-39) ، ولكنه لم يسق ألفاظ جميعهم، وختم ذلك بقوله: "ألفاظهم مختلفة إلا أن المعنى قريب". قلت: وليس بخاف على الخبير بهذا العلم وما ذكره العلماء في باب الشواهد والمتابعات أن اتفاق مثل هذا العدد الغفير على رواية هذا الحديث عن أبي بردة عن أبي موسى يجعل الحديث صحيحًا، بل ومتواترًا عن أبي بردة، حتى ولو فرضنا أنهم جميعًا ضعفاء، فكيف وفيهم أولئك الثقات الثلاثة؟! وجملة القول: إن الرجل قد أساء جدًا في اعتباره هذا الحديث الصحيح سندًا مثالًا لما ينتقد متنًا، لأنه قد دل بذلك على جهل بالغ بطرق التوفيق بين الأحاديث، كما أساء في ذكره حديث خلق التربة مثالًا آخر لما ذكر، وإن كان مسبوقًا إليه، فإنه مقلد لا يميز الخطأ من الصواب. ثم إنه لم يقف جهله وتعديه على الأحاديث الصحيحة إلى هذا الحد؛ بل ضعف حديثين آخرين بدعوى الشذوذ، أحدهما: حديث وائل في تحريك الإصبع في التشهد، مع أنني كنت رددت على من سبقه إلى ذلك من بعض من يماثله في الجهل بهذا العلم في "تمام المنة"، ثم رددت عليه خاصة فيما زعم من تفرد زائدة بن

قدامة به، مثبتًا بطلان زعمه لبعض التخريجات التي أيد بها زعمه! وذلك فيما سيأتي من هذه السلسلة -إن شاء الله- المجلد السابع (رقم 3181) . والآخر سأتكلم عليه -إن شاء الله تعالى- في الطبعة الجديدة للمجلد الأول من هذه السلسلة رقم (60) . 15- 963- (لا يزال هذا الدين قائمًا..) . يضاف في آخر (ص 653) بعد قوله: "والله سبحانه وتعالى أعلم " ما يأتي: ثم بدا لي احتمال آخر؛ وهو أن قوله: "عن أبي خليفة" محرف من "ثني أبي خليفة"، فقد رأيت في "تهذيب الحافظ" (8/301) أن فطر بن خليفة روى عن أبيه، وكذلك ذكر في ترجمة خليفة نفسه أنه روى عنه ابنه فطر، فإن صح هذا فيكون صواب الرواية: "عن فطر بن خليفة: ثني أبي خليفة.."، لكن يشكل على هذا أن الحافظ ذكر في ترجمة أبي خالد الوالبي أنه روى عنه فطر بن خليفة، وليس أبوه خليفة! وهكذا في "الجرح والتعديل"، فالأمر بعد يحتاج إلى مزيد من التحقيق، فمن وجده فليتفضل به ونحن له من الشاكرين. 16- 980- (لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام..) . (فائدة هامة) : واعلم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث: "إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم" ينبغي أن يفسر باللفظ الآتي في الحديث الذي بعده: ".. إلا وقبله يوم، أو بعده يوم"، وهو متفق عليه، وبالروايات الأخرى المذكورة تحته، فإنها تدل على أن يوم الجمعة لا يصام وحده، ويؤكد ذلك الشاهد المذكور هناك بلفظ: "لا تصوموا يوم الجمعة مفردًا"، ومعناه في "صحيح البخاري" من حديث جابر (1984) ، فقول الحافظ في "الفتح" (4/234) : "ويؤخذ من الاستثناء جواز صيامه لمن اتفق وقوعه في أيام له عادة يصومها؛ كمن يصوم أيام البيض، أو من له عادة بصوم يوم معين كيوم عرفة فوافق يوم الجمعة"!

فأقول: لا يخفى على الفقيه البصير أن الاستثناء المذكور فيه مخالفتان: الأولى: الإعراض عن الروايات المفسرة والمقيدة بجواز صيامه مقرونًا بيوم قبله أو بعده. والأخرى: النهي المطلق عن إفراد صوم يوم الجمعة، ومن المعلوم أن المطلق يجري على إطلاقه ما لم يأت ما يقيده، فإذا قيد بقيد لم يجز تعدّيه، ولا يصلح تقييد النهي هنا بما جاء من الفضل في صوم يوم معين -كعرفة أو عاشوراء أو أيام البيض- لمخالفته لقاعدة: الحاظر مقدم على المبيح، مثل صيام يوم الإثنين أو الخميس إذا اتفق مع يوم عيد الفطر أو أحد أيام الأضحى، فإنه لا يصام، لا لنهي خاص بهذه الصورة وإنما تطبيقًا للقاعدة المذكورة، وما نحن بصدده هو من هذا القبيل. كتبت هذا -بيانًا وأداءً للأمانة العلمية- بمناسبة أن الحكومة السعودية أعلنت أن يوم عرفة سيكون يوم الجمعة في موسم سنة (1411 هـ) ، فاضطرب الناس في صيامه، وتواردت عليّ الأسئلة من كل البلاد، وبخاصة من بعض طلاب العلم في الجزائر، فكنت أجيبهم بخلاصة ما تقدم، فراجعني في ذلك بعضهم بكلام الحافظ، ففصلت له القول تفصيلًا على هذا النحو، وذكرته ببعض الروايات التي ذكرها الحافظ نفسه، وأحدها بلفظ: ".. يوم الجمعة وحده، إلا في أيام معه". وفي شاهد له بلفظ: "إلا في أيام هو أحدها". فالجواز الذي ذكره الحافظ يخالف القاعدة والقيد المذكورين. وبهذه المناسبة أقول: إن هناك حديثًا آخر يشبه هذا الحديث من حيث الاشتراك في النهي مع استثناء فيه، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم.."، وهو حديث صحيح يقينًا، ومخرج في "الإرواء" (رقم 960) ، فأشكل هذا على كثير من الناس قديمًا وحديثًا، وقد لقيتُ مقاومة شديدة من بعض الخاصة، فضلًا عن العامة، وتخريجه عندي كحديث الجمعة، فلا يجوز أن نضيف إليه قيدًا آخر غير قيد "الفرضية" كقول بعضهم: "إلا لمن كانت له عادة من صيام، أو

مفردًا"؛ فإنه يشبه الاستدراك على الشارع الحكيم، ولا يخفى قبحه. وقد جرت بيني وبين كثير من المشايخ والدكاترة والطلبة مناقشات عديدة حول هذا القول، فكنت أذكرهم بالقاعدة السابقة وبالمثال السابق، وهو صوم يوم الاثنين أو الخميس إذا وافق يوم عيد، فيقولون يوم العيد منهي عن صيامه، فأبين لهم أن موقفكم هذا هو تجاوب منكم مع القاعدة، فلماذا لا تتجاوبون معها في هذا الحديث الناهي عن صوم يوم السبت؟! فلا يُحيرون جوابًا؛ إلا قليلًا منهم فقد أنصفوا جزاهم الله خيرًا، وكنت أحيانًا أطمئنهم وأبشرهم بأنه ليس معنى ترك صيام يوم السبت في يوم عرفة أو عاشوراء مثلًا أنه من باب الزهد في فضائل الأعمال، بل هو من تمام الإِيمان والتجاوب مع قوله عليه الصلاة والسلام: "إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا بدلك الله به ما هو خير لك منه". وهو مخرج في "الضعيفة" بسند صحيح تحت الحديث (رقم 5) . هذا؛ وقد كان بعض المناقشين عارض حديث السبت بحديث الجمعة هذا، فتأملت في ذلك، فبدا لي أن لا تعارض والحمد لله، وذلك بأن نقول: من صام يوم الجمعة دون الخميس فعليه أن يصوم السبت، وهذا فرض عليه لينجو من إثم مخالفته الإِفراد ليوم الجمعة، فهو في هذه الحالة داخل في عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث السبت: "إلا فيما افترض عليكم". ولكن هذا إنما هو لمن صام الجمعة وهو غافل عن النهي عن إفراده، ولم يكن صام الخميس معه كما ذكرنا، أما من كان على علم بالنهي؛ فليس له أن يصومه؛ لأنه في هذه الحالة يصوم ما لا يجب أو يفرض عليه، فلا يدخل -والحالة هذه- تحت العموم المذكور، ومنه يعرف الجواب عما إذا اتفق يوم الجمعة مع يوم فضيل، فلا يجوز إفراده كما تقدم، كما لو وافق ذلك يوم السبت؛ لأنه ليس ذلك فرضًا عليه. وأما حديث: "كان - صلى الله عليه وسلم - يكثر صيام يوم السبت"، فقد تبين أنه لا يصح من قبل

إسناده، وقد توليت بيان ذلك في "الضعيفة" برقم (1099) من المجلد الثالث، فليراجعه من شاء الوقوف على الحقيقة. واعلم أن هذا الحديث مع تصحيح من تقدم ذكرهم من الأئمة والحفاظ هناك -وهم الإِمام مسلم وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي، ومن أقر تصحيحهم كالبيهقي في "سننه"، والنووي في "رياضه"، والعسقلاني في "فتحه" (4/2330) و"تلخيصه" (4/215) وغيرهم كثير ممن احتج به على بدعية صلاة الرغائب كما يأتي- مع ذلك كله فقد خالفهم المدعو (حسان عبد المنان) كعادته -فأورده في "ضعيفته" التي سبق الكلام عليها، وبيان بعض الطامات والمخالفات التي فيها تحت الاستدراك (13) - متشبثًا بإعلال أبي حاتم وأبي زرعة إياه بدعوى أن حسينًا الجعفي وهم في ذكر أبي هريرة في روايته عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه، وإنما هو عن ابن سيرين مرسل ليس فيه أبو هريرة. رواه أيوب وهشام وغيرهما كذا مرسل. كذا وقع في "علل ابن أبي حاتم": "وهشام"، وأظنه خطأ؛ لأن رواية هشام مسندة عن أبي هريرة عند مسلم وغيره ممن خرج حديثه كما تقدم، وكذلك ذكرها المزي كما عرفت. ومهما يكن من أمر؛ فتوهيم حسين في إسناده عن أبي هريرة مما لا وجه له؛ لأنه لم يتفرد به، فقد وصله أيضًا عاصم بن سليمان الأحول عن ابن سيرين؛ لكنه قال: "عن أبي الدردا. وهذا اختلاف شكلي لا يضر؛ لأنه انتقال من صحابي إلى آخر، وكلهم عدول، مع احتمال أن يكون ابن سيرين تلقاه عنهما كليهما، فكان يرويه تارة عن هذا وتارة عن هذا، وليس ذلك بكثير على مثل ابن سيرين الثقة الثبت. أخرجه أحمد (6/444) قال: ثنا أسود بن عامر: ثنا إسرائيل عن عاصم به. ومن طريق الأسود أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/141-142) . وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

وذكره الحافظ المزي في "تحفته" (8/232/10962) من رواية النسائي فقط، وقال عقبها: "وتابعه معمر عن أيوب عن ابن سيرين". وهذا ظاهر في أنه يعني أن أيوب قد تابع عاصمًا في روايته عن ابن سيرين مسندًا عن أبي الدرداء، فاحفظ هذا لما يأتي. ثم أشار الحافظ إلى رواية هشام المسندة عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ثم قال: "وروي عن هشام عن ابن سيرين عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -". وقال: "وروي عن أيوب وابن عون ويونس بن عبيد عن محمد بن سيرين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي الدرداء". قلت: يعني: أنهم أرسلوه لم يذكروا أبا هريرة، ورواية أيوب هذا إنما يرويها عنه معمر، وعنه عبد الرزاق في "المصنف" (4/279/7803) ، وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/267-268) ، وهي من رواية إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق، وفيها كلام معروف؛ لأن الدبري سمع من عبد الرزاق وهو ابن سبع سنين، وهي على خلاف رواية معمر الأولى عن أيوب المتابعة لرواية عاصم عن ابن سيرين المسندة كما تقدم عن المزي؛ فتذكر. وأما رواية ابن عون فهي المتقدمة هناك تحت الحديث من رواية ابن سعد بسند صحيح عن ابن سيرين مرسلًا، وفيه سبب الحديث. وأما رواية يونس بن عبيد فلم أقف على من وصلها (¬1) ، وكذا رواية معمر الأولى. ¬

_ (¬1) نعم وصله عنه ابن عدي (4/335) عن طريق عباد بن كثير عنه عن الحسن عن أبي الدرداء مرفوعًا. فأسنده! لكن عبادًا هذا -وهو الثقفي- متروك باعتراف الجاني!

وعلى هذا التحقيق فإني أقول: إذا أسقطنا هاتين الروايتين من عين الاعتبار -لجهلنا بحال الإسناد إليهما- فإنه يبقى لدينا روايتان معروفتان لكل من المسند والمرسل، وإذا تذكرنا أن روايتي المسند صحيحتان، وروايتي المرسل إحداهما فقط صحيحة، والأخرى ضعيفة -وهي رواية أيوب المعلولة بالدبري- يترجح بوضوح لا خفاء فيه أن الحديث مسند عن أبي هريرة وأبي الدرداء، بل أستطيع أن أقول بأرجحية المسند حتى لو فرضنا صحة رواية أيوب المرسلة أيضًا؛ لأن المسند معه زيادة من ثقتين، وهي مقبولة في مثل هذه الحالة اتفاقًا. فلننظر الآن ماذا فعل هذا الجاني على السنة -المضعف للأحاديث الصحيحة- من قلب للحقائق وكتم للعلم؛ ليظهر نفسه أنه محقق غير مقلد في هذا العلم الجليل: أولًا: كتم رواية معمر الأولى عن أيوب التي ذكرها المزي! ثانيًا: كتم ضعف روايته الأخرى عن أيوب، وهو يعلم أنها من رواية الدبري عنه، وهو يضعف عادة من هو أوثق منه بكثير إذا روى ما لا يهوى! ثالثًا: تجاهل صحة إسناد الرواية المسندة عن أبي الدرداء فنسبها للنسائي وكفى! رابعًا: تغافل عن تصحيح من ذكرنا لرواية أبي هريرة، وعن احتجاج من احتج به من العلماء -كما سبقت الإِشارة إليه- المستلزم لصحة المحتج به كما لا يخفى، فقال الإِمام النووي في "شرح مسلم": "واحتج به العلماء على كراهة هذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب، قاتل الله واضعها ومخترعها، فإنها بدعة منكرة.." إلخ كلامه الطيب، ونقله عنه الصنعاني والشوكاني وغيرهما وأقروه. وإن مما يلفت النظر ويسترعي انتباه الباحث أن الرجل في جل الأحاديث التي ضعفها يختم كلامه بذكر موافقة الشيخ شعيب إياه على التضعيف، وقد رابني ذلك

منه لكثرة ما رأيت في تعليقات الشيخ خلاف ما ينسب إليه -وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في بعض الاستدراكات المتقدمة- ومن ذلك هذا الحديث، فقد علق الشيخ عليه في ".. صحيح ابن حبان" بقوله (8/377) . "إسناده صحيح رجاله ثقات..". ثم خرجه برواية مسلم وابن خزيمة وتصحيح الحاكم وموافقة الذهبي، فلا أدري هل تراجع الشيخ عن تصحيحه مسايرة منه لتلميذه؛ أم أن هذا قال على شيخه ما لم يقل تقوية لموقفه؟! ذلك ما ستكشف عنه الأيام القادمة إن شاء الله تعالى (¬1) . وإن من المفارقات العجيبة والأوهام الظاهرة -التي لا يقع في مثلها إلا من كان مبتدئًا في هذه الصناعة- نسبة الشيخ شعيب لحديث ابن سيرين المرسل لرواية البخاري عن أبي جحيفة! فقد ذكر الذهبي هذا المرسل في "السير" (1/543) ، فقال الشيخ في تخريجه: "أخرجه أحمد (6/444) .. وابن سعد (4/1/61) مطولًا، والبخاري نحوه في "الصوم".. عن أبي جحيفة.."، وساق لفظه المطول، وليس فيه ولا كلمة مما في المرسل! ومن جهة أخرى أوهم أن الحديث عند أحمد مرسل أيضًا كما هو عند ابن سعد، وإنما هو مسند عن أبي هريرة! ومثل هذا التخريج الواهي يجعلني أعتقد أن كثيرًا من التخريجات التي نراها منسوبة للشيخ شعيب ليست له، وإنما هي بقلم بعض من يتدرب تحت يده ممن لا علم عندهم كحسان هذا، ومثله المعلق على "الإِحسان"، ففي تعليقاته عليه أوهام كثيرة -تبينت لي أثناء تحقيقي لكتاب "موارد الظمآن"، وهو وشيك الانتهاء إن شاء الله- استبعدت أن تقع من الشيخ شعيب؛ لأنها أوهام مكشوفة! ثم رأيت الحديث في "مصنف ابن أبي شيبة" (3/45) من رواية سفيان عن ¬

_ (¬1) وبعد كتابة هذا بأيام هتف إليّ من أظن به الصدق والمعرفة فيما هتف أن الشيخ استُدرج إلى الموافقة! ولله في خلقه شؤون.

عاصم عن ابن سيرين قال: "لا تخصوا..". فذكر الحديث موقوفًا على ابن سيرين كما ترى، وإسناده صحيح؛ ولكنه لا يعل به المرفوع مسندًا ومرسلًا؛ لما سبق ذكره أن زيادة الثقة مقبولة. فأحببت أن أذكر هذا خشية أن يعثر عليه جاهل آخر بهذا العلم فيعل الحديث بهذا الموقوف كما أعله حسان بالإرسال! وحقيقة الأمر؛ أنه لا غرابة في ورود الحديث على وجوه مختلفة؛ تارة مسندًا، وتارة مرسلًا، وتارة موقوفًا، والراوي واحد كابن سيرين هنا، وذلك لأنه قد ينشط الراوي أحيانًا فيسنده، وقد يرسله تارة اختصارًا، وقد لا ينشط فيذكره موقوفًا، وقد يكون السبب شعوره بأن الحديث معروف بالرفع فلا يرى ضرورة للتصريح برفعه، والعبرة في هذه الحالة المصير إلى الترجيح المسوغ للبت بأنه مرفوع مسند، أو مرفوع مرسل، أو موقوف، فإذا ترجح الأول لم ينافِه ما دونه لما ذكرت. والله سبحانه وتعالى أعلم. وإن مما يؤكد صحة الحديث وشهرته عند السلف ما رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم -وهو ابن يزيد النخعي- قال: "كانوا يكرهون أن يخصوا يوم الجمعة والليلة كذلك بالصلاة". ورجاله ثقات. هذا؛ وبمناسبة ما ابتلينا به من كثرة الشباب وغيرهم الذين يكتبون في هذا العلم- وهم عنه غرباء مفلسون، كما يقطع بذلك كل منصف وقف على النماذج الكثيرة من الأوهام؛ بل والجهالات المتقدمة في هذه الاستدراكات، وفي المقدمة أيضًا في هذا المجلد وغيره (¬1) -فإني أرى لزامًا علي أن أذكر- و {الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} - فأقول: إني أنصح أولئك الكاتبين والناقدين أن لا يتسرعوا بالكتابة -إن كانوا ¬

_ (¬1) انظر مقدمة (المجلد الأول) من "السلسلة الضعيفة" الطبعة الجديدة، وقد صدرت حديثًا.

مخلصين- لمجرد أنهم ظنوا أنهم صاروا أهلًا لذلك، بل عليهم أن يتريثوا ويتمرسوا فيه زمنًا طويلًا؛ حتى يشعروا في قرارة نفوسهم أنهم صاروا علماء فيه، وذلك بأن يقابلوا نتائج كتاباتهم وتحقيقاتهم بأحكام من سبقنا من الحفاظ والنقاد في هذا العلم، فإذا غلب عليها موافقتهم كان ذلك مؤشرًا قد سلكوا سبيل المعرفة بهذا العلم. هذا أولًا. وثانيًا: أن مشهد لهم بذلك بعض أهل العلم الصالحين المعاصرين بعد أن يطلعوا على شيء من كتاباتهم وتحقيقاتهم، ذاكرين نصيحة الشاطبي المتقدمة (ص 713) ، فإنها صريحة في أنه من اتباع الهوى أن يشهد المرء لنفسه بأنه عالم! وأنا أقرب هذا لكل مخلص من طلاب العلم بلفت نظره إلى مثل قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، فإنه يدل بفحوى الخطاب على أن المجتمع الإسلامي من حيث العلم والجهل قسمان: أهل الذكر -وهم العلماء بالقرآن والسنة وهم الأقلون- والذين لا يعلمون وهم الأكثرون، بنص القرآن وبحكم المشاهدة والواقع، فإذا علم هذا؛ فلينظر أولئك المشار إليهم هل هم من الأقلين أم من الأكثرين؟ وفي ظني أنهم سوف لا يجدون أنفسهم -إذا كانوا من المتقين- إلا من الأكثرين، وحينئذ عليهم أن يعودوا إلى رشدهم، ويتوبوا إلى ربهم من حشرهم أنفسهم في زمرة أهل الذكر، فإذا بدا لهم أنهم من هؤلاء؛ فعليهم أن يحتاطوا لدينهم وأن يسألوا أهل الذكر حقًا، فإن شهدوا لهم بذلك حمدوا الله وسألوه المزيد من علمه، وإلا فهم من المغرورين المعجبين بأنفسهم، الهالكين بشهادة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - القائل: "ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوىً متّبع، وإعجاب المرء بنفسه" (¬1) . كيف لا وهو القائل: "لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أشد من ذلك؛ العُجْبَ العُجبَ"؟! {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} . ¬

_ (¬1) سيأتي تخريجه برقم (1802) ، والذي بعده مضى برقم (658) ، ومن أراد الوقوف على آفات العجب ومصائبه وعلته وعلاجه فليرجع إلى كتاب "الإحياء" للغزالي، فإنه نافع في بابه.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الثانية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد، فإني أقدم اليوم إلى القراء الأحبة المجلد الثالث من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" في طبعته الثانية الجميلة، بعد أن نفدت نسخ الطبعة الأولى منه، وكثر الطلب عليه، وتهيأت الأسباب لِإعادة طبعه على طريقة التصوير المعروفة اليوم بـ (الأوفست) . ولذلك فقد أعدت النظر فيه، ونقحته، وضممت إليه بعض الزوائد المفيدة، وصححت الأخطاء المطبعية التي كانت فيه، بالقدر الذي تساعدني عليه الطريقة المذكورة، وجعلت بقية الزوائد والفوائد في آخر الكتاب تحت عنوان: (استدراك وتصويب) ، مشيراً إليها بجعلها بين حاصرتين [] . وألحقت ذلك بفهارس سبعة، بَديل الفهارس الأربعة التي كانت في الطبعة الأولى؛ لأنها لم تكن بقلمي، ولا كانت مرتبة الترتيب العلمي الدقيق الذي جريت عليه في المجلدات التي قبله وبعده، ذلك لأن المجلد طُبع أكثره وأنا في عمان، فتولى تصحيح تجاربه، ووضع فهارسه غيري من إخواننا الناشئين في سوريا. فالحمد لله الذي يسر لي إعادة طبعه، والإشراف على تصحيحه، ووضع فهارسه، وقد ساعدتني في ذلك ابنتي أُنَيْسة زوجة نظام سكجها صاحب المكتبة الإسلامية؛ جزاهما الله تعالى خيراً.

هذا، وقد كان جاءني خطاب مؤرخ في 7/7/1403 هـ من أحد الأفاضل السعوديّين في الرياض، يذكر فيه أن الحديث الذي أوردته في هذا المجلد برقم (1449) من رواية البخاري في "الأدب الفرد" ضعيف جداً! وأنه قد أعجب به طائفة من الذين يَتّبعونني (!) في التصحيح والتضعيف، والاستنباط الفقهي، وأخذوا يعملون به! يعني زيادة: "ومغفرته" في رد السلام، الواردة في الحديث المشار إليه. وأرفق مع الخطاب ورقة كبيرة ذات وجهين، يبين فيها وجهة نظره في التضعيف المزعوم، ونزولاً عند رغبته كتبت إليه برأيي فيه. ويمكن تلخيص كلامه في أربعة أمور: الأول: أن قولي هناك: "رجاله ثقات من رجال "التهذيب" غير إبراهيم ابن المختار الرازي"؛ إنما هو سبق قلم مني لأنه من رجال "التهذيب". الثاني: أن إبراهيم هذا قد قال البخاري فيه: "فيه نظر"، وقال ابن معين.. إلخ. الثالث: أن فوقه هارون بن سعد قال فيه ابن معين وأبو حاتم: ليس به بأس.. إلخ. الرابع: أن محمداً شيخ البخاري فيه ليس هو ابن سعيد الأصبهاني الثقة كما جزمت أنا به، وإنما هو ابن حميد المتروك عند البخاري نفسه! فكتبت إليه جواباً مفصلاً في الرد عليه، بينت له فيه خطأه فيما ذهب إليه، إلا الأمر الأول فإنه مصيب فيه، ولذلك فإني صححت في هذه الطبعة عبارة: "غير إبراهيم.." فجعلتها "وإبراهيم.." جزاه الله خيراً.

وخلاصة الرد فيما أذكر -فإني لم أحتفظ بنسخة منه لنفسي، وهذا من عيوبي التي أرجو الله تعالى أن يغفرها لي- كآلاتي: أما الأمر الثاني، فإني لم أعتمد على قول من جرحه لسببين: أحدهما: أنه جرح مبهم غير مفسر. والآخر: أنه معارض بتوثيق من وثقه، وفيهم بعض المعروفين بالتشدد، وهو أبو حاتم فإنه قال -كما ذكرت هناك-: "صالح الحديث". وقد عزاه الفاضل المشار إليه لأبي داود، وهو من أوهامه، وإنما قال فيه أبو داود: "لا بأس به". كما في "التهذيب". هذا قوله، وهو في المعنى موافق لقول أبي حاتم، ونحوه فعل ابن حبان وابن شاهين فإنهما ذكراه في "الثقات". وأما الثالث: فيكفي في رده ما نقله الفاضل نفسه عن الذهبي والعسقلاني أنه صدوق. ولا يضره أنه رافضي ما لم يكن داعية لأن العبرة في الرواية الصدق والضبط كما هو مقرر في علم المصطلح، على أنه قد ذكر بعضهم أنه نزع عن الرفض، ولعله لذلك اقتصر الذهبي في "الكاشف" على قوله فيه: "صدوق". ولم يرمه بالرفض. وأما الرابع: فهو من أعجب ما تغنى به! فإنه في الوقت الذي يأخذ

علي جزمي بأن محمداً شيخ البخاري في هذا الحديث هو ابن سعيد الأنصاري، بدعوى أنه لا دليل عليه! إذا به يعارضه دون أي دليل أو شبه دليل، بل مجرد ادعاء؛ لو قاله بخاري زمانه لم يقبل منه! فاسمع إليه كيف يقول: "فالقطع بأن قول البخاري: "قال محمد" يعني ابن سعيد يفتقر إلى دليل، بل عندي أنه من رواية (كذا قال! ويعني أنه هو) ابن حميد الرازي، وكأن البخاري رحمه الله قال: "قال محمد" لهذه العلة، فيتأمل هذا الموضع". فأقول: لقد تأملته فوجدته تكلفاً ظاهراً، يعتمد على مجرد الاحتمال، وترجيح بدون مرجح، وهو ما نسبه إلي بزعمه ثم أنكره علي! مع فارق كبير بيني وبينه -لا أقول من حيث التمكن والتمرس في هذا العلم- وإنما من حيث إنني قرنت الدعوى مع الدليل فقلت هناك في محمد بن سعيد: "وهو من شيوخ البخاري في (الصحيح) ". وهذا ما ذكروه صراحة في ترجمة محمد هذا، ولم يذكروا مثله في ترجمة محمد بن حميد الرازي، فلا أدري كيف تجاهل صاحبنا هذا كله، فأنكر علينا ما هو واقع فيه، ونحن بُرآء منه بفضل الله تبارك وتعالى. ثم ما معنى قوله: "وكأن البخاري رحمه الله قال: "قال محمد" لهذه العلة.."؟ أليس يعني أن البخاري لم ينسب محمداً هذا -وهو ابن حميد الضعيف عنده- إلا تعمية لحاله وستراً عليه؟! أليس هذا أشبه ما يكون بنوع من أنواع التدليس وهو المعروف بتدليس الشيوخ؟! وهل يصح أن ينسب

ذلك لأمير المحدثين البخاري؟! قال الحافظ ابن كثير في "اختصار علوم الحديث" (ص 59) في تعريف التدليس المذكور: "هو الإتيان باسم الشيخ أو كنيته على خلاف المشهور به تعمية لأمره، وتوعيراً للوقوف على حاله، ويختلف ذلك باختلاف المقاصد، فتارة يكره، كما إذا كان أصغر منه سناً،.. وتارة يحرم كما إذا كان غير ثقة فدلسه لئلا يعرف حاله...."! فهل يليق بطالبٍ لهذا العِلْمِ أن يصدر منه مثل ذاك الكلام الذي يمس الإِمام البخاري ويرميه بالتدليس وتعميته أمر الراوي على الناس؟! أليس كان الأولى به إذا لم يكن لديه ما يرجح ما رجحناه أن يحسن ظنه بالبخاري ويحمل عدم نسبته لشيخه محمد على أنه الثقة، وليس المتروك عنده؟! هذا كان أولى به. والله الهادي. ذلك خلاصة ما كنت كتبت به إليه في ردي المرسل إليه، فماذا كان موقفه تلقاءه؟ لقد كتب إلي جواباً آخر بتاريخ (8/12/1403 هـ) قال فيه بعد السلام والمقدمة، والدعاء لي بالخير، ووصفه إياي بـ "المحدث الخطير"! قال: "شيخنا الجليل: جوابكم على مكتوبي وصل في حينه.. وها أنا ذا أعطف على ما كتبتم جواباً هو من باب "رب ناقل فقه إلى من هو أفقه منه"، و"رب ناقل فقه غير فقيه"، ومنكم نستفيد، ومن علومكم ننهل". فهل استفاد شيئاً؟ لا، فإنه أرسل مع الجواب بحثاً له في ثمان

صفحات! يدندن فيه حول عدم شرعية الزيادة المذكورة في رد السلام وليس في إلقائه، واستدل على ذلك بحديثين ضعيفين، أحدهما منكر، والآخر شاذ، وقد فصلت القول فيهما في الكتاب الآخر "الضعيفة" (5433) ، وبينت فيه تعصبه لرأيه، ومخالفته للعلماء في ترجيحه التعديل على التجريح المفسر، ومحاولته تضعيف رواية الجرح عن الإمام أحمد بقوله: "ولم أجد هذا القول مستفيضاً عن أحمد"! مع أن العلماء تلقوه بالقبول كالذهبي والهيثمي وغيرهما. ثم أتبع الحديثين المشار إليهما بأثرين صحيحين عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، لا حجة له فيهما لأنهما في ابتداء السلام وليس في رده فهو لا يفرق بين الابتداء به ورده، ولذلك فهو يعلل الحديث بهما، ويرد بعض الآثار الواردة عن السلف على وقفه! وقد خرج بعضها في المصدر الآنف الذكر، منها عن ابن عمر أنه كان إذا سُلِّم عليه فرد زاد، قال سالم مولى ابن عمر: "فأتيته فقلت: السلام عليكم. فقال: السلام عليكم ورحمة الله،.. ثم أتيته مرة أخرى فقلت: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وطيب صلواته". رواه البخاري في "الأدب المفرد"، وسكت عنه الحافظ في "الفتح". فإذا أردت أيها القارئ أن تعرف أنه لا يفرق بين الابتداء بالسلام ورده، وأنه يخلط بينهما، فاسمع قوله: "وكأن ابن عمر رضي الله عنهما كان يأخذ بالزيادة على ما في إطلاق

الآية وعمل بها، فلذا كان الناس يحيونه بما مر، ثم وقف على علم في هذا فنهى من زاد، وقال: "حسبك إلى وبركاته". كما أخرجه ابن وهب". قلت: وهذا كذب على ابن عمر وابن وهب أيضاً، فإن نص روايته كما ذكره هو ونقله عن "الفتوحات الربانية". (5/293) وهذا عن ابن حجر، دون أن يشير إلى ذلك!: عن ابن عمر أن رجلاً سَلَّم عليه فزاد: "ومغفرته"، فانتهره ابن عمر وقاك: حسبك إلى "وبركاته". فأنت ترى أن هذا الأثر في النهي عن الزيادة في إلقاء السلام، وأن زيادة ابن عمر في رده وفقاً للآية. فالعجب من هذا الكاتب الفاضل، كيف يخلط هذا الخلط الفاحش، ويتجرأ على إبطال العمل بإطلاق الآية - على حد تعبيره، ومخالفة الآثار السلفية الموافقة لها، بله الحديث، ولا يتنبه للفرق بين ذلك كله، وبين الأثرين الآخرين اللذين ذكرهما عن ابن عمر وابن عباس كما تقدمت الإشارة إليهما، وهما في النهي عن الزيادة في الإلقاء كأثر ابن عمر هذا الذي سُقت آنفاً نصه، ويحرص كل الحرص على صدّ الناس العاملين بذلك، بناء على هذا الخلط في الفهم، والجهل بهذا العلم، والله المستعان. ومما يؤكد ذلك أن الحافظ ابن حجر قال في "الفتح" (11/6 - الطبعة السلفية) بعد أن ساق الآثار من النوعين، وبعض الأحاديث الموافقة للحديث الذي نحن في صدد الدفاع عنه، والرد على من ضعفه. وقد عزاه للبيهقي دون البخاري! قال:

"ونقل ابن دقيق العيد عن أبي الوليد بن رشد. أنه يؤخذ من قوله تعالى: {فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} الجواز في الزيادة على البركة إذا انتهى إليها المبتدئ". ثم قال: "وهذه الأحاديث الضعيفة إذا انضمت قوي ما اجتمعت عليه من مشروعية الزيادة على (بركاته) ". وهذه شهادة هامة من أمير المؤمنين في الحديث ترد على الكاتب المومى إليه من الناحيتين الحديثية والفقهية، وتطابق تماماً ما ذهبنا إليه حديثياً وفقهياً، فطوبى لإِخواننا الذين يعملون بهذه السنة وغيرها؛ وبخاصة الذين بشرنا بهم الكاتب في خطابه الأول إليَّ، مريداً منهم تركها! فـ {طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآَبٍ} ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ذلك، ثم خطرت في بالي خاطرة، استكمالاً لما كنت رجحته فيما رددت به على الأخ الفاضل أن شيخ البخاري في الحديث الذي ضعفه ليس هو محمد بن حميد الرازي الضعيف، وإنما هو محمد بن سعيد الأصبهاني الثقة الذي اعتمده البخاري في "صحيحه"، فكلفت أحد أصهاري أن يتتبع لي من "التاريخ الكبير" للبخاري أسماء (المحمدين) من شيوخه الذين روى عنهم فيه مباشرة أو تعليقاً، ففعل جزاه الله خيراً، فانكشف لي ما يأتي: أنه حين يروي لمحمد بن حميد الرازي، فهو يبينه بأحد وجهين: الأول: أن يسميه منسوباً لأبيه: (محمد بن حميد) كما رأيته في مواضع عديدة، وهذه أرقامها:

(2/2/49 و74 و299 و3/2/16 و274 و4/1/73 و131) ، ومن المفيد أن أقول: إنه قد صرح بالتحديث عنه في أكثر هذه المواضع، وهذا مما لم يذكر في ترجمته ولا في ترجمة الرازي في "تهذيب الكمال" للحافظ المزي ولا فروعه، وكأن ذلك لضعفه، أو لعدم رواية البخاري عنه في كتبه الأخرى التي ترجموا لرواتها، كـ "الأدب المفرد" وغيره. الثاني: أن يقتصر على نسبته لأبيه دون أن يسميه فيقول: (قال ابن حميد) ، وهذه أرقامها: (1/2/196 و324 و 2/2/218 و4/1/1/98-99) . وقد رأيته أبهمه في موضعين اثنين فقط: أحدهما: في (2/1/204) . والآخر: في (3/2/119) . لكن بالنسبة للموضع الأول، فقد بينه في مكان آخر (1/2/196) بأنه (ابن حميد) في نفس الحديث الذي رواه في الموضع الأول، فمن المحتمل أنه سقط بيانه من الناسخ هناك. وأما الموضع الآخر، فيمكن أن يقال فيه الاحتمال المذكور قبل، وما سيذكر قريباً من اختلاف النسخ. ثم وجدت فيه موضعاً ثالثاً، وقع فيه مبهماً (3/1/16) ، لكن ذكر المصحح في تعليقه عليه أنه وقع في نسخة "محمد بن حميد"، ولذلك ذكرته في الأول المتقدم. والخلاصة: إن هذا التتبع والتحقيق كشف لي عن أن من عادة

البخاري في "التاريخ الكبير"، أنه إذا روى عن محمد بن حميد الرازي بينه ونسبه بوجه من الوجهين السابقين، وهو اللائق بمقامه في دينه وعلمه، وتنزُّهه عن التدليس، كما سبق بيانه، فلا ينتقض ذلك بما وقع في تلك المواضع القليلة، لما ذكرته آنفاً. وبذلك نتأكد من صواب ما كنت رجحته في ردي المشار إليه: إن الحديث من رواية البخاري عن محمد بن سعيد الرازي الثقة، وليس من روايته عن محمد بن حميد الرازي كما جزم به الفاضل المردود عليه دون حجة أو برهان، لأنه لو كان من حديثه لبينه البخاري كما فعل بغيره من الأحاديث المشار إليها بأرقامها المتقدمة، وبذلك أيضا أثبتنا أن البخاري ليس من عادته أن يستر حال محمد بن حميد الرازي بعدم نسبته لأبيه لضعفه! كما أشعر به من لم يحسن الكتابة في هذا الموضوع الدقيق، والله تعالى ولي التوفيق، وهو الهادي إلى أقوم طريق. هذا، ولا يفوتني أن أشكر بعض إخواننا الذين نبهونا على بعض الأخطاء التي كانت في الطبعة السابقة، فصححناها قدر استطاعتنا، فجزاهم الله خيرا، وجعلنا وإياهم من الصالحين. الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وعلى ربهم يتوكلون. عمان 6 شوال 1406 هـ وكتب محمد ناصر الدين الألباني

1001

1001 - " لا تتخذوا المساجد طرقا إلا لذكر أو صلاة ". رواه ابن أبي ثابت في " حديثه " (1 / 126 / 1) : حدثنا أحمد بن بكر البالسي: حدثنا موسى بن أيوب قال: حدثنا يحيى بن صالح عن علي بن حوشب عن أبي قبيل عن سالم عن أبيه مرفوعا. ورواه الطبراني في " الكبير " (3 / 194 / 2) وفي " الأوسط " (20 / 2) من " مجمع البحرين " وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (12 / 39 / 2) من طريق أخرى عن يحيى بن صالح الوحاظي به. قلت: وهذا سند حسن. رجاله كلهم ثقات، وفي أبي قبيل - واسمه يحيى بن هانيء - كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، ولهذا قال الحافظ المنذري في " الترغيب " (1 / 124) : " إسناده لا بأس به ". ونحوه قول الهيثمي (2 / 24 ) : " ورجاله موثوقون ". وأخرجه ابن ماجة من طريق أخرى عن ابن عمر في حديث له لكن إسناده ضعيف كما بينته في " الضعيفة " (1497) . وله شاهد من حديث ابن مسعود نحوه وقد مضى برقم (649) . 1002 - " لا، بل عبدا رسولا ". أخرجه ابن حبان (2137) وأحمد (2 / 231) من طريق محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: " جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء، فإذا ملك ينزل، فقال له جبريل: هذا الملك ما نزل منذ خلق قبل الساعة، فلما نزل قال: يا محمد أرسلني إليك ربك: أملكا أجعلك أم عبدا رسولا؟ قال له جبريل: تواضع

1003

لربك يا محمد! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس يرويه بقية عن الزبيدي عن الزهري عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عنه به. أخرجه البغوي في " شرح السنة " (3 / 473 - نسخة المكتب) وسنده ضعيف. وله طريق أخرى عن ابن عباس، وهو ضعيف أيضا. أخرجه البيهقي في " الزهد " (ق 50 - 51) وفيه زيادات منكرة، منها: أن الملك هو إسرافيل، وأنه نزل حين شكا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام أنه أمسى وليس له كفء سويق! وله شاهد آخر من حديث عائشة. وإسناده ضعيف أيضا، وفيه: أن حجزة المالك لتساوى الكعبة! ولذلك فإني قد خرجته والذي قبله في " الضعيفة " (2044 و 2045) . 1003 - " اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم ". أخرجه أبو داود (2747) عن حيي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو: أن رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم بدر في ثلاثمائة وخمسة عشر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره وفيه: " ففتح الله له يوم بدر، فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين، واكتسوا وشبعوا ". قلت: وهذا إسناد حسن ورجاله ثقات رجال الصحيح، وفي حيي وهو ابن عبد الله المعافري كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وفي " التقريب ": " صدوق يهم " .

1004

1004 - " من رآني في المنام، فكأنما رآني في اليقظة إن الشيطان لا يستطيع أن يتمثل بي ". أخرجه ابن ماجة (4 / 390) عن صدقة بن أبي عمران، وابن حبان (1801) عن زيد ابن أبي أنيسة كلاهما عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح. (تنبيه) أورده صاحب " مختصر المشكاة " (رقم 118) عن أبي هريرة مرفوعا به دون قوله " إن الشيطان ... " وقال: " رواه ابن حبان ". وليس هو عنده من حديث أبي هريرة، وإنما من حديث أبي جحيفة ومع الزيادة المذكورة. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " الكبير " بإسناد رجاله ثقات كما قال الهيثمي (7 / 181) . 1005 - " من جاءه من أخيه معروف من غير مسألة ولا بإشراف نفس فليقبله ولا يرده، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ". أخرجه ابن حبان (854) والحاكم (2 / 62) وأحمد (4 / 220 - 221) وابن سعد (4 / 350) عن أبي الأسود عن بكير بن عبد عبد الله عن بسر بن سعيد عن خالد بن عدي الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره . قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي الأسود واسمه النضر بن عبد الجبار المرادي مولاهم المصري وهو ثقة، ولذا قال الحاكم : " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وللحديث شواهد كثيرة، أخرج بعضها أحمد (5 / 65 و 195 و 6 / 452) ، ورواه الشيخان وغيرهم من حديث عمر، وسيأتي إن شاء الله برقم (2209) .

1006

1006 - " الناس تبع لقريش في الخير والشر ". أخرجه مسلم (6 / 2) وأحمد (3 / 331) الأول عن أبي الزبير، والآخر عن أبي سفيان كلاهما عن جابر مرفوعا. وقد صرح أبو الزبير بسماعه من جابر. وإسناد أحمد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد بلفظ: " الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم ". 1007 - " الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم ". أخرجه البخاري (6 / 413) ومسلم (6 / 2) والطيالسي (رقم 2380) وأحمد (2 / 242 - 243) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. وله عنه طرق أخرى: 1 - فأخرجه مسلم وأحمد (2 / 319) عن همام بن منبه عنه. 2 - وأحمد (2 / 395) عن خلاس عنه. ورجاله ثقات لكنه منقطع بينهما. 3 - وأحمد (2 / 261) من طريق أبي سلمة عنه بلفظ: " الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم تبع لخيارهم وشرارهم تبع لشرارهم ". وإسناده حسن. 4 - وأخرجه أحمد أيضا (2 / 433) عن القاسم عن نافع بن جبير عنه به. رواه عنه ابن أبي ذئب. ورجاله ثقات رجال الستة غير القاسم هذا، والظاهر أنه ابن رشد بن عمر، فقد ذكروا في الرواة عنه ابن أبي ذئب لكنهم ذكروا أيضا أنه سمع أبا هريرة وهو هنا يروي عنه بالواسطة فالله أعلم. وقد ذكر الحافظ في التقريب : أنه مجهول. وله شاهد ولفظه:

1008

" الناس تبع لقريش في هذا الأمر خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والله لولا أن تبطر قريش لأخبرتها ما لخيارها عند الله عز وجل ". أخرجه أحمد (4 / 101) من حديث معاوية بن أبي سفيان بإسناد صحيح. قلت: وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديما وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثا الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربيا قرشيا. وأعجب من ذلك أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في " الدولة الإسلامية " ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة إلا هذا الشرط متجاهلا كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكرته بذلك تبسم صارفا النظر عن البحث في الموضوع، ولا أدري أكان ذلك لأنه لا يرى هذا الشرط كالذين أشرنا إليهم آنفا، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية، وسواء كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب وأن لا يتأثر فيه باتجاه حزبي أو تيار سياسي ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور أو مخالفتهم. والله ولي التوفيق. 1008 - " أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا ". أخرجه أحمد من حديث معاوية بإسناده السابق عنه وله شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما. وإذا كان هذا حكم المرأة التي تدخل في شعرها من شعر غيرها، فما حكم المرأة التي تضع على رأسها قلنسوة من شعر مستعار وهي التي تعرف اليوم بـ (الباروكة) وبالتالي ما حكم من يفتي بإباحة ذلك لها مطلقا أو مقيدا تقليدا لبعض المذاهب غير مبال بمخالفة الأحاديث الصحيحة، وقد هداه الله إلى القول بوجوب الأخذ بها ولو كانت مخالفة لمذهبه بل المذاهب الأخرى. أسأل الله تعالى أن يزيدنا هدى على هدى ويرزقنا العلم والتقوى.

1009

1009 - " الناس ولد آدم، وآدم من تراب ". رواه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 5) : أخبرنا محمد بن حميد أبو سفيان العبدي عن سفيان بن سعيد الثوري عن هشام بن سعد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ولولا أن هشاما هذا له أوهام لحكمت عليه بالصحة. وقد أخرجه أبو داود وغيره مطولا كما بينته في " تخريج الحلال والحرام " رقم (312) ، وله شاهد من حديث ابن عمر. أخرجه الترمذي (3266) . 1010 - " نهى عن المتعة (زمان الفتح متعة النساء) ، وقال: ألا إنها حرام من يومكم هذا إلى يوم القيامة ". رواه مسلم (4 / 134) والباغندي في " مسند عمر " ص (12) عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثنا الربيع بن سبرة الجهني عن أبيه مرفوعا. والزيادة التي بين المعكوفتين رواية لمسلم من طريق ابن شهاب عن الربيع ابن سبرة. وله شاهد بلفظ: " هن حرام إلى يوم القيامة. يعني النساء المتمتع بهن ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 174 / 2) عن صدقة بن عبد الله عن إسماعيل بن أمية عن محمد ابن المنكدر عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: خرجنا ومعنا النساء اللاتي استمتعنا بهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: فودعننا عند ذلك، فسميت بذلك ثنية الوداع، وما كانت قبل ذلك إلا ثنية الركاب. وأعله الهيثمي في " المجمع " (4 / 264) بقوله:

1011

" وفيه صدقة بن عبد الله وثقه أبو حاتم وغيره وضعفه أحمد وجماعة وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: وفي هذا الإطلاق تسامح فإن شيخ الطبراني أحمد بن مسعود ليس من رجال الصحيح بل إني لم أعرفه ولعله أحمد بن مسعود الوزان من شيوخ بن المظفر، ترجمه الخطيب (5 / 171) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قلت: والحديث نص صريح في تحريم نكاح المتعة تحريما أبديا، فلا يغتر أحد بإفتاء بعض أكابر العلماء بإباحتها للضرورة، فضلا عن إباحتها مطلقا مثل الزواج كما هو مذهب الشيعة. 1011 - " نهى عن لبوس جلود السباع والركوب عليها ". أخرجه أبو داود (4131) والنسائي (2 / 192) والطحاوي في " المشكل " (4 / 264) من طريق عمرو بن عثمان قال: حدثنا بقية عن بحير عن خالد (هو ابن معدان ) قال: " وفد المقدام بن معدي كرب على معاوية، فقال له: أنشدك بالله هل تعلم أن رسول الله نهى ... ؟ قال: نعم " والسياق للنسائي، وهو عند أبي داود قطعة من حديث طويل، وأخرج بعضه أحمد (4 / 132) من طريق حيوة بن شريح حدثنا بقية حدثنا بحير بن سعد به، وأخرج أيضا القدر المذكور أعلاه بهذا الإسناد بلفظ: " نهى عن الحرير والذهب وعن مياثر النمور ". وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، وقد صرح بقية بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه. وله شاهد من حديث أسامة والد أبي المليح مرفوعا بلفظ: " نهى عن جلود السباع ". أخرجه أبو دود والنسائي والترمذي (1 / 328) والطحاوي والحاكم

1012

(1 / 148) وأحمد (5 / 74 و 75) من طريق أبي المليح بن أسامة عن أبيه قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وأخرجه الطحاوي من حديث علي وابن عمر ومعاوية نحوه. (مياثر النمور) : الميثرة: وطاء محشو يترك على رحل البعير تحت الراكب. 1012 - " نهى عن صيام يوم الجمعة إلا في أيام قبله أو بعده ". أخرجه الطحاوي (1 / 339) حدثنا ابن أبي داود قال: حدثنا القاسم بن سلام بن مسكين قال: حدثنا أبي قال: سألت الحسن عن صيام يوم الجمعة فقال: نهي عنه إلا في أيام متتابعة. ثم قال: حدثني أبو رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات. وله طرق أخرى، فرواه أحمد (2 / 407) من طريق قتادة قال: حدثنا صاحب لنا عن أبي هريرة به نحوه. ورجاله ثقات رجال الستة غير الصاحب الذي لم يسم. ثم رواه (2 / 394) من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة بمعناه. وسنده صحيح. ثم رواه (2 / 392) من طريق يونس قال: حدثنا المستور - يعني ابن عباد (¬1) - حدثنا محمد بن جعفر المخزومي قال: لقي أبا هريرة رجل وهو يطوف بالبيت فقال: يا أبا هريرة أنت نهيت الناس عن صوم يوم الجمعة؟ قال: لا ورب الكعبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. ورجاله ثقات غير المخزومي هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 221) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والظاهر من أنه ليس تابعيا، فهو منقطع. ¬

(¬1) الأصل " المستورد يعني ابن أبي عباد " والتصويب من كتب الرجال. اهـ.

1013

وله طريق خامس في المسند (2 / 248) عن يحيى بن جعدة عن عبد الله بن عمرو والقاري قال: سمعت أبا هريرة يقول: لا ورب هذا البيت، ما أنا قلت: " من أصبح جنبا فلا يصوم "، محمد ورب البيت قاله، ما أنا نهيت عن صيام يوم الجمعة، محمد نهى عنه ورب البيت. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من حديث جابر مرفوعا دون الاستثناء، وقد مضى بتمامه نحوه عن أبي هريرة برقم (980) . والنهي عن صوم الجنب منسوخ كما هو مبين في محله من كتب السنة وغيرها. 1013 - " إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان ". رواه أحمد (1 / 22 و 44) وابن بطة في " الإبانة " (5 / 48 / 2) عن ميمون الكردي عن أبي عثمان النهدي قال: كنت عند عمر وهو يخطب الناس فقال في خطبته، فذكره مرفوعا. قلت: إسناده صحيح، ميمون الكردي وثقة أبو داود وابن حبان، وقال ابن معين : " ليس به بأس "، وفي رواية: " صالح ". وأخرجه بن بطة أيضا من طريق عبد الله بن بريدة أن عمر بن الخطاب قال: " عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. ورجاله ثقات لكنه منقطع، وشيخ ابن بطة فيه هو أبو بكر محمد بن محمود السراج، ترجمه الخطيب (3 / 261) ، وروى توثيقه عن أبي الفتح يوسف القواس، وعن أبي القاسم الأبنودي (¬1) : " لا بأس به ". ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعله نسبة إلى " أبند ": صقع معروف من نواحي " جنديابور " من نواحي الأهواز كما في " معجم البلدان ". اهـ.

1014

1014 - " ما ظن نبي الله لو لقي الله عز وجل وهذه عنده؟ يعني ستة دنانير أو سبعة ". أخرجه أحمد (6 / 104) عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل قال: " دخلت أنا وعروة بن الزبير يوما على عائشة، فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، في مرض مرضه، قالت: وكان له عندي ستة دنانير - قال موسى : أو سبعة - قالت: فأمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها، قالت: فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله، قالت: ثم سألني عنها ؟ فقال: ما فعلت الستة - قال: أو السبعة -؟ قلت: لا والله، لقد كان شغلني وجعك، قالت: فدعا بها، ثم صفها في كفه، فقال ... فذكره. (انظر الاستدراك رقم 12 / 4) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير موسى هذا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " كان يخطىء ويخالف ". قلت: وقد روى عنه جماعة من الثقات، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 139) جرحا ولا تعديلا، وقال الحافظ في " التقريب ": " مستور ". قلت: فمثله حسن الحديث عندي إذا لم يخالف. ولاسيما وقد تابعه محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة به نحوه. أخرجه أحمد (6 / 182) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 238) . وله عدة طرق أخرى وشواهد، فالحديث صحيح. (انظر الاستدراك رقم 12 / 19) . 1015 - " إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة ". أخرجه ابن ماجه (3678) وابن حبان (1266) والحاكم (1 / 63 و 4 / 128) وأحمد (2 / 439) وأبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 47 / 2) وتمام في " الفوائد " (112 / 1) من طريق محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم :

1016

" صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، لولا أن ابن عجلان لم يحتج به مسلم وإنما أخرج له في المتابعات، فهو حسن الإسناد. 1016 - " لا تصلوا إلى قبر ولا تصلوا على قبر ". رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 145 / 2) عن عبد الله بن كيسان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وابن كيسان هذا هو أبو مجاهد المروزي صدوق يخطىء كثيرا كما قال الحافظ في " التقريب "، وبقية رجاله ثقات. ثم رواه (3 / 150 / 1) عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس رفعه. قلت: ورشدين ضعيف كما في " التقريب "، وبقية رجاله ثقات، فالحديث بمجموع الطريقين حسن، وقد أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (65 / 62 / 2) من طريق الطبراني. وقد أعله المناوي نقلا عن الهيثمي بابن كيسان، ففاتهما الطريق الأخرى المقوية له، فتنبه. وللحديث شاهدان من حديث أبي سعيد الخدري وأنس، وهما مخرجان في كتابي " تحذير الساجد " (ص 31 - 32 - الطبعة الثالثة) ، فالحديث صحيح والحمد لله على توفيقه. 1017 - " لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء. يعني سلمان الفارسي ". أخرجه البخاري (8 / 521) ومسلم (6 / 191 - 192) من طريق أبي الغيث عن أبي هريرة قال:

1018

كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه سورة (الجمعة) فلما قرأ: * (وآخرين منهم لم يلحقوا بهم) *، قال رجل: من هؤلاء يا رسول الله؟ فلم يراجعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى سأله مرة أو مرتين أو ثلاثا قال: وفينا سلمان الفارسي، قال: فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال: الحديث. قلت: وقد صح بلفظ آخر، وهو: " لو كان الدين عند الثريا لذهب به رجل من فارس أو قال: من أبناء فارس حتى يتناوله ". أخرجه مسلم (6 / 191) وأحمد ( 2 / 308 - 309) من طريق زيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وله طريق أخرى عن أبي هريرة وفيه سبب وروده، وهو ما أخرجه بن أبي حاتم وابن جرير من طريق مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية: * (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) * قالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدل بنا، ثم لا يكونوا أمثالنا؟ قال: فضرب بيده على كتف سلمان الفارسي رضي الله عنه ثم قال: هذا وقومه، لو كان الدين.. ". قال الحافظ بن كثير: " تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وقد تكلم فيه بعض الأئمة ". قلت: وهو ضعيف من قبل حفظه والسبب الذي ساقه للحديث يخالف ما رواه أبو الغيث عن أبي هريرة في اللفظ الأول. (انظر الاستدراك رقم 14 / 1) وروي بلفظ " لو كان العلم ... " ويأتي في " الضعيفة " (2054) . وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " رأيت غنما كثيرة سوداء، دخلت فيها غنم كثيرة بيض، قالوا فما أولته يا رسول الله؟ قال: العجم، يشركونكم في دينكم وأنسابكم. قالوا: العجم يا رسول الله؟ قال: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم ، وأسعدهم به الناس ". 1018 - " رأيت غنما كثيرة سوداء، دخلت فيها غنم كثيرة بيض، قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: العجم،

يشركونكم في دينكم وأنسابكم. قالوا: العجم يا رسول الله؟ قال: لو كان الإيمان معلقا بالثريا لناله رجال من العجم، وأسعدهم به الناس " (¬1) . أخرجه الحاكم (4 / 395) من طريق هاشم بن القاسم: حدثنا عبد الرحمن ابن ( الأصل: عن) عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح على شرط البخاري " ووافقه الذهبي . قلت: وهو كما قالا لولا أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار تكلم فيه غير واحد من قبل حفظه، وقد أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " ثقة، قال ابن معين وغيره: في حديثه ضعف ". وقال في " الميزان ": " صالح الحديث، وقد وثق ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". قلت: فحسب مثله أن يحسن حديثه، أما الصحة فلا. نعم للحديث شواهد يتقوى بها. فقد أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 9) من طريق عمرو بن شرحبيل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا به، دون الشطر الثاني، ولفظه : " رأيت الليلة غنما سودا تتبعني، ثم أردفتها غنم عفر، فقال أبو بكر: تلك العرب اتبعتك، ثم أردفتها الأعاجم، فقال صلى الله عليه وسلم: كذلك عبرها الملك بسحر ". ثم أخرجه من طريق أخرى عن عمرو بن شرحبيل عن حذيفة به. ومن طريق سوار بن مصعب عن عبد الحميد أبي غياث عن الشعبي عن النعمان بن بشير به. أخرجه أبو نعيم (1 / 209 / 267) (¬2) . ثم أخرجه (1 / 10) عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بكر مرفوعا. ¬

(¬1) كذا الأصل، وهو غير مفهوم، ولعل الصواب: " وأسعد بهم الناس ". اهـ. (¬2) قلت: وفي متن هذا الطريق زيادة منكرة بلفظ " ومن دخل في هذا الدين فهو عربي ". وإسنادها ضعيف جدا، ولذلك أوردتها في الضعيفة (2052) . اهـ.

1019

ومن طريق سفيان: حدثنا حصين بن عبد الرحمن السلمي عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى مرفوعا. وخالفه محمد بن فضيل فرواه عن حصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب رضي الله عنه مرفوعا به. أخرجه الحاكم وسكت عليه هو والذهبي، وكأنه لهذا الاختلاف، وإلا فرجاله كلهم ثقات. ثم أخرج له أبو نعيم (1 / 10) شاهدا من طريق أبي عاصم قيس بن نصير الأسدي: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا إسناد على شرط الشيخين غير قيس هذا فلم أجد له ترجمة. لكن له طريق أخرى عنده (1 / 8) من طريق المغيرة بن مسلم عن مطر الوراق وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وفي الوراق كلام من قبل حفظه، لكنه هنا متابع، فهو قوة للحديث كما لا يخفى. وأما الشطر الثاني من الحديث فهو في " الصحيحين " وغيرهما من طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه كما تقدم تخريجه قبل هذا. 1019 - " لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه ". رواه ابن ماجه (رقم 1976) وأحمد (6 / 139 و 222) وابن سعد (4 / 43) وأبو يعلى (3 / 1131) وابن عساكر (2 / 346 / 1 - 2) عن شريك عن العباس بن ذريح عن البهي عن عائشة قالت: عثر أسامة بعتبة الباب، فشج في وجهه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أميطي عنه أذى. فتقذرته؟ فجعل يمص عنه الدم ويمجه عن وجهه ثم قال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل شريك وهو ابن عبد الله القاضي، فإنه ضعيف لكثرة خطئه. فقول الحافظ العراقي بعدما عزاه لأحمد: " إسناده صحيح " غير صحيح، ومثله قول البوصيري في " الزوائد ": " إسناده صحيح "

1020

إن كان البهي سمع من عائشة، وفي سماعه كلام وقد سئل عنه الإمام أحمد؟ فقال: ما أرى في هذا شيئا إنما يروى عن البهي ". قلت: لكن هذا الضعف ينجبر بمجيء الحديث من طريق أخرى، فرواه ابن عساكر من طريق أبي يعلى وهذا في " مسنده " (3 / 1100) أخبرنا زكريا بن يحيى الواسطي أخبرنا هشيم عن مجالد عن الشعبي عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أغسل وجه أسامة بن زيد يوما وهو صبي، قالت: وما ولدت، ولا أعرف كيف يغسل الصبيان، قالت: فآخذه، فأغسله غسلا ليس بذاك، قالت: فأخذه فجعل يغسل وجهه ويقول: " لقد أحسن بنا إذ لم تك جارية، ولو كنت جارية لحليتك وأعطيتك ". ورجاله ثقات، وفي مجالد وهو ابن سعيد ضعف لا يضر في الشواهد والمتابعات. ثم وجدت له شاهدا مرسلا قويا، فقال ابن سعد (4 / 1 / 43) : أخبرنا يحيى بن عباد قال: حدثنا يونس بن أبي إسحاق قال: حدثنا أبو السفر قال : بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس هو وعائشة وأسامة عندهم، إذ نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ثم قال ... فذكره. ومن طريق ابن سعد رواه ابن عساكر (2 / 348 / 1) . وهذا سند صحيح مرسل، وأبو السفر اسمه سعيد بن يحمد، تابعي ثقة يروي عن العبادلة: ابن عباس وابن عمر وابن عمرو. 1020 - " من أعان ظالما بباطل ليدحض بباطله حقا فقد برئ من ذمة الله عز وجل وذمة رسوله ". أخرجه الطبراني في " الكبير " وإسناده هكذا: حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا عارم أبو النعمان أخبرنا معتمر سمعت أبي يحدث عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وأخرجه الحاكم (4 / 100) عن علي بن عبد العزيز به. وقال: " صحيح الإسناد " ورده الذهبي بقوله:

" قلت حنش الرحبي ضعيف ". وأقول: وحنش لقبه، واسمه الحسين بن قيس، قال في " التقريب ": إنه " متروك ". لكن له متابعان عن عكرمة. الأول: إبراهيم بن أبي عبلة وهو ثقة من رجال الشيخين. والآخر: خصيف وهو صدوق سيىء الحفظ، خلط بآخره، فالحديث حسن بهذه المتابعات ولفظ حديث خصيف مطول ونصه: " من أعان على باطل ليدحض بباطله حقا فقد برىء من ذمة الله وذمة رسوله ومن مشى إلى سلطان الله في الأرض ليذله أذل الله رقبته يوم القيامة - أو قال إلى يوم القيامة - مع ما يدخر له من خزي يوم القيامة، وسلطان الله في الأرض كتاب الله وسنة نبيه، ومن استعمل رجلا وهو يجد غيره خيرا منه وأعلم منه بكتاب الله وسنة نبيه فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين ومن ولي من أمر المسلمين شيئا لم ينظر الله له في حاجته حتى ينظر في حاجتهم ويؤدي إليهم حقوقهم، ومن أكل درهم ربا كان عليه مثل إثم ست وثلاثين زنية في الإسلام، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ". أخرجه الخطيب (6 / 76) من طريق إبراهيم بن زياد القرشي عن خصيف عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وهذا سند ضعيف لضعف خصيف كما سبق بيانه قريبا. وإبراهيم بن زياد القرشي، روى الخطيب عن ابن معين أنه قال: " لا أعرفه ". وفي الميزان: " قال البخاري : لا يصح إسناده، قلت: ولا يعرف من ذا؟ ". قلت: وقد توبع على بعض الحديث، أخرجه الطبراني في " الصغير " (44) من طريق سعيد بن رحمة المصيصي حدثنا محمد بن حمير عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عكرمة مرفوعا مقتصرا على الجملة الأولى والأخيرة والتي قبلها، إلا أنه قال: " مثل ثلاث وثلاثين زنية "، وقال: " تفرد به سعيد بن رحمة ".

1021

وقد قال ابن حبان فيه: " لا يجوز أن يحتج به لمخالفته الأثبات ". قلت: ومن فوقه من الرواة كلهم ثقات. وقد وجدت للحديث طريقا آخر، رواه الطبراني في " الكبير " قال: حدثنا ابن حنبل أخبرنا محمد بن أبان الواسطي أخبرنا أبو شهاب عن أبي محمد الجزري - وهو حمزة النصيبي - عن عمرو بن دينار عن ابن عباس مرفوعا بتمامه. ورجاله كلهم ثقات غير حمزة هذا وهو حمزة بن أبي حمزة الجزري النصيبي قال في " التقريب ": " متروك متهم بالوضع ". قلت: ولم يعرفه شيخه الهيثمي حيث قال في " المجمع " (5 / 212) : " رواه الطبراني وفيه أبو محمد الجزري حمزة ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح "!. 1021 - " من أعان على خصومة بظلم، أو يعين على ظلم، لم يزل في سخط الله حتى ينزع ". أخرجه ابن ماجة (2 / 52) من طريق حسين المعلم عن مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وإنما لم أصححه لأن في مطر الوراق كلاما من جهة حفظه، وقد قال في " التقريب ": " صدوق كثير الخطأ ". قلت: ولم يتفرد به، فقد أخرجه الحاكم (4 / 99) من طريق عطاء بن أبي مسلم عن نافع به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر بين، فإن عطاء بن أبي مسلم قال في " التقريب ": " صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس ". وقد رواه عن مطر أيضا المثنى بن زيد وهو مجهول، أخرجه أبو داود بنحوه.

1022

وله عنده طريق أخرى صحيحة بنحوه أتم منه وقد ذكرته فيما سبق بلفظ: " من حالت شفاعته ... " فراجعه برقم (437) ، وهو مخرج في " الإرواء " أيضا برقم (2376) وهو تحت الطبع. 1022 - " إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض ". أخرجه الترمذي (ا / 201) وابن ماجة (1 / 606 - 607) والحاكم (2 / 164 - 165) والخطيب في " التاريخ " (11 / 61) من طريق عبد الحميد بن سليمان الأنصاري - أخو فليح - عن محمد بن عجلان عن ابن وثيمة البصري عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الترمذي: " قد خولف عبد الحميد بن سليمان، فرواه الليث بن سعد عن ابن عجلان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا (يعني منقطعا) . قال محمد - يعني البخاري -: وحديث الليث أشبه، ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: عبد الحميد قال أبو داود: كان غير ثقة، ووثيمة لا يعرف ". قلت: كذا وقع عند الحاكم " وثيمة ". وإنما هو " ابن وثيمة " كما وقع عند سائر من خرجه، وهو معروف، فإنه زفر بن وثيمة بن مالك بن أوس الحدثان النصري - بالنون - الدمشقي. وقد روى عنه أيضا محمد بن عبد الله بن المهاجر، وقال ابن القطان: إنه مجهول الحال تفرد عنه محمد بن عبد الله الشعبي. قال الذهبي في " الميزان ": " قلت: قد وثقه ابن معين ودحيم ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". قلت: فعلة الحديث عبد الحميد هذا، فإنه ضعيف، وقد خالفه الثقة فأرسله كما ذكر الترمذي ولولا ذلك لكان إسناده عندي حسنا على أنه حسن لغيره، فإن له شاهدا بلفظ: " إذا جاءكم من..... ". وهو مخرج في " الإرواء " (1868) .

1023

1023 - " خمس من عملهن في يوم كتبه الله من أهل الجنة: من عاد مريضا وشهد جنازة وصام يوما وراح يوم الجمعة وأعتق رقبة ". رواه ابن حبان في " صحيحه " (713) وفي " الثقات " أيضا (2 / 29) عن عبد الله بن وهب، أخبرني حيوة بن شريح أن بشر بن أبي عمرو الخولاني أخبره أن الوليد بن قيس التجيبي أخبره أن أبا سعيد الخدري حدثه مرفوعا به. قلت: وسنده صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون. والحديث أخرجه أبو يعلى أيضا كما في " الجامع " ولكنه ساقه بلفظ: ".... من صام يوم الجمعة وراح إلى الجمعة وعاد مريضا وشهد جنازة وأعتق رقبة ". وهو بهذا اللفظ في " مسند أبي يعلى " (1 / 292) وسنده صحيح أيضا لكن في بعض لفظه اختصار بينته رواية أخرى عنده من طريق ابن وهب أيضا: أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد ابن قيس بلفظ: " من وافق صيامه يوم الجمعة وعاد مريضا ... " الحديث نحوه. وهذا إسناد صحيح أيضا، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن وهب هذا. 1024 - " ما أعطى الرجل امرأته فهو صدقة ". أخرجه أحمد (4 / 179) عن محمد بن حميد المديني قال: حدثنا عبد الله بن عمرو بن أمية عن أبيه مرفوعا. وهذا سند ضعيف لضعف محمد بن حميد كذا وقع في المسند وهو محمد بن أبي حميد قال الهيثمي (4 / 119) والحافظ في " التقريب " : " وهو ضعيف ".

وعبد الله بن عمرو ليس بالمشهور، وثقه ابن حبان، وفي " التقريب ": " وهو مقبول ". والحديث روي بلفظ: " ما أعطيتموهن من شيء فهو لكم صدقة ". أخرجه الطيالسي (ص 194 رقم 1364) حدثنا محمد بن أبي حميد قال: حدثني عبد الله بن عمرو بن أمية الضمري عن أبيه قال: أتى عمر بن الخطاب على عمرو بن أمية الضمري وهو يسوم بمرط في السوق، فقالوا (كذا) : ما تصنع يا عمرو؟ قال: أشتري هذا فأتصدق به، فقال له: فأنت إذا، قال: ثم مضى ثم رجع فقال: يا عمرو ما صنع المرط؟ قال اشتريته فتصدقت به، قال: على من؟ قال: على الرفيقة ، قال: ومن الرفيقة؟ قال: امرأتي، قال: وتصدقت به على امرأتك؟! قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الحديث. فقال: يا عمرو لا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: والله لا أفارقك حتى نأتي عائشة فنسألها. قال: فانطلقا حتى دخلا على عائشة فقال لها عمرو: يا أمتاه! هذا عمر يقول: لا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم. نشدتك بالله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " ما أعطيتموهن من شيء فهو لكم صدقة؟ " قالت: اللهم نعم، اللهم نعم. وأورده الهيثمي (4 / 324) بنحوه بزيادة في آخره، فقال عمر: أين كنت عن هذا ؟! ألهاني الصفق بالأسواق، وقال: " رواه البزار، وروى أحمد: ما أعطى الرجل امرأته فهو صدقة ". وفي إسنادهما محمد بن أبي حميد وهو ضعيف ". قلت: لكنه لم ينفرد به بل تابعه الزبرقان بن عبد الله بن عمرو بن أمية به بلفظ : " كل ما صنعت إلى أهلك فهو صدقة ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 396) . ورجاله ثقات غير عبد الله بن عمرو بن أمية الضمري وهو مقبول عند الحافظ، فالحديث بمجموع الطريقتين عنه حسن فإن له شواهد بمعناه، تراها في " الترغيب " (3 / 82) .

1025

1025 - " كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس: يعدل بين الاثنين صدقة ويعين الرجل على دابته فيحمله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة ويميط الأذى عن الطريق صدقة ". أخرجه البخاري (3 / 171 / 4 / 15) ومسلم (3 / 83) وأحمد (2 / 312 و 316 و374) من حديث أبي هريرة مرفوعا. وفي رواية للبخاري (3 / 224) : " ودل الطريق صدقة " بدل " ويميط " إلخ.. وقد أورده السيوطي في " الجامع " بهذا السياق إلا أنه ذكر فيه الجملتين معا، ثم عزاه للثلاثة المذكورين وليس بجيد لأمرين: الأول: أن الزيادة من أفراد البخاري، والآخر أنه تلفيق بين روايتين له وذلك يوهم أن الرواية عنده بل عند الثلاثة بالجمع بين الزيادتين ولا يخفى ما فيه. وللحديث طرق أخرى في المسند: 1 - عن عبد الله بن لهيعة: حدثنا أبو يونس سليم بن جبير مولى أبي هريرة أنه سمع أبا هريرة يقوله مرفوعا بلفظ: " كل نفس كتب عليها الصدقة كل يوم ... " إلخ بنحوه. رواه (2 / 350) عن حسن عنه. وهو إسناد حسن في المتابعات. 2 - أخرجه (2 / 328 - 329) عن المبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا : " كل سلامى من ابن آدم صدقة حين يصبح ". فشق ذلك على المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن سلامك على عباد الله صدقة وإماطتك الأذى عن الطريق صدقة ". الحديث ببعضه. 3 - رواه (2 / 395) عن خلاس عنه مرفوعا بلفظ:

1026

" على كل عضو من أعضاء بني آدم صدقة ". وإسناده صحيح وقد مضى برقم (574) وفي الباب أحاديث أخرى كثيرة تقدمت برقم (575 - 577) . 1026 - " من كان له أختان أو ابنتان، فأحسن إليهما ما صحبتاه، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين. وقرن بين إصبعيه ". أخرجه الخطيب في " تاريخه " (8 / 284 - 285) من طريق الأعمش عن أنس مرفوعا. ورجاله ثقات إلا أنه منقطع لأن الأعمش لم يثبت سماعه من الصحابة كما في " التقريب ". لكن الحديث صحيح، فإن له طرقا أخرى متصلة عن أنس بعضها عند مسلم وقد سبق تخريجها برقم (295 - 297) . ويشهد له الحديث الآتي: " من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة. فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: وثنتين ". 1027 - " من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة ألبتة. فقال رجل من بعض القوم: وثنتين يا رسول الله؟ قال: وثنتين ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 14) وأحمد (3 / 303) من طريق علي ابن زيد قال: حدثني محمد بن المنكدر أن جابر بن عبد الله حدثهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا سند حسن في " المتابعات "، رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف من قبل حفظه . لكن تابعه سفيان بن حسين عن محمد بن المنكدر. وزاد: حتى ظننا أن إنسانا (لو) قال: واحدة؟ لقال: واحدة ". أخرجه أبو يعلى (2 / 591) وسنده صحيح على شرط مسلم. والحديث أورده في " الترغيب " (3 / 84 - 85) وقال:

1028

" رواه أحمد بإسناد جيد، والبزار والطبراني في " الأوسط " وزاد: " ويزوجهن ". قلت: له طريق أخرى عن ابن المنكدر به بلفظ: " من كانت له ثلاث بنات.... " الحديث نحوه. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 14) من طريق عاصم بن هلال البارقي قال: حدثنا أيوب عن محمد بن المنكدر به. والبارقي فيه لين. ويشهد له حديث عقبة مرفوعا: " من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار " أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 13 - 14) وأحمد (4 / 154) عن شيخهما أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرىء: حدثنا حرملة بن عمران: حدثني أبو عشانة المعافري قال: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عشانة، وهو ثقة واسمه حي بن يؤمن المصري وقد مضى برقم (293) . والحديث أخرجه الطبراني بنحوه وزاد في آخره: " فقالت له امرأة: أو بنتان؟ قال: أو بنتان " ذكره المنذري (3 / 84) وقواه بقوله: " وشواهده كثيرة ". 1028 - " ما يسرني أن لي أحدا ذهبا تأتي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا دينار أرصده لدين علي ". أخرجه مسلم (3 / 75) عن محمد بن زياد سمعت أبا هريرة مرفوعا. وله عنه طريق أخرى بلفظ: " لو كان لي مثل أحد ذهبا " وسيأتي برقم (1139) . وله شاهد من حديث أبي ذر بلفظ: " ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار إلا شيئا أرصده لدين إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه ".

1029

أخرجه البخاري (7 / 177) وفي " الأدب المفرد " (117) عن زيد بن وهب عن أبي ذر مرفوعا. ورواه هو وغيره بلفظ: " ما أحب أن أحدا ذاك عندي " ويأتي برقم (2211) . وله طريق أخرى بلفظ: " ما يسرني أن لي أحدا ذهبا يأتي علي ثالثة وعندي منه دينار أو قال: منه مثقال إلا أن أرصده لغريم ". أخرجه الدارمي (2 / 315) والطيالسي (ص 63 رقم 465) وأحمد (5 / 148 - 149) والخطيب (8 / 376) عن سويد بن الحارث عن أبي ذر مرفوعا. وله طريق ثالث بلفظ آخر سيأتي بلفظ: " والذي نفسي بيده ما يسرني ". 1029 - " من أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه أعانه الله عز وجل ". أخرجه النسائي (2 / 233) : حدثنا محمد بن المثنى: قال: حدثنا وهب بن جرير قال: حدثنا أبي عن الأعمش عن حصين بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم استدانت، فقيل لها: يا أم المؤمنين! تستدينين وليس عندك وفاء؟ قالت: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. فذكره. وأخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 238) من طريق عبد الله بن أبي بكر العتلي حدثنا جرير بن حازم به. (انظر الاستدراك رقم 26 / 18 و 26 / 21) . وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين إذا كان عبيد الله بن عبد الله سمعه من ميمونة، فإن المعروف أنه يروي عنهما بواسطة عبد الله بن عباس . وله عند ابن ماجة وابن حبان (1157) وأبي نعيم أيضا طريق آخر عنها وفيه عمران بن حذيفة وهو مجهول. انظر ما علقناه على الترغيب (2 / 33) . وطريق ثالث في المسند (6 / 332) . ورجاله ثقات إلا أن فيه انقطاعا بين سالم - وهو ابن أبي الجعد - وميمونة. وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع الطرق.

1030

1030 - " لا تلقوا البيوع ولا يبع بعض على بعض ولا يخطب أحدكم - أو أحد - على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذنه فيخطب ". أخرجه أحمد (2 / 153) : حدثنا عبد الصمد حدثنا صخر عن نافع عن ابن عمر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيع حاضر لباد وكان يقول.... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجاه بنحوه مفرقا. وصخر هو ابن جويرية مولى بني تميم. وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم البصري. 1031 - " إذا خرجت المرأة إلى المسجد فلتغتسل من الطيب كما تغتسل من الجنابة ". أخرجه النسائي (2 / 283) عن صفوان بن سليم عن رجل ثقة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: رجاله ثقات غير هذا الرجل، فإنه لم يسم وإن وثق فإن توثيق مثله مما لا يعتد به حتى يسمى ويعرف كما تقرر في " المصطلح ". وأخرج البيهقي في " السنن الكبرى " (3 / 133) من طريق عبد الرحمن ابن الحارث بن أبي عبيد - من أشياخ كوثي مولى أبي رهم الغفاري - عن جده قال: " خرجت مع أبي هريرة من المسجد ضحى، فلقيتنا امرأة بها من العطر شيء لم أجد بأنفي مثله قط، فقال لها أبو هريرة: عليك السلام، فقالت: وعليك، قال: فأين تريدين؟ قالت: المسجد. قال: ولأي شيء تطيبت بهذا الطيب؟ قالت: للمسجد. قال: آلله؟ قالت: آلله. قال : آلله؟ قالت: آلله. قال: فإن حبي أبا القاسم أخبرني: " أنه لا تقبل لامرأة صلاة تطيبت بطيب لغير زوجها حتى تغتسل منه غسلها من الجنابة " فاذهبي فاغتسلي منه، ثم ارجعي

1032

فصلي ". وقال: " جده أبو الحارث عبيد بن أبي عبيد وهو عبد الرحمن بن الحارث بن أبي الحارث بن أبي عبيد، ورواه عاصم بن عبد الله عن عبيد مولى أبي رهم ". قلت: أخرجه أبو داود (4174) وابن ماجة (4002) من طريق سفيان عن عاصم به. وعبيد بن أبي عبيد وثقه العجلي وابن حبان وروى عنه جماعة من الثقات ويحتمل أن يكون هو الرجل الثقة الذي لم يسم في طريق النسائي ويحتمل أن يكون غيره وعلى كل حال فالحديث صحيح، فإن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي عبيد قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 224) عن أبي زرعة: " لا بأس به ". وقد تابعه عاصم بن عبيد الله وهو وإن كان ضعيفا فلا بأس به في المتابعات. والله أعلم. وللحديث شاهد بنحوه سيأتي برقم (1093) . 1032 - " إن ما قدر في الرحم سيكون ". أخرجه النسائي (2 / 85) وأحمد (3 / 450) من طريق شعبة عن أبي الفيض قال: سمعت عبد الله بن مرة الزرقي عن أبي سعيد الزرقي " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل فقال: إن امرأتي ترضع وأنا أكره أن تحمل؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم.... " فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير عبد الله بن مرة الزرقي، قال الحافظ: " مجهول ". قلت: لكن يشهد له حديث أبي سعيد الخدري قال: " ذكر العزل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: وما ذاكم؟ قالوا: الرجل تكون له المرأة ترضع، فيصيب منها ويكره أن تحمل منه والرجل تكون له الأمة، فيصيب منها ويكره أن تحمل منه؟ فقال: " فلا عليكم أن لا تفعلوا ذاكم، فإنما هو القدر ". أخرجه مسلم ( 4 / 159) والنسائي (2 / 84 - 85) وأحمد (3 / 11) من طريق عبد الرحمن بن بشر الأنصاري عنه. وله عند مسلم وأبي داود (2170 - 2171) وأحمد (3 / 22 و49 و 53 و 68 و 78) طرق أخرى - عن أبي سعيد نحوه.

1033

1033 - " درهم ربا يأكله الرجل - وهو يعلم - أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 142 - 143) والدارقطني (295) عن ليث بن أبي سليم عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة الراهب مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر (9 / 74 / 2) . قلت: وهذا سند ضعيف من أجل ليث بن أبي سليم فقد كان اختلط وقد خالفه عبد العزيز بن رفيع عن ابن أبي مليكة فقال: عن عبد الله بن حنظلة عن كعب من قوله وهو الصواب كما قال البغوي. ذكره ابن عساكر وأخرجه أحمد (5 / 225) بسند صحيح عن ابن رفيع، وكذا رواه الدارقطني وقال: هذا أصح من المرفوع. لكن قد تابعه أيوب عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن حنظلة مرفوعا به. أخرجه أحمد: حدثنا حسين بن محمد حدثنا جرير يعني ابن حازم عن أيوب به. ورواه الدارقطني. قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، ومن أعله بتغير جرير قبل موته فلم يصب لأنه لم يسمع منه أحد في حال اختلاطه كما قال ابن مهدي. ثم إن الموقف في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما لا يخفى. 1034 - " لا يدخل الجنة قتات ". أخرجه البخاري (7 / 86) ومسلم (1 / 71) وأبو داود (2 / 297) والترمذي (1 / 364) وصححه، والطيالسي (ص 56 رقم 421) وأحمد (5 / 382 و 389 و392 و 402 و 404) عن همام بن الحارث عن حذيفة بن اليمان مرفوعا. وله طريق أخرى عنه عند مسلم وأحمد (5 / 391 و 396 و 398 و 406) وابن حبان في " روضة العقلاء " ص (153) عن أبي وائل عنه بلفظ: " نمام ". وهو بمعنى " قتات ". 1035 - " إن من موجبات المغفرة بذل السلام وحسن الكلام ". رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 23) : حدثنا صالح بن

1036

أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: أعطانا ابن الأشجعي كتاب أبيه عن سفيان عن المقدام بن شريح عن جده قال: " قلت: يا رسول الله دلني على عمل يدخلني الجنة. فقال: ... " فذكره. ورواه القضاعي (ق 94 / 2) من طريق أحمد به. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، وابن الأشجعي هو أبو عبيدة بن عبيد الله بن عبد الرحمن، روى عنه جماعة من الثقات وذكره ابن حبان في " الثقات " وسماه عبادا، وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة، لكن رواية أحمد هنا عن كتاب أبيه وجادة جيدة فلا يوهن من الحديث أنه ناوله إياه ابنه أبو عبيدة، على أن القلب يميل إلى تقوية حديثه ما دام أنه قد روى عنه أولئك الثقات وفيهم الإمام أحمد بالإضافة إلى توثيق ابن حبان إياه. وقد وهم فيه المناوي وهما فاحشا فإنه نقل عن الهيثمي بعدما عزاه للطبراني في الكبير أنه قال: " فيه أبو عبيدة بن عبد الله (¬1) الأشجعي روى عنه أحمد ولم يضعفه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح ". فتعقبه المناوي بقوله: " وهو ذهول، فإن الأشجعي هذا من رجال الصحيحين ". والذي ذهل إنما هو المناوي نفسه، فإن أبا عبيدة هذا لم يخرج له من الستة غير أبي داود. نعم أبوه من رجال " الصحيحين " فكأن المناوي اختلط عليه أحدهما بالآخر. ثم قال: " وقال الحافظ العراقي: رواه ابن أبي شيبة والطبراني والخرائطي والبيهقي من حديث هانيء بن يزيد بإسناد جيد ". وهانيء بن يزيد هو جد المقدام بن شريح. 1036 - " المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ¬

(¬1) كذا الأصل والصواب " عبيد الله " كما تقدم. اهـ.

والطلقاء من قريش والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ". رواه الطبراني في الكبير (1 / 232 / 2) : حدثنا علي بن عبد العزيز أخبرنا أبو حذيفة أخبرنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن أبي وائل عن جرير مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير علي بن عبد العزيز وهو ثقة وهو الحافظ البغوي. وأخرجه أبو يعلى (241 / 2) وابن حبان (2287) والطبراني (1 / 233 / 1 و 3 / 76 / 2) وابن عدي (158 / 1) وابن مخلد في " المنتقى من أحاديثه " (2 / 87 - 88) والمظفر أبو سعيد في " فوائد منتقاة " (131 / 2) من طريقين عن عاصم عن أبي وائل به. وهذا سند حسن. ثم رواه الطبراني (233 / 2) عن الحجاج عن الحكم عن أبي وائل به مختصرا. والحجاج هو ابن أرطأة وهو ثقة ولكنه مدلس وقد عنعنه. طريق أخرى: ثم رواه ابن وهب في " الجامع " (ص 5) والطبراني (1 / 243 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 145 - 146 و 2 / 304) عن الثوري عن الأعمش عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن عبد الرحمن بن هلال عن جرير به وزاد: " والأنصار ". وخالفه شريك فقال: عن الأعمش عن تميم بن سلمة عن عبد الرحمن ابن هلال به. لكن شريكا سيء الحفظ. وللحديث شاهد من حديث جابر مرفوعا به. أخرجه إبراهيم بن طهمان في " المشيخة " (250) وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك.

1037

1037 - " إنه رأس قومه، فأنا أتألفهم فيه ". أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 5) قال: وأخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه أن أبا سالم الجيشاني حدثه عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " كيف ترى جعيلا؟ قال: فقلت: مسكين، كشكله من الناس، قال: فكيف ترى فلانا؟ قلت: سيد من السادات، قال: فجعيل خير من ملء الأرض - أو آلاف، أو نحو ذلك - من فلان، قال: قلت يا رسول الله، ففلان هكذا وأنت تصنع به ما تصنع؟ فقال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو سالم الجيشاني اسمه سفيان بن هانئ. (انظر الاستدراك رقم 32 / 12) . 1038 - " إن مسابكم هذه وليست بمساب على أحد وإنما أنتم ولد آدم طف الصاع لم تملئوه ليس لأحد على أحد فضل إلا بدين أو عمل صالح حسب الرجل أن يكون فاحشا بذيا بخيلا جبانا ". رواه عبد الله بن وهب في " الجامع " (ص 6) وعنه الطحاوي في " المشكل " (4 / 365) وكذا ابن جرير في " التفسير " (26 / 89) والروياني في " مسنده " (49 / 2) وأبو الحسين بن النقور في " القراءة على الوزير " (5 / 1) : أخبرني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم إلا ابن لهيعة وهو صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة وهذا من رواية عبد الله بن وهب عنه فهو صحيح وبيان ذلك في ترجمته من " التهذيب ". وقد أخرجه أحمد (4 / 158) حدثنا يحيى بن إسحاق أنبأنا ابن لهيعة به. إلا أنه قال: " أنسابكم " بدل " مسابكم " وكذا أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 90 / 2) .

1039

ولفظ ابن جرير في إحدى روايتيه: " الناس لآدم وحواء، كطف الصاع لم يملؤه، إن الله لا يسألكم عن أحسابكم ولا عن أنسابكم يوم القيامة * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) * ". 1039 - " نعم القوم الأزد طيبة أفواههم برة أيمانهم نقية قلوبهم ". أخرجه أحمد (2 / 351) : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف فإن ابن لهيعة سيء الحفظ. وأما الهيثمي فقال (10 / 49) : " رواه أحمد وإسناده حسن ". كذا قال مع أنه صرح مرارا وتكرارا في كتابه هذا بضعف ابن لهيعة لكنه أحيانا يقول فيه إنه حسن الحديث. فلا أدري ما وجه التوفيق بين ذلك. نعم قد رواه عنه ابن وهب في " الجامع " فقال (ص 6) : وحدثني ابن لهيعة به دون قوله " برة أيمانهم ". وابن وهب عن أبي لهيعة صحيح الحديث كما تقدم في الحديث الذي قبله. 1040 - " خير الأسماء عبد الله وعبد الرحمن وأصدق الأسماء همام وحارث وشر الأسماء حرب ومرة ". رواه ابن وهب في " الجامع " (ص 7) : أخبرني داود بن قيس عن عبد الوهاب ابن بخت مرفوعا. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم. وقد أخرجه ابن وهب أيضا من رواية عبد الله بن عامر اليحصبي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. وإسناده صحيح أيضا. وللحديث شاهد موصول من طريق عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي

1041

- وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره في آخر حديث أوله " تسموا بأسماء الأنبياء ... " وهو مخرج في " الإرواء " (1178 ) . فالحديث بهذا الشاهد ثابت إن شاء الله تعالى، ثم قال ابن وهب (ص 8) : " وأخبرني معاوية بن صالح عن الحسن بن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عليكم من الأسماء بيزيد، فإنه ليس أحد إلا وهو يزيد في الخير والشر والحارث، فإن ليس أحد إلا وهو يحرث لآخرته أو دنياه، وهمام، فإن ليس أحد إلا ويهم بآخرته أو دنياه، فإن أخطأتم هذه الأسماء فعبدوا ". والحسن بن جابر وهو اللخمي تابعي لكن لم يرو عنه غير معاوية هذا ومحمد بن الوليد الزبيدي ولم يوثقه غير ابن حبان. والحديث تقدم تحت الحديث (904) ، وإنما أعدته هنا لتقويته بالشاهد الموصول ومرسل اللخمي. 1041 - " أنت عمي وبقية آبائي والعم والد ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 84 / 1 - 2) : حدثنا الحسين ابن محمد الحناط الرامهرمزي أخبرنا أحمد بن رشد بن خيثم الهلالي أخبرنا عمي سعيد ابن خيثم الهلالي أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان عن طاووس عن ابن عباس قال: حدثتني أم الفضل بنت الحارث قالت: " بينا أنا مارة والنبي صلى الله عليه وسلم في الحجر، فقال: يا أم الفضل، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: إنك حامل بغلام ، قالت: كيف وقد تحالفت قريش: لا تولدون النساء؟ قال: هو ما أقول لك، فإذا وضعت فأتيني به، فلما وضعته أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم فسماه عبد الله وألباه من ريقه، ثم قال: اذهبي به فلتجدنه كيسا قالت: فأتيت العباس، فأخبرته، فتلبس، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا جميلا مديد القامة، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إليه فقبل بين عينيه، ثم أقعده عن يمينه، ثم قال: هذا عمي فمن شاء فليباه بعمه. قال العباس: بعض القول يا رسول الله، قال: ولم لا أقول وأنت عمي ... " الحديث. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، أحمد بن رشد قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 51) :

1042

" روى عنه أبي وسمع منه أيام عبيد الله بن موسى أحاديث أربعة " ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، والحسين بن محمد الحناط لم أجد له ترجمة. وأما الهيثمي فقال (9 / 276) : " رواه الطبراني، وإسناده حسن "! نعم الحديث حسن لغيره، فإن الجملة الأولى لا تحتاج إلى شاهد كما هو ظاهر والجملة الوسطى رويت من حديث المطلب بن ربيعة وعلي بن أبي طالب وابنه الحسن بأسانيد ضعيفة قد خرجتها في الكتاب الآخر (1944 - 1945) . وأما الجملة الأخيرة، فقد أخرجها سعيد بن منصور في " سننه " كما في " الجامع الصغير " من حديث عبد الله الوراق مرسلا. ثم وجدت لها شاهدا آخر، فقال ابن وهب في " الجامع " (ص 14) : وأخبرني يونس ابن يزيد عن ابن شهاب قال: بلغنا والله أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " العم أب، إذا لم يكن دونه أب، والخالة أم إذا لم تكن أم دونها ". وهذا إسناد مرسل أو معضل ورجاله ثقات. 1042 - " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه أو ليناوله منه، فإنه هو الذي ولي حره ودخانه ". أخرجه ابن ماجة (2 / 308) وأحمد (1 / 388 و 446) من طريق إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير إبراهيم الهجري وهو ابن مسلم، قال في " التقريب ": " إنه لين الحديث رفع موقوفات ". قلت: وهذا مرفوع قطعا، وله شاهد وهو: " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه قد كفاه حره وعمله، فإن لم يقعده معه ليأكل، فليناوله أكلة من طعامه ". 1043 - " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه قد كفاه حره وعمله، فإن لم يقعده معه ليأكل، فليناوله أكلة من طعامه ". رواه أحمد (2 / 406 و 464) عن حماد بن سلمة أنبأنا عمار بن أبي عمار

1044

سمعت أبا هريرة مرفوعا. وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه هو وغيره بلفظ : " إذا أتى أحدكم خادمه " وسيأتي إن شاء الله تعالى برقم (1285) . 1044 - " إن رجلا زار أخا له في قرية، فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا، فلما أتى عليه الملك قال: أين تريد؟ قال: أزور أخا لي في هذه القرية، قال: هل له عليك من نعمة (تربها) ؟ قال: لا، إلا أني أحببته في الله، قال: فإني رسول الله إليك أن الله عز وجل قد أحبك كما أحببته له ". رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (115 / 2) والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (27 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 12) من هذا الوجه، وقول الحافظ محمد بن ناصر في " التنبيه " (ق 21 / 2) أنه مخرج في " الصحيحين " وهم منه، فليس الحديث في صحيح البخاري. وإنما أخرجه في " الأدب المفرد " (350) . ورواه ابن وهب في " الجامع " (30) . 1045 - " البركة في ثلاث: الجماعات والثريد والسحور ". رواه أبو طاهر الأنباري في " المشيخة " (156 / 1 - 20) والبيهقي في " الشعب " (2 / 426 / 2) عن داود بن عبد الرحمن أبي عبد الله العطار حدثنا عبد الله النصري عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون غير عبد الله النصري فلم أعرفه. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " الكبير " والبيهقي في " الشعب " عن سلمان، فقال شارحه المناوي: " قال الزين العراقي: رجاله معروفون بالثقة إلا أبا عبد الله البصري ".

1046

قلت: كذا في الأصل " أبا عبد الله البصري " على خلاف ما في " المشيخة " " عبد الله النصري " بالنون. والله أعلم. وهكذا رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 57) عن الطبراني. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة أشار إليه الديلمي وقد أخرجه الخطيب في " الموضح " (1 / 263) عن أسد بن عيسى: رفعين حدثنا أرطاة بن المنذر عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. ورواه هو وعبد الغني المقدسي من هذا الوجه بلفظ: " إن الله جعل البركة في السحور والكيل " وسيأتي برقم (1291) . وهذا سند حسن رجاله ثقات غير أسد هذا، فأورده الحافظ في " اللسان " وقال: " يقال له: رفعين، كان من عباد أهل الشام، قال مكحول البيروتي عن داود بن جميل: ما كانوا يشكون أنه من الأبدال. قال ابن حبان في " الثقات ": يغرب، روى عنه أهل العراق وأهل بلده ". ويقويه أن له طريقا أخرى عن أبي هريرة أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (138 / 2) عن ابن أبي ليلى عن عطاء عنه مرفوعا دون ذكر الجماعة. وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد على الأقل. وله شاهد ثان ولكنه ساقط ، رواه ابن شاذان في " المشيخة الصغيرة " (158 / 1) عن أنس مرفوعا. وفيه الحسن بن علي بن زكريا العدوي وهو وضاع وقد أساء السيوطي بإيراده لحديثه هذا في " الجامع " وإن كان بمعنى هذا الحديث الصحيح ففيه غنية عن حديث الكذاب ولفظه " الجماعة بركة ... " وسيأتي في " الأحاديث الضعيفة " (2673) . وله شاهد ثالث ولكنه واه، فيه مجهولان والحارث الأعور وهو متروك، وقد خرجته هناك مع حديث العدوي المذكور. 1046 - " ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده، وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه،

رافدة عليه كل عام، ولا يعطي الهرمة ولا الدرنة ولا المريضة ولا الشرط: اللئيمة ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره ولم يأمركم بشره ". أخرجه أبو داود (1 / 250) قال: قرأت في كتاب عبد الله بن سالم - بحمص - عند آل عمرو بن الحارث الحمصي عن الزبيدي قال: وأخبرني يحيى بن جابر عن جبير بن نفير عن عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات لكنه منقطع بين ابني جابر وجبير لكن وصله الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 115) والبيهقي في " السنن " (4 / 95) من طريقين عن عبد الله بن سالم عن محمد بن الوليد الزبيدي: حدثنا يحيى بن جابر الطائي أن عبد الرحمن بن جبير بن نفير حدثه أن أباه حدثه به. وزاد: " وزكى نفسه، فقال رجل: وما تزكية النفس؟ فقال: أن يعلم أن الله عز وجل معه حيث كان ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن سالم وهو الزبيدي، وهو ثقة. وأخرجه البخاري في " تاريخه " من طريق يحيى بن جابر به كما في ترجمة الغاضري من " الإصابة ". (فائدة) قوله صلى الله عليه وسلم: " أن الله معه حيث كان ". قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي: " يريد أن الله علمه محيط بكل مكان والله على العرش ". ذكره الحافظ الذهبي في " العلو " رقم الترجمة (73) بتحقيقي واختصاري. وأما قول العامة وكثير من الخاصة: الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود ويعنون بذاته، فهو ضلال بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويقول كبيرهم: كل ما تراه بعينك فهو الله! تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

1047

1047 - " ثلاث من السعادة وثلاث من الشقاوة فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق. ومن الشقاوة المرأة تراها فتسوءك وتحمل لسانها عليك وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها، ومالك والدابة تكون قطوفا، فإن ضربتها أتعبتك وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق ". أخرجه الحاكم (2 / 162) من طريق محمد بن بكير الحضرمي حدثنا خالد بن عبد الله حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن أبي بكر بن حفص عن محمد بن سعد عن أبيه مرفوعا . وقال: " تفرد به محمد بن بكير فإن كان حفظه فهو صحيح على شرط الشيخين "، فقال الذهبي: " محمد قال أبو حاتم صدوق يغلط، وقال يعقوب بن شيبة ثقة ". وقال المنذري (3 / 68) : " محمد هذا صدوق وثقة غير واحد ". قلت: ونص عبارة أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 214) : " صدوق عندي يغلط أحيانا ". ثم نقل توثيقه عن جمع، فمثله لا يقل حديثه عن درجة الحسن . والله أعلم. وتابعه محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد عن أبيه عن جده به مختصرا. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 232 / 1) . 1048 - " ما لصبيكم هذا يبكي؟ فهلا استرقيتم له من العين؟ ". أخرجه أحمد (6 / 72) : حدثنا حسين قال حدثنا أبو أويس حدثنا عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت:

1049

دخل النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت صبي يبكي فقال: فذكره. وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي أويس وهو عبد الله بن عبد الله بن أويس قال في " التقريب ": " صدوق يهم ". وأخرج له مسلم في الشواهد. ولعائشة حديث آخر في الرقية بلفظ: (كان يأمرها أن تسترقي) وسيأتي إن شاء الله برقم (2521) . 1049 - " يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس اتقاء فحشه ". أخرجه البخاري (4 / 125 - 126، 142) ومسلم (8 / 21) وأبو داود (4791) والترمذي (1 / 360) وأحمد (6 / 38) من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: " استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده، فقال: بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة. ثم أذن له، فألان له القول، فلما خرج، قلت: يا رسول الله! قلت له ما قلت، ثم ألنت له؟ فقال: فذكره، والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح " قلت: ولفظ الشيخين وغيرهما: " إن شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة ... " وله طريق أخرى عن محمد بن فليح قال: حدثنا أبي عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن معمر عن أبي يونس مولى عائشة عنها قالت: " استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: بئس ابن العشيرة، فلما دخل هش له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانبسط إليه، ثم خرج، فاستأذن رجل آخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ابن العشيرة، فلما دخل لم ينبسط إليه كما انبسط إلى الآخر ولم يهش له كما هش، فلما خرج، قلت: يا رسول الله استأذن فلان

1050

فقلت له ما قلت، ثم هششت له وانبسطت إليه، وقلت لفلان ما قلت ولم أرك صنعت به ما صنعت بالآخر؟ فقال : يا عائشة إن من شرار الناس من اتقي فحشه ". قلت: أخرجه ابن وهب في " الجامع " (69 - 70) وأحمد (6 / 158) والبخاري في " الأدب المفرد " (338) وسنده على شرط مسلم لولا أن فليحا وابنه فيهما ضعف. 1050 - " لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب امرئ، ولا يجتمع الكذب والصدق جميعا، ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا ". رواه ابن وهب في " الجامع " (73 و 83) : أخبرني ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. 1051 - " لا يجتمعان (يعني الخوف والرجاء) في قلب عبد في مثل هذا الموطن (يعني الاحتضار) إلا أعطاه الله الذي يرجو وأمنه من الذي يخاف ". رواه الترمذي (1 / 183 - 184) وحسنه وابن ماجه (4261) وابن أبي الدنيا في " المحتضرين " (5 / 1 - 2) وفي " حسن الظن " (186 / 1) من طريق عن سيار ابن حاتم قال: أخبرنا جعفر بن سليمان قال حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب وهو في الموت، فقال: كيف تجدك؟ قال: أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند حسن كما قال المنذري (4 / 141) ورجاله ثقات رجال مسلم غير سيار بن حاتم وهو صدوق له أوهام، كما في " التقريب " وقد تابعه يحيى بن عبد الحميد الحماني عن ابن بطة في " الإبانه " (6 / 59 / 1) فصح به الحديث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وله شاهد عن عبيد بن عمير مرسلا. لكن فيه أبو ربيعة زيد بن عوف متروك. رواه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (ق 169 / 2) .

1052

1052 - " خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره وأرعاه على زوج في ذات يده ". هذا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وله عنه عدة طرق: 1 - عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عنه مرفوعا. أخرجه البخاري (6 / 193) ومسلم (7 / 181 - 182) وأحمد (2 / 393) . وتابعه عن أبي الزناد شعيب عند البخاري (6 / 120) . ومحمد هو ابن عمرو عند أحمد (2 / 449) . 2 - عن سفيان أيضا: حدثنا ابن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه البخاري (6 / 193) ومسلم. وتابعه معمر عن ابن طاووس به. أخرجه أحمد (2 / 269) . 3 - عن الزهري عن ابن المسيب عنه. رواه البخاري (4 / 139) معلقا، ومسلم وأحمد (2 / 269 و 275) موصولا وفيه بيان سبب الحديث وهو: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم هاني بنت أبي طالب فقالت: يا رسول الله إني قد كبرت ولي عيال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... ". الحديث. 4 - عن معمر عن همام بن منبه عنه. أخرجه مسلم وأحمد (2 / 319) . 5 - عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه. تفرد به مسلم. 6 - عن حماد عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة به. تفرد به أحمد (2 / 469 ) وهو صحيح على شرط مسلم. 7 - عن محمد عن أبي سلمة عنه. تفرد به أحمد أيضا (2 / 502) . وهو حسن.

1053

وله شاهدان أحدهما من حديث ابن عباس بلفظ: " إن خير النساء.. ". الحديث، وسيأتي برقم (2522) . والآخر عن معاوية ومضى أيضا في حديث: (اللهم لا مانع لما أعطيت) وسيأتي أيضا برقم (2523) . 1053 - " خير ما تداويتم به الحجامة ". أخرجه الحاكم (4 / 208) وأحمد (5 / 9 و 15 و 19) من طرق عن عبد الله بن عمير قال: سمعت حصين بن أبي الحر يحدث عن سمرة مرفوعا. وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. كذا قالا: وحصين بن أبي الحر وهو ابن مالك ابن الخشخاش لم يخرج له الشيخان شيئا وهو ثقة، فالحديث صحيح فقط ليس على شرطهما. وله شاهد صحيح وهو: " خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز ". 1054 - " خير ما تداويتم به الحجامة والقسط البحري، ولا تعذبوا صبيانكم بالغمز ". أخرجه أحمد (3 / 107) : حدثنا بن أبي عدي عن حميد عن أنس مرفوعا. وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرطهما وقد أخرجاه بلفظ: (إن أمثل ... ) وزاد: " وعليكم بالقسط ". والحديث أخرجه الثقفي في " الثقفيات " (ج 3 رقم 9 - نسختي) من طريق أخرى عن حميد به. وقال: " رواه حماد بن سلمة عن حميد ". (القسط) : عقار معروف في الأدوية طيب الريح تبخر به النفساء والأطفال. و (الغمز) : يعني غمز لهاة الصبي إذا سقطت بالإصبع. 1055 - " ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت ". رواه ابن حبان في " روضة العقلاء " (ص 12 - 13) وأبو عبد الله

1056

الفلاكي في " الفوائد " (90 / 1) وأبو طاهر بن قيداس في " مجلس من مجالس أبي القاسم اللالكائي " (3 / 122 / 2) والضياء في " المختارة " (1 / 449) عن مؤمل بن إسماعيل: أنبأنا شعبة عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك مرفوعا. وقال اللالكائي: " هذا حديث غريب عن زياد بن علاقة لا نعلم رواه عنه غير شعبة وعنه غير المؤمل ". قلت: وهو سيء الحفظ كما في " التقريب "، فالإسناد ضعيف، ولعل الحديث من الإسرائيليات، فقد أخرجه الطبراني عن عبد الرحمن بن أبزى قال: قال داود النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه بسندين رجال أحدهما رجال الصحيح كما قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 234) . (تنبيه) وقع الحديث في " الجامع الصغير " وفي " الفتح الكبير " معزوا لابن حبان والترمذي، وعزوه للترمذي خطأ بلا شك، فإنه لم يخرجه وأنا أظن أن " الترمذي " تحرف على بعض النساخ، وأن الصواب " الباوردي "، كذلك وقع في " الجامع الكبير " (2 / 176 / 2) . ووقع في المناوي هكذا: " حب عن أسامة بن شريك، ابن عساكر عن أنس "! فكأنه اختلط عليه أو على بعض النساخ تخريج هذا الحديث بتخريج الذي قبله! ثم وجدت للحديث شاهدا مرسلا في حديث في " جامع ابن وهب " (ص 65) ورجاله موثقون غير شيخ أبي إسحاق السبيعي فإنه لم يسم وهو تابعي أو صحابي والأول عندي أرجح كما بينته في الكتاب الآخر (1956) ، فالحديث به حسن إن شاء الله. 1056 - " خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم وشفاء من السقم، وشر ماء على وجه الأرض ماء بوادي برهوت

بقية حضرموت كرجل الجراد من الهوام، يصبح يتدفق ويمسي لا بلال بها ". رواه الطبراني (3 / 112 / 1) وعنه الضياء في " المختارة " (67 / 114 / 2) من طريقين عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني أنبأنا مسكين بن بكير أنبأنا محمد بن مهاجر عن إبراهيم بن أبي حرة عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه في " الأوسط " (1 / 118 / 1) وقال: " لم يروه عن إبراهيم إلا ابن مهاجر ولا عنه إلا مسكين تفرد به الحسن ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم وكذا من فوقه غير إبراهيم بن أبي حرة قال الذهبي في " الميزان ": " ضعفه الساجي ولكن وثقه ابن معين وأحمد وأبو حاتم وزاد: لا بأس به، رأى ابن عمر يروي عنه معمر وابن معين وهو جزري سكن مكة ". قلت: فالإسناد حسن على أقل الدرجات. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (2 / 133) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورواته ثقات، وابن حبان في (صحيحه ) ". وكذا في " مجمع الزوائد " (3 / 286) . قلت: لم يورده الهيثمي في " موارد الظمآن " فالظاهر أنه مما فاته. ونقل المناوي عن الحافظ ابن حجر أنه قال: " رواته موثقون وفي بعضه مقال، لكنه قوي في المتابعات، وقد جاء عن ابن عباس من وجه آخر مرفوعا ". (تنبيه) قوله " بقية " كذا وقع في " المعجم الكبير " بالمثناة التحتانية بعد القاف ونسخته جيدة مصححة ومقابلة وكذا وقع في " المجمع " و " الجامع الكبير " (2 / 27 / 2) وبعض نسخ " الجامع الصغير ". ووقع في " الترغيب " ونسخة " الجامع الصغير " التي عليها شرح " فيض القدير " و " الفتح الكبير "

1057

بلفظ: " بقبة " بالباء الموحدة ولعل الصواب الأول وكذلك وقع في صلب شرح " الفيض ". ولبعض الحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ: " إنها مباركة وهي طعام طعم وشفاء سقم ". أخرجه الطيالسي (457) وأحمد (5 / 175) ومسلم (7 / 154) وليس عندهما " وشفاء سقم ". خلافا لمن وهم من الأفاضل! 1057 - " المكر والخديعة في النار ". روي من حديث قيس بن سعد وأنس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن مسعود ومجاهد والحسن. 1 - أما حديث قيس، فأخرجه ابن عدي في " الكامل " (58 / 2) من طريق هشام بن عمار حدثنا جراح بن مليح حدثنا أبو رافع عن قيس بن سعد قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) لكنت من أمكر الناس. أورده في ترجمة الجراح هذا وقال: " لا بأس به وبرواياته وله أحاديث صالحة جياد ". وقال الحافظ في " الفتح " (4 / 298) بعد ما عزاه لابن عدي: " وإسناده لا بأس به ". وتابعه الهيثم بن خارجة حدثنا الجراح بن مليح البهراني به. أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 105 / 2) من طريق أحمد بن عبيد بسنده عنه. وأما قول المناوي: " قال في " الميزان " في سنده لين وذلك لأن فيه أحمد بن عبيد، قال ابن معين: صدوق له مناكير. والجراح بن مليح قال الدارقطني: ليس بشيء. ووثقه غيره. وخالف الذهبي، فقال في " الكبائر ": سنده قوي ورواه البزار والديلمي عن أبي هريرة، والقضاعي عن ابن مسعود ".

قلت: فيؤخذ عليه أمور: أولا: أنه ليس في رواية ابن عدي أحمد بن عبيد، وإنما هو في رواية البيهقي في " الشعب " كما رأيت، والسيوطي، إنما عزاه إليه فقط، فقد فاتته هذه المتابعة القوية من هشام بن عمار عند ابن عدي. ثانيا: أن الجراح بن مليح في الحديث هو البهراني الحمصي وليس هو الذي قال فيه الدارقطني ما نقله المناوي عنه وإنما ذاك الجراح بن مليح الرؤاسي والد وكيع. وقد قال الذهبي في الأول: هو أمثل من والد وكيع. ثالثا: لا مخالفة من الذهبي في تقويته لإسناد الحديث بل ذلك هو الصواب لأنه ليس في رجاله من ينظر فيه غير الجراح، وقد عرفت قول ابن عدي فيه، ولذا قال الحافظ فيه في " التقريب ": " صدوق ". ولذلك قوى إسناده في " الفتح " كما سبق. وأبو رافع هو نفيع بن رافع الصائغ المدني ثقة من رجال الشيخين. وهشام بن عمار فيه كلام وإن كان من شيوخ البخاري، لكنه قد توبع كما عرفت. 2 - وأما حديث أنس، فأخرجه الحاكم (4 / 607) عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان ابن سعد عنه. سكت عنه الحاكم والذهبي، وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سنان بن سعد ويقال: سعد بن سنان وهو صدوق كما في " التقريب ". 3 - وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طريقان: الأولى: عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عنه. أخرجه البزار (18 - زوائده) والعقيلي في " الضعفاء " (268) وابن عدي في " الكامل " (236 / 2 ) وقال العقيلي: " عبيد الله، قال البخاري: منكر الحديث. وفي هذا رواية من غير هذا الوجه بغير هذا اللفظ، فيها لين أيضا ". قلت: لعله يشير إلى الطريق الأولى، وقال الحافظ في عبيد الله هذا: " متروك الحديث ".

1058

والأخرى: عن إسماعيل بن يزيد: حدثنا هشام بن عبيد الله: حدثنا حكيم بن نافع : حدثني عطاء الخراساني عنه. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 209) في ترجمة إسماعيل هذا، واسم جده حريث بن مردانبة القطان، وقال: " اختلط عليه بعض حديثه في آخر أيامه ". وعطاء الخراساني هو ابن أبي مسلم صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس. ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن أبي هريرة كما في " الفتح ". 4 - وأما حديث ابن مسعود، فيأتي الكلام عليه في الحديث الآتي. 5 - وأما حديث مجاهد، فرواه ابن وهب في " الجامع " (ص 76) عن ابن زحر عن سليمان بن مهران عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وزاد: " والخيانة " وهو مع إرساله ضعيف من أجل ابن زحر واسمه عبيد الله فإنه واه 6 - وأما حديث الحسن، فقد رواه ابن المبارك في " البر والصلة " عن عوف عنه قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. (¬1) وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل أيضا إلا أنه إذا ضم إليه ما قبله من الموصول أخذ به قوة ودل مجموع ذلك على أن للحديث أصلا، كما قال الحافظ، لاسيما وبعضه حسن لذاته كالحديث الأول والثاني ومثلهما حديث ابن مسعود الآتي. فالحديث صحيح قطعا، وقد علقه البخاري في " صحيحه " بصيغة الجزم. 1058 - " من غشنا فليس منا والمكر والخداع في النار ". أخرجه ابن حبان (1107) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 153) و " المعجم الكبير " (3 / 69 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 188) من طرق عن أبي خليفة الفضل بن الحباب حدثنا عثمان بن الهيثم المؤذن حدثنا أبي عن عاصم عن زر ابن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، على ما بينته في " الروض النضير " (641) ، و " إرواء الغليل " (1307) . ¬

(¬1) وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي داود في " مراسيله " بزيادة " والخيانة ". اهـ.

1059

والجملة الأولى لها أكثر من شاهد واحد مخرجه في " الإرواء ". والجملة الأخرى لها شواهد أيضا كما سبق آنفا، فالحديث بمجموع ذلك صحيح. والحمد لله على توفيقه. 1059 - " ما في السماء الدنيا موضع قدم إلا عليه ملك ساجد أو قائم، فذلك قول الملائكة : * (وما منا إلا له مقام معلوم، وإنا لنحن الصافون، وإنا لنحن المسبحون ) * ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (44 / 1) عن أبي معاذ الفضل بن خالد النحوي قال : حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي قال: سمعت الضحاك بن مزاحم يحدث عن مسروق بن الأجدع عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات غير الفضل هذا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 61) من رواية ثقتين عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم روى من طريق مسلم بن صبيح عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: فذكره موقوفا عليه باختصار وهو في حكم المرفوع وإسناده صحيح. 1060 - " هل تسمعون ما أسمع؟ قالوا: ما نسمع من شيء. قال: إني لأسمع أطيط السماء، وما تلام أن تئط وما فيها موضع شبر إلا وعليه ملك ساجد أو قائم ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (43 / 2) عن صفوان بن محرز عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضي الله عنهم إذ قال لهم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.

1061

ثم أخرج له شاهدا من حديث عائشة مرفوعا نحوه، وثانيا عن ابن مسعود موقوفا، وقد خرجتهما آنفا، وثالثا من حديث أبي ذر، وفي متنه زيادة، وقد خرجته في " المشكاة " (5347) . 1061 - " كان إذا صلى همس، فقال: أفطنتم لذلك؟ إني ذكرت نبيا من الأنبياء أعطي جنودا من قومه، فقال: من يكافئ هؤلاء أو من يقاتل هؤلاء؟ أو كلمة شبهها، فأوحى الله إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث: أن أسلط عليهم عدوهم أو الجوع أو الموت، فاستشار قومه في ذلك؟ فقالوا: نكل ذلك إليك أنت نبي الله، فقام فصلى وكانوا إذا فزعوا، فزعوا إلى الصلاة، فقال: يا رب أما الجوع أو العدو، فلا ولكن الموت، فسلط عليهم الموت ثلاثة أيام، فمات منهم سبعون ألفا، فهمسي الذي ترون أني أقول: اللهم بك أقاتل وبك أصاول ولا حول ولا قوة إلا بك ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (35 / 2) : حدثنا إسحاق بن إبراهيم أنبأنا أبو أسامة حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه الإمام أحمد (4 / 333، 6 / 16) من طريقين آخرين عن سليمان بن المغيرة به، ومن طريق حماد بن سلمة: حدثنا ثابت به نحوه وفيه أن الصلاة هي صلاة الفجر وأن الهمس كان بعدها وفي أيام حنين. وروى منه الدارمي (2 / 217) قوله: اللهم بك أحاول وبك أصاول وبك أقاتل ". وسندهما صحيح على شرط مسلم. 1062 - " إذا قام أحدكم ـ أو قال الرجل ـ في صلاته يقبل

1063

الله عليه بوجهه، فلا يبزقن أحدكم في قبلته ولا يبزقن عن يمينه، فإن كاتب الحسنات عن يمينه ولكن ليبزقن عن يساره ". أخرج ابن نصر في " الصلاة " (24 / 1) : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا الحجاج عن حماد عن حماد عن ربعي بن خراش أن شيث بن ربعي بزق في قبلته، فقال حذيفة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وحماد الأول هو ابن زيد، وحماد الراوي عنه هو ابن أسامة أبو أسامة الكوفي. 1063 - " إذا خرج المسلم إلى المسجد كتب الله له بكل خطوة خطاها حسنة ومحى عنه بها سيئة حتى يأتي مقامه ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (19 / 2) من طريق موسى بن يعقوب قال: حدثني عباد بن أبي صالح السمان مولى جويرية بنت الأخفش الغطفاني أنه سمع أباه يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجل مسلم غير موسى بن يعقوب - وهو الزمعي - صدوق فيه ضعف. وعباد اسمه عبد الله. ثم أخرجه من طريق الأعمش عن أبي صالح به نحوه. ومن طريق إبراهيم بن أبي أسيد عن جده عن أبي هريرة نحوه، وزاد: " حتى إذا انتهى إلى المسجد كانت صلاته نافلة ". 1064 - " لا تديموا النظر إلى المجذومين ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 138) وابن ماجه (2 / 364) وأحمد (1 / 233) وابن أبي شيبة في " الأدب " (1 / 156 / 1) وابن معين في " حديثه " (9 / 2) والحربي في " الغريب " (5 / 82 / 1) عن

عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت الحسين عن ابن عباس مرفوعا به. (انظر الاستدراك رقم 51 / 22) . وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات غير محمد بن عبد الله هذا، وثقه النسائي، وقال مرة: " ليس بالقوي ". وقال البخاري: " لا يكاد يتابع في حديثه ". وقال الحافظ: في " التقريب " إنه " صدوق " وهذا لا يتفق مع قوله في " الفتح " (10 / 130) : " أخرجه ابن ماجه وسنده ضعيف ". وقد تابعه ابن أبي الزناد عن محمد بن عبد الله به. أخرجه ابن ماجه والطيالسي (رقم 1601) ولوين في " أحاديثه " (26 / 1) وابن وهب في " الجامع " (ص 106) وأبو القاسم الهمداني في " الفوائد " (1 / 199 / 1) والضياء في " المختارة " (67 / 103 / 2) . وأورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 101) وقال: " رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات ". وكأنه ذهل عن كونه في " سنن ابن ماجه " ولعله عند الطبراني من طريق أخرى فلذلك أورده. والله أعلم. ثم تأكدت من ذلك كما يأتي. وله شاهد أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائد المسند " (1 / 78) وأبو يعلى في " مسنده " (317 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 247 / 1) عن الفرج بن فضالة عن عبد الله بن عامر عن عبد الله بن عمرو ابن عثمان عن أمه فاطمة بنت حسين عن حسين عن أبيه علي بن أبي طالب به. (¬1) وهذا سند ضعيف، الفرج بن فضالة وشيخه عبد الله - وهو الأسلمي - ضعيفان كما في " التقريب " وفي " المجمع ": " رواه عبد الله بن أحمد، وفيه الفرج بن فضالة وثقه أحمد وغيره وضعفه النسائي وغيره وبقية رجاله ثقات إن لم يكن سقط من الإسناد أحد ". ¬

(¬1) وزاد " وإذا كلمتموهم، فليكن بينكم وبينهم قيد رمح ". ولهذه الزيادة شاهد ولكنه أشد ضعفا منها، فراجع الكتاب الآخر (1960) . اهـ.

1065

وخالفه في إسناده حسين بن علي بن حسين فقال: حدثتني فاطمة بنت الحسين عن أبيها عن النبي صلى الله عليه وسلم به. علقه البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 170) فقال: " وقال ابن المبارك: عن حسين.... " ووصله الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 140 / 2) من طريق يحيى الحماني قال: حدثنا ابن المبارك به. والحماني ضعيف لسوء حفظه، فأصح الطرق هي الطريق الأولى من رواية محمد بن عبد الله بسنده عن ابن عباس، ولذلك قال الضياء المقدسي: " وهي أولى ". قلت: ويرجحه رواية ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس به. أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 113 / 1) . ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه ضعيف لسوء حفظه، فحديثه حسن في الشواهد والمتابعات. وللحديث شاهد من حديث معاذ بن جبل مرفوعا به رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه عن شيخه الوليد بن حماد الرملي. قال الهيثمي: " ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". قلت: وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح. والله أعلم. 1065 - " من ردته الطيرة، فقد قارف الشرك ". رواه ابن وهب في " الجامع " (ص 110) قال: 1 - حدثني ابن لهيعة عن عياش بن عباس عن أبي الحصين عن فضالة بن عبيد الأنصاري صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: فذكره. 2 - وأخبر به الليث بن سعد بن عياش بن عباس عن عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل ابن حسنة عن أبي خراش الحميري عن فضالة بن عبيد.

3 - وأخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي عبد الرحمن المعافري عن عبد الله بن عمرو بن العاص بنحو ذلك. قلت: فهذه أسانيد ثلاثة فالأول منها والثالث صحيح، رجالهما كلهم ثقات. وأبو الحصين اسمه الهيثم بن شفي المصري. وظاهرها الوقف ولكن الثالث قد أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (287) من طريق ابن وهب به مرفوعا وزاد: " قالوا: وما كفارة ذلك يا رسول الله؟ قال: يقول أحدهم: " اللهم لا طير إلا طيرك ولا خير إلا خيرك ولا إله غيرك ". وكذلك أخرجه أحمد (2 / 220) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة به. قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 105) : " رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات ". قلت: الضعف الذي في حديث ابن لهيعة إنما هو في غير رواية العبادلة عنه وإلا فحديثهم عنه صحيح كما حققه أهل العلم في ترجمته، ومنهم عبد الله ابن وهب وقد رواه عنه كما رأيت وذلك من فوائد هذا الكتاب، والحمد لله الذي به تتم الصالحات. قلت: فينبغي أنه ينبه على ذلك في التعليق على " فتح المجيد " حيث عزا الحديث لأحمد، ثم أعله بابن لهيعة، فأوهم ضعف الحديث! وأما الإسناد الثاني فضعيف لأن عمران بن عبد الرحمن بن شرحبيل وأبا خراش الحميري ترجمهما ابن أبي حاتم (2 / 1 / 301) و (4 / 2 / 367) ولم يذكر فيهما جرحا ولا تعديلا. وللحديث شاهد من حديث رويفع بن ثابت مرفوعا. قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 105) : " رواه البزار وفيه سعيد بن أسد بن موسى روى عنه أبو زرعة الرازي ولم يضعفه أحد وشيخه البزار إبراهيم غير منسوب وبقية رجاله ثقات ".

1066

قلت: أبو زرعة لا يروي إلا عن ثقة كما في " اللسان " (2 / 416) وحديث رويفع أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 282) من رواية إدريس بن يحيى عن عبد الله بن عياش القتباني عن أبيه عن شييم بن بيتان عن شيبان بن أمية عن رويفع بن ثابت به. وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر ". قلت: وشيبان هذا مجهول كما في " التقريب "، فلعل البزار رواه من غير طريقه. والله أعلم. ثم وقفت على إسناد البزار في " زوائده " للحافظ الهيثمي ثم ابن حجر، فقال البزار (ص 167 - 168) : حدثنا إبراهيم - هو ابن الجنيد - حدثنا سعيد بن أسد بن موسى حدثنا إدريس بن يحيى الخولاني حدثنا عبد الله بن عياش - هو ابن عباس القتباني - عن أبيه عن شييم بن (قتبان عن شيبان بن) أمية عن رويفع ابن ثابت به. وقال البزار: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا رويفع ولا يروى إلا بهذا اللفظ ". قال الهيثمي عقبه أو ابن حجر: " قلت: هو إسناد حسن "! كذا قال وفيه جهالة شيبان كما علمت وقد سقط اسمه من الناسخ كما سقط غيره مما وضعناه بين المعكوفتين. وإبراهيم بن الجنيد الظاهر أنه الختلي البغدادي الثقة . أنظر " لسان الميزان " لابن حجر. 1066 - " أعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك ". أخرجه ابن وهب في " الجامع " (119) وعنه مسلم في " صحيحه " (7 / 19) وكذا أبو داود (3886) عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن عوف بن مالك الأشجعي قال:

1067

" كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: " فذكره. وتابعه عبد الله بن صالح حدثني معاوية به. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 56) . 1067 - " تخيروا لنطفكم، فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ". أخرجه ابن ماجه (1 / 706) وابن عدي في الكامل " (64 / 1) والدارقطني (416) والحاكم (2 / 163) والخطيب (1 / 264) من طريق الحارث بن عمران الجعفري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. ثم رواه الحاكم من طريق عكرمة بن إبراهيم عن هشام بن عروة به مثله. وقال: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت الحارث متهم وعكرمة ضعفوه ". قلت: ومن طريق الأول ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 403 و 404) وقال : " قال أبي: الحديث ليس له أصل وقد رواه مندل أيضا، ثم قال: قال أبي: الحارث ضعيف الحديث، وهذا حديث منكر ". قلت: وذكره الخطيب من طرق أخرى عن هشام به ثم قال: " وكل طرقه واهية. قال : ورواه أبو المقدام هشام بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وهو أشبه بالصواب ". وقال الحافظ في التلخيص (3 / 146) : " ومداره على أناس ضعفاء رووه عن هشام أمثلهم: صالح بن موسى الطلحي والحارث بن عمران الجعفري وهو حسن ". وقال في " الفتح " (9 / 102) : " وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضا وفي إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر ". وروي الحديث بزيادة فيه منكرة أوردته من أجلها في " الضعيفة " (5041) .

1068

ثم رأيت له متابعا آخر أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5 / 120 / 2) من طرق عن أبي بكر أحمد بن القاسم أنبأنا أبو زرعة أخبرنا أبو النضر أخبرنا الحكم ابن هشام حدثني هشام بن عروة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير أحمد بن القاسم وهو التميمي ترجمه ابن عساكر (2 / 42 / 2) وروى عن عبد العزيز الكناني أنه قال فيه: " كان ثقة مأمونا ". وفي الحكم بن هشام وأبي النضر واسمه إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي كلام لا يضر، وقد قال الحافظ في كل منهما: " صدوق " زاد في الثاني " ضعف بلا مستند ". فالحديث بمجموع هذه المتابعات والطرق وحديث عمر رضي الله عنه صحيح بلا ريب. ولكن يجب أن نعلم أن الكفاءة إنما هي في الدين والخلق فقط. 1068 - " موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود ". رواه عباس الترقفي في " حديثه " (41 / 2) أخبرنا أبو عبد الرحمن (يعني عبد الله بن يزيد المقري) حدثنا سعيد (يعني ابن أبي أيوب) أخبرنا محمد بن عبد الرحمن أبو الأسود عن مجاهد عن أبي هريرة أنه كان في الرباط، ففزعوا، فخرجوا إلى الساحل، ثم قيل: لا بأس، فانصرف الناس وأبو هريرة واقف، فمر به إنسان، فقال: ما يوقفك يا أبا هريرة؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ومن طريق الترقفي رواه ابن حبان (1583) والحافظ ابن عساكر في " أربعين الجهاد " (الحديث 18) . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون، نعم قد قيل:

1069

إن مجاهد لم يسمع من أبي هريرة، هكذا حكاه في " التهذيب " بصيغة التمريض: " قيل " وهذا هو الصواب، فقد وجدت تصريح مجاهد بسماعه من أبي هريرة في " سنن البيهقي " (7 / 270) بسند صحيح عنه. وأخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 408 / 3507) في ترجمة يونس بن غياث عن أبي هريرة هكذا ذكره بدون إسناد، ثم قال: ورواه أصبغ عن ابن وهب قال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن محمد بن عبد الرحمن عن يونس بن يحيى ". 1069 - " إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ". أخرجه الطيالسي (رقم 2460) وأحمد (2 / 468 و 538) من طريق شعبة عن قتادة قال: سمعت هلالا المزني أو المازني يحدث عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الستة غير هلال هذا وهو ابن يزيد أبو مصعب البصري روى عنه أيضا سعيد الجريري ويحيى بن يعمر. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: " روى عنه أهل البصرة " كما في التعجيل. وللحديث طرق أخرى تقدم ذكر بعضها برقم (859) . وله شاهد من حديث عائشة بهذا اللفظ. أخرجه البخاري (10 / 117 ) وابن ماجه (2 / 342 - 343) عن خالد بن سعيد قال: خرجنا ومعنا غالب بن أبجر، فمرض في الطريق، فقدمنا المدينة وهو مريض، فعاده ابن أبي عتيق، فقال لنا: عليكم بهذه الحبيبة السوداء فخذوا منها خمسا أو سبعا فاسحقوها، ثم أقطروها في أنفه بقطرات زيت في هذا الجانب، وفي هذا الجانب، فإن عائشة رضي الله عنها حدثتني أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكرته. 1070 - " إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث ". أخرجه أبو داود (1 / 3) وابن ماجة (1 / 127) وابن حبان

(126) والبيهقي (1 / 96) والطيالسي (رقم 679) وأحمد (4 / 369 - 373) من طريق شعبة عن قتادة سمع النضر بن أنس عن زيد بن أرقم مرفوعا. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وإن أعله بعضهم كما يأتي. ولقتادة فيه إسناد آخر رواه سعيد بن أبي عروبة عنه عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم به. أخرجه ابن ماجة وابن حبان (126) والبيهقي وأحمد. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. والحديث أشار إليه الترمذي (1 / 11) وأعله بقوله: " في إسناده اضطراب "، روى هشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة عن قتادة، فقال سعيد: عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم، وقال هشام الدستوائي عن قتادة عن زيد بن أرقم، ورواه شعبة ومعمر عن قتادة عن النضر بن أنس فقال شعبة: عن زيد بن أرقم وقال معمر عن النضر بن أنس عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الترمذي: سألت محمدا (يعني البخاري) عن هذا فقال: يحتمل أن يكون قتادة، روى عنهما جميعا ". قلت: وهذا الذي ذكره البخاري رحمه الله هو الذي نجزم به مطمئنين أن قتادة رواه عن النضر بن أنس وعن القاسم بن عوف الشيباني كلاهما عن زيد بن أرقم وذلك لأن قتادة ثقة حافظ ثبت، فمثله جائز أن يكون له في الحديث إسنادان فأكثر، فإذا كان الأمر كذلك فلا نرى إعلال الحديث بأمر جائز الوقوع بل هو واقع في كثير من الأحاديث كما يشهد بذلك من له ممارسة بهذا الشأن. على أننا لا نسلم الحكم على الحديث بالاضطراب لمجرد الاختلاف المذكور لأن شرط المضطرب من الحديث أن تستوي الروايات بحيث لا يترجح بعضها على بعض، بوجه من وجوه الترجيح، كحفظ راويها أو ضبطه أو كثرة صحبته، أو غير ذلك من الوجوه. فإذا ترجح لدينا إحدى الروايات على الأخرى فالحكم لها ولا يطلق عليه حينئذ وصف الإضطراب أو على الأقل ليس له حكمه كما ذكر ابن الصلاح في المقدمة، والترجيح - إذا كان لابد منه - في هذا الحديث واضح، وذلك أن سعيد بن أبي عروبة وهشام الدستوائي أثبت الناس في قتادة

1071

كما قال ابن أبي خيثمة وغيره، ثم رواية الأول مقدمة هنا على رواية هشام لما فيها من الزيادة في الإسناد، والزيادة من الثقة واجب قبولها. على أن أبا داود الطيالسي، قال في سعيد: كان أحفظ أصحاب قتادة. وقد صرح الإمام أحمد في رواية معمر التي ذكرها الترمذي أنها وهم كما في " سنن البيهقي " . وقتادة بصري وفيما حدث معمر - وهو ابن راشد - بالبصرة شيء من الضعف كما ذكر الحافظ في " التقريب ". فلم يبق ما يستحق المعارضة إلا رواية شعبة. وهو ثقة حافظ متقن ولذلك يترجح عندي ثبوت روايته مع رواية سعيد وإلا فرواية سعيد مقدمة عليه لما ذكرنا. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت الحاكم أخرج الحديث في " المستدرك " (1 / 187) من الوجهين عن شعبة وعن سعيد، ثم قال: كلا الإسنادين من شرط الصحيح، ووافقه الذهبي. وقد رواه بعض الضعفاء عن قتادة على وجه آخر بلفظ آخر فانظره في " الضعيفة " (5042 ) . 1071 - " كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض ". أخرجه أبو داود (1 / 3 - 4) وعنه البيهقي (1 / 96) عن وكيع عن الأعمش عن رجل عن ابن عمر مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل. ثم أخرجه أبو داود وكذا الترمذي (1 / 21) والدارمي (1 / 171) من طريقين عن عبد السلام ابن حرب الملائي عن الأعمش عن أنس بن مالك به. وكذلك أخرجه البيهقي. وقال أبو داود عقبه: " وهو ضعيف ". وقد أفصح الترمذي عن علته فقال: " وكلا الحديثين مركب، ويقال: لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نظر إلى أنس بن مالك قال: رأيته يصلي، فذكر عنه حكاية في الصلاة ". قال المنذري: " وذكر أبو نعيم الأصبهاني أن الأعمش رأى أنس بن مالك وابن أبي أوفى وسمع منهما، والذي قاله الترمذي هو المشهور ".

1072

وقد جاء الحديث موصولا عند البيهقي من طريق أبي بكر الإسماعيلي: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم - من أصل كتابه -: حدثنا أحمد بن أبي رجاء المصيصي - شيخ جليل -: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: (كان إذا أراد الحاجة تنحى ولا يرفع ثيابه حتى يدنو من الأرض) والمصيصي هذا هو ابن عبيد الله بن أبي رجاء، قال النسائي: " لا بأس به ". وقال مرة: " ثقة "، وذكره ابن حبان في الثقات ". وأما عبد الله بن محمد بن مسلم فهو أبو بكر الإسفرائيني الحافظ الحجة له ترجمة في " تذكرة الحفاظ " مات سنة (318 ) . وأبو بكر الإسماعيلي هو صاحب المستخرج على " الصحيح " وهو أشهر من أن يذكر، واسمه أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن عباس بن مرداس، له ترجمة أيضا في " التذكرة " (3 / 149 - 151) وفي " الأنساب " للسمعاني، فقد صح الحديث موصولا بإسناد صحيح، فإن القاسم بن محمد هو ابن أبي بكر الصديق وهو ثقة حجة. وهذه فائدة عزيزة. ولابن عمر حديث آخر، وهو: " كان يذهب لحاجته إلى المغمس. قال نافع: " المغمس " ميلين أو ثلاثة من مكة ". 1072 - " كان يذهب لحاجته إلى المغمس. قال نافع: " المغمس " ميلين أو ثلاثة من مكة ". صحيح. رواه السراج في " الثاني " من " الأول " من " مسنده " (20 / 2) : حدثنا محمد بن سهل بن عسكر حدثنا ابن أبي مريم حدثنا نافع بن عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأورده عبد الحق الإشبيلي في " كتاب التهجد " (3 / 1) وقال: " وهو حديث صحيح ذكره أبو جعفر الطبري ": وسكت عليه في " الأحكام الكبرى " (رقم 159) ورواه ابن السكن أيضا في " سننه "

1073

كما في " معجم البلدان "، وذكر أن (المغمس) على ثلثي فرسخ من مكة وأنه مكان مستور إما بهضاب وإما بعضاه. 1073 - " تفتح أبواب السماء نصف الليل، فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطى، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله عز وجل له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشارا ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 88 / 2 - زوائد المعجمين) : حدثنا إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن سلام حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عثمان بن أبي العاص الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وقال: " لم يروه عن هشام إلا داود، تفرد به عبد الرحمن ". قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين وإبراهيم شيخ الطبراني هو ابن هاشم أبو إسحاق البيع البغوي وهو ثقة. فالإسناد صحيح. (تنبيه) عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " و " الكبير " (1 / 408 / 2) وتبعه في " الفتح الكبير " (2 / 33) للطبراني في " المعجم الكبير " وهو خطأ وصوابه " المعجم الأوسط " كما سبق، وعلى الصواب عزاه الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 88) تبعا للمنذري في " الترغيب " (1 / 279) . إلى أن الهيثمي وقع منه خطأ أفحش، فقد أورد الحديث بثلاث روايات هذا أحدها عزا الأولى لأحمد وكبير الطبراني، وهذه لـ " المعجم الأوسط " والأخرى لـ " الكبير ". ثم قال: " ورجال أحمد رجال الصحيح إلا أن فيه علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق ولهذا الحديث طرق تأتي فيما يناسبها إن شاء الله ". قلت: ووجه الخطأ ظاهر وهو ظنه أن ابن زيد هذا في إسناد " الأوسط " أيضا وليس كذلك كما يتبين بأدنى تأمل في إسناده السابق الذكر. وقد وقع المناوي أيضا فيما يشبه هذا الخطأ، فقد نقل كلام الهيثمي المذكور تحت هذا الحديث الذي عزاه السيوطي لكبير الطبراني سهوا وأقره عليه، فهو خطأ على خطأ، والمعصوم من عصمه الله.

1074

وأما الروايتان الأخريان، ففيهما حقا ابن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف ولذلك أوردتهما في الكتاب الآخر (1962 / 1963) . 1074 - " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما في الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله عز وجل فيستشهد، ثم يتوب الله على القاتل فيسلم، فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد ". أخرجه مالك (2 / 17) وعنه البخاري (3 / 210) والنسائي (2 / 63) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 467) ثلاثتهم عن مالك ومسلم (6 / 40) واللفظ له وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 152) من حديث الأعمش عن أبي هريرة مرفوعا. وله عند مسلم والبيهقي طريق أخرى عنه، وستأتي بإذن الله بلفظ " إن الله يضحك " رقم (2525) . 1075 - " يكون من بعدي اثنا عشر أميرا كلهم من قريش ". أخرجه الترمذي (2 / 35) وأحمد (5 / 90 و 92 و 95 و 99 و 108) من طريق سماك ابن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة قال: فذكره مرفوعا. وقال: " حديث حسن صحيح ". وقد تابعه عبد الملك بن عمير سمعت جابر بن سمرة به. أخرجه البخاري (13 / 179) وأحمد (5 / 93) من طريق شعبة عنه. وله طريق أخرى بلفظ: " يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، ثم رجع إلى منزله فأتته قريش فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج ". أخرجه أبو داود (2 / 207) وأحمد (5 / 92) عن زهير حدثنا زياد بن خيثمة حدثنا الأسود بن سعيد الهمداني عن جابر بن سمرة. وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير الأسود هذا وهو صدوق كما في " التقريب " و " الخلاصة ". 1076 - " إن الله خلق خلقه في ظلمة وألقى عليهم من

1077

نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى به ومن أخطأه ضل ". أخرجه الآجري في " الشريعة " (ص 175) قال: أخبرنا الفريابي قال: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: فذكره مرفوعا وزاد في آخره: " قال عبد الله بن عمرو: فلذلك أقول: جف القلم بما هو كائن ". وتابعه ابن المبارك عن الأوزاعي به. أخرجه ابن حبان (1812) . وتابعه عنده معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد به. وتابعه أيضا أبو إسحاق الفزاري. أخرجه الحاكم (1 / 30) وقال: " صحيح " ووافقه الذهبي. قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وله عند الآجري والترمذي (2 / 107) وأحمد (2 / 176 و 197) طرق أخرى عن ابن الديلمي. 1077 - " إن الله خلق آدم على صورته وطوله ستون ذراعا ". أخرجه أحمد (2 / 323) : حدثنا أبو عامر حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد عن موسى بن أبي عثمان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند ضعيف من أجل موسى بن أبي عثمان وأبيه، فإنهما في عداد المجهولين وفي " التقريب " أنهما مقبولان يعني إذا توبعا وهذا الحديث مما لم ينفردا به، فقد رواه همام ابن منبه عن أبي هريرة بلفظ أتم منه مضى برقم (450) . ورواه أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا بالشطر الأول فقط.

1078

أخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في " كتاب السنة " (ص 186) وسنده حسن والحديث بطرقه صحيح. 1078 - " إن طرف صاحب الصور منذ وكل به مستعد ينظر نحو العرش مخافة أن يؤمر قبل أن يرتد إليه طرفه كأن عينيه كوكبان دريان ". أخرجه الحاكم (4 / 558 - 559) من طريق محمد بن هشام بن ملاس النمري حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن عبيد الله بن عبد الله بن الأصم حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال : " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي وزاد: " على شرط مسلم "! قلت: أصاب الحاكم وأخطأ الذهبي، فإن الفزاري من رجال مسلم لا من شيوخه وابن ملاس لم يخرج له مسلم أصلا وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 4 / 116) ، فليس على شرط مسلم إذن. وحسنه في الفتح (11 / 368) وبيانه أن الحاكم رحمه الله جرى في كتابه " المستدرك على الصحيحين " على تصحيح السند على شرط الشيخين أو أحدهما اعتبار من شيخهما أو أحدهما، بمعنى أن رجال الحاكم إلى الشيخ يكونون ثقات وسنده إليه عنده على الأقل يكون صحيحا ولكن ليس على شرطيهما لأنهم دونهما في الطبقة بداهة ، فإذا أردنا أن نجاري الحاكم على هذا الاصطلاح فلابد من أن ينتهى سند الحديث إلى شيخ البخاري ومسلم أو أحدهما ليصح القول بأنه على شرطهما، فإذا كان السند الذي هو على شرط مسلم مثلا كما هنا انتهى إلى راو من رواة مسلم هو شيخ الراوي الذي هو من طبقة شيوخ مسلم وليس شيخه فعلا كما هو الحال في ابن ملاس هذا، ففي هذه الحالة لا يصح أن يقال بأنه على شرط مسلم. ولعله مما يزيد الأمر وضوحا أنه إذا فرضنا أن إسنادا للحاكم انتهى إلى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ومعلوم أن سعيدا وأبا هريرة من رجالهما ولكن إسناد الحاكم إلى سعيد ليس على شرط الشيخين أي لم يخرجا لرجاله في صحيحيهما

1079

ففي هذه الحالة يقال: " إسناده صحيح " ولا يزاد عليه فيقال " على شرطهما " حتى يكون آخر الرجال في السند من شيوخهما. ولعلك تنبهت مما سبق أنه لابد لطالب هذا العلم من ملاحظة كون السند من الحاكم إلى شيخ الشيخين في نفسه صحيحا أيضا، فقد لاحظنا في كثير من الأحيان تخلف هذا الشرط، والطالب المبتدئ في هذا العلم لا يخطر في باله في مثل هذه الحالة الكشف عن ترجمة شيخ الحاكم مثلا أو الذي فوقه ولو فعل لوجد أنه ممن لا يحتج به وحينئذ فلا فائدة في قول الحاكم في إسناد الحديث أنه صحيح على شرط الشيخين وهو كذلك إذا وقفنا بنظرنا عند شيخ صاحبي " الصحيحين " فصاعدا ولم نتعد به إلى من دونهم من شيخ الحاكم فمن فوقه. وهذه مسألة هامة لا تجدها مبسوطة - في علمي - في شيء من كتب المصطلح المعروفة، فخذها بقوة واحفظها لتكون على بينة فيها وتتفهم شيئا من دقائق هذا العلم الذي قل أهله. والله ولي التوفيق. وللحديث شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى ظهره ينظر تجاه العرش كأن عينيه كوكبان دريان لم يطرف قط مخافة أن يؤمر قبل ذلك ". أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " وغيره. وروي عن جمع آخر من الصحابة بزيادة فيه نحوه وهو الآتي بعده. (انظر الاستدراك رقم 66 / 19) . 1079 - " كيف أنعم وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ، فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل توكلنا على الله ربنا، - وربما قال سفيان: على الله توكلنا - ". روي من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس وزيد بن أرقم وأنس بن مالك وجابر ابن عبد الله والبراء بن عازب.

1 - أما حديث أبي سعيد الخدري فيرويه عطية العوفي عنه به. أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (1597) والترمذي (1 / 70 / 316) وابن ماجة (4273) وأحمد (3 / 7 و 73) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 105 و 7 / 130 و 312) من طرق عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: يعني أنه حسن لغيره وذلك لأن عطية العوفي ضعيف، فرواه جماعة عنه هكذا ورواه آخرون على وجهين آخرين كما يأتي. وتابعه أبو صالح عن أبي سعيد به. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (71 / 1) وابن حبان (2569) والحاكم (4 / 559) من طريقين عن الأعمش عن أبي صالح به، وقال الحاكم: " ولولا أن أبا يحيى التيمي على الطريق لحكمت للحديث بالصحة على شرط الشيخين ". قلت: قد تابعه جرير عن الأعمش عند أبي يعلى وابن حبان، فالسند صحيح على شرطهما. 2 - وأما حديث ابن عباس فيرويه مطرف عن عطية عنه به. أخرجه أحمد (1 / 326) والحاكم عن مطرف عن عطية. 3 - وأما حديث زيد بن أرقم فيرويه خالد بن طهمان عن عطية به. أخرجه أحمد (4 / 374) وابن عدي (ق 116 / 1) . قلت: وعطية قد عرفت أنه ضعيف ومن ضعفه أنه اضطرب في إسناده، فرواه على هذه الوجوه الثلاثة، والأول هو الأكثر عنه وكل الرواة عن عطية ذكروه بلفظ " صاحب القرن " سوى حجاج عند ابن ماجه وحده فرواه بلفظ: " إن صاحبي الصور بأيديهما قرنان يلاحظان النظر متى يؤمران ". وحجاج مدلس وقد عنعنه. ونحوه حديث أبي مرية في الحديث الآتي بعده. 4 - وأما حديث أنس فيرويه أحمد بن منصور بن حبيب أبو بكر المروزي الخصيب: حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عنه به دون قوله " قال المسلمون.. ".

1080

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (5 / 153) والضياء في " المختارة " (ق 207 / 1) . قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الخصيب هذا ترجمه الخطيب وساق له هذا الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. 5 - وأما حديث جابر فرواه مطلب بن شعيب الأزدي حدثنا محمد بن عبد العزيز الرملي حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 189) حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا مطلب (¬1) بن شعيب الأزدي ... وقال: " حديث غريب من حديث الثوري عن جعفر تفرد به الرملي عن الفريابي ". قلت: الرملي هذا من شيوخ البخاري ولكنه قد ضعف، وقال الحافظ ابن حجر: " صدوق يهم، وكانت له معرفة ". ومطلب بن شعيب الأزدي ثقة كما قال ابن يونس ، فالسند حسن وهو بما قبله صحيح. والله أعلم. 6 - وأما حديث البراء فيرويه عبد الأعلى بن أبي المساور عن عدي بن ثابت عنه مرفوعا بلفظ: " صاحب الصور واضع الصور على فيه منذ خلق ينتظر حتى يؤمر أن ينفخ فيه، فينفخ ". أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 39) . قلت: وعبد الأعلى هذا ضعيف جدا، قال الحافظ: " متروك، وكذبه ابن معين ". 1080 - " الصور قرن ينفخ فيه ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (ق 118 / 1 - الكواكب) وعنه ¬

(¬1) الأصل " مطر " وهو تصحيف. اهـ.

1081

الترمذي (2 / 69) وهو أيضا (2 / 217) وأبو داود (4742) والدارمي (2 / 325) وابن حبان (2570) وابن أبي الدنيا في " الأهوال " (ق 3 / 2) والحاكم (2 / 436 ، 506، 4 / 560) وأحمد (2 / 162 و 192) والثعلبي في " تفسيره " (25 / 2 ) من طريق سليمان التيمي عن أسلم العجلي عن بشر بن شغاف عن عبد الله بن عمرو ابن العاص قال: " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما الصور ؟ قال: " فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن إنما نعرفه من حديث سليمان التيمي ". قلت: هو ثقة عابد من رجال الشيخين ومن فوقه ثقات، ولذلك قال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وقال الإمام أحمد (2 / 192) : حدثنا يحيى بن سعيد عن التيمي عن أسلم عن أبي مرية عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " النفاخان في السماء الثانية، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه بالمغرب أو قال: رأس أحدهما بالمغرب ورجلاه بالمشرق ينتظران متى يؤمران ينفخان في الصور فينفخان ". قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 330) : " رواه أحمد على الشك، فإن كان عن أبي مرية، فهو مرسل ورجاله ثقات وإن كان عن عبد الله بن عمرو فهو متصل مسند، ورجاله ثقات ". كذا قال: وأبو مرية هذا لا يعرف، أورده الحافظ في " التعجيل " برواية أحمد هذه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ولعل ابن حبان قد ذكره في " الثقات " فليراجع، فإن يدي لا تطوله الآن. 1081 - " من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين

1082

فليقرأ * (إذا الشمس كورت) * و* (إذا السماء انشقت) * و * (إذا السماء انفطرت) * ". رواه الترمذي (2 / 235) وابن نصر في " القيام " (58) والحاكم (4 / 576) وعبد الغني المقدسي في " ذكر النار " (222 / 1) من طريق الطبراني من طريقين عن عبد الرزاق ثم من طريق أحمد وهذا في " المسند " (2 / 27 و 36 و 100) عنه وكذا ابن أبي الدنيا في " الأهوال " (ق 2 / 1) عنه حدثنا عبد الله بن بحير الصنعاني قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد الصنعاني قال: سمعت ابن عمر يقول : فذكره مرفوعا. ثم قال الترمذي والمقدسي: " هذا حديث حسن غريب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، رجاله ثقات وعبد الرحمن بن يزيد وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة وكان فاضلا. 1082 - " حوضي ما بين عدن إلى عمان ماؤه أشد بياضا من الثلج وأحلى من العسل وأكثر الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين الشعث رءوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات ولا تفتح لهم أبواب السدد، الذين يعطون الحق الذي عليهم ولا يعطون الذي لهم ". رواه الطبراني (1 / 147 / 1 - 2) حدثنا أبو زرعة الدمشقي قال: حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر حدثنا صدقة بن خالد عن زيد بن واقد عن أبي سلام الأسود عن ثوبان مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون. وله عنده طريق أخرى أخرجه (148 / 1) عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ثوبان به. ورجاله ثقات كلهم رجال البخاري غير حفص بن عمر بن الصباح الرقي شيخ الطبراني فذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " ربما أخطأ ". والحديث أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من طريق أخرى عن أبي سلام الأسود عن ثوبان مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون. وله عنده طريق أخرى أخرجه ( 148 / 1) عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن سليمان بن يسار عن ثوبان به. ورجاله ثقات كلهم رجال البخاري غير حفص بن عمر بن الصباح الرقي شيخ الطبراني فذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " ربما أخطأ ".

1083

والحديث أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة والحاكم من طريق أخرى عن أبي سلام، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، لكن فيه انقطاع بينته في " تخريج المشكاة " (5592) . وله شاهد عند أحمد (2 / 132) من طريق عمر بن عمرو أبي عثمان الأحموسي (¬1) : حدثني المخارق بن أبي المخارق عن عبد الله بن عمر أنه سمعه يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير المخارق هذا، أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 352) بهذه الرواية ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ". وقال المنذري (4 / 209) : " إسناده حسن "! ثم ذكر له شاهدا آخر من حديث أبي أمامة نحوه، وقال: " رواه الطبراني، وإسناده حسن في المتابعات ". 1083 - " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ". أخرجه مسلم (8 / 20) وأحمد (4 / 70) والطيالسي (رقم 790) من حديث الشعبي عن النعمان بن بشير به مرفوعا. وأخرجه البخاري (10 / 360 - 361 - فتح) من هذا الوجه بلفظ: " ترى المؤمنين ... ". وله طريق ثان عن النعمان. أخرجه الطيالسي (رقم 793) وأحمد (4 / 274) عن سماك بن حرب عنه به مختصرا. وسنده صحيح على شرط مسلم. وله طريق ثالث بلفظ: المسلمون كرجل واحد ... ". ويأتي برقم (2526) . ¬

(¬1) لم تعرف هذه النسبة. اهـ.

1084

1084 - " الملك في قريش والقضاء في الأنصار والآذان في الحبشة والشرعة في اليمن والأمانة في الأزد ". أخرجه أحمد (2 / 364) : حدثنا زيد بن الحباب حدثنا معاوية بن أبي صالح قال: حدثني أبو مريم أنه سمع أبا هريرة يقول مرفوعا. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي مريم وهو الأنصاري وهو ثقة كما في التقريب. وقد أخرجه الترمذي (2 / 329 - طبع بولاق) حدثنا أحمد بن منيع حدثنا زيد بن حباب به دون قوله: " والشرعة في اليمن ". ثم رواه من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح به نحوه عن أبي هريرة ولم يرفعه. وقال: " وهذا أصح من حديث زيد بن حباب ". قلت: زيد ثقة صدوق كما في " الميزان " وقد رفعه، وهي زيادة يجب قبولها كما تقرر في المصطلح. والحديث أورده في " المجمع " (4 / 192) وقال: " رواه أحمد ورجاله ثقات ". قلت: ولبعضه شواهد، فانظر الحديث المتقدم مر بنا برقم (1039) و " الإرواء " (513) . 1085 - " شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله ". أخرجه مسلم (4 / 154) عن ثابت الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قال الحافظ (9 / 200) : " وكذا أخرجه أبو الشيخ من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا صريحا ". قلت: وأخرجه البخاري (6 / 144) ومسلم أيضا وأبو داود (2 / 136)

1086

والدارمي (2 / 105) ومالك (2 / 77) وأحمد (2 / 241) من طريق الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة موقوفا. ورواه الزهري أيضا عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة موقوفا كذلك. أخرجه مسلم وأحمد (267 و 405 و 494) والطيالسي (ص 304 رقم 2302) . وتابعه عن سعيد طلحة بن أبي عثمان عنده بزيادة فيه. أوردته من أجلها في " الضعيفة " (5043) . وللحديث شاهد بلفظ: " شر الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الغني ويترك الفقير ". قال في " المجمع " (4 / 53) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط " و " الكبير " عن ابن عباس، وفيه سعيد ابن سويد المعولي، ولم أجد من ترجمة، وفيه عمران القطان وثقه أحمد وجماعة وضعفه النسائي وغيره، ولفظه في الكبير: " بئس الطعام ... ". الحديث نحوه. وراجع له " الإرواء " (2007) . 1086 - " من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ". رواه مسلم (8 / 148) والدارمي (2 / 332) وأحمد (2 / 369 و 407 و 416 و462) والحسين المروزي في " زوائد الزهد " (1456) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (16 / 2) وكذا المقدسي في " صفة الجنة " (3 / 83 / 2) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا به، وزاد أحمد وغيره: " في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ". وليست في رواية مسلم من هذا الوجه، خلافا لما يشعر به صنيع المنذري في " الترغيب " (4 / 261 ) . ثم رواه أبو نعيم من طريق يعقوب بن حميد حدثنا المغيرة بن عبد الرحمن عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة به. ومن طريق أبي داود حدثنا زهير بن معاوية عن سعد الطائي حدثني أبو المدلة أنه سمع أبا هريرة. ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي وغيره وصححه ابن حبان. (انظر تخريج المشكاة 5630) .

1087

ثم روى بسند صحيح عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن عبد الله بن عمرو عن أبي هريرة مرفوعا. 1087 - " النوم أخو الموت ولا ينام أهل الجنة ". روي من حديث جابر وعبد الله بن أبي أوفى. 1 - أما حديث جابر فيرويه عنه محمد بن المنكدر، وله عنه طريقان: الأولى: عن سفيان الثوري عنه به، وقد اختلفوا عليه، فرواه عنه هكذا مسندا جماعة، ورواه آخرون عنه مرسلا. أ - أما المسند فرواته خمسة: الأول: عبد الله بن محمد بن المغيرة حدثنا سفيان به. أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " (4 / 79 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 221) وابن عدي في " الكامل " (ق 221 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 90) و " صفة الجنة " (ق 128 / 2) وكذا الضياء المقدسي في " صفة الجنة " (3 / 84 / 1) من طريق المقدام بن داود عنه به. وقال العقيلي: " ابن المغيرة هذا يخالف في بعض حديثه ويحدث بما لا أصل له، وهذا مما خولف فيه ". ثم ساقه من طريق جماعة عن سفيان به مرسلا، كما يأتي بيانه. قلت: والمقدام بن داود ضعيف أيضا بل هو شديد الضعف لكن شيخه ليس خيرا منه، فقد اتهمه الذهبي بالوضع، وقال أبو نعيم عقب الحديث: " تفرد به عبد الله ": وقد فاتته المتابعات الآتية. الثاني: الحسين بن حفص قال: حدثنا سفيان به. أخرجه أبو الحسن الحربي في " الحربيات " (2 / 47 / 1 - 2) وأبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ص 157 و192) من طريق النضر بن هشام قال حدثنا الحسين بن حفص به. وقال أبو الشيخ: " لم يرو هذا الحديث عن الحسين بن حفص غير النضر ".

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم غير النضر هذا، فقد ترجمه أبو الشيخ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 481) : " النضر بن هشام الأصبهاني، روى عن الحسين بن حفص وعامر بن إبراهيم وبكر بن بكار كتبت عنه بأصبهان وهو صدوق ". الثالث: معاذ بن معاذ العنبري عن سفيان به. أخرجه أبو عثمان النجيرمي في " الفوائد " (2 / 2 / 2) من طريق عبد الله ابن هاشم حدثنا معاذ بن معاذ العنبري به. وقال: " قال عبد الله بن حامد (يعني شيخه) : قلت لعبد الله الشرقي (يعني شيخ بن حامد، والراوي عن ابن هاشم) : كيف وقع هذا الحديث؟ فقال: إن عبد الله بن هاشم كف بصره، فلقن هذا الحديث، فتلقن ".. قلت: عبد الله بن هاشم هو الطوسي النيسابوري، وهو ثقة من رجال مسلم وشيوخه وقد اتفقوا على توثيقه ولم أر أحدا من الأئمة رماه بالتلقن أو غيره، (¬1) فلا يقبل من الشرقي رمية إياه به، لاسيما وهو نفسه متكلم فيه وإن وصفه السمعاني بأنه محدث نيسابور، فقد أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " وسماعاته صحيحة من مثل الذهلي وطبقته ولكن تكلموا فيه لإدمانه شرب المسكر ". وقد نقل ابن العماد في " الشذرات " (2 / 313) عن الحاكم أنه قال: " رأيته، وكان أوحد وقته في معرفة الطب لم يدع الشراب إلى أن مات، فضعف بذلك ". وذكر الحافظ في " اللسان " عنه حكاية تدل على جهله بقوله صلى الله عليه وسلم في الخمر: " إنها داء وليست بدواء " أو تجاهله إياه، وإلا فكيف يجوز أن يأمر المريض بأن يشرب الخمر المعتق! فالله المستعان. ¬

(¬1) له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (10 / 193 / 194) و " التهذيب ". اهـ .

ولذلك فإني أقول: لولا أن في سند الحديث ابن الشرقي هذا - واسمه عبد الله بن محمد بن الحسن - والراوي عنه ابن حامد ولم أجد له ترجمة، لحكمت على هذا الإسناد بالصحة. ثم رأيت البيهقي أخرجه في " شعب الإيمان " (2 / 36 / 2) من طريق أخرى، فقال: حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي أنبأنا عبد بن محمد ابن الحسن بن الشرقي حدثنا عبد الله بن هاشم به، فبرئت عهدة ابن حامد منه. الرابع: عبد الله بن حيان عن سفيان به. أخرجه النجيرمي في " الفوائد " قبيل الطريق السابق من طريق عبد الله ابن عبد الوهاب الخوارزمي حدثنا عبد الله بن حيان به. وابن حيان هذا قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 41) : " روى عن سهل بن معاذ، روى عنه الليث بن سعيد ". فهو مجهول الحال، لكن الحافظ أورده في " اللسان " وقال: " قال أبو نعيم في " تاريخه ": قدم أصبهان وحدث بها في حديثه نكارة ". الخامس: الفريابي عن سفيان به أخرجه البزار في " مسنده " (ص 318 من زوائده) : حدثنا الفضل بن يعقوب حدثنا محمد بن يوسف الفريابي به. وقال: " لا نعلم أسنده من هذا الطريق إلا سفيان ولا عنه إلا الفريابي ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه، ولهذا قال الهيثمي في " المجمع " (60 / 415) : " رواه الطبراني في " الأوسط " والبزار ورجال البزار رجال الصحيح ". قلت: الفضل بن يعقوب هذا هو أبو العباس الرخامي، وهو ثقة من شيوخ البخاري، وقد ترجم له الخطيب (12 / 316) وذكر في شيوخه الفريابي هذا، فصح الإسناد، والحمد لله على توفيقه. قلت: فهذه طرق خمس عن سفيان الثوري ليس فيها متهم باستثناء الأولى

منها يدل مجموعها على أن للحديث أصلا أصيلا، لاسيما والطريق الثانية والخامسة، إسنادهما في الصحة كما عرفت. ب - وأما المرسل فرواته خمسة أيضا: الأول: عبد الله بن المبارك، فقال في " الزهد " (279) : أنبأنا سفيان عن محمد بن المنكدر أنه حدثهم: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أهل الجنة؟ فقال: فذكره إلا أنه قال: " ولا يموت أهل الجنة ". الثاني والثالث: قطبة بن العلاء، وعبيد الله بن موسى قالا: حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. أخرجهما العقيلي (221) . الرابع والخامس: ثم قال العقيلي: " ورواه الأشجعي ومخلد بن يزيد وغير واحد، هكذا مرسلا ". قلت: وهؤلاء الخمسة كلهم ثقات غير قطبة بن العلاء، ولا شك أن روايتهم المرسلة أقوى من رواية الذين أسندوه، فلو كان الذي أسنده فردا لكانت روايتهم تجعلنا نعتقد أنه وهم في إسناده، أما وهم جمع أيضا، فلا سبيل إلى توهيمهم، فالصواب القول بصحته مسندا ومرسلا ولا منافاة بينهما، فإن الراوي قد ينشط أحيانا فيسنده، ولا ينشط تارة فيرسله. الطريق الأخرى: يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن المنكدر عن جابر به. أخرجه ابن عدي (ق 388 / 1) والطبراني، وعنه الضياء في " صفة الجنة ". (3 / 84 / 1) عن مصعب بن إبراهيم حدثنا عمران بن الربيع الكوفي عن يحيى بن سعيد به. وقال ابن عدي:

1088

" مصعب هذا مجهول، وأحاديثه عن الثقات ليست بالمحفوظة ". وقال العقيلي (416) : " وفي حديثه نظر ". وعمران ابن الربيع لم أجد له ترجمة. 2 - وأما حديث ابن أبي أوفى، فيرويه أبو عبيدة سعيد بن زربي عن ثابت البناني عن نفيع بن الحارث عنه مرفوعا نحوه. أخرجه أبو نعيم في " صفة الجنة ". قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، نفيع هذا متروك، وقد كذبه ابن معين. وابن زربي منكر الحديث كما في " التقريب ". وبالجملة، فالحديث صحيح من بعض طرقه عن جابر، والله أعلم. 1088 - " أشقى الأولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين الذي يطعنك يا علي. وأشار إلى حيث يطعن ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (3 / 35) عن موسى بن عبيدة عن أبي بكر بن عبيد الله بن أنس أو أيوب بن خالد أو كليهما: أخبرنا عبيد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " يا علي من أشقى الأولين والآخرين؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال ". فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف، أبو بكر بن عبيد الله بن أنس مجهول. ونحوه أبوه عبيد الله بن أنس، فلم يوثقه أحد ولا عرف إلا من رواية ابنه أبي بكر. لكن الحديث صحيح، فقد جاءت له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة منهم علي نفسه وعمار بن ياسر وصهيب الرومي. 1 - أما حديث علي فيرويه عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم أن أبا سنان الدؤلي حدثه عنه مرفوعا به نحوه.

1089

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 11 / 2) والحاكم (3 / 113) وقال: " صحيح على شرط البخاري ". وقال الهيثمي (9 / 137) : " وإسناده حسن " كذا قالا وفيه نظر لا ضرورة لبيانه لأنه حسن في الشواهد وقد قال الهيثمي بعده: " رواه أبو يعلى وفيه والد علي بن المديني وهو ضعيف ". 2 - وأما حديث عمار فيرويه محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن محمد خثيم المحاربي عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خثيم أبي يزيد عنه مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 263) والحاكم (3 / 140 - 141) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي! وهو من أوهامهما فإن محمد بن خثيم وابنه يزيد لم يخرج مسلم عنهما شيئا، ثم إنهما في عداد المجهولين، وثقهما ابن حبان، وقال ابن معين في يزيد : ليس به بأس، وأما إعلاله بالانقطاع بين أبي يزيد وعمار فلا وجه له خلافا لقول الهيثمي (9 / 136) : " رواه أحمد والطبراني والبزار باختصار ورجال الجميع موثقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار ". 3 - وأما حديث صهيب فرواه الطبراني وأبو يعلى وفيه رشدين بن سعد وقد وثق، وبقية رجاله ثقات، كما قال الهيثمي (9 / 136) . 1089 - " أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغ ستين سنة ". أخرجه البخاري (11 / 200 - فتح) من طريق عمرو بن علي (وهو المقدمي) عن معن ابن محمد الغفاري عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " تابعه أبو حازم وابن عجلان عن المقبري ". وأخرجه الحاكم (2 / 427 - 428) وأحمد (2 / 275) من طريق معمر عن رجل من بني غفار عن سعيد المقبري به ولفظه:

" لقد أعذر الله إلى عبد أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة، لقد أعذر الله إليه ". قال الحافظ: " وهذا الرجل المبهم هو معن بن محمد الغفاري فهي متابعة قوية لعمر بن علي، أخرجه الإسماعيلي من وجه آخر عن معمر ". قلت: أخرجه الحاكم أيضا من طريق مطرف بن مازن حدثنا معمر بن راشد سمعت محمد بن عبد الرحمن الغفاري عن المقبري به. وسكت عليه. ومطرف هذا متهم. أما متابعة أبي حازم وهو سلمة بن دينار، فأخرجها أحمد (2 / 417) حدثنا قتيبة قال: حدثنا يعقوب عن أبي حازم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به ولفظه: " من عمره الله ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر ". وأخرجه الإسماعيلي وكذا الثعلبي في " تفسيره " (3 / 158 / 2) من طريق عبد العزيز بن أبي حازم حدثني أبي به. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأما متابعة ابن عجلان، فأخرجها أحمد أيضا (2 / 320) من طريق سعيد بن أبي أيوب حدثني محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد به. ومن هذا الوجه أخرجه الخطيب أيضا في " التاريخ " (1 / 290) . وتابعه أيضا الليث بن سعد عن سعيد المقبري بلفظ: " إذا بلغ الرجل من أمتي ستين سنة فقد أعذر الله إليه في العمر ". أخرجه الحاكم من طريق عبد الله بن صالح حدثنا الليث به. وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي. وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: " من عمر من أمتي سبعين سنة، فقد أعذر الله إليه في العمر ". أخرجه الحاكم (2 / 428) من طريق سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أبي حازم عنه وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما

1090

قالا لكن خالفه خلف بن هشام حدثنا حماد بن زيد به بلفظ: " إذا بلغ العبد - أو قال: إذا عمر العبد - ستين سنة فقد أبلغ الله إليه وأعذر الله إليه في العمر ". 1090 - " إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة ". أخرجه أبو داود (2 / 297) والترمذي (1 / 355) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 335 - 336) وأحمد (3 / 324 و 352 و 379 - 380 و 394) وأبو يعلى (2 / 591) من طريقين عن عبد الرحمن بن عطاء عن عبد الملك بن جابر بن عتيك عن جابر بن عبد الله مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن وإنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب ". قلت: قد تابعه سليمان بن بلال عن أحمد والطحاوي. والحديث حسن الإسناد، فإن رجاله ثقات، وفي ابن عطاء كلام قال البخاري: " عنده مناكير ". وقواه أبو حاتم فقال: " يحول من " كتاب الضعفاء " للبخاري ". ووثقه النسائي وابن سعد وفي " التقريب ": " صدوق فيه لين ". ومن طريقه أخرجه الضياء في " المختارة ". وله شاهد من حديث أنس مرفوعا به. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1030 ) وعنه ابن عساكر (16 / 92 / 1) أخبرنا جبارة بن مغلس حدثني حفص بن صبح - قال جبارة: من أعبد الناس - عن مالك بن دينار عنه. قال الهيثمي (8 / 98) : " رواه أبو يعلى عن شيخه جبارة بن مغلس وهو ضعيف جدا، وقال ابن نمير: صدوق ، وبقية رجاله ثقات ". 1091 - " إن العلماء إذا حضروا ربهم عز وجل، كان

معاذ بين أيديهم رتوة (¬1) بحجر ". روي من حيث عمر بن الخطاب ومحمد بن كعب مرسلا وأبي عون مرسلا أيضا والحسن البصري. 1 - أما حديث عمر فرواه سعيد بن أبي عروبة عن شهر بن حوشب قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " لو استخلفت معاذ بن جبل رضي الله عنه، فسألني عنه ربي عز وجل: ما حملك على ذلك؟ لقلت: سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره . أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (2 / 348 و 3 / 590) والمحاملي في " الأمالي " (3 / 35 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 228) والسياق له. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل شهر بن حوشب، فإنه سيء الحفظ، ثم إنه لم يدرك عمر بن الخطاب، فهو منقطع، لكن وصله أبو نعيم (1 / 229) فقال: حدثنا أبو حامد ثابت بن عبد الله الناقد حدثنا علي بن إبراهيم بن مطر حدثنا عبدة بن عبد الرحيم حدثنا ضمرة بن ربيعة عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن أبي العجفاء - أو أبي العجماء الشك من عبدة - قال: قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو عهدت إلينا؟ فقال: فذكره بنحوه. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون مترجمون في " التهذيب " غير ابن مطر هذا، فقد ترجمه الخطيب في " التاريخ " (11 / 337) وروى عن الدارقطني أنه قال: ثقة. وغير ثابت بن عبد الله الناقد، فإني لم أجد له ترجمة في شيء من المصادر التي عندي الآن، ولعله مترجم في " أخبار أصبهان " لأبي نعيم فليراجع. (¬2) وعلى كل حال فهو إسناد جيد كما قلنا بشواهده المرسلة الآتية. 2 - وأما حديث محمد بن كعب، فله عنه طريقان: الأولى: عن عمرو بن أبي عمرو عنه مرفوعا بلفظ: " إن معاذ بن جبل أمام العلماء رتوة ". ¬

(¬1) أي: رمية، وزنا ومعنى. اهـ. (¬2) قلت: ثم رجعت إليه فلم أجده فيه. اهـ.

أخرجه ابن سعد (2 / 347) : أخبرنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي أويس المدني حدثني سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وأبو بكر اسمه عبد الحميد. والأخرى: عن عبد العزيز بن محمد بن عمارة بن غزية عنه به. أخرجه أبو نعيم ( 1 / 229) من طريق أبي عباس الثقفي حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا عبد العزيز بن محمد. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو العباس الثقفي هو محمد بن إسحاق السراج الحافظ، فهو إسناد صحيح أيضا مرسلا، لكن خالفه يحيى بن أيوب فقال: عن عمارة بن غزية عن محمد بن عبد الله بن أزهر عن محمد بن كعب القرظي به ، فأدخل بين عمارة وابن كعب محمد بن عبد الله بن أزهر. أخرجه أبو نعيم أيضا من طريق الطبراني بإسناده عنه. وقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 311) : " رواه الطبراني مرسلا وفيه محمد بن عبد الله بن أزهر الأنصاري ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح ". 3 - وأما حديث أبي عون المرسل، فقال ابن سعد (2 / 347) : أخبرنا أبو معاوية الضرير عن أبي إسحاق يعني الشيباني عنه مرفوعا بلفظ: " معاذ بين يدي العلماء يوم القيامة برتوة ". وهذا مرسل صحيح أيضا. 4 - وأما مرسل الحسن البصري، فأخرجه ابن سعد أيضا من طريق هشام بن حسان، وثابت عنه به. وهو صحيح أيضا. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا شك ولا يرتاب في ذلك من له معرفة بهذا العلم الشريف ويؤيده اشتهاره عند السلف ، فقد روى الحاكم (3 / 268 - 269) بإسناد صحيح عن مالك بن أنس قال:

1092

" إن معاذ بن جبل هلك وهو ابن ثمان وعشرين وهو أمام العلماء برتوة ". وكذلك رواه الطبراني كما في " المجمع ". وقال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب " الإيمان " (ص 73) بعد أن ذكر معاذا رضي الله عنه: وقد فضله النبي صلى الله عليه وسلم على كثير من أصحابه في العلم بالحلال والحرام، ثم قال: " يتقدم العلماء برتوة ". فجزم بنسبة الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو المراد. 1092 - " إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر، فإن البصر يتبع الروح وقولوا خيرا، فإن الملائكة تؤمن على ما قال أهل البيت ". أخرجه ابن ماجه (1 / 444) والحاكم (1 / 352) وأحمد (4 / 125) عن قزعة ابن سويد عن حميد الأعرج عن الزهري عن محمود بن لبيد عن شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وذلك من أوهامهما، فإن قزعة هذا أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء " وقال: " قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال النسائي: ضعيف، وقال أبو حاتم: لا يحتج به ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف " فأنى له الصحة؟ ! نعم قد يحتمل التحسين، فقد قال البوصيري في " الزوائد ": (91 / 1 ) : " وهذا إسناد حسن، قزعة بن سويد مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات ". وأقول: قد ضعفه الجمهور ولم يوثقه غير ابن معين في إحدى الروايتين

1093

عنه وضعفه في الرواية الأخرى، وقال العجيلي وابن عدي: لا بأس به، والجرح مقدم على التعديل. نعم للحديث شاهد من حديث أم سلمة في " صحيح مسلم " (3 / 38 ) وغيره دون قوله " فأغمضوا البصر " وهو فيه من فعله صلى الله عليه وسلم وقد خرجته في " كتاب أحكام الجنائز " (ص 12) ، فهو به حسن إن شاء الله تعالى. (تنبيه) حميد هنا هو ابن قيس الأعرج المكي الأسدي مولاهم وليس هو حميد المكي مولى ابن علقمة. 1093 - " إذا حلف أحدكم فلا يقل: ما شاء الله وشئت، ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت ". أخرجه ابن ماجه (1 / 650) من طريق عيسى بن يونس حدثنا الأجلح الكندي عن يزيد ابن الأصم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الصحيح غير الأجلح وهو ابن عبد الله الكندي وهو صدوق كما قال الذهبي والعسقلاني. والحديث قال في " الزوائد " ( 131 / 2) : " هذا إسناد فيه الأجلح بن عبد الله مختلف فيه، ضعفه أحمد وأبو حاتم والنسائي وأبو داود وابن سعد، ووثقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان وباقي رجال الإسناد ثقات. رواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " عن علي بن خشرم عن عيسى بن يونس به. ورواه مسدد في " مسنده " عن عيسى بن يونس بإسناده ومتنه، ورواه الإمام أحمد في " مسنده " من حديث ابن عباس أيضا، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مسنده " عن علي بن مسهر عن الأجلح إلا أنه قال : " جعلتني لله عدلا؟ ! بل ما شاء الله (وحده) ". وله شاهد من حديث قتيلة . رواه النسائي ". قلت: هو في " مسند أحمد " (1839، 1964 و 2561) من طرق عن الأجلح به مثل لفظ ابن أبي شيبة، وقد سبق تخريجه برقم (139) وسبق هناك تخريج حديث قتيلة (136) .

1094

1094 - " إذا خرجت إحداكن إلى المسجد فلا تقربن طيبا ". رواه أحمد (6 / 363) وابن سعد (8 / 290) والنسائي (2 / 283) وابن عساكر (17 / 274 / 1) عن بكير بن عبد الله عن بسر بن سعيد عن زينب الثقفية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، ولفظ النسائي وابن سعد : " إذا خرجت المرأة إلى العشاء الآخرة فلا تمس طيبا ". وفي لفظ لأحمد والنسائي: " إذا شهدت إحداكن العشاء فلا تمس طيبا ". وقد أخرجه مسلم أيضا ( 2 / 33) . ومضى له شاهد بنحوه برقم (1031) . 1095 - " يا أبا أمامة! إن من المؤمنين من يلين لي قلبه ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 267) حدثنا حيوة (يعني ابن شريح) حدثنا بقية حدثنا محمد بن زياد حدثني أبو راشد الحبراني قال: أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي، قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب "، وبقية - وهو ابن الوليد الحمصي - إنما يخشى منه عنعنته فقد أمناها بتصريحه بالتحديث . وهكذا أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 23 / 2) من طريق أحمد بن الفرج أخبرنا بقية بن الوليد به إلا أنه قال: " له قلبي " مكان " لي قلبه ". لكن أحمد بن فرج فيه ضعف، فلا قيمة لمخالفته لمثل حيوة بن شريح الثقة.

1096

ومعنى (يلين لي قلبه) أي يسكن ويميل إلي بالمودة والمحبة. والله أعلم. وليس ذلك إلا بإخلاص الاتباع له صلى الله عليه وسلم دون سواه من البشر لأن الله تعالى جعل ذلك وحده دليلا على حبه عز وجل، فقال: * (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم) *. أفلم يأن للذين يزعمون حبه صلى الله عليه وسلم في أحاديثهم وأناشيدهم أن يرجعوا إلى التمسك بهذا الحب الصادق الموصل إلى حب الله تعالى ولا يكونوا كالذي قال فيه الشاعر: تعصي الإله وأنت تظهر حبه هذا لعمرك في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب مطيع 1096 - " يا أيها الناس! ابتاعوا أنفسكم من الله من مال الله، فإن بخل أحدكم أن يعطي ماله للناس فليبدأ بنفسه وليتصدق على نفسه، فليأكل وليكتس مما رزقه الله عز وجل ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " قال (ص 54) : حدثنا حماد بن الحسن الوراق حدثنا حبان بن هلال حدثنا سليم بن حيان حدثنا حميد بن هلال عن أبي قتادة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سليم بن حيان وهو ثقة كما قال الحافظ ابن حجر في " التقريب ". وله شاهد من حديث أنس رضي الله عنه ذكره في " منتخب كنز العمال " (2 / 219) وقال: " رواه البيهقي في " الشعب " والديلمي وابن النجار. قال ابن حجر في الأطراف ": نظيف الإسناد ولم أر من صححه ".

1097

1097 - " يا أيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم ـ وفي رواية: قولوا بقولكم ولا يستجركم ـ الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، والله ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 153 و 241 و 249) والبيهقي في " دلائل النبوة " (3 / 113 / 2) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك: أن رجلا قال: يا محمد! يا سيدنا وابن سيدنا! وخيرنا وابن خيرنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق والرواية الأخرى لأحمد وهي لابن حبان أيضا (2118 - موارد الظمآن) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه أيضا عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (143 / 2) وابن منده في " التوحيد " (ق 63 / 1) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (26 / 1) . 1098 - " من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتب له حسنة ومحي عنه سيئة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 - مصورة الجامعة الإسلامية) قال: حدثنا أحمد حدثنا أحمد بن حرب الموصلي حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي عن إبراهيم ابن طهمان عن حسين المعلم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره وقال:

1099

" ولم يروه عن يحيى إلا حسين، ولا عنه إلا إبراهيم ولا عنه إلا القاسم تفرد به أحمد ". قلت: وهو ثقة، وكذا من فوقه. وأما أحمد شيخ الطبراني فالظاهر أنه أحمد بن حمدون الموصلي، فقد روى له الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 10 - هندية) حديثا آخر عن صالح بن عبد الصمد الأسدي الموصلي حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي بإسناده عن جابر. وحسن إسناده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 75) ، فالظاهر أنه ثقة عنده. بل إنه قد صرح بذلك في تخريجه لحديث الباب، فقال (1 / 206) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح إلا شيخ الطبراني وشيخ شيخه، وهما ثقتان ". قلت: وأما قول المنذري: " رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح ". أقول: ففيه مؤخذتان: الأولى: أنه أطلق العزو للطبراني، فأوهم أنه في " معجمه الكبير " وليس كذلك. والأخرى: أوهم أن رجاله كلهم رجال الصحيح وليس كذلك أيضا كما سبق بيانه، فكان عليه أن يقيد كلامه كما فعل الهيثمي والعصمة لله تعالى وحده. وأحمد بن حمدون الموصلي لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من المصادر ولعله في " ثقات ابن حبان " كما يشعر ذلك توثيق الهيثمي والمنذري إياه، أو في " تاريخ الموصل ". 1099 - " يقول الله تعالى: يا ابن آدم! أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين

1100

بردين وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت نفسك هذه ـ وأشار إلى حلقه ـ " وفي رواية: حتى إذا بلغت التراقي " قلت: أتصدق، وأنى أوان التصدق؟! ". رواه ابن ماجه (2 / 159) والإمام أحمد (4 / 210) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 427) عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر ابن جحاش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق يوما على كفه ووضع عليها إصبعه ثم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات غير عبد الرحمن بن ميسرة، قال ابن المديني: " مجهول ". لكن قال أبو داود: " شيوخ حريز كلهم ثقات ". وقال العجلي في " الثقات " (ق 34 / 2 - ترتيب الهيثمي) : " شامي تابعي ثقة ". ونقله عنه الحافظ في " التهذيب " ولم يزد، وفاته أنه ذكره ابن حبان أيضا في " ثقاته " (1 / 131 - الظاهرية) . وقد روى عنه جماعة من الثقات كما في " التهذيب ". وتابعه ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن ميسرة به كما في " تحفة الأشراف " للحافظ المزي (2 / 97) . وقال البوصيري في " زوائد ابن ماجه " (ق 168 / 1) : " وإسناده صحيح، رجاله ثقات ". 1100 - " رأيت كأني في درع حصينة ورأيت بقرا منحرة، فأولت أن الدرع الحصينة المدينة وأن البقر هو ـ والله ـ خير ". أخرجه أحمد (3 / 351) حدثنا عبد الصمد وعفان قالا: حدثنا حماد - قال

عفان في حديثه أنبأنا أبو الزبير، وقال عبد الصمد في حديثه -: حدثنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد : " فقال لأصحابه: لو أنا أقمنا بالمدينة، فإن دخلوا علينا فيها قاتلناهم. فقالوا: يا رسول الله والله ما دخل علينا فيها من الجاهلية، فكيف يدخل علينا فيها في الإسلام! قال عفان في حديثه: فقال: شأنكم إذا، قال: فلبس لأمته، قال: فقال الأنصار: رددنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم رأيه، فجاؤا فقالوا: يا نبي الله شأنك إذا، فقال: إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل ". وأخرجه ابن سعد (2 / 45) : أخبرنا عفان بن مسلم به إلا أنه قال: عن أبي الزبير عن جابر، وأخرجه الدارمي (2 / 129) أخبرنا الحجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو الزبير عن جابر. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات على شرط مسلم لكن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه عند جميع مخرجيه، وقول الحافظ في " الفتح " (12 / 355) : " وفي رواية لأحمد: حدثنا جابر ". فأظنه وهما منه سببه أنه انتقل نظره إلى قول حماد في رواية عبد الصمد عنه: " حدثنا " فظن أنه من قول أبي الزبير، والله أعلم. لكن لحديث الترجمة شاهد من حديث أبي موسى الأشعري مختصرا نحوه في حديث له وفيه بعد قوله: " والله خير ": " فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد، وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد ". أخرجه البخاري (12 / 354 - 355 - فتح) ومسلم (7 / 57) والدارمي. وشاهد آخر من حديث ابن عباس نحوه وزاد بعد قوله: " والله خير ": " فكان الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وفيه أن الرؤيا كانت يوم أحد. أخرجه أحمد (1 / 271) بسند حسن.

1101

والحديث عزاه الحافظ والسيوطي للنسائي أيضا ولعله في " الكبرى له " وعزاه السيوطي للضياء أيضا في " المختارة ". 1101 - " إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين ". أخرجه ابن سعد (2 / 48) والطحاوي في " المشكل " (3 / 241) والحاكم (2 / 122) من طريق محمد بن عمرو عن سعد بن المنذر عن أبي حميد الساعدي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوم أحد حتى إذا جاوز ثنية الوداع إذا هو بكتيبة خشناء (¬1) فقال: من هؤلاء؟ فقالوا: هذا عبد الله بن أبي سلول في ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع وهم رهط عبد الله بن سلام قال: وقد أسلموا؟ قالوا: لا يا رسول الله قال: قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا ... ". قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن سعد بن المنذر لم يرو عنه سوى محمد هذا وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وذكره الحاكم شاهدا لحديث حبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزوا، أنا ورجل من قومي ولم نسلم، فقلنا: إنا نستحي أن يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم، قال: أو أسلمتما؟ قلنا: لا، قال : فلا نستعين بالمشركين على المشركين، قال: فأسلمنا وشهدنا معه، فقتلت رجلا وضربني ضربة وتزوجت بابنته بعد ذلك، فكانت تقول: لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح! فأقول: لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار ". أخرجه الطحاوي (3 / 239 ) وأحمد (3 / 454) وابن سعد (3 / 534 - 535) والحاكم (2 / 121 - 122) وصححه، ورجاله ثقات غير عبد الرحمن هذا وهو بن خبيب بن يساف، أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 230) من رواية ابن خبيب هذا فقط، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " أيضا. وله حديث آخر من حديث عائشة قالت: ¬

(¬1) أي كثيرة السلاح. اهـ.

1102

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك. قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك. قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة أدركه الرجل ، فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة ، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك. قال: ثم رجع، فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: تؤمن بالله ورسوله؟ قال: نعم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فانطلق ". أخرجه مسلم (5 / 201) والطحاوي (3 / 236 - 237 ) وأحمد (6 / 68 و 149) من طريق مالك عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن عروة ابن الزبير عنها به. وفي رواية لأحمد وابن حبان (1621) قال: " فإنا لا نستعين بمشرك ". وهكذا مختصر أخرجه أبو داود (2 / 69 - الحلبية) والدارمي (2 / 233) وابن ماجه (2 / 193) عن مالك به. 1102 - " إنما الخير خير الآخرة ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (2 / 70) عن ثابت عن أنس بن مالك: " أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون وهم يحفرون الخندق: نحن الذين بايعوا محمد على الجهاد ما بقينا أبدا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إن الخير خير الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة. وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبز شعير عليه إهالة سنخة، فأكلوا منها. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت: إسناده صحيح على شرط مسلم.

1103

1103 - " أوما علمت أن المؤمن يشدد عليه ليكون كفارة لخطاياه ". ابن سعد (2 / 207) عن إسرائيل بن يونس عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبي بردة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويحسبها عائشة قالت: " مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضا اشتد منه ضجره أو وجعه، قالت: فقلت: يا رسول الله إنك لتجزع أو تضجر، لو فعلته امرأة منا عجبت منها، قال: فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. 1104 - " يا ابن عابس (¬1) ألا أخبرك بأفضل ما تعوذ به المتعوذون؟ قال: بلى يا رسول، قال: * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * هاتين السورتين ". أخرجه النسائي (2 / 312) وابن سعد (2 / 212) وأحمد (4 / 153) عن يحيى ابن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم بن الحارث: أخبرني أبو عبد الله أن ابن عائش الجهني أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي عبد الله هذا قال الذهبي: " لا يعرف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات ". لكن الحديث صحيح، فإن له طرقا كثيرة عن عقبة بن عامر الجهني، عند النسائي وغيره. أنظر " صحيح سنن أبي داود " (1315 و 1316) . 1105 - " ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد وعرض جلده سبعون ذراعا وعضده مثل البيضاء وفخذه مثل ورقان ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة ". أخرجه الحاكم (4 / 595) وأحمد (2 / 328) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق ¬

(¬1) كذا في النسائي. وفي " الطبقات " " ابن عائش " وكذا في " الفتح الكبير " والأول أقرب إلى الصواب وهو عقبة بن عامر بن عبس الجهني. اهـ.

عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا على ضعف في ابن إسحاق. وأخرجه الترمذي (3 / 341) حدثنا علي بن حجر أخبرنا محمد ابن عمار حدثني جدي محمد بن عمار وصالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه لم يذكر " العضد " وقال: " وفخذه مثل البيضاء ومقعده من النار مسيرة ثلاث مثل الربذة " وقال: " حديث حسن غريب ". وهو كما قال، فإن صالحا مولى التوأمة وإن كان ضعيفا فهو مقرون بمحمد بن عمار وهو ابن سعد القرظ، روى عنه جماعة من الثقات ووثقه ابن حبان ومحمد بن عمار الآخر هو ابن حفص ابن عمر ابن سعد القرظ وهو ثقة. وقد خالفه أحمد بن حاتم الطويل فقال: حدثنا محمد بن عمار عن صالح عن أبي هريرة. أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (19 / 2) عن محمد بن بشر بن مطر حدثنا أحمد بن حاتم الطويل. قلت: ابن بشر هذا لم أعرفه وابن حاتم الظاهري أنه السعدي قال الذهبي: " روى عنه محمود بن حكيم المستملي حديثا منكرا عن " الإدريسي ". وتابعه أبو صالح عن أبي هريرة بلفظ: " إن غلظ جلد الكافر اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار وضرسه مثل أحد ". أخرجه الترمذي (3 / 342) والحاكم (4 / 595) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وقال الترمذي:

" حديث حسن غريب صحيح ". وتابعه عطاء عنه بلفظ: " ضرس الكافر مثل " أحد " وفخذه مثل " البيضاء " ومقعده من النار ما بين " قديد " و " مكة " وكثافة جلده اثنان وأربعون ذراعا بذراع الجبار ". رواه أحمد (2 / 334 و 537) وابن أبي عاصم في " السنة " (811) وأبو بكر الأنباري في " حديثه " (212 / 1) عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن وهو على شرط البخاري إلا أن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار وهو مولى ابن عمر فيه كلام من قبل حفظه، ولهذا قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وتابعه أبو حازم عنه بلفظ: " ضرس الكافر أو ناب الكافر مثل أحد وغلظ جلده مسيرة ثلاث ". أخرجه مسلم (8 / 154) . وله شاهد يرويه عباد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي عثمان عن ثوبان قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرس الكافر؟ فقال: مثل أحد وغلظ جلده أربعون ذراعا بذراع الجبار ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 315) ورجاله ثقات غير عباد وهو ابن منصور، فهو ضعيف لسوء حفظه وتدليسه كما سبق شرحه وبسطه في أول المجلد الثاني، فقول الحافظ عقبة: " هو إسناد حسن "، فهو غير حسن إلا إن كان عنى أنه حسن لغيره، فمحتمل.

1106

1106 - " إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب ". رواه ابن سعد (2 / 275) : أخبرنا محمد بن عبيد الطنافسي قال: أخبرنا فطر بن خليفة عن عطاء بن أبي رباح مرفوعا. وأخرجه الدارمي (1 / 40) من طريق أخرى عن فطر به. قلت: وهذا إسناد صحيح ولكنه مرسل وقد خالفهما عثمان بن عبد الرحمن الحراني حدثنا فطر بن خليفة عن شرحبيل بن سعد عن ابن عباس مرفوعا. رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 158) . والحراني هذا قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، فضعف بسبب ذلك حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب وقد وثقه ابن معين ". قلت: وشرحبيل بن سعد صدوق أيضا لكنه اختلط. ومن هذا الوجه رواه ابن عدي والبيهقي في " الشعب " كما في " فيض القدير " وقال: " ورواه الطبراني في " الكبير " عن سابط الجمحي وفيه أبو بردة عمرو بن يزيد ضعيف، ولذلك رمز المؤلف لضعفه لكنه له شواهد ". قلت: ومن شواهده ما أخرجه ابن ماجه (1 / 485) من طريق موسى بن عبيدة: حدثنا مصعب بن محمد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة قالت: " فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا بينه وبين الناس، أو كشف سترا، فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم ورجا أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم، فقال: " يا أيها الناس أي ما أحد من الناس، أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي ".

1107

قلت: وهذا سند ضعيف من أجل موسى بن عبيدة، ومن طريقه رواه أبو يعلى أيضا كما قال البوصيري في " الزوائد " (ق 101 / 1) . ومنها عن مكحول أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مثل رواية فطر. أخرجه الدارمي ورجاله ثقات كلهم، فهو صحيح لولا أنه مرسل. ومنها عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليعز المسلمين في مصائبهم المصيبة بي ". أخرجه عن مالك (1 / 235) وعنه ابن سعد (2 / 275) وابن المبارك في " الزهد " (رقم 467) . وهو مرسل صحيح أيضا. ومنها عن عبد الرحمن بن سابط مرسلا. رواه نعيم بن حماد في " زوائد الزهد " رقم (271) . وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح، والله أعلم. 1107 - " إنك لست مثلي إنما جعل قرة عيني في الصلاة ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (68 / 2) : حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا هقل عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من الليل، وامرأة تصلي بصلاته، فلما أحس، التفت إليها، فقال لها: اضطجعي إن شئت، قالت: إني أجد نشاطا، قال ": فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه العقيلي في ترجمة يحيى بن عثمان هذا وهو الحربي وقال (265) : " لا يتابع عليه ". قلت: قد وثقه أبو زرعة، وقال ابن معين: ليس به بأس. فالإسناد جيد، ثم روى ابن نصر من طريق سلام أبو المنذر القاري عن ثابت البناني عن أنس مثله بزيادة في أوله. قلت: وهذا إسناد حسن، سلام هذا هو ابن سليمان المزني، قال الحافظ: " صدوق يهم ". وأما قول العقيلي عقب حديث الحربي: " هذا يرويه سلام الطويل عن ثابت عن أنس، وسلام فيه لين ".

1108

قلت: بل هو متروك متهم بالكذب لكن ليس هو صاحب هذا الحديث وإنما هو القاري كما صرحت به رواية ابن نصر المذكورة. 1108 - " لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك ". أخرجه مسلم (6 / 54) من طريق عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: كنت عند مسلمة ابن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله: لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم . فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله. فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث، فقال عبد الله أجل، ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس عليهم تقوم الساعة. واستدركه الحاكم (4 / 456 - 457) على مسلم فوهم. 1109 - " لا تسبن أحدا ولا تحقرن شيئا من المعروف وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف، وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة وإن امرؤ شتمك وعيرك بما يعلم فيك فلا تعيره بما تعلم فيه، فإنما وبال ذلك عليه ". أخرجه أبو داود (2 / 179) والترمذي (2 / 120) والدولابي في " الكنى والأسماء " (ص 66) من طريق أبي غفار حدثنا أبو تميمة الهجيمي عن أبي جري جابر بن سليم قال: رأيت رجلا يصدر الناس عن رأيه لا يقول شيئا. إلا صدورا عنه، قلت: من هذا؟ قالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: عليك السلام يا رسول الله، مرتين،

قال: لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الميت، قل: السلام عليك. قال: قلت: أنت رسول الله؟ قال: أنا رسول الله الذي إذا أصابك ضر ودعوته كشفه عنك وإن أصابك عام سنة فدعوته أنبتها لك وإذا كنت بأرض قفراء أو فلاة فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك: قلت: اعهد إلي ، قال: فذكره. وزاد بعد قوله: لا تسبن أحدا: " قال: فما سببت بعده حرا ولا عبدا ولا بعيرا ولا شاة ". ولم يسق الترمذي القصة بتمامها وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: ورجاله رجال البخاري غير أبي غفار واسمه المثنى بن سعيد الطائي وهو ثقة، ورواه ابن حبان في صحيحه والنسائي، كما في الترغيب (3 / 286) . قلت: وكذلك رواه الحاكم (4 / 186) من طريق أخرى عن ابن تميمة، وصححه. ووافقه الذهبي. ورواه أحمد (5 / 64) من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة به مختصرا من قوله: " ادعوا الله وحده " الخ. دون قوله: " وإن امرؤ شتمك " الخ . وقال بدلها " ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ". وسنده صحيح أيضا كما سبق في " أدعو إلى الله " (421) . وللحديث طريق أخرى أخرجها الدولابي من طريق زياد الجصاص عن محمد بن سيرين قال: حدثنا جابر بن سليم الهجيمي أبو جري قال: قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم. الحديث مختصرا. وزياد الجصاص هو زياد بن أبي زياد الجصاص ضعيف. كما في " الخلاصة " و " التقريب ". وله طريق ثالث بسند صحيح أيضا يأتي برقم (1352) بلفظ: (لا تحقرن من المعروف شيئا) . الحديث. ورواه ابن نصر (221 / 2) عن أبي السليل عن أبي تميمة. والجملة الأخيرة منه " وإن امرؤ شتمك " لها شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إذا سبك رجل بما يعلم منك، فلا تسبه بما تعلم منه، فيكون أجر ذلك لك ووباله عليه ". رواه ابن منيع عنه كما في " الجامع " وقال شارحه المناوي:

1110

" رمز لحسنه وهو كما قال، أو أعلى، إذ ليس في رواته مجروح ". واللفظ المشار إليه الآتي فيه هذه الجملة أيضا وهو أقرب إلى رواية ابن عمر هذه. 1110 - " يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ". رواه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " (1 / 215 / 2) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أيوب بن خوط عن عبد الرحمن السراج عن نافع أن عمر بعث سرية فاستعمل عليهم رجلا يقال له سارية، فبينما عمر يخطب يوم الجمعة فقال: فذكره. فوجدوا سارية قد أغار إلى الجبل في تلك الساعة يوم الجمعة وبينهما مسيرة شهر. قلت: وأيوب بن خوط متروك كما في " التقريب ". لكن رواه أبو عبد الرحمن السلمي في " الأربعين الصوفية " (3 / 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 181 / 1 - مخطوطة حلب) من طرق عن ابن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن نافع به نحوه. ومن هذا الوجه رواه ابن عساكر (7 / 6 / 1) و (13 / 63 / 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (28 - 29) إلا أنهما قالا: عن نافع عن ابن عمر أن عمر ... وزادا في آخره وكذا البيهقي: " قال ابن عجلان: وحدثني إياس بن قرة بنحو ذلك "، وقال الضياء: " قال الحاكم (يعني أبا عبد الله) : هذا غريب الإسناد والمتن لا أحفظ له إسنادا غير هذا ". وذكره ابن كثير في " البداية " (7 / 131) فقال: " وقال عبد الله بن وهب .... " مثل رواية " الضياء " ولفظه: فجعل ينادي: يا سارية الجبل، يا سارية الجبل ثلاثا. ثم قدم رسول الجيش، فسأله عمر، فقال: يا أمير المؤمنين هزمنا ، فبينما نحن كذلك إذ سمعنا مناديا: يا سارية الجبل ثلاثا، فأسندنا ظهورنا بالجبل فهزمهم الله. قال: فقيل لعمر: إنك كنت تصيح بذلك. ثم قال ابن كثير: " وهذا إسناد جيد حسن ". وهو كما قال، ثم ذكر له طرقا أخرى وقال: " فهذه طرق يشد بعضها بعضا ". قلت: وفي هذا نظر، فإن أكثر الطرق المشار إليها مدارها على سيف

بن عمر والواقدي وهما كذابان، ومدار إحداها على مالك عن نافع به نحوه. قال ابن كثير: " في صحته من حديث مالك نظر ". ورواه ابن الأثير في " أسد الغابة " (5 / 65) عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر عن أبيه أنه كان يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرض له في خطبته أنه قال: يا سارية بن حصن الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظلم فتلفت الناس بعضهم إلى بعض فقال علي: صدق والله ليخرجن مما قال، فلما فرغ من صلاته قال له علي : ما شيء سنح لك في خطبتك؟ قال: وما هو؟ قال: قولك: يا سارية الجبل الجبل ، من استرعى الذئب ظلم، قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم وجميع أهل المسجد قد سمعوه، قال إنه وقع في خلدي أن المشركين هزموا إخواننا فركبوا أكتافهم، وأنهم يمرون بجبل، فإن عدلوا إليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا وإن جازوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أنك سمعته. قال: فجاء البشير بالفتح بعد شهر فذكر أنه سمع في ذلك اليوم في تلك الساعة حين جاوزوا الجبل صوتا يشبه صوت عمر يقول: يا سارية بن حصن الجبل الجبل، قال: فعدلنا إليه ففتح الله علينا. قلت: وهذا سند واه جدا، فرات بن السائب، قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال الدارقطني وغيره: " متروك "، وقال أحمد " قريب من محمد بن زياد الطحان، يتهم بما يتهم به ذاك ". (¬1) فتبين مما تقدم أنه لا يصح شيء من هذه الطرق إلا طريق ابن عجلان وليس فيه إلا مناداة عمر " يا سارية الجبل " وسماع الجيش لندائه وانتصاره بسببه. ومما لا شك فيه أن النداء المذكور إنما كان إلهاما من الله تعالى لعمر وليس ذلك بغريب عنه، فأنه " محدث " كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن ليس فيه أن عمر كشف له حال الجيش، وأنه رآهم رأي العين، فاستدلال بعض المتصوفة بذلك على ما يزعمونه من الكشف للأولياء وعلى إمكان اطلاعهم على ما في القلوب ¬

(¬1) فلا يغتر بإيراد النووي لهذه القصة بهذا التمام في " تهذيب الأسماء " (2 / 10) ، وقلده الأستاذ الطنطاوي في " سيرة عمر "، فإنهم يتساهلون في مثلها. اهـ.

من أبطل الباطل، كيف لا وذلك من صفات رب العالمين المنفرد بعلم الغيب والاطلاع على ما في الصدور. وليت شعري كيف يزعم هؤلاء ذلك الزعم الباطل والله عز وجل يقول في كتابه: * (عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول) *. فهل يعتقدون أن أولئك الأولياء رسل من رسل الله حتى يصح أن يقال إنهم يطلعون على الغيب بإطلاع الله إياهم!! سبحانك هذا بهتان عظيم. على أنه لو صح تسمية ما وقع لعمر رضي الله عنه كشفا، فهو من الأمور الخارقة للعادة التي قد تقع من الكافر أيضا، فليس مجرد صدور مثله بالذي يدل على إيمان الذي صدر منه فضلا على أنه يدل على ولايته ولذلك يقول العلماء إن الخارق للعادة إن صدر من مسلم فهو كرامة وإلا فهو استدراج، ويضربون على هذا مثل الخوارق التي تقع على يد الدجال الأكبر في آخر الزمان كقوله للسماء: أمطري، فتمطر وللأرض: أنبتي نباتك فتنبت، وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة. ومن الأمثلة الحديثة على ذلك ما قرأته اليوم من عدد " أغسطس " من السنة السادسة من مجلة " المختار " تحت عنوان: " هذا العالم المملوء بالألغاز وراء الحواس الخمس " ص 23 قصة " فتاة شابة ذهبت إلى جنوب أفريقيا للزواج من خطيبها، وبعد معارك مريرة معه فسخت خطبتها بعد ثلاثة أسابيع، وأخذت الفتاة تذرع غرفتها في اضطراب، وهي تصيح في أعماقها بلا انقطاع: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ " ولكنها قررت ألا تزعج أمها بذكر ما حدث لها؟ وبعد أربعة أسابيع تلقت منها رسالة جاء فيها: " ماذا حدث؟ لقد كنت أهبط السلم عندما سمعتك تصيحين قائلة: " أواه يا أماه ... ماذا أفعل؟ ". وكان تاريخ الرسالة متفقا مع تاريخ اليوم الذي كانت تصيح فيه من أعماقها ". وفي المقال المشار إليه أمثلة أخرى مما يدخل تحت ما يسمونه اليوم بـ " التخاطر " و " الاستشفاف " ويعرف باسم " البصيرة الثانية " اكتفينا بالذي أوردناه لأنها أقرب الأمثال مشابهة لقصة عمر رضي الله عنه، التي طالما سمعت من ينكرها من المسلمين لظنه أنها مما لا يعقل! أو أنها تتضمن نسبة العلم بالغيب إلى عمر، بينما نجد غير هؤلاء ممن أشرنا إليهم من المتصوفة يستغلونها لإثبات إمكان

1111

اطلاع الأولياء على الغيب، والكل مخطئ. فالقصة صحيحة ثابتة وهي كرامة أكرم الله بها عمر، حيث أنقذ به جيش المسلمين من الأسر أو الفتك به ولكن ليس فيها ما زعمه المتصوفة من الاطلاع على الغيب، وإنما هو من باب الإلهام (في عرف الشرع) أو (التخاطر) في عرف العصر الحاضر الذي ليس معصوما، فقد يصيب كما في هذه الحادثة وقد يخطئ كما هو الغالب على البشر، ولذلك كان لابد لكل ولي من التقيد بالشرع في كل ما يصدر منه من قول أو فعل خشية الوقوع في المخالفة، فيخرج بذلك عن الولاية التي وصفها الله تعالى بوصف جامع شامل فقال: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون) *. ولقد أحسن من قال: إذا رأيت شخصا قد يطير وفوق ماء البحر قد يسير ولم يقف على حدود الشرع فإنه مستدرج وبدعي 1111 - " أشبه ما رأيت بجبرائيل دحية الكلبي ". أخرجه ابن سعد (4 / 250) عن ابن شهاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وإسناده صحيح إلا أنه مرسل، ابن شهاب وهو الزهري تابعي صغير. ولكن له شاهد من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا بلفظ: " عرض علي الأنبياء ... ". الحديث وفي آخره. " ورأيت جبريل، فإذا أقرب من رأيت به شبها دحية " . أخرجه مسلم (1 / 106) وأحمد (3 / 334) وابن عساكر (17 / 155 / 1) من طريق الليث عن أبي الزبير عنه. وأخرج ابن سعد أيضا عن ابن عمر قال: " كان جبريل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي ". وإسناده صحيح على شرط مسلم، وبه أخرجه أحمد (2 / 107) عقب حديث ابن عمر الآخر في مجيء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وسؤاله إياه عن الإسلام والإيمان والإحسان.

1112

وفي المسند (6 / 142) عن عائشة رضي الله عنها: " وكان دحية الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام " وإسناده جيد. وعنده (6 / 146) من طريق مجالد عن الشعبي عن أبي سلمة عنها قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يده على معرفة فرس وهو يكلم رجلا، قلت: رأيتك واضعا يدك على معرفة فرس دحية الكلبي وأنت تكلمه، قال: ورأيتيه؟ قالت: نعم، قال: ذاك جبريل عليه السلام، وهو يقرئك السلام.. " الحديث. وإسناده حسن في الشواهد، وقد أخرجه ابن سعد من طريق عبد الله بن عمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عنها نحوه، دون إقراء السلام ... وإسناده قوي بما قبله. 1112 - " كنت أعلمتها (يعني ليلة القدر) ثم أفلتت مني، فاطلبوها في سبع بقين أو ثلاث بقين ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 109 - زوائد نسخة المكتب الإسلامي) حدثنا يوسف ابن موسى حدثنا عبد الله بن الجهم حدثنا عمرو بن أبي قيس (¬1) عن الزبير بن عدي عن أبي وائل عن عبد الله قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر؟ فقال " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير عبد الله بن الجهم، ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 2 / 27) وقال عن أبي زرعة: " صدوق ". وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 176) : " رواه البزار ورجاله ثقات ". وللحديث شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما عن جماعة من الصحابة تجد بعضها في " صحيح أبي داود " (1247 و 1248 و 1250 و 1251 و 1252) . ¬

(¬1) الأصل " عمرو بن أبي عيسى " والتصويب من كتب الرجال. اهـ.

1113

وفي " المسند " (1 / 376 و 406 و 452 و 457) من طريقين آخرين عن ابن مسعود قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبأنا أن ليلة القدر في النصف من السبع الأواخر. 1113 - " إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ". قال في " المجمع " (4 / 98) : " رواه أبو يعلى عن عائشة وفيه مصعب بن ثابت، وثقه ابن حبان وضعفه جماعة ". وفي " التقريب ": " لين الحديث ". قلت: وصحح له الحاكم (2 / 301) حديثا في انتظار الصلاة، ووافقه الذهبي وهو من تساهلهما. والحديث عزاه السيوطي للبيهقي فقط في " الشعب " وقال المناوي: " وفيه بشر بن السري تكلم فيه من قبل تجهمه، وكان ينبغي للمصنف الإكثار من مخرجيه إذ منهم أبو يعلى وابن عساكر وغيرهما ". قلت: إن لم يكن في سند البيهقي من ينظر في حاله غير بشر هذا فالإسناد عندي قوي لأن الكلام الذي أشار إليه المناوي في بشر لا يقدح فيه لأنه ثقة في نفسه بل هو فوق ذلك ففي " التقريب ": " ثقة متقن طعن فيه برأي جهم، ثم اعتذر وتاب ". حتى ولو كان رأيه هذا يقدح في روايته فلا يجوز ذلك بعد أن تاب منه واعتذر، وإن كان في سند البيهقي مصعب بن ثابت فيكون المناوي قد أبعد النجعة حيث لم يعل الحديث به بل بالثقة المتقن! والظاهر الأول. والله أعلم. وللحديث شاهد يقويه بعض القوة وهو بلفظ: " إن الله يحب من العامل إذا عمل أن يحسن ". أخرجه البيهقي. في " الشعب " من حديث قطبة بن العلاء بن المنهال عن أبيه عن عاصم بن كليب عن كليب بن شهاب الجرمي مرفوعا. وسببه رواه العلاء قال : قال لي محمد بن سوقة: اذهب بنا إلى رجل له فضل، فانطلقا إلى عاصم بن كليب فكان مما حدثنا أنه قال: حدثني أبي كليب أنه شهد مع أبيه جنازة شهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر ولم يمكن لها، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سووا في لحد هذا. حتى ظن الناس أنه سنة فالتفت إليهم

1114

فقال: أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره ولكن، إن الله. الحديث. هكذا أورده المناوي في " الفيض " من طريق البيهقي ثم قال: " وقطبة بن العلاء أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به. قال أعني الذهبي: والده العلاء لا يعرف، وعاصم ابن كليب قال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به. اهـ. وكليب ذكره ابن عبد البر في الصحابة وقال: له ولأبيه شهاب صحبة، لكن قال في التقريب: وهم من ذكره في الصحابة بل هو من الثالثة. وعليه فالحديث مرسل ". والحديث رواه الطبراني أيضا في " الكبير " كما في " المجمع " (4 / 98) وقال: " وفيه قطبة بن العلاء وهو ضعيف، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به وجماعة لم أعرفهم ". وله شاهد أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 155) : " أخبرنا محمد بن عمر حدثنا أسامة بن زيد عن المنذر بن عبيد عن عبد الرحمن بن حسان ابن ثابت عن أمه، وكانت أخت مارية يقال لها: سيرين فوهبها النبي صلى الله عليه وسلم لحسان فولدت له عبد الرحمن - قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لما حضر إبراهيم وأنا أصيح وأختي ما ينهانا، فلما مات نهانا عن الصياح وغسله الفضل بن عباس، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ثم رأيته على شفير القبر ومعه العباس إلى جنبه ونزل في حفرته الفضل وأسامة زيد وكسفت الشمس يومئذ، فقال الناس: لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها لا تخسف لموت أحد ولا لحياته، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في اللبن فأمر بها تسد فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أما إنها لا تضر ولا تنفع ولكنها تقر عين الحي وإن العبد إذا عمل عملا أحب الله أن يتقنه ". وإسناده رجال موثقون غير محمد بن عمر وهو الواقدي فإنه ضعيف جدا. 1114 - " إذا أراد الله بعبد خيرا عسله، فقيل: وما عسله؟ قال: يفتح له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله ". رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 261) وابن حبان (1822) وأحمد (5 / 224) وابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 52 / 1) والبيهقي

في " الزهد " (ق 99 / 1) وهبة الله الطبري في " الفوائد الصحاح " (1 / 132 / 2) من طريق معاوية بن صالح حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي عن أبيه قال: سمعت عمرو بن الحمق الخزاعي مرفوعا به. وقال الطبري: " حديث صحيح على شرط مسلم يلزمه إخراجه ". قلت: وهو كما قال، ومن الغريب أن الحاكم أخرجه من هذا الوجه (1 / 340) وقال: " صحيح " فقط. ووافقه الذهبي. وتابعه عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن أبيه عن جبير بن نفير به نحوه. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 302) والطحاوي والخطيب في " التاريخ " (11 / 434) . وله شواهد: 1 - عن أبي أمامة به نحوه. أخرجه القضاعي (110 / 2) عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. وهذا إسناد ضعيف، علي بن يزيد هو الألهاني ضعيف. 2 - عن أبي عتبة الخولاني. رواه القضاعي أيضا من طريق بقية قال: أخبرنا محمد ابن زياد عنه مرفوعا. وهذا إسناد لا بأس به لكن أبا عتبة هذا لم أعرفه إلا أن يكون الكندي الحمصي سمع أبا أمامة الباهلي، روى عنه معاوية بن صالح كما في " الجرح " (4 / 2 / 412) فهو مرسل. ثم استدركت فقلت: إنما هو أبو عنبة الخولاني بالنون بدل المثناة من فوق كذلك ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 418 - 419) وقال عن أبيه: " هو من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام. روى عنه أبو الزاهرية ومحمد ابن زياد الألهاني ... ". ومن هذا الوجه أخرجه الدولابي (2 / 10) لكن وقع في إسناده تحريف. وكذلك أخرجه أحمد (4 / 200) وصرح عن شيخه سريج بن النعمان بأن لأبي عنبة صحبة وصرح هذا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر عنده. والله أعلم. ثم رأيته في " السنة " لابن أبي عاصم (رقم 400 - بتحقيقي) من طريق بقية حدثنا محمد بن زياد به.

1115

وقد رواه بقية بإسناد آخر فقال: حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدان حدثنا جبير بن نفير أن عمر الجمعي حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه أحمد (4 / 135) . وهذا إسناد جيد إن كان بقية قد حفظه وإلا فالمحفوظ ما روى عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عمرو بن الحمق كما في الطريق الأولى. انظر ترجمة عمر الجمعي هذا في " الإصابة " للحافظ ابن حجر. 1115 - " ما بين هذين وقت ". أخرجه البزار (43) : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا خالد بن الحارث عن حميد عن أنس قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن وقت صلاة الغداة؟ فصلى حين طلع الفجر، ثم أسفر بعد، ثم قال: أين السائل عن وقت صلاة الغداة؟ ما بين ... ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وهو من أدلة القائلين بأن الوقت الأفضل لصلاة الفجر إنما هو الغلس وعليه جرى الرسول صلى الله عليه وسلم طيلة حياته كما ثبت في الأحاديث الصحيحة وإنما يستحب الخروج منها في الإسفار وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: " أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر ". وهو حديث صحيح أخرجه البزار وغيره عن أنس، وعاصم بن عمر بن قتادة عن جده وهو في " السنن " وغيرها من حديث رافع بن خديج، وهو مخرج في " المشكاة " (614) وفي " الإرواء " (258) ، وهو تحت الطبع. 1116 - " احفظوني في أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل وما يستشهد ويحلف وما يستحلف ". أخرجه ابن ماجة (2 / 64) من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال: " خطبنا عمر بن الخطاب بـ (الجابية) ، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا مقامي فيكم، فقال " فذكره.

1117

ومن هذا الوجه أخرجه النسائي (في الكبرى) والطيالسي والحارث بن أبي أسامة وعبد بن حميد وأبو يعلى الموصلي كلهم عن جرير به، كما في " زوائد ابن ماجة " للبوصيري (ق 145 / 2) وقال: " إسناد رجاله ثقات ". قلت: وهم من رجال الشيخين. وأخرجه أحمد (1 / 18) والحاكم (1 / 114) من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن عمر به نحوه بلفظ: " استوصوا بأصحابي خيرا، ثم الذين يلونهم ... " الحديث نحوه. وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. ثم أخرج له طريقا أخرى عن سعد بن أبي وقاص قال: " وقف عمر بن الخطاب بالجابية.... " الحديث، وقال: " إسناده صحيح ". ووافقه الذهبي. وفيه محمد بن مهاجر بن مسمار ولم أجد له ترجمة فيما عندي من المصادر، وأما أبوه فثقة من رجال مسلم ولم يذكروا في الرواة عنه ابنه محمدا هذا! وجملة القول أن الحديث صحيح بمجموع طرقه. 1117 - " أحفهما جميعا أو أنعلهما جميعا، فإذا لبست فابدأ باليمنى وإذا خلعت فابدأ باليسرى ". أخرجه أحمد (2 / 409 و 430 و 497) من طرق عن شعبة عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: فذكره. وفي لفظ له (2 / 477) : " إذا انتعل أحدكم فليبدأ باليمنى وإذا خلع فليبدأ باليسرى لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا ".

1118

وهو عند البخاري (10 / 256 - فتح) من طريق الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بالشطر الأول منه، وزاد: " لتكن اليمنى أولهما تنعل، وآخرهما تنزع ". وفي رواية له من هذا الوجه: " لا يمش أحدكم في نعل واحدة لينعلهما جميعا أو ليحفهما جميعا ". والحديث عزاه في " ذيل الجامع الصغير " (ق 8 / 2) لابن حبان في " صحيحه " عن أبي هريرة. ولم أره في " موارد الظمآن " للهيثمي، فلا أدري أيهما الواهم. 1118 - " أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال ". رواه أحمد (2 / 97) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (89 / 2) والعقيلي (231) وابن ماجة (3314) وابن عدي (229 / 1) والحاكم والبيهقي (1 / 254) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 185 / 2) وابن ثرثال في " سداسياته " (223 / 1) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا. وقال العقيلي: " حدثنا عبد الله قال: سمعت أبي يضعف عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: روى حديثا منكرا، حديث أحلت لنا ميتتان ". قلت: وتابعه أخوه أسامة وعبد الله. أخرجه ابن عدي (27 / 1) عن إسماعيل بن أبي أويس عن ثلاثتهم جميعا، وقال: " وبنو زيد بن أسلم على أن القول فيهم أنهم ضعفاء، فإنهم يكتب حديثهم ويقرب بعضهم من بعض في باب الروايات ولم أجد لأسامة بن زيد حديثا منكر الإسناد أو المتن، وأرجو أنه صالح ". ثم رواه ابن عدي (216 / 2) من طريق مسعود بن سهل حدثنا يحيى بن حسان حدثنا عبد الله بن زيد بن أسلم وسليمان بن بلال عن زيد بن أسلم به. وقال: " وهذا يدور رفعه على الإخوة الثلاثة: عبد الله بن زيد وعبد الرحمن وأسامة، وأما ابن وهب فإنه يرويه عن سليمان بن بلال موقوفا ".

1119

قلت: يعني على ابن عمر، فقد أخرجه البيهقي من طريق ابن وهب: حدثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن عمر أنه قال: أحلت لنا ... " الحديث. وقال: " هذا إسناد صحيح وهو في معنى المسند وقد رفعه أولاد زيد عن أبيهم " . ثم ساقه من طريق ابن أبي أويس المتقدمة، وقال: " أولاد زيد كلهم ضعفاء جرحهم يحيى بن معين، وكان أحمد بن حنبل وعلي بن المديني يوثقان عبد الله بن زيد إلا أن الصحيح الأول ". يعني الموقوف وهو في حكم المرفوع كما تقدم في كلامه، فالخلاف شكلي، والله أعلم. 1119 - " احلفوا بالله وبروا واصدقوا، فإن الله يكره أن يحلف إلا به ". رواه السهمي في " تاريخ جرجان " (288) والثقفي في " الثقفيات " (ج 3 رقم 15 من منسوختي) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 267) عن عفان بن سيار قال: حدثنا مسعر بن كدام عن وبرة عن ابن عمر مرفوعا. وقال أبو نعيم: " تفرد به عفان عن مسعر ". قلت: ورجاله موثقون. وللحديث طريق آخر عن ابن عمر بسند حسن سيأتي بلفظ: " لا تحلفوا بآبائكم ". فالحديث صحيح بمجموع الطريقين. 1120 - " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق ". أخرجه الحاكم (4 / 177) من طريق محمد بن عبد العزيز الراسبي عن أبي بكر بن عبيد الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وزاد في أوله:

" من عال جاريتين حتى تدركا دخلت الجنة أنا وهو كهاتين وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، وبابان.... ". وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا ولكن فاتهما أنه على شرط مسلم، فقد أخرج في " صحيحه " هذه الزيادة فقط من هذا الوجه إلا أنه قال: " عبيد الله ابن أبي بكر بن أنس " على القلب. وكذلك أخرجه الترمذي كما تقدم برقم (297) . وفي رواية أخرى له: أبي بكر بن عبيد الله " كما في رواية الحاكم هذه، ثم قال عقبها: " والصحيح الأول ". (تنبيه) عزى المناوي الزيادة المذكورة إلى البخاري ولم أرها عنده وما أراه إلا واهما، فلم يعزها إليه أحد غيره فيما علمت كالمنذري في " الترغيب " (3 / 83) والصغاني في " المشارق " (1 / 62 - بشرح المبارق) . والحديث أخرجه أحمد (5 / 36) والحسن بن عرفة في " جزئه " (8 / 1) وأبو عبد الله بن نظيف الفراء في " حديثه عن أبي الفوارس الصابوني " (ق 81 / 2) من طريق وكيع وغيره عن محمد بن عبد العزيز الراسبي عن مولى لأبي بكرة عن أبي بكرة مرفوعا. ورجاله ثقات غير مولى أبي بكرة فلم أعرفه. لكن الحديث صحيح، فإنه مختصر من الحديث المتقدم من طريق أخرى عن أبي بكرة مرفوعا. فراجعه برقم (918) . ومثله ما في " الجامع الصغير " من رواية البخاري في " التاريخ " والطبراني في " المعجم الكبير " عن أبي بكرة بلفظ: " اثنان يعجلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين ". ثم رأيته في " أخبار أصبهان " (2 / 99) من طريق الطبراني بإسناده عن سعد مولى أبي بكرة حدثنا عبيد الله بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا به. وعبيد الله هذا لم أجد من ترجمه، وقد ذكروه في الرواة عن أبيه.

1121

وسعد مولى أبي بكرة، أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 99) وقال: روى عن أبي بكرة! وكذا قال ابن حبان في " الثقات " (1 / 107) ! وأما البخاري فأورده في " التاريخ " (2 / 2 / 55) على الصواب فقال: روى عن عبيد الله بن أبي بكرة. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة نحوه وقد خرجته فيما مضى (978) . وجاء بلفظ آخر وهو: " من قطع رحما أو حلف على يمين فاجرة رأى وباله قبل أن يموت ". 1121 - " من قطع رحما أو حلف على يمين فاجرة رأى وباله قبل أن يموت ". علقه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 207) قال: 1 - قال هشام الدستوائي: عن يحيى بن أبي كثير عن عمر عن رجل من الأنصار عن القاسم بن عبد الرحمن مولى يزيد بن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. 2 - وقال سليمان بن بلال: عن ابن علاثة عن هشام بن حسان عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. 3 - وقال النفيلي عن أبي الدهماء عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وأخرجه البيهقي (10 / 35 ) من طريق أبي حنيفة عن يحيى بن أبي كثير عن مجاهد وعكرمة عن أبي هريرة مرفوعا. ثم ذكر الخلاف فيه على يحيى ثم قال: " والحديث مشهور بالإرسال ". وقد سبق حكاية كلامه تحت الحديث (978) وهو بمعنى هذا فراجعه. والحديث بمجموع طرقه صحيح. 1122 - " احفظ لسانك. ثكلتك أمك معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم إلا ألسنتهم ". أورده السيوطي هكذا في " ذيل الجامع الصغير " (ق 8 / 2) من رواية الخرائطي في " مكارم الأخلاق " عن الحسن مرسلا وهو في " مسند أحمد " (5 / 231) من طريق أبي وائل عن معاذ بن جبل قال:

1123

" كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر. ... ". الحديث وفيه: " ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟ ". فقلت: بلى يا رسول الله، قال: " رأس الأمر وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد ". ثم قال: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ " فقلت له: بلى يا نبي الله فأخذ بلسانه فقال: " كف عليك هذا "، فقلت: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: " ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس على وجوههم في النار أو قال علي مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ". وقد أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجة وغيرهما نحوه، وقد أعله المنذري وغيره بالانقطاع وشرح ذلك العلامة ابن رجب الحنبلي في " جامع العلوم والحكم " (ص 195) . لكن الحديث صحيح بمجموع طرقه، ولاسيما هذا القدر منه في حفظ اللسان فإن له شواهد مخرجة في " مجمع الزوائد " (10 / 300 - 301) ومن شواهده ما في " الجامع الصغير " عن مالك بن يخامر مرفوعا: " احفظ لسانك ". رواه ابن عساكر. قلت: وأخرجه الطبراني (ق 59 / 1 من المنتخب منه) من طريق ابن ثوبان عن أبيه عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر قال: " قلت يا رسول الله ما نجاة المؤمن؟ قال: احفظ لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك ". قلت: وهذا إسناد حسن. 1123 - " احلقوه كله أو اتركوه كله ". أخرجه أحمد (2 / 88) وعنه أبو داود (2 / 194 - التازية) والنسائي (2 / 276) عن عبد الرزاق حدثنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر. " أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم

1124

(6 / 165) من هذا الوجه لكنه لم يسق لفظه وإنما أحال به على لفظ طريق عمر بن نافع عن أبيه بلفظ : " نهى عن القزع ". 1124 - " أخر الكلام في القدر لشرار أمتي في آخر الزمان ". رواه ابن الأعرابي في " المعجم " (3 / 1، 37 / 2) والدولابي (2 / 38) والبزار في " مسنده " (ص 230 - زوائده) وابن أبي عاصم في " السنة " (350) والحاكم (2 / 473) والجرجاني في " الفوائد " (160 / 2) عن عنبسة الحداد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه أيضا ابن بشران في " الأمالي " (74 / 1) والسلفي في " الطيوريات " (246 / 2 ) والعقيلي في " الضعفاء " (331) وقال: " عنبسة بن عمرو يهم في حديثه ". وقال البزار: " لا نعلم رواه عن الزهري إلا عنبسة وهو لين الحديث ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "، ورده الذهبي بقوله " عنبسة ثقة لكن لم يرويا له ". وهذا وهم منهما فإن عنبسة هذا ما وثقه أحد! ثم رواه العقيلي واللالكائي في " السنة " (1 / 142 / 2) عن الأغلب بن تميم عن منيع أبي خالد عن الزهري عن رجل من الأنصار مرفوعا به. وقال العقيلي: " هذا أولى ". وكذا قال الذهبي في ترجمة عنبسة بن مهران فيحقق، ونقل عن أبي حاتم أنه منكر الحديث . ورواه البزار والعقيلي في " الضعفاء " (277) من طريق نعيم بن حماد: حدثنا عمر بن أبي خليفة عن هشام عن محمد عن أبي هريرة به. وقال: " عمر هذا منكر الحديث ". ونقل عن موسى بن هارون أنه قال: " وهذا الحديث منكر ". وأما البزار فقال: " إسناده حسن ". وهذا أقرب إلى الصواب، فإن عمر هذا قال فيه أبو حاتم: صالح الحديث، وقال عمرو بن علي: " من الثقات ".

1125

والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 202) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط " ورجال البزار في أحد الإسنادين رجال الصحيح غير عمر بن أبي خليفة وهو ثقة ". 1125 - " ألا أخبركم بأمر إذا فعلتموه أدركتم من قبلكم وفتم من بعدكم؟ تحمدون الله في دبر كل صلاة وتسبحونه وتكبرونه ثلاثا وثلاثين وثلاثا وثلاثين وأربعا وثلاثين ". أخرجه ابن ماجة (927) وأحمد (5 / 158) عن بشر بن عاصم عن أبيه عن أبي ذر قال: " قيل للنبي صلى الله عليه وسلم - وربما قال سفيان: قلت: يا رسول الله ذهب أهل الأموال والدثور بالأجر يقولون كما نقول وينفقون ولا ننفق. قال لي ... " فذكره. واللفظ لابن ماجة ولفظ أحمد: " قلت: يا رسول الله سبقنا أصحاب الأموال والدثور سبقا بينا، يصلون ويصومون كما نصلي ونصوم وعندهم أموال يتصدقون بها وليست عندنا أموال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أخبرك ... " الحديث وفي آخره: " تسبح خلف كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين وتكبر أربعا وثلاثين ". قلت: وإسناده صحيح. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 26 / 1) و " ذيل الجامع الصغير " (ق 9 / 1) من رواية أحمد وابن ماجة وابن خزيمة والضياء عن أبي ذر بلفظ أحمد إلا أنه أسقط من أوله أداة التنبيه (ألا) وقال : " وتحمد أربعا وثلاثين " مكان " وتكبر أربعا وثلاثين " وهذا وهم لا أدري أهو من قلم السيوطي أو من أحد رواة الحديث عند غير أحمد وابن ماجة، فإنه عندهما على الصواب كما رأيت، وكذلك أورده السيوطي بلفظ ابن ماجة " ألا أخبركم .... ". في فصل " ألا ".

1126

1126 - " نهى عن اختناث الأسقية ". أخرجه البخاري (10 / 73) ومسلم (6 / 110) وأبو داود (2 / 134) والترمذي (1 / 345) والدارمي (2 / 119) والطحاوي (2 / 360) وكذا ابن ماجه (2 / 336) والطيالسي (رقم 2230) وأحمد (3 / 6 و 67 و 69 و 93) وأبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 112 / 1) من طريق الزهري: سمع عبيد الله ابن عبد الله عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قال الحافظ في " الفتح ": " ووقع في مسند أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب (قلت يعني عن الزهري) في أول هذا الحديث: " شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه جنان، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة فرقهما عن يزيد به ". قلت: وهو عند الدارمي و " المسند " عن يزيد به دون هذه الزيادة. والله أعلم . وللحديث شاهد من حديث ابن عباس بهذا اللفظ وزاد: " وأن رجلا بعدما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك قام من الليل إلى سقاء فاختنثه فخرجت عليه منه حية ". أخرجه ابن ماجة والحاكم (4 / 140) من طريق أبي عامر الغفاري: حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس. وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". وليس كذلك كما أشار إليه الذهبي بقوله: " كذا قال " وذلك لأن زمعة وسلمة ليسا من رجال البخاري، ثم إن الأول منهما ضعيف والثاني فيه كلام، وقد رواه غيره عن عكرمة بلفظ آخر بدون هذه الزيادة فانظر : (نهى أن يشرب من في السقاء) . 1127 - " إن أخوف ما أتخوفه على أمتي آخر الزمان ثلاثا: إيمانا بالنجوم وتكذيبا بالقدر وحيف السلطان ". رواه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (23 / 1 - 2) عن ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف رفعه.

قلت: وليث ضعيف لاختلاطه، ومن طريقه رواه الطبراني في " المعجم الكبير " من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 203) : " وفيه ليث بن أبي سليم وهو لين وبقية رجاله وثقوا ". لكن الحديث له شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة في نقدي وهي من حديث أبي محجن وأبي الدرداء وأنس بن مالك. 1 - أما حديث أبي محجن فهو بلفظ: " أخاف على أمتي من بعدي ثلاثا: حيف الأئمة وإيمانا بالنجوم وتكذيبا بالقدر ". رواه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 39) وابن عساكر (16 / 308 / 1) أخبرنا حسين بن أبي زيد الدباغ أخبرنا علي بن يزيد الصدائي أخبرنا أبو سعد البقال عن أبي محجن قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وهذا سند ضعيف أبو سعد البقال اسمه سعيد بن المرزبان وهو ضعيف مدلس وقد عنعنه. وعلي بن يزيد الصدائي فيه لين كما في " التقريب ". وأما الدباغ هذا فترجمه الخطيب (8 / 110 - 111) ووثقه. 2 - وأما حديث أبي الدرداء فهو بلفظ: " أخاف على أمتي ثلاثا: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر ". رواه الطبراني في " الكبير " عن أبي الدرداء مرفوعا. وقال الهيثمي (7 / 203) : " وفيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف ".

1128

3 - وأما حديث أنس فهو: " أخاف على أمتي بعدي تكذيبا بالقدر وتصديقا بالنجوم ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (1023) وابن عدي (196 / 1) عن شهاب بن خراش عن يزيد الرقاشي حدثنا أنس مرفوعا. وقال: " شهاب في بعض رواياته ما ينكر عليه ولا أعرف للمتقدمين فيه كلاما فأذكره ". قلت: قال الذهبي: " صدوق مشهور له ما يستنكر ... قد وثقوه ". وشيخه يزيد الرقاشي ضعيف. 4 - وأما حديث جابر فلفظه: " ثلاث أخاف على أمتي الاستسقاء بالأنواء وحيف السلطان وتكذيب بالقدر ". أخرجه أحمد (5 / 90) وابنه وابن أبي عاصم في " السنة " (324) والطبراني (1 / 92 / 1) عن محمد بن القاسم الأسدي حدثنا فطر عن أبي خالد الوالبي عنه. ومن هذا الوجه أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ص 1802) والطبراني في " الصغير " (182) وغيره قال الهيثمي: " وفيه محمد بن القاسم الأسدي وثقه ابن معين، وكذبه أحمد وضعفه بقية الأئمة ". قلت: فهو واه جدا فلا يستشهد بحديثه، وفيما قبله كفاية. 1128 - " صلوا في مراح الغنم وامسحوا رغامها، فإنها من دواب الجنة ". رواه ابن عدي (276 / 1) وعنه البيهقي (2 / 449) عن كثير بن زيد عن الوليد ابن رباح عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " وكثير لم أر بحديثه بأسا وأرجو أنه لا بأس به ".

قلت: وقال الذهبي: " صدوق، فيه لين ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله ما لم يخالف. وقد توبع، أخرجه البيهقي أيضا والخطيب في " التاريخ " (7 / 432) من طريق إبراهيم بن عيينة قال: سمعت ابن حبان يذكر عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن الغنم من دواب الجنة، فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها ". قلت: وهذا إسناد حسن أيضا، إبراهيم بن عيينة قال الحافظ: " صدوق يهم ". وله طريق ثالثة بلفظ: " امسح رغامها (يعني الغنم) وصل في مراحها، فإنها من دواب الجنة ". أخرجه البزار (49) من طريق عبد الله بن جعفر بن نجيح: حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة عن وهب بن كيسان عن حميد بن مالك عن أبي هريرة قال : " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مرابض الغنم؟ قال ... " فذكره، وقال: " لا نعلم أسند حميد عن أبي هريرة إلا هذا ". قال الهيثمي: " عبد الله بن جعفر ضعيف ". قلت: وهو والد علي بن المديني الحافظ. وله طريق رابعة بزيادة في أوله أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (2070) . ثم وجدت له شاهدا يرويه أبو حيان قال:

1129

سمعت شيخا من بني هاشم وذكر الغنم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. أخرجه ابن أبي شيبة في " مسنده " (2 / 76 / 1) . قلت: ورجاله ثقات غير الشيخ الهاشمي فإن كان من الصحابة فهو صحيح الإسناد لأن جهالة الصحابي لا تضر، وهو الظاهر من إخراج ابن أبي شيبة إياه في " المسند " . وإن كان تابعيا، فهو مرسل. وهذا هو الظاهر لأن أبا حيان - واسمه يحيى بن سعيد بن حيان - لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة وإنما عن التابعين ولذلك أورده الحافظ في الطبقة السادسة. وعلى كل حال، فهذا الإسناد لا بأس به في الشواهد. 1129 - " أول من يكسى خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم ". رواه البزار في " مسنده " (254 - زوائده) وابن عساكر (2 / 178 / 1) عن ليث عن مجاهد عن عائشة مرفوعا. وقال البزار: " إسناد حسن "! قلت: ليث ضعيف من قبل حفظه لكن الحديث صحيح، فقد رواه البخاري (2 / 339 / 370) ومسلم (8 / 157) وابن عساكر أيضا (2 / 2177) من حديث لابن عباس وابن عساكر من حديث ابن مسعود. 1130 - " أخروا الأحمال (على الإبل) فإن اليد معلقة، والرجل موثقة ". رواه أبو القاسم بن الجراح الوزير في المجلس السابع من " الأمالي " (2 / 1) وابن صاعد في " جزء من أحاديثه " (2 / 9) والمخلص في الثاني من السادس من " الفوائد المنتقاة " (188 / 1) عن سفيان بن عيينة عن وائل بن داود عن ابنه يعني بكر بن وائل عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا.

1131

وهكذا رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (285 / 1 - 2) . وعنده الزيادة . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير وائل بن داود وهو ثقة كما قال الحافظ. وقد تابعه قيس عن بكر بن وائل به. أخرجه أبو يعلى (1403) والبزار (114 - زوائده) والطبراني في " الأوسط " (1 / 1113) وقال: " لم يروه عن الزهري إلا بكر ". قلت: وهو ثقة كما علمت لكن قيس وهو ابن الربيع ضعيف من قبل حفظه وبه أعله المناوي وخفيت عليه متابعة وائل بن داود إياه. 1131 - " أخر عني يا عمر! إني خيرت فاخترت وقد قيل (لي) : * (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) *. لو أعلم أني لو زدت على السبعين غفر له لزدت ". أخرجه الترمذي (2 / 185) وأحمد (1 / 16) عن محمد بن إسحاق حدثني الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول : " لما توفي عبد الله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه، فقام إليه فلما وقف يريد الصلاة تحولت حتى قمت في صدره فقلت: يا رسول الله أعلى عدو الله عبد الله بن أبي القائل يوم كذا كذا وكذا؟ يعد أيامه، قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتبسم حتى إذا أكثرت قال: فذكره، قال: ثم صلى عليه ومشى معه فقام على قبره حتى فرغ منه. قال: فعجب لي وجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم، فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان * (ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون) *. قال: فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله ". وقال الترمذي:

1132

" حديث حسن صحيح غريب ". قلت: وإسناده حسن، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، وقد تابعه عقيل عن ابن شهاب به. دون قوله: " وقد قيل لي! (استغفر لهم ... ) الآية " ودون قوله: " فما صلى بعده على منافق ... " الخ. أخرجه البخاري (1 / 343 - 344) و (3 / 253) والنسائي (1 / 279) . 1132 - " أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ". أخرجه أحمد (رقم 1691) والدارمي (2 / 233) وأبو يعلى (ص 248) والحميدي (85) والبيهقي (9 / 208) من طريق يحيى بن سعيد حدثنا إبراهيم بن ميمون حدثنا سعد بن سمرة بن جندب عن أبيه عن أبي عبيدة قال: آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث. ثم أخرجه أحمد (برقم 1691) من طريق أبي أحمد الزبيري حدثنا إبراهيم بن ميمون عن سعد بن سمرة به إلا أنه قال: " يتخذون ". وهذا إسناد حسن أو صحيح رجاله ثقات كلهم إلا أن سعد بن سمرة لم يذكروا له راويا غير إبراهيم بن ميمون. ثم أخرجه أحمد (رقم 1699) من طريق وكيع حدثني إبراهيم بن ميمون مولى آل سمرة عن إسحاق بن سعد بن سمرة عن أبيه عن أبي عبيدة بن الجراح به مقتصرا على الشطر الأول من الحديث. فزاد في الإسناد إسحاق بن سعد بن سمرة فأفسده لأن إسحاق هذا لا يعرف لكن الصواب إسقاطه منه كما رواه يحيى بن سعيد وأبو أحمد الزبيري، وهو الذي اعتمده الحافظ في التعجيل (ص 29) . والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 325) وقال: " رواه أحمد بأسانيد ورجال طريقين منهما ثقات متصل إسنادهما، ورواه أبو يعلى ".

1133

ثم رأيت الحديث قد أخرجه الطيالسي (رقم 229) قال: حدثنا قيس عن إبراهيم بن ميمون مثل رواية يحيى وأبي أحمد إسنادا، ورواية وكيع متنا، فهذا يقوي ما استصوبناه آنفا والحمد لله على توفيقه والحديث علقه أبو عبيد في " الأموال " (رقم 276) وأخرجه الطحاوي في " المشكل " (4 / 12) من الطريقين الأولين ومن طريقين آخرين على الصواب بلفظ: " أخرجوا اليهود من جزيرة العرب ". قال في " المجمع ": " رواه الطبراني من طريقين عن أم سلمة، ورجال أحدهما رجال الصحيح ". قلت: وهو لفظ حديث أبي عبيدة المتقدم عند الطيالسي إلا أنه قال: " يهود الحجاز ". وله شواهد كثيرة: فانظر: " لا يبقين "، " لا يترك "، " لا يجتمع "، " يا علي إن أنت وليت " وغيرها مثل " لأخرجن اليهود " (924) . ومنها هذا: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ". 1133 - " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ". أخرجه البخاري (6 / 208) ومسلم (5 / 75) وأبو داود (2 / 43) والطحاوي (4 / 16) والبيهقي (9 / 207) وأحمد (رقم 1935) من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: قلت: فذكر الحديث ثم قال: قال ابن عباس وسكت عن الثالثة، أو قال فأنسيتها. قلت: وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظ " المشرك " على أهل الكتاب، فإنهم هم المعنيون بهذا الحديث كما يدل عليه الحديث السابق ومثله الحديث الآتي: " لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما ". 1134 - " لئن عشت لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أترك فيها إلا مسلما ". أخرجه مسلم (5 / 160) وأبو داود (2 / 43) والترمذي (2 / 398) والحاكم (4 / 274) والبيهقي (9 / 207) وأحمد (1 / 32) من طريق

1135

سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وأخرجه مسلم من طريق معقل وهو ابن عبيد الله عن أبي الزبير بهذا الإسناد مثله. وتابعه جماعة عن أبي الزبير، وقد تقدم بلفظ " لأخرجن اليهود " (924) . والحديث استدركه الحاكم على مسلم فوهم، وعذره في ذلك أن مسلما رحمه الله لم يسق لفظه وإنما أحال فيه على اللفظ المتقدم هناك وهذا هو السبب في تقصير السيوطي في عدم عزوه إياه في كتابيه " الجامع الكبير " (2 / 119 / 1) و " ذيل الجامع الصغير " وعزاه فيهما للترمذي والحاكم فقط! ووقع في " الفتح الكبير " (2 / 7 معزوا لأبي داود مكان الحاكم، وهو تصحيف، وإن كان في نفسه صوابا. " تنبيه " أورده السيوطي في المصدرين السابقين بلفظ: " أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب ". وعزاه لمسلم عن عمر ولم أره عنده بهذا اللفظ مطلقا وإنما بلفظ " المشركين " ومن حديث ابن عباس كما تقدم في الحديث قبله. 1135 - " اخرج فناد في الناس: من شهد أن لا إله إلا الله وجبت له الجنة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ص 35 - مصورة المكتب الإسلامي) : حدثنا سويد بن سعيد أخبرنا سويد بن عبد العزيز عن ثابت بن عجلان عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: فخرجت فلقيني عمر بن الخطاب فقال: مالك أبا بكر؟ فقلت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرج ... (الحديث) قال عمر: ارجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني أخاف أن يتكلوا عليها، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما ردك؟ فأخبرته بقول عمر، فقال: " صدق ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، وسويد بن عبد العزيز لين الحديث كما في " التقريب " وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (1 / 15) وقال: " وهو متروك ".

وسويد ابن سعيد وهو الأنباري قال الحافظ: " صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه وأفحش فيه ابن معين القول ". قلت: وقد يدل على خطئه أو خطأ شيخه أن القصة وقعت لأبي هريرة مع عمر رضي الله عنهما، كما رواه مسلم (1 / 44 - 45) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو هريرة قال: " كنا قعودا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا أبو بكر وعمر . . . . فقال: يا أبا هريرة - وأعطاني نعليه، قال - اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة. فكان أول من لقيت عمر فقال. . . . " الحديث نحوه. فهذا يشهد لثبوت حديث الترجمة لكن عكرمة بن عمار وإن أخرج له مسلم ففيه كلام كثير، وقال الحافظ: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب ". والحديث ذكر له السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 27 / 2) شاهدا من حديث أبي الدرداء من رواية الطبراني في " المعجم الكبير ". وأصله في " مسلم " (1 / 66) من حديث أبي ذر. ثم وجدت القصة قد وقعت لجابر مع عمر رضي الله عنهما وفيها قال جابر: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ناد في الناس: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فخرج، فلقيه عمر في الطريق ... " الحديث نحوه. أخرجه ابن حبان (7 - زوائده) بإسناد صحيح. فلعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر جماعة من الصحابة بالمناداة بذلك فلقيهم عمر وجرى بينه وبينهم ما جرى. والله أعلم. وأما ما أخرجه أبو يعلى والبزار عن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤذن في الناس أنه من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصا دخل الجنة، فقال عمر: يا رسول الله: إذا يتكلوا، فقال: دعهم. فقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 17) :

1136

" وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف لسوء حفظه ". 1136 - " أمرت الرسل قبلي ألا تأكل إلا طيبا ولا تعمل إلا صالحا ". أخرجه أحمد في " الزهد " (ص 398) والحاكم (4 / 125 - 126) عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس. " أنها بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره، وذلك في طول النهار وشدة الحر، فرد إليها رسولها: أنى لك هذا اللبن؟ فقالت: لبن من شاة لي، فرد إليها رسولها: أنى لك هذه الشاة؟ قالت: اشتريتها من مالي. فشرب، فلما كان من الغد أتت أم عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله بعثت إليك بذلك اللبن مرثية لك من طول النهار وشدة الحر، فرددت إلي فيه الرسول، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ابن أبي مريم واه ". قلت: لكن يشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا، إني بما تعملون عليم) *. . . ". الحديث. أخرجه مسلم (3 / 85) والترمذي (2992) والدارمي (2 / 300) وأحمد (2 / 328) من طريق الفضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عنه به . قلت: وإسناده حسن، فإن فضيل بن مرزوق صدوق يهم كما قال الحافظ في " التقريب ".

1137

1137 - " المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لما يصيب أهل الإيمان كما يألم الرأس لما يصيب الجسد ". رواه أحمد (5 / 340) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 190) والقضاعي (3 / 2 / 2) عن مصعب بن ثابت عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف ورجاله ثقات غير مصعب هذا قال الحافظ: " لين الحديث " . وقد تابعه زهير بن محمد عن أبي حازم إلا أنه قال: عن أبي هريرة مرفوعا به مختصرا بلفظ: " المؤمن من المؤمن بمنزلة الرأس من الجسد، كذلك المؤمن يؤلمه ما يصيب المؤمنين ". أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 367) : حدثني الوليد بن شجاع حدثني الوليد بن مسلم حدثني زهير بن محمد به. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم لكن زهيرا هذا قال الحافظ في " التقريب ": " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها ". قلت: وهذا الحديث منها، فإن الوليد بن مسلم شامي، ثم هو مدلس تدليس التسوية . لكن يشهد له حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون كرجل واحد إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإن اشتكى عينه اشتكى كله ". أخرجه مسلم (8 / 20) وأحمد (4 / 271، 276) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 126) من طريقين عنه.

1138

1138 - " ما من دعوة يدعو بها العبد أفضل من: اللهم إني أسألك المعافاة في الدنيا والآخرة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 435) من طريق هشام صاحب الدستوائي عن قتادة عن العلاء ابن زيادة العدوي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال البوصيري في " الزوائد " (232 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، العلاء بن زياد ذكره ابن حبان في " الثقات " ولم أر من تكلم فيه وباقي رجال الإسناد ثقات ". قلت: وقد اختلف فيه على قتادة، فرواه الدستوائي عنه هكذا، وقال همام عنه عن العلاء بن زياد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرسلا. أخرجه أحمد في " الزهد " (255) . وقال عمران القطان: عنه عن العلاء بن زياد عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 247) وقال: " لم يتابع أحد من أصحاب قتادة عمران القطان عليه عن معاذ بن جبل، ورواه همام وغيره عن قتادة عن العلاء مرسلا، ورواه وكيع عن هشام عن قتادة عن العلاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وحديث معاذ أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 175) وقال: " رواه الطبراني ورجاله رجال " الصحيح " غير العلاء بن زياد وهو ثقة ولكنه لم يسمع من معاذ " . وذكر له شاهدا من حديث أبي الدرداء مرفوعا بلفظ: " ما سأل العباد شيئا أفضل من أن يغفر لهم ويعافيهم ". رواه البزار ورجاله رجال " الصحيح ".

1139

1139 - " لو كان لي مثل أحد ذهبا لسرني أن لا تمر علي ثلاث ليال عندي منه شيء إلا شيئا أرصده لدين ". أخرجه البخاري (3 / 83، 7 / 178) عن يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه مرفوعا. وقال: رواه صالح وعقيل عن الزهري. قلت: وله طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: ما يسرني أن لي. ويأتي. طريق ثالث: بلفظ: ما أحب أن لي. وتأتي أيضا. 1140 - " سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر ". أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (264) حدثنا إسحاق قال: حدثنا أحمد بن منيع في " كتاب فضائل القرآن " قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن عاصم عن زر عن عبد الله مرفوعا. أورده في ترجمة إسحاق هذا، وهو إسحاق ابن إبراهيم بن جميل يلقب " بشحه " وقال: " شيخ صدوق صاحب أصول من المعمرين كان قد قارب المائة، عنده " المسند " عن أحمد بن منيع وكتب هشيم ". قلت: وسائر الرجال موثوقون معروفون فالسند حسن وقد أخرجه الحاكم (2 / 498) من طريق عبد الله أنبأنا سفيان به موقوفا أتم منه، وهو في حكم المرفوع وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. ويشهد له حديث ابن عباس قال: " ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة * (تبارك الذي بيده الملك) * حتى ختمها، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر، وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا فيه إنسان يقرأ سورة (تبارك الملك) حتى ختمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هي المانعة، هي المنجية تنجيه من عذاب القبر ".

1141

أخرجه الترمذي (2 / 146) وابن نصر (66) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 81) من طريق يحيى بن عمرو بن مالك النكري عن أبيه عن أبي الجوزاء عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وقال أبو نعيم: " لم نكتبه مرفوعا مجودا إلا من حديث يحيى بن عمرو عن أبيه ". قلت: أبوه عمرو بن مالك صدوق له أوهام. وابنه يحيى ضعيف ويقال: إن حماد بن زيد كذبه كما في " التقريب "، وساق له في " الميزان " من مناكيره أحاديث هذا أحدها. 1141 - " إن الله عز وجل زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل صلاة الفجر ". أخرجه البيهقي (2 / 469) من طريق عمر بن محمد بن بجير حدثنا العباس بن الوليد الخلال بدمشق حدثنا مروان بن محمد الدمشقي حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي نضرة العبدي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال العباس بن الوليد: قال لي يحيى بن معين: هذا حديث غريب من حديث معاوية بن سلام، ومعاوية بن سلام محدث أهل الشام وهو صدوق الحديث ومن لم يكتب حديثه مسنده ومنقطعه فليس بصاحب حديث، وبلغني عن محمد ابن إسحاق بن خزيمة أنه قال: لو أمكنني أن أرحل إلى ابن بجير لرحلت إليه في هذا الحديث. ثم ساق البيهقي إسناده إلى ابن خزيمة بهذه الحكاية. قلت: وابن بجير حافظ كبير صدوق ومن فوقه ثقات من رجال مسلم غير العباس بن الوليد الخلال وهو صدوق أيضا، فالإسناد جيد. وهو كما قال البيهقي أصح من إسناد حديث خارجة في الوتر أنها خير من حمر النعم، وقد بينت علته في " ضعيف السنن " (255) . ومضى له شاهد مختصر (رقم 108) .

1142

1142 - " عائشة زوجي في الجنة ". أخرجه ابن سعد (8 / 66) عن مسلم البطين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أنه مرسل لأن مسلما وهو ابن عمران البطين من صغار التابعين ولكن من المراسيل الصحيحة لأن له شواهد كثيرة تدل على ذلك: الأول: عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة رضي الله عنها قالت: فتكلمت أنا فقال: " أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة ؟ قلت: بلى، قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة ". أخرجه الحاكم (4 / 10 ) من طريق أبي العنبس سعيد بن كثير عن أبيه قال: حدثتنا عائشة ... وقال: " أبو العنبس هذا ثقة، والحديث صحيح ". ووافقه الذهبي. قلت: وأبو كثير بن عبيد التيمي وثقة ابن حبان، وروى عنه جمع. الثاني: عنها أيضا قالت: " قلت: يا رسول الله من من أزواجك في الجنة؟ قال: أما إنك منهن ". أخرجه الحاكم (4 / 13) من طريق يوسف بن يعقوب الماجشون: حدثني أبي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عنها وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: هو على شرط مسلم. وأخرجه ابن سعد (8 / 65) من طريق أسامة بن زيد الليثي عن أبي سلمة الماجشون عن أبي محمد مولى الغفارين أن عائشة قالت: فذكره نحوه. وأبو سلمة هذا هو والد يعقوب المتقدم ولم أجد من ترجمه.

1143

الرابع: عن القاسم بن محمد أن عائشة اشتكت، فجاء ابن عباس فقال: يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر. أخرجه البخاري (7 / 85 - فتح) ، والحاكم (4 / 9) من طريق أخرى عن ابن عباس وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو على شرط مسلم. الخامس: عن أبي وائل قال: " لما بعث علي عمار والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم، خطب عمار فقال: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها ". أخرجه البخاري وأحمد (4 / 265) . وأخرجه الحاكم (4 / 6) من طريق عبد الله بن زياد الأسدي قال: سمعت عمار بن ياسر يحلف بالله أنها زوجته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة وقال: " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي. قلت: عبد الله بن زياد وأبو بكر بن عياش - الذي في الطريق إليه - لم يخرج لهما مسلم شيئا. قال ابن التين في حديث البخاري: " فيه أنه قطع لها بالجنة إذا لا يقول ذلك إلا بتوقيف ". 1143 - " يقول الله: يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتكك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردتين وللأرض منك وئيد ـ يعني شكوى ـ فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟! ". أخرجه ابن ماجه (2 / 157) مختصرا والحاكم (2 / 502 و 323) وأحمد (4 / 210) وابن سعد (7 / 427) من طريق حريز بن عثمان حدثنا عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بسر بن جحاش القرشي قال:

1144

" تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية * (فما للذين كفروا قبلك مهطعين، عن اليمين وعن الشمال عزين، أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم. كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) * ، ثم بزق رسول الله صلى الله عليه وسلم على كفه فقال " فذكره. والسياق للحاكم وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 168 / 1) : " إسناده صحيح، ورجاله ثقات ". وهو كما قالوا. 1144 - " يطلع الله تبارك وتعالى إلى خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ". حديث صحيح، روي عن جماعة من الصحابة من طرق مختلفة يشد بعضها بعضا وهم معاذ ابن جبل وأبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن عمرو وأبي موسى الأشعري وأبي هريرة وأبي بكر الصديق وعوف ابن مالك وعائشة. 1 - أما حديث معاذ فيرويه مكحول عن مالك بن يخامر عنه مرفوعا به. أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " رقم (512 - بتحقيقي) حدثنا هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد عن الأوزاعي وابن ثوبان (عن أبيه) عن مكحول به. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (1980) وأبو الحسن القزويني في " الأمالي " (4 / 2) وأبو محمد الجوهري في " المجلس السابع " (3 / 2) ومحمد بن سليمان الربعي في " جزء من حديثه " (217 / 1 و 218 / 1) وأبو القاسم الحسيني في " الأمالي " (ق 12 / 1) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 288 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (15 / 302 / 2) والحافظ عبد الغني المقدسي في " الثالث والتسعين من تخريجه " (ق 44 / 2) وابن المحب في " صفات رب العالمين " (7 / 2 و 129 / 2) وقال: " قال الذهبي: مكحول لم يلق مالك بن يخامر ". قلت: ولولا ذلك لكان الإسناد حسنا، فإن رجاله موثوقون، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 65) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجالهما ثقات ".

2 - وأما حديث أبي ثعلبة فيرويه الأحوص بن حكيم عن مهاصر بن حبيب عنه. أخرجه ابن أبي عاصم (ق 42 - 43) ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في " العرش " (118 / 2) وأبو القاسم الأزجي في " حديثه " (67 / 1) واللالكائي في " السنة " (1 / 99 - 100) وكذا الطبراني كما في " المجمع " وقال: " والأحوص بن حكيم ضعيف ". وذكر المنذري في " الترغيب " (3 / 283) أن الطبراني والبيهقي أيضا أخرجه عن مكحول عن أبي ثعلبة، وقال البيهقي: " وهو بين مكحول وأبي ثعلبة مرسل جيد ". 3 - وأما حديث عبد الله بن عمرو فيرويه ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه. أخرجه أحمد (رقم 6642) . قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، قال الهيثمي: " وابن لهيعة لين الحديث وبقية رجاله وثقوا ". وقال الحافظ المنذري: (3 / 283) " وإسناده لين ". قلت: لكن تابعه رشدين بن سعد بن حيي به. أخرجه ابن حيويه في " حديثه ". (3 / 10 / 1) فالحديث حسن. 4 - وأما حديث أبي موسى فيرويه ابن لهيعة أيضا عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. أخرجه ابن ماجه (1390) وابن أبي عاصم اللالكائي. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة. وعبد الرحمن وهو ابن عرزب والد الضحاك مجهول. وأسقطه ابن ماجه في رواية له عن ابن لهيعة.

5 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه هشام بن عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي صالح عنه مرفوعا بلفظ: " إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله لعباده إلا لمشرك أو مشاحن ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 245 - زوائده) . قال الهيثمي: " وهشام بن عبد الرحمن لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". 6 - وأما حديث أبي بكر الصديق فيرويه عبد الملك بن عبد الملك عن مصعب بن أبي ذئب عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه عنه. أخرجه البزار أيضا وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 90) وابن أبي عاصم واللالكائي في " السنة " (1 / 99 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 2) والبيهقي كما في " الترغيب " (3 / 283) وقال: " لا بأس بإسناده "! وقال الهيثمي: " وعبد الملك بن عبد الملك ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " ولم يضعفه. وبقية رجاله ثقات "! كذا قالا، وعبد الملك هذا قال البخاري: " في حديثه نظر ". يريد هذا الحديث كما في " الميزان ". 7 - وأما حديث عوف ابن مالك فيرويه ابن لهيعة عن عبد الرحمن ابن أنعم عن عبادة ابن نسي عن كثير بن مرة عنه. أخرجه أبو محمد الجوهري في " المجلس السابع " والبزار في " مسنده " (ص 245) وقال: " إسناده ضعيف ". قلت: وعلته عبد الرحمن هذا وبه أعله الهيثمي فقال: " وثقة أحمد بن صالح وضعفه جمهور الأئمة، وابن لهيعة لين وبقية رجاله ثقات ".

قلت: وخالفه مكحول فرواه عن كثير بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. رواه البيهقي وقال: " هذا مرسل جيد ". كما قال المنذري. أخرجه اللالكائي (1 / 102 / 1) عن عطاء بن يسار ومكحول والفضل بن فضالة بأسانيد مختلفة عنهم موقوفا عليهم ومثل ذلك في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي. وقد قال الحافظ ابن رجب في " لطائف المعارف " (ص 143) : " وفي فضل ليلة نصف شعبان أحاديث متعددة وقد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون وصحح ابن حبان بعضها وخرجه في " صحيحه " ومن أمثلها حديث عائشة قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ... " الحديث. 8 - وأما حديث عائشة فيرويه حجاج عن يحيى بن أبي كثير عن عروة عنه مرفوعا بلفظ : " إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب ". أخرجه الترمذي (1 / 143) وابن ماجه (1389) واللالكائي (1 / 101 / 2) وأحمد (6 / 238) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (194 / 1 - مصورة المكتب) وفيه قصة عائشة في فقدها النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة. ورجاله ثقات لكن حجاج وهو ابن أرطأة مدلس وقد عنعنه، وقال الترمذي " وسمعت محمد (يعني البخاري) : يضعف هذا الحديث ". وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب والصحة تثبت بأقل منها عددا ما دامت سالمة من الضعف الشديد كما هو الشأن في هذا الحديث، فما نقله الشيخ القاسمي رحمه الله تعالى في " إصلاح المساجد " (ص 107) عن أهل التعديل والتجريح أنه ليس في فضل ليلة

1145

النصف من شعبان حديث صحيح، فليس مما ينبغي الاعتماد عليه، ولئن كان أحد منهم أطلق مثل هذا القول فإنما أوتي من قبل التسرع وعدم وسع الجهد لتتبع الطرق على هذا النحو الذي بين يديك. والله تعالى هو الموفق. 1145 - " يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير ". أخرجه البخاري (7 / 127) ومسلم (7 / 2) والبخاري أيضا في " الأدب المفرد " (144 و 145) وأبو داود (2 / 343) وأحمد (2 / 325 و 510) كلهم من طريق ابن جريح قال: أخبرني زياد أن ثابتا مولى عبد الرحمن بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة قال: فذكره مرفوعا. وله عنه طرق أخرى يأتي ذكرها قريبا. وله شاهد من حديث فضالة بن عبيد. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (145) وابن حبان (1936) وأحمد في المسند (6 / 20) عن أبي هاني أن أبا علي الجنبي حدثه عنه مرفوعا بهذا اللفظ، ورواه الدارمي (2 / 276) نحوه. وهذا سند صحيح. وورد بلفظ آخر يأتي قريبا، وله طريق آخر بلفظ: " يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير ". أخرجه الترمذي (2 / 118) وأحمد (2 / 510) عن روح بن عبادة عن حبيب بن الشهيد عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا سند رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه منقطع، قال الترمذي: " وقال أيوب السختياني ويونس بن عبيد وعلي بن زيد أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة ". لكن له طريق أخرى عن أبي هريرة تأتي قريبا. 1146 - " يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد والماشيان أيهما يبدأ بالسلام فهو أفضل ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (143 و 144 و 145) وابن حبان

1147

(1935) من طريق ابن جريج قال: أنبأنا أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فذكره موقوفا عليه. وله حكم المرفوع لاسيما وقد ورد كذلك مرفوعا. قال الحافظ بن حجر في فتح الباري (11 / 13) : سنده صحيح. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم وقد صرح كل من ابن جريج وأبي الزبير بالسماع فأمنا بذلك شبهة تدليسهما. وأما المرفوع فقال الحافظ: " وأخرج أبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما والبزار من وجه آخر عن ابن جريج الحديث بتمامه مرفوعا " . وقال شيخه الهيثمي في " المجمع " (8 / 36) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ". 1147 - " يسلم الراكب على الراجل والراجل على الجالس والأقل على الأكثر، فمن أجاب السلام كان له ومن لم يجب فلا شيء له ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ص (144) وأحمد (3 / 444) عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال الحافظ: (11 / 13) : سنده صحيح. قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي راشد الحبراني وهو ثقة كما قال في " التقريب ". واعلم أن الإسناد هكذا سياقه عند البخاري، وأما أحمد فلم يذكر فيه أبا راشد هذا فصار الإسناد بذلك هكذا عن زيد بن سلام عن جده عن عبد الرحمن ابن شبل. وجده هذا هو أبو سلام ممطور وهو من رجال مسلم ولذلك قال الهيثمي (8 / 36) وقد ذكر الحديث من طريقه: " رواه الطبراني واللفظ له وأحمد ورجالهما رجال الصحيح ". وأنا أخشى أن يكون وقع في كل من سندي أحمد والبخاري سقط من قلم النساخ فسقط من سند البخاري حرف (عن) بين جده وأبي راشد وسقط من المسند (أبي راشد) أعني أن الصواب في الإسناد: عن زيد بن سلام عن جده عن أبي راشد عن عبد الرحمن. ويؤيد ما ذهبت إليه أمران: الأول: أنهم لم يذكروا لزيد بن سلام رواية عن أبي راشد مباشرة بل بواسطة ممطور هذا. والثاني: أنهم لم يذكروا أيضا أن أبا راشد هو جد زيد بن سلام.

1148

ويقوي ذلك أن أحمد روى لعبد الرحمن بن شبل حديثا آخر بهذا الإسناد على الصواب من طريق همام وعفان قالا: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد عن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل. والله أعلم. 1148 - " يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم من القوم أحد أجزأ عنهم ". أخرجه مالك (3 / 132) عن زيد بن أسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزيد بن أسلم ثقة عالم من رجال الستة وكان يرسل وهذا من مرسلاته. وله شاهد لكنه بسند ضعيف عن الحسين بن علي قال: قيل يا رسول الله: القوم يأتون الدار فيستأذن واحد منهم أيجزئ عنهم جميعا؟ قال: نعم. قيل: فيرد رجل من القوم أيجزئ عن الجميع؟ قال: نعم. قيل فالقوم يمرون فيسلم واحد منهم أيجزئ عن الجميع؟ قال: نعم. قيل: فيرد رجل من القوم أيجزئ عن الجميع؟ قال: نعم. ذكره في " المجمع " (8 / 35) وقال: " رواه الطبراني وفيه كثير ابن يحيى وهو ضعيف ". لكن للحديث شاهد آخر من حديث علي مخرج في " الإرواء " (770) . 1149 - " يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير ". أخرجه البخاري (7 / 127) وأبو داود (2 / 342 - 343) والترمذي (2 / 118) وصححه وأحمد (2 / 314) من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا. وله عند البخاري في " الأدب المفرد " (145) طريق أخرى فقال: حدثنا أحمد بن أبي عمرو قال: حدثني أبي قال: حدثني إبراهيم عن موسى بن عقبة عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " والماشي على القاعد ". وهذا سند صحيح رجاله كلهم رجال البخاري في " صحيحه "، وقد أخرجه فيه (7 / 127 - 128) معلقا عن إبراهيم بن طهمان به.

1150

1150 - " يسلم الفارس على الماشي والماشي على القاعد والقليل على الكثير ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (145) والترمذي (2 / 118) وأحمد (6 / 19) من طريق أبي هاني حميد بن هاني الخولاني عن أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد مرفوعا: وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح وأبو علي الجنبي اسمه عمرو ابن مالك ". ورواه النسائي وابن حبان في " صحيحه " كما في " الفتح " (11 / 12) . وقد ورد بلفظ: (يسلم الراكب) وقد مضى قريبا. 1151 - " يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا ". أخرجه البخاري (4 / 26 - 5 / 108 و 7 / 101 و 8 / 114) ومسلم (5 / 141) والطيالسي (ص 67 رقم 496) وأحمد (4 / 412 و 417) من طريق شعبة عن سعيد ابن أبي بردة عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذا إلى اليمن فقال: فذكره. وقد ورد بلفظين آخرين: أحدهما: " كان إذا بعث أحدا من أصحابه " والآخر: " ادعوا الناس " وقد سبقا. وله شاهد بلفظ: (يسروا ولا تعسروا وسكنوا ولا تنفروا) . أخرجه البخاري (7 / 101) ومسلم (5 / 141) من حديث أنس. وكذلك أخرجه أحمد (3 / 131) . 1152 - " لا يعدي شيء شيئا لا يعدي شيء شيئا (ثلاثا) . فقام أعرابي فقال: يا رسول الله إن النقبة تكون بمشفر البعير أو بعجبه

1153

فتشمل الإبل جربا؟ قال: فسكت ساعة فقال: ما أعدى الأول؟ لا عدوى ولا صفر ولا هامة، خلق الله كل نفس فكتب حياتها وموتها ومصيباتها ورزقها ". أخرجه أحمد (2 / 327) واللفظ له والطحاوي (2 / 378) وأبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 56 / 1) وأبو حفص الكناني في " الأمالي " (1 / 9 / 2) من طريق عبد الله بن شبرمة عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وخالفه عمارة بن القعقاع فرواه عن أبي زرعة ابن عمرو بن جرير قال: حدثنا صاحب لنا عن ابن مسعود قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 21) والطحاوي أيضا وأحمد (1 / 440) ، وتابعه سعيد بن مسروق فرواه عن عمارة عن أبي زرعة عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وهذا إسناد صحيح أيضا. ولعل هذا الرجل الذي لم يسم من أصحابه هو أبو هريرة كما في الرواية الأولى وعليه فأبو زرعة يروي الحديث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم تارة بدون واسطة وأخرى عنه عن ابن مسعود رضي الله عنه. ولأبي هريرة حديث آخر بلفظ (لا عدوى) وقد مضى. ولطرفه الأول شاهد بلفظ: " لا يعدي سقيم صحيحا ". أخرجه الطحاوي (2 / 377) من طريق الوليد بن عقبة الشيباني قال: حدثنا حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني عن علي بن أبي طالب مرفوعا. وهذا سند ضعيف. ابن أبي ثابت كثير التدليس وثعلبة بن يزيد صدوق نسي كما في " التقريب ". وقد روى الحديث أتم منه فانظر: (لا صفر) . 1153 - " ثلاثة يؤتون أجورهم مرتين: رجل كانت له أمة فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها،

ومملوك أعطى حق ربه عز وجل وحق مواليه ، ورجل آمن بكتابه وبمحمد صلى الله عليه وسلم ". أخرجه البخاري (1 / 154 و 6 / 109) و " الأدب المفرد " (31) ومسلم (1 / 93) والنسائي (2 / 87) والترمذي (1 / 208 طبع بولاق) وصححه والدارمي (2 / 154 - 155) والطيالسي رقم (520) وسعيد بن منصور في " سننه " (913 و914) وأحمد (4 / 402 و 405) والطبراني في " الصغير " (ص 22 - هند) من طرق عن الشعبي عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه مرفوعا به. قال الشعبي: خذها بغير شيء ولو سرت فيها إلى (كرمان) لكان ذلك يسيرا. والسياق لأحمد. وزاد مسلم وغيره في أوله عن صالح بن صالح الهمداني قال: " رأيت رجلا من أهل خراسان سأل الشعبي فقال: يا أبا عمرو! إن من قبلنا من أهل خراسان يقولون في الرجل إذا أعتق أمته ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته؟ فقال الشعبي: حدثني أبو بردة ... الخ. وقد ورد بألفاظ أخرى كاملا ومختصرا فانظر : (إذا أعتق الرجل) ، (أيما رجل كانت عنده) ، (للمملوك الذي يحسن) ، (من كانت له جارية) . ولبعضه شواهد فراجع (إذا أدى العبد) ، (من أسلم من أهل الكتاب) . تنبيهان: الأول: في أكثر الروايات: " أمة " وهي رواية الشيخين وأحمد وغيرهم. وفي رواية للبخاري وغيره: " جارية ". وفي أخرى له: " وليدة ". قال الحافظ في " الفتح " (9 / 103) : " أي أمة وأصلها ما ولد من الإماء من ملك الرجل، ثم أطلق ذلك على كل أمة ".

1154

والآخر: وقع في " الأدب المفرد " للبخاري في سؤال الرجل للشعبي: " إنا نتحدث عندنا أن الرجل إذا أعتق أم ولده ". وهذا خطأ عندي أو رواية بالمعنى بالنظر إلى ما تصير إليه الأمة فيما بعد، أقول هذا لأن هذه اللفظة تفرد بها المحاربي - واسمه عبد الرحمن بن محمد الكوفي - فإنه وإن كان ثقة من رجال الشيخين فقد تكلم فيه من قبل حفظه، فقال ابن سعد: ثقة كثير الغلط، وقال عثمان الدارمي وعبد الرحمن: ليس بذاك. وقال الساجي: صدوق يهم. وهو إلى ذلك قد خالفه ثقتان، هشيم وسفيان وهو ابن عيينة فقالا: " ... إذا أعتق أمته ". أخرجه سعيد بن منصور عنهما، وكذا مسلم إلا أنه لم يسق لفظ سفيان والدارمي عن هشيم وصرح هذا بالتحديث عند سعيد. فما اتفق عليه هذا الثقتان أولى بالاعتماد من رواية المحاربي مع ما فيه من الكلام المتقدم، فروايته شاذة، وكأن البخاري رحمه الله أشار إلى ذلك في " الصحيح "، فإنه لما ساق الحديث فيه في " كتاب العلم " لم يذكر فيه سؤال الرجل مطلقا مع أنه رواه فيه بإسناده ولفظه في " الأدب المفرد "، فكأنه فعل ذلك عمدا إشارة منه إلى شذوذ هذه اللفظة التي وقعت في روايته وهذا من دقيق علمه ونقده، والله أعلم. 1154 - " الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهى أمتي عن الكي ". أخرجه البخاري (1 / 112 و 113) وابن ماجه (2 / 352 و 353) وأحمد (1 / 245 و 246) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 153 / 1) عن مروان بن شجاع عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. وللحديث شاهد بلفظ: (إن كان في شيء من أدويتكم) . وقد مر برقم (245) . 1155 - " قريش ولاة الناس في الخير والشر إلى يوم القيامة ". أخرجه الترمذي (2 / 36 طبع بولاق) عن حبيب بن زبير قال: سمعت عبد الله بن أبي الهذيل يقول: كان ناس من ربيعة عند عمرو بن العاص،

1156

فقال رجل من بكر بن وائل: لتنتهين قريش أو ليجعلن الله هذا الأمر في جمهور من العرب وغيرهم، فقال عمرو بن العاص: كذبت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره . وهذا إسناد صحيح. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (4 / 203) وابن أبي عاصم في " السنة " (1009 - 1011 بتحقيقي) . وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح ". وله شاهد بلفظ: " قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم، وفاجرهم تبع لفاجرهم ". 1156 - " قريش ولاة هذا الأمر، فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم ". هو من حديث أبي بكر الصديق وسعد بن عبادة، وفيه قصة يرويها حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في طائفة من المدينة ، قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله، وقال: فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا ، مات محمد ورب الكعبة: فذكر الحديث. قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتقاودان حتى أتوهم، فتكلم أبو بكر ولم يترك شيئا أنزل في الأنصار ولا ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم من شأنهم إلا وذكره، وقال: ولقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس واديا، وسلكت الأنصار واديا، سلكت وادي الأنصار، ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وأنت قاعد. قلت: فذكر الحديث: قال: فقال له سعد: صدقت، نحن الوزراء وأنتم الأمراء. أخرجه أحمد (ج 1 رقم 18) ورجاله ثقات إلا أن حميد بن عبد الرحمن لم يدرك أبا بكر كما في " المجمع " (5 / 191) . وللحديث شاهد من حديث جابر، وآخر من حديث أبي هريرة وسيأتي بلفظ: (الناس تبع لقريش) . (تنبيه) عزا السيوطي في " الجامع " هذا الحديث إلى أحمد عن أبي بكر وسعد. هكذا أطلق سعدا ولم يقيده، فأوهم أنه سعد بن أبي وقاص، كما قيده شارحه المناوي وليس كذلك، بل هو سعد بن عبادة فإنه صاحب القصة، كما يعرف ذلك من التاريخ.

1157

1157 - " كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل ". أخرجه البخاري (11 / 195) من طريق الأعمش حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: فذكره. وقد تكلم العقيلي في هذا الإسناد وأنكر هذه اللفظة وهي: " حدثني " وقال: " إنما رواه الأعمش بصيغة " عن مجاهد " كذلك رواه أصحاب الأعمش عنه ". قلت: ويؤيده أن الإمام أحمد رواه (2 / 24) عن سفيان وهو الثوري و (2 / 41 ) عن أبي معاوية كلاهما عن ليث عن مجاهد به. وأخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 73 / 2 و 152 / 2) من طريق حماد بن شعيب عن أبي يحيى القتات عن مجاهد. قال الحافظ: " ليث وأبو يحيى ضعيفان، والعمدة على طريق الأعمش " فلم يلتفت إلى كلام العقيلي. والحديث صحيح على كل حال فإن له طريقا أخرى على شرط الشيخين بلفظ: " اعبد الله كأنك تراه ". وسيأتي برقم (1473) . والحديث تمامه عند البخاري: " وكان ابن عمر يقول إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ". ورواه بتمامه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 301) من طريق أخرى عن شيخ شيخ البخاري محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن الأعمش عن مجاهد به. ثم قال: " هذا حديث صحيح متفق عليه من حديث الأعمش. ورواه ليث بن (أبي) سليم عن مجاهد ". قلت: وفي حديث ليث أن قول ابن عمر: إذا أمسيت. مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فانظر: " يا ابن عمر إذا أصبحت "، كما أن فيه زيادة على الحديث هنا وهو: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك في أصحاب القبور ". أخرجه أحمد كما مضى قبله والترمذي في " الزهد " وأبو نعيم (1 / 312 و 313) . وله عند الأخيرين تتمة، فانظر: " يا ابن عمر ". ثم وجدت لزيادة القبور شاهدا من حديث علي بن زيد: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

1158

يا ابن آدم! اعمل كأنك ترى، وعد نفسك مع الموتى، وإياك ودعوة المظلوم ". أخرجه أحمد (2 / 343) . قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، فالذي سمع منه علي بن زيد تابعي مجهول. وابن زيد هو ابن جدعان سيىء الحفظ. وله شاهدان آخران سيأتيان برقم (1474 و1475) ، فالزيادة صحيحة أيضا، والحمد لله على توفيقه. 1158 - " كل نائحة تكذب إلا أم سعد ". رواه ابن سعد (3 / 427 - 428) عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد قال: " لما أصيب أكحل سعد يوم الخندق فثقل، حولوه عند امرأة يقال لها رفيدة، وكانت تداوي الجرحى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر به يقول: كيف أمسيت؟ وإذا أصبح قال: كيف أصبحت؟ فيخبره، حتى كانت الليلة التي نقله قومه فيها، فثقل، فاحتملوه إلى بني عبد الأشهل إلى منازلهم، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان يسأل عنه، وقالوا: قد انطلقوا به، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخرجنا معه، فأسرع المشي حتى تقطعت شسوع نعالنا وسقطت أرديتنا عن أعناقنا، فشكا ذلك إليه أصحابه: يا رسول الله أتعبتنا في المشي، فقال: إني أخاف أن تسبقنا الملائكة إليه فتغسله، كما غسلت حنظلة، فانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيت وهو يغسل، وأمه تبكيه وهي تقول: ويل أمك سعد حزامة وجدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . ثم خرج به، قال: يقول له القوم أو من شاء الله منهم: يا رسول الله ما حملنا ميتا أخف علينا من سعد، فقال: ما يمنعكم من أن يخف عليكم، وقد هبط من الملائكة كذا وكذا، وقد سمى عدة كثيرة لم أحفظها لم يهبطوا قط قبل يومهم قد حملوه معكم.

1159

قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، ومحمود بن لبيد صحابي صغير. وللحديث شاهد من حديث عامر بن سعد عن أبيه مرفوعا. أخرجه ابن سعد (3 / 429) . لكن شيخه محمد بن عمر وهو الواقدي متروك. ثم روى (3 / 429 - 430) له شاهدا من مرسل سعد بن إبراهيم. وإسناده حسن. 1159 - " كان إذا ذهب المذهب أبعد ". أخرجه أبو داود (1 / 2) والنسائي (1 / 8 - 9) والترمذي (1 / 32) والدارمي (1 / 169) وابن ماجه (1 / 139) والحاكم (1 / 140) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن المغيرة بن شعبة به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: كلا وإنما إسناده حسن لأن محمد بن عمرو في حفظه ضعف وإنما أخرج له مسلم متابعة، لكن الحديث صحيح فإن له طريقا أخرى وشواهد، فأخرجه الدارمي وكذا أحمد (4 / 244) من طريق محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب الثقفي عن المغيرة به. ولفظه عند الأول: " كان إذا تبرز تباعد ". وإسناده صحيح رجاله رجال الستة غير عمرو بن وهب، وثقه النسائي وابن حبان والعجلي وابن سعد ولفظ أحمد بنحوه في قصة المسح على الخفين. ومن شواهده حديث عبد الرحمن بن أبي قراد قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخلاء. وكان إذا أراد الحاجة أبعد. أخرجه النسائي وأحمد (3 / 443 و 4 / 224) من طريق أبي جعفر الخطمي عمير بن يزيد قال: حدثني الحارث بن فضيل وعمارة بن خزيمة بن ثابت عنه. وهذا إسناد صحيح: ومنها عن جابر بلفظ: " كان إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد ". أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم من طريق إسماعيل بن عبد الملك عن أبي الزبير عنه. وهذا إسناد ضعيف لأن إسماعيل بن عبد الملك وهو ابن أبي الصفير صدوق كثير الوهم، وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه. لكن الحديث صحيح بشواهده التي قبله. وأخرجه البيهقي (1 / 93) .

1160

1160 - " كان يقرأ في الظهر والعصر بـ * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (هل أتاك حديث الغاشية) * ". أخرجه البزار في " مسنده " (61 - زوائده) حدثنا محمد بن معمر حدثنا روح بن عبادة حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت وقتادة عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم.... وقال: " صحيح ". قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين غير حماد بن سلمة فهو على شرط مسلم وحده لكنه غريب من رواية ثابت عن حميد، فلعل الأصل: " وحميد ". والله أعلم. 1161 - " إن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة ". أخرجه البخاري (1 / 78 - 79) والنسائي (2 / 273) والبيهقي (3 / 18) من حديث أبي هريرة مرفوعا، وقال النسائي: " وبشروا ويسروا ". 1162 - " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه. فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار ". أخرجه البخاري (3 / 162 و 8 / 62 و 112) ومالك (2 / 197) وأبو داود (2 / 115) عن هشام بن عروة عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة مرفوعا. وقد ورد عن هشام بلفظ: " إنكم تختصمون إلي "، وقد مضى برقم (455) وقد تابعه الزهري بلفظ:

1163

" إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها ". أخرجه البخاري (3 / 101 و 8 / 116 و117) ومسلم (5 / 129) والطحاوي (2 / 287) وأحمد (6 / 308) عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة ابن الزبير أن زينب ابنة أبي سلمة أخبرته أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سمع خصومه بباب حجرته فخرج إليهم فقال: فذكره. وله شاهد بلفظ: " إنما أنا بشر ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار ". أخرجه ابن ماجه (2 / 51 - 52) والطحاوي (2 / 287 ) وأبو يعلى في " مسنده " (4 / 1416 مصورة المكتب) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا. قال في " الزوائد ": " إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح ". قلت: بل هو إسناد حسن فقط، فإن محمد بن عمرو إنما روى له البخاري مقرونا ومسلم متابعة. ورواه الطبراني في " الأوسط " من حديث ابن عمر قال: اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. قال في " المجمع " (4 / 198) : " وفيه القاسم بن عبد الله بن عمر وهو متروك ". ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف " عن أنس كما في " منتخب كنز العمال " (2 / 201) . 1163 - " سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقا حلقا، إمامهم الدنيا فلا تجالسوهم، فإنه ليس لله فيهم حاجة ". رواه الطبراني (3 / 78 / 2) وأبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة "

(1 / 149 / 2) عن بزيع أبي الخليل الخصاف أخبرنا الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. قلت: بزيع متروك لكن قد توبع، فأخرجه ابن حبان (311) : أخبرنا الحسين بن عبد الله بن يزيد القطان حدثنا عبد الصمد بن عبد الوهاب النصري حدثنا أبو التقى حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش به. وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون في " التهذيب " غير القطان هذا فلم أجد له ترجمة ولعله في " الثقات " لابن حبان فيراجع فإنه ليس في " الظاهرية " منه الجزء الذي فيه طبقة شيوخه، وقد سمع منه بالرقة كما في كتابه " روضة العقلاء " (ص 5) وعلى كل حال فهو من شيوخه الذين اعتمدهم في " صحيحه " وهو من أعرف الناس به، فالنفس تطمئن لثبوت حديثه. والله أعلم. وقد وجدت له شاهدا ولكنه مما لا يفرح به! وهو بلفظ: " يأتي على الناس زمان يكون حديثهم في مساجدهم في أمر دنياهم، ليس لله فيهم حاجة، فلا تجالسوهم ". رواه أبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد " (88 / 1) : أخبرنا علي بن أحمد بن صالح المقري حدثنا محمد بن عبد حدثنا عصام حدثنا سفيان عن أبي حازم عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناده واه جدا، فإن عصاما وهو ابن يوسف البلخي، مختلف فيه. ومحمد بن عبد هو ابن عامر السمرقندي، قال الذهبي: " معروف بوضع الحديث "، قال الخطيب - وطول ترجمته: روى عن يحيى بن يحيى وعصام بن يوسف وجماعة أحاديث باطلة. قال الدارقطني: " كان يكذب ويضع الحديث ". لكن رواه الحاكم ( 4 / 323) من طريق أحمد بن بكر البالسي حدثنا زيد بن الحباب حدثنا سفيان الثوري عن عون بن أبي جحيفة عن الحسن بن أبي الحسن عن أنس به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

1164

قلت: وليس كما قالا، فإن البالسي هذا متهم وقد أورده الذهبي نفسه في " الميزان " وقال: " قال ابن عدي روى مناكير عن الثقات. وقال أبو الفتح الأزدي: " كان يضع الحديث ". وزاد عليه في " اللسان ": وقال الدارقطني: ضعيف. وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " كان يخطىء ". وله حديث موضوع بسند صحيح ". ثم ذكر له حديثا آخر غير هذا. 1164 - " صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ". رواه مسلم (2 / 171) وأحمد (4 / 366) - 367 - 370 - 375) وابن خزيمة (1127) عن القاسم الشيباني أن زيد بن أرقم رأى قوما يصلون في الضحى، فقال: أما لقد علموا أن الصلاة في غير هذه الساعة أفضل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ورواه أبو عوانة أيضا (2 / 270 و 271) . وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا في حديث: " وأن لا أدع ركعتي الضحى، فإنها صلاة الأوابين ". وفي إسناده مجهول كما بينته في " صحيح أبي داود " (1286) . 1165 - " إن أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ". أخرجه ابن سعد (8 / 325 و 326) والحاكم (4 / 404) عن حصين ابن عبد الرحمن قال: سمعت أبا عبيدة بن حذيفة يحدث عن عمته فاطمة قالت: عدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة، وإذا سقاء معلق وماؤه يقطر عليه من شدة ما يجد من حر الحمي، فقلنا: يا رسول الله لو دعوت الله فأذهب عنك هذا، فقال ... " فذكره. قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وإسناده صحيح عندي رجاله

1166

ثقات رجال الشيخين غير أبي عبيدة بن حذيفة ذكره ابن حبان في " الثقات " وقد روى عنه جماعة. وللحديث شواهد معروفة، تقدم بعضها برقم (143 - 145) . 1166 - " من حلف فليحلف برب الكعبة ". أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 91) وأحمد (6 / 371 و 372) وابن سعد (8 / 309) والحاكم (4 / 297) من طريق المسعودي: حدثني معبد بن خالد عن عبد الله بن يسار عن قتيلة بنت صيفي الجهنية قالت: " أتى حبر من الأحبار رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون! قال: سبحان الله! وما ذاك؟ . قال، تقولون إذا حلفتم: والكعبة، قالت: فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قال: إنه قد قال، فمن حلف فليحلف برب الكعبة، قال: يا محمد! نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا ! قال: سبحان الله! وما ذاك؟ قال: تقولون ما شاء الله وشئت. قالت: فأمهل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ثم قال: إنه قد قال، فمن قال: ما شاء الله فليقل معها: ثم شئت ". قلت: وهو إسناد رجاله ثقات إلا أن المسعودي - وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود - كان اختلط. وقد ذكره الحافظ برهان الدين الحلبي في رسالته " الاغتباط بمن رمي بالاختلاط " (ص 16) . وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وهذا منه غريب فقد أورد هو المسعودي هذا في " الضعفاء " وقال: " قال ابن حبان: كان صدوقا إلا أنه اختلط بآخره ". نعم إنه قد توبع، فقد أخرجه النسائي (2 / 140) من طريق مسعر عن معبد بن خالد به نحوه.

1167

وإسناده صحيح، وذكر الحافظ في " الفتح " (11 / 457) أن النسائي صححه في " كتاب الإيمان والنذور " وأقره لكني لم أر فيه التصحيح المذكورة، فلعل ذلك في " السنن الكبرى " للنسائي. وقد أخرجه أحمد (2 / 69) والبيهقي (10 / 29) عن أبي محمد الكندي قال: " جاء ابن عمر رجل فقال أحلف بالكعبة؟ قال: لا ولكن أحلف برب الكعبة، فإن عمر كان يحلف بأبيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تحلف بأبيك، فإنه من حلف بغير الله فقد أشرك ". ثم روى البيهقي أيضا بإسناد رجاله ثقات أن عمر أراد أن يضرب ابن الزبير لحلفه بالكعبة وقال له " أتحلف بالكعبة؟ ! ". 1167 - " يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول أصبغوه صبغة الجنة ، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت شيئا أكرهه قط، ثم يؤتى بأنعم الناس كان في الدنيا من أهل النار فيقول: أصبغوه فيها صبغة، فيقول: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط قرة عين قط؟ فيقول: لا وعزتك ما رأيت خيرا قط ولا قرة عين قط ". أخرجه أحمد (3 / 253) حدثنا عفان حدثنا حماد أنبأنا ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 135) وأحمد أيضا (3 / 203) عن يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة به نحوه وفيه " لا والله يا رب " في الموضعين.

1168

ورواه محمد بن إسحاق عن حميد الطويل عن أنس به مختصرا. أخرجه ابن ماجة (2 / 587) . (فائدة) في الحديث جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى ومن أبواب البيهقي في " السنن الكبرى " (10 / 41) " باب ما جاء في الحلف بصفات الله تعالى كالعزة والقدرة والجلال والكبرياء والعظمة والكلام والسمع ونحو ذلك ". ثم ساق تحته أحاديث وأشار إلى هذا الحديث واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره وقال: " فيه دليل على أن الحلف بالقرآن كان يمينا ... ". ثم روي بإسناد الصحيح عن التابعي الثقة عمرو بن دينار قال: " أدركت الناس منذ سبعين سنة يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق والقرآن كلام الله عز وجل ". 1168 - " نهى عن نقرة الغراب وافتراش السبع وأن يوطن الرجل المكان في المسجد كما يوطن البعير ". أخرجه أبو داود (1 / 138) والنسائي (1 / 167) والدارمي (1 / 303) وابن ماجة (1 / 437) وابن خزيمة (1 / 142 / 1) وابن حبان (476) والحاكم (1 / 229) وأحمد (3 / 428 - 444) كلهم من طريق جعفر بن عبد الله بن الحكيم عن تميم بن محمود عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. كذا قالا وتميم بن محمود هذا أورده الذهبي نفسه في " الميزان " وقال: " قال البخاري فيه نظر ". وذكره العقيلي والدولابي وابن الجارود في الضعفاء، وأما ابن حبان فوثقه على قاعدته في توثيق غير المشهورين بالرواية، فإن تميما هذا لم يذكروا راويا عنه غير جعفر هذا. وقول الذهبي: روى عنه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي خطأ واضح

1169

فإنه - أعني الطرائفي - مات سنة اثنتين أو ثلاث ومائتين فأنى له أن يروي عن تميم وهو من التابعين من الطبقة الرابعة عند ابن حجر في " التقريب "؟ وقال فيه: فيه لين ". وأقول: لكنه يتقوى بأن له شاهدا بلفظ: " نهى عن نقرة الغراب وعن فرشة السبع وأن يوطن الرجل مقامه في الصلاة كما يوطن البعير ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 446 و 447) والبغوي في " مختصر المعجم " (9 / 131 / 2) عن عثمان البتي عن عبد الحميد بن سلمة عن أبيه مرفوعا. ورجاله ثقات غير عبد الحميد هذا فهو مجهول كما في " التقريب ". فالحديث عندي حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم. وقد أخرجه ابن حبان، وكذا ابن خزيمة في " صحيحيهما " كما في " الترغيب " (1 / 181) . 1169 - " من توضأ وجاء إلى المسجد فهو زائر الله عز وجل وحق على المزور أن يكرم الزائر ". أخرجه أبو الحسن بن الصلت في " حديثه عن أبي بكر المطيري " (ق 76 / 1) قال: حدثنا محمد بن سنان بن يزيد القزاز البصري قال: حدثنا عمر بن حبيب القاضي عن داود بن أبي هند وعوف عن أبي عثمان وسليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن سنان القزاز فهو ضعيف كما في " التقريب ". ومثله عمر بن حبيب لكن ذكره المنذري في " الترغيب " (1 / 130) بلفظ: " من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد ... " وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " بإسنادين أحدهما جيد ". وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 31) :

" رواه الطبراني في " الكبير " وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح " . (انظر الاستدراك رقم 158 / 2) . وقد وجدت له طريق أخرى عن أبي عثمان به مرفوعا بلفظ: " من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم زارني في بيت من بيوتي فإياي زار وحق على المزور أن يكرم زائره ". رواه ابن بشران في " الأمالي " (153 / 1) عن سعيد بن زربي عن ثابت عن أبي عثمان عن سلمان مرفوعا. قلت: سعيد هذا منكر الحديث كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه السلفي في " جزء من حديثه " (17 / 1) وقال: " هذا حديث غريب مسندا لا أعلم رواه عن البناني غير سعيد بن زربي، والمحفوظ من حديث أبي عثمان موقوفا على سلمان ". قلت: ورواه البيهقي نحوه موقوفا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح كما قال المنذري عقب كلامه السابق وتبعه عليه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 136 و 4 / 317) . وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " إن بيوت الله في الأرض المساجد وإن حقا على الله أن يكرم من زاره فيها ". رواه الطبراني (3 / 73 / 1) عن عبد الله بن أبي يعقوب الكرماني: أخبرنا عبد الله بن زيد المقريء أخبرنا المسعودي عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو إسحاق وهو السبيعي والمسعودي وهو عبد الرحمن ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي كانا قد اختلطا. والكرماني هذا، قال الذهبي في " الميزان ": " ضعيف ". وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (2 / 22 ) وقد ذكره ابن حبان في " الثقات "، فإعلاله بمن فوقه - كما فعلنا - أولى.

1170

1170 - " اخرجي إليه، فإنه لا يحسن الاستئذان، فقولي له فليقل: السلام عليكم أدخل؟ ". أخرجه أحمد (5 / 368 و 369) وأبو داود (2 / 339) عن شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل من بني عامر. " أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل العامري فإنه لم يسم ولا يضر ذلك لأنه صحابي والصحابة كلهم عدول. وتابعه أبو الأحوص عن منصور به. أخرجه أبو داود. وتابعه جرير عنه. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1084) . 1171 - " قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ". أخرجه أحمد (1 / 85) عن عبد الله بن نجي عن أبيه أنه سار مع علي وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى (نينوى) وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: أصبر أبا عبد الله: أصبر أبا عبد الله بشط الفرات، قلت: وماذا؟ قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام ... قال: فقال: هل لك إلى أن أشمك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، نجي والد عبد الله لا يدرى من هو كما قال الذهبي ولم يوثقه غير ابن حبان وابنه أشهر منه، فمن صحح هذا الإسناد فقد وهم.

والحديث قال الهيثمي (9 / 187) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجي بهذا ". قلت: يعني أن له شواهد تقويه وهو كذلك. 1 - روى عمارة بن زاذان حدثنا ثابت عن أنس قال: " استأذن ملك القطر ربه أن يزور النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فكان في يوم أم سلمة ... فبينا هي على الباب إذ دخل الحسين بن علي ... فجعل يتوثب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتلثمه ويقبله، فقال له الملك: تحبه؟ قال: نعم. قال: أما إن أمتك ستقتله إن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه؟ قال : نعم، فقبض قبضة من المكان الذي يقتل فيه، فأراه إياه فجاء سهلة، أو تراب أحمر، فأخذته أم سلمة، فجعلته في ثوبها، قال ثابت: كنا نقول: إنها كربلاء ". أخرجه أحمد (3 / 242 و 265) وابن حبان (2241) وأبو نعيم في " الدلائل " (202) . قلت: ورجاله ثقات غير عمارة هذا قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". وقال الهيثمي: " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني بأسانيد وفيها عمارة بن زاذان وثقه جماعة وفيه ضعف وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح ". 2 - وروى محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي عن أبي عمار شداد بن عبد الله عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت ... يوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته (تعني الحسين) في حجرة، ثم حانت مني التفاتة، فإذا عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تهريقان من الدموع، قالت: فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي مالك ؟ قال: أتاني جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا، فقلت: هذا؟ فقال: نعم وأتاني بتربة من تربته حمراء ". أخرجه الحاكم (3 / 176 و 177) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل منقطع ضعيف، فإن شدادا لم يدرك أم الفضل، ومحمد بن مصعب ضعيف ". 3 - وروى عبد الله بن سعيد عن أبيه عن عائشة أو أم سلمة - شك عبد الله بن سعيد - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما: " لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. قال: فأخرج تربة حمراء ".

أخرجه أحمد (6 / 294) : حدثنا وكيع قال: حدثني عبد الله بن سعيد. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان سعيد وهو ابن أبي هند سمعه من عائشة أو أم سلمة ولم أطمئن لذلك، فإنهم لم يذكروا له سماعا منهما وبين وفاته ووفاة أم سلمة نحو أربع وخمسين سنة وبين وفاته ووفاة عائشة نحو ثمان وخمسين. والله أعلم. وأخرجه الطبراني عن عائشة نحوه بلفظ: " يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف ... " قال الهيثمي (9 / 188) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " وفي إسناد " الكبير " ابن لهيعة وفي إسناد " الأوسط " من لم أعرفه ". 4 - وأخرجه الطبراني أيضا عن أم سلمة نحوه بلفظ: " إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلاء، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم ... ". (انظر الاستدراك رقم 161 / 21) . قال الهيثمي (9 / 189) : " رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات ". (انظر الاستدراك رقم 161 / 26) .

5 - وعن أبي الطفيل قال: " استأذن ملك القطر أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ... ". قلت: فذكره نحو حديث أنس المتقدم. قال الهيثمي (9 / 190) . " رواه الطبراني وإسناده حسن ". 6 - ويروي حجاج بن نصير: حدثنا قرة بن خالد حدثنا عامر بن عبد الواحد عن أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ما كنا نشك وأهل البيت متوافرون أن الحسين بن علي يقتل بـ (الطف) ". أخرجه الحاكم (3 / 179) وسكت عليه، وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: حجاج متروك ". قلت: بالجملة فالحديث المذكور أعلاه والمترجم له صحيح بمجموع هذه الطرق وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف ولكنه ضعف يسير، لاسيما وبعضها قد حسنه الهيثمي، والله أعلم. (تنبيه) حديث عائشة وعلي عزاهما السيوطي (فتح 1 / 55 و 56) لابن سعد في " الطبقات " ولم أره فيها، فلعله في القسم الذي لم يطبع منها، والله أعلم. فائدة: ليس في شيء من هذه الأحاديث ما يدل على قداسة كربلاء وفضل السجود على أرضها واستحباب اتخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة كما عليه الشيعة اليوم ولو كان ذلك مستحبا لكان أحرى به أن يتخذ من أرض المسجدين الشريفين المكي والمدني ولكنه من بدع الشيعة وغلوهم في تعظيم أهل البيت وآثارهم، ومن عجائبهم أنهم يرون أن العقل من مصادر التشريع عندهم ولذلك فهم يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين ومع ذلك فإنهم يروون في فضل السجود على أرض كربلاء من الأحاديث ما يشهد العقل السليم ببطلانه بداهة، فقد وقفت على رسالة لبعضهم وهو المدعو السيد عبد الرضا (!) المرعشي الشهرستاني بعنوان " السجود على التربة الحسينية ". ومما جاء فيها (ص 15) : " وورد أن السجود عليها أفضل لشرفها وقداستها وطهارة من دفن فيها.

فقد ورد الحديث عن أئمة العترة الطاهرة عليهم السلام أن السجود عليها ينور إلى الأرض السابعة. وآخر: أنه يخرق الحجب السبعة، وفي (آخر) : يقبل الله صلاة من يسجد عليها ما لم يقبله من غيرها، وفي (آخر) أن السجود على طين قبر الحسين ينور الأرضين ". ومثل هذه الأحاديث ظاهرة البطلان عندنا وأئمة أهل البيت رضي الله عنهم براء منها وليس لها أسانيد عندهم ليمكن نقدها على نهج علم الحديث وأصوله وإنما هي مراسيل ومعضلات! ولم يكتف مؤلف الرسالة بتسويدها بمثل هذه النقول المزعومة على أئمة البيت حتى راح يوهم القراء أنها مروية مثلها في كتبنا نحن أهل السنة، فها هو يقول: (ص 19) : " وليس أحاديث فضل هذه التربة الحسينية وقداستها منحصرة بأحاديث الأئمة عليهم السلام، إذ أن أمثال هذه الأحاديث لها شهرة وافرة في أمهات كتب بقية الفرق الإسلامية عن طريق علمائهم ورواتهم، ومنها ما رواه السيوطي في كتابه " الخصائص الكبرى " في " باب إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الحسين عليه السلام، وروى فيه ما يناهز العشرين حديثا عن أكابر ثقاتهم كالحاكم والبيهقي وأبي نعيم والطبراني (¬1) والهيثمي في " المجمع " (9 / 191) وأمثالهم من مشاهير رواتهم ". فاعلم أيها المسلم أنه ليس عند السيوطي ولا الهيثمي ولو حديث واحد يدل على فضل التربة الحسينية وقداستها، وكل ما فيها مما اتفقت عليه مفرداتها إنما هو إخباره صلى الله عليه وسلم بقتله فيها، وقد سقت لك آنفا نخبة منها، فهل ترى فيها ما ادعاه الشيعي في رسالته على السيوطي والهيثمي؟ ! اللهم لا، ولكن الشيعة في سبيل تأييد ضلالاتهم وبدعهم يتعلقون بما هو أوهى من بيت العنكبوت! . ¬

(¬1) الأصل: الطبري! . اهـ.

ولم يقف أمره عند هذا التدليس على القراء بل تعداه إلى الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يقول (ص 13) : " وأول من اتخذ لوحة من الأرض للسجود عليها هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في السنة الثالثة من الهجرة لما وقعت الحرب الهائلة بين المسلمين وقريش في أحد وانهدم فيها أعظم ركن للإسلام وهو حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم نساء المسلمين بالنياحة عليه في كل مأتم، واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى، ويعملون المسبحات منه كما جاء في كتاب " الأرض والتربة الحسينية " وعليه أصحابه، ومنهم الفقيه ... ". والكتاب المذكور هو من كتب الشيعة، فتأمل أيها القارىء الكريم كيف كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعى أنه أول من اتخذ قرصا للسجود عليه، ثم لم يسق لدعم دعواه إلا أكذوبة أخرى وهي أمره صلى الله عليه وسلم النساء بالنياحة على حمزة في كل مأتم ومع أنه لا ارتباط بين هذا لو صح وبين اتخاذ القرص كما هو ظاهر، فإنه لا يصح ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف وهو قد صح عنه أنه أخذ على النساء في مبايعته إياهن ألا ينحن كما رواه الشيخان وغيرهما عن أم عطية ( أنظر كتابنا " أحكام الجنائز " ص 28) ويبدو لي أنه بنى الأكذوبتين السابقتين على أكذوبة ثالثة وهي قوله في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " واتسع الأمر في تكريمه إلى أن صاروا يأخذون من تراب قبره فيتبركون به ويسجدون عليه لله تعالى ... "، فهذا كذب على الصحابة رضي الله عنهم وحاشاهم من أن يقارفوا مثل هذه الوثنية، وحسب القارىء دليلا على افتراء هذا الشيعي على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنه لم يستطع أن يعزو ذلك لمصدر معروف من مصادر المسلمين، سوى كتاب " الأرض والتربة الحسينية " وهو من كتب بعض متأخريهم ولمؤلف مغمور منهم، ولأمر ما لم يجرؤ الشيعي على تسميته والكشف عن هويته حتى لا يفتضح أمره بذكره إياه مصدرا لأكاذيبه! ولم يكتف حضرته بما سبق من الكذب على السلف الأول بل تعداه إلى الكذب على من بعدهم، فاسمع إلى تمام كلامه السابق:

" ومنهم الفقيه الكبير المتفق عليه مسروق بن الأجدع المتوفى سنة (62 ) تابعي عظيم من رجال الصحاح الست كان يأخذ في أسفاره لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها (!) كما أخرجه شيخ المشايخ الحافظ إمام السنة أبو بكر ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف " في المجلد الثاني في " باب من كان يحمل في السفينة شيئا يسجد عليه، فأخرجه بإسنادين أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة من تربة المدينة المنورة يسجد عليها ". قلت: وفي هذا الكلام عديد من الكذبات: الأولى: قوله: " كان يأخذ في أسفاره " فإنه بإطلاقه يشمل السفر برا وهو خلاف الأثر الذي ذكره! الثانية: جزمه بأنه كان يفعل ذلك يعطي أنه ثابت عنه وليس كذلك بل ضعيف منقطع كما يأتي بيانه. الثالثة: قوله " ... بإسنادين " كذب وإنما هو إسناد واحد مداره على محمد بن سيرين، اختلف عليه فيه، فرواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 43 / 2) من طريق يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين قال: " نبئت أن مسروقا كان يحمل معه لبنة في السفينة. يعني يسجد عليها ". ومن طريق ابن عون عن محمد " أن مسروقا كان إذا سافر حمل معه في السفينة لبنة يسجد عليها ". فأنت ترى أن الإسناد الأول من طريق ابن سيرين، والآخر من طريق محمد وهو ابن سيرين، فهو في الحقيقة إسناد واحد ولكن يزيد بن إبراهيم قال عنه: نبئت "، فأثبت أن ابن سيرين أخذ ذلك بالواسطة عن مسروق ولم يثبت ذلك ابن عون وكل منهما ثقة فيما روى إلا أن يزيد ابن إبراهيم قد جاء بزيادة في السند، فيجب أن تقبل كما هو مقرر في " المصطلح " لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ، وبناء عليه فالإسناد بذلك إلى مسروق ضعيف لا تقوم به حجة لأن مداره على راو لم يسم مجهول، فلا يجوز الجزم بنسبة ذلك إلى مسروق رضي الله عنه ورحمه كما صنع الشيعي.

الرابعة: لقد أدخل الشيعي في هذا الأثر زيادة ليس لها أصل في " المصنف " وهي قوله: " من تربة المدينة المنورة "! فليس لها ذكر في كل من الروايتين عنده كما رأيت. فهل تدري لم أفتعل الشيعي هذه الزيادة في هذا الأثر؟ لقد تبين له أنه ليس فيه دليل مطلقا على اتخاذ القرص من الأرض المباركة (المدينة المنورة) للسجود عليه إذا ما تركه على ما رواه ابن أبي شيبة ولذلك ألحق به هذه الزيادة ليوهم القراء أن مسروقا رحمه الله اتخذ القرص من المدينة للسجود عليه تبركا، فإذا ثبت له ذلك ألحق به جواز اتخاذ القرص من أرض كربلاء بجامع اشتراك الأرضين في القداسة! ! وإذا علمت أن المقيس عليه باطل لا أصل له وإنما هو من اختلاف الشيعي عرفت أن المقيس باطل أيضا لأنه كما قيل: وهل يستقيم الظل والعود أعوج ؟ ! فتأمل أيها القارىء الكريم مبلغ جرأة الشيعة على الكذب حتى على النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل تأييد ما هم عليه من الضلال، يتبين لك صدق من وصفهم من الأئمة بقوله: " أكذب الطوائف الرافضة "! ومن أكاذيبه قوله (ص 9) : " ورد في صحيح البخاري صحيفة (!) (331 ج 1) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض "! وهذا كذب من وجهين: الأول: أنه ليس في " صحيح البخاري " هذا النص لا عنه صلى الله عليه وسلم ولا عن غيره من السلف. الآخر: أنه إنما ذكره الحافظ ابن حجر في " شرحه على البخاري " (ج 1 / ص 388 - المطبعة البهية) عن عروة فقال: " وقد روى ابن أبي شيبة عن عروة بن الزبير أنه كان يكره الصلاة على شيء دون الأرض ".

1172

قلت: وأكاذيب الشيعة وتدليسهم على الأمة لا يكاد يحصر وإنما أردت بيان بعضها مما وقع في هذه الرسالة بمناسبة تخريج هذا الحديث على سبيل التمثيل وإلا فالوقت أعز من أن يضيع في تتبعها. 1172 - " خياركم من تعلم القرآن وعلمه ". أخرجه الدارمي (2 / 437) وابن ماجة (1 / 93) من طريق الحارث بن نبهان حدثنا عاصم بن بهدلة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا. وهذا سند ضعيف لضعف الحارث هذا. لكن الحديث قوي بشواهده: 1 - فمنها عن علي مرفوعا بهذا اللفظ. أخرجه أحمد (ج 2 رقم 1317) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعد عنه. وهو ضعيف أيضا من أجل عبد الرحمن بن إسحاق. وقد رواه الدارمي وكذا الترمذي (2 / 149) بلفظ " خيركم ". وقال: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن إسحاق ". 2 - ومنها عن أنس. أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 48) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 35) من طريق محمد بن سنان القزاز حدثنا معاذ بن عوذ الله القرشي حدثنا سليمان التيمي عنه. وقال: " لم يروه عن التيمي إلا معاذ بن عوذ الله ". قلت: ولم أجد له ترجمة. والراوي عنه محمد بن سنان ضعيف وقد وثق. وبالجملة فالحديث حسن بهذه الشواهد وهو صحيح بلفظ الترمذي والدارمي ويأتي بعده. (تنبيه) : حديث علي بلفظ الترمذي عزاه السيوطي في " الجامع " للبخاري أيضا وهو سهو وإنما رواه البخاري من حديث عثمان فقط كما يأتي بعده. وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 65 / 1) بلفظ الترجمة بإسنادين عن عثمان وعلي أولهما صحيح. 1173 - " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ". أخرجه البخاري (6 / 108) وأبو داود (1 / 226) والترمذي

(2 / 149) والدارمي (2 / 437) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 71) وابن ماجة (1 / 92 و 93) والطيالسي (ص 13 رقم 73) وأحمد (ج 1 رقم 412 و 413 و 500) والخطيب (4 / 109 و 11 / 35) كلهم من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان ابن عفان مرفوعا، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقد قيل إن أبا عبد الرحمن السلمي لم يسمع من عثمان. لكن رجح الحافظ تبعا للبخاري سماعه منه وأطال في بيان ذلك في " الفتح " فليراجعه من شاء. وفي رواية لأحمد (ج 1 رقم 405) وكذا البخاري وابن ماجة والخطيب (5 / 129) " أفضلكم " بدل: خيركم. وروى الحديث بزيادة فيه وهو: " خيركم من تعلم القرآن وعلمه وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه وذاك أنه منه ". أخرجه البيهقي في " الأسماء والصفات " ص (238) من طريق يعلى بن المنهال الكوفي حدثنا إسحاق ابن سليمان الرازي عن الجراح بن الضحاك الكندي عن علقمة بن مرثد عن أبي عبد الرحمن عن عثمان مرفوعا به. وهكذا أخرجه ابن الضريس عن الجراح به كما في " الفتح " (9 / 54) . قلت: والجراح صدوق كما في " التقريب " وبقية رواته ثقات رجال الستة غير يعلى ابن المنهال فلم أجد من ترجمة. وقد تابعه الحماني عن إسحاق في رفعه، أخرجه البيهقي أيضا (237) وقال: ويقال أن الحماني منه - يعني يعلى هذا - أخذ ذلك والله أعلم ". قلت: والحماني هو يحيى بن عبد الحميد، وهو ثقة حافظ من رجال مسلم إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث كما في " التقريب ". وقد خالفهما يحيى بن أبي طالب عن إسحاق بن سليمان فجعل آخر الخبر يعني " وفضل القرآن ... " الخ من قول أبي عبد الرحمن. وتابعه على ذلك غيره كما قال البيهقي وقال الحافظ في " الفتح " (9 / 54) : " وقد بين العسكري أنها من قول أبي عبد الرحمن السلمي ". قلت: فثبت بذلك أن هذه الزيادة لا يصح رفعها لأن من رفعها مجهول مع مخالفته لغيره في رفعها ويؤيد ذلك أنها لم ترد في شيء من طرق الحديث،

1174

وقد جاء عن عثمان وعلي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك ولفظ هؤلاء حاشا عثمان: " خياركم ". وقد سبق آنفا. وكذلك روي بدون الزيادة عن عبد الله بن مسعود بلفظ: " خيركم من قرأ القرآن وأقرأه ". أخرجه الخطيب (2 / 96) من طريق شريك عن عاصم بن أبي النجود وعطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله رفعه. وأورده الحافظ (9 / 61) من رواية شريك به دون ذكر عطاء. وقال : أخرجه ابن أبي داود. قلت: وهذا سند ضعيف لأن شريكا سيء الحفظ والحديث إنما هو من رواية أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان كما سبق. 1174 - " خيركم خيركم لأهله، وإذا مات صاحبكم فدعوه ". أخرجه الدارمي (2 / 158) : أخبرنا محمد بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط البخاري. وله شاهد من حديث أبي هريرة تقدم برقم (284) " أكمل المؤمنين ... " دون الشطر الثاني. 1175 - " لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (10 / 436) وفي " الأدب المفرد " (ص 185) ومسلم (8 / 227) وأبو داود (2 / 297) والدارمي (2 / 319 و 320) وابن ماجة (2 / 476) وأحمد (2 / 379) من حديث ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه ابن ماجة والطيالسي (رقم 1813) وأحمد (رقم 5964 ) من طريق زمعة بن صالح عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر مرفوعا به. وزمعة ضعيف. وتابعه صالح بن أبي الأخضر وهو ضعيف أيضا والصحيح رواية الجماعة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة كما في " الفتح ".

1176

1176 - " إن من خير ما تداوى به الناس الحجم ". أخرجه أحمد (5 / 9 و 15 و 19) والحاكم (4 / 208) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن حصين بن أبي الحر عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وذلك من أوهامهما، فإن حصينا هذا وهو ابن مالك لم يخرج له الشيخان شيئا، فهو صحيح فحسب. ثم أخرج له الحاكم شاهدا من حديث زيد بن أبي أنيسه عن محمد بن قيس حدثنا أبو الحكم البجلي - وهو عبد الرحمن بن أبي نعم - قال: " دخلت على أبي هريرة رضي الله عنه وهو يحتجم، فقال لي: يا أبا الحكم. احتجم قال: فقلت: ما احتجمت قط. قال: أخبرني أبو القاسم صلى الله عليه وسلم أن جبريل عليه الصلاة والسلام أخبره: " أن الحجم أفضل ما تداوى به الناس ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي أيضا. قلت: وفيه نظر لأن محمد بن قيس وهو الأسدي الوالبي الكوفي إنما روى له البخاري في " الأدب المفرد " فهو على شرط مسلم وحده. 1177 - " أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير عن كل حر وعبد وصغير وكبير ". أخرجه الدارقطني (223 و 224) وأحمد (5 / 432) عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير - أو عن ثعلبة - عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أنهم اختلفوا في صحبة عبد الله بن ثعلبة لكنه قال في هذه الرواية وغيرها: " عن أبيه ". فهو مسند، وقد أخرجه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " كما في " زوائد الجامع الصغير " (ق 9 / 2) .

وللحديث شواهد كثيرة خرجت طائفة منها في " التعليقات الجياد " ومنها عن ابن عمر عند الدارقطني (ص 221) وعنده (220) والشحامي في " تحفة العيد " (ق 191 / 2) عن ابن عمرو، والطبراني في " الأوسط " (1 / 88 / 1) : حدثنا محمد ابن موسى حدثنا إسماعيل بن يحيى حدثنا الليث بن حماد عن غورك أبي عبد الله الجعفري عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله مرفوعا بلفظ: " صدقة الفطر على كل إنسان: مدان من دقيق أو قمح ومن الشعير صاع ومن الحلوى: زبيب أو تمر صاع " وقال: " لم يروه عن جعفر إلا غورك ولا عنه إلا الليث بن حماد الأصطخري ". قلت: وهذا سند ضعيف جدا، قال الدارقطني: غورك ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء: الليث وغيره. قلت: ورواه في " سننه " (225) بسند صحيح عن جابر مرفوعا دون ذكر الحلوى. وفي رواية لأحمد وأبي داود (1619) والبيهقي (4 / 163 و 164 و 167) من طريق النعمان بن راشد عن الزهري به نحوه، وزاد: " غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه ". وهو رواية للدارقطني. قلت: والنعمان بن راشد فيه ضعف، قال الحافظ: " صدوق سيء الحفظ ". ثم أخرجه الدارقطني (224) من طريق سلام الطويل عن زيد العمي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا نحو حديث الترجمة لكنه زاد: " يهودي أو نصراني ". وهذه زيادة منكرة تفرد بها الطويل، قال الدارقطني عقبه:

1178

" سلام الطويل متروك الحديث ولم يسنده غيره ". قلت: وزيد العمي ضعيف. 1178 - " من أهان قريشا أهانه الله ". روي من حديث عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس. 1 - أما حديث عثمان فيرويه عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى ابن عبد الله بن معمر التيمي قال: سمعت أبي يقول: سمعت عمي عبيد الله بن عمر بن موسى يقول: حدثنا ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: قال لي أبي: يا بني إن وليت من أمر الناس شيئا فأكرم قريشا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه ابن حبان (2288) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (13 / 291 / 1) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة ". (1 / 138) كلهم من طريق أبي يعلى، والعقيلي في " الضعفاء " (270) والحاكم (4 / 74) وكذا أحمد (1 / 64) والضياء أيضا في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (29 / 1 و 112 / 2) من طرق عن عبيد الله به . وقال ابن عساكر: " حديث غريب ". وبين سببه العقيلي فقال: " عبيد الله بن عمرو بن موسى التيمي لا يتابع على حديثه، وقد روي بغير هذا الإسناد، بإسناد يقارب هذا ". قلت: وتفرد بتوثيقه ابن حبان، وقال الذهبي: " فيه لين ". ومحمد بن حفص لم يوثقه غير ابن حبان أيضا، وقال الحسيني: " فيه نظر ". 2 - وأما حديث سعد فيرويه محمد بن أبي سفيان عن يوسف بن الحكم عن محمد بن سعد عن أبيه مرفوعا بلفظ: " من يرد هوان قريش أهانه الله ".

أخرجه الترمذي (2 / 325) وأحمد (1 / 171 و 186) والحاكم وتمام الرازي في " الفوائد " (218 / 2) و " مسند المقلين من الأمراء والسلاطين " (رقم 201) والهيثم بن كليب في " مسنده " (18 / 2) وأبو عمرو الداني في " الفتن " (163 / 1 - 2) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 157) وابن عساكر (15 / 189 / 2) والضياء في " المختارة " (1 / 345) عن صالح بن كيسان عن الزهري عنه به. وقال الترمذي: " حديث غريب من هذا الوجه ". قال العراقي في " محجة القرب في فضل العرب " (ق 20 / 1) عقبه: " قلت: ورجاله ثقات وإنما استغربه من هذا الوجه - لا مطلقا - لغرابة إسناده لأنه اجتمع فيه خمسة من التابعين يروى بعضهم عن بعض أولهم صالح ابن كيسان وآخرهم محمد بن سعد ". قلت: ولا يبدو لي ما ذكره من التوثيق والتعليل، فإن يوسف بن الحكم ومحمد بن أبي سفيان ليسا مشهورين، فلم يوثقهما غير ابن حبان، وقد اشتهر عند المحققين تساهله في التوثيق، والأول أقل شهرة من الآخر، فأنا أظن أنه إنما استغربه من أجل هذه الجهالة. والله أعلم. وقد اختلف في إسناده على الزهري على وجوه: الأول: هذا. الثاني: رواه معمر عنه عن عمر بن سعد أو غيره أن سعد بن مالك قال: فذكره نحوه . أخرجه أحمد (1 / 176) حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر. وكذا رواه الضياء في " المختارة " (1 / 340 و 341) . ورجاله ثقات لولا الشك الذي وقع في سنده. نعم أخرجه ابن عدي (ق 92 / 1) من طريق الحسن بن داود عن عبد الرزاق به إلا أنه قال: عن عمر بن سعد عن أبيه، ولم يشك. لكن الحسن هذا هو المنكدري فيه ضعف، وقال ابن عدي:

" له أحاديث تحتمل وأرجو أنه لا بأس به ". الثالث: قال محمد بن عبد الرحمن بن مجبر: عن ابن شهاب عن عامر بن سعد عن أبيه . أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 19 / 1) . وابن مجبر هذا متروك . وقد أورد الحديث ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 365 و 366) من الوجه الأول وقال: " قال أبي: يخالف في هذا الإسناد واضطرب في هذا الحديث ". وقال ابن عساكر: " الصحيح الأول ". 3 - وأما حديث أنس فيرويه أبو هلال الراسبي عن قتادة عنه مرفوعا. أخرجه البزار (288) وأبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (109 / 1) والطبراني في المعجم الكبير " وابن عدي (404 / 1) ، وقال البزار: " تفرد به أبو هلال وهو لين ". وقال الهيثمي عقبه في " زوائده ": " قلت: شاهده يعضده من حديث سعد وعثمان ". قلت: وأبو هلال اسمه محمد بن سليم وهو صدوق فيه لين كما في " التقريب ". وقال في " مجمع الزوائد " (10 / 27) : " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وفيه محمد بن سليم أبو هلال، وقد وثقه جماعة وفيه ضعف وبقية رجالهما رجال الصحيح، ورواه البزار ". قلت: شيخ الطبراني محمد بن محمد التمار ليس من رجال الصحيح لكن تابعه شيخا البزار روح بن حاتم وأحمد بن العلاء الآدمي، والأول ضعيف والآخر لم أجد له ترجمة.

1179

4 - وأما حديث ابن عباس فيرويه أبو مسلم صاحب الدولة عن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس. أخرجه تمام في " الفوائد " (رقم 1029) وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " (2 / 109) ولم يذكر في أبي مسلم هذا جرحا ولا تعديلا. 1179 - " أدوا صاعا من طعام ". أخرجه البيهقي (4 / 167) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 12 و 6 / 262) من طريق عبد الله بن الجراح حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي رجاء العطاردي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال: " غريب من حديث حماد وأيوب ولا أعلم له راويا إلا عبد الله بن الجراح ". قلت: وهو صدوق كما قال أبو زرعة، وقال النسائي: " ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " مستقيم الحديث ". وأما أبو حاتم فقال: " كان كثير الخطأ ومحله الصدق ". قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. (تنبيه) والمراد بالطعام هنا ما سوى القمح فإنه يجزيء فيه نصف الصاع لحديث عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير المتقدم (1177) بلفظ: " أدوا صاعا من بر أو قمح بين اثنين ... ". ويشهد له عدة أحاديث منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. " ... مدان من قمح أو صاع مما سواه من الطعام ". أخرجه الدارقطني (220 و 221) من طريقين عن ابن جريج عنه. ومنها حديث أوس بن الحدثان مرفوعا بلفظ: " أخرجوا زكاة الفطر صاعا من طعام ". لكن إسناده ضعيف جدا وفيه زيادة منكرة ولذلك أخرجته في الكتاب الآخر (2116) .

1180

1180 - " إن روح القدس لا يزال يويدك ما نافحت عن الله ورسوله ". أخرجه مسلم (7 / 164 - 165) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اهجوا قريشا فأنه أشد عليها من رشق بالنبل ". فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم، فهجاهم فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي ". فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لخص لي نسبك والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: الحديث. وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " هاجهم حسان فشفى واشتفى ". قال حسان: هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء هجوت محمدا برا حنيفا رسول الله شيمته الوفاء فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنفي كداء يبارين الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الضماء تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز الله فيه من يشاء وقال الله قد أرسلت عبدا يقول الحق ليس به خفاء وقال الله قد يسرت جندا هم الأنصار عرضتها اللقاء يلاقي كل يوم من معد سباب أو قتال أو هجاء فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء

1181

وللحديث طريق أخرى عن عائشة مختصرا بلفظ: " إن الله يؤيد ... ". وقد مضى. وله شاهد بلفظ: " إن روح القدس معك ما هاجيتهم ". أخرجه الحاكم (3 / 487) من طريق عيسى بن عبد الرحمن حدثنا عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت: فذكره. وقال: صحيح. وأقره الذهبي. وهو كما قالا. وقد رواه غير عيسى عن عدي وغيره بلفظ: (اهج المشركين) . كما يأتي. 1181 - " أدخل الله عز وجل الجنة رجلا كان سهلا مشتريا وبائعا وقاضيا ومقتضيا ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (3 / 2 / 267) والنسائي (2 / 234) وابن ماجة (2 / 20 - 21) وأحمد (1 / 58 و 67 و 70) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 54) من طريق عطاء بن فروخ عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عطاء بن فروخ فوثقه ابن حبان فقط، وروى عنه اثنان. وذكر علي بن المديني في " العلل " أنه لم يلق عثمان رضي الله عنه . وبالانقطاع أعله البوصيري في " الزوائد " (136 / 2) . وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (1 / 262 / 1307) : حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن رجل عن عثمان به. وهو رواية لأحمد. ولعل هذا الرجل هو ابن فروخ هذا. لكن للحديث شاهد بلفظ: " غفر الله لرجل ممن كان قبلكم كان سهلا إذا باع سهلا إذا اشترى سهلا إذا اقتضى ".

1182

أخرجه الترمذي (1 / 248) والبيهقي (5 / 357 - 358) وأحمد (3 / 340) من طريق زيد بن عطاء بن السائب عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الترمذي: " حديث صحيح حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات معروفون غير زيد هذا فقال أبو حاتم: ليس بالمعروف. وذكره ابن حبان في الثقات "، وقد روى عنه جمع. (أنظر الاستدراك 178 / 7) . 1182 - " ادفعوها إلى خالتها، فإن الخالة أم ". أخرجه أبو داود (1 / 530 - الحلبية) والحاكم (3 / 120) واللفظ له وأحمد (1 / 88 و 115) من طرق عن إسرائيل عن إسحاق عن هبيرة بن يريم وهانيء بن هانيء عن علي قال: " لما خرجنا من مكة اتبعنا ابنة حمزة فنادت: يا عم يا عم! فأخذت بيدها فناولتها فاطمة قلت: دونك ابنة عمك، فلما قدمنا المدينة اختصمنا فيها أنا وزيد وجعفر، فقلت: أنا أخذتها وهي ابنة عمي، وقال زيد : ابنة أخي، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر: أشبهت خلقي وخلقي، وقال لزيد: أنت أخونا ومولانا، وقال لي: أنت مني وأنا منك، ادفعوها ... فقلت: ألا تزوجها يا رسول الله؟ قال: " إنها ابنة أخي من الرضاعة ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه الألفاظ وإنما اتفقا على حديث أبي إسحاق عن البراء مختصرا ". قلت: أبو إسحاق هو السبيعي وكان اختلط لكن له طريق أخرى عند أبي داود والطحاوي في " المشكل " (4 / 174) والحاكم (3 / 211) عن يزيد بن الهاد عن محمد بن نافع بن عجير عن أبيه نافع عن علي بن أبي طالب به نحوه. وفيه:

1183

" وأما الجارية فادفعي بها لجعفر فإن خالتها عنده وإنما الخالة أم ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". كذا قال، ونافع بن عجير ليس من رجال مسلم، وقد اختلف في إسناده كما في ترجمته من " التهذيب ". وللحديث شاهد مرسل قوي بلفظ: " الخالة أم ". رواه ابن سعد (4 / 35 - 36) عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: إن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال، إذا أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها، قال: فاختصم فيها علي وجعفر وزيد بن حارثة حتى ارتفعت أصواتهم، فأيقظوا النبي صلى الله عليه وسلم من نومه، قال: هلموا أقضي بينكم فيها وفي غيرها، فقال علي: ابنة عمي وأنا أخرجتها وأنا أحق بها، وقال جعفر: ابنة عمي وخالتها (¬1) عندي، وقال زيد: ابنة أخي، فقال في كل واحد قولا راضيا، فقضى بها لجعفر وقال: (فذكره) ، فقام جعفر فحجل حول النبي صلى الله عليه وسلم - دار عليه - فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا؟ قال: شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم. قلت: وسنده صحيح لولا أنه مرسل. 1183 - " إذا قرأتم: * (الحمد لله) * فاقرءوا: * (بسم الله الرحمن الرحيم) * إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني و * (بسم الله الرحمن الرحيم) * إحداها ". أخرجه الدارقطني (118) والبيهقي (2 / 45) والديلمي (1 / 1 / 70) من طريق أبي بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر أخبرني نوح بن أبي بلال عن سعيد ابن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ¬

(¬1) خالتها أسماء بنت عميس، وأمها سلمى بنت عميس. اهـ.

1184

قال أبو بكر الحنفي، ثم لقيت نوحا فحدثني عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة مثله ولم يرفعه. قلت: وهذا إسناد صحيح مرفوعا وموقوفا فإن نوحا ثقة وكذا من دونه والموقوف لا يعل المرفوع. لأن الراوي قد يوقف الحديث أحيانا فإذا رواه مرفوعا - وهو ثقة - فهو زيادة يجب قبولها منه. والله أعلم. وبعضه عند أبي داود وغيره من حديث أبي هريرة، وعند البخاري وغيره من حديث أبي سعيد بن المعلى، وعزاه السيوطي إليه من حديث أبي بكر وهو وهم محض كما نهت عليه في " تخريج الترغيب " (2 / 216) وغيره وهو في " صحيح أبي داود " (1310 - 1311) . 1184 - " ادن يا بني وسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ". أخرجه الترمذي (1 / 340 - 341) وأحمد (4 / 26) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمرو بن أبي سلمة. " أنه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام، قال: " فذكره، وقال الترمذي: " وقد روي عن هشام بن عروة عن أبي وجزة السعدي عن رجل من مزينة عن عمر بن أبي سلمة وقد اختلف أصحاب هشام بن عروة في رواية هذا الحديث وأبو وجزة السعدي اسمه يزيد بن عبيد ". قلت: قد صح متصلا عن أبي وجزة وغيره عن ابن أبي سلمة، فأخرجه أبو داود (2 / 141) وأحمد (4 / 27) من طرق عن سليمان بن بلال قال: حدثنا أبو وجزة عن (وفي بعض الطرق: أخبرني) عمرو بن أبي سلمة به. وهذا سند صحيح. وأخرجه ابن حبان (1339) عن عبد الرحمن بن محمد بن عمرو بن أبي سلمة حدثنا أبي عن أبيه ... فذكر نحوه.

1185

وأخرجه البخاري (9 / 458) والدارمي (2 / 100) عن وهب بن كيسان عن عمر بن أبي سلمة به مختصرا: " سم الله وكل مما يليك ". 1185 - " أديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ". رواه الطبراني في "الأوسط " (1 / 111 / 2) عن حمزة الزيات عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس مرفوعا. وقال: " لم يروه عن علي إلا حمزة ". قلت: وهو صدوق ربما وهم واحتج به مسلم لكن ابن جدعان ضعيف. وقال الهيثمي (3 / 278) : " وفيه كلام ". قلت: لكن يقويه أن له طريقا أخرى في " كامل ابن عدي " (ق 191 / 2) من طريق شعيب بن صفوان عن الربيع بن ركين عن عمرو بن دينار عن ابن عباس به. وقال: " وشعيب عامة ما يرويه لا يتابع عليه ". قلت: قد قال فيه أحمد: " لا بأس به، وهو صحيح الحديث ". وقال أبو حاتم: " يكتب حديثه ولا يحتج به ". وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " وكان ربما أخطأ ". قلت: فهو حسن الحديث إذا لم يخالف، فإذا توبع فهو صحيح الحديث كما هنا. على أنه يشهد له حديث جابر مرفوعا به. رواه الطبراني في " الأوسط " أيضا من طريق يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عنه به.

1186

وابن عقيل قال الهيثمي : " وفيه كلام ومع ذلك فحديثه حسن ". وله طريق أخرى عن جابر. أخرجه ابن عدي (304 / 2) من طريق محمد بن عبد الله العمري عن أيوب عن محمد بن المنكدر عنه. لكن العمري هذا واه. وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطريق، لاسيما وله شواهد كثيرة سيأتي تخريجها بلفظ: " تابعوا بين الحج والعمرة ... " (1200) . 1186 - " إذا أبردتم إلى بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 242 - زوائده) حدثنا محمد بن المثنى حدثنا معاذ ابن هشام عن أبيه عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " لا نعلمه رواه بهذا الإسناد إلا قتادة - صحيح ". وقوله: " صحيح " إنما هو من صاحب " الزوائد " وهو الحافظ الهيثمي وصرح بذلك السيوطي في " اللآلئ المصنوعة " وأقره ورجال إسناده ثقات كلهم من رجال الشيخين. ثم أخرج له البزار شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا به من طريق عمرو بن أبي خثعم حدثنا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وهذا إسناد ضعيف من أجل عمر هذا وهو ابن عبد الله ابن أبي خثعم قال في " التقريب ": " ضعيف ". وقال في " مجمع الزوائد " (8 / 47) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، وفي إسناد الطبراني عمر بن راشد، وثقه العجلي وضعفه جمهور الأئمة وبقية رجاله ثقات، وطرق البزار ضعيفة ".

قلت: لم يذكر الهيثمي في " زوائد مسند البزار " للحديث طريق أخرى عن أبي هريرة غير هذه، فلعل قوله: " طرق " محرفة عن " طريق " لكن المناوي نقله عن الهيثمي كما نقلته عنه " طرق "، ثم وهم وهما فاحشا حيث ذكر قول الهيثمي هذا عقب حديث بريدة المذكور أعلاه، فأوهم شيئين اثنين لا حقيقة لهما: الأول: أن لحديث بريدة أكثر من حديث واحد. وليس كذلك. الآخر: أنه ضعيف وليس كذلك أيضا بل إسناده صحيح كما أفاده الهيثمي نفسه فيما تقدم ومن العجيب أن الهيثمي لم يورده مع حديث أبي هريرة في المكان المشار إليه ومن البعيد أن يكون أورده في مكان آخر من " المجمع ". وقد أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 274) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 278) وأبو القاسم بن أبي قعنب في " حديث القاسم بن الأشيب " (8 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 71 / 2) من طريق عمرو بن راشد عن يحيى ابن أبي كثير به. وقال البغوي: " عمرو بن راشد ضعيف ". وقال العقيلي: " لا يتابعه إلا من هو دونه أو مثله ". وكأنه يشير إلى متابعة عمر بن أبي خثعم المتقدمة. وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس يرويه النضر بن إسماعيل البجلي عن طلحة بن عمرو عن عطاء عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 205 / 1 ) والديلمي في " المسند " (1 / 1 / 104) وقال ابن عدي: " طلحة بن عمرو عامة ما يرويه لا يتابعونه عليه، وهذا الحديث مما فيه نظر ". وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 329) من هذا الوجه وقال:

" سئل عنه أبو زرعة؟ فقال : هو طلحة عن عطاء مرسل ". قلت: وطلحة هذا متروك. ومن الغريب أن السيوطي في " اللآليء " لم يحصل على هذه الطريق إلا من عند ابن النجار! ولكنه قد ذكر له شاهدا مرسلا جيدا فقال: " وقال ابن أبي عمرو في " مسنده ": حدثنا بشر بن السري حدثنا همام عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن الحضرمي بن لاحق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أبردتم ... ". قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، الحضرمي بن لاحق تابعي صغير، روى عن ابن عباس وابن عمرو مرسلا وليس به بأس كما قال ابن معين. ومن طريقه رواه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 46 / 2) . وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق، لاسيما والطريق الأولى صحيحة لذاتها وإلى ذلك مال السيوطي فقال في آخر بحثه: " قال الحاكم في " المستدرك ": إذا كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلا. والله أعلم. وذكر له شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " كان إذا بعث شيئا قال لأميرهم: إذا بعثت إلي بريدا فاجعله جسيما وسيما حسن الوجه ". أخرجه الخرائطي في " اعتلال القلوب ": حدثنا علي بن حرب الطائي حدثنا أبي حدثنا عفيف بن سالم عن الحسن بن دينار عنه. قلت: والحسن بن دينار، قال أبو حاتم وغيره: كذاب. فمثله لا يستشهد به ولا كرامة على أنه ما أدرك أحدا من الصحابة، فإنه إنما ذكروا له رواية عن بعض التابعين: كـ " ابن سيرين " وغيره.

1187

1187 - " إذا آتاك الله مالا لم تسأله ولم تشره إليه نفسك فاقبله، فإنما هو رزق ساقه الله إليك ". أخرجه الحاكم (3 / 286) والبيهقي (6 / 184) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 228) عن شريك عن جامع بن أبي راشد عن زيد بن أسلم (عن أبيه) قال: " كان رجل في أهل الشام مرضيا، فقال له عمر: على ما يحبك أهل الشام؟ قال : أغازيهم وأواسيهم، قال: فعرض عليه عمر عشرة آلاف، قال: خذها واستعن بها في غزوك، قال: إني عنها غني، قال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض علي مالا دون الذي عرضت عليك، فقلت له مثل الذي قلت لي، فقال لي ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن شريكا وهو ابن عبد الله القاضي سيىء الحفظ. لكن الحديث ورد في " الصحيحين ". وغيرهما من حديث ابن عمر بمعناه وله شاهد من حديث عائشة عند البيهقي، ومن حديث أبي الدرداء في " تاريخ ابن عساكر " (10 / 426) . 1188 - " إذا وجدتم الإمام ساجدا فاسجدوا أو راكعا فاركعوا أو قائما فقوموا ولا تعدوا بالسجود إذا لم تدركوا الركعة ". أخرجه إسحاق بن منصور المروزي في " مسائل أحمد وإسحاق " (1 / 127 / 1 مصورة المكتب) حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا حسين بن علي عن زائدة، قال: حدثنا عبد العزيز بن رفيع عن ابن مغفل المزني قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين. وقد أخرجه البيهقي (2 / 89 ) من طريق شعبة عن عبد العزيز بن رفيع عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره.

1189

قلت: ففي رواية المروزي فائدة هامة وهى بيان أن الرجل الذي لم يسم عند البيهقي إنما هو ابن مغفل الصحابي واسمه عبد الله، وقد كنت ملت إلى ترجيح أنه صحابي فيما كنت علقته على " سبل السلام " (2 / 26) أثناء تدريسه في " الجامعة الإسلامية " قبل أن أقف على هذه الرواية الصريحة في ذلك، فالحمد لله على توفيقه. وقد أخرجه الترمذي من حديث علي ومعاذ مرفوعا نحوه. وفي إسناده ضعف ينجبر بروايته ابن مغفل هذه. وقد وجدت له شاهدا من حديث عبد الرحمن بن الأزهر مرفوعا بلفظ: " إذا جئتم الصلاة ونحن سجود فاسجدوا ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة ". رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 16 / 2) عن جعفر بن ربيعة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن السائب عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن الأزهر حدثه عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن الأزهر صحابي صغير وابنه عبد الحميد ابن عبد الرحمن بن الأزهر ترجمه ابن أبي حاتم (13 / 1 / 15) من رواية جعفر بن ربيعة فقط ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعبد الله بن عبد الرحمن بن السائب لم أجد له ترجمة. وجعفر بن ربيعة وهو المصري ثقة من رجال الشيخين. ومما يشهد للحديث ويقويه عمل كبار الصحابة به كأبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن مسعود وقد سبق تخريجها تحت الحديث (229) فراجعها. 1189 - " إذا أتى الرجل القوم فقالوا مرحبا، فمرحبا به يوم يلقى ربه، وإذا أتى الرجل القوم فقالوا له: قحطا، فقحطا له يوم القيامة ". أخرجه الحاكم (3 / 525) عن حماد بن سلمة أنبأنا سعيد بن إياس الجريري عن أبي العلاء يزيد بن عبد الله بن الشخير قال: سمعت أبا سعيد الضحاك ابن قيس الفهري يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وصححه وقال الذهبي:

1190

" قلت، على شرط مسلم ". وهو كما قال. والحديث قال في " المجمع " (10 / 271 - 272) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله رجال الصحاح غير أبي ضرير الأكبر وهو ثقة ". 1190 - " إذا أتيت أهلك فاعمل عملا كيسا ". أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (12 / 295 - 296) من طريق عطاء بن جبلة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: " قدمت من سفر، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال ... (فذكره) ، فلما أتيت أهلي قلت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال ... (فذكره) قالت: دونك ". قلت: وهذا إسناد ضعيف ابن جريج وأبو الزبير مدلسان وقد عنعناه. وعطاء بن جبلة قال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو زرعة الرازي: منكر الحديث. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي. أقول: لكن الحديث صحيح جاء من طرق أخرى، فروى الشعبي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له " إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة ". قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دخلت فعليك الكيس الكيس ". أخرجه أحمد (3 / 298) والبخاري (9 / 298) . وأخرجه هو ومسلم (4 / 176) والدارمي (2 / 146) والبيهقي (4 / 254) من هذا الوجه أتم منه بلفظ: " إذا قدمت فالكيس الكيس ". وفيه أنهم كانوا في غزاة. وفي رواية للبخاري: " الكيس الكيس يا جابر. يعني الولد ". وقال البخاري: " تابعه عبيد الله عن وهب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكيس ". قلت: وقد وصله البخاري في " البيوع " (4 / 269) مطولا مثل رواية الشعبي المطولة.

1191

وذكر الحافظ أن ابن خزيمة أخرجه في " صحيحه " من طريق محمد بن إسحاق عن وهب بن كيسان بلفظ: " فإذا قدمت فاعمل عملا كيسا ". 1191 - " السري: النهر ". أخرجه محمد بن العباس البزار في " حديثه " (116 / 1) حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي إسحاق عن البراء بن عازب مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح ". غير عبيد بن عبد الواحد وهو ابن شريك البزار وكان ثقة صدوقا كما في " اللسان ". لكن أخرجه ابن جرير في " التفسير " (16 / 53) من طريق شعبة والحاكم (2 / 373) من طريق سفيان كلاهما عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول: فذكره موقوفا قلت: وهو أصح لكن تفسير الصحابي للقرآن له حكم الرفع كما قرره الحاكم في " مستدركه " - لاسيما وقد روي عن ترجمان القرآن ابن عباس من قوله. رواه ابن جرير وغيره. والحديث أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 142 - هندية) من طريق بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى الصدفي عن أبي سنان عن أبي إسحاق به مرفوعا. وقال: " لم يرفع هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا أبو سنان سعيد بن سنان ". قلت: وهو صدوق له أوهام احتج به مسلم لكن الصدفي ضعيف وبقية مدلس. وقوله: " لم يرفعه إلا أبو سنان " فبحسب ما وصل إليه وإلا فحديث الترجمة يرده.

1192

وله شاهد من حديث ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن السري الذي قال الله عز وجل: * (قد جعل ربك تحتك سريا) * نهر أخرجه الله لتشرب منه ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 167 / 1) عن يحيى بن عبد الله: أخبرنا أيوب بن نهيك قال: سمعت عكرمة مولى ابن عباس يقول: سمعت ابن عمر ... وهذا إسناد ضعيف لضعف يحيى بن عبد الله وهو البابلتي. وشر منه شيخه أيوب بن نهيك ولعل لذلك اقتصر ابن كثير عليه في إعلال الحديث هذا، وفيما قبله غنية عنه. والله أعلم. 1192 - " شغلني هذا عنكم منذ اليوم، إليه نظرة، وإليكم نظرة. ثم رمى به. يعني الخاتم ". أخرجه النسائي (2 / 295) وابن حبان في " صحيحه " (رقم 1468 - الموارد) وأحمد (1 / 322) من طريق عثمان بن عمر أنبأنا مالك بن مغول عن سليمان الشيباني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما فلبسه، ثم قال: (فذكره) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد عن طاووس مرسلا نحوه وفيه أن الخاتم كان من ذهب. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 2 / 161) بسند صحيح عنه لولا أنه مرسل. لكن يشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ذهب وجعل فصه مما يلي كفه ونقش فيه (محمد رسول الله) ، فاتخذ الناس مثله، فلما رآهم قد اتخذوها رمى به وقال: " لا ألبسه أبدا " ثم اتخذ خاتما من فضة، فاتخذ الناس خواتيم الفضة. أخرجه البخاري ومسلم في " اللباس ".

1193

وفي الحديث إشارة إلى تحريم خاتم الذهب على الرجال وفيه أحاديث كثيرة صريحة في التحريم ذكرت بعضها في كتابي " آداب الزفاف " فليراجعها من شاء ولذلك انعقد الإجماع على التحريم بعد أن كان هناك من الصحابة من لبسه وهو محمول على أنهم لم يبلغهم النهي، أو حملوه على التنزيه وربما حمله بعضهم على الخصوصية له. فانظر لذلك " فتح الباري " (10 / 266 - 268) . 1193 - " الدجال الأعور هجان أزهر (وفي رواية أقمر) كأن رأسه أصلة أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك، فإن ربكم تعالى ليس بأعور ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1900 - موارد) وأحمد (1 / 240 و 313) وأبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 73 / 1 و 93 / 1) وابن منده في " التوحيد " (83 / 1) من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. غريب الحديث: (هجان) أي أبيض. وبمعناه (أزهر) . (أقمر) أي لونه لون الحمار الأقمر، أي الأبيض. (أصلة) الأصلة بفتح الهمزة والصاد: الأفعى: وقيل هي الحية العظيمة الضخمة القصيرة والعرب تشبه الرأس الصغير الكثير الحركة برأس الحية. كما في " النهاية ". (الهلك) جمع هالك، أي فإن هلك به ناس جاهلون وضلوا، فاعلموا أن الله ليس بأعور.

1194

والحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر له صفات البشر، لاسيما وقد شبه به عبد العزى بن قطن، وكان من الصحابة. فالحديث من الأدلة الكثيرة على البطلان تأويل بعضهم الدجال بأنه ليس بشخص وإنما هو رمز للحضارة الأوربية وزخارفها وفتنتها! فالدجال من البشر وفتنة أكبر من ذلك كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله منه. 1194 - " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ". أخرجه الترمذي (2 / 108) والدارمي (1 / 74) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط الشيخين. ورواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 281) وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 19) من حديث عمرو بن الحارث أن عباد بن سالم حدثه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر بن الخطاب مرفوعا. ورجاله ثقات رجال الستة غير عباد بن سالم فلم أجد من ترجمه. وقد عزاه الحافظ في " الفتح " (1 / 131) والعيني في " العمدة " (1 / 436) لابن أبي عاصم وحده في " كتاب العلم ". قالا: " وإسناده حسن ". والله أعلم. وأخرجه ابن ماجه (1 / 95) عن عبد الأعلى، والطبراني في " الصغير " (167) عن عبد الواحد بن زياد كلاهما عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وقول الطبراني: " تفرد به عبد الواحد بن زياد ". فهو بالنسبة لما وقع إليه وإلا فقد تابعه عبد الأعلى كما ترى. وأخرجه ابن عبد البر (1 / 19) عن ابن زياد. وقد ورد عنه بزيادة فيه، ويأتي قريبا. وأخرجه الدارمي (1 / 74) والطحاوي (2 / 280) وأحمد وابن عبد البر من حديث حماد بن سلمة عن جبلة بن عطية عن عبد الله بن محيريز عن معاوية مرفوعا به.

وسنده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير جبلة بن عطية وهو ثقة كما في " التقريب ". ولفظ أحمد وابن عبد البر: " إذا أراد الله بعبد خيرا ... ". وله في مسند (4 / 96 / 99) طريقان آخران عن معاوية رجال الأولى ثقات رجال مسلم غير جراد رجل من بني تميم، وهو جراد بن مجالد الضبي قال أبو حاتم: لا بأس به وذكره ابن حبان في " الثقات ". فالإسناد حسن . ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي (2 / 279) . والطريق الآخر إسناد صحيح على شرط مسلم. (¬1) وقد جاء بزيادات فيه ويأتي. أما حديث ابن زياد المشار إليه آنفا فهو بلفظ: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله عز وجل يعطي ". أخرجه الطحاوي في " المشكل " (2 / 280) حدثنا أبو أمية: حدثنا سريج بن النعمان الجوهري حدثنا عبد الواحد بن زياد عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير أبي أمية واسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي البغدادي، وهو صدوق يهم كما في " التقريب ". وقد أخرجه مسلم (3 / 95) من طريق يونس عن ابن شهاب قال: حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان وهو يخطب يقول: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره إلا أنه قال: " ويعطي الله ". فيخشى أن يكون الحديث عن الزهري عن حميد عن معاوية فجعله أبو أمية عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، ويرجح ذلك أنه رواه جمع من الثقات عن عبد الواحد بن زياد وعبد الأعلى بن عبد الأعلى كلاهما عن الزهري عن سعيد به دون قوله: " وإنما ... إلخ. والله أعلم. ¬

(¬1) ثم وجدته في صحيحه (3 / 95) بهذا الإسناد. اهـ.

1195

ويستنتج مما تقدم أن للزهري فيه إسنادين بلفظين أحدهما مختصر، والآخر مطول وهو من حديث معاوية وقد جاء بزيادة أخرى وهو: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذا الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". 1195 - " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله ". أخرجه البخاري (1 / 25 و 26 و 4 / 49 و 8 / 149) والطحاوي في " المشكل " (2 / 278) عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب أخبر حميد قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان خطيبا يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وكذلك أخرجه ابن عبد البر في " الجامع " (1 / 20) ورواه أحمد (4 / 101) عن عبد الوهاب بن أبي بكر عن ابن شهاب به دون قوله (وإنما أنا قاسم والله يعطي) وزاد في آخره: (وهم ظاهرون على الناس) وهي عند الطحاوي، وكذا البخاري في رواية. وهي عند مسلم من طريق أخرى عن معاوية بلفظ: " لا تزال ". وتقدم برقم (270) . وروى الدارمي (1 / 75، 76) عن عبد الوهاب الجملة الأولى منه . ولها طرقا عن معاوية ذكرت قريبا وورد بزيادات أخرى فانظر: " الخير عادة " وتقدم برقم (651) . وما يأتي بعد حديث. وورد بلفظ " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ولا تزال عصابة من المسلمين يقاتلون على الحق ظاهرين على ما ناوأهم يوم القيامة ". أخرجه أحمد (4 / 93) حدثنا كثير بن هشام قال: حدثنا جعفر حدثنا يزيد بن الأصم قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان ذكر حديثا رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم - لم أسمعه روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا غيره - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا سند صحيح على شرط مسلم وجعفر هو ابن برقان. وقد أخرجه ابن عبد البر أيضا (1 / 20) وكذا مسلم (6 / 53 و 54) .

1196

1196 - " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإن هذا المال حلو خضر فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح ". أخرجه الطحاوي في " المشكل " (2 / 279) وأحمد (4 / 92 و 93 و 98 و 99) عن سعد بن إبراهيم عن معبد الجهني قال: كان معاوية قلما يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، ويقول هؤلاء الكلمات قلما يدعهن أو يحدث بهن في الجمع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير معبد الجهني قال أبو حاتم: " هو أول من تكلم بالقدر وكان صدوقا في الحديث ". ونحوه قال الحافظ في التقريب ". والحديث روى ابن ماجه منه الجملة الأخيرة: " إياكم والتمادح ". وستأتي (1284) . 1197 - " بينما رجل بفلاة إذا سمع رعدا في سحاب، فسمع فيه كلاما: اسق حديقة فلان ـ باسمه ـ فجاء ذلك السحاب إلى حرة فأفرغ ما فيه من ماء، ثم جاء إلى أذناب شرج فانتهى إلى شرجه، فاستوعبت الماء ومشى الرجل مع السحابة حتى انتهى إلى رجل قائم في حديقة له يسقيها. فقال: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: ولم تسأل؟ قال : إني سمعت في سحاب هذا ماؤه: اسق حديقة فلان باسمك، فما تصنع فيها إذا صرمتها؟ قال: أما إن قلت ذلك فإني أجعلها على ثلاثة أثلاث، أجعل ثلثا لي ولأهلي وأرد ثلثا فيها وأجعل ثلثا للمساكين والسائلين وابن السبيل (¬1) ". رواه الطيالسي في مسنده (رقم 2587) ومن طريقه ابن منده في ¬

(¬1) (انظر الاستدراك رقم 194 / 14) . اهـ.

1198

" التوحيد " (21 / 2) (انظر الاستدراك رقم 194 / 22) . عن عبد العزيز بن أبي سلمة قال: حدثنا وهب بن كيسان عن عبيد بن عمير الليثي عن أبي هريرة مرفوعا. وقال ابن منده: " هذا إسناد متصل صحيح وروي من حديث عبد الله بن عبد الله بن الأصم عن عمه يزيد بن الأصم عن أبي هريرة ". وأخرجه أحمد (2 / 296) ومسلم (8 / 22) من طريق يزيد بن هارون: حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة به. 1198 - " إذا أتيت الصلاة فائتها بوقار وسكينة، فصل ما أدركت واقض ما فاتك ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 23 / 1 و 2) من طريق مقدم بن محمد حدثنا عمي القاسم عن هشام بن حسان عن أبي السري عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " لم يروه عن هشام إلا القاسم، تفرد به مقدم ". قلت: وهو ثقة من شيوخ البخاري في " صحيحه "، ومن فوقه من رجاله أيضا غير أبي السري وقد أورده الدولابي في " الكنى " (1 / 186) وسماه سليمان بن كندير، رأى ابن عمر. قلت: وسليمان بن كندير ثقة من رجال " التهذيب " لكن كنوه بأبي صدقة ولم يتعرضوا لهذه الكنية (أبي السري) بذكر. والحديث قال في " المجمع " (2 / 31 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " من رواية أبي السري عن سعد ولم أجد من ذكره وبقية رجاله موثقون ". قلت: لكن الحديث صحيح على كل حال، فقد أخرجه الطبراني أيضا من حديث أنس نحوه من طريقين عنه ومن حديث أبي قتادة مرفوعا بالشطر الثاني منه. وهو في " الصحيحين " وغيرهما بتمامه. بلفظ: " وما فاتكم فأتموه " فهو يبين أن قوله " واقض " معناه، فأتم. وهو الصواب في تفسيره. ويؤيده قوله تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة ... ) * ونحوه. فتنبه.

1199

1199 - " إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليبين له، فإنه خير في الإلفة وأبقى في المودة ". رواه وكيع في " الزهد " (2 / 67 / 2) بسند صحيح عن علي بن الحسين مرفوعا . قلت: وعلي بن الحسين هو ابن علي بن أبي طالب ثقة جليل من رجال الشيخين، فهو مرسل صحيح الإسناد. وله شاهد من حديث مجاهد مرسلا أيضا. رواه ابن أبي الدنيا في " كتاب الإخوان " كما في " الفتح الكبير " (1 / 67) . وله شاهد آخر عن يزيد بن نعامة الضبي خرجته في الكتاب الآخر (1726) ، فالحديث بمجموع الطرق حسن إن شاء الله تعالى. 1200 - " تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ". ورد من حديث عبد الله بن عباس وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر وعمر ابن الخطاب وجابر بن عبد الله. 1 - أما حديث ابن عباس فيرويه سهل بن حماد أبو عتاب الدلال أخبرنا عزرة بن ثابت عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. رواه النسائي (2 / 4) وعنه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 113 / 1) وعنه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (67 / 99 / 2) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وخالفه حجاج بن نصير فقال: أخبرنا ورقاء عن عمرو بن دينار عن ابن عمرو به. أخرجه الطبراني (3 / 210 / 1) . لكن حجاج بن نصير ضعيف، فلا يعتد بمخالفته لكن يأتي من طريقين آخرين عن ابن عمر. وتابعه عطاء عن ابن عباس به.

أخرجه العقيلي (464) عن يحيى بن صالح الأيلي عن إسماعيل بن أمية عنه. وكذلك أخرجه الطبراني (3 / 21 / 1) وعنه الضياء (63 / 14 / 1) لكنه قال: " ابن جريج " مكان إسماعيل بن أمية ". والأيلي هذا له مناكير. وله متابعان آخران ذكرتهما تحت الحديث المتقدم بلفظ : " أديموا الحج " (1185) . 2 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه عاصم عن شقيق عنه مرفوعا به وزاد: " والذهب والفضة وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة ". أخرجه الترمذي (1 / 155) والنسائي وأحمد (1 / 387) وعنه ابن حبان (967) والطبري في " التفسير " (ج 4 رقم 3956) والطبراني (3 / 76 / 2) والعقيلي (ص 157) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 110) والبغوي في " شرح السنة " (2 / 112 / 1) وقال هو والترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". قلت: وإسناده حسن، فإن عاصما وهو ابن بهدلة أبي النجود وفي حفظه بعض الضعف وعنه رواه ابن خزيمة في " صحيحه " أيضا (1 / 253 / 1) . 3 - وأما حديث ابن عمر فله عنه ثلاثة طرق: الأولى: عن عمرو بن دينار عنه. وفي إسناده حجاج بن نصير الضعيف كما تقدم قريبا. الثانية: عن سلمة بن عبد الملك العوصي عن إبراهيم بن يزيد عن عبدة بن أبي لبابة قال: سمعت ابن عمر يقول: فذكره. أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (ق 14 / 2) وابن عساكر (2 / 285 / 2) . وهذا إسناد ضعيف جدا، إبراهيم هذا هو الخوزي متروك. وأما العوصي فصدوق يخالف كما في " التقريب ". الثالثة: عن عثمان بن سعيد الصيداوي حدثنا سليمان بن صلح حدثني ابن ثوبان عن منصور بن المعتمر عن الشعبي عن ابن عمر مرفوعا به إلا أنه قال: " فإن متابعة ما بينهما يزيد في العمر والرزق ".

أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " (ج 1 رقم 31) . وعزاه المنذري في " الترغيب " (2 / 107) للبيهقي. قلت: وعثمان وسليمان لم أجد من ترجمهما. 4 - وأما حديث عمر فيرويه عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة العدوي عن أبيه عنه. أخرجه ابن ماجه (2 / 108 - الطبعة العلمية) وأحمد (1 / 25) والحميدي في " مسنده " (17) والطبري في " التفسير " (ج 4 / 223 / 3958) والمحاملي في " الأمالي " (ج 4 رقم 33) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 323 / 2) . قلت: وعاصم بن عبيد الله ضعيف. 5 - وأما حديث جابر فله عنه ثلاث طرق: الأولى: عن بشر بن المنذر حدثنا محمد بن مسلم عن عمرو بن (دينار عنه) . أخرجه البزار (112) وقال: " لا نعلمه عن جابر إلا بهذا الإسناد ". كذا قال وخفي عليه الطريقان الآخران، وقد خرجتهما فيما سبقت الإشارة إليه. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 277) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا بشر بن المنذر ففي حديثه وهم، قاله العقيلي، ووثقه ابن حبان ". قلت: لكن محمد بن مسلم والطائفي وإن كان من رجال مسلم فقد قال الحافظ فيه: " صدوق يخطىء ". 6 - وأما حديث عامر بن ربيعة فيرويه عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه مرفوعا به نحوه وزاد في رواية: " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". أخرجه أحمد (3 / 446 و 447) .

1201

وعاصم بن عبيد الله ضعيف كما تقدم وكأنه اضطرب فيه، فكان تارة يرويه عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه كما في هذه الرواية، وتارة عنه عن أبيه عن عمر كما سبق (رقم 4) . والزيادة المذكورة صحيحة يشهد لها حديث ابن مسعود السابق وكذا حديث أبي هريرة في " الصحيحين " وغيرهما. 1201 - " إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان فليمسح عليهما ثلاث للمسافر ويوم وليلة للمقيم ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 123) : وكيع عن جرير عن أيوب عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال: رأيت جريرا مسح على خفيه. قال: وقال أبو زرعة قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وله شاهد من حديث صفوان بن عسال المرادي قال: " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية وقال: ليمسح أحدكم إذا كان مسافرا على خفيه إذا أدخلهما طاهرتين ثلاثة أيام ولياليهن وليمسح المقيم يوما وليلة ". أخرجه البيهقي (2 / 282) بإسناد صحيح. 1202 - " إذا أراد أحدكم من امرأته حاجة فليأتها ولو كانت على تنور ". أخرجه الترمذي (1 / 217) وابن حبان (1295) وأحمد (4 / 22 - 23) والبيهقي (7 / 292) عن قيس بن طلق عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " لأحمد والطبراني فقط! فقال المناوي:

1203

" رمز لحسنه، وفيه محمد بن جابر (الأصل: حاتم) اليمامي ". قلت: هو في إسناد أحمد فقط دون الآخرين اللذين ذكرنا، وقد تابعه عندهم عبد الله بن بدر اليمامي وهو ثقة، فصح الحديث والحمد لله. 1203 - " إذا دعا الرجل امرأته فلتجب وإن كانت على ظهر قتب ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 155 - زوائده) : حدثنا محمد بن ثعلبة بن محمد ابن سواء: (حدثنا محمد بن سواء) (¬1) حدثنا سعيد عن قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا زيد و (لا) حدث به عن سعيد عن قتادة إلا محمد " . قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وجل روايته عن سعيد بن أبي عروبة ومن فوقه ثقات من رجال مسلم. وأما محمد بن ثعلبة، فقد روى عنه جماعة من الأئمة منهم أبو زرعة وقد عرف عنه أنه لا يروي إلا عن ثقة، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق " فالإسناد صحيح. وقد تابعه بشر بن عبد الملك: أنبأنا محمد بن سواء به بلفظ: " لا تمنع المرأة زوجها نفسها وإن كانت على قتب ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 170 / 1) عن محمد بن يزيد الأسفاطي : حدثنا أبو يزيد الكوفي بشر بن عبد الملك به. وقال: " لم يروه عن قتادة إلا سعيد ولا عنه إلا محمد بن سواء، تفرد به الأسفاطي عن بشر ". قلت: بشر هذا لم أعرفه، ويراجع له " الجرح التعديل "، فإني لا أطوله ¬

(¬1) سقطت من الأصل، واستدركها من قول البزار الآتي عقب الحديث ومن قول الهيثمي الآتي، وذلك ما يقتضيه ترجمة محمد بن سواء. اهـ.

الآن. (¬1) ولعل الطبراني أخرجه في " الكبير " من وجه آخر وبلفظ أتم، فقد قال الهيثمي (4 / 312) عقب حديث الترجمة: " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا محمد بن ثعلبة بن سواء وقد روى عنه جماعة ولم يضعفه أحد، وقد رواه الطبراني في " الكبير " بنحوه، ورجاله رجال الصحيح خلا المغيرة بن مسلم وهو ثقة وقد تقدم ". وقد أورده فيما تقدم (4 / 308) بلفظ: " المرأة لا تؤدي حق الله عليها حتى تؤدي حق زوجها حتى (الأصل: كله) لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لم تمنعه نفسها ". وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه ورجاله رجال الصحيح خلا المغيرة بن مسلم وهو ثقة ". وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 77) : " رواه الطبراني بإسناد جيد ". وذكر البزار أن الرواة اختلفوا على القاسم فيه على وجوه ذكرها، قال: " وأحسب الاختلاف فيه من جهة القاسم لأن كل من رواه عنه ثقة ". قلت: وما أظن ذلك ينال من صحة الحديث شيئا لأن الاختلاف في تسمية صحابي الحديث وأيهم كان فهو عدل ومن ذلك ما في " مسند أحمد " (4 / 381) : حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن القاسم الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى قال: " قدم معاذ اليمن أو قال: الشام، فرأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فروأ (أي فكر) في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يعظم، فلما قدم قال: يا رسول الله رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها، فروأت في نفسي أنك أحق أن تعظم، فقال: ¬

(¬1) ثم رأيته قد أورده فيه (1 / 1 / 362) فقال: " بشر بن عبد الملك أبو يزيد الكوفي نزيل البصرة. روى عن عون بن موسى. وعبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري، كتب عنه أبي بالبصرة في الرحلة الثانية. روى عنه أبو زرعة . سأل عنه أبو زرعة؟ (وفي نسخة (أبي) ولعلها أصح) فقال: شيخ قلت فهو ثقة لرواية أبي زرعة عنه. اهـ.

1204

" لو كنت أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولا تؤدي المرأة حق الله عز وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله حتى ولو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه ". وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه حماد بن زيد عن أيوب به. أخرجه ابن ماجة (1 / 292 - العلمية) وابن حبان (1390) والبيهقي (7 / 292) . وللحديث شاهد من حديث ابن عمر. أخرجه البيهقي. 1204 - " بخ بخ - وأشار بيده لخمس - ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والولد الصالح يتوفى للمرء المسلم فيحتسبه ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 433) وابن حبان (2328) وابن عساكر " في تاريخ دمشق " (19 / 35 / 1) عن عبد الله بن العلاء بن زبر وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر قالا: حدثنا أبو سلام قال: حدثني أبو سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه الحاكم (1 / 511 - 512) وابن سعد أيضا (6 / 58) من طريق ابن جابر وحده به، وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه يحيى بن أبي كثير عن زيد عن أبي سلام عن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد: وقال: " بخ. بخ لخمس من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة: يؤمن بالله واليوم الآخر وبالجنة والنار والبعث بعد الموت والحساب ". أخرجه أحمد (3 / 443 و 4 / 237 و 5 / 365) ولم يذكر زيدا في رواية. قلت: وإسناده صحيح أيضا، والمولى الذي لم يسم هو أبو سلمى راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الرواية السابقة وهذا أولى من قول الهيثمي عقب الرواية الثانية (10 / 88) :

1205

" رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح والصحابي الذي لم يسم هو ثوبان إن شاء الله تعالى ". ثم ساقه من رواية ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. وقال: " رواه البزار وحسن إسناده إلا أن شيخه العباس بن عبد العظيم الباساني لم أعرفه ". قلت: كذا وقع فيه (الباساني) بالسين المهملة وإنما هو (الباشاني) بالشين المعجمة نسبة إلى (باشان) قرية في (هراة) كما في الأنساب " (2 / 37) وقد يقال بالسين المهملة كما أفاده محققه العلامة اليماني رحمه الله في تعليقه عليه (2 / 36) وذكر الذهبي المادتين في " المشتبه " (494) ، فالله أعلم إلى أيهما ينتسب شيخ البزار هذا. وقد وقفت على إسناده في " زوائد مسنده " (ص 297 ) : حدثنا العباس بن عبد العظيم الباشاني حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر عن أبي سلام عن ثوبان به. وقال: " لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه، وإسناده حسن ". قلت: والوجه الأول عن ابن زبر عن أبي سلام عن أبي سلمى أصح من هذا وأشهر، ولمتابعة ابن جابر له عليه ولذلك رجحت أن المولى الذي لم يسم في الرواية الثانية إنما هو أبو سلمى وليس ثوبان ولو ثبتت رواية البزار هذه لأمكن القول بأنه ثوبان أبو سلمى والله أعلم، وقد ذكر السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 387 / 2) أن أبا سلمى هذا اسمه حريث. فالله تعالى أعلم. والحديث رواه الطبراني في " الأوسط " عن سفينة مرفوعا، وقال الهيثمي: " ورجاله رجال الصحيح ". (تنبيه) وقع الحديث في " الجامع الصغير " معزوا لأحمد عن أبي أمامة أيضا وهو وهم لا أدري منشأه، وقد انطلى أمره على المناوي فلم ينبه عليه وليس له أصل عن أبي أمامة مطلقا فيما علمت. 1205 - " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه ". روي من حديث عبد الله بن عمر وجرير بن عبد الله البجلي وجابر

بن عبد الله وأبي هريرة وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وعدي بن حاتم وأبي راشد عبد الرحمن بن عبد وأنس بن مالك. 1 - أما حديث ابن عمر فيرويه سعيد بن مسلمة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر به . أخرجه ابن ماجة (2 / 400) وابن عدي (178 / 1) والبيهقي (8 / 168) والقضاعي (65 / 2) . وهذا إسناد رجاله ثقات غير سعيد بن مسلمة وهو ضعيف لكن قال ابن عدي: " أرجو أنه ممن لا يترك حديثه، ويحتمل في رواياته فإنها مقاربة ". ثم رواه ابن عدي (295 / 1) من طريق محمد بن الفضل عن أبيه عن نافع به وقال: " ومحمد بن الفضل عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه ". 2 - وأما حديث جرير فله عنه طرق: الأولى: عن حصين بن عمر الأحمسي: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عنه قال: " لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أتيته، فقال: (يا جرير لأي شيء جئت "؟ قال: جئت لأسلم على يديك يا رسول الله، قال: فألقى إلي كساءه، ثم أقبل على أصحابه وقال: فذكره. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 109 / 1) وابن عدي (ق 102 / 2) والبيهقي، والخطيب في " التاريخ " (1 / 188) ومحمد بن محمد البزار في " حديث ابن السماك " (1 / 178 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (65 / 2) ، وقال ابن عدي: " لا يرويه عن ابن أبي خالد غير حصين بن عمر وعامة أحاديثه معاضيل ينفرد عن كل من يروي عنه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ".

قلت: لكنه لم ينفرد، فقد أخرجه الخطيب في " التاريخ " (7 / 94) من طريق أبي أمية بن فرقد قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا إسماعيل به. وقال عن الدارقطني: " لم يروه عن يحيى القطان غير أبي أمية هذا، ولم يكن بالقوي. وهذا إنما يعرف من رواية حصين بن عمر الأحمسي عن إسماعيل. ورواه كادح عن إسماعيل ". قلت: " كادح كذاب ". الثانية " عن عوين بن عمرو القيسي عن سعيد بن إياس الجريري عن عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عنه به. أخرجه أبو القاسم الحامض في " المنتقى من حديثه " (10 / 2) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 164) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 205 - 206) وقالا: " تفرد به عوين بن عمرو ". قلت: وهو ضعيف كما قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 15) . وأما قول الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 319) : " إسناده جيد " فغير جيد إلا أن يكون أراد الجودة بكثرة طرقه، فهو مقبول. الثالثة: عن الحسن بن عمارة عن فراس بن يحيى عن الشعبي عنه. أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 113 / 1) وأبو نعيم في " مسانيد أبي يحيى فراس " (ق 88 / 2) . قلت: ورجاله ثقات غير الحسن بن عمارة وهو متروك. 3 - وأما حديث جابر فيرويه معبد بن خالد الأنصاري عن أبيه عنه به نحوه. أخرجه الحاكم (4 / 291 - 292) وقال: " صحيح الإسناد ". قلت: سكت عليه الذهبي، ومعبد وأبوه لم أجد من ذكرهما.

4 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه ابن لهيعة عن حنين بن أبي حكيم عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عنه. أخرجه ابن عدي (ق 112 / 2) . وابن لهيعة سيىء الحفظ ومن فوقه ثقات. وقد وجدت له طريقا أخرى رواها البزار في " مسنده " (ص 239 - زوائده) : حدثنا محمد بن الحصين حدثنا مزاحم بن العوام بن مزاحم حدثنا محمد ابن عمر (و) عن أبي سلمة عنه. وقال: " لا نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه تفرد به مزاحم ". قلت: لم أجد له ترجمة، وقد روي من غير هذا الوجه كما سبق. وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 16) : " رواه الطبراني في " الأوسط " والبزار، وفيه من لم أعرفهم ". ووجدت له طريقا ثالثا أخرجه ابن عدي (343 / 2) عن مطلب بن شعيب: حدثنا أبو صالح حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ذكره في ترجمة هذا المطلب، وقال: " ولم أر له حديثا منكرا غير هذا، وهو بهذا الإسناد منكر جدا ". 5 - وأما حديث ابن عباس فيرويه مالك بن الحسن عن عتبة عن عكرمة عن ابن عباس. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 136 / 2) ورجاله ثقات غير مالك بن الحسن (وفي الأصل: الحسين) وهو مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث، قال الهيثمي: (انظر الاستدراك 206 / 18) " وفيه ضعف ". وعتبة هو ابن يقظان قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 374) : " سمعت ابن الجنيد يقول: لا يساوي شيئا " . وذكر الهيثمي أنه رواه الطبراني في " الأوسط " أيضا، وظاهر كلامه أنه من غير هذا الطريق ولكنه لم يتكلم عليه بشيء.

وأخرجه العقيلي في " الضعفاء " (322) من الوجه الأول وقال: " عتبة بن أبي عتبة لا يتابع عليه وفي مالك نظر ولا يتابع على الحديث إلا من طريق يقارب هذا ". 6 - وأما حديث معاذ فيرويه عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن شهر بن حوشب عنه. أخرجه ابن عدي (220 / 2) وقال: " عبد الله بن خراش منكر الحديث ". قلت: وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف وأطلق عليه ابن عمار الكذب ". قلت: وشهر بن حوشب ضعيف أيضا. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني كما في " مجمع الهيثمي " وقال: " شهر لم يدرك معاذا ". 7 - وأما حديث عدي بن حاتم فيرويه الهيثم بن عدي قال: حدثنا مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم. أخرجه القضاعي (65 / 2) والعقيلي (451) وقال: " الهيثم ابن عدي قال ابن معين: ليس بثقة كان يكذب. وقال البخاري: سكتوا عنه ". ثم قال العقيلي: " وهذا الحديث يروى من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا ". قلت: وتابعه سوار بن مصعب عن مجالد به. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (11 / 237 / 2) . ومجالد هو ابن سعيد، وليس بالقوي. 8 - وأما حديث أبي راشد فيرويه أبو عثمان عبد الرحمن بن خالد بن عثمان قال: حدثني أبي خالد بن عثمان عن أبيه عثمان بن محمد عن أبيه محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عثمان بن عبد الرحمن عنه.

1206

أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 31) ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10 / 21 / 2 - 22 / 1) : حدثنا أبو العباس الوليد بن حماد بن جابر قال: حدثني أبو عثمان عبد الرحمن بن خالد ... قلت: وهذا إسناد مظلم لم أعرف أحدا منهم ولا ترجموا لهم سوى أبي راشد فترجموا له في الصحابة. وبالجملة فلم أجد في هذه الطرق كلها ما يمكن الحكم عليه بالحسن فضلا عن الصحة غير أن بعض طرقه ليس شديد الضعف، فيمكن تقوية الحديث بها دون ما اشتد ضعفه منها، لاسيما وقد صحح بعضها الحاكم والعراقي. 9 - وأما حديث أنس فيرويه بقية بن الوليد قال: أخبرنا يحيى بن مسلم عن أبي المقدام عن موسى بن أنس عن أبيه مرفوعا بلفظ: " إذا جاءكم الزائر فأكرموه ". رواه ابن أبي حاتم (2 / 242) وقال عن أبيه: " هذا حديث منكر ". قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو المقدام هذا هو هشام بن زياد متروك. ويحيى ابن مسلم قال الذهبي: " شيخ من أشياخ بقية لا يعرف ولا يعتمد عليه ". ثم ساق له حديثا آخر في إكرام المسلم. 1206 - " إذا أراد الرجل أن يزوج ابنته فليستأذنها ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1735) حدثنا بندار أنبأنا سلم بن قتيبة أخبرنا يونس سمع أبا بردة سمع أبا موسى سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم رجال الصحيح. ويونس هو ابن أبي إسحاق. وبندار لقب واسمه محمد بن بشار. والحديث قال في " المجمع " (4 / 279) : " رواه أبو يعلى والطبراني، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ".

1207

1207 - " نهى أن نشرب من الإناء المخنوث ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (629) عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله ابن عتبة عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري وقد مضى (1126) . 1208 - " إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن التوبة من الذنب: الندم والاستغفار ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 344 / 1) عن إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان عن وائل بن داود عن ابنه بكر عن الزهري قال: أخبرني أربعة: عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعبد الله بن عبد الله بن عتبة وعلقمة بن وقاص عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " رواه حامد بن يحيى عن سفيان غير أنه شك في إسناده ". قلت: ورجاله ثقات غير إبراهيم بن بشار وهو حافظ له أوهام كما في " التقريب " . قلت: فأخشى أن يكون وهم على سفيان - وهو ابن عيينة في إسناده، فقد خالفه محمد بن يزيد الواسطي فقال: عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة إن ... " الحديث. والواسطي هذا ثقة ثبت كما في " التقريب " فالحديث صحيح من هذا الوجه. وقد أخرجه البخاري (8 / 384) ومسلم (8 / 116) وأحمد (6 / 196) من طرق عن الزهري عن الأربعة الذين في إسناد إبراهيم بن بشار به في حديث قصة الإفك بلفظ: " ... وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب تاب الله عليه ... " وهو رواية للبيهقي.

1209

وأخرجه أبو سعد المظفر ابن الحسن في " فوائد منتقاة " (ق 132 / 1) عن سفيان ابن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا بلفظ الترجمة دون قوله: وتوبي إليه ". وسفيان بن حسين هذا ثقة من رجال الشيخين، لكنهم ضعفوه في روايته عن الزهري، ولذلك لم يخرجا له عنه شيئا. وفيه دليل على عدم عصمة نسائه صلى الله عليه وسلم، خلافا لبعض أهل الأهواء! 1209 - " إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها وإلا كتب واحدة ". رواه الطبراني في " الكبير " (ق 25 / 2 مجموع 6) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 124) والبيهقي في " الشعب " (2 / 349 / 1) والواحدي في " تفسيره " ( 4 / 85 / 1) عن إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن عروة بن رويم عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث عاصم وعروة ، لم نكتبه إلا من حديث إسماعيل بن عياش ". قلت: وهو ثقة في روايته عن الشاميين وهذه منها، فإن عاصما فلسطيني، ومن فوقه ثقات، وفي عاصم والقاسم - وهو ابن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة - كلام لا ينزل به حديثهما عن مرتبة الحسن. والحديث قال الهيثمي (10 / 208) : " رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها وثقوا ". 1210 - " يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما ههنا قد ملئ جنانا. يعني تبوك ". أخرجه مالك (1 / 143 - 144) وعنه مسلم (7 / 60 - 61) وأحمد

1211

(5 / 237 - 238) وابن عساكر في " التاريخ " (17 / 220 / 2) كلهم عن مالك عن أبي الزبير المكي أن أبا الطفيل عامر بن واثلة أخبره أن معاذ بن جبل أخبره قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك، فكان يجمع الصلاة، فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا حتى إذا كان يوم أخر الصلاة ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا، ثم دخل، ثم خرج بعد ذلك، فصلى المغرب والعشاء جميعا، ثم قال: " إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها منكم فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي ". فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين مثل الشراك تبض بشيء من ماء ، قال: فسألهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا؟ قالا: نعم. فسبهما النبي صلى الله عليه وسلم، وقال لهما ما شاء الله أن يقول، قال: ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شيء، قال: وغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يديه ووجهه، ثم أعاد فيها، فجرت العين بماء منهمر، أو قال غزير حتى استسقى الناس ثم قال ... " فذكره. والحديث رواه ابن خزيمة أيضا في " صحيحه " (رقم 968) وابن حبان (549) عن مالك به. 1211 - " ثلاثة لا يرد دعاؤهم: الذاكر الله كثيرا ودعوة المظلوم والإمام المقسط ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 399 / 1) من طريق البخاري حدثنا عبد الله بن أبي الأسود حدثنا حميد بن الأسود حدثنا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن شريك ابن أبي نمر عن عطاء بن يسار قال: سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

1212

قلت: وهذا إسناده حسن رجاله رجال البخاري إلا أنه إنما أخرج لحميد بن الأسود - ويكنى بأبي الأسود - مقرونا بغيره، وفيه كلام يسير أشار إليه الحافظ بقوله : " صدوق يهم قليلا ". وعبد الله حفيده وهو ابن محمد بن أبي الأسود، وهو ثقة. 1212 - " أتدري إلى أين أبعثك؟ إلى أهل الله وهم أهل مكة، فانههم عن أربع: عن بيع وسلف، وعن شرطين في بيع، وربح ما لم يضمن، وبيع ما ليس عندك ". " أخرجه البغوي في " حديث عيسى بن سالم الشاشي " (ق 108 / 1) حدثنا عيسى حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عتاب بن أسيد إلى مكة، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير عيسى ابن سالم الشاشي أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 278) وكناه بـ (أبو سعيد) وقال: " ولقبه (عويس) ، وروى عن عبيد الله بن عمرو. روى عنه أبو زرعة رحمه الله ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن أبو زرعة لا يروي إلا عن ثقة. والحديث صحيح، فقد جاء من طرق عن عمرو بن شعيب به دون قصة بعث عتاب بن أسيد رضي الله عنه. أخرجه أصحاب السنن وأحمد والحاكم (2 / 17) وصححه، وهو مخرج عندي في " أحاديث البيوع " و " المشكاة " (2870) و" إرواء الغليل " (1293)

وأخرجه الحاكم أيضا من طريق عطاء الخراساني عن عمرو بن شعيب به مع القصة، وأخرجه ابن حبان أيضا (6108) ، لكن سقط منه " عمرو بن شعيب عن أبيه ". وله شواهد، فرواه محمد بن إسحاق عن عطاء عن صفوان ابن يعلى عن أبيه قال: فذكره بتمامه. أخرجه البيهقي (5 / 313) ورجال إسناده ثقات لولا عنعنة ابن إسحاق. ثم أخرجه من طريق مقدام بن داود حدثنا يحيى ابن بكير حدثنا يحيى بن صالح عن إسماعيل بن أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعا به. وقال: " تفرد به يحيى بن صالح الأيلي، وهو منكر بهذا الإسناد ". قلت: وفيما قبله غنية عنه. غريب الحديث: " بيع وسلف ": قال ابن الأثير: " هو مثل أن يقول: بعتك هذا العبد بألف على أن تسلفني في متاع، أو على أن تقرضني ألفا لأنه إنما يقرضه ليحابيه في الثمن، فيدخل في حد الجهالة، ولأن كل قرض جر منفعة فهو ربا ". " شرطين في بيع ": قال ابن الأثير: " هو كقولك: بعتك هذا الثوب نقدا بدينار ، ونسيئة بدينارين، وهو كالبيعتين في بيعة ". قلت: وقد صح النهي عن بيعتين في بيعة من حديث أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر، وهي مخرجة في المصادر المشار إليها آنفا، وهو رواية في حديث الترجمة عند البيهقي. وتتابع الرواة على تفسير البيعتين في بيعة، بمثل ما تقدم في تفسير الشرطين في بيع، فمنهم سماك بن حرب في حديث ابن مسعود عند أحمد، وعبد الوهاب بن عطاء في حديث أبي هريرة عند البيهقي، والنسائي ترجم بذلك لحديث الباب بقوله:

1213

" شرطان في بيع، وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة إلى شهر بكذا، وإلى شهرين بكذا ". ثم ترجم لحديث أبي هريرة بقوله: " بيعتين في بيعة، وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمائة درهم نقدا وبمائتي درهم نسيئة ". (وربح ما لم يضمن) : " هو أن يبيعه سلعة قد اشتراها ولم يكن قبضا فهي من ضمان البائع الأول، ليس من ضمانه، فهذا لا يجوز بيعه حتى يقبضه فيكون من ضمانه ". قاله الخطابي في " معالم السنن " (5 / 144) . (وبيع ما ليس عندك ) : قال الخطابي: " يريد بيع العين دون بيع الصفة ألا ترى أنه أجاز السلم إلى الآجال، وهو بيع ما ليس عند البائع في الحال، وإنما نهى عن بيع ما ليس عند البائع من قبل الغرر، وذلك مثل أن يبيع عبده الآبق، أو جمله الشارد ". 1213 - " إن العبد إذا قام يصلي أتاه الملك فقام خلفه يستمع القرآن ويدنو، فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه فلا يقرأ أية إلا كانت في جوف الملك ". رواه البيهقي في " السنن الكبرى " (1 / 38) والضياء في " المختارة " (1 / 201) من طريق خالد عن الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال: أمرنا بالسواك، وقال: فذكره. وظاهره أنه موقوف ويحتمل أنه مرفوع ويؤيده الرواية الأخرى عنده من طريق شعبة عن الحسن بن عبيد الله به موقوفا وزاد في آخره: " قال: قلت هو عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم إن شاء الله ". وأخرجه كذلك الأصبهاني في " الترغيب " (197 / 1) . وتابعه فضيل بن سليمان عن الحسن بن عبيد الله به بلفظ: عن علي: " أنه أمرنا بالسواك، وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

1214

" إن العبد إذا تسوك ثم قام يصلي قام الملك خلفه، فسمع لقراءته، فيدنو منه أو كلمة نحوها حتى يضع فاه على فيه، وما يخرج من فيه شيء من القرآن إلا صار في جوف الملك، فطهروا أفواهكم للقرآن ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 60) وقال: " لا نعلمه عن علي بأحسن من هذا الإسناد ". قلت: وإسناده جيد رجاله رجال البخاري، وفي الفضيل كلام لا يضر، وقد قال المنذري في " الترغيب " (1 / 102) : " رواه البزار بإسناد جيد لا بأس به، وروى بن ماجه بعضه موقوفا ولعله أشبه ". قلت: كلا، فإن في إسناد ابن ماجه انقطاعا ومتروكا على أنه قد أخرجه غيره من الوجه المذكور مرفوعا، وللحديث شاهد عن جابر مرفوعا به نحوه. أخرجه تمام والبيهقي في " الشعب " والضياء في " المختارة " كما في " الجامع الصغير " ورواته ثقات كما نقله المناوي عن ابن دقيق العيد. وشاهد آخر أخرجه ابن نصر في " الصلاة " عن ابن شهاب مرسلا كما في " الجامع " أيضا. 1214 - " هذا أمين هذه الأمة، يعني أبا عبيدة بن الجراح ". أخرجه مسلم (7 / 129) وابن سعد في " الطبقات " (3 / 2 / 299) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: " أن أهل اليمن لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه يبعث معهم رجلا يعلمهم السنة والإسلام ، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة بن الجراح فقال ... " فذكره. وسيأتي برقم (196) بزيادة في التخريج مع التعليق عليه بفائدة هامة.

1215

1215 - " لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد ". أخرجه مسلم (8 / 16) والبخاري في " الأدب المفرد " (516) وابن سعد في " الطبقات " (8 / 308) من طريق أبي الزبير حدثنا جابر بن عبد الله: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: مالك يا أم السائب أو يا أم المسيب {تزفزفين} ؟ قالت: الحمى لا بارك الله فيها! فقال ... " فذكره. وأخرجه الحاكم (1 / 346) من هذا الوجه نحوه (انظر الاستدراك رقم 216 / 4) . وله شاهد يرويه موسى بن عبيدة عن علقمة بن مرثد عن حفص بن عبيد الله عن أبي هريرة قال: " ذكرت الحمى عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبها رجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره نحوه. أخرجه ابن ماجه (2 / 348) . وموسى بن عبيدة ضعيف. وللحديث شاهدان آخران أخرجهما الطبراني في " المعجم الكبير " من حديث عبد ربه ابن سعيد عن عمته مرفوعا نحوه. ومن حديث فاطمة الخزاعية مرفوعا. وفي إسناد الأول محمد بن أبي حميد وهو ضعيف. وإسناد الآخر رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي (2 / 307) . 1216 - " الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن نفسها وإذنها صماتها ". أخرجه مالك (2 / 62) ومسلم (2 / 62) وأبو داود (1 / 327) والنسائي (2 / 77 - 78) والترمذي (1 / 206) وصححه، والدارمي (2 / 138) وابن ماجه (1 / 576) والدارقطني (389) وأحمد (1 / 242 و 345 و 362) كلهم عن مالك عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن عباس مرفوعا به.

وتابعه زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل به نحوه وسيأتي برقم (1807) . وتابعه ابن إسحاق: حدثني صالح بن كيسان عن ابن الفضل به. أخرجه الدارقطني وقال: " تابعه سعيد بن سلمة عن صالح بن كيسان. وخالفهما معمر في إسناده، فأسقط منه رجلا، وخالفهما أيضا في متنه، فأتى بلفظ آخر وهم فيه لأن كل من رواه عن عبد الله بن الفضل وكل من رواه عن نافع بن جبير مع عبد الله بن الفضل خالفوا معمرا، واتفاقهم دليل على وهمه ". ثم ساق بإسناده عن سعيد بن سلمة بن أبي الحسام أخبرنا صالح بن كيسان وبإسناده عن عبد الرزاق عن معمر عن صالح بن كيسان عن نافع بن جبير به بلفظ: " ليس للولي مع الثيب أمر، واليتيمة تستأذن وصمتها إقرارها ". وهكذا أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد (1 / 234) وابن حبان أيضا (1241) عن عبد الرزاق به. وتابعه ابن المبارك عن معمر به. أخرجه الدارقطني وقال: " كذا رواه عمر عن صالح، والذي قبله أصح في الإسناد والمتن لأن صالحا لم يسمعه من نافع بن جبير وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، اتفق على ذلك ابن إسحاق وسعيد بن سلمة عن صالح، سمعت النيسابوري يقول: الذي عندي أن معمرا أخطأ فيه ". وروى الحديث بلفظ " الأيم أولى بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وصمتها إقرارها ". رواه الدارمي (2 / 138 - 139) وأحمد (1 / 274 - 355) من طريق عبيد الله ابن عبد الرحمن بن موهب قال : أخبرني نافع بن جبير بإسناده السابق. وهو بهذا السند ضعيف لأن عبيد الله بن عبد الرحمن هذا ليس بالقوي كما قال في " التقريب ".

1217

1217 - " من نصر أخاه بالغيب نصره الله في الدنيا والآخرة ". رواه الدينوري في " المجالسة " (217 / 2 - المنتقى منها) والبيهقي في " الشعب " (2 / 447 / 1) والضياء في " المختارة " (74 / 1) عن إبراهيم بن حمزة الزبيري حدثنا عبد العزيز بن محمد عن حميد عن الحسن عن أنس مرفوعا، وقال: " قال الدارقطني: وخالفه يونس بن عبيد فرواه عن الحسن عن عمران بن حصين، والله أعلم ". قلت: وكذا قال البيهقي، ثم ساقه عن يونس عن الحسن عن عمران موقوفا، ثم قال : " وروي عن يونس بإسناده مرفوعا ". ثم رواه من طريقين عن يونس به مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحسن - وهو البصري - مدلس وقد عنعنه . وقد وجدت له شاهدا من حديث إسماعيل بن مسلم عن محمد بن المنكدر وأبي الزبير عن جابر مرفوعا. أخرجه السلفي في " معجم السفر " (226 / 2) . وإسماعيل بن مسلم ضعيف من قبل حفظه، فيستشهد به. والله أعلم. 1218 - " ما من عام إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم ". أخرجه الترمذي (2 / 32) من طريق سفيان الثوري عن الزبير عن عدي قال: دخلنا على أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج فقال: فذكره مرفوعا. وقال: " حديث حسن صحيح ".

1219

قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه البخاري وغيره بلفظ: " لا يأتي عليكم زمان " وسيأتي إن شاء الله تعالى. 1219 - " إذا أراد الله عز وجل بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق ". حديث صحيح من رواية عائشة رضي الله عنها، وقد تجمع لدي عدة طرق عنها: الأول: عن هشام بن عروة عن أبيه عنها. أخرجه أحمد (6 / 71) والبخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 416) والبيهقي في " الشعب " (2 / 279 / 1) من طريقين عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. الثاني: عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: " يا عائشة ارفقي، فإن الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على باب الرفق ". أخرجه أحمد (6 / 104 - 105) حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا سليمان يعني ابن بلال عن شريك. قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرطهما أيضا. متابعة عبد الله بن عبد الرحمن أبو طوالة عن عطاء بن يسار به أخرجه البيهقي. الثالث: عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن ابن أبي ملكية عنها مرفوعا به مثل اللفظ الأول. أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 96) من طريق أبي الشيخ معلقا حدثنا (بياض) عن بقية عن ابن المبارك عن عبد الرحمن بن أبي بكر. وهذا إسناد ضعيف. وفيه مضى كفاية.

1220

الرابع: عن القاسم عنها به. أخرجه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 155) وفي " الشعب " (2 / 459 / 1) من طريق أبي غزارة محمد - يعني ابن عبد الرحمن التيمي قال: أخبرني أبي عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو غزارة لين الحديث، وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الله بن أبي ملكية التيمي. وأبوه عبد الرحمن ضعيف أيضا. وللحديث شاهد من حدث جابر مرفوعا به. أخرجه البزار في " مسنده " (ص 239 - زوائده) من طريق أبي أويس عن محمد بن المنكدر عنه. وقال: " لا نعلم يروى هكذا إلا بهذا الإسناد ". وقال الهيثمي في " الزوائد ": " حسن ". 1220 - " إذا أراد الله بعبد خيرا عجل له العقوبة في الدنيا وإذا أراد الله بعبد شرا أمسك عليه ذنوبه حتى يوافيه يوم القيامة ". رواه الترمذي (2 / 64) وابن عدي (174 / 1 و 2) والبيهقي في " الأسماء " ( ص 154) عن سنان بن سعد، أو سعيد بن سنان عن أنس مرفوعا، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وسعد هذا اختلف فيه الرواة فبعضهم يقول: سعد بن سنان، وبعضهم على القلب: سنان بن سعد. وهذا هو الصواب عند البخاري. قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أفراد ". وله شاهد من حديث الحسن عن عبد الله بن مغفل مرفوعا به. أخرجه ابن حبان (2455) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 274) والبيهقي (ص 153 - 154) . ورجاله ثقات، لكن الحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه.

1221

ولشطره الأول شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا. أخرجه ابن الجوزي في " ذم الهوى " (ص 126) . 1221 - " إذا أراد الله قبض عبد بأرض جعل له فيها حاجة ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 236 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 374 ) عن عبيد الله بن أبي حميد عن أبي المليح عن أبي عزة الهذلي - وكانت له صحبة - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: عبيد الله هذا متروك الحديث كما قال الحافظ، لكن تابعه أيوب عن أبي المليح بن أسامة به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1282) وابن حبان (1815) والدولابي في " الكنى " (1 / 44) وأحمد (3 / 429) وعنه الحاكم (1 / 42) وقال: " صحيح، ورواته عن آخرهم ثقات ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله شاهد من حديث مطر بن عكامس السلمي مرفوعا به. أخرجه البخاري " التاريخ " (4 / 1 / 400) والحاكم (1 / 42) من طريق سفيان الثوري عن أبي إسحاق عنه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا إن كان أبو إسحاق - وهو السبيعي - سمعه من مطر، فإنه كان يدلس. وله شاهد آخر من حديث جندب بن سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الحاكم (1 / 367) من طريق الحسن عنه. والحسن هو البصري وهو مدلس أيضا. ثم رأيت الحديث رواه أيوب عن أبي المليح عن أسامة بن زيد مرفوعا به نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 23 / 2) حدثنا إسحاق ابن إبراهيم الدبري أنبأنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب به.

1222

وهذا إسناد جيد إن كان الدبري قد حفظه - وعزاه السيوطي للضياء أيضا. وله شاهد ثالث من حديث ابن مسعود مرفوعا نحوه بزيادة فيه: وهو: " إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له إليها حاجة، فإذا بلغ أقصى أثره توفاه، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب هذا ما استودعتني " 1222 - " إذا كان أجل أحدكم بأرض أثبت الله له إليها حاجة، فإذا بلغ أقصى أثره توفاه ، فتقول الأرض يوم القيامة: يا رب هذا ما استودعتني ". أخرجه ابن ماجه (2 / 566) وابن أبي عاصم في " السنة " (346) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 76 / 1) والحاكم (1 / 41 - 42) من طرق عن إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الحاكم: " احتج الشيخان برواة هذا الحديث عن آخرهم ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وقال البوصيري في " الزوائد " (ق 263 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ". 1223 - " إذا صليت فلا تبصق بين يديك ولا عن يمينك ولكن ابصق تلقاء شمالك إن كان فارغا وإلا فتحت قدميك وادلكه ". أخرجه النسائي (1 / 119) والحاكم (1 / 256) والبيهقي (2 / 292) وأحمد (6 / 396) عن منصور قال: سمعت ربعي بن حراش عن طارق بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحاكم: " حديث صحيح ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. والحديث أورده السيوطي من رواية البزار بلفظ: " إذا أردت أن تبزق فلا تبزق عن يمينك ... " الحديث، وقال المناوي: " قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انتهى. فرمز المؤلف لحسنه فقط غير حسن، إذ حقه الرمز لصحته ".

1224

1224 - " أرحم أمتي بأمتي أبى بكر وأشدهم في أمر الله عمر وأصدقهم حياء عثمان وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب وأفرضهم زيد بن ثابت وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ألا وإن لكل أمة أمينا وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ". أخرجه الترمذي (2 / 309) وابن ماجه (154) وابن حبان (2218) و (2219) والحاكم (3 / 422) من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وتابعه سفيان الثوري عن خالد الحذاء به. أخرجه أحمد (3 / 184) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 351) وأبو نعيم (3 / 122) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 296 / 2 و 6 / 282 / 2 و 11 / 97 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 534 / 2) نسخة المكتب الإسلامي) . وتابعه أيضا وهيب حدثنا خالد الحذاء به. أخرجه أحمد (3 / 280) والطحاوي وكذا الطيالسي (2096) . وتابعه على الجملة الأخيرة منه عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند البخاري (7 / 73) . وإسماعيل بن علية عند مسلم (7 / 129) وصرح الأول بتحديث أبي قلابة عن أنس. وقد أعل الحديث بعلة غريبة ، فقال الحافظ في " الفتح " بعدما عزاه للترمذي وابن حبان: " وإسناده صحيح، إلا أن الحافظ قال: إن الصواب في أوله الإرسال والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري. والله أعلم ".

وللحديث طريق أخرى، فقال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا حميد بن عبد الرحمن عن داود العطار عن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا به. وقال: " حديث غريب لا نعرفه من حديث قتادة إلا من هذا الوجه وقد رواه أبو قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه والمشهور حديث أبي قلابة ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سفيان بن وكيع قال الحافظ: " كان صدوقا إلا أنه ابتلي بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه، فنصح فلم يقبل، فسقط حديثه ". وللحديث شواهد من حديث ابن عمر من طريقين عنه وأبي محجن والحسن البصري مرسلا بعضها مطولا وبعضها مختصر، أخرجها ابن عساكر (2 / 296 / 2 و 6 / 282 / 2 و 11 / 97 / 2) بأسانيد ضعيفة، وأخرج أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1384) الطريق الأولى عن ابن عمر، والحاكم (3 / 535) الطريق الأخرى عنه، وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 56) وزاد في رواية: " وأكرمها ". وفيه زكريا بن يحيى المنقري ولم أعرفه، ووقع في " المناوي " زكريا بن يحيى المقرىء وهو تصحيف. وأخرجه ابن عساكر (13 / 370 / 2 - 371 / 1) من طريق الطبراني بإسناده عن مندل بن علي عن ابن جريج عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا نحوه وزاد في آخره: " وقد أوتي عمير عبادة. يعني أبا الدرداء ". ومندل ضعيف. وروى أبو نعيم في " الحلية " (1 / 56) من طريق عبد الأعلى السامي عن عبيد الله بن عمر، ومن طريق الكوثر بن حكيم كلاهما عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " أشد أمتي حياء عثمان بن عفان ". زاد في رواية " وأكرمها ".

1225

قلت: والكوثر هذا قال الدارقطني وغيره: متروك. لكن تابعه السامي كما ترى، وهو ثقة واسمه عبد الأعلى بن عبد الأعلى. لكن في الطريق إليه زكريا ابن يحيى المنقري ولم أجد له ترجمة. 1225 - " رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد ". أخرجه الحاكم (3 / 317 - 318) وعنه ابن عساكر في المجلس (280) من " الأمالي " (3 / 2) من طريق زائدة عن منصور بن المعتمر عن زيد بن وهب عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال: " هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وقد ذكرا له علة وهي أن سفيان وإسرائيل روياه عن منصور عن القاسم بن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرسلا. أخرجه الحاكم أيضا وكذا الطبراني في " الكبير " كما في "المجمع " (9 / 290) . قلت: وهذه ليست علة قادحة لأن زائدة وهو ابن قدامة ثقة ثبت كما في " التقريب " وقد أتى بزيادة فوجب قبولها، لاسيما وأنها عن شيخ آخر لمنصور غير شيخه في رواية سفيان وإسرائيل عنه، فدل ذلك على أن لمنصور فيه شيخين وصله أحدهما وأرسله الآخر، فهو مقو للموصول كما هو ظاهر. وقد روى الحديث بزيادة فيه بلفظ: " وكرهت لأمتي ما كره لها ابن أم عبد ". قال في " المجمع " (9 / 290 ) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط " باختصار الكراهة، ورواه في " الكبير " منقطع الإسناد، وفي إسناد البزار محمد بن حميد الرازي وهو ثقة وفيه خلاف وبقية رجاله وثقوا ". وذكر له شاهد من حديث أبي الدرداء وفيه بيان سبب الحديث وهو بلفظ: " رضيت بما رضي الله تعالى لي ولأمتي، ابن أم عبد ". رواه الطبراني عن أبي الدرداء قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة خفيفة، فلما فرغ من خطبته قال: يا أبا بكر قم فاخطب، فقصر دون رسول الله

1226

صلى الله عليه وسلم، فلما فرغ من خطبته قال: يا عمر قم فاخطب، فقام فخطب فقصر دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ودون أبي بكر، فلما فرغ من خطبته قال: يا فلان قم فاخطب، فشقق القول، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكت أو اجلس، فإن التشقيق من الشيطان، وإن من البيان لسحرا، وقال " يا ابن أم عبد قم فاخطب ". فقام ابن أم عبد فحمد الله، وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس إن الله عز وجل ربنا وإن الإسلام ديننا وإن القرآن إمامنا وإن البيت قبلتنا وإن هذا نبينا وأومأ بيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. رضينا ما رضي الله تعالى لنا ورسوله وكرهنا ما كره الله تعالى لنا ورسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أصاب ابن أم عبد وصدق، رضيت ... الحديث. وقال الهيثمي: " ورجاله ثقات إلا أن عبيد الله بن عثمان بن خثيم لم يسمع من أبي الدرداء، والله أعلم ". 1226 - " رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا يطير في الجنة مع الملائكة بجناحين ". حديث صحيح جاء من طرق عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس وعلي بن أبي طالب وأبي عامر والبراء. 1 - رواه الترمذي (2 / 305) وأبو يعلى (4 / 1528 - 1529) والحاكم (3 / 209) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 12 / 1) وأبو حفص الكتاني في " حديثه " (136 / 2) والخطيب في " الموضح " (2 / 103) والضياء في " مناقب جعفر " (1 / 2) عن عبد الله بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " وتعقبه الذهبي بقوله: " عبد الله بن جعفر والد علي ابن المديني واه ". قلت: لكن يشهد له روايات أخرى تأتي: 2 - رواية عامر الشعبي عن عبد الله بن عمر أنه كان إذا سلم على عبد الله بن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين.

رواه البخاري (7 / 62 - فتح) والضياء أيضا في " المختارة " (64 / 44 / 2) والطبراني (1 / 150 / 2) . 3 - عن زمعة عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا نحوه. رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (13 / 19 / 1) وابن عدي (150 / 2) والحاكم (3 / 196 و 209) وصححه، والضياء أيضا، ثم أخرجه هو وابن عدي (1 / 2 و 2 / 1) من طريق إبراهيم بن عثمان حدثنا الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس مرفوعا. ورواه الطبراني (1 / 150 / 2 و 3 / 148 / 1) عن جبارة بن مغلس قال: حدثنا أبو شيبة عن الحكم به. ثم رواه من طريق آخر عن سالم بن أبي الجعد مرسلا نحوه. وسنده حسن. وأبو شيبة هو إبراهيم بن عثمان ضعيف. ولما ذكره الحافظ من طريقين عن ابن عباس قال في أحدهما: " وإسناد هذه جيد ". وكأنه يعني الأولى المتقدمة. ورواه ابن عدي (258 / 2) عن عصمة بن محمد الأنصاري: أخبرنا موسى ابن عقبة عن كريب عن ابن عباس مرفوعا وقال: " وعصمة هذا كل حديثه غير محفوظ وهو منكر الحديث ". 4 - ورواه ابن سعد (4 / 39) من طريق حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب مرفوعا به. قلت: والحسين هذا قال أبو حاتم: متروك الحديث كذاب فلا يستشهد به خلافا لصنيع الحافظ في " الفتح " (7 / 62) فإنه جعله شاهدا لحديث أبي هريرة وكأنه لم يستحضر حالة بدقه عند الكتابة. ورواه (4 / 38 - 39) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن رجل مرفوعا. وإسناده صحيح إلى الرجل، فإن كان صحابيا فالإسناد صحيح لأن الجهل بالصحابي لا يضر. ثم روى عن عبد الله بن المختار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" مر بي جعفر بن أبي طالب الليلة في ملأ من الملائكة له جناحان مضرجان بالدماء، أبيض القوادم ". وإسناده صحيح إلى ابن المختار ولكنه معضل، فإن ابن المختار من أتباع التابعين، وقد ذكره الحافظ من حديث أبي هريرة بهذا اللفظ دون قوله: " أبيض القوادم " وقال: " أخرجه الترمذي والحاكم بإسناد على شرط مسلم ". ولم أره عندهما إلا باللفظ المذكور أعلاه عن أبي هريرة. والله أعلم. ثم رأيته عند الحاكم (3 / 212) من طريق حماد بن سلمة عن عبد الله بن المختار عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " مر جعفر الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم أبيض الفؤاد " وقال: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. 5 - وأخرج ابن سعد (2 / 129) من طريق محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن سالم بن أبي الجعد عن أبي اليسر عن أبي عامر مرفوعا في حديث. ورجاله ثقات إلا أن ابن أبي ليلى سيىء الحفظ، فحديثه جيد في الشواهد. 6 - عن البراء بن عازب قال: لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل جعفر، داخله من ذلك، فأتاه جبريل فقال: " إن الله جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة ". أخرجه الحاكم (3 / 40) من طريق عمرو بن عبد الغفار حدثنا الأعمش عن عدي بن ثابت عن البراء، وقال: " هذا حديث له طرق عن البراء ". وتعقبه الذهبي فقال: " قلت: كلها ضعيفة عن البراء ". قلت: فيما تقدم كفاية، وعلة هذه عمرو هذا، فإنه متروك الحديث.

1227

1227 - " حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 415) والترمذي (3777) وابن ماجة (144) وابن حبان (2240) والحاكم (3 / 177) وأحمد (4 / 172) من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن راشد عن يعلى بن مرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن وإنما نعرفه من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وفيه نظر لأن سعيد بن راشد، ويقال ابن أبي راشد لم يرو عنه غير ابن خثيم هذا ولم يوثقه غير ابن حبان، فأنى لحديثه الصحة؟ ! ولهذا قال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة كما نص عليه في المقدمة . وابن خثيم صدوق من رجال مسلم كما في " التقريب " وفيه شيء من قبل حفظه ولذلك ضعفه بعض الأئمة كما بينه الذهبي في " الميزان "، وقد خولف في اسم شيخه فقال البخاري في " الأدب المفرد " (364) : حدثنا عبد الله ابن صالح حدثنا معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن يعلى بن مرة به. وهكذا رواه في " التاريخ " أيضا وساق عقبه رواية ابن خثيم المتقدمة وقال: " والأول أصح " . قلت: وعليه فالإسناد جيد لأن راشد بن سعد ثقة اتفاقا، ومن دونه من رجال " الصحيح "، وفي عبد الله بن صالح كلام لا يضر هنا إن شاء الله تعالى. وللحديث شاهد يرويه جعفر بن لاهز بن قريط بن معدي بن رفاعة

1228

- ومعدي هو أبو زمعة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: سمعت أبي لاهز بن قريط بن معدي ابن رفاعة عن أبيه عن أبي رمثة مرفوعا به. أخرجه ابن عساكر (18 / 6 / 2) . وهذا إسناد مظلم لم أجد لهم ترجمة، سوى أبي رمثة. 1228 - " اعبد الله ولا تشرك به شيئا. قال: يا نبي الله زدني. قال: إذا أسأت فأحسن. قال: يا نبي الله زدني. قال: استقم ولتحسن خلقك ". أخرجه ابن حبان (1922) والحاكم (4 / 244) عن حرملة بن عمران التجيبي أن أبا السميط سعيد بن أبي سعيد المهري حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمرو: " أن معاذ بن جبل أراد السفر فقال: يا رسول الله أوصني، قال " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن أبي السميط، ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه أسامة بن زيد أيضا، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى. وقال الهيثمي (8 / 23) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الله بن صالح وقد وثق وضعفه جماعة وأبو السميط سعيد بن أبي مولى المهري لم أعرفه "! ولبعضه شاهد من حديث معاذ خرجته في الكتاب الآخر (2730) . 1229 - " إذا استلج أحدكم باليمين في أهله فإنه آثم له عند الله من الكفارة التي أمره بها ". رواه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 28 / 2) حدثنا محمد بن سهل حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام سمعت أبا هريرة يقول: فذكره مرفوعا .

1230

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم وأخرجه أحمد (2 / 278 و317) حدثنا عبد الرزاق به نحوه. (انظر الاستدراك رقم 231 / 2) . وأخرجه ابن ماجة (2114) حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا محمد بن حميد المعمري عن معمر به . ومن طريق عكرمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. والمعمري ثقة من رجال مسلم لكن الراوي عنه ضعيف إلا أنه لم ينفرد به، فقد أخرجه الحاكم (4 / 301) والحربي أيضا من طريق يحيى بن صالح الوحاظي حدثنا معاوية بن سلام عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة بلفظ: " من استلج في أهله بيمين فهو أعظم إثما ليس تغني الكفارة ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". وأقره الذهبي . وقال الحربي: " قوله: " استلج ... " من اللجاج وهو تكرير اليمين وتوكيدها والإقامة عليها. يقول: إذا كانت يمينه على لجاج وتأكيد وغير استثناء فعليه إثم عظيم وليس تغني الكفارة عنه من الإثم الذي أصابه وإنما الكفارة على الذي على غير تأكيد ولا لجاج، ويندم فيفعل ويكفر ". (انظر الاستدراك رقم 231 / 16) . 1230 - " إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله ". أخرجه أحمد (4 / 310) عن أبان بن عبد الله البجلي حدثتني عمومتي عن جدهم صخر ابن عيلة: " إن قوما من بني سليم فروا عن أرضهم حين جاء الإسلام، فأخذتها فأسلموا، فخاصموني فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فردها عليهم، وقال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، أبان هذا مختلف فيه والأكثر على توثيقه، وقال الذهبي: " حسن الحديث ". وقال الحافظ: صدوق في حفظه لين ".

1231

وعمومته جمع ينجبر جهالتهم بمجموع عددهم، وقد روى عن عمه عثمان ابن أبي حازم البجلي وهو من المقبولين عند الحافظ في " التقريب "، وكأنه لذلك سكت عليه الحافظ في " الفتح " (6 / 131) وجعله موافقا لقول البخاري في " صحيحه ": " باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم ". 1231 - " إذا أشار الرجل على أخيه بالسلاح فهما على جرف جهنم، فإذا قتله، وقعا فيه جميعا ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1 / 289 / 1468 - ترتيبه) حدثنا شعبة عن منصور عن ربعي بن حراش عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق الطيالسي أخرجه النسائي (2 / 176) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم (8 / 170) وابن ماجه (2 / 471) وأحمد (5 / 41) من طرق أخرى عن شعبة به نحوه ولفظ مسلم وأحمد: " إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهو في جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلاها جميعا ". وفي حديث آخر لأبي بكرة: " قيل يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه ". أخرجاه. 1232 - " إذا اشتكى العبد المسلم قال الله تعالى للذين يكتبون: اكتبوا له أفضل ما كان يعمل إذا كان طلقا حتى أطلقه ". أخرجه أحمد (2 / 205) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 309) من طرق عن أبي بكر بن عياش قال:

1233

" دخلنا على أبي حصين نعوده ومعنا عاصم، قال: قال أبو حصين لعاصم: تذكر حديثا حدثناه القاسم بن مخيمرة؟ قال: قال: نعم، إنه حدثنا يوما عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال أبو نعيم: " لم يروه عن أبي حصين إلا أبو بكر ". قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، وفيه كلام لا يضر، وقد أحسن الدفاع عنه والثناء عليه ابن حبان في " الثقات " ومن فوقه ثقات من رجال مسلم فالإسناد صحيح. وقد رواه عاصم بن أبي النجود عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض، قيل للملك الموكل به: اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه، أو أكفته إلي ". أخرجه أحمد (2 / 203) وإسناده حسن. ثم أخرجه هو (2 / 159 و 194 و 198) والدارمي (2 / 316) والحاكم (1 / 348) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 249) من طريق القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " ما من مسلم يصاب ببلاء في جسده إلا أمر الله الحفظة الذين يحفظونه أن اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة من الخير على ما كان يعمل، ما دام محبوسا في وثاقي ". والسياق للحاكم وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1233 - " اقتدوا باللذين من بعدي من أصحابي أبي بكر وعمر، واهتدوا بهدي عمار، وتمسكوا بعهد ابن مسعود ". روي من حديث عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر.

1 - أما حديث ابن مسعود فيرويه إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل: حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي الزعراء عنه. أخرجه الترمذي (2 / 311) والحاكم (3 / 75) وقال: " إسناده صحيح ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: سنده واه ". ويبينه قول الترمذي عقبه: " لا نعرفه إلا من حديث يحيى ابن سلمة بن كهيل، وهو يضعف في الحديث ". قلت: بل هو متروك كما قال الحافظ ومثله ابنه إسماعيل وابنه إبراهيم ضعيف. وله طريق أخرى عن ابن مسعود أخرجه ابن عساكر (9 / 323 / 1) عن أحمد بن رشد ابن خثيم أخبرنا حميد بن عبد الرحمن عن الحسن بن صالح عن فراس بن يحيى عن الشعبي عن علقمة بن قيس عن عبد الله بن مسعود به دون الشطر الثاني منه. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد هذا فلم أعرفه. 2 - وأما حديث حذيفة فيرويه عبد الملك بن عمير (عن مولى لربعي بن حراش) عن ربعي بن حراش عنه نحوه. أخرجه الترمذي (2 / 290) والطحاوي في " المشكل " (2 / 83 - 84) وأحمد (5 / 385 و 402) والحميدي في " مسنده " (1 / 214 / 249) وابن سعد (2 / 334) وابن أبي عاصم في " السنة " (1048 و 1049 - بتحقيقي) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 109) والخطيب (12 / 20) والحاكم (3 / 75) وابن عساكر (9 / 323 / 1 و 12 / 31 / 1) من طرق عن عبد الملك به مختصرا ومطولا بعضهم ذكر المولى وبعضهم لم يذكره وهو الذي رجحه الحاكم خلافا لأبي حاتم في " العلل " (2 / 381) ورجاله ثقات عن المولى وسماه ابن أبي عاصم في إحدى رواياته هلالا وهو مقبول عند الحافظ، وتابعه عمرو بن هرم عن ربعي بن حراش به.

أخرجه أحمد (5 / 399) والترمذي وابن حبان (2193) والطحاوي من طريق سالم أبي العلاء عنه بلفظ: " إني لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي وأشار لأبي بكر وعمر وزاد ابن حبان وأحمد: واهتدوا بهدي عمار وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه ". وقال أحمد: " واهدوا هدي عمار وهدي ابن أم عبد ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سالم أبي العلاء وهو مقبول الحديث كما قال الطحاوي، ووثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. 3 - وأما حديث أنس بن مالك فيرويه حماد بن دليل عن عمر بن نافع عن عمرو بن هرم قال: دخلت أنا وجابر بن زيد على أنس بن مالك فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه ابن عدي (75 / 1) من طريق مسلم بن صالح أبي رجاء عنه به. ومن طريقه أيضا عنه: حدثنا حماد بن دليل عن عمرو بن هرم عن ربعي عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال: " وحماد هذا قليل الرواية، وهذا الحديث قد روى له حماد بن دليل إسنادين ولا يروي هذين الإسنادين غير حماد بن دليل ". قلت: قال الحافظ فيه: " صدوق، نقموا عليه الرأي ". قلت: وهذا ليس بجرح، فالحديث جيد الإسناد وهو متابع قوي لسالم أبي العلاء عن عمرو بن هرم عن ربعي بن حراش عن حذيفة، فصح الحديث والحمد لله. 4 - وأما حديث ابن عمر فيرويه أحمد بن صليح بن وضاح أخبرنا محمد بن قطن أخبرنا ذا (!) النون أخبرنا مالك بن أنس عن نافع عنه به، دون الشطر الثاني.

1234

أخرجه ابن عساكر (9 / 323 / 2) هكذا. وأحمد بن صليح أورده في " الميزان " فقال: " أحمد بن صليح عن ذي النون المصري عن مالك (فذكره، وقال:) وهذا غلط، وأحمد لا يعتمد عليه ". قلت: فلا أدري قوله في " التاريخ " " ... بن وضاح أخبرنا محمد بن قطن " - أوقع فيه خطأ من الناسخ - والأصل " ابن وضاح بن محمد بن قطن " أو أن في نقل " الميزان " شيئا من الغلط. والله أعلم. وتابعه محمد بن عبد الله العمري المدني عن مالك بن أنس به. أخرجه ابن عساكر. والعمري هذا قال ابن حبان: " لا يجوز الاحتجاج به ". 1234 - " لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر ". أخرجه مسلم (1 / 60) والطيالسي (ص 290 رقم 2182) وأحمد (3 / 34 و 45 و93) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. ومسلم وأحمد (2 / 419) عن أبي هريرة، والترمذي (2 / 320) وأحمد (1 / 309) عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وقال الترمذي: " حسن صحيح ". قلت: ورجاله رجال الصحيحين لكن حبيب بن أبي ثابت كثير التدليس كما في " التقريب " وقد عنعنه لكنه يتقوى بالأسانيد التي قبله. وقد روي نحوه في العرب عامة ولا يصح، ولفظه: " لا يبغض العرب إلا منافق ". أخرجه عبد الله ابن الإمام في " زوائد المسند " (ج 2 رقم 614) من طريق إسماعيل بن عياش عن زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي رضي الله عنه مرفوعا. وهذا سند ضعيف جدا، زيد بن جبيرة متروك كما في " المجمع " (10 / 53 ) " والتقريب " وهو مدني، وإسماعيل بن عياش ضعيف الحجازيين. وروي من حديث ابن عمر ولفظه:

1235

لا يبغض العرب مؤمن ولا يحب ثقيفا إلا مؤمن ". قال الهيثمي (10 / 53) : " رواه الطبراني عن ابن عمر وفيه سهل ابن عامر وهو ضعيف "، وسيأتي إن شاء الله تعالى (2029) بلفظ: " يا سلمان لا تبغضني فتفارق دينك ". 1235 - " إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه فليتوضأ ". أخرجه النسائي (1 / 76) من طريق شعبة عن معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ومن أعله بالانقطاع بين عروة وبسرة، فهو محجوج بما أخرجه أحمد (6 / 407) وغيره حدثنا يحيى ابن سعيد عن هشام قال : حدثني أبي أن بسرة بنت صفوان أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من مس ذكره فلا يصل حتى يتوضأ ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين أيضا مسلسل بالتحديث، فهو من أصح الأسانيد، وفيه رد على النسائي في قوله عقبة: " هشام بن عروة لم يسمع من أبيه هذا الحديث ". ولا أدري كيف يقول النسائي هذا وهو يصرح بالتحديث عن أبيه ويروي ذلك عنه يحيى بن سعيد القطان الحافظ الثقة المتقن؟ ! وأخرجه الحاكم (1 / 136) من طريق حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن عروة وفيه قول عروة: حدثتني بسرة بنت صفوان به. فصرح بسماعه منها ولا يعكر عليه أن في بعض الروايات أنه رواه عن مروان عنها، فقد كان ذلك في أول الأمر، ثم لقي عروة بسرة فسألها فصدقت مروان في روايته عنها كما جاء ذلك صريحا عند الحاكم وغيره. والمشهور في لفظ الحديث: " من مس ذكره فليتوضأ "، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (174) و " إرواء الغليل " (196) وغيرهما. وللفظ الترجمة شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا:

1236

" إذا أفضى أحدكم بيده إلى فرجه وليس بينهما سترة ولا حجاب فليتوضأ ". أخرجه ابن حبان (210) والسياق له والدارقطني (53) والبيهقي (1 / 133) وإسناد ابن حبان جيد. وله عند البيهقي شاهد آخر عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مرسلا. 1236 - " ليأكل أحدكم بيمينه وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويعطي بشماله ويأخذ بشماله ". أخرجه ابن ماجه (2 / 303) حدثنا هشام بن عمار حدثنا الهقل بن زياد حدثنا هشام ابن حسان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال البوصيري في " زوائده " (197 / 1) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات "! قلت: كلهم ثقات من رجال الشيخين غير هقل بن زياد، فهو من رجال مسلم فقط، وهشام فمن رجال البخاري وحده، لكن فيه ضعف، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق مقرىء كبر فصار يتلقن ". لكن الحديث صحيح إن شاء الله، فقد جاء مفرقا من طرق أخرى، فرواه النعمان بن راشد الجزري عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا بلفظ: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه ويشرب بيمينه، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ". أخرجه أحمد (2 / 325 / 349) من طريقين عنه. قلت: وهو على شرط مسلم لكن النعمان هذا سيء الحفظ كما قال الحافظ.

1237

ثم أخرج أحمد (5 / 311 و 4 / 383) من طريق عبد الله بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أكل أحدكم فلا يأكل بشماله وإذا شرب فلا يشرب بشماله وإذا أخذ فلا يأخذ بشماله وإذا أعطى فلا يعطي بشماله ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن فيه إرسالا، فإن عبد الله ابن أبي طلحة ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وثقه ابن سعد، كما في " التقريب " ولذلك قال الحافظ " نتائج الأفكار " (1 / 30 / 1) : " أخرجه أحمد بسند جيد عن عبد الله بن أبي طلحة ". ويشهد له حديث ابن عمر مرفوعا به دون قوله: " وإذا أخذ ... " وزاد: " فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ". أخرجه مسلم (6 / 109) وأبو داود (2 / 314 - الحلبية) والدارمي (2 / 96) وكذا مالك (3 / 109 - الحلبية) وأحمد (2 / 8 و 33 و 80 و 106 و 128 و135) من طرق عنه، وزاد مسلم وأحمد في رواية: " قال: وكان نافع يزيد فيها : ولا يأخذ بها ولا يعطي بها ". وفي لفظ لمسلم وأحمد: " لا يأكلن أحد منكم بشماله ولا يشربن ... " الحديث. وقد أخرجه البخاري " الأدب المفرد " (1189) والترمذي. وحديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تأكلوا بالشمال، فإن الشيطان يأكل بالشمال " أخرجه مسلم (1 / 108 - 109) وابن ماجه (2 - 303) وأحمد (3 / 334 و 387) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (18 / 87 / 1) . 1237 - " نعم عبد الله خالد، سيف من سيوف الله ". رواه ابن عساكر (5 / 272 / 2) عن محمد بن عيسى بن يزيد الطرسوسي

أنبأنا إسحاق ابن محمد عن أسامة بن زيد عن زيد بن أسلم عن أبي صالح وعطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يمرون، فيقول رسول الله: يا أبا هريرة من هذا؟ فأقول: فلان، فيقول: نعم عبد الله فلان ويمر فيقول: من هذا يا أبا هريرة فأقول: فلان، فيقول بئس عبد الله، حتى مر خالد ، فقلت: هذا خالد بن الوليد يا رسول الله. قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير إسحاق بن محمد وهو الفروي، فهو مع أنه من رجال البخاري فقد ضعف، قال الحافظ: " صدوق كف فساء حفظه ". والطرسوسي محدث رحال لكنه اتهم بسرقة الحديث، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " يخطىء كثيرا ". وروى عنه أبو عوانة في " صحيحه ". ثم رواه من طريق أحمد وهذا في " المسند " (2 / 360) عن هاشم بن هاشم عن إسحاق بن الحارث بن عبد الله بن كنانة عن أبي هريرة به نحوه مختصرا وليس فيه " سيف من سيوف الله " . وكذلك رواه ابن عساكر من طريق نعيم بن حماد أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عبد الواحد بن أبي عون عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة. ومن طريق الزبير بن بكار حدثني يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري عن عبد العزيز بن محمد به، ومن طريق الفاكهي أخبرنا أبو يحيى بن أبي مرة أخبرنا يعقوب بن محمد به. قلت: فهذان طريقان آخران عن أبي هريرة يتقوى الحديث بهما، فإن الأول رجاله كلهم ثقات، فهو صحيح الإسناد لولا أن أبا حاتم قال: إن ابن كنانة عن أبي هريرة مرسل. والآخر رجاله موثقون، فهو متصل جيد لولا أن عبد الواحد بن أبي عون قال الحافظ فيه: " صدوق يخطىء ".

والطريق الأولى قد توبع عليها أسامة بن زيد، فأخرجه الترمذي (2 / 316) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة به. وقال: " حديث حسن غريب ولا نعرف لزيد بن أسلم سماعا من أبي هريرة وهو عندي حديث مرسل ". قلت: لكن مجيئه من الطريق الأول موصولا ومن الطرق الأخرى عن أبي هريرة مما يدل على أن للحديث أصلا، لاسيما وقوله: " سيف من سيوف الله " ثابت في " الصحيحين " وغيرهما عن أنس. وللحديث شاهد آخر بلفظ: " نعم عبد الله وأخو العشيرة خالد بن الوليد، سيف من سيوف الله، سله الله على الكفار والمنافقين ". رواه أحمد (1 / 8) والحاكم (3 / 298) وابن عساكر (5 / 271 / 1 و 2 / 17 / 372 / 1) عن علي بن عياش أخبرنا الوليد بن مسلمة حدثني وحشي بن حرب عن أبيه عن جده وحشي بن حرب أن أبا بكر عقد لخالد بن الوليد على قتال أهل الردة، فقال: فذكره مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وسكت عليه الذهبي. وأقول: وحشي بن حرب روى عنه جماعة غير الوليد بن مسلم ووثقه ابن حبان. وقال الحافظ: " مستور ". لكن أبوه حرب بن وحشي بن حرب لا يعرف إلا برواية ابنه وحشي ولذلك قال البزار " مجهول ". وله شاهد آخر من حديث عمر رضي الله عنه بلفظ: " خالد بن الوليد سيف من سيوف الله، سله على المشركين ". رواه ابن عساكر (5 / 271 / 2) عن الوليد بن شجاع أخبرنا ضمرة قال: الشيباني أخبرني عن أبي العجماء قال: قيل لعمر بن الخطاب: لو عهدت يا أمير المؤمنين، قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي لم استخلفته على أمة محمد؟ قلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح ولو أدركت خالد بن الوليد ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: فذكره. وقال :

1238

" كذا قال، وإنما هو أبو العجفاء السلمي واسمه هرم ابن نسيب، شامي ". قلت: وهو مختلف. فيه فوثقه ابن معين وابن حبان، وقال البخاري: " في حديثه نظر ". والشيباني اسمه السري بن يحيى وهو ثقة. وضمرة هو ابن ربيعة وهو حسن الحديث، ومثله الوليد بن شجاع وهو من رجال مسلم. ورواه ابن سعد (7 / 395) بسند صحيح عن قيس بن أبي حازم مرسلا. ومن طريق خالد بن سمير عن عبد الله بن رباح الأنصاري قال: حدثنا أبو قتادة الأنصاري مرفوعا في قصة مختصرا بلفظ: " اللهم هو سيف من سيوفك فانتصر به ". قال: فيومئذ سمي خالد سيف الله. 1238 - " كان يرخي الإزار من بين يده ويرفعه من ورائه ". رواه ابن سعد (1 / 459) بسند صحيح عن يزيد بن أبي حبيب مرفوعا. ولكنه مرسل. وقد وصله هو والبيهقي في " الشعب " (2 / 225 / 1) من طريق محمد بن أبي يحيى مولى الأسلميين عن عكرمة مولى ابن عباس قال: رأيت ابن عباس إذا اتزر أرخى مقدم إزاره حتى تقع حاشيتاه على ظهر قدميه ويرفع الإزار مما وراءه، قال : فقلت له: لم تأتزر هكذا؟ قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزر هذه الإزرة ". قلت: وهذا إسناد صحيح. ثم روى ابن سعد بسند صحيح عن محمد بن أبي يحيى عن رجل عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتزر تحت سرته وتبدو سرته ورأيت عمر يأتزر فوق سرته. 1239 - " كان يكره أن يطأ أحد عقبه ولكن يمين وشمال ". أخرجه الحاكم (4 / 279) عن شيبان حدثنا سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت البناني عن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو رضي الله

عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ، ثم ساقه من طريق أمية بن خالد: حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو به نحوه. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: شعيب ليس من رجال مسلم، فالحديث صحيح فقط، وكذلك عمرو ابن شعيب لكن أظن أن ذكره في هذا الإسناد وهم، فقد رواه حماد بن سلمة عن ثابت مثل رواية شيبان عن سليمان لم يذكر عمرا إلا أن حماد قال: عن ثابت عن شعيب بن عبد الله ابن عمرو عن أبيه قال: " ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط ولا يطأ عقبه رجلان ". أخرجه أبو داود (3770) وابن ماجه (244) وأحمد (2 / 165 و 167) . فظاهر هذا السياق أن الحديث مرسل لأن أبا شعيب هو محمد بن عبد الله بن عمرو كما صرح به شيبان في روايته - ولا صحبة له ولذلك قال المنذري في " مختصر السنن " (5 / 302) : " وشعيب هذا هو والد عمرو بن شعيب، ووقع هنا وفي كتاب ابن ماجه: شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه. وهو شعيب ابن محمد بن عبد الله بن عمرو، فإن كان ثابت البناني نسبه إلى جده حين حدث عنه ، فذلك سائغ وإن كان أراد بأبيه محمدا فيكون الحديث مرسلا، فإن محمد لا صحبة له وإن كان أراد بأبيه جده عبد الله فيكون مسندا، وشعيب قد سمع من عبد الله ابن عمرو ". قلت: والراجح عندي الثاني وهو أنه أراد بأبيه جده عبد الله بن عمرو لرواية سليمان بن المغيرة المصرحة بأن الحديث من مسنده. ويؤيده أن في رواية لأحمد بلفظ: " ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ... ". فهذا نص على ما ذكرنا، والله الموفق.

1240

1240 - " اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم، اعدلوا بين أولادكم ". رواه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 73) وأبو داود (2 / 110) والنسائي (2 / 132 و 133) وأحمد (4 / 275 و 288 و 375) من طريق حماد بن زيد عن حاجب بن المفضل بن المهلب عن أبيه قال: سمعت النعمان بن بشير يقول : فذكره مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله ثقات غير المفضل بن المهلب وهو صدوق كما في " التقريب ". وورد بلفظ آخر يأتي في " إن عليك ". والحديث عزاه ابن القيم في " تحفة الودود " (ص 75 - هند) لابن حبان في " صحيحه "، ولم يورده الهيثمي في " موارد الظمآن ". والله أعلم. 1241 - " طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى ـ سبع مرات ـ لمن لم يرني وآمن بي ". رواه أحمد (5 / 248 و 257 و 264) عن همام بن يحيى وحماد بن الجعد عن قتادة عن أيمن عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير أيمن هذا، أورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 319) ولم يزد على ما جاء في هذا الإسناد أنه روى عن أبي أمامة وعنه قتادة! ومعنى ذلك أنه مجهول، وصرح بذلك الذهبي في " الميزان " وساق له هذا الحديث، وقال: " وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " فقال: " هو أيمن بن مالك الأشعري ". قال الحافظ في " اللسان ": " قلت: واختلف على همام في الحديث، فقال عبيد الله بن موسى وأبو

داود الطيالسي وغير واحد: عن قتادة عنه عن أبي أمامة. وقال أبو عامر العقدي: عن همام عن قتادة عن أيمن عن أبي هريرة رضي الله عنه، والله أعلم. وصحح ابن حبان الطريقين في (صحيحه) ". قلت: طريق أبي هريرة في " الموارد " (2303) . والطريق الأولى أرجح عندي لاتفاق ثلاثة عليها وتفرد العقدي بالأخرى. وعلى كل حال فالإسناد ضعيف لجهالة أيمن، وتوثيق ابن حبان إياه مما لا يوثق به كما هو معروف وإن اعتمده الهيثمي ، فقال في تخريج الحديث (10 / 67) : " رواه أحمد والطبراني بأسانيد ورجالها رجال الصحيح غير أيمن بن مالك الأشعري وهو ثقة ". لكن للحديث شاهد من حديث ثابت عن أنس مرفوعا: " طوبى لمن آمن بي ورآني مرة وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرار ". أخرجه أحمد (3 / 155) حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا جسر عن ثابت. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير جسر وهو ابن فرقد وهو ضعيف من قبل حفظه لكن لم ينفرد به فقال أبو يعلى في " مسنده " (857) : حدثنا الفضل ابن الصباح أخبرنا أبو عبيدة عن محتسب عن ثابت به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير محتسب هذا وهو ابن عبد الرحمن الأعمى ترجمة ابن أبي حاتم (4 / 1 / 439) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقال ابن عدي في " الكامل " (ق 402 / 2 - منتخبه) : " يروي عن ثابت أحاديث ليست بمحفوظة " . وقال الذهبي في " الميزان ": " لين ". وفي " المجمع " (10 / 67) :

" رواه أحمد وأبو يعلى وإسناده حسن كما تقدم وإسناد أحمد فيه جسر وهو ضعيف ". وذكر فيما تقدم (10 / 66) : " أن في رجال أبي يعلى محتسبا أبا عائذ وثقه ابن حبان وضعفه ابن عدي وبقية رجاله رجال الصحيح غير الفضل ابن الصباح وهو ثقة ". وقد جاء الحديث من طريق أخرى بلفظ ثلاث بدل " سبع " من حديث عبد الله ابن عمر وأبي سعيد الخدري وأبي عبد الرحمن الجهني. 1 - أما حديث ابن عمر، فقال الطيالسي (1845) : حدثنا العمري عن نافع قال: " جاء رجل إلى ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن أنتم نظرتم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعينكم هذه؟ قال: نعم، قال: وكلمتموه بألسنتكم هذه؟ قال : نعم، قال: وبايعتموه بأيمانكم هذه؟ قال: نعم، قال: طوبى لكم يا أبا عبد الرحمن! قال: أفلا أخبرك عن شيء سمعته منه؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن لم يرني وآمن بي ثلاثا ". قلت: والعمري هذا ضعيف لكن يشهد لحديثه ما يأتي. 2 - وأما حديث أبي سعيد فيرويه دراج عن أبي الهيثم عنه مرفوعا به. أخرجه ابن حبان (2302) وأحمد (3 / 71) والخطيب في " التاريخ " (4 / 91) . 3 - وأما حديث أبي عبد الرحمن الجهني فيرويه محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: " بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع ركبان، فلما رآهما قال: كنديان مذحجيان حتى أتياه، فإذا رجال من مزحج قال: فدنا إليه أحدهما ليبايعه قال: فلما أخذ بيده قال: يا رسول الله! أرأيت من رآك فآمن بك وصدقك واتبعك ماذا له؟ قال : طوبى له، قال فمسح على يده، فانصرف، ثم أقبل الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه، قال: يا رسول الله! أرأيت من آمن بك وصدقك واتبعك ولم يرك؟ قال: طوبى له ، ثم طوبى له، ثم طوبى له، قال فمسح على يده فانصرف ".

1242

أخرجه أحمد (4 / 152 ) في " مسند عقبة بن عامر الجهني " وكأنه أشار بذلك إلى أن أبا عبد الرحمن الجهني راوي هذا الحديث هو عقبة هذا وقد قيل في كنيته أقوال فليضم هذا إليها. قلت: وهذا إسناد جيد، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. 1242 - " نهى عن خاتم الذهب وعن خاتم الحديد ". أخرجه البيهقي " شعب الإيمان " (2 / 251 / 1) عن محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " وأحمد بنحوه. قلت: وهذا إسناد حسن، والحديث صحيح، فإن له طريقا أخرى عن ابن عمرو وشواهد خرجتها في " آداب الزفاف " (ص 127 و 128 - الطبعة الثالثة) . 1243 - " الشيب نور المؤمن، لا يشيب رجل شيبة في الإسلام إلا كانت له بكل شيبة حسنة ورفع بها درجة ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 257 / 1) عن الوليد بن كثير حدثني عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قد تقرر أنه حسن الحديث. وعبد الرحمن بن الحارث وهو أبو الحارث المدني، قال الحافظ : " صدوق له أوهام ". والوليد بن كثير هو أبو محمد المدني صدوق احتج به الشيخان. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا تنتفوا الشيب فإنه نور يوم القيامة، من شاب شيبة ... ". الحديث نحوه. أخرجه ابن حبان ( 1479) بسند حسن. 1244 - " الشيب نور في وجه المسلم، فمن شاء فلينتف نوره ". رواه ابن عدي (212 / 1) والبيهقي في " الشعب " (2 / 250 / 2)

عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد العزيز بن أبي الصعبة عن فضالة بن عبيد مرفوعا . وقال ابن عدي: " لا يرويه غير ابن لهيعة ". قلت: وهو ضعيف لكن تابعه يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به. أخرجه البيهقي ولفظه: " من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة ". فقال رجل: إن رجالا ينتفون الشيب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شاء نتف شيبه! أو قال: نوره ". قلت: فالحديث حسن بهذا الإسناد. وهو صحيح بدون قوله: " فقال رجل.... " الخ لمجيئه كذلك عن جمع من الصحابة. منهم عمرو بن عبسة عند ابن سعد (1 / 433) وابن عساكر في " التاريخ " (13 / 282 / 1) وغيرهما وهو مخرج في " التعليق على المشكاة " (4459) . ومنهم عمر بن الخطاب عند ابن حبان (1477) والطبراني في " الكبير " (1 / 4 / 1) والعقيلي، والضياء في " المختارة " (رقم 112 و 123 - بتحقيقي) . وأبو هريرة عند ابن حبان (1479) . ونوف البكالي مرسلا، رواه ابن عساكر (17 / 342 / 2) . وأبو نجيح السلمي عند ابن حبان (1478) والحاكم (3 / 50) وصححه ووافقه الذهبي. وأم سليم عند الحاكم في " الكنى "، والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 83 / 1) وزاد في آخره: " ما لم يغيرها، وهي زيادة منكرة بل باطلة لعدم ورودها في شيء من طرق الحديث إلا في هذه، وهي واهية فيها سالم أبو عتاب ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 191) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو آفته. وفيه آخران لم أعرفهما. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر أنهم غيروا الشيب بل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتغيير في غير ما حديث في " الصحيحين " وغيرهما فهل يكون جزاء من أطاع أمره صلى الله عليه وسلم أن يذهب نور شيبه؟ ! ثم رأيت الزيادة المذكورة عند البيهقي من حديث عمرو بن عبسة المشار

1245

إليه آنفا لكن في إسنادها شهر بن حوشب وهو ضعيف على أنها بلفظ: " ما لم يخضبها أو ينتفها " هكذا على الشك، فلعل أصل الحديث لا ما لم ينتفها " ثم عرض الشك للراوي، والله أعلم. 1245 - " وفروا عثانينكم وقصروا سبالكم (وخالفوا أهل الكتاب) ". أخرجه أحمد (5 / 264) والبيهقي في " الشعب " (2 / 259 / 2) من طريق عبد الله بن العلاء بن زبر قال: سمعت القاسم مولى يزيد يحدث عن أبي أمامة قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من الأنصار بيض لحاهم، فقال: يا معشر الأنصار حمروا وصفروا وخالفوا أهل الكتاب، فقالوا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم ويوفرون سبالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره) فقالوا: يا رسول الله إن أهل الكتاب يتخففون ولا ينتعلون، فقال: " انتعلوا وتخففوا وخالفوا أهل الكتاب " والزيادة لأحمد. قلت: وهذا إسناد حسن. وقال الهيثمي (5 / 131) : " رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح خلا القاسم وهو ثقة وفيه كلام لا يضر ". (عثانينكم) جمع (عثنون) وهي اللحية. و (سبالكم) جمع (السبلة) بالتحريك: الشارب. 1246 - " لا يحل لمسلم أن يهجر مسلما فوق ثلاث، فإنهما ناكبان عن الحق ما دام على حرامهما، فأولهما فيئا، سبقه بالفيء كفارة، فإن سلم ولم يرد عليه سلامه ردت عليه الملائكة ورد على الآخر الشيطان، فإن ماتا على صرامهما لم يجتمعا في الجنة أبدا ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 402) وأحمد (4 / 20) والبيهقي في " الشعب " (2 / 287 / 2) عن يزيد الرشك قال: سمعت معاذة العدوية قالت: سمعت هشام ابن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح.

1247

1247 - " استرقوا لها فإن بها النظرة ". أخرجه البخاري (10 / 165) واللفظ له ومسلم (7 / 18) من طريق محمد بن الوليد الزبيدي أخبرنا الزهري عن عروة بن الزبير عن زينب ابنة أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة فقال: فذكره. وأخرجه الحاكم (4 / 212) . 1248 - " العين حق ". أخرجه البخاري (10 / 166) ومسلم (7 / 13) وأبو داود (2 / 153) وأحمد (2 / 318) من حديث همام بن منبه عن أبي هريرة به مرفوعا. وله طريق أخرى أخرجه ابن ماجه (2 / 356) عن مضارب بن حزن عنه. وإسناده حسن بما قبله. وفيه عند البخاري وأحمد زيادة (ونهى عن الوشم) . وللحديث شواهد كثيرة فأخرجه ابن ماجه من حديث عامر بن ربيعة وكذلك أخرجه الحاكم وغيره في حديث سبق بلفظ: (إذا رأى أحدكم من نفسه) ومن شواهده ما يأتي بعده. وانظر (استعيذوا بالله من العين) ، (أكثر من يموت) ، (إن العين) ، (كان يأمرها ) ، (كنت أرقي) ، (مروا أبا ثابت) ، (ما يصيبكم) ، (من رأى شيئا) ، ( لا شيء في الهام) ، (لا عدوى) . 1249 - " العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر ". قال في " الجامع ": " رواه ابن عدي وأبو نعيم في " الحلية " عن جابر وابن عدي عن أبي ذر ". قلت: وقد أخرجه أبو نعيم " الحلية " (7 / 90) وأبو بكر الشيرازي في " سبعة مجالس من الأمالي " (8 / 2) والخطيب في " تاريخه " (9 / 244)

1250

من طريق محمد ابن مخلد وابن عدي كلاهما عن شعيب بن أيوب حدثنا معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر به. قال ابن عدي: وحدث سفيان هذا عن محمد بن المنكدر ويقال إنه غلط وإنما هو عن معاوية عن علي بن علي عن ابن المنكدر عن جابر ". " والحديث أشار إليه الذهبي في ترجمة شعيب بن أيوب هذا وقال: إنه منكر. وضعفه الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة "، وإسناده حسن عندي لأن شعيب بن أيوب وثقه الدارقطني وابن حبان، وجرحه أبو داود جرحا مبهما فقال: إني لأخاف الله تعالى في الرواية عنه ". 1250 - " العين حق، تستنزل الحالق ". أخرجه الحاكم (4 / 215) وأحمد (1 / 274 و 294) والطبراني في " الكبير " (3 / 178 / 2) من طريق سفيان عن دويد حدثني إسماعيل بن ثوبان عن جابر بن زيد عن ابن عباس به مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح ". ووافقه الذهبي. مع أنه أورد دويدا في " الميزان " وقال: " قال أبو حاتم: لين " ولم يزد، فمن أين جاءت الصحة إلى إسناده؟ ! وفي " المجمع " (5 / 107) : " رواه أحمد والطبراني وفيه دويد البصري وقال أبو حاتم لين، وبقية رجاله ثقات ". قلت: لكن الحديث له شاهد بلفظ: (إن العين لتوقع الرجل) وقد مضى برقم (889 ) ، فهو به حسن إن شاء الله تعالى. 1251 - " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا ". أخرجه مسلم (7 / 13 و 14) من حديث ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس. ورواه الترمذي بدون الجملة الأولى ويأتي بعده بلفظ (لو كان ... ) . ورواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 191) عن ليث عن طاووس به دون الجملة الوسطى.

1252

1252 - " لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين ". أخرجه الترمذي (2 / 6 طبع بولاق) وابن ماجه (2 / 356) وأحمد (6 / 438) وابن عدي (228 / 1) عن سفيان عن عمرو بن دينار عن عروة - وهو أبو حاتم بن عامر - عن عبيد بن رفاعة الزرقي أن أسماء بنت عميس قالت: يا رسول الله! إن ولد جعفر تسرع إليهم العين فأسترقي لهم؟ فقال: " نعم، فإنه لو ... " الخ . وقال الترمذي " حسن صحيح ". قلت: ورجاله ثقات مشهورون من رجال الشيخين غير عبيد بن رفاعة وهو ثقة وغير عروة بن عامر، قال في التقريب: " مختلف في صحبته، له حديث في الطيرة (¬1) وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ". ثم أخرج الترمذي الحديث من طريق أيوب عن عمرو بن دينار عن عروة بن عامر عن عبيد بن رفاعة عن أسماء بنت عميس عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: فصرح أيوب أنه من مسند أسماء خلاف المتبادر من رواية سفيان الأولى. وللحديث شاهد صحيح من رواية ابن عباس تقدم قبله. وقد رواه الترمذي بلفظ: " لو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا ". وقال: " حديث حسن صحيح ". 1253 - " إياكم وأبواب السلطان، فإنه قد أصبح صعبا هبوطا ". رواه الديلمي (1 / 2 / 345) من طريق الطبراني، وابن منده في " المعرفة " (2 / 62 / 2) وابن عساكر (13 / 232 / 1) عن عبيد بن يعيش حدثنا محمد بن فضيل عن إسماعيل عن قيس عن أبي الأعور السلمي مرفوعا به. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود وابن السني بلفظ: " أحسنها الفأل " وقد ذكر في محله. اهـ.

1254

ثم رواه ابن منده من طريق يحيى بن زكريا عن إسماعيل به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات وأبو الأعور اسمه عمرو بن سفيان وهو مختلف فيه كما قال ابن عساكر لكن أثبتت صحبته جمع منهم الإمام مسلم. (هبوطا) أي ذلا. في " النهاية ": " فيه: " اللهم غبطا لا هبطا "، أي نسألك الغبطة ونعوذ بك من الذل والانحطاط والنزول. يقال: هبط هبوطا وأهبط غيره ". 1254 - " طوبى لمن رآني وطوبى لمن رأى من رآني ولمن رأى من رأى من رآني وآمن بي ". أخرجه الحاكم (3 / 86) من طريق جميع بن ثواب حدثنا عبد الله بن بسر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " هذا حديث قد روي بأسانيد قريبة عن أنس بن مالك، وأقرب هذه الروايات إلى الصحة ما ذكرنا ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: جميع واه ". قلت: لكنه قد توبع، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 20) دون قوله: " ولمن رأى ... " وزاد: طوبى لهم وحسن مآب ". وقال: " رواه الطبراني، وفيه بقية وقد صرح بالسماع فزالت الدلسة، وبقية رجاله ثقات ". وقد وقفت على إسناده، أخرجه الضياء في " المختارة " (ق 113 / 2) من طريق أبي يعلى والطبراني بإسناديهما عن بقية عن، وقال الطبراني عنه: حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق اليحصبي عن عبد الله بن بسر به. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله معروفون غير اليحصبي هذا فقد ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 316) برواية جماعة عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا والظاهر أنه وثقه ابن حبان، يدل عليه كلام الهيثمي السابق. والله أعلم.

1255

وأما أسانيد الحديث إلى أنس التي أشار إليها الحاكم، فقد أخرجه الخطيب في " التاريخ " (3 / 49 و 306 و 13 / 127) من ثلاثة طرق عنه وهي واهية شديدة الضعف، فلا نطيل الكلام بتخريجها. وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا به ولكنه واه جدا. أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (110 / 2) من طريق إبراهيم أبي إسحاق عن أبي نضرة عنه. وهذا إسناد ضعيف جدا، إبراهيم هذا هو ابن الفضل، وهو متروك كما في " التقريب ". وبالجملة فالحديث حسن إن شاء الله تعالى من أجل طريق بقية التي أخرجها الضياء في " المختارة ". والله أعلم. 1255 - " إذا استلقى أحدكم على ظهره فلا يضع إحدى رجليه على الأخرى ". أخرجه الترمذي (2 / 127) حدثنا عبيد بن أسباط بن محمد القرشي حدثنا أبي حدثنا سليمان التيمي عن خداش عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال: " هذا حديث رواه غير واحد عن سليمان التيمي ولا يعرف خداش هذا من هو؟ ". ورواه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 360) من طريق أخرى عن التيمي به. قلت: وأخرجه البزار في " مسنده " (ص 249 - زوائده) حدثنا قيس بن آدم حدثنا جدي أزهر بن سعد عن سليمان التيمي عن خداش عن أبي الزبير عن جابر عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، وقال: " قد روى مرة (!) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل أحد عن جابر عن ابن عباس إلا أزهر، وخداش بصري لا نعلمه روى عنه إلا التيمي ومحمد بن ثابت البصري وقد وثق ".

قلت: وقيس بن آدم لم أجد له ترجمة وأما جده أزهر بن سعد فهو ثقة من رجال الشيخين. فلعل المخالفة ليست منه بل من حفيده والصواب رواية القرشي عن التيمي ، فقد توبع عليها، فقال الإمام أحمد (3 / 299) حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن الأخنس عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وأخرجه مسلم (6 / 154) من طريق روح بن عبادة حدثني عبيد الله به ولفظه: " لا يستلقين أحدكم، ثم يضع إحدى رجليه على الأخرى ". ثم أخرجه هو والترمذي وأحمد (3 / 349) والطحاوي من طريق الليث عن أبي الزبير به بلفظ: " نهى عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وأن يرفع الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه مسلم وأحمد (3 / 297 و 322) من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله به نحوه. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. " نهى أن يستلقي الرجل ويثني إحدى رجليه على الأخرى ". أخرجه الطحاوي وابن حبان (1961) من طريق روح بن القاسم عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن حفص عن عمر بن سعد بن أبي وقاص عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. (تنبيه) : أورده السيوطي بلفظ (قفاه) بدل " ظهره ". وعزاه للترمذي عن البراء وأحمد عن جابر، والبزار عن ابن عباس. ولم أجد له أصلا من حديث البراء عند الترمذي أو غيره. (فائدة هامة) : وأما الحديث الذي فيه تعليل النهي عن الاستلقاء بأن الله تعالى استلقى لما خلق خلقه! فهو منكر جدا كما حققته في " الضعيفة " (755) . فراجعه.

1256

1256 - " ما أحب عبد عبدا لله إلا أكرمه الله عز وجل ". رواه أحمد في " المسند " (9 / 259) وابن قدامة في " المتحابين في الله " (107 / 1) عن إسماعيل بن عياش عن يحيى بن الحارث الذماري عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد شامي جيد. 1257 - " إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله كما يخلص الكير خبث الحديد ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (497) وابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (ق 190 / 1) من طريقين عن ابن أبي ذئب عن جبير بن أبي صالح عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير جبير بن أبي صالح، قال الذهبي: " لا يدرى من هو؟ ". لكن أسقطه بعض الرواة عن ابن أبي ذئب من الإسناد، فأخرجه ابن حبان (695) وابن أبي الدنيا أيضا (ق 167 / 2) وعبد بن حميد في " المنتخب " (ق 191 / 1 - مصورة المكتب) من طريق ابن أبي فديك، والطبراني في " الأوسط " (1 / 67 / 1 - زوائده) والقضاعي في " مسند الشهاب " (113 / 2) عن عبد الله بن نافع، ويوسف بن يعقوب الأنباري في " حديثه " (ق 114 / 2) حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثنا أبو عوانة، ثلاثتهم عن ابن أبي ذئب عن الزهري به. ولعل هذا أصح من الأول لاتفاق الجماعة عليه، فالإسناد صحيح إن شاء الله تعالى. وقد أخرجه الخطيب في " تلخيص المتشابه " (ق 20 / 2) عن محمد بن عبد الرحمن بن بحير حدثنا أبي حدثنا مالك بن أنس - أملاه علي سنة سبع وسبعين - عن ابن شهاب به. وقال: " ابن بحير بفتح الباء وكسر الحاء، روى عنه ابنه محمد عن مالك بن أنس أحاديث منكرة، الحمل فيها على أبيه، منها هذا الحديث ".

1258

1258 - " إذا اشتكيت فضع يدك حيث تشتكي وقل: بسم الله (وبالله) ، أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد من وجعي هذا، ثم ارفع يدك ثم أعد ذلك وترا ". أخرجه الترمذي (2 / 278) والحاكم (4 / 219) والضياء في " المختارة " (ق 51 / 1) عن محمد بن سالم حدثنا ثابت البناني قال: قال لي: يا محمد (فذكره) فإن أنس بن مالك حدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه بذلك. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، ومحمد بن سالم شيخ بصري ". قلت: وقال الضياء: " سئل أبو حاتم عنه؟ فقال: لا بأس به ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (2 / 267) ، فالحديث صحيح الإسناد وكذلك قال الحاكم ووافقه الذهبي. 1259 - " إذا أقيمت الصلاة فطوفي على بعيرك من وراء الناس ". أخرجه النسائي (2 / 37) من طريق عبدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أم سلمة قالت: " يا رسول الله، والله ما طفت طواف الخروج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " (فذكره) . وقال النسائي: " لم يسمعه من أم سلمة ". ثم ساق هو والبخاري (1 / 410) من طريق مالك، وهذا في " الموطأ " (1 / 370 - 371) عن أبي الأسود عن عروة عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة به نحوه.

1260

وفي رواية للبخاري من طريق يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام ابن عروة عن زينب عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وهو بمكة، فأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة - للصبح - فطوفي على بعيرك والناس يصلون ". ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت. 1260 - " إذا اكتحل أحدكم فليكتحل وترا وإذا استجمر فليستجمر وترا ". أخرجه أحمد (2 / 351 / 356) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن لهيعة، فهو سيء الحفظ. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 96) : " رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات ". كذا قال، وابن لهيعة ضعيف الحديث إلا في الشواهد أو المتابعات، وقد وجدت للحديث طريقا أخرى عن أبي هريرة مرفوعا به نحوه. وفي سنده ضعف بينته في الكتاب الآخر (1028) فالحديث بمجموع الطريقين حسن إن شاء الله. وأما رمز السيوطي له بالصحة، وأقره المناوي فلا وجه له. والله أعلم. ثم رأيت الإمام أحمد أخرجه (4 / 156) من طريق ابن لهيعة أيضا عن عبد الله بن هبيرة عن عبد الرحمن بن جبير عن عقبة بن عامر الجهني مرفوعا به . وفي لفظ له بهذا الإسناد إلا أنه جعل الحارث بن يزيد مكان عبد الله بن هبيرة : " كان إذا اكتحل اكتحل وترا وإذا استجمر استجمر وترا ". وقد مضى له شاهد مفصل برقم (633) وفيه بيان أن الإيتار خاص باليمنى فراجعه. (انظر الاستدراك رقم 258 / 25) .

1261

وللشطر الأول منه شاهد آخر من حديث سفيان عن عاصم عن أبي العالية عن أنس مرفوعا نحوه بلفظ: " الكحل وتر ". أخرجه تمام في " الفوائد " (ق 57 / 1) أخبرنا أبو الحسن خيثمة بن سليمان - قراءة عليه - حدثنا محمد بن عوف أبو جعفر الحمصي حدثنا الفريابي حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي العالية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات إذا كان عاصم هذا هو ابن سليمان الأحول فإنه بصري مثل أبي العالية واسمه رفيع بن مهران الرياحي. ويحتمل أنه عاصم بن بهدلة الكوفي، فإن كان هو، فالسند حسن. كما يحتمل أنه عاصم بن كليب الكوفي، وهو ثقة. أو عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني وهو ضعيف يصلح للاستشهاد به لكن الاحتمال الأول أقوى لأنه كان يحدث عن أبي العالية كما في " الدارقطني " (ص 63) . (انظر الاستدراك رقم 259 / 14) . وللشطر الثاني من الحديث شاهد في " مسلم " عن جابر مرفوعا، وبذلك صح الحديث والحمد لله. 1261 - " إذا التقى الختانان، فقد وجب الغسل ". ورد بهذا اللفظ من حديث عائشة وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وغيرهم. 1 - أما حديث عائشة فيرويه عبد العزيز بن النعمان عنها. أخرجه أحمد (6 / 239 ) من طريق عبيد الله بن رباح عنه. ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد العزيز بن النعمان فهو مجهول، وقال البخاري: " لا يعرف له سماع من عائشة رضي الله عنها ". وأما ابن حبان فوثقه. وفي رواية لأحمد (6 / 123 و 227) عن عبد العزيز ابن النعمان عنها قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقى الختانان أغتسل "

وهو بهذا اللفظ صحيح عنها، فقد رواه القاسم بن محمد عنها قالت: " إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه الترمذي (1 / 23) وابن ماجة (608) بسند صحيح عنها. وأخرجه مسلم (1 / 187) وغيره من طريق أخرى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا من قوله صلى الله عليه وسلم نحوه. وأخرجه الخطيب في " التاريخ " (12 / 286) من طريق ثالثة عنها مرفوعا بلفظ الترجمة. 2 - وأما حديث ابن عمر فيرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه ابن ماجة (611) وأحمد (2 / 178) والخطيب (1 / 311 و 6 / 283) من طرق عنه وهو إسناد حسن وزاد الأولان: " وتوارت الحشفة ". وفي إسنادهما الحجاج وهو ابن أرطأة وهو مدلس وقد عنعنه وقد تابعه عليها عبد الله بن بزيع عن أبي حنيفة عن عمرو بن شعيب به. وزاد في آخره: " أنزل أو لم ينزل ".

1262

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 9 / 2) وقال: " لم يروه عن عمرو إلا أبو حنيفة ولا عنه إلا عبد الله ". قلت: هو وشيخه ضعيفان لكن زيادته يشهد لها حديث أبي هريرة الآتي. والزيادة الأولى حسنة إن شاء الله بمجموع الطريقتين عن عمرو بن شعيب. وقد أخرج الطحاوي (1 / 35) في معناها أثرا من طريق حبيب بن شهاب عن أبيه قال: " سألت أبا هريرة: ما يوجب الغسل؟ فقال: إذا غابت المدورة ". وإسناده صحيح وحبيب بن شهاب وهو العنبري وأبوه مترجمان في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 103 / 2 / 1 / 361) . 3 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه أبو رافع عنه مرفوعا به وزاد: " أنزل أم لم ينزل ". أخرجه البيهقي (1 / 163) بإسناد صحيح، وهو عند " مسلم " (1 / 186 ) بنحوه، وهو مخرج في " صحيح سنن أبي داود " (209) . 1262 - " الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر وهجرة البادي أما البادي فإنه يطيع إذا أمر ويجيب إذا دعي وأما الحاضر، فهو أعظمهما بلية وأفضلهما أجرا ". أخرجه ابن حبان (1580 - 1581) والنسائي في " الكبرى " (2 / 50 - سير) والحاكم (1 / 11) من طريق عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن أبي كثير عن عبد الله بن عمرو: قال رجل: " يا رسول الله أي الهجرة أفضل؟ قال: أن تهجروا ما كره الله، والهجرة هجرتان ... " الحديث. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي كثير وهو زهير بن الأقمر الزبيدي، قال الذهبي: " ما حدث عنه سوى عبد الله بن الحارث الزبيدي، وثقه العجلي والنسائي وكأنه مات في خلافة عبد الملك ". وفي " التقريب ": " مقبول ". قلت: فقول الحاكم: " صحيح ". غير مقبول! ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا به. أخرجه ابن عرفة في " جزئه " (91) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 416 / 1) بإسناد صحيح، فثبت الحديث، والحمد لله. 1263 - " إذا أمن القارئ فأمنوا، فإن الملائكة تؤمن، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ". أخرجه البخاري (4 / 207) والنسائي (1 / 147) وابن ماجة (851)

1264

وابن الجارود (190) وأحمد (2 / 238) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وتابعه بقية عن الزبيدي قال: أخبرني الزهري به. أخرجه النسائي. وهو في " الصحيحين " بنحوه. وراجع تعليقي عليه في كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 205) . 1264 - " بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام ". رواه ابن عدي (20 / 2) وأبو العباس الأصم في " الفوائد المنتقاة " (3 / 1) وعنه الحاكم (1 / 483) حدثنا أيوب (يعني أبو سويد الحميري) حدثنا الأوزاعي عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه لأنهما لم يحتجا بأيوب بن سويد لكنه حديث له شواهد كثيرة ". ووافقه الذهبي. وأيوب بن سويد ضعفه أبو حاتم وغيره وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وتابعه محمد بن ثابت حدثنا محمد بن المنكدر به نحوه. أخرجه أحمد (3 / 325 و334) . وتابعه طلحة بن عمرو عن محمد بن المنكدر به. أخرجه الطيالسي (1817 ) وعنه الخرائطي في " المكارم " (25) . فالحديث حسن بمجموع الطريقين. وقد وجدت له طريقا أخرى عن جابر يرويه بشر بن الوليد حدثنا محمد ابن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عنه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 113 / 2) وقال: " لم يروه عن عمرو إلا محمد بن مسلم، ولا عنه إلا بشر ". قلت: ورجاله ثقات غير أن بشر بن الوليد كان شاخ وخرف، ومحمد بن مسلم الطائفي صدوق يخطىء، وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 107) وتبعه الهيثمي في " المجمع " (3 / 207) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وإسناده حسن "!

1265

1265 - " إذا تنخم أحدكم في المسجد فليغيبها، لا تصب جلدة مؤمن أو ثوبه فتؤذيه ". رواه أحمد (1 / 179) وابن أبي شيبة (2 / 80 / 2) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 141 / 2) وأبو يعلى (ص 230) والضياء في " المختارة " (1 / 331) عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن محمد عن عامر ابن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله " ثقات "، وابن إسحاق إنما نخشى من تدليسه وقد صرح بالتحديث عند أحمد وأبي يعلى والضياء في رواية له. 1266 - " إذا تمنى أحدكم فليستكثر، فإنما يسأل ربه عز وجل ". أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 193 / 1 - مصورة المكتب) أنبأنا عبيد الله بن موسى عن سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. والحديث عزاه السيوطي لأوسط الطبراني، قال المناوي: " ورمز لحسنه وهو تقصير أو قصور وحقه الرمز لصحته ، فقد قال الحافظ والهيثمي وغيره: رجاله رجال الصحيح ". قلت: لا يلزم من هذا القول صحة الإسناد لاحتمال أن يكون فيه علة تمنع الصحة كالانقطاع والتدليس ونحوه كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم الشريف أما إسناد ابن حميد هذا فلا نعلم له علة، وقد توبع عبيد الله بن موسى عن سفيان به نحوه كما يأتي (1325) .

1267

1267 - " ليغشين أمتي من بعدي فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا قليل ". أخرجه الحاكم (4 / 438) عن كثير بن مرة عن ابن عمر مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وله شواهد فانظر " بادروا ... " رقم (758) . 1268 - " ما يخرج رجل صدقته حتى يفك بها لحيي سبعين شيطانا ". رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 248 / 2) والحاكم (1 / 417) وأحمد (5 / 350) والطبراني في " الأوسط " (1 / 90 / 1 - زوائد المعجمين) عن أبي معاوية محمد بن خازم عن الأعمش عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا. وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. 1269 - " إذا خرجت اللعنة من في صاحبها نظرت، فإن وجدت مسلكا في الذي وجهت إليه وإلا عادت إلى الذي خرجت منه ". أخرجه أحمد (1 / 408) والبيهقي في " الشعب " (2 / 92 / 2) من طريقين عن عمر بن ذر عن العيزار بن جرول الحضرمي قال: " كان منا رجل يقال له أبو عمير، قال وكان مؤاخيا لعبد الله (يعني ابن مسعود) فكان عبد الله يأتيه في منزله، فأتاه مرة، فلم يوافقه في المنزل، فدخل على امرأته، قال: فبينا هو عندها إذ أرسلت خادمتها في حاجة، فأبطأت عليها فقالت: قد أبطأت، لعنها الله ! قال: فخرج عبد الله فجلس على الباب

1270

قال: فجاء أبو عمير، فقال لعبد الله: ألا دخلت على أهل أخيك؟ قال: فقال: قد فعلت ولكنها أرسلت الخادمة في حاجة، فأبطأت عليها فلعنتها وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره ) . وإني كرهت أن أكون لسبيل اللعنة ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي عمير، فهو مجهول، والظاهر أن الحضرمي تلقى الحديث عنه ويؤيده أن في رواية أحمد: عن العيزار ... عن رجل منهم يكنى أبا عمير ... ، لكن في طريق أخرى عند أحمد (1 / 425) عن عمر بن ذر عن العيزار من (تنعة) أن ابن مسعود قال: فذكره مرفوعا. والعيزار هذا قد أدرك ابن مسعود فقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 37) : " روى عن علي رضي الله عنه، روى عنه علقمة بن مرثد ". ثم روى توثيقه عن ابن معين، فمن الممكن أن يكون سمعه منه ولعله لذلك قال المنذري في " الترغيب " (3 / 287) : " وإسناده جيد ". وعلى كل حال فالحديث حسن على أقل الأحوال لأن له شاهدا من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه. أخرجه أبو داود (4905) وابن أبي الدنيا في " الصمت " (2 / 14 / 1) وفيه عمران بن عتبة، لا يدرى من هو؟ ! 1270 - " انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام. فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة، فمن أنت لا أم لك؟ ! قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتمي أو المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المنتسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة ". أخرجه أحمد (5 / 128) وعنه الضياء في " المختارة " (1 / 406 - 407) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 88 / 1) من طريق يزيد بن زياد بن أبي الجعد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب قال:

1271

" انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان فمن أنت لا أم لك؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يزيد ابن زياد بن أبي الجعد وهو ثقة. وخالفه جرير فقال: عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. ورجاله ثقات أيضا لكن أشار البيهقي إلى ترجيح الأول. والله أعلم. 1271 - " إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثا ". أخرجه البيهقي (7 / 302) والخطيب في " التاريخ " (10 / 406) عن أبي قلابة عبد الملك بن محمد بن عبد الله الرقاشي أنبأنا أبو عاصم عن سفيان عن أيوب وخالد عن أبي قلابة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه أبو عوانة في " صحيحه " قال: حدثنا الصغاني عن أبي قلابة وقال: " هو غريب ولا أعلم من قاله غير أبي قلابة ". قلت: وهو صدوق يخطىء تغير حفظه لما سكن بغداد كما في " التقريب " لكنه لم ينفرد به، فقد رواه محمد بن إسحاق عن أيوب عن أبي قلابة به مختصرا بلفظ: " للبكر سبع وللثيب ثلاث ". أخرجه الدارمي (2 / 144) وابن ماجة (1916) والدارقطني (409) . ومحمد بن إسحاق ثقة، ولكنه مدلس وقد عنعنه. لكن يشهد له حديث أم سلمة مرفوعا به. أخرجه مسلم (4 / 173) . وقد تكلم الحافظ في " الفتح " (9 / 276) على حديث الرقاشي بما يتلخص

1272

منه أنه غير محفوظ بهذا اللفظ، لكن الطريق الأخرى والشاهد مما يقويه ويدل على أن له أصلا أصيلا. والله أعلم. 1272 - " من بدا جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن أتى أبواب السطان افتتن وما ازداد أحد من السلطان قربا إلا ازداد من الله بعدا ". رواه أحمد (2 / 371 و 440) وابن عدي (14 / 1) عن إسماعيل ابن زكريا عن الحسن بن الحكم النخعي عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا وقال: " لا أعلم يرويه غير إسماعيل بن زكريا وهو حسن الحديث يكتب حديثه ". قلت: وهذا سند حسن فإن بقية رجال الإسناد ثقات كلهم، وإسماعيل احتج به الشيخان، وقال الحافظ: " صدوق يخطىء قليلا ". وخالفه شريك فقال: عن الحسن ابن الحكم عن عدي بن ثابت عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدا جفا ". أخرجه أحمد (4 / 297) . قلت: وشريك سيىء الحفظ لا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف؟ . 1273 - " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس ". أخرجه أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " (25 / 1) عن محمد بن آدم المصيصي حدثنا حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي الأحوص عن عبد الله يعني ابن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الصحيح غير محمد بن آدم

المصيصي وهو ثقة كما قال النسائي وغيره. ورواه الآجري في " الغرباء " (1 / 2) من هذا الوجه والترمذي (2 / 104) من طريق أخرى عن حفص به دون السؤال. وقال: " حسن صحيح ". وله شاهدان من حديث سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو بن العاص عند الداني بإسنادين صحيحين. ورواه الهروي في " ذم الكلام " (146 / 1) والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق 23 / 2) عن جابر بن عبد الله. والهروي أيضا عن سهل بن سعد وابن عمر وعبد الرحمن بن سنة. ورواه عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده نحوه. ورواه اللالكائي في " السنة " (1 / 26 / 1) عن جابر وعن أبي هريرة مثل حديث ابن مسعود وأصله في " مسلم " (1 / 90) وابن عدي (36 / 1) عن سهل أيضا وكذا الدولابي (1 / 192 - 193) . ولوين في " قطعة من حديثه " (2 / 1) عن ابن عمر دون السؤال. ورواه تمام في " الفوائد " (148 / 1) عن سليمان بن سلمة الخبائري حدثنا المؤمل بن سعيد الرحبي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن واثلة بن الأسقع مرفوعا. لكن الخبائري متروك. ورواه ابن عدي (234 / 1) عن إسماعيل بن عياش حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن يونس بن سليم عن جدته عن ميمونة عن عبد الرحمن ابن سنة مرفوعا. وقال: " لا أعلم لعبد الرحمن بن سنة غير هذا الحديث ولا يعرف إلا من هذه الرواية ". ورواه الترمذي (2 / 105) وابن عدي (273 / 2) من طريق كثير ابن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا وقال ابن عدي: " كثير هذا عامة أحاديثه لا يتابع عليها ". وأما الترمذي فقال: " حديث حسن صحيح " قلت: وهذا من تساهله، فإن كثيرا هذا ضعيف جدا، وفي حديثه جملة لم ترد في شيء من الطرق ولفظها:

" وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من رأس الجبل ". ثم رواه البيهقي من طريق كثير بن مروان الشامي حدثنا عبد الله بن يزيد الدمشقي - الذي كان بالباب - قال: حدثني أبو الدرداء وأبو أمامة الباهلي وأنس بن مالك وواثلة بن الأسقع قالوا: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره إلا أنه قال: " الذين يصلحون إذا فسد الناس، ولا يماروا (!) في دين الله ولا يكفروا (!) أهل القبلة بذنب ". ثم رواه من طريق يحيى ابن المتوكل قال: حدثتني أمي أنها سمعت سالم ابن عبد الله بن عمر - قال يحيى وقد رأيت سالما يحدث - عن أبيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره إلى قوله " للغرباء " وزاد: " ألا لا غربة على مؤمن، ما مات مؤمنا " وقال: " ورواه محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر دون قوله " فطوبى للغرباء " إلى آخره، ومن ذلك الوجه أخرجه مسلم " ثم ساقه عن محمد بن زيد بسنده، ومن حديث أبي حازم عن أبي هريرة إلى قوله " فطوبى للغرباء " وقال: " رواه مسلم ". وقد روي الحديث بزيادة أخرى بلفظ: " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء؟ قال النزاع (¬1) من القبائل ". رواه الدارمي (2 / 311 - 312) وابن ماجة (2 / 478) وأحمد وابنه عبد الله (1 / 398) والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق 24 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 10 / 2) عن حفص بن غياث عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعا وقال البغوي: " هذا حديث صحيح ". ¬

(¬1) قال البيهقي: " النزاع جمع نزيع ونازع وهو الغريب الذي نزع من أهله وعشيرته وأراد بقوله " طوبى للغرباء " المهاجرين الذين هجروا أوطانهم في الله عز وجل ". اهـ.

1274

وأقول: هو كما قال لولا أن أبا إسحاق وهو السبيعي عمرو بن عبد الله مدلس وقد عنعنه في جميع الطرق عنه مع كونه كان اختلط، فأنا متوقف في صحته بعد أن كنت تابعا في تصحيحه برهة من الزمن غيري. والله أعلم. 1274 - " إذا تنخم أحدكم فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى ". أخرجه أحمد (3 / 58 و 88 و 93) والبخاري (1 / 404 - 405) ومسلم (2 / 76) وابن ماجة (1 / 256 - 257) من طرق عن ابن شهاب عن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما أخبراه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في جدار المسجد، فتناول حصاة فحكها، ثم قال.... " فذكره. 1275 - " لست من الدنيا وليست مني، إني بعثت والساعة نستبق ". رواه الضياء في " المختارة " (1 / 486) أخبرنا أبو المعمر بقاء بن عمر ابن حند {في الأصل حنذ، والمثبت من تكملة الإكمال} - قراءة عليه ببغداد - أن أبا غالب أحمد بن الحسن بن البنا أخبرهم أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن حسنون النرسي أنبأنا أبو إبراهيم موسى بن عيسى بن عبد الله السراج أخبرنا عبد الله - هو ابن أبي داود - أخبرنا أبو الطاهر أحمد ابن عمرو بن السراج أخبرنا بشر بن بكر عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبد الله قال: قدم أنس بن مالك على الوليد بن عبد الملك فقال له الوليد: ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر به الساعة؟ فحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم رواه من طريق أخرى عن أبي المغيرة عن الأوزاعي به بلفظ: " أنتم والساعة كهاتين ". ورواه ابن عساكر (3 / 76 / 1) باللفظ الأول أخبرنا أبو غالب بن

1276

البنا به إلا أنه كنى موسى السراج بـ " أبي القاسم " وهو الصواب فقد كناه بذلك الخطيب في ترجمته (13 / 64) ووثقه. وابن حسنون النرسي هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد، ترجمه الخطيب (1 / 356) وقال: كتبنا عنه وكان صدوقا ثقة من أهل القرآن حسن الاعتقاد " وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون، فهو سند صحيح. والله أعلم. 1276 - " أشفع الأذان وأوتر الإقامة ". أخرجه الدارقطني في " الأفراد " (رقم 50 ج 2) من طريق عامر بن سيار حدثنا محمد بن عبد الملك حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال: " غريب من حديث محمد بن المنكدر عن جابر، تفرد به محمد بن عبد الملك الأنصاري ولا نعلم حدث به عنه غير عامر بن سيار ". قلت: روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " ربما أغرب " كما في " الميزان "، وأما ابن أبي حاتم فقال (3 / 1 / 322) عن أبيه : " مجهول ". ويشهد له ما أخرجه الخطيب (4، 434) من طريق أحمد بن عبد الرحيم الحوطي حدثنا يحيى بن يزيد الخواص حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: فذكره. قلت: والخواص والحوطي لم أعرفهما لكن الحديث صحيح فإنه في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن خالد به بلفظ: " أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة " . وقول الصحابي: " أمر " في حكم المرفوع كما هو مقرر في الأصول، على أنه قد أخرجه الحاكم (1 / 198) مصرحا برفعه من طريق عبد الوهاب الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة بلفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يشفع الآذان ويوتر الإقامة ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا.

1277

1277 - " كان يشرب في ثلاثة أنفاس، إذا أدنى الإناء إلى فمه سمى الله تعالى وإذا أخره حمد الله تعالى، يفعل ذلك ثلاث مرات ". أخرجه الخرائطي في " فضيلة الشكر " (ق 129 / 2) والطبراني في " المعجم الأوسط " (ق 108 / 1 من المنتقى منه للمزي) من طريقين عن عتيق بن يعقوب حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عجلان عن أبيه (وليس عند الأول: عن أبيه) عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الطبراني: " تفرد به عتيق بن يعقوب الزبيري ". قلت: وثقه ابن حبان والدارقطني، ومن فوقه ثقات معروفون على كلام يسير في ابن عجلان، فالإسناد حسن. والحديث قال الهيثمي (5 / 81) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عتيق بن يعقوب، ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: ترجمته في " اللسان " ومنه نقلت توثيقه، وله ترجمة أيضا في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 46) . وقد وجدت له شاهدا بلفظ: " كان إذا شرب في الإناء تنفس ثلاثة أنفاس، يحمد الله تبارك وتعالى في كل نفس ويشكره في آخرهن ". رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (111 / 2) والطبراني (3 / 79 / 2 ) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (6 / 67 / 1) والعقيلي (421) وابن السني (465) وأبو الحسين بن النقور في " القراءة على الوزير الرئيس أبي القاسم " (1 / 4 / 1 - 2) وكذا أبو بكر الأبهري في " جزء من الفوائد " (3 / 1) حدثنا عيسى (يعني ابن يونس) عن المعلى بن عرفان عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود مرفوعا.

1278

قلت: وهذا سند ضعيف جدا علته المعلى بن عرفان، قال ابن معين: ليس بشيء. وقال البخاري منكر الحديث، وقال النسائي: متروك الحديث. ثم قال العقيلي: " وهذا يروى بغير هذا الإسناد بخلاف هذا اللفظ في معناه من طريق صالح ". قلت: وكأنه يشير إلى طريق أبي هريرة السابق. ورواه الهيثم بن كليب في " المسند " (64 / 2) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (10 / 100 / 2) عن مصعب بن سعيد أخبرنا عيسى بن يونس به. لكن مصعب هذا - وهو المصيصي - ضعيف. وله شاهد آخر يرويه شبل بن العلاء بن عبد الرحمن عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن نوفل بن معاوية مرفوعا بلفظ: " كان يشرب بثلاثة أنفاس يسمي الله عز وجل في أوله، ويحمده في آخره ". أخرجه ابن السني (466) والطبراني في " الأوسط " أيضا. قال الهيثمي: " وشبل بن العلاء ضعيف ". قلت: قال ابن عدي: روى أحاديث مناكير. وذكره ابن حبان في " الثقات ". فهو لا بأس به في الشواهد، فالحديث صحيح إن شاء الله تعالى. 1278 - " كان يمر بالغلمان فيسلم عليهم ويدعو لهم بالبركة ". رواه ابن عساكر (17 / 445 / 2) عن الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن أنس بن مالك قال: فذكره. قلت: الموقري متروك كما قال الحافظ، لكن الحديث عند البخاري (11 / 27 - فتح ) ومسلم (7 / 5 - 6) والدارمي (2 / 276) وغيرهم من طريق ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنه مر على صبيان، فسلم عليهم، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله. قال الحافظ:

1279

" وأخرجه النسائي من طريق جعفر بن سليمان عن ثابت بأتم منه ولفظه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ، فيسلم على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم ويدعو لهم ". قلت: وهذا إسناده صحيح. وهو بمعنى حديث الموقري، فهو شاهد قوي له وقد أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 498) وابن حبان (2145) وأبو نعيم (6 / 291) والخطيب (8 / 398) من هذا الوجه. 1279 - " كان يلبس يوم العيد بردة حمراء ". رواه الطبراني في " الأوسط " (53 / 2 - زوائده) حدثنا محمد بن إسحاق - هو ابن راهويه - حدثنا أبي حدثنا سعد بن الصلت عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد ورجاله كلهم ثقات معروفون غير سعد بن الصلت وهو البجلي مولاهم ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 86) من رواية جماعة آخرين عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو في " ثقات ابن حبان " (6 / 378) فقد قال الهيثمي (2 / 198) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ". 1280 - " إذا أصبح إبليس بث جنوده، فيقول: من أضل اليوم مسلما ألبسته التاج، قال: فيخرج هذا فيقول: لم أزل به حتى طلق امرأته، فيقول: أوشك أن يتزوج. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى عق والديه، فيقول: يوشك أن يبرهما. ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى أشرك، فيقول: أنت أنت! ويجيء هذا فيقول: لم أزل به حتى قتل، فيقول: أنت أنت ويلبسه التاج ".

1281

أخرجه ابن حبان (رقم 65) أخبرنا أبو يعلى حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي حدثنا محمد بن عبد الله الزبيري حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري، وعطاء بن السائب وإن كان قد اختلط، فإنما روى عنه سفيان - وهو الثوري - قبل الاختلاط. 1281 - " المرأة لآخر أزواجها ". رواه أبو علي الحراني القشيري في " تاريخ الرقة " (3 / 39 / 2) حدثنا العباس ابن صالح بن مسافر الحراني حدثنا أبو عبد الله السكري، إسماعيل ابن عبد الله ابن خالد حدثنا أبو المليح عن ميمون بن مهران قال: خطب معاوية رضي الله عنه أم الدرداء، فأبت أن تزوجه وقالت: سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرأة في آخر أزواجها أو قال: لآخر أزواجها " أو كما قالت - ولست أريد بأبي الدرداء بدلا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون غير العباس بن صالح هذا، فلم أجد له ترجمة الآن، فيراجع له " الجرح والتعديل " (¬1) . ورواه أبو الشيخ في " التاريخ " (ص 270) حدثنا أحمد بن إسحاق الجوهري حدثنا إسماعيل بن زرارة قال : حدثنا أبو المليح الرقي به مقتصرا على المرفوع فقط. وهذا إسناد صحيح. رجاله ثقات معروفون غير الجوهري قال أبو الشيخ: " ثقة حسن الحديث، فمن حسان حديثه ... ". ثم ساق له أحاديث هذا أحدها. ورواه البغوي في " حديث عيسى بن سالم " (103 / 1) عن أبي بكر بن أبي مريم قال: حدثني عطية ابن قيس أن معاوية ابن أبي سفيان خطب أم الدرداء ... الحديث إلا أنه لم يرفع المرفوع منه بل أوقفه على أبي الدرداء، وقد رواه مرفوعا عنه الطبراني بلفظ: " أيما امرأة توفي عنها زوجها فتزوجت بعده فهي لآخر أزواجها ". ¬

(¬1) ثم رجعت إليه فلم أره. وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 514) . اهـ.

رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 175) عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلاعي قال: خطب معاوية بن أبي سفيان أم الدرداء بعد وفاة أبي الدرداء، فقالت أم الدرداء: سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قالت: وما كنت لأختار على أبي الدرداء، فكتب إليها معاوية: فعليك بالصوم فإنه محسمة. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل أبي بكر بن أبي مريم كان اختلط وبه أعله الهيثمي (4 / 270) ولكنه عزاه للكبير أيضا، ومن هذا الوجه أخرجه أيضا أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (ق 181 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 281 / 2) وبالجملة فالحديث بمجموع الطريقين قوي، والمرفوع منه صحيح ، وله طرق أخرى مرفوعا وموقوفا عند ابن عساكر (19 / 281 / 2) عن أبي الدرداء. وله شاهدان موقوفان. الأول: عن أبي بكر رضي الله عنه يرويه ابن عساكر (19 / 193 / 1) من طريق كثير بن هشام عن عبد الكريم عن عكرمة. " أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير ابن العوام وكان شديد عليها، فأتت أباها، فشكت ذلك إليه، فقال: يا بنية اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح، ثم مات عنها فلم تزوج بعده جمع بينهما في الجنة ". ورجاله ثقات إلا أن فيه إرسالا لأن عكرمة لم يدرك أبا بكر إلا أن يكون تلقاه عن أسماء بنت أبي بكر. والله أعلم. والآخر: عن عيسى بن عبد الرحمن السلمي عن أبي إسحاق عن صلة عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال لامرأته: " إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة، فلا تزوجي بعدي، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا، فلذلك حرم الله على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده لأنهن أزواجه في الجنة ".

1282

أخرجه البيهقي في " السنن " (7 / 69 - 70) . ورجاله ثقات لولا عنعنة أبي إسحاق - وهو السبيعي - واختلاطه. وله شاهد مرفوع أخرجه الخطيب في " التاريخ " (9 / 328) من طريق حمزة النصيبي عن ابن أبي مليكة عن عائشة مرفوعا به. لكن حمزة هذا متروك متهم فلا يستشهد به، وفيما تقدم كفاية. 1282 - " أيام التشريق أيام طعم وذكر ". رواه الطبراني في " التفسير " (ج 4 صفحة 211 رقم 3911) وابن حبان (959) وأحمد (2 / 229 و 387) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 428) عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " فذكره "، ولفظ أحمد في أحد روايتيه: " طعم وذكر الله، قال مرة: أيام أكل وشرب ". قلت: ورجاله ثقات إلا عمر بن أبي سلمة، قال الحافظ: " صدوق يخطيء ". قلت: لكنه قد توبع، فرواه ابن ماجه (1719) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة بلفظ: أيام منى أيام أكل وشرب ". وتابعه صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة به. رواه الطحاوي. وأخرجه الطحاوي من حديث علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص. وهو وابن سعد (2 / 187) عن عبد الله ابن حذافة وهو أيضا عن نبيشة الهذلي، ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وبشر بن سحيم. وأم عمر بن خلدة الزرقي والحكم الزرقي وأم مسعود وأحمد (2 / 39) عن ابن عمر. ولفظه مثل لفظ الترجمة. قلت: فالحديث متواتر.

1283

1283 - " إياكم والغلو في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين ". رواه النسائي (2 / 49) وابن ماجه (2 / 242) وابن خزيمة (1 / 282 / 2) وابن حبان (1011) والحاكم (1 / 466) والبيهقي (5 / 127) وأحمد (1 / 215 و 347) والضياء في " المختارة " (59 / 200 / 2) عن عوف بن أبي جميلة حدثني زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة العقبة، وهو واقف على راحلته: هات القط لي. فلقطت له حصيات هن حصى الحذف، فوضعهن في يده فقال: بأمثال هؤلاء مرتين، وقال بيده، فأشار يحيى - أحد رواته - أنه رفعها وقال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وليس كذلك، فإن زياد بن حصين لم يخرج له البخاري في صحيحه فهو على شرط مسلم فقط، وكذلك صححه النووي في " المجموع " (8 / 171) وابن تيمية في " الاقتضاء " (ص 51) . 1284 - " إياكم والتمادح، فإنه الذبح ". أخرجه ابن ماجه (2 / 407) من طريق سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن معبد الجهني عن معاوية مرفوعا. وفي " الزوائد ": إسناده حسن لأن معبد الجهني مختلف فيه وباقي رجال الإسناد ثقات. قلت: وهو كما قال. وفي " فيض القدير ": " ورواه عنه أيضا أحمد وابن منيع والحارث والديلمي ". قلت: هو عند أحمد قطعة من حديث " من يرد الله به خيرا ". ومضى الكلام عليه هناك (1196) . 1285 - " إذا أتى أحدكم خادمه بطعام قد ولى حره ومشقته ومؤنته فليجلسه معه: فإن أبى فليناوله أكلة في يده ".

1286

أخرجه البخاري (6 / 214) والدارمي (2 / 107) وأحمد (2 / 283 و 409 و 430 ) عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعا. واللفظ لأحمد. وله عنه طرق كثيرة متواترة بألفاظ متقاربة مثل: " إذا أصلح خادم " و " إذا جاء أحدكم خادمه " و " إذا جاء أحدكم الصانع " و " إذا جاء خادم أحدكم " و " إذا صنع خادم أحدكم " و " إذا صنع لأحدكم " و " إذا كفى أحدكم " و " إذا كفى الخادم " و " المملوك أخوك فإذا صنع ". ويأتي بعضها برقم (1297) . 1286 - " أيمن امرئ وأشأمه ما بين لحييه ". أخرجه ابن حبان (2542) أخبرنا محمد بن الحسين بن مكرم البزاز البغدادي - بالبصرة - حدثنا محمد بن المثنى حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن الأعمش عن خيثمة عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن الحسين هذا وهو ثقة كما قال الدارقطني. وترجمه الخطيب (2 / 233) . والحديث عزاه السيوطي للطبراني فقط، ولم يتكلم المناوي عليه بشيء! 1287 - " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرأوا ولا حرج ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ولا ذكر عذاب برحمة ". رواه الطبراني في " التفسير " (ج 1 صفحة 45 رقم 45) وأبو الفضل الرازي في " معاني أنزل القرآن على سبعة أحرف " (ق 68 / 2) عن إسماعيل بن أبي أويس قال : حدثنا أخي عن سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات رجال الصحيح وفي بعضهم كلام لا ينزل حديثهم من مرتبة الحسن. 1288 - " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ من فرح الرب عز وجل ".

1289

رواه تمام في " الفوائد " (3 / 2) أخبرنا خيثمة بن سليمان حدثنا أبو جعفر أحمد بن حاتم القاضي - بسامرا - حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى ابن سعيد القطان حدثنا عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد بن حاتم القاضي السامرائي ترجمه الخطيب (4 / 114) وقال: " ما علمت من حاله إلا خيرا ". وخيثمة بن سليمان ثقة حافظ. 1289 - " أول نبي أرسل نوح ". رواه الديلمي في " مسنده " (1 / 1 / 9) وابن عساكر في " تاريخه " (17 / 326 / 2) عن إبراهيم بن أبي سويد أخبرنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير إبراهيم هذا وهو ابن الفضل المخزومي المدني وهو ضعيف بل متروك. لكن الحديث صحيح، فإن له شاهد قويا عن أبي هريرة مرفوعا في حديث الشفاعة الطويل، ففيه: " فيأتون نوحا، فيقولون: يا نوح أنت أول الرسل إلى الأرض ". أخرجه مسلم (1 / 327) والترمذي (2436) وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". 1290 - " إن الله إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ". رواه ابن سعد (4 / 291 و 7 / 10) والطحاوي في " المشكل " (4 / 151) والبيهقي في " الشعب " (2 / 221 / 1) عن مفضل بن فضالة رجل من قريش عن أبي رجاء العطاردي قال: خرج علينا عمران بن حصين في مطرف خز لم نره عليه قط قبل ولا بعد - فقال: فذكره مرفوعا.

1291

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير المفضل هذا وهو ابن أبي أمية أبو مالك البصري أخو مبارك، ضعيف. لكن له شاهد من حديث أبي الأحوص عن أبيه مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (1434 و 1435) وغيره. وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات ". 1291 - " إن الله جعل البركة في السحور والكيل ". رواه الخطيب في " الموضح " (1 / 263) عن رفعين بن عيسى حدثنا أرطاة بن المنذر عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. ورواه عبد الغني المقدسي في " فضائل رمضان " (15 / 2) من هذا الوجه وسماه أسد بن عيسى . قلت: وأسد هذا أورده الحافظ في " اللسان " وقال: " يقال له رفعين كان من عباد أهل الشام، قال مكحول البيروني عن داود بن جميل: ما كانوا يشكون أنه من الأبدال. قال ابن حبان في " الثقات " يغرب روى عنه أهل العراق وأهل بلده ". قلت: فالحديث حسن إن شاء الله تعالى إلا أن لفظة الكيل لم يذكرها المقدسي في روايته عنه وذكر بدلها " الجماعة " كما سيأتي بلفظ " البركة في ثلاثة.... " وقد وجدت للرواية الأولى شاهد من حديث علي بلفظ: " والطعام والمكيل " وسنده ضعيف كما بينته في " الجماعة بركة ... ". 1292 - " الفرار من الطاعون كالفرار من الزحف ". ابن سعد (8 / 490) أخبرنا يزيد بن هارون حدثنا جعفر بن كيسان حدثتنا عمرة بنت قيس العدوية قالت: " دخلت على عائشة فسألتها عن الفرار من الطاعون؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وأخرجه أحمد (6 / 82 و 255 ) حدثني يحيى ابن إسحاق أخبرني جعفر بن كيسان به ولفظه " ... المقيم فيها كالشهيد والفار.. ".

1293

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير عمرة هذه لا تعرف وفي ترجمتها أورد ابن سعد هذا الحديث ولم يزد! وروى لها ابن خزيمة في صحيحه هذا الحديث أو غيره. لكن أخرجه أحمد أيضا (6 / 145) حدثنا يزيد أنبأنا جعفر بن كيسان ويحيى بن إسحاق وعفان - المعني، وهذا لفظ حديث يزيد لم يختلفوا في الإسناد والمعنى قالا: أنبأنا جعفر بن كيسان العدوي قال: حدثتنا معاذة بنت عبد الله العدوية قالت: دخلت ... الحديث. كذا وقع في هذه الرواية: " معاذة بنت عبد الله " وهو وهم لا أدري ممن هو، فإن الحافظ لما ترجم في " التعجيل " لابن كيسان لم يذكر معاذة هذه في شيوخه، والإمام أحمد صرح بأنهم لم يختلفوا في إسناده وقد ذكره عن يحيى بن إسحاق في موضعين كما سبق على الصواب. والله أعلم. ثم رأيت أحمد رواه من طريق يحيى ابن إسحاق ... عن معاذة، فالظاهر أن جعفر بن كيسان قد تلقاه عنها وعن عمرة. والله أعلم. ومعاذة بنت عبد الله العدوية ثقة من رواة الشيخين. وللحديث شاهد عن جابر مرفوعا بلفظ: " الفار من الطاعون كالفار من الزحف والصابر فيه كالصابر في الزحف ". أخرجه أحمد (3 / 324) وعبد بن حميد (144 / 2) من طريق عمرو بن جابر الحضرمي عنه. وفي رواية لأحمد (3 / 352 و 360) بلفظ: " ... ، والصابر فيه له أجر شهيد " بدل " والصابر فيه كالصابر في الزحف " وعمرو بن جابر هذا ضعيف كما في " التقريب " لكنه يتقوى بما قبله. وبالجملة فالحديث إن لم يكن صحيحا، فهو على الأقل حسن. والله أعلم. 1293 - " إذا تكلم الله تعالى بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا، فيصعقون، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، قال: فيقولون: يا جبريل! ماذا قال ربك، فيقول: الحق، فيقولون : الحق الحق ".

1294

أخرجه أبو داود (2 / 536 - 537 - الحلبي) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 95 - 96) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 200) عن أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن مسروق عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ثم أخرجه ابن خزيمة من طريق أخرى عن أبي معاوية ومن طريق أخرى عن الأعمش به موقوفا. وتابعه عنده شعبة عن مسلم به موقوفا. وتابعه أيضا منصور عنه به، ولفظه: " عن مسروق قال: سئل عبد الله عن هذه * (حتى إذا فزع عن قلوبهم) * ... قال " فذكره موقوفا نحوه. قلت: والموقوف وإن كان أصح من المرفوع، ولذلك علقه البخاري في " صحيحه " (9 / 113 - مطبعة الفجالة) ، فإنه لا يعل المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر، لاسيما وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري والترمذي (4 / 170 - تحفة) وابن ماجه (1 / 84) وابن خزيمة (97) وأبو جعفر ابن أبي شيبة في " العرش " (ق 117 / 2) والبيهقي بعضهم مطولا وبعضهم مختصرا، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 1294 - " إذا توضأ أحدكم للصلاة، فلا يشبك بين أصابعه ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / ق 4 - 5) من طريق عتيق بن يعقوب الزهري حدثنا عبد العزيز الدراوردي عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " لم يروه بهذا السند إلا الدراوردي، ورواه الناس عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن كعب بن عجرة ". وتعقبه الهيثمي في " زوائده " بقوله: " قلت: حديث كعب بن عجرة بغير هذا اللفظ وغير هذا المعنى ".

1295

قلت: في هذا الاطلاق نظر، فقد أخرجه أحمد وغيره من طريق ابن عجلان عن سعيد عن كعب به مرفوعا بألفاظ مختلفة، ونص بعضها: " إذا توضأت فأحسنت وضوءك ثم خرجت عامدا إلى المسجد فلا تشبكن بين أصابعك - أراه قال - في صلاة ". فهذا كما ترى لا يغاير حديث أبي هريرة هذا المعنى، وإنما يبينه ويفصله. وفي إسناده اضطراب كما بينته في التعليق على " الترغيب " (1 / 123 - 124) وأما إسناد أبي هريرة هذا، فقد أعله الهيثمي في " المجمع " (1 / 240) بعدما عزاه للأوسط بقوله: " وفيه عتيق بن يعقوب ولم أر من ذكره، وبقية رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وفيه نظر من وجهين: الأول: أن ابن عجلان لم يحتج به مسلم وإنما أخرج له مقرونا. والآخر: أن عتيقا الزهري قد وثقه الدارقطني وغيره كما تقدم تحت الحديث (1277) ، فالإسناد حسن. لكن للحديث طريق أخرى صححها ابن خزيمة (1 / 61 / 1 ) والحاكم والذهبي وقد خرجتها في المصدر الآنف الذكر من طريق إسماعيل بن أمية عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا به أتم منه. 1295 - " إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا وإذا استنثر فليستنثر وترا ". أخرجه الحميدي في " مسنده " (957) حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا به. ومن طريقه أخرجه أبو نعيم في " المستخرج " (1 / 131 / 2) وقال: " رواه مسلم عن قتيبة وعمرو الناقد وابن نمير كلهم عن سفيان ". قلت: لكن ليس عنده الفقرة الثانية، وكذلك أخرجه البخاري وغيره وقد خرجته في " صحيح أبو داود " (128) .

1296

ولها شاهد من حديث جابر مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم أيضا من طريق إسحاق حدثنا عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير سمع جابرا يقول: فذكره. ومن طريق معقل عن أبي الزبير به مثله، وقال: " رواه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن رافع عن عبد الرزاق ". وأقول: إنما رواه مسلم بالفقرة الأولى فقط دون الثانية. (تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في " الجامعين " بلفظ: " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر، وإذا استنثر فليستنثر وترا ". وقال: " رواه أبو نعيم في " المستخرج " عن أبي هريرة ". ولم أره في الكتاب المذكور إلا باللفظ المذكور أعلاه وطرفه الأول عند الشيخين وغيرهما كما خرجته في المصدر السابق. والله أعلم. 1296 - " إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لا ينزعه إلا الصلاة لم تزل رجله اليسرى تمحو سيئة وتكتب الأخرى حسنة حتى يدخل المسجد ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 198 / 1) والحاكم (1 / 217) من طريقين عن كثير بن يزيد عن أبي عبد الله القراظ عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره، وقال: " كثير بن زيد وأبو عبد الله القراظ مدنيان لا نعرفهما إلا بالصدق، وهذا حديث صحيح ". ووافقه الذهبي. قلت: بل هو إسناد حسن، أبو عبد الله القراظ واسمه دينار ثقة من رجال مسلم، وكثير بن زيد قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قال الذهبي: " صدوق فيه لين ".

1297

نعم الحديث صحيح لغيره فإنه له شواهد في " الصحيحين " وغيرهما، تراها في " الترغيب " (1 / 125) . (تنبيه) : أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني والحاكم والبيهقي في " الشعب " بزيادة في آخره بلفظ: " ولو يعلم الناس ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ". وعزاه في " الكبير " (1 / 49 / 1) لهم إلا الحاكم وليس عند الطبراني هذه الزيادة فلعلها عند البيهقي وهي ثابتة في حديث آخر يرويه أبو هريرة عند الشيخين وغيرهما وأخشى ما أخشاه أن يكون انتقل نظر السيوطي إليه عند كتابة الحديث فضمها إليه متوهما أنها منه، والله أعلم. 1297 - " إذا جاء أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه فليأكل معه فإن أبى فليناوله منه ". أخرجه البخاري في الأدب المفرد (31) والدارمي (2 / 107) وابن ماجه (2 / 308) وأحمد (2 / 473) عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه سمعت أبا هريرة يقول مرفوعا. وهذا رجاله ثقات غير أبي خالد وهو مقبول كما في " التقريب ". وعنه أخرجه الترمذي وصححه بلفظ: (إذا كفى) ويأتي وفي رواية عنه. " إذا جاء أحدكم الصانع بطعامكم قد أغنى عنكم عناء حره ودخانه فادعوه فليأكل معكم، وإلا فلقموه في يده ". رواه أحمد (2 / 316) حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة مرفوعا. قلت: فذكر أحاديث كثيرة بهذا الإسناد هذا منها، وهو صحيح على شرط الستة. وقد مضى بنحوه من طريق أخرى عن أبي هريرة (1285) . 1298 - " ألا أخبركم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا وأحسنكم أعمالا ". أخرجه عبد ابن حميد في " المنتخب من المسند " (140 / 2) أنبأنا عثمان

1299

ابن عمر أنبأنا عبد الله بن عامر عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله ابن عامر وهو ضعيف لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه الحاكم (1 / 399) من طريق أيوب بن سليمان ابن بلال (¬1) ؟ حدثني أبو بكر عن سليمان بن بلال قال: قال زيد بن أسلم قال محمد بن المنكدر به، وقال: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. قلت: أيوب بن سليمان لم يخرج له مسلم شيئا. وأبو بكر اسمه عبد الحميد بن عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي، مشهور بكنيته وهو ثقة من رجالهما. وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا به دون أوله. أخرجه ابن عدي (ق 174 / 2) . وسنده لا بأس به في الشواهد. وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا مثل لفظ الترجمة. أخرجه ابن حبان (2465) وأحمد (2 / 235) من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عنه قال: " لا نعلمه إلا بهذا اللفظ بأحسن من هذا الإسناد ". قلت: وهو جيد لولا عنعنة ابن إسحاق. أخرجه البزار (240) . وهو رواية لابن حبان (1919) وأحمد (2 / 403) من هذا الوجه بلفظ: " أخلاقا " بدل " أعمالا ". ولهذا اللفظ شاهد في " الصحيحين " وغيرهما مضى (286) . 1299 - " من أحب عليا فقد أحبني ومن أحبني ¬

(¬1) الأصل " أيوب بن بلال بن سليمان " وهو خطأ ولعله من الطابع أو الناسخ . اهـ.

1300

فقد أحب الله عز وجل ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل ". رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (10 / 5 / 1) بسند صحيح عن أم سلمة قالت: أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وله شاهد من حديث سلمان مختصرا يرويه أبو عثمان النهدي قال: " قال رجل لسلمان: ما أشد حبك لعلي! قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من أحب عليا فقد أحبني ومن أبغض عليا فقد أبغضني ". أخرجه الحاكم (3 / 130) عن أبي زيد سعيد ابن أوس الأنصاري حدثنا عوف عن أبي عثمان النهدي ... وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وقد وهما فإن أبا زيد هذا لم يخرج له الشيخان شيئا على ضعف فيه، قال الحافظ: " صدوق له أوهام ". والحديث أورده السيوطي من رواية الحاكم عن سلمان، فاستدرك عليه المناوي فقال بعد أن أقر الحاكم على قوله السابق! : " ورواه أحمد باللفظ المذكور عن أم سلمة وسنده حسن ". وليس هو عنده باللفظ المذكور وإنما بلفظ: " من سب عليا فقد سبني ". ثم إن إسناده ضعيف أيضا ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (2310) . 1300 - " إذا جلس إليك الخصمان فلا تقض بينهما حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنك إذا فعلت ذلك تبين لك القضاء ". أخرجه أبو داود (2 / 114 - 115) والحاكم (4 / 93) والطيالسي

1301

(ص 19 رقم 125) وأحمد (ج 2 رقم 745 و 882) وابنه في " زوائد المسند " (ج 1 رقم 1279 و1280 و 1281 و 1282) عن شريك عن سماك بن حرب عن حنش عن علي رضي الله عنه مرفوعا. واللفظ لأحمد. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. كذا قالا. وفيه نظر، وحنش وهو ابن المعتمر فيه بعض الكلام وفي " التقريب " أنه " صدوق له أوهام ويرسل ". وشريك سيء الحفظ إلا أنه قد توبع بلفظ: " إذا تقاضى إليك رجلان ". وقد خرجته في " الإرواء " (2667) . والحديث رواه ابن حبان وصححه أيضا كما في نيل الأوطار (8 / 228) . 1301 - " إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ". أخرجه مسلم (1 / 155) من طريق سهيل عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا، ورواه ابن عجلان عن القعقاع أتم منه بلفظ: " إنما أنا لكم بمنزلة الوالد ". وهو مخرج في " المشكاة " (347) و " صحيح أبي داود " (6) . 1302 - " لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم ليخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول: افسحوا ". صحيح من حديث جابر مرفوعا وله عنه ثلاث طرق: الأولى: عن أبي الزبير عنه مرفوعا به. أخرجه مسلم (7 / 10) وأحمد (3 / 342) . الثانية: عن سليمان بن موسى قال: أخبرني جابر به. أخرجه أحمد (3 / 295) . قلت: وإسناده حسن، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير سليمان فهو على شرط مسلم لكن قال الحافظ: " صدوق فقيه، في حديثه بعض لين ".

1303

وقال الحافظ في " الفتح " (2 / 393 - طبع الخطيب) : " حديث صحيح لكنه ليس على شرط البخاري، أخرجه مسلم من طريق أبي الزبير "..، وذكره السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " بلفظ: " إذا جاء أحدكم الجمعة، فلا يقيمن أحدا من مقعده، ثم يقعد فيه ". وقال: " رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " عن جابر ". 1303 - " إذا جاءك يطلب ثمن الكلب فاملأ كفيه ترابا ". أخرجه أبو داود (2 / 250 - الحلبية) والبيهقي (6 / 6) وأحمد (1 / 278 و289 و 350) من طريق عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه " نهى عن ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب وقال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على رجاله كلهم ثقات، وعبد الكريم هو الرقي. 1304 - " إذا جاء الرجل يعود مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك ينكأ لك عدوا أو يمشي لك إلى صلاة، وفي رواية: إلى جنازة ". أخرجه أبو داود (2 / 166 - 167) وابن السني (541) والحاكم (1 / 344 و549) وأحمد (2 / 172) من طريق ابن وهب أخبرني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وزاد في المكان الأول: " على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وليس كذلك فإن حيي بن عبد الله

1305

لم يخرج له مسلم شيئا، ثم هو مختلف فيه كما تراه في " الميزان ". وقال في " التقريب ": " صدوق يهم ". فحسب مثله أن يكون حديثه حسنا، أما الصحة فلا. 1305 - " إذا توضأت فانتثر وإذا استجمرت فأوتر ". أخرجه الترمذي (1 / 8) والنسائي (1 / 17 و 27) وابن ماجه (406) وابن حبان (149) وأحمد (4 / 339 و 340) والخطيب (1 / 286) عن منصور ابن المعتمر عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الأشجعي وهو صحابي معروف، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 1306 - " إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك ". أخرجه الترمذي (1 / 10) والحاكم (1 / 182) وأحمد (1 / 287) عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب حسن " (انظر الاستدراك رقم 291 / 14) . وقال الحاكم: " صالح هذا أظنه مولى التوأمة فإن كان كذلك فليس من شرط هذا الكتاب وإنما أخرجته شاهدا ". قلت: هو مولى التوأمة قطعا لأنه وقع ذلك صريحا عند الترمذي وأحمد كما ترى وهو متكلم فيه كما أشار إلى ذلك الحاكم، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق اختلط بآخره، قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج ".

1307

قلت: موسى بن عقبة أقدم منهما، فإنه مات سنة إحدى وأربعين، ومات ابن جريج سنة خمسين أو بعدها، ومات ابن أبي ذئب سنة ثمان وخمسين، فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى. والحديث صحيح لأن له شاهد من حديث لقيط بن صبرة مرفوعا بلفظ : " إذا توضأت فخلل الأصابع ". صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (130) . 1307 - " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ". أخرجه مسلم (3 / 121) والنسائي (1 / 298 و 299) وأحمد (2 / 257 و 378) من طريق أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، إلا أن النسائي قال: " دخل " مكان " جاء ". لكن في رواية أخرى عنده من طريق ابن أبي أنس مولى التيميين أن أباه حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بلفظ: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ". ومن هذا الوجه أخرجه البخاري (1 / 474 و 2 / 321) وأحمد (2 / 281 و 401) وقال هو والبخاري: " دخل " بدل " جاء ". وقال مسلم " إذا كان ... " وقال البخاري: " أبواب السماء " مكان " أبواب الجنة ". وكذلك رواه الدارمي (2 / 26) ولكنه قال: " إذا جاء ... وصفدت الشياطين ". 1308 - " إذا جاء رمضان فصم ثلاثين إلا أن ترى الهلال قبل ذلك ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 210) وأحمد (4 / 377)

1309

والطبراني في " المعجم الكبير " من طريق مجالد بن سعيد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، واللفظ للطبراني، قال الهيثمي بعدما عزاه إليه: " وفيه مجالد بن سعيد وثقه النسائي وضعفه جماعة ". قلت: لكن الحديث صحيح له شواهد عديدة في الكتب الستة وغيرها وقد خرجت طائفة منها في " الإرواء " (901) وسيأتي حديث ابن علي إن شاء الله برقم (1917) . 1309 - " إذا حضر المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء، فيقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى روح الله وريحان ورب غير غضبان، فتخرج كأطيب ريح المسك، حتى إنه ليناوله بعضهم بعضا، حتى يأتون به باب السماء، فيقولون: ما أطيب هذه الريح التي جاءتكم من الأرض! فيأتون به أروح المؤمنين، فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه يقدم عليه، فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون : دعوه فإنه كان في غم الدنيا، فإذا قال: أما أتاكم؟ قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية. وإن الكافر إذا احتضر أتته ملائكة العذاب بمسح، فيقولون: اخرجي ساخطة مسخوطا عليك إلى عذاب الله عز وجل، فتخرج كأنتن ريح جيفة حتى يأتون به باب الأرض، فيقولون: ما أنتن هذه الريح! حتى يأتون به أرواح الكفار ". أخرجه النسائي (1 / 260) وابن حبان (733) والحاكم (1 / 352 و 353) من طريق قتادة عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره. وقال الحاكم:

1310

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي وهو كما قالوا. 1310 - " إذا حم أحدكم فليسن عليه الماء البارد ثلاث ليال من السحر ". أخرجه الحاكم (4 / 200 و 401) والضياء في " الأحاديث المختارة " (ق 106 / 1 ) عن عبيد الله بن محمد بن عائشة، وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 953) ومن طريقه الضياء عن روح بن عبادة كلاهما قالا: حدثنا حماد بن سلمة عن حميد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وأعله بعضهم بما لا يقدح، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 337) : " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه روح بن عبادة وابن عائشة عن حماد (قلت: فذكره) قال أبي: رواه موسى بن إسماعيل وغيره عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه. قال أبو زرعة هذا خطأ إنما هو حميد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصحيح ". قلت: والذي أراه أن كلا من المسند والمرسل صحيح، فإنه لا مانع أن يكون حميد تلقاه من الوجهين، فحدث به تارة هكذا، وتارة هكذا، ثم تلقاه حماد بن سلمة كذلك وحدث به كذلك، والله أعلم. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للنسائي أيضا، والظاهر أنه يعني في " سننه الكبرى " ويؤيده أن الحافظ المزي ذكر أنه أخرجه في " الطب " وليس هو من كتب " سننه الصغرى " المعروفة بـ " المجتبى ". والله أعلم. 1311 - " إذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها فليتحول وليتفل

1312

عن يساره ثلاثا وليسأل الله من خيرها وليتعوذ من شرها ". أخرجه ابن ماجه (2 / 450) عن العمري عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين غير العمري هذا - واسمه عبد الله بن عمر - وهو سيء الحفظ لكن له شاهد من حديث جابر مرفوعا بلفظ: " ... فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه " . والباقي مثله. أخرجه مسلم (6 / 52) وأبو داود (2 / 601 - حلبية) وابن ماجه أيضا والحاكم (4 / 392) وأحمد (3 / 350) من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر وقال الحاكم " صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه ". فوهم في استدراكه على مسلم! 1312 - " إن الرجل ليس كما ذكروا ولكن أنتم شهداء الله في الأرض وقد غفر له ما لا يعلمون ". أخرجه ابن منده بسند ضعيف من رواية خالد بن العلاء عن مجاهد عن يزيد بن شجرة قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فقال الناس خيرا وأثنوا عليه خيرا، فجاء جبرائيل، فقال: فذكره. وقال: " غريب وفي سنده ضعيفان ". كذا في ترجمة يزيد بن شجرة من " الإصابة " وقال: " مختلف في صحبته ". قلت: وخالد بن العلاء لم أجد من ذكره.

1313

لكن الحديث صحيح فقد جاء من حديث أنس وصححه الحاكم والذهبي وعن أبي هريرة وعن بشر بن كعب وقد خرجت أحاديثهم في " أحكام الجنائز " (ص 46) وبينت هناك أن قول بعض الناس عقب صلاة الجنازة: " ما تشهدون فيه؟ اشهدوا له بالخير " بدعة قبيحة، وأن الحديث لا يشهد لها. فراجعه. 1313 - " اقرأ فلان! فإنها السكينة نزلت للقرآن، أو عند القرآن ". أخرجه أحمد (4 / 284) حدثنا عفان حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء قال: قرأ رجل سورة (الكهف) وله دابة مربوطة، فجعلت الدابة تنفر ، فنظر الرجل إلى سحابة قد غشيته أو ضبابة، ففزع، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذاك الرجل؟ قال: نعم. (قال : فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم) ، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (6 / 458 - فتح ) ومسلم (2 / 193) وأحمد (4 / 281) أيضا وأبو يعلى (2 / 479 - 480) من طرق أخرى عن شعبة به. وأخرجه البخاري في " التفسير " (8 / 450) وفي " فضائل القرآن " (9 / 52) ومسلم وأحمد (4 / 293 و 298) وابن نصر (ص 97 - الأثرية) من طرق أخرى عن أبي إسحاق به. ولم يقف الحافظ ابن حجر في " النكت الظراف " (2 / 42) على طريق البخاري في " الفضائل " مع أنه قد أشار إليها في شرحه للحديث في المكان المشار إليه من " التفسير " فجل من لا ينسى. وإنما آثرت البدء بتخريج الحديث من طريق شعبة دون الطرق الأخرى،

1314

لما هو معروف عند أهل العلم بهذا الفن أن أبا إسحاق وهو السبيعي كان اختلط وكان يدلس وأن شعبة روى عنه قبل الاختلاط، ثم هو قد صرح بسماع أبي إسحاق إياه من البراء دون سائر الرواة عنه. ثم إن هذه القصة قد صح نحوها عن أسيد بن حضير وأنه هو صاحب القصة لكن فيها أنه قرأ سورة (البقرة) ، فإن كانت واحدة فيجمع بين الحديثين بأنه قرأها مع (الكهف) وإلا فهما قصتان ولا مانع من التعدد. وهذه أخرجها ابن نصر في " قيام الليل " (ص 97) وابن حبان (1716) والحاكم (1 / 554) وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله طريق أخرى عن أسيد عند الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 107 / 2) . وأخرجها البخاري (9 / 57) ومسلم (2 / 194) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. أن أسيد بن حضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده ... الحديث نحوه. وقد تكرر ذكر " السكينة في القرآن " والحديث وقيل في معناها أقوال كثيرة ذكرها الحافظ، منها قول وهب أنها روح من الله، ومنها أنها ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان! قال الحافظ: " وهو اللائق بحديث الباب، وليس قول وهب ببعيد ". والله أعلم. 1314 - " أبشروا وبشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة ". أخرجه أحمد (4 / 411) حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) . فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه، فردهم. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ردكم؟ ". قالوا: عمر قال: لم رددتهم يا عمر؟ " قال: إذا يتكل الناس يا رسول الله! قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عمران

الجوني هو عبد الملك بن حبيب الأزدي. وحسنه الحافظ (1 / 200) فقصر وكأنه أراد طريق مؤمل الآتية. ثم أخرجه أحمد (4 / 402) حدثنا مؤمل بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به وزاد في آخره. " قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ". لكن مؤمل بن إسماعيل فيه ضعف من قبل حفظه إلا أنه يشهد له حديث أبي هريرة بمثل هذه القصة مطولا بينه وبين عمر، وفي آخرها: " قال عمر: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فخلهم ". أخرجه مسلم (1 / 44) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة. وفي قصة أخرى نحو الأولى وقعت بين جابر وعمر، وفي آخرها: " قال: يا رسول الله! إن الناس قد طمعوا وخبثوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يعني لجابر) : اقعد ". أخرجه ابن حبان (رقم 7) بإسناد صحيح من حديث جابر. وفي الباب عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وهو الآتي بعده، وفيه: " قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا ". وقد أخرجه البخاري (1 / 199 - فتح) ومسلم (1 / 45) وغيرهما من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال: يا معاذ ... " الحديث وفيه: " أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذا يتكلوا. وأخبر بها معاذ عند موته تأثما ". وأخرجه أحمد (5 / 228 و 229 و 230 و 232 و 236) من طرق عن معاذ قال في أحدها: " أخبركم بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعني أن أحدثكموه إلا أن تتكلوا، سمعته يقول:

" من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه، أو يقينا من قلبه لم يدخل النار، أو دخل الجنة. وقال مرة: دخل الجنة ولم تمسه النار ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد ترجم البخاري رحمه الله لحديث معاذ بقوله: " باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية أن لا يفهموا، وقال علي: حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله " . ثم ساق إسناده بذلك وزاد آدم بن أبي إياس في " كتاب العلم " له: " ودعوا ما ينكرون ". أي ما يشتبه عليهم فهمه. ومثله قول ابن مسعود: " ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ". رواه مسلم (1 / 9) . قال الحافظ: " وممن كره التحديث ببعض دون بعض أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب. ومن قبلهم أبو هريرة كما تقدم عنه في الجرابين وأن المراد ما يقع من الفتن. ونحوه عن حذيفة. وعن الحسن أنه أنكر تحديث أنس للحجاج بقصة العرنيين لأنه اتخذها وسيلة إلى ما كان يعتمده من المبالغة في سفك الدماء بتأويله الواهي. وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب. والله أعلم ". هذا وقد اختلفوا في تأويل حديث الباب وما في معناه من تحريم النار على من قال لا إله إلا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في " الترغيب " (2 / 238) وترى سائرها في " الفتح ". والذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر وبه تجتمع الأدلة ولا تتعارض، أن تحمل على أحوال ثلاثة: الأولى: من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض والابتعاد عن الحرمات، فالحديث حينئذ على ظاهره، فهو يدخل الجنة وتحرم عليه النار مطلقا. الثانية: أن يموت عليها، وقد قام بالأركان الخمسة ولكنه ربما تهاون

1315

ببعض الواجبات وارتكب بعض المحرمات، فهذا ممن يدخل في مشيئة الله ويغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا وغيره من الأحاديث المكفرات المعروفة. الثالثة: كالذي قبله ولكنه لم يقم بحقها ولم تحجزه عن محارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه: " وإن زنى وإن سرق. . . " الحديث، ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله، فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار، فهو وإن دخلها، فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة ولابد، وهذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره، يصيبه قبل ذلك ما أصابه ". وهو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم (1932) . والله سبحانه وتعالى أعلم. 1315 - " من لقي الله لا يشرك به شيئا، يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان غفر له. قلت: أفلا أبشرهم يا رسول الله؟ قال: دعهم يعملوا ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 232) حدثنا روح حدثنا زهير بن محمد حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح كما كنت ذكرت في تعليقي على " مشكاة المصابيح " (رقم 47) وبيان ذلك أن رجال إسناده كلهم ثقات رجال الشيخين، وزهير بن محمد - وهو أبو المنذر الخراساني - وإن كان ضعفه بعضهم من قبل حفظه، فالراجح فيه التفصيل الذي ذهب إليه كبار أئمتنا، فقال البخاري: " ما روى عن أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عن أهل البصرة فإنه صحيح ". قلت: وروح الراوي عنه هنا هو ابن عبادة البصري الحافظ وقال الأثرم عن أحمد:

" في رواية الشاميين عن زهير مناكير، أما رواية أصحابنا عنه فمستقيمة، عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر ". قلت: وابن مهدي بصري، ومثله أبو عامر وهو عبد الملك بن عمرو القيسي العقدي البصري الحافظ. وقال ابن عدي: " ولعل أهل الشام أخطأوا عليه، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فروايتهم عنه مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به ". وقال العجلي: " لا بأس به وهذه الأحاديث التي يرويها أهل الشام عنه ليست تعجبني ". وهذا هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في " التقريب ": " رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر، وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه فكثر غلطه ". ولذلك فإن ابن عبد البر غلا حين قال فيه: " ضعيف عند الجميع "! فرده عليه الذهبي بقوله: " كلا بل خرج له (خ وم) مات سنة 162 ". قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن المسلم لا يستحق مغفرة الله إلا إذا لقى الله عز وجل ولم يشرك به شيئا، ذلك لأن الشرك أكبر الكبائر كما هو معروف في الأحاديث الصحيحة. ومن هنا يظهر لنا ضلال أولئك الذين يعيشون معنا ويصلون صلاتنا ويصومون صيامنا، و.... ولكنهم يواقعون أنواعا من الشركيات والوثنيات كالاستغاثة بالموتى من الأولياء والصالحين ودعائهم في الشدائد من دون الله والذبح لهم والنذر لهم ويظنون أنهم بذلك يقربونهم إلى الله زلفى، هيهات هيهات. * (ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) *!

1316

فعلى كل من كان مبتلى بشيء من ذلك من إخواننا المسلمين أن يبادروا فيتوبوا إلى رب العالمين ولا سبيل إلى ذلك إلا بالعلم النافع المستقى من الكتاب والسنة. وهو مبثوث في كتب علمائنا رحمهم الله تعالى، وبخاصة منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ومن نحا نحوهم وسار سبيلهم. ولا يصدنهم عن ذلك بعض من يوحي إليهم من الموسوسين بأن هذه الشركيات إنما هي قربات وتوسلات، فإن شأنهم في ذلك شأن من أخبر عنهم النبي صلى الله عليه وسلم ممن يستحلون بعض المحرمات بقوله " يسمونها بغير اسمها ". (انظر الحديث المتقدم 90 و 415) . هذه نصيحة أوجهها إلى من يهمه أمر آخرته من إخواننا المسلمين المضللين، قبل أن يأتي يوم يحق فيه قول رب العالمين في بعض عباده الأبعدين: * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) *. 1316 - " سبحي الله مائة تسبيحة، فإنها تعدل لك مائة رقبة تعتقينها من ولد إسماعيل واحمدي الله مائة تحميدة تعدل لك مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله وكبري الله مائة تكبيرة، فإنها تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة وهللي الله مائة تهليلة - قال ابن خلف: أحسبه قال - تملأ ما بين السماء والأرض ولا يرفع يومئذ لأحد عمل إلا أن يأتي بمثل ما أتيت به ". أخرجه أحمد (6 / 344) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 379 - 380) من طريق سعيد بن سليمان قال: حدثنا موسى بن خلف قال: حدثنا عاصم ابن بهدلة عن أبي صالح عن أم هاني بنت أبي طالب قال: قالت: " مر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إن قد كبرت وضعفت - أو كما قالت - فمرني بعمل أعمله وأنا جالسة. قال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي عاصم كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، ومثله موسى بن خلف وكنيته أبو خالد البصري، قال الحافظ: " صدوق عابد، له أوهام ". وأما أبو صالح فهو ذكوان السمان الزيات، وكنت قديما قد سبق إلى وهلي أنه أبو صالح باذان مولى أم هاني، فأوردت الحديث من أجل ذلك في " ضعيف الجامع الصغير " برقم (3234) ، فمن كان عنده فليتبين هذا، ولينقله إلى " صحيح الجامع " إذا كان عنده. * (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * . والحديث قال المنذري (2 / 245) : (رواه أحمد بإسناد حسن والنسائي ولم يقل: " ولا يرفع ... " إلى آخره، والبيهقي بتمامه، ورواه ابن أبي الدنيا فجعل ثواب الرقاب في التحميد، ومائة فرس في التسبيح، وقال فيه: " وهللي الله مائة تهليلة لا تذر ذنبا ولا يسبقها عمل ". ورواه ابن ماجة باختصار، ورواه الطبراني في " الكبير بنحو أحمد، ولم يقل: " أحسبه ". ورواه في " الأوسط " بإسناد حسن إلا أنه قال فيه: " قالت: قلت: يا رسول الله! قد كبرت سني ورق عظمي فدلني على عمل يدخلني الجنة، فقال: بخ بخ، لقد سألت ... " وقال: " قولي: " لا إله إلا الله مائة مرة فهو خير لك مما أطبقت عليه السماء والأرض، ولا يرفع يومئذ عمل أفضل مما يرفع لك إلا من قال مثل ما قلت ، أو زاد ". ورواه الحاكم بنحو أحمد، وقال: " صحيح الإسناد " وزاد: " وقولي: (ولا حول ولا قوة إلا بالله) (¬1) لا يترك ذنبا ولا يشبهها بعمل ". وقال الهيثمي في المجمع (10 / 92) عقب رواية أحمد: " رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، ولم يقل أحسبه. ورواه في " الأوسط " إلا أنه قال فيه: قلت: يا رسول الله ... " وأسانيدهم حسنة ". ¬

(¬1) الذي في " المستدرك " المطبوع: وقول لا إله إلا الله لا يترك ... ". اهـ .

1317

أقول: ولابد من التحقيق فيما ذكراه من التخريج قدر الإمكان: أولا: ما عزاه لابن ماجه (3810) والحاكم (1 / 513 - 514) إنما أخرجاه من طريق زكريا بن منظور حدثني محمد بن عقبة بن أبي مالك عن أم هاني به نحوه. ولما صححه الحاكم تعقبه الذهبي بقوله: " زكريا ضعيف، وسقط من بين محمد وأم هاني ". كذا الأصل لم يسم الساقط. ومحمد هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وقال الحافظ: " مستور ". وقال في زكريا منظور: " ضعيف ". ثانيا: رواية الطبراني في " الأوسط " إنما أخرجها (4 / 436) من طريق ابن شوذب عن أبان عن أبي صالح عن أم هاني به. وأبان هذا يغلب على الظن أنه ابن عباس المتروك، فإنه بصري وكذلك الراوي عنه: ابن شوذب. واسمه عبد الله، فإنه كان سكن البصرة، فإن كان غيره فلم أعرفه. وجملة القول: أن الاعتماد في تقوية الحديث إنما هو الطريق الأول، والطرق الأخرى إن لم تزده قوة، فلن تؤثر فيه وهنا. 1317 - " سبق المفردون. قالوا: يا رسول الله! ومن (المفردون) ؟ قال: الذين يهترون في ذكر الله عز وجل ". أخرجه أحمد (2 / 323) والحاكم (1 / 495 - 496) ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 314 - هندية) عن أبي عامر العقدي حدثنا علي بن مبارك عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن ابن يعقوب هذا إنما أخرج له البخاري في " جزء القراءة " ولم يحتج به في " صحيحه " وهو ثقة. وسائر رواته رجال الشيخين. وأبو عامر العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو القيسي البصري. وعلي بن المبارك قد تكلم فيه بعضهم فيما رواه خاصة عن يحيى بن أبي كثير، وذلك لأنه كان له عنه كتابان، أحدهما سماع منه، والآخر مرسل عنه. ولكن المحققين من الحفاظ قد وضعوا قاعدة في تمييز أحد الكتابين عن الآخر، فقال أبو داود لعباس العنبري: " كيف يعرف كتاب الإرسال؟ قال: الذي عند وكيع عنه عن عكرمة من كتاب الإرسال وكان الناس يكتبون كتاب السماع ". وقال ابن عمار عن يحيى بن سعيد: " أما ما روينا نحن عنه فمما سمع، وأما ما روى الكوفيون عنه فمن الكتاب الذي لم يسمعه ". وهذا هو الذي اعتمده الحافظ، فقال في " التقريب ": " كان له عن يحيى بن أبي كثير كتابان، أحدهما سماع، والآخر إرسال، فحديث الكوفيين عنه فيه شيء ". على أن ابن عدي قد أطلق الثقة في روايته عن يحيى فقال في " الكامل " (ق 192 / 1) بعد أن ساق له بعض الأحاديث: " ولعلي بن المبارك غير هذا، وهو ثبت عن يحيى بن أبي كثير ومقدم في يحيى وهو عندي لا بأس به ". إذا عرفت هذا، فقد خالفه عمر بن راشد إسنادا ومتنا، فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به إلا أنه قال: " المستهتر في ذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم، فيأتون يوم القيامة خفافا ".

أخرجه البيهقي والترمذي (2 / 279) وقال: " حديث حسن غريب ". وأقول: بل هو منكر ضعيف، فإن عمر بن راشد وهو أبو حفص اليمامي مع أنه ضعيف اتفاقا، فقد خالف علي بن المبارك سندا ومتنا كما ذكرنا. أما السند، فذكر أبا سلمة مكان عبد الرحمن بن يعقوب. وأما المتن، فإنه أسقط منه تفسير (المفردون) وزاد قوله: " يضع الذكر " ... ". فلا جرم أن قال أحمد وغيره: " حدث عن يحيى وغيره بأحاديث مناكير ". ولذلك قال البيهقي عقبه: " والإسناد الأول أصح ". وللحديث طريق أخرى يرويه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له: (جمدان) ، فقال: " سيروا هذا جمدان، سبق المفردون " . قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيرا والذاكرات ". رواه مسلم (8 / 63) والبيهقي (1 / 313 - 314) . غريب الحديث: 1 - (المفردون) : أي المنفردون. قال ابن الأثير: " يقال: فرد برأيه وأفرد وفرد، استفرد، بمعنى انفرد به ". قال النووي رحمه الله: " وقد فسرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بـ (الذاكرين كثيرا والذاكرات) وتقديره: والذاكراته، فحذفت الهاء هنا كما حذفت في القرآن لمناسبة رؤوس الآية ولأنه مفعول يجوز حزفه. وهذا التفسير هو مراد الحديث ".

2 - (يهترون) : أي يولعون. قال ابن الأثير: " يقال: (أهتر فلان بكذا واستهتر فهو مهتر به ومستهتر) : أي مولع به لا يتحدث بغيره ولا يفعل غيره. (تنبيه) : كان من دواعي تخريج هذا الحديث أنه وقعت هذه اللفظة في " الشعب " هكذا (يهتزون) بالزاي، بحيث تقرأ (يهتزون) ، فبادرت إلى تخريجه وضبط هذه اللفظة منه خشية أن يبادر بعض الصوفية الرقصة إلى الاستدلال به على جواز ما يفعلونه في ذكرهم من الرقص والاهتزاز يمينا ويسارا، جاهلين أو متجاهلين أنه لفظ محرف. وقد يساعدهم على ذلك ما جاء في " شرح مسلم " للنووي: " وجاء في رواية: " هم الذين اهتزوا في ذكر الله ". أي لهجوا به ". وكذلك.. جاء في حاشية " مسلم - استانبول " نقلا عن النووي! على أنه لو صح لكان معناه: يفرحون ويرتاحون بذكر الله تبارك وتعالى كما يؤخذ من مادة (هزز) من " النهاية "، فهو حينئذ على حد قوله صلى الله عليه وسلم: " أرحنا بها يا بلال! ". (¬1) أي بالصلاة. وهو قريب من المعنى الذي قاله النووي. والله أعلم. وبهذه المناسبة لابد من التذكير نصحا للأمة، بأن ما يذكره بعض المتصوفة عن علي رضي الله عنه أنه قال وهو يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " كانوا إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح ". فاعلم أن هذا لا يصح عنه رضي الله عنه، فقد أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1، 76) من طريق محمد بن يزيد أبي هشام حدثنا المحاربي عن مالك بن مغول عن رجل من (جعفي) عن السدي عن أبي أراكة عن علي. قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم. 1 - أبو أراكة لم أعرفه ولا وجدت أحدا ذكره وإنما ذكر الدولابي في " الكنى " (أبو أراك) وهو من هذه الطبقة، وساق له أثرا عن عبد الله بن عمرو، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا كعادته. ¬

(¬1) وهو مخرج في " المشكاة " 1253. اهـ.

1318

2 - الرجل الجعفي لم يسم كما ترى فهو مجهول. 3 - محمد بن يزيد قال البخاري: " رأيتهم مجمعين على ضعفه ". 1318 - " قل اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني - يجمع أصابعه إلا الإبهام - فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك ". أخرجه مسلم (8 / 71) وابن ماجه (2 / 433) وأحمد (3 / 472 و 6 / 394) من طريق يزيد بن هارون عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال: يا رسول الله: كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال: فذكره. والسياق لمسلم، وقال أحمد: " واهدني " بدل: " وعافني ". وكذلك قال عبد الواحد بن زياد عن أبي مالك به. أخرجه مسلم وأحمد أيضا إلا أنه أسقط اللفظين كليهما! وجمع بينهما أبو معاوية حدثنا أبو مالك الأشجعي بلفظ: " كان الرجل إذا أسلم علمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، ثم أمره أن يدعو بهؤلاء الكلمات ... " فذكرها خمسا. وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص نحوه مرفوعا. وفيه: " قل: اللهم اغفر لي ... " فذكر الخمس، لكن قال أحد رواته وهو موسى الجهني في روايته عنه: " أما (عافني) فأنا أتوهم، وما أدري ". قلت: الرواية الأخرى لم يتردد في هذا اللفظة، وهي ثابتة في طرق الحديث الأول ، فالراجح فيه رواية الخمس، والله أعلم. وقد وهم المنذري في حديث الأشجعي، فذكره رواية في حديث سعد انظر تعليقي على هذا الحديث من " صحيح الترغيب " رقم (14 / 7) .

1319

1319 - " إذا ذكرتم بالله فانتهوا ". أخرجه البزار في " مسنده " ص 312 - زوائده) من طريق سعد بن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أخيه عبد الله بن سعيد - أحسبه - رفعه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، فإن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري ضعيف جدا، وقد أرسله. هكذا رأيته في " زوائد البزار " للهيثمي بإفراد الحافظ ابن حجر، ويبدو أن نسخ " البزار " مختلفة في هذا الحديث، فإن الهيثمي أورده في " مجمع الزوائد " (10 / 226) هكذا: " عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أحسبه رفعه قال: إذا ... رواه البزار، وفيه عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد وهو ضعيف ". فجعله من مسند أبي هريرة، ومن رواية سعيد المقبري عنه. (¬1) وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " فقال: " رواه البزار عن أبي سعيد المقبري مرسلا ". فجعله من مرسل أبي سعيد! وتعقبه المناوي بما دل عليه كلام الهيثمي أنه ليس مرسلا وإنما هو مسند تردد الراوي في وقفه ورفعه لا في إرساله وعدمه، والله أعلم. لكن للحديث شاهد يرويه يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد الكندي عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا ذكر الله فانتهوا " . أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 174 / 2) . قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات غير سنان بن سعد ويقال سعد بن سنان، قال الحافظ: " صدوق له أفراد ". ¬

(¬1) ثم رأيته كذلك في " كشف الأستار " للهيثمي (ق 303 / 2) وهذا القسم لم يطبع حتى الآن ولا ذكر المحقق أو الناشر أنه سيطبع! . اهـ.

1320

1320 - " إن الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة يحب أن يرى أثر النعمة عليه ويكره البؤس والتباؤس ويبغض السائل الملحف ويحب الحيي العفيف المتعفف ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 231 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (ص 101) عن حاتم بن يونس الجرجاني حدثنا إسماعيل بن سعيد الجرجاني حدثنا عيسى بن خالد البلخي حدثنا ورقاء عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " وفي هذا الإسناد ضعف ". قلت: لم يظهر لي وجهه، فإن ورقاء وهو ابن عمر اليشكري فمن فوقه ثقات من رجال الشيخين، وعيسى بن خالد البلخي الظاهر أنه عيسى بن خالد الخراساني فإنه من هذه الطبقة، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 275) وروى عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال: وكان ثقة. وإسماعيل بن سعيد الجرجاني هو الشالنجي الطبري، ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 174) وروى عن الإمام أحمد أنه قال " رحم الله أبا إسحاق كان من الإسلام بمكان، كان من أهل العلم والفضل قال الحسن بن علي: كان أوثق من كتبت عنه إلا أقل ذاك ". وترجمه السهمي ترجمة حسنة، وفيها ساق الحديث وقال: " يقال: إن هذا الحديث تفرد إسماعيل بن سعيد الشالنجي بهذا الإسناد ". قلت: قد تابعه أحمد بن سعيد بن جرير حدثنا عيسى بن خالد به. أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (166 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 78 ) في ترجمة ابن جرير هذا ووثقه. وهو حديث صحيح، له شواهد تشهد لصحته أذكر هنا أهمها، فروى الطبراني (رقم 5308) والضياء في " المختارة " عن زهير بن أبي علقمة الضبعي قال:

" أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل سيىء الهيئة، فقال : ألك مال؟ قال: نعم من كل أنواع المال، قال: فلير عليك، فإن الله يحب أن يرى أثره على عبده حسنا، ولا يحب البؤس ولا التباؤس ". قلت: وإسناده صحيح، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 132) : " ورواه الطبراني، وترجم لزهير، ورجاله ثقات ". قلت: وفي ترجمته ساق البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 390) منه قوله : " إن الله يحب أن يرى أثره على عبده ". وهذا القدر منه له شواهد كثيرة ذكرت بعضها في " تخريج الحلال والحرام " (رقم 75) - وقد طبع والحمد لله تعالى - وفي " الصحيحة " فيما تقدم (1290) . وأما قوله " ويبغض السائل ... " الخ فلم أجد له شاهدا معتبرا إلا ما في " الجامع الكبير " (1 / 156 / 2) : " إن الله يبغض السائل الملحف ". الديلمي عن أبي هريرة، الديلمي عن ابن عباس. كذا في مخطوطة الظاهرية منه، ولا تخلو من شيء، فإن مثل هذا التكرار غير معهود في " التخريج "، وقد عزاه في " الجامع الصغير " لأبي نعيم في " الحلية " عن أبي هريرة وليس هو في فهرس " الحلية " فلعله أراد كتابه المتقدم " أخبار أصبهان " . وحديث ابن عباس أخرجه أبو بكر الشيرازي في " سبعة مجالس من الأمالي " (ق 12 / 2) عن أبي محمد موسى بن عبد الرحمن المقري الصنعاني عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا. لكن موسى هذا قال الذهبي: " ليس بثقة ". ثم وجدت له شاهدا لا بأس به بلفظ: " إن الله يحب الحليم الغني المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء السائل الملحف ".

1321

أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (ج 5 / 600 / 6231) من طريق سعيد عن قتادة قوله: * (لا يسألون الناس إلحافا) *: ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: فذكره. ورواه ابن المنذر أيضا كما في " الدر المنثور " (1 / 359) . ورواه نصر المقدسي في (الأربعين) (الحديث 21) من حديث عائشة مرفوعا وفيه عصمة بن محمد بن فضالة الأنصاري وهو متهم بالكذب والوضع. وروى الطبراني (ق 84 / 2 - من المنتقى منه) عن سوار بن مصعب الهمداني عن عمرو بن قيس الملائي عن سلمة بن كهيل عن شقيق بن سلمة عن ابن مسعود : قال: فذكر قصة رجل مع فاطمة رضي الله عنها وجريدتها وأن فيها حديثا مرفوعا جاء فيه: " والله يحب الحليم الحيي العفيف المتعفف، ويبغض الفاحش البذيء السائل الملحف ". لكن سوار متروك كما قال النسائي وغيره. وأخرج أبو يعلى في " مسنده " (1 / 295) وأبو بكر ابن سليمان الفقيه في " مجلس من الأمالي ". (16 / 1) والبيهقي في " الشعب " (2 / 231 / 1) كلهم من طريق عثمان بن أبي شيبة حدثنا عمران بن محمد بن أبي ليلى عن أبيه عن عطية عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ : " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى نعمته على عبده، ويبغض البؤس والتباؤس ". وعطية ومحمد بن أبي ليلى ضعيفان. 1321 - " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فإن وسع له فليجلس وإلا فلينظر أوسع مكان يراه فليجلس فيه ". رواه السلفي في " الطيوريات " (65 / 1) وابن عساكر (8 / 77 / 2) من طريق البغوي حدثنا محمد بن سليمان لوين حدثنا ابن عيينة عن عبد الله بن زرارة عن مصعب بن شيبة عن أبيه مرفوعا. ثم رأيته في قطعة من حديث لوين (2 / 2) بهذا الإسناد. (انظر الاستدراك رقم 312 / 22) .

ومصعب لين الحديث كما في " التقريب " قال: " وهو في الخامسة ". وأما أبوه شيبة فهو ابن جبير بن شيبة ابن عثمان الحجبي، فلم يترجموا له، وإنما ترجموا لجده الأعلى: شيبة بن عثمان، ومع ذلك ذكر الحافظ في " الإصابة " أنه روى عنه مصعب هذا، فليحقق، ولعل قوله: " عن أبيه " غير محفوظ ولذلك لم يذكره البخاري كما يأتي. والله أعلم. (انظر الاستدراك رقم 313 / 8) . والحديث عزاه السيوطي للبغوي والطبراني والبيهقي في " الشعب ". ونقل المناوي عن الهيثمي أنه قال: " إسناده حسن ". فإن كان من هذا الوجه فليس بحسن، وهو الذي يغلب على الظن، وقد أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 352) من طريق عبد الملك بن عمير عن ابن شيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " إذا جاء أحدكم فأوسع له أخوه، فإنما هي كرامة أكرمه الله بها ". ذكره في ترجمة مصعب بن شيبة هذا، فهذه علة أخرى في الحديث ألا وهي الإرسال وخفيت هذه العلة على المناوي تبعا للسيوطي، فإنه عزاه بهذا اللفظ للبخاري في " التاريخ " والبيهقي في " الشعب " عن مصعب بن شيبة. فلم يقل (مرسلا) كما هي عادته في مثله دفعا لإيهام أنه صحابي، ولكنه هنا وهم أو نسي، فقال المناوي: " رمز لحسنه وفيه عبد الملك بن عمير أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: قال أحمد: مضطرب الحديث. وابن معين: مختلط، لكنه اعتضد، فمراده أنه حسن لغيره ". قلت: وجدت له شاهدا من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إذا جاء أحدكم إلى القوم فوسع له فليجلس فإنما هي كرامة من الله أكرمه بها أخوه المسلم، فإن لم يوسع له فلينظر إلى أوسع مكان فليجلس فيه ". رواه أبو بكر الشيرازي في " سبعة مجالس من الأمالي " (7 / 2) : من طريق الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ والخطيب في " التاريخ "

1322

(2 / 133) عن أبي بكر محمد بن عبد الله الأردبيلي: حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الحلبي أخبرنا مجاهد بن موسى أخبرنا معن أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، قال الحاكم: " لم نكتبه من حديث مالك بن أنس عن نافع إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف أورده الخطيب في ترجمة محمد بن جعفر هذا ووصفه بـ " البزار " وقال: " روى عنه أبو بكر المفيد حديث منكرا ". ثم ساق له هذا. وقال الذهبي : " لا يعرف، روى عنه المفيد خبرا موضوعيا ... " ثم ذكره. ووافقه الحافظ في " اللسان ". ولست أرى ما ذهبا إليه من أن الحديث موضوع لأن له شاهدا من حديث مصعب بن شيبة كما تقدم، وهو وإن كان ضعيف الإسناد فإنه كاف في إبعاد حكم الوضع عليه والله أعلم. ثم رأيت له شاهدا آخر يقويه ويأخذ بعضده وقد قواه الذهبي نفسه! أخرجه الحارث ابن أبي أسامة عن أبي شيبة الخدري مرفوعا به كما في " الجامع الصغير "، وقال شرحه المناوي ": " قال الذهبي: حديث جيد، ورمز المؤلف لحسنه ". 1322 - " إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ". رواه أبو داود (2608 / 2609) وأبو عوانة في " صحيحه " (8 / 18 / 1) عن ابن عجلان عن نافع عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعا. ثم رواه أبو داود بهذا الإسناد إلا أنه جعل أبا هريرة مكان أبي سعيد، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " (1 / 295) على الوجه الأول. قلت: وهذا إسناد حسن. وله شاهد من حديث ابن لهيعة حدثنا عبد الله بن هبيرة عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره بلفظ: " لا يحل لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلا أمروا عليهم أحدهم "

1323

أخرجه أحمد (2 / 176 - 177) قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيىء الحفظ. 1323 - " إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مخرج السوء، وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مدخل السوء ". رواه المخلص في " حديثه " كما في " المنتقى منه " (12 / 69 / 1) والبزار في (المسند) (81) الديلمي في (مسنده) (1 / 1 / 108) . (انظر الاستدراك رقم 315 / 7) . والحافظ عبد الغني المقدسي في (أخبار الصلاة) (67 / 1، 68 / 2) من طرق عن معاذ بن فضالة حدثنا يحيى بن أيوب المصري عن بكر بن عمرو عن صفوان بن سليم - قال بكر: حسبت - عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال البزار: " لا نعلمه روي عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال البخاري، وفي يحيى بن أيوب المصري كلام يسير لا يضر. وقال الهيثمي في " زوائد البزار ": " ورجاله موثقون ". وقال المناوي في " الفيض ": " قال ابن حجر: حديث حسن، ولولا شك بكر لكان على شرط الصحيح، وقال الهيثمي: رجاله موثقون. انتهى، وبه يعرف استرواح ابن الجوزي في حكمه بوضعه ".

1324

1324 - " إذا ساق الله إليك رزقا من غير مسألة ولا إشراف نفس فخذه، فإن الله أعطاك ". أخرجه ابن حبان (856) عن حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه أن عبد الله بن يزيد المعافري حدثه عن قبيصة بن ذؤيب: " أن عمر بن الخطاب أعطى السعدي ألف دينار، فأبى أن يقبلها وقال: لنا عنها غنى، فقال له عمر: إني قائل لك ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ". فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (رقم 1045) من طرق أخرى عن عمر به نحوه دون قوله: " ألف دينار ". 1325 - " إذا سأل أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه ". أخرجه ابن حبان (2403) من طريق أبي أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والزبيري اسمه محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر الأسدي الزبيري مولاهم. وتابعه عبيد الله بن موسى عن سفيان به نحوه، وقد مضى لفظه برقم (1266) . 1326 - " صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ". أخرجه مسلم (8 / 155) والبيهقي (2 / 234) وأحمد (2 / 355 -

1327

356 و 440) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وله شاهد بلفظ: " سيكون في آخر أمتي ... " وقد مضى. 1327 - " إذا سمعت جيرانك يقولون أحسنت، فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت، فقد أسأت ". رواه النسائي في " مجلس من الأمالي " (55 / 2) حدثنا إسحاق بن إبراهيم: أنبأنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن منصور عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رجل : يا رسول الله كيف لي أن أعلم إذا أحسنت؟ قال: فذكره. ورواه الهيثم بن كليب عن أحمد أخبرنا عبد الرزاق به. ومن طريق إسحاق وهو الدبري رواه الطبراني أيضا (3 / 77 / 2) وصححه ابن حبان والحاكم كما ذكرت في " المشكاة " (4988) . ثم روى النسائي (56 / 2) له شاهد من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا أخذت به دخلت الجنة ولا تكثر علي، فقال: لا تغضب. وأتاه رجل آخر فقال: يا نبي الله دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. فقال كن محسنا. قال: وكيف أعلم أني محسن؟ فقال: تسأل جيرانك، فإن قالوا: إنك محسن، فأنت محسن وإن قالوا : إنك مسيء، فأنت مسيء. 1328 - " إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة فقولوا كما يقول ". أخرجه أحمد (3 / 438) من طريق ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل بن بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ابن لهيعة وزبان، فإنهما ضعيفان. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد، أحدها في " الصحيحين " وغيرهما عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (535) . و (التثويب) : الدعاء على الصلاة كما في " القاموس ". فهو يشمل الأذان والإقامة.

1329

1329 - " إذا صلى أحدكم الجمعة فلا يصل بعدها شيئا حتى يتكلم أو يخرج ". أخرجه الديلمي (1 / 1 / 64) من طريق الطبراني حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا خالد بن عبد السلام حدثنا الفضل بن المختار عن عبد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي مرفوعا. سكت عنه الحافظ في " مختصر الديلمي ". وإسناده ضعيف جدا، الفضل بن المختار، قال الهيثمي (2 / 195) : " ضعيف جدا ". وعزاه لكبير الطبراني. قلت: وأحمد بن رشدين هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر المصري. قال ابن عدي: " كذبوه، وأنكرت عليه أشياء ". قلت: لكن الحديث صحيح، فقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (882) وكذا ابن خزيمة (1 / 194 / 1) وغيرهما من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه مرفوعا. وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (1034) . 1330 - " إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ذلك ". أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (251) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 391 / 2) عن سليمان بن سيف حدثنا محمد بن سليمان بن أبي داود: أخبرنا أبي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير سليمان بن أبي داود وهو الحراني الملقب بـ (بومة) ، قال الذهبي: " وضعفه أبو حاتم، وقال البخاري: منكر الحديث. وقال ابن حبان: لا يحتج به ".

1331

قلت: ولم يتفرد به، فقد أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 67) عن علي بن عاصم حدثنا ابن جريج عن سعيد المقبري به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن عاصم، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ويهم ". وقد تابعه ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به مرفوعا بلفظ: " تشميت المسلم إذا عطس ثلاث مرات، فإن عطس فهو مزكوم ". أخرجه أبو داود (2 / 603 - الحلبية) وابن السني (250) واللفظ له ولم يسقه أبو داود، وإنما أحال على لفظ قبله بمعناه. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (939) من هذا الوجه موقوفا، وهو رواية لأبي داود. وإسناده حسن مرفوعا وموقوفا، والراجح الرفع لأنه موافق للطريقين السابقين. ويشهد له حديث سلمة بن الأكوع: " أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس رجل عنده فقال له: يرحمك الله، ثم عطس أخرى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرجل مزكوم ". أخرجه مسلم (2993) وأبو داود والترمذي (2744) وكذا البخاري في " الأدب المفرد " (935 و 238) وابن السني (249) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 1331 - " إن الله قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة ". " رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (2 / 1 ورقم 79 - منسوخة المكتب) عن سعيد ابن زربي عن الحسن عن كعب بن عاصم الأشعري سمع النبي صلى الله عليه وسلم: يقول:

1332

قلت: سعيد بن زربي منكر الحديث كما في " التقريب " وسائر رجاله ثقات إلا أن الحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه. ثم رواه من طريق مصعب بن إبراهيم عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا. قلت: ومصعب بن إبراهيم هذا منكر الحديث أيضا كما قال ابن عدي، وساق له حديثا آخر مما أنكر عليه. وقال الذهبي: " قلت: وله حديث آخر عن سعيد عن قتادة ... " قلت: فذكره. ثم رواه (91) من طريق محمد بن إسماعيل بن عياش: حدثنا أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن كعب بن عاصم به مرفوعا بلفظ: ".... من ثلاث: أن لا يجوعوا، ولا يجتمعوا على ضلالة، ولا يستباح بيضة المسلمين ". قلت: ورجاله ثقات غير محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: لم يكن بذاك . وقال أبو حاتم: لم يسمع من أبيه شيئا، حملوه على أن يحدث عنه فحدث. قلت: فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن. انظر " الضعيفة " (1510) . 1332 - " إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه ". أخرجه ابن ماجة (237) وابن أبي عاصم في " السنة " (251 - منسوخة المكتب) عن محمد بن أبي حميد المدني (عن موسى بن وردان) عن حفص بن عبيد الله بن أنس عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف محمد بن أبي حميد ضعيف.

1333

وموسى بن وردان صدوق ربما أخطأ، وقد سقط من إسناد ابن ماجة، ولذلك رواه المروزي في " زوائد الزهد " (968) وهو رواية لابن أبي عاصم (253 - 254) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 379 - طبع الهند) . وله عند ابن ماجة وكذا ابن أبي عاصم (252) شاهد يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا به. وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جدا لكن تابعه عقبة بن محمد عن زيد بن أسلم به. أخرجه ابن أبي عاصم (250) . ورجاله ثقات غير عقبة هذا، والظاهر أنه أخو أسباط بن محمد، قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 317) عن أبيه: " لا أعرفه " . وللحديث شاهد آخر، ولكنه مرسل ضعيف. وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن إن شاء الله تعالى. وراجع " تخريج السنة " لابن أبي عاصم (296 - 299) ففيه زيادة تخريج. 1333 - " لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله عز وجل منها أو لخرج منها ولد، وليخلقن الله نفسا هو خالقها ". أخرجه أحمد (3 / 140) حدثنا أبو عاصم أنبأنا أبو عمرو - مبارك الخياط جد ولد عباد بن كثير - قال: سألت ثمامة بن عبد الله بن أنس عن العزل؟ فقال: سمعت أنس بن مالك يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل عن العزل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (320) .

وهذا سند حسن أو محتمل للحسن رجاله ثقات رجال الستة غير مبارك الخياط أبو عمرو، قال الحافظ في التعجيل: " روى عنه أبو عامر العقدي وأبو عاصم النبيل. ذكره ابن أبي حاتم وقال: بصري جاور بمكة، وذكره ابن حبان في الثقات ". وجزم بحسنه الهيثمي حيث قال (4 / 296) : " رواه أحمد والبزار وإسنادهما حسن ". وله شاهد من حديث ابن عباس سيأتي بلفظ: " والذي نفسي بيده لو أن النطفة " الخ ... ، فالحديث بهذا الشاهد حسن إن شاء الله تعالى . والحديث رواه الضياء المقدسي أيضا في " المختارة " وابن حبان في " صحيحه " كما في " الجامع " وشرحه. وله شواهد أخرى، منها عن جابر قال: " جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لي جارية أعزل عنها؟ قال: سيأتيها ما قدر لها، فأتاه بعد ذلك، فقال: قد حملت الجارية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قدر لنفس شيء إلا هي كائنة ". أخرجه ابن ماجة (89) وأحمد (3 / 313) ولفظه: " ما قدر الله لنفس أن يخلقها إلا هي كائنة ". قلت: وسنده صحيح على شرطهما. وعن عبادة أن أول من عزل نفر من الأنصار أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن نفرا من الأنصار يعزلون، ففزع، وقال : " إن النفس المخلوقة كائنة، فلا آمر ولا أنهى ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 168 / 2) من طريق عيسى بن سنان عن يعلى بن شداد بن أوس عنه وقال: " ولم يروه عن يعلى إلا عيسى ".

1334

قلت: وهو لين الحديث كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الكبير " أيضا كما في " المجمع " (4 / 296) . 1334 - " لا تعجبوا بعمل أحد حتى تنظروا بما يختم له، فإن العامل يعمل زمانا من دهره ، أو برهة من دهره بعمل صالح لو مات (عليه) دخل الجنة، ثم يتحول فيعمل عملا سيئا، وإن العبد ليعمل زمانا من دهره بعمل سيىء لو مات (عليه) دخل النار، ثم يتحول فيعمل عملا صالحا، وإذا أراد الله بعبد خير استعمله قبل موته فوفقه لعمل صالح، (ثم يقبضه عليه) ". أخرجه أحمد (3 / 120 و 123 و 230 و 257) وابن أبي عاصم في " السنة " (347 - 353) من طرق عن حميد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وطرفه الأول أورده السيوطي من رواية الطبراني عن أبي أمامة، وإسناده ضعيف كما بينه المناوي، فكان عليه أن يعزوه لأحمد أيضا، إشارة منه إلى تقويته كما هي عادته غالبا. 1335 - " من علم آية من كتاب الله عز وجل، كان له ثوابها ما تليت ". أخرجه أبو سهل القطان في " حديثه عن شيوخه " (4 / 243 / 2) حدثنا محمد بن الجهم حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مالك الأشجعي عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد عزيز، رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن

1336

الجهم وهو ابن هارون الكاتب السمري ترجمه الخطيب (2 / 161) برواية جماعة من الثقات عنه، وقال: " وقال الدارقطني: ثقة صدوق ". وقال الحافظ في " اللسان ": " ما علمت فيه جرحا ". قلت: قد فاته توثيق الدارقطني إياه. 1336 - " إذا دخل أهل الجنة الجنة، يقول الله عز وجل: هل تشتهون شيئا فأزيدكم؟ فيقولون: ربنا وما فوق ما أعطيتنا؟ قال: فيقول: رضواني أكبر ". أخرجه ابن حبان (2647) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 141 / 1) وفي " الأخبار " (1 / 282) والحاكم (1 / 82) من طريق محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن سفيان به نحوه مختصرا، أخرجه الحاكم أيضا. وتابعه أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان به. أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (6 / 262 / 6751) . 1337 - " إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت ". أخرجه مالك في " الموطأ " (1 / 132 / 8) وعنه النسائي (1 / 137) وابن حبان (433) والحاكم (1 / 244) وأحمد (4 / 34) كلهم عن مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل يقال له بسر بن محجن عن أبيه محجن: " أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى، ثم رجع، ومحجن في مجلسه لم يصل معه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم

1338

ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ فقال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. وقال الحاكم: " حديث صحيح ومالك بن أنس الحكم في حديث المدنيين وقد أحتج به في الموطأ ". ثم أخرجه هو وأحمد (4 / 34 / 338) من طرق أخرى عن زيد بن أسلم به. قلت: وبسر بن محجن لم يرو عنه غير زيد بن أسلم ولم يوثقه غير ابن حبان ومع ذلك قال فيه الحافظ: " صدوق ". ولعل وجهه ما تقدم عن الحاكم. والله أعلم. والحديث صحيح على كل حال، فإن له شاهدا من حديث يزيد بن الأسود في " السنن " وغيرها على ما خرجته في " صحيح أبي داود " (590) . والحديث عزاه السيوطي لسعيد بن منصور فقط في " سننه " بلفظ: " إذا دخلت مسجدا فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت ". 1338 - " اللهم من آمن بك وشهد أني رسولك فحبب إليه لقاءك وسهل عليه قضاءك وأقلل له من الدنيا، ومن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك ولا تسهل عليه قضاءك وأكثر له من الدنيا ". أخرجه ابن حبان (2475) والطبراني في " المعجم الكبير " (ق 74 / 2 - منتخب منه) من طريق عبد الله بن وهب حدثني سعيد بن أبي أيوب عن أبي هانيء عن أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي علي الجنبي واسمه عمرو ابن مالك وهو ثقة كما في " التقريب "، وهو غير عمرو بن مالك النكري المتكلم فيه. وأبو هانيء اسمه حميد بن هانيء الخولاني المصري. وللحديث شاهدان. (انظر الاستدراك رقم 325 / 19) . (انظر الاستدراك رقم 325 / 23) .

1339

الأول: عن عمرو بن غيلان الثقفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه أتم منه، وفيه: ".... فأقلل ما له وولده " و ".... فأكثر ماله وولده وأطل عمره ". أخرجه ابن ماجة (4133) والطبراني (ق 58 / 1 - المنتخب) والضياء في " الموافقات " (ق 40 / 1) من طرق عن هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا يزيد بن أبي مريم عن أبي عبيد الله مسلم بن مشكم عن عمرو بن غيلان الثقفي. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن له علتان: الأولى: أن ابن غيلان هذا مختلف في صحبته، ولذلك أعله في " الزوائد " (452 / 2) بالإرسال. الأخرى: أن ابن عمار مع كونه من شيوخ البخاري ففيه كلام، قال الحافظ: صدوق، مقرىء، كبر، فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح ". لكنه قد توبع. أخرجه الترقفي في " حديثه " (52 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (13 / 295 / 2) من طريقين آخرين عن صدقة به. (انظر الاستدراك رقم 326 / 13) . الشاهد الآخر: عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره مثل حديث ابن غيلان. أخرجه الطبراني (ق 77 / 1 - المنتخب) من طريقين عن عمرو ابن واقد عن يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عمرو بن واقد هذا متروك كما في " التقريب ". (انظر الاستدراك رقم 326 / 20) . 1339 - " إذا دعى الغائب للغائب، قال له الملك: ولك بمثل ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 180 / 1) من طرق عن لوين أنبأنا حبان بن علي العنزي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير حبان بن علي وهو ضعيف مع فقهه وفضله، ولعله أخطأ في إسناده وإلا فمتن الحديث صحيح له شواهد: الأول: عن أم الدرداء قالت: حدثني سيدي (تعني زوجها أبا الدرداء) أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إذا دعا الرجل لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين، ولك بمثل ". أخرجه مسلم (8 / 86) وأبو داود (1534) واللفظ له من طريق موسى بن ثروان حدثني طلحة بن عبيد الله بن كريز حدثتني أم الدرداء. وأخرجه أحمد (6 / 452) من طريق أخرى عن طلحة به لكنه لم يذكر أبا الدرداء في إسناده، فجعله من مسند أم الدرداء! ثم أخرجه مسلم وأحمد (5 / 195 و 6 / 452) وكذا ابن ماجة (2895) وأبو الشيخ في " أحاديث أبي الزبير عن غير جابر " (17 / 1) من طريق صفوان بن عبد الله بن صفوان - وكانت تحته أم الدرداء - قال: " قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله، فلم أجده ووجدت أم الدرداء، فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت نعم، قالت: فادع الله لنا بخير ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك موكل كلما دعا لأخيه بخير، قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل ". قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم ". (تنبيه) لم يقف المناوي على إسناد ابن عدي فلم يتكلم عليه بشيء ولكنه قال: " ورواه مسلم وأبو داود عن أم الدرداء الصغرى، وهي تابعية، فهو عندهما مرسل ". كذا قال وكأنه لم يتنبه لقولها في الرواية الأولى: " حدثني سيدي "

1340

وقول صفوان في آخر الحديث: " فلقيت أبا الدرداء.... " فكل ذلك صريح في أن الحديث من مسند أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم. فجل من لا ينسى. الشاهد الثاني: عن أنس مرفوعا بلفظ: " إذا دعى المرء لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة: آمين، ولك بمثله ". أخرجه البزار في " مسنده " (زوائده - 308) من طريق مؤمل حدثنا حماد بن سلمة عن عبد العزيز بن صهيب عنه، وقال: " لا نعلم رواه عن حماد إلا مؤمل ". قلت: هو ابن إسماعيل البصري صدوق سيىء الحفظ كما في " التقريب " فقول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 152) : " ورجاله ثقات ". فهذا ليس بجيد. الثالث: عن عمران بن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد ". أخرجه البزار أيضا، لكن سقط من " الزوائد " إسناده فلم يبق منه إلا هذا الذي ذكرته: عن عمران ... وقال: " لا نعلمه يروى عن عمران إلا من هذا الوجه، وخالد بصري ". كذا الأصل. والله أعلم. ولعل السقط من " مسند البزار " نفسه، بدليل أن الهيثمي لم يزد على قوله في " المجمع ": " رواه البزار ". فلو كان السند ثابتا في نسخته لتكلم عليه إن شاء الله كما هي غالب عادته (¬1) . 1340 - " إذا رأى أحدكم الرؤيا تعجبه فليذكرها وليفسرها وإذا رأى أحدكم الرؤيا تسوءه ، فلا يذكرها ولا يفسرها ". أخرجه ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 287 - 288) من طريق ي ¬

(¬1) ثم وقفت على إسناده في مصورة " كشف الأستار " (ق 299 / 2) ، فإذا هو من طريق خالد بن حميد عن الحسن عن عمران. والحسن مدلس، وخالد بن حميد البصري لم أعرفه. اهـ.

1341

حيى بن معين قال : حدثنا يحيى بن صالح عن سليمان بن بلال عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ويحيى بن صالح هو الوحاظي الحمصي. (تنبيه) أورده السيوطي من رواية الترمذي عن أبي هريرة بلفظ: " إذا رأى أحدكم الرؤيا الحسنة فليفسرها وليخبر بها وإذا رأى الرؤيا القبيحة فلا يفسرها ولا يخبر بها ". وكذلك في " الجامع الكبير " (1 / 56 / 2) ، وقال المناوي في " الفيض ": " رمز لحسنه تبعا للترمذي، وحقه الرمز لصحته وظاهر صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه عن الستة، ولا كذلك، فقد رواه ابن ماجه وعن أبي هريرة باللفظ المزكور ". كذا قال، ولم أجد الحديث عند الترمذي وابن ماجه باللفظ المذكور بعد مزيد من البحث عنه وتعاطي كل الوسائل الممكنة، وقوله: " تبعا للترمذي صريح أو كالصريح في أنه وقف عليه عنده وعلى أنه حسنه، فلعله وقع في بعض النسخ منه. 1341 - " الرؤيا ثلاث، فالبشرى من الله وحديث النفس وتخويف من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء، وإذا رأى شيئا يكرهه فلا يقصه على أحد وليقم يصلي ". رواه أحمد (2 / 395) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 193 / 2) وعنه ابن ماجه (2 / 449) قالا: حدثنا هوذة بن خليفة عن عوف عن محمد عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير هوذة بن خليفة وهو صدوق كما قال في " التقريب ".

1342

ثم أخرجه أحمد (2 / 269) ومسلم (7 / 52) أيضا من طريق أيوب عن ابن سيرين به دون قوله " فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصها إن شاء ". والباقي مثله سواء. وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وصححه الترمذي (3 / 247 - تحفة) . وله شاهد من حديث عوف بن مالك مرفوعا نحوه سيأتي (1870 ) . 1342 - " إذا رأت ذلك فأنزلت فعليها الغسل ". أخرجه مسلم (1 / 172) وأبو عوانة (1 / 289) وابن ماجه (601) وأحمد (3 / 121 و 199 و 282) ومن طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس " أن أم سليم سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجال؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . فقالت أم سلمة: يا رسول الله أيكون هذا؟ قال: نعم. ماء الرجل غليظ أبيض، وماء المرأة رقيق أصفر. فأيهما سبق أو علا أشبهه الولد ". والسياق لابن ماجه، وللنسائي (1 / 43) منه قوله: " ماء الرجل غليظ ... ". وما قبله له طريق أخرى عن أنس به نحوه. عند أبي عوانة وغيره، وشاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، أخرجه مسلم وأبو عوانة وغيرهما. فراجع " صحيح أبي داود " (234 - 235) . 1343 - " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليصل ". رواه أبو عبيد في " غريب الحديث " (29 / 1) حدثنا ابن علية ويزيد كلاهما عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم وأصحاب السنن وغيرهم على ما هو مخرج في " الإرواء " (2013) وإنما خرجته هنا لهذا المصدر العزيز.

1344

1344 - " إذا رأى (المؤمن) ما فسح له في قبره، يقول: دعوني أبشر أهلي، فيقال له: اسكن ". أخرجه أحمد (3 / 331) عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الصحيح، وفي أبي بكر بن عياش كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. لاسيما وله طريق أخرى يرويه ابن لهيعة عن أبي الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر، فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه أطول منه. أخرجه أحمد (3 / 346) . ورجاله ثقات لولا أن ابن لهيعة سيء الحفظ، فمثله يستشهد به. وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " إن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك ... فيقال له: هذا بيتك كان لك في النار، ولكن الله عصمك ورحمك، فأبدلك به بيتا في الجنة، فيقول: دعوني حتى أذهب فأبشر أهلي ... " الحديث. أخرجه أبو داود (2 / 539 - 540 - طبع الحلبي) وأحمد (3 / 233) من طريق عبد الوهاب بن عطاء الخفاف أبي نصر عن سعيد عن قتادة عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وهو في " الصحيحين " وغيرهما دون موضع الشاهد. وهو رواية لأبي داود. وله شاهد آخر من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحو حديث أنس. أخرجه أحمد (3 / 3 - 4) عن عباد بن راشد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عنه. وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الصحيح، وفي عباد كلام لا يضر.

1345

1345 - " إذا رأيت الأمة ولدت ربتها أو ربها ورأيت أصحاب الشاء يتصاولون بالبنيان ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رءوس الناس، فذلك من معالم الساعة وأشراطها ". أخرجه أحمد (1 / 318 - 319) من طريق عبد الحميد حدثنا شهر حدثني عبد الله ابن عباس مرفوعا به وزاد في آخره: " قال: جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا له، فأتاه جبريل عليه السلام، فجلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واضعا كفيه على ركبتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله حدثني ما الإسلام (قلت: فذكر الحديث بطوله، وفيه) قال: يا رسول الله فحدثني متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله خمس من الغيب لا يعلمهن إلا هو: * (إن الله عنده علم الساعة ... ) * الآية ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك، قال: أجل يا رسول الله، فحدثني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وزاد في آخره: " قال: يا رسول الله ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: العرب ". قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، شهر وهو ابن حوشب سيء الحفظ ولكن الحديث صحيح ثابت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة نحوه، ومن حديث عمر بن الخطاب عند مسلم وغيره دون الزيادة. 1346 - " بحسب أصحابي القتل ". أخرجه أحمد (3 / 472) حدثنا يزيد بن هارون - ببغداد - أنبأنا أبو مالك الأشجعي سعد بن طارق عن أبيه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره . قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط مسلم. والحديث قال الهيثمي (7 / 23 ) : " رواه أحمد والطبراني بأسانيد البزار، ورجال أحمد رجال الصحيح ".

1347

ثم ذكر له شاهدا من حديث سعيد بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سيكون بعدي فتن يكون فيها ويكون، فقلنا: إن أدركنا ذلك هلكنا، قال: بحسب أصحابي القتل. وفي رواية: يذهب الناس فيها أسرع ذهاب. وقال: " رواه الطبراني بأسانيد، رجال أحدهما ثقات، ورواه البزار كذلك ". قلت: وأخرجه أحمد أيضا (1 / 189) بالرواية الثانية من طريق عبد الملك ابن ميسرة عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد به. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن ظالم، قال الحافظ : " صدوق لينه البخاري ". وعبد الملك بن ميسرة هو أبو زيد الهلالي الزراد. وقوله: " بأسانيد " فيه تساهل موهم لأن مدارها في " كبير الطبراني " (رقم 345 - 348) على هلال، فتنبه. 1347 - " عقوبة هذه الأمة بالسيف ". أخرجه الخطيب (1 / 317) من طريق المؤمل قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا يونس بن عبيد عن حميد بن هلال عن نصر بن عاصم عن عقبة بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير المؤمل وهو ابن إسماعيل البصري، قال الحافظ: " صدوق سيء الحفظ ". لكن يشهد له حديث أبي بردة قال: " خرجت من عند عبيد الله بن زياد، فرأيته يعاقب عقوبة شديدة، فجلست إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. قال الهيثمي (7 / 225) : " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ".

1348

1348 - " لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع وباعا بباع حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب دخلتم وحتى لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم ". رواه الدولابي في " الكنى " (2 / 30) والحاكم (4 / 455) عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن أبي عروة موسى بن ميسرة الديلمي وابن أخيه ثور الديلمي بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قال: ولا أعلمهما إلا حدثاني مثل ذلك سواء عن أبي الغيث سالم مولى بن مطيع عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وليس عند الحاكم: " قال: ولا أعلمهما ... " وقال: " صحيح ووافقه الذهبي ". قلت: رجاله رجال الصحيح غير موسى بن ميسرة الديلمي وهو ثقة على أنه متابع. وأبو أويس اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي، وهو مع كون مسلم احتج به، ففيه ضعف وكذلك ابنه إسماعيل لكن هذا قد توبع فقال ابن نصر في " السنة " (13) حدثنا محمد بن يحيى أنبأنا إسماعيل بن أبان الوراق (حدثنا) أبو أويس عن ثور بن زيد عن عكرمة به. وقال: البزار في " مسنده " (235 - زوائده) : حدثنا محمد بن عمر بن هياج الكوفي حدثنا إسماعيل بن صبيح حدثنا أبو أويس عن ثور ابن زيد عن عكرمة به. وقال: " لا نعلمه إلا بهذا الإسناد، وثور مدني ثقة، إسناد حسن ". قلت: وهو كما قال إن شاء الله تعالى أنه إسناد حسن لما علمت من حال أبي أويس وسائر رجاله ثقات. بل الحديث صحيح، فإن له شاهد من حديث عبد الله بن عمرو نحوه، أخرجه الترمذي والحاكم (1 / 129) بسند ضعيف كما بينته في " تخريج المشكاة " (171) ، وله شاهد آخر في " المجمع " (7 / 261) .

1349

(تنبيه) : ذكر المناوي في " الفيض " أن الحديث أخرجه الحاكم في " الإيمان " وقال: على شرط مسلم وأقره الذهبي. وهذا من أوهامه رحمه الله، فإن الحاكم إنما أخرجه في " الفتن والملاحم " في المكان الذي سبقت الإشارة إليه ولم يصححه على شرط مسلم وإنما صححه مطلقا وأقره الذهبي، وفي " الإيمان " إنما هو حديث آخر عن أبي هريرة مرفوعا بهذا المعنى وليس في " وحتى ولو أن أحدهم ... ". وفي " المجمع " (7 / 261) : " رواه البزار ورجاله ثقات ". (تنبيه) : قوله: " أمه " هكذا وقع في كل المصادر التي تقدم عزو الحديث إليها : ابن نصر، الدولابي، البزار، وهو الصواب ووقع في " مستدرك الحاكم ": " امرأته ". وهو خطأ من أحد رواته أو نساخه، فاتني أن أنبه عليه في " صحيح الجامع الصغير وزيادته " (4943) ، فقد أورده السيوطي من رواية الحاكم فقط بلفظه المذكور، فليعلق عليه من كان عنده نسخة منه أو من " الجامع الصغير " أو " الفتح الكبير " مع العلم بأن الشاهد الذي سبقت الإشارة إليه من حديث ابن عمرو هو باللفظ الأول الصحيح وهو في " صحيح الجامع " أيضا برقم (5219) وقد وقع مني فيه خطأ وهو حذف الجملة المتعلقة بهذا اللفظ ووضع مكانها نقط.... كما جريت عليه في هذا الكتاب إشارة مني إلى أن المحذوف ضعيف، وكانت زلة مني أسأل الله أن يغفرها لي. فإن العكس هو الصواب كما علمت. وعليه فليصحح لفظ " صحيح الجامع " بإعادة الجملة المحذوفة، والله تعالى ولي التوفيق. 1349 - " خلل أصابع يديك ورجليك، يعني إسباغ الوضوء. وكان فيما قال له: إذا ركعت فضع كفيك على ركبتيك حتى تطمئن وإذا سجدت فأمكن جبهتك من الأرض حتى تجد حجم الأرض ". أخرجه أحمد (1 / 287) من طريق موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة قال سمعت ابن عباس يقول:

1350

سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء من أمر الصلاة؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم.... فذكره. قلت: ورجاله موثقون إلا أن صالحا هذا وهو ابن نبهان كان اختلط، لكنهم قد ذكروا أن ابن أبي ذئب، وغيره من القدماء قد روى عنه قبل الاختلاط، وموسى أقدم منه كما سبق تحقيقه تحت الحديث (1306) وذكرت هناك لطرفه الأول شاهدا. ولسائره شاهد آخر من حديث رفاعة بن رافع عند أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج في " صحيح أبي داود ". 1350 - " إذا رميت الصيد فأدركته بعد ثلاث ليال وسهمك فيه فكله ما لم ينتن ". أخرجه أبو داود (2861) من طريق حماد بن خالد الخياط عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجته في " صحيحه " (6 / 59) من طريق معن بن عيسى حدثني معاوية به نحوه دون قوله: " سهمك فيه ". 1351 - " إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم، فالدمار عليكم ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 100 / 2 - مخطوطة الظاهرية) : أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد مرسل حسن. وله شاهد موقوف يرويه بكر بن سوادة عن أبي الدرداء قال: فذكره مع تقديم وتأخير.

1352

أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (رقم 797) أخبرنا يحيى ابن أيوب عن عمرو بن الحارث عن بكر بن سوادة به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم ولكني لا أدري إذا كان بكر بن سوادة سمع من أبي الدرداء أم لا؟ ولكنه شاهد لا بأس به للمرسل، وهو وإن كان موقوفا، فله حكم الرفع لأنه لا يقال من قبل الرأي، لاسيما وقد روي عنه مرفوعا، ذكره كذلك الحكيم الترمذي في " كتاب الأكياس والمغترين " (ص 78 - مخطوطة الظاهرية) وكذلك عزاه السيوطي في " الجامع " إلى الحكيم عنه. يعني في " نوادر الأصول ". وذكر المناوي أن إسناده ضعيف. والله أعلم. 1352 - " لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وتسبيل الإزار، فإنه من الخيلاء والخيلاء لا يحبها الله عز وجل، وإن امرؤ سبك بما يعلم فيك، فلا تسبه بما تعلم فيه، فإن أجره لك ووباله على من قاله ". أخرجه أحمد (5 / 63) حدثنا يزيد أخبرنا سلام بن مسكين عن عقيل بن طلحة حدثنا أبو جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ! إنا قوم من أهل البادية، فعلمنا شيئا ينفعنا الله تبارك وتعالى به. قال: فذكره. ثم رواه عن عبد الصمد حدثنا سلام به إلا أنه قال: " فلا تشتمه بما تعلمه فيه، فإن أجر ذلك لك ووباله عليه ". وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين غير عقيل بن طلحة، وهو ثقة ولأبيه صحبة كما في " التقريب ".

1353

وله طريق ثان، فقال أحمد (5 / 63 - 64) : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا يونس حدثنا عبيدة الهجيمي عن أبي تميمة الهجيمي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره نحوه وزاد في آخره: " ولا تسبن أحدا "، فما سببت بعده أحدا ولا شاة ولا بعيرا. ورجاله ثقات رجال الصحيح غير عبيدة الهجيمي وهو مجهول وفيه انقطاع، فإن أبا تميمة تابعي ليس بصاحب وإنما هو يرويه عن أبي جري جابر ابن سليم أو سليم بن جابر. كذلك رواه هشيم عن يونس بن عبيد بلفظ: " اتق الله ولا تحقرن ... ". وقد سبق الكلام عليه برقم (770) . وله طريق أخرى عن أبي تميمة موصولا بلفظ: " لا تسبن أحدا " ويأتي قريبا. 1353 - " إذا رويت أهلك من اللبن غبوقا، فاجتنب ما نهى الله عنه من ميتة ". أخرجه الحاكم (4 / 125) والبيهقي (9 / 357) عن يحيى بن يحيى أنبأنا خارجة عن ثور عن راشد بن سعد - زاد الثاني: وأعطاني كتابا - عن سمرة بن جندب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا إلا أنني أخشى أن يكون منقطعا بين راشد بن سعد وسمرة، فإن بين وفاتيهما نحو خمسين سنة. وقد ذكر أبو حاتم وغيره أنه لم يسمع من ثوبان. والله أعلم. (غبوقا) في " النهاية ": " الغبوق: شرب آخر النهار، مقابل الصبوح ".

1354

1354 - " إذا سمعت النداء، فأجب داعي الله عز وجل ". أخرجه الدارقطني (197) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 122) عن محمد ابن سليمان عن أبي داود حدثني أبي عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم عن عبد الله بن معقل عن كعب بن عجرة: " أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني أسمع النداء، ولعلي لا أجد قائدا؟ قال ": فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سليمان بن أبي داود وهو الحراني وهو ضعيف. لكنه لم يتفرد به، فقد رواه البيهقي في " السنن " (3 / 57 - 58) من طريق بشر ابن حاتم الرقي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي إسحاق عن عبد الله بن معقل به. قلت: ورجاله ثقات غير بشر بن حاتم الرقي أورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 355) بروايته عن عبيد الله هذا، ولم يزد! وقال البيهقي عقبه: " خالفه أبو عبد الرحيم، فرواه عن زيد بن أبي أنيسة عن عدي بن ثابت عن عبد الله بن معقل ". قلت: وصله الطبراني في " الأوسط " (1 / 22 / 2) من طريق الشاذكوني حدثنا محمد بن سلمة الحراني حدثنا أبو عبد الرحيم خالد بن يزيد عن زيد بن أبي أنيسة به. وقال الطبراني: " لم يروه عن عدي إلا زيد ". قلت: وهو ثقة لكن في الطريق إليه الشاذكوني واسمه سليمان بن داود وهو حافظ متهم بالوضع، لكن الظاهر من قول الطبراني المذكور أنه لم ينفرد ويؤيده أن الحافظ الهيثمي لما أورده في " المجمع " (2 / 42 - 43) قال: " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " وفيه يزيد بن سنان

1355

ضعفه أحمد وجماعة، وقال أبو حاتم محله الصدق، وقال البخاري: مقارب الحديث ". ووجه التأييد أنه ليس في إسناد الطبراني في " الأوسط " يزيد بن سنان فهو في إسناد معجمه الكبير، فينتج أن إسناده غير إسناد " الأوسط ". وأنه لم يتفرد به الشاذكوني. والله أعلم. والحديث صحيح على كل حال، فإن له شواهد عديدة من حديث أبي هريرة عند مسلم وأبي عوانة وغيرهما، وابن أم مكتوم الأعمى وهو صاحب القصة من طرق عنه عند أبي داود وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (561) . 1355 - " إذا سمعتم بجيش قد خسف به قريبا، فقد أظلت الساعة ". أخرجه أحمد (6 / 378) والحميدي (351) قالا - والسياق للحميدي - حدثنا سفيان قال: حدثنا محمد بن إسحاق أنه سمع محمد بن إبراهيم التيمي يحدث عن بقيرة امرأة القعقاع بن أبي حدرد الأسلمي قالت: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: يا هؤلاء! إذا سمعتم ... ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق وهو حسن الحديث إذا أمنا تدليسه كما هنا فقد صرح بالتحديث وذلك من فوائد الحميدي رحمه الله دون أحمد، ولذلك أعله الهيثمي بالعنعنة، فقال المناوي في شرحه على " جامع السيوطي ": " وقد رمز لحسنه، وهو كما قال، إذ غاية ما فيه أن فيه ابن إسحاق، وهو ثقة لكنه مدلس، قال الهيثمي: وبقية رجال إسنادي أحمد رجال الصحيح ". قلت: ومن الغريب قوله: " وهو كما قال.... "، فإن عنعنة من عرف بالتدليس علة في الحديث تمنع من القول بحسنه كما لا يخفى على العارفين بهذا العلم الشريف . وسفيان هو ابن عيينة، وقد تابعه سلمة بن الفضل عن أحمد.

1356

1356 - " إذا سها أحدكم في صلاته، فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين، فليبن على واحدة، فإن لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا؟ فليبن على ثنتين، وإن لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا؟ فليبن على ثلاثا، وليسجد سجدتين قبل أن يسلم ". أخرجه الترمذي (1 / 80 - 81) وابن ماجه (1209) والطحاوي (1 / 251) والحاكم (1 / 324 - 325) والبيهقي (2 / 332) وأحمد (1 / 190) من طريق محمد بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. واللفظ للترمذي وقال: " حديث حسن غريب صحيح ". كذا قال، ومكحول وابن إسحاق مدلسان وقد عنعناه! فأنى له الحسن فضلا عن الصحة؟ ! نعم قد صرح ابن إسحاق بالتحديث في رواية لأحمد (1 / 193) ولكنه أرسله عن مكحول، ووصله من طريق غيره، فقال أحمد: حدثنا إسماعيل حدثنا محمد بن إسحاق حدثني مكحول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا صلى أحدكم فشك في صلاته.... قال ابن إسحاق: وقال لي حسين بن عبد الله : هل أسنده لك؟ فقلت: لا، فقال: لكنه حدثني أن كريبا مولى ابن عباس حدثه عن ابن عباس به. وهكذا أخرجه البيهقي وقال عقبة: " فصار وصل الحديث لحسين بن عبد الله وهو ضعيف إلا أن له شاهدا من حديث مكحول ". يعني عن كريب به. ثم أخرجه هو والحاكم (1 / 324) من طريقين عن عبد الرحمن بن ثابت عن أبيه عن مكحول به مختصرا بلفظ:

1357

" من سها في صلاته في ثلاث أو أربع فليتم، فإن الزيادة خير من النقصان ". وقال الحاكم: " هذا حديث مفسر صحيح الإسناد ". قلت: هو حسن الإسناد لولا عنعنة مكحول، لكن لم يتفرد به، فقد رواه إسماعيل ابن مسلم المكي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس به مختصرا. أخرجه الطحاوي وأحمد (1 / 195) والبيهقي. ثم أخرج له البيهقي شاهدا قويا من طريق جعفر: أنبأنا سعيد يعني ابن أبي عروبة عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر اثنتين صلى أو ثلاثا، فليلق الشك وليبن على اليقين ". وقال: " جعفر هذا هو ابن عون ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذا من فوقه، فالسند صحيح. 1357 - " إذا سرتم في أرض خصبة، فأعطوا الدواب حقها أو حظها، وإذا سرتم في أرض جدبة فانجوا عليها، وعليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل، وإذا عرستم، فلا تعرسوا على قارعة الطريق فإنها مأوى كل دابة ". أخرجه البزار (ص 113 - زوائده) والبيهقي (5 / 256) مختصرا من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره وقال: " لا نعلمه عن أنس إلا من هذا الوجه بهذا التمام، وروي بعضه عن الزهري عنه ".

1358

قلت: وهو ضعيف من أجل أبي جعفر الرازي فإنه سيء الحفظ. وقد وصله الطحاوي في " المشكل " (1 / 31) والبيهقي من طريق عقيل عن ابن شهاب أخبرني أنس بن مالك به دون قوله " وإذا عرستم ... "، وفيه رويم بن يزيد، ترجمه ابن أبي حاتم ( 1 / 2 / 523) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن وثقه الخطيب، فالسند صحيح كما تقدم برقم (682) وقد خرجت هناك طرفا من هذا الحديث، بتخاريج لا تراها هنا، فارجع إليها إن شئت. وخالفه عبد الله بن صالح فقال: حدثني الليث به إلا أنه لم يذكر فيه أنس ابن مالك. أخرجه الطحاوي وعبد الله فيه ضعيف. لكن الحديث له شاهد من حديث جابر، ورجاله ثقات ليس فيه علة سوى عنعنة الحسن البصري ومن أجلها خرجته في الكتاب الآخر (1140) لأنه أطول من هذا، فالحديث به حسن. والله أعلم. وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم (6 / 54) والطحاوي وابن حبان (972) والبيهقي وغيرهم. و (الدلجة) : بالضم والفتح: سير الليل. و (التعريس) : نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة. 1358 - " أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله ". رواه الطبراني في " الأوسط " (13 / 2 من زوائده) حدثنا أحمد هو ابن (بياض في الأصل) حدثنا إسماعيل بن عيسى الواسطي حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا القاسم بن عثمان عن أنس مرفوعا، وقال: " لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد تفرد به إسحاق ". قال صاحب الزوائد. " كذا قال ".

قلت: يشير إلى أن له طريقا أخرى عن أنس، وقد ساقها عقب هذا بلفظ " أول ما يسأل.... " ويأتي قريبا. قلت: وهذه الطريق ضعيفة وعلتها القاسم بن عثمان ضعفه البخاري والدارقطني. ثم وجدت الحديث أخرجه الضياء في " المختارة " (209 / 2) من طريق الطبراني: حدثنا أحمد بن أبي عوف حدثنا إسماعيل بن عيسى الواسطي به. ثم رواه من طريق أخرى عن الأزرق به. ثم أخرجه الطبراني والضياء (1 / 197) من طريق روح بن عبد الواحد القرشي حدثنا خليد بن دعلج عن قتادة عن أنس مرفوعا بلفظ: " أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة ينظر في صلاته فإن صلحت، فقد أفلح وإن فسدت فقد خاب وخسر ". وقال الطبراني: " لم يروه عن قتادة إلا خليد تفرد به روح ". قلت: قال أبو حاتم: " ليس بالمتين ". وخليد بن دعلج ضعيف. وقد خالفه أبان ابن يزيد العطار فقال: أخبرنا قتادة عن الحسن عن أنس مرفوعا به إلا أنه قال: " فقد أفلح وأنجح ". أخرجه ابن شاذان في " جزء من حديثه " (ق 16 / 1) عن عثمان بن السماك حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى البرتي أخبرنا موسى بن إسماعيل: أخبرنا أبان به. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير البرتي وعثمان بن السماك، وهو عثمان بن أحمد بن السماك، وهما ثقتان مترجمان في " تاريخ الخطيب " ولولا عنعنة الحسن البصري لقلت بأنه إسناد صحيح. لكن أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (ق 31 / 1) حدثنا محمد بن يحيى حدثنا موسى بن إسماعيل به إلا أنه قال: عن الحسن عن أنس بن حكيم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. فالحديث حديث أنس بن حكيم

عن أبي هريرة وليس حديث أنس ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل في " جزء ابن شاذان " سقطا. ويؤيده أني وجدت في مسودتي أن ابن شاذان روى في " الثامن من أجزائه " (15 / 1 ) عن الحسن عن أنس بن حكيم عن أبي هريرة به. وكذلك رواه سفيان بن حسين عن علي ابن زيد عن أنس بن حكيم الضبي قال: قال لي أبو هريرة: إذا أتيت أهل مصرك فأخبرهم أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه وفيه: " فإن صلحت صلاته وإلا زيد فيها من تطوعه، ثم يقابل سائر الأعمال المفروضة بذلك ". أخرجه أحمد (2 / 290) وابن نصر والبغوي في " شرح السنة " (2 / 24 / 1) وقال: " حديث حسن ". قلت: وهو كما قال، فإن أنس بن حكيم هذا مستور كما في " التقريب " فقد روى عنه ابن جدعان أيضا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 14) . وقد تابعه يونس بن عبيد عن الحسن عن أنس بن حكيم الضبي به أتم منه. أخرجه أحمد (2 / 425 ) وابن نصر. وتابعه حميد عن الحسن عن أبي هريرة، فأسقط من بينهما أنس ابن حكيم، فلعل الحسن دلسه في هذه الرواية عنه. أخرجه أحمد (4 / 103) . وللحسن فيه شيخ آخر، يرويه همام بن يحيى عن قتادة عن الحسن عن حريث بن قبيصة قال: قدمت المدينة فلقيت أبا هريرة ... قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره مثل رواية أبان بن يزيد العطار المتقدمة. أخرجه النسائي (1 / 81) والترمذي (2 / 270) وحسنه، وابن نصر والطحاوي في " المشكل " (3 / 227) . ثم أخرجه هو وابن شاذان في " الثامن من أجزائه " (14 / 2) من طريقين عن الحسن عن (وفي أحدهما: أخبرني) صعصعة عن أبي هريرة.

1359

وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " أول ما يسأل العبد عنه ويحاسب به صلاته، فإن قبلت منه قبل سائر عمله وإن ردت عليه رد سائر عمله ". أخرجه السلفي في " الطيوريات " (ق 86 / 1) عن عمرو بن قيس الملائي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري. قلت: عطية العوفي ضعيف، حسن له الترمذي كثيرا في " سننه " وذلك محتمل في الشواهد كما هنا. وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طرقه. والله أعلم. 1359 - " إن الله يقول: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك وإن لا تفعل ملأت يديك شغلا ولم أسد فقرك ". أخرجه الترمذي (3 / 308) وابن ماجه (2 / 525) وابن حبان (2477) وأحمد (2 / 358) من طريق عمران بن زائدة بن نشيط عن أبيه عن أبي خالد الوالبي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، وأبو خالد الوالبي اسمه هرمز ". قلت: قد روى عنه جمع من الثقات، وأورده فيهم ابن حبان، وقال أبو حاتم: " صالح الحديث ". فهو جيد الحديث، لكن العلة من زائدة بن نشيط فإنه لم يرو عنه مع ابنه غير فطر بن خليفة، ولم يوثقه غير ابن حبان، وبيض له ابن أبي حاتم (1 / 2 / 612) ، فهو مجهول الحال، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ": " مقبول ". والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للحاكم بدل ابن حبان ولم أره عنده الآن عن أبي هريرة وقد ذكر المناوي أنه قال:

1360

" صحيح وأقره الذهبي في " التلخيص ". لكنه في " كتاب الزهد " نقله عن التوراة بهذا اللفظ، ثم قال: وروي مرفوعا ولا يصح. انتهى. وفيه عند الترمذي أبو خالد الوالبي عن أبيه. وأبوه لا يعرف كما في " المنار "، وزائدة ابن نشيط لا يعرف أيضا ". قلت: وقوله: " عن أبيه " وهم ظاهر، فإنه ليس لهذا الأب ذكر في سند الترمذي ولا غيره ولعله وقع نظره على قوله " عن أبيه " عقب " ابن نشيط " فانتقل إلى ما بعد " عن أبي خالد الوالبي " فسها. ثم وجدت الحديث في " التفسير " من " مستدرك الحاكم " (2 / 443) مصححا كما ذكر المناوي، رواه من طريق عمران بن زائدة به. ووجدت للحديث شاهدا قويا عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى وأملأ يديك رزقا، يا ابن آدم! لا تباعد مني فأملأ قلبك فقرا وأملأ يديك شغلا ". أخرجه الحاكم (4 / 326) من طريق سلام بن أبي مطيع حدثنا معاوية بن قرة عنه. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه سلام الطويل عن زيد عن معاوية بن قرة به. أخرجه ابن عدي (163 / 1) في ترجمة سلام هذا وهو متروك. وزيد العمي ضعيف. 1360 - " إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا (الرابعة) فاقتلوهم ". أخرجه أبو داود (2 / 473 - الحلبي) وابن ماجه (2 / 121) وابن حبان (1519 ) والحاكم (4 / 372) وأحمد (4 / 95 و 96 و 101) عن عاصم بن بهدلة عن

1361

ذكوان أبي صالح عن معاوية بن أبي سفيان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، والزيادة لأحمد في رواية والحاكم وسكت، عنه وقال الذهبي: " قلت: صحيح ". وهو كما قال إن كان يعني: صحيح لغيره وإلا فهو حسن للخلاف المعروف في عاصم بن بهدلة. وله طريق أخرى يرويه المغيرة عن معبد القاص عن عبد الرحمن بن عبد عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه ... " وفيه الزيادة. أخرجه أحمد (4 / 93 - 97) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وعبد الرحمن بن عبد هو القاري. ومعبد هو ابن خالد بن مرير الجدلي. والمغيرة هو ابن مقسم. ثم إن الحديث غاية في الصحة، فقد رواه جماعة آخرون من الصحابة منهم أبو هريرة وجرير بن عبد الله البجلي وعبد الله بن عمر والشريد أبو عمرو وعبد الله بن عمرو وشرحبيل ابن أوس، وقد ساق الحاكم أسانيده إليهم، وصححه ابن حبان أيضا من حديث أبي هريرة ومن حديث أبي سعيد الخدري أيضا. وقد قيل إنه حديث منسوخ، ولا دليل على ذلك بل هو محكم غير منسوخ كما حققه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (9 / 49 - 92) واستقصى هناك الكلام على طرقه بما لا مزيد عليه ولكنا نرى أنه من باب التعزيز، إذا رأى الإمام قتل، وإن لم يره لم يقتل بخلاف الجلد فإنه لابد منه في كل مرة وهو الذي اختاره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى. 1361 - " إذا شربتم اللبن فمضمضوا، فإن له دسما ". أخرجه ابن ماجه (1 / 181) من طريق محمد بن خالد (الأصل: خالد بن محمد) عن موسى بن يعقوب حدثني أبو عبيدة بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ في " الفتح " (1 / 250) ورجاله ثقات كما قال البوصيري في " الزوائد " (37 / 2) وفي موسى بن يعقوب وهو الزمعي كلام من قبل حفظه. وله شاهد يرويه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مضمضوا من اللبن فإن له دسما ". أخرجه ابن ماجه، وقال البوصيري: " هذا إسناد ضعيف، عبد المهيمن ، قال البخاري: منكر الحديث ". قلت: وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". فقوله في المكان المشار إليه من " الفتح ": " أخرجه ابن ماجه من حديث أم سلمة وسهل بن سعد مثله، وإسناد كل منهما حسن ". فهو غير حسن لحال عبد المهيمن! وله عند ابن ماجه شاهد آخر من طريق الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مثل حديث سهل. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين إن سلم من تدليس الوليد، لكنه شاذ عندي بهذا اللفظ، فقد أخرجه البخاري (1 / 250 و 10 / 59 - 60) ومسلم (1 / 188 - 189 ) والنسائي (1 / 40) والترمذي (1 / 149) والبيهقي (1 / 160) وأحمد ( 1 / 223 و 227 و 329 و 337 و 373) من طرق عن الأوزاعي وغيره عن الزهري بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب لبنا فمضمض وقال: إن له دسما ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

1362

1362 - " إذا صلى أحدكم فلم يدر كيف صلى؟ فليسجد سجدتين وهو جالس ". أخرجه أبو داود (1 / 236 - الحلبي) والترمذي (2 / 243 - شاكر) وابن ماجه (1 / 363 - 364) وأحمد (3 / 12) من طريق يحيى بن أبي كثير عن عياض بن هلال قال: قلت لأبي سعيد: أحدنا يصلي فلا يدري كيف صلى؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: وهو كما قال أو أعلى، وهو يعني حسن لغيره وإنما لم يحسنه لذاته - والله أعلم - لأن عياضا هذا مجهول، تفرد عنه يحيى بن أبي كثير كما في " التقريب " لكنه قد تابعه عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به نحوه. أخرجه مسلم وأبو داود وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (939) ، وقد أخرجه ابن حبان (537) والحاكم (1 / 322) نحو رواية مسلم، وإسناده حسن، وهو رواية لأبي داود. وعنده من الطريق الأولى زيادة قد أخرجته من أجلها في " ضعيف أبي داود " (187) وهي عند ابن حبان أيضا (187 - 188) . 1363 - " إذا صلى الإمام جالسا فصلوا جلوسا ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 65 / 2) حدثنا خالد بن مخلد عن سليمان ابن بلال عن جعفر بن محمد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: قال معاوية: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط الشيخين.

1364

ثم أخرجه بأسانيد عديدة من حديث أنس وعائشة وجابر وأبي هريرة مرفوعا أتم منه، وهي في " الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجتهما في " صحيح أبي داود " (614 - 619) . 1364 - " إذا صلوا على جنازة وأثنوا خيرا، يقول الرب عز وجل: أجزت شهادتهم فيما يعلمون وأغفر له ما لا يعلمون ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 154) قال محمد بن حميد: حدثنا حكام بن سلم الرازي سمع عيسى بن يزيد أبا معاذ عن خالد بن كيسان عن الربيع بنت معوذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أورده في ترجمة خالد بن كيسان ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع ابن أبي حاتم (1 / 2 / 348 ) ، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (3 / 58) وقال الحافظ: " مقبول ". وعيسى بن يزيد أبو معاذ ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 291) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد وثقه ابن حبان أيضا. وحكام بن سلم الرازي ثقة. ومحمد بن حميد وهو الرازي قال الحافظ بن حجر: " حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ". وبالجملة فالحديث ضعيف الإسناد، لكن له شواهد كثيرة تراها في " مجمع الزوائد " (3 / 4) وقد خرجت بعضها في " كتاب الجنائز " (ص 45) . 1365 - " إذا عاد أحدكم مريضا فليقل: اللهم اشف عبدك

1366

ينكأ لك عدوا أو يمشي لك صلاة " . (¬1) أخرجه أبو داود (2 / 166 - 167 - الحلبية) وابن حبان (715) والحاكم (1 / 344) من طريق ابن وهب حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وليس كما قالا، فإن حييا هذا لم يخرج له مسلم شيئا، وهو إلى ذلك فيه كلام من قبل حفظه كما أشار إليه الحافظ بقوله في ترجمته: " صدوق يهم ". فمثله بحسب أن يحسن حديثه، أما الصحة فلا. ثم رأيت الذهبي نفسه قد أورده في " الضعفاء "، وقال: " حسن الحديث، قال أحمد: منكر الحديث ". هذا وفي رواية لأبي داود: " جنازة " مكان " صلاة ". وهي عندي رواية شاذة، فقد رواه ابن لهيعة أيضا حدثني حي بن عبد الله بالرواية الأولى: أخرجه أحمد (2 / 172) ، ورواه ابن حبان أيضا (715) من طريق أخرى عن ابن وهب به إلا أنه جعل من فعله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " كان إذا جاء الرجل يعوده قال: " فذكره. (ينكأ) يقال: نكيت في العدو وأنكي نكاية فأنا ناك، إذا أكثرت فيهم الجراح والقتل فوهنوا لذلك. نهاية. 1366 - " إذا غربت الشمس فكفوا صبيانكم، فإنها ساعة ينتشر فيها الشياطين ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 26 / 2) من طريق ليث ¬

(¬1) (انظر الاستدراك رقم 351 / حديث 1365) . اهـ.

1367

عن مجاهد عن ابن عباس رفعه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ليث وهو ابن أبي سليم، كان اختلط لكن الحديث صحيح له شاهد من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا نحوه، أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مضى لفظه برقم (40) . 1367 - " إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرافة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح ". أخرجه أحمد (1 / 81) وأبو داود (3099) وابن ماجه (1 / 440) والحاكم (1 / 349) وأبو يعلى في " مسنده " (77) والبيهقي (3 / 380) عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده، فقال له علي رضي الله عنه: أعائد جئت أم شامتا؟ قال: لا بل عائدا، قال: فقال له علي رضي الله عنه: إن كنت جئت عائدا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول.. فذكره، وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقد ذكر الحاكم ثم البيهقي أن له علة من قبل إسناده لكن الأول صرح بأنها غير قادحة في صحته. وهو الظاهر. والله أعلم، لاسيما وقد قال أبو داود عقبه: " أسند هذا عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه صحيح ". قلت: وليس من هذه الوجوه ما أخرجه الترمذي (1 / 181) من طريق ثوير أبي فاختة عن أبيه قال:

" أخذ علي بيدي، وقال: انطلق بنا إلى الحسن نعوده، فوجدنا عنده أبا موسى فقال علي عليه السلام: أعائدا ... " الحديث نحوه، وقال : " حديث حسن غريب، وقد روي عن علي هذا الحديث من غير وجه منهم من وقفه ولم يرفعه، وأبو فاختة اسمه سعيد بن علاقة ". قلت: وهو ثقة لكن ابنه ثوير ضعيف كما في " التقريب " إلا أنه يتقوى بما قبله . ومن طرقه ما روى حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن عبد الله بن يسار " أن عمر ابن حريث عاد الحسن بن علي رضي الله عنه، فقال له علي: أتعود الحسن وفي نفسك ما فيها؟ فقال له عمرو: إنك لست بربي فتصرف قلبي حيث شئت. قال علي رضي الله عنه: أما إن ذلك لا يمنعنا أن نؤدي إليك النصيحة؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما من مسلم عاد أخاه إلا ابتعث الله له سبعين ألف ملك يصلون عليه.. " الحديث نحو رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى دون ذكر الخرافة والرحمة. أخرجه أحمد (1 / 97 و 118) وابن حبان (710) . ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن يسار أبو همام الكوفي فهو مجهول وثقه ابن حبان (3 / 141 - 142) . ومن طرقه أيضا ما روى شعبة عن الحكم عن عبد الله بن نافع قال: " عاد أبو موسى الأشعري الحسن بن علي ... " الحديث. أخرجه أحمد (1 / 120 - 121 و 121) وأبو داود (3098) . ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن نافع وهو الكوفي أبو جعفر مولى بني هاشم. ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " صدوق " كما في " التهذيب ". ولم أره في " الثقات " المطبوع. وقيل إنه عبد الله بن يسار المتقدم، وفيه بعد، والله أعلم. وروى مسلم بن أبي مريم عن رجل من الأنصار عن علي رضي الله عنه مرفوعا به مختصرا.

1368

أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1 / 138) . ورجاله موثقون غير الأنصاري فإنه لم يسم. (خرافة الجنة) أي في اجتناء ثمرها. يقال: خرفت النخلة أخرفها خرفا وخرافا. 1368 - " إذا طبختم اللحم فأكثروا المرق أو الماء، فإنه أوسع، أو أبلغ للجيران ". أخرجه أحمد (3 / 377) حدثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثنا الأعمش قال: بلغني عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه منقطع بين الأعمش وجابر. وقد خالفه سفيان الثوري فقال: عن الأعمش عن إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر مرفوعا به نحوه. أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " (3 / 252) عن عبد الله بن إبراهيم السواق: حدثني بشر بن الحارث عن المعافى بن عمران عنه. وقال عن الدارقطني: " غريب من حديث الثوري عن الأعمش أيضا عن إبراهيم التيمي، تفرد به هذا الشيخ عن بشر بن الحارث المعروف بالحافي. قلت: قد رواه أبو بكر المفيد عن محمد بن عبد الله تلميذ بشر بن الحارث عن بشر ، وهذا التلميذ مجهول، والمفيد محمد بن محمد بن النعمان ليس بموثوق به ". قلت: وهو عن أبي ذر محفوظ، رواه عبد الله بن الصامت عنه مرفوعا بلفظ: " إذا طبخت مرقا فأكثر ماءه، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فاصبهم منها بمعروف ".

1369

أخرجه مسلم (8 / 37) والبخاري في " الأدب المفرد " (113) والترمذي (3 / 93) والدارمي (2 / 108) وابن ماجه (2 / 324) وابن المبارك في " الزهد " (606) وأحمد (5 / 149 - 156 - 161 - 171) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 19) من رواية أحمد بلفظ الترجمة، ومن رواية البزار بلفظ: " إذا طبخت قدرا فأكثر ماءها أو المرق، وتعاهد جيرانك ". وقال: " ورجال البزار فيهم عبد الرحمن بن مغراء، وثقه أبو زرعة وجماعة وفيه كلام لا يضر وبقية رجاله رجال الصحيح ". ثم أورده في مكان آخر منه (8 / 165) بلفظ: " إذا طبخ أحدكم قدرا فليكثر مرقها، ثم ليناول جاره منها "، وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبيد الله ابن سعيد قائد الأعمش، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره وبقية رجاله ثقات ". قلت: وقد أخرجه تمام في " الفوائد " (10 / 186 / 2) من طريق عبد الرحمن بن المغراء الأزدي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به. قلت: وهذه فائدة عزيزة، بين فيها ابن المغراء الواسطة بين الأعمش وجابر أنها أبو سفيان واسمه طلحة بن نافع، وهو صدوق من رجال الشيخين لكن ابن المغراء قال الحافظ: " تكلم في حديث عن الأعمش ". وجملة القول أن الحديث بطرقه عن جابر، والشاهد الذي ذكرته من حديث أبي ذر صحيح بلا ريب. والله أعلم. 1369 - " إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه، فإن الله أحق من تزين له ". أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (1 / 221) والطبراني في

1370

" المعجم الأوسط " (1 / 28 / 1) والبيهقي في " السنن الكبرى " (2 / 236) من طريقين عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (2 / 51) : " رواه الطبراني في " الكبير " وإسناده حسن ". قلت: وذلك لأن في إسناده زهير بن عباد، وفيه خلاف، لكن طريق البيهقي سالم منه، فصح الحديث والحمد لله. وقوله: " الكبير " لعله سبق قلم، أو خطأ مطبعي، فإنما رواه الطبراني في " الأوسط " كما عرفت وهو على علم به، فقد عزاه إليه في " زوائده " ومنه نقلت، فلو كان قوله: " الكبير " صوابا، لضم إليه " الأوسط " أيضا. والله أعلم. (تنبيه) أخرج أبو داود وغيره الشطر الأول من الحديث. راجع " صحيح أبي داود " (645) . 1370 - " إذا حضر أحدكم الأمر يخشى فوته فليصل هذه الصلاة. (يعني الجمع بين الصلاتين ) ". أخرجه النسائي (1 / 98) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 194 - 2 / 1) من طريق يزيد بن زريع قال: حدثنا كثير بن قاروند (وقال الطبراني: ابن قنبر ) قال: سألنا سالم بن عبد الله عن صلاة أبيه في السفر؟ فأخبر عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وتابعه ابن شميل قال: حدثنا كثير ابن قاروند به. أخرجه النسائي (1 / 99) .

1371

قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات معروفون غير كثير بن قاروند، هكذا أورده في " التهذيب " ولم يذكر خلافا في اسم أبيه، ورواية الطبراني تثبته ويؤيده أن ابن أبي حاتم أورده في كتابه (3 / 2 / 155) : " كثير بن قنبر " وفقا لرواية الطبراني، وذكر أنه روى عنه علاوة على يزيد بن زريع والنضر بن شميل: روح بن عبادة وعلي بن عبد العزيز. وزاد في " التهذيب " مكانهما: " ويوسف ابن خالد السمتي والفضل بن سليمان ". قلت: السمتي متهم، وسائرهم ثقات قد رووا عنه وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " فهذا من اتفاق أولئك الثقات على الرواية عنه، مما يلقي الطمأنينة في القلب، على الاحتجاج بحديثه. والله أعلم. 1371 - " إذا صليت الصبح فأمسك عن الصلاة حتى تطلع الشمس (فإنها تطلع بقرني شيطان) ، فإذا طلعت فصل، فإن الصلاة محضورة ومتقبلة، حتى تعتدل على رأسك مثل الرمح، فإذا اعتدلت على رأسك، فإن تلك الساعة تسجر فيها جهنم، وتفتح فيها أبوابها حتى تزول عن حاجبك الأيمن، فإذا زالت عن حاجبك الأيمن فصل، فإن الصلاة محضورة متقبلة حتى تصلي العصر، (ثم دع الصلاة حتى تغيب الشمس) ". أخرجه أحمد (5 / 312) والحاكم (3 / 518) من طريق حميد بن الأسود: حدثنا الضحاك بن عثمان عن سعيد المقبري عن صفوان بن المعطل السلمي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " يا نبي الله إني أسألك عما أنت به عالم، وأنا به جاهل، من الليل والنهار ساعة تكره فيها الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم..... " فذكره. وقال الحاكم - والزيادتان له -:

1372

" صحيح الإسناد " . ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا لولا أن حميد بن الأسود قد قال فيه الحافظ: " يهم قليلا " . وقد خولف في إسناده، رواه ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن المقبري عن أبي هريرة قال: " سأل صفوان بن المعطل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ..... " الحديث، فجعله من مسند أبي هريرة، لا من مسند صفوان. أخرجه ابن ماجة (1252) وابن حبان (619) . ويرجح هذه الرواية أن ابن حبان أخرجه (618) من طريق ابن وهب عن عياض بن عبد الله القرشي عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة به نحوه. وهذا إسناد على شرط مسلم لكن عياضا هذا فيه لين كما قال الحافظ، فهو في المتابعات لا بأس به، والحديث بمجموع الطريقين صحيح، وقد حسن البوصيري في " الزوائد " (ق 98 / 1 مصورة المكتب) طريق ابن أبي فديك ، وعزاه لابن خزيمة في " صحيحه " من طريق ابن وهب. واعلم أن قوله " ثم دع الصلاة حتى تغيب الشمس " هو كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس ". وكلاهما من العام المخصوص لحديث أنس وعلي الصريحين في ذلك ، فراجعهما برقم (200 و 314) . 1372 - " إذا ظهر السوء في الأرض أنزل الله عز وجل بأسه بأهل الأرض، وإن كان فيهم صالحون، يصيبهم ما أصاب الناس، ثم يرجعون إلى رحمة الله ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 441 / 2) من طريق سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن منذر الثوري عن الحسن بن محمد عن عائشة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ظاهره الصحة، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وقد ذكروا للحسن بن محمد وهو ابن علي بن أبي طالب رواية عن جمع من الصحابة منهم عائشة رضي الله عنها. لكن يبدو أن بينهما واسطة، فقد أخرجه الحاكم (4 / 523 ) من طريق عبد الله. أنبأنا سفيان عن جامع بن أبي راشد عن أبي يعلى منذر الثوري عن الحسن بن محمد بن علي عن مولاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة، أو على بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عنده فقال " فذكره. وسفيان هو ابن عيينة، وقد رواه عنه أحمد أيضا (6 / 41) لكن وقع فيه: " عن حسن بن محمد عن امرأته " فلعله محرف من " امرأة ". سكت عليه الحاكم والذهبي، وليس بجيد، فإن المولاة وإن لم تسم، فهي صحابية مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة كلهم عدول ، فالسند صحيح سواء كان عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عنها عن عائشة أو غيرها كما يأتي عنه صلى الله عليه وسلم. وقد جاء من وجه آخر سميت فيه المولاة، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 218) من طريق الطبراني: حدثنا أحمد بن زهير بن منصور الطوسي حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا محمد بن طلحة عن زبيد قال: حدثني جامع بن أبي راشد - ودموعه تنحدر - عن أم بشر عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: أحمد بن زهير إن كان النسائي الحافظ فهو ثقة وإن كان غيره - وهو الظاهر - فلم أعرفه، ومن فوقه كلهم ثقات، ولكن لا أدري أهكذا الرواية، أم سقط ما بين جامع وأم بشر راويان كما تدل عليه رواية الحاكم. والله أعلم. وأخرجه أحمد (6 / 294) من طريق شريك بن عبد الله عن جامع بإسناده المتقدم عن الحسن بن محمد قال: حدثتني امرأة من الأنصار - هي حية اليوم إن شئت أدخلتك عليها، قلت: لا، حدثتني - قالت: دخلت على أم سلمة فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. وشريك سيىء الحفظ، فيؤخذ من حديثه ما وافق الثقات.

1373

وللحديث طريق أخرى عن أم سلمة يرويه ليث عن علقمة بن مرثد عن المعرور ابن سويد عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، نحوه. أخرجه أحمد (6 / 304) . وليث وهو ابن أبي سليم ضعيف يمكن الاستشهاد به. والله أعلم. 1373 - " إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها ". أخرجه أحمد (5 / 169) : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن شمر بن عطية عن أشياخه عن أبي ذر قال: " قلت: يا رسول الله أوصني، قال " فذكره. وزاد: " قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: هي أفضل الحسنات ". وبهذا الإسناد أخرجه في " الزهد " (ص 27) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير أشياخ شمر، فلم يسمعوا، لكنهم جمع ينجبر الضعف بعددهم، كما قال السخاوي في غير هذا الحديث. وتابعه أبو نعيم: حدثنا الأعمش به إلا أنه قال: " عن شيخ من التيم ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 217) من طريقين عنه. وقال: " رواه أبو نعيم عن الأعمش، وجوده يونس بن بكير عنه ". ثم ساقه من طريق عقبة بن مكرم حدثنا يونس بن بكير عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر به نحوه. وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ووالد إبراهيم اسمه يزيد بن شريك التيمي. وللحديث شاهد من رواية ميمون بن أبي شبيب عن أبي ذر مرفوعا بلفظ:

1374

" اتق الله حيثما كنت وخالق الناس بخلق حسن، وإذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحها ". أخرجه أحمد (5 / 153 و 158 و 177) واللفظ له في رواية، والدارمي (2 / 323) والترمذي (1 / 359) وقال: " حديث حسن صحيح "! ثم أخرجه هو وأحمد (5 / 228 و 236) من طريق ميمون أيضا عن معاذ بن جبل مرفوعا نحوه وقال: " قال محمود - يعني ابن غيلان -: والصحيح حديث أبي ذر ". قلت: وهو على الوجهين منقطع لأن ميمونا لم يسمع من معاذ وأبي ذر كما بينته في " الروض النضير " (855) وراجع " جامع العلوم والحكم " (111 - 132) لابن رجب الحنبلي، فقد بسط الكلام على الحديث سندا وشرحا بسطا شافيا. وجملة القول أن حديث الترجمة صحيح بمجموع طرقه. والله أعلم. 1374 - " إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما ". أخرجه الحاكم (2 / 553) من طريق معمر عن الزهري عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وابن كعب اسمه عبد الرحمن. وقد تابعه الأوزاعي عن عبد الرحمن بن كعب به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 124) . وتابعه إسحاق بن راشد عن عبد الرحمن بن كعب به نحوه. وزاد فيه " إن أم إسماعيل منهم ".

1375

أخرجه الطحاوي أيضا. وإسناده صحيح، وهذه الزيادة في حديث معمر عند الحاكم مقطوعا بلفظ: " قال الزهري: فالرحم أن أم إسماعيل منهم ". وللحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم (7 / 190) والطحاوي وأحمد (5 / 173 و 174 و 175) . (انظر الاستدراك رقم 363 / 6) . 1375 - " علموا ويسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا وإذا غضب أحدكم فليسكت ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 1230) وأحمد (1 / 239 و 283 و 365) وابن عدي (227 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 66 / 1) من طريق ليث ابن سليم قال: حدثني طاووس عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف، ليث كان اختلط. لكن تابعه أبو جناب عن طاووس عن ابن عباس به دون قوله: " وبشروا ولا تنفروا ". رواه أبو جعفر البختري الرزاز في " جزء من الأمالي " (2 1) . قلت: بيد أن هذه المتابعة لا تفيد الحديث قوة لأن أبا جناب هذا واسمه يحيى بن أبي حية الكلبي قال الحافظ: " ضعفوه لكثرة تدليسه ". فيحتمل أنه تلقاه عن ليث ثم دلسه! والحديث بيض المناوي لإسناده، ولم يزد على قوله: " زاد في الأصل (يعني الجامع الكبير) وحسن ". قلت: ولعله يعني حسن لغيره وإلا فضعفه بين لا يخفى، لكن وجدت له شاهدا رواه ابن شاهين في " الفوائد " (ق 112 / 1) من طريق إسماعيل بن

1376

حفص الأبلي حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إذا غضبت فاسكت ". قلت: وهذا إسناد حسن، الأبلي هذا قال الحافظ: " صدوق ". ومن فوقه من رجال البخاري. وسائر الحديث شواهده معروفة، فالحديث صحيح إن شاء الله تعالى. 1376 - " إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله سكن غضبه ". أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (ص 252) من طريق ابن عدي وهذا في " الكامل " (297 / 1) عن عمار بن رجاء حدثنا أحمد بن أبي طيبة عن أبيه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " إنه من غرائب أحاديث أبي طيبة " . واسمه عيسى بن سليمان الدارمي، وكان من العلماء والزهاد كما قال السهمي، وأطال في ترجمته، وقال ابن عدي: " كان رجلا صالحا ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب، ولكن لعله كان يشبه عليه فيغلط، وقد حدث جماعة عنه ". قلت: فهو ممن يستشهد بحديثه لسلامته من الضعف الشديد، وعمار بن رجاء ثقة حافظ ترجمه السهمي أيضا، وسائر الرواة من رجال " التهذيب ". وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني وغيره، وقد تكلمت على إسناده في " الروض النضير " (635) وذكرت له هناك شواهد أخرى، فالحديث بمجموع ذلك صحيح.

1377

1377 - " عذاب القبر حق ". أخرجه أحمد (6 / 174) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الأشعث ابن سليم عن أبيه عن مسروق عن عائشة: أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر، فقالت لها: أعاذك الله من عذاب القبر، فسألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عذاب القبر؟ فقال: " نعم عذاب القبر حق "، قالت عائشة: " فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة بعد إلا تعوذ من عذاب القبر ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (1 / 345) من طريق أخرى عن شعبة به. وتابعه هاشم بن القاسم حدثنا شعبة به مرفوعا مختصرا دون القصة. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (5 / 64) . ولهاشم بن القاسم فيه إسناد آخر، فقال أحمد (6 / 81) : حدثنا هاشم قال: حدثنا إسحاق بن سعيد قال : حدثنا سعيد عن عائشة: أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية: " وقاك الله عذاب القبر ... " الحديث نحوه أتم منه، وفيه الترجمة. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرطهما أيضا. وسعيد هو ابن عمرو ابن سعيد بن العاص الأموي الكوفي والد إسحاق الراوي عنه. وله طريق أخرى عنها يرويه عاصم ابن بهدلة عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عذاب القبر حق. قالت: قلت: فلم يسمعه أحد؟ قال : لا يسمعه الجن أو الإنس، ويسمعه غيرهم، أو قال: يسمعه الهوام ". أخرجه أبو الشيخ في " أحاديثه " (ق 7 / 1) . قلت: وهذا إسناد حسن.

1378

والحديث عزاه في " الجامع " للخطيب وحده! وأصله عند البخاري (4 / 199) ومسلم (2 / 92) من طريق منصور عن أبي وائل به نحو رواية الأشعث بن سليم عن أبيه، عنه إلا أنه ذكر أن الداخل على عائشة عجوزان، وفيه: " فقال صلى الله عليه وسلم: صدقتا، إنهم يعذبون عذابا تسمعه البهائم كلها ". وله شاهد أخرجه الطبراني (3 / 78 / 2) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة أخبرنا يعلى بن المنهال السكوني أخبرنا إسحاق بن منصور أخبرنا أبو بكر ابن عياش عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعا بلفظ: " إن الموتى ليعذبون في قبورهم حتى إن البهائم لتسمع أصواتهم ". وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، ورجاله كلهم معروفون غير السكوني ترجمه ابن أبي حاتم برواية آخر عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم رأيته في " أخبار أصبهان " (1 / 198 ) من طريق محمد بن شيراز حدثنا يعلى بن المنهال السكوني به. وقال المنذري (4 / 182) : " رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن ". 1378 - " إن الله عز وجل كريم يحب الكرم ومعالي الأخلاق، ويبغض سفسافها ". أخرجه أبو الشيخ في " أحاديثه " (12 / 1) والحاكم (1 / 48) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 255 و 8 / 133) والسلفي في " معجم السفر " (18 / 1) من طريق محمد بن ثور الصنعاني عن معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " وهو كما قال، فقد تابعه حجاج بن سليمان بن القمري حدثنا أبو غسان عن أبي حازم به. أخرجه الحاكم وصححه أيضا وقال:

1379

" وحجاج بن قمري شيخ من أهل مصر ثقة مأمون " . وذكره ابن حبان في " الثقات ". وللحديث شاهد من رواية عامر بن سعد عن أبيه مرفوعا نحوه. أخرجه ابن عساكر وابن النجار والضياء كما في " الجامع الكبير " (1 / 150 / 1) ، وقد راجعت " الأحاديث المختارة " للضياء المقدسي، راجعت منه " مسند سعد بن أبي وقاص "، فلم أجد الحديث فيه. والله أعلم. وقد روي من حديث الحسين بن علي مرفوعا بلفظ: " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 140 / 1) وابن عدي ( 114 / 1) عن خالد بن إلياس العدوي أخبرني محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أمه فاطمة بنت حسين عن أبيها حسين بن علي به. وقال: " خالد بن إلياس أحاديثه كأنها غرائب وأفرادات عمن يحدث عنهم، ومع ضعفه يكتب حديثه ". قلت: ويؤخذ من كلام سائر الأئمة فيه أنه ضعيف جدا. وعليه فلا يصلح شاهدا، فالاعتماد على ما سبق. 1379 - " إذا قضى أحدكم حجه فليعجل الرحلة إلى أهله، فإنه أعظم لأجره ". أخرجه الدارقطني (289) والحاكم (71 / 477) وعنه البيهقي (5 / 259) من طريق أبي مروان محمد بن عثمان العثماني حدثنا أبو ضمرة الليثي عن هشام بن عروة عن عروة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. كذا قالا، والعثماني هذا لم يخرج له الشيخان شيئا، وفيه كلام يسير، فقد أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء " وقال:

1380

" ثقة له عن أبيه مناكير ". لكنه ذكر في " الميزان " أن نكارتها من قبل أبيه. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". فالحديث حسن على أقل الدرجات. 1380 - " إذا كانت الفتنة بين المسلمين فاتخذ سيفا من خشب ". أخرجه الترمذي (رقم 2204) وابن ماجة (3960) واللفظ له وأحمد (5 / 96 و6 / 393) والطبراني في " الكبير " (1 / 44) من طرق ثلاثة عن عديسة بنت أهبان قالت: " لما جاء علي بن أبي طالب ههنا (البصرة) دخل على أبي، فقال: يا أبا مسلم ألا تعينني على هؤلاء القوم؟ قال: بلى، قال فدعي جارية له فقال: يا جارية أخرجي سيفي، قال: فأخرجته فسل منه قدر شبر فإذا هو خشب! فقال: إن خليلي وابن عمك عهد إلي: إذا كانت ... (الحديث) ، فإن شئت خرجت معك، قال: لا حاجة لي فيك، ولا في سيفك ". وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عبيد ". قلت: وهو ثقة، وقد تابعه اثنان آخران كما تقدمت الإشارة إليه وهما عبد الكبير بن الحكم الغفاري وأبو عمرو القسملي. وعديسة لم يوثقها أحد فيما علمت لكنها تابعية وابنة صحابي، وقد روى عنها ثلاثة كما تقدم، فالنفس تطمئن لثبوت حديثها. فلا جرم حسنه الترمذي. والله أعلم. ويشهد له حديث سهل بن أبي الصلت قال: سمعت الحسن يقول:

1381

" إن عليا بعث إلى محمد بن مسلمة، فجيء به ، فقال: ما خلفك عن هذا الأمر؟ قال دفع إلي ابن عمك - يعني النبي صلى الله عليه وسلم - سيفا فقال: " قاتل به ما قوتل العدو، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم بعضا، فاعمد به إلى صخرة فاضربه بها ثم الزم بيتك، حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة "، قال: " خلوا عنه ". أخرجه أحمد (5 / 225) ورجاله ثقات لكنه منقطع بين الحسن - وهو البصري - وعلي. ثم أخرجه (5 / 226) من طريق زياد بن مسلم أبي عمر حدثنا أبو الأشعث الصنعاني قال: بعثنا يزيد بن معاوية إلى ابن الزبير فلما قدمت المدينة دخلت على فلان - سمى زياد اسمه - فقال: إن الناس صنعوا ما صنعوا فما ترى؟ فقال: أوصاني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم إن أدركت شيئا من هذا الفتن فاعمد إلى أحد فاكسر به حد سيفك ... " الحديث نحوه . وسنده حسن. ثم أخرجه (3 / 493) وابن ماجة (3962) من طريق علي بن زيد ابن جدعان عن أبي بردة قال: دخلت على محمد بن مسلمة فقال فذكره مرفوعا: " إنها ستكون فتنة وفرقة واختلاف فإذا كان كذلك فأت بسيفك أحدا فاضربه ... " الحديث مثل رواية الحسن. فالحديث صحيح بمجموع الطرق. ورواه زهدم بن الحارث الغفاري وغيره قال: قال أهبان بن صيفي مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 863 - 868) . 1381 - " إذا كان يوم القيامة بعث إلى كل مؤمن بملك معه كافر فيقول الملك للمؤمن: يا مؤمن! هاك هذا الكافر، فهذا فداؤك من النار ". أخرجه ابن عساكر (18 / 143 / 2) عن يحيى بن صالح الوحاظي أخبرنا سعيد بن يزيد ابن ذي عضوان عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وقال: " قال ابن شاهين: تفرد بهذا الحديث يزيد بن سعيد عن عبد الملك، وهو

1382

حديث غريب من هذا الوجه، ويزيد هذا من أهل الشام ثقة. كذا وقع في الحديث: " سعيد بن يزيد "، وفي الكلام: " يزيد بن سعيد "، وقد وقع لي هذا الحديث من حديث يحيى بن صالح أعلى من هذا، وسمي فيه يزيد بن سعيد ". ثم ساقه من طريق أبي نعيم عن الطبراني أخبرنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة أخبرنا يحيى بن صالح الوحاظي به. ثم ساقه من طرق أخرى عن يحيى به. قلت: ويزيد بن سعيد قال ابن حبان في " الثقات ": " ربما أخطأ ". وأورده ابن أبي حاتم (4 / 2 / 267) من رواية جماعة من الثقات عنه. فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد وثقه ابن شاهين أيضا كما سبق، وسائر الرواة ثقات رجال الشيخين، فالإسناد صحيح. والحديث أخرجه مسلم (8 / 104) وأحمد (4 / 391 و 402 و 407 و 408 و 410) وأبو القاسم الأصم في " جزء من أحاديث مشايخه " رقم (58 منسوخة المكتب) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 80) من طرق عن أبي موسى نحوه دون بعث الملك. زاد أبو نعيم: " قال أبو أسامة (أحد رواته) : هذا خير للمؤمنين من الدنيا وما فيها، وإسناده كأنك تنظر إليه ". وللحديث شاهد من رواية جبارة بن مغلس حدثنا كثير بن سليم عن أنس بن مالك مرفوعا به، وزاد في أوله: " إن هذه الأمة مرحومة، عذابها بأيديها، فإذا كان يوم القيامة ... " الحديث. أخرجه ابن ماجه (4292) وإسناده ضعيف، لا بأس به في الشواهد، وقد تقدمت هذه الزيادة من طريق أخرى عن أبي موسى مرفوعا نحوه رقم (957) . 1382 - " إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد، حتى تكون قيد ميل أو اثنين، فتصهرهم الشمس، فيكونون في العرق بقدر أعمالهم، فمنهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم

1383

من يأخذه إلى ركبتيه ومنهم من يأخذه إلى حقويه ومنهم من يلجمه إلجاما ". أخرجه مسلم (2864) والترمذي (2423) وأحمد (6 / 3) عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني سليم بن عامر حدثنا المقداد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وزاد في آخره: " فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى فيه، أي يلجمه إلجاما ". والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". وله شاهد من حديث عقبة بن عامر مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (2538) والحاكم (4 / 571) وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1383 - " إنكم مفتوح عليكم، منصورون ومصيبون، فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله، وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل رحمه، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومثل الذي يعين قومه على غير الحق كمثل بعير ردي في بئر فهو ينزع منها بذنبه ". أخرجه أحمد (1 / 401) : حدثنا عبد الملك بن عمرو ومؤمل قالا: حدثنا سفيان عن سماك عن عبد الرحمن عن عبد الله قال: " انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء - قال عبد الملك: من أدم - في نحو من أربعين رجلا فقال ... " فذكره. وكذلك أخرجه أبو داود في " سننه " (2 / 624 - 625 طبعة الحلبي ) حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر حدثنا سفيان به، إلى قوله " من أدم ". وقال

1384

عقبة: " فذكره نحوه ". يعني نحو لفظ حديث زهير حدثنا سماك بن حرب بلفظ: " من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه "، فلم يسق الحديث بتمامه وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو العقدي، شيخ أحمد المتقدم. وتابعه شعبة عن سماك بن حرب به، دون قوله " ومثل الذي ... ". أخرجه أحمد (1 / 436 ) والترمذي (رقم 2258) وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو كما قال، فإن إسناده صحيح، رجاله ثقات، ومن اقتصر على تحسينه فهو تقصير! وتابعه المسعودي عن سماك به. أخرجه أحمد (1 / 389 و 436) . وتابعه شريك عن سماك به مقتصرا على قوله: " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". أخرجه ابن ماجه (رقم 30) . 1384 - " أفضل المؤمنين أحسنهم خلقا وأكيسهم أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا أولئك الأكياس ". رواه البيهقي في " الزهد الكبير " (52 / 2) عن عبيد الله بن سعيد بن كثير ابن عفير حدثني أبي حدثني مالك بن أنس عن سهيل بن مالك عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر. أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أي المؤمنين أفضل؟ قال: " أحسنهم خلقا "، قال: " فأي المؤمنين أكيس؟ . قال: " أكثرهم ... ". فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عبيد الله بن سعيد هذا،

1385

قال ابن حبان : يروي عن الثقات المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به، وقال: لا يشبه حديثه حديث الثقات. ومن طريقه أخرجه ابن عدي والدارقطني في " الغرائب " وقالا: " تفرد به عبيد الله بن سعيد عن أبيه عن مالك ". كما في " اللسان ". ثم وجدت للحديث بعض الشواهد، فأخرجه ابن ماجه (2 / 565) عن نافع بن عبد الله عن فروة ابن قيس عن عطاء بن أبي رباح به. قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة فروة بن قيس وكذا الراوي عنه، وخبره باطل كما قال الذهبي في " طبقات التهذيب "، ونقله البوصيري عنه في " الزوائد " (287 / 2) وأقره، فقول المنذري في " الترغيب " (4 / 129) : " بإسناد جيد " غير جيد. ثم ذكر هو والبوصيري والهيثمي في " المجمع " (10 / 309) أنه رواه الطبراني في " الصغير " بإسناد حسن. قلت: وفيه عنده (209) معلى الكندي عن مجاهد عن ابن عمر به مع اختصار الجملة الأولى منه، وزاد في آخره: " ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة ". ورجاله ثقات غير المعلى هذا، وقد أورده البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 394 ) وابن أبي حاتم (4 / 1 / 330) من رواية الأعمش عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وقد روى عنه مالك بن مغول أيضا هذا الحديث، وذكره ابن حبان في " الثقات ". فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن، وأما الجملة الأولى فهي صحيحة. 1385 - " إذا قسمت الأرض وحدت، فلا شفعة فيها ". أخرجه أبو داود (2 / 256 - الحلبي) والبيهقي (6 / 104) عن ابن جريج عن ابن شهاب الزهري عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب أو عنهما جميعا عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

1386

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح لولا عنعنة ابن جريج فإنه مدلس، ولا يضره التردد في تعيين تابعيه، فإنهم ثقات جميعا، وقد تابعه مالك ولم يتردد في روايته عنه، فقال: عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة به، ولفظه: " الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود، وصرفت الطرق فلا شفعة ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 265 - 266) وابن حبان ( 1152) والبيهقي من طرق عن مالك به. وهذا إسناد صحيح، لكن أعله الطحاوي بأن الأثبات من أصحاب مالك إنما رووه مرسلا لم يذكروا فيه أبا هريرة. ثم ساقه من طريق ابن وهب وغيره عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب وأبي سلمة مثله. وكذلك رواه يحيى عن مالك في " الموطأ " (2 / 192) . فالظاهر - والله أعلم - أن هذا الاختلاف إنما هو من الزهري نفسه، فكان تارة يرسله وتارة يوصله وليس ذلك مما يضر في صحة الحديث شيئا لأن الراوي ثقة، فقد ينشط أحيانا فيوصله ويفتر أحيانا فيرسله والوصل زيادة فيجب قبولها. لاسيما والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من حديث معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله مرفوعا نحوه. 1386 - " إذا صلى أحدكم إلى سترة، فليدن منها، لا يمر الشيطان بينه وبينها ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 79 / 2) من طريق سليمان بن أيوب الصريفيني أخبرنا بشر بن السري عن داود بن قيس الفراء عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سليمان بن أيوب هذا، فقد أغفلوه ولم يترجموه، اللهم إلا السمعاني في " الأنساب "، فإنه أورده في هذه النسبة (الصريفيني) وقال:

1387

" يروي عن سفيان بن عيينة ومرحوم العطار وغيرهما ". وذكر أنه أخو شعيب بن أيوب الصريفيني المضعف، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وقد خولف في إسناده، فأخرجه البيهقي (2 / 272) من طريق بحر ابن نصر قال: قرىء على ابن وهب: أخبرك داود بن قيس المدني أن نافع بن جبير بن مطعم حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره هكذا مرسلا، ورجاله ثقات، وقال البيهقي: " قد أقام إسناده سفيان بن عيينة، وهو حافظ حجة ". قلت: يشير إلى ما أخرجه قبل من طريق أبي داود عن جمع قالوا: حدثنا سفيان عن صفوان بن سليم عن نافع بن جبير عن سهل بن أبي حثمة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره إلا أنه قال: " لا يقطع الشيطان عليه صلاته ". ومن هذا الوجه أخرجه النسائي والطحاوي في " المشكل " (3 / 251) والحاكم، وصححه ابن حبان (409) وأحمد، وصححه جمع آخرون كما حققته في " صحيح أبي داود " (692) . وخالفه عيسى بن موسى بن إياس عن صفوان فقال: عن نافع بن جبير عن سهل بن سعد مرفوعا. أخرجه الطحاوي - ووقع سقط في إسناده - وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 165) من طريق إسماعيل بن جعفر عن عيسى به. وقال أبو نعيم: " كذا قال إسماعيل: " سهل بن سعد "، وتابعه عليه عبيد الله بن أبي جعفر، واختلف على صفوان فيه، فرواه ابن عيينة عن صفوان عن نافع عن سهل، ورواه يزيد بن هارون عن شعبة عن واقد بن محمد عن صفوان عن محمد بن سهل بن حنيف عن أبيه نحوه ". وجملة القول: أن أصح الأسانيد رواية ابن عيينة عن سهل بن أبي حثمة، فالحديث من مسنده لا من مسند جبير بن مطعم أو غيره. 1387 - " ثلاث أحلف عليهن: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، وسهام الإسلام ثلاثة: الصوم

والصلاة والصدقة، لا يتولى الله عبدا فيوليه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجل قوما إلا جاء معهم يوم القيامة، والرابعة لو حلفت عليها لم أخف أن آثم: لا يستر الله على عبده في الدنيا إلا ستر عليه في الآخرة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (216 / 2) : حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن شيبة الخضري أنه شهد عروة يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، فقال عمر بن عبد العزيز: إذا سمعتم مثل هذا من مثل عروة، فاحفظوه. قال إسحاق: وحدثني عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. قلت: إسناده إلى عائشة ضعيف من أجل شيبة الخضري فإن فيه جهالة كما قال الذهبي : وأما إسناده إلى ابن مسعود فصحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وهذه فائدة عزيزة بهذا الإسناد عن ابن مسعود، فقد أخرجه أحمد (6 / 145) والطحاوي في " المشكل " (2 / 50) والحاكم (1 / 19 و 4 / 384) من الطريق الأولى فقط عن عائشة. وقد عرفت ضعفها بالجهالة، فقول الحافظ المنذري في " الترغيب " (1 / 143) . " رواه أحمد بإسناد جيد "! فهو غير جيد، ونحوه قول الهيثمي في " المجمع " (1 / 143) : " رواه أحمد، ورجاله ثقات "! ويبدو أن له طريقا أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه، فقد قال الهيثمي عقب ما تقدم: " ورواه أبو يعلى أيضا عن ابن مسعود بمثله ". قلت: عزاه المنذري للطبراني في " الكبير " وقد رأيته فيه (3 / 13 / 2) من طريقين عنه موقوفا عليه وكلاهما منقطع. ووجدت له طريق أخرى عن عائشة أيضا، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 268) عن الحسن بن محمد بن الحسين الأصبهاني حدثنا أبو مسعود

1388

أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا به نحوه. أورده في ترجمة الحسن هذا، ويعرف بـ (ابن بوبة) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وبقية رجاله ثقات: وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " ثلاث لو حلفت عليهن لبررت، والرابعة لو حلفت عليها لرجوت أن لا آثم: لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له، ولا يتولى الله عبدا فيوليه غيره في الآخرة، ولا يحب عبد قوما إلا بعثه الله فيهم أو معهم، والرابعة: لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستر عليه عند المقام ". رواه أبو بكر الشافعي في " الرباعيات " (1 / 106 / 2) وأبو عبد الله الصاعدي في " السداسيات " (4 / 2) عن طالوت بن عباد حدثنا فضال بن جبير حدثنا أبو أمامة مرفوعا. وفضال بن جبير ضعيف الحديث كما قال أبو حاتم. 1388 - " ركعتان خفيفتان مما تحقرون وتنفلون يزيدهما هذا - يشير إلى قبر - في عمله أحب إليه من بقية دنياكم ". رواه ابن صاعد في زوائد " الزهد " (159 / 1) من (الكواكب 575 ورقم 31 - هندية) : حدثنا محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي حدثنا حفص بن غياث عن أبي مالك - وهو سعد بن طارق الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبر دفن حديثا فقال: فذكره. وقال ابن صاعد: " هو حديث غريب حسن ". قلت: ورجاله ثقات كلهم رجال مسلم إلا أن الرفاعي هذا قد تكلم فيه بعضهم، قال الحافظ: " ليس بالقوي.... قال البخاري: رأيتهم مجمعين على ضعفه ". قلت: ولكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 225 ) وكذا الطبراني في " الأوسط " (رقم 907) من طريقين آخرين عن حفص بن غياث به.

1389

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فصح الحديث من هذه الطريق والحمد لله. وقد قال المنذري في " الترغيب " (1 / 146) : " رواه الطبراني بإسناد حسن ". وقال الهيثمي (2 / 249) : " ورجاله ثقات ". 1389 - " إذا قال الرجل للمنافق يا سيد فقد أغضب ربه تبارك وتعالى ". أخرجه الحاكم (4 / 311) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 198) والخطيب (5 / 454) عن عقبة بن عبد الله الأصم حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا به، وقال الحاكم. " صحيح الإسناد " وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: عقبة ضعيف ". وكذا قال في الميزان. وعزاه في " الجامع " للحاكم والبيهقي في " الشعب "، ثم رمز لضعفه. قلت: لكن الأصم هذا قد تابعه عليه قتادة بلفظ: " لا تقولوا للمنافق سيدنا وتقدم.. برقم (370) ، فهو به حسن. 1390 - " إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر قال الله عز وجل: صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا أكبر، وإذا قال العبد: لا إله إلا الله وحده، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا وحدي، وإذا قال: لا إله إلا الله لا شريك له، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد: قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا

1391

لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي، من رزقهن عند موته لم تمسه النار ". أخرجه الترمذي (2 / 253) وابن ماجه (3794) وابن حبان (2325) وأبو يعلى في " مسنده " (344 - 345) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (104 / 1 - ظاهرية) من طرق أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه شهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والسياق لابن ماجه وزاد قال أبو إسحاق: ثم قال الأغر شيئا لم أفهمه، قال: فقلت لأبي جعفر : ما قال؟ فقال: من رزقهن عند موته لم تمسه النار " وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد بنحو هذا الحديث بمعناه لم يرفعه شعبة، حدثنا بذلك بندار حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة بهذا ". قلت: وإسناده صحيح، فإن شعبة ممن سمع من أبي إسحاق قبل اختلاطه وكونه موقوفا لا يضر لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر. ويؤيد أن أبا إسحاق قد توبع على رفعه، فقال عبد بن حميد: حدثنا مصعب بن مقدام حدثنا إسرائيل عن أبي جعفر الفراء عن الأغر مثل حديث أبي إسحاق إلا أنه زاد فيه: " قال: ومن قال في مرضه ثم مات لم يدخل النار ". وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي جعفر الفراء، وهو ثقة كما في " التقريب ". 1391 - " إذا قبر الميت أو قال أحدكم أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما: المنكر والآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول هو: عبد الله ورسوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده

1392

ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم؟ فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. وإن كان منافقا قال: سمعت الناس يقولون، فقلت: مثله، لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض التئمي عليه، فتلتئم عليه، فتختلف أضلاعه، فلا يزال فيها معذبا حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك ". أخرجه الترمذي (2 / 163) وابن أبي عاصم في " السنة " (864 - بتحقيقي) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد بن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي ابن إسحاق وهو العامري القرشي مولاهم كلام لا يضر. 1392 - " إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرا ". أخرجه مسلم (2 / 187 - 188) وابن ماجه (1 / 415) وأحمد (3 / 59 و 316) والخطيب في " التاريخ " (4 / 311) من طرق عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر - زاد بعضهم: حدثنا أبو سعيد - عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: فذكره. وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن أبا سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

1393

أخرجه أحمد (3 / 15 و 59) وأبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (96 / 2) . وهذا يشهد أن الحديث حديث أبي سعيد لا جابر، وابن لهيعة وأبو الزبير وإن كان فيهما ضعف فلا بأس بهما في الشواهد. 1393 - " إذا قمتم إلى الصلاة فلا تسبقوا قارئكم بالركوع والسجود ولكن هو يسبقكم ". أخرجه البزار في " مسنده " (56) عن يوسف بن خالد حدثني جعفر ابن سعد بن سمرة حدثني حبيب بن سليمان عن أبيه سليمان عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ: " لا تسبقوا إمامكم بالركوع، فإنكم تدركونه بما سبقكم ". وقال الهيثمي في " زوائده ": " وفي الإسنادين ضعف بين ". قلت: وذلك لأن في الأول يوسف بن خالد وهو السمتي قال الحافظ: " تركوه، وكذبه ابن معين ". وفوقه من يجهل. وفي الآخر إسماعيل بن مسلم وهو المكي ضعيف. والحسن وهو البصري مدلس وقد عنعنه. لكن الحديث معناه صحيح، ورد في مجموعة من الأحاديث عن معاوية وغيره فراجع " صحيح أبي داود " (رقم 630) . 1394 - " إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه ". أخرجه أبو داود (1 / 549 - حلبي) وابن جرير الطبري في " التفسير "

(3 / 526 / 3015) وأبو محمد الجوهري في " الفوائد المنتقاة " (1 / 2) والحاكم (1 / 426) والبيهقي (4 / 218) وأحمد (2 / 423 و 510) من طرق عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي، وفيه نظر فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره، فهو حسن. نعم لم يتفرد به ابن عمرو، فقد قال حماد بن سلمة أيضا: عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وزاد فيه: " وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر ". أخرجه أحمد (2 / 510) وابن جرير والبيهقي. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شواهد كثيرة: 1 - شاهد قوي مرسل يرويه حماد أيضا عن يونس عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه أحمد (2 / 423) مقرونا مع روايته الأولى. 2 - وشاهد آخر موصول يرويه الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: " أقيمت الصلاة والإناء في يد عمر، قال: أشربها يا رسول الله؟ قال: نعم، فشربها ". أخرجه ابن جرير (3 / 527 / 3017) بإسنادين عنه وهذا إسناد حسن. 3 - وروى ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: " سألت جابر عن الرجل يريد الصيام والإناء على يده ليشرب منه، فيسمع النداء؟ قال جابر: كنا نتحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليشرب ". أخرجه أحمد (3 / 348) : حدثنا موسى حدثنا ابن لهيعة.

قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد. وتابعه الوليد بن مسلم أخبرنا ابن لهيعة به. أخرجه أبو الحسين الكلابي في " نسخة أبي العباس طاهر بن محمد ". ورجاله ثقات رجال مسلم، غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ، وأما الهيثمي فقال في " المجمع " (3 / 153) : " رواه أحمد، وإسناده حسن "! 4 - وروى إسحاق عن عبد الله بن معقل عن بلال قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أوذنه لصلاة الفجر، وهو يريد الصيام، فدعا بإناء فشرب، ثم ناولني فشربت، ثم خرجنا إلى الصلاة ". أخرجه ابن جرير (3018 و 3019) وأحمد (6 / 12) ورجاله ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد صحيح لولا أن أبا إسحاق وهو السبيعي - كان اختلط، مع تدليسه. لكنه يتقوى برواية جعفر بن برقان عن شداد مولى عياض ابن عامر عن بلال نحوه. أخرجه أحمد (6 / 13) . 5 - وروى مطيع بن راشد: حدثني توبة العنبري أنه سمع أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنظر من في المسجد فادعه، فدخلت - يعني - المسجد، فإذا أبو بكر وعمر فدعوتهما، فأتيته بشيء، فوضعته بين يديه، فأكل وأكلوا، ثم خرجوا، فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة ". أخرجه البزار (رقم 993) كشف الأستار وقال: " لا نعلم أسند توبة عن أنس إلا هذا وآخر، ولا رواهما عنه إلا مطيع ". " قال الحافظ بن حجر في " زوائده " ( ص / 106) : إسناده حسن ". قلت: وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 152) . 6 - وروى قيس بن الربيع عن زهير بن أبي ثابت الأعمى عن تميم بن عياض عن ابن عمر قال:

1395

" كان علقمة بن علاثة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رويدا يا بلال! يتسحر علقمة، وهو يتسحر برأس ". أخرجه الطيالسي (رقم 885 - ترتيبه) والطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (3 / 153) وقال: " وقيس بن الربيع وثقه شعبة وسفيان الثوري، وفيه كلام ". قلت: وهو حسن الحديث في الشواهد لأنه في نفسه صدوق، وإنما يخشى من سوء حفظه ، فإذا روى ما وافق الثقات اعتبر بحديثه. ومن الآثار في ذلك ما روى شبيب من غرقدة البارقي عن حبان بن الحارث قال: " تسحرنا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فلما فرغنا من السحور أمر المؤذن فأقام الصلاة ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 106) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (8 / 11 / 1) . ورجاله ثقات غير حبان هذا، أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 269) بهذه الرواية ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (1 / 27) . 1395 - " إذا تناجى اثنان فلا تجلس إليهما حتى تستأذنهما ". أخرجه أحمد (2 / 114) حدثنا سريج حدثنا عبد الله عن سعيد المقبري قال: " جلست إلى ابن عمر ومعه رجل يحدثه، فدخلت معهما: فضرب بيده صدري وقال : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد رجاله ثقات رجال مسلم غير أن عبد الله وهو ابن عمر العمري المكبر قال الذهبي: " صدوق في حفظه شيء ". وقال الحافظ: " ضعيف عابد ".

قلت: وكون عبد الله هذا هو العمري، هو الذي يترجح عندي خلافا لقول الهيثمي في " المجمع " (8 / 63) : " رواه أحمد، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري وهو متروك ". قلت: والذي حمله على الجزم بأنه عبد الله المقبري كونه مشهورا بالرواية عن أبيه سعيد المقبري. فذهب وهله إلى ذلك، لكن العمري هو أيضا ممن يروي عن سعيد المقبري، فكان لابد من دليل آخر يرجح كونه هذا أو ذاك، ودليلي على مارجحته، هو أن الإمام أحمد رحمه الله ساق هذا الحديث بين أحاديث أخرى لسريج حدثنا عبد الله عن نافع عن ابن عمر، وعبد الله فيها هو العمري قطعا، لكثرة روايته أولا نافع ولأن عبد الله المقبري لم يذكروا له رواية عن نافع ثانيا، والله أعلم. وظني أن الحافظ بن حجر يذهب إلى هذا الذي رجحته، فإنه ذكر الحديث في " الفتح " (11 / 70) من رواية أحمد هذه، وسكت عنه، ومعلوم عند أهل المعرفة بهذا الشأن أن سكوت الحافظ هذا يعني أنه حسن، فلو كان يرى أنه المقبري لم يسكت عليه إن شاء الله تعالى بل ولبين حاله، فإنه متروك متهم بالكذب. والله تعالى أعلم. وقد تابعه داود بن قيس قال: سمعت سعيد المقبري يقول: فذكره بنحوه إلا أنه لم يرفع الحديث وزاد: " فقلت: أصلحك الله يا أبا عبد الرحمن! إنما رجوت أن أسمع منكما خيرا. وداود بن قيس هذا هو الفراء ثقة من رجال مسلم، فروايته أصح، لكني وجدت للمرفوع طريقا أخرى يتقوى بها، أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 198) من طريق إبراهيم بن يوسف الحضرمي (الأصل: المصري وهو تصحيف) حدثنا عمران بن عيينة عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجلس الرجل إلى الرجلين إلا على إذن منهما إذا كانا يتناجيان ". وقال: " غريب من حديث عبد العزيز، وعمران أخي سفيان تفرد به إبراهيم ابن يوسف فيما ذكره أبو الحسن الحافظ الدارقطني ".

1396

قلت: وهو حسن الحديث، قال النسائي: ليس بالقوي. وقال موسى ابن إسحاق: ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". ولم يحك ابن أبي حاتم في كتابه (1 / 1 / 148) سوى توثيق موسى إياه. وقال الحافظ: " صدوق فيه لين ". والحديث أورده السيوطي من حديث ابن عمر بلفظ: " إذا كان إثنان يتناجيان فلا تدخل بينهما ". وقال: " رواه ابن عساكر ". ولم يتكلم المناوي على إسناده بشيء إلا أنه أشار إلى تقويته بقوله: " وله شواهد ". 1396 - " خير مساجد النساء بيوتهن ". رواه أحمد (6 / 301) وعبد الرحمن بن نصر الدمشقي في " الفوائد " (1 / 221 / 2) وابن خزيمة رقم (1684) والحاكم (1 / 209) والقضاعي (102 / 1) من طريق عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي السائب مولى بني زهرة عن أم سلمة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل دراج أبي السمح، فإنه ضعيف لكثرة مناكيره. وأبو السائب مولى بني زهرة، يقال: اسمه عبد الله بن السائب ثقة من رجال مسلم . والحديث يشهد له حديث ابن عمر الآتي. (تنبيه) : ذكر المنذري في " الترغيب " (1 / 125) أن الحاكم قال في هذا الحديث: " صحيح الإسناد ". ولم أرى ذلك في نسختي المطبوعة من " المستدرك " بل صرح أنه ذكره شاهدا لحديث ابن عمر بلفظ: " لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (576) .

1397

1397 - " ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه ومدمن الخمر والمنان عطاءه، وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه والديوث والرجلة ". أخرجه البزار في " مسنده " (1875) قال: حدثنا الحسن بن يحيى الأرزي حدثنا محمد بن بلال حدثنا عمران القطان عن محمد بن عمرو عن سالم عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات من رجال " التهذيب "، وفي بعضهم كلام لا يضر. وتابعه عبد الله بن يسار مولى ابن عمر عن سالم به. أخرجه البزار (1876 ) وغيره، وصححه الحاكم والذهبي وهو مخرج " حجاب المرأة " (ص 67) . 1398 - " إن العبد إذا قام للصلاة أتي بذنوبه كلها فوضعت على عاتقيه، فكلما ركع أو سجد تساقطت عنه ". أخرجه محمد بن نصر في " الصلاة " (64 / 2) وفي " قيام الليل " (ص 52) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 99 - 100) من طريق ثور بن يزيد عن أبي المنيب قال: " رأى ابن عمر فتى قد أطال الصلاة وأطنب، فقال: أيكم يعرف هذا فقال رجل أنا أعرفه، فقال: أما أني لو عرفته لأمرته بكثرة الركوع والسجود، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وأبو المنيب هو الجرشي الدمشقي وهو غير أبي المنيب البصري الأحدب. وتابعه جبير بن نفير أن عبد الله بن عمر رأى فتى ... الحديث. أخرجه ابن نصر (65 / 1) من طريق أبي صالح حدثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن زيد بن أرطاة عنه.

1399

ورجاله ثقات غير أبي صالح واسمه عبد الله بن صالح، وفيه ضعف. لكن تابعه ابن وهب حدثني معاوية بن صالح به. فهو سند جيد لولا أن العلاء كان اختلط. أخرجه البيهقي في " السنن " (3 / 10) . وتابعه أيضا آدم بن علي البكري قال: " كنت قاعدا مع ابن عمر، وشاب قائم يصلي فجعل يطيل القيام، فقال: يا آدم أتعرف هذا؟ ... " الحديث. أخرجه ابن بشران في " الكراس الأخير من الجزء الثلاثين من الأمالي " (7 / 1) عن عبيد بن إسحاق العطار حدثنا عبد الله بن اليمامي: حدثني آدم بن علي البكري. قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة اليمامي هذا، وضعف عبيد العطار، وفيما تقدم غنية عنه. 1399 - " إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليجلسه معه، فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين، فإنه ولي علاجه وحره ". صحيح من حديث أبي هريرة وله عنه طرق: الأولى: عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. أخرجه البخاري (3 / 131 و 7 / 71 - النهضة) وأحمد (2 / 283 و 409 و430) والدارمي (2 / 107) . الثانية: عن موسى بن يسار عنه مرفوعا به نحوه وفيه: " فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين ". أخرجه مسلم (5 / 94) وأحمد (2 / 277) وأبو داود (2 / 328 - 329 - الحلبي) .

الثالثة: عن عمار بن أبي عمار قال: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره نحو الطريق الأولى. أخرجه أحمد (2 / 406) بسند صحيح على شرط مسلم. الرابعة: عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا نحوه إلا أنه قال: " فإن أبى فليناوله أكله في يده ". أخرجه أحمد (2 / 259 و 283) بسند صحيح على شرط الشيخين. الخامسة: عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبيه عنه مرفوعا مختصرا بلفظ: " إذا جاء خادم أحدكم بالطعام فليجلسه، فإن أبي فليناوله ". أخرجه الدارمي (2 / 107) والبخاري في " الأدب المفرد " (200) وإسناده حسن في المتابعات، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي خالد والد إسماعيل، لم يرو عنه غير ابنه، ولم يوثقه غير ابن حبان. وله شاهد يرويه أبو الزبير أنه سأل جابرا عن خادم الرجل إذا كفاه المشقة والحر؟ فقال: " أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعوه، فإن كره أحدكم أن يطعم معه فليطعمه أكلة في يده ". أخرجه أحمد (3 / 346) من طريق ابن لهيعة والطبراني في " الأوسط " (رقم 37) عن الأوزاعي كلاهما عنه. وتابعه ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (198) . وإسناده صحيح على شرط مسلم. (تنبيه) : حديث جابر هذا عزاه صاحب " الفتح الكبير " (1 / 147) لـ (طص) - يعني " المعجم الصغير " للطبراني تبعا لأصله " الزيادة " (ق 20 / 2) و" الجامع الكبير " (1 / 41 / 1 مصور دار الكتب) خلافا لنسخة الظاهرية منه (1 / 77 / 1) ففيها (طس) ولعله الأقرب إلى الصواب، وإن كان مخالفا لـ " المجمع " أيضا كما يأتي، فإني كنت رتبت " المعجم الصغير " قديما على مسانيد الصحابة، فلم أجد الحديث عندي في " مسند جابر ". والله أعلم.

1400

قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 238) : " رواه أحمد والطبراني في الصغير (!) بنحوه، وإسناده حسن ". ثم ذكر له شاهدا عن عبادة بن الصامت مرفوعا نحوه وقال: " رواه الطبراني وإسناده منقطع ". 1400 - " ما أصاب الحجام فأعلفه الناضح ". أخرجه أحمد (4 / 141) عن يحيى بن أبي سليم قال: سمعت عباية بن رفاعة بن رافع ابن خديج يحدث: " أن جده حين مات ترك جارية وناضحا وغلاما وحجاما وأرضا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجارية، فنهى عن كسبها: قال شعبة: مخافة أن تبغي، وقال: وما أصاب الحجام فأعلفه الناضح، وقال في الأرض: ازرعها، أو ذرها ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، ويحيى بن أبي سليم هو أبو بلج الفزاري، وهو بكنيته أشهر. وللحديث شواهد تقوية، منها عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن كسب الحجام؟ فقال: أعلفه ناضحك ". أخرجه أحمد (3 / 307 و381) : حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر، وفي الموضع الثاني: سمع جابرا) . قلت: وهذا إسناد متصل صحيح على شرط مسلم. ومنها عن حرام بن محيصة عن أبيه: " أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام؟ فنهاه عنه، فذكر له الحاجة، فقال: أعلفه نواضحك ". أخرجه مالك (2 / 974 / 28) وعنه الترمذي ( 1 / 241) وكذا أحمد (5 / 435) عن ابن شهاب عن ابن محيصة - أخي بني حارثة - عن أبيه. وأخرجه ابن ماجه (2166) وأحمد أيضا من طرق أخرى عنه سماه في بعضها حرام بن محصية به، وقال الترمذي:

1401

" حديث حسن صحيح ". 1401 - " أيكم كانت له أرض أو نخل فلا يبعها حتى يعرضها على شريكه ". أخرجه النسائي (2 / 234) وابن الجارود في " المنتقى " (299) وأحمد (3 / 307) من طريق سفيان عن أبي الزبير عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم لولا أن ابن الزبير مدلس وقد عنعنه. لكن قد أخرجه مسلم وغيره من طريق ابن جريج أن أبا الزبير أخبره أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: فذكره نحوه أتم منه. وهو مخرج في " الإرواء " (1532) . 1402 - " إذا كان ثلاثة جميعا فلا يتناج اثنان دون الثالث ". أخرجه بهذا اللفظ أحمد (2 / 351) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو يونس عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ، فإذا روى ما وافق الثقات دل ذلك على أنه قد حفظ، وقد جاء هذا الحديث من طرق عن جمع آخر من الصحابة منهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود. 1 - أما حديث ابن عمر، فله عنه طرق: الأولى: عن نافع عنه به نحوه. أخرجه مالك (3 / 151 - 152) وعنه البخاري ( 11 / 68) وكذا في " الأدب المفرد " (1168) ومسلم (7 / 12) وأحمد (2 / 17 و 32 و 121 و 123 و 126 و 141 و 146) من طرق عنه، وزاد أحمد في رواية أيوب عنه:

" إلا بإذنه، فإن ذلك يحزنه ". الثانية: عن عبد الله بن دينار عنه مرفوعا بلفظ: " لا يتناجى اثنان دون واحد ". أخرجه مالك (3 / 151) واللفظ له وابن ماجه (2 / 415) وأحمد (2 / 9 و60 و 62 و 73 و 79) من طرق عنه. الثالثة: عن أبي صالح - ذكوان - عنه مثله. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1170) وأبو داود (2 / 562) أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1351) وأحمد ( 2 / 18 و 42 و 141) وزاد: " قال: فقلت لابن عمر: فإذا كانوا أربعة؟ قال: فلا بأس به ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين. الرابعة: عن يحيى بن حبان عنه. أخرجه أحمد (2 / 32) . الخامسة: عن سعيد المقبري عنه مرفوعا بمعناه. أخرجه أحمد (2 / 114 و 138) . 2 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه أبو وائل شقيق ابن سلمة عنه مرفوعا بلفظ: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث، فإنه يحزنه ذلك ". أخرجه البخاري (11 / 68) وفي " الأدب المفرد " (1169) ومسلم (7 / 13) وأبو داود والترمذي (4 / 27 - تحفة) والدارمي (2 / 282) وابن ماجه وأحمد (1 / 375، 425 و 430 و 431 و 438 و 440 و 460 و 464 و 465) من طرق عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وفي رواية للشيخين بلفظ: " لا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس، من أجل أن ذلك يحزنه ".

1403

1403 - " إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ". أخرجه الترمذي (3 / 394) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (233) من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال: طلبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقدر عليه، فجلست، فإذا نفر هو فيهم، ولا أعرفه، وهو يصلح بينهم، فلما فرغ قام معه بعضهم، فقالوا: يا رسول الله! فلما رأيت ذلك قلت: عليك السلام يا رسول الله! عليك السلام يا رسول الله؟! عليك السلام يا رسول الله! قال: " إن عليك السلام تحية الميت ". ثم أقبل علي فقال: ( فذكره) ثم رد علي النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وعليك ورحمة الله وعليك ورحمة الله وعليك ورحمة الله ". والسياق للترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري، ولفظ ابن السني: " إن عليك السلام تحية الموتى، إذا لقى أحدكم أخاه فليقل: السلام عليك ورحمة الله ". وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " (2 / 123 / 1 - مصور المكتب) لابن السني فقط، وهو قصور ظاهر. والجملة الأولى منه أخرجه أبو داود (2 / 644) وأحمد (3 / 482) من طريق أخرى عن أبي تميمة الهجيمي مرفوعا به ولفظه: " لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى ". 1404 - " إذا طعم أحدكم فسقطت لقمته من يده فليمط ما رابه منها وليطعمها، ولا يدعها للشيطان ولا يمسح يده

بالمنديل حتى يلعق يده، فإن الرجل لا يدري في أي طعامه يبارك الله، فإن الشيطان يرصد الناس ـ أو الإنسان ـ على كل شيء حتى عند مطعمه أو طعامه ولا يرفع الصحفة حتى يلعقها أو يلعقها، فإن في آخر الطعام البركة ". أخرجه ابن حبان (1343) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 187 / 2) من طريقين عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير عن جابر - وقال البيهقي: أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وتابعه ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر به. أخرجه أحمد (3 / 394) . والحديث في " صحيح مسلم " (6 / 114) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي الزبير عن جابر به دون قوله: " فإن الشيطان يرصد ... " ولهذا تعمدت إخراجه من طريق ابن حبان والبيهقي ولما في رواية الثانية منهما من تصريح أبي الزبير بالتحديث ، فاتصل السند وزالت شبهة العنعنة الواردة في رواية " مسلم ". على أن هذا قد شد من عضدها بأن ساق الحديث من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر به نحوه. (يرصد) أي يرقب. جاء في " المصباح ": " الرصد: الطريق، والجمع (أرصاد) مثل: سبب وأسباب. ورصدته رصدا، من باب القتل: قعدت له على الطريق، والفاعل: راصد، وربما جمع على (رصد) مثل خادم وخدم. و (الرصيدي) نسبته إلى الرصد، وهو الذي يقعد على الطريق ينتظر الناس ليأخذ شيئا من أموالهم ظلما وعدوانا ". قلت: ومن المؤسف حقا أن ترى كثير من المسلمين اليوم وبخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية والتقاليد الأوربية - قد تمكن الشيطان من سلبه قسما من أموالهم ليس عدوانا بل بمحض اختيارهم، وما ذاك إلا لجهلهم بالسنة، أو

1405

إهمالا منهم إياها، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم، وكل واحد منهم يأكل لوحده - دون ضرورة - في صحن خاص، لا يشاركه فيه على الأقل جاره بالجنب، خلافا للحديث السابق (664) . وكذلك إذا سقطت اللقمة من أحدهم، فإنه يترفع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من المتعالمين والمتفلسفين من لا يجيز ذلك بزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات! ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم: " فليمط ما رابه منها وليطعمها ولا يدعها للشيطان ". ثم أنهم لا يلعقون أصابعهم بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلال بآداب الطعام، ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديل من الورق الخفيف النشاف المعروف بـ (كلينكس) ، فلا يكاد أحدهم يجد شيئا من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك بالمنديل ، خلافا لنص الحديث. وأما لعق الصحفة، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع، فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في الطعام، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم به جاهلون، وإنما العجب من الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون. ثم تجدهم جميعا قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم وأرزاقهم، مهما كان موسعا فيها عليهم، ولا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن اتباع سنة نبيهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم. فالسنة السنة أيها المسلمون! * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) *. 1405 - " رأيتني دخلت الجنة، فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة، وسمعت خشفا أمامي ، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا بلال ". أخرجه البخاري (2 / 425) والطيالسي في " مسنده " (1719) وأحمد

1406

(3 / 372 و389) من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وزاد أحمد والبخاري. " قال: ورأيت قصرا أبيض بفناءه جارية، قال: قلت لمن هذا القصر؟ قال: لعمر بن الخطاب، فأردت أن أدخل فأنظر إليه، قال: فذكرت غيرتك. فقال عمر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! أو عليك أغار؟ ". وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (7 / 145) من وجه آخر عن عبد العزيز به مختصرا بلفظ: " رأيت الجنة فرأيت امرأة أبي طلحة، ثم سمعت خشخشة أمامي فإذا بلال ". والزيادة المذكورة هي عنده (7 / 114) وكذا البخاري (3 / 452 و 4 / 358) من طرق أخرى عن ابن المنكدر به. وللشطر الأول منه شاهد من حديث أنس ابن مالك مرفوعا به نحوه بلفظ: " دخلت الجنة، فسمعت خشفة، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذه الرميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك ". أخرجه مسلم وأحمد (3 / 239 و 268 ) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عنه. وأخرجه أحمد أيضا (3 / 106 و125) من طريق حميد عن أنس به. وللشطر الثاني منه شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه أتم منه. أخرجه الشيخان وغيرهما. وله شاهد آخر من حديث قابوس عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا نحوه. وهذا سند لا بأس به في الشواهد. أخرجه أحمد (1 / 257) . 1406 - " دخلت الجنة فرأيت لزيد بن عمرو بن نفيل درجتين ". رواه ابن عساكر (6 / 337 / 2) من طريق محمد بن محمد الباغندي

1407

أخبرنا عبد الله ابن سعيد الكندي الأشج أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن. 1407 - " أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ". البيهقي في " سننه " (3 / 249) عن عبد الرحمن بن سلام أنبأنا إبراهيم بن طهمان عن أبي إسحاق عن أنس مرفوعا. وقال الذهبي في " مختصره " (1 / 147 / 2) : " إسناده صالح ". قلت: كلا، فإن أبا إسحاق وهو السبيعي كان اختلط، ثم هو مدلس وقد عنعنه. وله طريق أخرى يرويها درست بن زياد القشيري عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا بلفظ: " أكثروا علي من الصلاة في يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن فعل ذلك كنت له شهيدا أو شافعا يوم القيامة ". أخرجه ابن عدي (129 / 2) في ترجمة درست هذا وقال: " أرجو أنه لا بأس به ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف " . قلت: والرقاشي ضعيف أيضا. ومن هذا الوجه رواه البيهقي في " الشعب " كما في " المناوي ". وروي مرسلا مختصرا بلفظ: " إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة فأكثروا الصلاة علي ". أخرجه الشافعي (رقم 431) أخبرنا إبراهيم بن محمد: أخبرني صفوان ابن سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

1408

وإبراهيم هذا هو ابن يحيى الأسلمي متروك. ولهذا شاهد من حديث عمر مرفوعا بسند ضعيف ذكره السخاوي في " القول البديع " (ص 120 - هند) . وأورده ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 205) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعا به دون قوله: " وليلة الجمعة.... " وقال: " قال أبي: هذا حديث منكر بهذا الإسناد ". وبالجملة فالحديث بهذا الطرق حسن على أقل الدرجات، وهو صحيح بدون ذكر ليلة الجمعة. انظر " تخريج مشكاة المصباح " (1361) . 1408 - " إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟ قال: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ". رواه الثقفي في " الثقفيات " (3 / 15 / 2) عن عبد الحكم بن ميسرة الحارثي أبي يحيى حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري مرفوعا . وقال: " غريب من حديث الثوري لا أعرفه إلا من هذا الوجه، ورواه الضحاك ابن عبد الرحمن بن عرزب وغيره عن أبي موسى ". قلت: وصله الترمذي (1 / 190) ونعيم بن حماد في " زوائد الزهد " (108) وابن حبان (726) من طريق حماد بن سلمة عن أبي سنان قال: دفنت ابني سنانا، وأبو طلحة الخولاني جالس على شفير القبر، فلما أردت الخروج أخذ بيدي فقال: ألا أبشرك يا أبا سنان؟ قلت: بلى. فقال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن عن أبي موسى الأشعري مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".

1409

قلت: ورجاله ثقات غير ابن عرزب فهو مجهول، ولعل تحسين الترمذي إنما هو أنه علم أنه توبع عليه كما يشير إلى ذلك قول الثقفي المتقدم: " رواه الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب وغيره ". وقد تابعه أبو بردة عن أبي موسى كما في الطريق الأولى، ورجالها ثقات غير الحارثي أبي يحيى فهو ضعيف كما قال الدارقطني، فالحديث بمجموع طرقه حسن على أقل الأحوال. 1409 - " كان يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليحفظوا عنه ". أخرجه ابن ماجة (977) وابن حبان (87) والحاكم (1 / 218) وأحمد من طرق عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: فذكره مرفوعا وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1410 - " كان إذا كان مقيما اعتكف العشر الأواخر من رمضان، وإذا سافر اعتكف من العام المقبل عشرين ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 104) وعنه ابن حبان (918) حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: فذكره مرفوعا. وقال: " لم أسمع هذا الحديث إلا من ابن أبي عدي عن حميد عن أنس ". قلت: وهو صحيح الإسناد وعلى شرط الشيخين، وقول السفاريني في " شرح الثلاثيات " (1 / 634) : " قلت: وإسناده حسن كما رمز إليه الجلال السيوطي، وقاله المناوي في " شرح الجامع الصغير ". فهو تقصير عجيب، وخاصة السيوطي، فإن ابن عدي واسمه محمد بن إبراهيم ثقة محتج به في " الصحيحين "، ومثله حميد الطويل. فإن قيل إنما نزل به من الصحة إلى الحسن لأن حميدا مدلس ولم يصرح بالسماع. فالجواب من وجهين:

1411

الأول: أنهم ذكروا في ترجمة حميد أن كل ما يرويه معنعنا عن أنس فإنما أخذه عن ثابت عنه. وثابت وهو البناني ثقة محتج به أيضا في " الصحيحين ". والآخر: أن الإعلال بالتدليس - لو سلم هنا - يجعل الحديث ضعيفا وليس حسنا! وقد أخرج الترمذي (1 / 153) من طريق أخرى عن ابن أبي عدي به نحوه وقال: " حديث حسن صحيح غريب من حديث أنس بن مالك ". 1411 - " إذا لقيتم المشركين (وفي رواية أهل الكتاب) فلا تبدءوهم بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها ". أخرجه مسلم (7 / 5) وأبو داود (2 / 642) وأحمد (2 / 346 و 459) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (337) من طرق عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره واللفظ لابن السني ولم يسق مسلم لفظه وإنما أحال على لفظ الدراوردي قبله ويأتي، ولفظ أبي داود عن سهيل قال: " خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم، فقال أبي: لا تبدؤهم بالسلام، فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله قال: لا تبدؤهم بالسلام ... ". وهو رواية لأحمد، وله الرواية الأخرى " أهل الكتاب ". وتابعه سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح بلفظ " المشركين ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1111) ومسلم وأحمد (2 / 444 و 525) وابن السني، وفي لفظ لأحمد " اليهود ". وتابعه زهير حدثنا سهيل بن أبي صالح بلفظ: " إذا لقيتموهم ... قال زهير: فقلت لسهيل: اليهود والنصارى؟ فقال: المشركون ".

1412

أخرجه أحمد (2 / 263) . وتابعه وهيب قال: حدثنا سهيل به إلا أنه قال: " أهل الكتاب ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1103) . وتابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن سهيل به، ولفظه: " لا تبدؤا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ". أخرجه مسلم والترمذي (3 / 388) وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهذا الاختلاف في لفظه، يبدو لي - والله أعلم - أنه من سهيل نفسه فإنه كان فيه بعض الضعف في حفظه. والله أعلم. 1412 - " إذا مر رجال بقوم فسلم رجل عن الذين مروا على الجالسين، ورد من هؤلاء واحد أجزأ عن هؤلاء وعن هؤلاء ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 251) عن محمد بن المسيب حدثنا عبد الله ابن خبيق حدثنا يوسف بن أسباط عن عباد البصري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره وقال: " غريب من حديث زيد وعباد، لم نكتبه إلا من حديث يوسف ". قلت: وفيه ضعف، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " وثقه يحيى، وقال أبو حاتم: لا يحتج به ". وعباد البصري جمع ولم يتعين عندي من هو؟ وسائر الرواة ثقات غير محمد بن المسيب، ترجمه الخطيب في " التاريخ " (3 / 297) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد خولف عباد في إسناده، أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (230) من طريق أبي مالك صاحب البصري حدثنا حفص بن عمرو بن رزيق

1413

القرشي المدني حدثنا عبد الرحمن بن الحسن عن أبيه عن جده عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم القوم يمرون يسلم رجل منهم يجزئ ذلك عنهم؟ قال: نعم ، قال: فيرد رجل من القوم أيجزئ ذلك عنهم؟ قال: نعم ". لكن الإسناد ضعيف، فإن من دون زيد بن أسلم لم أعرفهم. وقد أخرجه مالك عنه مرسلا كما تقدم برقم (1148) . وللحديث شاهد جيد عن علي رضي الله عنه مرفوعا نحوه، وهو مخرج في " الإرواء " (770) ، فهو به صحيح، وأخرجه المحاملي أيضا في " الأمالي " (5 / 62 / 2) . 1413 - " إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (رقم 2106) حدثنا الربيع عن يزيد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1015 - 1016) من طريق أخرى عن الرقاشي به. ويزيد الرقاشي ضعيف، وسائر رجال أبي يعلى ثقات رجال الشيخين. وبالرقاشي أعله الهيثمي في " المجمع " (1 / 334) ، وفاته أن له طريقا أخرى خيرا من هذه عند أبي يعلى أيضا، فقال (1008) : حدثنا إبراهيم بن الحجاج الساجي أخبرنا سهيل بن زياد عن التيمي عن أنس مرفوعا به. وتابعه حفص بن عمرو الربالي حدثنا سهل بن زياد به. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (8 / 204) والضياء في " المختارة " (127 / 2) . وأخرجه الثقفي في " الثقفيات " (4 / 27 / 2) . قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي سهل بن زياد ضعف يسير، قال الذهبي في " الميزان ": " ما ضعفوه، وله ترجمة في " تاريخ الإسلام ".

1414

وقال في " الضعفاء ": " صدوق فيه لين ". وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا نحوه . أخرجه ابن السني وغيره صححه الحاكم وإسناده واه كما بينته في " تخريج الترغيب " (1 / 116) فالحديث بمجموع طرقه صحيح. 1414 - " إذا وجد أحدكم وهو في صلاته ريحا فلينصرف فليتوضأ ". رواه الطبراني في " الأوسط " (24 / 1 - 2 من ترتيبه) عن إبراهيم بن راشد الأدمي حدثنا محمد بن بلال البصري حدثنا عمران القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا. قال الطبراني: " لم يروه عن عمران إلا محمد بن بلال " . قلت: وهو صدوق كما في " التقريب ". وكذلك الأدمي، وعمران القطان حسن الحديث. وللحديث شاهد من حديث علي بن أبي طالب مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (1 / 88 و 99) وفيه ابن لهيعة وهي سيىء الحفظ. 1415 - " إذا وجد أحدكم ألما فليضع يده حيث يجد ألمه، ثم ليقل سبع مرات: أعوذ بعزة الله وقدرته على كل شيء من شر ما أجد ". أخرجه أحمد (6 / 390) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 88) من طريق أبي معشر عن يزيد بن عبد الله بن خصيفة عن عمرو بن كعب بن مالك عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن السندي

وفيه ضعف من قبل حفظه. وسائر رواته ثقات غير عمرو بن كعب فلم أعرفه، ولكعب بن مالك عدة من الولد رووا عنه، ولم يذكره فيهم الحافظ في " التهذيب ". نعم ذكروا في شيوخ ابن خصيفة عمرو بن عبد الله بن كعب بن مالك، وذكر ابن أبي حاتم (3 / 1 / 243) في ترجمته عمرو هذا أنه سمع نافع ابن جبير بن مطعم، سمع منه يزيد بن خصيفة. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعليه فقوله في هذا الإسناد " عن أبيه " إنما يعني عبد الله بن كعب بن مالك، وإذا كان كذلك فالحديث مرسل لأن عبد الله هذا تابعي، ويشكل عليه أن الإمام أحمد أورده في مسند كعب بن مالك، فكأنه جرى على ظاهر الإسناد، وتبعه عليه الهيثمي وغيره، فقال في " مجمع الزوائد " (5 / 114) : عن كعب بن مالك ... رواه أحمد والطبراني وفيه أبو معشر نجيح وقد وثق على أن جماعة كثيرة ضعفوه، وتوثيقه لين وبقية رجاله ثقات ". ولم يسم عمرو وهذا في إسناد الخرائطي وإنما وقع فيه: " عن ابن كعب ابن مالك ". ولولا رواية أحمد لكان من الممكن أن يقال إنه عبد الله أو عبيد الله أو محمد أو معبد أو عبد الرحمن، فإنهم جميعا أولاده وقد رووا عنه، والله أعلم. والحديث صحيح، له شاهد من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي مرفوعا نحوه أتم منه. أخرجه مسلم والخرائطي (ص 94) وغيرهما وهو مخرج في " شرح العقيدة الطحاوية " (ص 68) . وبعد كتابة ما تقدم تبينت أن أبا معشر قد أخطأ في إسناده، فقد قال مالك في " الموطأ " (2 / 942) عن يزيد بن خصيفة أن عمرو بن عبد الله بن كعب السلمي أخبره أن نافع بن جبير أخبره عن عثمان بن أبي العاص أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عثمان: وبي وجع كاد يهلكني، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسحه بيمينك سبع مرات، وقل

1416

" أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد. قال: فقلت ذلك، فأذهب الله ما كان بي ". ومن طريق مالك أخرجه أبو داود (3891) والترمذي (2 / 9) والحاكم (1 / 343) كلهم عنه به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح " وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ إنما أخرجه مسلم من حديث الجريري عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عثمان بن أبي العاص بغير هذا اللفظ ". 1416 - " إذا نصح العبد سيده وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين ". أخرجه البخاري (5 / 134) ومسلم (5 / 94) ولم يسق لفظه وأحمد (2 / 18، 20، 102 و 142) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقد تابعه أسامة عند مسلم، وكذا مالك كما سيأتي بلفظ: " العبد إذا نصح لسيده " وللحديث شاهد من حديث أبي موسى وغيره فراجع (للملوك الذي يحسن) ، (إذا أدى العبد) . 1417 - " لابد للناس من عريف، والعريف في النار ". أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص 25) معلقا ووصله أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 148) عن العلاء بن أبي العلاء - قيم الجامع - قال: حدثني جدي مرداس عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذكره أبو الشيخ في ترجمة مرداس الأصبهاني هذا ولم يزد فيها على قوله: " قيم الجامع " فهو مجهول ولم أر له ذكرا في كتب الرجال. لكن أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 410) من طريق أخرى عن عيسى بن ميمون أخبرنا يزيد الرقاشي عن أنس به ويزيد ضعيف.

1418

وللحديث شاهد من حديث غالب القطان عن رجل عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه أبو داود (2 / 23) وإسناده مجهول كما ترى، وسكت عليه الحافظ في " الفتح " (13 / 144) ولعله لشواهده التي منها حديث أنس الذي قبله . ومنها ما ذكره عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة - أحد الضعفاء - عن عبيد بن زياد الشني عن الجلاس بن زياد الشني عن جعبونة بن زياد الشني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ذكره. رواه ابن منده هكذا معلق كما في " الإصابة " للحافظ وقال: " وبقية رجاله مجهولون ". قلت: فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن إن شاء الله تعالى. 1418 - " أشد أمتي لي حبا قوم يكونون أو يخرجون بعدي يود أحدهم أن أعطى أهله وماله وأنه رآني ". أخرجه أحمد (5 / 156 و 170) من طريق يحيى بن سعيد عن ذكوان أبي صالح عن رجل من بني أسد أن أبا ذر أخبره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير الرجل الأسدي فإنه لم يسم. وخالفه سهيل بن أبي صالح فقال: عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من أشد أمتي لي حبا ناس يكونون بعدي يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ". أخرجه مسلم (8 / 145 ) . وروي من حديث أنس مرفوعا به. أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص 50) عن إبراهيم ابن هدبة عنه. وإبراهيم هذا متروك، فالعمدة على الذي قبله.

1419

1419 - " من ذكر رجلا بما فيه فقد اغتابه ومن ذكره بغير ما فيه فقد بهته ". أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " (ص 34) عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عبد الله بن أبي مريم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو بكر هذا وهو الغساني الشامي ضعيف. وعبد الله ابن أبي مريم مجهول كما قال الحافظ، لكنه لم يتفرد به، فقد رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته ". أخرجه مسلم (8 / 21) والترمذي (1 / 351 - 352 ) وقال حديث حسن صحيح، والدارمي (2 / 299) وأحمد (2 / 230 و 384 و 386 و458) من طرق عنه. والحديث أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 45) من طريق ابن جريج عن عبد الله بن أبي مريم به. وقال: " رواه روح بن عبادة وأبو عاصم عن ابن جريج عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن عبد الله بن أبي مريم مثله. ورواه هشام بن يوسف عن أبي بكر بن أبي سبرة عن مسلم بن أبي مريم عن أبي صالح مثله ". 1420 - " سيد ريحان أهل الجنة الحناء ". رواه الطبراني في " المعجم الكبير " وعنه عبد الغني المقدسي في " السنن " (184 / 2) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي رحمه الله حدثنا معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو مرفوعا وقال المقدسي:

1421

" رواه أحمد كذلك ". كذا قال، وليس هو في " مسنده " وهو المراد عند إطلاق العزو إليه وسنده صحيح على شرط الشيخين. وأبو أيوب هو المراغي الأزدي. وخالفه شعبة فقال، عن قتادة عن عكرمة عن عبد الله بن عمرو به. أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " (42) والخطيب في " التاريخ " (5 / 56) من طريق يونس بن حبيب قال: حدثنا بكر بن بكار قال: حدثنا شعبة وقال الخطيب: " تفرد بروايته بكر ابن بكار عن شعبة ". قلت: وبكر مختلف فيه. والرواية الأولى أصح، والله أعلم، وقد علقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 8) من طريقه به موقوفا. ورواه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 51 / 1) عن القومسي قال: أنبأنا الأصمعي عن أبي هلال الراسبي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا به إلا أنه قال " الفاغية " بدل الحناء وهي هي. (انظر الاستدراك رقم 408 / 13) . 1421 - " اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته ، وصل صلاة رجل لا يظن أنه يصلي صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه ". أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 51 - مختصره) من طريق أبي الشيخ حدثنا ابن أبي عاصم حدثنا أبي حدثنا شبيب بن بشر عن أنس مرفوعا. بيض له الحافظ، لكن نقل عنه السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 47 / 1) أنه حسنه في " زهر الفردوس " يعني مختصره هذا، فلعل ذلك وقع في نسخة الحافظ التي هي بخطه، أو بعض النسخ التي قرئت عليه، وألحق بها فوائد جديدة. وهذا الإسناد غير بعيد على التحسين فإن رجاله ثقات غير شبيب ابن بشر، وهو مختلف فيه، قال ابن معين: ثقة، ولم يرو عنه غير أبي عاصم

1422

كذا قال وقد روى عنه جمع منهم إسرائيل وأحمد بن بشير الكوفي، وقال أبو حاتم: لين الحديث، حديثه حديث الشيوخ، وذكره ابن حبان وقال: يخطىء كثيرا، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء " 1422 - " من منع فضل مائه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة ". أخرجه أحمد (2 / 179 و 221) من طريق ليث بن أبي سليم ضعيف. لكنه لم يتفرد به. فقد أخرجه أيضا (2 / 183) من طريق محمد بن راشد عن سليمان بن موسى أن عبد الله بن عمرو كتب إلى عامل له على أرض له أن لا تمنع فضل مائك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: فذكره نحوه. وهذا إسناد حسن إلا أنه منقطع بين سليمان وابن عمرو لكن الحديث بمجموع الطريقين حسن، وقد وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا به ولفظه: " من منع فضل مائه في الدنيا منع الله فضله يوم القيامة، فقال: اليوم أمنع فضلي كما منعت ما لم تعمل يدك ". أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " (ق 63 / 1 - 2) عن الحسن بن أبي جعفر عن عمرو ابن دينار عن أبي صالح عنه. والحسن هذا قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف الحديث مع عبادته وفضله ". قلت: فمثله يستشهد به، فالحديث به صحيح إن شاء الله تعالى. 1423 - " دخلت الجنة، فإذا أنا بقصر من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لشاب من قريش، فظننت أني أنا هو، فقلت:

1424

ومن هو؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، (قال: فلولا ما علمت من غيرتك لدخلته، فقال عمر: عليك يا رسول الله أغار؟) ". أخرجه الترمذي (2 / 293) وابن حبان (2188) وأحمد (3 / 107 و 179) من طرق عن حميد الطويل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره . وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، والزيادة لأحمد وإسناده ثلاثي. وله طريق أخرى، فقال حماد بن سلمة أنبأنا أبو عمران الجوني وحميد عن أنس به نحوه وفيه الزيادة بلفظ: " قال: قال يا رسول الله من كنت أغار عليه فإني لم أكن أغار عليك ". أخرجه أحمد (3 / 191) وكذا أبو يعلى في " مسنده " (1035) لكنه لم يذكر في إسناده حميدا، ومن طريقه أخرجه ابن حبان أيضا (2189) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث جابر نحوه دون قوله: " قالوا لشاب من قريش فظننت أني أنا هو ". وقد مضى لفظه تحت الحديث (1405) . 1424 - " سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران: فاطمة وخديجة وآسية امرأة فرعون ". رواه الطبراني (3 / 150 / 2) عن إبراهيم بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رفعه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهدان:

1425

الأول: عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (86 / 1 و 91 / 2) من طريق محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عنه. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن دينار وهو الأزدي الطامي قال الحافظ: " صدوق سيىء الحفظ ". والآخر: عن عائشة قالت لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أبشرك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ: " سيدات نساء أهل الجنة أربع ... " فذكرهن. أخرجه الحاكم (3 / 185) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1425 - " إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه، فإنهم يبعثون في أكفانهم ويتزاورون في أكفانهم ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (9 / 80) من طريق سعيد بن سلام العطار حدثنا أبو ميسرة عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد هالك، سعيد بن سلام هذا كذبه ابن نمير، وقال البخاري: يذكر بوضع الحديث. وضعفه آخرين، وشذ العجيلي فقال: لا بأس به. وأبو ميسرة لم أعرفه، وقد خالفه شعبة فرواه عن قتادة به دون قوله: " فإنهم يبعثون .... ". أخرجه الخطيب أيضا (4 / 160) . وهذا القدر من الحديث صحيح قطعا مخرج في " الجنائز " (ص 58) ، فلننظر في باقيه.

والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " (ص 579 من " اللآليء " - هند) من رواية العقيلي بسنده عن العطار به. ولم أره في ترجمة العطار من " الضعفاء " للعقيلي، ومن رواية ابن عدي في " الكامل " (ق 154 / 2) عن سليمان ابن أرقم عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا نحوه وقال ابن الجوزي: " سليمان بن أرقم متروك وكذا سعيد بن سلام ". وتعقبه السيوطي بقوله: " قلت: الحديث حسن صحيح، وله طرق كثيرة وشواهد .... ". ثم ذكره من حديث جابر. وفيه عنعنة أبي الزبير، وقد أخرجه أيضا المعافى بن زكريا في " جزء من حديثه " (1 / 2) ورجاله كلهم ثقات، وهو عزاه للحارث في " مسنده " والديلمي، وفي إسنادهما من لم أعرفه مع العنعنة. وذكره أيضا من حديث البيهقي في " شعب الإيمان " بسنده عن أبي قتادة مرفوعا نحوه دون قوله: " فإنهم يبعثون....."، وفيه التزاور. وفي سنده سلم بن إبراهيم الوراق كذبه بن معين عن عكرمة بن عمار، قال في " التقريب ": " صدوق يغلط وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ولم يكن له كتاب ". ثم ذكر له بعض الشواهد الموقوفة، فالحديث عندي حسن بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. ثم وجدت للوراق متابعا قويا، فقال ابن السماك في " حديثه " (2 / 95 / 2) : حدثنا عبد الملك حدثنا إسماعيل بن سنان أبو عبيدة العصفري حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي قتادة مرفوعا به. وهكذا أخرجه أبو عمرو بن منده في " المنتخب من الفوائد " (ق 254 / 1) عن أبي قلابة الرقاشي حدثنا إسماعيل بن سنان أبو عبيدة العصفري به. قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات، رجاله رجال مسلم غير العصفري قال أبو حاتم: ما بحديثه بأس وغير أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي قال الحافظ:

1426

" صدوق يخطىء، تغير حفظه لما سكن بغداد ". قلت: فيرتقي الحديث بهذه الطريق إلى مرتبة الصحيح لغيره. والله أعلم. 1426 - " إذا نمتم فأطفئوا سرجكم، فإن الشيطان يدل مثل هذه على هذا فيحرقكم ". أخرجه أبو داود (5247) وابن حبان (1997) والحاكم (4 / 284 - 285) من طريق عمرو بن طلحة القناد حدثنا أسباط بن نصر عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس قال: " جاءت فأرة فأخذت تجر الفتيلة، فذهبت الجارية تزجرها، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: دعيها، فجاءت بها فألقتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان عليها قاعدا، فأحرقت منها مثل موضع درهم، فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: هو على شرط مسلم غير أن أسباط هذا قد ضعف ولذلك أنكر أبو زرعة على مسلم إخراجه لحديث أسباط هذا، وقال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". نعم الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث عبد الله بن سرجس بنحوه مخرج في " المشكاة " ( 4303) . 1427 - " إذنك علي أن يرفع الحجاب وأن تستمع لسوادي حتى أنهاك ". رواه مسلم (7 / 6) وابن ماجة (138) وأحمد (1 / 1 / 38 و 394 و 404) وابن سعد (9 / 153 - 154) وأبو عبيد (8 / 1) عن الحسن بن عبيد الله التيمي عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال أحمد: " سوادي: سري، أذن له أن يسمع سره ".

1428

1428 - " خذ هذا ولا تضربه، فإني قد رأيته يصلي مقبلنا من خيبر وإني قد نهيت عن ضرب أهل الصلاة ". أخرجه أحمد (5 / 250 و 258) من طريق حماد بن سلمة أخبرنا أبو غالب عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل من خيبر ومعه غلامان، فقال علي رضي الله عنه يا رسول الله أخدمنا، فقال: خذ أيهما شئت، فقال: خر لي: قال : خذ هذا ولا تضربه، فإني قد رأيته يصلي.... وأعطى أبا ذر الغلام الآخر، فقال استوصي به خيرا، ثم قال: يا أبا ذر ما فعل الغلام الذي أعطيتك؟ قال: أمرتني أن أستوصى به خيرا فأعتقته ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي غالب وهو حسن الحديث. والحديث عزاه السيوطي في " الزيادة على الجامع " (ق 24 / 2) للبيهقي في " شعب الإيمان " عن أبي أمامة نحوه: ورمز له كعادته بـ (هب) ، وتصحفت على ناسخ " الجامع الكبير " فوقع فيه (1 / 88 / 2) (حب) يعني ابن حبان. 1429 - " أبلغا صاحبكما أن ربي قد قتل ربه كسرى في هذه الليلة ". أخرجه ابن سعد (1 / 258 - 260) عن شيخه محمد بن عمر الأسلمي بأسانيد له عن جمع من الصحابة، قال: دخل حديث بعضهم في حديث بعض قالوا: " وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي وهو أحد الستة إلى كسرى يدعوه إلى الإسلام وكتب معه كتابا: قال عبد الله فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرئ عليه، ثم أخذه فمزقه، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم مزق ملكه. وكتب كسرى إلى باذان عامله في اليمن أن ابعث من عندك رجلين جلدين

إلى هذا الرجل الذي بالحجاز فليأتياني بخبره، فبعث باذان قهرمان ورجلا آخر وكتب معهما كتابا، فقدما المدينة، فدفعا كتاب باذان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهما إلى الإسلام وفرائصهما ترعد، وقال: ارجعا عني يومكما هذا حتى تأتياني الغد فأخبركما بما أريد، فجاءاه من الغد فقال لهما.... فذكره. ومحمد بن عمر الأسلمي وهو الواقدي متروك. لكن حديث الترجمة ثابت لوروده من طرق، فأخبره ابن جرير الطبري في " التاريخ " (2، 654) عن يزيد بن أبي حبيب مرسلا. وذكر الحافظ ابن كثير في " البداية " (4 / 270) أن البيهقي روى (ولعله يعني في " الدلائل ") من حديث حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن عن أبي بكرة . " أن رجلا من أهل فارس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن ربي قد قتل الليلة ربك ". قال البيهقي: وروى في حديث دحية بن خليفة أنه لما رجع من عند قيصر وجد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رسل كسرى، وذلك أن كسرى بعث يتوعد صاحب صنعاء ويقول له ألا تكفيني أمر رجل قد ظهر بأرضك يدعوني إلى دينه، لتكفنيه أو لأفعلن بك. فبعث إليه قال لرسله: أخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة. فوجدوه كما قال. قال: وروى داود بن أبي هند عن عامر الشعبي نحو هذا. وهذا كله ذكره الحافظ ابن كثير، وقد فاته مع حفظه أن حديث أبي بكرة أخرجه الإمام أحمد (5 / 43) حدثنا أسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة به. وإسناده على شرط مسلم ولا علة فيه سوى ما يخشى من عنعنة الحسن البصري من التدليس ولكنه قد صرح بالتحديث في رواية أخرى عند أحمد (5 / 51) فصح الحديث والحمد لله تعالى. ولعله لما ذكرنا للحديث من الشواهد والطرق سكت عليه الحافظ في " فتح الباري " (8 / 96) .

1430

وحديث دحية الذي مر معلقا في كلام البيهقي قد أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 88 / 2) من رواية أبي نعيم عنه مرفوعا بلفظ: " اذهبوا إلى صاحبكم فأخبروه أن ربي قد قتل ربه الليلة. يعني كسرى ". وقصة تمزيق الكتاب عند البخاري وغيره وقد خرجته في " التعليق على فقه السيرة " (ص 389) . 1430 - " اذهبوا بهذا الماء، فإذا قدمتم بلدكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها من هذا الماء واتخذوا مكانها مسجدا ". أخرجه ابن حبان (304) وكذا النسائي (1 / 114) وأحمد (4 / 23) وابن سعد (5 / 552) وأبو نعيم في " دلائل النبوة " (ص 22 - 23) من طريق عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه قال: " خرجنا ستة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسة من بني حنيفة ورجل من بني ضبيعة بن ربيعة حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا واستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ منه ومضمض، ثم صب لنا في إداوة ثم قال: (فذكره) . فقلنا: يا رسول الله! البلد بعيد والماء ينشف، قال: فأمدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا، فخرجنا، فتشاحنا على حمل الإداوة أينا يحملها، فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم نوبا بيننا، لكل رجل منا يوما وليلة، فخرجنا بها حتى قدمنا بلدنا، فعملنا الذي أمرنا، وراهب القوم رجل من طيء، فنادينا بالصلاة فقال الراهب: دعوة حق، ثم هرب فلم ير بعد ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. 1431 - " أربع ركعات قبل الظهر يعدلن بصلاة السحر ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 15 / 2) حدثنا جرير عن أبي سنان عن أبي صالح مرفوعا مرسلا.

1432

قلت: وهذا إسناد مرسل حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي سنان وهو سعيد ابن سنان البرجمي الشيباني الأصغر، قال الحافظ: " صدوق له أوهام ". وقد أخرج له مسلم. وللحديث شاهد أخرجه أبو محمد العدل في " الفوائد " (ق 277 / 1 ) عن علي بن عاصم حدثنا يحيى البكاء أخبرني ابن عمر مرفوعا به وزاد: " بعد الزوال ". وهذا إسناد ضعيف، يحيى البكاء وهو ابن مسلم ضعيف كما في " التقريب ". وعلي بن عاصم صدوق يخطىء. وبعد، فالحديث عندي حسن بمجموع الطريقين، والله أعلم. ثم رأيت الحديث في " قيام الليل " لابن نصر، أخرجه ( ص 78) من الوجه المذكور إلا أنه زاد فقال: عن عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكذلك رواه الترمذي والخطيب في " التاريخ " (1 / 253) وابن الجوزي في " منهاج القاصدين " (1 / 40 / 1) وزادوا " وليس شيء إلا وهو يسبح الله تعالى تلك الساعة ". وقال الترمذي: " غريب لا نعرفه إلا من حديث علي بن عاصم ". 1432 - " من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه بعده ". أخرجه أبو يعلى (3 / 1361 - مصورة المكتب) وابن حبان (2031) عن هدبة بن خالد حدثنا حزم بن أبي حزم عن ثابت البناني عن أبي بردة قال: " قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لم أتيتك؟ قال: قلت: لا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فذكره) وإنه كان بين أبي: عمر، وبين أبيك إخاء وود، فأحببت أن أصل ذلك ".

1433

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وقد تكلم في حزم وهدبة بغير حجة. وقد أخرجه مسلم وكذا البخاري في " الأدب المفرد " (41) من طريق عبد الله ابن عمر مرفوعا نحوه، وقد سقت لفظ الأول منهما في الكتاب الآخر (2089) . 1433 - " أربى الربا شتم الأعراض ". رواه الهيثم بن كليب في " المسند " (30 / 2) عن أبي حسين عن نوفل بن مساحق عن سعيد بن زيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وابن أبي حسين هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، وهو ثقة من رجال الشيخين. وللحديث شاهد مرسل رواه عبد الرزاق والبيهقي في " الشعب " عن عمرو ابن عثمان مرسلا بزيادة: " أشد الشتم الهجاء، والراوية أحد الشاتمين ": كذا في " الجامع الصغير " وذكر المناوي أنه مع إرساله فهو منقطع أيضا وله شاهد من حديث البراء بن عازب وسعيد بن زيد مرفوعا بلفظ: " وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه " وزاد سعيد " بغير حق ". انظر الترغيب (3 / 296 - 297) . 1434 - " أربعة يوم القيامة يدلون بحجة: رجل أصم لا يسمع ورجل أحمق ورجل هرم ومن مات في الفترة، فأما الأصم فيقول: يا رب جاء الإسلام وما أسمع شيئا وأما الأحمق فيقول: جاء الإسلام والصبيان يقذفونني بالبعر وأما الهرم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أعقل وأما الذى مات على الفترة فيقول: يا رب ما أتاني رسولك فيأخذ مواثيقهم

1435

ليطعنه، فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار، قال: فوالذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ". رواه الطبراني (79 / 2) بسند صحيح عن قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع مرفوعا. ومن طريقه وطريق أحمد رواه الضياء في " المختارة " (1 / 463 ) وهو في المسند (4 / 24) وصحيح ابن حبان (1827) ومن هذا الوجه لكن سقط من ابن حبان اسم قتادة. وهو في المسند عن أبي هريرة أيضا وكذلك رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (355 - منسوخة المكتب) من طريقين عن أبي رافع عن أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال في آخره: " فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها ". وإسناده صحيح، وكذا الذي قبله. ووجدت له شاهدا آخر من طريق عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه. أخرجه البغوي في " حديث ابن الجعد " (ق 94 / 1) . وأخرجه الديلمي (1 / 1 / 171) من طريق قتادة عن الحسن عن الأسود ابن مربع به. وحديث أبي سعيد فيه ذكر المولود بدل الأصم وله شاهد من حديث أنس ومعاذ وسيأتي تخريجها تحت الحديث (2468) . 1435 - " عثمان في الجنة ". رواه ابن عساكر (11 / 101 / 1) عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله مرفوعا. قلت: والتيمي هذا كذاب. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة أشهرها من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:

1436

" عشرة في الجنة: النبي في الجنة وأبو بكر ... وعمر ... وعثمان ... الحديث وهو مخرج في " الروض النضير ". 1436 - " معاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه ". رواه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 228) وعنه ابن عساكر (16 / 308 / 1) عن سلام بن سليمان حدثنا زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. قلت: وهذا موضوع، آفته سلام هذا وهو الطويل وهو كذاب، كما تقدم مرارا. وزيد العمي ضعيف. ثم روى ابن عساكر من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة أخبرنا الحسن ابن سهيل أخبرنا أبو أسامة عن عبد الرحمن بن زيد بن جابر عن الزهري مرفوعا بلفظ: " أعلمها بحلالها وحرامها معاذ بن جبل ". وهذا مع إرساله فيه الحسن بن سهل ولم أعرفه. لكن للحديث شاهد قوي من حديث أنس بن مالك مضى تخريجه (1224) وهو من رواية أبي قلابة عنه وقد أخرجه أبو نعيم من هذا الوجه بلفظ: " أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل ". ثم رواه من طريق سويد بن سعيد: حدثنا عمر بن عبيد عن عمران عن الحسن وأبان عن أنس مرفوعا به. وهذا إسناد واه. ثم رأيت الحديث عند العقيلي في " الضعفاء " (ص 170 - 171) من الوجه المذكور أعلاه بأتم منه بلفظ: " أرحم هذه الأمة بها أبو بكر وأقواهم في دين الله عمر وأفرضهم

1437

يزيد بن ثابت وأقضاهم علي بن أبي طالب وأصدقهم حياء عثمان وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وأقرؤهم لكتاب الله عز وجل أبي بن كعب وأبو بكر وعاء من العلم وسلمان عالم لا يدرك ومعاذ بن جبل أعلم الناس بحلال الله وحرامه وما أظلت الخضراء ولا أقلت البطحاء أو قال الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر ". أورده في ترجمة سلام المذكور وقال: " لا يتابع عليه. والغالب على حديثه الوهم، والكلام كله معروف بغير هذه الأسانيد، بأسانيد ثابتة جياد ". قلت: وكأنه يشير إلى حديث أنس الذي مرت الإشارة إليه وغيره، لكني لم أجد لقوله فيه " وأبو هريرة وعاء من العلم وسلمان عالم لا يدرك " وما يشهد له، والله أعلم. نعم قد توبع سلام على قضية أبي هريرة كما تقدم في الكتاب الآخر ( 1744) . 1437 - " ارموا الجمرة بمثل حصى الخذف ". ورد من حديث جمع من الصحابة منهم سنان بن سنة وعبد الرحمن بن معاذ التيمي وأم سليمان بن عمرو بن الأحوص وعثمان بن عبيد الله التيمي وجابر. 1 - أما حديث سنان فيرويه يحيى بن هند أنه سمع حرملة بن عمرو وهو أبو عبد الرحمن قال: " حججت حجة الوداع مررت في عمي سنان بن سنة، قال: فلما وقفنا بعرفات رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا إحدى إصبعيه على الأخرى، فقلت لعمي: ماذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: يقول " وذكره. أخرجه أحمد (4 / 343) وابن سعد (4 / 317) والمحاملي في الأمالي " (5 / 120 / 1) . قلت: ورجاله ثقات غير يحيى بن هند أورده ابن أبي حاتم (4 / 2 / 194 و 195) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وقال:

" روى عن سنان بن سنة، ولسنان صحبة، وروى عنه عبد الرحمن بن حرملة ". قلت: وأنت ترى أن بينه وبين سنان حرملة بن عمرو والله أعلم. 2 - وأما حديث عبد الرحمن بن معاذ التيمي فيرويه حميد بن قيس عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نرمي في الجمار بمثل حصى الخذف ". أخرجه الدارمي (2 / 62 ) وأحمد (4 / 61 و 5 / 374) والبيهقي (5 / 127) . قلت: وهذا إسناد صحيح. وفي رواية لأحمد من طريق معمر عن حميد الأعرج به إلا أنه قال: عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح. 3 - وأما حديث أم سليمان فيرويه بريد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: فذكره نحوه. أخرجه أبو داود (1 / 455 - الحلبية) وأحمد (3 / 503 و 6 / 379) والبيهقي. وإسناده حسن في الشواهد. 4 - وأما حديث عثمان بن عبيد الله فيرويه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي عن أبيه مرفوعا به. أخرجه الدارمي والبيهقي وإسناده صحيح. وأما حديث جابر فيرويه سفيان عن أبي الزبير عنه. أخرجه أبو داود (1 / 450) والدارمي والبيهقي. قلت: وإسناده على شرط مسلم، وقد أخرجه (4 / 80) بهذا الإسناد

1438

من فعله صلى الله عليه وسلم وصرح فيه أبو الزبير بالسماع، فلعل أصل الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رمى بذلك وأمر به، فروى بعضهم هذا، وبعضهم هذا. 1438 - " تربة الجنة درمكة بيضاء ". أخرجه أحمد (3 / 361) عن مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لليهود: " إني سائلهم عن تربة الجنة وهي درمكة بيضاء، فسألهم؟ فقالوا: هي خبزة يا أبا القاسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبزة من الدرمك ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير مجالد وهو ابن سعيد وليس بالقوي وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 399) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير مجالد، ووثقه غير واحد ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (رقم 2956) من رواية أبي الشيخ في " العظمة " عن جابر بلفظ: " أرض الجنة خبزة بيضاء ". ويشهد له حديث أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده كما يتكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة، فأتى رجل من اليهود فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم! ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة؟ قال: بلى، قال : تكون الأرض خبزة واحدة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قال: ألا أخبرك بإدامهم؟ قال: إدامهم بالام ونون، قالوا ما هذا؟ قال: ثور ونون، يأكل من زائدة كبدها سبعون ألفا ". أخرجه البخاري (11 / 313 - 315 - فتح) ومسلم (8 / 128 ) . 1439 - " ارموا (بني إسماعيل) فإن أباكم كان راميا ". رواه أحمد بن محمد الزعفراني في " فوائد أبي شعيب " (82 / 1) عن

1440

إسماعيل بن عياش عن ابن حرملة يعني عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم على قوم يرمون فقال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن عياش قد ضعف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها، فإن عبد الرحمن بن حرملة مدني وهو صدوق ربما أخطأ. لكن الحديث صحيح، فإن له طريقا أخرى يرويه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم يرمون فقال: (فذكره) ارموا وأنا مع ابن الأدرع، فأمسك القوم قسيهم، قالوا: من كنت معه غلب، قال: ارموا وأنا معكم كلكم ". أخرجه ابن حبان (1646) والحاكم (2 / 94) وقال: " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! وله شاهد من حديث زياد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم بنفر يرمون، فقال: رميا بني إسماعيل ... ". أخرجه ابن ماجه (2 / 189) وأحمد (1 / 364) والحاكم وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي وهو كما قال: وله شاهد آخر عند البخاري في " الجهاد وأحمد في " المسند " (4 / 50) من طريق يزيد بن أبي عبيد قال: حدثني سلمة بن الأكوع قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم من أسلم ... " الحديث. وأخرجه الحاكم من طريق أخرى عن سلمة به وزاد. " فقال: لقد رموا عامة يومهم ذلك ثم تفرقوا على السواء ما نضل بعضهم بعضا. 1440 - " أريت ما تلقى أمتي من بعدي وسفك بعضهم

دماء بعض وكان ذلك سابقا من الله كما سبق في الأمم قبلهم فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل ". رواه ابن أبي عاصم في " السنة " (71 / 2) وابن بشران في " الأمالي " (26 / 2) والطبراني في " الأوسط وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (5 / 116 / 2) والحاكم في " المستدرك " (1 / 68) كلهم عن أبي اليمان الحكم بن نافع البهراني حدثنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري حدثنا أنس بن مالك عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه والعلة عندهما فيه أن أبا اليمان حدث به مرتين فقال مرة: عن شعيب عن الزهري عن أنس. وقال مرة: عن ابن أبي الحسن عن أنس، وقد قدمنا القول في مثل من حديثه إنه لا ينكر أن يكون الحديث عند إمام من الأئمة عن شيخين، فمرة يحدث عن هذا، ومرة عن ذاك ". قلت: هذا الجواب غير سديد هنا لما يأتي. قال أبو زرعة النصري الدمشقي في " الثاني من حديثه " (49 / 1) : " سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن حديث أبي اليمان هذا فقال: ليس له عن الزهري أصل، وأخبرني أنه من حديث شعيب إذ كان به ملصق بكتاب الزهري، قال: وبلغني أن أبا اليمان قد اتهم وليس له أصل كأنه يذهب إلى أنه اختلط بكتاب الزهري إذ كان به ملصقا، ورأيته كأنه يعذر أبا اليمان، ولا يحمل، قال أبو زرعة: وقد سألت عنه أحمد بن صالح مقدمه دمشق سنة تسع وعشرة ومائتين فقال لي: مثل قول أحمد أنه لا أصل له عن الزهري، ورواه ابن عساكر (5 / 116 / 2) عن أبي زرعة. ثم روى ابن عساكر من طريق عبد الله وهذا في " المسند " (9 / 427 و 428) حدثني أبي أنبأنا أبو اليمان أنبأنا شعيب بن أبي حمزة فذكر هذا الحديث يتلو أحاديث ابن أبي حسين وقال: أخبرنا أنس بن مالك عن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم

فذكر الحديث، قال عبد الله: هنا قوم يحدثون به عن أبي اليمان عن شعيب عن الزهري؟ قال: ليس هذا من حديث الزهري إنما هو من حديث ابن أبي الحسين. ثم روى عن سعيد بن عمرو البردعي قال قلت لمحمد بن يحيى في حديث أنس عن أم حبيبة حديث شعيب بن أبي حمزة حدثكم به أبو اليمان وقال عن ابن أبي حسين؟ فقال لي محمد بن يحيى نعم: حدثنا به من أصله عن ابن أبي حسين فقلت: حدثنا به غير واحد عن أبي اليمان وقالوا: عن الزهري؟ فقال: لقنوه عن الزهري! قلت: يحيى بن معين رحل إليه قبلك أو بعدك؟ - وذاك أن يحيى روى هذا عن أبي اليمان فقال عن الزهري - فقال لي محمد بن يحيى: رحل إليه بعدي، قلت: فيقال إنه لم يسمع من شعيب بن أبي حمزة غير حديث واحد والبقية عرض؟ قال: لا أعلمه . ثم روى عن جعفر بن محمد بن أبان الحراني قال: سألت يحيى بن معين عن حديث أبي اليمان حديث الزهري عن أنس عن أم حبيبة؟ فقال يحيى: أنا سألت أبا اليمان فقال : الحديث حديث الزهري، فمن كتبه عني من حديث الزهري فقد أصاب ومن كتبه عني من حديث ابن أبي حسين فهو خطأ، إنما كتبته في آخر حديث ابن أبي حسين فغلطت فحدثت به من حديث ابن أبي حسين وهو صحيح من حديث الزهري هكذا قال يحيى. ثم روى من طريق إبراهيم بن هاني النيسابوري قال: " قال لنا أبو اليمان الحديث حديث الزهري والذي حدثتكم عن ابن أبي حسين غلطت فيه بورقة قلبتها ". قلت: ورواه الحاكم أيضا من هذه الطريق وقال عقبه: " هذا كالأخذ باليد فإن إبراهيم بن هاني ثقة مأمون ". قلت: وقد تابعه الإمام يحيى بن معين كما تقدم، فثبت لدينا يقينا أن الحديث من رواية أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن أنس، فمن ذهب من الأئمة إلى أنه لا أصل له كما سبق، فإنما مستنده ما كان حدث به أبو اليمان أول الأمر، أما وقد صح فراجعه عنه وجزمه بأن الحديث حديث الزهري، فلم يبق لمذهبهم

1441

وجه يعتد به في العلم وبذلك يظهر أن الحديث صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي. وأما لو كان الحديث من رواية شعيب عن ابن أبي حسين عن أنس فيكون معلولا بالانقطاع لأن ابن أبي حسين واسمه عبد الله بن عبد الرحمن لم يذكروا له رواية عن أحد عن الصحابة غير أبي الطفيل عامر بن واثلة. والله أعلم. وللحديث طريق أخرى ولكنه واه يرويه موسى بن عبيدة عن محمد ابن عبد الرحمن بن أبي عياش الزرقي عن أنس بن مالك عن أم سلمة مرفوعا. أخرجه ابن عدي (423 / 2) وابن أبي عاصم أيضا، لكن وقع عنده " سعيد بن عبد الرحمن " مكان " محمد بن عبد الرحمن بن أبي عياش الزرقي ": وموسى بن عبيدة ضعيف لا يحتج به. 1441 - " ارفع إزارك واتق الله ". أخرجه أحمد (4 / 390) حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبيه، أو عن يعقوب بن عاصم أنه سمع الشريد يقول: " أبعد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يجر إزاره، فأسرع إليه، أو هرول فقال (فذكره) . قال: إني أحنف تصطك ركبتاي، فقال: ارفع إزارك فإن كل خلق الله عز وجل حسن . فما رؤي ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه أو إلى أنصاف ساقيه ". قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، وهو على شرط الشيخين إن كان عن عمرو، وعلى شرط مسلم إن كان عن يعقوب والأرجح الأول فقد تابعه عليه زكريا بن إسحاق حدثنا إبراهيم بن ميسرة أنه سمع عمرو بن الشريد به دون قوله: " واتق الله ". أخرجه أحمد أيضا والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 287) والجزلي في " غريب الحديث " (5 / 57 / 2) .

1442

1442 - " أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة أشدهم عذابا للناس في الدنيا ". أخرجه أحمد (4 / 90) والحميدي (562) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 190 / 2) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (36 / 1) عن سفيان بن عيينة قال: حدثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني أبو نجيح عن خالد بن حكيم بن حزام قال: " تناول أبو عبيدة بن الجراح رجلا من أهل الأرض بشيء، فكلمه خالد ابن الوليد فقيل له: أغضبت الأمير، فقال خالد إني لم أرد أن أغضبه ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير خالد بن حكيم وهو ثقة كما رواه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 324) عن ابن معين. (تنبيه) : وقع في " مسند أحمد " ابن أبي نجيح. والصواب أبو نجيح. 1443 - " استعيذوا بالله من شر جار المقام، فإن جار المسافر إذا شاء أن يزايل زايل ". أخرجه الحاكم (1 / 532) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم " وأقره الذهبي، وهو كما قالا إلا أن عبد الرحمن هذا وهو القرشي مولاهم فيه كلام يسير من قبل حفظه فهو حسن الحديث. وقد أخرجه أحمد (2 / 346) من هذا الوجه بلفظ. " تعوذوا بالله من شر جار المقام، فإن جار المسافر إذا شاء أن يزال زال ".

1444

وتابعه محمد بن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به إلا أنه قال: " من جار السوء في دار المقام، فإن جار البادية يتحول عنك ". أخرجه النسائي (2 / 319) والحاكم أيضا لكن جعله من فعله صلى الله عليه وسلم بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من جار السوء ... " الحديث وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي: قلت: وإنما هو حسن فقط. وهكذا أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (117) وابن حبان (2056) . وله شاهد من حديث عقبة بن عامر قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم إني أعوذ بك من يوم السوء ومن ليلة السوء ومن ساعة السوء ومن صاحب السوء ومن جار السوء في دار المقام ". قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 144) . " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير بشر بن ثابت البزار وهو ثقة ". 1444 - " استعيذوا بالله من عذاب القبر، قالت: قلت: يا رسول الله! وإنهم ليعذبون فى قبورهم؟ قال: نعم عذابا تسمعه البهائم ". أخرجه ابن حبان (787) وأحمد (6 / 362) من طريق أبي معاوية قال: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم قد ماتوا في الجاهلية، فسمعهم وهو يعذبون، فخرج وهو يقول ... " فذكره.

1445

قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث عائشة نحوه. أخرجه البخاري (11 / 147 - فتح) ومسلم (2 / 92) وأحمد (6 / 44 - 45 و 205 - 206) وزاد في بعض الطرق: " نعم، عذاب القبر حق ". وقد خرجته فيما تقدم ( 377) . وله شاهد آخر من حديث أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص مرفوعا بلفظ : " استجيروا من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق ". أخرجه الطبراني في " الكبير " وأصله عند البخاري (3 / 192 و 11 - 149 - فتح) من طريق موسى بن عقبة قال: سمعت أم خالد بنت خالد - قال ولم أسمع أحدا سمع من النبي صلى الله عليه وسلم غيرها - قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عذاب القبر. والطبراني إنما رواه عن وجه آخر عن موسى به كما ذكرنا، وسكت عليه الحافظ في " الفتح " فأشعر بثبوته عنده، كيف لا وما قبله يشهد له. 1445 - " تعوذوا بالله من الفقر والقلة والذلة وأن تظلم أو تظلم ". أخرجه النسائي (2 / 315) وابن ماجة (2 / 433) وابن حبان (2442) والحاكم (1 / 531) وأحمد (2 / 540) من طرق عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن جعفر بن عياض عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي وهو منه غريب فقد قال في ترجمة جعفر بن عياض من " الميزان ": " تفرد عنه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، لا يعرف ". وقال الحافظ في " التقريب ":

1446

" مقبول ": يعني عند المتابعة، وقد وجدت له شاهدا من حديث عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استعيذوا بالله من الفقر والعيلة ومن أن تظلموا أو تظلموا ". قال الهيثمي (10 / 143) : " رواه الطبراني، ويحيى بن إسحاق بن يحيى بن عبادة لم يسمع من عبادة وبقية رجاله رجال الصحيح " . والحديث رواه حماد بن سلمة قال: أنبأنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من القلة والفقر والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم ". أخرجه النسائي وابن حبان (2443) . قلت: وإسناده صحيح. 1446 - " علقو السوط حيث يراه أهل البيت ". أخرجه أبو نعيم (7 / 332) حدثنا حبيب بن الحسن حدثنا عبد الله بن إبراهيم الأكفاني حدثنا إسحاق بن بهلول حدثنا سويد بن عمرو الكلبي حدثنا الحسن بن صالح عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، حبيب بن الحسن، ضعفه البرقاني ووثقه ابن أبي الغواس والخطيب وأبو نعيم كما في الميزان، عبد الله بن إبراهيم الأكفاني ترجمه الخطيب (9 / 405) وقال: " كان ثقة ". إسحاق بن بهلول، قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 215) : " سئل أبي عنه فقال: " صدوق "، وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون من رجال " التهذيب ". وللحديث شاهد عن ابن عباس، أخرجه البخاري في " الأدب المفرد "

1447

(ص 179) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 92 / 2) وابن عدي (27 / 2) من ثلاثة طرق ضعيفة عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده مرفوعا. فهذا إسناده حسن، وقد توبع داود من أخويه عيسى وعبد الصمد بلفظ: " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب ". (انظر الاستدراك رقم 432 / 1) . 1447 - " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب ". أخرجه الطبراني في الكبير (3 / 92 / 2) من طريق سلام بن سليمان أخبرنا عيسى وعبد الصمد أنبأنا علي بن عبد الله بن عباس عن أبيهما عن ابن عباس مرفوعا . وسلام هذا هو أبو العباس المدائني الدمشقي قال أبو حاتم: ليس بالقوي. لكن تابعه المهدي والد هارون الرشيد عن عبد الصمد وحده. أخرجه الخطيب (12 / 203 ) وابن عساكر في " التاريخ " أيضا (13 / 307 / 2) فالحديث حسن إن شاء الله. وقال الحافظ الهيثمي (8 / 106) : " رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزار وإسناد الطبراني فيهما حسن ". قلت: وهو عند البزار في " مسنده " (ص 249 - زوائده) من طريق مندل عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي بإسناده المتقدم عن ابن عباس بلفظ: " ضعوا السوط حيث يراه الخادم ". وابن أبي ليلى سيىء الحفظ ومندل وهو ابن علي العنزي ضعيف. (انظر الاستدراك رقم 432 / 19) . 1448 - " ما عمل ابن آدم شيئا أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 63) عن محمد بن حجاج قال: حدثنا يونس ابن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

1449

قلت: ورجاله ثقات غير محمد بن حجاج وهو الدمشقي روى عنه جمع من الثقات سماهم ابن أبي حاتم (3 / 235) عن أبيه ثم قال: " وسألته عنه؟ فقال: شيخ ". فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى وكأنه لذلك رمز السيوطي لحسنه كما في " الفيض ". وقد أشار البخاري إلى أن له شاهدا من حديث أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ساق إسناده إلى الأعمش عن عمرو عن سالم عن أم الدرداء عنه. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وسالم هو ابن أبي الجعد، وعمرو هو ابن دينار. 1449 - " كنا إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم علينا قلنا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 330) قال: قال محمد: حدثنا إبراهيم بن مختار عن شعبة عن هارون بن سعد عن ثمامة بن عقبة عن زيد بن أرقم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات كلهم من رجال " التهذيب " إبراهيم بن المختار وهو الرازي، روى عن جماعة من الثقات ذكرهم ابن أبي حاتم (1 / 1 / 138) ثم قال: " سألت أبي عنه: فقال: صالح الحديث وهو أحب إلي من سلمة بن الفضل، وعلي بن مجاهد ". ومحمد الراوي عنه هو ابن سعيد بن الأصبهاني، وهو من شيوخ البخاري في " الصحيح " فالإسناد متصل غير معلق، والكلام فيه كالكلام في حديث

1450

هشام بن عمار في الملاهي الذي رواه البخاري عنه بصيغة (قال) . كما هو مذكور في محله. 1450 - " استغنوا عن الناس ولو بشوص السواك ". رواه البزار (96) والطبراني (3 / 154 / 1) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (6 / 66 / 2) وأبو محمد الضراب في " ذم الرياء " (1 / 292 / 2) عن عبد العزيز بن مسلم عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه. ورواه الضياء في " المختارة " (227 / 1) عن المخلص، وعن الطبراني من طريقين آخرين عن عبد العزيز بن مسلم ثم قال: " قال حمدان بن علي: سألت أحمد عن حديث عبد العزيز القسملي: استغنوا عن الناس؟ قال: منكر، ما رأيت حديث أنكر منه ". (انظر الاستدراك رقم 343 / 4) . قلت: ولعله يعني مجرد التفرد الذي لا يستلزم الضعف كما قال في حديث الاستخارة الذي رواه البخاري أنه منكر، وإلا فإسناد حديث الترجمة صحيح على شرط الشيخين ، وقد قال الحافظ العراقي: " إسناده صحيح ". وقال الهيثمي والسخاوي: " رجاله ثقات " قال المناوي عقبه: " وحينئذ فرمز المصنف لضعفه غير صواب ". قلت: ومن الغرائب أن في نسخة " الجامع الصغير " التي طبع عليها شرح المناوي الرمز بالصحة! والحديث قال المنذري (2 / 9) : " رواه البزار والطبراني بإسناد جيد والبيهقي ". 1451 - " استمتعوا من هذا البيت فإنه قد هدم مرتين ويرفع في الثالثة ". رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 252 / 2) وعن الديلمي

1452

(1 / 1 / 49) وابن حبان (966) والحاكم (1 / 441) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 203) من طريق ابن خزيمة أيضا عن سفيان بن حبيب: حدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن ابن عمر مرفوعا وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو من أوهامهما، فإن ابن حبيب هذا لم يخرج الشيخان في " صحيحيهما " وإنما روى له البخاري في " الأدب المفرد " وهو ثقة، فالإسناد صحيح فقط. 1452 - " يا أيها الناس! توبوا إلى الله واستغفروه، فإني أتوب إلى الله وأستغفره في كل يوم مائة مرة ". أخرجه أحمد (4 / 260 - 261 و 5 / 411) عن حميد بن هلال عن أبي بردة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (وفي رواية: قال: جلست إلى شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الكوفة، فحدثني، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وفي أخرى عن رجل من المهاجرين سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وهذه أخرجها الطبراني أيضا في " المعجم الكبير " (1 / 45 / 2) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر. ويبدو أنه الأغر المزني، فقد أخرجه أحمد أيضا (4 / 260) قبيل هذا من طريق ثابت البناني وعمرو بن مرة كلاهما عن أبي بردة عنه به دون الأمر بالاستغفار. وهكذا أخرجه مسلم (8 / 72 - 73) وأحمد أيضا (4 / 211) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " كم في " تحفة الأشراف " للحافظ المزي (1 / 78 - 79) وأبو داود (1 / 348 - الحلبي) . من طريق البناني فقط، وأفاد المزي أن النسائي أخرجه من الطريق الأولى أيضا، طريق حميد بن هلال. وبعد كتابة ما تقدم، رأيت ابن أبي حاتم ذكر الحديث في " العلل " (2 / 137) من الطريق الأولى ثم قال: " قال أبي : يقال: إن هذا الرجل هو الأغر المزني، وله صحبة ".

1453

ثم وجدت ما يؤيد ذلك، فقد أخرج الطحاوي في " شرح المعاني " ((2 / 362) من طريق زياد بن المنذر قال : حدثنا أبو بردة بن أبي موسى قال: حدثنا الأغر المزني قال: " خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعا يديه وهو يقول: يا أيها الناس استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، فوالله (إني) لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة " . لكن زياد بن المنذر وهو أبو الجارود الأعمى كذبه ابن معين. 1453 - " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود ". روي من حديث معاذ بن جبل وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وأبي بردة مرسلا. 1 - أما حديث معاذ فيروى عن ثور بن يزيد الشامي عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعا به. ويرويه عن ثور جمع من الضعفاء: الأول: سعيد بن سلام العطار الأعور حدثنا ثور به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 151) والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 246 - هندية) و " الكبير " أيضا و " الأوسط " والروياني في " مسنده " (ق 250 / 1) والخلعي في " الفوائد " (2 / 58 / 2) وابن عدي في " الكامل " (182 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 215 و 6 / 96) والقضاعي (60 / 1) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 291 / 1) والكلاباذي في " مفتاح المعاني " (35 / 1 رقم 45) كلهم عن سعيد به. وقال العقيلي: " لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به ". وقال ابن عدي " يتبين على حديثه وروايته الضعف ".

وروى عن ابن نمير أنه قال فيه: " كذاب ". وعن البخاري أنه يذكر بوضع الحديث. وفي " الميزان ": " وقال أحمد بن حنبل: كذاب ". ثم ساق له من منكراته هذا الحديث. وقد اتفق العلماء جميعا على تضعيف العطار هذا سوى العجلي فإنه قال في كتاب " الثقات ": " لا بأس به ": فلا ينبغي الالتفات إليه خلافا لصنيع السيوطي في " التعقبات " (ص 38) وإن تبعه ابن عراق في " تنزيه الشريعة " (265 / 2) لأنه شاذ عن الجماعة، لاسيما وهو مخالف لقاعدتهم " الجرح مقدم على التعديل "، وقد قال ابن أبي حاتم (2 / 255) عن أبيه: " حديث منكر لا يعرف له أصل ". الثاني: حسين بن علوان عن ثور بن يزيد به. أخرجه ابن عدي (96 / 2) وقال: " ابن علوان عامة أحاديثه موضوعة، وهو في عداد من يضع الحديث ". الثالث: عمرو بن يحيى القرشي حدثنا شعبة عن ثور بن يزيد به. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 217) . والقرشي هذا قال أبو نعيم: " متروك الحديث ". وقال الذهبي: " أتى بحديث شبه موضوع عن شعبة عن ثور ... " فساق له حديثا آخر بلفظ " قلوب بني آدم ... " وقد مضى في الكتاب الآخر (511) . 2 - وأما حديث علي فرواه الخلعي في " الفوائد " أخبرنا أبو العباس

أحمد بن محمد الحاج قال أنبأناه أبو بكر بن محمد بن أحمد بن محمد القرقساني العطار قال : حدثنا أحمد بن عبد الله قال: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن مروان الأصغر عن النزال بن سبرة عنه به دون قوله: " فإن ... ". قلت: وهذا إسناد مظلم من دون غندر واسمه محمد بن جعفر لم أعرفهم ويحتمل أن يكون عبد الله بن عبد الرحمن هو الإمام الدارمي صاحب " السنن " المعروف بـ " المسند " فإنه من هذه الطبقة. وأحمد بن عبد الله أظنه الجويباري الكذاب المشهور. 3 - وأما حديث عبد الله بن عباس فيرويه الحسين عبد الله - صاحب السلعة - حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثني المأمون قال: حدثني الرشيد أمير المؤمنين عن المهدي أنه أسر إليه شيئا، قال: لا تطلعن عليه أحدا فإن أمير المؤمنين - يعني المنصور - حدثني عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (8 / 56 - 57) وروى عن أحمد بن كامل القاضي أنه قال في الحسين هذا: " كان ماجنا نادرا كذابا في تلك الأحاديث التي حدث بها من الأحاديث المسندة عن الخلفاء ". 4 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه سهل بن عبد الرحمن الجرجاني عن محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن عروة بن الزبير عنه مرفوعا. أخرجه ابن حبان في " روضة العقلاء " (ص 187) والسهمي في " تاريخ جرجان " (ص 182 في ترجمة الجرجاني هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو عندي سهل بن عبد الرحمن المعروف بـ " السندي بن عبدويه الرازي "، قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 201) . " يكنى بأبي الهيثم، روى عن زهير بن معاوية وشريك ومندل وجرير بن حازم، وغيرهم. روى عنه عمرو بن رافع وحجاج بن حمزة وأبو عبد الله الطهراني ومحمد بن عمار وغيرهم.

1454

سمعت أبا الوليد يقول: لم أر بالري أعلم بالحديث من رجلين: يحيى بن الضريس، ومن زائد الأصبع، يعني السندي. سئل أبي عنه؟ فقال: " شيخ ". وأخرج له أبو عوانة في " صحيحه " وذكره ابن حبان في " الثقات " كما في " اللسان ". قلت: فالحديث بهذا الإسناد جيد عندي. والله أعلم. 5 - وأما حديث أبي بردة، فأخرجه أبو عبد الرحمن السلمي في " آداب الصحبة " (ص 26) من طريق أبي الفضل المروزي حدثنا عيسى بن يونس حدثنا السيناني حدثنا الحسين بن واقد عن ابن أبي بردة عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد مرسل " رجاله ثقات، والسيناني اسمه الفضل بن موسى. وأبو الفضل المروزي يدعى صدقة بن الفضل. لكن مخرجه السلمي ضعيف متهم. 1454 - " أسلم وإن كنت كارها ". رواه أحمد (3 / 19 / 181) وأبو بكر الشافعي في " الرباعيات " (1 / 98 / 1) والضياء في " المختارة " (100 / 1 - 2) من طرق عن حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل: أسلم قال: أجدني كارها. قال: فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو عند أحمد ثلاثي. 1455 - " أسلم وغفار وأشجع ومزينة وجهينة ومن كان من بني كعب موالي دون الناس، والله ورسوله مولاهم ". أخرجه أحمد (5 / 417 - 418) حدثنا يزيد حدثنا أبو مالك الأشجعي حدثنا موسى بن طلحة عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وأخرجه الحاكم (4 / 82) من طريق يحيى بن جعفر حدثنا يزيد بن هارون به وقال :

1456

" صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي. قلت: قد أخرجه مسلم (7 / 178) : حدثني زهير بن حرب حدثنا يزيد بن هارون به إلا أنه قال: " الأنصار " مكان " أسلم " والباقي مثله سواء. وروى له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " قريش والأنصار.... ". والباقي مثله ولكنه لم يذكر ومن كان من بني كعب ". 1456 - " اسمح يسمح لك ". رواه أحمد (1 / 248) ومحمد بن سليمان الربعي في " جزء من حديثه " (212 / 2 ) عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رفعه. قلت: ورجاله ثقات لولا عنعنة الوليد، لكن أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 450 / 1) عن طريق الحكم بن موسى أبي صالح حدثنا الوليد بن مسلم أخبرنا ابن جريج أنه سمع عطاء به. ومن طريق حفص بن غياث وإسماعيل بن عياش عن ابن جريج به. وفي حديث ابن عياش تصريح ابن جريج بالسماع أيضا، وأخرجه الضياء في " المختارة " (63 / 11 / 1) من طريق الطبراني عن عمرو بن عثمان حدثنا الوليد ابن مسلم حدثنا ابن جريج عن عطاء به. فاتصل الإسناد وصح الحديث، والحمد لله . وقد أخرجه ابن عساكر أيضا (2 / 94 و 17 / 451 / 1) من طريق خارجة عن ابن جريج عن عطاء مرسلا بلفظ: " اسمحوا يسمح لكم ". وقال: " قال لنا أبو محمد ابن الأكفاني: هو خارجة بن مصعب ". قلت: وتابعه مندل بن علي العنزي عند ابن عساكر أيضا، وكلاهما ضعيف والصواب في الحديث أنه مسند عن ابن عباس كما تقدم. (انظر الاستدراك رقم 440 / 24) .

1457

1457 - " اشتكت النار إلى ربها وقالت: أكل بعضي بعضا، فجعل لها نفسين: نفسا في الشتاء ونفسا في الصيف، فأما نفسها في الشتاء فزمهرير وأما نفسها في الصيف فسموم ". أخرجه الترمذي (3 / 346) وابن ماجه (2 / 586) من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال الترمذي والسياق له: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده عند ابن ماجه صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه وكذا أحمد ( 2 / 238 - 277 - 462 - 503) من طرق عن أبي هريرة نحوه. 1458 - " إن التجار يحشرون يوم القياة فجارا إلا من اتقى وبر وصدق ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 53 / 2) عن أبي العباس أحمد بن سعيد الجمال حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا حاتم بن أبي صغيرة عن عمرو بن دينار عن البراء بن عازب قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع فقال: " يا معشر التجار! " حتى إذا اشرأبوا قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي العباس هذا، ترجمه الخطيب (4 / 170) وقال: " وكان ثقة حسن الحديث. وقال ابن المنادي : كان من الثقات ". ثم ساقه من طريق إسماعيل بن عبيدة بن رفاعة بن رافع الأنصاري ثم الزرقي عن أبيه عن جده رفاعة.

1459

أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فوجد الناس يتبايعون فقال: فذكره. وهذا قد أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه، لكن في إسماعيل هذا جهالة كما بينته في " أحاديث البيوع "، ثم في " التعليق الرغيب " (3 / 29) ، فلما وقفت على طريق البراء هذه بادرت إلى تخريجها تقوية الحديث. والحمد لله على توفيقه، ولذا أوردته في " صحيح الترغيب والترهيب " (16 / 12) بعد أن كنت بيضت له في " المشكاة " (2799) ، فلينقل هذا التصحيح إلى هناك. 1459 - " أشيروا على النساء في أنفسهن، فقال: إن البكر تستحي يا رسول الله؟ قال: الثيب تعرب عن نفسها بلسانها، البكر رضاها صماتها ". أخرجه (4 / 192) عن الليث بن سعد قال: حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المكي عن علي بن عدي الكندي عن أبيه مرفوعا. وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الستة غير عدي بن عدي وهو ثقة فقيه كما في التقريب. وله شاهد من حديث ابن عمر وفيه بيان سبب ورود الحديث ولفظه: قال ابن عمر لعمر بن الخطاب : اخطب على ابنة صالح، فقال: إن له يتامى ولم يكن ليؤثرنا عليهم، فانطلق عبد الله إلى عمه زيد بن الخطاب ليخطب، فانطلق زيد إلى صالح فقال: إن عبد الله بن عمر أرسلني إليك يخطب ابنتك، فقال: لي يتامى ولم أكن لأترب لحمي وأرفع لحمكم، أشهدكم أني قد أنكحتها فلانا، وكان هوى أمها إلى عبد الله بن عمر فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله، خطب عبد الله بن عمر ابنتي فأنكحها أبوها يتيما في حجره ولم يؤامرها، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صالح فقال: أنكحت ابنتك ولم تؤامرها؟ فقال: نعم، فقال : (أشيروا على النساء أنفسهن) .

وهو بكر، فقال صالح: فإنما فعلت هذا لما يصدقها ابن عمر، فإن له في مالي مثل ما أعطاها. أخرجه أحمد (2 / 57) عن يزيد بن أبي حبيب عن إبراهيم بن صالح - واسمه الذي الذى يعرف به نعيم بن النمام وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه صالحا - أن عبد الله بن عمر أخبره به. ورجاله ثقات رجال الستة غير إبراهيم بن صالح راوي الحديث عن ابن عمر، قال الحسيني: روى عنه يزيد بن أبي حبيب فيه نظر. قال الحافظ في " التسجيل " قلت: أخرج الحديث مع أحمد الحارث في مسنده والطحاوي وابن السكن في الصحابة وابن المقري في فوائده كلهم من طريق الليث عن إبراهيم المذكور وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من الثقات فقال إبراهيم بن صالح بن عبد الله شيخ يروي المراسيل روى عنه ابن أبي حبيب " قلت: وقال الهيثمي (4 / 279) : رواه أحمد وهو مرسل ورجاله ثقات ". ثم قال الحافظ: وقد ذكرت في كتابي في الصحابة أن الزبير بن بكار قال: إن إبراهيم هذا ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والمراد يكون حديثه عن ابن عمر مرسلا أنه لم يدرك القصة التي رواها يزيد بن أبي حبيب عن ابن عمر، وكان ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إبراهيم إذ ذاك طفلا ولم يذكر في سياق الحديث أن ابن عمر أخبر بذلك . وأما إدراكه ابن عمر فلا شك فيه، وقد وجدت له ذكرا فيمن شهد على ابن عمر في وقف أرضه، ومات هو قبل ابن عمر كما ذكره البخاري ومن تبعه أنه قتل في الحرة، فإن ابن عمر عاش بعد وقعة الحرة نحو عشرة سنين ". قلت: وقد وقعت لابن عمر قصة أخرى خلاف هذه ولا بأس من ذكرها لما فيها من الفائدة، قال ابن عمر: " توفي عثمان ابن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص قال: وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون - قال عبد الله: وهما خالاي - قال: فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة يعني إلى أمها فأرغبها في

1460

المال فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبيا حتى ارتفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلي فزوجتها ابن عمتها عبد الله بن عمر فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى أمها! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها، قال: فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة بن شعبة ". أخرجه أحمد (2 / 130) والدارقطني ص (385) عن ابن إسحاق حدثني عمر ابن حسين بن عبد الله مولى آل حاطب عن نافع مولى ابن عمر عنه. وهذا إسناد جيد رجاله رجال الشيخين غير ابن إسحاق وقد صرح بالتحديث، وقد توبع، فرواه الدارقطني والحاكم (2 / 167) عن ابن أبي ذئب عن عمر بن حسين به نحوه مختصرا وفيه عند الحاكم: لا تنكحوا النساء حتى تستأمروهن، فإذا سكتن فهو إذنهن ". وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وسيأتي لفظه في موضعه. 1460 - " اشتد غضب الله على قوم فعلوا هذا برسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو حينئذ يشير إلى رباعيته - اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سبيل الله ". أخرجه البخاري (5 / 37) ومسلم (5 / 179) واللفظ له من حديث أبي هريرة . ثم أخرجه البخاري من حديث ابن عباس قال: " اشتد غضب الله على من قتله النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله، اشتد غضب الله على قوم دموا وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم ". هكذا أخرجه البخاري موقوفا على ابن عباس، وكذلك أورده الحافظ بن كثير في " البداية " (4 / 29) موقوفا عليه، وهو في حكم المرفوع حتما وقد وقع مرفوعا في نسخة البخاري التي عليها شرح العيني (8 / 225) فراجعه بلفظ: عن ابن عباس: قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فلا أدري أهي زيادة من بعض النساخ أو أنها ثابتة في بعض نسخ البخاري. والله أعلم.

1461

(تنبيه) : عزا الحافظ بن كثير حديث ابن عباس هذا لمسلم من طريق عبد الرزاق: حدثنا مخلد بن مالك حدثنا يحيى بن سعيد الأموي حدثنا ابن جريج عن عمرو ابن دينار عن عكرمة عن ابن عباس. وهو في البخاري عن شيخه مخلد ابن مالك هذا بالإسناد المذكور. ونسبته إلى مسلم وهم عندي فإن مخلدا هذا ليس رجاله، وقد قال العيني في الكلام عليه: " وهو من أفراده (يعني البخاري) ووهم الحاكم حيث قال: روى عنه مسلم لأن أحدا لم يذكره في رجاله " ثم أن مما يلفت النظر قول ابن كثير: ورواه مسلم من طريق عبد الرزاق حدثنا مخلد. الخ. فإن عبد الرزاق هذا وابن همام متقدم في الطبقة على مخلد بن مالك وهو يروي عن ابن جريج مباشرة بدون واسطة مات سنة (211) بينما كانت وفاة مخلد بن مالك سنة (241) فأخشى أن يكون في نسخة البداية تحريفا من النساخ في هذا المكان كما أنها ممزقة في كثير من المواطن كما يظهر ذلك للباحث. (تنبيه ثان) : قال الحافظ بن حجر: حديث أبي هريرة وحديث ابن عباس هذا من مراسيل الصحابة فإنهما لم يشهدا الواقعة (يعني وقعة أحد التي فيها دمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهما حملاها عمن شهدها أو سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك " وللحديث شاهد بلفظ: " أشد الناس عذاب يوم القيامة رجل قتله نبي أو قتل نبيا وإمام ضلالة وممثل من الممثلين ". 1461 - " ذبوا بأموالكم عن أعراضكم، قالوا: يا رسول الله كيف نذب بأموالنا عن أعراضنا؟ قال: يعطى الشاعر ومن تخافون من لسانه ". رواه السهمي في " تاريخ جرجان " (182) والديلمي (2 / 154) عن سهل بن عبد الرحمن الجرجاني حدثنا محمد بن مطرف عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا. أورده في ترجمة سهل هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وهو عندي

1462

السندي بن عبدويه الثقة، انظر الحديث المتقدم (1453) . ورواه الخطيب في تاريخه (9 / 107) من طريق أخرى عن إسماعيل بن عبد الرحمن حدثني محمد بن مطرف الهمداني به. فلا أدري! تصحف اسم سهل بإسماعيل على بعض النساخ أم الرواية هكذا عند الخطيب؟ ولم أجد في الرواة من هذه الطبقة من يدعى إسماعيل بن عبد الرحمن فالظاهر أنه تصحف على بعض الناسخين أو أخطأ فيه بعض رواة السند إليه. والله أعلم. والجملة الأولى من الحديث رواها أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 213) وأبو الحسين البوشنجي في " المنظوم والمنثور " (178 / 1) عن الحسين بن علوان الكوفي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. لكن الحسين هذا كذاب وضاع. وهو الذي روى بهذا السند حديث: " أربع لا يشبعن من أربع: أنثى من ذكر ... الحديث وقد مضى فالاعتماد على ما قبله. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " بلفظ حديث عائشة وقال: " رواه الخطيب عن أبي هريرة وابن لال عن عائشة ". قال المناوي: " ورواه عنها الديلمي أيضا ". ولم يتكلم عليهما المناوي بشيء! 1462 - " اصنعوا ما بدا لكم، فما قضى الله فهو كائن، فليس من كل الماء يكون الولد ". أخرجه مسلم (4 / 159 - 160) وأحمد (3 / 26 و 47 و 59 و 82 و 93) واللفظ له، وابن أبي عاصم في " السنة " (364 و 365) من طرق عن أبي الوداك جبر من نوف عن أبي سعيد قال: " أصبنا سبيا يوم حنين، فكنا نلتمس فداءهن، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؟ فقال " فذكره. ولفظ مسلم:

1463

" ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء ". وأخرجه الطيالسي (2193) من طريق عمارة العبدي عن أبي سعيد نحوه بلفظ: " إن قضى الله عز وجل شيئا ليكونن وإن عزل ". قال أبو سعيد: ولقد عزلت عن أمة لي، فولدت أحب الناس إلي: هذا الغلام ". لكن عمارة هذا وهو ابن جوين أبو هارون متروك. 1463 - " أشيدوا النكاح، أشيدوا النكاح، هذا النكاح لا السفاح ". رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 218 / 2) بسند صحيح عن يونس بن بكير: أخبرنا محمد بن عبيد الله عن عبد الله بن أبي عبد الله بن هبار بن الأسود عن أبيه عن جده أنه زوج بنتا له، وكان عندهم كبر وغرابيل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع الصوت، فقال: ما هذا؟ فقيل: زوج هبار ابنته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. قال: قلت: فما الكبر. قال: الطبل الكبير. والغرابيل الصنوج. ثم رواه من طريق أبي معشر عن يحيى بن عبد الله بن هبار عن أبيه عن جده مختصرا. وليس فيه ذكر الكبر والغرابيل. قلت: وهذا إسناد ضعيف مجهول، عبد الله بن هبار، وابنه يحيى لم أجد من ترجمهما. وأبو معشر واسمه نجيح ضعيف. ومن طريقه رواه الطبراني أيضا في ترجمة " هبار " من " الإصابة ". وفي الطريق الأولى محمد بن عبيد الله وهو العرزمي وهو متروك، ورواه الطبراني من طريقه أيضا كما في " المجمع " (4 / 290) ، وعبد الله بن أبي عبد الله بن هبار لم أجد له ترجمة أيضا، ومن طريقه أخرجه الحسن بن سفيان في " مسنده " كما في " الإصابة " وقال عقب هذا والذي قبله:

" وفي كل من الإسنادين ضعف ". قال أبو نعيم: اسم أبي عبد الله ابن هبار بن عبد الرحمن. قلت: أخرجه البغوي من طريق عبد الله بن عبد الرحمن ابن هبار به. لكن في سنده علي بن قرين (الأصل: قرس!) وقد نسبوه بوضع الحديث. لكن أخرج الخطيب في " المؤتلف " من طريق إبراهيم بن محمد بن أبي ثابت لنا بعلو في " فوائد بن أبي ثابت " هذا من يراعيه بسنده إلى محمد بن سلمة ( الأصل: أحمد بن سلمة) الحراني عن (الفزاري عن عبد الله بن) عبد الله بن هبار عن أبيه قال: زوج هبار ابنته فضرب في عرسها بالدف. الحديث. وأخرج الإسماعيلي في " معجم الصحابة " والخطيب في " المؤتلف " من طريقه - ونقله من خطه قال: أخبرني محمد بن طاهر بن أبي الدميكة حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروي حدثنا هشيم أخبرني أبو جعفر عن يحيى بن عبد الملك بن هبار عن أبيه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدار علي بن هبار فذكر الحديث كما تقدم في ترجمة علي بن هبار ". يعني مثل رواية ابن منده المشار إليها آنفا. وأبو جعفر هكذا وقع في خط الخطيب بدل أبي معشر. قال الحافظ في ترجمته على ابن هبار فما أدري أهو سهوا أو اختلاف من الرواة. وما بين القوسين استدركته من هذه الترجمة ومن جزء " حديث ابن أبي ثابت " المحفوظ في ظاهرية دمشق (2 / 138 / 2) والفزاري هو العرزمي المتقدم كما جزم به الحافظ، وقال: والعرزمي ضعيف جدا. وجملة القول أن هذا الحديث بهذا الإسناد ضعيف لاضطرابه، وجهالة بعض رواته وضعف آخرين منهم. نعم له شاهد من حديث السائب بن يزيد قال: " لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوار يتغنين يقلن فحيونا نحييكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لهن، ثم دعاهن فقال: لا تقلن هكذا، ولكن قولوا: حيانا وإياكم، فقال رجل: يا رسول الله أنرخص للناس في هذا؟ فقال: نعم إنه نكاح، لا سفاح، أشيدوا النكاح ".

1464

قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 290) : " رواه الطبراني وفيه يزيد بن عبد الملك النوفلي وهو ضعيف، ووثقه ابن معين في روايته ". قلت: فالحديث به حسن، لاسيما وهو بمعنى حديث ابن الزبير مرفوعا. " أعلنوا النكاح ". 1464 - " اشفعوا تؤجروا، فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا ". أخرجه أبو داود (5132) والنسائي (1 / 356) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 75) عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن وهب بن منبه عن أخيه عن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه بنحو من حديث أبي موسى الأشعري، وقد أخرجه عنه الثلاثة المذكورون أيضا والترمذي (2 / 112) وقال : " حديث حسن صحيح ". وأحمد (4 / 400 - 409 - 413) والخطيب في " التاريخ " (2 / 5) . ولفظ حديث الترجمة عند النسائي: إن رجل ليسألني الشيء فأمنعه حتى تشفعوا فيه فتؤجروا، اشفعوا تؤجروا ". وعزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للطبراني في " الكبير " فقصر، وسكت عليه المناوي. 1465 - " أطعموا الطعام، وأطيبوا الكلام ". رواه الطبراني (1 / 275 / 2) : حدثنا القاسم بن محمد الدلال حدثنا مخول بن إبراهيم حدثنا كامل أبو العلاء عن عبد الله بن سليمان عن الحسن بن علي مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، الدلال هذا، ضعفه الدارقطني، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وأخرج له الحاكم في " المستدرك "، ومن فوقه ثقات غير عبد الله ابن سليمان فلم أعرفه. ثم رواه (1 / 294 / 2) : حدثنا أحمد بن عمرو القطراني حدثنا زياد بن يحيى حدثنا أبو عتاب الدلال حدثنا عمرو بن ثابت حدثني حبيب بن أبي ثابت عن الحسن مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف أيضا من أجل عمرو بن ثابت، فقد جزم بضعفه الحافظ وغيره وبقية رجاله ثقات، رجال مسلم غير القطراني هذا فلم أجد له ترجمة، وحبيب مدلس وقد عنعنه. قلت: فلعل الحديث يتقوى بمجموع الطريقين، وهو قوي بما له من الشواهد، منها عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يمكنكم من الجنة، إطعام الطعام، يا بني عبد المطلب، أطعموا الطعام وأطيبوا الكلام ". ذكره الهيثمي (5 / 17) وسقط من قلمه أو من الناسخ ذكر مخرجه، وقال: " وفيه عبد الله ابن محمد العبادي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وعن مقدام بن شريح عن أبيه، عن جده قال: " قلت: يا رسول الله حدثني بشيء يوجب لي الجنة، قال: يوجب الجنة إطعام الطعام، وإفشاء السلام " وفي رواية حسن الكلام ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ". وعن أنس قال : " قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم علمني عملا يدخلني الجنة، قال: أطعم الطعام، وأفش السلام، وأطيب الكلام، وصل بالليل والناس نيام، تدخل الجنة بسلام ". قال: " رواه الطبراني وفيه حفص بن أسلم وهو ضعيف ".

1466

1466 - " أطعموا الطعام، وأفشوا السلام، تورثوا الجنان ". رواه المقدسي في " المختارة " (135 / 1) عن الطبراني حدثنا محمد بن معاذ الحلبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد قال: كان عبد الله بن الحارث يمر بنا فيقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن معاذ الحلبي، والظاهر أنه الدمشقي الذي ترجمه الحافظ بن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 4 / 2 - 5 / 1) برواية جمع من الثقات وأفاد أنه كان من أهل الفتوى في دمشق وأن أبا حاتم قال: لا أعرفه، مات سنة (215) . وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به وفيه زيادة أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (1324) . 1467 - " أطفال المسلمين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يدفعونهم إلى آبائهم يوم القيامة ". رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 263) والديلمي (1 / 1 / 118) وابن عساكر (19 / 219 / 2) والحافظ عبد الغني في تخريج حديثه (73 / 40 / 1 ) عن مؤمل بن إسماعيل حدثنا سفيان الثوري عن عبد الرحمن الأصبهاني عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير مؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ كما في " التقريب " وقد خالفه يحيى القطان فقال: " عن سفيان به موقوفا على أبي هريرة. أخرجه ابن عساكر من طريق مسدد بن مسرهد أخبرنا يحيى به. فهو

1468

موقوف صحيح الإسناد، ولكنه في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي ولأن له طريقا أخرى عنه مرفوعا بلفظ: " ذراري المسلمين في الجنة، يكفلهم إبراهيم عليه السلام ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 326) عن عبد الرحمن بن ثابت عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن صخرة عنه. قلت: وهذا إسناد حسن وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي كما سبق برقم (605) . (تنبيه) : أورد السيوطي حديث الترجمة من رواية أحمد والحاكم والبيهقي في " البعث " عن أبي هريرة، وعزوه باللفظ المذكور إلى أحمد والحاكم فيه تساهل واضح لما عرفت من أن لفظهما مخالف له، ثم إنه زاد في التساهل بل التقصير، فإنه لما ذكره باللفظ الآخر: " ذراري ... " لم يعزه إلا لأبي بكر بن أبي داود فقط في " البعث "؟ . 1468 - " أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة ". رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 261 / 1) معلقا حدث إبراهيم بن المختار عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن أبي مالك قال: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين: قال: هم ... ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. وإبراهيم بن المختار صدوق سيء الحفظ. ويشهد له ما أخرج أبو نعيم في " الحلية " (6 / 308) من طريق الطبراني وهذا في " الأوسط " بسنده عن الربيع بن صبيح عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين لم يكن لهم ذنوب يعاقبون

1469

بها فيدخلون النار، ولم تكن حسنة يجاوزون بها فيكونون من ملوك الجنة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هم خدم أهل الجنة ". وأخرج الجملة الأخيرة منه أبو يعلى في " مسنده " (1011 - 1012) والكلاباذي في " مفتاح المعاني " (276 / 1) من طريق الأعمش عن يزيد الرقاشي به. وتابعه مبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن أنس به. أخرجه البزار (232) . ويشهد له أيضا ما أخرجه البزار في " مسنده " (232 - زوائده) من طريق عباد بن منصور عن أبي رجاء عن سمرة بن جندب مرفوعا به وقال: " تفرد به عباد بهذا اللفظ ". قلت: وعباد بن منصور ضعيف، وقال الهيثمي (7 / 219) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " والبزار، وفيه عباد بن منصور، وثقه يحيى القطان وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات ". وجملة القول أن الحديث صحيح عندي بمجموع هذه الطرق والشواهد. 1469 - " اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة ونزول المطر ". أخرجه الشافعي في " الأم " (1 / 223 - 224) : أخبرني من لا أتهم قال: حدثني عبد العزيز بن عمرو عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، فإنه مع إرساله، فيه جهالة شيخ الشافعي، فإنه لم يسم، وليس يلزم أن يكون ثقة، فإن في شيوخه من اتهم، وهو إبراهيم بن محمد ابن أبي يحيى الأسلمي، كيف لا وقد تقرر في علم المصطلح أن قول الثقة حدثني الثقة. لا يحتج به حتى يعرف هذا الذي وثق! وعبد العزيز بن عمرو وهو أبو محمد الأموي صدوق يخطىء.

1470

قلت: لكن الحديث له شواهد من حديث سهل بن سعد وابن عمر وأبي أمامة خرجتها في " التعليق الرغيب " (1 / 116) وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة إلا أنه إذا ضمت إلى هذا المرسل أخذ بها قوة وارتقى إلى مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. 1470 - " اضمنوا لى ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفظوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم ". رواه بن خزيمة في " حديث علي بن حجر " (ج 3 رقم 91) وابن حبان (رقم 107) والحاكم (4 / 358 - 359) والخرائطي في " المكارم " (ص 31) وأحمد (5 / 323) والطبراني (49 / 1 - منتقى منه) والبيهقي في " الشعب " (2 / 47 / 1 ) عن عمرو عن المطلب بن عبد الله عن عبادة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن لولا الانقطاع بين المطلب وعبادة ولذلك لما صححه الحاكم تعقبه المنذري في " الترغيب " (3 / 64) بقوله: " بل المطلب لم يسمع من عبادة ". لكن ذكر له البيهقي (2 / 125 / 2) شاهدا مرسلا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من ضمن لي ستا ضمنت له الجنة، قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: من إذا حدث صدق وإذا وعد أنجز وإذا أئتمن أدى ومن غض بصره وحفظ فرجه وكف يده أو قال نفسه ". قلت: والزبير هذا إن كان ابن العوام فهو منقطع لأن أبا إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي فإنه روى عن علي وقيل إنه لم يسمع منه، وهو - أعني الزبير - أقدم وفاة من علي، فلأن يكون لم يسمع منه أولى، ثم هو إلى ذلك مدلس ولم يصرح بالتحديث، فلعل هذا الانقطاع هو الإرسال الذي عناه البيهقي حين قال:

1471

" وله شاهد مرسل ". وجملة القول: أن الحديث بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. وله شاهد آخر متصل من رواية يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عنه مرفوعا بلفظ: " تقبلوا لي بست، أتقبل لكم الجنة، قالوا: وما هي؟ قال: إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا أئتمن فلا يخن وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 30) والحاكم ( 4 / 359) شاهدا لما قبله، وسنده حسن عندي، رجاله كلهم ثقات غير سعد بن سنان وهو صدوق له أفراد. فالحديث صحيح به. 1471 - " اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، فإن غلبتم فلا تغلبوا على السبع البواقي ". أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1 / 133) حدثني سويد بن سعيد أخبرني عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف، سويد بن سعيد ضعيف، وشيخه الهلالي صدوق يخطىء وسائر رجاله ثقات على اختلاط أبي إسحاق وهو السبيعي وتدليسه. لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا قويا يرويه شعبة عن عقبة بن حريث قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره بلفظ: " التمسوها في العشر الأواخر (يعني ليلة القدر، فإن ضعف أحدكم أو عجز) (وفي رواية: أو غلب) فلا يغلبن على السبع البواقي ". أخرجه مسلم (3 / 170) والطيالسي ( 958 - ترتيبه) وعنه البيهقي (4 / 311) وأحمد (2 / 44 و 75 و 78 و 91) والرواية الأخرى له.

ومما يشهد له حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، في تسع يبقين وسبع، يبقين، وخمس يبقين، وثلاث يبقين ". أخرجه الطيالسي (962) دون ذكر التسع، وأحمد (3 / 71) والسياق له وإسناده صحيح على شرط مسلم، وهو عنده (3 / 173) من طريق أخرى من طريق أبي نضرة عنه بلفظ: " فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ". قال: " قلت يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا، قال: أجل نحن أحق بذلك منكم، قال: قلت: ما التاسعة والسابعة والخامسة؟ قال: إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها اثنتان وعشرون وهي التاسعة، فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة، فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة ". وهو في " صحيح أبي داود " (1252) . وللحديث شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة منهم جابر بن سمرة عند الطيالسي وأحمد والطبراني، ومعاوية بن أبي سفيان عند ابن نصر في " قيام الليل " (106) ، وعبادة بن الصامت عنده أيضا (ص 105) وأحمد (5 / 313 و 318 و 319 و 321 و324) وزاد في رواية: " فمن قامها ابتغائها واحتسابا، ثم وفقت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ". وفي إسنادها عمر بن عبد الرحمن، أورده ابن أبي حاتم ( 3 / 1 / 120) لهذا الإسناد ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 145) على قاعدته. رواه عنه عبد الله بن محمد بن عقيل وبه أعله الهيثمي فقال:

" رواه أحمد والطبراني في " الكبير " وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وفيه كلام وقد وثق ". قلت: والمتقرر فيه أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، فإعلال الحديث بشيخه أولى. وأما قول الحافظ في " الخصال المكفرة " (ص 24 طبع دمشق) بعد عزوه لأحمد: " ورجاله ثقات، ومن طريق أخرى عن عبادة ... وكذا الطبراني في المعجم نحوه " . فلنا عليه ملاحظتان: الأولى: أنه أفاد أن للحديث طريقين عند أحمد وهذا وهم، فليس له عنده بهذا اللفظ إلا طريق واحدة وهي هذه. والأخرى: أنه أفاد أن رواية عمر بن عبد الرحمن ثقة أيضا، وليس كذلك لأنه لم يوثقه غير ابن حبان وهو متساهل في التوثيق كما شرحه الحافظ نفسه في مقدمة " اللسان ". قلت: ومن شواهده ما روى بقية بن الوليد حدثني بحير بن سعد عن خالد بن معدن عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ليلة القدر؟ فقال: " هي في العشر الأواخر أو في الخامسة أو في الثالثة ". أخرجه أحمد (5 / 234) . قلت: وإسناده جيد، فإن رجاله كلهم ثقات، وبقية قد صرح بالتحديث. " التمسوا ليلة القدر آخر ليلة من رمضان ". أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 106) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 223 / 1) عن علي بن عاصم عن الجريري عن بريدة عن معاوية مرفوعا.

1472

قلت: وهذا إسناد ضعيف، علي بن عاصم وهو الواسطي قال الحافظ: " صدوق، يخطيء ". وأخرجه ابن عدي (ق 114 / 1) من طريق خالد بن محدوج سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا مختصرا. وروى عن البخاري أنه قال في خالد هذا: " كان يزيد بن هارون يرميه بالكذب ". ثم قال ابن عدي: " وعامة ما يرويه مناكير ". لكن له شاهد قوي من حديث أبي بكرة، خرجته في " المشكاة " (2092) ، فمن شاء فليراجعه، ومن أجله نقلته من " سلسلة الأحاديث الضعيفة " و " ضعيف الجامع الصغير " إلى " صحيح الجامع " رقم (1249) . 1472 - " أطيعوني ما كنت بين أظهركم وعليكم بكتاب الله عز وجل، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ". أخرجه تمام في " الفوائد " (6 / 111 / 1 - 2) عن سليمان بن أيوب بن حذلم حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا معاوية بن صالح حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثني ابن حميد عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن نعيم بن همار عن المقدام بن معدي كرب عن أبي أيوب الأنصاري عن عوف بن مالك الأشجعي قال: " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجير وهو مرعوب فقال " فذكره. ثم أخرجه من طريق أحمد بن الغمر بن أبي حماد - بحمص - حدثنا سليمان بن عبد الرحمن به لكنه لم يذكر في إسناده إبراهيم بن أبي العباس. قلت: والأول أصح، فإن رجال إسناده كلهم ثقات فهو صحيح، وأما الآخر فإن ابن أبي حماد قد ترجمه ابن عساكر في " تاريخه " (2 / 36 / 1 - 2)

برواية جمع عنه ، ولكنه لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ولا وفاة، فهو مجهول الحال، فيقدم عليه ابن حذلم فإنه صدوق كما قال النسائي. ومن لطائف إسناده أنه من رواية أربعة من الصحابة بعضهم عن بعض. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (1 / 41 - 42) من رواية أبي أيوب الأنصاري وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " ورواته ثقات ". وكذلك أورده الهيثمي في " المجمع " (1 / 170) إلا أنه قال: " ورجاله موثقون ". وله شاهد يرويه كثير بن جعفر عن ابن لهيعة عن أبي قبيل حدثني عبد الله بن عمرو أن معاذ بن جبل قال: " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " فذكره. أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 1 / 38 - مختصره) من طريق أبي الشيخ عنه به. وقال الحافظ في " مختصره ": " قلت: أبو قبيل ضعيف، وكذا ابن لهيعة وكثير بن جعفر ". قلت: كثير بن جعفر لم أجد من ضعفه، وقد ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 150) برواية جماعة عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ثم رأيت ابن أبي حاتم أورد الحديث في " العلل " (1 / 469 - 470) من طريق أخرى عن سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي به إلا أنه قال: حدثنا معاوية بن صالح عن محمد بن حرب عن بحير بن سعد به. فذكر محمد بن حرب مكان إبراهيم بن أبي العباس، وأسقط منه ابن حمير. وقال عن أبيه. " هذا حديث باطل ". ولم يظهر لي وجه بطلانه مع ثقة رجاله، لاسيما من الطريق الأولى والشاهد المذكور، وله شاهد آخر، يرويه ابن لهيعة عن عبد الله (وفي رواية: أخبرني عبد الله) بن هبيرة عن عبد الله بن مريج الخولاني قال: سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص يقول: سمعت عبد الله بن عمرو يقول:

1473

" خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كالمودع، فقال: أنا محمد النبي الأمي، قاله ثلاث مرات، ولا نبي بعدي، أوتيت فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه وعلمت كم خزنة النار، وحملة العرش، وتجوز بي، وعوفيت ، وعوفيت أمتي، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم، فإذا ذهب بي، فعليكم بكتاب الله، أحلوا حلاله، وحرموا حرامه ". أخرجه أحمد (2 / 172 و 212) . وابن لهيعة ضعيف، وعبد الله بن مريج الخولاني لم أعرفه، ولم يورده الحافظ في " تعجيل المنفعة " وهو من شرطه. ولعله لا وجود له، وإنما هو من مخيلة ابن لهيعة وسوء حفظه، فقد سماه في الرواية الأخرى عبد الرحمن بن جبير، وهو ثقة معروف من رجال مسلم. والله أعلم. 1473 - " اعبد الله كأنك تراه، وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ". أخرجه أحمد (2 / 132) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 115) من طريق الأوزاعي : أخبرني عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن عمر قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: فذكره، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وابن أبي لبابة قال أحمد: " لقي ابن عمر بالشام " كما في " تهذيب التهذيب " ولم يحك في ذلك خلافا، وأما في " الفتح " فقد قال (11 / 195) بعدما عزا الحديث للنسائي: " رواية من رجال الصحيح وإن كان اختلف في سماع عبدة من ابن عمر ". وقال أبو نعيم عقبه: " رواه الفريابي عن الأوزاعي عن مجاهد عن ابن عمر مثله ". قلت: هو في البخاري من طريق الأعمش حدثني مجاهد عن عبد الله بن عمر به دون قوله: " اعبد الله كأنك تراه ". 1474 - " اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه

يراك، واعدد نفسك في الموتى وإياك ودعوة المظلوم فإنها تستجاب، ومن استطاع أن يشهد الصلاتين العشاء والصبح ولو حبوا فليفعل ". رواه الطبراني في " الكبير " وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (19 / 153 / 2) عن رجل من النخع قال: سمعت أبا الدرداء حين حضرته الوفاة قال: أحدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. هكذا بهذا السياق واللفظ أورده المنذري في " الترغيب " (1 / 154 و 4 و 133) والهيثمي في " المجمع " (2 / 40) وأورده السيوطي في " الجامع الصغير " فزاد ونقص عازيا للطبراني أيضا في " الكبير " ورمز لحسنه، وقال ابن المنذري: " رواه الطبراني في " الكبير " وسمى الرجل المبهم جابرا ولا يحضرني حاله " وقال الهيثمي: " رواه الطبراني في الكبير، والرجل الذي من النخع لم أجد ذكره وسماه جابرا " وكأنه يشير إلى رد كلام المنذري المذكور . والله أعلم. لكن الحديث له شاهد يقويه وإلى درجة الحسن يرقيه وهو بلفظ: " اعبد الله كأنك تراه فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك، واحسب نفسك مع الموتى ، واتق دعوة المظلوم فإنها مستجابة ". أخرجه أبو نعيم (8 / 202 / 203) من طريق عن عبد العزيز بن أبي رداد عن أبي سعيد عن زيد بن أرقم به مرفوعا. وأبو سعيد هذا لم أعرفه وقد قال أبو نعيم عقب الحديث: " تفرد به أبو إسماعيل الأيلي " كذا وليس في الإسناد راو بهذه الكنية والنسبة وإنما فيه أبو سعيد كما ترى فلعل إحدى الكنيتين من تحريف بعض النساخ فإن في النسخة شيئا كثيرا من تحريفاتهم وعلى كل حال سواء كان أو أبا سعيد وأبا إسماعيل فإني لم أجد من ذكره. وأما السيوطي فقد رمز له بالحسن ولعله لشواهده التي منها ما تقدم ومنها:

1475

" اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر وإذا عملت سيئة بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية ". 1475 - " اعبد الله كأنك تراه واعدد نفسك في الموتى واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة السر بالسر والعلانية بالعلانية ". رواه الطبراني في الكبير عن أبي سلمة قال: قال معاذ: قلت: يا رسول الله أوصني قال فذكره، قال الهيثمي (4 / 218) : " رواه الطبراني وأبو سلمة لم يدرك معاذا ورجاله ثقات ". وقال المنذري (4 / 132) : " رواه الطبراني بإسناد جيد إلا أن فيه انقطاعا بين أبي سلمة ومعاذ ". قال المناوي عقبه: " وقد رمز المصنف لحسنه ". قلت: وهو حري بذلك، فإن له شواهد متفرقة في أحاديث عدة، فالجملتان الأوليان شاهدة في قبله. وانظر الحديث الماضي برقم (1175) ، وانظر الحديث (1070) من " السنة " لابن أبي عاصم. 1476 - " يا ولي الإسلام وأهله مسكني الإسلام حتى ألقاك عليه ". أخرجه السلفي في " الفوائد المنتقاة من أصول سماعات الرئيس الثقفي " (2 / 165 / 1) من طريق يحيى بن صالح حدثنا سليمان بن عطاء عن أبي الواصل عن أنس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو واصل هذا هو عبد الحميد بن واصل الباهلي قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 18) :

" روى عن أنس، وروى عن ابن مسعود مرسل وأبي أمية الحبطي، روى عنه عبد الكريم الجزري وشعبة ومحمد بن سلمة وعتاب بن بشير ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 136) . وسليمان بن عطاء هو ابن قيس القرشي أبو عمرو الجزري قال الحافظ: " منكر الحديث ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 186) بلفظ: " ثبتني به حتى ألقاك ". وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ". قلت: فلعله عنده من طريق أخرى. (تنبيه) : أورد الحديث شارح الطحاوية (ص 358) من رواية أبي إسماعيل الأنصاري في كتابه " الفاروق " بسنده عن أنس به. ولما خرجت الشرح المذكور علقت عليه بقولي: " لم أقف على إسناده، وما أخاله يصح، وكتاب " الفاروق " لم نقف عليه مع الأسف ". ثم دلني بعض الأفاضل على رواية الطبراني المذكورة كما شرحته في مقدمة الشرح المشار إليه، وبينت فيها أن قول الهيثمي " ورجاله ثقات " لا يعني أنه صحيح فراجعها. ثم وقفت على إسناد الحديث عند السلفي كما رأيت، فإن كان طريق الطبراني وهو طريقه، فالحديث ضعيف، وعندي في ذلك وقفة، فلننتظر ما يجد لنا. ثم وقفت على الحديث في " تاريخ بغداد " أخرجه (11 / 160 ) من طريق عيسى بن خلاد بن بويب حدثنا عتاب بن بشير حدثنا أبو واصل عبد الحميد عن أنس به.

1477

أورده في ترجمة عيسى هذا وقال: " قال الدارقطني: شيخ كان في بغداد ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. فهو مجهول الحال. وعتاب بن بشير صدوق يخطئ كما في " التقريب " وأخرج له البخاري. وجملة القول أن الحديث عندي حسن الإسناد. والله أعلم. 1477 - " اعبد الله ولا تشرك به شيئا وأقم الصلاة المكتوبة وأد الزكاة المفروضة وحج واعتمر، - قال أشهد: وأظنه قال: وصم رمضان - وانظر ماذا تحب من الناس أن يأتوه إليك فافعله بهم وما تكره من الناس أن يأتوه إليك فذرهم منه ". رواه الطبراني (ج 4 - رقم 3222 - صفحة 16) قال: حدثني حاتم بن بكير الضبي قال: حدثنا أشهد بن حاتم الأرطبائي قال: حدثنا ابن عون عن محمد بن جحادة عن رجل عن زميل له عن أبيه وكان أبوه يكنى أبا المنتفق - قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، فدنوت منه حتى اختلفت عنق راحلتي وعنق راحلته فقلت يا رسول الله أنبئني بعمل ينجيني من عذاب الله ويدخلني جنته قال " فذكره ". قلت: هذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل وزميله وأشهد بن حاتم صدوق يخطىء كما قال الحافظ، وقد خولف في إسناده، فقال أحمد (6 / 383) : حدثنا عفان حدثنا همام قال: حدثنا محمد جحادة قال: حدثني المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال: " انطلقت إلى الكوفة لأجلب بقالا، قال: فأتيت ... المسجد ... إذا فيه رجل من قيس يقال له ابن المنتفق وهو يقول: فذكره مرفوعا في قصة له مع النبي صلى الله عليه وسلم. ثم أخرجه (5 / 372 - 373) من طريق يونس بن المغيرة بن عبد الله به.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله اليشكري لم أجد له ترجمة في كتب الرجال إلا في " تعجيل المنفعة " ولم يزد فيه على قوله: " ليس بالمشهور ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 43) . " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " وفي إسناده عبد الله بن أبي عقيل اليشكري ولم أر أحدا روى عنه غير ابنه المغيرة بن عبد الله ". وله شاهد قوي فقال عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (4 / 76) حدثني (أبو) صالح: الحكم بن موسى قال: أنبأنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن المغيرة بن سعد عن أبيه أو عن عمه قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بغرقد، فأخذت بزمام ناقته أو بخطامها، فدفعت عنه، فقال: دعوه مأرب ما جاء به، فقلت: نبئني بعمل يقربني إلى الجنة ويبعدني من النار، قال: فرفع رأسه إلى السماء، ثم قال: لئن كنت أوجزت الخطبة، لقد أعظمت أو أطولت، تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان وتأتي إلى الناس ما تحب أن يأتوه إليك وما كرهت لنفسك فدع الناس منه، خل عن زمام الناقة ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير المغيرة بن سعد وهو ابن الأخرم الطائي، روى عنه جمع من الثقات وقال العجلي: كوفي ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات ". والحديث هذا قال الهيثمي: " رواه عبد الله في " زياداته " والطبراني في " الكبير " بأسانيد، ورجال بعضها ثقات على ضعف في يحيى بن عيسى كثير ". قلت: إسناد عبد الله خلو منه كما رأيت وهو جيد كما بينت فكان الأولى بالهيثمي أن يتكلم عليه ويبين حاله ولا ينشغل عنه بالطريق الضعيف. وله شاهد آخر من حديث أبي أيوب الأنصاري.

1478

" أن أعرابيا عرض للنبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسير، فأخذ بخطام ناقته ... " الحديث دون " وتحج البيت ... " الخ. أخرجه أحمد (5 / 417) بسند صحيح على شرط الشيخين. وهذا القدر له شاهد آخر من مرسل أبي قلابة. " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال " فذكره وزاد: " حجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم لكم ". 1478 - " أظلتكم فتن كقطع الليل المظلم، أنجى الناس منها صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه أو رجل من وراء الدروب آخذ بعنان فرسه يأكل من فيىء سيفه ". أخرجه الحاكم (2 / 92 - 93) من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن نافع بن جبير عن نافع بن سرجس أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في ابن خيثم غير نافع بن سرجس، وقد أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 237) وقال: " كنيته أبو سعيد، يروي عن أبي واقد الليثي، وروى عنه عبد الله بن عثمان بن خيثم ". وكذا قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 452 - 453) وزاد في شيوخه أبا هريرة، ثم روى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: سمعت أبي يقول: نافع بن سرجس، قلت: كيف حديثه؟ قال: لا أعلم إلا خيرا. 1479 - " كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من

مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها ، فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله يومي لعائشة، فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، وفي ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها - أراه قال - * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا) * ". أخرجه أبو داود (1 / 333 - التنازية) من طريق أحمد بن يونس حدثنا عبد الرحمن ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة: " يا ابن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل ... ". وخالفه سعيد بن منصور أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد به إلا أنه أرسله فقال: عن هشام عن أبيه قال : " أنزل في سودة رضي الله عنها وأشباهها * (وإن امرأة خافت ... ) * " الحديث . أخرجه البيهقي (7 / 297) وقال: " ورواه أحمد بن يونس عن أبي الزناد موصولا كما سبق ذكره في أول كتاب النكاح ". ولعل الوصل أرجح، فإن أحمد بن يونس ثقة من رجال الشيخين، وقد زاد الوصل وزيادة الثقة مقبولة، لاسيما وله شاهد من حديث ابن عباس قال: " خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة، فقبل، فنزلت الآية. * (وإن

امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * الآية قال: فما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز ". أخرجه أبو داود الطيالسي (1944 - ترتيبه) ومن طريقه الترمذي (3 / 94 - 95) وكذا الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 134 / 1) والبيهقي (7 / 297) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". قلت: وسنده حسن كما قال الحافظ في " الإصابة ". وقد روى في حديث سبب خشية سودة أن يطلقها صلى الله عليه وسلم، وهو فيما أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 53) من طريق ابن أبي الزناد بإسناده المتقدم عن عائشة قالت: " كانت سودة بنت زمعة قد أسنت، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستكثر منها، وقد علمت مكاني من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه يستكثر مني، فخافت أن يفارقها وضنت بمكانها عنده، فقالت: يا رسول الله يومي الذي يصيبني لعائشة، وأنت منه في حل، فقبله النبي صلى الله عليه وسلم. وفي ذلك نزلت: * (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا) * الآية ". لكن في إسناده شيخه محمد بن عمر، وهو الواقدي وهو كذاب. ثم روي من طريق القاسم بن أبي بزة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى سودة بطلاقها ... الحديث، ونحوه من رواية الواقدي عن التيمي مرسلا، وفيه أنها قالت: يا رسول الله ما بي حب الرجال، ولكن أحب أن أبعث في أزواجك، فأرجعني ... ونحوه عن معمر معضلا. وهذا مرسل أو معضل، فإن القاسم هذا تابعي صغير روى عن أبي الطفيل وسعيد بن جبير وعكرمة وغيرهم. وهو مع إرساله منكر لأن الروايات المتقدمة صريحة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يطلقها. وهذا يقول: " بعث إلى سودة بطلاقها ". فإن قيل لماذا خشيت سودة طلاق النبي صلى الله عليه وسلم إياها؟ فأقول: لابد أن تكون قد شعرت بأنها قد قصرت مع النبي صلى الله عليه وسلم في القيام ببعض حقوقه، فخشيت

1480

ذلك، ولكني لم أجد نصا يوضح السبب سوى رواية الواقدي المتقدمة التي أشارت إلى ضعفها من الناحية الجنسية، ولكن الواقدي متهم كما سبق. ويحتمل عندي أن السبب ضيق خلقها، وحدة طبعها الحامل على شدة الغيرة على ضراتها، فقد أخرج مسلم (4 / 174) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في سلافها من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة. قالت: فلما كبرت جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة. وللشطر الأول من طريق أخرى عند ابن سعد (8 / 54) عن ثابت البناني عن سمية عن عائشة به إلا أنه وقع فيه " فيها حسد " ولعله محرف من " حدة ". والله أعلم. 1480 - " أعطيت مكان التوراة السبع الطوال ومكان الزبور المئين ومكان الإنجيل المثاني وفضلت بالمفصل ". أخرجه الطيالسي (2 / 9 / 1918) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 154) والطبراني في " التفسير " (1 / 100 رقم 126) وابن منده في " المعرفة " (2 / 206 / 2) من طريق عمران القطان عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة بن الأسقع قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمران القطان فهو حسن الحديث للخلاف المعروف فيه، وقد تابعه سعيد بن بشير عن قتادة به. أخرجه الطبري ويوسف بن عبد الهادي في " هداية الإنسان " (ق 22 / 2) . وتابعه ليث ابن أبي سليم عن أبي بردة عن أبي المليح به. أخرجه الطبري أيضا (رقم 129) . وله شاهد من مرسل أبي قلابة مرفوعا نحوه. أخرجه الطبري (127) . قلت: وإسناده صحيح مرسل. قلت فالحديث بمجموع طرقه صحيح. والله أعلم.

1481

1481 - " أعطي يوسف شطر الحسن ". رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 68 / 2) . وأحمد (3 / 286) : حدثنا عفان عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. ورواه الواحدي في " تفسيره " (88 / 2) من طريق موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة به. وأخرجه ابن جرير في " التفسير " (12 / 122 - 123) والحاكم (2 / 570) وابن عدي (261 / 1) وابن عساكر (19 / 218 / 1) من طرق أخرى عن عفان به وزادوا: " وأمه ". وزاد الأخيران: " يعني سارة ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وقال ابن عدي: " ما أعلم رفعة أحد غير عفان، وعفان أشهر وأصدق وأوثق من أن يقال فيه شيء مما ينسب فيه إلى الضعف ". وأخرجه مسلم ( 1 / 99) من طريق أخرى عن حماد بن سلمة في حديث الإسراء وفيه: " فإذا أنا بيوسف صلى الله عليه وسلم، إذا هو قد أعطي شطر الحسن ". وأما ما أخرجه ابن جرير في " التفسير " (12 / 123) قال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا حكام عن أبي معاذ عن يونس عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا وأعطي الناس الثلثين، أو قال: أعطي يوسف وأمه الثلثين وأعطي الناس الثلث ". فهو منكر باطل بهذا اللفظ، لمخالفته للحديث الصحيح ولأن إسناده واه جدا، فإنه مع إرساله فيه أبو معاذ واسمه سليمان بن أرقم وهو متروك وابن حميد اسمه محمد الرازي ضعيف.

1482

1482 - " أعطيت هذه الآيات من آخر البقرة من كنز تحت العرش لم يعطها نبي قبلي (ولا يعطى منه أحد بعدي) ". أخرجه أحمد (5 / 883) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 65) والسراج في " مسنده " (3 / 47 / 1) والبيهقي (1 / 213) عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي ابن حراش عن حذيفة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد عزاه إليه الحاكم في " المستدرك " (1 / 563) ولم يسق لفظه، وإنما أشار إليه بقوله في آخر حديث حذيفة ساقه بهذا المسند عنه مرفوعا بلفظ: " فضلنا على الناس بثلاث.... " فذكرها ثم قال عقبها: " وذكر خصلة أخرى ". قلت: وهي هذه قطعا فقد ذكرها أحمد والسراج والبيهقي عقب لفظ مسلم بهذا اللفظ المذكور أعلاه. " وأعطيت هذه الآيات.... ". والحديث رواه ابن خزيمة أيضا في " صحيحه " كما في " هداية الإنسان " ليوسف بن عبد الهادي (ق 22 / 1) . ولربعي بن حراش إسناد آخر في هذا الحديث رواه منصور عن ربعي عن خرشة بن الحر عن المعرور بن سويد عن أبي ذر مرفوعا به. وزاد في رواية: ويعني الآيتين من آخر سورة البقرة ". أخرجه أحمد (5 / 151 - 180) . قلت: وإسناده صحيح أيضا على شرط مسلم. وأخرجه الحاكم (1 / 562) من طريق عبد الله بن صالح المصري أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ذر به، وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ورده الذهبي بقوله: " كذا قال، ومعاوية لم يحتج به (خ) ، ورواه ابن وهب عن معاوية مرسلا ".

1483

يعني عن جبير بن نفير لم يذكر أبا ذر في إسناده، أخرجه أبو داود في " مراسيله " كما في " الترغيب " (2 / 220) وكذا الحاكم. وهو الصحيح عندي لأن عبد الله بن صالح وإن أخرج له البخاري ففيه ضعف من قبل حفظه وغفلته، وقد خالفه ابن وهب وهو ثقة ضابط، وتابعه معن بن عيسى عند الدارمي كما بينته في " تخريج المشكاة " (2173) . وللحديث شاهد من حديث عقبة بن عامر مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (4 / 158) وابن نصر (65) وأبو جعفر بن أبي شيبة في " العرش " (114 / 2) من طريقين عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عنه. (انظر الاستدراك رقم 472 / 8) . قلت: وإسناده جيد، وقال الذهبي في " العلو " (رقم 87 - مختصره) : " إسناده صالح ". 1483 - " أعطيت فواتح الكلم وخواتمه، قلنا: يا رسول الله علمنا مما علمك الله عز وجل، فعلمنا التشهد ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1737) عن هشيم عن عبد الرحمن ابن إسحاق عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عبد الرحمن بن إسحاق، وهو أبو شيبة الواسطي ضعيف اتفاقا. لكن للحديث شاهد من حديث ابن مسعود قال: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وجوامعه، أو جوامع الخير وفواتحه وإنا كنا لا ندري ما نقول في صلاتنا حتى علمنا فقال: قولوا: التحيات لله.... " الخ التشهد. أخرجه ابن ماجة (1892) وأحمد (1 / 408) من طريقين عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه.

1484

وتابعهما شعبة قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن أبي الأحوص به بلفظ: " إن محمدا صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وجوامعه وخواتمه فقال: إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله....، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع ربه عز وجل ". أخرجه أحمد (1 / 437) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، فإن شعبة سمع من أبي إسحاق وهو السبيعي قبل الاختلاط. وللشطر الأول منه شاهد آخر سبق ذكره تحت الحديث (1472) من رواية ابن لهيعة بسنده عن ابن عمرو مرفوعا، فراجعه. 1484 - " أعطيت سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر وقلوبهم على قلب رجل واحد، فاستزدت ربي عز وجل، فزادني مع كل واحد سبعين ألفا ". أخرجه أحمد (1 / 6) من طريق المسعودي قال: حدثني بكير بن الأخنس عن رجل عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، قال أبو بكر: فرأيت أن ذلك آت على أهل القرى، ومصيب من حافات البوادي. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل الرجل الذي لم يسم. والمسعودي كان اختلط واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود. لكن الحديث صحيح فإن له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة، وفاته حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سألت ربي عز وجل، فوعدني أن يدخل من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر، فاستزدت فزادني مع كل ألف سبعين ألفا، فقلت: أي رب إن لم يكن هؤلاء مهاجري أمتي، قال: إذن أكملهم لك من الأعراب ".

1485

أخرجه أحمد (2 / 359) عن زهير بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم لكن زهير هذا وهو أبو المنذر الخراساني فيه ضعف من قبل حفظه. والحديث قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 345) : " رواه أحمد والبيهقي في " البعث " من رواية سهل بن أبي صالح....، وسنده جيد وفي الباب عن أبي أيوب عند الطبراني وعن حذيفة عند أحمد وعن أنس عند البزار وعن ثوبان عند ابن أبي عاصم، فهذه طرق يقوي بعضها بعضا ". قلت: وعن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عند أحمد أيضا (1 / 197) . 1485 - " كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكينا، فحز بها يده فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل: بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة ". أخرجه البخاري (2 / 373) وأبو يعلى في " المغاريد " (1 / 70 / 1) من طريق جرير عن الحسن قال: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد وما نسينا منذ حدثنا وما نخشى أن يكون جندب كذب على النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. 1486 - " أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: يا رسول الله ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: اعلموا أنه ليس منكم من أحد إلا مال وارثه أحب إليه من ماله، مالك ما قدمت ومال وارثك ما أخرت ". أخرجه النسائي (2 / 125) وأحمد (1 / 382) من طريق أبي معاوية

1487

عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري مختصرا فانظر إن شئت " تخريج حل مشكلة الفقر " (114) . 1487 - " إن أعظم الناس فرية لرجل هجا رجلا، فهجا القبيلة بأسرها ورجل انتفى من أبيه وزنى أمه ". أخرجه ابن ماجه (2 / 411) والبيهقي (10 / 241) عن سليمان الأعمش أنه حدثهم عن عمرو بن مرة عن يوسف بن ماهك عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم على شرط الشيخين، وقد صححه البوصيري في " الزوائد " (ق 227 / 1 - الحلبية) . 1488 - " اعلم أنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة ". أخرجه أحمد (5 / 248 - 249 - 255 - 258) وابن نصر في " الصلاة " (65 / 2) من طرق عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب الضبي عن رجاء بن حيوة عن أبي أمامة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: مرني بأمر انقطع به ، قال ": فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم. 1489 - " أفضل العمل الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد ". أخرجه أحمد (5 / 368) عن شعبة أخبرني عبد الملك المكتب قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الملك المكتب فلم أعرفه ويحتمل أنه عبد الملك بن عمير الكوفي المعروف بالقبطي أو عبد الملك بن ميسرة الهلالي الكوفي الزراد، فإنهما قد ذكرا في شيوخ شعبة بن الحجاج. وهما ثقتان، ولعل الأرجح أنه الأول منهما. وقد توبع، فأخرجه مسلم (1 / 63) من طريق الحسن بن عبد الله عن أبي عمرو الشيباني به دون قوله: " والجهاد " وسمى الرجل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وأخرجه هو والبخاري (2 / 9 / 527) من طريق شعبة وغيره عن الوليد بن عزار قال: سمعت أبا عمرو الشيباني يقول: حدثنا صاحب هذه الدار وأشار إلى دار عبد الله قال: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب (وفي رواية: أفضل) إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها (وفي الرواية الأخرى: لوقتها) ، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين . قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. قال: حدثني بهن، ولو استزدته لزادني ". والحديث أورده السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ: " أفضل العمل الصلاة على ميقاتها، ثم بر الوالدين، ثم أن يسلم الناس من لسانك ". وبلفظ: " أفضل العمل الصلاة لوقتها والجهاد في سبيل الله ". وظاهر أنه باللفظ الثاني صحيح لكن لم يذكر " بر الوالدين "، وهو صحيح أيضا باللفظ الأول دون قوله: ثم أن يسلم الناس من لسانك " فإني لم أرها في شيء من طرق الحديث في " الصحيحين " وغيرهما كالمسند (1 / 410 - 418 - 421 - 439 - 444 - 448 - 451) بل إن قول ابن مسعود: " ولو استزدته لزادني " ليدفعها فهي زيادة منكرة لمخالفتها لرواية " الشيخين "، " ثم الجهاد في سبيل الله ".

1490

وللحديث شاهد موقوف يرويه نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: " إن أفضل العمل بعد الصلاة الجهاد في سبيل الله تعالى ". أخرجه أحمد (2 / 32) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. والجملة الأولى منه رفعها عبد الله العمري عن نافع به. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (12 / 66) من طريق محمد بن حمير الحمصي عنه بلفظ: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أفضل ؟ قال الصلاة في أول وقتها ". ذكره في ترجمته علي بن محمد بن مخلد بن خازم أبي الطيب الكوفي، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وله شاهد من حديث أنس قال: " سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: الصلاة لوقتها ". أخرجه الخطيب (10 / 286) في ترجمته عبد الرحمن بن الحسن بن أيوب الضرير، روى عنه جمع من الثقات، مات سنة (315) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ومن فوقه ثقات من رجال مسلم. وأورده السيوطي في " الجامع " من رواية الخطيب عن أنس بلفظ: " أفضل الأعمال الصلاة لوقتها وبر الوالدين والجهاد في سبيل الله ". ولم أره في " فهرس التاريخ " بهذا التمام. وعزوه إليه فقط قصور واضح فعزوه لأحمد كان أولى، وذكره بلفظ " الشيخين ": " ثم ... ثم ... "، أولى وأولى كما لا يخفى على أولي النهي. 1490 - " أفضل العمل إيمان بالله وجهاد في سبيل الله ". أخرجه ابن حبان (94) عن إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال:

1491

" دخلت المسجد، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده، فقال: يا أبا ذر إن للمسجد تحية وإن تحيته ركعتان، فقم فاركعهما، فقال: فقمت فركعتهما، ثم عدت فجلست إليه فقلت .... يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيل الله، قال: قلت: يا رسول الله..... " الحديث بطوله، وهو طويل جدا. قلت: وإسناده هالك، إبراهيم بن هشام هذا قال أبو حاتم: " كذاب ". قلت: لكن حديث الترجمة منه صحيح، فقد أخرجه مسلم (1 / 62) من طريق أبي مراوح الليثي عن أبي ذر قال: " قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال الإيمان بالله، والجهاد في سبيله. قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها، وأكثرها ثمنا. قال: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا، أو تصنع لأخرق، قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل ؟ قال: تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك ". 1491 - " أفضل المؤمنين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله وأفضل المهاجرين من جاهد لنفسه وهواه في ذات الله ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (142 / 2) بسند صحيح عن سويد ابن حجير عن العلاء ابن زياد قال: " سأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: أي المؤمنين أفضل إسلاما؟ قال ... " فذكره وفي آخره: " قال: أنت قلته يا عبد الله بن عمرو أو رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال: بل رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.

(تنبيه) : كذا وقع في الأصل: " وأفضل المهاجرين من جاهد ... " الخ. ولا يخفى ما فيه ولعل الصواب ما في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني في " الكبير " عن ابن عمرو بلفظ: ".... وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وأفضل المهاجرين من هجر ما نهى الله عنه وأفضل الجهاد من جاهد نفسه في ذات الله عز وجل ". قال المناوي: " وإسناده حسن. ذكره الهيثمي ". ولبعضه شاهد مرسل بإسناد صحيح بلفظ: " الإسلام إطعام الطعام وطيب الكلام والإيمان السماحة والصبر وأفضل المسلمين إسلاما من سلم المسلمون من لسانه ويده وأفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وأفضل الهجرة من هجر ما حرم الله عليه ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (143 / 2) عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عبيد بن عمير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: ما الإسلام؟ قال: إطعام الطعام.... ". وهذا إسناد مرسل صحيح. ثم أخرجه موصولا.... من طريق محمد بن ذكوان عن عبيد بن عمير عن عمرو بن عبسة به. لكن محمد بن ذكوان وهو {الجهضمي} الطاحي ضعيف. ومن طريق سويد أبي حاتم: حدثني عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبيه عن جده به. وسويد هذا ضعيف أيضا، فالصواب المرسل. وأخرجه الحاكم (3 / 626) من طريق بكر بن خنيس عن عبد الله بن عبيد ابن عمير عن أبيه عن جده مرفوعا به دون ذكر الطعام والكلام والهجرة وذكر بدلها: " أفضل الجهاد كلمة عدل عند إمام جائر ".

1492

1492 - " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعين في النار، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وإحدى وسبعين في النار، والذي نفسي بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة، وثنتين وسبعين في النار، قيل: يا رسول الله من هم؟ قال: هم الجماعة ". رواه ابن ماجة (2 / 479) وابن أبي عاصم في " السنة " (63) واللالكائي في " شرح السنة " (1 / 23 / 1) من طريقين عن عباد بن يوسف حدثني صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عوف بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون غير عباد بن يوسف وهو الكندي الحمصي وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " ووثقه غيره، وروى عنه جمع. وللحديث شواهد تقدم بعضها برقم (203) . 1493 - " أفشوا السلام تسلموا ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (477 / 1266) وأحمد (4 / 286) وأبو يعلى (101 / 2) وابن حبان (1934) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 277) وكذا العقيلي في " الضعفاء " (356) وأبو حامد بن بلال النيسابوري في أحاديثه (15 / 1) وعبد الرحيم الشرابي في " أحاديث أبي اليمان وغيره " (83 / 1) والقضاعي (61 / 1) عن قنان بن عبد الله عن عبد الرحمن بن عوسجة عن البراء مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (71 / 1) وقال العقيلي: " حدثنا عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: سمعت يحيى بن آدم يقول: قنان ليس من بابتكم، قال أبي: كان يحيى قليل الذكر للناس، ما سمعته ذاكرا أحد غير قنان " قال العقيلي:

1494

" والمشهورون بغير هذا الإسناد في إفشاء السلام ". قلت: وقنان حسن الحديث فقد وثقه ابن معين، وقال النسائي ليس بالقوي وذكره ابن حبان في " الثقات " (2 / 249) ، وبقية رجال الإسناد " ثقات " فهو سند حسن. (تنبيه) زاد البخاري وأحمد وأبو يعلى وأبو نعيم: " والأشرة شر ". زاد البخاري: قال أبو معاوية: الأشرة: العبث. 1494 - " أفضل الأعمال أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص 98) والديلمي (1 / 1 / 123) من طريق ابن لال تبليغا عن عمار بن أخت سفيان الثوري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي محمد بن عمر، وعمار وهو ابن محمد ابن أخت الثوري كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم (4 / 269 - 270) بإسناد واه جدا. وله شاهد آخر فقال عبد الله بن المبارك في " الزهد " (684) : أخبرنا هشام بن الغازي عن رجل عن أبي شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه. قلت: وأبو شريك هذا لم أعرفه، ولا أستبعد أن يكون صحابيا، فقد جاء في القسم الثالث من " الإصابة ": " أبو شريك: ذكره المستنفري في " الصحابة " وأخرج من طريق ابن إسحاق أن عمر أعطاه أرضا ". وله شاهد ثالث من حديث ابن عمر وإسناده ضعيف جدا، خرجته في " الروض النضير " (481)

1495

وله شاهد رابع بلفظ: " أفضل الأعمال إدخالك السرور على مؤمن أو أشبعت جوعته أو كسوت عورته أو قضيت له حاجة ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 95 / 1 من الجمع بين المعجمين " عن كثير النواء حدثني أبو مسلم الأنصاري - وكان ابن خمسين ومائة سنة - سمعت عمر بن الخطاب يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال إدخالك ... ، وقال: " لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف لضعف النواء وهو كثير بن إسماعيل التميمي. وأبو مسلم الأنصاري هذا المحمر لم أعرفه. والشطر الأول منه يرويه النضر بن محرز عن محمد ابن المنكدر عن جابر قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم.... "، أخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (17 / 285 / 2) . والنضر هذا ضعيف. 1495 - " أفضل الإيمان الصبر والسماحة ". الديلمي (1 / 1 / 128) عن عبد العزيز بن الزبير عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار مرفوعا. قلت: ويروى عن الحسن مرسلا ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، زيد العمي ضعيف من قبل حفظه. وعبد العزيز بن الزبير، لم أعرفه. ومرسل الحسن وهو البصري وصله عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 10) .

1496

وأسنده ابن أبي شيبة في " الإيمان " (رقم 43) عنه عن جابر بن عبد الله أنه قال: " قيل يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ قال: الصبر والسماحة ". ورجاله ثقات، فهو صحيح لولا عنعنة البصري. والحديث صحيح المتن لأن له شاهدين عند أحمد من حديث عمرو بن عبسة وعبادة بن الصامت، وأخرج أولهما البيهقي أيضا في " الزهد الكبير " (87 / 1) من طريق أخرى عنه. ووجدت له شاهدا آخر مرسل أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (ق 143 / 2) عن عبيد بن عمير مرفوعا. وإسناده صحيح، وهو قطعة من حديث ذكرته تحت الحديث (1491) . 1496 - " أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله عز وجل ". رواه ابن مله في " الأمالي " (3 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 249) والديلمي (1 / 1 / 127) عن هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد - ولم يكن بدمشق أحفظ لكتاب الله منه - عن سعيد عن قتادة عن العلاء بن زياد عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل قال أن تجاهد .... وقال أبو نعيم: " كذا قال قتادة، وتفرد به عنه سعيد بن بشير وخالف سويد بن حجير قتادة، فقال: عن العلاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص ". قلت: سعيد بن بشير ضعيف كما في " التقريب "، فلا يصح عن قتادة ولا القول بأن سويدا خالف قتادة كما هو ظاهر. وسويد بن حجير ثقة من رجال مسلم، فإن صح السند إليه فالحديث صحيح. والله أعلم.

1497

والحديث عزاه السيوطي لابن النجار فقط! ويشهد للحديث حديث فضالة بن عبيد مرفوعا بلفظ: " المجاهد من جاهد نفسه لله أو قال في الله عز وجل. أخرجه أحمد (6 / 20 - 22) والترمذي (3 / 2 - تحفة) وابن حبان ثم وقفت على إسناد الحديث عند سويد بن حجير فانظر " أفضل المؤمنين " (1491) (1624) من طريق أبي هانىء الخولاني أن عمرو بن مالك الجنبي أخبره أنه سمع فضالة بن عبيد يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده جيد. 1497 - " أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الشكر الحمد لله ". رواه ابن حبان (2326) والخرائطي في " فضيلة الشكر " (2 / 2) والبغوي في شرح السنة (1 / 144 / 2) عن موسى بن إبراهيم الأنصاري عن طلحة بن خراش الأنصاري قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره وقال البغوي: " هذا حديث حسن غريب لا يعرف إلا من حديث موسى بن إبراهيم ". قلت: وهو صدوق يخطىء كما في " التقريب ". 1498 - " أفضل الكلام ما اصطفى الله لعباده: سبحان الله وبحمده ". رواه أحمد (5 / 148) وابن بشران في الكراس الأخير من الجزء الثلاثين (ق 3 / 1) عن عفان بن مسلم حدثنا وهيب حدثنا الجريري عن أبي عبد الله الجسري عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الكلام أفضل قال: ما اصطفى الله ...

1499

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 86) وكذا أحمد (5 / 161) من طريق شعبة عن الجريري به مرفوعا بلفظ: " ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟ قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال : إن أحب الكلام إلى الله سبحان الله وبحمده ". وقد أخرجه مسلم أيضا من طريق حبان بن هلال حدثنا وهيب به فذكره مثل حديث عفان وأخرجه أحمد أيضا (5 / 176) من طريق يزيد أنبأنا الجريري به. وللحديث شاهد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الكلام سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ". أخرجه أحمد (4 / 36) حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر كما هو معلوم، وقد علقه البخاري في " صحيحه " (9 / 117) بلفظ: " أفضل الكلام أربع .... " والباقي مثله سواء. وقد وصله مسلم (6 / 172) وغيره من حديث سمرة ابن جندب مرفوعا به. 1499 - " ألا أخبرك بأفضل القرآن؟ فتلا عليه: الحمد لله رب العالمين ". أخرجه الحاكم (1 / 560) من طريق علي بن عبد الحميد المعني حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم في سير، فنزل، ونزل رجل إلى جانبه، قال: فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم فقال " فذكره ". أخرجه الحاكم (1 / 560) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي.

1500

وأقول: المعني هذا لم يخرج له مسلم شيئا ولكنه ثقة، فالحديث صحيح فقط وله شواهد تجدها في أول " تفسير بن كثير ". والحديث بيض له المناوي! 1500 - " أفضل الحج العج والثج ". رواه أبو بكر بن سعيد القاضي في " سند أبي بكر الصديق " (74 / 1) قال: حدثنا محمد بن إسحاق البلخي قال: حدثنا ابن أبي فديك قال: حدثنا الضحاك بن عثمان الحزامي عن محمد بن المنكدر عن ابن عمر عن أبي بكر الصديق قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أفضل الحج؟ قال: العج والثج. ثم رواه (101 / 1) هو والدارمي (2 / 31) والترمذي (2 / 84 - تحفة) وابن ماجة (2 / 217 ) من طرق عن ابن أبي فديك به إلا أنه جعل عبد الرحمن بن يربوع بدل " ابن عمر " ثم رواه من طريق سعيد بن عثمان والضحاك جميعا عن محمد ابن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر، وقال الترمذي: " حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فديك عن الضحاك ابن عثمان، ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع، وقد روى محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه غير هذا الحديث، وروى أبو نعيم الطحان ضرار بن صرد هذا الحديث عن ابن أبي فديك عن الضحاك ابن عثمان عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأخطأ فيه ضرار. قال أبو عيسى: سمعت أحمد بن الحسن يقول: قال أحمد بن حنبل: من قال في هذا الحديث عن محمد بن المنكدر عن ابن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه فقد أخطأ. قال: وسمعت محمدا يقول: ذكرت له حديث ضرار بن صرد عن أبي فديك، فقال: هو خطأ، فقلت: قد روى غيره عن ابن أبي فديك أيضا مثل روايته فقال: لا شيء، إنما رووه عن ابن أبي فديك ولم يذكروا فيه سعيد بن عبد الرحمن، ورأيته يضعف ضرار ابن صرد ".

وجملة القول: أن الرواة اختلفوا على ابن أبي فديك في إسناد هذا الحديث، وأكثرهم قالوا: عنه عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر. وهذا الإسناد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أنه منقطع لأن ابن المنكدر لم يسمع من ابن يربوع كما تقدم في كلام الترمذي، والله أعلم. ثم وجدت له شاهدا، فقال أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1260 - 1261) : حدثنا أبو هشام الرفاعي أخبرنا أبو أسامة أخبرنا أبو حنيفة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وزاد " فأما العج فالتلبية وأما الثج فنحر البدن ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في الرفاعي واسمه محمد ابن يزيد بن محمد غير أبي حنيفة فهو مضعف عند جماهير المحدثين، ولكنه غير متهم، فالحديث به حسن. والله أعلم.

الاستدراك والتصويب الصفحة ... السطر ¬

الصفحة ... السطر ¬

الصفحة ... السطر ¬

الصفحة ... السطر ¬

الصفحة ... السطر ¬

الصفحة ... السطر ¬

الصفحة ... السطر ¬

بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة المؤلف إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد، فهذا هو المجلد الرابع من كتابي "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" يحوي -كأمثاله المتقدمة- خمسمائة حديث من الأحاديث الثابتة، أقدمه اليوم إلى القراء الكرام بعد أن مضى نحو خمس سنوات من طبع المجلد الذي قبله في سوريا، ولم يتيسر لنا طبع هذا الذي بين أيديهم إلا في هذه الآونة وفي الأردن، وبصعوبات طبعية جمة أحاطت به لا يعلم قدرها إلا الله عز وجل، لا داعي لشرحها وبيانها، إذ ما كل ما يُعلم يُقال، فحسبي أن أحتسب الأجر في تحملها عند الله تعالى الذي هو وحده ملاذ المؤمن ومعاذه في كل ما يناله ويصيبه من سراء أو ضراء، فإن ذلك كله خير بالنسبة للمسلم الصابر، كما في قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المتقدم في هذه السلسلة رقم (147) : "عجبت لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابه ما يُحب حمد الله وكان له خير، وإن أصابه ما يكره فصبر كان له خير، وليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن".

ولعل من الخير الذي قضاه الله لنا، في هذه البرهة المديدة لطبع الكتاب والصعوبات المشار إليها آنفاً أنه تبارك وتعالى أتاح لي فُرصةً للاستفادة من بعض الكتب الحديثية المصورة، أو التي تم طبعها حديثا، ووقفت عليها بعد أن نُضد هذا المجلد، ولم يقيض لي الاستفادة منها من قبل، الأمر الذي مكنني من أن أستمد منها جل مادة (الاستدراك) الذي يراه القارئ في آخر الكتاب، مصداقاً لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ... فأمر المؤمن كله خير"، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. هذا وقد يكون من المفيد أن أشير هنا إلى أمر هام طالما سُئلت عنه كتابة ولفظاً، وهو قولهم: ما هو السبب في مخالفتك في التصحيح والتضعيف بعض من تقدمك من الحفاظ المحدثين كالسيوطي والمناوي وغيرهما، فضلاً عن بعض المشتغلين بالحديث من المعاصرين؟ والجواب: أ- أما بالنسبة للحفاظ المتقدمين، فالسبب يعود إلى أمرين أساسين: الأول: أن الإنسان من طبعه الخطأ والنسيان، لا فرق في ذلك بين المتقدمين والمتأخرين، فقد ينسى المتقدم ويسهو، فيستدرك عليه المتأخر، وقديماً قالوا: كم ترك الأول للآخر. فالحكم حينئذ للدليل والبرهان، فمع أيهما كان اتُّبع. والآخر: وهو الأهم؛ أن المتأخر العارف بهذا الفن قد يتوسع في تتبع الطرق من دواوين السنة لحديث ما، فيساعده ذلك على تقوية الحديث لمعرفته بشواهده ومتابعاته وهذا من منهجي في التخريج، كما أشرت إلى ذلك فيما يأتي

(ص 525) ، وعلى تضعيف إسناد ظاهره الصحة، لأن تتبعه للطرق كشف له عن علة قادحة فيه كالإرسال أو الانقطاع أو التدليس وغيرهما، ما كان ليظهر له ذلك لولا تتبعه للطرق، وهذا أمر مذكور في علم مصطلح الحديث، فراجعه إن شئت في "الباعث الحثيث" في "المعلل من الحديث" (ص 68-77) أو غيره، ونحن -بفضل الله- من العارفين بذلك نظراً وتطبيقاً منذ نحو نصف قرن من الزمان، وكتبي أكبر شاهد على ذلك وبخاصة "إرواء الغليل"، وهذه السلسلة والسلسلة الأخرى، والأمثلة متوفرة فيهما بكثرة، ولا بأس من الإشارة إلى بعضها مما سيأتي في هذا المجلد (رقم 1502 و1513 و1528 و1542 و1566) و (ص 102 و143 و158 و176 و190 و202 و204 و215 و242 و243 و291 و299 و302 و314 و324 و330 و352 و355 و367 و381 و403 و404 و411 و424 و449 و466 و486 و541 و564 و568 و572 و618 و641 و648) . ب- وأما بالنسبة للمخالفين من المعاصرين، فليس لمخالفتهم عندي قيمة تُذكر، لأن جمهورهم لا يُحسن من هذا العلم إلا مجرد النقل، وتسويد الحواشي بتخريج الأحاديث وعزوها لبعض الكتب الحديثية المطبوعة، مستعينين على ذلك بالفهارس الموضوعة لها قديماً وحديثاً، الأمر الذي ليس فيه كبير فائدة، كما كنت شرحت ذلك في مقدمة كتابي "غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام" (ص 4) ، بل إنني أرى أن مثل هذا التخريج لا يخلو من شيء من التضليل -غير مقصود طبعاً- لكثير من القراء الذين يستلزمون من مجرد عزو الحديث لإمام أن الحديث مثبت! ويزداد توهمهم لصحة الحديث إذا اقترن مع تخريجه القول بأن رجاله ثقات، أو رجاله رجال

الصحيح، وهو لا يعني الصحة عند العلماء، كما كنت حققته في مقدمة كتابي "صحيح الترغيب" (1/39-47) وغيرها، كما أنهم يتوهمون من قول المُخرِّج: في إسناده فلان وهو ضعيف. أن الحديث ضعيف! وقد يكون معهم بعض هؤلاء المُخرِّجين أنفسهم! لجهلهم بما تقرر في علم المصطلح: أنه لا يلزم من ضعف السند ضعف المتن لاحتمال أن يكون لهذا الضعيف متابع يتقوى به، أو يكون للحديث شاهد يعتضد به كما أشرت إلى ذلك في تخريج الحديث الآتي برقم (1901) صفحة (525) ، وهذه حقيقة يعلمها كل من مارس هذا العلم وكان حافظاً واسع الاطلاع على المتون والأسانيد والشواهد، ذا معرفة بالرواة وأحوالهم، مع الدأب والصبر على البحث والنقد النزيه، وتجد هذه الحقيقة جليةً في كتبي كلها، وبخاصة هذه السلسلة، وبالأخص هذا المجلد منها، ويتجلى ذلك للقارئ بصورة سريعة جلية برجوعه إلى فهرس (أ- المواضيع والفوائد) . على أنه قد يكون إعلال الحديث بالراوي الضعيف، إنما هو اعتماد على قولٍ مرجوحٍ في تضعيفه قاله بعض أئمة الجرح والتعديل، ويكون هناك من وثقه ويكون توثيقه هو الراجح، فالتصحيح والتضعيف عملية علمية دقيقة، تتطلب معرفة جيدة بعلم الحديث وأصوله من جهة، وتحرياً وإحاطة بالغة بطرق الحديث وأسانيدها من جهة أخرى، وهذا أمر لا يستطيعه ولا يُحسنه جماهير المشتغلين اليوم بتخريج الأحاديث، وإذا رأَيت لأحدهم تحقيقاً ونفساً طويلاً في ذلك فهو على الغالب مسروق منتحل! والمنصفون منهم يَعزون التحقيق لصاحبه، وقليل ما هم. وسيرى القراء الكرام في هذا الكتاب أمثلة كثيرة تدل على ما ذكرنا من التقصير في تتبع الطرق والتحقيق؛ الذي أودى ببعض المعاصرين إلى تضعيف الأحاديث الصحيحة، فانظر مثلا آخر الكلام على حديث (العترة) (رقم 1761) ففيه الإشارة إلى

من ضعفه من أفاضل الدكاترة المعاصرين وإلى من ضعف حديث: "تركت فيكم أمرين ... كتاب الله وسنتي.." من إخواننا الطيبين -إن شاء الله- فإنك تجد في ذلك مثالاً صالحاً للعبرة، هذا مع كون الاثنين على شيء لا بأس به من المعرفة بهذا العلم، فماذا يُقال عن الذين يتكلمون في تصحيح الأحاديث وتضعيفها بغير علم، بل بالهوى أو بالتقليد الأعمى لمن لا تخصص له بهذا العلم الشريف بل ولا له أية معرفة به!! كالذين يضعفون أحاديث المهدي الصحيحة، وأحاديث عيسى عليه السلام وغيرها. انظر (ص 38) ، وبعضهم يُخرج الأحاديث بطريقة يوهم القراء أنه بقلمه، وهو لغيره، حرصاً منه على الشهرة، وأن يُقال فيه محدث! وهؤلاء فيهم كثرة، وأساليبهم اليوم مختلفة. وبين يدي الآن المجلد الأول من كتاب "مختصر تفسير ابن كثير" اختصار وتحقيق محمد علي الصابوني، فيه العجب العجاب من السرقة باسم الاختصار والتحقيق، وليس فيه من التحقيق شيء، فإن الرجل ابتاع أسلوبا جديداً في ادعاء العلم وما ليس له منه، ذلك أن الحافظ ابن كثير في تخريجه لأحاديث "تفسيره" له طريقتان في غير ما رواه الشيخان: الأولى: يسوق الحديث بإسناد مخرجه من المصنفين كأصحاب السنن والمسانيد والتفاسير. والأخرى: يسوق الحديث ويُخرجه بعزوه إلى المصنفين دون أن يذكر الإسناد. وهو في كل من الحالتين تارة يُصرح بمرتبة الحديث، وذلك من فوائد "تفسيره" وتارة يسكت، وهو في الحالة الأولى أكثر سكوتاً، ومن أمثلته

حديث قتل اليهود ثلاثة وأربعين نبياً في ساعة واحدة؛ وقد خرجته في السلسلة الأخرى برقم (5461) . ومنها حديث "الأبدال في أمتي ثلاثون، بهم ترزقون ... " وإسناده ضعيف جداً، وهو مخرج هنالك برقم (936) ، وحديث: اسم الله الأعظم في (آل عمران) : (قل اللهم مالك الملك ... ) وهو موضوع كما بينته هناك برقم (2772) إلى غير ذلك من الأمثلة وهي كثيرة جداً، لو تتبعَتْ لكان منها كتاب في مجلد كبير. فجاء هذا الرجل الصابوني إلى هذه الأحاديث التي سكت عنها ابن كثير فاعتبرها صحيحة بإيراده إياها في "مختصره" وتصريحه في مقدمته (ص 9) بأنه اقتصر فيه على الأحاديث الصحيحة، وحذف الأحاديث الضعيفة! كما حذف الروايات الإسرائيلية، وهو في كل ذلك غير صادق كما تقدم وزدته بياناً في تخريج الحديث المشار إليه آنفا برقم (5461) ، وهو في ذلك قد سبق كل من كتب في هذا العلم الشريف جهلا وتضليلاً ودعوى فارغة، بحيث لا أعرف له شبيهاً إلا أن يكون المسمى عز الدين بليق صادقاً في قوله في مقدمة كتابه الذي سماه بغير حق "منهاج الصالحين": "لا يروي الأحاديث المتناقضة، ويستبعد الأحاديث الضعيفة أو الموضُوعة". وهو في قوله هذا أفاك كذاب، فقد درست كتابه هذا دراسة دقيقة لمناسبة عرضت، وتتبعت أحاديثه حديثاً حديثاً، فهالني كثرة ما فيه من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، حتى جاوز مجموعها الأربعمائة حديث، فتعجبت من جرأته وإقدامه على هذه الدعوى الطويلة العريضة، وهو من أجهل -إن لم أقل: أجهل- من رأيت ممن كتب في الحديث الشريف، ولا أعلم من يساويه

في ذلك إلا أن يكون الصابوني هذا، فإنه قلده حذو القذة بالقذة، فادعى كما سبق بأن مختصره ليس فيه إلا الأحاديث الصحيحة! إلا أنه يزيد عليه بإعجابه بنفسه وغروره بأنه أستاذ التفسير بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة كما يصف نفسه به في كتبه، وبأنه يضمر لأهل الحديث والعاملين به الذين يُسمَّوْن في بعض البلاد بـ (السلفيين) أشد البغض، ويحقد عليهم أسوأ الحقد، يدلك على ذلك ما سود به كتيبه الذي سماه بغير حق أيضاً "الهدي النبوي الصحيح في صلاة التراويح"، فإنه ما ألفه إلا للرد على السلفيين الذين أحيوا -فيما أحيوا- سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في صلاة التراويح إحدى عشرة ركعة، وليته كان رداً علمياً، إذن لقلنا: له رأيه واجتهاده -إن كان له رأي واجتهاد! - ولكنه جعله -والله أعلم- ذريعة لينال منهم، ويشفي بذلك غيظ نفسه، ويروي غليل صدره بسبهم وشتمهم والافتراء عليهم، فهو يلقبهم بـ "المتسلفين" (ص 35) ويكرر ذلك في غير ما موضع (ص 77 و138) وبـ "الجاهلين" (ص 75) وبـ "سوء الفهم وغباء الذهن" (ص 80) وبـ "الأدعياء المتطاولين على العلماء"، وبـ "تضليل السلف الصالح" (ص 89) ويكرر هذا في غير ما مكان واحد، وبـ "أدعياء العلم" (ص 130) ! إلى غير ذلك من الألفاظ التي تنبئ العاقل على ما انطوت عليه نفس هذا الرجل من الغل والحسد وسوء الظن بالمسلمين. فالله سبحانه وتعالى حسيبه، وليس من همي أن أرد عليه في كلماته هذه، فإن الأمر كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا} ولكني أريد أن أبين للناس أنه هو الدعي للعلم لكي لا يغتروا به وبكتاباته التي تطفح بالجهل المركب كما رأيت فيما تقدم صنيعه في "مختصره". وأصرح من ذلك دلالة وأكشف لخزيه وعاره أنه زين الصفحة الأولى من

الورقة الأولى من "مختصره" وكذلك فعل بكتابه الآخر الذي سماه "صفوة التفاسير"؛ زينهما بأربعة أحاديث مخرجة تخريجاً مكذوباً مفضوحاً فيها كلها، ووضع تحتها اسم المنفق على طبع الكتابين المذكورين السيد حسن عباس شربتلي، وليس يهمني تحقيق أنها بقلم هذا أو الصابوني لأن الغاية تحذير القراء من الوقوع في الكذب على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى العلماء، وتعريفهم بمن يدعي العلم ليحذروه،! والأحاديث الأربعة هي كما ساقها: 1- "أشراف أمتي حملة القرآن". الترمذي 2- "من قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنة ... ". البخاري 3- "اقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لصاحبه". البخاري 4- "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ... ". متفق عليه فعزوه هذه الأحاديث الأربعة إلى المذكورين كذب عليهم وهاك البيان: أما الحديث الأول فلم يروه الترمذي مطلقاً، وإنما رواه الطبراني وغيره من المتساهلين في الرواية الذين لا يلتزمون الصحيح من الحديث. (انظر الجامع الصغير والكبير للسيوطي) . والحديث الثاني والثالث فكذب على البخاري، فإنه لم يروهما، وإنما روى الثاني منهما الترمذي وصححه، وهو مخرج في التعليق على "الطحاوية" (ص 206 - الطبعة الرابعة) . وأما الثالث فرواه مسلم دون البخاري كما في "الترغيب" و"الجامعين" وغيرهما. وأما الرابع، فإنما رواه الإمام مالك في "الموطأ" معضلاً، لكن له شاهد عن ابن عباس، خرجته في "المشكاة"، وآخر بمعناه، سيأتي الكلام

عليه في هذا المجلد بإِذن الله في نهاية الحديث (1761) . ثم وقفت له على شاهد ثالث من حديث أنس في "طبقات الأصبهانيين" لأبي الشيخ (ص 279 - مخطوطة الظاهرية) ، فازداد الحديث به قوة على قوة، والحمد لله، وكان الأولى أن يذكر هناك، أو في (الاستدراك) ، ولكن هكذا قُدِّر، والخيرة فيما اختاره الله عز وجل. هذا وقد يقول قائل: إن تَعْصيب الجناية في هذه الأحاديث الأربعة بالشيخ الصابوني لا وجه له، لأنها ليست بقلمه. فأقول: الحقيقة أن ما تقدم من الإشارة إلى نمط من أخطائه في "مختصره" وإن كان يكفي لإدانته بالجناية على أحاديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتضليله لقرائه فيها، فإنه يتحمل أيضا مسؤولية هذه الأحاديث الأربعة أيضا، لأنها إن لم تكن بقلمه وتزلف بنسبتها إلى المحسن الشربتلي، فحسبه أنه رضي بنشرها له في أول صفحة من كتابيه، وإن مما لا شك فيه أن أقل من ذلك يُعتبر إقرارا منه لها عند أهل العلم، فكيف وهو قد زين بها واجهة كتابيه؟! فإن قيل: لعله لا يعلم ما ذكرت من حالها. فأقول: نعم هذا ممكن، بل إن حسن الظن به وأنه لم يتقصد تزيين واجهة كتابه بالكذب على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى العلماء يحملنا على ترجيح أنه لا يعلم ذلك، ولكن أليس هذا الاعتذار عنه أو منه، هو كما يُقال: عذر أقبح من ذنب! إذ كيف يجوز له أن يُزين بها كتابه وهو لا يعلم حالها؟؟ والله عز وجل يقول: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} . ولقد أحسن من قال لمثله:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ... وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم إن هذا الرجل وأمثاله من المقلدين يقيمون أشد النكير على الشباب المؤمن، لا لشيء إلا لكونهم يتبعون السنة الصحيحة، ولا يلتزمون مذهباً معيناً يقلدونه -كما هو الواجب كتاباً وسنة واتباعاً للأئمة الأربعة وغيرهم- بدعوى أنهم ليسوا من أهل العلم، فيوجبون عليهم أن يقلدوا المذهب، وينسون أنفسهم حين يكتبون في علم الحديث وهم به أجهل من أولئك السُّنِّيِّين بفقههم التقليدي! دون أن يشعروا مطلقاً بأنهم يعيثون فساداً في الأصل الثاني من أصلي الشريعة، ألا وهي السنة المطهرة وأنهم يتعرضون بذلك للوقوع في وعيد الكذب على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عمداً أو جهلاً، فيصدق عليهم على الأقل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "من حدث عني بحديث يُرى (أي عند أهل العلم بالحديث) أنه كذب فهو أحد الكذابَيْن". رواه مسلم وغيره. فإن الحديث الأول الذي عزاه للترمذي كذباً، هو نفسه أيضاً لا يصح كما قال إمام المحدثين البخاري، لأنه من رواية نهشل بن سعيد وهو كذاب كما قال الإمام ابن راهويه ومن قبله الطيالسي، وفيه راو آخر واهٍ، وقد خرجته في الكتاب الآخر: "الضعيفة" (2416) . ذكرت آنفاً ما يقتضيه حسن الظن به أن تخريج تلك الأحاديث ليست له، ولكني وجدت الرجل -لإغراقه في جهله- لا يَدَعني أن أبقى عند ما ذكرتُ، فقد وجدته وقع له في صلب كتيبه المتقدم أكاذيب أخرى تشبه تلك مشابهة تامة، إلى أخطاء أخرى، لا بُد لي من بيانها نصحاً وتحذيراً. 1- ذكر (ص 67) حديث " ... وسننت لكم قيامه"، وقال:

"رواه أصحاب السنن" وهم أربعة معروفون، ولم يروه منهم إلا النسائي وابن ماجه! 2- ذكر (ص 18) حديثاً في فضل رمضان، وقال: "رواه النسائي" وهو كذب عليه، فإنه لم يروه، وإنما رواه الطبراني كما في "الترغيب" و"المجمع" للهيثمي، وقال: "فيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو ضعيف". 3- وذكر (ص 50) حديث: "أرِحنا بها يا بلال"، فقال في الحاشية مخرجاً له: "لسان العرب". فلم يعرف هذا المسكين مصدراً لهذا الحديث غير هذا الكتاب المعروف بأنه ليس من كتب الحديث، وإنما هو في اللغة، مع أنه في "سنن أبي داود" ومخرج في كتب السنة مثل "المشكاة" (1253) وغيره! 4- أورد (ص 56) أثر أُبيّ بن كعب في صلاته في رمضان عشرين ركعة، وأنه كان لا يقنت إلا في النصف الثاني ... وقال نقلاً عن "المغني" لابن قدامة: "رواه أبو داود". قلت وله علة ظاهرة وهي الانقطاع بين الحسن -وهو البصري- وعمر، وبمثله يحتج على السلفيين المتمسكين بالسنة في صلاة التراويح كما تقدم، ويرميهم بكل باقعة كما سلف. 5- ذكر (ص 78) حديث "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وفي رواية

أخرى: "ما كان الله ليجمع أمتي على ضلالة. وقال: "رواه أصحاب السنن". وهذا كذب أيضاً عليهم جميعاً إلا الترمذي فإنه رواه باللفظ الأول، وأما الآخر فرواه ابن أبي عاصم في "السنة" وإسناده ضعيف كما بينته في "ظلال الجنة" (رقم 80) ، لكنه حسن بمجموع طرقه كما شرحته في "الصحيحة" (1331) وغيره. 6- وفي (ص 96) ذكر قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الكبر بطر الحق وغمط الناس" وقال: "أخرجه البخاري". قلت: وهو كذب عليه أيضاً فإنما رواه مسلم فقط في "الصحيح" عن ابن مسعود، نعم رواه البخاري في "الأدب المفرد" عن ابن عمرو، فإن كان يعنيه، فهذا من الأدلة على أن الصابوني لجهله لا يُفرق بين ما يرويه البخاري في "الصحيح" وما يرويه خارجه، وإلا لقيد العزو إليه بقوله: "في الأدب المفرد"! وهو مخرج في المجلد الأول من هذه "السلسلة الصحيحة" برقم (134) ، وسيأتي بإذن الله تعالى بزيادة في التخريج والطرق في هذا المجلد برقم (1626) . 7- ذكر (ص 128) حديث: "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل"، وقال في تخريجه: "أخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد في المسند (5/252) وقال: إسناده صحيح". قلت: ولقد كذب على الإمام أحمد أيضاً -وإن كان الحديث في نفسه

ثابتاً- فإنه لم يقل ذلك، وقد أخرجه في موضع آخر من "المسند" (5/256) ، وهذا الكذب يعرفه كل مشتغل بهذا العلم الشريف، فإن الإمام أحمد رحمه الله ليس من عادته في مسنده التصحيح. ولقد خطر في البال أنه لم يحسن التعبير، أراد أن يقول: وقال الترمذي: "إسناده صحيح"، ولكن الترمذي لم يقل ذلك أيضاً، وإنما قال: "حسن صحيح"، والفرق بين العبارتين لا يخفى على أهل العلم. ولهذا الرجل أخطاء كثيرة، وأكاذيب أخرى، وبخاصة على إخواننا السلفيين، لا مجال لذكرها أو الإشارة إليها في هذه المقدمة؛ فإنها حديثية محضة، ولعله يُتاح لنا ذلك في فرصة أخرى إن شاء الله. وجملة القول: إنني أطلت الكلام في الشيخ الصابوني بصورة خاصة من بين المخالفين من المعاصرين، لأنه يصلح مثالاً لجمهورهم الذين لا يحسنون من هذا العلم حتى ولا مجرد النقل، وزاد عليهم في كثرة أوهامه وأكاذيبه، فلا يقام لأمثاله وزن في هذا العلم الشريف. وهذا لا يمنعني من أن أعترف أن هناك بعض الرجال المتأخرين لهم فضلهم الظاهر في هذا العلم، نستفيد كثيراً من تحقيقاتهم وتعليقاتهم، كأمثال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وغيره من الأفاضل. والله ولي التوفيق. وفي الختام لا بد لي من أن أشكر كل من ساعدني في تبييض هذا المجلد وتقديمه إلى المطبعة وتصحيح تجاربه ووضع فهارسه، وبخاصة ابنتي أنيسة أم عبد الله جزاها الله خيراً، وبارك فيها وفي زوجها وذريتهما، فإنها ساعدتني كثيرا في تصحيح التجارب وكتابة بطاقات الفهارس، فوفرت عليَّ بذلك وقتاً كثيراً وجهداً عظيماً.

كما أشكر الدار السلفية في الكويت، والمكتبة الإسلامية في عمان على جهودهما في طبع هذا المجلد ونشره على الناس. أثابني الله وإياهم جميعاً على خدمة حديث رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتقديمه إلى المسلمين صافياً نقياً، ورزقنا العلم النافع والعمل الصالح، وختم لنا بالوفاة على الإيمان والتوحيد الخالص؛ إنه سميع مجيب. عمان 12 ربيع الآخر سنة 1404 هـ وكتب محمد ناصر الدين الألباني

1501

1501 - " أفشوا السلام وأطعموا الطعام وكونوا إخوانا كما أمركم الله ". رواه النسائي في " القضاء " من " السنن الكبرى " له (4 / 4 / 2) وابن ماجة (3252) وأبو الحسن الحربي في " الحربيات " (1 / 18 / 1) وابن عدي في " الكامل " (157 / 1) عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى: حدثنا نافع وفي رواية عنه قال: سليمان بن موسى أخبرني عن نافع - عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات وابن جريج قد صرح بالتحديث في الرواية الأخرى، على أن للحديث شواهد تقدم بعضها في المجلد الثاني برقم (569) وفي المجلد الثالث برقم (1439) . وأما الجملة الأخيرة من الحديث فهي مشهورة وردت عن جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس في " الصحيحين " وغيرهما وهما مخرجان في " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " برقم (404) ، وزاد مسلم : " كما أمركم الله ". (تنبيه) : أقول بهذه المناسبة لقد سئلت كثيرا عما جاء على غلاف بعض الطبعات الأخيرة لكتاب " الحلال والحرام " للأستاذ القرضاوي أنه من " تخريج محمد ناصر الدين الألباني "! فأقول: إنه خطأ محض، كما كنت بينت ذلك في مقدمة كتابي المذكور " غاية المرام ... "، والتخريجات المطبوعة في حاشية كتاب الأستاذ هي بقلمه، ليس لي فيها ولا كلمة وهي مع كونها نقول مقتضبة من مصادر مختلفة، ففيها أخطاء علمية كثيرة من الناحية الحديثية والسكوت عن بيان مراتب عشرات الأحاديث النبوية مما يباين أسلوب في كتبي، وكل تخريجاتي وتحقيقاتي، فلا يجوز أن ينسب إلي شيء مما جاء في تلك الحاشية، كيف وفيها كثير مما يخالف ما ذهبت إليه في " غاية المرام " كما تنبه لذلك بعض الأذكياء من القراء. والله المستعان.

1502

1502 - " أفضل الأيام عند الله يوم الجمعة ". هكذا أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية البيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة. وقال المناوي في شرحه: " إسناده حسن ". وفيه بعد عندي، فقد أخرجه الترمذي (2 / 236) من طريق موسى بن عبيدة عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة مرفوعا في حديث أوله: " اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة، والشاهد يوم الجمعة، وما طلعت الشمس ولا غربت على يوم أفضل منه، فيه ساعة ... ". وموسى بن عبيدة ضعيف وقد تفرد به كما أفاد ابن عدي، وقد ذكرت كلامه في التعليق على " المشكاة " (رقم 1362) . وأورده السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 113 / 2) كما ذكره في " الصغير " لكن بزيادة " وهو الشاهد، والمشهود يوم عرفة، واليوم الموعود يوم القيامة ". وهكذا ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 203) من طريق الزبيدي عن أيوب بن خالد بن صفوان أن أوس الأنصاري حدثه عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به دون قوله: " واليوم الموعود ..... ". وقال: " قال أبي: هذا خطأ، إنما هو أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس عن عبد الله (بن) رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: يعني كما رواه موسى بن عبيدة. فيبدو من مجموع ما تقدم أن مدار الحديث عليه، فأنى له الحسن؟ ! لكن يشكل عليه أن أبا حاتم رجح إسناده على إسناد الزبيدي، وهذا ثقة، والأول ضعيف، فكيف يرجح روايته عليه؟ وهذا مما يلقي في البال أن يكون المرجح عنده،

من غير طريق موسى بن عبيدة، فلعل البيهقي أخرجه في " الشعب " من غير طريقه أيضا. وفيه بعد. والله أعلم. نعم حديث الترجمة صحيح، فقد رواه شعبة قال: سمعت العلاء يحدث عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما تطلع الشمس بيوم ولا تغرب بأفضل أو أعظم من يوم الجمعة، وما من دابة إلا تفزع ليوم الجمعة.... " الحديث. أخرجه أحمد (2 / 457) بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه مسلم في " صحيحه " (3 / 6) من وجه آخر عن أبي هريرة نحوه. وهو رواية لأحمد (2 / 401 و 418) ، وأخرجه الحاكم (2 / 544) من وجه ثالث عن أبي هريرة مختصرا وقال: " صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجاه من حديث الزهري بغير هذا اللفظ ". ولم أره عند البخاري والله أعلم. ثم وجدت لتمام حديث موسى بن عبيدة شاهدا من حديث أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اليوم الموعود يوم القيامة، وإن الشاهد يوم الجمعة، وإن المشهود يوم عرفة ويوم الجمعة ذخره الله لنا، وصلاة الوسطى صلاة العصر ". أخرجه الطبراني (3458) عن هاشم بن مرثد، وابن جرير في " التفسير " عن محمد بن عوف قالا: حدثنا محمد ابن إسماعيل بن عياش قال: حدثني أبي قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، فاستثناء ابن إسماعيل، ثم هو منقطع بين شريح ابن عبيد وأبي مالك الأشعري. ومحمد بن إسماعيل بن عياش قال الهيثمي (7 / 135) :

1503

" ضعيف ". وبين وجهه الحافظ في " التقريب " بقوله: " عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع ". لكنه أفاد في " التهذيب " فائدة هامة فقال: " وقد أخرج أبو داود عن محمد بن عوف عنه عن أبيه عدة أحاديث، لكن يرونها (الأصل: يروونها) بأن محمد بن عوف رآها في أصل إسماعيل ". قلت: فإذا صح هذا، فرواية ابن عوف عنه قوية لأنها مدعمة بموافقتها لما وجده ابن عوف في أصل إسماعيل، وهي وجادة معتبرة، كما لا يخفى على المهرة. وبالجملة فالحديث بهذا الشاهد حسن. والله أعلم. وأخرج تمام في " الفوائد " (5 / 2) وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (4 / 280 / 2) عن عمار بن مطر: حدثنا مالك بن أنس عن عمارة بن عبد الله بن صياد عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه مرفوعا في قوله تعالى: * (وشاهد ومشهود) *: " الشاهد يوم الجمعة، والمشهود يوم عرفة ". لكن عمار بن مطر قال الذهبي: " هالك، وثقه بعضهم، ومنهم من وصفه بالحفظ ". فلا يستشهد به لشدة ضعفه. وفيما تقدم غنية عنه. 1503 - " أفضل ما قلت أنا والنبيون عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير ".

رواه الطبراني في " فضل عشر ذي الحجة " (13 / 2) عن قيس بن الربيع عن الأغر ابن الصباح عن خليفة بن حصين عن علي مرفوعا. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير قيس بن الربيع فهو سيء الحفظ، فحديثه حسن بماله من الشواهد. فمنها ما في " الموطأ " (1 / 422 / 246) عن زياد بن أبي زياد مولى عبد الله بن عياش (¬1) بن أبي ربيعة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره دون قوله " له الملك ... " وزاد في أوله: " أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة ". وهذا إسناد مرسل صحيح، وقد وصله ابن عدي والبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة مرفوعا به وزاد : " له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ". كما في " الجامع الكبير " (1 / 114 / 1) و " الزيادة على الجامع الصغير " (ق 29 / 1) . ومنها عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به نحوه، وفيه الزيادة التي في " الموطأ " والزيادة التي في " الشعب " دون قوله: " يحيي ويميت، بيده الخير ". أخرجه الترمذي بسند فيه ضعف بينته في " تخريج المشكاة " (2598) . ومنه يتبين أن قوله: " يحيي ... " منكر، لتفرد هذه الطريق به. ومنها ما أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (331 / 1 - المدينة) عن أبي مروان: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب مرسلا مختصرا بلفظ: ¬

(¬1) بالشين المعجمة، وقد يصحف، انظر الشاهد الآتي للحديث (1695) . اهـ.

1504

" أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وإن أفضل ما أقوله أنا وما قال النبيون من قبلي: لا إله إلا الله ". قلت: وهذا مرسل حسن الإسناد، المطلب هو ابن عبد الله بن حنطب صدوق، ومن دونه ثقات رجال مسلم غير أبي مروان وهو محمد بن عثمان بن خالد الأموي صدوق يخطىء كما قال الحافظ في " التقريب ". وجملة القول: أن الحديث ثابت بمجموع هذه الشواهد والله أعلم. 1504 - " أفضل الشهداء من سفك دمه، وعقر جواده ". أخرجه أحمد (5 / 265) من طريق علي بن يزيد عن القاسم أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: " ... قلت: يا نبي الله أي الشهداء أفضل؟ قال: من سفك ... ". قلت: وهذا إسناد ضعيف علي بن يزيد وهو الألهاني، قال الحافظ: " ضعيف ". وله شاهد يرويه إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (94) . لكن إبراهيم هذا كذاب، فلا يصلح للاستشهاد به. بيد أن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة منها عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي القتل أشرف؟ قال: " من أهريق دمه، وعقر جواده ".

1505

أخرجه أبو داود وأحمد بسند صحيح، كما بينته في " صحيح أبي داود " (1196 و 1303) . ومنها عن جابر قال: " قيل يا رسول الله أي الجهاد أفضل؟ قال: من عقر جواده وأهريق دمه ". أخرجه الدارمي (2 / 201) وابن حبان (1608) وأحمد (3 / 300 و 302) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وله طريق أخرى عن جابر عند أحمد (3 / 346 و391) . ومنها عن عمرو بن عبسة مثل الذي قبله. أخرجه أحمد (4 / 114) عن أبي قلابة عنه. ورجاله ثقات رجال الشيخين، فهو صحيح إن كان أبو قلابة سمعه من عمرو بن عبسة. 1505 - " يوشك أن يغلب على الدنيا لكع بن لكع، وأفضل الناس مؤمن بين كريمين ". أخرجه الطحاوي في " المشكل " (2 / 428) : حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب حدثنا عمي عبد الله بن وهب أخبرني إبراهيم بن سعد الزهري عن الزهري أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه: أخبرني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم أخرجه من طريق عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عبد الملك بن أبي بكر أن أبا بكر بن عبد الرحمن أخبره أن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثم ذكر مثله ولم يرفعه.

1506

قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، عبد الله بن صالح وإن احتج به البخاري فقد تكلم فيه من قبل حفظه. وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب وإن احتج به مسلم، فقد قال الحافظ: " صدوق تغير بأخرة ". وقد خولف في رفعه، فقال الإمام أحمد في " مسنده " (5 / 430) : حدثنا أبو كامل حدثنا إبراهيم بن سعد حدثنا ابن هشام عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أبيه عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره موقوفا، قال أحمد عقبه: " لم يرفعه ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي كامل، واسمه مظفر ابن مدرك الخراساني وهو ثقة، وهو وإن كان موقوفا، فهو في حكم المرفوع، لاسيما وقد ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ: " أفضل الناس يومئذ ... " والباقي مثله سواء وقال: " رواه العسكري في " الأمثال " والديلمي وسنده حسن ". 1506 - " أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به ". أخرجه الحاكم (4 / 122) من طريق ابن وهب عن أبي هاني الخولاني عن أبي علي الجنبي - وهو عمرو بن مالك - عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا.

1507

وأخرجه الترمذي (2 / 56) وابن حبان (2541) والحاكم (1 / 35) وكذا ابن المبارك في " الزهد " (553) ومن طريقه القضاعي في " مسنده " (ق 52 / 1) وأحمد (6 / 19) من طريق حيوة بن شريح: أخبرني أبو هاني ... بلفظ: " طوبى لمن هدي ... " الحديث. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: الصواب: أنه صحيح فقط كما قالا في الرواية الأولى، فإن عمرو بن مالك لم يخرج له مسلم شيئا. وله شاهد يرويه حسام بن مصك عن ثابت عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " طوبى لمن أسلم وكان عيشه كفافا ". أخرجه أبو عبد الله الرازي في " مشيخته " (ق 26 / 2) . لكن حسام هذا قال الحافظ: " ضعيف يكاد أن يترك " . وله شاهد آخر صحيح بنحو الرواية الأولى من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا وقد مضى تخريجه برقم (129) وذكرنا له هناك ثلاث طرق لا تجدها في كتاب آخر. 1507 - " بينما رجل في حلة له وهو ينظر في عطفيه إذ خسف الله به، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 170 - زوائده) : حدثنا عبد الله بن سعيد

حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي حدثنا رشدين بن كريب عن أبيه قال: " كنت أقود ابن عباس في زقاق أبي لهب، وذلك بعدما ذهب بصره، فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ". فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير رشدين بن كريب وهو ضعيف كما في " التقريب "، وقد اضطرب في لفظه، فرواه تارة هكذا، وتارة على أنها قصة وقعت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه! فقال: أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1580) : حدثنا الحسن بن حماد الكوفي أخبرنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن ابن كريب عن أبيه قال: " كنت أقود ابن عباس في زقاق أبي لهب، فقال: يا كريب! بلغنا مكان كذا وكذا؟ قلت: أنت عنده الآن، فقال: حدثني العباس بن عبد المطلب قال: " بينما أنا مع النبى صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع، إذ أقبل رجل يتبختر بين برديه وينظر إلى عطفيه وقد أعجبته نفسه، إذ خسف الله به الأرض في هذا الموطن، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ". وهذا إسناد رجاله ثقات أيضا غير رشدين، وبهذا اللفظ أورده الهيثمي في " المجمع " ( 5 / 125) وقال: " رواه أبو يعلى والطبراني والبزار بنحوه باختصار، وفيه رشدين بن كريب وهو ضعيف ". قلت: واللفظ الأول أقرب إلى الصواب لأن له شاهدا من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة مرفوعا بلفظ: " بينما رجل يجر إزاره إذ خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة ". أخرجه البخاري (4 / 73) .

1508

1508 - " أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ". رواه أحمد (1 / 293) والطحاوي في " المشكل " (1 / 50) والحاكم (2 / 594 و3 / 160 و 185) والضياء في " المختارة " (65 / 67 / 1) والطبراني (رقم 11928) عن داود بن الفرات الكندي عن علباء بن أحمد اليشكري عن عكرمة عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة أخطط، ثم قال: " تدرون ما هذا؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري غير علباء بن أحمد، فهو من رجال مسلم. وله شاهد من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " حسبك من نساء العالمين ... " فذكرهن. أخرجه أحمد (3 / 135) وصححه ابن حبان (2223) . ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عند الطبراني (12179) بسنده عن كريب عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " سيدات نساء أهل الجنة بعد مريم بنت عمران: فاطمة وخديجة وآسية امرأة فرعون ". قلت: وإسناده صحيح. وذكره الهيثمي (9 / 223) بلفظ آخر نحوه وقال:

1509

" رواه الطبراني، وفيه محمد بن الحسن بن زبالة وهو متروك ". قلت: طريق كريب سالم منه، فاقتضى التنبيه. وله شاهد من حديث عائشة مرفوعا مثله دون لفظة " بعد " ولكنه قدم (مريم) في الذكر. أخرجه الحاكم (3 / 185 و186) وسكت عنه، وقال الذهبي: " صحيح على شرط الشيخين ". وهو كما قال. 1509 - " إن أحسن ما غير به هذا الشيب الحناء والكتم ". أخرجه أبو داود (2 / 195 - تازية) والنسائي (2 / 279) والترمذي (3 / 55 - تحفة) وابن ماجة (2 / 380) وابن حبان (1475) وأحمد (5 / 147 و 150 و154 و 156 و 169) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 439) والطبراني (1638) من طريقين عن عبد الله بن بريدة عن أبي الأسود عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وأبو الأسود الديلي اسمه ظالم ابن عمرو بن سفيان ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك عبد الله بن بريدة، فهو صحيح على شرطهما، فالعجب من الحاكم كيف لم يخرجه. لا يقال: إنما لم يخرجه لأن كهمسا أرسله، فقال: عن عبد الله بن بريدة أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه النسائي. لا يقال هذا لأن من مذهبه أن زيادة الثقة مقبولة ، وهو الصواب على تفصيل معروف في علم المصطلح، وقد رواه ثقتان عن عبد الله ابن بريدة موصولا مسندا كما تقدم، فهي زيادة مقبولة اتفاقا، لاسيما وله طريق أخرى عن أبي ذر يرويه أبو إسحاق عن ابن أبي ليلى عنه مرفوعا بلفظ:

1510

" أفضل ما غيرتم به الشمط الحناء والكتم ". أخرجه النسائي (2 / 278 و 279) . وأبو إسحاق هو عمرو بن عبيد الله السبيعي وهو ثقة لكنه مدلس، وكان قد اختلط، فهو لا بأس به في الشواهد، إلا من رواية سفيان الثوري وشعبة فحديثهما عنه حجة. 1510 - " اقتربت الساعة، ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصا، ولا يزدادون من الله إلا بعدا ". أخرجه الحاكم (4 / 324) وكذا الدولابي في " الكنى " (1 / 155) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (1 / 38 / 2) وابن أبي الدنيا في " العقوبات " (78 / 1) والهيثم بن كليب في " مسنده " (ق 84 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (9787) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 242 و 8 / 315) والقضاعي في " مسند الشهاب " (49 / 2) من طريق مخلد بن يزيد عن بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وهو كما قال، أو قريب منه، فإن في مخلد بن يزيد كلاما يسيرا. لكن وقع عنده " بشير بن زاذان " ولذلك تعقبه الذهبي بقوله: " قلت: هذا منكر ، وبشير ضعفه الدارقطني، واتهمه ابن الجوزي ". قلت: وهذا غير بشير بن سلمان، هذا ضعيف، وذاك ثقة من رجال مسلم، وهو صاحب هذا الحديث كما وقع في المصادر المذكورة، فلا تغتر بتعقب الذهبي المذكور ولا بمتابعة المناوي له بقوله عقبه: " فأنى له الصحة؟ ! ".

1511

وتابعه السري بن إسماعيل عن سيار أبي الحكم به. أخرجه تمام في " الفوائد " (167 / 2) . لكن السري هذا متروك الحديث كما في " التقريب ". (تنبيه) لفظ الهيثم بن كليب وغيره: " ولا تزاد منهم إلا بعدا " بدل قوله في رواية الحاكم وغيره: " ولا يزدادون من الله إلا بعدا ". وقد وقع عند الطبراني - وعنه أبو نعيم - مختصرا جدا بلفظ: " اقتربت الساعة ولا تزداد منهم إلا بعدا ". وذكره السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني بهذا اللفظ إلا أنه قال: " قربا " مكان " بعدا ". وهو خطأ لعله ليس من السيوطي، وقد نبه عليه المناوي. 1511 - " سلوا الله علما نافعا وتعوذوا بالله من علم لا ينفع ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 605) وابن ماجة (3843) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق / 118 / 1) والفاكهي في " حديثه " (2 / 34 / 2) عن أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن. وكذا قال الهيثمي (10 / 182) بعد ما عزاه لأوسط الطبراني، وله عنده شاهد من حديث عائشة. وعزاه الحافظ ابن رجب الحنبلي في " فضل علم السلف " (ص 8) للنسائي بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اللهم إن أسألك علما نافعا وأعوذ بك من علم لا ينفع ".

1512

1512 - " اقرأ القرآن في أربعين، (ثم في شهر، ثم في عشرين، ثم في خمس عشرة، ثم في عشر، ثم في سبع، قال: انتهى إلى سبع) ". أخرجه الترمذي (2 / 156) من طريق سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن عبد الله ابن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره، قال: " حديث حسن غريب ". قلت: وظاهر إسناده الصحة، لكن الأظهر أنه منقطع، فقد رواه محمد بن ثور عن معمر عن سماك بن الفضل عن وهب بن منبه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله ابن عمرو: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأه في أربعين، ثم في شهر ، ثم في عشرين، ثم في خمس عشرة، ثم في عشر، ثم في سبع، قال: انتهى إلى سبع ". وهذا أقرب إلى الصواب، وإسناد حسن. وأكثر طرق الحديث لم يرد فيها ذكر الأربعين. وفي بعضها أنه انتهى إلى ثلاث. فراجع مسند الإمام أحمد (2 / 158 و162 و 163 و 164 و 165 و 188 و 189 و 193 و 195 و 199 و 200 و 216) ، ويأتي أحدها بعد هذا. وللثلاث شاهد من حديث سعد بن المنذر الأنصاري أنه قال: " يا رسول الله! أقرأ القرآن في ثلاث؟ قال: إن استطعت. قال: وكان يقرأه كذلك حتى توفي ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (1274) : أخبرنا ابن لهيعة قال: حدثني حبان بن واسع عن أبيه عن سعد بن المنذر الأنصاري.... قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات، وابن لهيعة وإن كان سيء الحفظ، فذاك إن كان من رواية غير العبادلة عنه، وهذا من رواية عبد الله بن المبارك عنه كما تراه.

1513

والحديث عزاه الحافظ في " الإصابة " (3 / 88) للحسن بن سفيان أيضا والبغوي من طريق ابن لهيعة. وعزاه السيوطي لأحمد والطبراني في " الكبير "، ولم أره في " مسند أحمد " وهو المراد عند إطلاق العزو إليه، بل ليس لسعد بن المنذر هذا ذكر في " المسند "، وهو عند الطبراني (5481) من طريق أخرى عن ابن لهيعة. ويشهد للثلاث أيضا الحديث الآتي. 1513 - " اقرأ القرآن في كل شهر، اقرأه في خمس وعشرين، اقرأه في عشرين، اقرأه في خمس عشرة، اقرأه في سبع، لا يفقهه من يقرؤه في أقل من ثلاث ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 165 و 189) من طريق همام عن قتادة عن يزيد بن عبد الله بن الشخير عن عبد الله بن عمرو قال: " قلت: يا رسول الله! في كم أقرأ القرآن؟ قال: اقرأه في شهر، قال: قلت: إني أقوى على أكثر من ذلك، قال: اقرأه في خمس وعشرين. قال: قلت.... " الحديث. وقد أخرجه أبو داود باختصار، وللطيالسي الجملة الأخيرة منه. انظر " صحيح أبي داود " (1257) . وللحديث طرق كثيرة في " المسند " مطولا ومختصرا، منها ما أخرجه (2 / 188 و195) من طريق شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ القرآن في شهر، فقلت: إني أطيق أكثر من ذلك، فلم أزل أطلب إليه حتى قال: اقرأ القرآن في خمسة أيام ".

1514

قلت: وإسناده صحيح، وللطيالسي (2256) الجملة الأخيرة منه بلفظ: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ القرآن في خمس ". وعزاها السيوطي في " الجامع " للطبراني فقط فقصر، وزاد في التقصير أنه رمز لضعفه كما قال المناوي! ثم أقره! 1514 - " اقرءوا المعوذات في دبر كل صلاة ". أخرجه أبو داود (1523) وابن حبان (2347) وأحمد (4 / 159) ، من طريق حنين بن أبي حكيم عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير حنين هذا، ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جمع، وقال الحافظ في " التقريب ". " صدوق ". وقد تابعه يزيد بن محمد القرشي عن علي بن رباح به. أخرجه أحمد (4 / 155) من طريق يزيد بن عبد العزيز الرعيني وأبي مرحوم عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح بالطريقين، عن يزيد وهو ثقة من رجال البخاري. 1515 - " لا يزال أمر هذه الأمة مواتيا أو مقاربا ما لم يتكلموا في الولدان والقدر ". أخرجه ابن حبان (1824) والحاكم (1 / 33) من طرق عن جرير بن حازم قال: سمعت أبا رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس وهو على المنبر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال:

1516

" صحيح على شرط الشيخين، ولا نعلم له علة ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1516 - " إن الله أرسلني مبلغا ولم يرسلني متعنتا ". أخرجه مسلم (4 / 194 - 195) والترمذي (2 / 231) من طريق معمر قال: فأخبرني أيوب أن عائشة قالت: " لا تخبر نسائك أني اخترتك، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. أخرجاه في آخر حديث ابن عباس في هجره صلى الله عليه وسلم نساءه شهرا. وهذا إسناد ظاهر الانقطاع، لأن أيوب وهو ابن أبي تميمة الكيساني لم يدرك عائشة رضي الله عنها، ومسلم لم يخرجه قصدا وإنما تبعا لحديث ابن عباس كما وقع له. وكذلك قول الترمذي عقبة: " حديث حسن صحيح " . إنما يعني حديث ابن عباس. وقد وجدت لحديث الترجمة شاهدا من رواية أبي الزبير عن جابر مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (3 / 328) . وإسناده على شرط مسلم على أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، فلعل الحديث حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم. 1517 - " أقل أمتي الذين يبلغون السبعين ". رواه ابن الضريس في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الفراهيدي " (5 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " (56) عن بحر بن كنيز عن قتادة عن أنس بن مالك مرفوعا. ذكره العقيلي في ترجمة بحر هذا وقال:

" ليس له أصل من حديث قتادة ولا يتابع عليه بحر ". ثم روى عن البخاري أنه قال فيه: " ليس هو عندهم بالقوي، وليس لهذا المتن حديث يثبت، والرواية فيه فيها لين ". ومن طريق بحر رواه ابن عدي أيضا (39 / 2) وقال: " الضعف على حديثه بين، وهو إلى الضعف أقرب ". ثم رواه ابن عدي (213 / 2) عن أبي عباد بن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أقل أمتي أبناء السبعين " وقال: " أبو عباد عبد الله بن سعيد المقبري عامة ما يرويه الضعف عليه بين ". لكن يبدو أنه لم يتفرد به، فقد عزاه السيوطي للحكيم الترمذي من حديث أبي هريرة به. فقال المناوي: " وفيه محمد بن ربيعة، أورده الذهبي في " ذيل الضعفاء " وقال: لا يعرف. وكامل أبو العلاء جرحه ابن حبان ". قلت: كامل من رجال مسلم وهو حسن الحديث، وفي " التقريب ": " صدوق يخطىء، من السابعة ". وكامل بن ربيعة معروف بالصدق كما تقدم في الحديث (757) وهو نحو هذا. فالحديث حسن عندي لذاته أو على الأقل بمجموع طرقه. وقد روي من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ الترجمة. أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم - 13594) من طريق سعيد بن راشد السماك عن عطاء عنه.

1518

وسعيد هذا قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال النسائي: " متروك ". ثم وجدت لعبد الله بن سعيد المقبري متابعا، ولكنه مثله في الضعف أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1542) من طريق إبراهيم بن الفضل بن سليمان مولى بني مخزوم عن المقبري به. وفي لفظ له: " معترك المنايا بين الستين إلى السبعين ". وأخرجه الرامهرمزي في " الأمثال " (47 / 1) والخطيب في " التاريخ " (5 / 476) والقضاعي (15 / 2) . قال الحافظ: " إبراهيم بن الفضل المخزومي متروك ". لكن يشهد له حديث أبي هريرة المتقدم هناك برقم (727) فإنه عند الثعلبي من طريق ابن عرفة بهذا اللفظ. والله أعلم. 1518 - " أقلوا الخروج بعد هدأة الرجل، فإن لله دواب يبثهن في الأرض في تلك الساعة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1233) وأبو داود (5104) من طريق الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن زياد عن جابر بن عبد الله مرفوعا. والبخاري أيضا (1235) وأبو داود من طرق أخرى عن الليث قال: حدثني يزيد بن الهاد عن عمر بن علي بن حسين (وقال أبو داود: عن علي بن عمر بن حسين ابن علي وغيره قالا) عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال ابن الهاد: وحدثني شرحبيل عن جابر عنه. قلت: فهذه ثلاثة أسانيد لليث بن سعد،

1519

وفي الأول سعيد بن زياد وهو مجهول. وسعيد بن أبي هلال ثقة كان اختلط. والثاني مرسل من عمر بن علي بن حسين على رواية البخاري وهو صدوق فاضل. أو من مرسل علي بن عمر بن حسين على رواية أبي داود وهو مستور كما في " التقريب " ولعل الأول أصح فقد أخرجه أحمد (3 / 355) مثل رواية البخاري. والثالث فيه شرحبيل وهو ابن سعد المدني مولى الأنصار قال الحافظ: " صدوق اختلط بأخرة ". ومن هذا الوجه أخرجه أحمد أيضا (3 / 355) . وله طريق رابع يرويه محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار عن جابر بن عبد الله مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (3 / 306) والبخاري في " الأدب " (1234) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 256 / 2) وابن حبان (1996) والحاكم (1 / 445 و 4 / 283 - 284) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس وقد عنعنه. وجملة القول أن طرق الحديث الأربعة كلها معلولة، لكن الحديث بمجموعها قوي يرتقي إلى درجة الصحة. والله أعلم. 1519 - " يا أبا فاطمة! أكثر من السجود، فإنه ليس من مسلم يسجد لله تبارك وتعالى سجدة إلا رفعه الله تبارك وتعالى بها درجة (في الجنة وحط عنه بها خطيئة) ". أخرجه أحمد (3 / 428) وابن سعد (7 / 508) من طريق ابن لهيعة حدثنا

1520

الحارث ابن يزيد عن كثير الأعرج الصدفي، قال: سمعت أبا فاطمة وهو معنا بذي الفواري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق لأحمد، والزيادة لابن سعد. وهذا إسناد رجاله ثقات غير كثير وهو ابن قليب بن موهب الصدفي قال الذهبي: " مصري لا يعرف، تفرد عنه الحارث بن يزيد ". قلت: وقد قيل: إنه كثير بن مرة الحضرمي وهو ثقة، ويؤيده أن ابن ماجة أخرجه (1 / 435) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة أن أبا فاطمة حدثه قال: " قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال: عليك بالسجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة ". وقال الحافظ في " التهذيب " ( 8 / 425) : " والحديث المذكور معروف من رواية كثير بن مرة عن أبي فاطمة، ومن طريقه أخرجه النسائي وابن ماجة ". قلت: لعل النسائي أخرجه في " الكبرى له " فإني لم أجد في " الصغرى " له إلا حديث آخر (2 / 182 - 183) من طريق أخرى عن زيد بن واقد عن كثير بن مرة أن أبا فاطمة يعني حدثه أنه قال: فذكره، إلا أنه قال: " عليك بالهجرة، فإنه لا مثل لها ". وسواء كان كثير الأعرج هذا هو بن مرة الحضرمي أو غيره، فقد روى الحديث الحضرمي أيضا وهو ثقة كما مر فالحديث صحيح. 1520 - " إذا ملأ الليل بطن كل واد فصل العشاء الآخرة ". أخرجه أحمد (5 / 365) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 331) من طريق

1521

محمد ابن عمرو عن عبد العزيز بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن رجل من جهينة قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: متى أصلي العشاء الآخرة؟ " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن ضمرة هذا، ترجمه ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وله شاهد من حديث عائشة قالت: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت العشاء؟ فذكره. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 17 / 2) : حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا قطن بن نسير الزراع حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي عن محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن عنها. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات وعلي بن سعيد الرازي فيه كلام يسير من قبل حفظه. وبالجملة فالحديث ثابت بمجموع الطريقين، وأقل أحواله أن يكون حسنا. والله أعلم. 1521 - " اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم، فإن الشيطان لا يدخل بيتا يقرأ فيه سورة البقرة ". أخرجه الحاكم (1 / 561) من طريق عاصم عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي عاصم وهو ابن بهدلة كلام وقد خالفه سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص فقال: قال عبد الله ... فذكره موقوفا عليه.

1522

أخرجه الدارمي (2 / 447) : حدثنا أبو نعيم حدثنا شعبة عن سلمة. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (2 / 260) أيضا وقال: " صحيح الإسناد "! وقال في الموضع الأول: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، وهو أصح من المرفوع، ولكنه في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي. والله أعلم. ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " (8642 - 8645) من طرق، منها طريقان عن شعبة وعاصم عن أبي الأحوص به موقوفا . فدل ذلك على أن من رفعه عن عاصم فقد وهم. ولكنه على كل حال في حكم المرفوع كما تقدم. والله أعلم. 1522 - " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فأي ذلك قرأتم أحسنتم (وفي رواية: أصبتم) ، ولا تماروا فيه، فإن المراء فيه كفر ". أخرجه أحمد (4 / 204 / 205) من طريق عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة قال: أخبرني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن بسر بن سعيد عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص قال: " سمع عمرو بن العاص رجلا يقرأ آية من القرآن، فقال: من أقرأكها؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : فقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير هذا! فذهبا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أحدهما: يا رسول الله آية كذا وكذا، ثم قرأها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هكذا أنزلت، فقال الأخر: يا رسول الله فقرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أليس هكذا يا رسول الله ؟ قال: هكذا أنزلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم.

ولبسر فيه إسناد آخر، فقال الإمام أحمد (4 / 169 - 170) : حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا سليمان بن بلال حدثني يزيد بن خصيفة أخبرني بسر بن سعيد قال: حدثني أبو جهيم: " أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقيتها من رسول صلى الله عليه وسلم " الحديث نحوه دون قوله: " فأي ذلك قرأتم أحسنتم ". وسنده صحيح على شرط الشيخين. وأبو سلمة الخزاعي اسمه منصور بن سلمة البغدادي. وتابعه ابن وهب عند ابن جرير في " التفسير ". (1 / 43) . وله شاهد مختصر من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " نزل القرآن على سبعة أحرف، المراء في القرآن كفر، ثلاث مرات، فما عرفتم منه فاعملوا، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه ". أخرجه أحمد (2 / 300) وابن جرير في " التفسير " (1 / 2 ) وأبو يعلى (4 / 1432) من طريق أبي حازم عن أبي سلمة - لا أعلمه إلا - عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وسنده صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن حبان (1780) . وقد تابعه على الجملة الثانية منه محمد بن عمرو الليثي حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة به. أخرجه أحمد (2 / 286 و 424 و 475 و 503 و 528) . وأخرج هو (1 / 419 و 421 و452) وابن جرير (1 / 23 / 12 و 13) وابن حبان (1783) من طرق عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: " اختلف رجلان في سورة، فقال هذا: أقرأني النبي صلى الله عليه وسلم ... " الحديث وفيه: " وعنده رجل (وفي رواية أنه علي) فقال : اقرأوا كما علمتم - فلا أدري أبشيء أمر أم

1523

شيء ابتدعه من قبل نفسه - فإنما أهلك من كان قبلكم اختلافهم على أنبيائهم. قال: فقام كل رجل منا وهو لا يقرأ على قراءة صاحبه ". وفي رواية ابن حبان: " فأمر عليا فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما علم ... ". وإسناده حسن. وله شاهد آخر من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحوه مرفوعا، وفيه: " إن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، ولكن يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (4 / 192) بسند حسن. وعزاه السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " (32 / 19 ) للطبراني في " الكبير "، ولم يفعل ذلك في " الدر المنثور " (2 / 6) فقد عزاه فيه لابن سعد وابن الضريس في " فضائله " وابن مردويه عن عمرو بن شعيب ... نحوه. 1523 - " يا عم! أكثر الدعاء بالعافية ". أخرجه الطبراني (رقم 11908) والحاكم (1 / 529) والضياء في " المختارة " (66 / 86 / 1) من طريق هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمه العباس: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري، وقد روي بلفظ آخر ". ووافقه الذهبي. قال الضياء عقبه: " قلت: وهلال بن خباب وثقه الإمام أحمد ويحيى بن معين وغيرهما، وقال إبراهيم بن الجنيد: سألت يحيى بن معين عن هلال بن خباب؟ وقلت: إن يحيى القطان

يزعم أنه تغير قبل أن يموت واختلط. فقال يحيى: لا، ما اختلط، ولا تغير. قلت ليحيى : فثقة هو؟ قال ثقة مأمون ". قلت: يبدو من مجموع أقوال الأئمة فيه أنه تغير قليلا في آخر عمره، ولذلك قال الحافظ فيه: " صدوق تغير بآخره " لكن لم يخرج له البخاري، فالحديث حسن فقط. واللفظ الآخر الذي أشار إليه الحاكم هو - فيما يظهر - ما رواه يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: " قلت يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله عز وجل. قال: سل الله العافية. فمكثت أياما، ثم جئت فقلت: يا رسول الله علمني شيئا أسأله الله. فقال لي: يا عباس يا عم رسول الله! اسألوا الله العافية في الدنيا والآخرة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (726) والترمذي (2 / 266) وأحمد (1 / 209) وقال الترمذي: " حديث صحيح، وعبد الله بن الحارث بن نوفل قد سمع من العباس بن عبد المطلب ". قلت: لكن يزيد بن أبي زياد هو الهاشمي مولاهم فيه ضعف من قبل حفظه، فلعل تصحيحه إياه بالنظر إلى طريقه السابقة وشواهده، فقد روي من حديث أنس نحوه، وجاءت الجملة الأخيرة منه من حديث عبد الله بن جعفر مرفوعا، وهو مخرج في " المشكاة " (2490) . والحديث قال الهيثمي (10 / 175) : " رواه الطبراني، وفيه هلال بن خباب وهو ثقة، وقد ضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات ".

1524

1524 - " اكسروا قسيكم ـ يعني في الفتنة ـ واقطعوا أوتاركم، والزموا أجواف البيوت، وكونوا فيها كالخير من ابني آدم ". رواه الترمذي (3 / 222 - تحفة) والبيهقي في " الشعب " (2 / 113 / 2) وابن عساكر (17 / 491 / 1) عن همام حدثنا محمد بن جحادة عن عبد الرحمن بن ثروان عن الهزيل عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري. وفي الحديث إشارة قوية إلى أن الأمر بلزوم البيت، إنما هو في وقت الفتن والهرج والمرج. فعليه يحمل بعض الأحاديث الآمرة بلزوم البيت مطلقا، كالحديث الآتي (1535) ونحوه الحديث (1531) . 1525 - " اكفلوا لي بست أكفل لكم الجنة: إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا ائتمن فلا يخن، وإذا وعد فلا يخلف، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، واحفظوا فروجكم ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 325 / 1) والطبراني (8018) والسلفي في " معجم السفر " (ق 137 / 2) وابن الجوزي في " ذم الهوى " (ص 83 و 138) من طريق فضال بن جبير سمعت أبا أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال ابن عدي: " ولفضال بن جبير قدر عشرة أحاديث كلها غير محفوظة ". وقال ابن حبان: " لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل لها ". قلت: لكن له شاهد من حديث عبادة بن الصامت يتقوى به، قد مضى تخريجه

1526

برقم (1470) فهو به حسن، وتجد تحته شواهد أخرى فراجعها إن شئت. ثم رواه الطبراني (8082) من طريق العلاء بن سليمان الرقي عن الخليل بن مرة عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " لا تظلموا عند قسمة مواريثكم، وأنصفوا الناس من أنفسكم ولا تجبنوا عند قتال عدوكم ولا تغلوا غنائمكم، وامنعوا ظالمكم من مظلومكم " . قلت: والعلاء وشيخه خليل ضعيفان، وأعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 199) بالأول منهما فقصر. 1526 - " كان يرقي، يقول: امسح البأس رب الناس بيدك الشفاء لا يكشف الكرب إلا أنت ". أخرجه الإمام أحمد (6 / 50) : حدثنا عن هشام قال: حدثني أبي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان.... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (4 / 63) ومسلم (7 / 16) من طرق أخرى عن هشام به إلا أنهما قالا: " لا كاشف له إلا أنت ". وأخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 89) : حدثنا عمرو بن شبة ابن عبيدة النميري حدثنا يحيى بن سعيد به مختصرا بلفظ: " اكشف البأس، رب الناس، لا يكشف الكرب غيرك ". قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا. وله شاهد من حديث رافع بن خديج قال: " دخل صلى الله عليه وسلم على ابن لعمار فقال: اكشف البأس رب الناس، إله الناس ".

1527

أخرجه ابن ماجة (3473) بإسناد صحيح على شرط مسلم. وشاهد آخر من حديث ثابت بن قيس بن شماس مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 377 / 3387) وأبو داود وغيرهما وصححه ابن حبان ( 1418) والطبراني في " المعجم الكبير " (1323) . 1527 - " أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي. قالو: كيف تعرض عليك وقد أرمت؟ قال: إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ". رواه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 14 / 2) عن حسين بن علي عن ابن جابر عن أبي الأشعث عن أوس بن أوس مرفوعا. قلت: وإسناده صحيح، وقد أعل بما لا يقدح كما بينته في كتابي " صحيح أبي داود " (962) و " تخريج المشكاة " (1361) و " صحيح الترغيب " (رقم 698) ولذلك صححه جمع من المحدثين، ذكرتهم هناك. ولطرفه الأول شاهد من رواية أبي رافع عن سعيد المقبري عن أبي مسعود، الأنصاري مرفوعا به. أخرجه الحاكم (2 / 421) وقال: " صحيح الإسناد، فإن أبا رافع هذا هو إسماعيل بن رافع ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: ضعفوه ". قلت: لكنه في الشواهد لا بأس به، فإنه غير متهم في صدقه، وقد أشار إلى هذا الحافظ بقوله في " التقريب ":

1528

" ضعيف الحفظ ". وله شاهد آخر من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم تخريجه في المجلد الثالث برقم (1407) . (فائدة) : قوله: (أرمت) قال الحربي: " كذا يقول المحدثون ولا أعرف وجهه ، والصواب: وقد أرممت أي صرت رميما كما قال الله تعالى: * (من يحيي العظام وهو رميم) *. وانظر تعليقي على كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 293 ) . 1528 - " أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة ". أخرجه أحمد (2 / 333) : حدثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك (الأصل: عن عبد الملك) عن أبيه عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل ضعف يحيى بن يزيد وأبيه. وهو النوفلي. لكن الحديث صحيح، فإن له طريقا أخرى وشواهد. أما الطريق فأخرجه الترمذي (2 / 280) من طريق مكحول عن أبي هريرة به. وقال: ليس إسناده بمتصل، مكحول لم يسمع من أبي هريرة ". وأما الشواهد فهي من حديث أبي أيوب الأنصاري عند أحمد وغيره، وصححه ابن حبان (2338) ومن حديث عبد الله بن عمر. وقد خرجا تحت حديث ابن مسعود المتقدم برقم (105) . والحديث عزاه السيوطي لابن عدي فقط عن أبي هريرة! وأقره المناوي! (تنبيه) ذكر له السيوطي في " الجامعين " شاهدا من حديث جابر بلفظ: " أكثروا

من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها تدفع تسعة وتسعين بابا من الضر، أدناها الهم ". وقال: " رواه الطبراني في (الأوسط) . قلت: وعندي وقفة في ثبوت هذا اللفظ عن جابر في " الأوسط "، فإن المنذري ثم الهيثمي لم يذكراه في كتابيها أصلا. وإنما أورداه من رواية الأوسط (وهو فيه برقم - 5360) عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا حول ولا قوة إلا بالله دواء من تسع وتسعين داء، أيسرها الهم ". وكذلك رواه ابن أبي الدنيا في " الفرج بعد الشدة " (ص 6 - الهند) والحاكم (1 / 542) وقال الطبراني: " لم يروه عن ابن عجلان إلا بشر بن رافع ". قلت: وهو واه كما قال الذهبي في تعقبه على الحاكم، ونحوه في " الترغيب " (2 / 255) . ثم رأيت عند أبي نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 295) من طريق سليمان بن داود بن سليمان البصري حدثنا عمرو بن جرير عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عمر بن الخطاب مرفوعا به. لكن سليمان هذا وهو الشاذكوني كذاب، وعمرو بن جرير كذبه أبو حاتم وقال الدارقطني: متروك الحديث. فلا يستشهد بهما ولا كرامة. وروى المحاملي في " الأمالي " (4 / 47 / 2) من طريق إبراهيم بن هاني قال: حدثنا خلاد بن يحيى المكي قال: حدثنا هشام بن سعد قال: أخبرني محمد بن زيد بن المهاجر قال: قال أبو ذر: " أوصاني حبي صلى الله عليه وسلم أن أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله، وكان يقال: فيها دواء من تسعة وتسعين داء أدناه الهم ".

ورجاله ثقات غير إبراهيم بن هاني قال ابن عدي: " مجهول يأتي بالبواطيل ". وأخرج الطيالسي (رقم 2494) وأحمد (2 / 235) والحاكم (1 / 21) من طريق يحيى بن أبي سليم قال: سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " ألا أدلك على كلمة تحت العرش من كنز الجنة؟ تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. فيقول الله عز وجل: أسلم عبدي واستسلم ". وقال الحاكم: " صحيح ولا يحفظ له علة ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وتابعه كميل ابن زياد عن أبي هريرة به. أخرجه الطيالسي (رقم 2456) وأحمد (2 / 520) والبزار (ص 298 - زوائده) والحاكم (1 / 517) والبيهقي في " الشعب " (1 / 368) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: إسناد أحمد وأحد إسنادي البزار صحيح، وأما إسناد الحاكم والآخرين فهو من رواية أبي إسحاق عن كميل به وزاد: " ولا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ". قلت: وفي ثبوت هذه الزيادة في هذا الحديث نظر عندي لأن أبا إسحاق وهو عمرو ابن عبد الله السبيعي كان اختلط، ثم هو مدلس وقد عنعنه. وقد وجدت له طريقا أخرى عن ابن شهاب عن سليمان بن قادم عن أبي هريرة به. أخرجه أبو عروبة الحراني في " حديث الجزريين " (ق 41 / 2) ، وسليمان بن قادم لم أعرفه. وله شاهد آخر من حديث قيس بن سعد بن عبادة مرفوعا بلفظ: " ألا أدلك على باب من أبواب الجنة، لا حول ولا قوة إلا بالله ".

أخرجه الترمذي (2 / 377 / 378 ) وأحمد (3 / 422) والبزار (ص 298 - زوائده) والبيهقي في " الشعب " (1 / 368) من طريق وهب ابن جرير حدثنا أبي قال: سمعت منصور بن زاذان عن ميمون بن أبي شبيب عن قيس بن سعد به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". قلت: وهو كما قال، وقد أعل بالانقطاع كما يأتي، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 98) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح، غير ميمون بن أبي شبيب وهو ثقة ". قلت: وتعقبه الحافظ في " زوائد البزار " بقوله: " قلت: لكن لم يسمع من قيس ". وأقول: لا أدري من أين جاء الحافظ بهذا النفي الجازم، مع أنه ذكر في " التهذيب " أنه روى عن معاذ بن جبل وعمر وعلي وأبي ذر والمقداد وابن مسعود والمغيرة بن شعبة وعائشة وغيرهم. وتاريخ وفاته لا ينفي سماعه، فإنه مات سنة (83) ، وتوفي قيس بن سعد سنة (60) ، وقول أبي داود: " لم يدرك عائشة " بعيد عندي، كيف وهي قد توفيت سنة (57) ، فبين وفاتيهما ست وعشرون سنة فقط، فهو قد أدركها قطعا، نعم لا يلزم من الإدراك ثبوت سماعه منها، فهذا شيء آخر، ويؤيد ما ذكرت أن الحافظ نفسه قد ذكره في " التقريب " في الطبقة الثالثة، وهي الطبقة الوسطى من التابعين الذين رووا عن الصحابة كالحسن البصري وابن سيرين. والله أعلم. (تنبيه) لقد خفي على الهيثمي ثم ابن حجر العسقلاني كون حديث قيس في " سنن الترمذي " فأورده الأول في " مجمع الزوائد " وهو الحافظ في " زوائد البزار "! وكذلك خفي على المنذري فلم يعزه للترمذي، بل قال (2 / 256) : " رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما ".

قلت: ولم أره في " كتاب الدعاء "، ولا في " كتاب المعرفة " من " المستدرك " ، فالله أعلم. ثم وجدته بواسطة فهرسي للمستدرك في " الأدب " منه (4 / 290) وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وشاهد آخر من حديث معاذ بن جبل مثل حديث قيس. أخرجه أحمد (5 / 228 و 242 و 244) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب عن أبي رزين عنه. ورجاله ثقات، فالسند صحيح لولا اختلاط عطاء، وحماد سمع منه قبل الاختلاط وبعده، خلافا لصنيع المنذري وغيره. ثم وجدت حديث جابر في " أوسط الطبراني " (3684) وفي " الصغير " (215 - الروض) من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: أخبرنا بلهط بن عباد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرمضاء فلم يشكنا وقال: أكثروا ... " الحديث بلفظ " الجامعين " وقال الطبراني: " لا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد، ولم يسند بلهط إلا هذا الحديث " زاد في " الصغير ": " وهو عندي ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 440) : " بلهط بن عباد، روى عن محمد بن المنكدر حديثا منكرا، روى عنه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ". قلت: وكأنه يشير إلى هذا الحديث، وقال الذهبي في ترجمة " بلهط ":

1529

" لا يعرف والخبر منكر.. " ثم ساق له هذا من رواية العقيلي. وبالجملة فالحديث بهذا اللفظ الأخير ضعيف لجهالة بلهط هذا، والراوي عنه عبد المجيد، فيه ضعف. وأما بلفظ الترجمة فهو صحيح لطرقه وشواهده، ولذلك أوردته في " صحيح الجامع الصغير " بخلاف حديث بلهط فأوردته في " ضعيف الجامع الصغير "، وكنت طبعت عليه تعليقا فليحذف لأنه خطأ واضح يتبين لمن قرأ هذا التخريج. والله المستعان. 1529 - " لتملأن الأرض جورا وظلما، فإذا ملئت جورا وظلما، بعث الله رجلا مني، اسمه اسمي، فيملؤها قسطا وعدلا، كما ملئت جورا وظلما ". أخرجه البزار (ص 236 - 237 - زوائد ابن حجر) وابن عدي في " الكامل " (129 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 165) عن داود بن المحبر حدثنا أبي المحبر بن قحذم عن أبيه قحذم بن سليمان عن معاوية بن قرة عن أبيه مرفوعا. وقال البزار: " رواه معمر عن هارون عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق عن أبي سعيد، وداود وأبوه ضعيفان ". وكذا ضعفهما الهيثمي في " المجمع " (7 / 314 ) فقال: " رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " من طريق داود بن المحبر بن قحذم عن أبيه، وكلاهما ضعيف ". كذا قال! وأما في " زوائد البزار " فقد تعقب البزار بقوله عقب كلامه الذي نقلته آنفا: " قلت: بل داود كذاب ".

وأقول: هو كما قال، ولكن ألا يصدق فيه قوله صلى الله عليه وسلم في قصة شيطان أبي هريرة: " صدقك وهو كذوب "، فإن هذا الحديث ثابت، عنه صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة، منها طريق أبي الصديق التي أشار إليها البزار، غاية ما في الأمر أن يكون داود بن المحبر كذب خطأ أو عمدا في إسناده الحديث إلى والد معاوية بن قرة فإن المحفوظ أنه من رواية معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري به. هكذا أخرجه الحاكم (4 / 465) من طريق عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني حدثنا عمر (وفي " تلخيص المستدرك " : عمرو) بن عبيد الله العدوي عن معاوية بن قرة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به أتم منه وقال: " صحيح الإسناد "! قلت: ورده الذهبي بقوله: " قلت: سنده مظلم ". وكأنه يشير إلى جهالة العدوي هذا، فإني لم أجد من ترجمه، لا فيمن اسمه (عمر) ولا في (عمرو) . لكن رواية معمر عن هارون - وهو ابن رئاب - التي علقها البزار، تدل على أنه قد حفظه عن معاوية، وهذا هو الصواب الذي نقطع به لأن لمعاوية متابعات كثيرة بل هو عندي متواتر عن أبي الصديق عن أبي سعيد الخدري، أصحها طريقان عنه: الأولى: عوف بن أبي جميلة حدثنا أبو الصديق الناجي عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلما وجورا وعدوانا، ثم يخرج رجل من عترتي أو من أهل بيتي يملؤها قسطا وعدلا، كما ملئت ظلما وعدوانا ". أخرجه أحمد ( 3 / 36) وابن حبان (1880) والحاكم (4 / 557) وأبو نعيم في " الحلية " ( 3 / 101) ، وقال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا، وأشار إلى تصحيحه أبو نعيم بقوله عقبه: " مشهور من حديث أبي الصديق عن أبي سعيد ". فإنه بقوله: " مشهور " يشير إلى كثرة الطرق عن أبي الصديق، كما تقدم، وأبو الصديق اسمه بكر بن عمرو، وهو ثقة اتفاقا محتج به عند الشيخين وجميع المحدثين، فمن ضعف حديثه هذا من المتأخرين، فقد خالف سبيل المؤمنين، ولذلك لم يتمكن ابن خلدون من تضعيفه، مع شططه في تضعيف أكثر أحاديث المهدي بل أقر الحاكم على تصحيحه لهذه الطريق والطريق الآتية، فمن نسب إليه أنه ضعف كل أحاديث المهدي فقد كذب عليه سهوا أو عمدا. الثانية: سليمان بن عبيد حدثنا أبو الصديق الناجي به، ولفظه: " يخرج في أمتي المهدي، يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة، يعيش سبعا أو ثمانيا يعني حججا ". أخرجه الحاكم (4 / 557 - 558) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي وابن خلدون أيضا فإنه قال عقبه في " المقدمة " (فصل 53 ص 250) : " مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان في " الثقات "، ولم يرد أن أحدا تكلم فيه ". قلت: ووثقه ابن معين أيضا، وقال أبو حاتم: " صدوق ". فهو إسناد صحيح كما تقدم عن الحاكم والذهبي وابن خلدون. وبقية الطرق والشواهد قد خرجتها في " الروض النضير " تحت حديث ابن مسعود (647) من طرق

عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عنه. ورواه أصحاب السنن وكذا الطبراني في " الكبير " أيضا ( 10213 - 10230) وصححه الترمذي والحاكم وابن حبان (1878) ولفظه عند أبي داود " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلا مني أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض ... " الحديث وممن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في " منهاج السنة " (4 / 211 ) : " إن الأحاديث التي يحتج بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من من حديث ابن مسعود وغيره ". وكذا في " المنتقى من منهاج الاعتدال " للذهبي (ص 534) . قلت: فهؤلاء خمسة من كبار أئمة الحديث قد صححوا أحاديث خروج المهدي، ومعهم أضعافهم من المتقدمين والمتأخرين أذكر أسماء من تيسر لي منهم: 1 - أبو داود في " السنن " بسكوته على أحاديث المهدي. 2 - العقيلي. 3 - ابن العربي في " عارضة الأحوذي ". 4 - القرطبي كما في " أخبار المهدي " للسيوطي. 5 - الطيبي كما في " مرقاة المفاتيح " للشيخ القاريء؟ 6 - ابن قيم الجوزية في " المنار المنيف "، خلافا لمن كذب عليه. 7 - الحافظ ابن حجر في " فتح الباري ". 8 - أبو الحسن الآبري في " مناقب الشافعي " كما في " فتح الباري ". 9 - الشيخ علي القارئ في " المرقاة ". 10 - السيوطي في " العرف الوردي ". 11 - العلامة المباركفوري في " تحفة الأحوذي ". وغيرهم كثير وكثير جدا.

بعد هذا كله أليس من العجيب حقا قول الشيخ الغزالي في " مشكلاته " التي صدرت عنه حديثا (ص 139) : " من محفوظاتي وأنا طالب أنه لم يرد في المهدي حديث صريح، وما ورد صريحا فليس بصحيح "! فمن هم الذين لقنوك هذا النفي وحفظوك إياه وأنت طالب؟ أليسوا هم علماء الكلام الذين لا علم عندهم بالحديث، ورجاله، وإلا فكيف يتفق ذلك مع شهادة علماء الحديث بإثبات ما نفوه؟ ! أليس في ذلك ما يحملك على أن تعيد النظر فيما حفظته طالبا، لاسيما فيما يتعلق بالسنة والحديث تصحيحا وتضعيفا، وما بني على ذلك من الأحكام والآراء، ذلك خير من أن تشكك المسلمين في الأحاديث التي صححها العلماء لمجرد كونك لقنته طالبا، ومن غير أهل الاختصاص والعلم؟ ! واعلم يا أخي المسلم أن كثير من المسلمين اليوم قد انحرفوا عن الصواب في هذا الموضوع، فمنهم من استقر في نفسه أن دولة الإسلام لن تقوم إلا بخروج المهدي! وهذه خرافة وضلالة ألقاها الشيطان في قلوب كثير من العامة، وبخاصة الصوفية منهم، وليس في شيء من أحاديث المهدي ما يشعر بذلك مطلقا، بل هي كلها لا تخرج عن أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر المسلمين برجل من أهل بيته، ووصفه بصفات بارزة أهمها أنه يحكم بالإسلام وينشر العدل بين الأنام، فهو في الحقيقة من المجددين الذين يبعثهم الله في رأس كل مائة سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ، فكما أن ذلك لا يستلزم ترك السعي وراء طلب العلم والعمل به لتجديد الدين، فكذلك خروج المهدي لا يستلزم التواكل عليه وترك الاستعداد والعمل لإقامة حكم الله في الأرض، بل على العكس هو الصواب، فإن المهدي لن يكون أعظم سعيا من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي ظل ثلاثة وعشرين عاما وهو يعمل لتوطيد دعائم الإسلام، وإقامة دولته فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم فوجد المسلمين شيعا وأحزابا، وعلماءهم - إلا القليل منهم - اتخذهم الناس رؤسا! لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلا بعد أن يوحد كلمتهم ويجمعهم في صف واحد، وتحت راية واحدة، وهذا بلا شك يحتاج

1530

إلى زمن مديد الله أعلم به، فالشرع والعقل معا يقتضيان أن يقوم بهذا الواجب المخلصون من المسلمين، حتى إذا خرج المهدي، لم يكن بحاجة إلا أن يقودهم إلى النصر، وإن لم يخرج فقد قاموا هم بواجبهم، والله يقول: * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله) *. ومنهم - وفيهم بعض الخاصة - من علم أن ما حكيناه عن العامة أنه خرافة ولكنه توهم أنها لازمة لعقيدة خروج المهدي، فبادر إلى إنكارها، على حد قول من قال: " وداوني بالتي كانت هي دواء "! وما مثلهم إلا كمثل المعتزلة الذين أنكروا القدر لما رأوا أن طائفة من المسلمين استلزموا منه الجبر!! فهم بذلك أبطلوا ما يجب اعتقاده، وما استطاعوا أن يقضوا على الجبر! وطائفة منهم رأوا أن عقيدة المهدي قد استغلت عبر التاريخ الإسلامي استغلالا سيئا، فادعاها كثير من المغرضين، أو المهبولين، وجرت من جراء ذلك فتن مظلمة، كان من آخرها فتنة مهدي (جهيمان) السعودي في الحرم المكي، فرأوا أن قطع دابر هذه الفتن، إنما يكون بإنكار هذه العقيدة الصحيحة! وإلى ذلك يشير الشيخ الغزالي عقب كلامه السابق! وما مثل هؤلاء إلا كمثل من ينكر عقيدة نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان التي تواتر ذكرها في الأحاديث الصحيحة، لأن بعض الدجاجلة ادعاها، مثل ميرزا غلام أحمد القادياني، وقد أنكرها بعضهم فعلا صراحة، كالشيخ شلتوت، وأكاد أقطع أن كل من أنكر عقيدة المهدي ينكرها أيضا، وبعضهم يظهر ذلك من فلتات لسانه، وإن كان لا يبين. وما مثل هؤلاء المنكرين جميعا عندي إلا كما لو أنكر رجل ألوهية الله عز وجل بدعوى أنه ادعاها بعض الفراعنة! (فهل من مدكر ) . 1530 - " أكثروا الصلاة علي، فإن الله وكل بي ملكا عند قبري، فإذا صل علي رجل من أمتي قال لي ذلك الملك: يا محمد إن فلان بن فلان صلى عليك الساعة ".

الديلمي (1 / 1 / 31) عن محمد بن عبد الله بن صالح المروزي حدثنا بكر بن خداش عن فطر بن خليفة عن أبي طفيل عن أبي بكر الصديق مرفوعا. بيض له الحافظ، وبكر بن خداش ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 385) برواية اثنين آخرين عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأورده الحافظ في " اللسان " برواية جمع آخر عنه وقال: ربما خالف. قاله ابن حبان في " الثقات ". ومحمد بن عبد الله بن صالح المروزي لم أعرفه. والحديث قال السخاوي في " القول البديع " (ص 117) : " أخرجه الديلمي، وفي سنده ضعف ". لكن ذكر له شاهد من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله ملكا أعطاه أسماع الخلائق، فهو قائم على قبري، إذا مت، فليس أحد يصلي علي صلاة إلا قال: يا محمد صلى عليك فلان بن فلان، قال: فيصلي الرب تبارك وتعالى على ذلك بكل واحدة عشرا ". وقال (ص 112) : " رواه أبو الشيخ ابن حيان وأبو القاسم التيمي في " ترغيبه " (209 / 2 - مدينة) والحارث في " مسنده " وابن أبي عاصم والطبراني في " معجمه الكبير " وابن الجراح في " أماليه " بنحوه وأبو علي الحسن بن نصير الطوسي في " أحكامه " والبزار في " مسنده " وفي سند الجميع نعيم بن ضمضم، وفيه خلاف عن عمران بن الحميري، قال المنذري: لا يعرف. قلت: بل هو معروف، ولينه البخاري، وقال: " لا يتابع عليه ". وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " قال صاحب الميزان

1531

أيضا: لا يعرف قال: نعيم بن ضمضم ضعفه بعضهم. انتهى. وقرأت بخط شيخنا (يعني الحافظ بن حجر) لم أر فيه توثيقا ولا تجريحا، إلا قول الذهبي هذا ". ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 416) وهو في " زوائد البزار " (306) فالحديث بهذا الشاهد وغيره مما في معناه حسن إن شاء الله تعالى. 1531 - " أفضل الناس (وفي رواية: خير الناس) رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه ، ثم مؤمن في شعب من الشعاب يعبد الله ربه، ويدع الناس من شره ". أخرجه البخاري (6 / 4 و 11 / 277 - 278) ومسلم (6 / 39) وأبو داود (1 / 389) والنسائي (2 / 55) والترمذي (3 / 16 - تحفة) وابن ماجة (2 / 475 ) والحاكم (2 / 71) وأحمد (3 / 16 و 37 و 56 و 88) من طرق عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي الناس أفضل؟ فقال: رجل ... " الحديث. والرواية الثانية لمسلم وأحمد. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ولم يخرجاه. قلت: فيه عنده سليمان بن كثير عن الزهري، وهو وإن كان ثقة فقد تكلموا في روايته عن الزهري خاصة، وقد خالف الجماعة في لفظ الحديث فقال: " سئل أي المؤمنين أكمل إيمانا ". هكذا أخرجه عنه أبو داود والحاكم. لكن رواه أحمد من طريقه بلفظ الجماعة، وهو الصواب. 1532 - " اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ". أخرجه أبو داود (2 / 124 - 125) والدارمي (1 / 125) والحاكم (1 / 105 - 106)

1533

وأحمد (2 / 162 و 192) عن الوليد بن عبد الله عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال: " كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه، فنهتني قريش، وقالوا: أتكتب كل شيء ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضى! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأومأ بإصبعه إلى فيه، فقال: فذكره. وقال الحاكم : " رواة هذا الحديث قد احتجا بهم عن آخرهم غير الوليد هذا، وأظنه الوليد بن أبي الوليد الشامي، فإنه الوليد بن عبد الله وقد غلبت على أبيه الكنية، فإن كان كذلك فقد احتج به مسلم ". كذا قال، وإنما هو الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني الدار حجازي، وهو ثقة كما قال ابن معين وابن حبان. 1533 - " ألبانها شفاء وسمنها دواء ولحومها داء. يعني البقر ". رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (11 / 122 / 1) عن زهير (يعني ابن معاوية) عن امرأته - وذكر أنها صدوقة - أنها سمعت مليكة بنت عمر - وذكر أنها ردت الغنم على أهلها في إمرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه - أنه وضعت لها من وجع بها سمن بقر، وقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، وقد أخرجه أبو داود في " المراسيل " والطبراني في " الكبير " وابن منده في " المعرفة " وأبو نعيم في " الطب " بنحوه كما في " المقاصد الحسنة " وقال (331) : " رجاله ثقات لكن الراوية عن ملكية لم تسم، وقد وصفها الراوي عنها زهير بن معاوية أحد الحفاظ بالصدق وأنها امرأته، وذكر أبي داود له في " مراسيله " لتوقفه في صحبة مليكة ظنا، وقد جزم بصحبتها جماعة وله شواهد عن ابن مسعود رفعه:

1534

" عليكم بألبان البقر وسمنانها، وإياكم ولحومها، فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء، ولحومها داء " أخرجه الحاكم وتساهل في تصحيحه له كما بسطته مع بقية طرقه في بعض الأجوبة، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر، وكأنه لبيان الجواز، أو لعدم تيسر غيره، وإلا فهو لا يتقرب إلى الله تعالى بالداء، على أن الحليمي قال كما أسلفته في " عليكم ": إنه صلى الله عليه وسلم قال في البقر كذلك ليبس الحجاز ويبوسة لحم البقر منه ورطوبة ألبانها وسمنها واستحسن هذا التأويل. والله أعلم ". قلت: وحديث ابن مسعود شاهد قوي لحديث الترجمة وسيأتي تخريجه برقم (1949) . ومضى الكلام على الطرق المتعلقة بألبان البقر برقم (518) وسيأتي تحت الحديث (1650) . 1534 - " ارفعوا عن بطن محسر، وعليكم بمثل حصى الخذف ". أخرجه أحمد (1 / 219) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 72) والبيهقي (5 / 115) من طريق سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن أبي الزبير عن أبي معبد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 278 / 1) والحاكم (1 / 462) وعنه البيهقي من طريق محمد بن كثير حدثنا سفيان بن عيينة به. إلا أنه قال: " ارفعوا عن بطن عرنة، وارفعوا عن بطن محسر ". فلم يذكر الشطر الثاني منه. وقال: صحيح على شرط مسلم "، وهو كما قال. ثم ذكر له شاهدا من طريق أخرى عن ابن عباس نحوه. وله شاهد آخر من حديث جبير بن مطعم صححه ابن حبان، وقد أشرت إليه في " تخريج المشكاة " (2596) .

1535

والحديث أخرجه الطحاوي من طريق أبي الأشعث أحمد بن المقدام العجلي: حدثنا ابن عيينة به أتم منه، ولفظه: " عرفة كلها موقف، وارفعوا عن بطن عرنة، والمزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر، وشعاب منى كلها منحر ". وإسناده صحيح أيضا. وأما الأمر بحصى الخذف فقد جاء عن جمع من الصحابة، وقد مضى تخريج الكثير منها برقم (1437) . 1535 - " الزم بيتك ". رواه ابن عدي (325 / 1) وابن عساكر (16 / 388 / 1) عن أبي الربيع الزهراني أخبرنا الفرات بن أبي الفرات قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا على عمل، فقال: يا رسول الله: خر لي. فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، الفرات بن أبي الفرات، قال أبو حاتم: صدوق. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن عدي: " الضعف بين على روايته ". لكن الحديث ثابت لأن له شواهد يتقوى بها منها عن أبي ذر في حديث طويل له، أخرجته في " الإرواء " (2517) . ومنها عن محمد بن سلمة الأنصاري في حديث له. أخرجه أحمد (4 / 225) . ورجاله ثقات لولا أن الحسن البصري لم يصرح بالسماع.

1536

ومنها عن أبي موسى الأشعري في حديث له في الفتن جاء في رواية أبي داود عنه في آخره: " قالوا: فما تأمرنا؟ قال: كونوا أحلاس بيوتكم ". ومن طريق أبي داود أخرجه الحاكم (4 / 440) وقال: " صحيح الإسناد ". وأقره الذهبي. وقد خرجته في " الإرواء " أيضا. ومنها عن عبد الله بن عمرو بن العاص في حديث له مضى تخريجه والكلام على هذه الزيادة منه بصورة خاصة برقم (205) . ومنها عن أبي ثعلبة الخشني، وإسناده ضعيف كما بينته في " الضعيفة " رقم (1025) من المجلد الثالث، وسيطبع قريبا إن شاء الله تعالى. 1536 - " ألظوا بـ (يا ذا الجلال والإكرام) ". روي من حديث ربيعة بن عامر وأبي هريرة وأنس بن مالك. 1 - أما حديث ربيعة فيرويه عبد الله بن المبارك أخبرني يحيى بن حسان عن ربيعة ابن عامر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 256) والحاكم (1 / 498 - 499) وأحمد (4 / 177) وأبو عبد الله بن منده في " المعرفة " (ق 13 / 1) وفي " التوحيد " (ق 72 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (6 / 107 / 1) كلهم عن ابن المبارك به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال ابن منده في الكتاب الأول: " حديث غريب، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ". وقال في الكتاب الآخر:

" يحيى بن حسان فلسطيني ثقة مشهور ". وقال الإمام أحمد في روايته هذه عن ابن المبارك: " يحيى بن حسان من أهل بيت المقدس وكان شيخا كبيرا حسن الفهم ". ووثقه النسائي أيضا وابن حبان. 2 - أما حديث أبي هريرة فيرويه رشدين بن سعد حدثنا موسى بن حبيب عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه مرفوعا. أخرجه الحاكم، ورشدين ضعيف. 3 - وأما حديث أنس فيرويه مؤمل بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن حميد عنه. أخرجه الترمذي (4 / 267) وقال: " حديث غريب، وليس بمحفوظ، وإنما يروى هذا عن حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح، والمؤمل غلط فيه، فقال: عن حميد عن أنس، ولا يتابع فيه ". قلت: وذكر نحوه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 170 و 192) لكن قوله: " ولا يتابع عليه " فيه نظر، فقد ذكر ابن أبي حاتم أيضا أن روح بن عبادة رواه عن حماد عن ثابت وحميد عن أنس به. وأخرجه أبو سعد المظفر بن حسن في " فوائد منتقاة " (136 / 2) . ثم قال ابن أبي حاتم: " قال أبي: هذا خطأ حماد يرويه عن أبان بن أبي عياش عن أنس ". قلت: وروح بن عبادة ثقة فاضل احتج به الستة، فلا أدري وجه تخطئته، بدون حجة بينة، مع إمكان القول بصحة ما رواه هو، وما رواه غيره من الثقات، بمعنى أن حماد

1537

بن سلمة كان له عدة أسانيد عن أنس، فرواه روح عنه عن ثابت وحميد، وتابعه المؤمل - وإن كان فيه ضعف - عنه عن حميد. ورواه أبو سلمة قال: حدثنا حماد عن ثابت وحميد وصالح المعلم عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في " العلل "، ولا مانع من مثل هذا الجمع، فإن له أمثلة كثيرة في الرواة ، ومنهم حماد بن سلمة بالخصوص لسعة حفظه. والله أعلم. وقد وجدت له طريقا أخرى عن أنس، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 17 / 2) : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد الرقاشي عنه مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، غير الرقاشي فإنه ضعيف مع زهده، فروايته لا بأس بها إن شاء الله في المتابعات. وجملة القول أن الحديث صحيح من الطريق الأول من حديث ربيعة، والطرق الأخرى تزيده قوة على قوة. 1537 - " الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق، طبيبها الذي خلقها ". أخرجه أبو داود (2 / 195 - التازية) وأحمد (2 / 226 - 227 و 227 و 4 / 163 ) وابن منده في " المعرفة " (ق 16 / 1) من طريق عبد الملك بن أبجر عن إياد ابن لقيط عن أبي رمثة قال: " انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم .. قال: فقال لي أبي: أرني هذا الذي بظهرك، فإني رجل طبيب، قال ... " فذكره . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وأبجر جد عبد الملك، فإنه ابن سعيد بن حيان بن أبجر وهو ثقة عابد.

1538

1538 - " أرحامكم أرحامكم ". أخرجه ابن حبان (2037) : أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا سفيان عن سليمان التيمي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن سفيان وهو الفسوي، وهو ثقة حافظ. 1539 - " نزلت في أناس من أمتي في آخر الزمان يكذبون بقدر الله عز وجل. يعني قوله تعالى: * (ذوقوا مس سقر. إنا كل شيء خلقناه بقدر) * ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5316) من طريق جرير بن حازم عن سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي عن ابن زرارة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. ورواه ابن شاهين وابن مردويه من طريق عمرو بن أبي حفص عن خالد بن سلمة عن سعيد به إلا أنه قال: ابن زرارة الأنصاري. وفي رواية لابن منده وابن مردويه : زياد بن أبي زياد الأنصاري عن أبيه. قال الحافظ في " الإصابة ": " كذا قال ، والاضطراب فيه من حفص بن سليمان وهو ضعيف ". قلت: والصواب: (ابن زرارة) لمتابعته جرير بن حازم المذكورة أولا، وقد فاتت الحافظ فلم يذكرها مطلقا، كما فاته التنبيه على ضعف إسناده، والكشف عن

علته، ألا وهي جهالة سعيد بن عمرو المخزومي وابن زرارة، وقد أشار إليها شيخه الهيثمي، فقال في " المجمع " (7 / 117) بعدما عزاه للطبراني: " وفيه من لم أعرفه ". ولكن للحديث شواهد يتقوى بها: 1 - أخرج البزار وابن المنذر بسند جيد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " ما أنزلت هذه الآية: * (إن المجرمين في ضلال وسعر. يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر. إنا كل شيء خلقناه بقدر) * إلا في أهل القدر ". 2 - وأخرج سعيد بن منصور وابن سعد وابن المنذر عن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه، وكانت أمه لبابة بنت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قالت: كنت أزور جدي ابن عباس رضي الله عنهما في كل يوم جمعة قبل أن يكف بصره فسمعته يقرأ في المصحف فلما أتى على هذه الآية * (إن المجرمين....) * قال: يا بنية ما أعرف أصحاب هذه الآية ما كانوا بعد، وليكونن. ومن طريق عطاء بن أبي رباح عنه أنه قيل له: قد تكلم في القدر. فقال: أو فعلوها؟ ! والله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: * (ذوقوا مس سقر. إنا كل شيء خلقناه بقدر ) *: أولئك شرار هذه الأمة، لا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن أريتني واحدا منهم فقأت عينيه بإصبعي هاتين. أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه. كذا في " الدر المنثور " (6 / 137) . ولا ينافي ما تقدم ما أخرجه مسلم (8 / 52) وغيره عن أبي هريرة قال:

1540

" جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القدر فنزلت: * (يوم يسحبون في النار....) * . أقول: لا ينافيه لإمكان نزول ذلك المشركين وأشباههم من نفاة القدر في هذه الأمة. والله أعلم. 1540 - " كان يدعو: اللهم احفظني بالإسلام قائما واحفظني بالإسلام قاعدا واحفظني بالإسلام راقدا ولا تشمت بي عدوا حاسدا، اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك ". أخرجه الحاكم (1 / 525) عن عبد الله بن صالح حدثني الليث بن سعد حدثني خالد ابن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الصهباء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أخبره ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو ... الحديث. وقال: " صحيح على شرط البخاري ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: أبو الصهباء لم يخرج له البخاري ". قلت: ولم أعرف من هو؟ ووجدت للحديث طريقا أخرى يرويه معلى بن رؤبة التميمي الحمصي عن هاشم بن عبد الله بن الزبير أن عمر بن الخطاب أصابته مصيبة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه ذلك، وسأله أن يأمر له بوسق من تمر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت أمرت لك بوسق من تمر، وإن شئت علمتك كلمات هي خير لك. قال: علمنيهن، ومر لي بوسق فإني ذو حاجة إليه، فقال....

1541

قلت: فذكره. أخرجه ابن حبان (2430) والديلمي (1 / 2 / 195) . وهاشم هذا قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 104) : " روى عن عمر رضي الله عنه، مرسل. روى عنه معلى بن رؤبة ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والمعلى بن رؤبة لم أجد له ترجمة، ولعله في " ثقات ابن حبان ". وبالجملة فالحديث حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم. 1541 - " كان يدعو بهؤلاء الكلمات: اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء ". أخرجه النسائي (2 / 316، 317) والحاكم (1 / 104) وأحمد (2 / 173) من طريق حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو مرفوعا ، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". وأقول: حيي هذا صدوق يهم كما في " التقريب "، فالإسناد حسن. وأخرج مسلم ( 8 / 76) والنسائي الجملة الأخيرة منه من حديث أبي هريرة من فعله صلى الله عليه وسلم. وأخرجه البخاري (4 / 256) من قوله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء ". وعند البخاري أيضا (4 / 200) من حديث أنس استعاذته صلى الله عليه وسلم من أشياء ذكرها منها: " ضلع الدين، وغلبة الرجال ".

1542

1542 - " اللهم إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم وأعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم، اللهم إني أسألك من خير ما سألك عبدك ونبيك، وأعوذ بك من شر ما عاذ بك عبدك ونبيك، اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك أن تجعل كل قضاء قضيته لي خيرا ". أخرجه ابن ماجة (2 / 433 - 434 - التازية) وابن حبان (2413) وأحمد (6 / 134) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1103 - مصور المكتب الإسلامي) من طريق حماد بن سلمة أخبرني جبر بن حبيب عن أم كلثوم بنت أبي بكر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمها هذا الدعاء، فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رواته ثقات رواة مسلم غير جبر بن حبيب وهو ثقة. وأما قول البوصيري في " الزوائد " (232 / 1) : " هذا إسناد فيه مقال، أم كلثوم هذه لم أر من تكلم فيها، وعدها جماعة في الصحابة، وفيه نظر لأنها ولدت بعد موت أبي بكر ". قلت: يكفيها توثيقا أن مسلما أخرج لها في " صحيحه " وروى عنها الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، وهي زوجة طلحة بن عبيد الله أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد رزقت منه زكريا ويوسف وعائشة، كما ذكر ابن سعد في ترجمة طلحة (3 / 214) . ثم رأيت الحديث في " المستدرك " (1 / 521 - 522) من طريق شعبة عن جبر بن حبيب به. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

1543

وتابعه سعيد الجريري عند أبي يعلى قرنه بجبر بن حبيب. ولطرفه الأول شاهد من حديث جابر بن سمرة قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه وهو في الصلاة، فلما سلم سمعته يقول: " فذكره دون قوله: " عاجله وآجله " في الموضعين. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 2058) من طريق قيس بن الربيع عن عائذ بن نصيب قال: سمعت جابر بن سمرة. قلت: وقيس بن الربيع سيء الحفظ. وعائذ بن نصيب وثقه ابن معين قال أبو حاتم : شيخ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 208) . 1543 - " اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فإنه لا يملكها إلا أنت ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 36 و 7 / 239) من طريق الطبراني وهذا في " المعجم الكبير " (رقم - 10379) حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا محمد بن زياد البرجمي حدثنا عبيد الله بن موسى عن مسعر عن زبيد عن مرة عن عبد الله قال: " أصاب النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما، فلم يجد عند واحدة منهن، فقال: (فذكره) فأهديت له شاة مصلية، فقال: هذه من فضل الله، ونحن ننتظر الرحمة ". وقال أبو نعيم: " غريب من حديث مسعر وزبيدة، تفرد به البرجمي ". قلت: وثقه ابن حبان وابن إشكاب والفضل بن سعد الأعرج كما في " اللسان " وأما أبو حاتم فلم يعرفه فقال: " مجهول " كما رواه ابنه (3 / 2 / 258) عنه ، وتبعه الذهبي في " الميزان " وغيره. وسائر الرواة ثقات، فالسند عندي صحيح. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 159) :

1544

" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن زياد البرجمي، وهو ثقة ". 1544 - " اللهم رب جبرائيل وميكائيل ورب إسرافيل أعوذ بك من حر النار وعذاب القبر ". أخرجه النسائي (2 / 320) من طريق أبي حسان عن جسرة عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قلت: إسناد ضعيف رجاله كلهم ثقات غير جسرة - وهي بنت دجاجة - ففيها ضعف. لكن لحديثها شاهدان: الأول: عن سليمان بن سنان المزني أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته: " اللهم إني أعوذ بك من فتنة القبر ومن فتنة الدجال ومن فتنة المحيا والممات ومن حر جهنم ". أخرجه النسائي عقب حديث عائشة وقال: " هذا الصواب ". قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير المزني هذا وهو ثقة كما قال الحافظ في " التقريب "، ولا منافاة بين الحديثين لاختلاف المخرج، بل أحدهما يشهد للآخر. والشاهد الثاني يرويه عبد الوهاب بن عيسى الواسطي حدثنا يحيى بن أبي زكريا الغساني عن عباد بن سعيد عن مبشر بن أبي مليح عن أبيه (عن جده أسامة بن عمير) رضي الله عنه " أنه صلى ركعتي الفجر، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قريبا منه ركعتين خفيفتين ثم سمعته يقول وهو جالس:

1545

اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار، ثلاث مرات ". أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (101) والحاكم (3 / 622) وسكت عليه هو والذهبي. قلت: وهو ضعيف: مبشر بن أبي المليح قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 342) : " روى عن أبيه، وعنه شعبة ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعباد بن سعيد بصري ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 80) برواية عبد الله بن محمد ابن أخي جويرية بن أسماء الضبعي والغساني هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والغساني ضعيف. والواسطي هو أبو الحسن التمار، قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 73) عن أبيه: " ليس به بأس ". 1545 - " أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام، واسترضعت في بني سعد بن بكر، فبينا أنا في بهم لنا أتاني رجلان عليهما ثياب بيض، معهما طست من ذهب مملوء ثلجا، فأضجعاني، فشقا بطني، ثم استخرجا قلبي فشقاه فأخرجا منه علقة سوداء فألقياها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج، حتى إذا أنقياه رداه كما كان، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمته. فوزنني بعشرة، فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته. فوزنني بمائة فوزنتهم، ثم قال: زنه بألف من أمته، فوزنني بألف فوزنتهم، فقال: دعه عنك فلو وزنته بأمته لوزنهم ". أخرجه الحافظ بن كثير في " البداية " (2 / 275) فقال: وقال ابن إسحاق: حدثنا

ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك. قال: نعم أنا.. إلخ. ثم قال: " وهذا إسناد جيد قوي ". قلت: والظاهر أنه نقله عن " سيرة ابن إسحاق " وقد روى أوله الحاكم من هذا الوجه (2 / 600) وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. والطبري في " تفسيره " (3 / 82 / 2070) . وقد جاءت هذه القصة من حديث أبي ذر وأبي بن كعب. أما الأول: فأخرجه الدارمي (1 / 9) أخبرنا عبد الله بن عمران حدثنا أبو داود حدثنا جعفر بن عثمان القرشي عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال: قلت: يا رسول الله كيف علمت أنك نبي حين استنبئت؟ فقال : " يا أبا ذر! أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة ... " الحديث. وقد سبق مع الكلام عليه. وأما الآخر: فأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في " زوائد المسند " (5 / 139) : حدثنا محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البزار حدثنا يونس بن محمد حدثنا معاذ بن محمد بن أبي بن كعب حدثنا أبي محمد بن معاذ بن (الأصل: عن وهو تصحيف) محمد عن أبي بن كعب. أن أبا هريرة كان جريئا على أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أشياء لا يسأله عنها غيره. فقال: يا رسول الله! ما أول ما رأيت في النبوة؟ فاستوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وقال: " لقد سألت أبا هريرة! إني لفي صحراء ابن عشر سنين وأشهر، وإذا بكلام فوق رأسي، وإذا رجل يقول لرجل: أهو هو؟ قال نعم. فاستقبلاني بوجوه لم أرها لخلق قط، وأرواح لم أجدها من خلق قط، وثياب لم أرها على أحد قط، فأقبلا إلي يمشيان حتى أخذ كل واحد منها بعضدي، لا أجد لأحدهما مسا، فقال أحدهما لصاحبه: أضجعه.

فأضجعاني بلا قصر ولا هصر: وقال أحدهما لصاحبه: افلق صدره، فهوى أحدهما إلى صدري ففلقها فيما أرى بلا دم ولا وجع. فقال له: أخرج الغل والحسد، فأخرجا شيئا كهيئة العلقة، ثم نبذها فطرحها. فقال له: أدخل الرأفة والرحمة، فإذا مثل الذي أخرج يشبه الفضة. ثم هز إبهام رجلي اليمنى ثم فقال: اغد واسلم. فرجعت بها أغدو رقة على الصغير، ورحمة للكبير ". قال الهيثمي (8 / 223) : " ورجاله ثقات وثقهم ابن حبان ". قلت: توثيق ابن حبان فيه تساهل كثير كما نبهنا عليه مرارا، ولذلك فقد أورد الذهبي في " الميزان " محمد بن معاذ بن محمد بن أبي بن كعب عن أبيه عن جده قال . وعن ابنه معاذ قال ابن المديني: " لا نعرف محمد هذا ولا أباه ولا جده في الرواية. وهذا إسناد مجهول ". وعزا الحافظ بن كثير (2 / 226) حديث أبي هذا لابن عساكر فقط! وفي الباب عن أنس أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، واستخرج القلب ، واستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه ثم أعاده في مكانه. وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعن ظئره - فقالوا: إن محمد قد قتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره. أخرجه مسلم (1 / 101 - 102) وأحمد (3 / 121 و149 و 288) والآجري أيضا في " الشريعة " ص (437) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عنه. وللطرف الأول من الحديث شاهد آخر وهو الآتي بعده.

1546

1546 - " أنا دعوة أبي إبراهيم، وكان آخر من بشر بي عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ". رواه ابن عساكر في " التاريخ " (1 / 265 / 2) عن بشر بن عمارة عن الأحوص بن حكيم عن خالد بن سعد عن عبد الرحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت: قيل: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك. قال: نعم، أنا ... الحديث. قلت: وهذا إسناد ضعيف، بشر بن عمارة والأحوص بن حكيم ضعيفان لكن يشهد له حديث أبي أمامة قال: " يا نبي الله ما كان أول بدء أمرك؟ " قال: فذكره بلفظ : " دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منها قصور الشام ". أخرجه أحمد (5 / 262) : حدثنا أبو النضر حدثنا فرج حدثنا لقمان بن عامر قال: سمعت أبا أمامة قال: قلت: فذكره. وأخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 102) وابن عدي (165 / 1) . قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الهيثمي (8 / 222) قال: " وله شواهد تقويه، ورواه الطبراني ". قلت: منها الحديث الذي قبله. ومنها ما رواه بحير بن سعيد عن خالد عن عتبة ابن عبد السلمي نحوه أتم منه بلفظ: " كانت حاضنتي ... " الحديث. وقد مضى بتمامه وتخريجه برقم (373) .

1547

1547 - " أوقدوا واصطنعوا، أما إنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم ". أخرجه الحاكم (3 / 36) من طريق محمد بن أبي يحيى الأسلمي حدثني أبي أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه أخبره: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالحديبية فقال: " لا توقدوا نار بليل ". فلما كان بعد ذلك قال: " فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأبو يحيى الأسلمي اسمه سمعان، وهو ثقة كأبيه. 1548 - " أما علمت أنك ومالك من كسب أبيك؟! ". رواه الطبراني (رقم 13345) عن وهب بن يحيى بن زمام العلاف حدثنا ميمون بن يزيد عن عمر بن محمد عن أبيه عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستعدي على والده، قال: إنه أخذ مالي. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه البزار في " مسنده " (ص 138 - زوائده ورقم 1259 - كشف الأستار) : حدثنا وهب بن يحيى حدثنا ميمون بن يزيد به. وقال: " لا نعلمه عن ابن عمر مرفوعا، إلا بهذا الإسناد ". كذا وقع في " الزوائد " ".... ابن يزيد " وتبعه في " المجمع " فإنه قال (4 / 154) :

" رواه البزار والطبراني في " الكبير " وفي " الأوسط " منه الولد من كسب الوالد " فقط وفيه ميمون بن يزيد لينه أبو حاتم، ووهب ابن يحيى بن زمام لم أجد من ترجمه وبقية رجاله ثقات ". والذي في " الجرح والتعديل " (لابن أبي حاتم (4 / 1 / 239) : " ميمون بن زيد أبو إبراهيم السقاء بصري روى عن ليث ... ". ثم ذكر عن أبيه أنه قال: " لين الحديث ". وذكر خلاصته في " الميزان " إلا أنه قال في نسبه: " ابن زيد أو ابن يزيد أبو إبراهيم ". زاد الحافظ في " اللسان " فقال: " وذكره ابن حبان في " الثقات " ابن زيد بن أبي عبس (¬1) ابن جبر الأنصاري الحارثي من أهل المدينة روى عنه أهل الحجاز. قلت: ويبدو لي أن هذا غير الذي لينه أبو حاتم، فهذا مدني، وذاك بصري، فافترقا، وأنه الذي وثقه ابن حبان. والله أعلم. ثم وجدت ما يؤيد ما ذكرته من التفريق، فقد رأيت ابن أبي حاتم قد أورد أيضا المدني قبل البصري بترجمة وقال: " روى عن أبيه، روى عنه ... ". كذا الأصل بيض للراوي عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك فعل قبله البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 341 ) لكن يستفاد منه إملاء البياض الذي في " الجرح "، فقد قال البخاري: " يعد في أهل المدينة ". وكأنه يعني أنه روى عنه ¬

(¬1) الأصل (عيسى) وهو خطأ صححته من " تاريخ " البخاري و " جرح " ابن أبي حاتم. اهـ.

1549

أهلها. وهو ما صرح به ابن حبان كما تقدم عن " اللسان ". وبالجملة فإعلال الهيثمي للحديث وتضعيفه إياه، إنما هو قائم على التسوية بين (الميمونين) ، وهو خطأ لما ذكرنا، وإن أقره عليه الشيخ الأعظمي في تعليقه على " الكشف " وصاحبنا السلفي في تعليقه على " كبير الطبراني "! وثمة خطأ آخر في كلام الهيثمي، وإن أقره عليه من ذكرنا، ألا وهو تسويته بين إسنادي " الكبير " و " الأوسط "، وليس كذلك، فإن إسناده في الثاني منهما هكذا: حدثنا محمد بن علي بن شعيب حدثنا محمد بن أبي بلال التيمي حدثنا خلف بن خليفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا باللفظ الذي ذكره الهيثمي. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، خلف ومن فوقه من رجال مسلم، ومحمد بن أبي هلال هو الذي حدث عن مالك بن أنس قال ابن معين: ليس به بأس، كما في " تاريخ بغداد " (2 / 98) . وأما محمد بن علي بن شعيب، وهو أبو بكر السمسار، ترجمه الخطيب أيضا (3 / 66) بروايته عن جمع، وعنه إسماعيل الخطبي مات سنة (290) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والحديث له طرق وشواهد كثيرة بمعناه، قد خرجت الكثير الطيب منها في " إرواء الغليل " ( 830) و " الروض النضير " (195، 603) . 1549 - " أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في وجهها؟! فنهى عن ذلك ". أخرجه أبو داود (1 / 401 - 402) : حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بحمار قد وسم في وجهه، فقال: " فذكره.

1550

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم، على ضعف في محمد بن كثير وهو العبدي وعنعنة أبي الزبير فإنه مدلس. وقد أخرجه مسلم (6 / 165) من طريق معقل عن أبي الزبير به مختصرا بلفظ: " لعن الله الذي وسمه ". ثم أخرجه من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضرب في الوجه، وعن الوسم في الوجه ". وهذا إسناد صحيح مصرح فيه بالسماع، وقد خرج في " الإرواء " (2186) . 1550 - " أما أنت يا جعفر فأشبه خلقك خلقي وأشبه خلقي خلقك وأنت مني وشجرتي، وأما أنت يا علي فختني، وأبو ولدي، وأنا منك وأنت مني، وأما أنت يا زيد فمولاي ومني وإلي، وأحب القوم إلي ". أخرجه أحمد (5 / 204) والبخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 19 - 20) والحاكم (3 / 217) والطبراني في " المعجم الكبير " رقم - 378 مختصرا عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة عن أبيه قال: " اجتمع جعفر وعلي وزيد بن حارثة، فقال جعفر: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال علي: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال زيد : أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: انطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نسأله، فقال أسامة بن زيد: فجاؤا يستأذنونه، فقال: اخرج فانظر من هؤلاء؟ فقلت: هذا جعفر وعلي وزيد، ما أقول أبي (!) قال: ائذن لهم، ودخلوا، فقالوا: من أحب إليك؟ قال: فاطمة، قالوا: نسألك عن الرجال، قال: " فذكره. وقال الحاكم:

1551

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وفيه نظر لأن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، ثم هو مدلس وقد عنعنه عند جميعهم. لكن له طريق أخرى عند الطبراني (379) من طريق عمرو بن أبي سلمة عن أبيه عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، يعني مختصرا ليس فيه ذكر لزيد بن حارثة. وللحديث شاهد من حديث علي بإسناد رجاله ثقات خرجته في " الإرواء " (2191) وله عنه طريق أخرى في " مشكل الآثار "، وفيه رجل مجهول كما بينته هناك وفيه قوله لجعفر: " وأنت من شجرتي التي أنا منها ". وفي " الترمذي " (2 / 312) عن عمر أنه قال لابنه عبد الله: " إن زيد كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك ". وقال: " حديث حسن غريب ". وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد، إلا قوله في آخره: " وأحب القوم إلي " فحسن. والله أعلم. وأما قول الهيثمي (9 / 275) : " رواه أحمد وإسناده حسن "، فلا يخفى ما فيه. 1551 - " أما أهل النار الذين هم أهلها (وفي رواية: الذين لا يريد الله عز وجل إخراجهم) فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (يريد الله عز وجل إخراجهم) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة ، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار

الجنة، ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل ". أخرجه مسلم (1 / 118) وأبو عوانة (1 / 186) والدارمي (2 / 331 - 332) وابن ماجة (2 / 582 - 583) وأحمد (3 / 11 و 78 - 79) والطبري في " التفسير " (1 / 552 / 797) من طريق سعيد بن يزيد أبي سلمة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. وتابعه أبو سعيد الجريري عن أبي نضرة به. والرواية الثانية مع الزيادة له. أخرجه أحمد (3 / 20) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 95 / 2) . وتابعه أيضا سليمان التيمي عنه. أخرجه أبو عوانة وعبد بن حميد. وتابعه عثمان بن غياث وعوف عن أبي نضرة به نحوه. وزاد عثمان: " فيحرقون فيكونون فحما ". أخرجه أحمد (3 / 25 و 90) بإسناد صحيح. وله عنده (3 / 90) طريق أخرى عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن أبي سعيد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " سيخرج ناس من النار قد احترقوا وكانوا مثل الحمم، ثم لا يزال أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتون نبات القثاء في السيل ". وخالفه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر أن أبا سعيد أخبره به. وابن لهيعة سيء الحفظ، والأول أصح، وهو على شرط مسلم. (ضبائر) : جمع (ضبارة) : جماعة الناس.

1552

وفي الحديث دليل صريح على خلود الكفار في النار، وعدم فنائها بمن فيها، خلافا لقول بعضهم لأنه لو فنيت بمن فيها لماتوا واستراحوا، وهذا خلاف الحديث ولم يتنبه لهذا ولا لغيره من نصوص الكتاب والسنة المؤيد له من ذهب من أفاضل علمائنا إلى القول بفنائها، وقد رده الإمام الصنعاني ردا علميا متينا في كتابه " رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار "، وقد حققته، وخرجت أحاديثه، وقدمت له بمقدمة ضافية نافعة، وهو تحت الطبع، وسيكون في أيدي القراء قريبا إن شاء الله تعالى. 1552 - " أما بعد يا معشر قريش! فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله، فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب - لقضيب في يده ". أخرجه أحمد (1 / 458) : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن صالح قال ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله بن عتيبة أن عبد الله بن مسعود قال: " بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في قريب من ثمانين رجلا من قريش، ليس فيهم إلا قرشي، لا والله ما رأيت صفيحة وجوه رجال قط أحسن من وجوههم يومئذ، فذكروا النساء، فتحدثوا فيهن، فتحدث معهم، حتى أحببت أن يسكت، قال: ثم أتيته فتشهد، ثم قال: (فذكره) ، ثم لحى قضيبه، فإذا هو أبيض يصلد ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 192) : " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في " الأوسط " ورجال أحمد رجال الصحيح، ورجال أبي يعلى ثقات ". ورواه القاسم بن الحارث عن عبيد الله فقال: عن أبي مسعود الأنصاري.

1553

أخرجه أحمد (4 / 118 و 5 / 274 و 274 - 275) وابن أبي عاصم في " السنة " (1118 و 1119 - بتحقيقي) . والقاسم هذا مجهول كما بينته في " تخريج السنة " فقوله: " أبي مسعود " مكان " ابن مسعود "، وهم منهم لا يلتفت إليه. (يلحى) : أي يقشر. وهذا الحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد استمرت الخلافة في قريش عدة قرون، ثم دالت دولتهم، بعصيانهم لربهم، واتباعهم لأهوائهم، فسلط الله عليهم من الأعاجم من أخذ الحكم من أيديهم وذل المسلمون من بعدهم، إلا ما شاء الله. ولذلك فعلى المسلمين إذا كانوا صادقين في سعيهم لإعادة الدولة الإسلامية أن يتوبوا إلى ربهم، ويرجعوا إلى دينهم، ويتبعوا أحكام شريعتهم، ومن ذلك أن الخلافة في قريش بالشروط المعروفة في كتب الحديث والفقه، ولا يحكموا آراءهم وأهواءهم، وما وجدوا عليه أباءهم وأجدادهم، وإلا فسيظلون محكومين من غيرهم، وصدق الله إذ قال: * (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) *. والعاقبة للمتقين. 1553 - " إن السلف يجري مجرى شطر الصدقة ". أخرجه أحمد (1 / 412) وأبو يعلى (3 / 1298 - مصورة الكتب) من طريق حماد بن سلمة أخبرنا عطاء بن السائب عن ابن أذنان قال: " أسلفت علقمة ألفي درهم، فلما خرج عطاؤه قلت له: اقضيني، قال: أخرني إلى قابل، فأتيت عليه فأخذتها، قال : فأتيته بعد، قال: برحت بي وقد منعتني، فقلت: نعم، هو عملك، قال: وما شأني، قلت: إنك حدثتني عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) قال: نعم فهو كذاك، قال: فخذ الآن ".

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن ابن أذنان لم يوثقه غير ابن حبان، وقد اختلف في اسمه والراجح أنه سليم كما ذهب إليه المحقق أحمد شاكر رحمه الله تعالى، ويأتي التصريح بذلك قريبا في بعض الطرق. وعطاء بن السائب كان اختلط . لكن للحديث طريق أخرى، فقال الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 9180) : حدثنا علي بن عبد العزيز أخبرنا أبو نعيم أخبرنا دلهم بن صالح حدثني حميد بن عبد الله الثقفي أن علقمة بن قيس استقرض من عبد الله ألف درهم ... الحديث نحوه ولم يرفع آخره، ولفظه: " قال عبد الله: لأن أقرض مالا مرتين أحب إلي من أن أتصدق به مرة ". ودلهم هذا ضعيف. وحميد بن عبد الله الثقفي، أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 224) لهذا الإسناد، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والجملة الأخيرة منه قد رويت من طريقين آخرين عن ابن مسعود مرفوعا، فهو بمجموع ذلك صحيح. والله أعلم. راجع " تخريج الترغيب " (2 / 34) . وتابعه عن الجملة الأخيرة منه قيس بن رومي عن سليم بن أذنان به مرفوعا بلفظ: " من أقرض ورقا مرتين كان كعدل صدقة مرة ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 19 ) وابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (314 / 1) والبيهقي في " السنن " ( 5 / 353) . وله طريق أخرى عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ: " من أقرض مرتين كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به ".

1554

أخرجه ابن حبان ( 1155) والخرائطي والهيثم بن كليب في " مسنده " (53 / 2 - 54 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 68 / 1) وابن عدي (212 / 2) من طريق أبي حريز أن إبراهيم حدثه عنه. قلت: وهذا سند لا بأس به في المتابعات، رجاله ثقات غير أبي حريز واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي، قال الذهبي: " فيه شيء ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". (السلف) : القرض الذي لا منفعة للمقرض فيه. قلت: ومع هذا الفضيلة البالغة للقرض الحسن، فإنه يكاد أن يزول من بيوع المسلمين، لغلبة الجشع والتكالب على الدنيا على الكثيرين أو الأكثرين منهم، فإنك لا تكاد تجد فيهم من يقرضك شيئا إلا مقابل فائدة إلا نادرا، فإنك قليل ما يتيسر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقدا أو نسيئة، بل جمهورهم يطلبون منك زيادة في بيع النسيئة، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط، مع كونها ربا في صريح قوله صلى الله عليه وسلم: " من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا ". وقد فسره جماعة من السلف بأن المراد به بيع النسيئة، ومنه بيع التقسيط، كما سيأتي بيانه عند تخريج الحديث برقم (2326) . 1554 - " أمرت أن أبشر خديجة ببيت (في الجنة) من قصب لا صخب فيه ولا نصب ". ورد من حديث جمع من الصحابة منهم عبد الله بن جعفر - وهذا لفظه وعائشة وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى.

1 - أما حديث عبد الله بن جعفر فيرويه محمد بن إسحاق قال: فحدثني هشام بن عروة ابن الزبير عن أبيه عروة عنه مرفوعا به. أخرجه أحمد (1 / 205) والحاكم (3 / 184، 185) والضياء في " المختارة " (ق 128 / 1) وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: ابن إسحاق لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة، وهو حسن الحديث إن كان حفظه بهذا الإسناد، فقد خالفه فيه جماعة فجعلوه من مسند عائشة، وهو الآتي بعده. 2 - وأما حديث عائشة فيرويه عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير حدثني هشام بن عروة عن أبيه عنها مرفوعا دون قوله: " لا صخب ... ". أخرجه أحمد (6 / 279) وعنه الحاكم (3 / 185) وكذا الخطيب في " التاريخ " (12 / 234) ولفظه عن أحمد: " أمرني ربي ... ". ثم أخرجه هو (6 / 58 و 202) والبخاري (3 / 13 و 4 / 116 و 477) ومسلم (7 / 133) والترمذي (2 / 321) والحاكم (3 / 186) من طرق أخرى عن هشام به، وزاد الترمذي والحاكم: " لا صخب فيه ولا نصب ". وقال: " حديث حسن "! وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. 3 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة قال: سمعت أبا هريرة قال:

1555

" أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هذه خديجة قد أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها عز وجل ومني، وبشرهها ببيت ... " الحديث مثله بتمامه. أخرجه البخاري (3 / 14 و 4 / 979) ومسلم أيضا وأحمد (2 / 230) ومن طريقه الحاكم أيضا وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! كذا قال وهو من أوهامه الكثيرة التي تابعه عليها الذهبي في الاستدراك على الشيخين، وقد أخرجاه! 4 - وأما حديث ابن أبي أوفى. فيرويه إسماعيل بن أبي خالد قال: " قلت لعبد الله بن أبي أوفى: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر خديجة ببيت في الجنة ؟ قال: نعم بشرها ببيت ... " الحديث. أخرجه الشيخان وأحمد (4 / 355 و 356 و357 و 381) . (القصب) هو هنا: الدر الرطب المرصع بالياقوت. 1555 - " أمرني جبريل أن أقدم الأكابر ". رواه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (9 / 97 / 1) : حدثنا أبو حفص عمر بن موسى التوزي أخبرنا نعيم بن حماد أخبرنا ابن المبارك أخبرنا أسامة بن زيد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، علته نعيم بن حماد فإنه ضعيف، واتهمه بعضهم وبقية رجاله ثقات معروفون غير التوزي بفتح المثناة من فوق وتشديد الواو. ترجمه الخطيب

(11 / 214) برواية اثنين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا. ولا تعديلا. قال ابن قانع: مات سنة (284) . وقد توبع، فأخرجه أبو نعيم في " الحلبة " (8 / 174) : حدثنا عبد الله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا نعيم بن حماد به إلا أنه قال: " أن أكبر ". وقال: " رواه عبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب جميعا عن أسامة ". قلت: وفيه إشعار بأن الحديث لم يتفرد به نعيم ولا ابن المبارك، إنما تفرد به أسامة بن زيد. وهو حسن الحديث، إن كان الليثي مولاهم المدني، وأما إن كان العدوي مولى عمر المدني فهو ضعيف، وكلاهما يروي عن نافع. وعنهما ابن المبارك وابن وهب فلم أدر أيهما المراد هنا. ثم وجدت لنعيم أكثر من تابع واحد ، فأخرجه أحمد (2 / 138) والبيهقي (1 / 40) من طريقين آخرين عن عبد الله ابن المبارك به. وفيه بيان سبب وروده، ولفظه: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يستن، فأعطاه أكبر القوم، ثم قال: " فذكره بلفظ " الحلية ". وعلقه البخاري في " صحيحه " (1 / 284 - فتح) من طريق نعيم بن حماد. وذكر الحافظ أن أسامة هو ابن زيد الليثي المدني. ولا أدري ما مستنده في هذا؟ وإن تبعه عليه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على المسند. نعم لعل ذلك إنما هو النظر إلى جلالة الإمام عبد الله بن المبارك وعلمه، فإنه لو كان يعني العدوي الضعيف لبينه. أو لعل له عادة إذا روى عن الليثي الثقة أطلق ولم ينسبه، وإذا روى عن الآخر الضعيف قيده فنسبه. والله أعلم. وقد توبع عليه في الجملة. فأخرجه البخاري تعليقا والبيهقي وغيره موصولا من طريق عفان حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

" أراني أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدها أكبر من الآخر. فناولت السواك الأصغر منهما، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما ". قلت: وهذا إسناد صحيح وهو بظاهره يدل على أن القضية وقعت مناما خلافا لرواية أسامة. لكن الحافظ جمع بينهما فقال: " إن ذلك لما وقع في اليقظة أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رآه في النوم تنبيها على أن أمره بذلك بوحي متقدم ، فحفظ بعض الرواة لما لم يحفظ بعض. ويشهد لرواية ابن المبارك ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان فأوحي إليه: أن أعط السواك الأكبر ". قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام. وقال المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس. فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن، وهو صحيح. وسيأتي الحديث فيه ". قلت: وحديث أبي داود صحيح الإسناد عندي، كما بينته في " صحيح أبي داود " رقم (45) . ويشهد للحديث أيضا، ما أخرجه الشيخان والنسائي وغيرهم في حديث ( القسامة) من رواية رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة قالا: " فذهب عبد الرحمن ابن سهل - وكان أصغر القوم - يتكلم قبل صاحبيه. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " كبر الكبر في السن " وفي رواية للنسائي: " الكبر، ليبدأ الأكبر ، فتكلما ". يعني رافعا وسهلا. قلت: فهذا خاص في الكلام، وحديث الترجمة ونحوه في السواك وأما في الشرب

1556

فالسنة تقديم الأيمن كما تقدم عن المهلب، والحديث الذي أشار سيأتي إن شاء الله تعالى (1771) . 1556 - " أمرت بالسواك حتى خفت على أسناني ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 155 / 2) وعنه الضياء في " المختارة " (61 / 249 / 1) من طريق الحسين بن سعد بن علي بن الحسين بن واقد حدثني جدي علي بن الحسين حدثني أبي أخبرنا عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير الحسين بن سعد بن علي ... فإني لم أجد له ترجمة، مع أنهم ذكروه في الرواة عن جده علي بن الحسين. وعطاء بن السائب كان اختلط. ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (2 / 98) وأعله به فقط! لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الصحة: الأول: عن سهل بن سعد بلفظ: " ما زال جبريل يوصيني بالسواك حتى خفت على أضراسي ". رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله موثقون، وفي بعضهم خلاف كما قال الهيثمي. ثم رأيته في " الكبير " (6018 / 1) من طريق عبيد بن واقد أبي عباد القيسي حدثنا أبو عبد الله الغفاري قال: سمعت سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: " أمرني جبريل بالسواك حتى ظننت أني سأدرد ". وعبيد ضعيف. واللفظ الذي ذكره الهيثمي لم أره في ترجمة سهل من " الكبير ". والثاني: عن عائشة مرفوعا بلفظ: " لزمت السواك حتى خشيت أن يدردني ".

" رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وهو كما قال، لكنه عنده (6670) من رواية عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عائشة وما أظن أنه سمع منها. الثالث: عن أنس بن مالك مرفوعا: " أمرت بالسواك حتى خشيت أن أدرد، أو حتى خشيت على لثتي ". رواه البزار (ص 60 - زوائده) من طريق عمران بن خالد الخياط عن ثابت عنه. وعمران هذا هو الخزاعي وهو ضعيف كما قال أبو حاتم وغيره. وروى أبو إسحاق السبيعي عن التميمي قال: سألت ابن عباس عن السواك؟ فقال: " ما زال النبي صلى الله عليه وسلم يأمرنا به حتى خشينا أن ينزل عليه فيه ". أخرجه أحمد (1 / 285 و 339 - 340) والبيهقي (1 / 35) عن شعبة وسفيان عنه . والتميمي هذا - واسمه أربد - مجهول. وتابعهما شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق بلفظ: " أمرت بالسواك حتى ظننت أو حسبت أن سينزل فيه القرآن ". أخرجه أحمد (1 / 237 و 307 و 315 و 337) . وشريك سيء الحفظ. ويشهد له حديث ليث عن أبي بردة عن أبي مليح بن أسامة عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت بالسواك حتى خشيت أن يكتب علي ". أخرجه أحمد (3 / 490) .

1557

قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد رجاله كلهم ثقات غير ليث وهو ابن أبي سليم، وهو ضعيف لاختلاطه. (يدردني) : أي يسقط أسناني. 1557 - " امشوا أمامي، وخلوا ظهري للملائكة ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 117) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا سفيان عن الأسود بن قيس العبدي عن نبيح أبي عمرو عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأصحابه: فذكره، وقال: " مما كتبته عاليا من حديث الثوري إلا من هذا الوجه ". قلت: وابن أبان هذا متروك، وكذبه بن معين وغيره كما في " التقريب ". وقد خولف في متنه، فقال قبيصة بن عقبة: حدثنا سفيان به بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته مشينا قدامه وتركنا خلفه للملائكة " . أخرجه الحاكم (4 / 281) . قلت: وقبيصة بن عقبة صدوق ربما خالف كما في " التقريب " واحتج به الشيخان فالإسناد صحيح. وتابعه وكيع عن سفيان به. أخرجه ابن حبان (2099) . وتابعه أبو عوانة حدثنا الأسود بن قيس به أتم منه في قصة صنع جابر رضي الله عنه الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

1558

" ... فلما فرغ قام، وقام أصحابه فخرجوا بين يديه، وكان يقول: خلوا ظهري للملائكة.... ". أخرجه أحمد (3 / 397 - 398) والدارمي (1 / 23 - 25) . قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو شاهد قوي للروايتين المتقدمتين، وهو يدل على صحة كل منهما، ويجمع بينهما، ويدل على أن مشيهم بين يديه وتركهم ظهره صلى الله عليه وسلم إنما كان بأمره صلى الله عليه وسلم. لكن يشكل على هذا رواية شعبة عن الأسود بن قيس به مرفوعا بلفظ: " لا تمشوا بين يدي، ولا خلفي، فإن هذا مقام الملائكة ". أخرجه الحاكم (4 / 281) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". كذا قال! وفي " تلخيص الذهبي ": " صحيح الإسناد " وهو الأقرب ، فإن نبيحا هذا ليس من رجال الشيخين، وقد وثقه جماعة، ومن دونه كلهم ثقات . فقد زاد النهي عن المشي بين يديه أيضا، وهم كانوا يمشون بين يديه كما سبق، فإما أن يقال: إن النهي كان بعد، وإما أن يقال: إنها زيادة شاذة. ولعل هذا أقرب. والله أعلم. 1558 - " أمط الأذى عن الطريق، فإنه لك صدقة ". رواه ابن سعد (4 / 299) والبخاري في " الأدب المفرد " (228) وابن نصر في " الصلاة " (222 / 1 و 224 / 1) وأحمد (4 / 422 و 423) عن أبي الوازع وهو جابر بن عمر عن أبي برزة الأسلمي قال: قلت: يا رسول الله مرني بعمل أعمله . قال: فذكره.

1559

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 34) دون قوله: " فإنه لك صدقة ". وكذلك هو في " الأدب " ورواية لأحمد. وكذلك رواه القضاعي (63 / 1) بإسناد ضعيف عن أنس مرفوعا. ولفظ مسلم: " اعزل ... ". وهو رواية لأحمد. 1559 - " امسحوا على الخفاف (ثلاثة أيام) . يعني في السفر ". أخرجه أحمد (5 / 213) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 3755) من طرق عن عبد العزيز بن عبد الصمد العمي أخبرنا منصور عن إبراهيم التيمي عن عمرو بن ميمون الأودي عن أبي عبد الله الجدلي عن خزيمة بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد " لو استزدناه لزادنا ". وتابعه جرير عن منصور به. أخرجه الطبراني (3757) وابن حبان (183) ، والزيادة لهما. قلت: هكذا وقع في هذه الرواية لم يقيد بالمسافر، وقد جوده سفيان بن عيينة فقال: عن منصور به، ولفظه: " سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح على الخفين؟ فرخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يوما وليلة ". أخرجه أحمد (5 / 213) والطبراني (3754) . وهذا إسناد صحيح. والحديث أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب السنن وأحمد والطبراني وغيرهما من طرق أخرى عديدة عن إبراهيم به. ومنهم من لم يذكر فيه عمرو بن ميمون الأودي.

1560

وصححه ابن حبان (181 و 182) وابن الجارود في " المنتقى " (86) ، وانظر " صحيح أبي داود " (145) . 1560 - " املك يدك، وفي رواية: لا تبسط يدك إلا إلى خير ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 444) والطبراني في " الكبير " (رقم - 818) من طريق صدقة بن عبد الله الدمشقي عن عبد الله بن علي عن سليمان بن حبيب أخبرني أسود بن أصرم المحاربي: " قلت: يا رسول الله أوصني، قال: " فذكره. وقال البخاري: " وفي إسناده نظر ". قلت: ووجهه أن صدقة هذا وهو أبو معاوية السمين ضعيف. لكنه لم يتفرد به فقد أخرجه الطبراني (817) من طريقين عن أبي المعافى محمد بن وهب بن أبي كريمة الحراني أخبرنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن عبد الوهاب بن بخت عن سليمان ابن حبيب المحاربي عن أسود بن أصرم المحاربي: " أنه قدم بإبل له سمان إلى المدينة في زمن قحل، وجدوب من الأرض، فلما رآها أهل المدينة عجبوا من سمنها ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى بها، فخرج إليها، فنظر إليها، فقال: لم جلبت إبلك هذه؟ قال: أردت بها خادما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عنده خادم؟ فقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: عندي يا رسول الله، قال: فأت بها، فجاء بها عثمان، فلما رآها أسود، قال: مثلها أريد، فقال: عندك فخذها، فأخذها أسود، وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إبله. فقال أسود: يا رسول الله أوصني، قال: هل تملك لسانك؟ قال: فما أملك إذا لم أملكه؟ قال: أفتملك يدك ؟ قال: فما أملك إذا لم أملك يدي؟ قال: " فلا تقل بلسانك إلا معروفا ولا تبسط يدك إلا إلى خير ".

1561

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وأبو عبد الرحيم اسمه خالد بن أبي يزيد الحراني وهو خال محمد بن سلمة الحراني. 1561 - " إن أبيتم إلا أن تجلسوا فاهدوا السبيل وردوا السلام وأعينوا المظلوم ". أخرجه أحمد (4 / 282 و 291 و 293) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 60) وابن حبان (1953) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على مجلس من الأنصار، فقال: " فذكره. ثم أخرجه أحمد (4 / 282 و 291 و 301) والدارمي (2 / 282) والترمذي (2 / 121) والطحاوي أيضا (1 / 59) من طريق شعبة به إلا أن شعبة قال: " ولم يسمعه أبو إسحاق من البراء ". قلت: وهذا من الأدلة الكثيرة على أن أبا إسحاق - وهو السبيعي - كان مدلسا، ولذلك جرينا في تحقيقاتنا على عدم الاحتجاج بما لم يصرح به في التحديث، على أن فيه علة أخرى، وهي اختلاطه، لكن شعبة روى عنه قبل الاختلاط ومع الانقطاع المذكور، فقد قال الترمذي عقبه: " حديث حسن غريب "! لكن الحديث صحيح، فقد أخرجه الشيخان، والبخاري في " الأدب المفرد " (1150) وأحمد (3 / 36) من حديث أبي سعيد الخدري نحوه، وفيه من الخصال الثلاث قوله: " وردوا السلام ". وكذلك أخرجه في " الأدب " (1149) من حديث أبي هريرة.

1562

وسنده صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن حبان (1954) من طريق أخرى عنه، وفيه الخصلة الأولى بلفظ : " إرشاد السبيل ". وسنده حسن. وأخرجه الطحاوي من حديث عمر بن الخطاب نحوه وفيه الخصلتان: " أن ترد السلام،.... وتهدي الضال وتعين الملهوف ". وهذه الجملة الأخيرة بمعنى الخصلة الثالثة: " وأعينوا المظلوم ". كما هو ظاهر. وسنده حسن، رجاله ثقات غير عبد الله بن سنان الهروي، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (2 / 2 / 68) جرحا ولا تعديلا. وقد روى عنه جمع من الثقات. وإعانة المظلوم من الأمور السبعة التي جاء الأمر بها في حديث البراء الآخر في " الصحيحين " وغيرهما. 1562 - " إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي؟ أولها ملامة وثانيها ندامة وثالثها عذاب يوم القيامة، إلا من عدل، فكيف يعدل مع أقربيه؟ ". أخرجه البزار (رقم 1597) والطبراني في " الأوسط " (رقم - 6891) عن هشام بن عمار حدثنا صدقة عن زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن يزيد بن الأصم عن عوف ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الطبراني: " لا يروى عن عوف إلا بهذا الإسناد، تفرد به زيد ". قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، وكذا من فوقه ومن دونه، لكن هشام بن عمار فيه كلام، قال الحافظ: " صدوق مقرىء، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح " .

لكن في كلام الطبراني المتقدم ما يشعر أنه لم يتفرد به، والله أعلم. وقال المنذري في " الترغيب " (3 / 132) : " رواه البزار والطبراني في " الكبير " ورواته رواة الصحيح ". وقال في " المجمع " (5 / 200) : " رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " باختصار، ورجال " الكبير " رجال الصحيح ". كذا قال، وهو يشعر أن رجال البزار و " الأوسط " ليسوا من رجال الصحيح، وهو خلاف الواقع! فالصواب أن يقال: " ورجالهم جميعا رجال الصحيح ". وللحديث شاهد يرويه محمد بن أبان الواسطي أخبرنا شريك عن عبد الله ابن عيسى عن أبي صالح عن أبي هريرة - قال شريك: لا أدري رفعه أم لا؟ - قال: " الإمارة أولها ندامة وأوسطها غرامة وآخرها عذاب يوم القيامة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " وقال: " لم يروه عن عبد الله إلا شريك، تفرد به محمد ابن أبان ". قلت: وهو صدوق تكلم فيه الأزدي، لكن شيخه شريك وهو ابن عبد الله القاضي ضعيف لسوء حفظه، قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ". قلت: فقول المنذري: " رواه الطبراني بإسناد حسن " فهو غير حسن، ومثله قول الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ".

1563

1563 - " إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن ". أخرجه ابن ماجة (1 / 422) من طريق ابن لهيعة عن الضحاك بن أيمن عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب عن أبي موسى الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، لضعف ابن لهيعة، وشيخه الضحاك بن أيمن مجهول، كما في " التقريب ". وأعله السندي بأن ابن عرزب لم يلق أبا موسى. قاله المنذري. قلت: وإعلال السند بما ذكرنا أولى من إعلاله بالانقطاع لأن هذا لم أجد من ادعاه غير المنذري، ولم يذكر في " التهذيب " أن ابن عرزب لم يلق أبا موسى، بل ذكر أنه روى عنه. وسكت، ففيه إشارة إلى أن روايته عنه موصولة، فالعلة ما ذكرنا، والله أعلم. ثم استدركت فقلت: لعل عمدة المنذري فيما ذهب إليه من الانقطاع هو الرواية الأخرى عند ابن ماجة وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 510 - تحقيقي) من طريق ابن لهيعة عن الزبير بن سليم عن الضحاك بن عبد الرحمن عن أبيه قال: سمعت أبا موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وهذا مما يدل على ضعف ابن لهيعة وعدم ضبطه، فقد اضطرب في روايته هذا الحديث على وجوه أربعة، هذان اثنان منها. والثالث: قال: حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو مرفوعا به إلا أنه قال: " إلا لاثنين: مشاحن وقاتل نفس ".

أخرجه أحمد (رقم 6642) ، وقال المنذري (3 / 283) : " إسناده لين ". ونحوه قول الهيثمي في ابن لهيعة (8 / 65) : " لين الحديث ". والرابع: قال: عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبادة بن نسي عن كثير بن مرة عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره باللفظ الأول. أخرجه البزار في " مسنده " (ص 245 - زوائده) وقال الهيثمي: " إسناد ضعيف ". ومما يشهد للحديث ما أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 512 - تحقيقي) : حدثنا هشام بن خالد حدثنا أبو خليد عتبة بن حماد عن الأوزاعي وابن ثوبان (عن أبيه) عن مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ بن جبل مرفوعا به. وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1980) ومحمد بن سليمان الربعي في " جزء من حديثه " (217 / 1 و 218 / 1) وغيرهم، وهو خير أسانيده وطرقه، وقد سبق ذكرها والكلام عليها مفصلا برقم (1144) وإنما أعدت الكلام على الحديث هنا لزيادة في التخريج والتحقيق على ما تقدم هناك. والله ولي التوفيق. (المشرك) : كل من أشرك مع الله شيئا في ذاته تعالى، أو في صفاته، أو في عبادته. (المشاحن) قال ابن الأثير: " هو المعادي، والشحناء، العداوة، والتشاحن تفاعل منه، وقال الأوزاعي: أراد بالمشاحن ها هنا صاحب البدعة المفارق لجماعة الأمة ".

1564

1564 - " إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوه بيده، أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه ". أخرجه أحمد (رقم 1 و 16 و 29 و 53) وأبو داود (2 / 217) والترمذي (2 / 25 و 177) وابن ماجة (2 / 484) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 62 - 64 ) والضياء في " الأحاديث المختارة " (رقم 54 - 58 بتحقيقي) وغيرهم من طرق عديدة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق أنه قال: أيها الناس! إنكم تقرؤون هذه الآية * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذ اهتديتم) * وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي واللفظ له: " هذا حديث حسن صحيح "، وذكر أن الرواة اختلفوا في رفعه ووقفه، يعني على إسماعيل، والراجح عندي الرفع لما يأتي بيانه، ولذلك صححه الإمام النووي في " رياض الصالحين " (رقم 202 - بتحقيقي) وراجع له الفائدة الثانية من مقدمتي عليه (ص: ي ول) . وقال الحافظ بن كثير في " التفسير " (2 / 109) : " وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في " صحيحه " وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة عن إسماعيل بن أبي خالد به متصلا مرفوعا، ومنهم من رواه عنه موقوفا على الصديق، وقد رجح وقفه الدارقطني وغيره ". قلت: وفي هذا الكلام ملاحظتان: الأولى: عزوه الحديث للنسائي بعموم قوله: الأربعة، وقد صرح بعزوه إليه المنذري في " الترغيب " (3 / 170) والنووي وغيرهم، ولم أره في " السنن الصغرى " للنسائي، ولا عزاه إليه الشيخ النابلسي في " ذخائر المواريث " ولا السيوطي في " الجامع

الصغير "، فالظاهر أنه في " السنن الكبرى " له، ويؤيده أن المناوي ذكر أنه في " التفسير " للنسائي و " التفسير " إنما هو في " الكبرى " له، وهو في ذلك تابع للحافظ المزي في " تحفة الأشراف " (5 / 303) . والأخرى: جزمه بأن الدارقطني رجح وقفه، فقد نقل كلامه الضياء المقدسي في آخر الحديث، وخلاصته أن الثقات اختلفوا على إسماعيل، فمنهم من رفعه، ومنهم من أوقفه، ثم ذكر أسماء إلى رفعوه، فبلغ عددهم اثنين وعشرين شخصا وعدد الذين أوقفوه أربعة فقط! قال الدارقطني: وجميع رواة هذا الحديث ثقات، ويشبه أن يكون قيس بن أبي حازم كان ينشط في الرواية مرة فيرفعه، ومرة يجبن عنه فيوقفه على أبي بكر ". فأنت ترى أنه لم يرجح الموقوف بل ظاهر به كلامه أنه إلى الترجيح المرفوع أميل، وهو الصواب لأن الذين رفعوه أكثر من الذين أوقفوه أضعافا مضاعفة كما رأيت. لاسيما وقد أفاد الحافظ المزي أنه رواه عمران بن عيينة عن بيان بن بشر عن قيس نحوه. وهذه متابعة قوية، فإن بيان بن بشر ثقة ثبت، فقد وافق إسماعيل على رفعه، فدل على أن أصل الحديث عنده مرفوع وإن كان أوقفه أحيانا للسبب الذي ذكره الدارقطني أو غيره. وعمران بن عيينة صدوق له أوهام، ومثله وإن كان لا يحتج به، فلا أقل من أن يستشهد به. نعم رواه شعبة عن الحكم عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر موقوفا عليه. والحكم وهو ابن عتيبة وإن كان ثقة ثبتا مثل إسماعيل بن أبي خالد، فهو دونه من ناحيتين: الأولى: أنه ربما دلس كما في " التقريب ". والأخرى: أنه لم يتابع على وقفه، بخلاف إسماعيل فإنه قد توبع على رفعه كما تقدم. فهو الأرجح حتما إن شاء الله تعالى.

1565

1565 - " إن أنتم قدرتم عليه فاقتلوه ولا تحرقوه بالنار، فإنما يعذب بالنار رب النار ". أخرجه أبو داود (1 / 417) وأحمد (3 / 494) من طريق المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد حدثني محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه مرفوعا به نحوه . قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي محمد بن حمزة الأسلمي كلام لا يضر، على أنه قد توبع، فأخرجه أحمد أيضا من طريق زياد بن سعد أن أبا الزناد أخبره قال: أخبرني حنظلة بن علي عن حمزة بن عمرو الأسلمي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم حدثه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ورهطا معه إلى رجل من عذرة، فقال: " إن قدرتم على فلانا فأحرقوه بالنار "، فانطلقوا حتى إذا تواروا منه نادهم أو أرسل في أثرهم، فردهم ثم قال: " فذكره . قلت: وهذا إسناد جيد، وهو على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: " إن وجدتم فلانا وفلانا فأحرقوهما بالنار ". ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: " إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما ". أخرجه البخاري (6 / 112 - 113 - فتح) وأبو داود والترمذي (2 / 387 -

1566

تحفة) وأحمد (2 / 307 و 338 و 453) من طريق سليمان بن يسار عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وللحديث شاهدان آخران تقدما برقم (487 و 488) . 1566 - " أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 207) : حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد ابن يحيى حدثنا خالد بن الحارث حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن أن ابن عمر قال لحمران بن أبان: ما منعك أن تصلي في جماعة؟ قال: قد صليت يوم الجمعة في جماعة الصبح، قال: أو ما بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " تفرد به خالد مرفوعا، ورواه غندر موقوفا ". قلت: خالد بن الحارث وهو الهجيمي أبو عثمان البصري ثقة ثبت احتج به الشيخان كما في " التقريب "، فزيادته مقبولة، فرواية غندر موقوفا لا يعله، لاسيما وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي. وسائر الرواة ثقات كلهم من رجال مسلم غير محمد بن يحيى وهو ابن منده أبو عبد الله الأصبهاني، وهو ثقة حافظ له ترجمة في " أخبار أصبهان " (2 / 222 - 224) وساق له بعض الأحاديث عن هذا الشيخ عنه. وله ترجمة في " تذكرة الحفاظ " أيضا. وعبد الله بن محمد هو ابن جعفر بن حيان أبو محمد الحافظ الثقة المشهور بـ " أبي الشيخ "، ترجمه أبو نعيم أيضا (2 / 90) ، فالإسناد صحيح.

ولقد أخطأ في هذا الحديث رجلان: السيوطي ثم المناوي، فضعفاه، فقال في " فيض القدير ": " أشار المصنف لضعفه، وذلك لأن فيه الوليد بن عبد الرحمن، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال ابن معين: ليس بشيء ". قلت: الوليد بن عبد الرحمن هذا الذي ضعفه ابن معين ثم الذهبي، ليس هو صاحب هذا الحديث، فإنه شيخ لمعتمر بن سليمان كما صرح الذهبي في " الضعفاء " (ق 218 / 1) تبعا لابن أبي حاتم (4 / 2 / 9 - 10) وقال عن أبيه: " مجهول ". قلت: ومعتمر بن سليمان من الطبقة التاسعة عند الحافظ، وجل روايته عن أتباع التابعين، مات سنة (187) ، فيبعد على الغالب أن يكون الوليد بن عبد الرحمن صاحب هذا الحديث هو هذا المضعف. والصواب أنه الوليد بن عبد الرحمن الجرشي الحمصي، فإنهم ذكروا في ترجمته أنه روى عن ابن عمر وأبي هريرة و.. وعنه يعلى بن عطاء و ... ، فهو هذا قطعا، وهو ثقة من رجال مسلم كما سبقت الإشارة إليه من قبل، فصح الحديث والحمد لله، بعد أن كدنا أن نتورط بتضعيف من ذكرنا إياه قبل أن نقف على إسناده في " الحلية "، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وقد وقفت له على شاهد، ولكنه ضعيف جدا، أذكره للمعرفة لا للاستشهاد، يرويه عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن أبي عبيدة بن الجراح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن أفضل الصلاة صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة، ما أحسب من شهدها منكم إلا مغفورا له ". أخرجه البزار (رقم 621 - كشف الأستار) وقال: " تفرد به أبو عبيدة فيما أعلم ".

1567

قلت: لعله يعني بهذا التمام، وإلا فقد رواه ابن عمر كما سبق. وأعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 168) بقوله: " عبيد الله بن زحر وعلي بن يزيد ضعيفان ". لكنه عزاه للطبراني أيضا في " الكبير " و " الأوسط "، وهو في " الكبير " برقم (366) . 1567 - " إن كنت صائما فصم أيام الغر. يعني الأيام البيض ". أخرجه النسائي (1 / 328) وابن حبان (945) وأحمد (2 / 336 و 346) عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها، وجاء معها بأدمها فوضعها بين يديه، فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يأكل، وأمسك أصحابه فلم يأكلوا، وأمسك الأعرابي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما يمنعك أن تأكل؟ " قال: إني أصوم ثلاثة أيام من الشهر، قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن عبد الملك بن عمير قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة فقيه، تغير حفظه، وربما دلس ". وقد خالفه يحيى بن سام فقال: عن موسى بن طلحة عن أبي ذر قال: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة ". أخرجه النسائي (1 / 328 - 329) وابن حبان (943) والبيهقي في " السنن " (4 / 294) وأحمد (5 / 152 و 177) .

ويحيى بن سام مقبول عند الحافظ. وقال أحمد (5 / 150) : حدثنا سفيان حدثنا اثنان عن موسى بن طلحة ومحمد بن عبد الرحمن وحكيم بن جبير عن ابن الحوتكية عن أبي ذر أنه قال: فذكره نحوه. وفي رواية له: حدثنا سفيان قال: سمعنا من اثنين وثلاثة: حدثنا حكيم ابن جبير عن موسى بن طلحة. وكذا رواه النسائي وقد ساق بعده وجوها أخرى من الاختلاف على موسى بن طلحة، وقد ذكر بعضه ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 267) ثم لم يذكر ما هو الراجح منه عنده! لكن للحديث شاهد قوي من رواية همام قال: حدثنا أنس بن سيرين قال: حدثني عبد الملك بن قدامة بن ملحان عن أبيه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصوم أيام الليالي الغر البيض: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة ". أخرجه النسائي والبيهقي عن أنس بن سيرين به. وكذا رواه أحمد (5 / 27) لكن عبد الملك هذا فيه جهالة، ويقال في أبيه: قتادة بن ملحان. وأخرجه ابن حبان (946) من طريق شعبة: حدثني أنس ابن سيرين سمعت عبد الملك بن المنهال بن ملحان عن أبيه به نحوه. وكذا رواه أحمد (5 / 28) إلا أنه لم يقل: " ابن ملحان " وكذلك رواه البيهقي وقال: " وروينا عن يحيى بن معين أنه قال: هذا خطأ، إنما هو عبد الملك بن قتادة بن ملحان القيسي ". يعني كما في رواية أحمد المتقدمة. وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات. والله أعلم.

1568

(تنبيه) : في رواية أحمد: " ومنها صنابها وأدمها ". قال في " النهاية ": " الصناب: الخردل المعمول بالزيت، وهو صباغ يؤتدم به ". 1568 - " إن كنت عبد الله فارفع إزارك ". أخرجه أحمد (2 / 141) : حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا أيوب عن زيد ابن أسلم عن ابن عمر قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي إزار يتقعقع، فقال: من هذا؟ قلت: عبد الله بن عمر، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك، فرفعت إزاري إلى نصف الساقين، فلم تزل إزرته حتى مات ". ثم أخرجه (2 / 147) : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقال الهيثمي (5 / 123) : " رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " بإسنادين، وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وحقه أن يقول: ورجال إسناديه رجال الصحيح، فإن الطفاوي في الإسناد الأول من رجال البخاري! وسائره وكذا جميع رجال الإسناد الثاني رجال الشيخين. قلت: وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه يجب على المسلم أن لا يطيل إزاره إلى ما دون الكعبين، بل يرفعه إلى ما فوقهما، وإن كان لا يقصد الخيلاء، ففيه رد واضح على بعض المشايخ الذين يطيلون ذيول جببهم حتى تكاد أن تمس الأرض، ويزعمون أنهم لا يفعلون ذلك خيلاء! فهلا تركوه اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك لابن عمر، أم هم أصفى قلبا من ابن عمر؟ !

1569

1569 - " أنا ابن العواتك ". رواه البيهقي في " دلائل النبوة " (ج 1 باب نبوآت النبي صلى الله عليه وسلم) من طريق محمد بن الصباح قال: حدثنا هشيم عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن سعيد بن العاص قال: أنبأنا سيابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين : فذكره. وتابعه عمر بن عوف الواسطي حدثنا هشيم أنبأ يحيى بن سعيد به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6724) وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 219) : " ورجاله رجال الصحيح ". وقد قيل: عن هشيم عن يحيى بن سعيد عن عمرو بن سعيد بن العاص. ثم رواه من طريق أبي عوانة عن قتادة به مرفوعا. قال قتيبة بن سعيد: " كان للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث جدات من سليم اسمهن عاتكة ، فكان إذا افتخر قال: أنا ابن العواتك ". قال البيهقي: بلغني أن إحداهن أم عدنان، والأخرى أم هاشم، والثالثة جدته من قبل زهرة ". ورواه ابن وهب في " الجامع " (1) عن عقيل عن ابن شهاب مرفوعا وزاد: " من سليم ". قلت: وقد وجدت له شاهدا بلفظ: " خذها وأنا ابن العواتك ". رواه ابن عساكر (15 / 128 / 1) عن إسحاق بن زيد حدثنا محمد بن المبارك حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا العلاء بن الحارث عن مكحول عن جابر قال: لا ألوم أحد ينتهى عند خصلتين، عند إجرائه فرسه، وعند قتاله، وذلك أني

1570

رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى فرسه فسبق، فقال: " إنه لبحر! " ورأيته يوما يضرب بسيفه في سبيل الله فقال: فذكره، انتمى إلى جداته من بني سليم. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير إسحاق بن زيد وهو الخطابي الحراني، ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 220) بروايته عن جمع، وقال: " سمع منه أبي بحران " . ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق حسن على أقل الدرجات. 1570 - " أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ". أخرجه الترمذي (4 / 140) والدارمي (1 / 27) من طريق سفيان بن عيينة عن ابن جدعان عن أنس مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن ". وخالفه حماد بن سلمة فقال: عن علي بن زيد عن أبي نضرة قال: " خطبنا ابن عباس على منبر البصرة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... ". قلت: فذكر حديث الشفاعة بطوله وفيه: " ثم آتى باب الجنة، فآخذ بحلقة باب الجنة، فأقرع الباب.. ". أخرجه أحمد (1 / 281 - 282 و 295 - 296) . وعلي ابن زيد هو ابن جدعان وهو ضعيف. ولهذا القدر من حديثه شاهد من طريق أخرى عن زمعة عن سلمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: ".... وأنا أول من يحرك بحلق الجنة ولا فخر.... ".

أخرجه الدارمي (1 / 26) والديلمي (1 / 2 / 308) . وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، فإن زمعة ضعيف قرنه مسلم بغيره، وسلمة وهو ابن وهرام مثله أو أحسن حالا منه، ولعل الترمذي حسنة من أجل هذا الشاهد . والله أعلم. (تنبيه) حديث الترجمة عزاه السيوطي للترمذي وأحمد، ولم أره في " المسند " بهذا اللفظ وإنما رواه فيه (3 / 144 و 247 - 248) من طريقين آخرين والدارمي (1 / 27 - 28) من أحدهما عن أنس في حديثه الطويل في الشفاعة، وفيه: " فآتي باب الجنة، فآخذ بحلقة الباب، فأستفتح.... ". وأخرجه مسلم (1 / 130) من طريق أخرى عن أنس مختصرا بلفظ: " أنا أكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة وأنا أول من يقرع باب الجنة ". وكذا أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 109 ) . وفي رواية لهما: " أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعا ". وأخرجه الخطيب في " الفوائد " رقم (12 - نسختي) . وفي أخرى لهما: " أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدق نبي من الأنبياء ما صدقت، وإن من الأنبياء نبيا ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد ". ولفظ أبي عوانة: ".... من الأنبياء من يأتي الله يوم القيامة ما معه مصدق إلا رجل واحد ". وأخرج له أبو نعيم في " صفة الجنة " (ق 30 / 2) طريقا أخرى من رواية زياد النميري عن أنس مرفوعا بلفظ: " أنا أول من يأخذ بحلقة باب الجنة، ولا فخر ". وزياد ضعيف.

1571

وشاهد آخر عن عبد السلام بن عجلان قال: سمعت أبا يزيد المدني سمعت أبا هريرة يقول: فذكره مرفوعا دون قوله: " ولا فخر ". وهذا إسناد حسن في الشواهد، أبو يزيد المدني وثقه ابن معين، وأخرج له البخاري. وعبد السلام ابن عجلان قال أبو حاتم: يكتب حديثه. وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " يخطىء ويخالف ". (تنبيه) حديث ابن جدعان عن أنس، وقع عند الترمذي في أثناء حديثه عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا " أنا سيد ولد آدم ... " الحديث بطوله وفيه: " فيأتوني فأنطلق معهم، قال ابن جدعان: قال أنس: فكأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فآخذ بحلقة باب الجنة فأقعقعها ". أي أحركها. 1571 - " أنا سيد ولد آدم ". قلت: جاء من طرق: 1 - رواه ابن سعد (1 / 20) : أخبرنا محمد بن مصعب القرقساني أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: وأخبرنا الحكم بن موسى أخبرنا هقل بن زياد عن الأوزاعي حدثني أبو عمار حدثني عبد الله بن فروخ قال: حدثني أبو هريرة قال: فذكره مرفوعا. قلت: والسند الثاني صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه (7 / 59) بأتم منه وقد خرجته في " شرح الطحاوية " ص (107) . 2 - وأخرجه الحاكم (2 / 604 - 605) من طريق عبيد بن إسحاق العطار حدثنا

القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل حدثني أبي: حدثني أبي عن جابر ابن عبد الله مرفوعا به. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: لا والله، والقاسم متروك تالف، وعبيد ضعفه غير واحد ومشاه أبو حاتم ". 3 - وأخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 400) عن لبيد بن حيان أبي جندل سمع معبد بن هلال سمع أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ورجاله ثقات غير لبيد هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 181) ترجمة مختصرة ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن له طريق أخرى عند الدارمي (1 / 27) وأحمد (3 / 144) من طريق عمر بن أبي عمرو عن أنس مرفوعا بلفظ: " إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر وأنا أول من يدخل الجنة يوم القيامة ولا فخر وإني آتي باب الجنة فآخذ بحلقها.. " الحديث. قلت: وسنده جيد، رجاله رجال الشيخين. 4 - وعن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا به نحوه. أخرجه أحمد (3 / 2) والترمذي (4 / 140) وابن ماجة (2 / 581 - 582) وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: ابن جدعان فيه ضعف، فحديثه حسن في الشواهد. 5 - عن عبد الله بن سلام مرفوعا مثل حديث أبي سعيد.

1572

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2127 - موارد) . قلت: وإسناده صحيح. 1572 - " أنا محمد بن عبد الله، أنا عبد الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلنيها الله ". رواه البخاري في " التاريخ الصغير " (7) : حدثنا موسى بن إسماعيل عن حماد حدثنا ثابت وحميد عن أنس مرفوعا به. وأخرجه أحمد (3 / 153 و 241) من طريقين آخرين عن حماد بن سلمة به. وزاد في أوله: " أن رجلا قال: يا محمد: أيا سيدنا وابن سيدنا! وخيرنا وابن خيرنا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس عليكم بتقواكم ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد ... ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. 1573 - " انبذوه (يعني الزبيب) على غذائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم وانبذوه في الشنان، ولا تنبذوه في القلل، فإنه إذا تأخر عن عصره صار خلا ". أخرجه أبو داود (3710) والنسائي (2 / 336) وأحمد (4 / 232) من طرق عن يحيى بن أبي عمرو السيباني (بالسين المهملة، ووقع عندهم جميعا بالمعجمة وهو خطأ مطبعي) عن عبد الله بن الديلمي عن أبيه فيروز قال: " أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: يا رسول الله قد علمت من نحن، ومن أين

1574

نحن؟ قال: " إلى الله وإلى الرسول ". فقلنا: يا رسول الله إنا لنا أعنابا ما نصنع بها؟ قال: زببوها، قلنا: ما نصنع بالزبيب؟ قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. (الشنان) : جمع (الشنة) : القربة الخلق الصغيرة يكون الماء فيها أبرد من غيرها. (القلل) : جمع (القلة) : الجرة من الفخار. 1574 - " أنت عتيق الله من النار، قاله لأبي بكر ". أخرجه الترمذي (2 / 292) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 9) من طريقين عن إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه إسحاق بن طلحة عن عائشة: " أن أبا بكر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال.... " فذكره، فيومئذ سمي عتيقا. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب ". قلت: وعلته إسحاق بن يحيى بن طلحة فإنه ضعيف، وقد اختلف عليه في إسناده، فرواه من أشرنا إليهما هكذا، وخالفهما عبد الله بن وهب فقال: أخبرني إسحاق ابن يحيى عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قال: دخلت على عائشة ... الحديث. أخرجه الحاكم (3 / 376) وقال: " صحيح على شرط مسلم "! وأشار الذهبي إلى رده عليه بقوله: " كذا قال! ". ورده ظاهر لأن إسحاق بن يحيى مع ضعفه فليس من رجال مسلم! وله طريق أخرى، رواه صالح بن موسى الطلحي عن معاوية بن إسحاق عن

عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين أن أبا بكر رضي الله عنهما مر بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره بلفظ: " من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار، فلينظر إلى هذا ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم - 10) وابن عبد البر في " الاستيعاب " (3 / 964) وكذا الحاكم (3 / 61) وقال: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: صالح ضعفوه، والسند مظلم ". وقال الحافظ في صالح هذا: " متروك ". لكن للحديث شاهد جيد من حديث عبد الله بن الزبير قال : " كان اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( فذكره) فسمي عتيقا ". أخرجه ابن حبان (2171) وابن الأعرابي في " المعجم " (41 / 2) والدولابي في " الكنى " (1 / 7) والطبراني (رقم - 7) وأبو الخطاب نصر القاري في " حديث أبي بكر بن طلحة " (ق 165 / 1) وهبة الله الطبري في " الفوائد الصحاح " (1 / 134 / 1 - 2) وابن عساكر في " حديث عبد الخلاق الهروي وغيره " (235 / 1) من طرق عن حماد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه وقال الطبري: " حديث غريب من حديث سفيان مسندا، لا أعلم رواه عنه غير حامد بن يحيى البلخي ". قلت: وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 301) عن أبيه، وروى عنه أبو زرعة، وهو لا يروي إلا عن ثقة، فالسند جيد لأن من فوقه ثقات كلهم من رجال الشيخين، فلا أدري بعد هذا وجه قول أبي حاتم فيما ذكره ابنه في " العلل " (2 / 386) :

1575

" هذا حديث باطل "! فإن من المعلوم من " المصطلح " أن تفرد الثقة بالحديث لا يجعله شاذا، بله باطلا. ومن الغريب أن الحافظ بن حجر في " الإصابة " لم يذكر هذا الشاهد القوي للحديث، وكذلك صنع السيوطي في " الزيادة على الجامع " (ق 63 / 2) ! وإنما اقتصرا على ذكره من الطريق الأولى الضعيفة ! 1575 - " أنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من رمضان، وأنزلت التوراة لست مضين من رمضان، وأنزل الإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان، وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان، وأنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ". رواه أحمد (4 / 107) والنعالي في " حديثه " (131 / 2) وعبد الغني المقدسي في " فضائل رمضان " (53 / 1) . وابن عساكر (2 / 167 / 1) عن عمران القطان عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي القطان كلام يسير. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه ابن عساكر (2 / 167 / 1 و 5 / 352 / 1) من طريق علي بن أبي طلحة عنه. وهذا منقطع، لأن عليا هذا لم ير ابن عباس. 1576 - " انطلق أبا مسعود! ولا ألفينك يوم القيامة تجيء على ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته ". أخرجه أبو داود (2 / 25 - تازية) من طريق مطرف عن أبي الجهم عن أبي مسعود الأنصاري قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم ساعيا، ثم قال ... (فذكره) . قال: إذا لا أنطلق، قال:

1577

" إذن لا أكرهك ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي الجهم واسمه سليمان ابن الجهم الحارثي وهو ثقة. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم (6 / 10) وأحمد (2 / 426) . (غللته) من الغلول: وهو الخيانة في المغنم أو في مال الدولة. 1577 - " انظروا قريشا، فخذوا من (وفي رواية: فاسمعوا) قولهم، وذروا فعلهم ". رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 205) وأحمد (4 / 260) وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم - 1543) عن مجالد عن الشعبي عن عامر بن شهر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: ومجالد ضعيف، لكن تابعه إسماعيل بن أبي خالد عند ابن حبان (1568) وابن السماك في " حديثه " (5 / 96 / 1) والبغوي في " حديث عيسى الشاشي " (111 / 1) وابن بشران في " الأمالي " (52 / 1 - 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 140) وكذا أحمد في رواية له (3 / 428 - 429) قرنه بمجالد فصح الحديث والحمد لله. ومن طريق أحمد أخرجه الضياء في " المختارة " (ق 45 / 1) . وخالف منصور بن أبي الأسود فقال: عن مجالد عن الشعبي قال: حدثني معمر قال: " قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول ... " فذكره. قال ابن أبي حاتم (2 / 362) :

1578

" فسمعت أبي يقول: هذا غلط، إنما هو الشعبي عن عامر بن شهر عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وخالف أيضا شريك فقال: عن إسماعيل عن عطاء عن عامر بن شهر. أخرجه أحمد (4 / 260) . قلت: فجعل عطاء مكان الشعبي وهو خطأ من شريك وهو ابن عبد الله القاضي. فإنه كان سيء الحفظ. وبالجملة فالحديث ثابت من رواية مجالد بن سعيد وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عامر بن شهر، وهو صحابي معروف، وهو أول من اعترض على الأسود الكذاب باليمن. 1578 - " ابن آدم إن أصابه البرد قال: حس، وإن أصابه الحر قال: حس ". أخرجه أحمد (6 / 410) من طريق يحنس عن خولة بنت قيس بن {قهد} الأنصارية من بني النجار قالت: " جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما.... فقدمت إليه برمة فيها خبزة أو حريرة، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في البرمة ليأكل، فاحترقت أصابعه، فقال: حس، ثم قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. (حس) كلمة تقال عند الألم المفاجئ، يقال: ضرب فما قال: حس، وقد تنون. 1579 - " أفضل العبادة الدعاء ". روي من حديث ابن عباس، وله عنه طريقان:

1580

الأولى: عن كامل بن العلاء عن حبيب بن أبي ثابت عنه. والأخرى: عن أبي يحيى عن مجاهد عنه. أخرجهما الحاكم (1 / 491) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي! وأقول: أبو يحيى وهو القتات ضعيف، وحبيب بن أبي ثابت مدلس، فالحديث بمجموع الطريقين حسن. 1580 - " إن آدم خلق من ثلاث ترابات سوداء وبيضاء وخضراء ". رواه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 34) وعنه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 309 / 1) عن يزيد بن أبي حبيب عمن حدثه عن أبي ذر به مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات غير تابعيه الذي لم يسم. لكن يقويه أن له شاهد من حديث أبي موسى الأشعري مرفوعا بلفظ: " إن الله خلق آدم ... " الحديث وفيه: " فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأبيض والأسود ... ". الحديث. وإسناده صحيح كما كنت ذكرته في " التعليق على المشكاة " (100) وسيأتي بيان ذلك برقم (1630) إن شاء الله تعالى. واعلم أن قوله: (خضراء) كذلك وقع في الأصل، ولعل الصواب (حمراء) كما وقع في " الجامع الصغير " برواية ابن سعد، ويؤيده الشاهد الذي ذكرته. والله تعالى أعلم.

1581

1581 - " إن إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، لم تكن دابة إلا تطفي النار عنه غير الوزغ، فإنه كان ينفخ عليه ". أخرجه ابن ماجة (2 / 295) وابن حبان (1082) وأحمد (6 / 83 و 109 و 217) من طريق نافع عن سائبة مولاة للفاكه بن المغيرة. أنها دخلت على عائشة، فرأت في بيتها رمحا موضوعا، فقالت: يا أم المؤمنين! ما تصنعين بهذا الرمح؟ قالت: نقتل به الأوزاغ، فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا: فذكره، وزاد في آخره: فأمر عليه الصلاة والسلام بقتله. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير السائبة هذه قال الذهبي: " تفرد عنها نافع ". قلت: يشير إلى أنها مجهولة، فقول البوصيري في " الزوائد " (194 / 2) : " هذا إسناد صحيح " غير صحيح لجهالة المذكورة، لكنها قد توبعت، فقد أخرج النسائي (2 / 27) من طريق قتادة عن سعد بن المسيب: أن امرأة دخلت على عائشة وبيدها عكاز ... الحديث نحوه. قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان سعد بن المسيب سمعه من عائشة، وإلا فإن ظاهره أنه من مرسله. والله أعلم. وقد خالفه عبد الحميد بن جبير فقال: عن سعيد بن المسيب عن أم شريك رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ، وقال: كان ينفخ على إبراهيم عليه السلام. أخرجه البخاري (6 / 305 - فتح) وابن ماجة وأحمد (6 / 421 و 462) وليس عندهما الشطر الثاني منه.

1582

1582 - " أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون ". ورد من حديث عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وأبي ذر الغفاري وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشداد بن أوس وعلي ابن أبي طالب. 1 - أما حديث عمر فيرويه صفوان بن عمرو عن أبي المخارق زهير بن سالم عن كعب عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال كعب: فقلت والله ما أخاف على هذه الأمة غيرهم. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 46) وقال: " غريب من حديث كعب، تفرد به صفوان ". قلت: وهو ثقة احتج به مسلم. وزهير بن سالم قال الحافظ: " صدوق فيه لين ". قلت: فالسند حسن إن شاء الله تعالى، وهو صحيح قطعا بما بعده وأخرجه أحمد ( 1 / 42) : حدثنا عبد القدوس بن الحجاج حدثنا صفوان حدثني أبو المخارق زهير بن سالم أن عمير بن سعد الأنصاري كان ولاه عمر (حمص) فذكر الحديث. قال عمر - يعني لكعب -: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئا أعلمه ، قال: ما أخوف شيء تخافه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: أئمة مضلين ، قال عمر: صدقت، قد أسر ذلك إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 - وأما حديث أبي الدرداء فيرويه أخ لعدي بن أرطأة عن رجل عنه قال: " عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره بلفظ الترجمة. أخرجه أحمد (6 / 441) .

وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل والراوي عنه. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني أيضا كما في " المجمع " (5 / 239) . 3 - وأما حديث أبي ذر فيرويه ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني قال: سمعت أبا ذر يقول: كنت مخاصر النبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى منزله فسمعته يقول: " غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال ". فلما خشيت أن يدخل قلت: يا رسول الله أي شيء أخوف على أمتك من الدجال؟ قال: " الأئمة المضلين ". أخرجه أحمد (5 / 145) . قلت: ورجاله ثقات، إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ. 4 - وأما حديث ثوبان فيرويه أبو قلابة عبد الله بن يزيد الجرمي حدثني أبو أسماء الرحبي أن ثوبان حدثه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين ". أخرجه أبو داود (2 / 203) والدارمي (1 / 70 و 2 / 311) والترمذي (3 / 231 تحفة) وأحمد (5 / 178) من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة به. وقال الترمذي: " حديث صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه يحيى بن أبي كثير حدثنا أبو قلابة به، وسياق الإسناد له.

1583

أخرجه الحاكم (4 / 449) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: أبو أسماء واسمه عمرو بن مرثد لم يحتج به البخاري. وخالف معمر في إسناده فقال: أخبرني أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن أبي أسماء الرحبي عن شداد بن أوس مرفوعا به. أخرجه ابن حبان (1564) وأحمد (4 / 123) . فجعله من مسند شداد وأدخل بينه وبين أبي قلابة أبا الأشعث الصنعاني، فإن كان معمر قد حفظه، فيكون لأبي قلابة إسنادان في هذا الحديث، أحدهما عن أبي أسماء عن ثوبان. والآخر عن أبي الأشعث عن أبي أسماء عن شداد. والله أعلم. 5 - وأما حديث شداد، فقد تقدم في الذي قبله. 6 - وأما حديث علي فيرويه جابر عن عبد الله بن نجي عنه. وهذا إسناد ضعيف كما بينته في " تخريج السنة لابن أبي عاصم " (100) . 1583 - " إن أحسن الناس قراءة الذي إذا قرأ رأيت أنه يخشى الله ". رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 58) عن يحيى بن عثمان بن صالح المصري حدثنا أبي حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة مرفوعا. قلت: وبهذا الإسناد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 101 / 1) لكنه قال: عن ابن لهيعة عن عمرو بن دينار عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا به إلا أنه قال:

1584

" من إذا قرأ القرآن يتحزن به ". وهكذا رواه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 19) من طريق الطبراني. وتابعه عنده إسماعيل بن عمرو حدثنا مسعر بن كدام عن عبد الكريم المعلم عن طاووس به إلا أنه قال: " من إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله ". وإسماعيل ضعيف. لكن تابعه جعفر بن عون عند الدارمي (2 / 471) ، لكنه لم يذكر ابن عباس في إسناده. وهو بهذا اللفظ أصح عندي لمجيئه من طرق أخرى، ولذلك اعتمدته في " صفة الصلاة ". ورواه الضياء في " المختارة " (63 / 13 / 2) من طريق سفيان عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس مثل لفظ الترجمة. ورجاله ثقات. فهو صحيح الإسناد إن كان ابن جريج سمعه من عطاء. وهو مما يرجح اللفظ الذي صححته من جهة، ويبين أن الحديث حديث ابن عباس لا عائشة من جهة أخرى. 1584 - " أفضل عباد الله تعالى يوم القيامة الحمادون ". رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (من حديث عمران بن حصين مرفوعا وفيه من لم أعرفهم كما قال الهيثمي (10 / 95) . لكن يشهد له ما أخرجه أحمد (4 / 434) من طريق مطرف قال: قال لي عمران: " إني لأحدثك بالحديث اليوم، لينفعك الله عز وجل به بعد اليوم، اعلم أن خير عباد الله تبارك وتعالى يوم القيامة الحمادون، واعلم أنه لن تزال طائفة من أهل الإسلام

1585

يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناواهم، حتى يقاتلوا الدجال، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرىء بعد ما شاء الله أن يرتئي ". قلت: وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين، وهو إن كان ظاهره الوقف فهو في المعنى مرفوع، ويؤكد ذلك أمران: الأول: أنه جعله بيانا لقوله: " الحديث "، والمراد به المرفوع كما هو ظاهر . الثاني: أنه ساق معه حديثين آخرين مرفوعين، فأشعر بذلك أن الذي قبله مثلهما في الرفع، ولذلك قال الهيثمي: " رواه أحمد موقوفا، وهو شبه مرفوع، ورجاله رجال الصحيح ". 1585 - " إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ". أخرجه الحاكم (1 / 4) من طريق ابن وهب: أخبرني عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي هانىء الخولاني حميد بن هاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " رواته مصريون ثقات ". ووافقه الذهبي. وأقول: رجاله كلهم رجال مسلم غير عبد الرحمن بن ميسرة، وهو أبو ميسرة الحضرمي المصري، لم يوثقه أحد غير الحاكم، كما رأيت، لكن روى عنه جمع غير ابن وهب، وقال أبو عمر الكندي: كان فقيها عفيفا. فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 52) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وإسناده حسن ".

1586

1586 - " إن البلايا أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منتهاه ". رواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع (71) (ورقة 103 / 1) من القطعة المخطوطة منه من طريق أبي يعلى حدثنا القواريري حدثنا أبو معشر البراء أخبرنا شداد بن سعيد عن أبي الوازع جابر بن عمرو قال: سمعت عبد الله بن المغفل يقول: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله يا رسول الله إني أحبك ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهو في " موارد الظمآن " برقم (2505) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله رجال مسلم، وفي جابر بن عمرو وشداد بن سعيد كلام لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. 1587 - " إن البركة وسط القصعة، فكلوا من نواحيها، ولا تأكلوا من رأسها ". رواه السري بن يحيى في " حديث الثوري " (211 / 2) عنه عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وإسناده صحيح، ورجاله كلهم ثقات، وابن السائب قد سمع منه الثوري قبل الاختلاط. ورواه الحميدي في " مسنده " (89 / 1) : حدثنا سفيان قال: حدثنا عطاء. قلت: وسفيان هذا هو ابن عيينة، وأخرجه الحاكم (4 / 116) من طريق الحميدي عنه. وأخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 55) من طريق أخرى عن سفيان الثوري به وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وابن عيينة إنما سمع من عطاء بعد اختلاطه، فالاعتماد على رواية الثوري عنه.

1588

1588 - " إن الجماء لتقص من القرناء يوم القيامة ". أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (1 / 72) : حدثني عباس بن محمد وأبو يحيى البزار عن حجاج بن نصير حدثنا شعبة عن العوام بن مراجم من بني قيس ابن ثعلبة عن أبي عثمان النهدي عن عثمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل حجاج هذا، قال الحافظ: " ضعيف كان يقبل التلقين ". قلت: وهذا أخطأ في إسناد هذا الحديث ورفعه، فقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 226 - 227) : " قال أبو زرعة: هذا خطأ، إنما هو شعبة عن العوام بن مراجم عن أبي السليل قال: قال سلمان..، موقوف ". والحديث قال في " المجمع " (10 / 352) : " رواه الطبراني في " الكبير " والبزار وعبد الله بن أحمد، وفيه الحجاج بن نصير وقد وثق على ضعفه، وبقية رجال البزار رجال الصحيح غير العوام بن مراجم وهو ثقة ". قلت: ولم أره في " مسند عثمان " في " كبير الطبراني "، والله أعلم. ثم إنني لم أدر ما وجه تخصيص البزار بقوله: " وبقية رجاله رجال الصحيح " مع أن عبد الله بن أحمد أحد إسناديه كذلك، فإن أبا يحيى البزار - واسمه: محمد بن عبد الرحيم المعروف بصاعقة، من رجال البخاري! والحديث صحيح: لأنه قد صح عن أبي هريرة مرفوعا من طريقين عنه: الأولى: عن العلاء بن عبد الرحمن. عن أبيه عنه بلفظ:

" لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ". أخرجه مسلم (8 / 18 / 19) والبخاري في " الأدب المفرد " (183) والترمذي (2 / 68) وأحمد (2 / 235 و 323) وابن أبي الدنيا في " الأهوال " (91 / 2) ، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أبي ذر وعبد الله بن أنيس ". والأخرى: عن واصل عن يحيى بن عقيل عنه مرفوعا بلفظ: " يقتص الخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى الذرة من الذرة ". أخرجه أحمد (2 / 363) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. ثم وجدت له طريقا ثالثة برواية ابن لهيعة عن دراج أبي السمح عن أبي حجيرة عنه مرفوعا بلفظ: " ألا والذي نفسي بيده ليختصمن كل شيء يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا ". أخرجه أحمد (2 / 390 ) . وإسناده حسن في المتابعات، وتساهل المنذري فقال في " الترغيب " (4 / 201) : " رواه أحمد بإسناد حسن ". فأقول: كيف وفيه دراج أبو السمح وله مناكير وعنه ابن لهيعة وهو سيء الحفظ وقد اضطرب في إسناده فرواه مرة هكذا، ومرة قال: حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري به.

1589

أخرجه أحمد أيضا (3 / 29) . وفي الباب عن أبي ذر وغيره، فراجع إن شئت " المجمع ". وحديث أبي ذر أخرجه الطيالسي في " مسنده " (480) : حدثنا شعبة قال: أخبرنا الأعمش قال: سمعت منذر الثوري يحدث عن أصحابه عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين تنتطحان، فقال : " يا أبا ذر أتدري فيما تنتطحان؟ ". قلت: لا، قال: " ولكن ربك يدري، وسيقضي بينهما يوم القيامة ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أصحاب المنذر - وهو ابن يعلى الثوري - فإنهم لم يسموا، وذلك مما لا يضر لأنهم جمع من التابعين ينجبر جهالتهم بكثرتهم كما نبه على ذلك الحافظ السخاوي في غير هذا الحديث. وأخرجه ابن أبي الدنيا حدثنا أبو خيثمة حدثنا جرير عن الأعمش به. 1589 - " إن لكل نبي حوضا، وإنهم يتباهون أيهم أكثر واردة، وإني أرجو الله أن أكون أكثرهم واردة ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 44) والترمذي (3 / 299 - 300) وابن أبي عاصم كما في " نهاية ابن كثير " (1 / 351) والطبراني في " الكبير " (6881) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب (وفي بعض النسخ: حسن غريب) ، وقد روى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. ولم يذكر فيه عن سمرة، وهو أصح ". قلت: وما في النسخة الأولى أعني الغرابة فقط أقرب إلى الصحة، وهو الذي نقله

ابن كثير عن الترمذي لأن السند لا يقبل التحسين، فإن فيه ثلاث علل: الأولى: الإرسال الذي ذكره الترمذي ورجحه. الثانية: عنعنة البصري، فإنه كان مدلسا لاسيما عن سمرة. الثالثة: سعيد بن بشير وهو الأزدي مولاهم، وهو ضعيف كما في " التقريب ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 363) بلفظ أتم وهو: " إن الأنبياء يتباهون أيهم أكثر أصحابا من أمته، فأرجو أن أكون يومئذ أكثرهم كلهم نقلت واردة، وإن كل رجل منهم يومئذ قائم على حوض ملآن معه عصا، يدعو من عرف من أمته، ولكل أمة سيما يعرفهم بها نبيهم ". وقال: " رواه الطبراني وفيه مروان بن جعفر السمري، وثقه ابن أبي حاتم. وقال الأزدي: يتكلمون فيه وبقية رجاله ثقات ". قلت: إن كان كما قال رجاله ثقات ولم يكن في الإسناد ما يقدح في ثبوته، فالإسناد حسن عندي لأن السمري هذا صدوق صالح الحديث، كما قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 276) عن أبيه، وهو مقدم على جرح الأزدي لأن هذا نفسه يتكلمون فيه! ثم وقفت على إسناده عند الطبراني (7053) ، فإذا هو من طريق السمري المذكور: حدثنا محمد بن إبراهيم بن خبيب بن سليمان بن سمرة: (حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة عن خبيب بن سليمان بن سمرة) (¬1) عن أبيه عن سمرة. قلت: وهذا سند ضعيف، سليمان بن سمرة لم يوثقه أحد غير ابن حبان (3 / 94) ، وخبيب ابنه مجهول، وجعفر بن سعد ليس بالقوي كما في " التقريب ". وللحديث شاهدان موصولان، وثالث مرسل. ¬

(¬1) قلت: ما بين المعكوفتين ساقط في الأصل المطبوع من الطبراني، فاستدركته من حديث آخر منه برقم (7034) . اهـ.

الأول: من رواية عطية العوفي عن أبي سيد الخدري مرفوعا بلفظ: " إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس، أشد بياضا من اللبن، آنيته عدد النجوم، وكل نبي يدعو أمته، ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان، ومنهم من يأتيه الرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد، فيقال: قد بلغت، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 110) وكذا ابن أبي الدنيا في " كتاب الأهوال " كما في " ابن كثير " (1 / 363 و 369) وابن ماجة (2 / 279) مختصرا. وعطية ضعيف. الثاني: عن محصن بن عقبة اليماني عن الزبير بن شبيت (كذا) عن أبي عثمان عن ابن عباس قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوقوف بين يدي رب العالمين هل فيه ماء؟ قال: إي والذي نفسي بيده، إن فيه لماء، إن أولياء الله ليردون حياض الأنبياء، ويبعث الله سبعين ألف ملك في أيديهم عصا من نار يذودون الكفار عن حياض الأنبياء ". أخرجه ابن أبي الدنيا. وقال ابن كثير (1 / 370) : " وهذا حديث غريب من هذا الوجه. وليس هو في شيء من الكتب الستة " . قلت: والزبير ومحصن لم أجد من ترجمهما. الثالث: قال ابن أبي الدنيا: حدثنا خالد بن خداش (الأصل: خراش) حدثنا حزم ابن أبي حزم سمعت الحسن البصري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا فقدتموني، فأنا فرطكم على الحوض، إن لكل نبي حوضا، وهو قائم على حوضه ، بيده عصا يدعوا من عرف من أمته، ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا، والذي نفسي بيده إني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا ".

1590

قال الحافظ بن كثير: " وهذا مرسل عن الحسن، وهو حسن، صححه يحيى بن سعيد القطان وغيره، وقد أفتى شيخنا المزي بصحته من هذه الطرق ". قلت: وإنما لم يحسنه الحافظ مع أن رجاله رجال " الصحيح " لأن في خالد بن خداش وشيخه حزم كلاما، قال الحافظ بن حجر في الأول منهما: " صدوق يهم ". وقال في الآخر: " صدوق يخطىء ". ومنه تعلم خطأ قوله في " الفتح " (11 / 293) : " والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح على الحسن ... "! قلت: نعم هو صحيح عن الحسن بالطريق الأخرى عنه التي أشار إليها الترمذي في كلامه السابق من رواية الأشعث بن عبد الملك عنه. ومن الغريب أن لا يذكرها الحافظان ابن حجر وابن كثير! ! وجملة القول: إن الحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح. والله أعلم. ثم وجدت له شاهد آخر من حديث عوف بن مالك مرفوعا به. وفيه زيادة خرجته من أجلها في " الضعيفة " (2450) . 1590 - " إن أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة ". أخرجه البزار في " مسنده " (رقم - 35 - الكشف) : حدثنا محمد بن المثنى حدثنا زكريا بن يحيى الطائي حدثنا شعيب بن الحبحاب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال:

" لا نعلم رواه هكذا إلا زكريا ". قلت: وهو ثقة من شيوخ البخاري، وفيه كلام، مات سنة (251) وعليه فلم يلق شعيب ابن الحبحاب فإنه مات سنة (130) فالظاهر أنه سقط من نسختنا من " الزوائد " - وهي سقيمة - الواسطة بينهما. والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 58) : " رواه البزار، ورجاله ثقات ". ثم تبين لي أن الحديث ليس من رواية زكريا بن يحيى، وإنما من رواية أبيه يحيى بن زكريا، فقد وجدت الحديث في " مسند أبي يعلى " (3 / 1031) بهذا الإسناد عن هذا الشيخ، لكنه قال: أخبرنا أبو زكريا بن يحيى الطائي أبو مالك حدثنا شعيب.... وفي " الثقات " لابن حبان (2 / 308) : " يحيى بن زكريا أبو مالك الطائي من أهل البصرة، يروي عن شعيب بن الحبحاب. روى عنه بندار ". قلت: فهو صاحب هذا الحديث، وهل هو والد زكريا بن يحيى بن عمر بن حفص الطائي أبو السكين الكوفي نزيل بغداد؟ ذلك ما ظننته أول الأمر لأنهم ذكروا في ترجمته أنه روى عن أبيه، وقد وقع في إسناد أبي يعلى (أبو زكريا) كما رأيت. ثم عرض لي الشك في أنه هو، حين رأيت بن حبان سمى أباه زكريا، وليس في ترجمة الابن من اسمه زكريا في آبائه. والله أعلم. وعلى كل حال، فالحديث صحيح فقد صح من حديث أبي هريرة مفرقا، وشطره الثاني جاء من حديث عائشة أيضا وغيرها. فراجع ما تقدم برقم (284 و 521) .

1591

1591 - " إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها: (خراسان) يتبعه قوم كأن وجوههم المجان المطرقة ". أخرجه الترمذي (3 / 234) وابن ماجة (2 / 506) والحاكم (4 / 527) وأحمد (1 / 4 و 7) والضياء في " المختارة " (33 - 37 بتحقيقي) من طريق أبي التياح عن المغيرة بن سبيع عن عمرو بن حريث عن أبي بكر الصديق قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المغيرة بن سبيع وهو ثقة. وعمرو بن حريث صحابي صغير. وأبو التياح اسمه يزيد بن حميد الضبعي. (تنبيه) هكذا لفظ الحديث عند جميع من ذكرنا من المخرجين، وذكره السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " بلفظ: ".... من قبل المشرق من مدينة يقال.... " وقال: " رواه أحمد وابن ماجة عن أبي بكر "! ولا أصل له بهذا اللفظ عندهما ولا عند غيرهما ممن زكرنا، اللهم إلا في رواية للضياء بلفظ: " الدجال يخرج من قرية يقال لها (خراسان) . قلت: وهو شاذ عندي بهذا اللفظ لمخالفته لجميع من رواه بلفظ الترجمة: " أرض بالمشرق يقال لها (خراسان) ". والله أعلم.

1592

1592 - " إن الدنيا خضرة حلوة، فمن أخذها بحقها بورك له فيها، ورب متخوض في مال الله ومال رسوله (ليس) له (إلا) النار يوم يلقى الله ". أخرجه الترمذي (3 / 277) وأحمد (6 / 364 و 378) من طريقين عن عبيد أبي الوليد سنوطا - عن خولة بنت قيس امرأة حمزة بن عبد المطلب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على حمزة فتذاكر الدنيا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وعبيد هذا روى عنه ثقتان، ووثقه العجيلي وابن حبان وقد تابعه نعمان ابن أبي عياش عن خولة الأنصارية مرفوعا به مختصرا بلفظ: " إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة ". أخرجه البخاري (6 / 165 - 166 - فتح) وزاد الإسماعيلي في أوله: " الدنيا خضرة حلوة، وإن رجالا.. ". قلت: وقد أخرجه أحمد أيضا (6 / 410) بهذه الزيادة. وأخرجه الحاكم (4 / 68) من طريق أبي عتبة بن الفرج حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد حدثني الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن حمنة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وسكت هو والذهبي عنه. وأبو عتبة اسمه أحمد بن الفرج وهو ضعيف، وأخشى أن يكون وهم في إسناده، فإنه عند الترمذي وأحمد من طريقين آخرين عن الليث عن سعيد المقبري عن عبيد عن خولة كما تقدم. والله أعلم. وفي الباب عن عمرة بنت الحارث أخت أم المؤمنين جويرية، يرويه خالد بن سلمة عن محمد بن عمرو بن الحارث بن أبي ضرار عن عمته عمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم :

1593

" إن الدنيا حلوة خضرة، فمن أخذها بحقها بارك الله له فيها، ورب متخوض في مال الله ورسوله له النار يوم يلقاه ". أخرجه ابن أبي عاصم وعبد الله بن أحمد في " زيادات الزهد " وابن منده كما في " الإصابة " وكذا الطبراني كما في مجمع " الزوائد " (10 / 247) وقال: " وإسناده حسن ". وعن أبي هريرة مرفوعا مثله. أخرجه أبو يعلى (4 / 1558) بسند صحيح، وحسنه الهيثمي (10 / 246) . 1593 - " إن من العنب خمرا وإن من التمر خمرا وإن من العسل خمرا وإن من البر خمرا وإن من الشعير خمرا ". أخرجه أبو داود (2 / 129 - التازية) وأحمد (4 / 267) والبيهقي (8 / 289 ) عن إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير أن إبراهيم بن مهاجر فيه لين كما قال الحافظ . وقد تابعه أبو حريز واسمه عبد الله بن الحسين الأزدي أن عامرا حدثه به إلا أنه قال: " إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة، وإني أنهاكم عن كل مسكر ". أخرجه أبو داود وابن حبان (1396) والبيهقي. وأبو حريز صدوق يخطىء.

1594

وتابعه السري بن إسماعيل الكوفي أن الشعبي حدثه. أخرجه أحمد (4 / 273) . لكن السري هذا متروك. وبالجملة فالحديث حسن بمجموع الطريقين الأولين. 1594 - " أمركن مما يهمني بعدي، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون ". أخرجه الحاكم (3 / 312) عن بكر بن مضر: حدثنا صخر بن عبد الله بن حرملة عن أبي سلمة بن عبد الرحمن حدثه قال: " دخلت على عائشة رضي الله عنها، فقالت لي: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: (فذكره) ثم قالت: فسقى الله أباك من سلسبيل الجنة، وكان عبد الرحمن بن عوف قد وصلهن بمال، فبيع بأربعين ألف ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: صخر صدوق، لم يخرجا له ". قلت: وثقه العجلي وابن حبان، وقال النسائي: صالح. ولم يرو عنه غير بكر ابن مضر، فهو حسن الحديث. والله أعلم. وللحديث شاهد أخرجه الحاكم (3 / 310 - 311) من طريق أم بكر بنت المسور أن عبد الرحمن بن عوف باع أرض له بأربعين ألف دينار..... فبعث إلى عائشة رضي الله عنها بمال من ذلك، فقالت: من بعث هذا المال؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحنو عليكن من بعدي إلا الصابرون، سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة. وقال:

1595

" صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: ليس بمتصل ". ثم ساق له الحاكم شاهدا من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين بن عوف عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: " إن الذي يحنو عليكن بعدي هو الصادق البار، اللهم اسق عبد الرحمن بن عوف من سلسبيل الجنة ". وقال: " فقد صح الحديث عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ". ووافقه الذهبي. 1595 - " الرجل أحق بصدر دابته وصدر فراشه وأن يؤم في رحله ". أخرجه الدارمي (2 / 285) والبزار (55 - زوائده) والطبراني في " الكبير " و" الأوسط " (رقم - 900) مختصرا من طريق إسحاق بن يحيى بن طلحة عن المسيب بن رافع ومعبد بن خالد عن عبد الله بن يزيد الخطمي - وكان أميرا على الكوفة - قال: " أتينا قيس بن سعد بن عبادة في بيته، فأذن المؤذن للصلاة، وقلنا لقيس : قم فصل لنا، فقال: لم أكن لأصلي بقوم لست عليهم بأمير، فقال رجل ليس بدونه يقال له عبد الله بن حنظلة الغسيل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ، فقال قيس بن سعد عند ذلك: يا فلان - لمولى له -: قم فصل لهم ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، إسحاق هذا ضعيف كما في " التقريب ". وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 65) بعد ما عزاه للمذكورين غير الدارمي: " وفيه إسحاق ابن يحيى بن طلحة ضعفه أحمد وابن معين والبخاري، ووثقه يعقوب بن شيبة وابن حبان ".

1596

قلت: فمثله يستشهد به ويتقوى حديثه بغيره وقد جاء حديثه هذا مفرقا، فالجملة الأولى منه أخرجها أحمد (5 / 353) والطبراني في " الأوسط " (7601) وغيره من حديث بريدة نحوه، وإسناده صحيح، وهو مخرج في " المشكاة " (3918) . وأخرجها أحمد أيضا (3 / 32) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا به، وزاد: " وأحق بمجلسه إذا رجع ". وفيه إسماعيل بن رافع وهو ضعيف. وسائره جاء معناه في حديث أبي مسعود البدري مرفوعا: " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ... ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه، ولا تجلس على تكرمته في بيته إلا أن يأذن لك ". أخرجه مسلم (2 / 133 - 134) وغيره. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (594 - 598) . 1596 - " إن الرجل إذا قام يصلي أقبل الله إليه بوجهه حتى ينقلب أو يحدث حدث سوء ". أخرجه ابن ماجة (1 / 319 - 320) من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم عن أبي وائل عن حذيفة " أنه رأى شبث بن ربيعي يبزق بين يديه، فقال: يا شبث لا تبزق بين يديك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن ذلك، وقال: " فذكره. وقال البوصيري في " زوائده " (65 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ". قلت: بل هو حسن فقط للكلام المعروف في أبي بكر، وعاصم، وهو ابن أبي النجود ، وكلاهما حسن الحديث.

1597

1597 - " إن أحدكم إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه، فلا ترفعوا أصواتكم بالقرآن فتؤذوا المؤمنين ". رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (8 / 75 / 1) عن شعبة قال: حدثنا عبد ربه عن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني بياضة، وعنه قال: أخبرني عبد ربه بن سعيد قال: سمعت محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن رجل من بني بياضة، وعنه قال : سمعت عبد ربه يحدث عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم، قال شعبة: ثم قال عبد ربه عن سلمة بن عبد الرحمن عن رجل من بني بياضة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر من رمضان وقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف لأمرين: الأول: أن الرجل من بني بياضة لم يسم، فهو مجهول، وليس في شيء من هذه الطرق ما يشير إلى أنه من الصحابة. والآخر: اضطراب عبد ربه بن سعيد في إسناده على هذه الوجوه الأربعة: الأول: عن محمد بن إبراهيم عن رجل من بني بياضة. الثاني: عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن رجل من بني بياضة. فزاد بينه وبين الرجل أبا سلمة. الثالث: عنه عن أبي حازم، فلم يذكر الرجل، وذكر أبا حازم مكان أبي سلمة. الرابع: عنه عن سلمة بن عبد الرحمن عن رجل من بني بياضة. فهذا كالوجه الثاني إلا أنه قال: سلمة بن عبد الرحمن مكان أبي سلمة، وهو ابن عبد الرحمن. وهذا اضطراب شديد يدل على أن الراوي لم يضبط الحديث.

1598

فلهذا ولما ذكرته أولا لم يطمئن القلب لثبوت الحديث من هذا الوجه، وقد صح من حديث أبي سعيد الخدري وغيره دون الزيادة التي في آخره: " فتؤذوا المؤمنين "، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (1203) . والحديث عزاه السيوطي في " زوائد الجامع الصغير " (21 / 1) للبغوي عن رجل من بني بياضة وكذا في " الجامع الكبير " (1 / 74 / 1) . ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه بلفظ: " ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة. أو قال: في الصلاة ". وإسناده صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " (1203) وسيأتي تحت الحديث (1603) فصح الحديث بالزيادة، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من إحسانه وفضله. 1598 - " إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أنى (لي) هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك ". أخرجه ابن ماجة (3660) وأحمد (2 / 509) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 44 / 1) والأصبهاني في " الترغيب " (85 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (2 / 84 / 2) والضياء في " المنتقى من موسوعاته بمرو " (55 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد حسن، وأما قول البوصيري: " إسناده صحيح ". ففيه تساهل لأن عاصما فيه كلام من قبل حفظه كما تقدم مرارا. نعم أخرج له ابن أبي شيبة شاهدا من رواية سعيد بن المسيب موقوفا عليه نحوه، وسنده صحيح، وهو موقوف في حكم المرفوع كما هو ظاهر، فهو كالمرسل. والله أعلم.

1599

1599 - " إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1447) وعنه أخرجه ابن حبان (693) والحاكم (1 / 344) من طريق يونس بن بكير حدثنا يحيى بن أيوب - هو البجلي -: حدثنا أبو زرعة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير البجلي هذا، وهو كما قال الحافظ: " لا بأس به ". 1600 - " ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله فيها مائة مرة ". رواه العقيلي في " الضعفاء " ص (411) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 60) من طريق الطبراني بسند صحيح عن المغيرة بن أبي الحر الكندي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس فقال: فذكره. وقال العقيلي: " وقال ثابت وعمرو بن مرة: عن أبي بردة عن الأغر المزني عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وهذا أولى ". ثم روى عن البخاري أنه قال في المغيرة هذا: " كوفي يخالف في حديثه الكوفيين ". قال العقيلي: " وهذا الحديث حدثناه.. ". ثم ساق هذا. قلت: وفي إعلال الحديث بالمخالفة المذكورة نظر عندي من وجوه: الأول: أن المغيرة هذا ثقة لم يضعفه أحد غير البخاري، وقد وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في " الثقات ".

1601

والآخر: أن المخالف هنا - إن اعتبرناه مخالفا - إنما هو سعيد بن أبي بردة. وهو ثقة ثبت احتج به الجماعة، فتعصيب المخالفة بالمغيرة بن أبي الحر غير وارد مطلقا. وأنا أرى أن هذا الذي رواه سعيد بن أبي بردة عن أبيه هو حديث آخر غير الذي رواه ثابت ومن معه عنه، بدليل اختلاف لفظ الحديث من جهة وأن في روايته عنه ما ليس في روايتهم من جهة أخرى عنه، وهو قوله: " جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس ". فالراجح عندي أن الحديث صحيح، فإن سائر رجاله كلهم ثقات حفاظ. وأما ما جاء في " الميزان " للذهبي طبعة الخانجي (3 / 190) في ترجمة المغيرة هذا بعد الحديث: " قلت والإسناد إليه فيه نظر ". فهو خطأ مطبعي أو نسخي، والصواب في قول الذهبي هذا أنه في إسناد آخر ساقه في ترجمة مغيرة بن الحسن الهاشمي عقب هذه الترجمة، وعلى الصواب وقع في طبعة الحلبي للميزان (4 / 159) . 1601 - " إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد ". أخرجه أحمد (4 / 366) من طريق أبي حيان التيمي حدثني يزيد بن حيان التيمي .... وحدثنا زيد (بن أرقم) قال: فذكره، وهو مرفوع ولكنه لم يصرح برفعه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه. أخرجه ابن ماجة (2 / 587) من طريق محمد بن أبي ليلى عن عطية العوفي عنه.

1602

وهذا إسناد ضعيف. لكن يقويه أن أحمد أخرجه (3 / 29) من طريق ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عنه نحوه. وأخرجه مسلم (8 / 154) والترمذي (4 / 341) والحاكم (4 / 595) وابن حبان (2616) وأحمد (2 / 328 و 334 و 537) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا. وأحمد (2 / 26) من حديث أبي يحيى الطويل عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا به مختصرا . قلت: والطويل والقتات فيهما ضعف، لكن لا بأس بهما في الشواهد. 1602 - " إن الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن، يصل من وصلها ويقطع من قطعها ". أخرجه أحمد (1 / 321) وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 538 - بتحقيقي) عن ابن جريج قال: أخبرني زياد أن صالحا مولى التوأمة أخبره أنه سمع ابن عباس يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير صالح مولى التوأمة، ففيه كلام، والذي يتحرر منه ما ذهب إليه الإمام أحمد وغيره أن من سمع منه قديما فهو حجة، وإلا فلا. وقال ابن عدي: " لا بأس به إذا روى عنه القدماء مثل ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد، ومن سمع منه بأخرة فهو مختلط ( يعني فهو ضعيف) ولا أعرف له حديثا منكرا إذا روى عنه ثقة وحدث عنه من سمع منه قبل الاختلاط ". قلت: وهذا الحديث من رواية زياد بن سعد عنه كما ترى، فالحديث جيد، إن شاء الله تعالى.

1603

وقد صح الحديث عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا نحوه، وهو مخرج في " تخريج الحلال والحرام " (405) . وللحديث شواهد كثيرة يأتي أحدها برقم (2474) . (شجنة) بتثليث الشين المعجمة: الشعبة من كل شيء، كما في " المعجم الوسيط " . وفي " الترغيب " (3 / 226) : " قال أبو عبيد: يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ". و (الحجزة) بضم الحاء المهملة: موضع شد الإزار من الوسط. ويقال: أخذ بحجزته: التجأ إليه واستعان به كما في " المعجم ". وراجع " الأسماء والصفات " للبيهقي (ص 369) . 1603 - " إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ". رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم 4757 - نسختي) : حدثنا عبيد الله بن محمد العمري حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثني أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اطلع من بيته والناس يصلون يجهرون بالقراءة فقال لهم: فذكره وقال: " لم يروه عن محمد بن عمرو إلا أبو أويس تفرد به ابنه ". قلت: وهو صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه كما قال الحافظ، وقال الذهبي في " الضعفاء ": " صدوق، ضعفه النسائي، وابن عدي قال: يسرق الحديث كأبيه ". ومحمد بن عمرو حسن الحديث لكن قد خولف في إسناده، فقال الإمام أحمد

(3 / 94) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن إسماعيل بن أمية عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال: " اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فسمعهم يجهرون بالقراءة، وهو في قبة له، فكشف الستور وقال: ألا إن كلكم مناج ربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعن بعضكم على بعض بالقراءة. أو قال : في الصلاة. وهكذا أخرجه أبو داود (1 / 209 - تازية) : حدثنا الحسن بن علي حدثنا عبد الرزاق به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. قلت: فجعله من مسند أبي سعيد الخدري، لا من مسند أبي هريرة وعائشة، وهو الصواب. وللحديث شاهد من حديث البياضي: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهو يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: إن المصلي يناجي ربه، فلينظر بما يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن ". وقد روي عنه من أربعة وجوه مختلفة، كما تقدم بيانه برقم (1597) . وحديث الترجمة عزاه السيوطي للحاكم من حديث أبي هريرة بلفظ: " إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يناجي ربه فلينظر كيف يناجيه ". ولم أره في " مستدرك الحاكم "! وقد عزاه المناوي لأحمد والنسائي والبيهقي ولم أره عندهم عن أبي هريرة، وإنما رأيته عندهم - حاشا النسائي - من حديث أبي سعيد المتقدم ومن حديث البياضي المذكور عند أحمد. وقد مضيا قريبا برقم (1597) . ثم وقفت على حديث أبي هريرة في " المستدرك " بواسطة فهرسي الذي وضعته له

1604

أخيرا، وهو تحت الطبع، أخرجه (1 / 235 - 236) من طريق محمد بن إسحاق أخبرني سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، فلما سلم نادى رجلا كان في آخر الصفوف فقال: " يا فلان! ألا تتقي الله، ألا تنظر كيف تصلي؟ ! إن أحدكم إذا قام يصلي إنما يقوم يناجي ربه، فلينظر كيف يناجيه، إنكم ترون أني لا أراكم، إني والله لأرى من خلف ظهري كما أرى من بين يدي ". وهو في " مسند أحمد " (2 / 449) من هذا الوجه دون فقرة المناجاة، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط كما نبهنا عن ذلك مرارا في أحاديث ابن إسحاق. وعلى كل حال فروايته للحديث بسنده الصحيح عن أبي هريرة، يدل على أن لحديث الترجمة أصلا أصيلا عنه، فهو شاهد قوي له. والله أعلم. 1604 - " ليبيتن قوم من هذه الأمة على طعام وشراب ولهو، فيصبحوا قد مسخوا قردة وخنازير ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 126) من طريق علي بن يونس الأصبهاني حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا فرقد السبخي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " غريب من حديث قتادة عن سعيد، تفرد به علي بن يونس عن أبي داود ". قلت: وهو ثقة كما قال أبو الشيخ في " طبقات المحدثين " (2 / 74 / 2) ، وهو

في " مسند الطيالسي " (1137) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 153 / 1 - 2) نحوه. وسائر الرجال ثقات غير فرقد السبخي فإنه ضعيف. وقد روي عنه على وجوه أخرى، فقال أحمد (5 / 259) : حدثنا سيار بن حاتم حدثنا جعفر قال: أتيت فرقدا يوما فوجدته خاليا، فقلت: يا ابن أم فرقد لأسألنك اليوم عن هذا الحديث ، فقلت: أخبرني عن قولك في الخسف والقذف أشيء تقوله أنت: أو تأثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لا، بل آثره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت: ومن حدثك؟ قال: حدثني عاصم بن عمر البجلي عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثني قتادة عن سعيد بن المسيب، وحدثني به إبراهيم النخعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير، فيبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسفت من كان قبلهم باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات " . وتابعه صدقة بن موسى عن فرقد السبخي حدثنا أبو منيب الشامي عن أبي عطاء عن عبادة بن الصامت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحدثني شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحدثني عاصم بن عمرو البجلي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وحدثني سعيد بن المسيب أو حدثت عنه عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده ليبيتن ناس من أمتي على أشر وبطر، ولعب ولهو، فيصبحوا قردة وخنازير باستحلالهم المحارم والقينات وشربهم الخمر وأكلهم الربا ولبسهم الحرير ". أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (5 / 329) . قلت: وذكر الهيثمي في " المجمع " (5 / 75) رواية عبد الله هذه، والتي قبلها وقال:

1605

" وفرقد ضعيف ". وقال الحافظ: " صدوق عابد لكنه لين الحديث كثير الخطأ ". قلت: ولذلك لا يتحمل منه تفرده بهذه الطرق العدة، دون كل الثقات الأثبات. لكن للحديث شواهد يتقوى بها إن شاء الله تعالى، وقد مضى ذكر بعضها برقم (90 و91) ، فهو بها حسن. 1605 - " كان إذا ودع الجيش قال: أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم ". أخرجه المحاملي في " الدعاء " (ق 30 / 2) : حدثنا العباس بن محمد حدثنا يحيى ابن إسحاق أخبرنا حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال مسلم غير العباس بن محمد وأبي جعفر الخطمي - واسمه عمير بن يزيد - وهما ثقتان مترجمان في " التهذيب " . وعبد الله بن يزيد الخطمي صحابي صغير، له في " مسند أحمد " (4 / 307) حديثان. وقد تقدم هذا الحديث برقم (15) من مصدرين آخرين، أبي داود وابن السني، فقدر أن أعيده هنا بهذا المصدر الحديث لعزته وندرته، كما تقدم له هناك بعض الشواهد (14 و 16) . هذا، وإن مما يؤسف له حقا أن ترى هذا الأدب النبوي الكريم، قد صار مما لا

1606

أثر له ولا عين عند قواد جيوش زماننا، فإنهم يودعون الجيوش على أنغام الآلات الموسيقية التي يرى بعض الدعاة الإسلاميين اليوم أنه لا شيء فيها، تقليدا منهم لظاهرية ابن حزم التي قد يسخرون منها عندما تخالف آراءهم - ولا أقول: أهواءهم، ولا يتبعون أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم الموافقة للأحاديث الصحيحة والصريحة في تحريم المعازف، تيسيرا على الناس بزعمهم! فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام، وقلة من يعمل بأحكامه في هذا الزمان، ويشكك فيها بالخلاف الواقع في الكثير منها، ليأخذ منها ما يشتهي ، دون أن يحكم فيه قوله تعالى: * (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) *، فكأن هذه الآية منسوخة عنده. والله المستعان. 1606 - " إن الشيخ يملك نفسه ". أخرجه أحمد (2 / 185 و 221) عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن قيصر التجيبي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء شاب فقال: يا رسول الله أقبل وأنا صائم؟ قال: " لا ". فجاء شيخ فقال: أقبل وأنا صائم؟ قال: " نعم ". قال: فنظر بعضنا إلى بعض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير ابن لهيعة فإنه سيء الحفظ. لكن لحديثه شواهد كنت ذكرتها قديما في " التعليقات الجياد " يتقوى الحديث بها. ومن شواهده ما أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11040) من طريق حبيب بن أبي ثابت عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه قال: " رخص للشيخ (أن يقبل) وهو صائم، ونهى الشاب ".

1607

ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي (3 / 166) ، فهو صحيح لولا عنعنة حبيب، فإنه مدلس. وأخرج أيضا (10604) من طريق عطية قال: سأل شاب ابن عباس: أيقبل وهو صائم؟ قال: لا. ثم جاء شيخ فقال: أيقبل وهو صائم؟ قال: نعم. قال الشاب: سألتك أقبل وأنا صائم؟ فقلت: لا. وسألك هذا: أيقبل وهو صائم؟ فقلت: نعم، فكيف يحل لهذا ما يحرم على هذا، ونحن على دين واحد؟ فقال له ابن عباس: إن عروق الخصيتين معلقة بالأنف، فإذا شم الأنف تحرك الذكر، وإذا تحرك الذكر دعا إلى ما هو أكبر من ذاك، والشيخ أملك لإربه، وذاك بعد ما ذهب بصر عبد الله، وخلفه امرأة، فقيل: يا ابن عباس إن خلفك امرأة! قال: أف لك من جليس قوم. قلت: وعطية - وهو العوفي - ضعيف مدلس. 1607 - " إن السلام اسم من أسماء الله وضعه الله في الأرض، فأفشوه فيكم، فإن الرجل إذا سلم على قوم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة لأنه ذكرهم، فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب ". رواه الطبراني (رقم 10391) عن سفيان بن بشر أخبرنا أيوب بن جابر عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله مرفوعا. قلت: وسفيان بن بشر لم أجد له ترجمة. وأيوب بن جابر ضعيف، لكنه قد توبع من غير واحد.

1608

الأول: محمد بن جعفر المدائني: أخبرنا ورقاء عن الأعمش به. أخرجه الطبراني (10392) والبزار في " مسنده " (رقم - 1999) وابن حبان في " روضة العقلاء " (ص 59) . قلت: وهذا إسناد حسن كما بينته في " الروض النضير " تحت الحديث (1075) . الثاني: عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن الأعمش به. أخرجه البزار أيضا. وعبد الرحمن وأبوه فيهما ضعف من قبل حفظهما، فيستشهد بهما. والجملة الأولى من الحديث لها شاهد من حديث أنس وأبي هريرة وهما مخرجان في " الروض النضير " (2 / 457) . قلت: ومن إفشاء السلام، السلام على المصلي والتالي للقرآن والطاعم وغيرهم ، وبسط ذلك له مجال آخر. 1608 - " إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم ". حديث صحيح، مما حفظه لنا جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، وله عن طرق: الأولى: عن الأعمش عن أبي سفيان عنه. أخرجه مسلم (8 / 138) والترمذي (3 / 127) وأحمد (3 / 313) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 609) وقال الترمذي:

" هذا حديث حسن، وأبو سفيان اسمه طلحة بن نافع ". قلت: بل هو صحيح لطريقه الآتية. وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 284 ) من رواية المسيب بن واضح عن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش به، وعن أبي إسحاق الفزاري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه . وقال: " قال أبي: أحد هذين باطل ". قلت: الأول محفوظ قطعا لأن جماعة من الثقات رووه عن الأعمش به. فالآخر هو الباطل. وعلته من المسيب بن واضح، فإنه سيء الحفظ. الثانية: عن صفوان عن ماعز التميمي عنه به دون ذكر جزيرة العرب. أخرجه أحمد ( 3 / 354) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 2 / 1) . قلت: ورجاله ثقات غير ماعز هذا، أورده ابن أبي حاتم (1 / 4 / 391) من رواية صفوان هذا وهو ابن عمرو السكسكي ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (3 / 266) من رواية الزهري عنه. الثالثة: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: فذكره موقوفا دونها أيضا. أخرجه أحمد (3 / 384) : حدثنا روح حدثنا ابن جريج حدثنا أبو الزبير. وهذا إسناد موقوف صحيح على شرط مسلم، وهو في حكم المرفوع، وقد جاء مرفوعا فيما سبق من الطرق، وفي هذه أيضا في رواية لأحمد قال (3 / 366) : " حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . حدثناه وكيع عن سفيان معناه ". وهكذا أخرجه أبو يعلى (2 / 577) من طريق عبد الرحمن عن سفيان به.

1609

1609 - " إن الشيطان ليفرق منك يا عمر! ". أخرجه أحمد (5 / 353) والترمذي (4 / 316) وابن حبان (2186) مختصرا من طريق الحسين بن واقد حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه: " أن أمة سوداء أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجع من بعض مغازيه، فقالت: إني كنت نذرت: إن ردك الله صالحا أن أضرب عندك بالدف! قال: " إن كنت فعلت فافعلي، وإن كنت لم تفعلي فلا تفعلي ". فضربت، فدخل أبو بكر وهي تضرب ودخل غيره وهي تضرب، ثم دخل عمر، قال: فجعلت دفها خلفها وهي مقنعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) وزاد: " أنا جالس ههنا، ودخل هؤلاء، فلما أن دخلت فعلت ما فعلت ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وفي الحسين كلام لا يضر. وقد يشكل هذا الحديث على بعض الناس لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد، والمعصية لا يجوز نذرها ولا الوفاء بها. والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لما كان فرحا منها بقدومه صلى الله عليه وسلم صالحا سالما منتصرا، اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها، خصوصية له صلى الله عليه وسلم دون الناس جميعا، فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها. لأنه ليس هناك من يفرح كالفرح به صلى الله عليه وسلم، ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة للمعازف والدفوف وغيرها ، إلا ما استثنى كما ذكرنا آنفا.

1610

1610 - " إن الصالحين يشدد عليهم، وإنه لا يصيب مؤمنا نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا أحطت بها عنه خطيئة ورفع بها درجة ". أخرجه أحمد (6 / 160) وابن حبان (702) والحاكم (4 / 320) أوله فقط من طريق معاوية بن سلام قال: سمعت يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو قلابة أن عبد الرحمن بن شيبة أخبره أن عائشة أخبرته: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وجع، فجعل يشتكي، ويتقلب على فراشه، فقالت عائشة: لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن شيبة وهو ثقة. وتابعه علي وهو ابن المبارك عن يحيى به. أخرجه أحمد (6 / 215) . وللحديث في " صحيح مسلم " (8 / 15 - 16) طرق أخرى عن عائشة نحوه وفي بعضها: " إلا كتب الله له بها حسنة، أو حط عنه بها خطيئة ". 1611 - " إن العبد إذا مرض أوحى الله إلى ملائكته: يا ملائكتي أنا قيدت عبدي بقيد من قيودي، فإن أقبضه أغفر له وإن أعافه فحينئذ يقعد ولا ذنب له ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (7697) والحاكم (4 / 313) عن عفير بن

معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. واللفظ للحاكم وقال: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت عفير واه ". قلت: وهو كما قال الذهبي رحمه الله، وقال الحافظ: " هو ضعيف "، وكذا قال الهيثمي في " المجمع " (2 / 291) . قلت: لكن له شاهد يرويه إسماعيل بن عياش عن راشد بن داود الصنعاني عن أبي الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق، وهجر بالرواح، فلقي شداد بن أوس والصنابحي معه، فقلت: أين تريدان يرحمكما الله؟ قالا: نريد ههنا إلى أخ لنا مريض نعوده، فانطلقت معهما حتى دخلا على ذلك الرجل فقالا له: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بنعمة، فقال له شداد: أبشر بكفارات السيئات وحط الخطايا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله عز وجل يقول: إني إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب عز وجل: أنا قيدت عبدي وابتليته، فأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيح ". أخرجه أحمد (4 / 123) والطبراني في " الكبير " (7136) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي راشد بن داود الصنعاني كلام يسير لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن، وقد أشار الحافظ إلى ذلك بقوله فيه: " صدوق له أوهام ".

1612

وأما قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 303 - 304) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " كلهم من رواية إسماعيل بن عياش عن راشد الصنعاني وهو ضعيف في غير الشاميين ". ففيه ذهول عن أن الصنعاني هذا ليس نسبة إلى " صنعاء اليمين " وإنما هو منسوب إلى صنعاء دمشق كما في " التقريب " ، فهو شامي، وإسماعيل صحيح الحديث عنهم، فثبت الحديث والحمد لله. 1612 - " إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم، فتهوي فيها سبعين عاما ما تفضي إلى قرارها ". أخرجه الترمذي (3 / 341) من طريق هشام بن حسان عن الحسن قال: قال عتبة بن غزوان على منبرنا هذا - منبر البصرة - عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فذكره. وقال: " لا نعرف للحسن سماعا عن عتبة بن غزوان، وإنما قدم عتبة بن غزوان البصرة زمن عمر. وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر ". قلت: ورجال إسناده ثقات، إلا أنه منقطع، لكنه قد جاء موصولا من طريق خالد ابن عميري العدوي قال: " خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ... فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفة جهنم فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا ". أخرجه مسلم (8 / 215) وأحمد (4 / 174) . قلت: وهو شاهد قوي لحديث الحسن لأن قول عتبة: " ذكر لنا " بالبناء

للمجهول مثل قول غيره من الصحابة " أمرنا " و " نهينا " وذلك كله في حكم المرفوع كما هو مقرر في " مصطلح الحديث ". وله شاهد من حديث أبي هريرة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سمع وجبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " تدرون ما هذا؟ ". قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: " هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها ". أخرجه مسلم (8 / 150) وأخرجه في مكان آخر (1 / 130) مختصرا موقوفا. ورواه ابن أبي الدنيا في " صفة النار " (ق 2 / 1) مرفوعا به، والحاكم (4 / 606) من طريق أخرى عنه مرفوعا مختصرا. وقال الذهبي: " سنده صالح ". ثم أخرجه الحاكم (4 / 597) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب قالا: قال أبو هريرة مرفوعا بلفظ: " والذي نفس محمد بيده إن قدر ما بين شفير النار وقعرها لصخرة زنتها سبع خلفات بشحومهن ولحومهن وأولادهن تهوي فيما بين شفير النار وقعرها سبعين خريفا ". وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وله شاهدان آخران من حديث أبي موسى وبريدة مرفوعا نحوه. أخرجهما البزار في " مسنده " (ص 315 - زوائده) وقال في الأول منهما:

" وهو إسناد حسن ". قلت: وفيه عطاء بن السائب وكان اختلط لكنه لا بأس في الشواهد ومن طريقه أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا وابن حبان (2609) . وله شاهد رابع من رواية يزيد الرقاشي عن أنس. أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا. وخامس من رواية الوليد بن حصين الشامي قال: أخبرني لقمان بن عامر عن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي مرفوعا به وزاد تفسير قوله تعالى: (غيا) و (آثاما) . أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا قال: حدثنا الفضل ابن إسحاق قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: أخبرني الوليد بن حصين الشامي.... قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير الوليد بن حصين الشامي وهو الملقب بـ ( شرقي بن قطامي) ضعفه الساجي وغيره. وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 231 ) : " رواه الطبراني والبيهقي مرفوعا، ورواه غيرهما موقوفا عن أبي أمامة وهو أصح ". وقال الهيثمي (10 / 389) : " رواه الطبراني وفيه ضعفاء قد وثقهم ابن حبان وقال: يخطؤون ". قلت: إسناد ابن أبي الدنيا ليس فيه إلا الوليد بن حصين، فإن الفضل بن إسحاق وهو أبو العباس البزار الدوري ترجمه الخطيب في " التاريخ " (12 / 360 - 361) وروى عن السراج أنه ثقة مأمون. مات سنة اثنتين وأربعين يعني ومائتين.

والموقف الذي أشار إليه المنذري قد أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا (ق 2 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 144) من طريق هشيم قال: أخبرنا زكريا ابن أبي مريم الخزاعي قال: سمعت أبا أمامة يقول: فذكره موقوفا. وفيه ذكر الغي والآثام ولكن بدون تفسير. وروى العقيلي عن علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي - وذكر زكريا بن أبي مريم الذي روى عنه هشيم - قال: قلنا لشعبة: لقيت زكريا ابن أبي مريم سمع من أبي أمامة؟ فجعل يتعجب - ثم ذكره - فصاح صيحة. وهذا الحديث حدثناه بشر ... قلت: فذكره. وقال ابن أبي حاتم: " فدلت صيحة شعبة أنه لم يرضه ". قلت: والظاهر من تعجبه أنه من تصريحه بالسماع من أبي أمامة. وقال ابن عدي ( ق 148 / 1) عقب رواية ابن مهدي المذكورة: " وهشيم يروي عن زكريا بن أبي مريم القليل، وليس فيما روى عنه هشيم حديث له رونق وضوء ". قلت: فإن كان المنذري عنى بالموقوف هذه الرواية ففي قوله: إنه أصح، نظر لا يخفى. لاسيما وليس فيه التفسير المشار إليه. والله أعلم. ثم رأيت رواية شرقي بن قطامي في " كبير معجم الطبراني " (7731) أخرجه من طريق أخرى عنه.

1613

1613 - " إن الصدقة لا تحل لنا، وإن موالي القوم من أنفسهم ". أخرجه أبو داود (1 / 262) والنسائي (1 / 366) والترمذي (1 / 128) والحاكم (1 / 404) وأحمد (6 / 10 و 390) من طرق عن شعبة حدثنا الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها. فقال: لا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". والحاكم : " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقد تابعه ابن أبي ليلى عن الحكم بن عتيبة. أخرجه الطحاوي (1 / 299) وأحمد أيضا (6 / 8) ولفظ أبي داود بتقديم الجملة الأخرى على الأولى كما سيأتي. والجملة الثانية أخرجها البخاري (4 / 290) من حديث أنس مرفوعا. ولها شواهد كثيرة منها عن ميمون أو مهران مرفوعا بلفظ: " إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة وإن موالينا من أنفسنا ولا نأكل الصدقة ". أخرجه أحمد (4 / 34 - 35) . وعزاه السيوطي في " الجامع " لأوسط الطبراني عن ابن عمر بلفظ:

1614

" موالينا منا ". وفي سنده ضعف نقله المناوي عن الهيثمي. ثم ادعى أن الحديث بهذا اللفظ ليس في تحريم الزكاة على الموالي، وإنما في الاستنان بسنتان، والاحترام والإكرام. وما دل عليه الحديث من تحريم الصدقة على موالي أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هو المشهور في مذهب الحنفية خلافا لقول ابن الملك منهم، وقد رد ذلك عليه العلامة الشيخ علي القاريء في " مرقاة المفاتيح " (2 / 448 - 449) فليراجعه من شاء. 1614 - " أرأيت لو كان بفناء أحدكم نهر يجري يغتسل منه كل يوم خمس مرات، ما كان يبقى من درنه؟ قالوا: لا شيء، قال: إن الصلوات تذهب الذنوب كما يذهب الماء الدرن ". أخرجه أحمد (1 / 71 - 72) وابن نصر في " الصلاة " (17 / 1) والضياء في " المختارة " رقم (298 - 299 بتحقيقي) عن الزهري قال: أخبرني صالح بن عبد الله ابن أبي فروة أن عامر بن سعد بن أبي وقاص أخبره أنه سمع أبان بن عثمان يقول: قال عثمان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: رجاله ثقات غير صالح هذا وثقه ابن معين وابن حبان، ولم يذكروا له راويا غير الزهري وكأنه لذلك قال أبو جعفر الطبري في " التهذيب ": " ليس بمعروف في أهل النقل عندهم ". لكن الحديث على كل حال صحيح، فإن له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه.

1615

أخرجه الشيخان، ومن حديث جابر عند مسلم، وعن أبي سعيد الخدري عند البزار وغيره. وهو مخرج في " الترغيب " (1 / 138) وهي كلها عند ابن نصر (17 / 1 - 18 / 1) . 1615 - " كان يربط الحجر على بطنه من الغرث ". أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (3 / 1) من طريق زينب بنت أبي طليق أخبرنا حيان بن حية عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. قلت: وهذا إسناد غريب، من دون أبي هريرة ولم أعرفهما. لكن يشهد له حديث سيار عن سهل بن أسلم عن يزيد بن أبي منصور عن ابن مالك عن أبي طلحة قال: " شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجرين ". أخرجه الترمذي في " السنن " (3 / 276) و " الشمائل " (2 / 232) وقال: " حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو ضعيف من أجل سيار وهو ابن حاتم العنزي، أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال القواريري: كان معي في الدكان لم يكن له عقل، قيل: أتتهمه؟ قال: لا، وقال غيره: صدوق سليم الباطن ". وقال الحافظ: " صدوق له أوهام ".

1616

ويشهد له أيضا حديث جابر قال: " لما كان يوم الخندق نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته قد وضع حجرا بينه وبين إزاره، يقيم به صلبه من الجوع ". أخرجه أبو يعلى ورجاله وثقوا على ضعف في إسماعيل بن عبد الملك، كما في " مجمع الزوائد " (10 / 314) . فالحديث حسن بمجموع الطرق الثلاثة. والله أعلم. (الغرث) : الجوع. 1616 - " العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين ". أخرجه مالك (3 / 146) ومن طريقه البخاري (5 / 132) وفي " الأدب المفرد " (31) عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقد رواه من طريقه مسلم (5 / 94) وأبو داود (2 / 338) بلفظ: " إن العبد....... " والباقي مثله سواء. 1617 - " إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن تبارك وتعالى، لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاءني الداعي لأجبت، إذ جاءه الرسول فقال: * (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن) *، ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه: * (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) *، فما بعث الله بعده من نبي إلا في ثروة من قومه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (605) والترمذي (4 / 128 - 129)

1618

والحاكم (2 / 346 - 347 و 570 و 571) وأحمد (2 / 332 و 384) من طريق محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به وقال الترمذي: " حديث حسن " . وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأخرجه مسلم (7 / 98) من طريق ابن شهاب عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة به مختصرا. 1618 - " إن الذي يكذب علي يبنى له بيت في النار ". أخرجه أحمد (2 / 22 و 103 و 144) عن أبي بكر بن سالم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. 1619 - " طوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء يا رسول الله؟ قال: ناس صالحون قليل في ناس سوء كثير من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم ". رواه ابن المبارك في " الزهد " (190 / 2 من الكواكب 575 - ورقم 775 مطبوعة) : أنبأنا ابن لهيعة حدثني الحارث بن يزيد بن جندب بن عبد الله العدواني أنه سمع سفيان بن عوف القاري يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ونحن عنده: فذكره. وهكذا أخرجه أحمد (2 / 177 و 222) من طريقين أخريين عن ابن لهيعة به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن سفيان بن عوف القاري لم يوثقه غير ابن حبان (3 / 96) والعجلي رقم (483) فقال: " مصري تابعي ثقة ".

1620

والراوي عنه جندب بن عبد الله العدواني وثقه العجلي أيضا رقم (182) فالإسناد مستور. نعم رواه ابن عساكر (12 / 8 / 1) عن معاذ بن أسد (كاتب) ابن المبارك أخبرنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي عبد الرحمن المعافري عن سفيان بن عبد الله الثقفي عن عبد الله بن عمرو به. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات من رجال " الصحيح " غير ابن لهيعة وهو ثقة صحيح الحديث إذا روى عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن المبارك وهذا الحديث من روايته عنه كما ترى ومن الظاهر أن ابن لهيعة كان عنده فيه إسنادان، فرواه عنه ابن المبارك، مرة بهذا ومرة بهذا، وبه صح الحديث والحمد لله. وأبو عبد الرحمن المعافري اسمه عبد الله بن يزيد الحبلي المصري. 1620 - " إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة ". أخرجه أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ص - 259) والطبراني في " الأوسط " (رقم 4360) وأبو بكر الملحمي في " مجلسين من الأمالي " (ق 148 / 1 - 2) والهروي في " ذم الكلام " (6 / 101 / 1) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 380 / 2) ويوسف بن عبد الهادي في " جمع الجيوش والدساكر على ابن عساكر " (ق 33 / 1) من طرق عن هارون بن موسى حدثنا أبو ضمرة عن حميد عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هارون بن موسى وهو الفروي، قال النسائي وتبعه الحافظ في " التقريب ": " لا بأس به " وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 189) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال " الصحيح " غير هارون بن موسى الفروي وهو ثقة ".

1621

وقال المنذري في " الترغيب " (1 / 45) : " رواه الطبراني وإسناده حسن ". قلت: وتابعه محمد بن عبد الرحمن القشيري عن حميد به. أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (رقم - 37 بتحقيقي) وابن عدي في " الكامل " (ق 311 / 1) وابن عبد الهادي (10 / 2) من طريق بقية بن الوليد حدثني محمد بن عبد الرحمن به. لكن القشيري هذا واه، فالعمدة على ما قبله. 1621 - " ما أهل مهل قط إلا بشر، ولا كبر مكبر قط إلا بشر، قيل: بالجنة؟ قال: نعم ". رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7943 - نسختي) وأبو الحسن الحربي في " الأمالي " (245 / 2) عن عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا معتمر بن سليمان حدثنا زيد بن عمر بن عاصم عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا ، وقال الطبراني: " لم يروه عن زيد إلا معتمر ". قلت: قال في " الميزان ": " حدث عن سهيل بن أبي صالح بخبر منكر ". قلت: لعله يعني هذا، لكن مجيئه من طريق آخر يرفع عنه النكارة، وهو ما أخرجه الطبراني أيضا قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عبيد الله بن عمر عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة نحوه.

قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عثمان بن أبي شيبة وفيه كلام لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إن شاء الله كما بينته في مقدمة " مسائل ابن أبي شيبة شيوخه " تأليف محمد بن عثمان هذا. والحديث قال الهيثمي (3 / 224) تبعا للمنذري (2 / 119) : " رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح ". كذا قال وابن شيبة هذا ليس من رجال الصحيح لكن قد رواه الخطيب في " تاريخه " (2 / 79) من طريق محمد بن أبان البلخي قال: نبأ عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن محرر بن أبي هريرة عن أبيه مرفوعا بلفظ: " ما أهل مهل قط إلا آبت الشمس بذنوبه ". فهذا إسناد رجاله كلهم رجال البخاري غير محرر بن أبي هريرة فإنه من رجال النسائي وابن ماجة فقط، ولم يوثقه غير ابن حبان. ولذلك لم يوثقه الحافظ ابن حجر بل اكتفى بقوله: " مقبول ". يعني عند المتابعة. على أن في الإسناد علة أخرى خفية نبه عليها الخطيب فقال عقبه: " تفرد بروايته محمد بن أبان عن عبد الرزاق عن الثوري، وخالفه الحسن بن أبي الربيع الجرجاني فرواه عن عبد الرزاق عن ياسين الزيات عن ابن المنكدر به "، ثم ساق إسناده إلى الحسن به. ثم ساق لمحمد بن أبان البلخي حديث آخر له عن عبد الرزاق قال أبو داود فيه: " أنكروه على ابن أبان "! قلت: وابن أبان البلخي والحسن الجرجاني كل منهما ثقة، ولكن الأول منتقد في بعض رواياته عن عبد الرزاق. فروايته عند المخالفة شاذة مرجوحة، وكلام الخطيب السابق يشير إلى هذا والفرق بين روايته ورواية الجرجاني أن الأول جعل سفيان الثوري مكان ياسين الزيات، والثوري إمام جليل مشهور بينما ياسين الزيات ضعيف جدا، فهو علة هذه الطريق. والله أعلم.

1622

1622 - " إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصابون معهم، ثم يبعثون على نياتهم ". أخرجه ابن حبان (1846) عن عمرو بن عثمان الرقي قال: حدثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: " قلت: يا رسول الله إن الله إذا أنزل سطوته بأهل الأرض وفيها الصالحون فيهلكون بهلاكهم؟ فقال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل الرقي هذا، فإنه ضعيف كما قال الحافظ وأورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال النسائي وغيره: متروك ". قلت: لكن الحديث في " صحيح مسلم " (8 / 168) و " المسند " (6 / 259) من طرق أخرى عن عائشة رضي الله عنها بلفظ آخر، ولفظ مسلم: " العجب! إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت، برجل من قريش، قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم، فقلنا: يا رسول الله: إن الطريق قد يجمع الناس، قال: نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم ". وأخرجه البخاري (4 / 271) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 11) من طريق أخرى عن عائشة مرفوعا نحوه، ولفظه: " يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض ... " الحديث. للحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ: " إذا أراد الله بقوم عذابا أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم ".

1623

أخرجه البخاري (13 / 50 - 51 - فتح) ومسلم (8 / 165) وأحمد (2 / 40) . 1623 - " أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بـ (نعمان) - يعني عرفة - فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: * (ألست بربكم قالوا: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين. أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) * ". أخرجه أحمد (1 / 272) وابن جرير في " التفسير " (15338) وابن أبي عاصم في " السنة " (17 / 1) والحاكم (2 / 544) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 326 - 327) كلهم من طريق الحسين بن محمد المروذي حدثنا جرير بن حازم عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره. قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وحقهما أن يقيداه بأنه على شرط مسلم، فإن كلثوم بن جبر من رجاله وسائرهم من رجال الشيخين. وتابعه وهب بن جرير حدثنا أبي به دون ذكر " نعمان " وقال أيضا: " صحيح الإسناد، وقد احتج مسلم بكلثوم بن جبر ". ووافقه الذهبي أيضا. وأما ابن كثير فتعقبه بقوله في " التفسير " (2 / 262) : " هكذا قال، وقد رواه عبد الوارث عن كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فوقفه. وكذا رواه إسماعيل بن علية ووكيع عن ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه به، وكذا رواه عطاء بن السائب وحبيب بن أبي ثابت وعلي بن بذيمة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وكذا رواه العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس، فهذا أكثر وأثبت. والله أعلم ".

قلت: هو كما قال رحمه الله تعالى، ولكن ذلك لا يعني أن الحديث لا يصح مرفوعا وذلك لأن الموقوف في حكم المرفوع، لسببين: الأول: أنه في تفسير القرآن، وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع، ولذلك اشترط الحاكم في كتابه " المستدرك " أن يخرج فيه التفاسير عن الصحابة كما ذكر ذلك فيه (1 / 55) . الآخر: أن له شواهد مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جمع من الصحابة، وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أمامة وهشام بن حكيم أو عبد الرحمن بن قتادة السلمي على خلاف عنهما - ومعاوية بن أبي سفيان وأبو الدرداء وأبو موسى، وهي إن كان غالبها لا تخلوا أسانيدها من مقال، فإن بعضها يقوي بعضا، بل قال الشيخ صالح المقبلي في " الأبحاث المسددة ": " ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك " (¬1) ، ولاسيما وقد تلقاها أو تلقى ما اتفقت عليه من إخراج الذرية من ظهر آدم وإشهادهم على أنفسهم، السلف الصالح من الصحابة والتابعين دون اختلاف بينهم، منهم عبد الله ابن عمرو وعبد الله بن مسعود، وناس من الصحابة، وأبي بن كعب وسلمان الفارسي ومحمد بن كعب والضحاك بن مزاحم والحسن البصري وقتادة وفاطمة بنت الحسين وأبو جعفر الباقر وغيرهم، وقد أخرج هذه الآثار الموقوفة وتلك الأحاديث المرفوعة الحافظ السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 141 - 145) ، وأخرج بعضها الشوكاني في " فتح القدير " (2 / 215 - 252) ومن قبله الحافظ ابن كثير في " تفسيره (2 / 261 - 164) وخرجت أنا حديث عمر في " الضعيفة " ( 3070) وصححته لغيره في " تخريج شرح الطحاوية " (266) وحديث أبي هريرة في تخريج السنة لابن أبي عاصم (204 و 205 - بتحقيقي) وصححته أيضا هناك (ص 267 ) وفي الباب عن أبي الدرداء مرفوعا، وقد سبق برقم (49) وعن أنس، وسبق برقم (172) وهو متفق عليه، فهو أصحها وفيه: ¬

(¬1) نقلته من " فتح البيان " لصديق حسن خان " (3 / 406) . اهـ.

" إن الله تعالى يقول للرجل من أهل النار يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتديا؟ فيقول: نعم. فيقول الله: قد أردت منك أهون من ذلك، قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي ". إذا عرف هذا فمن العجيب قول الحافظ ابن كثير عقب الأحاديث والآثار التي سبقت الإشارة إلى أنه أخرجها: " فهذه الأحاديث دالة على أن الله عز وجل استخرج ذرية آدم من صلبه، وميز بين أهل الجنة وأهل النار، وأما الإشهاد عليهم هناك بأنه ربهم فما هو إلا في حديث كلثوم بن جبر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وفي حديث عبد الله بن عمرو، وقد بينا أنهما موقوفان لا مرفوعان كما تقدم ". قلت: وليس الأمر كما نفى، بل الإشهاد وارد في كثير من تلك الأحاديث: الأول: حديث أنس هذا، ففيه كما رأيت قول الله تعالى: " قد أخذت عليك في ظهر آدم أن لا تشرك بي شيئا ". قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (6 / 284) : " فيه إشارة إلى قوله تعالى: * (وإذا أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم) * الآية. قلت: ولفظ حديث ابن عمرو الذي أعله ابن كثير بالوقف إنما هو: أخذ من ظهره. .. "، فأي فرق بينه وبين لفظ حديث أنس الصحيح؟ ! الثاني: حديث عمر بلفظ: (ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية ... " الثالث: حديث أبي هريرة الصحيح: " ... مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة ... ". الرابع: حديث هشام بن حكيم: " إن الله قد أخذ ذرية آدم من ظهورهم، ثم أشهدهم على أنفسهم ... "

الخامس: حديث أبي أمامة: " لما خلق الله الخلق وقضى القضية، أخذ أهل اليمين بيمينه، وأهل الشمال بشماله، فقال: ... ألست بربكم، قالوا: بلى ... ". ففي ذلك رد على قول ابن القيم أيضا في كتاب " الروح " (ص 161) بعد أن سرد طائفة من الأحاديث المتقدمة: " وأما مخاطبتهم واستنطاقهم وإقرارهم له بالربوبية وشهادتهم على أنفسهم بالعبودية - فمن قال من السلف فإنما هو بناء منه على فهم الآية، والآية لم تدل على هذا بل دلت على خلافه ". وقد أفاض جدا في تفسير الآية وتأويلها تأويلا ينافي ظاهرها بل ويعطل دلالتها أشبه ما يكون بصنيع المعطلة لآيات وأحاديث الصفات حين يتأولونها، وهذا خلاف مذهب ابن القيم رحمه الله الذي تعلمناه منه ومن شيخه ابن تيمية، فلا أدري لماذا خرج عنه هنا لاسيما وقد نقل (ص 163) عن ابن الأنباري أنه قال: " مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم كما جعل للجبل عقلا حين خوطب، وكما فعل ذلك للبعير لما سجد، والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت ". كما نقل أيضا عن إسحاق بن راهويه: " وأجمع أهل العلم أن الله خلق الأرواح قبل الأجساد، وأنه استنطقهم وأشهدهم ". قلت: وفي كلام ابن الأنباري إشارة لطيفة إلى طريقة الجمع بين الآية والحديث وهو قوله: " إن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده ".

وإليه ذهب الفخر الرازي في " تفسيره " (4 / 323) وأيده العلامة ملا على القاري في " مرقاة المفاتيح " (1 / 140 - 141) وقال عقب كلام الفخر: " قال بعض المحققين : إن بني آدم من ظهره، فكل ما أخرج من ظهورهم فيما لا يزال إلى يوم القيامة هم الذين أخرجهم الله تعالى في الأزل من صلب آدم، وأخذ منهم الميثاق الأزلي ليعرف منه أن النسل المخرج فيما لا يزال من أصلاب بنيه هو المخرج في الأزل من صلبه، وأخذ منهم الميثاق الأول، وهو المقالي الأزلي، كما أخذ منهم فيما لا يزال بالتدريج حين أخرجوا الميثاق الثاني، وهو الحالي الإنزالي. والحاصل أن الله تعالى لما كان له ميثاقان مع بني آدم أحدهما تهتدي إليه العقول من نصب الأدلة الحاملة على الاعتراف الحالي، وثانيهما المقالي الذي لا يهتدي إليه العقل، بل يتوقف على توقيف واقف على أحوال العباد من الأزل إلى الأبد، كالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أراد عليه الصلاة والسلام أن يعلم الأمة ويخبرهم أن وراء الميثاق الذي يهتدون إليه بعقولهم ميثاقا آخر أزليا فقال (ما ) قال من مسح ظهر آدم في الأزل وإخراج ذريته وأخذه الميثاق عليهم وبهذا يزول كثير من الإشكالات، فتأمل فيها حق التأمل ". وجملة القول أن الحديث صحيح، بل هو متواتر المعنى كما سبق، وأنه لا تعارض بينه وبين آية أخذ الميثاق، فالواجب ضمه إليها، وأخذ الحقيقة من مجموعها وقد تجلت لك إن شاء الله مما نقلته لك من كلام العلماء، وبذلك ننجو من مشكلتين بل مفسدتين كبيرتين: الأولى: رد الحديث بزعم معارضته للآية. والأخرى: تأويلها تأويلا يبطل معناها، أشبه ما يكون بتأويل المبتدعة والمعتزلة. كيف لا وهم أنفسهم الذين أنكروا حقيقة الأخذ والإشهاد والقول المذكور فيها بدعوى أنها خرجت مخرج التمثيل! وقد عز علي كثيرا أن يتبعهم في ذلك مثل ابن القيم وابن كثير، خلافا للمعهود منهم من الرد على المبتدعة ما هو هو دون ذلك من التأويل. والعصمة لله وحده.

1624

ثم إنه ليلوح لي أننا وإن كنا لا نتذكر جميعا ذلك الميثاق الرباني وقد بين العلماء سبب ذلك - فإن الفطرة التي فطر الله الناس عليها، والتي تشهد فعلا بأن الله هو الرب وحده لا شريك له، إنما هي أثر ذلك الميثاق، وكأن الحسن البصري رحمه الله أشار إلى ذلك حين روى عن الأسود بن سريع مرفوعا: " ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة ... " الحديث، قال الحسن عقبه: " ولقد قال الله ذلك في كتابه: * (وإذ أخذ ربك ... ) * الآية ". أخرجه ابن جرير (15353) ، ويؤيده أن الحسن من القائلين بأخذ الميثاق الوارد في الأحاديث، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وعليه فلا يصح أن يقال: إن الحسن البصري مع الخلف القائلين بأن المراد بالإشهاد المذكور في الآية إنما هو فطرهم على التوحيد، كما صنع ابن كثير. والله أعلم. 1624 - " إن الله تطول عليكم في جمعكم هذا، فوهب مسيئكم لمحسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ادفعوا باسم الله ". أخرجه ابن ماجة (3024) عن أبي سلمة الحمصي عن بلال بن رباح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له غداة جمع: " يا بلال أسكت الناس، أو أنصت الناس ". ثم قال: فذكره. قال البوصيري في " الزوائد " (207 / 2 - مصورة المكتب) : " هذا إسناد ضعيف، أبو سلمة هذا لا يعرف اسمه، وهو مجهول ". قلت: لكن الحديث صحيح عندي، فإن له شواهد من حديث أنس بن مالك وعبادة بن الصامت وعباس بن مرداس. أما حديث أنس فيرويه صالح المري عن يزيد الرقاشي عنه مرفوعا به أتم منه.

1625

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1015) . وصالح المري ويزيد الرقاشي ضعيفان، واقتصر الهيثمي في " المجمع " (3 / 257) على إعلاله بالمري فقط! لكن رواه ابن المبارك عن سفيان الثوري عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك به نحوه. هكذا ساق إسناده في " الترغيب " (2 / 128) ، وهو إسناد صحيح لا علة فيه، وقد أشار إلى ذلك عبد الحق الإشبيلي في كتابه " الأحكام " (رقم 71 - بتحقيقي) بسكوته عليه، وفيه: " إن الله غفر لأهل عرفات وأهل المشعر. .. ". وانظر " صحيح الترغيب " (1143) . والحديثان الآخران مخرجان في " الترغيب "، وإسنادهما وإن كان ضعيفا، فلا بأس به في الشواهد. وللحديث شاهد آخر رواه البغوي عن عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد عن أبيه عن جده. ذكره السيوطي في " الجامع الكبير " (1 / 143 / 2) . 1625 - " إن الله تعالى جعل الدنيا كلها قليلا، وما بقي منها إلا القليل من القليل، ومثل ما بقي من الدنيا كالثغب - يعني الغدير - شرب صفوه، وبقي كدره ". أخرجه الحاكم (4 / 320) من طريق الفضل بن محمد الشعراني حدثنا عبيد الله بن محمد العبسي حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو حسن فقط لأن عاصما وهو ابن أبي النجود في حفظه بعض الضعف.

1626

والفضل بن محمد الشعراني، قد تكلم فيه بعضهم بغير حجة، وهو ثقة كما قال الذهبي في " الميزان "، وقد توبع فأخرجه الديلمي (1 / 2 / 226) من طريق السلمي بسنده عن أبي الأحوص حدثنا أبو سلمة عن حماد بن سلمة به. والحديث أخرجه البخاري (2 / 239) من طريق منصور عن أبي وائل به الشطر الآخر منه لكنه أوقفه على ابن مسعود. 1626 - " إن الله جميل يحب الجمال، إن الكبر من سفه الحق وغمص الناس ". رواه أحمد (4 / 133 - 134 و 134) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 34 / 1 - 2) وكذا رواه ابن عساكر (14 / 271 / 2) والخطابي في " الغريب " (97 / 1) عن سعيد بن مرثد عن عبد الرحمن بن حوشب عن ثوبان بن شهر الأشعري قال: سمعت كريب بن أبرهة يقول: سمعت أبا ريحانة يقول، فذكره مرفوعا: " لا يدخل شيء من الكبر الجنة " فقال قائل: يا نبي الله إني أحب أن أتجمل: بجلاز سوطي وشسع نعلي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " إن ذلك ليس من الكبر، إن الله جميل.. ". قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه من لا يعرف منهم سعيد ويقال: سعد بن مرثد، ترجمه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 63) فقال: " أدرك صفين. روى عن عبد الرحمن بن حوشب. روى عنه حريز بن عثمان ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن قال أبو داود : " شيوخ حريز كلهم ثقات "، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وكذلك ذكر فيهم من فوق سعيد هذا وأشهرهم كريب بن أبرهة. وقد وثقه العجلي أيضا. والحديث صحيح على كل حال لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود

وعبد الله بن عمرو وعقبة بن عامر وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة. 1 - أما حديث ابن مسعود فيرويه إبراهيم النخعي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به نحوه. أخرجه مسلم (1 / 65) وأبو داود (4091) ببعضه والترمذي ( 1 / 360) وقال: " حديث حسن صحيح ". وأخرجه الحاكم (4 / 181) لكنه لم يسقه بطوله. ثم أخرجه من طريق أبي يحيى بن جعدة عن ابن مسعود به وقال: " صحيح الإسناد، وقد احتجا برواته ". ووافقه الذهبي. وأخرجه أحمد (1 / 385 و 427) والحاكم أيضا (4 / 182) من طريق حميد بن عبد الرحمن عن ابن مسعود به دون قوله: " إن الله جميل يحب الجمال ". 2 - وأما حديث ابن عمرو فيرويه زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه به مثل رواية حميد بن عبد الرحمن. أخرجه أحمد (2 / 169 - 170) والحاكم (1 / 26) مختصرا وفيه عنده الزيادة: " إن الله جميل يحب الجمال "، وقال: " على شرط مسلم " وهو كما قال. 3 - وأما حديث عقبة فيرويه شهر بن حوشب قال: سمعت رجلا يحدث عن عقبة به. أخرجه أحمد (4 / 151) . وشهر ضعيف، وشيخه لم يسم. 4 - وأما حديث ابن عمر فيرويه موسى بن عيسى القرشي أخبرنا عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

" من سحب ثيابه لم ينظر الله إليه يوم القيامة "، فقال أبو ريحانة، لقد أمرضنا ما حدثتنا، إني أحب الجمال حتى أجعله في نعلي، وعلاقة سوطي، أفمن الكبر ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لكن الكبر من سفه الحق، وغمص الناس أعمالهم ". رواه ابن عساكر (17 / 200 / 1) في ترجمة القرشي هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعطاء وهو ابن مسلم الخراساني قال الحافظ: " صدوق يهم كثيرا ويرسل ويدلس ". قلت: لكن حديثه صحيح لأن طرفيه يشهد له ما تقدم، وأما وسطه فقد جاء من حديث والد أبي الأحوص وابن عمرو وهو مخرج في " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام " (رقم 76) و " المشكاة " (4350) . 5 - وأما حديث جابر فيرويه محمد بن صالح المديني عن محمد بن المنكدر أنه سمعه يقول: حدثنا جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعا بلفظ: " إن الله جميل يحب الجمال ويحب معالي الأمور ويكره سفسافها ". أخرجه ابن عساكر (11 / 50 / 2) . قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد فإن محمد بن صالح المديني قال الحافظ : " صدوق يخطىء ". ولشطره الأول ما تقدم من الشواهد، وأما الشطر الآخر فله شواهد أخرى يأتي تخريجها عقب هذا إن شاء الله تعالى.

1627

6 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه هشام بن حسان عن محمد عن أبي هريرة. أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم وكان رجلا جميلا، فقال يا رسول الله إني رجل حبب إلي الجمال، وأعطيت منه ما ترى حتى ما أحب أن يفوقني أحد، إما قال: بشراك نعلي، وإما قال: بشسع نعلي، أفمن الكبر ذلك؟ قال: " لا ولكن الكبر من بطر الحق وغمط الناس ". أخرجه أبو داود (4092) والحاكم (4 / 181 - 182 ) وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. (جلاز سوطي) الجلاز: كل شيء يلوى على شيء، واحدته: جلاوزة. (علاقة سوطي) العلاقة: ما يعلق به السيف ونحوه. 1627 - " إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها ويكره سفسافها ". رواه الطبراني رقم (2894) وابن عدي (114 / 1) والقضاعي (89 / 2) عن خالد بن إلياس عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان عن فاطمة بنت الحسين عن حسين بن علي مرفوعا. ورواه الخطيب البغدادي في " تلخيص المتشابه في الرسم " (8 / 1) من هذا الوجه. قلت: وخالد بن إلياس ضعيف. لكن له شاهد، فقال الماليني في " الأربعين الصوفية " (10 / 1) : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن صالح أخبرنا محمد ابن زهير أنبأنا محمد بن الخطاب أنبأنا أحمد بن يونس أنبأنا الفضيل بن عياض عن محمد بن ثور عن معمر عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا به. قلت: ورجاله ثقات غير هؤلاء المحمدين الذين هم على نسق واحد فلم أجد لهم ترجمة غير محمد بن الخطاب، فأورده الخطيب في " التاريخ " (5 / 252) وروى عن ابن قانع

أن وفاته كانت سنة (284) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن قد تابعه إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد الختلي وإبراهيم بن عبد الرزاق الضرير قالا: أنبأنا أحمد بن عبد الله بن يونس به. أخرجه ابن عساكر (2 / 226 / 1) عن أبي بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل السامري عنهما. وأبو بكر هذا هو الخرائطي صاحب كتاب " مكارم الأخلاق ومعاليها " وقد أخرجه فيه (ص 2 - 3) بهذا الإسناد. وأخرجه البيهقي في " الأسماء " (ص 53) من طريق أخرى عن ابن يونس به. قلت: فهو إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مترجمون في " التهذيب " غير شيخي الخرائطي وهما ثقتان أيضا (ص 55) من طريق أبي معاوية الضرير عن الحجاج بن أرطاة عن سليمان بن سحيم عن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وزاد في أوله: " إن الله جواد يحب الجود ويحب معالي ... ". وأخرجه الهيثم بن كليب في " المسند " (7 / 1) من هذا الوجه، وكذا أبو عبيدة في " فضائل القرآن " (ق 11 / 2) . وهذا مرسل ضعيف، عبيد الله بن كريز هذا تابعي ثقة، ولم يقع للهيثم منسوبا لكريز فظنه طلحة بن عبد الله التيمي الصحابي فأورده في " مسنده "! ووافقه السيوطي في " الجامع " فلم يذكر أنه مرسل على خلاف عادته في مثله.

1628

والحجاج بن أرطأة مدلس وقد عنعنه، وقد رواه عنه نوح بن أبي مريم موصولا فقال: عنه عن طلحة بن مصرف عن كريب عن ابن عباس مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 29) . وهذا من أوهام نوح أو وضعه، فإنه كذاب. وقوله: " إن الله جواد يحب الجود ". روي من حديث سعد أيضا وغيره، وهو مخرج في " حجاب المرأة المسلمة " (101) . 1628 - " إنما أنا مبلغ والله يهدي وقاسم والله يعطي، فمن بلغه مني شيء بحسن رغبة وحسن هدى، فإن ذلك الذي يبارك له فيه ومن بلغه عني شيء بسوء رغبة وسوء هدى، فذاك الذي يأكل ولا يشبع ". أخرجه أحمد (4 / 101 - 102) : حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا صفوان قال: حدثنا أبو الزاهرية عن معاوية بن أبي سفيان مرفوعا. وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وتابعه عبد القدوس أخبرنا صفوان به. أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 10) . وعزاه السيوطي للطبراني في " الكبير " عن معاوية نحوه دون قوله: " فمن بلغه.... " وقال شارحه المناوي: " قال الهيثمي رواه بإسنادين أحدهما حسن ". قلت: أخرجه البخاري في " التاريخ " من طريق صفوان أيضا وفضيل بن فضالة عن أبي هزان عطية بن رافع عن معاوية مرفوعا بلفظ: " إنما أنا مبلغ والله يهدي وإنما أنا قاسم والله يعطي ".

1629

أورده البخاري في ترجمة عطية هذا. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع ابن أبي حاتم (3 / 1 / 382) وذكر أنه روى عنه ثلاثة من الثقات. وهو في " ثقات ابن حبان " (3 / 204) . والجملة الثانية منه في " الصحيحين " غيرهما من حديث أبي هريرة. وأخرجه الحاكم (2 / 604) من طريق ابن عجلان عن أبيه عنه مرفوعا بلفظ: " أنا أبو القاسم، الله يعطي، وأنا أقسم ". وقال: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي. وإنما هو حسن فقط لأن محمد بن عجلان لم يحتج به مسلم، وإنما روى له متابعة أو مقرونا. نعم هو صحيح باعتبار ما قبله من الطرق. 1629 - " إن الله حين خلق الخلق كتب بيده على نفسه: إن رحمتي تغلب غضبي ". أخرجه الترمذي (2 / 271) واللفظ له وأحمد (2 / 433) وابن ماجة (4295) من طريق ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره وقال: " هذا حديث حسن صحيح غريب ". قال: وسنده حسن، والحديث صحيح، فإن له طرقا أخرى كثيرة في " الصحيحين " و" المسند " (2 / 242 و 257 و 259 و 313 و 358 و 381 و 397 و 466) عن أبي هريرة رضي الله عنه نحوه، وراجع بعضها في " ظلال الجنة في تخريج السنة " (808 - 809) .

1630

1630 - " إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض ، جاء منهم الأحمر والأبيض والأسود، وبين ذلك، والسهل والحزن، والخبيث والطيب ". رواه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 5 - 6) : أخبرنا هوذة بن خليفة أخبرنا عوف عن قسامة قال: سمعت أبا موسى الأشعري مرفوعا به. قلت: هذا سند صحيح رجاله رجال مسلم غير هوذة، وهو ثقة، وعنه رواه الواحدي في " الوسيط " (1 / 14 / 1 - 2) وابن عساكر (2 / 307 / 2) من طرق عنه وكذا رواه أبو الفرج الثقفي في " الفوائد " (97 / 1) وصححه وابن حبان ( 2083 و 2084) وأحمد (4 / 406) وغيرهم كأبي داود والترمذي وقال: " حسن صحيح ". قلت: وقد توبع هوذة بن خليفة، فأخرجه الطبري أيضا في " التفسير " (1 / 481 / 645) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (327 و 385) وابن خزيمة في " التوحيد " (44) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 104 و 8 / 135) من طرق عن عوف الأعرابي به. 1631 - " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه، والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل ". أخرجه أحمد (6 / 387) : حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل قد أنزل في الشعر ما أنزل، فقال: فذكره. وهذا صحيح على شرط الشيخين.

1632

وفي رواية لأحمد (3 / 456) وابن عساكر (14 / 290 / 1) من طريق شعيب عن الزهري قال: حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك. أن كعب بن مالك حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت وكيف ترى فيه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ". وهذا سند صحيح أيضا على شرطهما. والظاهر أن الزهري له فيه شيخين أحدهما: عبد الرحمن بن كعب بن مالك كما رواه معمر عنه، والآخر عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك كما في رواية شعيب هذه عنه. وتابعه محمد بن عبد الله بن أخي الزهري عنه بلفظ: " اهجوا بالشعر ... "، وقد مضى برقم (802) . 1632 - " إن المؤمن بكل خير، على كل حال، إن نفسه تخرج من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل ". أخرجه أحمد (1 / 273 - 274) : حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: " أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بنتا له تقضي، فاحتضنها فوضعها بن ثدييه، فماتت وهو بين ثدييه، فصاحت أم أيمن، فقيل: أتبكي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ! قالت: ألست أراك تبكي يا رسول الله؟ قال: لست أبكي، إنما هي رحمة، إن المؤمن..... ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، فإن عطاء بن السائب وإن كان قد اختلط، فإن سفيانا - وهو الثوري - سمع منه قبل الاختلاط، وكأنه لهذا أخرج

1633

الحديث الضياء المقدسي في " المختارة " (65 / 66 / 1) من طريق أحمد هذه. ومن طريق أخرى عنده (1 / 297) ، ورواه النسائي (1 / 261) والبزار (808 ) من طرق أخرى عن عطاء به. وله شاهد يرويه عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رفعه: " إن المؤمن عند الله بمنزلة كل خير، يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه ". أخرجه أحمد (2 / 361) وكذا البزار في " مسنده " (رقم - 781) وقال الهيثمي: " إسناد حسن ". وهو كما قال. ولفظ أحمد: " قال الله عز وجل: إن المؤمن عندي بمنزلة ... ". وفي رواية له (2 / 341) : " إن الله عز وجل يقول: إن عبدي المؤمن عندي بمنزلة.... ". 1633 - " إن الله خلق الداء والدواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام ". رواه الدولابي (2 / 38) عن علي بن عياش قال: حدثنا ثعلبة بن مسلم عن أبي عمران سليمان بن عبد الله عن أبي الدرداء مرفوعا. قلت: كذا وقع في الأصل والظاهر أن في الإسناد سقطا، فإن بين ثعلبة وعلي بن عياش إسماعيل بن عياش كما في " التهذيب ".

وهذا إسناد حسن ورجاله ثقات معروفون غير ثعلبة هذا، ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جمع، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف. والحديث ذكره الهيثمي (5 / 86) من رواية الطبراني وقال: " ورجاله ثقات ". وله شاهد من حديث أم سلمة أنها انتبذت، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والنبيذ يهدر، فقال: " ما هذا؟ "، قلت: فلانة اشتكت فوصف لها، قالت: فدفعه برجله فكسره وقال: " إن الله لم يجعل في حرام شفاء ". أخرجه أحمد في " الأشربة " (ق 19 / 1) وابن أبي الدنيا في " ذم المسكر " (5 / 1) وأبو يعلى في " مسنده " (4 / 1658) وعنه ابن حبان (1397) من طرق عن أبي إسحاق الشيباني عن حسان بن مخارق عنها. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون غير حسان بن مخارق، فهو مستور لم يوثقه أحد غير ابن حبان. ويشهد له أيضا حديث " نهى عن الدواء الخبيث ". وهو مخرج في " المشكاة " (4539) . وأخرج أحمد أيضا (ق 16 / 1 - 2) والطبراني في " الكبير " (9714 - 9717) عن ابن مسعود موقوفا عليه: " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ". وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (10 / 65 - فتح) وصححه الحافظ ابن حجر.

1634

وأخرج الطبراني (8910) عن أبي الأحوص أن رجلا أتى عبد الله فقال: إن أخي مريض اشتكى بطنه، وأنه نعت له الخمر أفأسقيه؟ قال عبد الله: سبحان الله! ما جعل الله شفاء في رجس، إنما الشفاء في شيئين: العسل شفاء للناس، والقرآن شفاء لما في الصدور. قلت: وإسناده صحيح أيضا. 1634 - " إن لله مائة رحمة قسم رحمة (واحدة) بين أهل الدنيا وسعتهم إلى آجالهم وأخر تسعا وتسعين رحمة لأوليائه وإن الله قابض تلك الرحمة التي قسمها بين أهل الدنيا إلى التسع والتسعين، فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة ". أخرجه أحمد (2 / 514) : حدثنا روح ومحمد بن جعفر قالا: حدثنا عوف عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه. قال محمد في حديثه: وحدثني بهذا الحديث محمد بن سيرين وخلاس كلاهما عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. حدثنا روح حدثنا عوف عن خلاس بن عمرو عن أبي هريرة مثله. حدثنا روح حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة مثله. قلت: وهذه أسانيد صحيحة موصولة عن أبي هريرة، إلا الأول، فهو مرسل صحيح الإسناد. وقد أخرجه الحاكم (4 / 248) من طريق بكار بن محمد السيريني عن عوف ابن أبي جميلة عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به واللفظ له وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: بكار ذاهب الحديث. قاله أبو زرعة ".

قلت: قد تابعه روح ومحمد بن جعفر كما رأيت، فالحديث صحيح على شرطهما من طريقهما. والحديث أخرجه البخاري (4 / 223 - 224) ومسلم (8 / 96 و 97) والترمذي (2 / 270) والدارمي (2 / 321) وابن ماجة (4293) وأحمد (3 / 55 - 56) من طرق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. وأخرجه الخطيب في " التاريخ " (8 / 324) من طريق آخر عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وعنده زيادة بلفظ: " لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في الجنة أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من الجنة أحد ". وهي عند مسلم أيضا (8 / 97) وفصلاها عن الحديث والطريق عندهما واحدة، خلافا للبخاري. وقصر السيوطي فعزاها للترمذي وحده، ولما تعقبه المناوي بإخراج الشيخين لها زعم أن اللفظ لمسلم فوهم، فإن لفظه للترمذي، ولفظ مسلم يختلف عنه قليلا، وأخرجها ابن حبان أيضا (2523) ، وهي عند البخاري نحوه. وأخرجه مسلم والحاكم (4 / 247 - 248) وأحمد (5 / 439) من حديث سلمان نحوه. وأحمد ( 3 / 55) وابن ماجة (4294) من حديث أبي سعيد الخدري. والطبراني في " الكبير " (3 / 145 / 1) من حديث ابن عباس مرفوعا مختصرا نحوه وإسناده ضعيف . وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 214) : " رواه الطبراني والبزار وإسناده حسن ".

1635

قلت: إن كان يعني إسناد البزار فمحتمل، وإلا فإسناد الطبراني ضعيف، وهو في " زوائد البزار " (ص 314 - 315) لكن بيض في النسخة لإسنادها. والطبراني عن معاوية بن حيدة، قال الهيثمي: " وفيه مخيس بن تميم وهو مجهول ". قلت: ومن طريقه ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 219 - 220) وقال عن أبيه: " موضوع. يعني بهذا الإسناد ". قلت: يغني عنه حديث الترجمة، ومن أجله خرجته كي لا يغتر به من لا علم عنده. 1635 - " إن الله رضي لهذه الأمة اليسر وكره لهم العسر، (قالها ثلاث مرات) وإن هذا أخذ بالعسر وترك اليسر ". رواه الواحدي في " الوسيط " (1 / 66 / 1) عن أبي يونس سعد بن يونس عن حماد عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن محجن بن الأدرع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه أن رجلا في المسجد يطيل الصلاة، فأتاه فأخذ بمنكبه ثم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي يونس هذا فلم أعرفه. لكن عزاه السيوطي للطبراني في " الكبير " فقال المناوي: " قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح ". فالظاهر من هذا أنه عند الطبراني من غير طريق أبي يونس المذكور. وقد أخرجه أحمد (5 / 32) من طريق أخرى عن حماد به نحوه. وعن كهمس قال: سمعت

1636

عبد الله بن شقيق قال محجن بن الأدرع ... فذكره نحوه بلفظ: " إنكم أمة أريد بكم اليسر ". وهذا إسناد صحيح. وخالفهما أبو بشر فقال: عن عبد الله ابن شقيق عن رجاء بن أبي رجاء الباهلي عن محجن به نحوه بلفظ: " إن خير دينكم أيسره ". قاله ثلاثا. أخرجه الطيالسي (1296) والبخاري في " الأدب المفرد " (341) وأحمد (4 / 338 و 5 / 32) . قلت: ورجاء هذا لا يعرف إلا في هذا الإسناد، ولم يوثقه غير العجلي وابن حبان. وكأنه غير محفوظ. فإنه لم يذكر في رواية حماد وكهمس كما تقدم. والله أعلم. وله شاهد من حديث أنس مرفوعا به وزاد: " وخير العبادة الفقه ". أخرجه ابن عبد البر في " الجامع " (1 / 21) من طريق أبي سفيان السروجي عبد الرحيم بن مطرف ابن عم وكيع قال: حدثنا أبو عبد الله العذري عن يونس بن يزيد عن الزهري عنه. قال أبو سفيان: ويكره الحديث عن العذري. قلت: يشير إلى ضعفه. وقد أورده في " الميزان " لهذا الخبر، وقال: إنه منكر. ومن طريقه أخرجه الديلمي (2 / 115) دون الشطر الأول. 1636 - " إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ".

رواه النسائي في " عشرة النساء " (2 / 89 / 2) : أخبرني إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن أنس مرفوعا. وبهذا الإسناد عن قتادة عن الحسن مثله. قلت: ورجال الإسنادين ثقات لكن الثاني مرسل، والأول مسند فهو صحيح إن كان قتادة سمعه من أنس فإنه مذكور بشيء من التدليس. والله أعلم. ومن الوجه الأول رواه الضياء في " المختارة " (185 / 2) ثم ذكر الرواية الأخرى المرسلة ثم قال: " قال الدارقطني: والصحيح عن هشام عن قتادة عن الحسن مرسلا ". قلت: وأخرجه ابن حبان في صحيحه (1562) وابن عدي في " الكامل " (13 / 1) من طريق إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه ثم قال: " وهو حديث يتفرد به إسحاق ابن راهويه ". قلت: هو إمام ثقة حافظ فلا يضر تفرده. ويشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... " الحديث، وهو مخرج في " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام " (268) . وروى عبد الرزاق في " المصنف " (20650 ) وعنه الطبراني في " المعجم الكبير " (8855) عن قتادة أن ابن مسعود قال: " إن الله عز وجل سائل كل ذي رعية فيما استرعاه، أقام أمر الله فيهم أم أضاعه ؟ حتى إن الرجل ليسأل عن أهل بيته ". وهو موقوف منقطع لأن قتادة لم يسمع من ابن مسعود كما قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 208) .

1637

1637 - " إن الله يصنع كل صانع وصنعته ". أخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 73) وابن أبي عاصم في " السنة " (357 و 358) وابن منده في " التوحيد " (ق 39 / 2) وابن عدي (263 / 2) والحاكم (1 / 31) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 26 و 388) وكذا المحاملي في " الأمالي " (ج 6 رقم 13) والديلمي (1 / 2 / 228) من طرق عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. قلت: ولفظه عند ابن منده والحاكم والديلمي: " خالق " مكان " يصنع ". وزاد البخاري في آخر الحديث: " وتلا بعضهم عند ذلك: * (والله خلقكم وما تعملون) * ". والظاهر أنها مدرجة، وقال البخاري عقبه: " فأخبر أن الصناعات وأهلها مخلوقة ". ثم رواه من طريق الأعمش عن شقيق عن حذيفة رضي الله عنه: " إن الله خلق كل صانع وصنعته، إن الله خلق صانع الخزم وصنعته ". (الخزم) بالتحريك شجر يتخذ من لحائه الحبال. 1638 - " لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم. إنه لا ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد إلا أن يقيمه، إن الله عفو يحب العفو، * (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم، والله غفور رحيم) * ".

1639

أخرجه أحمد (1 / 438) والحاكم (4 / 382 - 383) والبيهقي (8 / 331) من طريق يحيى الجابر سمعت أبا ماجدة يقول: " كنت قاعدا مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال: إني لأذكر أول رجل قطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتى بسارق فأمر بقطعه، فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا : يا رسول الله كأنك كرهت قطعه؟ قال: وما يمنعني؟ ! لا تكونوا ... الخ وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وسكت عنه الذهبي وما يحسن ذلك منه، فإذا أورد أبا ماجدة هذا في " الميزان " وقال: " لا يعرف، وقال النسائي: منكر الحديث، وقال البخاري: ضعيف ". لكن الحديث عندي حسن، فإن جله قد ثبت مفرقا في أحاديث، فقوله: " لا تكونوا أعوانا للشيطان على أخيكم "، أخرجه البخاري عن أبي هريرة. انظر " المشكاة " (2621) . وقوله: " إنه لا ينبغي ... "، يشهد له حديث ابن عمرو " تعافوا الحدود بينكم ... " وهو مخرج في " المشكاة " (3568) . وحديث العفو، ويشهد له حديث عائشة " قولي اللهم إنك عفو تحب العفو ... ". وهو في المشكاة (2091) . وذكر له السيوطي شاهدا آخر من رواية ابن عدي عن عبد الله بن جعفر. 1639 - " إن الله عز وجل قال: إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون إليه ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون إليهما ثالث، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ثم يتوب الله على من تاب ".

1640

أخرجه أحمد (5 / 218 - 219) والطبراني في " الكبير " (3300 و 3301) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي واقد الليثي قال: " كنا نأتي النبي صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه، فيحدثنا، فقال لنا ذات يوم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم، وفي هشام بن سعد كلام لا يضر، وقد تابعه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن زيد بن أسلم به. أخرجه الطبراني ( 3302) . لكن ابن مجبر هذا متروك كما قال النسائي وغيره، فلا يفرح بمتابعته. وخالفهما ربيعة بن عثمان فقال: عن زيد بن أسلم عن أبي مراوح عن أبي واقد الليثي به. فذكر أبا مراوح بدل عطاء. أخرجه الطبراني (3303) وابن منده في " المعرفة " (2 / 264 / 1) . وربيعة هذا حاله كحال هشام، فإن كان كل منهما قد حفظ، فيكون لعطاء بن يسار في هذا الحديث شيخان، وكلاهما ثقة. والله أعلم. وللحديث شواهد كثيرة معروفة فهو حديث صحيح، فراجع " فتح الباري " (11 / 253 - 258 - طبع الخطيب) . 1640 - إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي عليها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته ".

أخرجه البخاري (4 / 231) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 4) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 142 / 2) وأبو القاسم المهرواني في " الفوائد المنتخبة الصحاح " (2 / 3 / 1) وابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (171 / 1) وصححه ثلاثتهم، ورزق الله الحنبلي في " أحاديث من مسموعاته " (1 / 2 - 2 / 1) ويوسف بن الحسن النابلسي في " الأحاديث الستة العراقية " (ق 26 / 1) والبيهقي في " الزهد " (ق 83 / 2) وفي " الأسماء والصفات " ص (491) من طريق خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وهو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على البخاري رحمه الله تعالى، فقال الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد هذا وهو القطواني بعد أن ذكر اختلاف العلماء في توثيقه وتضعيفه وساق له أحاديث تفرد بها هذا منها: " فهذا حديث غريب جدا، ولولا هيبة " الجامع الصحيح " (!) لعددته في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك ، وليس بالحافظ، ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد. ولا أخرجه من عدا البخاري، ولا أظنه في " مسند أحمد " وقد اختلف في عطاء، فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار ". ونقل كلامه هذا بشيء من الاختصار الحافظ في " الفتح " (11 / 292 - 293) ، ثم قال: " قلت: ليس هو في " مسند أحمد جزما، وإطلاق أنه لم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد مردود، ومع ذلك فشريك شيخ شيخ خالد - فيه مقال أيضا. وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص، وقدم وأخر وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها ولكن للحديث طرق أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا. 1 - منها عن عائشة أخرجه أحمد في " المسند " (6 / 256) وفي " الزهد " وابن أبي الدنيا وأبو نعيم في " الحلية " والبيهقي في " الزهد " من طريق عبد الواحد بن ميمون عن

عروة عنها. وذكر ابن حبان وابن عدي أنه تفرد به. وقد قال البخاري: إنه منكر الحديث. لكن أخرجه الطبراني من طريق يعقوب بن مجاهد عن عروة وقال: " لم يروه عن عروة إلا يعقوب وعبد الواحد ". 2 - ومنها عن أبي أمامة. أخرجه الطبراني والبيهقي في " الزهد " بسند ضعيف. 3 - ومنها عن علي عند الإسماعيلي في " مسند علي ". 4 - وعن ابن عباس. أخرجه الطبراني وسندهما ضعيف. 5 - وعن أنس أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني. وفي سنده ضعف أيضا. 6 - وعن حذيفة. أخرجه الطبراني مختصرا. وسنده حسن غريب. 7 - وعن معاذ بن جبل. أخرجه ابن ماجة وأبو نعيم في " الحلية " مختصرا وسنده ضعيف أيضا. 8 - وعن وهب بن منبه مقطوعا. أخرجه أحمد في " الزهد " وأبو نعيم في " الحلية "، فيه تعقب على ابن حبان حيث قال بعد إخراج حديث أبي هريرة: " لا يعرف لهذا الحديث إلا طريقان - يعني غير حديث الباب - وهما هشام الكناني عن أنس، وعبد الواحد بن ميمون عن عروة عن عائشة، وكلاهما لا يصح ". هذا كله كلام الحافظ. وقد أطال النفس فيه، وحق له ذلك، فإن حديثا يخرجه الإمام البخاري في " المسند الصحيح " ليس من السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده، لاحتمال أن يكون له شواهد تأخذ بعضده وتقويه.. فهل هذا الحديث كذلك؟ لقد ساق الحافظ هذه الشواهد الثمان، وجزم بأنه يدل مجموعها على أن له أصلا. ولما كان من شروط الشواهد أن لا يشتد ضعفها وإلا لم يتقو الحديث بها كما قرره العلماء في " علم مصطلح الحديث "، وكان من الواجب أيضا أن تكون شهادتها كاملة،

وإلا كانت قاصرة، لذلك كله كان لابد لي من إمعان النظر في هذه الشواهد أو ما أمكن منها من الناحيتين اللتين أشرت إليهما: قوة الشهادة وكمالها أو العكس، وتحرير القول في ذلك، فأقول: 1 - ذكر الحافظ لحديث عائشة طريقين أشار إلى أن أحدهما ضعيف جدا. لأن من قال فيه البخاري: منكر الحديث. فهو عنده في أدنى درجات الضعف. كما هو معلوم، وسكت عن الطريق الأخرى فوجب بيان حالها، ونص متنها، فأقول: أخرجه الطبراني في " الأوسط " (15 / 16 - زوائده) : حدثنا هارون بن كامل حدثنا سعيد بن أبي مريم حدثنا إبراهيم بن سويد المدني حدثني أبو حزرة يعقوب بن مجاهد أخبرني عروة ابن الزبير عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه مثله إلا أنه قال: " إن دعاني أجبته " بدل " إن استعاذني لأعيذنه " وقال: " لم يروه عن أبي حزرة إلا إبراهيم. ولا عن عروة إلا أبو حزرة وعبد الواحد بن ميمون ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون مترجمون في " التهذيب " غير هارون ابن كامل وهو المصري كما في " معجم الطبراني الصغير " ص (232) ولم أجد له ترجمة، فلولاه لكان الإسناد جيدا. لكن الظاهر من كلام الطبراني السابق أنه لم يتفرد به. فإن ذكر التفرد لإبراهيم شيخ شيخه. والحديث أورده الهيثمي (10 / 269) بطرفه الأول ثم قال: " رواه البزار واللفظ له وأحمد والطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الواحد بن قيس وقد وثقه غير واحد. وضعفه غيرهم. وبقية رجال أحمد رجال الصحيح. ورجال الطبراني في " الأوسط " رجال " الصحيح " غير شيخه هارون بن كامل "! قلت: يعقوب بن مجاهد وإبراهيم بن سويد ليسا من رجال " الصحيح " وإنما أخرج لهما البخاري في " الأدب المفرد ".

ثم إن قوله: " وفيه عبد الواحد بن قيس " يخالف قول الحافظ المتقدم أنه عبد الواحد بن ميمون. ولا أدري هل منشؤه من اختلاف الاجتهاد في تحديد المراد من عبد الواحد الذي لم ينسب فيما وقفت عليه من المصادر، أم أنه وقع منسوبا عند البزار؟ فقد رأيت الحديث في " المسند " (6 / 256) و " الحلية " (1 / 5) و " الزهد " للبيهقي (83 / 2) من طرق عن عبد الواحد مولى عروة عن عروة به. ثم تبين لي أن الاختلاف سببه اختلاف الاجتهاد. وذلك لأن كلا من عبد الواحد بن ميمون، وعبد الواحد بن قيس روى عن عروة. فمال كل من الحافظين إلى ما مال إليه. لكن الراجح ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر لأن الذين رووه عن عبد الواحد لم يذكروا في الرواة عن ابن قيس وإنما عن ابن ميمون. وفي ترجمته ذكر ابن عدي (305 / 1) هذا الحديث وكذلك صنع الذهبي في " الميزان " والحافظ في " اللسان "، فقول الهيثمي أنه قيس مردود، ولو كان هو صاحب هذا الحديث لكان شاهدا لا بأس به. فإنه أحسن حالا من ابن ميمون. فقد قال الحافظ فيه: " صدوق له أوهام ومراسيل ". وأما الأول فمتروك. ثم رأيت ما يشهد لما رجحته. فقد أخرجه أبو نعيم في " الأربعين الصوفية " (ق 60 / 1) وأبو سعيد النيسابوري في " الأربعين " (ق 52 / 1 - 2) وقال: " حديث غريب ... وقد صح معنى هذا الحديث من حديث عطاء عن أبي هريرة "، وابن النجار في " الذيل " (10 / 183 / 2) عن عبد الواحد بن ميمون عن عروة به فنسبه إلى ميمون . وجملة القول في حديث عائشة هذا أنه لا بأس به في الشواهد من الطريق الأخرى إن لم يكن لذاته حسنا.

2 - ثم ذكر حديث أبي أمامة وضعفه، وهو عند البيهقي من طريق ابن زحر عن علي ابن يزيد عن القاسم عنه. وكذلك رواه السلمي في " الأربعين الصوفية " (9 / 1 ) . وهذا الإسناد يضعفه ابن حبان جدا، ويقول في مثله إنه من وضع أحد هؤلاء الثلاثة الذين دون أبي أمامة. لكن أخرجه أبو نعيم في " الطب " (ق 11 / 1 - نسخة الشيخ السفرجلاني) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد به نحوه . وعثمان هذا قال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني ". 3 - حديث علي لم أقف الآن على إسناده. 4 - وأما حديث ابن عباس، فقد ضعفه الحافظ كما تقدم، وبين علته الهيثمي فقال : (10 / 270) : " رواه الطبراني: وفيه جماعة لم أعرفهم ". قلت: وإسناده أسوأ من ذلك، وفي متنه زيادة منكرة ولذلك أوردته في " الضعيفة " (5396) . 5 - وأما حديث أنس فلم يعزه الهيثمي إلا للطبراني في " الأوسط " مختصرا جدا بلفظ: " ... من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ". وقال: " وفيه عمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي وهو ضعيف ". وقد وجدته من طريق أخرى أتم منه، يرويه الحسن بن يحيى قال: حدثنا صدقة ابن عبد الله عن هشام الكناني عن أنس به نحو حديث الترجمة، وزاد: " وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة، فأكفه عنه لئلا يدخله

عجب فيفسده ذلك. وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ... " الحديث. أخرجه محمد بن سليمان الربعي في " جزء من حديثه " (ق 216 / 2) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 121) . قلت: وإسناده ضعيف، مسلسل بالعلل: الأولى: هشام الكناني لم أعرفه، وقد ذكره ابن حبان في كلامه الذي سبق نقله عنه بواسطة الحافظ ابن حجر، فالمفروض أن يورده ابن حبان في " ثقات التابعين " ولكنه لم يفعل، وإنما ذكر فيهم هشام بن زيد بن أنس البصري يروي عن أنس، وهو من رجال الشيخين، فلعله هو. الثانية: صدقة بن عبد الله، وهو أبو معاوية السمين - ضعيف. الثالثة: الحسن بن يحيى وهو الخشني، وهو صدوق كثير الغلط كما في " التقريب ". 6 - وحديث حذيفة لم أقف على سنده أيضا، ولم أره في " مجمع الهيثمي ". 7 - وحديث معاذ مع ضعف إسناده فهو شاهد مختصر ليس فيه إلا قوله: " من عادى وليا فقد بارز الله بالمحاربة ". وهو مخرج في " الضعيفة " (1850) . وحديث وهب بن منبه أخرجه أبو نعيم (4 / 32) من طريق إبراهيم بن الحكم حدثني أبي حدثني وهب بن منبه قال: " إني لأجد في بعض كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام : إن الله تعالى يقول: ما ترددت عن شيء قط ترددي عن قبض روح المؤمن، يكره الموت، وأكره مساءته ولابد له منه ".

قلت: وإبراهيم هذا ضعيف، ولو صح عن وهب فلا يصلح للشهادة، لأنه صريح في كونه من الإسرائيليات التي أمرنا بأن لا نصدق بها، ولا نكذبها. ونحوه ما روى أبو الفضل المقري الرازي في " أحاديث في ذم الكلام " (204 / 1) عن محمد ابن كثير الصنعاني عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: " قال الله ... " فذكر الحديث بنحوه معضلا موقوفا. ولقد فات الحافظ رحمه الله تعالى حديث ميمونة مرفوعا به بتمامه مثل حديث الطبراني عن عائشة. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 334 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (13 / 1 رقم 15) عن يوسف بن خالد السمتي حدثنا عمر بن إسحاق أنه سمع عطاء بن يسار يحدث عنها. لكن هذا إسناد ضعيف جدا لأن السمتي هذا قال الحافظ: " تركوه، وكذبه ابن معين ". فلا يصلح للشهادة أصلا. وقد قال الهيثمي: " رواه أبو يعلى وفيه يوسف بن خالد السمتي وهو كذاب ". وخلاصة القول: إن أكثر هذه الشواهد لا تصلح لتقوية الحديث بها، إما لشدة ضعف إسناده، وإما لإختصارها، اللهم إلا حديث عائشة، وحديث أنس بطريقيه، فإنهما إذا ضما إلى إسناد حديث أبي هريرة اعتضد الحديث بمجموعها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالى، وقد صححه من سبق ذكره من العلماء. (تنبيه) جاء في كتاب " مبارق الأزهار شرح مشارق الأنوار " (في الباب الحادي عشر في الكلمات القدسية (2 / 338) أن هذا الحديث أخرجه البخاري عن أنس وأبي هريرة بلفظ:

" من أهان لي (ويروى من عاد لي) وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شيء أنا فاعله، ما ترددت في قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته، ولابد له منه، وما تقرب إلي عبدي المؤمن بمثل الزهد في الدنيا، ولا تعبد لي بمثل أداء ما افترضته عليه ". قلت: فهذا خطأ فاحش من وجوه: الأول: أن البخاري لم يخرجه من حديث أنس أصلا. الثاني: أنه ليس في شيء من طرق الحديث التي وقفت عليها ذكر للزهد. الثالث: أنه ليس في حديث أبي هريرة وأنس قوله: " ولابد له منه ". الرابع: أنه مخالف لسياق البخاري ولفظه كما هو ظاهر. ونحو ذلك أن شيخ الإسلام ابن تيمية أورد الحديث في عدة أماكن من " مجموع الفتاوي " (5 / 511 و10 / 58 و 11 / 75 - 76 و 17 / 133 - 134) من رواية البخاري بزيادة " فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي ". ولم أر هذه الزيادة عند البخاري ولا عند غيره ممن ذكرنا من المخرجين، وقد ذكرها الحافظ في أثناء شرحه للحديث نقلا عن الطوفي ولم يعزها لأحد. ثم إن لشيخ الإسلام جوابا قيما على سؤال حول التردد المذكور في هذا الحديث، أنقله هنا بشيء من الاختصار لعزته وأهميته، قال رحمه الله تعالى في " المجموع " (18 / 129 - 131) : " هذا حديث شريف، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد رد هذا الكلام طائفة وقالوا: إن الله لا يوصف بالتردد، فإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب وربما قال بعضهم: إن الله يعامل معاملة التردد! والتحقيق: أن كلام رسوله حق وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة، ولا أفصح ولا أحسن بيانا منه، فإذا كان كذلك كان المتحذلق والمنكر عليه من

أضل الناس، وأجهلهم وأسوئهم أدبا، بل يجب تأديبه وتعزيره ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة. ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور (فإنه) لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنزلة ما يوصف به الواحد منا، فإن الله ليس كمثله شيء، ثم هذا باطل (على إطلاقه) فإن الواحد يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهله منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه، كما قيل: الشيب كره وكره أن أفارقه فاعجب لشيء على البغضاء محبوب. وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه. بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي " الصحيح ": " حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره " وقال تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) * الآية. ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في الحديث، فإنه قال : " لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه " فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوبا للحق محبا له، يتقرب إليه أولا بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل، التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق. فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة، بحيث يحب ما يحبه محبوبه، ويكره ما يكره محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت ليزداد من محاب محبوبه. والله سبحانه قد قضى بالموت. فكل ما قضى به فهو يريده ولابد منه، فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه وهو مع ذلك كاره لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مرادا للحق من وجه مكروها له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مرادا من وجه مكروها من وجه وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده. وليس إرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته ".

1641

وقال في مكان آخر (10 / 58 - 59) : " فبين سبحانه أن يتردد لأن التردد تعارض إرادتين، فهو سبحانه يحب ما يحب عبده، ويكره ما يكرهه، وهو يكره الموت، فهو يكرهه كما قال: " وأنا أكره مساءته " وهو سبحانه قد قضى بالموت فهو يريد أن يموت، فسمى ذلك ترددا. ثم بين أنه لابد من وقوع ذلك ". 1641 - " إن الله لم يبعث نبيا ولا خليفة إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (256) والترمذي في " السنن " (2 / 58 - 59) و " الشمائل المحمدية " (رقم - 134) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 195 - 196) والحاكم في " المستدرك " (4 / 131) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 17 / 2) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي الهيثم: هل لك خادم؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سبي فأتنا، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم، قال النبي صلى الله عليه وسلم : اختر منهما، قال: يا رسول الله اختر لي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن المستشار مؤتمن، خذ هذا، فإني رأيته يصلي، واستوص به خيرا ". فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن تعتقه، قال : فهو عتيق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم.. " فذكره. والسياق للبخاري، وسياقه عند الترمذي والحاكم أتم، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". قلت: وقوله: " المستشار مؤتمن ".

أخرجه أبو داود (5128) وابن ماجة ( 3745) أيضا من هذا الوجه. وابن ماجة أيضا (3746) والدارمي (2 / 219) وابن حبان (1991) وأحمد (5 / 274) عن أبي مسعود الأنصاري مرفوعا. وسنده حسن في " الشواهد "، وزعم أبو حاتم في " العلل " (2 / 274) أنه أخطأ، ولم يتبين لي وجهه، فراجعه. والترمذي أيضا (2 / 135) من حديث أم سلمة واستغربه. وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 190) عن سمرة. والطحاوي أيضا وأحمد في " الزهد " (ص 32) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن مرسلا كما يأتي. وفي الحديث عند الترمذي والحاكم زيادة: " لا تذبحن ذات در ". وهي في حديث أبي سلمة أيضا. ثم إن الحديث قد اختلف فيه على أبي سلمة، فرواه ابنه عمرو بن أبي سلمة عن أبيه مرسلا بالقصة، لكن ليس فيه حديث الترجمة. أخرجه أحمد والطحاوي كما تقدم، وعمر هذا فيه ضعف فلا يعتد بمخالفته، لاسيما وقد تابع عبد الملك ابن عمير الزهري عند النسائي (2 / 186) والطحاوي (3 / 22 - 23) وأحمد (2 / 237 و 289) من طرق عنه عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. وعلقه البخاري (4 / 401) . وخالفهم يونس فقال: عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان: بطانة

1642

تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه ، فالمعصوم من عصم الله ". أخرجه البخاري (4 / 255 / 401) والنسائي والطحاوي (3 / 22) وأحمد (3 / 39 و 88) . وتابعه جمع عند البخاري معلقا والطحاوي موصولا كلهم عن الزهري به. ويظهر لي من اتفاق كل من الطائفتين - وجميعهم ثقة - على أن لأبي سلمة فيه شيخين، وهما أبو هريرة، وأبو سعيد. فكان يرويه تارة عن هذا وتارة عن هذا، فتلقاهما الزهري عنه ثم تلقاه عنه كل من الشيخين من أحد الوجهين، وهو الذي مال إليه الحافظ في " الفتح " (13 / 166) . ويقوي الوجه الأول متابعة عبد الملك بن عمير للزهري عليه. والله أعلم. وله شيخ ثالث، فقد قال عبيد الله بن أبي جعفر حدثني صفوان عن أبي سلمة عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه. علقه البخاري، ووصله النسائي والطحاوي أيضا - لكن وقع في إسناده خلط - والطبراني في " المعجم الكبير " (3895) . 1642 - " لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس ". رواه اللالكائي في " السنة " (1 / 141) والبيهقي في " الأسماء " (157) عن إسماعيل بن عبد السلام عن زيد بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " يا أبو بكر لو ... ". قلت: وهذا سند مجهول، قال الحافظ في " اللسان ":

" إسماعيل بن عبد السلام عن زيد بن عبد الرحمن عن عمرو بن شعيب قال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: لا يعرف هو ولا شيخه ". قلت: قد جاء الحديث من غير طريقهما عن عمرو بن شعيب رواه البزار (229 - زوائده) من طريق إسماعيل بن حماد عن مقاتل بن حيان عن عمرو بن شعيب به وفيه قصة. وأورده ابن عروة في " الكواكب " (34 / 161 / 2) وقال: " حديث غريب، قال عماد الدين ابن كثير: قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة ". قلت: إسماعيل بن حماد إن كان الأشعري مولاهم فهو صدوق، وإن كان حفيد الإمام أبي حنيفة فقد تكلموا فيه، وأيهما كان فلم يتفرد به، فقد أخرجه البيهقي من طريق عباد بن عباد عن عمر بن ذر قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول: لو أراد الله أن لا يعصى ما خلق إبليس. وحدثني مقاتل بن حيان عن عمرو بن شعيب به مرفوعا بلفظ الترجمة. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في عمرو ابن شعيب، فالإسناد حسن عندي. وعباد بن عباد هو ابن علقمة المازني البصري، ومقاتل بن حيان ثقة من رجال مسلم، وهو غير مقاتل بن سليمان المفسر المتهم، ولعل شيخ الإسلام ابن تيمية توهم أنه هو راوي هذا الحديث وإلا فلا وجه للحكم عليه بالوضع من حيث إسناده، فإنه ليس فيه متهم، ولا من حيث متنه، فإنه غير مستنكر، فقد اتفق أهل السنة على أن كل شيء من الطاعات والمعاصي فبإرادة الله تبارك وتعالى، لا يقع شيء من ذلك رغما عنه سبحانه وتعالى، لكنه يحب الطاعات ويكره المعاصي، وقد رأيت كيف أن الخليفة الراشد احتج بهذا الحديث. وقد أخرجه عنه عبد الله بن الإمام أحمد أيضا في " زوائد الزهد " (ص 298) من

1643

طريق مصعب بن أبي أيوب قال: سمعت عمر بن عبد العزيز على المنبر يقول: فذكره. ففيه أنه أعلن ذلك على المنبر. لكن مصعب هذا لم أعرفه. وللحديث شاهد مرفوع، يرويه بقية عن علي بن أبي جملة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب كتف أبي بكر وقال: " إن الله لو شاء أن لا يعصى ما خلق إبليس ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 92) . وبقية مدلس وقد عنعنه. وعلي بن أبي جملة لم أجد له ترجمة سوى أن أبا نعيم ذكره في كتابه مقرونا مع رجاء بن أبي سلمة، ووصفهما بأنهما العابدان الراويان. فهو من شيوخ بقية المجهولين. وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه صحيح لغيره. والله سبحانه وتعالى أعلم. 1643 - " لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم ". أخرجه أبو داود (4349) والحاكم (4 / 424) عن عبد الله بن وهب حدثني معاوية ابن صالح عن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: معاوية بن صالح لم يحتج به البخاري، وإنما روى له في " جزء القراءة "، وهو صدوق له أوهام، فهو على شرط مسلم وحده. وقد أخرجه أحمد (4 / 193) من طريق ليث عنه به إلا أنه ليس صريحا في الرفع. وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا، وله عنه طريقان: الأول: عن شرح بن عبيد عنه بلفظ:

1644

" إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربهم أن يؤخرهم نصف يوم ". قيل لسعد: وكم نصف ذلك اليوم؟ قال خمسمائة سنة. أخرجه أبو داود (4350) . ورجاله ثقات لكن شريح بن عبيد لم يدرك سعيدا. الثاني: عن أبي بكر بن أبي مريم عن راشد بن سعد عنه. أخرجه أحمد (1 / 170) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 117) والحاكم، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي فقال: " قلت: لا والله! ابن أبي مريم ضعيف، ولم يرويا له شيئا ". قلت: وفي رواية أبي نعيم والحاكم زيادة: " قيل: وما نصف يوم؟ قال: خمسمائة سنة ". وهي عند أحمد من قول سعد كما في الطريق الأولى. وفي رواية لأبي نعيم من قول راشد. والله أعلم. 1644 - " ضع أنفك يسجد معك ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 192 - 193) عن حميد بن مسعدة حدثنا حرب بن ميمون عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس. أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى رجل يسجد على وجهه، ولا يضع أنفه، قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، حرب بن ميمون وهو الأصغر متروك كما قال الحافظ. وقد رواه البيهقي (2 / 104) من طريقه معلقا وقال:

" قال أبو عيسى الترمذي : حديث عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا أصح ". قلت: وهو مرسل صحيح الإسناد، وقد وصله الدارقطني والبيهقي من طريق أبي قتيبة سلمة بن قتيبة حدثنا شعبة والثوري عن عاصم الأحول عن عكرمة عن ابن عباس به نحوه. وقال البيهقي: " قال أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث: لم يسنده عن سفيان وشعبة إلا أبو قتيبة، والصواب عن عاصم عن عكرمة مرسلا ". قلت: سلم صدوق من رجال البخاري في " صحيحه " ولم يتفرد بوصله، فقد أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم 11917) من طريق الضحاك بن حمرة عن منصور عن عاصم البجلي عن عكرمة به ولفظه: " من لم يزق أنفه مع جبهته بالأرض إذا سجد لم تجز صلاته ". والضحاك هذا مختلف فيه وقد حسن له الترمذي، وفيه ضعف لا يمنع من الاستشهاد به. وبالجملة فالحديث صحيح عندي لأن مع مرسله الصحيح هذه الأسانيد المتصلة، وأصله في " الصحيحين " من طريق أخرى عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " أمرت أن أسجد على سبع: الجبهة والأنف واليدين والركبتين والقدمين ". وفي رواية: " الجبهة، وأشار بيده على أنفه ". فقد اعتبر الأنف من الجبهة في الحكم، فحكمه حكمها، فكأن حديث الترجمة مختصر منه. والله أعلم.

1645

1645 - " من ختم له بإطعام مسكين محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، من ختم له بصوم يوم محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة، من ختم له بقول لا إله إلا الله محتسبا على الله عز وجل دخل الجنة ". رواه ابن شاهين في الجزء الخامس من " الأفراد " والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (23 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 218 - 219) عن هشام بن القاسم أخو روح بن القاسم قال: سمعت نعيم بن أبي هند يحدث عن حذيفة قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فرأيته يهم بالقعود وعلي عليه السلام عنده يميد - يعني من النعاس - فقلت: يا رسول الله ما أرى عليا إلا قد ساهرك في ليلته هذه أفلا أدنو منك؟ قال: علي أولى بذلك منك، فدنا منه علي عليه السلام فسانده، فسمعته يقول: فذكره. وقال ابن شاهين: " هذا حديث غريب ، ولا أعرف لهشام بن القاسم حديث غير هذا ". قلت: وهو في عداد المجهولين. فإنهم لم يذكروه. اللهم إلا ابن حبان فإنه أورده في " الثقات " (2 / 294 من مخطوطة الظاهرية) وذكر له هذا الحديث ولم يزد. وقد وجدت له متابعا، أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (134 / 1) من طريق الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن نعيم بن أبي هند به مختصرا ولفظه : " دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي قبض فيه فقال لي: " يا حذيفة من كتب (كذا ولعله: ختم) له عند الموت بشهادة أن لا إله إلا الله صادقا دخل الجنة ". فقلت: يا رسول الله: أسر هذا أم أعلنه؟ قال: بل أعلنه، قال فإنه لآخر شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

1646

قلت: فهذه متابعة قوية: محمد بن جحادة ثقة احتج به الشيخان في " صحيحيهما " لكن الراوي عنه الحسن بن أبى جعفر وهو الجفري ضعيف الحديث. لكن أخرجه أحمد ( 5 / 391) من طريق حماد بن سلمة عن عثمان البتي عن نعيم بن أبي هند به نحوه. وهذا إسناد صحيح، وقال المنذري: لا بأس به. والصواب ما قلته كما بينته في تعليقي عليه (2 / 61 - 62) وللشطر الأول منه شاهد من حديث جابر مرفوعا. أخرجه ابن عساكر (15 / 81 / 2) . ولسائره شاهد من حديث علي مرفوعا عند الخطيب في " الموضح " (1 / 46) . 1646 - " أولياء الله هم الذين يذكر الله لرؤيتهم ". رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 231) والواحدي (58 / 1) والديلمي (1 / 2 / 341) عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * قال: " هم الذين ... ". ورواه ابن المبارك في " الزهد " (رقم 217) : حدثنا مالك بن مغول ومسعر بن كدام عن أبي أسيد - وقال ابن حيويه عن أبي أنس عن سعيد بن جبير قال: فذكره. ورواه ابن صاعد في زوائد " الزهد " ( 218) موصولا فقال: حدثنا كثير بن شهاب بن عاصم القزويني قال: حدثنا محمد بن سعيد بن سابق قال: حدثنا يعقوب الأشعري يعني القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به. وجعفر بن أبي المغيرة، قال الذهبي والعسقلاني :

1647

" صدوق ". زاد الثاني: " يهم ". قلت: فالحديث حسن، لاسيما وله شواهد من حديث عمرو بن الجموح وسعد بن أبي وقاص وأسماء بنت يزيد، عند أبي نعيم في " الحلية " (1 / 6) . 1647 - " قيلوا فإن الشياطين لا تقيل ". أخرجه أبو نعيم في " الطب " (12 / 1 نسخة السفرجلاني) وفي " أخبار أصبهان " (1 / 195 و 353 و 2 / 69) من طرق عن أبي داود الطيالسي حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير عمران القطان وهو كما قال الحافظ: صدوق يهم. وله طريق أخرى يرويه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 2725 ج 1 / 3 / 1) عن كثير بن مروان عن يزيد أبي خالد الدالاني عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس به. وقال: " لم يروه عن أبي خالد إلا كثير بن مروان ". قلت: قال الحافظ في " الفتح " (11 / 58) : " وهو متروك ". قلت: وشيخه الدالاني ضعيف. لكن قد توبع، فأخرجه أبو نعيم في " الطب " (12 / 1 - 2) والخطيب في " الموضح " (2 / 81 - 82) من طريق عباد بن كثير عن سيار الواسطي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به، وزاد في أوله: " لا تصبحوا ".

قلت: لكن سيار الواسطي لم أعرفه. وعباد بن كثير إن كان الرملي فضعيف، وإن كان البصري فمتروك. وله شاهد موقوف أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 40) عن مجاهد: " بلغ عمر رضي الله عنه أن عاملا له لا يقيل، فكتب إليه: أما بعد فقل، فإن الشيطان لا يقيل ". ولم يذكر مختصره المقريزي إسناده لننظر في رجاله، وهو منقطع بين مجاهد وعمر، وقد سكت عنه السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص 56) . (تنبيه) لقد ظلم هذا الحديث من قبل من خرجه من العلماء قبلي، ممن وقفت على كلامهم فيه كالحافظ بن حجر في " الفتح "، وتلميذه السخاوي في " المقاصد "، ومقلده العجلوني في " كشف الخفاء " (1 / 120) ، فإنهم جميعا عزوه للطبراني فقط وأعله الأولان منهم بكثير بن مروان، وتبعهم على ذلك المناوي فقال في " فيض القدير ": رمز المصنف لحسنه، وليس كما ذكر، فقد قال الهيثمي: فيه كثير بن مروان وهو كذاب. اهـ، وقال في " الفتح ": في سنده كثير بن مروان متروك " قلت: والمناوي أكثرهم جميعا بعدا عن الصواب، فإن كلامه هذا الذي يرد به على السيوطي. تحسينه إياه صريح أو كالصريح في أن هذا المتروك في إسناد أبي نعيم أيضا، وليس كذلك كما عرفت من هذا التخريج، ولذلك فالمناوي مخطئ أشد خطأ، والصواب هنا في هذه المرة مع السيوطي لأن الإسناد الأول حسن إما لذاته كما نذهب إليه، وإما لغيره وهذا أقل ما يقال فيه، وشاهده الذي يصلح للاستشهاد إنما هو حديث عمر، وهو وإن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي، بل فيه إشعار بأن هذا الحديث كان معروفا عندهم، ولذلك لم يجد عمر رضي الله عنه ضرورة للتصريح برفعه. والله أعلم.

1648

1648 - " إن خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا، والبيت العتيق ". أخرجه أحمد (3 / 350) وأبو يعلى (2 / 605) والبغوي في " حديث أبي الجهم " (2 / 2) والطبراني في " الأوسط " (1 / 114 / 2) والفاكهي في " حديثه " (1 / 15 / 1) وعنه ابن بشران في " الأمالي " (55 / 2) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (114 / 2) من طرق عن الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن الليث إلا العلاء ". كذا قال! وهو العلاء بن موسى بن عطية أبو الجهم، وقد تعقبه الهيثمي بقوله في " زوائده ": " قلت: قد رواه النسائي عن قتيبة عن الليث ". قلت: والظاهر أنه يعني سنن النسائي الكبرى، وهي لم تطبع، وقد بشرني الشيخ الفاضل عبد الصمد شرف الدين، بأنه قد وقف على نسخة كاملة منه، وهو الآن في صدد إعدادها للطبع يسر الله له ذلك. ثم أهدى إلي الجزء الأول منه وفيه كتاب الطهارة، يسر الله له إتمام طبعه وجزاه الله خيرا. والحديث مشهور عن الليث ، فقد أخرجه الآخرون من طرق متعددة عن الليث به، وصرح الفاكهي بتصريح أبي الزبير بالتحديث، وهو هام في غير رواية الليث عنه، فإنه قد ثبت عن الليث أنه لا يروي عن أبي الزبير إلا ما صرح له بالتحديث. فالإسناد صحيح على شرط مسلم. وقد قصر المنذري في قوله في " الترغيب " (2 / 145) :

1649

" رواه أحمد بإسناد حسن (!) والطبراني وابن خزيمة في " صحيحه " وابن حبان.. ". ويبدو لي أنه لم يقف على هذا الإسناد عند أحمد، فإنه عزاه إليه بلفظ: " خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومسجدي ". ثم ذكره من طريق الطبراني ومن بعده بلفظ الترجمة. وهذا اللفظ الثاني عند أحمد (3 / 336) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير به وتابعه أيضا موسى بن عقبة عن أبي الزبير به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 241) ووقع فيه " ابن الزبير " وهو خطأ من الناسخ خفي على المعلق عليه فقال: " لعله هو عروة بن الزبير ". وإنما هو أبو الزبير، وقد روى عنه موسى بن عقبة كما ذكروا في ترجمته أعني أبا الزبير. 1649 - " إن الله عز وجل ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ". رواه ابن حبان في " صحيحه " (1607) والطبراني في " الكبير " (8963 و 9094) ومحمد بن مخلد في " المنتقى من حديثه " (2 / 6 / 1) عن عاصم عن زر عن عبد الله مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، وهو صحيح! فإن له شاهدا قويا من حديث أبي هريرة، وفيه بيان سبب وروده، قال رضي الله عنه: شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا، فقال لرجل ممن يدعي بالإسلام: " هذا من أهل النار ". فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالا شديدا، فأصابته جراحة، فقيل: يا رسول الله الرجل الذي قلت له آنفا: إنه من أهل النار، فإنه قاتل اليوم شديدا وقد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إلى النار ". فكاد بعض المسلمين أن يرتاب،

فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت، ولكن به جرحا شديدا، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: " الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله ". ثم أمر بلالا فنادى في الناس: " إنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة، وإن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر ". أخرجه البخاري (2 / 74) ومسلم (1 / 73 - 74) وأحمد (2 / 309 ) وللدارمي منه حديث الترجمة (2 / 240 - 241) . والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 303) وقال: " رواه الطبراني، وفيه عاصم بن أبي النجود وهو ثقة، وفيه كلام ". وقال أيضا: " رواه الطبراني عن النعمان بن عمرو بن مقرن مرفوعا، وضبب عليه، ولا يستحق التضبيب لأنه صواب، وقد ذكر المزي في ترجمة أبي خالد الوالبي أنه روى عن عمرو بن النعمان بن مقرن، والنعمان بن مقرن. قلت: ورجاله ثقات ". وقد جاء الحديث عن جمع آخر من الصحابة بلفظ: ".... بأقوام لا خلاق لهم ". وقد خرجها الهيثمي من حديث أبي بكرة وأنس وأبي موسى وأخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (20 / 100 / 1) عن الحسن البصري مرسلا. ووصله أبو نعيم في " الحلية " (6 / 262) والضياء في " المختارة " (74 / 2) عنه عن أنس مرفوعا. وتابعه أبو قلابة عن أنس.

1650

أخرجه ابن حبان (1606) والنسائي في " السير " (1 / 38 / 1) والضياء أيضا. وتابعه عنده حميد عن أنس. وروي بلفظ: ".... برجال ما هم من أهله ". أخرجه الطبراني، وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم وهو ضعيف كما قال الهيثمي: وهو بهذا اللفظ منكر عندي لمخالفته لألفاظ الثقات، والله أعلم. 1650 - " إن الله لم ينزل داء أو لم يخلق داء إلا أنزل أو خلق له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله إلا السام، قالوا: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت ". أخرجه الحاكم (4 / 401) من طريق شبيب بن شيبة حدثنا عطاء بن أبي رباح حدثنا أبو سعيد الخدري مرفوعا به. سكت عليه الحاكم والذهبي، وإسناده ضعيف من أجل شبيب هذا، ففي " التقريب ": " إنه صدوق يهم في الحديث ". إلا أن له شواهد من حديث أسامة بن شريك بلفظ: تداووا، فإن الله ... ". ومن حديث ابن مسعود بلفظ: " ما أنزل الله داء ... ". وقد خرجتهما في " غاية المرام " ( 292) فالحديث بشواهده صحيح. وقد روي حديث ابن مسعود بنحو هذا بلفظ: " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا وقد أنزل معه دواء، جهله منكم من جهله أو علمه منكم من علمه ". أخرجه أحمد (1 / 446) حدثنا علي بن عاصم أخبرني عطاء بن السائب قال:

أتيت أبا عبد الرحمن فإذا هو يكوي غلاما، قال: قلت: تكويه؟ قال: نعم، هو دواء العرب، قال عبد الله بن مسعود: فذكره مرفوعا. ورجاله ثقات غير علي بن عاصم وهو صدوق يخطىء كما في " التقريب " وقد تابعه في " المستدرك " (4 / 399) سفيان عن عطاء به نحوه. وصححه، ووافقه الذهبي. وله طريق أخرى بلفظ: " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم، فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل شجر ". أخرجه الحاكم (4 / 197) والطيالسي (رقم 368) من طريق المسعودي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. والمسعودي كان قد اختلط. لكن له طريق أخرى بلفظ: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، فعليكم بألبان البقر فإنها ترم من كل الشجر ". رواه النسائي في " الوليمة " (2 / 64 / 2) وابن حبان (1398 ) وابن عساكر (8 / 242 / 2) عن محمد بن يوسف عن سفيان عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين ومحمد بن يوسف هو الفريابي ثقة وقد خالفه عبد الرحمن بن مهدي، فرواه عن سفيان به إلا أنه أرسله فلم يذكر فيه ابن مسعود. أخرجه أحمد (4 / 315) والنسائي أيضا. ثم أخرجه من طريق الربيع بن لوط عن قيس بن مسلم به مثل رواية الفريابي، إلا أنه أوقفه على ابن مسعود. وابن لوط ثقة كما في

1651

" التقريب ". لكن الصحيح عندنا رواية الفريابي لأنه ثقة، ومعه زيادة فهي مقبولة وقد تابعه المسعودي عن قيس بن مسلم كما تقدم آنفا، وكأنه لذلك قال الحافظ ابن عساكر: " وهو محفوظ ". وقد كنا خرجنا الحديث عن ابن مسعود فيما مضى برقم (518) مع متابعات أخرى، وبيان ما في رواية ابن مهدي من الضعف. فراجعه إن شئت. 1651 - " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ". أخرجه مسلم (8 / 87) والترمذي (1 / 334 - 335) وأحمد (3 / 100 و 117) من طرق عن زكريا بن أبي زائدة عن سعيد بن أبي بردة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن، ولا نعرفه إلا من حديث زكريا بن أبي زائدة ". قلت: وهو ثقة، ولكنه كان يدلس، وقد عنعنه عندهم جميعا! لكنه يبدو أنه قليل التدليس، ولذلك أورده الحافظ في المرتبة الثانية من رسالته " طبقات المدلسين " وهي " المرتبة التي يورد فيها من احتمل الأئمة تدليسه، أخرجوا له في " الصحيح " لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري ... ". وقد روي من طريق أخرى بلفظ: " إن الله ليدخل العبد الجنة بالأكلة أو الشربة يحمد الله عز وجل عليها ". أخرجه الضياء في " المختارة " (115 / 1) من طريق موسى بن سهل الثغري الوشا أنبأ إسماعيل بن علية أخبرنا حميد الطويل عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات غير الوشا هذا ترجمه الخطيب في

1652

" التاريخ " (13 / 48) ونقل تضعيفه عن الدارقطني، وعن البرقاني قال: ضعيف جدا. وذكر له في " اللسان " حديثا آخر مما أخطأ في إسناده. 1652 - " إن الله ليعجب من الصلاة في الجميع ". رواه الخطيب في " الموضح " (2 / 2 / 2) من طريق أحمد، وهذا في " المسند " (2 / 50) : حدثنا يونس بن محمد حدثنا مرثد يعني ابن عامر الهنائي حدثني أبو عمرو الندبي قال: حدثني عبد الله بن عمر بن الخطاب مرفوعا. وقال الخطيب : " أبو عمرو هو بشر بن حرب ". قلت: وهو صدوق فيه لين كما قال الحافظ، ولذا حسن حديثه هذا المنذري في " الترغيب " (1 / 150) وتبعه الهيثمي (2 / 39) . وله شاهد واه، أخرجه ابن عدي (75 / 1) من طريق حماد بن قيراط حدثنا صالح المري عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري عن عمر بن الخطاب وأبي بن كعب مرفوعا به. وقال: شوش إسناده حماد بن قيراط ". ثم ساقه من طريق أبي إبراهيم الترجماني حدثنا صالح المري عن أبي هارون عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. وقال: " وهذا أشبه : الذي جاء به الترجماني عن صالح المري، من رواية حماد بن قيراط عن صالح، وحماد عامة ما يرويه فيه نظر ". قلت: ومداره على صالح المري وهو ضعيف عن أبي هارون وهو العبدي وهو متروك. فالعمدة على الطريق الأولى والله أعلم. 1653 - " إن الله ليعجب إلى العبد إذا قال: لا إله إلا أنت إني قد ظلمت نفسي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، قال: عبدي عرف أن له ربا يغفر ويعاقب ".

أخرجه الحاكم (2 / 98 - 99) عن ميسرة بن حبيب النهدي عن المنهال بن عمرو عن علي بن ربيعة " أنه كان ردفا لعلي رضي الله عنه، فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى على ظهر الدابة قال: الحمد لله (ثلاثا) والله أكبر (ثلاثا) ، * (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) * الآية. ثم قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم مال إلى أحد شقيه فضحك، فقلت: يا أمير المؤمنين ما يضحك ؟ قال: إني كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم، فصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما صنعت فسألته كما سألتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... " فذكره. وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: النهدي هذا لم يخرج له مسلم، وإنما البخاري في " الأدب المفرد "، فهو صحيح فقط. وقد تابعه أبو إسحاق السبيعي عن علي بن ربيعة نحوه باختصار. أخرجه أبو داود (2602) والترمذي (2 / 255 - 256) وأحمد (1 / 97 و 115 و 128) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (490) من طرق عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". كذا قال، وأبو إسحاق كان اختلط، ولفظه عند أحمد أتم. وأخرجه ابن السني (493) من طريق الأجلح عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي بن أبي طالب به نحوه مختصرا. والأجلح فيه ضعف.

1654

والحارث وهو الأعور ضعيف. (تنبيه) حديث الترجمة عزاه السيوطي في " الزيادة " لابن السني والحاكم، وقد عرفت مما سبقت الإشارة إليه أن لفظ غير الحاكم مختصر، فإذا جاز مع ذلك عزوه لابن السني فعزوه لغيره ممن ذكرنا معه أولى لأنهم أعلى طبقة منه، لاسيما الإمام أحمد، فإنه أعلاهم وأجلهم وأتمهم لفظا. 1654 - " إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ". رواه أبو العباس الأصم في " جزء من حديثه " (188 / 2 مجموع 24) وابن حبان (880) والروياني في " مسنده " (249 / 1) والخلال أبو عبد الله في " المنتخب من المنتخب من تذكرة شيوخه " (48 / 1) وكذا الطبراني في " الأوسط " (1 / 99 / 2) عن إدريس بن يحيى حدثني ابن عياش القتباني حدثني عبد الله بن سليمان عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الطبراني: " لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به إدريس ". قلت: وهو صدوق كما قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 265) وروى عن أبي زرعة أنه قال فيه: " رجل صالح من أفاضل المسلمين ". ومن فوقه ثقات من رجال مسلم غير عبد الله بن سليمان وهو المصري ولم يوثقه غير ابن حبان. وقال البزار: " حدث بأحاديث لم يتابع عليها ". قلت: ولعله سبب ما في " العلل " لابن أبي حاتم (1 / 243 - 244) : " سألت أبي عن هذا الحديث؟ فقال: هذا حديث منكر ". لكن للحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا به.

1655

أخرجه أحمد (3 / 12 و 44) من طريقين عنه. وقد تكلمت عليهما في " التعليق على الترغيب " (2 / 94) . فالحديث بمجموع ذلك حسن . وهو الذي نقله المناوي عن السيوطي. والله أعلم. 1655 - " إن الله لا يحب العقوق، وكأنه كره الاسم ". أخرجه أبو داود (2842) والنسائي (2 / 188) والحاكم (4 / 238) والبيهقي (9 / 300) وأحمد (2 / 182 و 194) من طريق داود بن قيس عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة، فقال: (فذكره) . قالوا: يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له: قال: " من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة ". ولفظه لأحمد والآخرين نحوه. ولفظ الحاكم: " لا أحب العقوق ". وهو رواية لأحمد. وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وإنما هو حسن فقط، للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب. نعم له شاهد أخرجه مالك (2 / 500 / 1) عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أنه قال: فذكره بلفظ الحاكم. قلت: وهذا شاهد لا بأس به، فالرجل الضمري شيخ زيد بن أسلم الظاهر أنه تابعي إن لم يكن صحابيا، فإن زيد هذا من التابعين الثقات، فالحديث به صحيح. (مكافئتان) يعني متساويتين في السن. وقيل: أي مستويتان، أو متقاربتان. واختار الخطابي الأول، كما في " النهاية ".

1656

و (الشاة) : الواحدة من الضأن والمعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش. كما في " المعجم الوسيط ". 1656 - " إن الله لا ينظر إلى مسبل الإزار ". أخرجه النسائي (2 / 299) وأحمد (1 / 322) من طريقين عن أشعث قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأشعث هو ابن أبي الشعثاء. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " ... المسبل يوم القيامة ". أخرجه أحمد (2 / 318) بإسناد صحيح على شرط الشيخين أيضا. وقد رواه مسلم (6 / 148) عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة ورأى رجلا يجر إزاره، فجعل يضرب الأرض برجله، وهو أمير على (البحرين) وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بلفظ: " ... إلى من يجر إزاره بطرا ". ثم أخرجه عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إن الذي يجر ثيابه من الخيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ". 1657 - " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما نافح أو فاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه الترمذي (2 / 138) والحاكم (3 / 487) وأبو يعلى (3 / 1129) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن

1658

رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. وفي رواية له عن ابن أبي الزناد عن أبيه وهشام بن عروة.... وقد أخرجه أحمد (6 / 72) عنه عن أبيه عن عروة به. فيبدو أن لعبد الرحمن بن أبي الزناد فيه شيخين: والده أبو الزناد وهشام بن عروة، فكان يرويه تارة عن هذا وتارة عن هذا، وتارة يجمعهما. والله أعلم، وهو في نفسه ثقة، وقد تكلم فيه بعضهم على تفصيل حققه العلامة عبد الرحمن المعلمي اليماني رحمه الله تعالى في كتاب " التنكيل " فليراجعه من شاء (1 / 33 - 34) . 1658 - " إن الله تبارك وتعالى يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله عز وجل له بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرض لم يبارك له فيه ". أخرجه أحمد (5 / 24) عن أبي العلاء بن الشخير حدثني أحد بني سليم - ولا أحسبه إلا قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وجهالة الصحابي لا تضر. 1659 - " إن الله يبعث ريحا من اليمن، ألين من الحرير، فلا تدع أحدا في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا قبضته ". أخرجه مسلم (1 / 76) والبخاري في " التاريخ " (3 / 109 / 1) والسراج في " مسنده " (5 / 88 - 89) والحاكم (4 / 455) من طريق صفوان بن سليم عن عبد الله بن سليمان الأغر عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم:

1660

" صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي. قلت: فوهما مرتين: استدراكه على مسلم وقد أخرجه. وتصحيحه تصحيحا مطلقا غير مقيد بكونه على شرط مسلم. ولعل هذا الوهم هو منشأ تقصير السيوطي في " الجامع الصغير " في عزوه الحديث للحاكم فقط. وانطلى ذلك على المناوي فلم يستدرك عليه خلافا لغالب عادته، والغريب أنه قد عزاه في " الجامع الكبير " (1 / 156 / 2 ) لمسلم أيضا! فأصاب. 1660 - " الدال على الخير كفاعله ". ورد من حديث أبي مسعود البدري وعبد الله بن مسعود وسهل بن سعد وبريدة بن الحصيب وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر. 1 - أما حديث أبي مسعود فيرويه الأعمش عن أبي عمرو الشيباني: سعيد بن إياس الأنصاري عنه مرفوعا به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 484) وأحمد (5 / 274) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 16 - 17) وابن حبان في " صحيحه " (867 و 868) وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 16) من طرق عن الأعمش به. واللفظ للخرائطي، ولفظ ابن حبان: " أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، فقال: ما عندي ما أعطيك، ولكن ائت فلانا، فأتاه الرجل، فأعطاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من دل على خير فله مثل أجر فاعله ". ولفظ الطحاوي مثله إلا أنه قال: " الدال على الخير له كأجر فاعله " . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم (6 / 41)

باللفظ الثاني وهو رواية لأحمد (4 / 120) وأبي داود (5129) والترمذي (2 / 112 ) وقال: " حسن صحيح ". وخالفهم أبان بن تغلب فقال: عن الأعمش عن أبي عمرو الشيباني عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره. أخرجه الخرائطي (ص 16) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 266) . قلت: وأبان بن تغلب ثقة احتج به مسلم، لكن رواية الجماعة أصح (¬1) . على أنه قد روي من طريق أخرى عن ابن مسعود وهو الآتي: 2 - وأما حديث ابن مسعود، فيرويه عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن فضيل بن عمرو عن أبي وائل عنه مرفوعا بلفظ الترجمة. أخرجه البزار (رقم - 154) وقال : " لا نعلمه مرفوعا عن عبد الله إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف لسوء حفظ ابن أبي ليلى. 3 - وأما حديث سهل فيرويه العائشي حدثنا عمران بن يزيد القرشي عن أبي حازم عنه به. أخرجه الطحاوي حدثنا محمد بن علي بن داود حدثنا العائشي به. قلت: ورجاله ثقات كلهم لكنه منقطع بين القرشي وأبي حازم، فإن روايته إنما هي عن أتباع التابعين، فلعل الواسطة بينهما سقطت من الطابع أو الناسخ. ¬

(¬1) ثم رأيت ابن عدي في " الكامل " (93 / 1) والخطيب في " التاريخ " (7 / 383) قد نصا على أن رواية أبان خطأ وأن الخطأ ممن دونه. والله أعلم. اهـ.

4 - وأما حديث بريدة فيرويه أبو حنيفة في " مسنده " (ص 160 بشرح القاري) عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه مرفوعا به. ومن طريق أبي حنيفة أخرجه أحمد (5 / 357) ولكنه لم يسمه عمدا كما قال ابنه عبد الله. قال: كذا قال أبي لم يسمه على عمد، وحدثناه غيره فسماه، يعني أبا حنيفة. وإليه أشار الهيثمي بقوله في " المجمع " (1 / 166) : " وفيه ضعيف ومع ضعفه لم يسم ". قلت: ورواه سليمان الشاذكوني حدثنا ابن يمان عن سفيان عن علقمة به، وزاد: " والله يحب إغاثة اللهفان ". أخرجه تمام في " الفوائد " (227 / 2) وابن عدي في " الكامل " (162 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 333 - 334 ) وقال ابن عدي: " لا أعرفه إلا عن الشاذكوني، وهو حافظ ماجن عندي، ممن يسرق الحديث ". قلت: كذبه ابن معين وغيره، ورماه غير واحد بوضع الحديث، ومن الغريب أن أبا نعيم لم يذكر في ترجمته جرحا ولا تعديلا! فكأنه خفي عليه حاله. هذا، ولقد أبعد الشيخ البنا في شرحه على " الفتح الرباني " (19 / 72) ، فإنه قال عقب قول الهيثمي المتقدم: " قلت: أبو حنيفة المسمى في السند، قال الحافظ في " التقريب ": أبو حنيفة الكوفي والد عبد الأكرم مجهول أهـ ". قلت: وهذا خطأ مزدوج: الأول: أنه ليس هو هذا وإنما هو الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت المشهور

وهو ليس مجهولا بل هو معروف بالصدق، ولكنه ضعيف الحفظ كما كنت حققته في المجلد الأول من " الضعيفة "، وإن لم يرق ذلك لمتعصبة الحنفية، وغيرهم من ذوي الأهواء! ولذلك لم يسمه شيخ الإمام أحمد إسحاق بن يوسف، وعمدا فعل ذلك كما تقدم عن أحمد. والآخر: أنه وهم على الحافظ، فإن تمام كلامه في " التقريب ": " من الثالثة ". أي أنه من الطبقة الوسطى من التابعين الذين لهم رواية عن بعض الصحابة، وأبو حنيفة الإمام ليس كذلك، فإن الحافظ ذكر في ترجمته أنه من الطبقة السادسة - أي من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة. وأبو حنيفة الراوي هنا بينه وبين صحابي الحديث راويان: علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة ، فكيف يعقل أن يكون هو والد عبد الأكرم الذي يروي عن بعض الصحابة؟ ! وهذا يقال إذا ما وقفنا في ذلك عند كتاب " التقريب " فقط، وأما إذا رجعنا إلى " التهذيب " فستزداد يقينا في خطأ الشيخ المزدوج حين نجده يقول في ترجمة الأول: " روى عن سليمان بن هود، وعنه ابنه ". وذكر في ترجمة الإمام أنه روى عن جمع منهم علقمة بن مرثد! 5 - وأما حديث أنس فيرويه شبيب بن بشر عنه قال: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل يستحمله، فلم يجد عنده ما يتحمله، فدله على آخر فحمله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره فقال ... " فذكره بلفظ الترجمة بزيادة: " إن الدال ... ". أخرجه الترمذي وقال:

" حديث غريب من هذا الوجه من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: وإسناده حسن، رجاله موثوقون، والسبب الذي فيه هو عند مسلم وغيره من حديث أبي مسعود المتقدم، فهو شاهد قوي له. وقد تابعه على حديث الترجمة زياد ابن ميمون الثقفي عنه مرفوعا به وزاد: " والله يحب إغاثة اللهفان ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1063) وابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص 78) وابن عبد البر في " الجامع " دون الزيادة. قلت: وزياد هذا متروك، وكذبه يزيد بن هارون. وأخرجه البزار في " مسنده " (رقم - 1951) لكن وقع فيه: زياد النميري، وكذا قال المنذري (1 / 72) بعد أن عزاه إليه: " فيه زياد بن عبد الله النميري وقد وثق، وله شواهد ". كذا قال والنميري أحسن حالا من الثقفي والله أعلم. وهذه الزيادة رويت من طريق أبي العباس محمد بن يونس السامي حدثنا أزهر بن سعد حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (15 / 72 / 2 ) . قلت: والسامي هذا هو الكديمي متهم بالوضع. 6 - وأما حديث ابن عباس فيرويه طلحة بن عمرو عن عطاء عنه رفعه وزاد: " والله يحب إغاثة اللهفان ". أخرجه أبو القاسم القشيري في " الأربعين " (157 / 2) والبيهقي في " الشعب " (2 / 449 / 2) .

1661

قلت: وطلحة متروك. 7 - وأما حديث ابن عمر فيرويه سفيان بن وكيع حدثنا زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن طلحة بن عبيد الله بن كرز عنه مرفوعا به. أخرجه ابن عدي (183 / 2) وأعله بأن غير سفيان أرسله لم يذكر فيه ابن عمر. قلت: وهو ضعيف كان يتلقن، وموسى ضعيف أيضا. وجملة القول: أن حديث الترجمة صحيح بلا ريب، بخلاف الزيادة. والله أعلم. 1661 - " إن الله عز وجل يخرج قوما من النار بعدما لا يبقى منهم فيها إلا الوجوه، فيدخلهم الله الجنة ". أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (100 / 1) من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عطية وهو العوفي ضعيف مدلس. لكن الحديث في " صحيح البخاري " (4 / 463 - 464) من طريق أخرى عن أبي سعيد مرفوعا، فذكر حديث الشفاعة بطوله، وفيه: " فيقول الله تعالى: اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه، ويحرم الله صورهم على النار ... ". والصور هنا الوجوه، فهو شاهد قوي للحديث ولذلك أوردته هنا في " الصحيحة ". 1662 - " إن الله يقول: إن عبدا أصححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم ".

ورد من حديث أبي سعيد وأبي هريرة. 1 - أما حديث أبي سعيد فيرويه العلاء بن المسيب عن أبيه عنه مرفوعا به. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 289 - 290) وابن حبان (960) وأبو بكر الأنباري في " الأمالي " (10 / 2) وابن مخلد العطار في " المنتقى من أحاديثه " (2 / 85 / 2) والقاضي الشريف أبو الحسين في " المشيخة " (1 / 178 / 1) والبيهقي في " السنن " (5 / 262) والخطيب في " التاريخ: (8 / 318) كلهم من طريق خلف بن خليفة عن العلاء به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن خلفا هذا كان اختلط، لكنه قد توبع. فقال الخطيب عقبه: " رواه سفيان الثوري عن العلاء مثل رواية خلف بن خليفة ". قلت: وصله عبد الرزاق عن سفيان به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 110 / 1) وكذا الدبري في " حديثه " عن عبد الرزاق (173 / 2 - 174 / 1) إلا أنه قال: " عن أبيه أو عن رجل عن أبي سعيد ". وقال الطبراني: " لم يرفعه عن سفيان إلا عبد الرزاق ". قلت: وهو ثقة حجة ما لم يخالف. وخالفهما محمد بن فضيل فقال: عن العلاء بن المسيب عن يونس بن خباب عن أبي سعيد به. أخرجه أبو بكر الأنباري والخطيب البغدادي وعلقه البيهقي.

قلت: ومحمد بن فضيل بن غزوان ثقة محتج به في " الصحيحين "، فروايته أصح من رواية خلف بن خليفة، لكن متابعة الثوري لخلف مما يقوي روايته ويرجحها على رواية ابن فضيل، وبذلك يصير الإسناد صحيحا، لكن لعل الأولى أن يقال بصحة الروايتين، وأن للعلاء فيه إسنادين عن أبي سعيد، فكان تارة يرويه عن أبيه عنه، وتارة عن يونس بن خباب عنه. فروى عنه كل من خلف والثوري وابن فضيل ما سمع. والله أعلم. 2 - وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طريقان: الأولى: عن صدقة بن يزيد الخراساني قال: حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه مرفوعا به. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (188) وابن عدي (201 / 2) والبيهقي أيضا والواحدي في " الوسيط " (1 / 125 / 2) وابن عساكر (8 / 142 / 2) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا صدقة بن يزيد به. وقال العقيلي: " وفيه رواية عن أبي سعيد الخدري، فيها لين أيضا ". وقال ابن عدي: " وهذا عن العلاء منكر كما قاله البخاري، ولا أعلم يرويه عن العلاء غير صدقة، وإنما يروي هذا خلف بن خليفة - وهو مشهور به وروى عن الثوري أيضا - عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلعل صدقة هذا سمع بذكر العلاء فظن أنه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة، وكان هذا الطريق أسهل عليه وإنما هو العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد " . قلت: وصدقة هذا ضعفه جمع، فهو بمثل هذا النقد حري، لكن لعل الطريق الآتية تقويه. والله أعلم. الأخرى: عن قيس بن الربيع عن عباد بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به. أخرجه الخطيب في " الموضح " (1 / 152) .

1663

قلت: وعباد اسمه عبد الله بن أبي صالح لين الحديث كما في " التقريب " ومثله قيس بن الربيع، وضعفهما من قبل حفظهما، فمثلهما يستشهد بحديثه. وجملة القول: إن الحديث صحيح قطعا بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. (فائدة) قال المنذري في " الترغيب " (2 / 134) : " رواه ابن حبان في " صحيحه " والبيهقي وقال: قال علي بن المنذر أخبرني بعض أصحابنا قال: كان حسن بن حي يعجبه هذا الحديث، وبه يأخذ، ويحب للرجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين ". 1663 - " إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي إن خيرا فخير وإن شرا فشر ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم 8115 بترقيمي) ومن طريقه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 306) عن عمرو بن واقد عن يونس بن ميسرة بن حلبس قال: " دخلنا على يزيد بن الأسود فدخل عليه واثلة، فلما نظر إليه مد يده، فأخذ بيده فمسح بها وجهه وصدره لأنه بايع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا يزيد كيف ظنك بربك؟ قال: حسن، قال: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن يونس إلا عمرو ". قلت: وهو متروك كما في " التقريب ". لكن قد جاء من طريق أخرى قوية، أخرجه الطبراني أيضا رقم (396) وابن حبان (716) من طريق محمد بن المهاجر عن يزيد ابن عبيدة عن حيان أبي النضر قال: " خرجت عائدا ليزيد بن الأسود، فلقيت واثلة ابن الأسقع وهو يريد عيادته، فدخلنا عليه ... " فذكره بلفظ:

1664

" إن ظن بي خيرا فله، وإن ظن شرا فله ". وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " غير حيان أبي النضر وقد وثقه ابن معين، وقال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 245) عن أبيه: " صالح ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 48) . ومحمد بن المهاجر هو الأنصاري الشامي الثقة وليس محمد بن مهاجر القرشي الكوفي الضعيف. والحديث أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (909) وعنه الدارمي (2 / 305) وأحمد (3 / 491 و 4 / 106) وابن حبان أيضا (717 - 718 و 2393 و 2468) والدولابي في " الكنى " (2 / 137 - 138) والحاكم (4 / 240) من طريق هشام ابن الغاز عن حيان أبي النضر به إلا أنه قال: " فليظن بي ما شاء ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي في " تلخيصه "، لكن وقع فيه " صحيح (م) "، وهو خطأ من الناسخ أو الطابع. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به مثل لفظ ابن المهاجر. أخرجه أحمد (2 / 391) وابن حبان ( 2394) ، وسنده صحيح. 1664 - " إن المعونة تأتي من الله على قدر المؤنة، وإن الصبر يأتي من الله على قدر البلاء ". روي من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك. 1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق: الأولى: عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة.

أخرجه البزار في " مسنده " (ص 156 زوائد ابن حجر) والفاكهي في " حديثه " (1 / 20 / 1) وابن عدي في " الكامل " (206 / 1) عن طارق - زاد البزار والفاكهي: وعباد بن كثير - عن أبي الزناد به، وقال البزار: " لا نعلمه عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد ". كذا قال، ويرده ما يأتي. وقال ابن عدي: " طارق بن عمار يعرف بهذا الحديث، قال البخاري: لا يتابع عليه ". قلت: كذا قال الإمام البخاري، وفيه نظر، فقد قال بقية: حدثني معاوية بن يحيى عن أبي الزناد به. أخرجه ابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (297 / 2) وابن عدي أيضا (335 / 2) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 83 / 2) ، وقال ابن عدي: " معاوية بن يحيى الأطرابلسي بعض رواياته مما لا يتابع عليه ". قلت: وهذا تضعيف لين، ومثله قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام، وغلط من خلطه بالذي قبله ". (يعني معاوية بن يحيى الصدفي) . فقد قال ابن معين وأبو حاتم وغيرهما: " الأطرابلسي أقوى من الصدفي، وعكس الدارقطني ". قلت: فمثله حسن الحديث عند المتابعة على الأقل، وقد تابعه طارق بن عمار كما تقدم. وقد قال المنذري فيه (3 / 81) : " فيه كلام قريب، ولم يترك ".

قلت: فمثله يستشهد به، فالحديث عندي حسن بمجموع الروايتين. وله متابع ثالث ، فقد ذكر ابن عدي في ترجمة محمد بن عبد الله، ويقال: ابن الحسن (307 / 2) أنه رواه عن أبي الزناد به. قلت: ومحمد هذا هو ابن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الملقب بالنفس الزكية، وهو ثقة كما قال النسائي وغيره. وقول البخاري في حديثه: " لا يتابع عليه " لا يضره، بعد ثبوت عدالته عند من وثقه كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم الشريف. فالحديث بهذه المتابعة صحيح. وثمة متابعة رابعة ولكنها مما لا يفرح به، وهي متابعة عباد بن كثير المتقدمة والمقرونة مع طارق عند البزار. وقد أخرجها الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (ص 102 - زوائده) والديلمي (1 / 2 / 246 - 247) من طريق ابن لال معلقا عن عبد الرحمن ابن واقد حدثنا وهب بن وهب حدثنا عباد بن كثير به. وعباد بن كثير وهو الثقفي البصري متروك، فلا يستشهد به. وسند الديلمي إليه ساقط هالك، لكن إسناد البزار إليه قوي. الطريق الأخرى: عن يزيد بن صالح أخبرنا خارجة عن عباد بن كثير عن أبي الزناد عن أبي صالح عن أبي هريرة به. أخرجه ابن عساكر (5 / 205 / 2) . وعباد بن كثير متروك كما تقدم، ومن دونهما لم أعرفهما الآن. 2 - وأما حديث أنس فيرويه داود بن المحبر قال: أخبرنا العباس بن رزين السلمي عن {خلاس} بن يحيى التميمي عن ثابت البناني عنه مرفوعا. أخرجه أبو جعفر البختري في " ستة مجالس من الأمالي " (ق 114 / 2) . قلت: وداود بن المحبر متهم بالوضع فلا يستشهد به.

1665

ثم رأيت ابن أبي حاتم قد أعل حديث الأطرابلسي بعلة غريبة فقال (2 / 126) : " قال أبي: هذا حديث منكر يحتمل أن يكون بين معاوية وأبي الزناد عباد بن كثير وهو عندي الأطرابلسي ". قلت: وهذا احتمال مردود يمكن ادعاؤه في كل الروايات الثابتة عن الثقات، فمثله لا يقبل إلا بحجة، وهو لم يذكرها. نعم ذكرها في مكان آخر فلما وقفت عليها تبين ضعفها، وتأكد رد الاحتمال، فقال (2 / 133) عن أبيه: " كنت معجبا بهذا الحديث حتى ظهرت لي عورته، فإذا هو معاوية عن عباد بن كثير عن أبي الزناد. قال أبو زرعة: الصحيح ما رواه الدراوردي عن عباد بن كثير عن أبي الزناد. فبين معاوية بن يحيى وأبي الزناد عباد بن كثير، وعباد ليس بالقوي " . قلت: لا يلزم من رواية الدراوردي إياه عن عباد أن تكون رواية غيره عن أبي الزناد من طريقه عنه، ألست ترى أنه قد رواه مع معاوية طارق بن عمار ومحمد بن عبد الله بن الحسن ثلاثتهم عن أبي الزناد به. فادعاء أن بين هؤلاء الثلاثة وبين شيخهم أبي الزناد - عباد المتروك دعوى باطلة مردودة لا يخفى فسادها. وإني لأعجب من هذا الإمام كيف ذهب إليها! (المؤنة) ويقال: (المؤونة) : القوت، والجمع (مؤن) و (مؤونات) كما في " المعجم الوسيط ". 1665 - " إن الله عز وجل ينشئ السحاب فينطق أحسن النطق، ويضحك أحسن الضحك ". أخرجه أحمد (5 / 435) والعقيلي (ص 10) وابن منده في " المعرفة (2 / 279 / 1) والرامهرمزي في " الأمثال " (ص 154 - هند) والبيهقي في " الأسماء "

1666

(ص 475) والكلاباذي في " مفتاح المعاني " (90 / 1 - 2) من طرق عن إبراهيم ابن سعد أخبرني أبي قال: " كنت جالسا إلى جنب حميد بن عبد الرحمن في المسجد، فمر شيخ جميل من بني غفار، وفي أذنيه صمم أو قال: وقر، فأرسل إلى حميد، فلما أقبل، قال: يا ابن أخي أوسع له فيما بيني وبينك، فإنه قد صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء حتى جلس فيما بيني وبينه، فقال له حميد: هذا الحديث الذي حدثتني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال الشيخ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر. وقد سماه بعض الضعفاء أبا هريرة! أخرجه العقيلي والرامهرمزي في " الأمثال " من طريق عمرو بن الحصين قال: حدثنا أمية بن سعد الأموي قال: أخبرنا صفوان بن سليم عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مرفوعا به وزاد: " وضحكه البرق، ومنطقه الرعد ". ساقه العقيلي في ترجمة أمية هذا وقال فيه: " مجهول في حديثه وهم ولعله أتي من عمرو بن الحصين ". قلت: وإعلاله به أولى فإنه كذاب، فالاعتماد على الطريق الأولى. 1666 - " إن الله يوصيكم بأمهاتكم، ثم يوصيكم بآبائكم، ثم يوصيكم بالأقرب فالأقرب ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (60) وابن ماجة (3661) والحاكم (4 / 151) وأحمد (4 / 131 و 132) من طريق بقية وإسماعيل بن عياش عن بحير بن سعيد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي كرب الكندي عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحاكم:

1667

" إسماعيل بن عياش أحد أئمة أهل الشام، وإنما نقم عليه سوء الحفظ فقط ". قلت: التحقيق، أن النقمة المذكورة إنما هي في روايته عن غير الشاميين وأما روايته عنهم فهي صحيحة كما صرح بذلك جمع من الأئمة كالبخاري وغيره. ولذلك فهذا الإسناد صحيح، لأن شيخه بحير بن سعيد شامي. فما في حاشية ابن ماجة نقلا عن " الزوائد ": " في إسناده إسماعيل وروايته عن الحجازيين ضعيفة كما هنا ". قلت: فهذا خطأ، ولا أدري ممن هو، فإن نسختنا المصورة من " الزوائد " ليس فيها (ق 244 / 2) هذا الكلام، وإنما فيها عزو الحديث للمسند والبيهقي، فلعل ذلك وقع في بعض النسخ منه. ثم إنه خطأ في نفسه، فلعل القائل تحرف عليه اسم " بحير "، فظنه " يحيى "، ويحيى بن سعيد مدني. والله أعلم. 1667 - " القتيل في سبيل الله شهيد والطعين في سبيل الله شهيد والغريق في سبيل الله شهيد والخار عن دابته في سبيل الله شهيد والمجنوب في سبيل الله شهيد. قال محمد (يعني ابن إسحاق) : المجنوب: صاحب الجنب ". أخرجه أحمد (2 / 441 - 442) من طريق محمد يعني ابن إسحاق عن أبي مالك بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما تعدون الشهيد؟ " قالوا: الذي يقاتل في سبيل الله حتى يقتل. قال: " إن الشهيد في أمتي إذا لقليل. القتيل في سبيل الله شهيد ... " الحديث. قلت: وإسناده حسن، رجاله كلهم ثقات لولا أن ابن إسحاق مدلس، وقد

1668

عنعنه. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة إلا في (الخار) ، فإن له شاهدا من حديث أبي مالك الأشعري مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 37) . وإنما خرجت هذا هنا لأن السيوطي اقتصر في رسالته " أبواب السعادة " (رقم 58 - مصر (في عزوه على البيهقي، ولم يعزه محققه الأستاذ نجم عبد الرحمن خلف لأحمد، وهو على شرط الهيثمي، ولم يورده في أبواب " الجهاد " ولا " الجنائز ". ويشهد له حديث عقبة بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صرع عن دابته فهو شهيد ". أخرجه أبو يعلى (2 / 486) والطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 323 / 892) واللفظ له ولفظ أبي يعلى: " ... في سبيل الله فمات فهو شهيد ". وإسناد الطبراني صحيح، وكذلك إسناد أبي يعلى لولا أنه وقع فيه: " عبد الله ابن وهب عن عمرو بن مالك ... " وعمرو هذا لم أعرفه، والظاهر أنه محرف من " عمرو بن الحارث " كذلك وقع في " الطبراني " وهو من شيوخ ابن وهب المعروفين. ويبدو أنه وقع كذلك في نسخة " أبي يعلى " لدى الهيثمي، فإنه قال (5 / 283) : " رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفه ". ثم ذكره في مكان آخر (5 / 301) بلفظ الطبراني وقال: " ورجاله ثقات ". 1668 - " تعلمون المعاد إلى الله، ثم إلى الجنة أو إلى النار، وإقامة لا ظعن فيه، وخلود لا موت في أجساد لا تموت ". أخرجه الحاكم (1 / 83) من طريق مسلم بن خالد عن عبد الله بن عبد الرحمن بن

1669

أبي حسين عن ابن سابط عن عمرو بن ميمون الأودي قال: " قام فينا معاذ بن جبل فقال: يا بني أود! إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ". فذكره وقال: " صحيح الإسناد، ومسلم بن خالد الزنجي إمام أهل مكة ومفتيهم، إلا أن الشيخين قد نسباه إلى أن الحديث ليس من صنعته ". وأقره الذهبي. وقال الحافظ في " التقريب ": " فقيه، صدوق، كثير الأوهام ". قلت: ولكنه لم يتفرد به، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 396) بنحوه دون الجملة الأخيرة منه وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " بنحوه، وزاد فيه: " في أجساد لا تموت "، وإسناد " الكبير " جيد إلا أن ابن سابط لم يدرك معاذا. قلت: الذي سقط بينهما عمرو بن ميمون الأودي كما رواه الحاكم.. ". ثم ذكر كلام الحاكم المتقدم وأقره. قلت: الحديث له شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما في ذبح الموت في ثورة كبش وفيه: " ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت ". فهو بها صحيح. والله أعلم. 1669 - " إن جبريل عليه السلام حين ركض زمزم بعقبه جعلت أم

إسماعيل تجمع البطحاء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رحم الله هاجرا أم إسماعيل، لو تركتها كانت عينا معينا ". رواه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (5 / 121) وابن حبان (1028) وأبو بكر المقريء في " الفوائد " (1 / 109 / 1) وابن عساكر (19 / 279 / 2 ) عن حجاج الشاعر حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي قال: سمعت أيوب يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم به. ومن هذا الوجه رواه ابن شاهين في " الأفراد " (5 / 32 - 33) ثم قال: " حديث غريب، تفرد به حجاج بن الشاعر، لا أعلم قال فيه: " عن ابن عباس عن أبي بن كعب " غير حجاج ومحمد بن علي بن الوضاح البصري عن وهب بن جرير، ورواه حماد بن زيد وابن علية عن أيوب عن ابن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس لم يذكر فيه أبي ابن كعب ". قلت: وهذا اختلاف لا يضر لأن غاية ما يمكن أن يؤخذ منه أن الصواب فيه أنه من مسند ابن عباس، وليس من مسند أبي، وابن عباس صحابي مشهور ولكنه كان صغيرا قد ناهز الحلم حين وفاته صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن سمعه منه، فقد سمعه من بعض الصحابة عنه، فهو مرسل صحابي ومراسيل الصحابة حجة، ورجال السند كلهم ثقات رجال مسلم فالسند صحيح. (ركض) أي ضرب. في " النهاية ": " أصل الركض: الضرب بالرجل والإصابة بها كما تركض الدابة وتصاب بالرجل ". والحديث أخرجه البخاري (رقم 3362 - فتح) وأحمد (1 / 360) من طريق أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس مرفوعا نحوه. ثم أخرجه البخاري (2368 و 3364) وأحمد (1 / 347) من طريق أيوب

1670

السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة - يزيد أحدهما على الآخر - عن سعيد بن جبير به. وقد تكلم الحافظ على اختلاف الرواة في إسناده مبسطا، وانتهى إلى أنه خلاف لا يضر، فمن شاء الاطلاع عليه فليرجع إلى " فتح الباري " (6 / 401 - 402 - السلفية) . 1670 - " نهى عن الإقعاء والتورك في الصلاة ". أخرجه أحمد (3 / 233) والسراج في " مسنده " (4 / 73 / 1) عن يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس مرفوعا. وقال البيهقي: " تفرد به يحيى بن إسحاق السيلحيني عن حماد بن سلمة ". قلت: وهما ثقتان من رجال مسلم، فالإسناد صحيح، لكن قال عبد الله بن أحمد عقب روايته لهذا الحديث في مسند أبيه: " كان أبي قد ترك هذا الحديث ". قلت: لعل سبب الترك أنه قد ثبت كل من الإقعاء والتورك في الصلاة عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله في موضعين، الإقعاء بين السجدتين، والتورك في التشهد الثاني الذي يليه السلام، كما هو مبين في كتابي " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم "، لكن الجمع ممكن، بحمل الحديث على الإقعاء والتورك في غير الموضعين المشار إليهما، كما فعل النووي وغيره بحديث: " وكان ينهى عن عقبة الشيطان " فقالوا: المراد به الإقعاء المنهي عنه. مع أنه قد أعل بالانقطاع، ولكنه صحيح لشواهده كما بينته في " صحيح أبي داود " (752) ، ومنها حديث الترجمة. والله سبحانه وتعالى أعلم. 1671 - " إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها ".

1672

أخرجه أبو داود (3114) وابن حبان (2575) والحاكم (1 / 340) وعنه البيهقي (3 / 384) عن يحيى بن أيوب عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري: أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1672 - " إن الناس يهاجرون إليكم، ولا تهاجرون إليهم، والذي نفس محمد بيده لا يحب رجل الأنصار حتى يلقى الله تبارك وتعالى إلا لقي الله تبارك وتعالى وهو يحبه ولا يبغض رجل الأنصار حتى يلقى الله تبارك وتعالى إلا لقي الله تبارك وتعالى وهو يبغضه ". أخرجه أحمد (3 / 429) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 3356) من طريق عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل قال: أنبأنا حمزة بن أبي أسيد وكان أبوه بدريا عن الحارث بن زياد الساعدي الأنصاري: أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وهو يبايع الناس على الهجرة، فقال: يا رسول الله بايع هذا، قال: ومن هذا؟ قال: ابن عمي حوط بن يزيد أو يزيد بن حوط، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أبايعك: إن الناس.... ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري، وفي ابن الغسيل كلام لا يضره، وقد تابعه على بعضه سعيد بن المنذر بن أبي حميد الساعدي عن حمزة به مرفوعا بلفظ: " من أحب الأنصار أحبه الله يوم يلقه، ومن أبغض الأنصار أبغضه الله يوم يلقاه ".

1673

أخرجه أحمد (4 / 321) والطبراني أيضا (3357) وابن حبان (2291) . وسعيد بن المنذر لم أعرفه. وتقدم بهذا اللفظ من رواية آخرين من الصحابة فراجعه إن شئت برقم (991) . 1673 - " إن النهبة لا تحل ". أخرجه ابن ماجة (3938) والطحاوي في " المشكل " (2 / 131) وعبد الرزاق (18841) وابن حبان (1679) والحاكم (2 / 134) والطيالسي (رقم 1195) وأحمد (5 / 367) والطبراني في " الكبير " (1371 - 1380) من طرق عن سماك ابن حرب عن ثعلبة بن الحكم قال: " أصبنا غنما للعدو، فانتهبناها، فنصبنا قدورنا، فمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور، فأمر بها فأكفئت، ثم قال: " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وسكت عنه الذهبي، وهو كما قال . وخالفهم أسباط بن نصر فقال: عن سماك عن ثعلبة عن ابن عباس فذكره. أخرجه الحاكم. وأسباط بن نصر كثير الخطأ كما قال الحافظ، فلا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف. وله شاهد من حديث رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، وأصابوا غنما فانتهبوها، فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه، فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: " إن النهبة ليست بأحل من الميتة. أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة ". شك هناد.

أخرجه أبو داود (2705) وعنه البيهقي (9 / 61) من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه . قلت: وإسناده صحيح. وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب، منهم زيد بن خالد أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم " نهى عن النهبة والخلسة ". أخرجه أحمد (4 / 117 و 5 / 193) من طريق مولى الجهنية عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد الجهني عن أبيه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الرحمن بن زيد بن خالد لم أعرفه. ولعله الذي في كنى " التهذيب ": " أبو حرب بن زيد بن خالد الجهني. روى عن أبيه. وعنه بكير ابن عبد الله بن الأشج ". ثم رأيت الحافظ ابن حجر أورده في " التعجيل " لهذا الحديث وقال: " لا يعرف حاله، ولا اسم الراوي عنه ". ومنهم جابر بن عبد الله قال: " لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة، فأخذوا الحمر الإنسية فذبحوها، وملؤا منها القدور، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال جابر: فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكفأنا القدور وهي تغلي، فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ الحمر الإنسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطيور وحرم المجثمة والخلسة والنهبة ". أخرجه أحمد (3 / 323) من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه.

قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم، لكن عكرمة بن عمار صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب كما في " التقريب ". ثم أخرجه أحمد (3 / 335) من طريق ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعا مختصرا بلفظ: " نهى عن النهبة ". وابن لهيعة سيء الحفظ، لكن تابعه ابن جريج قال: قال أبو الزبير بلفظ: " من انتهب نهبة مشهورة فليس منا ". أخرجه أحمد (3 / 380) وابن ماجة (3935) والطحاوي (2 / 130 - 131) وتابعه زهير بن معاوية حدثنا أبو الزبير به. فالعلة عنعنة أبي الزبير. (تنبيه) الخلسة بالضم ما يؤخذ سلبا ومكابرة كما في " النهاية ". وهكذا هو في حديث زيد بن خالد المتقدم من رواية أحمد في الموضعين المشار إليهما من " مسنده ". ووقع في " الجامع الصغير ": (الخليسة) على وزن فعيلة بمعنى مفعولة، وهي ما يستخلص من السبع فيموت قبل أن يذكى. وقد رويت هذه اللفظة في حديث وهب بن خالد الحمصي حدثتني أم حبيبة بنت العرباض قالت: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم يوم خيبر كل ذي مخلب من الطير ولحوم الحمر الأهلية والخليسة والمجثمة وأن توطأ السبايا حتى يضعن ما في بطونهن. أخرجه أحمد (4 / 127) والترمذي (1 / 279) والحاكم (2 / 135) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: أم حبيبة هذه مجهولة كما أشار إلى ذلك الذهبي نفسه بقوله في " الميزان " :

1674

" تفرد عنها وهب أبو خالد ". ووقعت هذه اللفظة في " المستدرك " بلفظ: " الخلسة ". وجملة القول: إن الحديث بلفظ " الخليسة " لم يثبت عندي، ولفظ " الخلسة " جاء ذكره في حديث زيد بن خالد وجابر بن عبد الله في " المسند " والعرباض في " المستدرك " فهو صحيح إن شاء الله تعالى. (تنبيه آخر) عزا صاحبنا الشيخ حمدي السلفي في تعليقه على " كبير الطبراني " (3 / 76) حديث الترجمة للإمام أحمد في " المسند " (4 / 194) . وإنما روى الإمام في هذا الموضع حديث أبي ثعلبة الخشني قصة الحمر الإنسية وذبحهم إياها .. نحو حديث جابر المتقدم وفيه قصة أخرى في أكلهم البصل والثوم، وذهابهم إلى المسجد، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من أكل هذه البقلة الخبيثة فلا يقربنا " وقال: " لا تحل النهبة ولا يحل كل ذي ناب من السباع ولا تحل المجثمة ". وفيه عنعنة بقية. 1674 - " إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 257) وأحمد (4 / 62 و 5 / 375) من طريق جنادة بن أبي أمية أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بعضهم لبعض: إن الهجرة قد انقطعت، فاختلفوا في ذلك، قال: فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إن أناسا يقولون: إن الهجرة قد انقطعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الطحاوي: " ما دام الجهاد ".

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير جنادة بن أبي أمية الأزدي ولكنه صحابي كما بينه الحافظ في " الإصابة "، وصحح هذا الحديث. وللحديث شاهدان بلفظ: " لا تنقطع الهجرة ما جوهد العدو ". الأول: أخرجه الطحاوي (3 / 258) وأحمد (5 / 270) والخطيب في " الموضح " (2 / 33) من طريق عطاء الخراساني حدثني ابن محيريز عن عبد الله بن السعدي رجل من بني مالك بن حنبل مرفوعا به. وسنده لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات إلا أن الخراساني صدوق يهم كثيرا، لكن تابعه بسر بن عبيد الله عن عبد الله بن محيريز به. أخرجه ابن حبان (1579) والبزار (1748) إلا أنه قال: عن ابن السعدي عن محمد بن حبيب المصري مرفوعا وقال: " لا نعلم روى محمد إلا هذا ". قلت: ذكره في هذا الإسناد شاذ كما يدل عليه رواية ابن حبان وأحمد المتقدمتين وغيرهما مما يأتي، وقد أشار إلى هذا البغوي كما نقله عنه العسقلاني في ترجمة محمد هذا في " الإصابة " فراجعه إن شئت. والآخر: أخرجه أحمد أيضا (5 / 363) من طريق رجاء بن حيوة عن أبيه عن الرسول الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال: فذكره. ورجاله ثقات غير حيوة والد رجاء فلم أعرفه. ثم وجدت للشاهد الأول طريقا أخرى عند أحمد أيضا (1 / 192) من طريق شريح بن عبيد يرده إلى مالك بن يخامر عن ابن السعدي به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.

1675

وأخرجه الطحاوي من طريقين آخرين عن ابن السعدي به. وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وثوبان عند البزار وغيره. 1675 - " إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربا أو مواما حتى يتكلموا في الوالدان والقدر ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 12764) و " الأوسط " (2442 - بترقيمي) وعنه أبو موسى المديني في " منتهى رغبات السامعين " (1 / 248 / 1) والحاكم (1 / 33) من طريق محمد بن أبان الواسطي أخبرنا جرير بن حازم قال: سمعت أبا رجاء العطاردي يقول: سمعت ابن عباس يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال البخاري، وفي الواسطي كلام لا يؤثر فيه. على أنه قد توبع، فأخرجه البزار في " مسنده " (ص 130 - زوائد ابن حجر) ، وابن حبان (1824) والحاكم أيضا من طرق أخرى عن جرير بن حازم به مرفوعا. وقال البزار: " رواه جماعة فوقفوه ". قلت: ولكنه في حكم المرفوع لأنه لا يقال بالرأي كما هو ظاهر. وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي. والحديث قال الهيثمي (7 / 202) : " رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال البزار رجال الصحيح ". وأخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 174) من طريق أبي أسامة حدثنا جرير به موقوفا على ابن عباس.

1676

(مواما) : مأخوذ من الأمم وهو القرب بمعنى (مقارب) أيضا، ومعناه التكلم فيما لا يعنيهم، قاله أبو موسى المديني. 1676 - " إن أناسا من أمتي يأتون بعدي، يود أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله ". أخرجه الحاكم (4 / 85) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد حدثنا عمرو بن أبي عمرو حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو حسن فقط للخلاف في عبد الرحمن بن أبي الزناد. والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 66) وقال: " رواه البزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات ". قلت: قد تابعه يعقوب بن عبد الرحمن عن سهيل به نحوه. أخرجه مسلم في " صحيحه " ، وقد مضى لفظه برقم (1418) . 1677 - " إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته يجر أمعاءه في النار ". أخرجه أحمد (1 / 446) من طريق إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير الهجري فإنه لين الحديث رفع موقوفات كما قال الحافظ.

قلت: لكن لحديثه شواهد: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: " رأيت عمرو بن عامر يجر قصبه في النار وكان أول من سيب السائبة وبحر البحيرة " أخرجه أحمد (2 / 275 و 366 ) والبخاري (6 / 400 و 8 / 213 - فتح) ومسلم (8 / 155) وابن أبي عاصم في الأوائل (5 / 2) وليس عندهم " وبحر البحيرة "، وأما قول الحافظ: " زاد مسلم: وبحر البحيرة وغير دين إسماعيل ". قلت: فأظنه وهما منه، فإنه ذكره في مكان آخر (6 / 399) من رواية ابن إسحاق في " السيرة الكبرى " فقط لم ينسبها لغيره ولا وجدتها في مكان آخر، وهو في " السيرة النبوية " لابن هشام (1 / 78 - 79) هكذا: قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التميمي أن أبا صالح السمان حدثه أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي: " يا أكثم! رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا بك منه ". فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله؟ قال: " لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه كان أول من غير دين إسماعيل، فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي ". وأخرجه ابن أبي عاصم في " الأوائل " (ق 9 / 2 رقم الحديث 192 - منسوختي) . قلت: وهذا إسناد حسن، فهو شاهد قوي لحديث الترجمة.

1678

وأخرجه ابن أبي عاصم ( ق 20 / 1) والحاكم (4 / 605) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وإنما هو حسن فقط. وأخرج له شاهدا من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي ابن كعب عن أبيه مرفوعا به نحوه في حديث فيه: " وهو أول من حمل العرب على عبادة الأصنام ". أخرجه الحاكم أيضا وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي أيضا، وإنما هو حسن فقط للخلاف المعروف في ابن عقيل. وله شاهد مختصر بلفظ: " أول من غير دين إبراهيم عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة ". أخرجه ابن أبي عاصم (23 / 1) والطبراني في " الكبير " (رقم - 10808) و" الأوسط " (202 - ترقيمي) عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد حسن في الشواهد على الأقل. 1678 - " إن أول منسك (وفي رواية: نسك) يومكم هذا الصلاة ". أخرجه أحمد (4 / 282) والطبراني في " الكبير " (رقم - 1169) من طريق أبي جناب الكلبي حدثني يزيد بن البراء عن أبيه قال:

1679

" كنا جلوس ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم (في المصلى) يوم الأضحى، فجاء فسلم على الناس، وقال: (فذكره) ، فتقدم فصلى بالناس ركعتين ثم سلم، فاستقبل القوم بوجهه، ثم أعطي قوسا أو عصا فاتكأ عليها، فحمد الله عز وجل وأثنى عليه، وأمرهم ونهاهم ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي أبي جناب واسمه يحيى بن أبي حبة كلام المؤثر منه تدليسه، ولكنه قد صرح هنا بالتحديث كما ترى. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما نحوه. 1679 - " إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم لجرت، وإنهم ليبكون الدم . يعني مكان الدمع ". أخرجه الحاكم (4 / 605) من طريق أبي النعمان محمد بن الفضل حدثنا سلام بن مسكين قال: حدث أبو بردة عن عبد الله بن قيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " حديث صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وحقه أن يزيد قوله: " على شرط الشيخين "، فإن رجاله كلهم من رجالهما، لكن أبا النعمان هذا - ويلقب بـ (عارم) - كان اختلط، ولا أدري أحدث به قبل الاختلاط أم بعده؟ لكن يشهد للحديث ما رواه يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى يصير في وجوههم كهيئة الأخدود، لو أرسلت فيه السفن لجرت ". أخرجه ابن ماجة (4324) وابن أبي الدنيا في " صفة النار " (ق 12 / 1) .

1680

قلت: ويزيد الرقاشي ضعيف، وسائر رجاله رجال الشيخين. ولا يغتر بما رواه عثمان بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به. أخرجه الخطيب (11 / 283) . قلت: لا يغتر به لأن عثمان هذا متهم بالوضع لكن الحديث بمجموع طريق عبد الله ابن قيس والرقاشي حسن إن شاء الله تعالى. 1680 - " إن أهون أهل النار عذابا يوم القيامة رجل يحذى له نعلان من نار يغلي منهما دماغه يوم القيامة ". أخرجه الحاكم (4 / 580) وأحمد (2 / 432 و 439) من طريق محمد بن عجلان قال : سمعت أبي يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. ثم أخرجه من حديث أبي سعيد والنعمان بن بشير وابن عباس نحوه. وحديث النعمان عند البخاري (4 / 243) ومسلم (1 / 136) وغيرهما. وحديث ابن عباس عند مسلم أيضا وفيه أن الرجل هو أبو طالب وكذلك أخرجه من حديث العباس، وقد خرجته فيما تقدم برقم (55) . وحديث أبي سعيد عند مسلم أيضا، وفيه ذكر أبي طالب في رواية له. (يحذى) أي يقطع ويعمل، و (الحذو) التقدير والقطع. 1681 - " إن بني إسرائيل لما هلكوا قصوا ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 7305) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 362) عن أبي أحمد الزبير أخبرنا سفيان عن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل عن أبي

الهذيل عن خباب عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث الأجلح والثوري، تفرد به أبو أحمد ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير الأجلح وهو ابن عبد الله بن حجية، وهو صدوق كما قال الذهبي في " الضعفاء " والحافظ في " التقريب " ولا عيب فيه سوى أنه شيعي ولكن ذلك لا يضر في الرواية لأن العمدة فيها إنما هو الصدق كما حرره الحافظ في " شرح النخبة ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 189) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله موثقون، واختلف في الأجلح الكندي، والأكثر على توثيقه ". والحديث أورده عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام " (ق 8 / 1) وقال: " رواه البزار من حديث شريك - هو ابن عبد الله - عن أبي سنان عن أبي - لعله عن ابن أبي - الهزيل عن خباب مرفوعا وقال: هذا إسناد حسن كذا قال: وليس مما يحتج به. قلت: وذلك لضعف شريك بن عبد الله القاضي، لكن الطريق الأولى تشهد له وتقويه . ولم يورده الهيثمي في " كشف الأستار عن زوائد البزار " فلعله في غير " المسند " له. (قصوا) قال في " النهاية ": وفي رواية: " لما هلكوا قصوا " أي اتكلوا على القول وتركوا العمل، فكان ذلك سبب هلاكهم، أو بالعكس، لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص ". وأقول: ومن الممكن أن يقال: إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه والعلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم فيحملهم ذلك على العمل

1682

الصالح، لما فعلوا ذلك هلكوا. وهذا هو شأن كثير من قصاص زماننا الذين جل كلامهم في وعظهم حول الإسرائيليات والرقائق والصوفيات. نسأل الله العافية. 1682 - " إن بين يدي الساعة الهرج، قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل، إنه ليس بقتلكم المشركين، ولكن قتل بعضكم بعضا (حتى يقتل الرجل جاره ويقتل أخاه ويقتل عمه ويقتل ابن عمه) قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟ قال: إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان، ويخلف له هباء من الناس، يحسب أكثرهم أنهم على شيء وليسوا على شيء ". أخرجه أحمد (4 / 391 - 392 و 414) من طريق علي بن زيد عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره . قال أبو موسى: " والذي نفسي بيده ما أجد لي ولكم منها مخرجا إن أدركتني وإياكم - إلا أن نخرج منها كما دخلنا فيها، لم نصب منها دما ولا مالا ". قلت: وهذا سند ضعيف، علي بن زيد وهو ابن جدعان لا يحتج به، لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه أحمد (4 / 406) وابن ماجة (3959) من طريقين عن الحسن: حدثنا أسيد بن المتشمس قال: حدثنا أبو موسى حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وفيه الزيادة التي بين القوسين. قلت: وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أسيد وهو ثقة كما قال الحافظ في " التقريب ". وأخرجه ابن حبان (1870) من طريق هزيل بن شرحبيل عن أبي موسى الأشعري مرفوعا بلفظ: " إن بين يدي الساعة لفتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا

(الحديث) وفيه: كسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير ابني آدم ". وسنده صحيح. وللطرف الأول منه شاهد من حديث عزرة بن قيس عن خالد بن الوليد قال: " كتب إلي أمير المؤمنين حين ألقى الشام بوانيه بثنية وعسلا، فأمرني أن أسير إلى الهند، والهند (في أنفسنا) يومئذ البصرة، قال: وأنا لذلك كاره ، قال: فقام رجل فقال لي: يا أبا سليمان اتق الله فإن الفتن قد ظهرت، قال: فقال: وابن الخطاب حي؟ ! إنما تكون بعده. والناس بذي بليان، أو بذي بليان بمكان كذا وكذا، فينظر الرجل فيتفكر هل يجد مكانا لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو فيه من الفتنة والشر فلا يجده، قال: وتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين يدي الساعة الهرج "، فنعوذ بالله أن تدركنا وإياكم تلك الأيام ". أخرجه أحمد (4 / 90) والطبراني (رقم - 3841 ) بسند حسن في المتابعات والشواهد. عزرة بن قيس لم يوثقه غير ابن حبان، وسائر رواته ثقات. (هباء) أي قليل العقل. (بوانيه) أي خيره وما فيه من السعة والنعمة. و (البواني) في الأصل: أضلاع الصدر وقيل الأكتاف والقوائم الواحدة: (بانية) كما في " النهاية ". (بثنية) قال ابن الأثير : " البثنية: خطة منسوبة إلى (البثنة) وهي ناحية من رستاق دمشق. وقيل هي الناعمة اللينة، من الرملة اللينة، يقال لها: بثنة. وقيل: هي الزبدة، أي صارت كأنها زبدة وعسل، لأنها صارت تجبى أموالها من غير تعب ". قوله: (بذي بليان أو بذي بليان) ، هذه رواية أحمد، وقال الطبراني:

1683

" ... وذي بليان " ولا يخلو من شيء، ولعل الصواب ما في " النهاية ": " ... بذي بلي وذي بلى. وفي رواية: بذي بليان. أي إذا كانوا طوائف وفرقا من غير إمام. وكل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلي. وهو من بلى في الأرض إذا ذهب. أراد ضياع أمور الناس بعده ". 1683 - " إن بين يدي الساعة ثلاثين دجالا كذابا ". أخرجه أحمد (2 / 117 - 118) عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عمر أنه كان عنده رجل من أهل الكوفة، فجعل يحدثه عن المختار فقال ابن عمر : " إن كان كما تقول فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره . قلت: وهذا إسناد ضعيف، يوسف بن مهران هذا لين الحديث لم يرو عنه غير علي ابن زيد وهو ابن جدعان وهو ضعيف. لكن له طريق أخرى عند أحمد أيضا (2 / 104 ) من طريق عبد الرحمن بن نعيم الأعرجي قال: " سأل رجل ابن عمر - وأنا عنده - عن المتعة متعة النساء، فغضب وقال: والله ما كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زنائين ولا مسافحين، ثم قال: والله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليكونن قبل المسيح الدجال كذابون ثلاثون، أو أكثر ". ورجاله ثقات غير عبد الرحمن هذا فقال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 293) عن أبي زرعة: " لا أعرفه إلا في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليكونن ... " فذكره. ولهذا قال الحسيني: " فيه جهالة. وأقره الحافظ في " التعجيل ".

وجاء في " اللسان ". " عبد الرحمن بن نعيم بن قريش. كان في عصر الدارقطني. وقال في " المؤتلف والمختلف ": إن له أحاديث غرائب انتهى. وقال: قال: سألت أبا زرعة عنه فقال: كوفي لا أعرفه إلا في حديث واحد عن ابن عمر. روى عنه طلحة بن مصرف ". قلت: وهذا خلط فاحش بين ترجمتين، فإن قول أبي زرعة هذا إنما هو في عبد الرحمن الأعرجي صاحب هذا الحديث، وهو تابعي كما ترى، فأين هو ممن كان في عصر الدارقطني. ويغلب على الظن أن في النسخة سقطا بين قوله: انتهى. وقوله: " وقال "، ثم لينظر من الفاعل في " وقال: قال "؟ لكن الحديث بمجموع الطريقين حسن، وهو صحيح بشواهده الكثيرة من حديث أبي هريرة وجابر بن سمرة وثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. 1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق وألفاظ أقربها إلى حديث الترجمة رواية خلاس عنه مرفوعا بلفظ: " بين يدي الساعة قريب من ثلاثين دجالين كذابين، كلهم يقول: أنا نبي، أنا نبي! ". أخرجه أحمد (2 / 429) بسند صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (2 / 406 و 4 / 380) ومسلم (8 / 189) والترمذي (2 / 34) وأحمد أيضا (2 / 236 - 237 و 313 و 530) من طرق أخرى عنه بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 2 - وأما حديث جابر بن سمرة فيرويه سماك عنه مرفوعا بلفظ:

" إن بين يدي الساعة كذابين (فاحذروهم) ". أخرجه مسلم وأحمد (5 / 86 - 90 و 92 و 94 - 96 و 100 و 101 و 106 و 107) . 3 - وأما حديث ثوبان فيرويه أبو أسماء الرحبي عنه مرفوعا في حديث " إن الله زوى لي الأرض.... " وفيه: " ... وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي ". أخرجه أبو داود (4252) وابن ماجة (3952) وأحمد (5 / 278) بسند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 171) بدون هذه الزيادة وغيرها مما في طريق الأولين، وكذلك أخرجه الترمذي (2 / 27) وقال: " حسن صحيح ". واعلم أن من هؤلاء الدجالين الذين ادعوا النبوة ميرزا غلام أحمد القادياني الهندي، الذي ادعى في عهد استعمار البريطانيين للهند أنه المهدي المنتظر، ثم أنه عيسى عليه السلام، ثم ادعى أخيرا النبوة، واتبعه كثير ممن لا علم عنده بالكتاب والسنة، وقد التقيت مع بعض مبشريهم من الهنود والسوريين، وجرت بيني وبينهم مناظرات كثيرة كانت إحداها تحريرية، دعوتهم فيها إلى مناظرتهم في اعتقادهم أنه يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنبياء كثيرون! منهم نبيهم ميرزا غلام أحمد القادياني. فبدأوا بالمراوغة في أول جوابهم، يريدون بذلك صرف النظر عن المناظرة في اعتقادهم المذكور، فأبيت وأصررت على ذلك، فانهزموا شر هزيمة، وعلم الذين حضروها أنهم قوم مبطلون. ولهم عقائد أخرى كثيرة باطلة، خالفوا فيها إجماع الأمة يقينا، منها نفيهم البعث الجسماني، وأن النعيم والجحيم للروح دون الجسد، وأن العذاب بالنسبة للكفار منقطع. وينكرون وجود الجن، ويزعمون أن الجن المذكورين في القرآن هم طائفة من البشر! ويتأولون نصوص القرآن المعارضة لعقائدهم تأويلا منكرا على نمط تأويل الباطنية

1684

والقرامطة، ولذلك كان الإنكليز يؤيدونه ويساعدونه على المسلمين، وكان هو يقول: حرام على المسلمين أن يحاربوا الإنكليز! إلى غير ذلك من إفكه وأضاليله. وقد ألفت كتب كثيرة في الرد عليه، وبيان خروجه عن جماعة المسلمين، فليراجعها من شاء الوقوف على حقيقة أمرهم. 1684 - " إن رجلا من العرب يهدي أحدهم الهدية، فأعوضه منها بقدر ما عندي، ثم يتسخطه ، فيظل يتسخط علي وايم الله لا أقبل بعد مقامي هذا من رجل من العرب هدية إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (596) وعنه الترمذي (2 / 330) والسياق له - وهو أتم - عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: " أهدى رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ناقة من إبله التي كانوا أصابوا بـ (الغابة) ، فعوضه منها بعض العوض، فتسخطه ، فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر يقول.... " فذكره. وقال: " هذا حديث حسن، وهو أصح من حديث يزيد بن هارون عن أيوب ". قلت: يشير إلى ما أخرجه قبله قال: حدثنا أحمد بن منيع: حدثنا يزيد بن هارون : أخبرني أيوب عن سعيد المقبري به بشيء من الاختصار وقال: " قد روي من غير وجه عن أبي هريرة. ويزيد بن هارون يروي عن أيوب أبي العلاء وهو أيوب بن مسكين، ويقال ابن أبي مسكين. ولعل هذا الحديث الذي رواه عن أيوب عن سعيد المقبري. وهو أيوب أبو العلاء ". قلت: كذا في الأصل طبعة بولاق، وفي العبارة شيء. ثم رجعت إلى نسخة الأحوذي فإذا العبارة فيه هكذا:

1685

ولعل هذا الحديث الذي روي عن أيوب عن سعيد المقبري هو أيوب أبو العلاء وهو أيوب بن مسكين ". ولعل هذا هو الصواب. والله أعلم. وأيوب هذا صدوق له أوهام كما في " التقريب ". وابن إسحاق مدلس، ومن طريقه أخرجه أبو داود (3537) مختصرا. وقد توبع، فقال أحمد (2 / 292) : حدثنا يزيد: أنبأنا أبو معشر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري به. وأبو معشر هذا اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي المدني وفيه ضعف. ويزيد هو ابن هارون، فالظاهر أن له فيه شيخين أيوب بن أبي مسكين وأبو معشر. وتابعه ابن عجلان عن المقبري به. أخرجه البيهقي (6 / 180) ، فالحديث بمجموع هذه المتابعات صحيح. وله طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا. أخرجه ابن حبان (1145) . وله عنده وعند الضياء (62 / 281 / 2) شاهد من حديث ابن عباس. وسنده صحيح. 1685 - " إن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان؟! فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك. أو كما قال ". رواه مسلم (8 / 36) وابن أبي الدنيا في " حسن الظن بالله " (190 / 1 - 2)

قالا - واللفظ لابن أبي الدنيا -: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث ... فذكره. ثم رواه ابن أبي الدنيا من طريق أخرى موقوفا: حدثنا أبو حفص الصفار قال: حدثنا جعفر بن سليمان قال: حدثنا أبو عمران الجوني عن جندب بن عبد الله البجلي قال: فذكره موقوفا. قلت: والإسناد الأول ضعيف، فإن سويد بن سعيد مع كونه من شيوخ مسلم، فقد ضعف . بل روى الترمذي عن البخاري أنه ضعيف جدا. ونحوه ما روى الجنيدي عنه قال: " فيه نظر، عمي فتلقن ما ليس من حديثه ". وقد أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال أحمد: متروك الحديث. وقال ابن معين: كذاب. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال البخاري.... وقال أبو حاتم: صدوق كثير التدليس. وقال الدارقطني: ثقة غير أنه كبر: فربما قرىء عليه حديث فيه بعض النكارة فيجيزه " . وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول ". قلت: فمثله لا تطمئن النفس للاحتجاج بخبره، لاسيما مع مجيئه موقوفا من الطريق الأخرى، ورجالها ثقات غير أبي حفص الصفار فلم أعرفه الآن. لكن وجدت لسويد بن سعيد متابعا، أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 96 / 2) من طريق سويد بن سعيد وأبي سلمة يحيى بن خلف الباهلي كلاهما قالا: حدثنا معتمر بن سليمان به مرفوعا. والباهلي هذا ثقة من شيوخ مسلم الذين احتج بهم في " الصحيح ".

1686

فبه صح الحديث، والحمد لله على توفيقه. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. وكذا من حديث أبي قتادة. وإسناد الأول حسن كما بينته في " تخريج المشكاة " (2347) . ثم وجدت له متابعين آخرين ، فرواه الطبراني في " المعجم الكبير " (1679) من طريق صالح بن حاتم بن وردن وهريم بن عبد الأعلى قالا: حدثنا معتمر بن سليمان به. ثم أخرجه (1680) من طريق حماد بن سلمة: حدثنا أبو عمران به. وهذه متابعة أخرى قوية من حماد لسليمان، والإسناد صحيح أيضا على شرط مسلم. قوله: (يتألى) أي يحلف. و ( الألية) على وزن (غنية) : اليمين. قال النووي: " وفي الحديث دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء الله غفرانها ". قلت: وفيه دليل صريح أن التألي على الله يحبط العمل أيضا كالكفر، وترك صلاة العصر، ونحوها. انظر تعليق على كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 192 ) ، وقد صدر المجلد الأول منه والحمد لله، راجيا أن ييسر الله صدور تمامه وتداوله قريبا إن شاء الله تعالى. 1686 - " إن طعام الواحد يكفي الاثنين، وإن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة، وإن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة ". أخرجه ابن ماجة (3255) من طريق عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، عمرو بن دينار هذا ضعيف كما في " التقريب " وغيره. لكن للحديث شواهد تشهد لصحته. الأول: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة " . أخرجه مالك (2 / 928 / 20) وعنه البخاري (3 / 496) وكذا مسلم (6 / 132 ) والترمذي (1 / 335) وقال: " حسن صحيح " عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عنه به. وتابعه سفيان بن عيينة عن أبي الزناد به. أخرجه أحمد (2 / 244) . ثم أخرجه (2 / 407) عن علي بن زيد عمن سمع أبا هريرة. الثاني: عن جابر مرفوعا بلفظ: " طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة، وطعام الأربعة يكفي الثمانية ". أخرجه مسلم وابن ماجة (3254) والدارمي (2 / 100) وأحمد (3 / 301 و 382 ) عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله. وتابعه أبو سفيان عن جابر به. أخرجه مسلم والترمذي وأحمد (3 / 301 و 315) . الثالث: عن عبد الله بن عمر مرفوعا بلفظ: " طعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية، فاجتمعوا عليه، ولا تفرقوا عنه ".

1687

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 13236) عن أبي الربيع السمان عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه. قلت: وأبو الربيع - واسمه أشعث بن سعيد السمان - متروك، وقد تفرد بقوله: " فاجتمعوا عليه.. ". لكن لهذه الزيادة شواهد فانظر الحديث (664) . 1687 - " إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته ". أخرجه مسلم (7 / 117) والبخاري في " الأدب المفرد " (600) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 274) و " مشكل الآثار " (2 / 290 - 291) وأحمد (6 / 155 و 167) وأبو يعلى (3 / 1095) عن سعيد بن العاص أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم (زاد مسلم وغيره: وعثمان) حدثاه: أن أبا بكر استأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على فراشه لابس مرط عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: " اجمعي عليك ثيابك " فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة: يا رسول الله مالي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ورواه محمد بن أبي حرملة عن عطاء وسليمان ابني يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيتي كاشفا عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال ... (الحديث وفيه) :

ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وسوى ثيابه.. قالت عائشة: دخل أبو بكر.. الحديث وفيه ... ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟ فقال: " ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟ ". أخرجه مسلم والطحاوي في " المشكل " (2 / 283) وأبو يعلى (3 / 1178 - 1179) وليس عند الطحاوي قوله: " أو ساقيه "، وهو شك من بعض الرواة وقد جاء الحديث بدون الشك من طريق أخرى، أخرجه أحمد (6 / 32) عن مروان قال: أنبأنا عبيد الله بن سيار قال: سمعت عائشة بنت طلحة تذكر عن عائشة به مختصرا. قلت: وعبيد الله بن سيار هذا لم أجد له ترجمة، وقد أورده في " التعجيل " قائلا: " روى عن عائشة رضي الله عنها، وعنه مروان. قال الحسيني: مجهول. قلت: ما رأيته في " مسند عائشة رضي الله عنها " من مسند أحمد "! قلت: كذا وقع فيه: " عن عائشة رضي الله عنها " فهذا يوهم أن المترجم روى عن عائشة الصديقة، وإنما روى عن عائشة بنت أبي طلحة عنها كما ترى. وله شاهد من حديث عمرو بن مسلم - صاحب المقصورة - عن أنس بن مالك قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار، فإذا بئر في الحائط فجلس على رأسها، ودلى رجليه وبعض فخذه مكشوف وأمرني أن أجلس على الباب، فلم ألبث أن جاء أبو بكر. الحديث وفيه: قالوا: لم يا رسول الله غطيت فخذك حين جاء عثمان؟ فقال : إني لأستحي ممن يستحي منه الملائكة ". أخرجه الطحاوي (2 / 284) وسنده جيد في الشواهد، رجاله ثقات معروفون غير عمر بن مسلم هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 260) برواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وللحديث شاهد آخر من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا بلفظ:

1688

" ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة ". أخرجه الحاكم (3 / 95 و 103) وقال: " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي. واعلم أنه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الفخذ عورة " وهو مخرج في " إرواء الغليل " (66) ، فقد يشكل هذا على بعض الناس فيدع العمل به لحديث الترجمة. وهذا خلاف ما عليه أهل العلم من وجوب التوفيق بين الأحاديث الصحيحة. وهنا يبدو للباحث وجوه من التوفيق: الأول: أن يكون حديث الترجمة قبل حديث: " الفخذ عورة ". الثاني: أن يحمل الكشف على أنه من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، فلا يعارض الحديث الآخر، ويؤيده قاعدة: " القول مقدم على الفعل ". و " الحاظر مقدم على المبيح ". والله أعلم. 1688 - " إن قريشا أهل أمانة، لا يبغيهم العثرات أحد إلا كبه الله عز وجل لمنخريه ". رواه ابن عساكر (3 / 320 / 1 - 2) عن السور بن عبد الملك بن عبيد بن سعيد بن يربوع المخزومي عن زيد بن عبد الرحمن بن سعيد بن عمرو بن نفيل من بني عدي عن أبيه قال: جئت جابر بن عبد الله الأنصاري في فتيان من قريش، فدخلنا عليه بعد أن كف بصره، فوجدنا حبلا معلقا في السقف وأقراصا مطروحة بين يديه أو خبزا ، فكلما استطعم مسكين قام جابر إلى قرص منها وأخذ الحبل حتى يأتي المسكين فيعطيه، ثم يرجع بالحبل حتى يقعد، فقلت له: عافاك الله نحن إذا جاء المسكين أعطينا، فقال: إني أحتسب

1689

المشي في هذا. ثم قال: ألا أخبركم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: بلى، قال: سمعته يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف لم أعرف أحد من رواته غير صحابيه، وأخشى أن يكون وقع في نسخه " التاريخ " تصحيف. والله أعلم. ثم تبين لي أن الرجل الأدنى هو المسور ووقع فيه السور! - ذكره الذهبي في " الميزان " وقال: " ليس بالقوي، قاله الأزدي ". وكذا في " اللسان ". وأورده ابن أبي حاتم في " كتابه " من رواية جمع من الثقات عنه، فمثله حسن الحديث في المتابعات والشواهد. وقد وجدت له شاهدا من حديث رفاعة بن رافع مرفوعا به، وفي أوله زيادة أوردته من أجلها في " الضعيفة " (1716) لجهالة في إسناده، فالحديث بمجموعهما حسن كما ذكرت هناك. والله أعلم. 1689 - " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء. ثم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ". رواه مسلم (8 / 51) وأحمد (2 / 168 و 173) والطبري (ج 6 رقم 6657 صفحة 219) عن حيوة بن شريح قال: أخبرني أبو هانيء الخولاني. أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول: سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " فذكره ". 1690 - " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به عند استه ".

أخرجه أحمد (3 / 35 و 64) ومسلم (5 / 142) من طريق شعبة عن خليد بن جعفر عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم. وليس عند مسلم " يعرف به "، وهو رواية لأحمد. وتابعه علي بن زيد عن أبي نضرة به إلا أنه قال: " بقدر غدرته " بدل " يعرف به ". أخرجه الطيالسي (2156) وأحمد ( 3 / 7 و 61) وزاد في رواية (3 / 19) : " ألا وأكبر الغدر غدر أمير عامة " . وهي عند الطيالسي من هذا الوجه، وعند مسلم (5 / 143) من طريق المستمر ابن الريان: حدثنا أبو نضرة به. وللحديث شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا به نحوه. أخرجه أحمد (2 / 49) حدثنا إبراهيم بن وهب بن الشهيد حدثنا أبي عن أنس ابن سيرين عنه. وإبراهيم هذا وأبوه لم أعرفهما، ولم يترجمها الحافظ في " التعجيل "! ثم أخرجه (2 / 70 و 126) من طريق بشر بن حرب عنه مرفوعا نحو حديث المستمر بن الريان. وسنده حسن في المتابعات. وأخرجه البخاري (4 / 342 ) ومسلم وأحمد (2 / 116) من طريق عبد الله بن دينار عنه مرفوعا بلفظ الترجمة، دون قوله: " عند استه ". وكذلك البخاري (2 / 301) ومسلم وأحمد (3 / 142 و 270) من حديث أنس بن مالك. وقد عزاه السيوطي إلى الطيالسي وأحمد عنه بلفظ الترجمة! وما أظنه إلا

1691

وهما. فقد عزاه في " الجامع الكبير " (1 / 210 / 2) إليهما وإلى أبي عوانة من حديث أبي سعيد. وهو الصواب كما يتبين لك من هذا التخريج. 1691 - " إن لله آنية من أهل الأرض، وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين، وأحبها إليه ألينها وأرقها ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (ق 40 / 1 - المنتقى منه) : حدثنا جعفر ابن محمد الفريابي قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: أنبأ بقية بن الوليد قال : حدثني محمد بن زياد عن أبي عنبة الخولاني يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد قوي، رجاله كلهم ثقات أثبات غير بقية، وهو صدوق كثير التدليس عن الضعفاء كما قال الحافظ، وهو هنا قد صرح بالتحديث كما ترى، فأمنا بذلك شر تدليسه. ولذلك قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 154) : " رواه الطبراني وإسناده جيد ". وقال في مكان آخر (3 / 13) : " فيه بقية ابن الوليد وهو مدلس، ولكنه صرح بالتحديث ". ولذلك قال الهيثمي فيما نقله المناوي وأقره: " إسناد حسن ". وقد خالفه أبو مطيع الأطرابلسي فقال: عن محمد بن زياد به موقوفا. أخرجه أبو طالب مكي المؤذن في " حديثه " (ق 230 / 2 ) والضياء المقدسي في " المنتقى من حديث أبي علي الأوقي " (1 / 2) . لكن أبو مطيع هذا واسمه معاوية بن يحيى صدوق له أوهام، فرواية بقية أرجح وله شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا نحوه. ولكنه واه جدا.

1692

أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " (ص 153) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 97) وأبو منصور بن زياد في " الأربعين " (ق 196 / 1) من طريق محمد بن القاسم الأسدي: حدثنا ثور عن خالد بن معدان عنه. والأسدي هذا ضعيف جدا، بل كذبه الدارقطني وأحمد وقال في رواية: " أحاديثه موضوعة ". وقد رواه الثقة مقطوعا على خالد ابن معدان لم يتجاوزه، فقال الإمام أحمد في " الزهد " (384) : حدثنا عبد الله بن الحارث حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وعبد الله بن الحارث هو ابن عبد الملك المخزومي أبو محمد المكي، ثقة مكي من رجال مسلم، ولا منافاة بينه وبين المرفوع، لاختلاف الطريق أولا، ولاحتمال أن يكون أصل هذا المقطوع مرفوعا، لكن قصر أو لم ينشط بعض الرواة فلم يرفعه. والله أعلم. 1692 - " إن لله أقواما يختصهم بالنعم لمنافع العباد، ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولها إلى غيرهم ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (رقم 5) والطبراني في " الأوسط " (5295) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 115 و 10 / 215) والخطيب في " التاريخ " (9 / 459) عن محمد بن حسان السمتي حدثنا عبد الله بن زيد الحمصي حدثنا الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن ابن عمر مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف محمد بن حسان السمتي صدوق لين الحديث كما قال الحافظ. وعبد الله بن زيد الحمصي، قال الأزدي ضعيف.

قلت: لكنه قد توبع كما يأتي. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 192) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " وفيه محمد بن حسان السمتي، وثقه ابن معين وغيره وفيه لين، ولكن شيخه أبو عثمان عبد الله بن زيد الحمصي ضعفه الأزدي ". قلت: تابعه معاوية بن يحيى الشامي أبو عثمان: حدثنا الأوزاعي به. أخرجه يحيى ابن منده في " أحاديثه " (ق 91 / 1) وتمام في " الفوائد " (27 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 276) وابن عساكر في " التاريخ " (16 / 395 / 1) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (15 / 1) . أورده ابن عساكر في ترجمة أبي عثمان الشامي هذا وروى عن أبي أحمد - وهو ابن عدي - أنه قال: " منكر الحديث ". وقال أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (257 / 1) : حدثنا محمد بن عبد الله الفقيه حدثنا الدقيقي أبو محمد عبد الله بن يزيد عن الأوزاعي به. قلت: وأبو محمد بن عبد الله بن يزيد لم أعرفه، وفي الرواة عن الأوزاعي عبد الله بن يزيد بن راشد القرشي الدمشقي المقري أبو بكر وهو ثقة، مات سنة (218 ) روى عنه أبو زرعة وغيره ترجمه ابن أبي حاتم، لكن يبدو أن في السند سقطا فإن هذا كنيته أبو بكر، والراوي للحديث كنيته أبو محمد الدقيقي، فلعل الساقط بين أبي محمد وعبد الله بن يزيد. والله أعلم. وعلى كل حال فالحديث عندي حسن بمجموع هذا المتابعات، وقد قال المنذري في " الترغيب " (3 / 250) :

" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ولو قيل بتحسين إسناده لكان ممكنا ". قلت: يعني من الطريق الأولى، فكيف لا يكون حسنا بالطريقين الآخرين؟ لاسيما وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه، ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال ". قال المنذري وتبعه الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " وإسناده جيد ". كذا قالا، وفيه نظر فإنه في " الأوسط " (7679 / 2) من طريق إبراهيم بن محمد السامي حدثنا الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس. وقال: " تفرد به إبراهيم بن محمد السامي ". قلت: الوليد وابن جريج مدلسان. والسامي بالمهلمة وابن محمد بن عرعرة ثقة حافظ، ومن طريقه رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 175) . قلت: وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 80) من طريق أحمد بن يحيى المصيصي حدثنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن ابن جريج عن عطاء عنه. وهذا إسناد ضعيف، فإنه مع عنعنة الوليد وابن جريج فيه المصيصي هذا، قال ابن طاهر: " روى عن الوليد بن مسلم مناكير ". قلت: وكأنه يعني، وهو منكر إسنادا لا متنا للطرق المتقدمة. والله أعلم.

1693

1693 - " إن لله عبادا يعرفون الناس بالتوسم ". رواه أبو الشيخ في " عواليه " (2 / 32 / 1) والطبراني في " الأوسط " (3086 ) والقضاعي (84 / 2) والواحدي في " التفسير " عن أبي بشر المزلق عن ثابت البناني عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير أبي بشر هذا واسمه بكر بن الحكم التميمي ، وثقه أبو عبيدة الحداد وأبو سلمة التبوذكي وسعيد بن محمد الحربي وابن حبان ولم يضعفه أحد غير أن أبا زرعة قال: " شيخ ليس قوي ". قلت: ومع أن هذا ليس جرحا قويا، فهو غير مفسر، فلا يقدم على توثيق من ذكرنا ، وكأنه لذلك قال الذهبي في " الميزان ": " صدوق ". وقال الحافظ: " صدوق، فيه لين ". وقال الهيثمي: " إسناده حسن ". وتبعه السخاوي في " المقاصد الحسنة " (ص 20) . وقول الذهبي في ترجمة أبي المزلق: " روى خبرا منكرا ... " ثم ذكره غير مقبول منه إلا أن يعني أنه تفرد به، فذلك لا يضر في ثبوته لقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: " ليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو الناس، وإنما هو أن يروي ما يخالف الناس ". وراوي هذا الحديث لم يخالف فيه أحدا بل الحديث المشهور يؤيده:

1694

" اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ". وهو إن كان ضعيف الإسناد من جميع طرقه كما بينته " في الضعيفة " (1821) فلا أقل من أن يصلح شاهدا لهذا، ولا عكس. فتأمل. 1694 - " نعم يا أبا بكر! إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر ". أخرجه الحاكم (1 / 377) والديلمي (1 / 2 / 258) وأبو شريح الأنصاري في " جزء بيبي " (171 / 2) من طريق يونس بن محمد حدثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس قال: " كنت قاعدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فمر بجنازة، فقال: ما هذه الجنازة؟ قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعى فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجبت وجبت وجبت ، وبجنازة أخرى قالوا: جنازة فلان الفلاني كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعى فيها، فقال: وجبت وجبت وجبت، فقالوا: يا رسول الله قولك في الجنازة والثناء عليها: أثني على الأول خير، وعلى الآخر شر، فقلت فيها : " وجبت وجبت وجبت "؟ فقال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وهو في " الصحيحين " وغيرهما من طرق أخرى عن أنس نحوه، يزيد بعضهم على بعض، وقد جمعت الزيادات الثابتة منها، وسقتها في سياق واحد في " أحكام الجنائز " (ص 44) ، وفيه بحث هام حول الشهادة للميت بالخير. فراجعه. 1695 - " إن للقبر ضغطة، فلو نجا أو سلم أحد منها لنجا سعد بن معاذ ". رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (8 / 73 / 2) والطحاوي في " مشكل

الآثار " (1 / 107) عن شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت نافعا يحدث عن امرأة ابن عمر عن عائشة مرفوعا به. وأخرجه أحمد (6 / 55 و 98) من هذا الوجه إلا أنه قال: " إنسان " مكان " امرأة ابن عمر ". ورجال إسناده ثقات كلهم غير امرأة ابن عمر فلم أعرفها، والظن بها حسن. على أن سفيان الثوري قد أسقطها من الإسناد، وجعل الحديث من مسند زوجها ابن عمر. أخرجه الطحاوي من طريق أبي حذيفة حدثنا سفيان عن سعد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به نحوه. وهذا إسناد رجاله ثقات أيضا رجال البخاري إلا أنه أخرج لأبي حذيفة متابعة، واسمه موسى بن مسعود النهدي، والثوري أحفظ من شعبة لولا أن الراوي عنه فيه ضعف فقال الحافظ: " صدوق سيء الحفظ ". ولما أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 174) من طريقه، أشار إلى تضعيفه وترجيح الأول بقوله: " كذا رواه أبو حذيفة عن الثوري عن سعد، ورواه غندر وغيره عن شعبة عن سعد عن نافع عن إنسان (الأصل سنان!) عن عائشة رضي الله عنها مثله ". لكن للحديث أصل عن ابن عمر، فقال ابن سعد في " الطبقات " (3 / 430) : أخبرنا إسماعيل بن مسعود قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير إسماعيل بن مسعود وهو أبو مسعود الجحدري البصري وهو ثقة.

وتابعه عمرو بن محمد العنقزي: حدثنا ابن إدريس به. أخرجه النسائي (1 / 289) وسنده صحيح أيضا. فهذه متابعة قوية من عبيد الله بن عمر لرواية أبي حذيفة عن الثوري عن سعد بن إبراهيم . والله أعلم. وله طريق آخر، برواية عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " ضم سعد في القبر ضمة فدعوت الله أن يكشف عنه ". أخرجه الحاكم (3 / 206) وصححه، ووافقه الذهبي! وعطاء كان اختلط، وقد زاد فيه الدعاء . وخالفه ابن لهيعة في إسناده فقال: عن عقيل أنه سمع سعد بن إبراهيم يخبر عن عائشة بنت سعد أنها حدثته عن عائشة أم المؤمنين مرفوعا به نحوه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 82 / 1) وقال: " تفرد به ابن لهيعة ". قلت: وهو سيء الحفظ. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا به نحوه. أخرجه الطبراني (1 / 81 / 2) وفي " الكبير " (10827 و 12975) من طريق زياد مولى ابن عباس عنه. وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 46 - 47) : رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجاله موثقون ". قلت: هو عند الطبراني من طريقين:

الأولى: عن حسان بن غالب حدثنا ابن لهيعة عن أبي النضر المديني عن زياد مولى ابن عباس (!) عن ابن عباس. وحسان بن غالب متروك متهم بالوضع، كما تراه في " اللسان " وخفي أمره على ابن يونس فوثقه، ولعله مستند الهيثمي في قوله: " ورجاله موثقون "، فإن فيه إشعار بأن التوثيق لين في بعضهم على الأقل، ونحو ذلك يقال في ابن لهيعة، وإن كان خيرا بكثير من حسان، حتى أن الهيثمي يحسن حديثه أحيانا، وهو حري بذلك عند المتابعة، وهي متحققة هنا كما في الشواهد المتقدمة والمتابعة الآتية وهي: الطريق الأخرى: قال: حدثنا عمر بن عبد العزيز بن مقلاص حدثنا أبي حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا النضر حدثه عن زياد مولى ابن عياش عن ابن عباس. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير زياد مولى ابن عياش فمن رجال مسلم وحده إلا أن عمر بن عبد العزيز وأباه لم أجد لهما ترجمة. ثم إنه قد داخلني شك كبير في كون هذا الحديث من مسند ابن عباس، فإنهم لم يذكروا لزياد هذا رواية عنه بل ذكر الحافظ المزي في " التهذيب " أنه روى عن مولاه عبد الله ابن عياش بن أبي ربيعة المخزومي، وقد روى الحسن بن سفيان عن زياد هذا عن عبد الله بن عياش حديثا في قصة موت عثمان ابن مظعون كما في ترجمة ابن عياش من " الإصابة "، وقد تحرف فيه " مولى ابن عياش " إلى " مولى ابن عباس "، وكذلك وقع في الطريق الأولى عند الطبراني ولعله خطأ مطبعي، وكذلك تحرف " ابن عياش " إلى " ابن عباس " في الطريقين، فصار الحديث من مسنده، وإنما هو من مسند ابن عياش فيما أظن. والله أعلم. وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب، فنسأل الله تعالى أن يهون علينا ضغطة القبر إنه نعم المجيب.

1696

1696 - " إن للصلاة أولا وآخرا، وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر، وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس، وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق، وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل، وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس ". أخرجه الترمذي (1 / 284 - شاكر) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 89) والدارقطني في " السنن " (ص 97) والبيهقي (1 / 375 - 376) وأحمد (2 / 232) من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أعلوه بأن غير ابن فضيل من الثقات قد رووه عن الأعمش عن مجاهد مرسلا. وهذه ليست علة قادحة لاحتمال أن يكون للأعمش فيه إسنادان: أحدهما عن أبي صالح عن أبي هريرة. والآخر عنه عن مجاهد مرسلا. ومثل هذا كثير في أحاديث الثقات، فمثله لا يرد به الحديث، لاسيما وكل ما فيه قد جاء في الأحاديث الصحيحة، فليس فيه ما يستنكر. والله أعلم. وقد بسط القول في رد هذه العلة المحقق العلامة أحمد شاكر في تعليقه على الترمذي (1 / 284 - 285) فأجاد. فمن شاء البسط فليراجع إليه. 1697 - " إن للقرشي مثلي قوة الرجل من غير قريش ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 203) وابن أبي عاصم في " السنة "

1698

(1508) وابن حبان (2289) والحاكم (4 / 72) والطيالسي (951) وعنه البيهقي في " معرفة السنن " (ص 29) وأحمد (4 / 81 و 83) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 64) من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن طلحة بن عبد الله بن عوف عن عبد الرحمن بن الأزهر عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. فقيل للزهري: بم ذاك؟ قال: بنبل الرأي. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: ابن عوف هذا لم يخرج له مسلم شيئا، فهو على شرط البخاري وحده. وابن الأزهر لم يرمزوا له بأنه من رجال الشيخين، ولكن الحافظ بين في ترجمته من " التهذيب " أن من حقه الرمز له بذلك، فليراجع كلامه من شاء. ثم أخرجه ابن أبي عاصم (1509) عن محمد بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة وعن سعيد بن المسيب عن عتبة بن غزوان وعن عروة بن الزبير عن عتبة بن غزوان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: وهذا إسناد واه جدا، فإن محمد هذا وهو القاضي المدني أخو عبد الله - مع مخالفته لابن أبي الذئب ثقة - فهو ضعيف جدا، فلا يعتد به.. 1698 - " إن ما بين مصراعين في الجنة مسيرة أربعين سنة ". ورد من حديث أبي سعيد الخدري ومعاوية بن حيدة وعتبة بن غزوان وعبد الله بن سلام. 1 - أما حديث أبي سعيد فيرويه ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عنه. أخرجه أحمد (3 / 29) وأبو يعلى (1 / 349) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 124 / 1) .

وتابعه عند أبي نعيم عمرو بن الحارث عن دراج به. قلت: وهذا سند ضعيف، لكن يشهد له ما بعده. 2 - وأما حديث معاوية فيرويه الجريري عن حكيم بن معاوية عنه مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 3) وابن حبان (2618 - موارد) ووقع فيه " سبع سنين " ولعله خطأ مطبعي وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 205) . وزاد أحمد في آخره: " وليأتين عليه يوم، وإنه لكظيظ ". وإسناده صحيح. 3 - وأما حديث عتبة بن غزوان فيرويه خالد بن عمير العدوي قال: " خطبنا عتبة ابن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد ... ولقد ذكر لنا ... " فذكره وفيه زيادة أحمد، وزاد أيضا: " من الزحام ". أخرجه مسلم (8 / 215) وأحمد (4 / 174) . 4 - وأما حديث عبد الله بن سلام فيرويه زريك بن أبي زريك عن معاوية بن قرة عنه مرفوعا وفيه الزيادة بلفظ: " يزاحم عليه كازدحام الإبل وردت لخمس ظمآ ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (69 / 221 / 1) وعنه الضياء في " المختارة " (58 / 180 / 1) وقال: " زريك بن أبي زريك وثقه يحيى بن معين ". قلت: وكذلك وثقه ابن الجنيد كما في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 624) . ولم يعرفه الهيثمي، فقال في " المجمع " (10 / 397) وتبعه المناوي:

1699

" رواه الطبراني وفيه زريك بن أبي زريك ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات "! ومن أخطاء المناوي أنه نقل قول الهيثمي هذا تحت حديث أبي سعيد الخدري! فأوهم أنه عند الطبراني عن زريك. قلت: والإسناد صحيح لأن كل رجاله ثقات. 1699 - " إن مثل الذي يعود في عطيته كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه فأكله ". أخرجه ابن ماجة (2384) وأحمد (2 / 259) من طريق عوف عن خلاس عن أبي هريرة مرفوعا به. قلت: وإسناده ثقات لكن قال أحمد: لم يسمع خلاس من أبي هريرة شيئا. وذكر البخاري في " التاريخ " أن روايته عنه صحيفة. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد من حديث ابن عباس وابن عمرو وغيرهما، وقد خرجت بعضها في " الإرواء " (1621 ) . 1700 - " إن من أمتي قوما يعطون مثل أجور أولهم، ينكرون المنكر ". أخرجه أحمد (4 / 62 و 5 / 375) : حدثنا زيد بن الحباب أخبرني سفيان عن عطاء ابن السائب قال: سمعت عبد الرحمن بن الحضرمي يقول: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم رجال الصحيح، وفي زيد بن الحباب كلام لا يضر إن شاء الله تعالى، وأما جهالة الصحابي فلا تضر قطعا لأنهم عدول.

1701

وللحديث شاهد من حديث أبي ثعلبة الخشني مرفوعا نحوه بإسناد ضعيف، خرجته في " المشكاة " (5144) . 1701 - " إن منكم رجالا نكلهم إلى إيمانهم، منهم فرات بن حيان ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 128) وأبو داود (2652) والحاكم (2 / 115) والبيهقي (9 / 147) وأحمد (4 / 336) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 18) عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن فرات بن حيان " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتله، وكان عينا لأبي سفيان، وكان حليفا لرجل من الأنصار، فمر بحلقة من الأنصار، فقال: إني مسلم، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله إنه يقول: إني مسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي! كذا قالا! وحارثة بن مضرب لم يخرج له الشيخان شيئا، وإنما روى له البخاري في " الأدب المفرد "، وهو ثقة. وتابعه إسرائيل عن أبي إسحاق به إلا أنه قال: " عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " لم يسمه، وزاد فقال: " رجالا لا أعطيهم شيئا ". قلت: وفي ثبوت هذه الزيادة نظر عندي لأن الثوري أثبت الناس في الرواية عن أبي إسحاق وهو السبيعي، فزيادة إسرائيل - وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي - عليه لا تقبل. ولعله تلقاها عن جده بعدما اختلط بل هذا هو الظاهر وأما الثوري فروى عنه قبل الاختلاط. وقد تابعه زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق به وزاد الزيادة بلفظ:

1702

" أتألفهم على الإسلام ". أخرجه أبو العباس بن عقدة الحافظ كما في " الإصابة ". وهذه الزيادة بهذا اللفظ أقرب إلى السياق لأنه يدل على أنه كان هناك عطاء لغير الفرات، وأما هو فلم يعطه شيئا ثقة بإيمانه، وإنما عفا عن فرات ولم يقتله تألفا لقلبه. على أن هذه الزيادة فيها علة أيضا وهي عنعنة زكريا بن أبي زائدة فإنه كان مدلسا. فإن قيل: فكذلك أبو إسحاق السبيعي كان مدلسا، ومدار الطرق كلها عليه كما سبق، وقد عنعنه؟ قلت: نعم لكن قولهم في الثوري أنه أثبت الناس فى أبي إسحاق لعله يشعر أنه كان لا يروي عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث كما قالوا في رواية شعبة عنه. والله أعلم. 1702 - " إن موسى قال: يا رب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم ، فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال له آدم: نعم، فقال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك، قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال له آدم: ومن أنت؟ قال: أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، لم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فما تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى ". أخرجه أبو داود (4702) وعنه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 193) وابن خزيمة

1703

في " التوحيد " (ص 94) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام، وقد حسنه ابن تيمية في أول رسالته في " القدر ". والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة مختصرا. قوله: (فحج آدم موسى) أي غلبه بالحجة. واعلم أن العلماء قد اختلفوا في توجيه ذلك، وأحسن ما وقفت عليه ما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، إنما هو أن موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لذريته من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لا لأجل حق الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى عليه السلام يعلم أن بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، ولهذا قال: " فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ "، لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهود الربوبية ... فراجع كلامه في ذلك فإنه مهم جدا في الرسالة المذكورة وفي " كتاب القدر " من " الفتاوى " المجلد الثامن وكلام غيره في " مرقاة المفاتيح " (1 / 123 - 124) . 1703 - " إن هذا الدينار والدرهم أهلكا من كان قبلكم، وهما مهلكاكم ". رواه أبو محمد بن شيبان العدل في " الفوائد " (2 / 222 / 1) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (8 / 5 / 1) عن عبد الله بن هاشم الطوسي حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن سفيان حدثني سليمان عن أبي وائل عن أبي موسى أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم. وتابعه شعبة عن الأعمش به

أخرجه المخلص في " العاشر من حديثه " (208 / 2) وابن عساكر (17 / 215 / 2 ) عن المؤمل بن إهاب عنه به. وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير المؤمل وهو صدوق له أوهام. وله شاهد من حديث ابن مسعود، يرويه يحيى بن المنذر أخبرنا أبو الأجلح عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن علقمة عنه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 10069) . ويحيى بن المنذر ضعفه الدارقطني وغيره. و (أبو الأجلح) كذا في الأصل، ولعل الصواب: ابن الأجلح فإنه يروي عن الأعمش، وهو عبد الله بن الأجلح وهو صدوق. وقد روي عن ابن مسعود موقوفا. أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص 152 - مخطوطة الظاهرية) عن بشر بن الوليد حدثنا محمد بن طلحة حدثنا روح عن نفسي أني حدثته بحديث عن زبيد عن مرة عنه به. وبشر بن الوليد فيه ضعف. وكذلك رواه منصور بن زاذان عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى به موقوفا عليه. أخرجه أحمد في " الزهد " (199) . قلت: وسنده صحيح موقوف أيضا، ولا ينافي المرفوع لأن الراوي قد لا ينشط أحيانا لرفعه فيوقفه. فهو صحيح مرفوعا وموقوفا.

1704

ثم رأيت المنذري أورد الحديث في " الترغيب " (4 / 106) عن ابن مسعود مرفوعا نحوه، وقال وتبعه الهيثمي ( 10 / 237) : " رواه البزار بإسناد جيد ". 1704 - " إن هذا من لباس الكفار فلا تلبسها ". رواه مسلم (6 / 144) وأحمد (2 / 162 و 207 و 211) وابن سعد (4 / 265) من طرق عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث أن ابن معدان أخبره أن جبير بن نفير أخبره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبيه معصفرين فقال: فذكره. ومن أسانيد أحمد: حدثنا يحيى عن هشام الدستوائي به. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (4 / 190) إلا أنه لم يذكر جبير بن نفير في إسناده، وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكه على مسلم. وتابعه عنده - أعني مسلما - علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به. وأخرجه من طريق طاووس عن ابن عمرو قال: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال: أأمك أمرتك بهذا؟ ! قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما ". وأخرجه الحاكم أيضا من طريق أخرى عن ابن عمرو نحوه، وزاد في آخره: " ففعلت ". وقال:

1705

" صحيح الإسناد ". قلت: وإنما هو حسن فقط. وفي الحديث دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يلبس لباس الكفار وأن يتزيا بزيهم، والأحاديث في ذلك كثيرة، كنت قد جمعت منها قسما طيبا مما ورد في مختلف أبواب الشريعة، وأودعتها في كتابي " حجاب المرأة المسلمة "، فراجعها فإنها مهمة، خاصة وأنه قد شاع في كثير من البلاد الإسلامية التشبه بالكفار في ألبستهم وعاداتهم حتى فرض شيء من ذلك على الجنود في كل أو جل البلاد الإسلامية، فألبسوهم القبعة، حتى لم يعد أكثر الناس يشعر بأن في ذلك أدنى مخالفة للشريعة الإسلامية، فإنا لله وإنا إليه راجعون. 1705 - " إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 171) عن طلحة بن عمرو عن عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل لكن يشهد له حديث أنس بن مالك في الإسراء وفيه: " والنبي صلى الله عليه وسلم نائمة عيناه ولا ينام قلبه وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم ". أخرجه البخاري (2 / 396 و 4 / 485) من طريق شريك ابن عبد الله عنه. وللحديث شواهد سيأتي أحدها في الحديث (1872) . 1706 - " إنا نهينا أن ترى عوراتنا ". أخرجه الحاكم (3 / 222 - 223) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 465 / 1) وابن شاهين وابن السكن وابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 276) من طريق زهير ابن محمد

1707

عن شرحبيل بن سعد عن جبار بن صخر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: سكت عنه الحاكم ثم الذهبي، وسنده ضعيف، وفيه علتان: الأولى: شرحبيل بن سعد قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق اختلط بآخره ". قلت: ولا يدرى أحدث بهذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده؟ والأخرى: زهير بن محمد وهو الخراساني الشامي، فيه ضعف. لكن تابعه إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيى عن شرحبيل به. أخرجه ابن أبي حاتم وابن منده. لكن إبراهيم هذا متروك. بيد أن الحديث قد جاءت له شواهد كثيرة منها حديث: " احفظ عورتك إلا من زوجتك وما ملكت يمينك ". وهو مخرج في " آداب الزفاف ". ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: " ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة ". أخرجه مسلم (1 / 184) والبيهقي وغيرهما. 1707 - " إنا لا نقبل شيئا من المشركين ". أخرجه الحاكم (3 / 484 - 485) وأحمد (3 / 401) عن ليث بن سعد حدثني عبيد الله بن المغيرة عن عراك بن مالك أن حكيم بن حزام قال:

1708

كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب رجل في الناس إلي في الجاهلية، فلما تنبأ وخرج إلى المدينة شهد حكيم بن حزام الموسم، وهو كافر، فوجد حلة لذي يزن تباع، فاشتراها بخمسين دينارا، ليهديها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة، فأراده على قبضها هدية، فأبى - قال عبيد الله حسبت أنه قال: (فذكره) ولكن إن شئت أخذناها بالثمن، فأعطيته حين أبى علي الهدية ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله شاهد من حديث عياض بن حمار بإسناد صحيح عنه نحوه، وهو مخرج في " الروض النضير " (741) وآخر من حديث عامر بن مالك سيأتي برقم (1727) . 1708 - " إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين وزادني صلاة الوتر ". أخرجه أحمد (2 / 165 و 167) من طريق فرج بن فضالة عن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن رافع عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ، وقال: قال يزيد - هو ابن هارون -: القنين: البرابط. قلت: وهذا إسناد ضعيف إبراهيم بن عبد الرحمن بن رافع مجهول كما قال الحسيني. والفرج بن فضالة ضعيف. لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا من طرق أخرى، فرواه ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن أبي هبيرة الكلاعي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا به دون ذكر صلاة الوتر. أخرجه أحمد (2 / 172) .

وابن لهيعة سيء الحفظ. وقد رواه ابن لهيعة أيضا عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عن عبد الله بن عمرو به نحوه، وقال: " الغبيراء " مكان " المزر " وزاد: " وكل مسكر حرام ". أخرجه أحمد أيضا (2 / 158) . وتابعه عبد الحميد بن جعفر حدثنا يزيد بن أبي حبيب به. أخرجه أحمد (2 / 171) وإسناده صحيح. وخالفهما محمد بن إسحاق فقال: عن يزيد بن أبي حبيب عن الوليد بن عبدة عن عبد الله بن عمرو به. أخرجه أبو داود (3685) . وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. وأما الزيادة فيرويها المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب - عن أبيه عن جده مرفوعا. أخرجه أحمد (2 / 206) والمثنى ضعيف. وتابعه الحجاج بن أرطاة عن عمرو به. أخرجه أحمد أيضا (2 / 208) . والحجاج مدلس وقد عنعنه. لكن لهذه الزيادة شاهد صحيح من حديث أبي بصرة مرفوعا سبق تخريجه برقم (108) . فثبت من هذا التخريج صحة هذا الحديث. والحمد لله على توفيقه.

1709

وفي (القنين) حديث آخر يرويه عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة عن قيس بن سعد بن عبادة مرفوعا بلفظ: " إن ربي تبارك وتعالى حرم علي الخمر والكوبة والقنين، وإياكم والغبيراء فإنها ثلث خمر العالم ". أخرجه أحمد (3 / 422) . وابن زحر ضعيف. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا دون الزيادة مخرج في " المشكاة " (3652 و4503) . المزر: نبيذ الذرة خاصة وهو (الغبيراء) . و (الكوبة) : الطبل كما سيأتي في حديث ابن عباس رقم (1806) . و (القنين) : البرابط: ومفرده (بربط) : العود من آلات الموسيقى. 1709 - " إنكم لن تنالوا هذا الأمر بالمغالبة ". أخرجه أحمد (4 / 337) عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن ابن الأدرع قال: " كنت أحرس النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فخرج لبعض حاجته، قال: فرآني فأخذ بيدي، فانطلقنا، فمررنا على رجل يصلي يجهر بالقرآن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عسى أن يكون مرائيا "، قال: قلت: يا رسول الله يجهر بالقرآن، قال، فرفض يدي، ثم قال: (فذكره) . قال: ثم خرج ذات ليلة وأنا أحرسه لبعض حاجته، فأخذ بيدي، فمررنا برجل يصلي بالقرآن، قال: فقلت: عسى أن يكون مرائيا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلا إنه أواب ". قال: فنظرت فإذا هو عبد الله ذو النجادين ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله رجال الشيخين غير هشام بن سعد وهو صدوق له أوهام .

1710

والحديث بمعنى حديث " عليكم هديا قاصدا، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه ". وغيره مما في معناه، وقد خرجته في " ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة " لابن أبي عاصم (98) ويأتي له شاهد برقم (1760) . 1710 - " إنما يستريح من غفر له ". روي من حديث عائشة وبلال الحبشي ومحمد بن عروة مرسلا. 1 - أما حديث عائشة فيرويه ابن لهيعة حدثنا أبو الأسود عن عروة عن عائشة قالت: قيل: يا رسول الله ماتت فلانة واستراحت! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: فذكره. أخرجه أحمد (6 / 69 و 102) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 290) وقال: " غريب من حديث ابن لهيعة تفرد به المعافى فيما قاله سليمان ". يعني شيخه الطبراني وليس كما قال، فإنه عند أحمد من طرق أخرى عن ابن لهيعة. ورجاله ثقات إلا ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ لكنه يتقوى حديثه بما بعده، لاسيما وقد أخرجه البزار من غير طريقه ورجاله ثقات كما قال الهيثمي ويأتي بيان ما فيه. 2 - حديث بلال رواه بن عساكر كما في " الجامع ". 3 - وأما حديث محمد بن عروة، فأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (251) : أخبرنا يونس بن يزيد عن أبي مقرن قال حدثنا محمد بن عروة قال: " توفيت امرأة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يضحكون منها، فقال بلال: ويحها قد استراحت ، ... " الحديث.

وأبو مقرن هذا لم أعرفه، وقد رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك، فأسقطه من إسناده كما ذكره المعلق عليه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي. قلت: وكذلك أخرجه الشافعي في " مجلسان " (ق 6 / 1 - 2) . وخالفه عثمان بن عمر فقال: حدثنا يونس بن يزيد عن الزهري عن محمد بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة. أخرجه البزار (789 - كشف الأستار) وقال: " لا نعلم أسند محمد بن عروة عن أبيه عن عائشة إلا هذا ". قلت: وهو صدوق كما في " التقريب "، فالسند حسن. وبالجملة فيبدو من هذه الطرق أن للحديث أصلا أصيلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، لاسيما ويشهد له حديث أبي قتادة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة، فقال: " مستريح أو مستراح منه " قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه؟ قال : " العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب ". أخرجه مالك (1 / 241 / 54) وعنه البخاري (4 / 233) وكذا مسلم (3 / 54) والنسائي (1 / 272 - 273) وأحمد (5 / 302 - 303) كلهم عنه عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن معبد بن كعب بن مالك عنه. وأخرجه الشيخان والنسائي وأحمد (5 / 296 و 302 و 304) من طرق أخرى عن ابن كعب به.

1711

1711 - " إنما النفقة والسكن للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة ". أخرجه النسائي (2 / 96) من طريق سعيد بن يزيد الأحمسي، وأحمد (6 / 373 و415 و 416 و 417) عن مجالد بن سعيد كلاهما عن الشعبي قال: حدثتني فاطمة بنت قيس قالت: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أنا بنت آل خالد، وإن زوجي فلانا أرسل إلي بطلاقي، وإن سألت أهله النفقة والسكن، فأبوا علي، قالوا: يا رسول الله إنه قد أرسل إليها بثلاث تطليقات، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، والسياق للأول، وإسناده صحيح. وقد تابعه جماعة عن الشعبي بمعناه في " الصحيحين " وغيرهما بألفاظ مختلفة، وقد خرجت بعضها في " الروض النضير " (836) ، وذكرت له هناك متابعا آخر عن الشعبي به. أخرجه الدارقطني بسند حسن. 1712 - " إنما الوتر بالليل ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 891) عن خالد بن أبي كريمة أخبرنا معاوية بن قرة عن الأغر المزني: " أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، فقال: (فذكره) قال: يا نبي الله إني أصبحت ولم أوتر، قال: فأوتر ". قلت: وهذا إسناد حسن على الأقل في الشواهد، خالد بن أبي كريمة قال الحافظ:

1713

" صدوق يخطىء ". وسائر رجاله ثقات غير شيخ الطبراني محمد بن عمرو بن خالد الحراني، فلم أجد له ترجمة. لكن يشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " أوتروا قبل أن تصبحوا ". أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدري وهو مخرج في " الإرواء " (421) . وهذا التوقيت للوتر كالتوقيت للصلوات الخمس، إنما هو لغير النائم وكذا الناسي، فإنه يصلي الوتر إذا لم يستيقظ له في الوقت ، يصليه متى استيقظ ولو بعد الفجر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم للرجل في هذا الحديث: " فأوتر " بعد أن قال له: " إنما الوتر بالليل " وفي ذلك حديث صريح فانظره في " المشكاة " (1268) و " الإرواء " (422) . 1713 - " إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم، (فقد) جاء الله بالسعة فكلوا وادخروا واتجروا، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل ". أخرجه أبو داود (2813) ومن طريقه البيهقي (9 / 292) وأحمد (5 / 75) من طريق خالد الحذاء عن أبي المليح بن أسامة عن نبيشة الهذلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال البيهقي: " قوله: (اتجروا) أصله " ائتجروا " على وزن افتعلوا، يريد الصدقة التي يبتغي أجرها، وليس من باب التجارة ".

1714

1714 - " إنما مثل العبد المؤمن حين يصيبه الوعك أو الحمى كمثل حديدة تدخل النار، فيذهب خبثها ويبقى طيبها ". أخرجه الحاكم (1 / 348) والبزار في " مسنده " (رقم - 756) وابن أبي الدنيا (68 / 1) وابن عساكر (9 / 427 / 2) عن نافع بن يزيد حدثني جعفر بن ربيعة عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب: أن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر حدثه عن أبيه عبد الرحمن بن أزهر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، رواته مدنيون ومصريون ". ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 302) : " رواه البزار والطبراني في " الكبير "، وفيه من لا يعرف ". كذا قال! وعبد الرحمن بن أزهر صحابي صغير مات قبل الحرة، وله ذكر في " الصحيحين " مع عائشة، وهو من رجال أبي داود والنسائي. وابنه عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 15) من رواية جعفر بن ربيعة عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن أورده ابن حبان في " ثقات التابعين " (3 222 / 137) وقال: " من أهل المدينة، يروي عن أبيه وعن جماعة من التابعين، روى عنه أهل المدينة ". فهو معروف برواية أهل المدينة عنه ومنهم عبيد الله بن عبد الرحمن الآتي ذكره، فهو من التابعين المستورين، فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وأما عبيد الله بن عبد الرحمن وهو ابن السائب، فقال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 323) : " روى عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر روى عنه نافع بن يزيد ".

1715

كذا قال! ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وإنما روى نافع ابن يزيد عن جعفر بن ربيعة عنه كما ترى في هذا الإسناد، فلعله روى عنه مباشرة في غير هذا الحديث، فقد ذكر ابن حبان في " الثقات " (2 / 189) روايته عنه أيضا فقال: " عبيد الله بن عبد الرحمن بن السائب بن عمير القاري، من أهل المدينة يروي عن سعيد بن المسيب وعبد الحميد بن عبد الرحمن بن أزهر، روى عنه ابن جريج ونافع بن يزيد ". وسائر الرجال ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد حسن، والحديث صحيح بما له من شواهد معروفة، تقدم أحدها برقم (714) . 1715 - " إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض، فهو يزرعها ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح ورجل استكرى أرضا بذهب أو فضة ". أخرجه أبو داود (3400) والنسائي (2 / 149) وابن ماجة (2449) والطحاوي في " المشكل " (3 / 284) من طريق أبي الأحوص حدثنا طارق بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة، وقال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين وفي طريق ابن عبد الرحمن - وهو البجلي الأحمسي - كلام لا يضر إن شاء الله تعالى. وللحديث شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما، وهو دليل صريح في جواز استئجار الأرض بالنقدين للزراعة خلافا لبعضهم. 1716 - " إنما يكفي أحدكم ما كان في الدنيا مثل زاد الراكب ". أخرجه أبو يعلى (4 / 1729 - 1730) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم -

3695) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 360) من طرق عن سفيان أخبرنا عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: " عاد خبابا ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أبشر أبا عبد الله! ترد على محمد صلى الله عليه وسلم الحوض ، قال: كيف بها أو بهذا، وأشار إلى أعلا بيته وإلى أسفله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح إن شاء الله تعالى، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن جعدة وهو تابعي ثقة، روى عن خباب وغيره من الصحابة. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 254) : " ... ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن جعدة وهو ثقة ". وله شاهد من حديث سلمان الفارسي، وله عنه طرق: الأولى: عن الحسن قال: لما احتضر سلمان بكى وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا عهدا فتركنا ما عهد إلينا: أن يكون بلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب. قال: ثم نظرنا فيما ترك، فإذ قيمة ما ترك بضعة وعشرون درهما، أو بضعة وثلاثون درهما. أخرجه أحمد (5 / 438) : حدثنا هشيم عن منصور عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أن هشيما مدلس، ومثله الحسن وهو البصري إلا أن ظاهر قوله: " ثم نظرنا.. " أنه أدرك احتضار سلمان وتحديثه لكنهم قد تأولوا قول الحسن في بعض روايته: " خطبنا ابن عباس بالبصرة " بأنه إنما أراد: خطب أهل البصرة. فيمكن أن يكون عنى بقوله: " نظرنا " نحو ذلك من التأويل! كأن يعني القوم الذين حضروه! وتابعه السري بن يحيى عن الحسن به. دون قوله: " ثم نظرنا ". أخرجه أبو نعيم (1 / 196) .

ثم أخرجه من طريق حماد بن سلمة عن حبيب عن الحسن، وحميد عن مورق العجلي أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى ... إلخ. وفيه قالا: فلما مات نظروا في بيته فذكره نحوه إلا أنه قال: قوم نحوا من عشرين درهما. وأخرجه الطبراني (6160) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب وحميد عن مورق العجلي نحوه. قلت: فقد تابع الحسن مورق العجلي وهو تابعي ثقة وليس فيه الإشكال الذي في رواية منصور عن الحسن. ثم بدا لي أنه لعل قوله: " نظرنا " محرف، والصواب: " نظروا " كما في هذه الرواية، والله أعلم. ثم رأيته في الزهد لابن المبارك (966) من رواية يونس عن الحسن قال: فذكره دون الزيادة. ثم رواه (967) من طريق محمد بن أبي عدي قال: حدثنا حميد الطويل عن مورق العجلي عن بعض أصحابه ممن أدرك سلمان قال: دخلنا على سلمان في وجعه الذي مات فيه فبكى.. إلخ دون التقويم الذي في الزيادة، وهاتان الروايتان هما من زوائد الحسين المروزي على ابن المبارك. ثم أخرجه أبو نعيم وكذا ابن سعد (4 / 91) من طريق علي بن زيد عن سعيد بن المسيب مرسلا نحوه. وهي عند الطبراني كما تقدم. الثانية: عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع ... الحديث نحوه. أخرجه ابن حبان (2480) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 197) . قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عامر بن عبد الله، وهو ابن لحي أبو اليمان الهوزني الحمصي، أورده ابن حبان في " ثقات التابعين " (1 / 187) وروى عنه جماعة. وقول الذهبي في " الميزان ":

" ما علمت له راويا سوى صفوان بن عمرو ". فيرد عليه رواية الحبلي هذه عنه. الثالثة: عن أبي سفيان عن أشياخه قال: دخل سعد على سلمان يعوده، قال: فبكى ... الحديث دون الزيادة، وفيه زيادة أخرى انظرها في " الترغيب " (4 / 99) إن شئت. أخرجه ابن سعد أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا الأعمش عن أبي سفيان ... وأخرجه أبو نعيم والحاكم (4 / 317) من طريقين آخرين عن أبي معاوية به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا وأما غمز المنذري إياه بقوله: " كذا قال ". فمن الظاهر أنه يشير به إلى جهالة أشياخ أبي سفيان ولكن مثل هذه الجهالة لا تضر عند المحققين من النقاد لأنهم جمع تنجبر بهم الجهالة، لاسيما وهم من التابعين على أضعف الاحتمالين. فقد رواه جرير عن الأعمش فقال: عن أبي سفيان عن جابر قال: دخل سعد.. أخرجه أبو نعيم. قلت: فهذه الرواية - إن كانت محفوظة - ترجح احتمال كون أشياخ أبي سفيان من الصحابة، أو أحدهم على الأقل. والله أعلم. الرابعة: عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال: اشتكى سلمان، فعاده سعد، فرآه يبكي ... الحديث وفيه الزيادة التي في الطريق الثالثة. أخرجه ابن ماجة (4104) والطبراني (6069) وأبو نعيم دون الزيادة.

1717

قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم إلا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني وهو ثقة. وذهل عن هذا الاستثناء المنذري فقال: " رواه ابن ماجة، ورواته ثقات احتج بهم الشيخان إلا أن جعفر بن سليمان فاحتج به مسلم وحده "! 1717 - " إنه خلق كل إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن كبر الله وحمد الله وهلل الله وسبح الله واستغفر الله وعزل حجرا عن طريق الناس أو شوكا أو عظما عن طريق الناس أو أمر بالمعروف أو نهى عن المنكر، عدد تلك الستين والثلاثمائة سلامى، فإنه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار ". أخرجه مسلم (3 / 82) وأبو الشيخ في " العظمة " (12 / 20 / 2) من طرق عن معاوية بن سلام عن زيد أنه أخبره عن جده أبي سلام حدثنا عبد الله بن فروخ أنه سمع عائشة تقول: فذكره مرفوعا. 1718 - " ما بين السماء إلى الأرض أحد إلا يعلم أني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عاصي الجن والإنس ". أخرجه الدارمي (1 / 11) وابن حبان في " الثقات " كما يأتي وأحمد (3 / 310 ) من طريق الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال: " أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دفعنا إلى حائط في بني النجار، فإذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فدعاه، فجاء واضعا مشفرة على الأرض حتى برك بين يديه، فقال: " هاتوا خطاما " فخطمه، ودفعه إلى صاحبه، ثم التفت فقال ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، الذيال بن حرملة أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 451)

1719

من رواية جمع آخر عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 43) وساق له هذا الحديث. والأجلح وهو ابن عبد الله الكندي صدوق كما في " التقريب ". 1719 - " إنه ليغضب علي أن لا أجد ما أعطيه، من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ". أخرجه مالك (2 / 999 / 11) وعنه أبو داود (1627) والنسائي (1 / 363) من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد أنه قال: " نزلت أنا وأهلي ببقيع الغرقد، فقال لي أهلي: اذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاسأله لنا شيئا نأكله، وجعلوا يذكرون من حاجاتهم، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدت عنده رجلا يسأله، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا أجد ما أعطيك " فتولى الرجل عنه وهو مغضب، وهو يقول: لعمري إنك لتعطي من شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... (فذكره) . قال الأسدي : فقلت: للقحة لنا خير من أوقية - قال مالك: والأوقية أربعون درهما - قال: فرجعت ولم أسأله، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بشعير وزبيب، فقسم لنا منه حتى أغنانا الله عز وجل " قلت: وهذا إسناد صحيح، وجهالة الصحابي لا تضر. وتابعه سفيان عن زيد بن أسلم به مختصرا بلفظ: " من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا " أخرجه أحمد (4 / 36 و 5 / 430) وأبو عبيد في " الغريب " (ق 31 / 2) . وله عند أحمد (4 / 138) طريق أخرى عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه:

ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث نحوه إلا أنه قال: " عدل خمس أواق ". وهذا إسناد صحيح أيضا على ضعف يسير في عبد الحميد، ولعله أخطأ في قوله: " عدل خمس أواق ". ويبدو أن هذا الرجل المزني هو أبو سعيد الخدري، فقد قال ابنه عبد الرحمن بن أبي سعيد: عن أبيه قال: سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته ... فذكره نحوه وفيه: " فقلت: ناقتي الياقوتة خير من أوقية، فرجعت ولم أسأله ". أخرجه أحمد (3 / 9) . وأخرجه هو (3 / 7) وأبو داود (1628) والنسائي وابن حبان (846) وابن أبي حاتم في " التفسير " (1 / 95 / 2) كلهم من طريق عبد الرحمن بن أبي الرجال حدثنا عمارة بن غزية عن عبد الرحمن به. وهذا إسناد حسن . وزاد أبو داود في رواية: " وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين درهما ". وفي إسناده ضعف، لكن يشهد له حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ: " من سأل وله أربعون درهما فهو الملحف ". أخرجه النسائي. قلت: وإسناده حسن. وما أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم - 1630) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 161) من طريق محمد بن سيرين قال:

1720

" بلغ الحارث - رجل كان بالشام من قريش - أن أبا ذر كان به عوز، فبعث إليه ثلاثمائة دينار، فقال: ما وجد عبدا لله هو أهون عليه مني؟ ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره نحوه) ولآل أبي ذر أربعون درهم وأربعون شاة وماهنان. قال أبو بكر بن عياش: يعني خادمين ". قلت: وهذا إسناد جيد مرسلا لأن ابن سيرين لم يلق أبا ذر، كما قال أبو حاتم. وقال الهيثمي (9 / 331) : " ورجاله رجال " الصحيح " غير عبد الله بن أحمد ابن عبد الله بن يونس وهو ثقة ". وفاته الانقطاع الذي أشرت إليه، لكنه في الشواهد إسناد جيد. 1720 - " إنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق ". أخرجه مسلم (1 / 61) والنسائي (2 / 271) والترمذي (2 / 301) وابن ماجة (114) وأحمد (1 / 84 و 95 و 128) والخطيب في " التاريخ " (14 / 426) من طرق عن الأعمش عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن علي رضي الله عنه مرفوعا. قلت: وله شاهد من حديث أم سلمة مرفوعا به. أخرجه الترمذي (2 / 299) وأحمد (6 / 293) ، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". 1721 - " إني أحدثكم بالحديث، فليحدث الحاضر منكم الغائب ". الديلمي (1 / 2 / 317) من طريق أبي نعيم عن إسماعيل بن عبد الله عن عيسى بن الحارث المذحجي عن عبادة بن الصامت مرفوعا.

1722

قلت: وهذا إسناد مجهول عندي، وفي الرواة من يسمى إسماعيل بن عبد الله جمع كثير، فمن يكون هذا منهم؟ وليس فيهم من يدعى عيسى بن الحارث سوى الذي في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 274) : " عيسى بن الحارث. روى عن.. روى عنه أبو شيبة جد بني أبي شيبة. سألت أبا زرعة عنه؟ فقال: لا بأس به ". وأبو شيبة الراوي عنه اسمه إبراهيم بن عثمان، وهو من أتباع التابعين يروي عن أبي إسحاق السبيعي وغيره، فيحتمل احتمالا كبيرا أن يكون عيسى بن الحارث المذحجي هذا هو عيسى بن الحارث الذي لا بأس به. وقد أيد ذلك قول الهيثمي في تخريج الحديث (1 / 139) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله موثوقون ". قلت: ويشهد للحديث أحاديث " نضر الله امرأ سمع منا شيئا فبلغه.. ". أخرجه أصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن مسعود وزيد بن ثابت وجبير بن مطعم (انظر الترغيب 1 / 63 - 64) وأحاديث " ليبلغ الشاهد الغائب " في الصحيحين من حديث أبي بكرة. 1722 - " إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط، ما فيها موضع قدر أربع أصابع إلا ملك واضع جبهته ساجدا لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون ". رواه الحاكم في " المستدرك " (2 / 510) عن إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن مورق العجلي عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا) * حتى ختمها ثم قال: فذكره، وزاد:

1723

" والله لوددت أني شجرة تعضد ". وقال الحاكم: " حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ". وسكت عليه الذهبي. ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (2 / 51) وابن ماجة (4190) دون قراءة الآية وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب، ويروى من غير هذا الوجه أن أبا ذر قال: لوددت أني شجرة تعضد ". قلت: هكذا أخرجه أحمد (5 / 173) مصرحا بأن قوله: " والله لوددت.. " من قول أبي ذر، وإسناده إلى إبراهيم صحيح، فهو دليل على أن من جعله من تمام الحديث كما هو رواية الحاكم والترمذي وابن ماجة فهو وهم أدرجه في الحديث. على أن الحديث إسناده فيه ضعف من قبل إبراهيم بن مهاجر، فقد قال عنه الحافظ ابن حجر في " التقريب ". " صدوق لين الحفظ ". والحديث أورده المنذري في " الترغيب " بلفظ الحاكم - فقال: " رواه البخاري باختصار والترمذي إلا أنه قال: " ما فيها موضع أربع أصابع " والحاكم واللفظ له وقال: صحيح الإسناد " . قلت: فعزوه إياه للبخاري مختصرا خطأ، فإن البخاري لم يخرجه عن أبي ذر مطلقا ، وإنما رواه مختصرا جدا (4 / 237) من حديث أبي هريرة وأنس بلفظ: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ". 1723 - " إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين ". أخرجه أبو داود (2683 و 4359) والنسائي (2 / 170) والحاكم (3 / 45) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 216 - 217) كلهم من طريق أحمد بن المفضل حدثنا

أسباط بن نصر قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد عن سعد قال: لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان، فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايع عبد الله، فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثا، كل ذلك يأبى، فبايعه بعد ثلاث، ثم أقبل على أصحابه فقال: " أما كان فيكم رجل رشيد، يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ " . فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت إلينا بعينك؟ قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، إلا أن أسباط بن نصر وأحمد بن المفضل قد تكلم فيهما بعض الأئمة من جهة حفظهما، لكن الحديث له شاهد يتقوى به، يرويه نافع أبو غالب عن أنس قال: " غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينا فخرج المشركون، فحملوا علينا حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا، وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا، فهزمهم الله، وجعل يجاء بهم فيبايعونه على الإسلام، فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن علي نذرا إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله قال: يا رسول الله تبت إلى الله، فامسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبايعه، ليفي الآخر بنذره: فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليأمره بقتله، وجعل يهاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع بايعه، فقال الرجل: يا رسول الله نذري، فقال: " إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك "، فقال : يا رسول الله ألا أومضت إلي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس لنبي أن يومض ".

1724

أخرجه أبو داود (3194) وأحمد (3 / 151) بسند حسن، فالحديث بهذا الشاهد صحيح إن شاء الله تعالى. 1724 - " إني صليت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله عز وجل لأمتي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ورد علي واحدة، سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطانيها، وسألته أن لا يهلكهم غرقا، فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فردها علي ". أخرجه ابن ماجة (3951) وابن خزيمة في " صحيحه " (رقم - 1218) وأحمد (5 / 240) من طريق رجاء الأنصاري عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن معاذ بن جبل قال: " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة، فأطال فيها، فلما انصرف قلنا: يا رسول الله أطلت اليوم الصلاة؟ قال: " فذكره. قال البوصيري في " زوائد ابن ماجة " (264 / 1) : " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه الإمام أحمد في " مسنده " وأبو بكر بن أبي شيبة في (مسنده) ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير رجاء الأنصاري، وهو مجهول، فقد قال الذهبي: " ما روى عنه سوى الأعمش "، فأنى لإسناده الصحة. نعم للحديث طريق آخر وشواهد يتقوى بها: فأخرجه أحمد (5 / 243 و 247) من طريقين عن عبد الملك ابن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ به نحوه إلا أنه قال:

1725

" أن لا يبعث عليهم سنة تقتلهم جوعا " بدل ".. غرقا ". وهذا هو المعروف في الشواهد المشار إليها، منها حديث ثوبان مرفوعا: " إن الله زوى لي الأرض.. " وفيه: " بسنة عامة ". أخرجه مسلم (8 / 171) وغيره وصححه الترمذي (2 / 27) وقد مضى تخريجه تحت الحديث (1683) رقم (3) . ومنها عن أنس بن مالك مرفوعا مثله . أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 326) والحاكم (1 / 314) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. ومنها حديث خباب بن الأرت وهو مخرج في " صفة الصلاة ". لكن للغرق شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " سألت ربي ثلاثا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة، فأعطانيها وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق، فأعطانيها وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم، فمنعنيها ". أخرجه مسلم (8 / 171 - 172) وأحمد (1 / 175 و182) والجندي في " فضائل المدينة " (رقم 59 - منسوختي) . فهذا يدل على أن ذكر الغرق محفوظ أيضا، فيظهر أن أصل الحديث ذكر فيه الغرق والسنة معا، كما يدل عليه حديث سعد المذكور، ثم ذكر بعض الرواة هذا، وبعضهم هذا. والله أعلم. 1725 - " إني قد بدنت، فإذا ركعت فاركعوا وإذا رفعت

1726

فارفعوا وإذا سجدت فاسجدوا ولا ألفين رجلا يسبقني إلى الركوع ولا إلى السجود ". أخرجه ابن ماجة (962) عن دارم عن سعيد بن أبي بردة عن أبي بردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: رجاله ثقات غير دارم هذا، فهو مجهول، وإن وثقه ابن حبان. لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث، منها حديث معاوية مرفوعا: " إني قد بدنت، فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود، فإني مهما أسبقكم حين أركع تدركوني حين أرفع، ومهما أسبقكم حين أسجد تدركوني حين أرفع ". أخرجه الدارمي وغيره بسند حسن، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (630) . ومنها حديث أنس بن مالك مرفوعا: " أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركعوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف ... ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج أيضا في " صحيح أبي داود " (635) . 1726 - " إني لا أقول إلا حقا ". أخرجه الترمذي في " السنن " (1 / 359) و " الشمائل " (2 / 34) والبغوي في " شرح السنة " (3602) وأحمد (2 / 360) من طريق ابن المبارك عن أسامة ابن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: " قالوا: يا رسول الله! إنك تداعبنا؟ قال.. " فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

1727

قلت: إسناده حسن إن كان أسامة بن زيد هو الليثي مولاهم أبو زيد المدني، وليس كذلك إذا كان العدوي مولاهم أبا زيد المدني فإنه ضعيف ومن الصعب تعيين المراد منهما، فإن ابن المبارك قد روى عنهما كليهما. وأيهما كان فلم يتفرد به، فقد تابعه محمد عن سعيد بن أبي سعيد به. أخرجه أحمد (2 / 340) . ومحمد هو ابن عجلان، وهو حسن الحديث، فالحديث صحيح كما قال الترمذي. والله أعلم. والحديث أخرجه البخاري أيضا في " الأدب المفرد " (265) عن ابن عجلان إلا أنه قال: عن أبيه أو سعيد. وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث وفيه ضعف، فالشك منه. والله أعلم. ثم ترجح عندي أن أسامة هو الليثي، فقد رأيت الحافظ المزي قد ذكره في الرواة عن سعيد المقبري دون العدوي. وبذلك يزداد الحديث قوة على قوة. والله أعلم. وسيأتي له حديث آخر قريبا برقم (1730) . 1727 - " إني لا أقبل هدية مشرك ". أخرجه البزار (138 - زوائده) عن معمر والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 1 - غزوة بئر معونة - مخطوطة حلب) عن موسى بن عقبة كلاهما عن ابن شهاب حدثني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك السلمي - زاد الثاني: ورجال من أهل العلم - أن عامر بن مالك بن جعفر الذي يدعى ملاعب الأسنة - قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأبى أن يسلم، وأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، وقد وصله ابن المبارك فقال: عن معمر عن

1728

الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عامر بن مالك ... أخرجه البزار أيضا وقال: " رفعه (يعني وصله) ابن المبارك، وأرسله عبد الرزاق، ولا نعلم روى عامر إلا هذا ". قال الحافظ عقبه: " قلت: الإسناد صحيح غريب، وابن المبارك أحفظ من عبد الرزاق، وحديث عبد الرزاق أولى بالصواب ". قلت: وكأن ذلك للطريق الأخرى المرسلة عند البيهقي، لكن الحديث صحيح على كل حال فإن له شواهد تشهد لصحته، وقد مضى بعضها، فانظر الحديث (1707) . (تنبيه) عزا السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " للطبراني في " الكبير " عن كعب بن مالك! وأما في " الجامع الكبير " فعزاه (1 / 251 / 2) للطبراني في " الكبير " وابن عساكر عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه، وابن عساكر عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عامر بن مالك ملاعب الأسنة. ولم يعزه الهيثمي في " المجمع " (4 / 152) للطبراني مطلقا، فالله أعلم. وللحديث شواهد تقدم أحدها برقم (1707) . 1728 - " أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11537) من طريق حنش عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " أي عرى الإيمان - أظنه قال - أوثق؟ " قال: الله ورسوله أعلم؟ قال: " الموالاة ... ".

1729

قلت: وهذا إسناد واه، ولكن له شواهد تدل على أن له أصلا من حديث عبد الله ابن مسعود، والبراء بن عازب. أما حديث ابن مسعود، فأخرجه الطيالسي (378) والطبراني وغيرهما، وصححه الحاكم، ورده الذهبي كما بينته في " الروض النضير " (651) ، لكن له طريق أخرى يتقوى بها خرجتها هناك. وأما حديث البراء، فأخرجه أحمد (4 / 286) وابن أبي شيبة في " الإيمان " رقم (110 - بتحقيقي) وابن نصر في " كتاب الصلاة " (ق 91 / 1) من رواية ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. قلت: فالحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن على الأقل. والله أعلم. 1729 - " أوصيك أن لا تكون لعانا ". أخرجه أحمد (5 / 70) : حدثنا عبد الصمد حدثنا عبيد الله بن هوذة القريعي أنه قال: حدثني رجل سمع جرموزا الهجيمي قال: " قلت: يا رسول الله أوصني، قال: " فذكره. وأخرجه الطبراني (رقم 2181) من طريق أخرى عن عبد الصمد بن عبد الوارث به. قلت: وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم، لكن قال الحافظ في " الإصابة ": " جزم البغوي وابن السكن بأنه أبو تميمة الهجيمي ". قلت: فإذا صح هذا، فالإسناد صحيح لأن أبا تميمة واسمه طريف بن مجالد ثقة من رجال البخاري. على أن ابن السكن أخرجه من طريق سلم بن قتيبة (وهو ثقة من

1730

رجال البخاري أيضا: حدثنا عبيد الله بن هوذة - ورأيته في مهده من الكبر - قال : حدثني جرموز، فذكره. قال الحافظ: " وعلى هذا فلعل عبيد الله سمعه عنه بواسطة، ثم سمعه منه ". وأخرجه الطبراني (2180) من طريق إبراهيم بن محمد ابن عرعرة حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا عبيد الله بن هوذة عن جرموز به . فأسقط من بينهما الواسطة، ولعل الأرجح إثباته، فقد أخرجه الطبراني (2182 ) من طريق أخرى عن الحسن بن حبيب بن ندبة عن عبيد الله بن هوذة القريعي عن شيخ عن جرموز مثله. فالعمدة على جزم البغوي وابن السكن أن الشيخ هو أبو تميمة الهجيمي. والله أعلم. وللحديث بعض الشواهد في " ظلال الجنة " (1014) ، فليراجعها من شاء. 1730 - " أوصيك بتقوى الله والتكبير على كل شرف ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 35 / 2) وعنه ابن ماجة (2771) والترمذي (2 / 255) وأحمد (2 / 325 و 331 و 443 و 476) وكذا ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 256 / 2) والمحاملي في " الدعاء " (ق 32 / 1) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (514) والحاكم (1 / 445 - 446 و 2 / 98) والبيهقي في " الزهد " (ق 107 / 2) من طرق عن أسامة بن زيد عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد سفرا فقال: يا رسول الله أوصني، قال: ". فذكره، ولفظ الترمذي: " عليك بتقوى الله.... ". وزاد هو والحاكم وأحمد وغيرهم: " فلما مضى قال: اللهم ازو له الأرض، وهون عليه السفر ". وقال الترمذي:

1731

" حديث حسن ". وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا إلا أن أسامة بن زيد وهو الليثي فيه كلام يسير، فهو حسن الإسناد. وللجملة الأولى منه شاهد من حديث شهر بن حوشب عن أبي سعيد الخدري قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: أوصني، فقال: " فذكره وزاد: " فإنه جماع كل خير ". وشهر سيء الحفظ على صدقه، فمثله يستشهد به. وقد مضى من طريق أخرى برقم (555) . 1731 - " إن من البيان سحرا وإن من الشعر حكما ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (872) وأبو داود (5011) وابن ماجة (3756) الشطر الثاني فقط - وابن حبان (2009) وأحمد (1 / 269 و 273 و303 و 309 و 313 و 327 و 332) من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس : " أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بين (وفي رواية لأحمد: فجعل يثني عليه) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ". فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، وهو على شرط مسلم، وفي سماك كلام يسير. وتابعه الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس به وفيه قصة، لكن السند إليه لا يصح. أخرجه الحاكم (3 / 613) من طريق أبي سعد الهيثم بن محفوظ عن أبي المقوم الأنصاري: يحيى بن أبي يزيد عنه. وسكت عليه الحاكم والذهبي.

1732

والهيثم هذا قال في " الميزان ": " لا يدرى من هو؟ ". قلت: وشيخه أبو المقوم لم أجد له ترجمة. ثم روى له الحاكم شاهدا من حديث أبي بكرة، وفيه سليمان بن سعيد النشيطي وهو ضعيف. وله شاهدا آخر من حديث بريدة مخرج في " المشكاة " (4804) . (حكما) أي من الشعر كلاما نافعا يمنع من الجهل والسفه، وينهى عنهما. " نهاية ". 1732 - " إنما أنا بشر، تدمع العين ويخشع القلب ولا نقول ما يسخط الرب، والله يا إبراهيم إنا بك لمحزونون ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 142) عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود ابن لبيد قال: انكسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ودمعت عيناه فقالوا: يا رسول الله تبكي وأنت رسول الله قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، ومحمود بن لبيد صحابي صغير. وله شاهد من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: لما توفى ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له المعزي، أبو بكر أو عمر: أنت أحق من عظم الله حقه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب، لولا أنه وعد صادق

1733

وموعود جامع وأن الآخر تابع للأول لوجدنا عليك يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون ". أخرجه ابن ماجة (1589) وابن سعد (1 / 143) . وهذا إسناد حسن في الشواهد، وقد حسنه البوصيري. وله شواهد أخرى عند ابن سعد (1 / 136 - 140) منها عن أنس بن مالك وهو في " الصحيحين "، وقد خرجته في " فقه السيرة للأستاذ الغزالي " (ص 484) . 1733 - " أولياء الله الذين إذا رءوا ذكر الله ". أخرجه المروزي في " زوائد الزهد " (218) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 12325) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 231) والضياء في " المختارة " (212 / 2) من طريقين عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: ورجال الطبراني وأبي نعيم ثقات غير جعفر هذا، قال الحافظ: " صدوق يهم ". وقد خالفه سهل أبو الأسد فقال عن سعيد بن جبير مرسلا، لم يذكر في إسناده ابن عباس. أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (217) والدولابي في " الكنى " ( 1 / 106) . قلت: وسهل هذا ثقة كما قال ابن معين. وقال أبو زرعة: صدوق. وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 74) ، فروايته مقدمة على رواية جعفر بن أبي المغيرة ، فالحديث مرسل. وأما قول الهيثمي في " المجمع " (10 / 78) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات "!

1734

قلت: فهذا الإطلاق من أوهامه أو تساهله، فإن جعفر بن أبي المغيرة قد عرفت قول الحافظ فيه، وقال ابن منده: " ليس بالقوي في سعيد بن جبير ". وهذا من روايته عنه كما ترى، وقد خالفه من هو أوثق منه كما سبق. لكنه أورده عقبه بنحوه عن ابن عباس وقال: " رواه البزار عن شيخه علي بن حرب الرازي، ولم أعرفه وبقية رجاله وثقوا ". فالظاهر أنه من طريق أخرى غير الأولى فالحديث به يتقوى. وعلي بن حرب الرازي لعله الطائي الرازي فإنه من هذه الطبقة، وهو صدوق فاضل. والله أعلم. ثم ذكر له شاهدا من حديث ابن مسعود بلفظ: " إن من الناس مفاتيح لذكر الله، إذا رؤوا ذكر الله ". ولكنه ضعيف جدا ولذلك أوردته في " الضعيفة " (2409) ، ووقع للهيثمي فيه تصحيف عجيب، كان السبب لخفاء علته عليه، كما بينته هناك. 1734 - " إن ما بقي من الدنيا بلاء وفتنة، وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء، إذا طاب أعلاه طاب أسفله، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (596) وعنه أحمد (4 / 94) والرامهرمزي في " الأمثال " (ص 101 - هند) : أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني أبو عبد ربه قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول على هذا المنبر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح عندي، رجاله ثقات معروفون غير أبي عبد ربه وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جمع آخر من الثقات.

1735

والحديث أخرجه ابن ماجة (4199) وأبو يعلى (4 / 1776) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد به دون فقرة الدنيا. 1735 - " إن يأجوج ومأجوج يحفرون كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعوا فسنحفره غدا، فيعيده الله أشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا، حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس، قال الذي عليهم: ارجعو فسنحفره غدا إن شاء الله تعالى، واستثنوا، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه، فيحفرونه ويخرجون على الناس، فينشفون الماء ويتحصن الناس منهم في حصونهم، فيرمون بسهامهم إلى السماء، فترجع عليها الدم الذي اجفظ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض، وعلونا أهل السماء، فيبعث الله نغفا في أقفائهم فيقتلون بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكرا من لحومهم ". أخرجه الترمذي (2 / 197) وابن ماجة (4080) وابن حبان (1908) والحاكم (4 / 488) وأحمد (2 / 510 - 511 و 511) من طرق عن قتادة حدثنا أبو رافع عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، إنما نعرفه من هذا الوجه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله شاهد من حديث أبي سعيد سيأتي تخريجه برقم (1793) . ولطرفه الأخير منه شاهد في حديث الدجال الطويل من حديث النواس بن سمعان مرفوعا. أخرجه مسلم (8 / 197 - 199) وغيره كما يأتي تحت الحديث (1780) .

غريب الحديث: (اجفظ) : أي ملأها، يعني ترجع السهام عليهم حال كون الدم ممتلئا عليها. في " القاموس ": الجفيظ: المقتول المنتفخ. و (الجفظ) : الملء واجفاظت كاحمار واطمأن: انتفخت. (نغفا) : دود تكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها: نغفة. (وتشكر) : أي تمتلئ شحما، يقال: شكرت الناقة تشكر شكرا إذا سمنت وامتلأت ضرعها لبنا. (تنبيه) : أورد الحافظ ابن كثير هذا الحديث من رواية الإمام أحمد رحمه الله تحت تفسير آيات قصة ذي القرنين وبنائه السد وقوله تعالى في يأجوج ومأجوج فيه : * (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا) * ثم قال عقبه: " وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الآية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه، لإحكام بنائه وصلابته وشدته ". قلت: نعم، ولكن الآية لا تدل من قريب ولا من بعيد أنهم لن يستطيعوا ذلك أبدا، فالآية تتحدث عن الماضي، والحديث عن المستقبل الآتي، فلا تنافي ولا نكارة بل الحديث يتمشى تماما مع القرآن في قوله " * (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون) *. وبعد كتابة هذا رجعت إلى القصة في كتابه " البداية والنهاية "، فإذا به أجاب بنحو هذا الذي ذكرته، مع بعض ملاحظات أخرى لنا عليه يطول بنا الكلام لو أننا توجهنا لبيانها، فليرجع إليه من شاء الوقوف عليه (2 / 112) . (تنبيه آخر) : إن قول ابن كثير المتقدم في تجويد إسناد الحديث جاء عنده بعد نقله قول الترمذي المتقدم إلا أنه لم يقع فيه لفظة " حسن "، واختلط الأمر على مختصره الشيخ الصابوني (2 / 437) فذكر عقب الحديث قول ابن كثير: " في رفعه نكارة "، وذكر

1736

في التعليق أن الترمذي قال: " وإسناده جيد قوي "! وإنما هذا قول ابن كثير نفسه كما رأيت، لم يستطع الشيخ أن يجمع في ذهنه أن ابن كثير يمكن أن يجمع بين تقوية الإسناد واستنكاره لمتنه. مع أن هذا شا ئع معروف عند أهل العلم، فاقتضى التنبيه، وإن كنا أثبتنا خطأه في استنكاره لمتنه كما تقدم. 1736 - " أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر والثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء لكل رجل منهم زوجتان، على كل زوجة سبعون حلة يبدو مخ ساقها من ورائها ". أخرجه الترمذي (2 / 85 و 87) من طريق فراس وفضيل بن مرزوق كلاهما عن عطية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال في الموضع الأول: " حديث حسن صحيح ". وفي الآخر: " حديث حسن "، وهذا أقرب، فإن عطية وهو العوفي ضعيف. لكنه لم يتفرد به كما يأتي. وأخرجه أحمد أيضا (3 / 16) : حدثنا يحيى بن آدم حدثنا فضيل عن عطاء حدثنا أبو سعيد الخدري به. كذا فيه " عطاء " وأظنه محرفا من " عطية " والله أعلم، وعنه أخرجه البغوي في حديث " ابن الجعد " (9 / 1) . ورواه سعيد بن سليمان حدثنا فضيل بن مرزوق عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم به وزاد : " كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10321) وعنه أبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 135 / 2001) من طريقين عن ابن سليمان به. قال المنذري في " الترغيب " (4 / 261) : " رواه الطبراني بإسناد صحيح والبيهقي بإسناد حسن "! وقال ابن القيم (1 / 318) : " وهذا الإسناد على شرط الصحيح ".

كذا قالا، وفضيل بن مرزوق وإن كان من رجال مسلم، ففيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ: " صدوق يهم ". وشيخه أبو إسحاق هو السبيعي مختلط مدلس، وقد عنعنه. وقد اضطرب الفضيل في إسناده، فمرة قال عنه، وأخرى قال: عن عطية. فالحديث من هذا الوجه ضعيف. لكن له شاهد من حديث أبي هريرة يرويه سعيد بن عيسى - جار محمد بن الصباح - حدثنا حماد ابن سلمة عن أيوب ويونس وحميد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: فذكره مرفوعا دون ذكر الحلل، وزاد في آخره: " وليس في الجنة أعزب ". أخرجه الخطيب في ترجمة سعيد هذا من " التاريخ " (9 / 87) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكناه بأبي عثمان المعروف بالبلخي، وأنا أظنه الذي في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 51) : " سعيد بن عيسى بن تليد الرعيني أبو عثمان، مصري روى عن المفضل بن فضالة وابن وهب وعبد الرحمن بن القاسم، سمع منه أبي، وسألته عنه فقال: لا بأس به، وهو ثقة ". قلت: فإذا كان هذا هو البلخي، فيكون مصريا قد رحل إلى بغداد، فإنه من هذه الطبقة. والله أعلم. وقد توبع، فقال الإمام أحمد (2 / 345) : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة أنبأنا يونس عن محمد بن سيرين به دون الشطر الأول منه ودون الزيادة. وأخرجه مسلم (8 / 146) وأحمد (2 / 230 و 247 و 507) من طرق أخرى عن أيوب به كاملا دون الحلل. وأخرجه الدارمي (2 / 336) من طريق هشام القردوسي عن ابن سيرين الشطر الثاني منه.

1737

وللحلل السبعين شاهدان من حديث أبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود مرفوعا أخرجهما ابن حبان (2631، 2632) بإسنادين يستشهد بهما. وجملة القول فالحديث كله صحيح بشواهده. والله أعلم. 1737 - " أول الناس هلاكا قريش، وأول قريش هلاكا أهل بيتي ". أخرجه إبراهيم بن طهمان في " مشيخته " (1 / 236 / 2) عن عباد بن إسحاق عن محمد بن زيد عن أبي إسحاق مولى عبد الله بن شرحبيل بن جعشم عن عمرو بن العاص مرفوعا به، وعن عباد بن إسحاق عن عمر بن سعيد عن محمد بن مسلم الزهري عن عروة عن عائشة به. قلت: وإسناده عن عائشة حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير عمر بن سعيد وهو ابن سريج ضعفه الدارقطني وذكره ابن حبان في " الثقات ". وإسناده عن عمرو بن العاص ثقات أيضا غير أبي إسحاق مولى عبد الله بن شرحبيل فلم أعرفه. لكن يبدو أن له طريقا أخرى عنه، فقد عزاه السيوطي للطبراني في " الكبير " عنه، قال المناوي: " وكذا أبو يعلى وفيه ابن لهيعة. ومقسم مولى ابن عباس أورده البخاري في كتاب " الضعفاء الكبير "، وضعفه ابن حزم وغيره ". وقد وجدت له شاهدا من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي الرباب أن أبا ذر قال: فذكره مرفوعا. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 371 - طبع المجمع العلمي) . ورجاله ثقات غير أبي الرباب هذا فلم أعرفه. ويحتمل أن يكون الذي في " الكنى " للدولابي (1 / 177) :

1738

وأبو الرباب مطرف بن مالك القشيري، بصري " ومطرف هذا أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 312) وقال: " شهد فتح (تستر) مع أبي موسى الأشعري، روى عنه زرارة بن أبي أوفى ومحمد بن سيرين "، وكذا قال ابن حبان في " الثقات ". قلت: وقد روى عنه أيضا سعيد بن أبي سعيد المقبري كما ترى، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات، فحديثه جيد إن شاء الله تعالى. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح عندي. والله أعلم. ولطرفه الأول شاهد عن أبي هريرة، مضى برقم (738) . وأورده السيوطي من رواية أبي يعلى عن ابن عمرو بلفظ: " أول الناس فناء قريش، وأول قريش فناء بنو هاشم ". وقال المناوي: " وفيه ابن لهيعة ". 1738 - " يا بنية! إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحدا لموافاة يوم القيامة ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 141) حدثنا أبو النضر حدثنا المبارك عن ثابت البناني عن أنس قال: " لما قالت فاطمة ذلك، يعني لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد، قالت فاطمة: واكرباه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... (فذكره) : حدثنا خلف حدثنا المبارك حدثني ثابت عن أنس قال: لما قالت فاطمة، فذكره مثله ". قلت: وهذا إسناد حسن بعد أن صرح المبارك بن فضالة بالتحديث، على أنه قد توبع ، أخرجه الترمذي في " الشمائل " (379 - حمص) وابن ماجة (1629) من طريق عبد الله بن الزبير أبي الزبير حدثنا ثابت البناني به.

1739

قلت: وهذا إسناد حسن أيضا رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن الزبير هذا، قال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الدارقطني : بصري صالح. وأصله في " صحيح البخاري " (آخر - المغازي) كما بينته في كتابي " مختصر الشمائل المحمدية " برقم (334) وعسى أن يطبع قريبا بإذن الله تبارك وتعالى. 1739 - " أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخره الصلاة ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 28) وتمام الرازي في " الفوائد " (ق 31 / 2) والضياء في " المختارة " (1 / 495) من طريق ثواب بن حجيل الهدادي عن ثابت البناني عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد رجاله ثقات غير ثواب هذا، أورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 471) من رواية موسى بن إسماعيل فقط عنه، وهو الراوي لهذا الحديث عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 265) و " الأخبار " (2 / 213) من طريق يزيد الرقاشي عن أنس به دون ذكر الأمانة. ويزيد ضعيف. وأخرجه الطبراني من حديث شداد بن أوس مرفوعا دون ذكر الصلاة. وذكر المناوي نقلا عن العراقي والهيثمي أن فيه عمران القطان ضعفه ابن معين والنسائي، ووثقه أحمد. قلت: إن لم يكن فيه غير هذه العلة فهو حسن الإسناد. والحديث صحيح على كل حال ، فإن له شواهد كثيرة ذكرت بعضها في " الروض النضير " تحت الحديث (726) .

1740

ثم رأيت الحديث في الطبراني (رقم - 7182 و 7183) من طريق مهلب بن العلاء حدثنا شعيب بن بيان الصفار حدثنا عمران القطان عن قتادة عن الحسن عن شداد مرفوعا به. والحسن هو البصري مدلس. والمهلب بن العلاء قال الهيثمي (4 / 145) : " لم أجد من ترجمة، وبقية رجاله ثقات ". قلت: فلا بأس به في الشواهد. والله أعلم. 1740 - " أهل الجنة من ملأ الله أذنيه من ثناء الناس خيرا، وهو يسمع، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا، وهو يسمع ". أخرجه ابن ماجة (4224) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 12787) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 80) والبيهقي في " الشعب " (2 / 342 / 1) من طريق أبي هلال حدثنا عقبة بن أبي ثبيت عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات وفي أبي هلال - واسمه محمد بن سليم الراسبي - كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن، وقال الحافظ فيه: " صدوق فيه لين " . ومنه يتبين تساهل البوصيري حين قال في " الزوائد " (ق 285 / 2) : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات "! نعم الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة منها عن أنس مرفوعا نحوه. أخرجه البزار (ص 326 زوائد ابن حجر) والحاكم (1 / 378) من طريقين عن ثابت عنه. وقال الحاكم:

1741

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وإن أعله ابن أبي حاتم (2 / 232 - 233) بالإرسال. ومنها عن أبي هريرة وغيره وقد مضى برقم (1327) . 1741 - " إن أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون ". أخرجه الحاكم (2 / 499) وأحمد (2 / 114) من طريق عبد الله (وهو ابن المبارك) أنبأنا موسى بن علي بن رباح سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو ابن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره والسياق لأحمد وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ثم قال أحمد (2 / 169) : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا موسى به مختصرا بلفظ: " قال عند ذكر أهل النار: كل جعظري جواظ مستكبر جماع مناع ". وإسناده صحيح أيضا. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (4 / 17) : " وعن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا سراقة ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: أما أهل النار فكل جعظري ... " فذكره دون قوله: " جماع مناع "، وقال: " رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد حسن، والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم ". قلت: أخرجه الطبراني في " الكبير " (6589) والحاكم (3 / 619) من طريق عبد الله بن صالح حدثني موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه عن سراقة بن مالك بن جعشم به. وسكت عنه هو والذهبي، وهذا أولى مما نقله المنذري عنه أنه قال:

" صحيح على شرط مسلم " فإن عبد الله بن صالح ليس على شرطه أولا، ثم هو مضعف ثانيا، وقد خالف عبد الله بن المبارك في إسناده ثالثا، فجعله من مسند سراقة ، وهو عنده من مسند عبد الله بن عمرو. نعم قال الإمام أحمد (4 / 175) : حدثنا عبد الله بن يزيد المقري حدثنا موسى بن علي قال: سمعت أبي يقول: بلغني عن سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. وعبد الله بن يزيد المقري ثقة من رجال الشيخين، فقد حفظ وبين أنه منقطع بين علي بن رباح وسراقة. والله أعلم. ثم رأيت الحاكم أخرجه (1 / 60 - 61) من طريق زيد بن الحباب حدثني موسى بن علي به إلا أنه لم يقل: " بلغني " ، وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وابن الحباب دون المقري في الحفظ والضبط. وللحديث شاهد عن معاذ بن جبل مرفوعا بلفظ: " ألا أخبرك عن ملوك الجنة؟ قلت: بلى، قال: رجل ضعيف مستضعف ذو طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره ". أخرجه ابن ماجة (4115) عن سويد بن عبد العزيز عن زيد بن واقد عن بسر بن عبد الله عن أبي إدريس الخولاني عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير سويد بن عبد العزيز فإنه ضعيف، وقال الحافظ : لين الحديث. وروى محمد بن جابر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن حذيفة مرفوعا بلفظ: " ألا أخبركم بشر عباد الله؟ الفظ المستكبر، ألا أخبركم بخير عباد الله؟ المستضعف ذو الطمرين، لو أقسم على الله لأبر الله قسمه ". أخرجه أحمد (5 / 407) . ومحمد بن جابر هو الحنفي اليمامي ضعيف لاختلاطه وتلقنه.

1742

(الجعظري) : الفظ الغليظ المتكبر. و (الجواظ) : الجموع المنوع. 1742 - " أول ما يهراق دم الشهيد، يغفر له ذنبه كله إلا الدين ". رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح عن سهل بن حنيف مرفوعا كما في المجمع (4 / 128) . وقد أخرجه الحاكم (2 / 119) ومن طريقه البيهقي (9 / 163 - 164) من طريق عبد الرحمن بن سعد المازني عن سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه عن جده مرفوعا دون قوله: " إلا الدين ". وسكت هو والذهبي وذلك لأنه ذكره شاهدا لحديث ابن عمرو " يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين " وصححه هو والذهبي. وعبد الرحمن بن سعد المازني كذا وقع في " المستدرك " وأظنه محرفا عن " المدني " أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 238) وذكر عن ابن معين أنه قال: " لا أعرفه ". قلت: لكن قول الهيثمي في طريق الطبراني: " ورجاله رجال الصحيح ". يشعر بأنه من غير طريقه لأن ليس من رجال " الصحيح " بل ولا أخرج له أحد من سائر الستة ويؤيده اختلاف اللفظ، فإنه ليس عنده " إلا الدين " كما سبق. وبالجملة فالحديث حسن لغيره على الأقل إن لم يكن صحيحا. ثم رأيته في " المعجم الكبير " للطبراني أخرجه (5552 و 5553) من طريقين عن عبد الله بن وهب عن عبد الرحمن بن شريح (وفي الطريق الأخرى: عبد الرحمن بن سهل المدني) عن سهل بن أبي أمامة به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين من الطريق الأولى، فإن عبد الرحمن بن شريح هو المعافري الإسكندراني ثقة من رجالهما وكذلك سهل وابن وهب. وأما عبد الرحمن بن سهل المدني، فالذي يغلب على ظني أن الصواب عبد الرحمن بن سعد كما تقدم عن " المستدرك "، فقد ذكره ابن أبي حاتم (2 / 2 / 238) هكذا:

1743

عبد الرحمن بن سعد المدني، روى عن سهل بن أبي أمامة بن سهل، سمع منه عبد الله ابن وهب. قال ابن معين: لا أعرفه. وعليه فقوله في " المستدرك ": (المازني ) محرف من (المدني) . والله أعلم. (تنبيه) : عزا هذا الحديث صاحبنا السلفي في تعليقه على " كبير الطبراني " (6 / 88) للصفحة (77) من المجلد الثاني من " المستدرك "، وإنما فيها حديث آخر بلفظ: " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وإسناده إسناد هذا تماما إلا أنه وقع فيه " عبد الرحمن بن شريح " على الصواب. والله أعلم. 1743 - " يا أبا تراب! ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذه (يعني قرن علي) حتى تبتل هذه من الدم - يعني لحيته ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 351 - 352) والنسائي في " الخصائص " (ص 28) والحاكم (3 / 140 - 141) وأحمد (4 / 263) من طريق محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن محمد بن خيثم المحاربي عن محمد بن كعب القرظي عن محمد بن خيثم عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: " كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذي العشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام بها، رأينا ناسا من بني مدلج يعملون في عين لهم في نخل، فقال لي علي: يا أبا اليقظان: هل لك أن نأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟ فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة، ثم غشينا النوم ، فانطلقت أنا وعلي، فاضطجعنا في صور من النخل، في دقعاء من التراب فنمنا، فوالله ما أيقظنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك الدقعاء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا تراب! لما يرى عليه من التراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا.... " فذكره، والسياق للحاكم وقال:

1744

" صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وهو وهم فاحش منهما، فإن محمد بن خيثم ويزيد بن محمد بن خيثم لم يخرج لهما مسلم شيئا بل ولا أحد من بقية الستة إلا النسائي في الكتاب السابق " الخصائص " وفيهما جهالة، فإن الأول منهما لم يرو عنه غير القرظي، والآخر غير ابن إسحاق. والحديث قال الهيثمي (9 / 136) : " رواه أحمد والطبراني والبزار باختصار، ورجال الجميع موثوقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار ". لكن للحديث شواهد من حديث صهيب وجابر بن سمرة وعلي بأسانيد فيها ضعف غير حديث علي فإسناده حسن كما قال الهيثمي وقد خرجها كلها فراجعه إن شئت (9 / 136 - 137) (صور من النخل) أي جماعة من النخل، ولا واحد له من لفظه، ويجمع على (صيران) . (دقعاء) هو هنا التراب الدقيق على وجه الأرض. 1744 - " ألا أخبركم بشيء، إذا نزل برجل منكم كرب أو بلاء من بلايا الدنيا دعا به يفرج عنه؟ فقيل له: بلى، فقال: دعاء ذي النون: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ". أخرجه الحاكم (1 / 505) من طريق ابن أبي الدنيا، وهذا في " الفرج بعد الشدة " (ص 10) : حدثني عبيد بن محمد حدثنا محمد بن مهاجر القرشي حدثني إبراهيم ابن محمد بن سعد عن أبيه عن جده قال: " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " فذكره.

1745

قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، عبيد بن محمد وهو المحاربي مولاهم الكوفي له أحاديث مناكير كما قال ابن عدي، لكنه لم ينفرد به كما يأتي. ومحمد بن مهاجر القرشي وثقه ابن حبان وروى عنه جماعة، وقد تابعه يونس بن أبي إسحاق الهمداني حدثنا إبراهيم بن محمد بن سعد به نحوه. أخرجه أحمد (1 / 170) والحاكم وقال : " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1745 - " ألا أخبركم بصلاة المنافق؟ أن يؤخر العصر حتى إذا كانت الشمس كثرب البقرة صلاها ". أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 94) والحاكم (1 / 195) من طريق عبد السلام ابن عبد الحميد حدثنا موسى بن أعين عن أبي النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد السلام بن عبد الحميد، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال ابن عدي: " لا أعلم بحديثه بأسا، لم أر في حديثه منكرا ". وقال الأزدي: تركوه. وهذا من شططه وغلوائه. ويشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس، حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله عز وجل فيها إلا قليلا ". أخرجه مسلم وغيره من حديث أنس بن مالك، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (440) .

1746

(ثرب البقر) أي إذا تفرقت وخصت موضعا دون موضع عند المغيب. شبهها بـ ( الثرب) مفرد (الأثرب) وهي الشحم الرقيق الذي يغشى الكرش والأمعاء. وهذا جمع القلة، وجمع الجمع (الأثارب) كما في " النهاية ". 1746 - " ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ". أخرجه الترمذي (4 / 284) والحاكم (4 / 290) وأحمد (3 / 422) والخطيب في " التاريخ " (6 / 78، 12 / 428) من طريق ميمون بن أبي شبيب عن قيس بن سعد بن عبادة. " أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه، قال: فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت، فضربني برجله وقال.... " فذكره وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي! كذا قالا، وميمون هذا لم يحتج الشيخان به، وإنما روى له البخاري تعليقا ومسلم في المقدمة، فهو صحيح فقط. 1747 - " ألا أدلك على سيد الاستغفار؟ اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وابن عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، وأبوء لك بنعمتك علي، وأعترف بذنوبي، فاغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، لا يقولها أحد حين يمسي إلا وجبت له الجنة ". أخرجه الترمذي (4 / 229) عن كثير بن زيد عن عثمان بن ربيعة عن شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال:

1748

" حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: كثير بن زيد هو الأسلمي ضعيف. وعثمان بن ربيعة وهو التيمي المدني ذكره ابن حبان في " الثقات " ولم يرو عنه غير الأسلمي هذا. والحديث أخرجه البخاري في " الدعوات " والنسائي في " الاستعاذة " وأحمد (4 / 122 و 125) والطبراني (7172 - 7174) عن بشير بن كعب العدوي عن شداد بن أوس مرفوعا به دون قوله: " ألا أدلك على "، واستدركه الحاكم على البخاري فوهم. (تنبيه) : هكذا نص الحديث عند الترمذي نسخة " التحفة ". وفي نسخة بولاق (2 / 245) ونسخة الدعاس (3390) : " لا يقولها أحد حين يمسي فيأتي عليه قدر قبل أن يصبح إلا وجبت له الجنة، ولا يقولها حين يصبح فيأتي عليه قدر قبل أن يمسي إلا وجبت له الجنة ". وهكذا رواه الطبراني (7187) دون قوله في الموضعين: " فيأتي عليه قدر ". ثم رواه (7189) من طريق أخرى عن كثير بن زيد المدني، حدثني المغيرة بن سعيد بن نوفل عن شداد به، فيه الزيادة. وللحديث شاهد من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا نحوه دون قوله: " سيد الاستغفار ". أخرجه أحمد ( 5 / 356) وغيره من أصحاب السنن، وصححه ابن حبان (2353) وسنده صحيح رجاله ثقات. 1748 - " أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء ". أخرجه النسائي (2 / 163) وابن نصر في " الصلاة " (ق 31 / 1) وابن أبي عاصم في " الأوائل " (ق 4 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (10425) والقضاعي في " مسند

1749

الشهاب " (11 / 2 / 1) عن شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد رجاله ثقات غير أن شريكا وهو ابن عبد الله القاضي سيء الحفظ. لكن الحديث صحيح، فإن شطره الثاني في " الصحيحين " والنسائي وابن أبي عاصم وغيرهم من طريق أخرى عن أبي وائل به. وكذلك رواه ابن أبي الدنيا في " الأهوال " (91 / 2) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 113 / 2) وأحمد (3674 و 4200 و 4213 و 4214) وغيرهم. والشطر الأول له شواهد من حديث أبي هريرة وتميم الداري عند أبي داود وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (810 - 812) وحديث تميم عند الطبراني أيضا (1255 و 1256) . 1749 - " أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ". أخرجه ابن أبي عاصم في " الأوائل " (7 / 2) : حدثنا عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا عوف عن المهاجر أبي مخلد عن أبي العالية عن أبي ذر أنه قال ليزيد ابن أبي سفيان: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهاجر وهو ابن مخلد أبو مخلد، قال ابن معين: " صالح ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الساجي: " صدوق ". وقال أبو حاتم: " لين الحديث ليس بذاك وليس بالمتقن، يكتب حديثه ".

1750

قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. والله أعلم. ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة، وجعله وراثة. والله أعلم. 1750 - " من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". ورد من حديث زيد بن أرقم وسعد بن أبي وقاص وبريدة بن الحصيب وعلي بن أبي طالب وأبي أيوب الأنصاري والبراء بن عازب وعبد الله بن عباس وأنس بن مالك وأبي سعيد وأبي هريرة. 1 - حديث زيد وله عنه طرق خمس: الأولى: عن أبي الطفيل عنه قال: لما دفع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ونزل غدير (خم) ، أمر بدوحات فقممن، ثم قال: كأني دعيت فأجبت وإني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: " إن الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن ". ثم أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: " من كنت وليه، فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". أخرجه النسائي في " خصائص علي " (ص 15) والحاكم (3 / 109) وأحمد (1 / 118) وابن أبي عاصم (1365) والطبراني (4969 - 4970) عن سليمان الأعمش قال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت عنه وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". قلت: سكت عنه الذهبي، وهو كما قال لولا أن حبيبا كان مدلسا وقد عنعنه.

لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه فطر بن خليفة عن أبي الطفيل قال: " جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام، فقام ثلاثون من الناس، (وفي رواية: فقام ناس كثير) فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قالوا: نعم يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه، فهذا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ". قال: فخرجت وكأن في نفسي شيئا، فلقيت زيد بن أرقم، فقلت له: إني سمعت عليا يقول كذا وكذا، قال: فما تنكر، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له ". أخرجه أحمد (4 / 370) وابن حبان في " صحيحه " (2205 - موارد الظمآن) وابن أبي عاصم (1367 و 1368) والطبراني (4968) والضياء في " المختارة " (رقم - 527 بتحقيقي) . قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري. وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 104 ) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة ". وتابعه سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة أو زيد بن أرقم - شك شعبة - عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصرا: " من كنت مولاه، فعلي مولاه " . أخرجه الترمذي (2 / 298) وقال: " حديث حسن صحيح ".

قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه الحاكم (3 / 109 - 110) من طريق محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي الطفيل عن ابن واثلة أنه سمع زيد بن أرقم به مطولا نحو رواية حبيب دون قوله: " اللهم وال.. ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: لم يخرجا لمحمد، وقد وهاه السعدي ". قلت: وقد خالف الثقتين السابقين فزاد في السند ابن واثلة، وهو من أوهامه. وتابعه حكيم بن جبير - وهو ضعيف - عن أبي الطفيل به. أخرجه الطبراني (4971 ) . الثانية: عن ميمون أبي عبد الله به نحو حديث حبيب. أخرجه أحمد (4 / 372) والطبراني (5092) من طريق أبي عبيد عنه. ثم أخرجه من طريق شعبة والنسائي (ص 16) من طريق عوف كلاهما عن ميمون به دون قوله: " اللهم وال ". إلا أن شعبة زاد: " قال ميمون: فحدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم.. ". وقال الهيثمي: " رواه أحمد والبزار، وفيه ميمون أبو عبد الله البصري، وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة ".

قلت: وصحح له الحاكم (3 / 125) . الثالثة: عن أبي سليمان (المؤذن) عنه قال: " استشهد علي الناس، فقال: أنشد الله رجلا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم من كنت مولاه، فعلي مولاه، الله وال من والاه، وعاد من عاداه ". قال: فقام ستة عشر رجلا فشهدوا ". أخرجه أحمد (5 / 370) وأبو القاسم هبة الله البغدادي في الثاني من " الأمالي " (ق 20 / 2) عن أبي إسرائيل الملائي عن الحكم عنه. وقال أبو القاسم: " هذا حديث حسن صحيح المتن ". وقال الهيثمي (9 / 107) : " رواه أحمد وفيه أبو سليمان ولم أعرفه إلا أن يكون بشير بن سليمان، فإن كان هو فهو ثقة وبقية رجاله ثقات ". وعلق عليه الحافظ ابن حجر بقوله: " أبو سليمان هو زيد بن وهب كما وقع عند الطبراني ". قلت: هو ثقة من رجال البخاري لكن وقع عند أبي القاسم تلك الزيادة " المؤذن " ولم يذكرها في ترجمة زيد هذا، فإن كانت محفوظة، فهي فائدة تلحق بترجمته. لكن أبو إسرائيل واسمه إسماعيل بن خليفة مختلف فيه، وفي " التقريب ": " صدوق سيء الحفظ ". قلت: فحديثه حسن في الشواهد. ثم استدركت فقلت: قد أخرجه الطبراني أيضا (4996) من الوجه المذكور لكن

وقع عنده: " عن أبي سلمان المؤذن " بدون المثناة بين اللام والميم، وهو الصواب فقد ترجمه المزي في " التهذيب " فقال: " أبو سلمان المؤذن: مؤذن الحجاج اسمه يزيد بن عبد الله يروي عن زيد بن أرقم ويروي عنه الحكم بن عتيبة وعثمان بن المغيرة الثقفي ومسعر بن كدام، ومن عوالي حديثه ما أخبرنا.. ". ثم ساق الحديث من الطريق المذكورة. وقال: " ذكرناه للتمييز بينهما ". يعني: أن أبا سلمان المؤذن هذا هو غير أبي سليمان المؤذن، قيل: اسمه همام.... الذي ترجمه قبل هذا، وهذه فائدة هامة لم يذكرها الذهبي في كتابه " الكاشف ". قلت: فهو إذن أبو سلمان وليس (أبو سليمان) وبالتالي فليس هو زيد بن وهب كما ظن الحافظ، وإنما يزيد بن عبد الله كما جزم المزي، وإن مما يؤيد هذا أن الطبراني أورد الحديث في ترجمة (أبو سلمان المؤذن عن زيد بن أرقم) : وساق تحتها ثلاثة أحاديث هذا أحدها. نعم وقع عنده (4985) من رواية إسماعيل بن عمرو البجلي حدثنا أبو إسرائيل الملائي عن الحكم عن أبي سليمان زيد بن وهب عن زيد بن أرقم ... وهذه الرواية هي التي أشار إليها الحافظ واعتمد عليها في الجزم بأنه أبو سليمان زيد بن وهب. وخفي عليه أن فيها إسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف ضعفه أبو حاتم والدارقطني كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في " اللسان ". الرابعة: عن يحيى بن جعدة عن زيد بن أرقم قال: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهينا إلى غدير (خم) ... ". الحديث نحو الطريق الأولى وفيه :

" يا أيها الناس إنه لم يبعث نبي قط إلا عاش نصف ما عاش الذي قبله وإني أوشك أن أدعى فأجيب، وإني تارك فيكم ما لن تضلوا بعده: كتاب الله.. ". الحديث وفيه حديث الترجمة دون قوله: " اللهم وال.. ". أخرجه الطبراني (4986) ورجاله ثقات. الخامسة: عن عطية العوفي قال: سألت زيد بن أرقم ... فذكره بنحوه دون الزيادة إلا أنه قال: " قال: فقلت له: هل قال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه؟ قال: إنما أخبرك كما سمعت ". أخرجه أحمد (4 / 368) والطبراني (5068 - 5071) . ورجاله ثقات رجال مسلم غير عطية، وهو ضعيف. وله عند الطبراني ( 4983 و 5058 و 5059) طرق أخرى لا تخلو من ضعف. 2 - سعد بن أبي وقاص، وله عنه ثلاث طرق: الأولى: عن عبد الرحمن بن سابط عنه مرفوعا بالشطر الأول فقط. أخرجه ابن ماجة (121) . قلت: وإسناده صحيح. الثانية: عن عبد الواحد بن أيمن عن أبيه به. أخرجه النسائي في " الخصائص " ( 16) وإسناده صحيح أيضا، رجاله ثقات رجال البخاري غير أيمن والد عبد الواحد وهو ثقة كما في " التقريب ". الثالثة: عن خيثمة بن عبد الرحمن عنه به وفيه الزيادة. أخرجه الحاكم (3 / 116) من طريق مسلم الملائي عنه.

قال الذهبي في " تلخيصه ": " سكت الحاكم عن تصحيحه، ومسلم متروك ". 3 - حديث بريدة، وله عنه ثلاث طرق: الأولى: عن ابن عباس عنه قال: خرجت مع علي رضي الله عنه إلى اليمن فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت عليا، فتنقصته، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير وجهه، فقال: " يا بريدة! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ " قلت: بلى يا رسول الله، قال: " من كنت مولاه، فعلي مولاه ". أخرجه النسائي والحاكم (3 / 110) وأحمد (5 / 347) من طريق عبد الملك بن أبي غنية قال: أخبرنا الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتصحيح الحاكم على شرط مسلم وحده قصور. وابن أبي غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون وتشديد التحتانية ووقع في المصدرين المذكورين (عيينة) وهو تصحيف، وهذا اسم جده واسم أبيه حميد. الثانية: عن ابن بريدة عن أبيه " أنه مر على مجلس وهم يتناولون من علي، فوقف عليهم، فقال: إنه قد كان في نفسي على علي شيء، وكان خالد بن الوليد كذلك، فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية عليها علي، وأصبنا سبيا، قال: فأخذ علي جارية من الخمس لنفسه فقال خالد بن الوليد: دونك، قال: فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم جعلت أحدثه بما كان، ثم قلت: إن عليا أخذ جارية من الخمس، قال: وكنت رجلا مكبابا، قال: فرفعت رأسي فإذا وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تغير، فقال.. " فذكر الشطر الأول.

أخرجه النسائي وأحمد ( 5 / 350 و 358 و 361) والسياق له من طرق عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين أو مسلم. فإن ابن بريدة إن كان عبد الله، فهو من رجالهما، وإن كان سليمان فهو من رجال مسلم وحده. وأخرج ابن حبان (2204) من هذا الوجه المرفوع منه فقط. الثالثة: عن طاووس عن بريدة به دون قوله: " اللهم ... ". أخرجه الطبراني في " الصغير " (رقم - 171 - الروض) و " الأوسط " (341) من طريقين عن عبد الرزاق بإسنادين له عن طاووس. ورجاله ثقات. 4 - علي بن أبي طالب، وله عنه تسع طرق: الأولى: عن عمرو بن سعيد أنه سمع عليا رضي الله عنه وهو ينشد في الرحبة: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكر الشطر الأول) فقام ستة نفر فشهدوا. أخرجه النسائي من طريق هانيء بن أيوب عن طاووس (الأصل: طلحة) عن عمرو بن سعيد (الأصل: سعد) . قلت: وهانيء قال ابن سعد: فيه ضعف. وذكره ابن حبان في " الثقات "، فهو ممن يستشهد به في الشواهد والمتابعات. الثانية: عن زاذان بن عمر قال: " سمعت عليا في الرحبة ... " الحديث مثله. وفيه أن الذين قاموا فشهدوا ثلاثة عشر رجلا. أخرجه أحمد (1 / 84) وابن أبي عاصم (1372) من طريق أبي عبد الرحيم الكندي عنه. قلت: والكندي هذا لم أعرفه، وبيض له في " التعجيل "، وقال الهيثمي:

" رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم ". والثالثة والرابعة: عن سعيد بن وهب وعن زيد بن يثيع قالا: نشد علي الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبلي ستة، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي رضي الله عنه يوم غدير خم: " أليس الله أولى بالمؤمنين؟ ". قالوا: بلى، قال: " اللهم من كنت مولاه ... " الحديث بتمامه. أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد " المسند " ( 1 / 118) وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (456 بتحقيقي) من طريق شريك عن أبي إسحاق عنهما. ومن هذا الوجه أخرجه النسائي (16) لكنه لم يذكر سعيد ابن وهب في السند، وزاد في آخره: " قال شريك: فقلت لأبي إسحاق: هل سمعت البراء بن عازب يحدث بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم ". قال النسائي: عمران بن أبان الواسطي ليس بالقوي في الحديث. يعني راويه عن شريك. قلت: وشريك هو ابن عبد الله القاضي وهو سيء الحفظ. وحديثه جيد في الشواهد وقد تابعه شعبة عند النسائي (ص 16) وأحمد ببعضه (5 / 366) وعنه الضياء في " المختارة " (رقم 455 - بتحقيقي) . وتابعه غيره كما سيأتي بعد الحديث (10) .

الخامسة: عن شريك أيضا عن أبي إسحاق عن عمرو ذي مر بمثل حديث أبي إسحاق يعني عن سعيد وزيد وزاد فيه: " وانصر من نصره، واخذل من خذله ". أخرجه عبد الله أيضا، وقد عرفت حال شريك. وعمرو ذي مر، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 232) شيئا. السادسة: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: " شهدت عليا رضي الله عنه في الرحبة ينشد الناس.. ". فذكره مثله دون زيادة " وانصر ... ". أخرجه عبد الله بن أحمد (1 / 119) من طريق يزيد بن أبي زياد وسماك بن عبيد بن الوليد العبسي عنه. قلت: وهو صحيح بمجموع الطريقين عنه، وفيهما أن الذين قاموا اثنا عشر. زاد في الأولى: بدريا. السابعة والثامنة: عن أبي مريم ورجل من جلساء علي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم ... فذكره بدون الزيادة، وزاد: " قال: فزاد الناس بعد: وال من ولاه، وعاد من عاداه ". أخرجه عبد الله (1 / 152) عن نعيم بن حكيم حدثني أبو مريم ورجل من جلساء علي. وهذا سند لا بأس به في المتابعات، أبو مريم مجهول. كما في " التقريب ". التاسعة: عن طلحة بن مصرف قال: سمعت المهاجر بن عميرة أو عميرة بن المهاجر يقول: سمعت عليا رضي الله عنه ناشد الناس ... الحديث مثل رواية ابن أبي ليلى.

أخرجه ابن أبي عاصم (1373) بسند ضعيف عنه، وهو المهاجر بن عميرة. كذا ذكره في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 261) من رواية عدي بن ثابت الأنصاري عنه. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذا هو في " ثقات ابن حبان " (3 / 256) . 5 - أبو أيوب الأنصاري. يرويه رياح بن الحارث قال: " جاء رهط إلى علي بالرحبة ، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، قال: كيف أكون مولاكم، وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: (فذكره دون الزيادة) قال رياح: فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبو أيوب الأنصاري ". أخرجه أحمد (5 / 419) والطبراني (4052 و4053) من طريق حنش بن الحارث بن لقيط النخعي الأشجعي عن رياح بن الحارث. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات. وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد ثقات ". 6 - البراء بن عازب. يرويه عدي بن ثابت عنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم، فنودي فينا: الصلاة جامعة، وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر، وأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه، فقال: ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ ... " الحديث مثل رواية فطر بن خليفة عن زيد. وزاد: " قال: فلقيه عمر بعد ذلك، فقال له: هنيئا يا ابن أبي طالب، أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ". أخرجه أحمد وابنه في زوائده (4 / 281) وابن ماجة (116) مختصرا من طريق

علي بن يزيد عن عدي بن ثابت. ورجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن يزيد وهو ابن جدعان، وهو ضعيف. وله طريق ثانية عن البراء تقدم ذكرها في الطريق الثانية والثالثة عن علي. 7 - ابن عباس. يرويه عنه عمرو بن ميمون مرفوعا دون الزيادة. أخرجه أحمد (1 / 330 - 331) وعنه الحاكم (3 / 132 - 134) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. 8 و 9 و 10 - أنس بن مالك وأبو سعيد وأبو هريرة. يرويه عنهم عميرة بن سعد قال: " شهدت عليا رضي الله عنه على المنبر يناشد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير (خم) يقول ما قال فليشهد. فقام اثنا عشر رجلا، منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 33 - هندية رقم 116 - الروض) وفي " الأوسط " ( رقم 2442) عن إسماعيل بن عمرو حدثنا مسعر عن طلحة بن مصرف عن عميرة بن سعد به وقال: " لم يروه عن مسعر إلا إسماعيل ". قلت: وهو ضعيف، ولذلك قال الهيثمي (9 / 108) بعد ما عزاه للمعجمين: " وفي إسناده لين ". قلت: لكن يقويه أن له طرقا أخرى عن أبي هريرة وأبي سعيد وغيرهما من الصحابة .

أما حديث أبي هريرة فيرويه عكرمة بن إبراهيم الأزدي حدثني إدريس بن يزيد الأودي عن أبيه عنه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1105) وقال: " لم يروه عن إدريس إلا عكرمة ". قلت: وهو ضعيف. وأما حديث أبي سعيد فيرويه حفص بن راشد أخبرنا فضيل بن مرزوق عن عطية عنه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (8599) وقال: " لم يروه عن فضيل إلا حفص بن راشد ". قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 172 - 173) فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا . وأما غيرهما من الصحابة، فروى الطبراني في " الأوسط " (2302 و 7025) من طريقين عن عميرة بن سعد قال: " سمعت عليا ينشد الناس: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، فقام ثلاث عشر فشهدوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وعميرة موثق. ثم روى الطبراني فيه (5301) عن عبد الله بن الأجلح عن أبيه عن أبي إسحاق عن عمرو بن ذي مر قال: سمعت عليا ... الحديث إلا أنه قال: " ... اثنا عشر ". وقال: " لم يروه عن الأجلح إلا ابنه عبد الله ".

قلت: وهو ثقة، وقد رواه حبيب بن حبيب أخو حمزة الزيات عن أبي إسحاق عن عمرو ابن ذي مر وزيد بن أرقم قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير (خم) فقال: فذكره، وزاد: " ... وانصر من نصره وأعن من أعانه ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (5059) . وحبيب هذا ضعيف كما قال الهيثمي (9 / 108 ) . وأخرج عبد الله بن أحمد في " زوائده على المسند " (1 / 118) عن سعيد بن وهب وزيد بن يثيع قالا: نشد علي الناس في الرحبة: من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير (خم) إلا قام، فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا ... الحديث. وقد مضى في الحديث الرابع - الطريق الثانية والثالثة. وإسناده حسن، وأخرجه البزار بنحوه وأتم منه. وللحديث طرق أخرى كثيرة جمع طائفة كبيرة منها الهيثمي في " المجمع " (9 / 103 - 108) وقد ذكرت وخرجت ما تيسر لي منها مما يقطع الواقف عليها بعد تحقيق الكلام على أسانيدها بصحة الحديث يقينا، وإلا فهي كثيرة جدا، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد، قال الحافظ ابن حجر: منها صحاح ومنها حسان. وجملة القول أن حديث الترجمة حديث صحيح بشطريه، بل الأول منه متواتر عنه صلى الله عليه وسلم كما ظهر لمن تتبع أسانيده وطرقه، وما ذكرت منها كفاية. وأما قوله في الطريق الخامسة من حديث علي رضي الله عنه: " وانصر من نصره واخذل من خذله " .

1751

ففي ثبوته عندي وقفة لعدم ورود ما يجبر ضعفه، وكأنه رواية بالمعنى للشطر الآخر من الحديث: " اللهم وال من ولاه وعاد من عاداه ". ومثله قول عمر لعلي : " أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة ". لا يصح أيضا لتفرد علي بن زيد به كما تقدم. إذا عرفت هذا، فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنني رأيت شيخ الإسلام بن تيمية، قد ضعف الشطر الأول من الحديث، وأما الشطر الآخر، فزعم أنه كذب (¬1) ! وهذا من مبالغته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها. والله المستعان. أما ما يذكره الشيعة في هذا الحديث وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في علي رضي الله عنه: " إنه خليفتي من بعدي ". فلا يصح بوجه من الوجوه، بل هو من أباطيلهم الكثيرة التي دل الواقع التاريخي على كذبها لأنه لو فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، لوقع كما قال لأنه (وحي يوحى) والله سبحانه لا يخلف وعده، وقد خرجت بعض أحاديثهم في ذلك في الكتاب الآخر: " الضعيفة " (4923 و 4932) في جملة أحاديث لهم احتج بها عبد الحسين في " المراجعات " بينت وهاءها وبطلانها، وكذبه هو في بعضها، وتقوله على أئمة السنة فيها. 1751 - " أي إخواني! لمثل اليوم فأعدوا ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (8 / 1 / 229) وابن ماجة (4195) وأحمد (4 / 294) وأبو بكر الشافعي في " مجلسان " (6 / 2) والروياني في " مسنده " (ق 96 / 1) والخطيب في " التاريخ " (1 / 341) من طريق أبي رجاء عبد الله ابن واقد الهروي قال: حدثنا محمد بن مالك عن البراء بن عازب قال: ¬

(¬1) انظر " مجموع الفتاوى " (4 / 417 - 418) . اهـ.

1752

" بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة فقال: علام اجتمع عليه هؤلاء؟ قيل: على قبر يحفرونه، قال: ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدر بين يدي أصحابه مسرعا حتى انتهى إلى القبر فجثا عليه، قال: فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بل الثرى من دموعه ثم أقبل علينا قال: " فذكره . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير محمد بن مالك وهو أبو المغيرة الجوزجاني مولى البراء، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 88) عن أبيه: " لا بأس به "، واضطرب فيه ابن حبان، فذكره في كتابيه " الثقات " و " الضعفاء "! وقال فيه: " كان يخطىء كثيرا، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد ". وقال في الأول منهما: " لم يسمع من البراء شيئا ". قلت: وقد تعقبه الحافظ بما أخرجه أحمد عقب هذا الحديث بالإسناد ذاته عن محمد ابن مالك قال: " رأيت على البراء خاتما من ذهب، وكان الناس يقولون له لم تختتم بالذهب؟ وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال البراء: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يديه غنيمة يقسمها: وسبي وخرثي ، قال: فقسمها حتى بقي هذا الخاتم، فرفع طرفه، فنظر إلى أصحابه، ثم خفض، ثم رفع طرفه، فنظر إليهم ثم خفض، ثم رفع طرفه، فنظر إليهم ثم قال: أي براء ؟ فجئته حتى قعدت بين يديه، فأخذ الخاتم فقبض على كرسوعي ثم قال: خذ ألبس ما كساك الله ورسوله. قال: وكان البراء يقول: كيف تأمرني أن أضع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألبس ما كساك الله ورسوله ". قال الحافظ: " فهذا ينفي قول ابن حبان أنه لم يسمع من البراء إلا أن يكون عنده غير صادق، فما كان ينبغي له أن يورده في كتاب (الثقات) ". 1752 - " إياك والسمر بعد هدأة الليل، فإنكم لا تدرون ما يأتي الله من خلقه ".

1753

أخرجه الحاكم (4 / 284) من طريق محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره . وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط لأن ابن عجلان فيه ضعف يسير وإنما أخرج له مسلم متابعة. (الهدأة) : السكون عن الحركات. أي بعد ما يسكن الناس عن المشي والاختلاف في الطرق. 1753 - " إياكم وكثرة الحديث عني، من قال علي فلا يقولن إلا حقا أو صدقا، فمن قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 297) : حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد - يعني - ابن إسحاق حدثني ابن كعب بن مالك عن أبي قتادة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، فإن ابن كعب بن مالك اسمه معبد، كذلك سماه ابن إسحاق في رواية جماعة عنه. أخرجه الدارمي (1 / 77) وابن ماجة (35) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 172) والحاكم (1 / 111) . وتابعه عقيل ابن خالد عن معبد بن كعب به. أخرجه الطحاوي بسند ضعيف عنه. وتابعه كعب بن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه به.

1754

أخرجه الحاكم من طريق عتاب بن محمد بن شوذب حدثنا كعب بن عبد الرحمن ... قلت: وكعب هذا أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 162) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعتاب بن محمد بن شوذب لم أعرفه. 1754 - " أيما راع استرعى رعية فغشها فهو في النار ". أخرجه أحمد (5 / 25) ومسلم (6 / 9) ولم يسق لفظه عن سوادة بن أبي الأسود عن أبيه عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ثم روى أحمد ومسلم وكذا البخاري في " الأحكام " من طريق الحسن البصري عن معقل ابن يسار نحوه أتم منه. فراجعه في " الترغيب " (3 / 141) . وإنما قصدت إلى تخريجه من هذا الطريق لأنه سالم من عنعنة الحسن البصري، فهو متابع قوي له، والحمد لله على توفيقه. 1755 - " أيما عبد أصاب شيئا مما نهى الله عنه، ثم أقيم عليه حده، كفر عنه ذلك الذنب ". أخرجه الحاكم (4 / 388) واللفظ له والدارمي (2 / 182) وأحمد (5 / 214 و215) والطبراني (3728 و 3731 و 3732) من طريق أسامة بن زيد أن محمد بن المنكدر حدثه أن ابن خزيمة بن ثابت حدثه عن أبيه خزيمة بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

وأقول: إنما هو حسن فقط لأن أسامة بن زيد وهو الليثي فيه كلام يسير. وابن خزيمة اسمه عمارة وهو ثقة. نعم، الحديث صحيح، فإنه له شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما. ومن شواهده ما أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من حديث الشريد بن سويد مرفوعا بلفظ: " الرجم كفارة لما صنعت ". وقال: " رواه النسائي والضياء في (المختارة) ". وزاد في " الجامع الكبير " (1 / 346 / 2) : " والطبراني في " الكبير " وسمويه ". وسببه كما في " المعجم الكبير " للطبراني (7252) بسنده عن الشريد قال: " رجمت امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما فرغنا منها جئناه " فذكر الحديث. وفي سنده القاسم ابن رشدين بن عميرة، قال النسائي: " لا أعرفه ". قلت: وليس هو في " سنن النسائي الصغير " ولذلك لم يورده النابلسي في " الذخائر "، فلعله في " الكبرى " له، ولم أقف على إسناده لننظر فيه وليس هو في الجزء المحفوظ في " الظاهرية " من " فوائد سمويه ". ثم وقفت على سنده بواسطة " النكت الظراف " للحافظ العسقلاني (4 / 154) فإذا هو من طريق أخرى ليس فيه القاسم المذكور، ورجاله ثقات غير يحيى بن سليمان قال الذهبي في " الكاشف ": " صويلح ". وقد خالفه أبو الطاهر بن السرح فرواه عن عمرو بن الشريد مرسلا لم يقل عن أبيه. أخرجه النسائي في " الكبرى "، وهو أصح.

1756

لكن يشهد له حديث الترجمة، وقد يشهد له ما أخرجه الطبراني في " الكبير " (رقم 3794) عن يحيى الحماني أخبرنا منكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن خزيمة بن معمر الأنصاري قال: رجمت امرأة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الناس : حبط عملها، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هو كفارة ذنوبها، وتحشر على ما سوى ذلك ". قال الهيثمي في " المجمع " (6 / 265) : " رواه الطبراني وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني وهو ضعيف ". قلت: والمنكدر بن محمد لين الحديث كما في " التقريب "، فالسكوت عنه وإعلاله بمن دونه ليس بجيد. 1756 - " أيما رجل رمى بسهم في سبيل الله عز وجل، فبلغ مخطئا أو مصيبا فله من الأجر كرقبة يعتقها من ولد إسماعيل. وأيما رجل شاب شيبة في سبيل الله فهو له نور. وأيما رجل مسلم أعتق رجلا مسلما، فكل عضو من المعتق بعضو من المعتق فداء له من النار. وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة، فكل عضو من المعتقة بعضو من المعتقة فداء لها من النار. وأيما رجل مسلم قدم لله عز وجل من صلبه ثلاثة لم يبلغوا الحنث أو امرأة، فهم له سترة من النار.

وأيما رجل قام إلى وضوء يريد الصلاة، فأحصى الوضوء إلى أماكنه، سلم من كل ذنب أو خطيئة له، فإن قام إلى الصلاة رفعه الله بها درجة، وإن قعد قعد سالما ". أخرجه أحمد (4 / 386) من طريق عبد الحميد حدثني شهر حدثني أبو طيبة أن شرحبيل ابن السمط دعا عمرو بن عبسة السلمي فقال: يا ابن عبسة هل أنت محدثي حديثا سمعته أنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه تزيد ولا كذب، ولا تحدثنيه عن آخر سمعه منه غيرك؟ قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير شهر بن حوشب فإنه سيء الحفظ، لاسيما وقد قال الإمام أحمد: " لا بأس بحديث عبد الحميد بن بهرام عن شهر ". وقد وجدت الحديث مفرقا من غير طريقه إلا الجملة الأخيرة منه، فإني لم أجد له فيها متابعا من حديث عمرو بن عبسة، وإنما من حديث أبي أمامة، فإليك الآن بيانا تلك المتابعات حسب ترتيب الفقرات المرقمة: 1 - 3 تابعه سليم بن عمرو أن شرحبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة حدثنا حديث ليس فيه تزويد ولا نسيان، قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر الفقرات الثلاثة مشوشة الترتيب. أخرجه الطحاوي في " المشكل " (1 / 310) وأحمد (4 / 113) وإسناده صحيح، وعزاه المنذري (2 / 171) للنسائي بإسناد صحيح وله إسناد آخر من طريق الصنابحي عن عمرو. رواه أحمد وفيه رجل لم يسمه. 4 - تابعه سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي نجيح السلمي قال: فذكره مرفوعا نحوه مع الفقرات الثلاثة الأولى. أخرجه أحمد (4 / 113) بسند صحيح أيضا، ولابن حبان (1645) منه الفقرة الأولى بلفظ: " من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة ". وهي عند أحمد أيضا وزاد: " من رمى بسهم في سبيل الله عز وجل فهو عدل محرر ". ثم رأيت عند ابن حبان (1208) هذه الفقرة الرابعة والثالثة أيضا. وكذا رواه الطحاوي في " المشكل " (1 / 312) . 5 - تابعه الفرج: حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن عمرو بن عبسة السلمي مرفوعا نحوه بلفظ: " من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم، ومن شاب ... " الحديث، وفيه الفقرات الثلاث الأول.

أخرجه أحمد (4 / 386) وسنده حسن. 6 - هذه الفقرة يرويها أبو غالب قال: سمعت أبا أمامة يقول: " إذا وضعت الطهور مواضعه، قعدت مغفورا لك، فإن قام يصلي كان له فضيلة وأجرا، وإن قعد قعد مغفورا له ". فقال رجل: يا أبا أمامة أرأيت إن قام فصلى تكون له نافلة؟ قال : " لا إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف تكون له نافلة وهو يسعى في الذنوب والخطايا؟ ! تكون له فضيلة وأجرا ". أخرجه أحمد (5 / 255) وإسناده حسن. ثم أخرجه (5 / 263) من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب حدثني أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

1757

" أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة، ثم غسل كفيه نزلت خطيئته من كفيه مع أول قطرة، فإذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لسانه وشفتيه مع أول قطرة، فإذا غسل وجهه نزلت خطيئته من سمعه وبصره مع أول قطرة، فإذا غسل يديه إلى المرفقين ورجليه إلى الكعبين سلم من كل ذنب هو له، ومن كل خطيئة كهيئته يوم ولدته أمه ، قال: فإذا قام إلى الصلاة رفع الله بها درجته، وإن قعد قعد سالما ". قال المنذري (1 / 96) : " وهو إسناد حسن في المتابعات لا بأس به ". والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للطبراني فقط في " الكبير "! دون الفقرة الرابعة، ففاته أنه في " المسند " أتم منه! وهو في " الكبير " بأكثر فقراته مفرقا (7556 و 7560 و 7561 - 7567 و 7569 - 7572) من رواية شهر عن أبي أمامة رضي الله عنه. 1757 - " إياي والفرج، يعني في الصلاة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 122 / 2) من طريق حفص بن غياث وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 141) من طريق محمد بن خالد الوهبي عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وخالفهما عبد الرزاق فقال: عن ابن جريج به موقوفا على ابن عباس لم يرفعه. أخرجه الطبراني أيضا. قلت: وهذا إسناد صحيح مرفوعا وموقوفا، والمرفوع أصح لاتفاق ثقتين عليه. وابن جريج وإن كان مدلسا، فروايته عن عطاء محمولة على السماع لقوله هو نفسه : إذا قلت: قال عطاء، فأنا سمعته منه وإن لم أقل: سمعت. وكأنه لذلك لم يعله أبو حاتم بعلة العنعنة مع أنه استنكره بقول ابنه عنه:

1758

" وهذا حديث منكر وقال: " ابن جريج لا يحتمل هذا " يعني لا يحتمل رواية مثل هذا الحديث ". كذا قال، ولم يذكر له علة ظاهرة، وكلامه يشعر على كل حال بأن العلة محمد دون ابن جريج، ومع ذلك فلم تطمئن النفس لمثل هذا الإعلال المبهم، وكان يمكن الاعتماد في ذلك على إيقاف عبد الرزاق إياه لولا اتفاق الثقتين على رفعه. والله أعلم. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (2 / 91) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". 1758 - " أيما رجل من أمتي سببته سبة، أو لعنته لعنة في غضبي، فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون، وإنما بعثني رحمة للعالمين، فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة ". أخرجه أبو داود (4659) وأحمد (5 / 437) والطبراني (6156، 6157) عن عمر ابن قيس الماصر عن عمرو بن أبي قرة قال: " كان حذيفة بالمدائن، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق ناس ممن سمع ذلك من حذيفة، فيأتون سلمان فيذكرون له قول حذيفة، فيقول سلمان: حذيفة أعلم بما يقول، فيرجعون إلى حذيفة، فيقولون له: قد ذكرنا قولك لسلمان فما صدقك ولا كذبك، فأتى حذيفة سلمان وهو في مبقلة، فقال: يا سلمان ما يمنعك أن تصدقني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال سلمان: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى، فيقول في الرضا لناس من أصحابه، أما تنتهي حتى {تورث} رجالا حب رجال، ورجالا بغض رجال، وحتى توقع اختلافا وفرقة؟! ولقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: (فذكره) ، والله لتنتهين أو لأكتبن إلى عمر ". قلت: والسياق لأبي داود وهو أتم وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.

1759

وللحديث شواهد كثيرة تقدم بعضها من حديث عائشة وأم سلمة في المجلد الأول رقم (83 و 84 ) مع التعليق عليه بما يناسب المقام، فارجع إليه إن شئت. 1759 - " ألا إنما هن أربع: أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تسرقوا ". أخرجه أحمد (4 / 339) والطبراني (6316 - 6317) من طريق منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: (فذكره) قال: فما أنا بأشح عليهن مني إذا سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح. وقصر الهيثمي فقال (1 / 104) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". 1760 - " أيها الناس عليكم بالقصد، عليكم بالقصد، فإن الله لا يمل حتى تملوا ". أخرجه ابن ماجة (4241) وأبو يعلى (2 / 497) وابن حبان (651) من طريق يعقوب بن عبد الله القمي حدثنا عيسى بن جارية عن جابر قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل قائم يصلي على صخرة، فأتى ناحية مكة، فمكث مليا، ثم أقبل فوجد الرجل على حاله يصلي، فجمع يديه ثم قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد محتمل للتحسين، رجاله موثوقون، وعيسى بن جارية مختلف فيه ، وقال الحافظ: " فيه لين ". وقال البوصيري في " الزوائد " (286 / 1) :

1761

" هذا إسناد حسن، يعقوب مختلف فيه، والباقي ثقات ". كذا قال، ولا يخفى ما فيه لكن الحديث صحيح، فإنه يشهد له حديث بريدة مرفوعا: " عليكم هديا قاصدا، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه ". أخرجه أحمد وغيره وقد خرجته في " ظلال الجنة في تخريج السنة " لابن أبي عاصم (95 - 97) . وحديث عائشة مرفوعا: " اكفلوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا ". رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1238) ومضى له شاهد (1709) . 1761 - " يا أيها الناس! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ". أخرجه الترمذي (2 / 308) والطبراني (2680) عن زيد بن الحسن الأنماطي عن جعفر عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة، وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: " فذكره ، وقال: " حديث حسن غريب من هذا الوجه، وزيد بن الحسن قد روى عنه سعيد بن سليمان وغير واحد من أهل العلم ". قلت: قال أبو حاتم، منكر الحديث، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال الحافظ:

" ضعيف ". قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم قال: " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة والمدينة ، فحمد الله، وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر، يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور (من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن أخطأه ضل) ، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به - فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: - وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ". أخرجه مسلم (7 / 122 - 123) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 368) وأحمد (4 / 366 - 367) وابن أبي عاصم في " السنة " (1550 و 1551) والطبراني (5026) من طريق يزيد بن حيان التميمي عنه . ثم أخرج أحمد (4 / 371) والطبراني (5040) والطحاوي من طريق علي بن ربيعة قال: " لقيت زيد بن أرقم وهو داخل على المختار أو خارج من عنده، فقلت له: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إني تارك فيكم الثقلين (كتاب الله وعترتي) ؟ قال: نعم ". وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح. وله طرق أخرى عند الطبراني (4969 - 4971 و 4980 - 4982 و 5040) وبعضها عند الحاكم ( 3 / 109 و 148 و 533) . وصحح هو والذهبي بعضها. وشاهد آخر من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا:

" (إنى أوشك أن أدعى فأجيب، و) إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي، الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض ". أخرجه أحمد (3 / 14 و 17 و 26 و 59) وابن أبي عاصم (1553 و 1555) والطبراني (2678 - 2679) والديلمي (2 / 1 / 45) . وهو إسناد حسن في الشواهد. وله شواهد أخرى من حديث أبي هريرة عند الدارقطني (ص 529) والحاكم (1 / 93) والخطيب في " الفقيه والمتفقه " (56 / 1) . وابن عباس عند الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي. وعمرو بن عوف عند ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 24، 110) ، وهي وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، فبعضها يقوي بعضا، وخيرها حديث ابن عباس. ثم وجدت له شاهدا قويا من حديث علي مرفوعا به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار (2 / 307) من طريق أبي عامر العقدي: حدثنا يزيد بن كثير عن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن علي مرفوعا بلفظ: " ... كتاب الله بأيديكم، وأهل بيتي ". ورجاله ثقات غير يزيد بن كثير فلم أعرفه، وغالب الظن أنه محرف على الطابع أو الناسخ. والله أعلم. ثم خطر في البال أنه لعله انقلب على أحدهم، وأن الصواب كثير بن زيد، ثم تأكدت من ذلك بعد أن رجعت إلى كتب الرجال، فوجدتهم ذكروه في شيوخ عامر العقدي، وفي الرواة عن محمد بن عمر بن علي، فالحمد لله على توفيقه.

ثم ازددت تأكدا حين رأيته على الصواب عند ابن أبي عاصم (1558) . وشاهد آخر يرويه شريك عن الركين بن الربيع عن القاسم بن حسان عن زيد بن ثابت مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 181 - 189) وابن أبي عاصم (1548 - 1549) والطبراني في " الكبير " (4921 - 4923) . وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 170) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات "! وقال في موضع آخر (9 / 163) : " رواه أحمد، وإسناده جيد "! بعد تخريج هذا الحديث بزمن بعيد، كتب علي أن أهاجر من دمشق إلى عمان، ثم أن أسافر منها إلى الإمارات العربية، أوائل سنة (1402) هجرية، فلقيت في (قطر) بعض الأساتذة والدكاترة الطيبين، فأهدى إلي أحدهم رسالة له مطبوعة في تضعيف هذا الحديث، فلما قرأتها تبين لي أنه حديث عهد بهذه الصناعة، وذلك من ناحيتين ذكرتهما له: الأولى: أنه اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة ، ولذلك قصر تقصيرا فاحشا في تحقيق الكلام عليه، وفاته كثير من الطرق والأسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة فضلا عن الشواهد والمتابعات، كما يبدو لكل ناظر يقابل تخريجه بما خرجته هنا.. الثانية: أنه لم يلتفت إلى أقوال المصححين للحديث من العلماء ولا إلى قاعدتهم التي ذكروها في " مصطلح الحديث ": أن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق، فوقع في هذا الخطأ الفادح من تضعيف الحديث الصحيح.

وكان قد نمى إلى قبل الالتقاء به واطلاعي على رسالته أن أحد الدكاترة في (الكويت) يضعف هذا الحديث، وتأكدت من ذلك حين جاءني خطاب من أحد الإخوة هناك، يستدرك علي إيرادي الحديث في " صحيح الجامع الصغير " بالأرقام (2453 و 2454 و 2745 و 7754) لأن الدكتور المشار إليه قد ضعفه، وأن هذا استغرب مني تصحيحه! ويرجو الأخ المشار إليه أن أعيد النظر في تحقيق هذا الحديث، وقد فعلت ذلك احتياطيا، فلعله يجد فيه ما يدله على خطأ الدكتور، وخطئه هو في استرواحه واعتماده عليه، وعدم تنبهه للفرق بين ناشئ في هذا العلم، ومتمكن فيه، وهي غفلة أصابت كثيرا من الناس اللذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال، وليست له قدم راسخة فيه. والله المستعان. واعلم أيها القارىء الكريم، أن من المعروف أن الحديث مما يحتج به الشيعة، ويلهجون بذلك كثيرا، حتى يتوهم أهل السنة أنهم مصيبون في ذلك، وهم جميعا واهمون في ذلك، وبيانه من وجهين: الأول: أن المراد من الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: " عترتي " أكثر مما يريده الشيعة، ولا يرده أهل السنة بل هم مستمسكون به، ألا وهو أن العترة فيهم هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم، وقد جاء ذلك موضحا في بعض طرقه كحديث الترجمة: " عترتي أهل بيتي " وأهل بيته في الأصل هم " نساؤه صلى الله عليه وسلم وفيهن الصديقة عائشة رضي الله عنهن جميعا كما هو صريح قوله تعالى في ( الأحزاب) : * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * بدليل الآية التي قبلها والتي بعدها: * (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا) *، وتخصيص الشيعة (أهل البيت) في الآية بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم دون نسائه صلى الله عليه وسلم من تحريفهم لآيات الله تعالى انتصارا لأهوائهم كما هو مشروح في موضعه، وحديث الكساء وما في معناه غاية ما فيه

توسيع دلالة الآية ودخول علي وأهله فيها كما بينه الحافظ ابن كثير وغيره، وكذلك حديث " العترة " قد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن المقصود أهل بيته صلى الله عليه وسلم بالمعنى الشامل لزوجاته وعلي وأهله. ولذلك قال التوربشتي - كما في " المرقاة " (5 / 600) : " عترة الرجل: أهل بيته ورهطه الأدنون، ولاستعمالهم " العترة " على أنحاء كثيرة بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " أهل بيتي " ليعلم أنه أراد بذلك نسله وعصابته الأدنين وأزواجه ". والوجه الآخر: أن المقصود من " أهل البيت " إنما هم العلماء الصالحون منهم والمتمسكون بالكتاب والسنة، قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله تعالى: " (العترة) هم أهل بيته صلى الله عليه وسلم الذين هم على دينه وعلى التمسك بأمره ". وذكر نحوه الشيخ علي القاريء في الموضع المشار إليه آنفا . ثم استظهر أن الوجه في تخصيص أهل البيت بالذكر ما أفاده بقوله: " إن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله، فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته. وبهذا يصلح أن يكون مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال: * (ويعلمهم الكتاب والحكمة) * " . قلت: ومثله قوله تعالى في خطاب أزواجه صلى الله عليه وسلم في آية التطهير المتقدمة: * (واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة) *. فتبين أن المراد بـ (أهل البيت) المتمسكين منهم بسنته صلى الله عليه وسلم، فتكون هي المقصود بالذات في الحديث، ولذلك جعلها أحد (الثقلين) في حديث زيد بن أرقم المقابل للثقل الأول وهو القرآن، وهو ما يشير إليه قول ابن الأثير في " النهاية ": " سماهما (ثقلين) لأن الآخذ بهما (يعني الكتاب والسنة) والعمل بهما ثقيل، ويقال لكل خطير نفيس (ثقل) ، فسماهما (ثقلين) إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما ".

1762

قلت: والحاصل أن ذكر أهل البيت في مقابل القرآن في هذا الحديث كذكر سنة الخلفاء الراشدين مع سنته صلى الله عليه وسلم في قوله: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ... ". قال الشيخ القاريء (1 / 199) : " فإنهم لم يعملوا إلا بسنتي، فالإضافة إليهم، إما لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إياها ". إذا عرفت ما تقدم فالحديث شاهد قوي لحديث " الموطأ " بلفظ: " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنة رسوله ". وهو في " المشكاة " (186) . وقد خفي وجه هذا الشاهد على بعض من سود صفحات من إخواننا الناشئين اليوم في تضعيف حديث الموطأ. والله المستعان. 1762 - " الآيات خرزات منظومات في سلك، فإن يقطع السلك يتبع بعضها بعضا ". أخرجه الحاكم (4 / 473 - 474) وأحمد (2 / 219) من طريقين عن خالد بن الحويرث عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: " إسناده ضعيف خالد بن الحويرث ليس بالمشهور، قال ابن معين: " لا أعرفه " وذكره ابن حبان في الثقات ". لكن للحديث شاهد من رواية أنس بن مالك مرفوعا به إلا أنه قال: " الأمارات خرزات ... ". أخرجه الحاكم (4 / 546) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

1763

1763 - " الإبل عز لأهلها والغنم بركة والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة ". أخرجه ابن ماجة (2305) وأبو يعلى في " مسنده " (4 / 1614) قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا عبد الله بن إدريس عن حصين عن عامر عن عروة البارقي يرفعه، وذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما في " الزوائد " (162 / 1) وقال : " فقد احتجا بجميع رواته، ورواه الشيخان والترمذي والنسائي من طريق عامر الشعبي به، مقتصرين على قصة الخيل دون أوله، وكذلك رواه الدارمي ". وله شاهد من حديث حذيفة بن اليمان مرفوعا به وزاد: " وعبدك أخوك، فأحسن إليه وإن وجدته مغلوبا فأعنه ". أخرجه البزار (رقم - 1685) عن أبي يحيى الحماني عبد الحميد بن عبد الرحمن: حدثنا الحسن بن أبي الحسن البجلي عن طلحة بن مصرف عن أبي عمار عن عمرو بن شرحبيل عنه وقال: " لا نعلمه عن حذيفة إلا بهذا الإسناد، وأحسب أن الحسن البجلي هو ابن عمارة ". قلت: وهو متروك كما في " التقريب "، وقول الهيثمي (5 / 259) : " وهو ضعيف ". فهو من تساهله أو تسامحه في التعبير، فالرجل أسوأ حالا من ذلك كما هو معروف عند العلماء ولذلك فهو ممن لا يصلح للاستشهاد به.

1764

وجملة " الغنم بركة " قد صحت من حديث أم هاني وعائشة بإسنادين صحيحين وقد تقدما (773) . وأخرجها أبو يعلى (2 / 477) من طريق عبد الله بن عبد الله عن ابن (أبي) ليلى عن البراء مرفوعا. وعبد الله هذا هو أبو جعفر الرازي، وهو ممن يستشهد به لسوء حفظه مع الصدق. وروى طلحة عن عمرو عن عطاء مرسلا بلفظ: " الغنم بركة موضوعة والإبل جمال لأهلها والخير معقود في نواصي الخيل إلى يوم القيامة ". أخرجه معمر بن المثنى في " الخيل " (3 / 2) : حدثني عمر بن عمران السدوسي قال : حدثنا طلحة بن عمرو به. قلت: وطلحة هذا هو الحضرمي المكي متروك أيضا. 1764 - " الأخوات الأربع: ميمونة وأم الفضل وسلمى وأسماء بنت عميس - أختهن لأمهن - مؤمنات ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 138) وابن منده في " المعرفة " (2 / 328 / 2) والحاكم (4 / 32) وابن عساكر في " التاريخ " (1 / 239 / 2) وأبو منصور بن عساكر في " الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين " (ص 91) من طرق عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن إبراهيم بن عقبة - أخي موسى بن عقبة - عن كريب مولى عبد الله بن العباس عن عبد الله بن العباس مرفوعا به، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال أبو منصور.

1765

" وهذا حديث حسن من حديث كريب ". 1765 - " الإزار إلى نصف الساق. فلما رأى شدة ذلك على المسلمين، قال: إلى الكعبين لا خير فيما أسفل من ذلك ". أخرجه أحمد (3 / 140 و 249 و 256) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 223 / 2) من طرق عن حميد عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وللحديث شواهد كثيرة مخرجة في " المشكاة " (4331) و " الترغيب " (3 / 97 - 98) . ومن الشواهد التي لم تخرج هناك حديث حذيفة بن اليمان قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي فقال: هذا موضع الإزار، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار فيما دون الكعبين ". أخرجه أصحاب السنن غير أبي داود وابن حبان (1447) وأحمد ( 5 / 382 و 396 و 398 و 400) والحميدي (445) عن مسلم بن نذير عنه. وتابعه عند ابن حبان (1448) الأغر أبو مسلم عن حذيفة. وهذه السنة مما أعرض عنها كثير من الخاصة فضلا عن العامة، كما بينته في مقدمة كتابي الجديد " مختصر الشمائل المحمدية "، وهو في طريقه إلى الطبع إن شاء الله تعالى. 1766 - " الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسبه من طيب ". أخرجه ابن ماجة (4130) من طريق عكرمة بن عمار حدثني أبو زميل - هو سماك - عن مالك بن مرثد الحنفي عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات وفي عكرمة بن عمار كلام وبخاصة في روايته عن يحيى بن أبي كثير، قال الحافظ: " صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ". إذا عرفت هذا تعلم تساهل البوصيري في " الزوائد " (278 / 2) بقوله: " هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات ". ولعله أتى من قبل كون عكرمة المذكور من رجال مسلم، ومن المعلوم أنه ليس كل رجاله في مرتبة واحدة، ففيهم من هو حسن الحديث كما لا يخفى على مارس هذا العلم الشريف. وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود مرفوعا به دون قوله: " وكسبه من طيب ". أخرجه ابن حبان (807 ) ورجاله ثقات. وآخر من حديث ابن عباس مرفوعا مثله. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (7 / 264) . وثالث من حديث أبي هريرة مرفوعا مثله، وزاد: " أمامه وعن يمينه وعن شماله وخلفه ". أخرجه أحمد (2 / 428) وإسناده جيد، وابن ماجة (4131) دون الزيادة، وهو رواية لأحمد (2 / 340) . ثم وجدت له عنده (2 / 309 و 525 و535) طريقا أخرى عن كميل بن زياد عن أبي هريرة بلفظ: " يا أبا هريرة هلك المكثرون، إلا من قال هكذا، وهكذا، وهكذا، ثلاث

1767

مرات، حتى بكفيه عن يمينه وعن يساره وبين يديه وقليل ما هم ". قلت: وأحد إسناديه صحيح، وقال المنذري (4 / 108) : " رواته ثقات ". ولهذا اللفظ شاهد من رواية عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري. أخرجه أحمد (3 / 31) وابن ماجة (4129) . وآخر من حديث أبي ذر بلفظ: " إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال ... " الحديث. أخرجه البخاري (2 / 83) وأحمد (5 / 152 ) وقال: " الأخسرون ". 1767 - " الإمام ضامن، فإن أحسن فله ولهم وإن أساء - يعني - فعليه ولهم ". أخرجه ابن ماجة (981) عن عبد الحميد بن سليمان أخي فليح حدثنا أبو حازم قال: " كان سهل بن سعد الساعدي يقدم فتيان قومه يصلون بهم، فقيل له: تفعل ولك من القدم مالك؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير عبد الحميد بن سليمان، فهو ضعيف. لكن الحديث صحيح، فإن قوله: " الإمام ضامن " قد جاء من حديث أبي هريرة وعائشة وهما مخرجان في " صحيح أبي داود " (530 - 531) ومن حديث أبي أمامة عند أحمد (5 / 260) بسند حسن. والباقي جاء من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:

1768

" يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم ولهم، وإن أخطأوا فلكم وعليهم ". أخرجه البخاري وأحمد (2 / 355) وابن حبان (375) نحوه. وله عنده (374) شاهد من حديث عقبة بن عامر مرفوعا نحوه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (593) . 1768 - " الأنصار شعار والناس دثار ولو أن الناس استقبلوا واديا أو شعبا واستقبلت الأنصار واديا لسلكت وادي الأنصار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ". أخرجه ابن ماجة (164) عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قال البوصيري في " الزوائد " (12 / 1) : " هذا إسناد ضعيف، والآفة فيه من عبد المهيمن بن عباس، وباقي رجال الإسناد ثقات. رواه الترمذي في " الجامع " من حديث أبي بن كعب إلا أنه لم يقل: " الأنصار شعار والناس دثار " وقال: " لو سلك " بدل " استقبلوا " والباقي نحوه، وقال: " حديث حسن ". قلت: هذا الحديث صحيح جدا، ولقد قصر البوصيري في حقه حين لم يستشهد له إلا بحديث الترمذي، فأوهم أنه لا شاهد له سواه، وليس كذلك، وأسوأ منه عملا السيوطي، فإنه أورده في " الزيادة على الجامع الصغير " (ق 69 / 1) من رواية ابن ماجة فقط عن سهل، وكان الواجب أن يذكر له بعض الشواهد التي تدل على أنه صحيح لغيره، ولو اختلفت بعض ألفاظه كما هي غالب عادته، ولذلك رأيت من الواجب ذكر

بعض الشواهد ليكون الواقف عليها على بينة من صحة الحديث، والموفق الله تعالى. وقد جاء الحديث عن عبد الله بن زيد بن عاصم وأنس بن مالك وأبي هريرة وأبي قتادة وأبي بن كعب. 1 - أما حديث عبد الله بن زيد، فأخرجه البخاري (3 / 152 و 4 / 412) ومسلم (3 / 108 - 109) وأحمد (4 / 42) بتقديم وتأخير، ولفظه: " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ولو سلك الناس واديا أو شعبا لسلكت وادي الأنصار وشعبها ، والأنصار شعار والناس دثار، إنكم ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ". 2 - حديث أنس، أخرجه البخاري (3 / 4 و 153 و 154) ومسلم (3 / 106 و 107) وأحمد (3 / 169 و 172 و 188 و 246 و 249 و 275 و 280) من طرق عنه وليس عند الشيخين إلا الجملة الوسطى من لفظ الترجمة وهو رواية أحمد وإسناده في الرواية الأولى التامة صحيح على شرط مسلم. 3 - حديث أبي هريرة، أخرجه البخاري (3 / 5 و 4 / 412) وابن حبان (2292) وأحمد (2 / 410 و 414 و 419 و 469 و 501) من طرق عنه، وليس عند البخاري وابن حبان الجملة الأولى منه خلافا لأحمد في رواية، وإسناده صحيح أيضا على شرط مسلم. 4 - حديث أبي قتادة، أخرجه أحمد (5 / 307) عنه بتمامه وكذا الحاكم (4 / 79 ) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 35) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير يحيى بن النضر الأنصاري وهو ثقة ". 5 - حديث أبي بن كعب، أخرجه الترمذي (رقم 3895) وأحمد (5 / 137 و

1769

138) وعنه الحكم (4 / 78) عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه مرفوعا به، دون الجملة الأولى، وقال الترمذي: " حديث حسن ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! قلت: هو حسن الإسناد عند أحمد، فإن له عنده طريقا أخرى صحيحة عن ابن عقيل وهو حسن الحديث. وفي الباب عن جمع آخر من الصحابة، فمن شاء الإطلاع عليها، فليرجع إلى " مجمع الزوائد "، وفيما ذكرنا كفاية. (تنبيه) لم تقع الجملة الثالثة من الحديث في نسخة بولاق من " الترمذي " (2 / 324) ولذلك اعتمدنا في هذا التخريج على نسخة الأستاذ الدعاس، ولقد كان يحسن به التنبيه على ذلك. 1769 - " الإيمان بضع وسبعون بابا، فأدناه إماطة الأذى عن الطريق، وأرفعها قول: لا إله إلا الله ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (598) والترمذي (3 / 357 - تحفة) وابن ماجة (57) وأحمد (2 / 445) وأبو عبيد في " الإيمان " (رقم 4 - بتحقيقي) من طريق سفيان عن سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به إلا أن لفظ البخاري كلفظ جرير الآتي عند مسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وتابعه جرير عن سهيل به إلا أنه قال: " بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة ". والباقي مثله إلا أنه قال: " فأفضلها " مكان " وأرفعها "، وزاد:

" والحياء شعبة من الإيمان ". أخرجه مسلم (1 / 46) وابن ماجة (57) . وتابعه حماد بن سلمة قال: أنبأنا سهيل بن أبي صالح به مثل لفظ سفيان إلا أنه قال: " أفضلها " مكان " أرفعها " و " العظم " بدل " الأذى "، وزاد: " والحياء شعبة من الإيمان ". أخرجه أحمد (2 / 414) وأبو داود (2، 268) بإسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه ابن عجلان عن عبد الله بن دينار بلفظ: " الإيمان ستون أو سبعون أو أحد العددين ... " والباقي مثل حديث حماد إلا أنه قال: " أعلاها ". أخرجه ابن أبي شيبة في " الإيمان " (رقم 67 بتحقيقي) وعنه ابن ماجة (57) . وابن عجلان حسن الحديث إلا عند المخالفة، وقد خالف الجميع في إسقاطه لفظة " بضع " فلا يحتج به. وتابعهم مختصرا سليمان بن بلال عن عبد الله بن دينار بلفظ: " الإيمان بضع وسبعون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان ". أخرجه مسلم، وكذا البخاري (1 / 44 - فتح) إلا أنه قال: " وستون ". أخرجه مسلم من طريقين، والبخاري من طريق ثالثة، كلهم عن أبي عامر العقدي: حدثنا سليمان بن بلال به. ومن العجيب أن تفوت الحافظ ابن حجر رواية مسلم هذه فقد قال في شرحه: " قوله: (وستون) لم تختلف الطرق عن أبي عامر شيخ المؤلف في ذلك،

وتابعه يحيى الحماني - بكسر المهملة وتشديد الميم - عن سليمان بن بلال، وأخرجه أبو عوانة من طريق بشر بن عمرو عن سليمان بن بلال ، فقال: " بضع وستون أو بضع وسبعون ". وكذا وقع التردد في رواية مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن دينار. ورواه أصحاب السنن الثلاثة من طريقه فقالوا: " بضع وسبعون " من غير شك، ولأبي عوانة في " صحيحه " من طريق : " ست وسبعون أو سبع وسبعون ". ورجح البيهقي رواية البخاري لأن سليمان لم يشك. وفيه نظر لما ذكرنا من رواية بشر بن عمرو عنه، فتردد أيضا. لكن يرجح بأنه المتيقن وما عداه مشكوك فيه. وأما رواية الترمذي بلفظ: " أربع وستون " فمعلولة، وعلى (فرض) صحتها لا تخالف رواية البخاري، وترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة كما ذكره الحليمي ثم عياض - لا يستقيم، إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لاسيما مع اتحاد المخرج. وبهذا يتبين شفوف نظر البخاري، وقد رجح ابن الصلاح الأقل لكونه المتيقن ". وأقوله: لا شك أن الأخذ بالأقل هو المتيقن عند اضطراب الرواية وعدم إمكان ترجيح وجه من وجوه الاضطراب، وليس الأمر كذلك هنا في نقدي لأن رواية مسلم عن سليمان أرجح من رواية البخاري عنه لأنها من طريقين كما سبقت الإشارة إليه عن أبي عامر عنه. خلافا لقول الحافظ السابق: " لم تختلف الطرق عن أبي عامر ... " . ومتابعة الحماني إياه لا تفيد فيما نحن فيه لأن الحماني فيه ضعف. فإذا رجحت رواية مسلم عن أبي عامر، فيصير سليمان بن بلال متابعا لسهيل بن أبي صالح من طريق سفيان وحماد بن سلمة عنه بلفظ " بضع وسبعون "، وبهذه المتابعة يترجح هذا اللفظ على سائر الألفاظ، لاسيما وغالبها تردد فيها الرواة وشكوا، فإذا انضم إلى ذلك أن زيادة الثقة مقبولة، استقام ترجيح هذا اللفظ كما ذكره الحليمي ثم عياض، ولم يرد عليه قول الحافظ: " إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها " لأنه يكفي القول بأن الجزم بها هو الراجح على ما بينا. والله أعلم. وأما لفظ " أربع وستون "، فأخرجه الترمذي وأحمد (2 / 379) من طريق عمارة بن غزية عن أبي صالح به.

1770

وعمارة هذا من رجال مسلم، وهو لا بأس به كما في " التقريب "، فمثله لا يعارض بروايته رواية عبد الله بن دينار الثقة الثبت المحتج به في " الصحيحين "، فهو أحفظ من عمارة بكثير، لاسيما ومعه الزيادة، فهي مقبولة قطعا. ولعله لهذا جزم الحافظ بأنها معلولة. والله أعلم. 1770 - " الإيمان يمان والكفر من قبل المشرق وإن السكينة في أهل الغنم وإن الرياء والفخر في أهل الفدادين: أهل الوبر وأهل الخيل، ويأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة، حتى إذا جاء دبر أحد تلقته الملائكة فضربت وجهه قبل الشام، هنالك يهلك، هنالك يهلك ". " أخرجه الترمذي (3 / 238 - 239 - تحفة) وأحمد (2 / 407 - 408 و 457) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه مسلم مفرقا في موضعين (1 / 52 و4 / 120) ، وهو رواية لأحمد (2 / 372 و 397 و 484) . 1771 - " الأيمن فالأيمن ـ وفي طريق: الأيمنون الأيمنون ـ ألا فيمنوا ". ورد من حديث أنس بن مالك وسهل بن سعد. 1 - أما حديث أنس فيرويه البخاري (2 / 75 و 130 و 4 / 35) ومسلم (6 / 112 - 113) وأبو عوانة في " صحيحه " (8 / 148 - 149) وكذا مالك (2 / 926 / 17) وعنه أبو داود (3726) وكذا الترمذي (1 / 345) وصححه والدارمي (2 / 118 ) وابن ماجة (3425) والطيالسي (2094) وأحمد

(3 / 110 و 113 و 197 و 231 و239) وابن سعد (7 / 20) والدولابي (2 / 19) من طرق عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن شماله أبو بكر، فشرب، ثم أعطى الأعرابي، وقال: " فذكره، واللفظ للبخاري من طريق مالك عن ابن شهاب عنه. وفي رواية للشيخين وأحمد من طريق أبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن قال: سمعت أنسا يقول: " أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دارنا هذه فاستسقى، فحلبنا شاة لنا، ثم شبته من ماء بئرنا هذه، فأعطيته، وأبو بكر عن يساره وعمر تجاهه وأعرابي عن يمينه، فلما فرغ قال عمر: هذا أبو بكر، فأعطى الأعرابي فضله، ثم قال: " فذكره باللفظ الآخر، والسياق للبخاري: قال أنس: فهي سنة، فهي سنة، فهي سنة. 2 - وأما حديث سهل بن سعد الساعدي نحوه دون قوله: " الأيمن ... ". أخرجه مالك (رقم 18) والبخاري (2 / 75 و 100 و 138 و 4 / 36) ومسلم (6 / 113) وأحمد (5 / 333 و 338) والطبراني (5780 و 5890 و 5948 و 5989 و 6007) من طريق أبي حازم عنه. وفي رواية للبخاري (4 / 39) والطبراني (5792) من هذا الوجه عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: " اسقنا يا سهل! ". وفي الحديث أن بدء الساقي بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لأنه صلى الله عليه وسلم كان طلب السقيا، فلا يصح الاستدلال به على أن السنة البدء بكبير القوم مطلقا كما هو الشائع اليوم، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك بل أعطى الأعرابي الذي كان عن يمينه دون أبي بكر الذي كان عن يساره، ثم بين ذلك بقوله: " الأيمن فالأيمن ". ولعلي شرحت هذا في مكان آخر من هذا الكتاب أو غيره.

1772

1772 - " لقلب ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمعت غليانا ". أخرجه أحمد (4 / 4) : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا الفرج حدثنا سليمان بن سليم قال: قال المقداد بن الأسود: " لا أقول في رجل خيرا ولا شرا، حتى أنظر ما يختم له - يعني - بعد شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: وما سمعت؟ قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: وهذا إسناد منقطع، ورجاله ثقات غير الفرج وهو ابن فضالة، فإنه ضعيف لكنه قد توبع كما يأتي، وقد رواه عنه بقية فزاد في إسناده فقال: حدثنا الفرج ابن فضالة حدثني سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن المقداد بن الأسود به. أخرجه المحاملي في الرابع من " الآمالي " (50 / 2) وأبو محمد الطامذي في " الفوائد " (108 - 109) وقال: " وهذا إسناد شامي، وفرج بن فضالة يتكلم فيه ". قلت: ولبقية فيه إسناد آخر، فقال: حدثنا عبد الله بن سالم عن أبي سلمة سليمان بن سليم عن ابن جبير عن أبيه عن المقداد به. أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 226 - بتحقيقي) والقضاعي (ق 108 / 2) . قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، صرح بقية فيه بالتحديث، فأمنا به شر تدليسه. ولم يتفرد به، فقد قال عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير به. أخرجه الحاكم (2 / 289) وأبو القاسم الحنائي في " الثالث من الفوائد " (ق 81 / 2) وابن بطة في " الإبانة " (4 / 18 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (17 / 76 / 1) ، وقال الحاكم:

1773

" على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي! قلت: معاوية لم يخرج له البخاري، وابن صالح فيه ضعف، وقال الحنائي: " لا نعرفه بهذا الطريق إلا من حديث أبي صالح كاتب الليث ". ثم قال: " والحديث مشهور عن المقداد ". قلت: تابعه الليث عن معاوية بن صالح به. أخرجه ابن بطة. فصح الحديث والحمد لله من هذه الطريق وطريق بقية الآخر. 1773 - " بكروا بالإفطار وأخروا السحور ". قال السيوطي في " الجامع الكبير ": " رواه ابن عدي والديلمي عن أنس ". قلت: ولم أقف على إسناده الآن، وإنما كان يغلب على الظن أنه ضعيف. ثم رأيته عند الديلمي (2 / 1 / 3) ، وفيه المبارك بن سحيم، وهو متروك. وعنه ابن عدي (ق 381 / 1) . لكن له شواهد كثيرة يتقوى بها، منها حديث أم حكيم بنت وداع مرفوعا بلفظ: " عجلوا بالإفطار، وأخروا السحور ". قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 155) : " رواه الطبراني في " الكبير " من طريق حبابة بنت عجلان عن أمها عن صفية بنت جرير، وهؤلاء النسوة روى لهن ابن ماجة، ولم يجرحهن أحد ولم يوثقهن ".

1774

وعزاه الحافظ في " الإصابة " لأبي يعلى وابن منده. ومنها حديث ابن عباس مرفوعا: " إنا معشر الأنبياء أمرنا أن نعجل إفطارنا ونؤخر سحورنا ونضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة ". أخرجه الطيالسي وغيره وصححه ابن حبان، وهو مخرج في غير ما مؤلف من مؤلفاتي، فانظر " صحيح الجامع الصغير وزيادته " (رقم 2282) . وفي الحض على تعجيل الإفطار وتأخير السحور أحاديث أخرى تراجع في كتب الحديث الجامعة. 1774 - " بعثت إلى أهل البقيع أصلي عليهم ". أخرجه أحمد (6 / 92) عن عبد العزيز بن محمد عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه عن عائشة أنها قالت: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب، قالت: فسلك نحو بقيع الغرقد، فوقف في أدنى البقيع، ثم رفع يديه، ثم انصرف، فرجعت إلي بريرة، فأخبرتني، فلما أصبحت سألته؟ فقلت: يا رسول الله أين خرجت الليلة؟ قال: فذكره. وتابعه مالك في " الموطأ " (1 / 242 / 55) وعنه النسائي (1 / 287) . قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، فإن أم علقمة واسمها مرجانة قد روى عنها أيضا غير ابنها، بكير بن الأشج، وقال العجلي في " الثقات " (68 / 2 مصورة المكتب) : " مدنية تابعية ثقة ". وقد تابعها على أصل القصة محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب عن عائشة به

1775

مطولا، مع اختلاف في بعض الأحرف، وفيه أن جبريل عليه السلام قال له صلى الله عليه وسلم: " إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ". أخرجه مسلم (3 / 63 - 64) والنسائي (1 / 286 - 287 ) وأحمد (6 / 221) . فقوله: " فتستغفر لهم " يبين أن قوله في رواية علقمة: " لأصلي عليهم " ليس المراد صلاة الجنازة، وإنما الدعاء لهم والاستغفار. 1775 - " أهل اليمن أرق قلوبا وألين أفئدة وأنجع طاعة ". أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (4 / 154) من طريق مشرح بن هاعان أنه سمع عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير مشرح هذا، وقد وثقه ابن معين، وكذا ابن حبان. ثم تناقض فأورده في " الضعفاء "! والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 55) : " رواه أحمد والطبراني - وقال : وأسمع طاعة - وإسناده حسن ". (أنجع) أي أنفع. 1776 - " بيت لا تمر فيه، كالبيت لا طعام فيه ". أخرجه ابن ماجة (3327) من طريق هشام بن سعد عن عبيد الله بن أبي رافع عن جدته سلمى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في هشام غير عبيد الله وهو ابن علي بن أبي رافع، نسب لجده، قال ابن معين: " لا بأس به ". وقال أبو حاتم:

1777

" لا بأس بحديثه ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". ويشهد له حديث عائشة مرفوعا: " بيت لا تمر فيه جياع أهله ". أخرجه مسلم (6 / 123) وغيره. 1777 - " بلوا أرحامكم ولو بالسلام ". أخرجه وكيع في " الزهد " (2 / 74 / 2) : حدثنا مجمع بن يحيى الأنصاري عن سويد بن عامر الأنصاري مرفوعا به. وأخرجه ابن حبان في " الثقات " (1 / 75 ) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 55 / 1) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 16 / 132 / 2) من طرق أخرى عن مجمع به. قلت: وهذا إسناد صحيح، ولكنه مرسل، أورده ابن حبان في ترجمة سويد هذا وقال: " سويد بن عامر بن يزيد (الأصل: زيد) بن جارية الأنصاري من أهل المدينة، يروي المراسيل، وقد سمع الشموس بنت النعمان، ولها صحبة ". وأخرجه عبد الرحمن بن عمر الدمشقي في " الفوائد " (1 / 223 / 1) والقضاعي أيضا من طريق عيسى بن يونس عن مجمع بن يحيى قال: حدثني رجل من الأنصار. وأخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 62 / 1) من طريق الفزاري مروان بن معاوية عن مجمع بن يحيى الأنصاري عمن حدثه يرفعه. قلت: وبالجملة فالإسناد صحيح مرسلا، إلا أن بعضهم لم يسم مرسله. وسماه الآخرون، وبه يتبين أنه ثقة.

وقد روى موصولا من حديث ابن عباس وأبي الطفيل وأنس بن مالك وسويد بن عمرو. 1 - أما حديث ابن عباس، فوصله القطيعي في " جزء الألف دينار " (ق 38 / 2) : حدثنا محمد قال: حدثنا معاذ بن معاذ بن صقير - جليس لعثمان بن عمر - قال: حدثنا البراء بن يزيد الغنوي قال: حدثنا أبو جمرة عنه. وبهذا الإسناد أخرجه الطبراني كما في " المنتقى منه " (4 / 4 / 1) . قلت: ومحمد هو ابن يونس بن موسى الكديمي وهو متهم بالكذب، فلا يستشهد به. ولكن لعله لم يتفرد به، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 152) : " رواه البزار وفيه يزيد بن عبد الله بن البراء الغنوي وهو ضعيف ". قلت: فلم يعله بالكديمي، فلو كان في إسناد البزار أيضا، لم يدع إعلاله به إلى إعلاله بالضعيف، ألا وهو الغنوي. ثم إن قوله: " وفيه يزيد بن عبد الله ابن البراء " لعله سهو منه أو من بعض النساخ، فإن هذا الاسم لا وجود له وإنما هو - كما في إسناد القطيعي والطبراني - البراء بن يزيد الغنوي وهو البراء بن عبد الله بن يزيد نسب لجده، وهو ضعيف كما في " التقريب ". ثم وقفت على إسناد البزار في " كشف الأستار " (1877) فإذا هو عين إسناد القطيعي، إلا أنه نسب محمدا فقال: (ابن يونس) . 2 - وأما حديث أبي الطفيل، فقد رواه الطبراني، وفيه راو لم يسم كما قال الهيثمي. 3 و 4 - وأما حديث أنس وسويد، فعزاهما السيوطي للبيهقي في " الشعب "، ولم أقف على إسنادهما، ولا على من بين علتهما. وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه حسن على أقل الدرجات.

1778

ثم رأيت السخاوي في " المقاصد " (ص 146) عزاه للعسكري من حديث إسماعيل بن عياش عن مجمع بن جارية الأنصاري عن عمه عن أنس رفعه به. قلت: فرجعت هذه الطريق إلى الطريق الأولى، إلا أن إسماعيل بن عياش أسنده عن أنس، وذلك من أوهامه لأنه ضعيف في المدنيين كما قال البخاري وغيره، ومجمع هذا منهم. ثم قال السخاوي: " وفي الباب عن أبي الطفيل، عند الطبراني وابن لال، وعن سويد بن عامر، وبعضها يقوي بعض ". (بلوا) أي ندوها بصلتها، وهم يطلقون النداوة على الصلة، كما يطلقون اليبس على القطيعة. 1778 - " البركة مع أكابركم ". أخرجه ابن حبان (1912) وأبو بكر الشافعي في " الفوائد " (97 / 1 - 2) ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 16 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 172) وابن عدي في " الكامل " (ق 44 / 1) والحاكم في " المستدرك " (1 / 62) وفي " علوم الحديث " (ص 48) والخطيب في " التاريخ " (11 / 165) والقضاعي في " مسند الشهاب " (5 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (13 / 290 / 1 و 14 / 10 / 1) والضياء في " المختارة " (64 / 35 / 2) عن عبد الله بن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس به وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ووقع في " الترغيب " (1 / 66) أنه قال: " على شرط مسلم " وهو خطأ. وقال ابن عدي: " لا يروى إلا عن ابن المبارك، والأصل فيه مرسل ". قلت: ابن المبارك ثقة ثبت إمام، فلا يضره إرسال من أرسله، على أن له شاهدا من حديث أنس يرويه سعيد بن بشير عن قتادة عنه مرفوعا به.

1779

أخرجه ابن عدي (ق 177 / 2) وقال: " غريب، ولا أرى بما يروى عن سعيد بن بشير بأسا، ولعله يهم في الشيء بعد الشيء ويغلط، والغالب على حديثه الاستقامة، والغالب عليه الصدق ". (تنبيه) هكذا لفظ الحديث عند الوليد بن مسلم وجمع سواه عند من ذكرنا، رووه كلهم عن ابن المبارك به. وخالفهم محمد بن عبد الرحمن بن سهم فقال: أخبرنا عبد الله بن المبارك ... بلفظ: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: ابدؤا بالكبراء، أو قال: بالأكابر ". أخرجه أبو يعلى (2 / 638) ومن طريقه الضياء. قلت: وهو بهذا اللفظ شاذ لمخالفة ابن سهم فيه الثقات، مع قول ابن حبان فيه: " ربما أخطأ ". لاسيما ولفظه مخالف بظاهره للحديث المتفق عليه عن أنس: " الأيمنون فالأيمنون ". (¬1) إلا أن يؤول، ولا حاجة إلى ذلك لأن التأويل فرع التصحيح، فتأمل. قلت: وأنكر منه لفظا ما رواه نعيم بن حماد عن عبد الله بن المبارك بلفظ: " الخير ... " مكان البركة ". أخرجه البزار (رقم - 1957) . ونعيم ضعيف. وتابعه النضر بن طاهر: حدثنا ابن المبارك به. أخرجه الديلمي (2 / 136) . والنضر ضعيف جدا كما قال ابن عدي. 1779 - " تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم ". يعني مواشيهم. ¬

(¬1) مضى تخريجه برقم (1771) . اهـ.

أخرجه أحمد (2 / 184) : حدثنا عبد الصمد عن عبد الله بن المبارك حدثنا أسامة ابن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه الطيالسي (2264) : حدثنا ابن المبارك به إلا أنه شك فقال: " أو عند أفنيتهم ". وأخرجه البيهقي (4 / 110) من طريقه وقال: " شك أبو داود " وخالفهما في إسناده محمد بن الفضل فقال: حدثنا ابن المبارك عن أسامة بن زيد عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه ابن ماجة ( 1806) . قلت: ومحمد بن الفضل هو السدوسي الملقب بـ " عارم "، وهو ثقة، ولكنه كان اختلط، فلا يعتد بمخالفته للثقتين المتقدمين: عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث والطيالسي. وإسنادهما حسن، رجاله ثقات، وفي أسامة بن زيد وهو أبو زيد الليثي خلاف، وهو حسن الحديث. وأما قول البوصيري في " الزوائد " (133 / 2 ) : " وإسناده ضعيف لضعف أسامة ". فأقول: لعله أراد أنه أسامة بن زيد العدوي، فإنه ضعيف والأقرب ما ذكرنا أنه الليثي، فإنه هو الذي ذكر في الرواة عن عمرو بن شعيب دون العدوي. وكلاهما من شيوخ ابن المبارك. والله أعلم. وللحديث شاهد يرويه عبد الملك بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرو عن عائشة مرفوعا نحوه. أخرجه البيهقي. وعبد الملك هذا لم أعرفه.

1780

1780 - " تجيء ريح بين يدي الساعة، تقبض فيها أرواح كل مؤمن ". أخرجه أحمد (3 / 420) : حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أيوب عن نافع عن عياش بن أبي ربيعة قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه الحاكم (4 / 489) من طريق الدبري: أنبأ عبد الرزاق ... وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وله شواهد من حديث النواس بن سمعان في آخر حديثه الطويل في الدجال ونزول عيسى عليه السلام بلفظ: " فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحا طيبة، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ... ". أخرجه مسلم (8 / 197 - 198) والترمذي (2 / 38 - 39) وصححه، وابن ماجة رقم (4075) وأحمد (4 / 181 - 182) . ومن حديث حذيفة بن أسيد الغفاري عند الحاكم (3 / 594) والطبراني في " الكبير " (3028 و 7037) . ومن حديث ابن عمرو مرفوعا بلفظ: " ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام، فلا يبقى أحد في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدهم كان في كبد جبل لدخلت عليه ". أخرجه أحمد (2 / 166) بسند صحيح عنه.

1781

1781 - " تذهبون الخير فالخير، حتى لا يبقى منكم إلا مثل هذا - وأشار إلى نواة - وما لا خير فيه ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 309) وابن حبان (1832) والحاكم (4 / 434) والطبراني (4492) عن بكر بن سوادة الجذامي أن سحيما حدثه عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه. " أنه قرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم تمر أو رطب، فأكلوا منه حتى لم يبقوا شيئا إلا نواة وما لا خير فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تدرون ما هذا؟ تذهبون ... " الحديث. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! كذا قالا، وسحيم هذا أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 303) من رواية بكر هذا فقط عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 81) من هذه الرواية أيضا! وذكر فيه أيضا " سحيم مولى بني زهرة القرشي، يروي عن أبي هريرة. روى عنه الزهري ". قلت: ويحتمل عندي أن يكون هذا هو الأول. والله أعلم. نعم الحديث ثابت، فإن له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لتنتقين كما ينتقى التمر من الجفنة، فليذهبن خياركم وليبقين شراركم، فموتوا إن استطعتم ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (كنى - 25) وابن ماجة (4038) والحاكم (4 / 316 و334) من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن أبي حميد مولى مسافع قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

1782

قلت: أبو حميد هذا مجهول وقيل هو عبد الرحمن بن سعد المقعد، وثقه النسائي، والله أعلم. ورواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به مختصرا بلفظ: " تنقون كما ينقى التمر من حثالته ". أخرجه ابن حبان (1833) . قلت: وابن أبي العشرين اسمه عبد الحميد بن حبيب، قال الحافظ: " صدوق ربما أخطأ ". قلت: فأخشى أن يكون خطأه في إسناده حين قال: سعيد بن المسيب، مكان أبي حميد كما في رواية يونس بن يزيد وهو ثقة. والله أعلم. وبالجملة فحديث الترجمة حسن بحديث أبي هريرة، ولا عكس لأن الشاهد فيه ما ليس في المشهود له، فتأمل. 1782 - " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة، ولا تكونوا كرهبانية النصارى ". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (7 / 78) من طريق ابن عدي، وهذا في " الكامل " (ق 329 / 1) عن محمد بن ثابت البصري عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، فإن محمد بن ثابت البصري وهو العبدي قال الحافظ: " صدوق لين الحديث ".

وسائر رجاله موثوقون غير أحمد بن عبد الرحيم الثقفي البصري شيخ ابن عدي فيه، أورده الخطيب في " تاريخه " (4 / 269) وكناه بأبي عمرو وقال: " روى عنه عبد الله بن عدي الجرجاني في " معجمه " وذكر أنه سمع منه ببغداد ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد تابعه الروياني الحافظ الثقة، فقال في " مسنده " (30 / 216 / 1) : أخبرنا أبو حفص عمرو بن علي قال: سمعت شيخا سنة ثمان وسبعين ومائة يقول: أخبرنا أبو غالب به إلا أنه قال: " النبيين " مكان " الأمم " وزاد: قال أبو حفص: وصفت هذا الشيخ، فقالوا: هذا محمد بن ثابت العصري: قلت: هو العبدي نفسه كما في " التهذيب ". وللحديث شواهد يتقوى بها، أما الشطر الأول منه، فقد ورد عند أبي داود وغيره من حديث معقل بن يسار، وصححه ابن حبان (1229) . وعنده من حديث أنس أيضا (1228) وهو مخرج في " آداب الزفاف " (ص 16) و " الإرواء " (1811) . وأما الشطر الثاني فيشهد له ما روى ابن سعد في " الطبقات " (3 / 395) عن معاوية بن (أبي) عياش الجرمي عن أبي قلابة: أن عثمان بن مظعون اتخذ بيتا فقعد يتعبد فيه، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه فأخذ بعضادتي باب البيت الذي هو فيه، فقال: " يا عثمان إن الله لم يبعثني بالرهبانية، (مرتين أو ثلاثا) وإن خير الدين عند الله الحنيفية السمحة ". قلت: وهذا إسناد مرسل لا بأس به في الشواهد، ورجاله ثقات رجل الشيخين غير الجرمي هذا، فقد ترجمه ابن أبي حاتم في كتابه (4 / 1 / 380) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد روى عنه ثلاث من الثقات. وما روى الدارمي (2 / 133) من طريق ابن إسحاق حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال:

" لما كان من أمر عثمان بن مظعون الذي كان من ترك النساء، بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا عثمان إني لم أومر بالرهبانية، أرغبت عن سنتي. " الحديث. قلت: وسنده حسن. وما روى أحمد (6 / 226) من طريق عروة قال: " دخلت امرأة عثمان بن مظعون - أحسب اسمها خولة بنت حكيم - على عائشة وهي باذة الهيئة ... ( الحديث وفيه) فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان فقال: يا عثمان إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك في أسوة؟ فوالله إني أخشاكم لله وأحفظكم لحدوده ". قلت: وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين، وهو وإن كان ظاهره الإرسال، فإن الغالب أن عروة تلقاه من خالته عائشة وكأنه لذلك وقع مثله لعروة عند البخاري. والله أعلم. وروى أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 245) من طريق محمد بن حميد حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إني لم أبعث بالرهبانية.. " الحديث. وفيه قصة. لكن محمد بن حميد وهو الرازي قال الحافظ: " حافظ ضعيف، وكان ابن معين حسن الرأي فيه ". وما روى ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 102 / 1) من طريق ابن جريج عن الحسن بن مسلم عن طاووس مرفوعا بلفظ: " لا زمام ولا خزام ولا رهبانية ولا تبتل ولا سياحة في الإسلام ". وهذا إسناد رجاله ثقات، وهو مرسل. وقد عزاه في " الجامع الصغير " لعبد الرزاق عن طاووس مرسلا. وغالب الظن أنه عنده من طريق ابن جريج به.

1783

و " مصنف عبد الرزاق " يطبع الآن في " دار القلم " في بيروت، وقد تم حتى الآن طبع المجلد الأول والثاني منه، وربما الثالث أيضا. ثم تم طبعه بتمامه ، ولكن لا تطوله يدي الآن. ثم تيسر لي الرجوع إليه، فوجدته عنده (8 / 448 / 15860) من طريق معمر عن ابن طاووس وعن ليث عن طاووس به دون (الرهبانية والتبتل) وقال: زاد ابن جريج: " ولا تبتل، ولا ترهب في الإسلام ". وسنده مرسل صحيح. وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح عندي. والله أعلم. 1783 - " تسليم الرجل بإصبع واحدة يشير بها فعل اليهود ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (109 / 1) والعقيلي (294) والطبراني في " الأوسط " (4598) عن سليمان بن حبان عن ثور بن يزيد عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. وقال الطبراني: " لا يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ". قلت: رجاله ثقات رجال مسلم لولا عنعنة أبي الزبير، فإنه مدلس. وفي " المجمع " (8 / 38) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". وقال الحافظ في " الفتح " (11 / 12) : " أخرجه النسائي بسند جيد ". وكأنه يعني " السنن الكبرى " أو " عمل اليوم والليلة " للنسائي.

1784

وللحديث شاهد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، أوردته في حجاب المرأة (ص 87 طبع المكتب الإسلامي في بيروت) . ثم رأيت الحديث بلفظ آخر أتم منه وهو : " لا تسلموا تسليم اليهود والنصارى، فإن تسليمهم بالأكف والرءوس والإشارة ". أخرجه الديلمي (4 / 150) من طريق الحسن بن علي المعمري حدثني أبو همام الصلت بن محمد الحارثي حدثنا إبراهيم بن حميد عن ثور حدث أبو الزبير عن جابر رفعه. وبهذا اللفظ أورده المزي في " التحفة " (2 / 290) من رواية النسائي في " اليوم والليلة " من طريق إبراهيم بن المستمر العروقي عن الصلت بن محمد به . وأخرجه البيهقي في " الشعب " من حديث عثمان بن عبد الرحمن عن طلحة بن زيد عن ثور بن يزيد بهذا اللفظ والتمام إلا أنه قال: " والحواجب " بدل قوله: والرؤس والإشارة ". هكذا أورده السيوطي في " الجامع " وتعقبه المناوي بقوله : " وقضية كلام المصنف أن البيهقي خرجه وأقره وليس كذلك وإنما رواه مقرونا ببيان رجاله، فقال عقبة: هذا إسناد ضعيف بمرة، فإن طلحة بن زيد الرقي متروك الحديث، متهم بالوضع. وعثمان ضعيف ". قلت: والمستنكر منه ذكر الحواجب، وسائره ثابت بمجموع الطريقين السابقين عن ثور بن يزيد مع الشاهد. والله أعلم. 1784 - " تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن سمع منكم ".

1785

رواه أبو داود في " العلم " (3659) وابن حبان (77) وأحمد (1 / 321) عن عبد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. والحاكم (1 / 95) وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ليس له علة ". ووافقه الذهبي. قلت: عبد الله بن عبد الله وهو أبو جعفر الرازي قاضي الري لم يخرج له الشيخان ، وإن كان ثقة. وقال العلائي في " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (14 / 1) : " وعبد الله بن عبد الله هذا قال فيه النسائي: ليس به بأس ووثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد، والحديث حسن، وفي كلام إسحاق بن راهويه الإمام ما يقتضي تصحيحه أيضا ". وذكر المناوي أن للحديث تتمة، وليس عند المذكورين، ولعله يشير إلى الزيادة الآتية في الشاهد. وله شاهد يرويه ابن أبي ليلى عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ثابت بن قيس بن شماس به وزاد: " ثم يكون بعد ذلك قوم يشهدون قبل أن يستشهدوا ". رواه البزار في " مسنده " (رقم - 146 ) وقال: " عبد الرحمن لم يسمع من ثابت ". قلت: ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني (1321) دون الزيادة. 1785 - " ثلاثة لا يقبل الله منهم صرفا ولا عدلا: عاق ومنان ومكذب بالقدر ". رواه ابن أبي عاصم في " السنة " برقم (323 - بتحقيقي) والطبراني (7547) وأبو القاسم الصفار في " الأربعين في شعب الدين " كما في " المنتقى منه " (50 / 2)

1786

للضياء المقدسي و " المنتخب منه " لأبي الفتح الجويني (74 / 2) وابن عساكر (11 / 423 / 1 و 13 / 193 / 2 و 17 / 97 / 1) من طريق عمر بن يزيد النصري عن أبي سلام عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير عمر بن يزيد النصري، وهو مختلف فيه كما شرحته في " الأحاديث الضعيفة " (3398) . والذي يتبين لي من مجموع ما قيل فيه أنه حسن الحديث، فقد وثقه دحيم وأبو زرعة الدمشقيان. والحديث قال الهيثمي (7 / 206) : " رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك، وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف ". قلت: وفي إطلاقه الضعف على عمر بن يزيد مع توثيق من ذكرنا نظر ظاهر. ثم رأيت المنذري في " الترغيب " (3 / 221) يقول: " رواه ابن أبي عاصم في " كتاب السنة " بإسناد حسن ". والإسناد الآخر عند الطبراني (7938) عن بشر بن نمير عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " أربعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ... " فذكر الثلاثة، وزاد: " ومدمن خمر ". 1786 - " هي الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له. يعني (البشرى في الحياة الدنيا) ". أخرجه الطبري في تفسيره (11 / 95) من طريق عاصم بن بهدلة عن أبي صالح قال: سمعت أبا الدرداء - وسئل عن * (الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة

1787

الدنيا) *؟ - قال: ما سألني أحد قبلك منذ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: ما سألني عنها أحد قبلك هي.. فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أنهما إنما أخرجا لعاصم متابعة، لكن قد تابعه الأعمش عن أبي صالح، إلا أنهم اختلفوا عليه في إسناده. أخرجه أحمد (6 / 445 و 452) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 47) وكذا ابن جرير وأطال في ذكر الطرق إليه بذلك. وأخرج له هو وأحمد (5 / 315) وابن الجوزي في " جامع المسانيد " (ق 79 / 2) شاهدا من حديث عبادة بن الصامت مثله. ورجاله ثقات رجال الشيخين، لولا أن في بعض روايته عند ابن جرير ما يشعر بأنه منقطع بين أبي سلمة بن عبد الرحمن وعبادة، لكن له عنده طريق أخرى عن عبادة، فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. وله عند ابن جرير (11 / 94) شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " الرؤيا الحسنة هي البشرى، يراها المؤمن، أو ترى له ". وإسناده جيد، وهو عند مسلم (7 / 52، 53) مفرقا من طريقين عنه أحدهما طريق ابن جرير. 1787 - " بين يدي الساعة مسخ وخسف وقذف ". أخرجه ابن ماجة (4059) عن سيار عن طارق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات رجال مسلم غير سيار هذا وهو أبو حمزة الكوفي ذكره ابن حبان في " الثقات " وروى عنه جمع. وأعله البوصيري في " الزوائد " (ق 272 / 1) بالانقطاع بين سيار وطارق، وليس بشيء لأنه بناه على أن سيارا هذا هو أبو الحكم، وليس به، نعم كان بشير بن

سليمان الراوي عن سيار يقول فيه أحيانا: " سيار أبو الحكم "، وهو وهم منه كما قال أحمد وغيره، وهو في هذا الحديث لم يهم كما ترى، ولو وهم لبين وهمه، فلا يعل بالانقطاع كما هو ظاهر. ثم إن للحديث شواهد كثيرة تشهد لصحته عن عائشة وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وسهل بن سعد وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وسعيد بن راشد. 1 - أما حديث عائشة فيرويه عبد الله بن عمر عن عبيد الله بن عمر عن القاسم بن محمد عنها بلفظ: " يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف. قالت: قلت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا ظهر الخبث ". أخرجه الترمذي (2 / 28 - 29) واستغربه من أجل عبد الله بن عمر وهو العمري المكبر ، فإنه سيء الحفظ. 2 - وأما حديث عمران فيرويه عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن هلال بن يساف عنه نحوه الذي قبله، إلا أنه قال: " فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور ". أخرجه الترمذي (2 / 33) واستغربه أيضا وذلك لأن عبد الله بن عبد القدوس كان يخطىء. 3 - وأما حديث ابن عمر فيرويه أبو صخر: حدثني نافع عنه مرفوعا به وزاد: " وذلك في أهل القدر ". أخرجه ابن ماجة (4061) والترمذي (2 / 22) وقال :

" حسن صحيح ". قلت: وإسناده حسن، أبو صخر واسمه حميد بن زياد فيه كلام من جهة حفظه. 4 - وأما حديث ابن عمرو فيرويه أبو الزبير عنه مرفوعا به. أخرجه ابن ماجة (4062) وأحمد (2 / 163) . قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أبا الزبير مدلس وقد عنعنه، لاسيما وقد قال ابن معين إنه لم يسمع من ابن عمرو. 5 - وأما حديث سهل فيرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم بن دينار عنه . أخرجه ابن ماجة (4060) والطبراني في " المعجم الكبير " (5810) . قلت: وعبد الرحمن هذا واه. 6 - وأما حديث جابر فيرويه المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عنه به، وزاد : " ويبدأ بأهل المظالم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (484) . والمنكدر هذا ضعيف. 7 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه مرفوعا بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى يكون في أمتي ... " فذكرها. أخرجه ابن حبان (1890) .

1788

8 - وأما حديث سعيد بن راشد فيرويه عمرو بن مجمع حدثنا يونس بن خباب عن عبد الرحمن بن راشد (وفي رواية: ابن سائب) عنه. أخرجه الطبراني (5537) والبزار بنحوه كما في " المجمع " (8 / 11) وقال: " وفيه عمرو بن مجمع وهو ضعيف ". قلت: ويونس بن خباب قال البخاري: " منكر الحديث ". 1788 - " تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله عز وجل ". رواه الطبراني في " الأوسط " (6456) واللالكائي في " السنة " (1 / 119 / 1 - 2) والبيهقي في " الشعب " (1 / 75 - هند) عن علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن سالم بن عبد الله عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا آفته الوازع هذا، فقد قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال النسائي وغيره: متروك. بل قال الحاكم وغيره: " روى أحاديث موضوعة ". ولهذا قال البيهقي عقبه: " هذا إسناد فيه نظر ". ومن طريقه أخرجه أبو الشيخ والطبراني في " الأوسط " وابن عدي كما في " الجامع الصغير " وشرح المناوي عليه. وبه أعله في " المجمع " (1 / 81) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به، وزاد: " فإنكم لن تدركوه إلا بالتصديق ". أخرجه ابن عساكر في المجلس (139) من " الأمالي " (50 / 1) من طريق

محمد بن سلمة البلخي حدثنا بشر بن الوليد حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة عن الزهري عن أبي سلمة عنه. وبشر بن الوليد ضعيف. والبلخي لم أعرفه. شاهد ثان من حديث أبي هريرة مرفوعا. أخرجه ابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 192 / 1) بإسناد ضعيف جدا فيه جماعة لم أعرفهم، وأبو عبد الرحمن السلمي الصوفي متهم بالوضع. شاهد ثالث من حديث عبد الله بن سلام مرفوعا بلفظ: " لا تفكروا في الله، وتفكروا في خلق الله، فإن ربنا خلق ملكا، قدماه في الأرض السابعة السفلى، ورأسه قد جاوز السماء العليا، وما بين قدميه إلى ركبته مسيرة ستمائة عام، وما بين كعبيه إلى أخمص قدميه مسيرة ستمائة عام، والخالق أعظم من المخلوق ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 66 - 67) من طريق عبد الجليل ابن عطية عن شهر عنه. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، وعبد الجليل وشهر وهو ابن حوشب صدوقان سيئا الحفظ. وسائر الرجال ثقات. وفي الباب عن أبي ذر وابن عباس، عند أبي الشيخ، والثاني عند أبي نعيم في " الحلية " كما في " الجامع "، ولم أره في " فهرس الحلية ". ورواه البيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 420) من طريق عاصم بن علي حدثنا أبي عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا عليه بلفظ: " تفكروا في كل شيء، ولا تفكروا في ذات الله عز وجل، فإن بين السماء السابعة إلى كرسيه سبعة آلاف نور، وهو فوق ذلك ".

1789

وهذا إسناد ضعيف، عطاء كان اختلط. وعاصم بن علي وأبوه فيهما ضعف، وابنه خير منه. وعزاه السيوطي لأبي الشيخ أيضا في " العظمة "، فالظاهر أنه مرفوع عنده، فإن كان كذلك، فما أظن إسناده خيرا من هذا. وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي. والله أعلم. 1789 - " تكفير كل لحاء ركعتان ". رواه تمام الرازي في " الفوائد " (141 / 1) عن أحمد بن أبي رجاء حدثنا أحمد ابن محمد بن عمر اليمامي حدثنا عمر بن يونس اليمامي حدثنا يحيى بن عبد العزيز الحارثي حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي حدثني عبد الواحد بن قيس عن أبي هريرة مرفوعا. ورواه ابن الأعرابي في " معجمه " ( 178 / 2) : أخبرنا عباس (يعني) الدوري أخبرنا أبو عاصم أخبرنا الأوزاعي به. قلت: وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات، وفي حفظ عبد الواحد بن قيس ضعف يسير، لا ينزل حديثه من رتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ: " صدوق له أوهام ". ورواه الطبراني في " المعجم الكبير " (7651) وابن عساكر (14 / 308 / 1) عن مسلمة بن علي عن خالد بن دهقان عن كهيل بن حرملة عن أبي أمامة الباهلي مرفوعا. ومسلمة بن علي هو الخشني متروك، وبه أعله الهيثمي (2 / 251) ، فالعمدة على حديث أبي هريرة رضي الله عنه. (لحاء) لعل المقصود به المخاصمة والمنازعة، ففي " النهاية ": (نهيت عن

1790

ملاحاة الرجال) أي مقاولتهم ومخاصمتهم، يقال: لحيت الرجل ألحاه لحيا، إذا لمته وعذلته، ولاحيته ملاحاة ولحاء، إذا نازعته ". 1790 - " يكون أمراء فلا يرد عليهم (قولهم) ، يتهافتون في النار، يتبع بعضهم بعضا ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1779) من طريق هشام بن سعد عن ابن عقبة عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن ابن عقبة لم أعرفه. لكنه قد توبع، فأخرجه أبو يعلى أيضا (4 / 1781) من طريق ضمام بن إسماعيل المعافري عن أبي (قبيل) قال : " خطبنا معاوية في يوم جمعة، فقال: إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا ومن شئنا منعنا، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثانية قال مثل مقالته، فلم يرد عليه أحد، فلما كانت الجمعة الثالثة قال: مثل مقالته، فقام إليه رجل ممن يشهد المسجد، فقال: كلا بل المال مالنا والفيء فيئنا من حال بينه وبيننا حاكمناه بأسيافنا، فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه ، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: أيها الناس إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد علي أحد، وفي الثانية، فلم يرد علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا، أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سيأتي قوم يتكلمون فلا يرد عليهم يتقاحمون في النار تقاحم القردة "، فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا علي أحياني أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم ". وأخرج المرفوع منه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 5444) والزيادة له، وقال: " لم يروه عن أبي قبيل إلا ضمام ".

1791

قلت: وهما ثقتان، على ضعف يسير في الأول منهما. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 236) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " وأبو يعلى، ورجاله ثقات ". 1791 - " تكون هدنة على دخن، ثم تكون دعاة الضلالة، قال: فإن رأيت يومئذ خليفة في الأرض فالزمه، وإن نهك جسمك وأخذ مالك، فإن لم تره فاهرب في الأرض ولو أن تموت وأنت عاض بجذل شجرة ". أخرجه أبو داود (4247) وأحمد (5 / 403) من طريق صخر بن بدر العجلي عن سبيع قال: " أرسلوني من ماء إلى الكوفة أشتري الدواب، فأتينا الكناسة، فإذا رجل عليه جمع، قال: فأما صاحبي فانطلق إلى الدواب، وأما أنا فأتيته، فإذا هو حذيفة. فسمعته يقول: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه عن الخير، وأسأله عن الشر، فقلت: يا رسول الله: هل بعد هذا الخير شر، كما كان قبله شر؟ قال: نعم، قلت: فما العصمة منه؟ قال: السيف، أحسب. قال: قلت: ثم ماذا قال: ثم تكون هدنة ... (الحديث) ، قال: قلت: ثم ماذا؟ قال : ثم يخرج الدجال ... " الحديث وفي آخره: قال شعبة: وحدثني أبو بشر في إسناد له عن حذيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت: يا رسول الله ما هدنة على دخن؟ قال: " قلوب لا تعود على ما كانت ". وقال: " خليفة الله " وفيه ما يأتي.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، سبيع وهو ابن خالد اليشكري، روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 82) ، ووثقه العجلي أيضا كما فى " التهذيب "، ولم أره في " ترتيب ثقات العجلي " للحافظ الهيثمي. وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة. وصخر بن بدر العجلي ، مجهول، قال الذهبي: " ما روى عنه سوى أبي التياح الضبعي ". قلت: لكن تابعه نصر بن عاصم الليثي عن خالد به نحوه وفيه: " فإن كان لله يومئذ في الأرض خليفة جلد ظهرك وأخذ مالك، فالزمه ". أخرجه أبو داود (4244 و4245) وأحمد. قلت: وهذا إسناد حسن، فإن من دون خالد ثقات رجال مسلم، فهو أصح من رواية صخر بن بدر التي فيها " خليفة الله "، فإن هذه الإضافة استنكرها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، ولو صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم نعبأ باستنكاره. ولطرف الحديث الأخير طريق أخرى عن عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة بن اليمان بلفظ: " تكون فتن، على أبوابها دعاة إلى النار، فأن تموت وأنت عاض على جذل شجرة خير لك من أن تتبع أحد منهم ". أخرجه ابن ماجة (3981) . لكن ابن قرط هذا مجهول.

1792

1792 - " تمسحوا بالأرض فإنها بكم برة ". رواه أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " (ص 238) : حدثنا ابن راشد (يعني أبا بكر محمد بن أحمد بن راشد) قال: حدثنا عبد الله بن محمد المقريء قال: حدثنا الفريابي قال: حدثنا سفيان عن عوف عن أبي عثمان قال: سمعت سلمان يقول فذكره مرفوعا. وهذا سند صحيح، ابن راشد هذا قال أبو الشيخ فيه: " دخل مصر والعراق، كتبنا ما لم نكتب عن غيره، وكان محدثا ". توفي سنة (309) كما ذكر أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 243) . وتابعه عبد الله بن محمد بن عمرو الغزي قال: أنبأنا محمد بن يوسف الفريابي به. رواه الطبراني في " المعجم الصغير " (83) وقال: " لم يروه عن سفيان إلا الفريابي ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه. وقد رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 62 / 2) عن عوف عن أبي عثمان النهدي قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرسلا في " كتاب التيمم " إشارة منه إلى أن معنى " تمسحو " تيمموا. وهو الذي رجحه ابن الأثير كما يفيد ذلك قوله: " أراد به التيمم، وقيل: أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل ويكون هذا أمر تأديب واستحباب، لا وجوب ". (برة) أي مشفقة كالوالدة بأولادها. يعني أن منها خلقكم، وفيها معاشكم، وإليها بعد الموت معادكم. فهي أصلكم الذي منه تفرعتم.

1793

1793 - " يفتح يأجوج ومأجوج، يخرجون على الناس كما قال الله عز وجل: * (من كل حدب ينسلون) * فيغشون الأرض وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونم، ويضمون إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض، حتى أن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه حتى يتركوه يبسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان هاهنا ماء مرة! حتى إذا لم يبق من الناس إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء! قال: ثم يهز أحدهم حربته، ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع مختضبة دما للبلاء والفتنة. فبينا هم على ذلك إذا بعث الله دودا في أعناقهم كنغف الجراد الذي يخرج في أعناقهم، فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس. فيقول المسلمون: ألا رجل يشري نفسه فينظر ما فعل هذا العدو، قال: فيتجرد رجل منهم لذلك محتسبا لنفسه قد أظنها على أنه مقتول، فينزل، فيجدهم موتى، بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين: ألا أبشروا، إن الله قد كفاكم عدوكم فيخرجون من مدائنهم وحصونهم، ويسرحون مواشيهم، فما يكون لها رعي إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما تشكر عن شيء من النبات أصابته قط ". أخرجه ابن ماجة (4079) وابن حبان (1909) والحاكم (2 / 245 و 4 / 489 - 490) وأحمد (3 / 77) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ثم الظفري عن محمود بن لبيد: أخبرني عبد الأشهل عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو من أوهامها أو تساهلهما، فإن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم في المتابعات ولم يحتج به، وفي حفظه ضعف، فالحسن حسن فقط.

1794

لكن له شاهد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح عنه وقد مضى تخريجه برقم (1735) ، فهو به صحيح. 1794 - " التؤدة في كل شيء إلا في عمل الآخرة ". رواه أبو داود (رقم 4810) والحاكم (1 / 62) والبيهقي في " الزهد " (88 / 1) عن الأعمش عن مالك بن الحارث (زاد أبو داود: قال الأعمش: وقد سمعته يذكرون) عن مصعب بن سعد عن أبيه - قال الأعمش: ولا أعلمه إلا - عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر، فإن مالكا هذا وهو السلمي الرقي إنما روى له البخاري في " الأدب المفرد "، فهو على شرط مسلم وحده. قلت: وقد أعله المنذري في " الترغيب " بما لا يقدح فقال (4 / 134) : " لم يذكر الأعمش فيه من حدثه، ولم يجزم برفعه ". فأقول: أما أنه لم يجزم برفعه، فيكفي فيه غلبة الظن، وهذا ظاهر من قوله: " ولا أعلمه إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم ". أما أنه لم يذكر من حدثه فهذا إعلال ظاهر بناء على أن الأعمش مدلس، ولم يصرح بالتحديث، لكن العلماء جروا على تمشية رواية الأعمش المعنعنة، ما لم يظهر الانقطاع فيها، وقد قال الذهبي في ترجمته في " الميزان ": " ومتى قال: (عن) تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال ". والشاهد من كلامه إنما هو أن إعلال رواية الأعمش بالعنعنة ليس على الإطلاق،

1795

وهو الذي جرى عليه المحققون كابن حجر وغيره، ومنهم المنذري نفسه، فكم من أحاديث للأعمش معنعنة صححها المنذري فضلا عن غيره، وليس هذا مجال بيان ذلك. على أن زيادة أبي داود تطيح بذاك الإعلال لأنه صرح فيها بأنه سمعهم يذكرون عن مصعب، فقد سمعه من جمع قد يكون منهم مالك بن الحارث أولا، وكونهم لم يسموا لا يضر لأنهم جمع تنجبر به جهالتهم، كما قال السخاوي في غير هذا الحديث. والله أعلم. 1795 - " التأني من الله والعجلة من الشيطان ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1054) والبيهقي في " السنن الكبرى " (10 / 104) من طريق الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وزاد أبو يعلى: " وما من أحد أكثر معاذير من الله، وما من شيء أحب إلى الله من الحمد ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعد بن سنان وهو حسن الحديث كما تقدم غير مرة. وأما قول المنذري (2 / 251) : " رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح "، وكذا قال الهيثمي (8 / 19) . فهو من أوهامهما لأن سعد بن سنان ليس من رجال " الصحيح "، واغتر بهما المناوي فإنه قال - بعد أن ذكر ذلك عنهم وذكر أن السيوطي عزاه للبيهقي وحده -: " وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إهماله وإيثاره رواية البيهقي ". يعني لأن رواية البيهقي معلولة ورواية أبي يعلى رجالها رجال الصحيح، فقد قال المناوي في رواية البيهقي: " قال الذهبي: وسعد ضعفوه. وقال الهيثمي: لم يسمع من أنس ".

1796

قلت: وقد علمت أن رواية أبي يعلى مثل رواية البيهقي مدارهما على سعد هذا. فتعقبه على السيوطي بما نقلته عنه ليس تحته كبير طائل. على أن قول الهيثمي: " لم يسمع سعد من أنس " لا أعرف له فيه سلفا. بل قال أبو داود: قلت لأحمد بن صالح: سنان بن سعد (وهو سعد بن سنان يقال فيه القولان) سمع أنسا؟ فغضب من إجلاله له. 1796 - " ثلاث حق على كل مسلم: الغسل يوم الجمعة والسواك ويمس من طيب إن وجد ". أخرجه أحمد (4 / 34) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 201 / 1) من طريق شعبة عن سعد بن إبراهيم قال: سمعت محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان يحدث عن رجل من الأنصار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره موقوفا . هكذا قال شعبة. وخالفه سفيان الثوري فقال: عن سعد بن إبراهيم عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرفوعا. أخرجه أحمد: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان به. وتابعه وكيع عن سفيان به. أخرجه أحمد أيضا (5 / 363) . قلت: وهذا إسناد صحيح، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وجهالة الصحابي لا تضر، وسفيان أحفظ من شعبة. وله شواهد منها عن ثوبان مرفوعا به. أخرجه البزار (رقم - 624) من طريق يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث عن أبي عثمان عنه.

1797

ويزيد هذا ضعيف، وبه أعله الهيثمي (2 / 172) . وعن أبي سعيد مرفوعا به. ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 206 - 207) من رواية أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عنه. وقال: " قال أبي وأبو زرعة: هذا خطأ إنما هو يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل عن أبي سعيد، موقوف. قلت لهما: ممن الخطأ؟ قالا: من أيوب بن عتبة ". قلت: وهو ضعيف، وليته ذكر من الذي رواه عن يحيى به موقوفا. فقد خالفه سعد ابن إبراهيم عن ابن ثوبان بإسناده المتقدم مرفوعا. وسعد ثقة فاضل. 1797 - " ثلاث دعوت لا ترد: دعوة الوالد ودعوة الصائم ودعوة المسافر ". رواه البيهقي (3 / 345) والضياء في " المختارة " (108 / 1) وفي " المنتقى من مسموعاته بمرو " (91 / 1) عن إبراهيم بن بكر المروزي حدثنا السهمي يعني عبد الله بن بكر حدثنا حميد الطويل عن أنس مرفوعا. وقال الذهبي في مختصره (167 / 2) : " فيه نكارة، ولا أعرف إبراهيم ". قلت: أورده الذهبي في " الميزان " سميا لهذا فقال: " إبراهيم بن بكر الشيباني الأعور ... وقال ابن الجوزي: وإبراهيم بن بكر ستة لا نعلم فيهم ضعفا سوى هذا . قلت: (هو الذهبي) لو سماه لأفادنا، فما ذكر ابن أبي حاتم منهم أحدا ". فقال الحافظ في " اللسان ":

1798

" قد ذكرهم الخطيب في " المتفق والمفترق " ومنه نقل ابن الجوزي، فأحدهم ... ". قلت: فذكرهم، وهذا ثالثهم، ولم يذكر فيه غير ذلك. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " دعوة المظلوم " مكان دعوة الصائم " وقد مضى تخريجه (598) ، لكن رواه العقيلي والبيهقي في " الشعب " عن أبي هريرة بلفظ الترجمة: " ودعوة الصائم ". وفيه كما قال المناوي محمد بن سليمان الباغندي أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " صدوق فيه لين ". قلت: لكن رواه ابن ماسي في آخر " جزء الأنصاري " (9 / 2) والبرزالي في " أحاديث منتخبة منه " (رقم 15) : حدثنا أبو مسلم الكجي حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن الحجاج - وهو ابن أبي عثمان الصواف - عن يحيى - يعني ابن أبي كثير - عن محمد بن علي عن أبي هريرة به. قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات، ومحمد بن علي هو أبو جعفر الصادق كذلك رواه ابن عساكر في " التاريخ " (9 / 211 / 2) من طريق أخرى عن يحيى بن أبي كثير به. ويشهد له حديث أبي هريرة الآخر بلفظ: " ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر والإمام العادل ودعوة المظلوم ". أخرجه أحمد وغيره وصححه ابن حبان (2407) وغيره وفيه تابعي مجهول كما بينته في " تخريج الترغيب " (2 / 63) . 1798 - " عليكم بالسنى والسنوت، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام. قيل: يا رسول الله وما السام؟ قال: الموت ".

أخرجه ابن ماجة (3457) والحاكم (4 / 201) من طريق عمرو بن بكر السكسكي حدثنا إبراهيم بن أبي علبة قال: سمعت أبا أبي بن أم حرم - وكان قد صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلتين - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره. وقال عمرو: قال ابن أبي علبة: السنوت: الشت. وقال آخرون بل هو العسل الذي يكون في زقاق السمن، وهو قول الشاعر: هم السمن بالسنوت لا ألس فيهم وهم يمنعون جارهم أن يقردا وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: عمرو اتهمه ابن حبان، وقال ابن عدي: له مناكير ". وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". قلت: لكن للحديث شواهد بمعناه يتقوى بها. الأول: عن أم سلمة قالت: " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك مرتثة؟ فقلت: شربت دواء أستمشي به، قال: وما هو؟ قلت: السرم، قال: ومالك وللسرم فإنه حار، نار، عليك بالسنا والسنوت، فإن فيهما دواء من كل شيء إلا السام ". قال الهيثمي: (5 / 90) : " رواه الطبراني من طريق وكيع ابن أبي عبيدة عن أبيه عن أمه، ولم أعرفهم ". والثاني: عن أسماء بنت عميس مرفوعا بلفظ: " لو أن شيئا كان فيه شفاء من الموت لكان في السنى ". وفي إسناده جهالة وانقطاع. وهو مخرج في " المشكاة " (4537) .

1799

الثالث: عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " ثلاث فيهن شفاء من كل داء إلا السام: السنى والسنوت. قال محمد: ونسيت الثالثة ". رواه النسائي وسمويه والضياء عن أنس كما في " الجامع الكبير " (2 / 1 / 2) . (السنى) : نبات كأنه الحناء زهره إلى الزرقة وحبه مفرطح إلى الطول وأجوده الحجازي، ويعرف بـ (السنى المكي) . كما في " المعجم الوسيط ". و (السنوت) : العسل. وقيل: الرب. وقيل: الكمون. كما في " النهاية "، وبالأخير جزم في " الوسيط ". 1799 - " ثلاث لن تزال في أمتي: التفاخر في الأحساب والنياحة والأنواء ". أخرجه أبو يعلى (3 / 975) والضياء (156 / 2) عن زكريا بن يحيى بن عمارة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري، وفي زكريا كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن إن شاء الله، وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وللحديث شاهد من حديث أبي مالك الأشعري وأبي هريرة، وقد مضى تخريجهما (733 و 734) بلفظ: " أربع في أمتي ... ". وقد جاء عن أبي هريرة بلفظ: " ثلاث ... " وهو الآتي بعد حديث. (الأنواء) : جمع نوء، وهو النجم إذا سقط في المغرب مع الفجر، مع طلوع آخر

1800

يقابله في المشرق. والمراد الاستسقاء بها كما يأتي في الحديث المشار إليه، أي طلب السقيا. قال في " النهاية ": " وإنما غلظ النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأنواء. لأن العرب كانت تنسب المطر إليها، فأما من جعل المطر من فعل الله تعال، وأراد بقوله: " مطرنا بنوء كذا ": في وقت كذا، وهو هذا النوء الفلاني، فإن ذلك جائز، أي أن الله قد أجرى العادة أن يأتي المطر في هذه الأوقات ". 1800 - " ثلاث كلهن حق على كل مسلم: عيادة المريض وشهود الجنازة وتشميت العاطس إذا حمد الله عز وجل ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (519) من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد يحتمل التحسين، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمر هذا، فقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وقد تابعه محمد بن عمرو عن أبي سلمة به بلفظ: " خمس من حق المسلم على المسلم ". وسيأتي تخريجه برقم (1832) . وله شاهد من حديث أبي مسعود بلفظ: " للمسلم على المسلم أربع خلال ... ". وسيأتي برقم (2154) . فالحديث صحيح والحمد لله تعالى.

1801

1801 - " ثلاث من عمل أهل الجاهلية لا يتركهن أهل الإسلام: النياحة والاستسقاء بالأنواء وكذا. قلت لسعيد (يعني المقبري) : وما هو؟ قال: دعوى الجاهلية : يا آل فلان، يا آل فلان، يا آل فلان ". أخرجه أحمد (2 / 262) عن ربعي بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (739) إلا أنه قال : " والتعاير " بدل " وكذا ... ". وعبد الرحمن بن إسحاق هذا الظاهر أنه أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات. لكن له طريق أخرى وشواهد. أما الطريق، فهي عند ابن حبان (740) عن أبي عامر حدثنا سفيان عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة. فذكر نحوه، وذكر فيه العدوى، وجعلها أربعة. قلت: وسنده صحيح، رجاله ثقات. ويشهد له حديث جنادة بن مالك مرفوعا بلفظ: " ثلاث من فعل أهل الجاهلية لا يدعهن أهل الإسلام: استسقاء بالكواكب ... ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 233) والبزار (رقم - 797) والطبراني في " الكبير " (2178) من طريق القاسم بن الوليد عن مصعب بن عبيد الله بن جنادة الأزدي عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال البخاري: " في إسناده نظر ".

1802

قلت: وكأن وجهه الجهالة، فإن مصعب بن عبيد الله بن جنادة وأباه أوردهما ابن أبي حاتم (4 / 1 / 306 و 2 / 2 / 310) ومن قبله البخاري (4 / 1 / 353 و1 / 375) ولم يذكرا فيهما جرحا ولا تعديلا، ولم يعرفهما الهيثمي (3 / 13 ) . ويشهد له أيضا حديث كريمة المزنية قالت: سمعت أبا هريرة وهو في بيت أبي الدرداء يقول فذكره مرفوعا بلفظ: " ثلاث من الكفر بالله، شق الجيب والنياحة والطعن في النسب ". أخرجه الحاكم (1 / 383) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي مع أنه قد قال في ترجمة كريمة هذه من " الميزان " " تفرد عنها إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر ". يشير إلى أنها مجهولة، ومع ذلك وثقها ابن حبان وليس ذلك منه بغريب ولكن الغريب أن يوافقه الحافظ ابن حجر، فيقول في ترجمتها من " التقريب ": " ثقة "! مع أنه لم يوثقها غير ابن حبان، وعهدي بها في مثلها من الرواة الذين تفرد ابن حبان بتوثيقه أن يقول مقبول، أو مجهول. وهذا الذي يناسب كلامه المشروح في مقدمة كتابه " لسان الميزان " حول توثيق ابن حبان، وأنه يوثق المجهولين، فراجعه إن شئت. وله شواهد أخرى من حديث عمرو بن عوف عند البزار (رقم - 798) وسلمان الفارسي عند الطبراني ( 6100) وغيره تكلم على أسانيدها الهيثمي (3 / 13) . 1802 - " ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات، فقال: ثلاث مهلكات: شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه. وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى والعدل في الغضب والرضا ".

روي عن أنس بن مالك وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وعبد الله بن أبي أوفى وعبد الله بن عمر. 1 - أما حديث أنس، فله عنه طرق: الأولى: عن أيوب عن عتبة قال: حدثنا الفضل بن بكر العبدي عن قتادة عنه. أخرجه البزار (رقم - 80) والعقيلي (ص 352) وأبو بكر الدينوري في " المجالسة وجواهر العلم " (7 / 145 / 1) والسياق له وأبو مسلم الكاتب في " الأمالي " (261 / 1) وأبو نعيم في الحلية (2 / 343) والهروي في " ذم الكلام " (145 / 1) والقضاعي (25 / 2) وقال البزار: " لم يروه إلا الفضل عن قتادة ولا عنه إلا أيوب بن عتبة ". كذا قال، وقد وجدت لهما متابعا أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " عن عكرمة بن إبراهيم عن هشام عن يحيى عن قتادة به. قلت: والطريقان إلى قتادة ضعيفان، فإن عكرمة بن إبراهيم وأيوب بن عتبة ضعيفان. والفضل بن بكر العبدي قال الذهبي: " لا يعرف ". وقد أشار العقيلي إلى ما ذكرنا من التضعيف، فقال عقبه: " وقد روي عن أنس من غير هذا الوجه وعن غير أنس بأسانيد فيها لين ". الثانية: عن زائدة بن أبي الرقاد عن زياد النمري عن أنس مرفوعا بلفظ: " ثلاث كفارات وثلاث درجات وثلاث منجيات وثلاث مهلكات. فأما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات وانتظار الصلاة بعد الصلاة ونقل الأقدام إلى الجمعات.

وأما الدرجات فإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام. وأما المنجيات ... " الحديث مثل حديث الترجمة. أخرجه البزار (رقم - 80) وابن شاهين في " الترغيب والترهيب " (264 / 2) والهروي. وزياد وزائدة كلامهما ضعيف. الثالثة - عن حميد بن الحكم أبي حصين قال: جاء رجل إلى الحسن - وأنا جالس - فقال يا أبا سعيد ما سمعت أنس يقول؟ فقال الحسن: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بنحو لفظ الترجمة. أخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 151) والطبراني في " الأوسط " (5584) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (137 / 1) . قلت: وحميد هذا قال ابن حبان: " منكر الحديث جدا ". الرابعة: عن نعيم بن سالم عنه. أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " ( 1 / 143) . قلت: ونعيم هذا كذا وقع في النسخة، والصواب " يغنم " بياء مثناة من تحت ثم غين معجمة ثم نون، وهو متهم بالوضع. فلا يستشهد به. 2 - وأم حديث ابن عباس، فله طريقان: الأولى: عن محمد بن عون الخراساني عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير عنه بالمهلكات فقط. أخرجه البزار (رقم - 82) .

ومحمد بن عون متروك كما في " التقريب ". والأخرى: عن عيسى بن ميمون حدثنا محمد بن كعب سمعت ابن عباس بالمهلكات فقط. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 219) والهروي. وعيسى بن ميمون، الظاهر أنه المدني مولى القاسم، وهو ضعيف. 3 - وأما حديث أبي هريرة، فله عنه طريقان أيضا: الأولى: بكر بن سليم الصواف عن أبي حازم عن الأعرج عنه بنحو حديث الترجمة. أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 382 / 1) . قلت: والصواف هذا ذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال أبو حاتم: " شيخ يكتب حديثه ". قلت: فمثله يستشهد به. والله أعلم. والأخرى: عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عنه. أخرجه الهروي وأبو موسى المديني في " اللطائف " (83 / 1) . وعبد الله هذا متروك. 4 - وأما حديث ابن أبي أوفى فيرويه محمد بن عون عن يحيى بن عقيل عنه. أخرجه البزار (رقم - 83) . وابن عون متروك كما تقدم. 5 - وأما حديث ابن عمر، فقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 91) :

1803

" رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه ابن لهيعة ومن لا يعرف ". قلت: ولفظه نحو لفظ حديث ابن أبي الرقاد المتقدم وهو عنده (برقم - 5884 - ترقيمي) من طريق محفوظ بن يحيى الأنطاكي قال: أخبرنا الوليد بن عبد الواحد التميمي عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وقال: " لا يروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف لحال ابن لهيعة وجهالة من دونه. وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل الدرجات إن شاء الله تعالى، وبه جزم المنذري، فقد قال في " الترغيب " عقب حديث أنس برواية ابن أبي الرقاد (1 / 162) : " رواه البزار والبيهقي وغيرهما، وهو مروي عن جماعة من الصحابة وأسانيده وإن كان لا يسلم شيء منها من مقال، فهو بمجموعها حسن إن شاء الله تعالى ". 1803 - " ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1647) من طريق سفيان بن عيينة عن فطر عن أبي الطفيل عن أبي ذر قال: " تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علما، قال: فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا القدر أخرجه البزار أيضا (147) دون حديث الترجمة عن ابن عيينة به. وأخرجه أحمد (5 / 153 و 162) من طريق آخر عن أبي ذر. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وفطر وهو ابن خليفة وثقه أحمد وابن معين، وروى له البخاري مقرونا كما قال الذهبي في " الكاشف ".

1804

وله شاهد من رواية عمرو عن المطلب مرفوعا بلفظ: " ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا قد أمرتكم به، وما تركت شيئا مما نهاكم عنه إلا قد نهيتكم عنه ". أخرجه الشافعي كما في " بدائع المنن " برقم (7) وابن خزيمة في " حديث علي بن حجر " (ج 3 رقم 100) . وهذا إسناد مرسل حسن، عمرو هو ابن أبي عمر، والمطلب هو ابن عبد الله. 1804 - " ثلاثة لا تقربهم الملائكة: الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق ". أخرجه البزار (ص 164 - زوائد ابن حجر) : حدثنا العباس بن أبي طالب حدثنا أبو سلمة حدثنا أبان عن قتادة عن ابن بريدة عن يحيى بن يعمر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " رواه غير العباس مرسلا ولا يعلم يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ". قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال المنذري في " الترغيب " (1 / 91) ورجاله ثقات رجال الشيخين غير العباس هذا وهو ابن جعفر بن عبد الله بن الزبرقان البغدادي أبو محمد بن أبي طالب أخو يحيى، وهو صدوق مات سنة (258) . وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 72) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا العباس بن أبي طالب وهو ثقة ". قلت: ورواه البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 74) من طريق أبي عوانة عن قتادة به. فقول البزار: " لا يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه " إنما هو بناء على ما أحاط به علمه، (وفوق كل ذي علم عليم) .

ويؤيد ما سبق أن له طريقا أخرى عن ابن عباس يرويه زكريا بن يحيى الضرير قال: أخبرنا شبابة بن سوار قال: أخبرنا المغيرة بن مسلم عن هشام بن حسان عن كثير مولى سمرة عنه مرفوعا به إلا أنه قال: " والمتضمخ بالزعفران ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (5536 بترقيمي) وقال: " لم يروه عن كثير مولى سمرة إلا هشام، ولا عن هشام إلا المغيرة بن مسلم، تفرد به شبابة ". قلت: وهو صدوق من رجال الشيخين وشيخه المغيرة حسن الحديث كما قال الذهبي في " الكاشف ". وهشام بن حسان ثقة من رجال الشيخين. وشيخه كثير هو ابن كثير مولى عبد الرحمن بن سمرة، قال ابن حبان في " الثقات ": " روى عنه قتادة والبصريون ". ووثقه العجلي أيضا، فهو حسن الحديث. وزكريا الضرير ترجمه الخطيب (8 / 457 - 458) برواية جمع عنه، ولم يذكر فيه جرحا. وللحديث شاهد من حديث بريدة ولكنه ضعيف جدا، فلا بأس من ذكره وتخريجه وهو بلفظ: " ثلاثة لا تقربهم الملائكة: السكران والمتخلق والجنب ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 74) والعقيلي في " الضعفاء " (ص

198) وابن عدي في " الكامل " (ق 210 / 1) والطبراني في " الأوسط " (5366) عن عبد الله بن حكيم أبي بكر الداهري عن يوسف بن صهيب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. وقال البخاري: " لا يصح ". وقال العقيلي: " أبو بكر هذا يحدث بأحاديث لا أصل لها، ويحيل على الثقات ". وقال ابن عدي: " وهو منكر الحديث، وقال البخاري: لا يصح هذا الحديث ". وقال الذهبي في " الكنى " من " ميزانه ": " ليس بثقة ولا مأمون ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 156) وقال: " رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن حكيم وهو ضعيف ". ونقل المناوي عنه أنه قال: " فيه عبد الله بن حكيم لم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". فكأنه قال هذا في موضع آخر، والصواب أنه معروف ولكن بالضعف، كما قال في الموضع الأول. ثم إن السيوطي لم يعزه للطبراني ولا رأيته في " معجمه الكبير " وهو المعني عند إطلاق العزو إليه، فالصواب تقييده بـ " الأوسط " كما سبق، وإنما عزاه السيوطي للبزار ولكن بلفظ: " ... السكران والمتضمخ بالزعفران والحائض والجنب "! فهذه أربع خصال! فلعل الأصل: " والحائض أو الجنب ".

1805

وهذا الذي ظننته من احتمال كون الأصل على التردد تأكدت منه حين رأيت الحديث في " زوائد البزار " (ص 164) أخرجه من طريق عبد الله بن حكيم. (الخلوق) : طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة. وإنما نهى عنه لأنه من طيب النساء كما في " النهاية " . (الجنب) معروف وهو الذي يجب عليه الغسل بالجماع وبخروج الماء الدافق. ولعل المراد به هنا الذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة، فيكون أكثر أوقاته جنبا. وهذا يدل على قلة دينه وخبث باطنه كما قال ابن الأثير. وإلا فإنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء كما حقتته في " صحيح أبي داود " (223) . 1805 - " ثلاثة يدعون فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه، ورجل آتى سفيها ماله وقد قال الله عز وجل: * (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) * ". رواه ابن شاذان في " المشيخة الصغرى " (57 / 1) والحاكم (2 / 302) من طريقين عن أبي المثنى معاذ بن معاذ العنبري حدثنا أبي حدثنا شعبة عن فراس عن الشعبي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى الأشعري ". ووافقه الذهبي.

قلت: كذا وقع في " المستدرك ": " أبي المثنى معاذ بن معاذ العنبري حدثنا أبي " وفي " المشيخة ": معاذ بن المثنى أخبرنا أبي " وكل ذلك من تحريف النساخ والصواب: " المثنى بن معاذ بن العنبري " كما يتضح من الرجوع إلى ترجمة الوالد والولد من " تاريخ بغداد " و " تهذيب التهذيب " وغيرهما، وقد جزم الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 216) أن معاذ بن معاذ العنبري قد حدث به عن شعبة. ثم إنهما ثقتان غير أن المثنى لم يخرج له البخاري شيئا. فالسند ظاهره الصحة لكن قد يعله توقيف أصحاب شعبة له إلا أنه لم ينفرد به معاذ بن معاذ بل تابعه داود بن إبراهيم الواسطي: حدثنا شعبة به. أخرجه أبو نعيم في " مسانيد أبي يحيى فراس " (ق 92 / 1) . وداود هذا ثقة كما في " الجرح " (1 / 2 / 407) . وتابعه عمرو بن حكام أيضا، وفيه ضعف. أخرجه أبو نعيم أيضا والطحاوي. وتابعه عثمان بن عمر وهو ثقة أيضا قال حدثنا شعبة به. أخرجه الديلمي (2 / 58) . وقد وجدت له طريقا أخرى عن الشعبي. رواه ابن عساكر (8 / 182 / 1 - 2 ) عن إسحاق بن وهب - وهو بخاري - عن الصلت بن بهرام عن الشعبي به. لكن إسحاق هذا ذكره الخليلي في " الإرشاد " وقال: " يروى عنه ما يعرف وينكر، ونسخ رواها الضعفاء ".

1806

1806 - " ثمن الخمر حرام ومهر البغي حرام وثمن الكلب حرام والكوبة حرام وإن أتاك صاحب الكلب يلتمس ثمنه، فاملأ يديه ترابا، والخمر والميسر وكل مسكر حرام ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 169 / 1 ورقم - 12601 - مطبوعة، وفيها قلب) عن معقل بن عبيد الله عن عبد الكريم عن قيس بن حبتر الربعي عن عبد الله بن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات وفي معقل بن عبيد الله وهو الجزري ضعف يسير من قبل حفظه واحتج به مسلم وقد توبع كما يأتي، وعبد الكريم هو الجذري الثقة. والحديث أخرجه أحمد (1 / 278 و 289 و 350) مفرقا من طرق عن عبد الكريم به. وروى بعضه أبو داود (3482) والطيالسي (2755) . وتابعه علي ابن بذيمة حدثني قيس بن حبتر نحوه. أخرجه أحمد (1 / 274) من طريق سفيان عنه . وزاد: " قال سفيان - وهو الثوري: - قلت لعلي بن بذيمة: ما الكوبة؟ قال : الطبل ". قلت: وعلي بن بذيمة ثقة، فالسند صحيح. (الكوبة) . قال ابن الأثير: " هو النرد. وقيل الطبل. وقيل: البربط ". وفي " المعجم الوسيط ": " وهو آلة موسيقية تشبه العود، والنرد أو الشطرنج ".

1807

قلت: والراجح: أنه الطبل لجزم علي بن بذيمة به كما تقدم وهو أحد رواته والراوي أدرى بمرويه من غيره. والله أعلم. 1807 - " الثيب أحق بنفسها من وليها، والبكر يستأذنها أبوها في نفسها وإذنها صماتها ". رواه مسلم (4 / 141) وأبو داود (1 / 327) والنسائي (2 / 78) والدارقطني (390) وأحمد (1 / 219) والطبراني (رقم 10745) من طريق سفيان ابن عيينة عن زياد بن سعد عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير عن ابن عباس مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح لكن ذكر الأب في هذا المتن قد أعلوه، فقال أبو داود: " أبوها ليس بمحفوظ ". وقال الدارقطني: " لا نعلم أحد وافق ابن عيينة على هذا اللفظ ولعله ذكره من حفظه فسبقه لسانه ". قلت: والمحفوظ بلفظ: " تستأمر في نفسها " وقد مضى من رواية مالك عن ابن الفضل به برقم (1216) . 1808 - " الثيبان يجلدان ويرجمان، والبكران يجلدان وينفيان ". أخرجه أبو نعيم في " مسانيد أبي يحيى فراس " (91 / 1) والديلمي (2 / 70) عن الحاكم عن شريك عن فراس عن الشعبي عن مسروق عن أبي بن كعب مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد، رجاله ثقات لولا أن شريكا وهو ابن عبد الله القاضي سيء الحفظ. لكن يشهد لحديثه ما عند مسلم وغيره من عبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ:

1809

" الثيب بالثيب والبكر بالبكر، الثيب جلد مائة، ثم رجم بالحجارة والبكر جلد مائة، ثم نفي سنة ". 1809 - " جعل قرة عيني في الصلاة ". رواه العقيلي في " الضعفاء " (465) : حدثنا محمد بن زكريا البلخي حدثنا يحيى ابن عثمان حدثنا هقل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال: " يحيى بن عثمان الحربي عن هقل لا يتابع على حديثه عن الأوزاعي ". قلت: يحيى هذا ثقة كما يأتي وكذا شيخه هقل، ولا يضر الثقة أن لا يتابع على حديثه، وهذا الحديث أخرجه الخطيب في ترجمة يحيى هذا (12 / 371 و 14 / 190) من طريقين آخرين عنه ثم قال: " تفرد برواية هذا الحديث هكذا موصولا هقل بن زياد عن الأوزاعي ولم أره إلا من رواية يحيى بن عثمان عن هقل، وخالفه الوليد ابن مسلم فرواه عن الأوزاعي عن إسحاق عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا لم يذكر فيه أنسا "، ثم ساق سنده بذلك إلى الوليد. قلت: وهذه المخالفة لا قيمة لها لأمرين: الأول: أن هقل بن زياد زاد الوصل وزيادة الثقة مقبولة. والآخر: أنه في الأوزاعي أوثق من الوليد، فقد اتفقت كلمات النقاد على أنه أثبت الرواة في الأوزاعي، فروايته عند المخالفة أرجح من رواية الوليد بن مسلم ، فتأمل. وجملة القول أن الحديث عندي صحيح بهذا الإسناد، فإن سائر رجاله ثقات كلهم معروفون، وأما يحيى هذا فروى الخطيب عن ابن معين أنه ثقة، وعن صالح بن محمد جزرة: صدوق، وكان من العباد. ووثقه أيضا أبو زرعة وابن حبان كما في " الميزان " و " اللسان ".

1810

وقال العقيلي عقبه: " هذا يرويه سلام الطويل عن ثابت عن أنس، وسلام فيه لين ". قلت: كذا قال، والحديث معروف من رواية سلام بن سليمان أبي المنذر المزني صدوق، رواه عنه النسائي (2 / 156) وغيره بأتم منه. وهو مخرج في " المشكاة " (5261) و " الروض النضير " (53) . ثم وجدت له متابعا لا بأس به، أخرجه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (ق 290 / 1) بسند صحيح عن عمرو بن هاشم: حدثني الهقل بن زياد به. وعمرو هذا هو البيروتي وهو صدوق يخطىء كما قال العسقلاني، فانتفت دعوى تفرد يحيى بن عثمان عن هقل به، وتأكد صحة الحديث والحمد لله. 1810 - " كان إذا اجتهد لأحد في الدعاء قال: جعل الله عليكم صلاة قوم أبرار، يقومون الليل ويصومون النهار، ليسوا بأثمة ولا فجار ". رواه عبد الحميد في " المنتخب من المسند " (147 / 2) : حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه الضياء في " المختارة " (ق 34 / 1) من طريق عبد بن حميد وقال: " وذكر بعض المحدثين أن مسلما رواه عن عبد بن حميد بهذا الإسناد ولم أره في " صحيح مسلم " والله أعلم ". 1811 - " يا أم حارثة! إنها ليست بجنة واحدة ولكنها جنان كثيرة وإن حارثة لفي أفضلها، أو قال: في أعلى الفردوس ". رواه أحمد (3 / 124) وابن سعد (3 / 510 - 511) : أخبرنا يزيد بن

هارون قال : أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: أن حارثة بن سراقة خرج نظارا، فأتاه سهم فقتله، فقالت أمه: يا رسول الله! قد عرفت موضع حارثة مني، فإن كان في الجنة صبرت وإلا رأيت ما أصنع! قال: فذكره، وقال في آخره : شك يزيد بن هارون. قلت: وسنده صحيح على شرط مسلم. وتابعه يوسف بن عطية حدثنا ثابت به وأتم منه. أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (77 / 2) . لكن يوسف متروك. وتابعه عفان حدثنا حماد بن سلمة به وقال: " وإنه في الفردوس الأعلى " ولم يشك. أخرجه أحمد (3 / 272) . وتابعه عنده (3 / 215 و 282 - 283) سليمان بن المغيرة عن ثابت به. وصححه ابن حبان (2272) والحاكم (3 / 208) ، ووافقه الذهبي. وتابعه قتادة عن أنس به. أخرجه البخاري (2 / 204) وابن خزيمة في " التوحيد " (239) والترمذي (2 / 201) وصححه، وزاد في آخره: " والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها ". وهي عند أحمد في رواية (3 / 260) لكن فصلها عن الحديث فقال: قال قتادة: فذكرها مقطوعا من قوله. ولم يذكرها أصلا في الرواية الأخرى (3 / 210 و 283) . وتابعه حميد قال: سمعت أنسا به دون الزيادة. أخرجه البخاري (3 / 59 و 241) وأحمد (3 / 264) .

1812

وبالجملة فهذه الزيادة التي عند الترمذي شاذة لا تثبت في الحديث عن أنس، والراجح أنها مدرجة فيه كما بينته رواية أحمد. لكن يشهد لها حديث سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الفردوس ربوة الجنة وأعلاها وأوسطها، ومنها تفجر أنهار الجنة ". قال الهيثمي (10 / 398) : " رواه الطبراني والبزار باختصار وزاد فيه: " فإذا سألتم الله تعالى فسلوه الفردوس "، وأحد أسانيد الطبراني رجاله وثقوا، وفي بعضهم ضعف ". ولها شاهد آخر ولذلك أفردته بالتخريج فيما يأتي (2003) . قلت: والطريق الأولى عند الطبراني في " الكبير " (6885 و 6886) من وجهين عن قتادة عن الحسن عن سمرة. ثم أخرجه (7088) من الطريق الأخرى عن خبيب بن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة. وهذا إسناد ضعيف مجهول. وما قبله معنعن. 1812 - " الجنة لها ثمانية أبواب، والنار لها سبعة أبواب ". أخرجه أحمد (4 / 185) وابن سعد (7 / 430) عن صفوان بن عمرو السكسكي عن أبي المثنى الأملوكي عن عتبة بن عبد السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير أبي المثنى الأملوكي وثقه العجلي وابن حبان، وروى عنه هلال بن يساف أيضا في قول بعضهم.

1813

وللحديث شاهد من حديث عاصم بن لقيط، يرويه عنه دلهم بن الأسود وهو مقبول عند الحافظ ابن حجر. أخرجه أحمد (4 / 13 - 14) . وروى الترمذي (4 / 132 - تحفة) عن جنيد عن ابن عمر مرفوعا: " لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل السيف على أمتي ". وقال: " حديث غريب ". يعني ضعيف، جنيد هذا لم يوثقه غير ابن حبان وقيل إنه لم يسمع من ابن عمر . وبالجملة فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، والشطر الأول منه أصح، فإن له شواهد في " الصحيحين " وغيرهما، فراجع إن شئت " حادي الأرواح " (1 / 88 - 99 ) . 1813 - " حافظ على العصرين: صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها ". رواه أبو داود (453 - صحيحه) والطحاوي في " المشكل " (1 / 440) وابن حبان (282) والحاكم (1 / 20، 3 / 628) والبيهقي والحافظ ابن حجر في " الأحاديث العليات " (رقم 31) عن عبد الله بن فضالة الليثي عن أبيه فضالة قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان فيما علمني أن قال لي: " حافظ على الصلوات الخمس ". فقلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال، فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني، قال: فذكره. وقال الحافظ: " هذا الحديث صحيح ، وفي المتن إشكال لأنه يوهم جواز الاقتصار على العصرين، ويمكن أن يحمل على الجماعة، فكأنه رخص له في ترك حضور بعض الصلوات في الجماعة، لا على تركها أصلا ".

1814

قلت: والترخيص إنما كان من أجل شغل له كما هو في الحديث نفسه. والله أعلم. ثم إن في إسناد الحديث اختلافا ذكرته في " صحيح أبي داود "، وقد بينت هناك ما هو الراجح منه، فلا داعي لإعادته هنا. 1814 - " حرم الله الخمر، وكل مسكر حرام ". رواه النسائي (2 / 333) والطبراني في " المعجم الكبير " (13225) وابن عساكر (17 / 56 / 2) عن شبيب بن عبد الملك قال: حدثني مقاتل بن حيان عن سالم ابن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير شبيب بن عبد الله وهو ثقة. وقد توبع من جمع عن نافع به نحوه عند مسلم (6 / 100) وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (2431) وغيره. والحديث من الأدلة الكثيرة القاطعة على تحريم كل مسكر سواء كان متخذا من العنب أو التمر أو الذرة أو غيرها وسواء في ذلك قليله أو كثيره، وأن التفريق بين خمر وخمر، والقليل منه والكثير باطل، خلافا لما ذهب إليه بعض من تقدم. واغتر به بعض المعاصرين في مجلة " العربي " الكويتية منذ سنين، ثم رد عليه بعض مشايخ الشام، فما أحسن الرد، منعه منه تعصبه للمذهب، عفا الله عنا وعنه بمنه وكرمه. والعصمة له وحده. 1815 - " حسن الصوت زينة القرآن ". رواه أبو نعيم في " الأربعين الصوفية " (62 / 1) من طريق الطبراني عن عبد الغفار بن داود حدثنا أبو عبيدة سعيد بن زربي، ومن طريق أحمد بن القاسم بن مساور حدثنا علي بن الجعد حدثنا أبو معاوية العباداني قالا: حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن علقمة بن قيس قال:

1816

كنت رجلا قد أعطاني الله حسن الصوت بالقرآن، فكان عبد الله بن مسعود يرسل إلي فأقرأ عليه، قال فكنت إذا فرغت من قرائتي قال: زدنا من هذا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وهو في معجم الطبراني (رقم 10023) من طريق عبد الغفار به، ويكنى بأبي صالح الحراني. ورواه ابن عدي (271 / 1) من طريق قيس بن الربيع عن حماد بن أبي سليمان به. قلت: وهذا إسناد حسن، مدار طرقه على حماد بن أبي سليمان وهو صدوق له أوهام كما في " التقريب "، ومن فوقه من رجال الشيخين. ويشهد له حديث البراء: " زينوا القرآن بأصواتكم ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1320) . 1816 - " كان إذا رأى الهلال قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله ". رواه الترمذي (2 / 256) والحاكم (4 / 285) وأحمد (1 / 162) وأبو يعلى (1 / 191) وعنه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (635) والدارمي (2 / 4) والعقيلي (182) وابن أبي عاصم في " السنة " (376) والضياء في " المختارة " (1 / 279) عن سليمان بن سفيان قال: حدثني بلال بن يحيى بن طلحة ابن عبيد الله عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال الترمذي: " حسن غريب "، وقال العقيلي في سليمان هذا " لا يتابع عليه "، وروى عن ابن معين أنه ليس بثقة. ثم قال العقيلي:

1817

" وفي الدعاء لرؤية الهلال أحاديث كأن هذا من أصلحها إسنادا، كلها لينة الأسانيد ". قلت: وسليمان بن سفيان ضعيف، وقد تقدم ومثله بلال بن يحيى بن طلحة ولعله من أجل ذلك سكت عليه الحاكم ثم الذهبي، ولم يصححاه. لكن الحديث حسن لغيره بل هو صحيح لكثرة شواهده التي أشار إليها العقيلي، لكنها شواهد في الجملة وإنما يشهد له شهادة تامة حديث ابن عمر قال ... فذكره، إلا أنه زاد: " والتوفيق لما تحب وترضى ". أخرجه الدارمي (2 / 3 - 4) وابن حبان (2374) والطبراني في " المعجم الكبير " (13330) عن عبد الرحمن بن عثمان بن إبراهيم حدثني أبي عن أبيه وعمه عنه. قال الهيثمي: (10 / 139) : " وعثمان بن إبراهيم الحاطبي فيه ضعف، وبقية رجاله ثقات ". كذا قال: وعبد الرحمن بن عثمان قال الذهبي: " مقل، ضعفه أبو حاتم الرازي ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "! وله طريق أخرى بلفظ آخر عن ابن عمر، وهو مخرج في " الضعيفة " ( 3503) . وله شاهد آخر مختصر من حديث حدير السلمي مرفوعا به دون قوله: " ربي وربك الله "، وزاد: " والسكينة والعافية والرزق الحسن ". وهو مخرج هناك (3504) . 1817 - " حلوة الدنيا مرة الآخرة، ومرة الدنيا حلوة الآخرة ". رواه أحمد (5 / 342) وعنه الحاكم (4 / 310) ومحمد بن العباس البزار في

1818

" حديثه " (2 / 121 / 2) وابن عساكر (19 / 82 / 1) عن صفوان بن عمرو عن أبي عبيد الحضرمي يعني شريحا أن أبا مالك الأشعري لما حضرته الوفاة قال: يا معشر الأشعريين ليبلغ الشاهد منكم الغائب، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 1818 - " الحائض والنفساء إذا أتتا على الوقت تغتسلان وتحرمان، وتقضيان المناسك كلها غير الطواف بالبيت ". أخرجه أبو داود (1744) وأحمد (1 / 364) من طريق خصيف عن عكرمة ومجاهد وعطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، رجاله ثقات، غير أن خصيفا وهو ابن عبد الرحمن الجزري سيء الحفظ. لكن الحديث صحيح، يشهد له حديث جابر في حديث أسماء بنت عميس حين نفست بذي الحليفة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تغتسل وتهل ، رواه مسلم وغيره (انظر كتابي حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر ) . وحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين حاضت وهي محرمة: اصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي. متفق عليه، ولعله من أجل ذلك صحح الحديث العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " والله أعلم. (الوقت) : الميقات: وهو هنا الموضع الذي جعل للعمرة أو الحج يحرم بهما عنده. 1819 - " الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام ".

1820

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (491) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا سريج بن يونس عن المطلب بن زياد عن زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره بزيادة " في " في أوله، وأورده بدونها الهيثمي في " المجمع " (5 / 87 - 88) من حديث أسامة بن شريك هذا وقال : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ". ولم أره في " الأوسط " مستعينا على ذلك بفهرسي الذي وضعته له، لكن في النسخة خرم، فمن المحتمل أن يكون في بعض الورقات الذاهبة منها، وإلا فيكون وهما منه، لاسيما ولم يعزه لـ " المعجم الكبير ". وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. وله شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره، وقد مضى بعضها برقم (759 و863 و 1069) . 1820 - " الحجاج والعمار وفد الله، دعاهم فأجابوه، سألوه فأعطاهم ". أخرجه البزار (رقم 1153) عن محمد بن أبي حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " لا نعلمه عن جابر إلا عن ابن المنكدر، ورواه طلحة بن عمرو عنه ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن أبي حميد وهو أبو إبراهيم المدني الملقب بحماد، قال الحافظ: " ضعيف ". ومتابعه طلحة بن عمرو أضعف منه قال الحافظ: " متروك ". فلا أدري مع هذا وجه قول المنذري (2 / 108) وتبعه الهيثمي (3 / 211) :

" رواه البزار ورجاله ثقات ". نعم للحديث شاهد عن ابن عمر مرفوعا به وزاد في أوله: " الغازي في سبيل الله والحاج.. ". أخرجه ابن ماجة (2893) وابن حبان (964) والطبراني في " المعجم الكبير " (13556) من طريق عمران ابن عيينة عن عطاء بن السائب عن مجاهد عنه. قلت: وهذا سند ضعيف كما بينته في التعليق على " الترغيب " (2 / 165) . لكن الحديث بمجموع الطريقين حسن. ولحديث ابن عمر طريق آخر ولكنه منقطع، أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 296) من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر به مرفوعا. فقال عن أبيه: " هذا خطأ، إنما هو أبو بكر بن حفص عن عمر مرسل، وقد أدرك أبو بكر بن حفص بن عمر، ولم يدرك عمر، وكنت قدمت قزوين فكتبت حديث محمد بن سعيد بن سابق عن عمرو بن أبي قيس عن إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن حفص عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: وهو على انقطاعه شاهد حسن للطريق الأولى عن ابن عمر، فهو حسن أيضا بمجموع طريقيه. وللحديث شاهد آخر، ولكنه واه أذكره لبيان حاله، ولفظه: " الحجاج والعمار وفد الله إن دعوه أجابهم وإن استغفروه غفر لهم ". رواه ابن ماجة (2892) وابن بشران في " الأمالي " (34 / 2) عن صالح بن عبد الله مولى ابن عامر بن لؤي حدثني يعقوب بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

1821

ورواه الخطيب في " التلخيص " (86 / 1) من هذا الوجه. وصالح هذا منكر الحديث كما قال البخاري ثم رأيت محمد بن أبي حميد الأنصاري (المذكور آنفا في حديث جابر) روى الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به أتم منه، ولفظه: " الحجاج والعمار وفد الله إن سألوه أعطوا وإن دعوا أجيبوا وإن أنفقوا أخلف عليهم، فوالذي نفس أبي القاسم بيده ما كبر مكبر على نشز ولا أهل مهل على شرف من الأشراف إلا أهل ما بين يديه وكبر حتى ينقطع به منقطع التراب ". رواه أبو الشيخ الأصبهاني في " أحاديث بكر بن بكار " (3 / 2) عنه : أخبرنا محمد بن أبي حميد الأنصاري أخبرنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا . ورواه تمام في " الفوائد " (252 / 2) والقاضي الشريف أبو الحسين في " المشيخة " (2 / 180 / 1) من طريق ابن وهب عن محمد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب به. وروى الخلعي في " الفوائد " (108 / 2) الشطر الأول منه، ورواه ابن عدي (301 / 1) بالشطرين وقال: " محمد بن أبي حميد الزهري شبه المجهول " . كذا قال وهو معروف الضعف كما تقدم، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 298) : " قال أبي: حديث منكر ". يعني بهذا التمام. 1821 - " الحمى حظ المؤمن من النار يوم القيامة ". رواه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (181 / 1 - 2) وابن عساكر (6 / 399 / 2) عن الفضل بن حماد الأزدي عن عبد الله بن عمران عن مالك بن دينار عن معبد الجهني عن عثمان بن عفان مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه العقيلي في " الضعفاء " (217، 352) وقال: " إسناد غير محفوظ، والمتن معروف بغير هذا الإسناد. قال: وقد رويت في هذا أحاديث مختلفة الألفاظ، بأسانيد صالحة ". وله شاهد من حديث أنس أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7691) عن سليمان ابن داود الشاذكوني حدثنا عيسى بن ميمون حدثني قتادة عنه. قال: " لم يروه عن قتادة إلا عيسى بن ميمون، تفرد به الشاذكوني ". قلت: هو متهم بالوضع، فلا يستشهد به. والفضل بن حماد الأزدي قال الذهبي: " فيه جهالة ". ومن طريقه أخرجه أبو حامد الشجاعي في " أماليه "، وزاد: " وإن مثله إذا صح من مرضه كمثل البردة تقع من السماء في صفائها ولونها ". قلت: لهذه الزيادة شاهد من حديث الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن أنس مرفوعا: " مثل المريض ... ". أخرجه البزار (762) والطبراني في " الأوسط " (رقم - 5299) . لكن الموقري متهم. ويشهد للحديث ما عند البزار (رقم - 765 ) عن عثمان بن مخلد حدثنا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة مرفوعا بلفظ: " الحمى حظ كل مؤمن من النار ". وقال: " لا نعلم أسنده عن هشيم إلا عثمان ". قلت: عثمان هذا هو ابن مخلد التمار الواسطي أورده ابن أبي حاتم

1822

(3 / 1 / 170) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقد قيل أن ابن حبان ذكره في " الثقات ". وهشيم مدلس وقد عنعنه. ومن ذلك يتبين تساهل المنذري (4 / 155) وإن تبعه الهيثمي (4 / 306) فقالا: " رواه البزار، وإسناده حسن "! ومن الغريب أن الهيثمي قال في مكان آخر على ما نقله المناوي: " فيه عثمان بن مخلد، ولم أجد من ذكره "! وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد قوي، ويزداد قوة بالشواهد الآتية بعده، فهو حديث صحيح، وفضل الله أكبر. 1822 - " الحمى كير من جهنم، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار ". رواه أحمد (5 / 252 و 264) والطحاوي في " المشكل " (3 / 68) وابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (162 / 2) وأبو بكر الشافع في " الفوائد " (91 / 1) وابن عساكر (19 / 39 / 2) عن محمد بن مطرف عن أبي الحصين عن أبي صالح الأشعري عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير أبي الحصين وهو الفلسطيني، قال الذهبي: " تفرد عنه أبو غسان محمد بن مطرف ". ولذلك قال الحافظ ابن حجر: " مجهول ". فقول المنذري (4 / 155) :

1823

" رواه أحمد بإسناد لا بأس به "، فمما لا يخفى ما فيه من التساهل. وقد خالفه إسماعيل بن عبيد الله وهو ابن أبي المهاجر فقال: عن أبي صالح الأشعري عن أبي هريرة أنه عاد مريضا، فقال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تبارك وتعالى يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن في الدنيا لتكون حظه من النار في الآخرة ". وإسناده صحيح، وقد مضى تخريجه (557) . ومما يشهد للحديث ما روى عصمة بن سالم الهنائي أخبرنا أشعث بن جابر عن شهر بن حوشب عن أبي ريحانة مرفوعا بلفظ: " ... وهي نصيب المؤمن من النار ". والباقي مثله. أخرجه البخاري في " التاريخ " ( 4 / 1 / 63) والطحاوي وابن أبي الدنيا في " المرض " (159 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (8 / 64 / 2) . قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله صدوقون، على ضعف في شهر بن حوشب من قبل حفظه، ومن طريقه أخرجه الطبراني أيضا كما في " الترغيب " و " المجمع " ( 4 / 306) . وبالجملة فالحديث صحيح بهذه الطرق، والجملة الأولى منه لها شواهد أخرى في " الصحيحين " وغيرهما. 1823 - " يا ولي الإسلام وأهله، ثبتني به حتى ألقاك ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 653) وعنه الضياء في " المختارة " (ق 150 / 1) بإسناده إلى محمد بن سلمة الحراني وخطاب بن القاسم عن أبي الواصل عبد الحميد بن واصل عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: فذكره، وقال: " قال الطبراني: لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو الواصل ".

1824

قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 18) : " روى عن أنس، وروى عن ابن مسعود، مرسل - وأبي أمية الحبطي. روى عنه عبد الكريم الجزري وشعبة ومحمد بن سلمة وعتاب بن بشير ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 136) ، فهو ثقة لرواية هؤلاء الثقات عنه. ثم قال الضياء: " ورواه أبو يعلى الموصلي عن إسماعيل بن عبد الله بن خالد القرشي عن عباد بن بشير عن عبد الحميد عن أنس. ورواه أبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة عن يحيى بن صالح عن سليمان بن عطاء عن أبي الواصل عن أنس ". قلت: ومن طريق يحيى بن صالح أخرجه السلفي في " الفوائد المنتقاة من أصول سماعات الرئيس أبي عبد الله الثقفي " (2 / 165 / 1) بلفظ: " ... مسكني بالإسلام حتى ألقاك ". وسليمان بن عطاء هذا هذا هو أبو عمرو الجزري ضعيف اتفاقا، ولكن ذلك لا يقدح في ثبوت الحديث بعد أن خرجناه من طريق محمد بن سلمة الحراني وخطاب بن القاسم وكلاهما ثقة، فالعمدة على روايتهما. 1824 - " الحيات مسخ الجن، كما مسخت القردة والخنازير من بني إسرائيل ". أخرجه ابن حبان (1080) والطبراني في " المعجم الكبير " (11946) وابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 290) من طرق عن عبد العزيز بن المختار عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

1825

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أعل بما لا يقدح، فقال ابن أبي حاتم عقبه: " قال أبو زرعة: هذا الحديث موقوف، لا يرفعه إلا عبد العزيز بن المختار، ولا بأس بحديثه ". قلت: وهو ثقة محتج في " الصحيحين ". وقد خالفه من هو مثله أو دونه في الحفظ وهو معمر عن أيوب عن عكرمة به موقوفا. أخرجه الطبراني أيضا (11846) . قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا على كلام يسير في معمر، وزيادة الثقة مقبولة في مثل ما نحن فيه. والله أعلم. وقد أخرج الضياء في " المختارة " (64 / 35 / 2) المرفوع من طريق الطبراني. واعلم أن الحديث لا يعني أن الحيات الموجودة الآن هي من الجن الممسوخ، وإنما يعني أن الجن وقع فيهم مسخ إلى الحيات، كما وقع في اليهود مسخهم قردة وخنازير، ولكنهم لم ينسلوا كما في الحديث الصحيح: " إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك ". وسيأتي تخريجه برقم (2264) إن شاء الله تعالى. 1825 - " الحية فاسقة، والعقرب فاسقة، والفأرة فاسقة، والغراب فاسق ". أخرجه ابن ماجة (3249) وأحمد (6 / 209 و 238) عن المسعودي: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير أن المسعودي كان اختلط.

1826

لكنه لم يتفرد به، فقد أخرجه ابن صاعد في " حديثه " (4 / 294 / 1 - 2) من طريق شريك بن طارق عن فروة بن نوفل الأشجعي قال سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله يقول: فكره . وقد اختلف في إسناده على شريك هذا وساق ابن صاعد أسانيده إليه بذلك. وشريك بن طارق أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 363) ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وله طريق أخرى عن عائشة به نحوه، وشاهدان من حديث أبي هريرة وابن عباس، وهي مخرجة في " إرواء الغليل " (1120) . 1826 - " خالد من سيوف الله عز وجل، نعم فتى العشيرة ". رواه أحمد (4 / 90) وعنه ابن عساكر (5 / 272 / 1) بسنده الصحيح عن عبد الملك بن عمير قال: استعمل عمر بن الخطاب أبا عبيدة بن الجراح على الشام، وعزل خالد بن الوليد، قال: فقال خالد بن الوليد: بعث عليكم أمين هذه الأمة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح "، فقال أبو عبيدة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين إلا أن عبد الله لم يدرك عمر رضي الله عنه فإنه ولد لثلاث سنين بقين من خلافة عثمان رضي الله عنه، لكن للحديث شواهد يتقوى بها، فانظر الحديث (1237) و " المشكاة " (6257) . 1827 - " خذو القرآن من أربعة من ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبى حذيفة ". أخرجه مسلم (7 / 148) والترمذي (2 / 312) وابن سعد (2 / 2 / 108) وأبو

1828

نعيم في " الحلية " (1 / 229) من طريق مسروق عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح " . وهو عند البخاري (2 / 445) ومسلم أيضا وأحمد (2 / 189 و 195) من هذا الوجه بلفظ: " استقرؤا القرآن ... ". وله طريق آخر أخرجه الحاكم (3 / 526 - 527) وصححه من طريق مجاهد عن عبد الله بن عمرو به. وله شاهد أخرجه الحاكم أيضا (3 / 225) من حديث عبد الله بن مسعود. وآخر عند ابن عدي (99 / 2) من حديث ابن عمر. 1828 - " الحياء من الإيمان، وأحيا أمتي عثمان ". رواه ابن عساكر (11 / 97 / 1) عن أبي عبد الملك مروان بن محمد بن خالد العثماني أخبرنا جدي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وأبو عبد الملك هذا لم أجد له ترجمة. وأما جده فهو - والله أعلم عثمان بن خالد بن عمر بن عبد الله بن الوليد بن عثمان بن عفان الأموي المدني. روى عن ابن أبي الزناد وغيره. وعنه ابنه محمد أبو مروان العثماني، قال الحافظ: " متروك الحديث ". وهو من شيوخ ابن ماجة، وقد روى له بإسناده هذا حديثين في فضل عثمان، وأحدهما مخرج في " الضعيفة " (2291) .

1829

والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية ابن عساكر هذه، وبيض له المناوي فلم يتكلم عليه شيء. لكن الحديث صحيح، فإن شطره الأول متفق عليه من حديث ابن عمر، والآخر له شاهد من حديث أنس وغيره، وهو مخرج فيما مضى (1224) . 1829 - " خذوا يا بني أرفدة! حتى تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة ". أخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (102 / 2) والحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (212 - زوائده) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن الشعبي رفعه: " أنه مر على أصحاب الدركلة، فقال: (فذكره) قال: فبينما هم كذلك إذا جاء عمر، فلما رأوه انذعروا ". قلت: وعبد الرحمن بن إسحاق وهو أبو شيبة الواسطي ضعيف، وقد وصله بقية عن عبد الواحد بن زياد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الشعبي عن عائشة نحوه. أخرجه الديلمي (2 / 110) . وبقية مدلس، وقد عنعنه. لكن الحديث صحيح، فقد جاء موصولا من طريق أخرى عنها، عند أحمد (6 / 116 و 233) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: قال لي عروة: إن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة ". وهذا إسناد جيد. وأخرجه الحميدي (259) من طريق يعقوب بن زيد التيمي عنها بلفظ:

1830

" العبوا يا بني أرفدة ... ". ورجاله ثقات إلا أن التيمي هذا لم يذكروا له رواية عن الصحابة، سوى أبي أمامة بن سهل بن حنيف، فإنه معدود في الصحابة، وله رؤية، ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم، فما أظن التيمي سمع منها. ولكن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب. غريب الحديث: (الدركلة) قال ابن الأثير: " يروى بكسر الدال وفتح الراء وسكون الكاف، ويروى بكسر الدال وسكون الراء وكسر الكاف وفتحها، ويروى بالقاف عوض الكاف ، وهي ضرب من لعب الصبيان. قال ابن دريد: أحسبها حبشية. وقيل هو الرقص. (بني أرفدة) هو لقب للحبشة. وقيل هو اسم أبيهم الأقدم يعرفون به. وفاؤه مكسورة، وقد تفتح. 1830 - " خصاء أمتي الصيام ". رواه أحمد (2 / 173) وابن عدي (111 / 2) والبغوي في " شرح السنة " (3 / 1 / 2) عن ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص. أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أختصي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: فذكره، وزاد: " والقيام ". قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة، وقد رويت أحاديث بمعنى حديثه هذا دون ذكر القيام.

فروى ابن سعد (3 / 394) بسند جيد عن ابن شهاب: أن عثمان بن مظعون أراد أن يختصي ويسيح في الأرض، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أليس لك في أسوة حسنة؟ فأنا آتي النساء وآكل اللحم وأصوم وأفطر، إن خصاء أمتي الصيام، وليس من أمتي من خصى أو اختصى ". وأخرج الحسين المروزي في " زوائد الزهد " (1106) من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن سعد بن مسعود قال قال عثمان بن مظعون ... فذكره نحوه دون قوله: " وليس من أمتي ... ". لكن أخرجه ابن المبارك نفسه في " الزهد " (845) من طريق رشدين بن سعد قال: حدثني ابن أنعم به أتم منه. وعبد الرحمن بن أنعم ضعيف لسوء حفظه، ومثله رشدين. ثم أخرج المروزي (1107) وأحمد (3 / 378 و382 - 383) من طريق رجل عن جابر بن عبد الله قال: جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتأذن لي في الخصاء؟ فقال: " صم، وسل الله من فضله " . وإسناده صحيح لولا الرجل الذي لم يسم. وجملة القول أن الحديث بمجموع هذا الطرق صحيح، دون ذكر القيام فإنه منكر. والله أعلم. ويشهد له الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود مرفوعا: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباء فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ".

1831

وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1785) وروي من حديث عثمان وهو مخرج في التعليق على " الأحاديث المختارة " (رقم - 356 - بتحقيقي) . وفي الحديث توجيه نبوي كريم لمعالجة الشبق وعرامة الشهوة في الشباب الذين لا يجدون زواجا، ألا وهو الصيام، فلا يجوز لهم أن يتعاطوا العادة السرية (الاستمناء باليد) . لأنه قاعدة من قيل لهم: * (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) * ولأن الاستمناء في ذاته ليس من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في القرآن الكريم: * (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) *. قالت عائشة رضي الله عنها في تفسيرها: " فمن ابتغى وراء ما زوجه الله، أو ملكه فقد عدا ". أخرجه الحاكم (2 / 393) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. 1831 - " خلق الله يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا، وخلق فرعون في بطن أمه كافرا ". رواه أبو الشيخ في " التاريخ " (ص 128) وابن حيويه في " حديثه " (41 / 2) واللالكائي في " السنة " (130 / 1 - 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 190) عن نصر بن طريف عن قتادة عن أبي حسان عن ناجية بن كعب عن عبد الله مرفوعا. قلت: وهذا سند ضعيف جدا، نصر بن طريف هذا مجمع على ضعفه بل قال يحيى فيه: " من المعروفين بوضع الحديث ". لكنه لم يتفرد به، فقال الطبراني (رقم 10543) : حدثنا أحمد بن داود {المكي} أخبرنا شاذ بن الفياض أخبرنا أبو هلال عن قتادة به.

وروى ابن عدي (304 / 1) واللالكائي من طريق أخرى عن أبي هلال به. وقال ابن عدي: " وأبو هلال في بعض رواياته ما لا يوافقه الثقات عليه، وهو ممن يكتب حديثه ". وابن عدي (18 / 2) عن أيوب بن خوض عن قتادة به، ومن طريق يحيى بن بسطام العبدي حدثنا ابن أخي هشام الدستوائي عن هشام عن قتادة به. وأبو هلال اسمه محمد بن سليم الراسبي وهو صدوق فيه لين. وأيوب بن خوط متروك . ومثله يحيى بن بسطام، فقد قال أبو داود: " تركوا حديثه ". وقد أخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (18 / 43 / 2 و 44 / 1) من طرق عن قتادة به. ثم رواه ( 18 / 44 / 2) من طريق عبد العزيز بن عبد الله عن شعبة عن أبي إسحاق عن ناجيه عن ابن مسعود مرفوعا به. وعبد العزيز بن عبد الله هو ابن وهب القرشي البصري، تكلم فيه ابن عدي، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: يجب أن يعتبر حديثه إذا بين السماع ". وجملة القول: أن هذه الطرق عن قتادة كلها واهية جدا سوى طريق أبي هلال الراسبي، فهي خير منها بكثير وهي في نقدي حسنة وقد نقل المناوي عن الهيثمي أنه قال: " إسناده جيد ". والله أعلم. وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا بلفظ:

1832

" إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم وخلق للنار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ". أخرجه مسلم (8 / 54 - 55) وأبو داود (4713) والنسائي في " الجنائز " وابن ماجة (82) وأحمد (6 / 41 و 208) . (الخلق) : هو التقدير. 1832 - " خمس من حق المسلم على المسلم: رد التحية وإجابة الدعوة وشهود الجنازة وعيادة المريض وتشميت العاطس إذا حمد الله ". أخرجه ابن ماجة (1435) وأحمد (2 / 332) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله رجال الشيخين إلا أنهما أخرجا لمحمد بن عمرو متابعة وقد تابعه الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة به نحوه. أخرجه مسلم (7 / 3) . وأخرجه هو وأحمد (2 / 372 و 412) من طريق ثالثة عن أبي هريرة بلفظ : " حق المسلم على المسلم ست ... ". فذكرهن، إلا أنه قال: " إذا لقيته فسلم عليه " بدل " رد التحية "، وزاد: وإذا استنصحك فانصح له ". وقد مضى مختصرا من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه به. رقم (1800) .

1833

1833 - " خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق من آخر ساعة الجمعة فيما بين العصر إلى الليل ". رواه ابن معين في " التاريخ والعلل " (9 / 1 - المخطوطة ورقم 210 - المطبوعة ) وابن منده في " التوحيد " (25 / 2) من طريق ابن جريج أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: فذكره. ومن هذا الوجه رواه مسلم في " صحيحه " (8 / 127) والثقفي في " الثقفيات " (4 / 29 / 2) والدولابي (1 / 175) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 275 - 276) ونقل تضعيفه عن بعض أئمة الحديث وأن ابن المديني أعله بأنه يرى أن إسماعيل ابن أمية أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى، وهذا عن أيوب بن خالد! ويعني أن إبراهيم هذا متروك. قلت: هذه دعوى عارية عن الدليل إلا مجرد الرأي وبمثله لا ترد رواية إسماعيل ابن أمية، فإنه ثقة ثبت كما قال الحافظ في " التقريب "، لاسيما وقد توبع، فقد رواه أبو يعلى في " مسنده " (288 / 1) من طريق حجاج بن محمد عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع به. لكن لعله سقط شيء من إسناده. وذكره البخاري في ترجمة أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري معلقا عن إسماعيل بن أمية به. وقال : (1 / 1 / 413 - 414) : " وقال بعضهم: عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح "! قلت: وهذا كسابقه، فمن هذا البعض؟ وما حله في الضبط والحفظ حتى يرجح على رواية عبد الله بن رافع؟ ! وقد وثقه النسائي وابن حبان، واحتج به مسلم،

1834

وروى عنه جمع، ويكفي في صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشيء! وليس الحديث بمخالف للقرآن كما يتوهم البعض، فراجع بيان ذلك فيما علقته عليه من " المشكاة " (5735) ثم على " مختصر العلو " للذهبي رقم الحديث (71) وله فيه طريق أخرى عن أبي هريرة فراجعه. ورواية إبراهيم بن أبي يحيى التي أشار إليها البيهقي، قد أخرجها الحاكم في " علوم الحديث " (ص 33) : قال إبراهيم: شبك بيدي صفوان بن سليم قال: شبك بيدي أيوب بن خالد الأنصاري قال: شبك بيدي عبد الله بن رافع قال: شبك بيدي أبو هريرة قال: شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وقال: فذكره. وأشار الحاكم إلى تضعيفه هكذا مسلسلا بالتشبيك، وعلته إبراهيم، فإنه متروك كما تقدم. وأما إعلال الدكتور أحمد محمد نور في تعليقه على " التاريخ " (3 / 52) للحديث بأيوب بن خالد وقوله: فيه لين. فإنما هو تقليد منه لابن حجر في تليينه إياه في " التقريب "، وليس بشيء، فإنه لم يضعفه أحد سوى الأزدي، وهو نفسه لين عند المحدثين، فتنبه. 1834 - " خير الرزق الكفاف ". أخرجه وكيع في " الزهد " (رقم 113 - مخطوطتي) : حدثنا مبارك عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا مرسل ضعيف، مبارك بن فضالة مدلس، وقد عنعنه. لكن قد أخرجه أحمد في " الزهد " أيضا عن زياد بن جبير مرسلا أيضا كما في " الجامع الصغير ". وله شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ:

1835

" خير الذكر الخفي، وخير الرزق ما يكفي ". أخرجه وكيع (رقم 116) وغيره، وصححه ابن حبان (2323) ، وفيه نظر بينته في التعليق على " الترغيب " (3 / 9) . وبالجملة فالحديث حسن عندي بمجموع هذه الطرق، لاسيما وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " متفق عليه. وفي رواية لمسلم " كفافا " وفي ثبوته نظر، كما بينته فيما تقدم تحت الحديث (130) . 1835 - " خياركم خياركم لأهله ". رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 341 / 854) وابن عساكر (15 / 95 / 2) عن إسماعيل بن عياش حدثنا عمر بن رؤبة عن أبي كبشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، وفي عمر هذا ضعف. وله شواهد كثيرة من حديث أبي هريرة وغيره، فانظره فيما تقدم (284) . 1836 - " خير العمل أن تفارق الدنيا ولسانك رطب من ذكر الله ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 111 - 112) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 294 - مخطوطة المكتب) عن إسماعيل بن عياش حدثنا عمرو بن قيس السكوني عن عبد الله بن بسر المازني قال:

" جاء أعرابيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: يا رسول الله! أي الناس خير؟ قال طوبى لمن طال عمره وحسن عمله. وقال الآخر: أي العمل خير؟ قال: أن تفارق ... " الحديث. وقال: " رواه معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس مثله ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. ومتابعة معاوية بن صالح أخرجها أحمد ( 4 / 190) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس به نحوه. وأخرجه ابن حبان (2317) بالشطر الثاني منه، والترمذي بتمامه مفرقا (2 / 52 و 242) . وتابعه أيضا حسان بن نوح عن عمرو بن قيس به. أخرجه أحمد ( 4 / 188) . ومعاوية بن صالح وحسان بن نوح ثقتان أيضا. وللحديث شاهد من رواية معاذ بن جبل رضي الله عنه مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 80 - 81) وابن حبان (2318) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " رقم (2) وكذا البزار (ص 294 - 295) والطبراني في " الكبير " ( 20 / 107 / 212) من طريق ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن جبير بن نفير عن مالك ابن يخامر عنه. قلت: وهذا إسناد حسن. ورواه ابن أبي الدنيا أيضا كما في " الترغيب " (2 / 228) . وقوله: " طوبى لمن طال عمره وحسن عمله ".

1837

أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (1340) من حديث أبي هريرة مرفوعا. وسنده ضعيف. 1837 - " خير الناس أحسنهم خلقا ". رواه الطبراني (رقم 13326) عن أنس بن عياض: أخبرنا نافع بن عبد الله عن فروة ابن قيس عن عبد الله بن عمر قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: أحسنهم خلقا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، فروة بن قيس ونافع بن عبد الله مجهولان. لكن يشهد له حديث ابن عمرو مرفوعا بلفظ: " خياركم أحاسنكم أخلاقا ". أخرجه الشيخان وغيرهما، وقد تقدم (286) . 1838 - " خير النساء التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره ". رواه النسائي (2 / 72) والحاكم (2 / 161) وأحمد (2 / 251 و 432 و 438) عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: " قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: " التي تسره ... " الحديث، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وقال العراقي (2 / 36) : " سنده صحيح ". كذا قالوا، وليس كذلك بل هو حسن فقط كما ذكرنا، فإن ابن عجلان متكلم

فيه خاصة في روايته عن سعيد عن أبي هريرة، وهو في نفسه صدوق كما في " التقريب "، وكذا " الميزان " قال: " وكان من الرفعاء والأئمة أولي الصلاح والتقوى ومن أهل الفتوى، له حلقة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ثم إنه لم يرو له مسلم إلا متابعة، قال الحاكم كما في " الميزان ": " أخرج له مسلم في كتابه ثلاثة عشر حديثا كلها شواهد، وقد تكلم المتأخرون من أئمتنا في سوء حفظه ". قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وقد وجدت له في هذا الحديث متابعا، أخرجه الطيالسي (ص 306 رقم 2325) : حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك. .. " الحديث نحوه، وزاد في آخره: " قال: وتلا هذه الآية: * (الرجال قوامون على النساء) * إلى آخر الآية ". وأبو معشر اسمه نجيح، وهو ضعيف. وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام، قال الهيثمي (4 / 273) : " رواه الطبراني، وفيه زريك بن أبي زريك ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: هو معروف وثقة، فانظر الحديث المقدم (1698) . ومن طريق الطبراني أخرجه الضياء في " المختارة " (58 / 180 / 1) . وله شاهد آخر بلفظ: ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ ... ". وهو طرف من حديث مخرج في " الضعيفة " (1319) وفي " المشكاة " (1781) ، و " ضعيف أبي داود " (293) .

1839

وشاهد آخر بلفظ: " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خير له من زوجة صالحة ... " الحديث. وهو مخرج في الكتاب الآخر برقم (4421) وفي " المشكاة " (3095) . 1839 - " خير أمتي القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، (ثم الذين يلونهم) - والله أعلم أذكر الثالثة أم لا - ثم يخلف قوم يحبون السمانة، يشهدون قبل أن يستشهدوا ". أخرجه مسلم (7 / 184) والطيالسي (ص 332 رقم 2550) وأحمد (2 / 228 و 410 و479) من طريق أبي بشر عن عبد الله بن شفيق عن أبي هريرة مرفوعا. وما بين القوسين زيادة لأحمد في رواية له. وله عنده (2 / 297 و 340) من طريق محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ فقال: " أنا والذين معي، ثم الذين على الأثر، ثم الذين على الأثر ". ثم كأنه رفض من بقي. وهذا سند حسن. وله شاهد من حديث عمران بن حصين وهو: " خير أمتي الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - والله أعلم أذكر الثالث أم لا - ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويخونون ولا يؤتمنون، ويفشو فيهم السمن ".

1840

1840 - " خير أمتي القرن الذين بعثت فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - والله أعلم أذكر الثالث أم لا - ثم يظهر قوم يشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويخونون ولا يؤتمنون، ويفشو فيهم السمن ". أخرجه مسلم (7 / 186) وأبو داود (2 / 265) والطيالسي (ص 114 رقم 852) وأحمد (4 / 426 و 440) عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن عمران بن حصين مرفوعا. وأخرجه الترمذي (2 / 35) أيضا من هذا الوجه وقال: " حسن صحيح ". وله طرق أخرى، فأخرجه البخاري (7 / 4 - 6 و 5 / 197 - 198 و 11 / 491) وكذا مسلم (7 / 185 - 186) والنسائي (2 / 143) والطيالسي (ص 113 رقم 841) وأحمد (4 / 427 و 436) عن شعبة سمعت أبا جمرة حدثني زهدم بن مضرب عن عمران به. وقال بعضهم: " خيركم قرني إلخ ... ". وله طريق أخرى بلفظ: خير الناس. ويأتي إن شاء الله تعالى. وله شاهد بلفظ: " خير أمتي قرني منهم، ثم الذين يلونهم - ولا أدري أذكر الثالث أم لا - ثم تخلف أقوام يظهر فيهم السمن، يهريقون الشهادة ولا يسألونها ". 1841 - " خير أمتي قرني منهم، ثم الذين يلونهم - ولا أدري أذكر الثالث أم لا - ثم تخلف أقوام يظهر فيهم السمن، يهريقون الشهادة ولا يسألونها ". أخرجه أحمد (5 / 350) : حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي نضرة عن عبد الله بن مولة قال: بينما أنا أسير بالأهواز إذا أنا برجل يسير بين يدي على بغل أو بغلة ، فإذا هو يقول: اللهم ذهب قرني من هذه الأمة، فألحقني بهم، فقلت: وأنا فأدخل في دعوتك، قال: وصاحبي هذا إن أراد ذلك. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: وإذا هو بريدة الأسلمي. ثم رواه (5 / 357) من طريق حماد بن سلمة عن الجريري به عن عبد الله بن مولة قال:

1842

كنت أسير مع بريدة الأسلمي فقال: فذكر الحديث المرفوع، إلا أنه قال: " ثم الذين يلونهم. ثلاث مرات ". وفي رواية: " أربع مرات " ولعله سهو من ابن سلمة فقد كان له بعض ذلك. والحديث إسناده كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن مولة بفتحات كما في " التقريب " وفي " الخلاصة ": بضم أوله وفتح الواو واللام، وثقه ابن حبان، وما روى عنه سوى أبي نضرة كما قال الذهبي، فهو مجهول، وفي التقريب: " مقبول ". فالحديث حسن لغيره، فإن له شواهد مما تقدم. وقالت عائشة رضي الله عنها: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: " القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني ثم الثالث ". أخرجه أحمد (6 / 156) : حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن السدي عن عبد الله البهي عنها. وهذا إسناد جيد، وقد أخرجه مسلم (7 / 186) عن حسين بن علي به. ورواه الطبراني عن سعيد بن تميم نحوه وفيه أنه هو السائل، وزاد بعد القرن الثالث: قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: " ثم يكون قوم يحلفون ولا يستحلفون، ويشهدون ولا يستشهدون ويؤتمنون ولا يؤدون ". قال الهيثمي (10 / 19) : " ورجاله ثقات ". 1842 - " خير النكاح أيسره ". رواه أبو داود (2117) وابن حبان (1257 و 1262 و 1281) والقضاعي (100 / 1 - 2) عن محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن يزيد بن أبي أنيسة عن يزيد بن

1843

أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله عن عقبة بن عامر مرفوعا. ورواه الدولابي (1 / 110) : حدثنا محمد بن سلمة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم على شرط مسلم. 1843 - " خير أهل المشرق عبد القيس، أسلم الناس كرها وأسلموا طائعين ". أخرجه ابن حبان (2301) والطبراني رقم (12970) والبزار كما في المجمع (10 / 49) من طريق وهب بن يحيى بن زمام حدثنا محمد بن سواء حدثنا شبيل بن عزرة عن أبي جمرة عن ابن عباس مرفوعا به، ولكن ليس عند الطبراني والبزار الشطر الثاني منه، وقال الهيثمي: " وهب بن يحيى بن زمام لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: لكن للحديث شاهد من رواية أبي القلوص زيد بن علي قال: حدثني أحد الوفد الذين وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد القيس قال: فذكره مرفوعا في قصة. أخرجه أحمد (4 / 206) وإسناده صحيح. وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ". قلت: ورواه أبو يعلى أيضا (4 / 1441) ولكنه أوقفه. فلا أدري أهكذا وقعت الرواية له، أو سقط رفعه من بعض النساخ. قلت: وإسناده حسن وكذلك قال الحافظ العراقي في " محجة القرب في فضل العرب " (ق 49 / 1) بعد ما عزاه للطبراني. وقد أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي أيضا في " المعجم " (85 / 1) مرفوعا مثل الطبراني.

1844

1844 - " خير تمراتكم البرني، يذهب بالداء ولا داء فيه ". روي من حديث بريدة بن الحصيب وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ومزيدة جد هود ابن عبد الله وعلي بن أبي طالب وبعض وفد عبد القيس. 1 - أما حديث بريدة فيرويه أبو بكر الأعين حدثني أبو معمر عبد الله بن عمرو أخبرنا عبد الله بن سكن الرقاشي أخبرنا عقبة الأصم عن ابن بريدة عن أبيه رفعه. أخرجه الروياني في " مسنده " (8 / 2) وابن عدي (301 / 2) والبيهقي في " الشعب " والضياء في " المختارة " كما في " اللآلي " للسيوطي (2 / 242) وقال: " وهو أمثل طرق الحديث ". قلت: كذا قال، وعقبة هو ابن عبد الأصم ضعيف كما قال الذهبي. وقال الحافظ: " ضعيف وربما دلس ". وعبد الله بن السكن أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 76) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من طريق ابن عدي وقال: " عقبة، قال ابن حبان: ينفرد بالمناكير عن المشاهير ". وتعقبه السيوطي بما لا يجدي. 2 - وأما حديث أنس فيرويه عبيد بن واقد عن عثمان بن عبد الله العبدي عن حميد عنه: " أن وفد عبد القيس من أهل (هجر) وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " فذكره. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (291) وأبو نعيم في " الطب " رقم (10 - المنتقى

منه) والحاكم (4 / 203 - 204) وقال العقيلي: " عثمان ابن عبد الله العبدي حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به ". قلت: هو مجهول، وعبيد بن واقد ضعيف، فقول الحاكم: " صحيح الإسناد " غير صحيح ولذلك رده الذهبي بقوله: " قلت: عثمان لا يعرف، والخبر منكر ". 3 - وأما حديث أبي سعيد فيرويه زيد بن الحباب حدثنا سعيد بن سويد السامري: حدثنا خالد بن رباح البصري عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد به. أخرجه الحاكم (4 / 204) ، وسكت عنه هو والذهبي. وإسناده ضعيف عندي، رجاله ثقات غير سعيد بن سويد هذا، أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 29 - 30) من رواية ابن الحباب وحده ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا خلافا لابن حبان فإنه أورده في " الثقات " كما في " اللسان ". وتابعه سويد بن سعيد المعدلي حدثنا خالد بن زياد صاحب السابري عن أبي الصديق به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (7540) وقال: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد. تفرد به عبد القدوس ". كذا قال وعبد القدوس ثقة، وكذا من فوقه إلا سويد بن سعيد فلم أعرفه ولعله سعيد بن سويد المذكور في إسناد الحاكم، انقلب على أحد رواة الطبراني. وأستبعد أن يكون هو سويد بن سعيد الأنباري المترجم في " الجرح " (2 / 1 / 240) لأنه فوق هذه الطبقة، روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم. والله أعلم. 4 - وأما حديث مزيدة فيرويه طالب بن حجير حدثني هود بن عبد الله عن جده مرفوعا به وفيه قصة.

1845

أخرجه الحكيم الترمذي والطبراني والحاكم (4 / 406 - 407) ، وسكت عنه، وكذا الذهبي. قلت: وسنده ضعيف، هود هذا قال في " الميزان ": " لا يكاد يعرف، تفرد عنه طالب بن حجير ". 5 - وأما حديث علي فيرويه عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي عن أبيه عن جده عن علي مرفوعا به. أخرجه ابن عدي وأبو نعيم. وعيسى هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " في حديثه بعض المناكير ". 6 - وأما حديث بعض وفد عبد القيس فيرويه يحيى بن عبد الرحمن العصري قال: حدثنا شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبد القيس وهو يقول: فذكره مرفوعا به نحوه ولفظه: " أما إنه خير تمركم وأنفعه لكم ". وفيه قصة الوفد. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1198) وأحمد (4 / 206 - 207) . قلت: ورجاله ثقات غير العصري هذا، قال الذهبي: " بصري لا يعرف ". وجملة القول أن الحديث صحيح عندي بمجموع شواهده لأن غالبها لم يشتد ضعفها. والله أعلم. 1845 - " خيركم خيركم لأهلي من بعدي ". أخرجه البزار (ص 274 - زوائده) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 294)

والحاكم (3 / 311) من طريقين عن قريش بن أنس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، فحدثني محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن أباه أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة، بيعت بعده بأربعين ألف دينار. والسياق للحاكم وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو حسن فقط لأن محمد بن عمرو فيه كلام من جهة حفظه ولذلك لم يحتج به مسلم وإنما أخرج له متابعة. وقريش بن أنس احتج به الشيخان مع أنه كان اختلط، وذكر البخاري نفسه عن إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد أنه اختلط ست سنين في البيت، ومع ذلك فقد أخرج له في " الصحيح " حديث سمرة في العقيقة من رواية عبد الله بن أبي الأسود عنه، وهو عبد الله بن محمد بن حميد بن الأسود بن أبي الأسود، ثقة حافظ مات سنة (223) ، فكأنه عند البخاري إنما سمعه منه قبل اختلاطه، وهو الذي جزم به الحافظ في شرحه " الفتح " (9 / 487) ، وذكر أن الترمذي أخرجه من طريق علي بن المديني عن ابن أبي الأسود وقال: " فسماع علي بن المديني وأقرانه من قريش كان قبل اختلاطه ". قلت: وعلي بن المديني مات سنة (234) ، ومن الرواة لحديث الترجمة عن قريش ابن أنس يحيى بن معين عند أبي نعيم، وقد مات سنة (233) ، فهو إذن قد سمع منه قبل الاختلاط أيضا، وقد أشار إلى ذلك الحافظ في ترجمة قريش بن أنس من " التهذيب ". والله أعلم. وأما ما روى الخطيب في " التاريخ " (7 / 13) من طريق إدريس بن جعفر العطار حدثنا أبو بدر شجاع بن الوليد حدثنا محمد بن عمرو بلفظ: " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ". فهو منكر من هذا الوجه لأن إدريس هذا قال الدارقطني:

1846

" متروك ". لكنه بهذا اللفظ قد جاء من طرق أخرى عن جمع من الأصحاب رضي الله عنهم، فهو محفوظ أيضا، وقد مضى تخريجه برقم (285) ، فراجعه إن شئت. 1846 - " خياركم إسلاما، أحاسنكم أخلاقا إذا فقهوا ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (285) وأحمد (2 / 467 و 469 و 481) من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال مسلم وأصله في " الصحيحين ". 1847 - " خير يوم تحتجمون فيه سبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين، وما مررت بملأ من الملائكة ليلة أسري بي إلا قالوا: عليك بالحجامة يا محمد! ". أخرجه الترمذي (2 / 5 طبع بولاق) والحاكم (4 / 209 و 210) وأحمد (1 / 354) واللفظ له من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وليس كما قالا، فإن عباد ابن منصور هذا مدلس، قال الذهبي نفسه في " الميزان ": " كل ما روى عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود عن عكرمة ". وساق له أحاديث منها هذا الشطر الثاني منه. وفي " التقريب ": " صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس وتغير بآخره ".

1848

وقال في " الفتح " (10 / 122) : " رواه أحمد والترمذي ورجاله ثقات، لكنه معلول ". فأشار إلى التدليس. وأما قول الترمذي: " هذا حديث حسن "، فلعله من أجل شواهده التي منها بلفظ: " من احتجم لسبع عشرة ... " وقد مضى برقم (622) . والحديث روى الطيالسي (رقم 2666) الشطر الثاني منه. وكذلك ابن ماجة (2 / 352) وسيأتي. والشطر الأول جاء من فعله صلى الله عليه وسلم بهذا الإسناد وغيره بلفظ: " كان يحتجم لسبع عشرة " وقد مضى في الحديث (908 ) . 1848 - " الخال وارث ". رواه القطيعي في " الفوائد المنتقاة " (4 / 2 / 2) من طريق شريك عن الليث عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات غير أن شريكا سيء الحفظ. لكن يشهد له حديث عائشة وغيرها مرفوعا به. أخرجه الترمذي وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " تحت الحديث ( 1700) . 1849 - " خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية، إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم ". أخرجه البيهقي في " السنن " (7 / 82) من طريق أبي صالح عبد الله بن صالح

حدثني موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن أبى أذينة الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات على ضعف في عبد الله بن صالح لكنه قد توبع كما يأتي. وأبو أذينة الصدفي مختلف في صحبته، فقال البغوي: " لا أدري له صحبة أم لا ". وقال ابن السكن: " له صحبة ". قلت: والمثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم. وعلي بن رباح روى عن جمع من الصحابة وسمع منهم، مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان وفضالة بن عبيد وغيرهم. ثم أخرج ابن السكن من طريق محمد بن بكار بن بلال عن موسى بن علي بن رباح به. كما في " الإصابة ". قلت: وهذا متابعة قوية لعبد الله بن صالح من محمد بن بكار فإنه صدوق، فالحديث صحيح، لاسيما وقد قال البيهقي عقبه: " وروي بإسناد صحيح عن سليمان ابن يسار عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا إلى قوله: إذا اتقين الله ". ولطرفه الأول شواهد من حديث أنس وغيره مخرجة في " آداب الزفاف " (ص 16 و 19 ) . وقوله: " المتبرجات هن المنافقات ". له شاهد مرسل قوي وهو مخرج فيما مضى تحت رقم (633) ، وروي موصولا عن ابن مسعود كما بينت هناك.

1850

وطرفه الأخير له شاهد صحيح من حديث عمرو بن العاص مرفوعا نحوه، وهو المخرج بعده. الأعصم: هو أحمر المنقار والرجلين، كما في الحديث الآتي. وهو كناية عن قلة من يدخل الجنة من النساء لأن هذا الوصف في الغربان قليل. 1850 - " لا يدخل الجنة من النساء إلا من كان منهن مثل هذا الغراب في الغربان ". رواه أحمد (4 / 197 و 205) وأبو يعلى (349 / 1) والزيادة له عن حماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة قال: بينا نحن مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة (فإذا نحن بامرأة عليها حبائر لها (¬1) وخواتيم، وقد بسطت يدها على الهودج) ، فقال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشعب إذ قال: انظروا! هل ترون شيئا؟ فقلنا نرى غربانا فيها غراب أعصم أحمر المنقار والرجلين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. ورواه ابن قتيبة في " إصلاح الغلط " (53 / 1 - 2) من هذا الوجه، والحاكم (4 / 602) وابن عساكر (13 / 245 / 1 - 2) . قلت: وهذا سند صحيح، وقول الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". خطأ وافقه الذهبي عليه، فإن أبا جعفر هذا اسمه عمير بن يزيد لم يخرج له مسلم شيئا. 1851 - " الخلافة في قريش والحكم في الأنصار والدعوة في الحبشة والهجرة في المسلمين والمهاجرين بعد ". ¬

(¬1) حبائر، كذا الأصل بالحاء المهملة، وفي التاج: " الجبارة بالكسر، والجبيرة: البارق وهو الدستمند كما سيأتي له في القاف جمع الجبائر ... " وفيه أيضا: " والبارق كهاجر، ضرب من الإسورة. وقال الجوهري: هو الدستبند فارسي معرب ". اهـ.

1852

أخرجه أحمد (4 / 185) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 107 / 1 رقم 1014 - بتحقيقي) وأبو العباس جمح بن القاسم في " جزء من حديثه " (57 / 2) وعلي بن طاهر السلمي في " كتاب الجهاد " (2 / 1 / 2) وأبو الحسن البزار بن مخلد في " الأمالي " وابن عساكر في تاريخ دمشق (8 / 241 / 1) من طريق إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن كثير بن مرة عن عتبة بن عبد مرفوعا. وهذا إسناد شامي حسن وفي بعضهم كلام لا يضر، وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 192) : " رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات ". وقال شيخه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " (ق 19 / 2) بعد أن رواه من طريق أحمد: " حديث صحيح، ورجال إسناده ثقات وإسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين صحيحة، دون روايته عن الحجازيين ". وله شاهد موقوف من حديث أبي هريرة. أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (1024) بسند صحيح عنه بالفقرة الأولى منه. 1852 - " الخلق كلهم يصلون على معلم الخير حتى نينان البحر ". رواه ابن عدي (64 / 1) وعنه الجرجاني (ص 22) والديلمي (2 / 136) عن شاذ ابن فياض حدثنا الحارث بن شبل عن أم النعمان عن عائشة مرفوعا. ذكره في ترجمة الحارث هذا مع أحاديث أخرى، ثم قال: " وهذه الأحاديث غير محفوظة ". قلت: وشاذ بن فياض والحارث بن شبل ضعيفان.

1853

لكن للحديث شاهد قوي من حديث أبي أمامة مرفوعا وصححه الترمذي، فانظر " تخريج الترغيب " (1 / 60) والحديث أخرجه البزار في " مسنده " (133 - كشف الأستار) من طريق محمد بن عبد الملك عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا بلفظ: " معلم الخير يستغفر له كل شيء حتى الحيتان في البحر ". لكن محمد بن عبد الملك هذا قال الهيثمي (1 / 124) : " كذاب ". 1853 - " الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته وعمته ". رواه الطبراني (رقم 11372 و 11498) عن رشدين بن سعد عن أبي صخر عن عبد الكريم أبي أمية عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس رفعه. ورواه في " الأوسط " (3285) عن ابن لهيعة عن عبد الكريم بن أبي أمية به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الكريم أبو أمية ورشدين بن سعد وابن لهيعة ثلاثتهم ضعفاء وأعله الهيثمي بالأول منهم فقط، فقال (5 / 67) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " وفيه عبد الكريم أبو أمية وهو ضعيف ". ثم ذكر له الهيثمي شاهدا (5 / 68) من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا به وزاد : " ترك الصلاة ووقع ... "، وقال:

1854

" رواه الطبراني، وعتاب بن عامر لم أعرفه وابن لهيعة حديثه حسن وفيه ضعف ". قلت: فالحديث حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم. 1854 - " الخمر أم الخبائث ومن شربها لم يقبل الله منه صلاة أربعين يوما، فإن مات وهي في بطنه مات ميتة جاهلية ". رواه الطبراني في " الأوسط " (3810) والواحدي في " الوسيط " (1 / 224) والقضاعي الجملة الأولى منه (6 / 2) عن الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن الوليد بن عبادة قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: فذكره مرفوعا. وكتب بعض المحدثين على هامش " القضاعي "، وأظنه ابن المحب المقدسي: " حسن ". وهو كما قال. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 72) : " رواه الطبراني في " الأوسط " عن شيخه شباب بن صالح ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر ". يشير إلى الحكم بن عبد الرحمن. 1855 - " دعوا الناس فليصب بعضهم من بعض، فإذا استنصح رجل أخاه فلينصح له ". أخرجه أحمد (4 / 259) عن أبي عوانة عن عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، حكيم بن أبي يزيد مجهول لم يوثقه غير ابن حبان ولم يذكروا له راويا غير عطاء. وعطاء بن السائب ثقة ولكنه كان اختلط، وقد اضطرب في إسناده اضطرابا

شديدا. فرواه هكذا. وقال مرة: عن أبيه مرفوعا، لم يقل: " عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن أبي شيبة في " مسنده " (2 / 1 / 2 - نسخة الرباط) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 202) والطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (4 / 83) . ومرة قال: حدثني أبي. مكان " عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم ". رواه أحمد أيضا كما في " المجمع " والطبراني إلا أنه قال: عن أبيه عن جده. وقد ذكر الحافظ في ترجمة أبي يزيد من " الإصابة " هذه الوجوه من الاختلاف وغيرها، ثم قال: " والاضطراب فيه من عطاء بن السائب، فإنه كان اختلط ". قلت: فقول السفاريني في " شرح الثلاثيات " (1 / 162) : " رواه الطبراني بإسناد صحيح "، فهو غير صحيح! نعم الحديث صحيح لغيره، فقد وجدت له شاهدا من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض.... " إلخ. أخرجه البيهقي (5 / 347) بسند ضعيف عنه . لكن الجملة الأولى منه صحيحة عنه أخرجها مسلم وغيره من طريق أخرى عن جابر مرفوعا وهو مخرج في " أحاديث بيوع الموسوعة ". والجملة الأخرى منه لها شاهد من رواية أبي هريرة في آخر حديثه: " حق المسلم على المسلم ست ... وإذا استنصحك فانصح له ... ". أخرجه مسلم وغيره وقد مضى تخريجه تحت رقم (1832) .

1856

1856 - " كتبت نبيا وآدم بين الروح والجسد ". أخرجه أحمد في " المسند " (5 / 59) وفي " السنة " (ص 111) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا منصور بن سعد عن بديل عن عبد الله بن شقيق عن ميسرة الفجر قال: " قلت: يا رسول الله متى كتبت نبيا؟ قال: وآدم ... ". أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 410 بتحقيقي) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 53) من طريق أخرى عن ابن مهدي به إلا أنه وقع في " الحلية ": " كنت ". والأرجح رواية أحمد وابن أبي عاصم. وتابعه إبراهيم بن طهمان عن بديل عن ميسرة بلفظ " الحلية ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 374) وابن سعد (7 / 60) . وتابعه خالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق عن رجل قال: " قلت ... " الحديث. أخرجه ابن أبي عاصم (411) : حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن خالد به. وأخرجه ابن سعد (1 / 148 و 7 / 59) : أخبرنا عفان بن مسلم وعمرو بن عاصم الكلابي قالا: أخبرنا حماد بن سلمة به. إلا أنهما سميا الرجل " ابن أبي الجدعاء "، والأول أقرب إلى الصواب، فقد قال ابن سعد أيضا: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية عن خالد الحذاء به مثل رواية هدبة. فاتفق ابن علية مع حماد بن سلمة في رواية هدبة عنه على عدم تسمية الرجل، فهو المحفوظ عن خالد الحذاء، ويفسر الرجل المبهم برواية بديل المبينة أنه ميسرة الفجر، وإسناده صحيح.

1857

ثم أخرجه ابن سعد من مرسل مطرف بن عبد الله بن الشخير، وسنده حسن، ومن مرسل عامر وهو الشعبي، وإسناده ضعيف. وله شاهد موصول من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 226) . وآخر من حديث العرباض بن سارية، مخرج في الكتاب الآخر (2085) . 1857 - " دحية الكلبي يشبه جبرائيل وعروة بن مسعود الثقفي يشبه عيسى بن مريم وعبد العزى يشبه الدجال ". رواه ابن سعد (4 / 250) بسند صحيح عن عامر الشعبي قال: شبه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة نفر من أمية فقال: فذكره. قلت: والحديث صحيح له شواهد موصولة تقدم ذكر بعضها فيما يتعلق بالفقرتين الأوليين عند الحديث (1111) . وأما الفقرة الأخيرة، فيشهد لها حديث ابن عمر مرفوعا: " بينما أنا نائم رأيتني أطوف بالكعبة، فإذا رجل آدم سبط الشعر، بين رجلين ينطف رأسه ماء أو يهراق رأسه ماء، قلت: من هذا؟ قالوا: هذا ابن مريم ، ثم ذهبت ألتفت، فإذا رجل أحمر جسيم جعد الرأس، أعور العين كأن عينه عنبة طافية، قلت: من هذا؟ قالوا: الدجال، أقرب الناس به شبها ابن قطن ". أخرجه البخاري (2 / 369 و 4 / 358) ومسلم (1 / 108) وأحمد (2 / 22 و 122 و 144 و154) زاد البخاري في رواية: " وابن قطن رجل من بني المصطلق من خزاعة ". وهي عند أحمد في رواية. لكنه جعله من قول ابن شهاب. وهو رواية للبخاري، وزاد: " مات في الجاهلية ".

1858

وابن قطن هذا اسمه عبد العزى كما نقله الحافظ عن الدمياطي. ولم يذكر سنده في ذلك من الرواية. وهذا الحديث المرسل شاهد قوي لذلك. 1858 - " دفن في الطينة التي خلق منها ". رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 304) والخطيب في " الموضح " (2 / 104) عن عبد الله بن عيسى حدثنا يحيى البكاء عن ابن عمر أن حبشيا دفن بالمدينة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، يحيى البكاء وهو ابن مسلم البصري ضعيف. ومثله عبد الله بن عيسى وهو الخراز البصري، وبه وحده أعله الهيثمي (3 / 42) بعد أن عزاه للطبراني في " الكبير ". وله شاهد من حديث عبد الله بن جعفر بن نجيح حدثنا أبي حدثنا أنيس بن أبي يحيى عن أبيه عن أبي سعيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالمدينة فرأى جماعة يحفرون قبرا، فسأل عنه، فقالوا: حبشيا قدم فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا إله إلا الله سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها ". أخرجه البزار (رقم - 842 - كشف الأستار) و (ص - 91 - زوائد ابن حجر) وقال: " لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد وأنيس وأبوه صالحان ". قلت: وعبد الله بن جعفر ضعيف، وأبوه لم أعرفه. وله شاهد آخر من حديث أبي الدرداء نحوه. قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه الأحوص بن حكيم وثقه العجلي وضعفه الجمهور ".

1859

قلت: فالحديث عندي حسن بمجموع طرقه. والله أعلم. 1859 - " دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة، فقلت: لمن أنت؟ قالت: أنا لزيد بن حارثة ". رواه ابن عساكر (6 / 399 / 2) من طريقين عن زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم. والحديث عزاه في " الجامع " للروياني والضياء في " المختارة " عن بريدة. 1860 - " دع داعي اللبن ". أخرجه الدارمي (2 / 88) وابن حبان (1999) والحاكم (3 / 237) وأحمد وابنه في " زوائد المسند " (4 / 76 و 322 و 339) والطبراني في " المعجم الكبير " (8128 - 8131) من طرق عن الأعمش عن يعقوب بن بحير عن ضرار بن الأزور قال: " بعثني أهلي بلقوح (وفي رواية: بلقحة) إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته بها، فأمرني أن أحلبها ثم قال: " فذكره. وزاد أحمد في رواية: " لا تجهدنها ". وهي رواية الحاكم ورواية للطبراني. وخالفهم سفيان الثوري فقال: عن الأعمش عن عبد الله بن سنان عن ضرار بن الأزور به. أخرجه أحمد (4 / 311 و 439) والحاكم أيضا (3 / 260) والطبراني (8127) . قلت: وهو على الوجه الأول ضعيف لأن يعقوب بن بحير قال الذهبي: " لا يعرف، تفرد عنه الأعمش ".

1861

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 264) ! وعلى الوجه الأخر، صحيح لأن عبد الله بن سنان قال ابن معين: ثقة وهو كوفي كما في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 68) روى عن ابن مسعود وسعد بن مسعود، روى عنه غير الأعمش أبو حصين. وفي " ثقات ابن حبان " (3 / 143) : " عبد الله بن سنان: سمعت ابن عباس ... روى عن الحسين بن واقد ". لكن هذا الوجه شاذ. فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 245) : " قال أبي: خالف الثوري الخلق في هذا الحديث، والصحيح الأول ". وذكر نحوه الطبراني. قلت: فقول الحاكم فيه: " صحيح الإسناد "، مما تساهل فيه. لكن رواه ابن شاهين - كما في " الإصابة " - من طريق موسى بن عبد الملك بن عمير عن أبيه عن ضرار بمعناه. وهذه متابعة قوية، فإن عبد الملك بن عمير من رجال الشيخين. لكن ابنه موسى قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 151) عن أبيه: " ضعيف الحديث ". وذكره ابن حبان في " الثقات " كما في " اللسان "، فالحديث بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. ومعنى الحديث: أبق في الضرع قليلا من اللبن، ولا تستوعبه كله، فإن الذي تبقيه فيه يدعو ما وراءه من اللبن فينزله، وإذا استقصى كل ما في الضرع أبطأ دره على حالبه. كذا في " النهاية ". 1861 - " دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين ". رواه الحاكم (4 / 227) وأحمد (2 / 417) وابن عساكر (6 / 97 / 1) عن أبي ثفال عن رباح بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا.

1862

قلت: سكت عنه الحاكم والذهبي، وفيه ضعف، رباح بن عبد الرحمن وأبو ثفال، واسمه ثمامة بن وائل فيهما جهالة، وقال الحافظ في كل منهما: " مقبول ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 18) : " رواه أحمد وفيه أبو ثفال، قال البخاري: فيه نظر ". ثم ذكر له شاهدا من حديث كبيرة بنت سفيان مرفوعا نحوه. رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه محمد بن سليمان بن مسمول، وهو ضعيف. قلت: وهو مختلف فيه، وقد وثقه ابن حبان وابن شاهين، فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى، فالحديث به حسن، والله أعلم. ويشهد له أيضا ما عند الطبراني (رقم - 11201) من طريق حمزة النصيبي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " استوصوا بالمعزى خيرا.... وإن دم الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين ". لكن النصيبي هذا قال الحافظ: " متروك متهم بالوضع ". فلا يستشهد به، وفيما تقدم كفاية. (عفراء) من العفرة: بياض ليس بالناصع. 1862 - " دونك فانتصري ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (558) وابن ماجة (1 / 610 - 611)

1863

وأحمد وابنه (6 / 93) من طريق خالد بن سلمة عن البهي عن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: " ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن، وهي غضبى، ثم قالت: يا رسول الله أحسبك إذا قلبت لك بنية أبي بكر ذريعتيها؟ ثم أقبلت علي، فأعرضت عنها، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم (فذكر الحديث) ، فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها ما ترد علي شيئا، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وكذا قال البوصيري في " زوائده " (ق 125 / 1) ، وذكر أن النسائي أخرجه في " عشرة النساء " وفي " التفسير " من هذا الوجه. (ذريعتيها) قال ابن الأثير: " الزريعة تصغير الذراع، ولحوق الهاء فيها لكونها مؤنثة، ثم ثنتها مصغرة، وأرادت به ساعديها ". 1863 - " الدجال عينه خضراء كالزجاجة، ونعوذ بالله من عذاب القبر ". رواه أحمد (5 / 123 و 124) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 247 و 294 - 495) عن شعبة عن حبيب بن الزبير عن عبد الله بن أبي الهذيل عن عبد الرحمن بن أبزى عن عبد الله بن خباب عن أبي بن كعب مرفوعا به. قلت: وهذا صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير حبيب بن الزبير وهو ثقة. وهذا حديث واحد من عشرات الأحاديث الواردة في الدجال، فالاعتقاد به واجب.

1864

1864 - " ذيل المرأة شبر. قلت: إذن تخرج قدماها؟ قال: فذراع، لا يزدن عليه ". أخرجه الدارمي (2 / 279) والبيهقي (2 / 233) وأحمد (6 / 295 و 309) وأبو يعلى (ق 319 / 1) عن محمد بن إسحاق عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وهذا إسناد رجاله ثقات لولا عنعنة ابن إسحاق لكنه قد توبع، فقال مالك في " الموطأ " (3 / 105) : عن أبي بكر بن نافع عن أبيه نافع مولى ابن عمر به. ومن طريق مالك أخرجه أبو داود (2 / 184) وابن حبان (1451) . وأبو بكر بن نافع ثقة من رجال مسلم فالإسناد صحيح على شرطه، وتابعهما أيوب بن موسى، وهو ابن عمرو بن سعيد بن العاص عن نافع به. أخرجه النسائي (2 / 229 - 300) وأبو يعلى (ق 315 / 1) . وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وخالفهم عبيد الله بن عمر فقال: عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة به. أخرجه أبو داود (2 / 184) والنسائي (2 / 300) وابن ماجة (2 / 373) وأحمد (6 / 315) وأبو يعلى. ورجح الدارمي هذا الوجه، فقال عقب الوجه الأول: " الناس يقولون عن نافع عن سليمان بن يسار "! قلت: إن صح هذا القول، فلا مناص من تصحيح الوجه الأول أيضا لاتفاق

ثلاثة ثقات عليه كما تقدم، فيكون لنافع فيه إسنادان عن أم سلمة. وخالفهم يحيى بن أبي كثير فقال: عن نافع عن أم سلمة به. أخرجه النسائي. وهذا شاذ مخالف لرواية الجماعة. وللحديث طريق أخرى عن أم الحسن عن أم سلمة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم شبر لفاطمة شبرا من نطاقها ". أخرجه الترمذي (3 / 47 - تحفة) وأبو يعلى (ق 315 / 1) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أم الحسن. وقال الترمذي: " ورواه بعضهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة ". قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان، وهو ضعيف. ورواه جمع عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة أو لأم سلمة: ذيلك ذراع ". أخرجه ابن ماجة (2 / 373) وأحمد (2 / 263 و 416) . وخالفه حبيب المعلم فقال: عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن عائشة به. أخرجه ابن ماجة وأحمد (6 / 75 و 123) . وأبو المهزم متروك. وله شاهد من حديث ابن عمر: " أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رخص لهن في الذيل ذراعا، فكن يأتينا فنذرع لهن بالقصب ذراعا ".

1865

أخرجه أبو داود وابن ماجة وأحمد (2 / 18 ) عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عنه. وزيد العمي ضعيف. لكن له طريق أخرى يرويه أيوب عن نافع عن ابن عمر به نحوه. أخرجه النسائي والبيهقي بسند صحيح. 1865 - " الذهب والحرير حلال لإناث أمتي، حرام على ذكورها ". رواه سمويه في " الفوائد " (35 / 1) : حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد حدثنا سعيد بن أبي عروبة حدثني ثابت عن زيد بن ثابت بن زيد بن أرقم قال: حدثتني عمتي أنيسة بنت زيد بن أرقم عن أبيها زيد بن أرقم مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 245) والطبراني في " الكبير " (5125) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 62) وقال: " وهذا يروى بغير هذا الإسناد بأسانيد صالحة ". قلت: ورجاله ثقات غير أنيسة بنت زيد بن أرقم، فلم أعرفها. وثابت بن زيد بن ثابت، روى العقيلي عن عبد الله بن أحمد قال: " سألت أبي عنه؟ فقال: روى عنه ابن أبي عروبة، وحدثنا عنه معتمر، له أحاديث مناكير، قلت: تحدث عنه؟ قال : نعم، قلت: أهو ضعيف؟ قال: أنا أحدث عنه ". وقال ابن حبان: " الغالب على حديثه الوهم لا يحتج به إذا انفرد ".

1866

وبه أعله الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 143) . والحديث صحيح لأن له شواهد يتقوى بها كما أشار إلى ذلك العقيلي في كلامه السابق، وقد خرجتها في " إرواء الغليل " (277) و " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام " (78) . وهو من حيث دلالته ليس على عمومه بل قد دخله التخصيص في بعض أجزائه، فالذهب بالنسبة للنساء حلال إلا أواني الذهب كالفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقا وكذلك الذهب المحلق على الراجح عندنا، عملا بالأدلة الخاصة المحرمة، ودعوى أنها منسوخة مما لا ينهض عليه دليل كما هو مبين في كتابي " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ومن نقل عني خلاف هذا فقد افترى. وكذلك الذهب والحرير محرم على الرجال، إلا لحاجة لحديث عرفجة بن سعد الذي اتخذ أنفا من ذهب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم وحديث عبد الرحمن بن عوف الذي اتخذ قميصا من حرير بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك. 1866 - " رباط يوم في سبيل الله أفضل من قيام رجل وصيامه في أهله شهرا ". رواه أحمد أبو حزم بن يعقوب الحنبلي في " الفروسية " (1 / 8 / 1) : حدثني إبراهيم (يعني ابن عبد الله بن الجنيد الحنبلي) قال حدثنا هشام بن عمار الدمشقي قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور قال: حدثني سعيد بن خالد أنه سمع أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، سعيد بن خالد وهو ابن أبي الطويل قال الحافظ: " منكر الحديث ".

1867

قلت: وبقية رجاله ثقات على ضعف في هشام بن عمار. وقد خالفه عيسى بن يونس الرملي فقال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور بلفظ: " حرس ليلة في سبيل الله أفضل من صيام رجل وقيامه في أهله ألف سنة، السنة ثلاثمائة وستون يوما، واليوم كألف سنة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 176) . ولكنه باللفظ الأول محفوظ له شواهد، منها عن عبد الله بن عمرو مرفوعا به. أخرجه أحمد (2 / 177) عن ابن لهيعة: حدثنا يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عنه. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ. ومنها عن سلمان مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 440) عن محمد بن إسحاق عن جميل بن أبي ميمونة عن (ابن) أبي زكريا الخزاعي عنه، ثم أخرجه (5 / 441) من طريق ابن ثابت بن ثوبان حدثني حسان بن عطية عن عبد الله بن أبي زكريا عن رجل من سلمان. وفي الطريق الأولى عنعنة ابن إسحاق. وجميل بن أبي ميمونة ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 519) برواية الليث بن سعد أيضا عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والطريق الأخرى حسنة لولا الرجل الذي لم يسم ولعله شرحبيل بن السمط، فقد أخرجه مسلم (6 / 51) والطبراني في " الكبير " (6178) من طريقين عنه عن سلمان به. وأخرجه الطبراني (6064 و 6077 و 6134) من طرق أخرى عن سلمان به. 1867 - " لو لبثت في السجن ما لبث يوسف ثم جاء الداعي لأجبته، إذ جاءه الرسول فقال: * (ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي

قطعن أيديهن إن ربي بكيدهن عليم ) * ورحمة الله على لوط إن كان ليأوي إلى ركن شديد، إذ قال لقومه: * (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) *، وما بعث الله من بعده من نبي إلا في ثروة من قومه ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 232) : حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرج الشطر الثاني منه ابن جرير في " تفسيره " (12 / 139) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 136) والحاكم (2 / 561) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". وأقره الذهبي، ومحمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة وأخرجه الترمذي (4 / 129) وتمام (ق 86 / 1 - 2) من طرق أخرى صحيحة عنه بتمامه وحسنه الترمذي. وخالفهم خالد بن عبد الله في لفظ الحديث، فرواه عن محمد بن عمرو بتمامه إلا أنه قال: " رحم الله يوسف لولا الكلمة التي قالها: (اذكرني عند ربك) ما لبث في السجن ما لبث ". أخرجه ابن حبان (1747) : أخبرنا الفضل ابن الحباب الجمحي حدثنا مسدد بن مسرهد حدثنا خالد بن عبد الله به. قال الحافظ ابن كثير في " تاريخه " (1 / 208) : " هذا منكر من هذا الوجه، ومحمد بن عمرو بن علقمة له أشياء يتفرد بها، وفيها نكارة، وهذه اللفظة من أنكرها، وأشدها. والذي في " الصحيحين " يشهد بلفظها " أي بإنكارها.

قلت: ويحتمل عندي أن تكون النكارة من شيخ ابن حبان: الفضل بن الحباب، فإن فيه بعض الكلام، فقد ساق له الحافظ بن حجر في " اللسان " حديثا آخر بلفظ: " من وسع على نفسه وأهله يوم عاشوراء وسع الله عليه سائر سنته ". ورجاله كلهم ثقات، فاستظهر الحافظ أن الغلط فيه من الفضل، وقال: " لعله حدث به بعد احتراق كتبه ". وإنما انصرفت عن نسبة النكارة إلى محمد بن عمرو، لأنه قد رواه عنه محمد بن بشر باللفظ الأول المحفوظ، وابن بشر ثقة حافظ، وكذلك من تابعه عند الترمذي وغيره. وعن نسبتها إلى خالد بن عبد الله وهو الطحان الواسطي لأنه ثقة ثبت. وقد رويت هذه اللفظة من طريق أخرى واهية، أخرجه ابن جرير (12 / 132) فقال: حدثنا ابن وكيع: حدثنا عمرو بن محمد عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " لو لم يقل - يعني يوسف - الكلمة التي قال، ما لبث في السجن طول ما لبث حيث يبتغي الفرج من عند غير الله ". قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (2 / 479) : " وهذا الحديث ضعيف جدا، لأن سفيان بن وكيع ضعيف، وإبراهيم بن يزيد - هو الخوزي - أضعف منه ". ورواها ابن جرير أيضا بسند صحيح عن الحسن وهو البصري مرسلا نحوه. وكذلك رواه أحمد في " الزهد " (ص 80) ، وفي لفظ له: " يرحم الله يوسف لو أنا جاءني الرسول بعد طول السجن لأسرعت الإجابة ".

1868

وسنده صحيح أيضا مرسلا. والحديث أخرجه البخاري (4 / 119 - استانبول) ومسلم (1 / 92 و 7 / 98) وابن ماجة (2 / 490 - 491) وأحمد (2 / 326) وابن جرير من طريق أبي سلمة ابن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة به نحوه وزادا في أوله: " نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: * (رب أرني كيف تحيي الموتى، قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى ولكن ليطمئن قلبي) * ". وروى مسلم من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: " يغفر الله للوط، إنه آوى إلى ركن شديد ". وأخرجه أحمد (2 / 350) من طريق أخرى عن أبي هريرة به إلا أنه قال: " يرحم الله ... ". وأخرجه ابن جرير (12 / 139) من طريق ابن إسحاق عن رجل عن أبي الزناد بلفظ: " يرحم الله يوسف إن كان ذا أناة، لو كنت أنا المحبوس ثم أرسل إلي لخرجت سريعا ، إن كان لحليما ذا أناة ". وهذا إسناد ظاهر الضعف. وقد جاء الحديث من رواية ابن عباس نحوه، وسيأتي برقم (1945) . 1868 - " رمضان تفتح فيه أبواب السماء (وفي رواية: الجنة) ، وتغلق فيه أبواب النيران، ويصفد فيه كل شيطان مريد، وينادي مناد (وفي رواية: ملك) كل ليلة: يا طالب الخير هلم، ويا طالب الشر أمسك ".

1869

أخرجه النسائي (1 / 300) وأحمد (4 / 311 - 312 و 5 / 411) من طرق عن عطاء ابن السائب عن عرفجة قال: " كنت في بيت فيه عتبة بن فرقد، فأردت أن أحدث بحديث، وكان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنه أولى بالحديث مني، فحدث الرجل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في رمضان " فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، فإن عطاء بن السائب وإن كان قد اختلط فإن من رواته عن شعبة، وهو قد روى عنه قبل الاختلاط، ومثله سفيان الثوري، وقد رواه عنه أيضا عند النسائي، لكن جعله من مسند عتبة بن فرقد، وقال النسائي: إنه خطأ. وعرفجة هو ابن عبد الله الثقفي، وقد روى عنه منصور بن المعتمر أيضا وغيره، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال العجلي: " كوفي تابعي ثقة ". والحديث أورده السيوطي من رواية أحمد والبيهقي في " الشعب " بلفظ: " رمضان شهر مبارك ، تفتح فيه.... ". فالظاهر أن هذا لفظ البيهقي، فإن من ذكرنا ليس عندهما " شهر مبارك ". وقد رويت هذه الزيادة من طريق أخرى عن أحمد (2 / 425) والنسائي وغيرهما من طريق أبي قلابة عن أبي هريرة مرفوعا، ورجاله ثقات، لكنه منقطع كما بينه الحافظ المنذري (2 / 69) . وله عنده (2 / 67) شاهد من حديث سلمان رضي الله عنه. رواه ابن خزيمة بسند ضعيف، وآخر (2 / 69) من حديث عبادة بن الصامت، رواه الطبراني بسند فيه من لا يعرف. 1869 - " الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين جزءا من النبوة ".

1870

أخرجه الخطيب في " التاريخ " (5 / 189) من طريقين عن حمزة بن محمد بن العباس حدثنا أحمد بن الوليد حدثنا أبو أحمد الزبيري حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد بن الوليد وهو ابن أبي الوليد أبو بكر الفحام وحمزة بن محمد بن العباس وكلاهما ثقة، كما صرح بذلك الخطيب في ترجمتهما (5 / 188 و 8 / 183) . والحديث عزاه السيوطي لابن النجار فقط! واعلم أنه لا منافاة بين قوله في هذا الحديث: إن الرؤيا الصالحة جزء من خمسة وعشرين، وفي الحديث التالي: " جزء من ستة وأربعين "، وفي حديث ابن عمر: " جزء من سبعين " رواه مسلم (7 / 54) وغيره، فإن هذا الاختلاف راجع إلى الرائي فكلما كان صالحا كانت النسبة أعلى، وقيل غير ذلك، فراجع " شرح مسلم " للإمام النووي. 1870 - " الرؤيا ثلاث، منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 348) وابن ماجة (2 / 450) وابن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 193 / 2) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 46 - 47) وابن حبان (1794) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " - الثاني من السادس منها - (ق 182 / 2) وابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 286) وابن عساكر في " التاريخ " (16 / 243 / 1 و 18 / 173 / 2) والضياء المقدسي في " موافقات هشام بن عمار " (40 / 1 - 2) من طريقين عن يحيى بن حمزة عن يزيد بن عبيدة قال: حدثنا أبو عبيد - هو

1871

مسلم بن مشكم - عن عوف بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وكذا قال البوصيري في " الزوائد " (ق 236 / 1) . وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. وقد مضى (1341) . 1871 - " الربا اثنان وسبعون بابا أدناها مثل إتيان الرجل أمه وإن أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 143 / 1) عن معاوية بن هشام حدثنا عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء بن عازب مرفوعا. وقال: " لا يروى عن البراء إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف، عمر بن راشد قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام، وقد خالفه الفريابي، فرواه عن عمر بن راشد عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن البراء به. هكذا أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 381) وقال: " قال أبي: هو مرسل، لم يدرك يحيى بن إسحاق البراء، ولا أدرك والده البراء ". قلت: وقوله: " يحيى بن إسحاق " يحتمل أن يكون محرفا عن " يحيى عن إسحاق " إن كان معاوية بن هشام حفظه. والله أعلم.

وخالفه عكرمة بن عمار فقال: عن يحيى ابن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به نحوه، دون الشطر الثاني. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (206) عن عبد الله بن زياد اليمامي: حدثني عكرمة بن عمار. وقال: " عبد الله بن زياد قال البخاري: منكر الحديث ". قلت: لكنه لم يتفرد به، فقال العقيلي: " رواه عفيف بن سالم عن عكرمة هكذا " . قلت: وعفيف صدوق كما في " التقريب "، ولعل البيهقي رواه من طريقه، فقد قال المنذري في " الترغيب " (3 / 50) : " رواه البيهقي بإسناد لا بأس به، ثم قال: غريب بهذا الإسناد، وإنما يعرف بعبد الله بن زياد عن عكرمة يعني ابن عمار. قال: وعبد الله بن زياد هذا منكر الحديث ". ثم وجدت له متابعا آخر، فرواه ابن الجارود في " المنتقى " (647) من طريق النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة بن عمار به. والنضر بن محمد وهو أبو محمد الجرشي اليمامي ثقة من رجال الشيخين، فزالت بهذه المتابعة الغرابة وتفرد عبد الله بن زياد، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم، غير أنهم تكلموا في رواية عكرمة هذا عن يحيى بن أبي كثير، وقالوا: إنه مضطرب الحديث عنه. والجملة الأخيرة من الحديث لها شاهد من حديث سعيد بن زيد بلفظ: " أربى الربا شتم الأعراض ". وقد مضى الكلام عليه برقم (1433) . ثم وجدت للحديث شاهدا آخر عن ابن عباس مرفوعا بلفظ:

" الربا نيف وسبعون بابا، أهون باب من الربا مثل من أتى أمه في الإسلام، ودرهم ربا أشد من خمس وثلاثين زنية، وأشد الربا، أو أربى الربا، أو أخبث الربا، انتهاك عرض المسلم، أو انتهاك حرمته ". أورده ابن أبي حاتم (1 / 391 / 1170) من طريق محمد بن رافع النيسابوري عن إبراهيم بن عمر الصنعاني عن النعمان بن الزبير عن طاووس عنه. وقال: " سئل أبو زرعة عنه فقال: هذا حديث منكر ". قلت: ورجاله كلهم ثقات معروفون غير إبراهيم بن عمر الصنعاني وهو أبو إسحاق الصنعاني، قال الحافظ: " مستور ". وللحديث شاهد ثان من حديث ابن مسعود مخرج في " الترغيب " (3 / 50) . وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه صحيح ثابت. ثم وجدت له شاهدا ثالثا عن وهب بن الأسود خال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لي: ألا أنبئك بشيء من الربا ؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: " الربا سبعون بابا، أدنى فجرة منها كاضطجاع الرجل مع أمه ". أخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 207 / 1) من طريق محمد ابن أبي عتاب الأعين حدثني عمرو بن أبي سلمة عن الهيثم بن حميد عن أبي معبد حفص ابن غيلان عن زيد بن أسلم عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، فهو ظاهر الصحة، لكني وجدت الحافظ في " الإصابة " (1 / 45) قد ذكره من رواية ابن منده من طريق محمد بن العباس بن خلف عن عمرو بن أبي سلمة عن صدقة السمين عن أبي معبد به، إلا أنه قال: عن زيد بن

1872

أسلم حدثني وهب بن الأسود بن وهب عن أبيه الأسود بن وهب خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل صدقة السمين - وهو ضعيف - مكان الهيثم بن حميد، وهو ثقة! وأدخل بين زيد بن أسلم ووهب بن الأسود ابنه، وقلبه، فقال: وهب بن الأسود ابن وهب عن أبيه الأسود ابن وهب! ورواه ابن قانع في " معجمه "، قال الحافظ: " من طريق أبي بكر الأعين عن عمرو بن أبي سلمة، فقال: عن وهب بن الأسود خال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: عن أبيه، وأدخل بين صدقة وزيد الحكم الأيلي، والحكم وصدقة ضعيفان ". قلت: فتبين أن هذا الإسناد ضعيف مضطرب، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد به. والله أعلم. 1872 - " الرعد ملك من الملائكة موكل بالسحاب، (بيديه أو في يده مخراق من نار يزجر به السحاب) والصوت الذي يسمع منه زجره السحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمره ". أخرجه الترمذي (4 / 129) وأحمد (1 / 274) وأبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 123 / 1 - 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 12429) وابن بشران في " الآمالي " (24 / 27 / 2) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (ق 206 - 207) عن عبد الله بن الوليد العجلي عن بكير بن شهاب ( {الكوفي} وليس بالدامغاني) عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أقبلت يهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم! نسألك عن أشياء إن أجبتنا فيها اتبعناك وصدقناك وآمنا بك. قال: فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على نفسه، قالوا: (الله على ما نقول وكيل) . قالوا: أخبرنا عن علامة النبي . قال: " تنام عيناه ولا ينام قلبه ". قالوا: فأخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف تذكر؟ قال:

" يلتقي الماءان، فإن علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت وإن علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت ". قالوا: صدقت، فأخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال: فذكره. وما بين المعكوفتين زيادة عند الضياء في رواية له، وكذلك رواه ابن منده في " التوحيد " (ق 21 - 22) وقال: " هذا إسناد متصل ورواته مشاهير ثقات أخرجه النسائي ". قلت: يعني في " سننه الكبرى " كما صرح الحافظ المزي في " التحفة " (4 / 394) . وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". وقال أبو نعيم: " غريب من حديث سعيد، تفرد به بكير ". قلت: وهو صدوق كما قال الذهبي في " الميزان " ولعل مستنده في ذلك قول أبي حاتم فيه: " شيخ ". مع ذكر ابن حبان له في " الثقات "، وتصحيح من صحح حديثه هذا ممن ذكرنا. وأما الحافظ فقال في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة، ولم يتابع عليه كما صرح بذلك أبو نعيم في قوله السابق، فالحديث من رأي الحافظ لين والأرجح أنه صحيح كما ذهب إليه الجماعة، لاسيما وقد ذكر له الحافظ شاهدا في " تخريج الكشاف " (ص 91) من رواية الطبراني في " الأوسط " عن أبي عمران الكوفي عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن خزيمة بن ثابت - وليس بالأنصاري - سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرعد؟ فقال: " هو ملك بيده مخراق، إذا رفع برق، وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت ".

1873

قلت: ولم يتكلم عليه الحافظ بشيء، وأبو عمران الكوفي لم أعرفه وفي الرواة المعروفين بهذه الكنية إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه، ولكنه متقدم على هذا، والله أعلم. وقد روى الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 85) من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس قال: " الرعد ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الإبل بحدائه ". وشهر ضعيف لسوء حفظه. وجملة القول أن الحديث عندي حسن على أقل الدرجات. وفي الباب آثار أخرى كثيرة، أوردها السيوطي في " الدر المنثور "، فليراجعها من شاء. 1873 - " لا تصحب الملائكة ركبا معهم جلجل ". أخرجه النسائي (2 / 291) وأحمد (2 / 27) من طرق عن نافع بن عمر الجمحي عن أبي بكر بن موسى قال: كنت مع سالم بن عبد الله بن عمر، فمرت رفقة لأم البنين فيها أجراس، فحدث سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (فذكره) ، فكم ترى في هؤلاء من جلجل؟ ! ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر بن موسى واسمه بكير بن موسى وهو أبو بكر بن أبي شيخ، وهو في عداد المجهولين، لم يرو عنه غير نافع بن عمر هذا ولم يوثقه أحد. وله طريق أخرى يرويه عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر به نحوه.

1874

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (8095) . وعاصم هذا ضعيف. والحديث ذكره السيوطي بلفظ: " الركب الذي معهم الجلجل لا تصحبهم الملائكة ". وقال: " رواه الحاكم في " الكنى " عن ابن عمر ". وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم (6 / 163) وأبو داود (2555) وأحمد (2 / 263 و 311 و 327 و 343 و 392 و 444 و 476 و 537) والدارمي (2 / 289) وأصحاب السنن من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه. وأحمد (2 / 385 و 414 ) من طريق قتادة عن زرارة بن أوفى عنه. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وشاهد آخر من حديث أم حبيبة مرفوعا. أخرجه أبو داود (2554) والدارمي وأحمد (6 / 326 و 327 و 426 و 427) وابن حبان (1491 و 1492) والطبراني في " الأوسط " (7185) . (الجلجل) : الجرس الصغير الذي يعلق في أعناق الدواب وغيرها. 1874 - " الريح تبعث عذابا لقوم، ورحمة لآخرين ". الديلمي (2 / 179) من طريق الحاكم عن الحسن بن الحسين بن منصور حدثنا حامد بن أبي حامد المقريء حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عامر بن واثلة عن عمر بن الخطاب مرفوعا. قلت: ابن منصور هذا لم أعرفه.

1875

وحامد بن أبي حامد المقريء لم أعرفه أيضا إلا أنه يحتمل أنه حامد بن يحيى بن هانىء البلخي أبو عبد الله نزيل طرسوس، من شيوخ أبي داود في " سننه "، فقد ذكروا في ترجمته أنه روى عن سفيان بن عيينة، فإن كان هو هذا، فثقة. ويشهد للحديث حديث أبي هريرة مرفوعا: " الريح من روح الله تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب ... " الحديث. وهو مخرج في " المشكاة " (1516) وغيره. 1875 - " الزبيب والتمر هو الخمر (يعني إذا انتبذا جميعا) ". أخرجه النسائي (2 / 323) من طريق الأعمش عن محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ونقله المناوي عنه ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكن أشار النسائي إلى أن الأعمش قد خولف في رفعه ولفظه، فأخرجه من طريق شعبة عن محارب به موقوفا بلفظ: " البسر والتمر خمر " . وتابعه سفيان عن محارب به. فلعل محاربا كان يرويه تارة بذاك اللفظ ويرفعه وتارة بهذا ويوقفه، والله أعلم. ويؤيده أن قيس بن الربيع رواه عن محارب ابن دثار مرفوعا بلفظ شعبة. أخرجه الطبراني في " الكبير " (1761) . وفي معناه أحاديث أخرى تشهد له. والحديث أخرجه الحاكم أيضا (4 / 141) من الطريق الأولى وزاد:

1876

" يعني إذا انتبذا جميعا ". وقال: " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي. 1876 - " هون عليك، فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 23) : أخبرنا يزيد بن هارون وعبد الله ابن نمير قالا: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم: " أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام بين يديه، فأخذه من الرعدة أفكل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل. وقد وصله جعفر بن عون حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي مسعود قال: فذكره. أخرجه ابن ماجة (3312) ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 15 / 2) والحاكم (3 / 47 - 48) عن إسماعيل بن أسد عنه وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: إسماعيل بن أسد لم يخرج له الشيخان، وهو ثقة. لكن المرسل أصح. وخالفهم عباد بن العوام فقال: عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: فذكره، وزاد في آخره: " في هذه البطحاء، قال: ثم تلا جرير بن عبد الله البجلي: * (وما أنت عليهم بجبار، فذكر بالقرآن من يخاف وعيد) * ".

أخرجه الحاكم (2 / 466) وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات كلهم حفاظ غير محمد بن عبد الرحمن القرشي الهروي راويه عن سعيد بن منصور، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 326 - 327) : " كتبت عنه وهو صدوق، روى عنه علي بن الحسن بن الجنيد، حافظ حديث مالك والزهري ". قلت: وهو الذي روى عنه هذا الحديث. والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 20) من حديث جرير وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه من لم أعرفهم ". قلت: فالظاهر أنه عنده من غير طريق الحاكم المعروفة رجالها. ثم تأكدت مما استظهرته حين تيسر لي الرجوع إلى " أوسط الطبراني "، فرأيته فيه (1270 - بترقيمي) من طريق محمد بن كعب الحمصي قال: أخبرنا شقران قال: أخبرنا عيسى ابن يونس عن إسماعيل بن أبي خالد به مثل رواية الحاكم دون الزيادة. وقال الطبراني: " لم يروه عن إسماعيل إلا عيسى، تفرد به شقران ". كذا قال: ورواية الحاكم ترده، وشقران لم أعرفه، وكذا محمد بن كعب الحمصي. وعلى كل حال، فهذه المتابعة لعباد بن العوام لا بأس بها. والله أعلم. (القديد) : اللحم المملوح المجفف في الشمس. (أفكل) : أي رعدة، وهي تكون من البرد والخوف، ولا يبنى منه فعل كما في " النهاية ". فالرعدة التي قبلها كأنها بمعنى الخوف. والله أعلم.

1877

1877 - " الزبير ابن عمتي وحواري من أمتي ". أخرجه أحمد (3 / 314) : حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. لكن خالفه حماد بن زيد فقال أحمد (4 / 4) : حدثنا يونس قال: حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل نبي حواري وحواري الزبير وابن عمتي ". وخالفه سليمان بن حرب فقال: حدثنا حماد بن زيد به إلا أنه مرسل ليس فيه ابن الزبير. أخرجه أحمد. وتابعه يحيى ووكيع عن هشام بن عروة مرسلا. أخرجه أحمد أيضا: وخالفهم جميعا يونس بن بكير حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام مرفوعا بلفظ: " إن لكل نبي حواري، وإن حواري الزبير ". أخرجه الحاكم (3 / 362) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر، فإن يونس بن بكير لم يحتج به البخاري وإنما أخرج له تعليقا وفي " التقريب ": " يخطىء ".

1878

ولذلك فروايته هذه شاذة إن لم نقل منكرة لمخالفته الثقات. والراجح من الوجوه المتقدمة - فيما يبدو لنا - إنما هو الوجه الأول لأن هشام بن عروة ثقة، وقد تابعه عند البخاري في " المناقب " عبد العزيز بن أبي سلمة. وفي " الجهاد " و " المغازي " سفيان الثوري كلاهما عن محمد بن المنكدر به. وأخرجه أحمد أيضا عنهما (3 / 338 و 365) . وتابعهما عند أحمد (3 / 307) سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر به. وتابعه عنده (3 / 314) وهب بن كيسان قال: أشهد على جابر بن عبد الله لحدثني. فذكره مرفوعا به. وفي كل هذه الطرق ليس فيها " ابن عمتي " إلا في الطريق الأولى والثانية، فهي صحيحة أيضا. وتابعه عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بلفظ الطريق الثانية دون: " ابن عمتي ". أخرجه الطبراني (227) . ثم أخرج له ( 228 و 243) شاهدا من حديث علي مثله. 1878 - " سباب المؤمن كالمشرف على هلكة ". أخرجه البزار (ص 246) عن يحيى بن سليمان حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: سمعت الأعمش والعلاء بن المسيب يحدثنان عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله ابن عمرو رفعه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري إلا أنهم تكلموا في حفظ ابن سليمان، قال الذهبي: " وعنه البخاري وجماعة، وثقه بعض الحفاظ، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن حبان: ربما أغرب ".

1879

وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". والحديث أورده في " الترغيب " (3 / 285) وقال: " رواه البزار بإسناد جيد ". وقال الهيثمي (8 / 73) : " رواه البزار، ورجاله ثقات ". قلت: ولفظه عندهما كما نقلته عن (زوائد البزار لابن حجر) : " سباب " ولكن السيوطي أورده من رواية البزار أيضا في " الجامعين " بلفظ: " ساب ". وبهذا اللفظ أيضا أورده في " الصغير "، لكنه قال: " الموتى " بدل " المؤمن ". وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " عن ابن عمرو ". والله أعلم بحال إسناده، فإن الهيثمي لم يورده في " مجمعه "، ولا عزاه إلا البزار باللفظ الأول. 1879 - " سألت الله عز وجل الشفاعة لأمتي. فقال لي: لك سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب. فقلت: يا الله زدني، فقال: فإن لك هكذا، فحثا بين يديه وعن يمينه وعن شماله ". رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (12 / 166 / 2) : حدثنا عاصم حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد على شرط البخاري، وعاصم هو ابن علي بن عاصم الواسطي، وفيه كلام لا يضر، قال الحافظ:

1880

" صدوق ربما وهم ". وتابعه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن سعيد بن أبي سعيد به إلا أنه قال: " فحثى بين يديه وعن يمينه وعن شماله ". أخرجه الآجري في " الشريعة " (ص 343) . لكن ابن أبي فروة هذا متروك. وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا نحوه مخرج في " المشكاة " (5556) . 1880 - " سألت جبريل صلى الله عليه وسلم: أى الأجلين قضى موسى عليه السلام؟ قال: أكملهما وأتمهما ". رواه أبو يعلى (2 / 634) وابن جرير (20 / 44) والحاكم (2 / 407) وابن عساكر (17 / 158 / 1) عن إبراهيم بن يحيى بن أبي يعقوب عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: إبراهيم لا يعرف ". قلت: وسقط هذا الرجل من إسناد أبي يعلى وروايته، فجرى على ظاهره الهيثمي فقال في " مجمعه " (7 / 87) : " رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير الحكم ابن أبان وهو ثقة، ورواه البزار ". قلت: وهو عندهم جميعا من طريق سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن يحيى إلا

1881

البزار فقد قال: إبراهيم بن أعين، وإسناده هكذا (ص 218 - زوائده) : حدثنا أحمد ابن أبان القرشي حدثنا سفيان حدثنا إبراهيم بن أعين عن الحكم بن أبان ... وأحمد بن أبان هذا لم أجد من ترجمه، فروايته منكرة لمخالفته الثقات. على أن إبراهيم بن أعين ضعيف أيضا. وقد تابعه حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان به. أخرجه الحاكم، ورده الذهبي بقوله: " قلت: حفص واه ". لكن الحديث رواه البزار من حديث أبي ذر أيضا وعتبة بن الندر، وابن جرير من مرسل محمد بن كعب القرظي ومجاهد. فهذه طرق متعاضدة كما قال ابن كثير في " تفسيره " (6 / 335 ) ، فالحديث بها قوي، وقد رواه ابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس موقوفا، فهو مما يقوي المرفوع لأنه في حكمه. والله أعلم. 1881 - " سألت ربي اللاهين، فأعطانيهم. قلت: وما اللاهون؟ قال: ذراري البشر ". رواه المخلص (9 / 23 - 24) عن أحمد بن يوسف التغلبي قال: حدثنا صفوان بن صالح حدثنا الوليد حدثنا عبد الرحمن بن حسان الكتاني حدثنا محمد بن المنكدر عن أنس مرفوعا. ومن طريق المخلص رواه الضياء في " المختارة " (224 / 1) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات لكن الوليد وهو ابن مسلم وصفوان كانا يدلسان تدليس التسوية، ويأتي قريبا أن بين ابن المنكدر وأنس ضعيفا، فكأنه أسقطه أحدهما.

وتابعه ابن سمعان عن ابن المنكدر عند تمام في " فوائده " (163 / 1 مجموع 27) وابن بشران في " الأمالي " (28 / 121 / 2) وابن لال في " حديثه " (117 / 1) . وتابعه عبد الله بن زياد المدني عند أبي سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (79 / 1) : أخبرنا عبد الحميد الحماني عنه به. لكن بين ابن المنكدر وأنس يزيد الرقاشي كما رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (12 / 171 / 1) وأبو يعلى (3 / 1014) : حدثني صالح (يعني ابن مالك) حدثنا عبد العزيز (يعني ابن عبد الله) عن محمد بن المنكدر حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس به. تابعه عند أبي يعلى حجين بن المثنى أخبرنا عبد العزيز يعني الماجشون به. وأخرجه ابن عساكر (18 / 112 / 2) . قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير الرقاشي فهو ضعيف. ورواه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 901) وابن عدي (233 / 2) عن عبد الرحمن بن المتوكل أخبرنا فضيل بن سليمان حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن أنس مرفوعا وقال: " وهذا لا يرويه إلا فضيل بن سليمان بهذا الإسناد عن عبد الرحمن بن إسحاق ". قلت: وهو صدوق له خطأ كثير كما في " التقريب " وأخرج له مسلم في " صحيحه ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 219) : " رواه أبو يعلى من طرق، ورجال أحدها رجال الصحيح غير عبد الرحمن بن المتوكل وهو ثقة ". قلت: ولم أره في شيء من المصادر التي تحت يدي ويغلب على الظن أنه في

1882

" ثقات ابن حبان "، والنسخة الموجودة منه في " الظاهرية " لا يوجد منها إلا مجلد التابعين وأتباعهم. وقد خالفه عمرو بن مالك البصري فقال: أخبرنا الفضيل بن سليمان أخبرنا عبد الرحمن بن إسحاق القرشي عن محمد بن المنكدر عن أنس به. أخرجه أبو يعلى (3 / 918) . وعمرو هذا وهو الراسبي ضعيف كما في " التقريب " . وجملة القول أن الحديث حسن عندي بمجموع طرقه. والله أعلم. والمراد بـ ( اللاهين) الأطفال كما في حديث لابن عباس عند الطبراني (11906) بسند حسن. فالحديث من الأدلة على أن أطفال الكفار في الجنة، وهذا هو الراجح كما ذكرنا في " ظلال الجنة " (1 / 95) فراجعه. 1882 - " سبقكن يتامى بدر، ولكن سأدلكن على ما هو خير لكن من ذلك، تكبرن الله على إثر كل صلاة ثلاثا وثلاثين تكبيرة وثلاثا وثلاثين تسبيحة وثلاثا وثلاثين تحميدة ولا إله إلا الله وحده لا شريك (له) ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ". أخرجه أبو داود (رقم - 2987 و 5066 - حمص) من طريق الفضل بن الحسن الضمري أن أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير بن عبد المطلب حدثته عن إحداهما أنها قالت: " أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سبيا، فذهبت أنا وأختي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكونا إليه ما نحن فيه وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات غير الفضل بن الحسن الضمري، فقد وثقه ابن حبان وحده (1 / 214) لكن روى عنه جماعة من الثقات مع تابعيته، فالنفس تطمئن للاحتجاج بحديثه.

1883

1883 - " ست من أشراط الساعة: موتى وفتح بيت المقدس وموت يأخذ في الناس كقعاص الغنم وفتنة يدخل حرها بيت كل مسلم وأن يعطى الرجل ألف دينار فيتسخطها وأن تغدر الروم فيسيرون في ثمانين بندا تحت كل بند اثنا عشر ألفا ". أخرجه أحمد (5 / 228) وعنه الضياء المقدسي في " فضائل الشام " (2 / 44 / 2 ) عن النهاس بن قهم حدثني شداد أبو عمار عن معاذ بن جبل مرفوعا. قلت: وهذا ضعيف منقطع أبو عمار لم يسمع من معاذ، فقد ذكروا أنه لم يسمع من عوف بن مالك وقد توفي سنة (73) ، أما معاذ فقديم الوفاة، فإنه مات سنة (18 ) . والنهاس بن قهم ضعيف. لكن للحديث شاهد من حديث عوف بن مالك مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري والضياء عن أبي إدريس الخولاني عنه. والحاكم (3 / 546) من طريق أخرى عنه. وهو مخرج في " فضائل الشام للربعي " رقم (23) وغيره. ثم وجدت له طريقا ثالثا عند الحاكم (4 / 422 - 423) وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي. 1884 - " ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجد الكعبة. قلنا: ونحن على ديننا اليوم، قال: وأنتم على دينكم اليوم، قلنا: فنحن يومئذ خير أم اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير ". أخرجه البزار (ص 330 - زوائده) : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أحمد عن عبد الجبار بن العباس عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال:

1885

" خبر غريب صحيح ". قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الجبار بن العباس وهو صدوق يتشيع كما في " التقريب ". 1885 - " ستكون معادن يحضرها شرار الناس ". أخرجه أحمد (5 / 430) عن رجل من بني سليم عن جده " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بفضة فقال: هذه من معدن لنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل، فإنه لم يسم. وللحديث شاهد يرويه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1520) : حدثنا عمرو بن الضحاك أنبأنا أبي أنبأنا عبد الحميد بن جعفر قال: سمعت أبا الجهم القواس يحدث أبي - وكان رجلا فارسيا يقال (كذا، ولعله ثقيل) اللسان وكان من أصحاب أبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يقول: " يظهر معدن في أرض بني سليم يقال له: فرعون أو فرعان - وذلك بلسان أبي الجهم - قريب من السوا (!) يخرج إليه شرار الناس، أو يحشر إليه شرار الناس ". قلت: ورجاله ثقات معروفون غير أبي الجهم القواس كذا الأصل بالإهمال ولعله ( القواس) نسبة إلى عمله القسي أو بيعها، ولم أعرفه وفي طبقته سليمان بن الجهم بن أبي الجهم الأنصاري الحارثي أبو الجهم الجوزجاني مولى البراء بن عازب ، روى عنه وعن أبي مسعود البدري وعن أبي زيد صاحب أبي هريرة وهو ثقة، فلعله هو. ويشكل عليه أنهم لم يذكروا له رواية عن أبي هريرة وإنما عن أبي زيد صاحب أبي هريرة كما رأيت مع أن في هذا الإسناد أنه هو نفسه كان من أصحاب أبي هريرة. فالله أعلم.

1886

والحديث قال الهيثمي (3 / 78) : " رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات ". وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات وهو مخرج في " الروض النضير " (506) . وجملة القول أن الحديث صحيح بشاهديه المذكورين. (المعادن) المواضع التي تستخرج منها جواهر الأرض، كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك، وأحدها: معدن. كذا في النهاية. قلت: ومما لا شك فيه أن شرار الناس إنما هم الكفار، فهو يشير إلى ما ابتلي به المسلمون اليوم من جلبهم للأوربيين والأمريكان إلى بلادهم العربية لاستخراج معادنها وخيراتها. والله المستعان. 1886 - " سيخرج قوم من أمتي يشربون القرآن كشربهم الماء ". رواه الفريابي في " فضائل القرآن " (187 / 2) : حدثني ميمون بن الأصبغ حدثنا ابن أبي مريم أخبرنا نافع بن يزيد أخبرني بكر بن عمرو أنه سمع مشرح بن هاعان يقول: سمعت عقبة يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير مشرح بن هاعان، قال ابن معين: " ثقة ". وقال ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس ". وتناقض فيه ابن حبان فأورده في " الثقات "، ثم أورده في " الضعفاء "! فهو حسن الحديث.

1887

وميمون بن الأصبغ روى عنه جماعة منهم النسائي وأبو حاتم وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال الهيثمي (6 / 229) : " رواه الطبراني ورجاله ثقات ". وأخرجه الروياني في " مسنده " (10 / 59 / 1) : أخبرنا أبو بكر أخبرنا سعيد ابن أبي مريم به إلا أنه قال: " شعيب بن زرعة " بدل مشرح بن هاعان. فلعل بكر ابن عمرو سمعه منهما كليهما، فكان يرويه تارة عن هذا، وتارة عن هذا. وشعيب ابن زرعة أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 346) من رواية أبي قبيل أيضا عنه. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. 1887 - " سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ". أخرجه ابن ماجة (4042) والحاكم (4 / 465، 512) وأحمد (2 / 291) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 30) من طريق عبد الملك بن قدامة الجمحي عن إسحاق بن أبي الفرات عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. كذا قالا وهو عجب، سيما من الذهبي، فإنه أورد ابن قدامة هذا في " الميزان " ، ونقل تضعيفه عن جمع، وقال في " الضعفاء ": " قال أبو حاتم وغيره: ليس بالقوي ".

1888

وإسحاق بن أبي الفرات قال الحافظ: " مجهول ". لكن للحديث طريق أخرى يتقوى بها يرويه فليح عن سعيد بن عبيد بن السباق عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ : " قبل الساعة سنون خداعة ... " الحديث دون قوله: " وما الرويبضة ... ". أخرجه أحمد (2 / 338) . قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن السباق، وهو ثقة. لكن فليح وهو ابن سليمان الخزاعي فيه كلام من قبل حفظه، حتى قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا ". فالحديث بمجموع الطريقين حسن. وله شاهد يزداد به قوة يرويه محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " إن أمام الدجال سنين خداعة ... " الحديث مثله إلا أنه قال: " الفويسق يتكلم في أمر العامة ". أخرجه أحمد (3 / 220) . ورجاله ثقات لولا عنعنة ابن إسحاق. 1888 - " سيتصدقون ويجاهدون إذا أسلموا. يعني ثقيفا ". أخرجه أحمد (3 / 341) عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرا عن شأن ثقيف إذ بايعت؟ فقال:

1889

" اشترطت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد ". وبهذا الإسناد عن أبي الزبير قال: وأخبرني جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا إسناد قوي وإن كان فيه ابن لهيعة فهو ثقة في نفسه وقد أمنا سوء حفظه بمجيء الحديث من طريق غيره، فأخرجه أبو داود (2 / 42) قال: حدثنا الحسن بن الصباح حدثنا إسماعيل يعني ابن عبد الكريم حدثني إبراهيم يعني ابن عقيل بن منبه عن أبيه عن وهب قال: سألت جابرا. .. الحديث مثله إلا أنه جعل الحديثين حديثا واحدا وهو الظاهر وقال في الثاني : وأنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يقول: " سيتصدقون ... " الحديث . وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. 1889 - " سجدتا السهو تجزي في الصلاة من كل زيادة ونقصان ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (218 / 1) : حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم حدثنا حكيم بن نافع عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير حكيم بن نافع، والظاهر أنه الرقي، قال الذهبي: " يروي عن صغار التابعين، قال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال ابن معين: ليس به بأس. وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه ... ". ثم رواه أبو يعلى (223 / 1) من طريق حفص بن بشر الأسدي قال: حدثني حكيم بن نافع به. ثم رأيته في " مسند البزار " (رقم - 574) من طريق محمد بن بكار حدثنا حكيم ابن نافع به. وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 151) :

1890

" حكيم ضعفه أبو زرعة، ووثقه غيره ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7296 ) وابن عدي (69 / 2) وقالا: " لم يروه عن هشام إلا حكيم ". زاد ابن عدي: " وروي عن أبي جعفر الرازي عن هشام بن عروة، ويقال: إن أبا جعفر هو كنية حكيم بن نافع، فكأن الحديث رجع إلى أنه لم يروه عن هشام غير حكيم ". ثم ساقه هو ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 2 / 1) وعنه الخطيب في " تاريخه " (10 / 80) وابن أبي شريح الأنصاري في " جزء بيبي " (169 / 2 ) عن المنجوري: علي بن محمد الحنظلي عن أبي جعفر الرازي به. قلت: والمنجوري هذا قال الخليلي: " ثقة يخالف في بعض حديثه ". وضعفه الدارقطني. وأبو جعفر الرازي سيء الحفظ. قلت: فإن كان الرازي هذا غير حكيم بن نافع فهو متابع له لا بأس به، فالحديث بمجموع الطريقين حسن. والله أعلم. ويشهد له حديث " لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (594) . 1890 - " افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم ". رواه الطبراني في " الكبير " (رقم - 720) عن عيسى بن موسى بن إياس بن البكير عن صفوان بن سليم عن أنس مرفوعا.

1891

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عيسى هذا، فقال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 285) : " سئل أبي عنه؟ فقال: ضعيف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " . وهو عمدة الهيثمي في قوله (10 / 231) : " رواه الطبراني، وإسناده رجاله رجال الصحيح غير عيسى بن موسى بن إياس بن البكير وهو ثقة "! ثم إن في الحديث انقطاعا بين صفوان وأنس. فقد قال أبو حاتم: " لم ير صفوان أنسا، ولا يصح روايته عنه ". وقال أبو داود: " لم ير أحدا من الصحابة إلا أبا أمامة وعبد الله بن بسر ". لكن الحديث عندي حسن، فقد ذكر الهيثمي لشطره الأول شاهدا عن محمد بن مسلمة مرفوعا بلفظ: " إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا لها لعل أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدا ". وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " والكبير بنحوه وفيه من لم أعرفهم ومن عرفتهم وثقوا ". وسائره وهو فقرة الستر له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. رواه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " كما في " الجامع الكبير " (2 / 49 / 1) . 1891 - " إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، الذين يطلبون

ألوان الطعام وألوان الثياب، يتشدقون بالكلام ". أخرجه أحمد في " الزهد " (ص - 77) وابن أبي الدنيا في " الجوع " (ق 9 / 1) وابن عدي في " الكامل " (ق 249 / 1) وأبو الحسين الأبنوسي في " الفوائد " (ق 14 / 1 - 2) وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (9 / 60 / 2) عن عبد الحميد ابن جعفر الأنصاري حدثني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام أن أمة الله فاطمة بنت حسين حدثته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله موثوقون إلا أنه مرسل، فاطمة بنت الحسين روت عن أبيها الحسين بن علي بن أبي طالب وجدتها فاطمة الزهراء مرسل. وله شاهد مرسل أيضا، فقال ابن المبارك في " الزهد " رقم (758) : أخبرنا الأوزاعي عن عروة ابن رويم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد. وقد روي موصولا، فأخرجه الحاكم (3 / 568) من طريق أصرم بن حوشب حدثنا إسحاق بن واصل الضبي عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: قلنا لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر أحاديث هذا أحدها، وزاد: " ويركبون من الدواب ألوانا ". وسكت الحاكم عنه ، فتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: أظنه موضوعا، فإسحاق متروك وأصرم متهم بالكذب ". وذكر في ترجمة إسحاق من " الميزان " أنه من الهلكى وأن من بلاياه هذا الحديث وأنه من رواية أصرم وليس بثقة. لكن نقل المناوي عن الحافظ العراقي أنه قال:

" ورواه أبو نعيم من حديث عائشة بإسناد لا بأس به ". قلت: فلينظر إسناده، فقد زعم المناوي أن في " الميزان ": هذا من رواية أصرم ابن حوشب وليس بثقة عن إسحاق بن واصل، وهو هالك متروك الحديث. قلت: فإني أخشى أن يكون اختلط على المناوي حديث عبد الله بن جعفر المتقدم بحديث عائشة هذا، فإني أستبعد جدا أن يكون فيه هذان المتروكان ويقول الحافظ العراقي في إسناده: لا بأس به! ثم تأكدت مما استبعدته حين رأيت الذهبي ذكر ذلك في ترجمة إسحاق دون أن يسمي صحابي الحديث، فذكر الحافظ في " اللسان " أنه عبد الله بن جعفر، وأن الحاكم رواه ... فتبين أن المناوي وضع كلام الذهبي في غير موضعه وأنه لا يحق إعلال حديث عائشة به. وقد روي الحديث بلفظ: " سيكون رجال من أمتي يأكلون ألوان الطعام ويشربون ألوان الشراب ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون بالكلام، فأولئك شرار أمتي ". قلت: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 7512) وتمام في " الفوائد " (264 - 265) عن جميع بن ثوب الرحبي عن حبيب بن عبيد عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا جميع هذا قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال النسائي: " متروك الحديث ". لكن تابعه أبو بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد به. أخرجه الطبراني أيضا في " الكبير " (7513) و " الأوسط " (2536) . وأبو بكر بن أبي مريم ضعيف لاختلاطه، فإذا ضم إلى المرسلين الأولين صار

1892

الحديث بمجموع ذلك حسنا، لاسيما ولبعضه شاهد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم - 1308) من طريق البراء بن يزيد عن عبد الله بن شقيق عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " شرار أمتي الثرثارون المتشدقون المتفيهقون، وخيار أمتي أحاسنهم أخلاقا ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير البراء وهو ابن عبد الله بن يزيد البصري قال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وله طريق أخرى عند البزار (ص 324 - زوائد ابن حجر) من طريق عبد الرحمن بن زياد عن عمارة بن راشد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن من شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسامهم ". قال المنذري في " الترغيب " (3 / 125) : " ورواته ثقات إلا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ". قلت: وهو الإفريقي، وقد ضعفوه كما قال الذهبي في " الكاشف ". وأما قول الهيثمي (10 / 250) : " وقد وثق، والجمهور على توثيقه وبقية رجاله ثقات " . ففيه نظر. قلت: فمثله يستشهد به، والله أعلم. 1892 - " من سد فرجة بنى الله له بيتا في الجنة ورفعه بها درجة ". أخرجه المحاملي في " الأمالي " (ق 36 / 2) : حدثني الحسن بن عبد العزيز

الجروي قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الحسن بن عبد العزيز الجروي، فهو من شيوخ البخاري. والحديث أخرجه ابن ماجة (1 / 313) وأحمد (6 / 89) من طريق إسماعيل بن عياش حدثنا هشام بن عروة به في حديث يأتي برقم (2532) ولفظه: " إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة ". وإسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها. وأخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 / 2 مجمع البحرين) عن أحمد بن محمد القواس حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عروة به نحوه بتمامه. وقال: " لم يروه عن المقبري إلا ابن أبي ذئب، ولا عنه إلا الزنجي تفرد به القواس ". قلت: ولم أعرفه الآن وسائر رجاله ثقات غير الزنجي ففيه ضعف من قبل حفظه. والحديث قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف، وقد وثقه ابن حبان ". ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث إسماعيل بن عبد الله بن خالد بن سعيد بن مريم عن أبيه عن جده عن غانم بن الأحوص أنه سمع أبا صالح السمان يقول سمعت أبا هريرة يقول أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بلفظ ابن عياش إلا أنه قال: " ولا يصل عبد صفا إلا رفعه الله به درجة، وذرت عليه الملائكة من البر ".

1893

رواه الطبراني في " الأوسط " (3924) . وإسناده ضعيف، غانم بن الأحوص مجهول كما قال أبو حاتم، والسند إليه مظلم. والجملة الأولى منه لها شاهد من حديث عبد الله بن زيد مرفوعا به. أخرجه الطبراني أيضا (5199) . 1893 - " يكون في هذه الأمة في آخر الزمان رجال معهم سياط كأنها أذناب البقر، يغدون في سخط الله ويروحون في غضبه ". رواه أحمد (5 / 250) والحاكم (4 / 436) وابن الأعرابي في معجمه (213 - 214) والطبراني في " الكبير " (رقم - 8000) عن عبد الله بن بحير عن سيار عن أبي أمامة مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وابن بحير هو ابن حمران التميمي البصري. والحديث قال الهيثمي (5 / 234) : " رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " و " الكبير ". وفي رواية عنده: " فإياك أن تكون من بطانتهم ". ورجال أحمد ثقات ". وهذه عند الطبراني (7616) : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة به . وشرحبيل هذا صدوق فيه لين كما في " التقريب ".

1894

وأحمد شيخ الطبراني لم أجد له ترجمة، ومظنته " تاريخ ابن عساكر "، فليراجعه من تيسر له. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه دون الزيادة وقد مضى لفظه برقم (1326) . أخرجه مسلم (8 / 155) وأحمد (2 / 308 و 323) والحاكم (4 / 435 - 436) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكهما إياه على مسلم، وقد أخرجه كما رأيت، وكذلك وهم الهيثمي في إيراده إياه في " المجمع " عقب حديث الترجمة وقال: " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ". 1894 - " السلام اسم من أسماء الله وضعه في الأرض، فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم (فضل درجة) ، فإن لم يردوا رد عليه من هو خير منهم وأطيب ". أخرجه البزار (رقم - 1999) : حدثنا الفضل بن سهل حدثنا محمد بن جعفر المدائني حدثنا ورقاء عن الأعمش عن زيد بن وهب عن النبي صلى الله عليه وسلم وحدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم حدثنا عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " رواه غير واحد موقوفا، وأسنده ورقاء وشريك وأيوب بن جابر ". قلت: إسناده الثاني ضعيف لسوء حفظ شريك وهو ابن عبد الله القاضي وابنه. وقال الحافظ في الأب: " صدوق يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء ".

1895

وقال في الابن: " صدوق يخطىء ". قلت: لكنهما قد توبعا كما في الإسناد الأول، وقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 10392) من هذا الوجه، وهو إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير الفضل بن سهل وهو ابن إبراهيم الأعرج البغدادي، قال الحافظ: " صدوق ". وفي محمد بن جعفر المدائني كلام لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وتابعه أيضا أيوب بن جابر عن الأعمش به. أخرجه الطبراني (رقم 10391 ) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة أخبرنا سفيان بن بشر أخبرنا أيوب بن جابر عن الأعمش به. وأيوب هذا ضعيف. وتابعه عنده أيضا عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش عن الأعمش به. والقائد هذا ضعيف أيضا. ولطرفه الأول متابع آخر وشاهد تقدم تخريجهما (184) . 1895 - " إن فيكم قوما يتعبدون حتى يعجبوا الناس، ويعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ". أخرجه أبو يعلى (3 / 1007) : حدثنا وهب بن بقية أنبأنا خالد عن سليمان التيمي عن أنس قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وعزاه في " الجامع " لأبي يعلى عن أنس بلفظ: " سيقرأ القرآن رجال لا يجاوز حناجرهم، يمرقون ... " الحديث. ولم أره في نسختنا المصورة من " مسند أبي يعلى "، وفيها خرم. وله في " مسند أحمد " (3 / 197) طريق أخرى من حديث قتادة عن أنس مرفوعا بلفظ: " يكون في أمتي اختلاف وفرقة يخرج منهم قوما يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم، سيماهم التحليق والتسبيت، فإذا رأيتموهم فأنيموهم ". التسبيت: يعني استئصال الشعر القصير. وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. وأقرب الشواهد للفظ المذكور في " الجامع " ما رواه أبو يعلى أيضا (2 / 623) من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا: " ليقرأن القرآن أقوام من أمتي يمرقون من الإسلام ... " إلخ. وسنده حسن. وله شواهد أخرى بنحوه في " الصحيحين " وغيرهما من حديث علي وأبي سعيد الخدري وغيرهما. ومسلم وغيره عن أبي ذر ورافع بن عمرو. ثم رأيت حديث أنس عند ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 198) من طريق حوثة بن عبيد الديلي عن أنس مرفوعا بلفظ " الجامع ". وحوثة هذا لم أعرفه، وقد ذكر له ابن خزيمة ثلاثة من الثقات رووا عنه. ثم رأيت البخاري وابن أبي حاتم قد أورداه في حرف الجيم من كتابيهما، وذكر أنه يقال بالحاء المهملة. وصحح البخاري الأول، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وبالجيم أورده ابن حبان في " الثقات ".

1896

1896 - " شعبتان من أمر الجاهلية لا يتركهما الناس أبدا: النياحة والطعن في النسب ". أخرجه أحمد (2 / 431) : حدثنا يحيى عن ابن عجلان قال: حدثني سعيد عن أبي هريرة قال: وسمعت أبي يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: قلت ليحيى: كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (395) عن ابن عاصم عن ابن عجلان بإسناده الثاني. هو إسناد حسن كالأول. وله طرق أخرى بألفاظ فانظر: (أربع في أمتي) برقم (733 و 734) وحديث أنس المتقدم برقم (1799) . وأخرجه مسلم (1 / 58) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: " اثنتان في الناس هما بهم كفر ... " فذكرهما. 1897 - " الشؤم في الدار والمرأة والفرس ". أخرجه البخاري (6 / 46 و 9 / 112) وفي " الأدب المفرد " (132) ومسلم (7 / 33 - 34) ومالك (3 / 140) وأبو داود (2 / 159) والنسائي (2 / 120) والترمذي (2 / 135) وصححه، وابن ماجة (1 / 615) والطحاوي (2 / 381) والطيالسي (رقم 1821) وأحمد (2 / 8 و 115 و 126 و 136) عن الزهري أن سالم ابن عبد الله وحمزة بن عبد الله بن عمر حدثاه (وليس عند ابن ماجة والطيالسي : وحمزة) عن أبيهما به مرفوعا، وقال بعضهم: " إنما الشؤم ". وقد جاء بزيادة في أوله بلفظ: " لا عدوى "، فانظره، كما أنه جاء بلفظ مغاير معناه لهذا وهو:

1898

" إن كان الشؤم " وقد مضى برقم (799) . وفي لفظ آخر: " إن يك الشؤم في شيء ... ". وهذا هو الصواب كما كنت ذكرت هناك وزدته بيانا عند الحديث (993) وفيه الكلام على حديث " قاتل الله اليهود يقولون: إن الشؤم " فراجعه فإنه هام. وقد جاء حديث صريح في نفي الشؤم وإثبات اليمن في الثلاث المذكورة وهو المناسب لعموم الأحاديث التي تنفي الطيرة، فراجع الحديث المشار إليه فيما يأتي برقم (1930) . وأحاديث الطيرة تقدمت بألفاظ مختلفة وفوائد متعددة (رقم 777 و 780 - 789) . 1898 - " شعبان بين رجب ورمضان يغفل الناس عنه ترفع فيه أعمال العباد، فأحب أن لا يرفع عملي إلا وأنا صائم ". أخرجه النسائي (1 / 322) وأبو بكر محمد بن الحسن المقرىء الحيارى (!) الطبري العباد، في " الأمالي " (3 / 2) عن ثابت بن قيس الغفاري حدثني أبو سعيد المقبري عن أبي هريرة عن أسامة بن زيد (ولم يقل النسائي: عن أبي هريرة) وقال: قلت: يا رسول الله أراك تصوم في شهر ما لم أرك تصوم في شهر مثل ما تصوم فيه؟ قال: أي شهر؟ قلت: شعبان، قال: فذكره. قال: أراك تصوم الاثنين والخميس فلا تدعهما؟ قال: " إن أعمال العباد ... " الحديث. قلت: وهذا إسناد حسن، ثابت بن قيس صدوق يهم كما في " التقريب " وسائر رجاله ثقات.

1899

1899 - " شفاء عرق النساء ألية شاة أعرابية، تذاب، ثم تقسم ثلاثة أجزاء، يشربه ثلاثة أيام على الريق، كل يوم جزء ". رواه ابن ماجة (3463) والحاكم (4 / 206) وابن عساكر (15 / 122 / 1) عن الوليد بن مسلم حدثنا هشام بن حسان حدثنا أنس بن سيرين أنه سمع أنس بن مالك يقول مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وأخرجه أحمد (3 / 219) : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا هشام بن حسان به نحوه، وقال: " ألية كبش عربي أسود ليس بالعظيم ولا بالصغير ". وسنده صحيح أيضا. وتابعه المعتمر قال: سمعت هشام بن حسان يحدث عن أنس به. كذا لم يذكر فيه أنس بن سيرين، فلا أدري أهكذا الرواية أم سقط من النسخة . أخرجه الحاكم. وخالفهم حماد بن سلمة فقال: عن أنس بن سيرين عن معبد بن سيرين عن رجل من الأنصار عن أبيه مرفوعا. أخرجه أحمد (5 / 78) وعلقه الحاكم وقال: " أعضله حماد بن سلمة، والقول عندنا فيه قول المعتمر بن سليمان والوليد بن مسلم ". وهذا هو الصواب. (النسا) بوزن (العصا) في " النهاية ": عرق يخرج من الورك فيستبطن

1900

الفخذ. والأفصح أن يقال له: (النسا) لا (عرق النسا) ! وفي " المعجم الوسيط " " النسا: العصب الوركي. وهو عصب يمتد من الورك إلى الكعب ". 1900 - " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي - وأنا غلام - فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (567) وابن حبان (2062) والحاكم (2 / 220) وأحمد (1 / 190 و 193) والطبري في " التفسير " (9296) وابن عدي ( 233 / 2) من طرق عن عبد الرحمن بن إسحاق عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال ابن عدي: " عبد الرحمن بن إسحاق - وهو عباد بن إسحاق المديني - في حديث بعض ما ينكر ولا يتابع علية، وهو صالح الحديث كما قال ابن حنبل ". قلت: وهو صدوق من رجال مسلم كما في " التقريب ". ثم أخرج له ابن حبان (2063 ) شاهد من حديث عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به نحوه، وزاد: " قال: والمطيبون: هاشم وأمية وزهرة ومخزوم ". قلت: وسنده لا بأس به في الشواهد. (حلف المطيبين) . قال في " النهاية ": " اجتمع بنو هاشم وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية وجعلوا طيبا في جفنه وغمسوا أيديهم فيه وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، فسموا المطيبين ".

1901

1901 - " لقيام رجل في سبيل الله (ساعة) أفضل من عبادة ستين سنة ". رواه العقيلي في " الضعفاء " (ص 30) والخطيب في " التاريخ " (10 / 295) عن إسماعيل بن عبيد الله بن سلمان المكي قال: حدثنا الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا وقال: " حديث غير محفوظ ". ذكره في ترجمة إسماعيل هذا، وقال الذهبي : " لا يعرف ". قلت: لكنه لم يتفرد به كما سبق تخريجه تحت الحديث (899) وذكرنا له هناك شاهدا من حديث أبي هريرة، فراجعه إن شئت ليتبين لك أهمية تتبع طرق الحديث والشواهد وأن مجرد مجيء الحديث بإسناد ضعيف لا يستلزم أن الحديث في نفسه ضعيف غير محفوظ، فتأمل فإنه من مزلة الأقدام، ولذلك فقد اجتهدت ما استطعت في كل كتبي وبخاصة هذه السلسلة أن لا أضعف حديثا إلا بعد البحث الشديد عن طرقه وشواهده وبذلك تمكنت من تخليص عشرات بل مئات الأحاديث من الضعف، والله تعالى من وراء القصد وإياه أسأل أن يحفظني من الزلل. وقد كان من تلك الكتب " غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام " ونصصت على خطتي المذكورة في مقدمته، فقد تم طبعه، وأخذ طريقه في الانتشار بين الشباب المسلم. ولله الحمد والمنة وكذلك فعلت في " مختصر الشمائل المحمدية للترمذي "، وسيطبع بإذن الله تعالى. 1902 - " إن شهداء الله في الأرض أمناء الله في الأرض في خلقه، قتلوا أو ماتوا ". أخرجه أحمد (4 / 200) حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد ابن زياد الألهاني قال:

1903

ذكر عند أبي عنبة الخولاني الشهداء، فذكروا المبطون، والمطعون والنفساء، فغضب أبو عنبة وقال: حدثنا أصحاب نبينا عن بينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير أبي عنبة الخولاني، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 418 - 419) : " ليست: له صحبة وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام ". ثم ذكر أنه روى عنه جماعة من الثقات غير الألهاني. لكن ذكره غيره في الصحابة، ورجح الحافظ في " الإصابة " قول أحمد بن محمد بن عيسى: " أدرك الجاهلية وعاش إلى خلافة عبد الملك وكان ممن أسلم على يد معاذ والنبي صلى الله عليه وسلم حي ". 1903 - " شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 127) : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال: حدثنا داود بن عثمان الثغري قال: حدثنا عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي عن أبي معاذ عن أبي هريرة مرفوعا. وقال: " داود حدث عن الأوزاعي وغيره بالبواطيل ". ثم ساق له هذا الحديث، ثم قال: " هذا يروى عن الحسن وغيره من قولهم، وليس له أصل مسند ". ومن هذا الوجه أخرجه أبو محمد الضراب في " ذم الرياء " (292 - 293) . وخالفهما إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك فقال: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح حدثني أبو المنهال حبيش بن عمر الدمشقي - وذكر لي أنه كان يطبخ للمهدي -: حدثني أبو عمرو الأوزاعي به.

1904

أخرجه تمام في " الفوائد " (ق 172 / 1 - 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 99 / 1 و 8 / 37 / 1 ) وكذا أبو بكر الشافعي في " الغيلانيات " كما في " اللآلي المصنوعة " (2 / 29) . قلت: والأول أصح، فإن إبراهيم هذا لم أجد له ترجمة. وحبيش أورده ابن عساكر ولم يذكر فيه شيئا سوى هذا الحديث. والحديث أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " من رواية العقيلي، وأعله بما نقلته عن العقيلي آنفا. وتعقبه السيوطي بأن له شواهد. ثم ساقها وهي ثلاث أولها موقوف، والثاني عن سمرة بن أبي عاصم (! ) قال: كان يقال.. فذكره. والثالث عن الحسن مقطوعا! فلم يصنع السيوطي شيئا . لكن للحديث شواهد مرفوعة يرتقي الحديث بها إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى ، وقد سبق تخريجها تحت الحديث رقم (831) . 1904 - " الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ". أخرجه أحمد (1 / 83) وعنه الضياء في " المختارة " (1 / 248) والبخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 177) عن يحيى بن سعيد عن سفيان حدثنا محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن علي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إذا بعثتني أكون كالسكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: فذكره. وخالفه أبو نعيم فقال: أخبرنا سفيان به إلا أنه زاد: " عن أبيه عن علي ". أخرجه الضياء (1 / 233) وقال: " رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " عن أبي نعيم " . لكن أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 92) : حدثنا سليمان بن أحمد (هو

الطبراني) حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان به دون الزيادة ولذلك قال أبو نعيم عقبه: " رواه عصام بن يزيد: جبر، فوصله ". ثم أسنده من طريقين عن محمد بن يحيى بن منده حدثنا محمد بن عصام بن يزيد عن أبيه عن سفيان عن محمد بن عمر بن علي عمن حدثه عن علي قال: " بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن نسيب لأم إبراهيم شيء، فدفع إلي السيف، فقال: اذهب فاقتله، فانتهيت إليه ، فإذا هو فوق نخلة، فلما رآني عرف، ووقع، وألقى ثوبه، فإذا هو أجب، فكففت عنه، فقال: أحسنت ". وقال: " جوده محمد بن إسحاق وسماه ". ثم ساقه هنا مختصرا وفي (3 / 177 - 178) بتمامه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن محمد بن علي بن الحنفية عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: " أكثر على مارية أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم في قبطي - ابن عم لها - كان يزورها ويختلف إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: خذ هذا السيف فانطلق إليه، فإن وجدته عندها فاقتله. فقلت: يا رسول الله أكون في أمرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة لا يثنيني شيء حتى أمضى لما أرسلتني به، أو الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟ قال: (فذكره) ، فأقبلت متوشحا السيف فوجدته عندها فاخترطت السيف، فلما أقبلت نحوه عرف أني أريده، فأتى نخلة فرقى فيها، ثم رمى بنفسه على قفاه، وشفر برجليه، فإذا هو أجب أمسح، (¬1) ما له ما للرجال قليل ولا أكثر، فأغمدت سيفي، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت ". وقال: " هذا غريب لا يعرف مسندا بهذا السياق إلا من حديث محمد بن إسحاق ". ¬

(¬1) الأصل (أشح) . والتصويب من " المختارة ". اهـ.

قلت: ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في " التاريخ " وأبو عبد الله بن منده في " معرفة الصحابة " (42 / 531) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 232 / 1) والضياء في " المختارة " (1 / 247) وصرح البخاري وابن منده بتحديث ابن إسحاق، فزالت شبهة تدليسه وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد متصل جيد. وروى الخطيب في " التاريخ " (3 / 64) من هذا الوجه حديث الترجمة فقط دون القصة. وقد وجدت له شاهدا يرويه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب وعقيل عن الزهري عن أنس مرفوعا به. أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (9 / 2) من طريق الطبراني . وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد. والقصة وحدها دون الحديث لها طريق أخرى عند مسلم (8 / 119) وأحمد (3 / 281) من طريق ثابت عن أنس نحوه. واستدركه الحاكم (4 / 39) على مسلم فوهم كما وهم بعض المعلقين على " المقاصد الحسنة " في جزمه بأن حديث الترجمة من حديث أنس عند مسلم. وأخرجه الحاكم من حديث عائشة أيضا وفيه أبو معاذ سليمان بن الأرقم الأنصاري وهو ضعيف جدا وسيأتي تخريجه وبيان ما فيه من الزيادات المنكرة برقم (4964) من الكتاب الآخر. قلت: والحديث نص صريح في أن أهل البيت رضي الله عنهم يجوز فيهم ما يجوز في غيرهم من المعاصي إلا من عصم الله تعالى، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة في قصة الإفك: " يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه.. ".

1905

أخرجه مسلم . ففيهما رد قاطع على من ابتدع القول بعصمة زوجاته صلى الله عليه وسلم محتجا بمثل قوله تعالى فيهن: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) * جاهلا أو متجاهلا أن الإرادة في الآية ليست الإرادة الكونية التي تستلزم وقوع المراد وإنما هي الإرادة الشرعية المتضمنة للمحبة والرضا وإلا لكانت الآية حجة للشيعة في استدلالهم بها على عصمة أئمة أهل البيت وعلى رأسهم علي رضي الله عنه، وهذا مما غفل عنه ذلك المبتدع مع أنه يدعي أنه سلفي! ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الشيعي الرافضي (2 / 117) : " وأما آية التطهير فليس فيها إخبار بطهارة أهل البيت وذهاب الرجس عنهم، وإنما فيها الأمر لهم بما يوجب طهارتهم وذهب الرجس عنهم، ... ومما يبين أن هذا مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه ما ثبت في " الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم أدرك الكساء على فاطمة وعلي وحسن وحسين ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". رواه مسلم. ففيه دليل على أنه لم يخبر بوقوع ذلك، فإنه لو كان وقع لكان يثني على الله بوقوعه ويشكره على ذلك لا يقتصر على مجرد الدعاء ". 1905 - " عليكم بالحبة السوداء وهي الشونيز، فإن فيها شفاء ". أخرجه أحمد (5 / 354) : حدثنا زيد حدثني حسين: حدثني عبد الله قال: سمعت أبي بريدة يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، وحسين هو ابن واقد: وزيد هو ابن الحباب. وتابعه واصل بن حبان العجلي: حدثني عبد الله بن بريدة به إلا أنه قال:

" ... وإن هذه الحبة السوداء - قال ابن بريدة: يعني الشوينزر الذي يكون في الملح - دواء من كل داء، إلا الموت ". أخرجه أحمد (5 / 346) : حدثنا أسود بن عامر حدثنا زهير عن واصل بن حبان به وزاد في أوله: " الكمأة دواء العين وإن العجوة من فاكهة الجنة وإن هذه الحبة ... ". وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وزهير هو ابن معاوية بن حديج. وللحديث شاهد من رواية أبي هريرة مرفوعا: " عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام. قال سفيان: السام الموت وهي الشونيز ". أخرجه أحمد (2 / 241) : حدثنا سفيان عن الزهري عن أبي سلمة - إن شاء الله - عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه مسلم (7 / 25) والترمذي (2 / 3) وصححه من طريق سفيان - وهو ابن عيينة - وغيره عن الزهري به نحوه. وأخرجه هو والبخاري من طريق أخرى عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب معا عن أبي هريرة به نحوه. ثم أخرجه أحمد (2 / 268) من طريق معمر عن الزهري أخبرني أبو سلمة عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول للشونيز: " عليكم بهذه الحبة ... " الحديث. وإسناده صحيح على شرطهما. ثم أخرج الترمذي (2 / 8) من طريق قتادة قال: حدثت أن أبا هريرة قال:

1906

" الشونيز دواء من كل داء إلا السام ". قال قتادة: " يأخذ كل يوم إحدى وعشرين حبة، فيجعلهن في خرقه فليقنعه، فيتسعط به كل يوم في منخره الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة، والثاني في الأيسر قطرتين وفي الأيمن قطرة والثالث في الأيمن قطرتين وفي الأيسر قطرة " . قلت: وإسناده إلى أبي هريرة ظاهر الانقطاع. وقول قتادة مقطوع. وله شاهد آخر من حديث عائشة مرفوعا مثل حديث سفيان المتقدم إلا أنه وصل التفسير بالحديث فقال: " يعني الموت، والحبة السوداء: الشونيز ". أخرجه أحمد (6 / 138) من طريق أبي عقيل عن بهية عنها. وهذا سند ضعيف. وقد أخرجه البخاري (4 / 52 ) من طريق أخرى عنها مرفوعا دون التفسير إلا قوله: " قلت: وما السام؟ قال: الموت ". 1906 - " الشيخ يكبر ويضعف جسمه، وقلبه شاب على حب اثنتين: طول الحياة وحب المال ". أخرجه أحمد (2 / 335 و 338 و 339) عن فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن فليحا وهو ابن سعيد قد تكلموا فيه من قبل حفظه ولذلك قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق، كثير الخطأ ". لكن الحديث قد جاء من طرق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا نحوه بألفاظ متقاربة منها: قلب الشيخ شاب على حب اثنتين ... " والباقي مثله. أخرجه مسلم (3 / 99) وأحمد (2 / 443) . وفي رواية له (2 / 443 و 447) : " ... جمع المال وطول الحياة ". وفي أخرى (2 / 501) : " ... حب الحياة وحب المال ". وفي أخرى له (2 / 358 و 379 و 380 و 394) : " ... طول الحياة وكثرة المال ". وهكذا أخرجه الترمذي (2 / 54) وصححه، وابن ماجة (4233) والحاكم (4 / 328) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! وأخرجه البخاري (4 / 212) بلفظ: " لا يزل قلب الكبير شابا في اثنتين في حب الدنيا وطول الأمل ". وله شاهد من حديث أنس مرفوعا: " يهرم ابن آدم وتشب معه اثنتان: الحرص على المال والحرص على العمر ". أخرجه مسلم والترمذي وصححه وابن ماجة وأحمد (3 / 192 و 256) وأبو يعلى (2 / 755، 827) .

1907

وأخرجه البخاري أيضا بنحوه. 1907 - " طائر كل إنسان في عنقه ". أخرجه أحمد (3 / 342 و 349 و 360) من طرق عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال ابن لهيعة: يعني الطيرة. قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ ابن لهيعة وعنعنة أبي الزبير. لكنه قد توبع ، فأخرجه ابن جرير في " التفسير " (15 / 39) من طريق قتادة عن جابر بن عبد الله به مرفوعا بلفظ: " لا عدوى ولا طيرة * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) * ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين لكن قتادة لم يسمع من جابر وروايته عنه صحيفة ، قال أحمد: " قريء عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها ". ولعل أحد الإسنادين يتقوى بالآخر، والحديث صحيح على كل حال، فإنه مقتبس من قوله تعالى في سورة ( الإسراء) : * (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه، ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا) *. قال ابن جرير: " يقول تعالى ذكره: وكل إنسان ألزمناه ما قضي له أنه عامله، وهو صائر إليه من شقاء أو سعادة يعمله في عنقه لا يفارقه وإنما قوله: * (ألزمناه طائره) * مثل لما كانت العرب تتفاءل به أو تتشاءم من سوانح الطير وبوارحها، فأعلمهم جل ثناؤه أن كل إنسان منهم قد ألزمه ربه طائره في عنقه، نحسا كان ذلك الذي ألزمه من (¬1) وشقاء يورده سعيرا أو كان سعدا يورده جنات عدن ". ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعله " ألزمه به أو شقاء ... ". اهـ.

1908

1908 - " صدقة السر تطفئ غضب الرب ". روي من حديث عبد الله بن جعفر وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود وأم سلمة وأبي أمامة ومعاوية بن حيدة وأنس بن مالك. 1 - أما حديث عبد الله بن جعفر فيرويه أصرم بن حوشب حدثنا قرة بن خالد عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: قلت لعبد الله بن جعفر: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: فذكره. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 214) و " الأوسط " (1 / 93 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 11 / 1) وقال الطبراني: " لم يروه عن قرة إلا أصرم ". قلت: وهو متهم كما قال ابن المحب في هامش القضاعي. ومن طريقه أخرجه الحاكم أيضا (3 / 568) لكنه قال عنه: حدثنا إسحاق بن واصل عن أبي جعفر به. وسكت عنه الحاكم وقال الذهبي: " أظنه موضوعا، فإسحاق متروك وأصرم متهم بالكذب " . وفي " الخلاصة " لابن الملقن (ق 115 / 1) : " رواه الحاكم وإسناده منكر جدا ". 2 - وأما حديث أبي سعيد الخدري فيرويه الحارث النميري عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. أخرجه العسكري في " كتاب السرائر " (179 / 1 - 2) .

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو هارون العبدي متروك. والحارث النميري لم أعرفه. 3 - وأما حديث عبد الله بن عباس فيرويه أحمد بن محمد بن عيسى بن داود بن عيسى ابن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أخبرنا أبي محمد بن عيسى حدثني جدي داود بن عيسى عن أبيه عيسى بن علي عن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس مرفوعا به، وزاد: " وإن صلة الرحم تزيد في العمر، وإن صنائع المعروف تقي مصارع السوء وإن قول (لا إله إلا الله) تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من البلاء أدناها الهم ". أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 17 / 2) في ترجمة داود بن عيسى هذا. وذكر في الرواة عنه محمد بن عبد الرحمن المخزومي القاضي أيضا وسعيد بن عمرو وقال: " ولي إمرة الحرمين، ودخل دمشق ". ثم روى أنه كان حيا سنة إحدى ومائتين ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. واللذان دونه لم أعرفهما. وله طريق أخرى لكنها واهية جدا بلفظ: " عليكم باصطناع المعروف فإنه يمنع مصارع السوء وعليكم بصدقة السر فإنه تطفئ غضب الله عز وجل " . أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " وعنه أبو عبد الله الرازي في " مشيخته " (168 / 1) من طريق عمرو بن هاشم الجنبي عن جويبر الضحاك عن ابن عباس مرفوعا. وهذا سند ضعيف جدا، جويبر متروك وابن هاشم قريب منه، قال الحافظ:

" لين الحديث، أفرط فيه ابن حبان ". 4 - وأما حديث عمر بن الخطاب فيرويه النضر بن حميد عن سعد عن الشعبي عنه به مرفوعا، وزاد: " وصنائع المعروف تقي مصارع السوء وصلة الرحم تزيد في العمر وتوسع في الرزق وأكثروا من ذكر (لا حول ولا قوة إلا بالله) فإنها كنز من كنوز الجنة، وفيه شفاء من تسعة وتسعين جزا (كذا) أدناه الهم ". أخرجه أبو بكر الذكواني في " إثنا عشر مجلسا " (9 / 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، النضر هذا: قال البخاري: " منكر الحديث ". وقال أبو حاتم: " متروك الحديث ". 5 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه نصر بن حماد بن عجلان العجلي قال: أخبرنا عاصم بن تميم البجلي عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعا به، وزاد في أوله: " صلة الرحم تزيد في العمر ". أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (11 / 1) وكتب ابن المحب فيما أظن - على هامش النسخة: " نصر بن حماد هالك " . قلت: وفي " التقريب ": " ضعيف، أفرط الأزدي فزعم أنه يضع ". قلت: والزيادة التي أوله لها شواهد كثيرة في " الترغيب " (ج 3 / 223 و 224) وقد سبق تخريج بعضها برقم (276 و 513) .

6 - وأما حديث أم سلمة فيرويه الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم - 6222) : حدثني محمد بن بكر بن كروان الحريري البصري حدثنا محمد بن يحيى الحنيني الكوفي حدثنا منذر بن جعفر الفيدي عن عبد الله بن الوليد الوصافي عن محمد بن علي عنها مرفوعا بلفظ: " صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خفيا تطفئ غضب الرب وصلة الرحم زيادة في العمر وكل معروف صدقة وأهل المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة أهل المعروف ". وقال: " لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد تفرد به الوصافي ". قلت: وهو ضعيف كما قال الهيثمي (3 / 115) ، ومن دونهم لم أعرفه. 7 - وأما حديث أبي أمامة فيرويه حفص بن سليمان عن يزيد بن عبد الرحمن عن أبيه عنه مرفوعا مثل حديث عمر (4) المار آنفا دون قوله: " وتوسع الرزق ... ". أخرجه لؤلؤ في " الفوائد المنتقاة " (2 / 215 / 1) والطبراني في " الكبير " (8014) . قلت: وهذا سند ضعيف جدا، حفص بن سليمان هو الأسدي أبو عمرو البزار القارىء صاحب عاصم. قال الحافظ: " متروك الحديث مع إمامته في القراءة ". ثم رأيت الهيثمي ذكر الحديث في " المجمع " (3 / 115) وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " وإسناده حسن ". وهذا من أوهامه رحمه الله. 8 - وأما حديث معاوية بن حيدة فيرويه عمرو بن أبي سلمة عن صدقة بن

1909

عبد الله عن الأصبغ عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا مثل الذي قبله وزاد: " وتنفي الفقر ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 93 / 1) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 11 / 2) والضياء المقدسي في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (23 / 1) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، صدقة ابن عبد الله وهو أبو معاوية السمين، ضعيف كما في " التقريب "، وقال الهيثمي (3 / 115) : " رواه الطبراني في " الكبير " و" الأوسط " وفيه صدقة بن عبد الله وثقه دحيم وضعفه جماعة ". وقال المنذري (2 / 31) : " ولا بأس به في الشواهد ". قلت: لكن شيخه أصبغ لم أعرفه. 9 - وأما حديث أنس، فله عنه ثلاثة طرق حسن أحدها الترمذي وقد خرجتهما في " إرواء الغليل " (885) ، فلتراجع هناك. وجملة القول أن الحديث بمجموع طرقه وشواهده صحيح بلا ريب بل يلحق بالمتواتر عند بعض المحدثين المتأخرين. 1909 - " صفوة الله من أرضه الشام وفيها صفوته من خلقه وعباده ولتدخلن الجنة من أمتي ثلة لا حساب عليهم ولا عذاب ". أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 107 ط) من طريق الطبراني، وهذا في " المعجم الكبير " (رقم - 7796) عن إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد العزيز بن عبيد الله وهو الصهيبي الحمصي، قال الذهبي: " ضعفوه، وتركه النسائي ". وقال الحافظ: " ضعيف ". وكذلك قال الهيثمي (10 / 59) . قلت: لكن الحديث صحيح لغيره، فإن شرطه الأول قد صح من حديث عبد الله بن حوالة وهو مخرج في " فضائل الشام " برقم (2) . وأخرجه الطبراني (رقم - 7718) من طريق عفير بن معدان أنه سمع سليم بن عامر يحدث عن أبي أمامة مرفوعا به وزاد : " فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ومن دخلها فبرحمته " وعفير متروك. والشطر الآخر رواه الطبراني أيضا عن أبي أمامة نحوه موقوفا وهو في حكم المرفوع، قال الهيثمي (10 / 409) : " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف فيهم ". قلت: هو عنده (7723) من طريق بقية بن الوليد عن يحيى بن سعيد عن خالد بن معدان عن سليمان بن عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي قال: فذكره موقوفا نحوه مطولا. وبقية مدلس وقد عنعنه. لكن له عنده (رقم - 7780) طريق أخرى عن حجاج بن إبراهيم الأزرق حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن أبي عبد الرحمن عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه لكن ليس فيه: " لا حساب عليهم ولا عذاب ". وهي

1910

عنده (7520 و 7521 و 7665 و 7672) من طرق أخرى صحيحة في حديث آخر بلفظ: " وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب وثلاث حثيات من حثيات ربي عز وجل ". والثلة المذكورة فيه عددهم سبعون ألفا جاء أيضا في حديث ابن عباس عند الشيخين وغيرهما. 1910 - " صلوا في بيوتكم ولا تتركوا النوافل فيها ". أخرجه الدارقطني في " الأفراد " وعنه الديلمي في " مسند الفردوس " معلقا (2 / 141) من طريق سعيد بن بزيع عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن أنس وجابر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه وسعيد بن بزيع صدوق كما في " الجرح والتعديل " (2 / 8) . ولكن يشهد للحديث ما أخرجه مسلم (2 / 187) وأحمد (2 / 6 و 123) وغيرهما من حديث ابن عمر مرفوعا بلفظ: " صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورا ". وعزاه السيوطي في " الجامع " للترمذي والنسائي فقط! وتبعه على ذلك المناوي، فلم يستدرك عليه كونه عند مسلم أيضا !! وأخرجه البخاري بلفظ: " اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ... " والباقي نحوه. وهو رواية لمسلم وأحمد وغيرهما. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (958) .

1911

1911 - " صل من قطعك وأحسن إلى من أساء إليك وقل الحق ولو على نفسك ". رواه أبو عمرو بن السماك في " حديثه " (2 / 28 / 1) : حدثنا جعفر بن محمد الزعفراني الرازي حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي قال: لما ضممت إلى سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدت في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم رقعة فيها، فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، الزعفراني هذا قال ابن أبي حاتم: " سمعت منه وهو صدوق ". وقال الحافظ في " اللسان ": " هو من الحفاظ الكبار الثقات ". قلت: وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون. 1912 - " صلاة رجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى، وصلاة أربعة يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى ". رواه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 132 - 193) والبزار (رقم - 461) وابن سعد (7 / 411) والديلمي (2 / 243 - 244) عن أبي خالد ثور بن يزيد عن ابن سيف الكلاعي عن عبد الرحمن بن زياد عن قباث بن أشيم الليثي مرفوعا. قال ابن شعيب: فقلت لأبي خالد: ما " تترى "؟ قال: متفرقين. قلت: وهذا سند ضعيف، عبد الرحمن بن زياد هذا لا يعرف أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 234) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما ابن حبان فأورده في " الثقات "

1913

(1 / 123) ! ولعله لذلك قال المنذري (1 / 152) : " رواه البزار والطبراني بإسناد لا بأس به ". لكن للحديث شاهد يتقوى به من حديث أبي بن كعب مرفوعا نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 131 / 1) وأبو داود والنسائي وغيرهم وصححه الحاكم وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 563) وغيره. 1913 - " ذر الناس يعملون، فإن في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلى الجنة وأوسطها وفوق ذلك عرش الرحمن ومنها تفجر أنهار الجنة، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ". أخرجه الترمذي (3 / 325 - 326 - تحفة) وأحمد (5 / 240 - 241) عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من صام رمضان وصلى الصلاة وحج البيت، لا أدري أذكر الزكاة أم لا - إلا كان حقا على الله أن يغفر له، إن هاجر في سبيل الله، أو مكث بأرضه التي ولد بها. قال معاذ: ألا أخبر بها الناس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، والسياق للترمذي وقال: " هكذا روي هذا الحديث عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن معاذ بن جبل وهذا عندي أصح من حديث همام عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عبادة بن الصامت وعطاء لم يدرك معاذ بن جبل، ومعاذ قديم الموت مات في خلافة عمر ".

1914

قلت: مات سنة (18) ومولد عطاء بن يسار بعده بسنة، ولذلك أعله الحافظ في " الفتح " (6 / 9) بالانقطاع. وأخرجه أحمد (5 / 232) من طريق زهير بن محمد حدثنا زيد بن أسلم به مختصرا. وثمة اختلاف آخر في إسناد الحديث لم يشر إليه الترمذي، فقد أخرجه البخاري (6 / 9 - 10 و 13 / 351) من طريق هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوع نحو حديث عبد العزيز إلا أنه لم يقل: " ذر الناس يعملون "، ومعناه في حديث معاذ المعروف وفيه: " قال: قلت: يا رسول الله! أفلا أبشر الناس؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا ". أخرجه البخاري في " العلم " ومسلم في " الإيمان " (1 / 43) وهو في " مختصر صحيح البخاري " برقم (85) . 1914 - " صل صلاة مودع كأنك تراه، فإن كنت لا تراه، فإنه يراك، وآيس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ". أخرجه في " التاريخ " (3 / 2 / 216) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (6 / 74 / 2) والطبراني في " الأوسط " (4588) والقضاعي في " مسند الشهاب " (80 / 2) والبيهقي في " الزهد " (62 / 1 - 2) والقاضي الشريف أبو علي في " مشيخته " (1 / 173 / 2) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 16 / 1 ) والضياء المقدسي في " المختارة " عن أبي علي الحسن بن راشد بن عبد ربه: أخبرنا نافع قال: سمعت ابن عمر يقول: " أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقال: يا رسول الله! حدثني حديثا واجعله موجزا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وقال الضياء:

" راشد بن عبد ربه لم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه ". قلت: وكذا ابنه الحسن بن راشد، ولا وجدت غيره ذكرهما، ومع ذلك صححه ابن حجر الهيثمي في " أسنى المطالب في صلة الأقارب " (ق 25 / 1) ، فلعل ذلك لشواهده الآتية. والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 229) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه من لم أعرفهم ". والحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أبي محمد الإبراهيمي في " كتاب الصلاة " وابن النجار عن ابن عمر. لم يزد. وهذا تقصير فاحش كما يتبين لك من تخريجنا هذا. ثم إن الحديث حسن عندي أو صحيح، فإن له شواهد تقويه، أذكر ما تيسر لي منها: الأول: عن سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " عليك بالإياس مما في أيدي الناس ... " الحديث. وفيه جملة لم أجد لها شاهدا، فأوردته من أجلها في " الضعيفة " برقم (3881) ، وخرجته هناك. الثاني: عن سعد بن عمارة أخي سعد بن بكر - وكانت له صحبة - أن رجلا قال له: عظني في نفسي يرحمك الله. قال: " إذا أنت قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، فإنه لا صلاة لمن لا وضوء له ولا إيمان لمن لا صلاة له ". ثم قال: " إذا أنت صليت فصل صلاة مودع واترك طلب كثير من الحاجات، فإنه فقر حاضر، واجمع اليأس مما في أيدي الناس فإنه هو الغنى، وانظر إلى ما تعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه ".

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5459) من طريق محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ويحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري أنهما حدثاه عن سعد بن عمارة به موقوفا وهو في حكم المرفوع كما هو ظاهر. قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في محمد بن إسحاق وقد صرح بالتحديث، وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 236) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". وتبعه الحافظ في " الإصابة ". الثالث: عن عبد الله (وهو ابن مسعود) قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغنى؟ قال: " اليأس مما في أيدي الناس ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (5907) عن إبراهيم بن زياد العجلي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن زر عنه. وقال: " تفرد به إبراهيم بن زياد ". قلت: وهو متروك كما قال الهيثمي (10 / 286) وسائر رجاله ثقات. الرابع: عن أبي أيوب الأنصاري مرفوعا بلفظ: " إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ... " الحديث. وقد مضى تخريجه برقم (401) وقد رواه الطبراني أيضا في " الكبير " (3987 و 3988) . الخامس: عن أنس مرفوعا بالجملة الأخيرة من الحديث. وقد مضى تخريجه وبيان أن إسناده حسن برقم (354) .

1915

السادس: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " أظهروا اليأس من الناس وأقلوا طلب الحاجات إليهم، وإياك وما يعتذر منه، وإذا توضأت فأسبغ الوضوء، وإذا صليت فصل صلاة مودع ". أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 75) معلقا فقال: ذكر موسى بن إسماعيل التبوذكي قال: حدثنا جرير بن عبد الله أبو عبيدة قال: سمعت معاوية بن قرة قال: قال عمر.... قلت: وجرير هذا لم أعرفه. وبالجملة فالحديث قوي بهذه الشواهد. 1915 - " صلوا صلاة المغرب مع سقوط الشمس، بادروا بها طلوع النجم ". رواه الطبراني (رقم - 4058 و 4059) من طريقين عن يزيد بن أبي حبيب حدثني أسلم أبو عمران أنه سمع أبا أيوب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات وقد أخرجه أحمد (5 / 415) والدارقطني ( 1 / 260 - مصر) من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه، و (5 / 421 ) من طريق ابن أبي ذئب عنه به إلا أنه قال: عن رجل لم يسمه. وقال الهيثمي ( 2 / 310) : " رواه أحمد عن يزيد بن أبي حبيب عن رجل عن أبي أيوب، وبقية رجاله ثقات، والطبراني عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران عن أبي أيوب، ورجاله موثوقون ". وكأنه لم يقف على رواية أسلم عند أحمد وإلا لم يغفلها.

1916

ولابن أبي حبيب إسناد آخر فيه بلفظ: " لا تزال أمتي على الفطرة ما لم يؤخروا المغرب إلى اشتباك النجوم ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (444) و" الإرواء " تحت الحديث (917) . 1916 - " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة ". أخرجه أحمد (3 / 111 و 112 و 261) وابن سعد (3 / 505) والحاكم (3 / 352 ) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 309) والخطيب في " التاريخ " (13 / 224) وابن عساكر في " تاريخه " (6 / 310 / 1) عن سفيان بن عيينة عن علي بن جدعان عن أنس مرفوعا به. وقال أبو نعيم: " مشهور من حديث ابن عيينة، تفرد به عن ابن زيد ". وأخرجه أحمد (3 / 249) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد به. قلت: وهو علي بن زيد بن جدعان، ضعيف لسوء حفظه، لكن يبدو أنه لم يتفرد به، فقد أخرجه الحاكم وابن عساكر من طريقين آخرين عن سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر أو (وقال الحاكم: و) عن أنس بلفظ " ألف رجل "، وقال الحاكم : " رواته عن آخرهم ثقات ". قلت: ابن عقيل فيه كلام من قبل حفظه، وهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، لاسيما عند المتابعة كما هنا، والظاهر أن ابن عيينة كان يرويه عنه تارة وعن ابن جدعان تارة أخرى، إلا أن الأول كان يزيد في السند جابرا، أو يتردد بينه وبين أنس، والحديث حديث أنس، ويؤيده أن أحمد أخرجه (3 / 203) من طريق آخر فقال: حدثنا يزيد بن هارون: أنبأنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا به.

1917

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. (الفئة) : الفرقة والجماعة من الناس في الأصل، والطائفة التي تقيم وراء الجيش، فإن كان عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إليهم، كما في " النهاية ". 1917 - " صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحاب أو ظلمة أو هبوة، فأكملوا العدة، لا تستقبلوا الشهر استقبالا، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان ". رواه أبو عبيد في " غريب الحديث " (59 / 1 - 2) : حدثنا ابن أبي عدي عن حاتم ابن أبي صغيرة عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات كلهم رجال مسلم، وفي سماك كلام يسير. والحديث أخرجه النسائي (1 / 306 - 307) : أخبرنا قتيبة قال: حدثنا ابن أبي عدي به دون قوله: " أو هبوة ". وكذلك أخرجه أحمد (1 / 226) من طريق إسماعيل (ابن أبي علية) : أخبرنا حاتم بن أبي صغيرة به. و (1 / 258) من طريق زائدة عن سماك به نحوه. وكذا أخرجه البيهقي (4 / 207) . وللحديث طرق أخرى عن ابن عباس، وشواهد خرجتها في " الإرواء " تحت الحديث (902) و " صحيح أبي داود " (2015 و 2016) . (الهبوة) : الغبرة: ويقال لدقاق التراب إذا ارتفع: هبا يهبو هبوا. 1918 - " صوموا من وضح إلى وضح ". رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 3046) : حدثنا إبراهيم (هو ابن هاشم

البغوي) : حدثنا موسى بن محمد بن حيان أنبأنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة حدثني مفضل بن فضالة عن سالم بن عبد الله بن سالم عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه مرفوعا، وقال: " لم يروه عن أبي المليح إلا سالم، ولا عنه إلا مفضل، تفرد به أبو قتيبة ". قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، لكن مفضل بن فضالة ضعيف وهو أبو مالك البصري أخو مبارك. وموسى بن محمد بن حيان، كذا الأصل بالمثناة من تحت: وكذا في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 161) : " حيان " وكذلك هو في " الميزان " طبعة الخانجي وهو مقتضى ما في " اللسان " لكن وقع خطأ مطبعي، ووقع في " الميزان " طبعة البجاوي " جيان " اغترارا منه بنسخة من " الميزان " من أن فيه ما هو صريح في تخطئته ذلك. وهو قوله: " وقد نقطه بجيم - في أماكن - ابن الأزهر الصريفيني فوهم ". وأكد ذلك الحافظ ابن حجر، فأتبعه بقوله: " والمعروف بالمهملة ". ثم إن ابن حيان هذا قال الذهبي: " ضعفه أبو زرعة، ولم يترك ". ولكنه لم يتفرد به كما يشير إلى ذلك قول الطبراني المتقدم، وكما يأتي تحقيقه . وسالم بن عبد الله بن سالم لم أعرفه وبه أعله الهيثمي فقال (3 / 158) : " رواه البزار والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه سالم بن عبد الله ابن سالم، ولم أجد من ترجمة، وبقية رجاله موثوقون ". هكذا وقع فيه " سالم ابن عبد الله " مكبرا، وكذلك وقع في " الأوسط " كما سبق، وكذا في " مجمع البحرين " (1 / 102 / 2) . ووقع في " تهذيب المزي " في الرواة عن

1919

المفضل " سالم بن عبيد الله " مصغرا، وكذلك وقع في " كبير الطبراني " (504) ، فإنه رواه بإسناد " الأوسط " المتقدم وبإسناد آخر عن عبد الرحمن بن المبارك العيشي : حدثنا أبو قتيبة به. وأخرجه البزار (1025) من طريق أخرى عن أبي قتيبة به لكن وقع فيه سقط. وقد وجدت للحديث شاهد من رواية مصاد بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا به. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (12 / 360 - 361) ، ورجاله ثقات غير مصاد هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 4040) برواية ثلاثة من الثقات، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فالحديث به حسن إن شاء الله تعالى. قوله: (وضح) محركة بياض الصبح كما في " القاموس ". وفي " النهاية ": " أي من الضوء إلى الضوء. وقيل: من الهلال إلى الهلال وهو الوجه لأن سياق الحديث يدل عليه، وتمامه: " فإن خفي عليكم فأتموا العدة ثلاثين يوما ". قلت: لم أر الحديث بهذا التمام، فإن صح به، فهو الوجه، وإلا فالذي أراه - والله أعلم - أن المعنى: صوموا من السحور إلى السحور. أجاز لهم مواصلة الصيام ما بينهما، وقد جاء هذا صريحا في حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تواصلوا، فأيكم إذا أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر ". أخرجه البخاري (رقم - 962 - مختصره) وابن خزيمة وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2044) . 1919 - " صلاة الليل مثنى مثنى، وجوف الليل الآخر أجوبه دعوة ". أخرجه أحمد (4 / 387) : حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن حبيب بن عبيد عن عمرو بن عبسة مرفوعا به، قال: " قلت: أوجبه؟ قال: لا ، بل أجوبه. يعني بذلك الإجابة ".

وفي رواية عنه به مثله إلا أنه قال: " عطية بن قيس " بدل " حبيب بن عبيد ". وكذلك أخرجه من طريق محمد بن مصعب: حدثنا أبو بكر به إلا أنه خالفه في متنه فقال: " أوجبه دعوة، قال: فقلت: أجوبه؟ قال: لا، ولكنه أوجبه. يعني بذلك الإجابة ". قلت: وهذا إسناد ضعيف لأن ابن أبي مريم هذا كان اختلط، ولذلك جزم بضعفه الهيثمي (2 / 264) ، وعزاه لأحمد وحده، وأما السيوطي فعزاه في " الصغير " لابن نصر والطبراني في " الكبير " عن عمرو بن عبسة به لكنه قال: " أحق به " بدل " أجوبه دعوة " وكذلك أورده في " الكبير " وزاد في مخرجيه: " ابن جرير " . وقال المناوي في " شرحه ": " أحق به " كذا بخط المصنف، وفي نسخ (أجوبه دعوة) ولا أصل لها في خطه، لكنها رواية ". قلت: ويغلب على الظن أن هذا الاختلاف في هذا الحرف من قبل أبي بكر نفسه، لاختلاطه، فقد رأيت أنه في " المسند " عنه بلفظ الترجمة: " أجوبه دعوة " وباللفظ الآخر: " أوجبه دعوة "، فالظاهر أن عند ابن نصر ومن قرن معه بلفظ : " أحق به "، وليس تصحيفا من السيوطي. ومن المؤسف أن الحديث عند ابن نصر في " قيام الليل " (ص 50) ، لكن مختصره المقريزي حذف سنده ومتنه كله، ولم يبق منه إلا قوله: وفيه عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " صلاة الليل مثنى مثنى ". وعلى كل حال فالإسناد ضعيف، لكن الشطر الأول منه صحيح قطعا، لأنه في " الصحيحين " وغيرهما من حديث ابن عمر مرفوعا به، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1197) وغيره. والشطر الآخر بلفظ الترجمة له طريقان آخران عن ابن عبسة، في " المسند "

1920

(4 / 112 و 385) بنحوه. وله طريق ثالث عنه عند الترمذي وغيره وصححه ابن خزيمة (1 / 125 / 1) وغيره، وهو مخرج في " تخريج الترغيب " (1 / 291) ، فصح الحديث كله والحمد لله تعالى. 1920 - " الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر والجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 249 - 250) عن عبد الحكيم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الحكيم هذا هو ابن عبد الله القسملي وهو ضعيف كما في " التقريب ". وتابعه زياد النميري عن أنس به دون قوله " وزيادة ثلاثة أيام ". أخرجه البزار (رقم - 347) عن زائدة بن أبي الرقاد عنه، وقال: " زائدة ضعيف، وزياد النميري ليس به بأس ". كذا قال، وزياد - وهو ابن عبد الله النميري - ضعفه الأكثرون، وقال في " التقريب ": " ضعيف ". لكن الحديث قد صح من حديث أبي هريرة مرفوعا دون الزيادة. أخرجه مسلم وفي رواية له بلفظ: " من توضأ فأحسن الوضوء، ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصا فقد لغا ". وأخرجه أبو داود أيضا وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (964) . وبالجملة فالحديث بهذا الشاهد صحيح. والله أعلم.

1921

1921 - " الصورة الرأس، فإذا قطع الرأس، فلا صورة ". عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " للإسماعيلي في " معجمه " وبيض له المناوي، فلم يتكلم على إسناده بشيء وقد وقفت على سنده على ظهر الورقة الأولى من الجزء الحادي عشر من " الضعفاء " للعقيلي بخط بعض المحدثين، أخرجه من طريق عدي بن الفضل وابن علية جميعا عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مرفوعا، ومن طريق عبد الوهاب عن أيوب موقوفا عليه . قلت: وابن علية واسمه إسماعيل أحفظ من عبد الوهاب وهو ابن عبد المجيد الثقفي، فروايته المرفوعة أرجح، لاسيما ومعه المقرون به عدي بن الفضل على ضعفه، فإذا كان السند إليهما صحيحا، فالسند صحيح، ولم يسقه الكاتب المشار إليه. ولكن يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: " أتاني جبريل ... " الحديث، وفيه: " فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة ... "، فهذا صريح في أن قطع رأس الصورة أي التمثال المجسم يجعله كلا صورة. قلت: وهذا في المجسم كما قلنا وأما في الصورة المطبوعة على الورق أو المطرزة على القماش، فلا يكفي رسم خط على العنق ليظهر كأنه مقطوع عن الجسد بل لابد من الإطاحة بالرأس. وبذلك تتغير معالم الصورة وتصير كما قال عليه الصلاة والسلام: " كهيئة الشجرة ". فاحفظ هذا ولا تغتر بما جاء في بعض كتب الفقه ومن أخذها أصلا من المتأخرين. راجع " آداب الزفاف " (ص 103 - 104 - الطبعة الثالثة ". 1922 - " الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة ". رواه أحمد (4 / 335) وأبو عبيد في " الغريب " (95 / 2) والسري بن يحيى في " حديث الثوري " (204 / 1) وابن أبي الدنيا في " التهجد " (2 / 60 / 2) وأبو العباس

الأصم في " جزء من حديثه " (192 / 2 مجموع 24) عن أبي إسحاق عن نمير بن عريب عن عامر بن مسعود مرفوعا. وكذا رواه الضياء المقدسي في " المختارة " (45 - 46) وفي " الأحاديث والحكايات " (13 / 169 / 1) وابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 181 / 2) والقضاعي (13 / 1) والبيهقي في " السنن " (4 / 496) . قلت: وهذا سند ضعيف، نمير هذا قال الذهبي: " لا يعرف ". قلت: وأخرجه ابن أبي الدنيا في " التهجد " (2 / 54 / 1) : أخبرنا علي بن محمد قال: أخبرنا أسد قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن شيخ من قريش يقال له عامر بن مسعود مرفوعا به، وزاد: " أما ليله فطويل وأما نهاره فقصير ". ورواه ابن عساكر (14 / 359 / 1) من طريق أخرى عن إسرائيل به وقال: " كذا جاء في هذه الرواية، وقد أسقط من إسناده نمير بن عريب بين أبي إسحاق وبين عامر ". ثم ساقه من طريق أحمد عن أبي إسحاق عن نمير عن عامر به. وله شاهد أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص - 148 رقم - 69 - الروض) وابن عدي (177 / 1) وابن عساكر (2 / 111 / 1) عن الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس مرفوعا. وقال الأولان: " لم يروه عن قتادة إلا سعيد تفرد به الوليد " . قلت: هو ثقة ولكنه يدلس تدليس التسوية، وقد عنعن إسناده. وسعيد بن بشير ضعيف.

1923

وله شاهد آخر، رواه ابن عدي (149 / 1) عن عبد الوهاب بن الضحاك: حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير عن ابن المنكدر عن جابر مرفوعا. قلت: وعبد الوهاب هذا كذاب كما قال أبو حاتم. وبالجملة فالحديث بالشاهد عن أنس حسن. والله أعلم. وله شاهد آخر من رواية دراج عن الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " الشتاء ربيع المؤمن، طال ليله فقامه وقصر نهاره فصامه ". وهذا إسناد فيه ضعف أخرجه أحمد وغيره وهو مخرج في " الروض النضير " تحت حديث أنس المتقدم آنفا. 1923 - " دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم ". أخرجه أحمد (3 / 266) حدثنا أحمد بن عبد الملك حدثنا زهير حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: " كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها؟ ! فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وزهير هو ابن معاوية. وللحديث شاهد يرويه إسماعيل بن إبراهيم عن أبي خالد عن الشعبي عن ابن أبي أوفى قال: اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لم تؤذي رجلا من أصحاب بدر؟ لو أنفقت ... " الحديث.

1924

أخرجه البزار (ص 274 زوائد ابن حجر) . ورجاله ثقات غير أبي خالد هذا وأظنه الدالاني وفيه ضعف. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي سعيد وغيره بلفظ: " لا تسبوا أصحابي ... " الحديث. وفيه ذكر ما كان بين خالد وعبد الرحمن، وهو مخرج في " ظلال الجنة " (988 - 991) . 1924 - " طائفة من أمتي يخسف بهم يبعثون إلى رجل، فيأتي مكة، فيمنعه الله منهم ويخسف بهم، مصرعهم واحد ومصادرهم شتى، إن منهم من يكره، فيجيء مكرها ". أخرجه أحمد (6 / 259 و 316 - 317 و 317) وأبو يعلى (4 / 1668) عن علي بن زيد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقظ من منامه وهو يسترجع، قالت: فقلت: يا رسول الله ما شأنك؟ قال: " فذكره. قلت: وعلي بن زيد هو ابن جدعان وفيه ضعف، لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث عائشة. ساقه أحمد عقبه من طريقين عن حماد بن سلمة عن أبي عمران الجوني عن يوسف بن سعد عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. ورجاله ثقات رجال مسلم غير يوسف بن سعد وهو ثقة، فالسند صحيح. وتابعه عبد الله بن الزبير أن عائشة قالت: عبث رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقلنا: يا رسول الله! صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله، فقال: " العجب، إن ناسا من أمتي يؤمون البيت برجل من قريش قد لجأ بالبيت، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ... " الحديث نحوه، وزاد:

1925

" يبعثهم الله على نياتهم ". أخرجه مسلم (4 / 2884) وأحمد (6 / 105) دون الزيادة. وحديث أم سلمة له طريق أخرى عند مسلم (4 / 2882) وأحمد (6 / 290) بلفظ: " يعوذ عائذ بالبيت ... " الحديث نحو حديث ابن الزبير. وأخرجه أبو يعلى (4 / 1665) مختصرا، والحاكم (4 / 429) بتمامه، وقال: " صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي. وله طريق أخرى عن أم سلمة نحوه، وفيه زيادات، يشير أحدها إلى أن الرجل الذي يأتي مكة هو المهدي لكن في سنده جهالة ولذلك خرجته في " الضعيفة " (1965) . ولقد كان الجهل بضعفه من أسباب ضلال جماعة (جهيمان) التي قامت بفتنة الحرم المكي، وادعوا زورا أن المهدي بين ظهرانيهم، وطلبوا له البيعة ، فقضى الله على فتنتهم ومهديهم، وكفى المؤمنين شرهم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك أثناء التعليق على الحديث رقم (1529) . (مصادرهم) من (الصدر) وهو الإنصراف، أي أنهم يصدرون بعد هلاكهم مصادر متفرقة على قدر أعمالهم ونياتهم، فـ (فريق في الجنة وفريق في السعير) . (عبث) أي حرك يديه كالدافع أو الآخذ. 1925 - " رأت أمي كأنه خرج منها نور أضاءت منه قصور الشام ". أخرجه أحمد (5 / 262) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 102) وابن عدي (326 / 1) والطبراني في " الكبير " (7729) عن فرج بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير فرج بن فضالة، فإنه ضعيف، لكن فرق

1926

أحمد بين روايته عن الشاميين فقواها، وبين روايته عن الحجازيين، فقال: " إذا حدث عن الشاميين فليس به بأس، ولكنه حدث عن يحيى بن سعيد مناكير ". قلت: وهذا من روايته عن الشاميين، فإن لقمان بن عامر منهم. وله شاهد من حديث أبي العجفاء مرفوعا به نحوه. أخرجه ابن سعد بإسناد رجاله ثقات. وشاهد آخر عن أبي مريم الغساني مرفوعا به. قال الهيثمي (8 / 224) : " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا ". وفي حديث العرباض بن سارية مرفوعا بلفظ: " ورؤيا أمي التي رأت في منامها أنها وضعت نورا ... ". قلت: وفي آخره زيادة منكرة أوردته من أجلها في الكتاب الآخر (2085) . 1926 - " طوبى لعيش بعد المسيح، طوبى لعيش بعد المسيح يؤذن للسماء في القطر ويؤذن للأرض في النبات، فلو بذرت حبك على الصفا لنبت، ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض، حتى يمر الرجل على الأسد ولا يضره، ويطأ على الحية فلا تضره ولا تشاح ولا تحاسد ولا تباغض ". رواه أبو بكر الأنباري في " حديثه " (ج 1 ورقة 6 / 1 - 2) قال: حدثنا جعفر ابن محمد بن شاكر قال: حدثنا عفان قال: حدثني سليم بن حيان - إملاء من قرطاس وسألته - قال: حدثنا سعيد بن مينا عن أبي هريرة مرفوعا.

1927

ومن طريق الأنباري رواه الديلمي (2 / 161) وابن المحب في " صفات رب العالمين " (427 / 1) وقال: " هذا على شرط خ ". قلت: جعفر بن محمد بن شاكر لم يخرج له البخاري ولا غيره من الستة، وهو ثقة وقد ترجمه الخطيب (7 / 185 - 187) وفي " التهذيب " أيضا ولم يرمز له بشيء . ورواه الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (127 / 1 - 2) من طريق أبي جعفر البغدادي: حدثنا جعفر بن محمد به. قلت: فالإسناد صحيح. 1927 - " الظلم ثلاثة، فظلم لا يتركه الله وظلم يغفر وظلم لا يغفر، فأما الظلم الذي لا يغفر، فالشرك لا يغفره الله، وأما الظلم الذي يغفر، فظلم العبد فيما بينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد، فيقتص الله بعضهم من بعض ". أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (2 / 60 - 61 ترتيبه) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 309) : حدثنا الربيع عن يزيد عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل يزيد وهو الرقاشي، فإنه ضعيف كما في " التقريب ". والربيع هو ابن صبيح السعدي أبي بكر البصري، صدوق سيء الحفظ. لكن الحديث عندي حسن، فإن له شاهدا من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها مرفوعا به نحوه، وفيه زيادة بلفظ:

1928

" الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة.. " الحديث نحوه وقد خرجته في " الأحاديث الضعيفة " و " المشكاة " (5133) . 1928 - " الطاعون شهادة لأمتي، وخز أعدائكم من الجن، غدة كغدة الإبل، تخرج بالآباط والمراق، من مات فيه مات شهيدا ومن أقام فيه (كان) كالمرابط في سبيل الله ومن فر منه كان كالفار من الزحف ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 5661) وأبو بكر بن خلاد في " الفوائد " (ق 36 / 1) والسياق له عن يوسف بن ميمون عن عطاء عن ابن عمر عن عائشة مرفوعا. وليس عند الطبراني: " من مات فيه مات شهيدا "، وقال بدل قوله: " ومن أقام فيه كان كالمرابط في سبيل الله ". " والصابر عليه كالمجاهد في سبيل الله ". وقال: " تفرد به يوسف ". قلت: وهو المخزومي مولاهم الكوفي الصباغ وهو ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب ". وقد وجدت لزيادة ابن خلاد طريقا أخرى عند أبي يعلى في " مسنده " (3 / 1146) من طريق ليث عن صاحب له عن عطاء قال: قالت عائشة: ذكر الطاعون، فذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وخزة يصيب أمتي من أعدائهم من الجن ، غدة كغدة الإبل، من أقام عليه كان مرابطا ومن أصيب به كان شهيدا ومن فر منه كالفار من الزحف ". وليث هو ابن أبي سليم ضعيف لاختلاطه. ولسائر الحديث شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما دون ذكر الآباط والمراق،

1929

وقد جاء ذكر المراق في حديث معاذ عن أحمد (5 / 241) فلعله من أجل هذه الطرق حسن المنذري في " الترغيب " (4 / 204) إسناد هذا الحديث، وتبعه الهيثمي (2 / 315) ، وأشار الحافظ ابن حجر في " بذل الماعون " (69 / 1 - 2) إلى تقويته. والله أعلم. (المراق) : ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترق جلودها. 1929 - " عائد المريض في مخرفة الجنة، فإذا جلس عنده غمرته الرحمة ". أخرجه البزار في " مسنده " (رقم - 774) عن صالح بن موسى عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، صالح بن موسى وهو التيمي الكوفي قال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". لكن له شاهد من حديث جابر مرفوعا بلفظ: " من عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يرجع، فإذا جلس اغتمس فيها ". أخرجه ابن حبان (711) والحاكم (1 / 350) وأحمد (3 / 304) من طريق هشيم حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا لولا أن هشيما قد خولف في إسناده، فأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (522) عن خالد ابن الحارث قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال: أخبرني أبي أن أبا بكر بن حزم ومحمد بن المنكدر

في ناس من أهل المسجد عادوا عمر بن الحكم بن رافع الأنصاري قالوا: يا أبا حفص حدثنا، قال: سمعت جابر بن عبد الله به. ووجه المخالفة أن خالد بن الحارث أدخل بين عبد الحميد وعمر بن الحكم والد عبد الحميد وهو جعفر بن عبد الله بن الحكم وهو ابن أخي عمر بن الحكم وهشيم أسقطه من بينهما. ثم إن خالدا سمى جد عمر بن الحكم رافعا، بينما هشيم سماه ثوبان، ولعله من أجل هذا الاختلاف قيل إنهما واحد، وسواء كان هذا أو ذاك فكلاهما ثقة، فلا يضر ذلك في صحة الحديث. ولعل الأصح رواية خالد بن الحارث التي زاد فيها ذكر جعفر بن عبد الله بن الحكم، فإن زيادة الثقة مقبولة. وجعفر ثقة أيضا من رجال مسلم، فالحديث صحيح على كل حال. ثم وجدت لهشيم متابعا، وهو عبد الله بن حمران الثقة، إلا أنه لم يسم جد عمر بن الحكم. أخرجه البزار (775) . ورواه أبو معشر عن عبد الرحمن بن عبد الله الأنصاري قال:. " دخل أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم على عمر بن الحكم بن ثوبان فقال: يا أبا حفص! حدثنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه اختلاف، قال: حدثني كعب ابن مالك مرفوعا بلفظ: " من عاد مريضا خاض في الرحمة، فإذا جلس عنده استنقع فيها ". وزاد: " وقد استنقعتم إن شاء الله في الرحمة ".

1930

أخرجه أحمد (3 / 460) . لكن أبو معشر هذا واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي ضعيف من قبل حفظه فلا يلتفت إلى مخالفته. وللحديث شاهد آخر من حديث علي رضي الله عنه مضى برقم (1367) . وأما الحديث الذي أورده السيوطي في " الجامع " من رواية أحمد والطبراني عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " عائد المريض يخوض في الرحمة، فإذا جلس عنده غمرته الرحمة، ومن تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده على وجهه أو على يده، فيسأله كيف هو؟ وتمام تحيتكم بينكم المصافحة ". قلت: فهو عند أحمد في " مسنده " مفرقا في موضعين (5 / 260 و 268) من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. قلت: وهذا إسناد واه جدا، عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد وهو الألهاني متروك. والحديث أخرج الترمذي منه " تمام عيادة المريض ... " وقال (2 / 122 ) : " ليس إسناده بذاك ". وأخرجه الطبراني في " الكبير " (7854) من الطريق المذكور بتمامه. (المخرفة) : سكة بين صفين من نخل يخترق من أيها شاء، أي يجتني. وقيل: المخرفة: الطريق. أي أنه على طريق تؤديه إلى طريق الجنة. " نهاية ". 1930 - " لا شؤم، وقد يكون اليمن في ثلاثة: في المرأة والفرس والدار ".

1931

أخرجه ابن ماجة (1 / 614) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 341) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني سليمان بن سليم الكتاني عن يحيى بن جابر عن حكيم بن معاوية عن عمه مخمر بن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه الترمذي (2 / 135) : حدثنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن عياش به إلا أنه قال: عن عمه حكيم بن معاوية. فاختلفا في اسم صاحبيه. وذلك غير ضائر إن شاء الله تعالى. وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات كما في " الزوائد ". قلت: وإسماعيل بن عياش حجة في روايته عن الشاميين، وهذه منها. وأما قول الحافظ في " الفتح " (6 / 46) بعد أن عزاه للترمذي: " في إسناده ضعف "، فهو مما لا وجه له بعد أن بينا أنه إسناد شامي والخلاف المذكور في اسم صاحبيه لا يضر وذلك لأن الصحابة كلهم عدول. على أن علي بن حجر أوثق وأحفظ من هشام بن عمار، فروايته أرجح وأصح. ثم رأيت ابن أبي حاتم قد ذكر في " العلل " (2 / 299) عن أبيه أنه جزم بهذا الذي رجحته. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. والحديث صريح في نفي الشؤم، فهو شاهد قوي للأحاديث التي جاءت بلفظ: " إن كان الشؤم في شيء.. " ونحوه خلافا للفظ الآخر: " الشؤم في ثلاث ... ". فهو بهذا اللفظ شاذ مرجوح كما سبق بيانه تحت الحديث (393) . 1931 - " عالجيها بكتاب الله ".

1932

أخرجه ابن حبان (1419) من طريق عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: " فذكره . قلت: وإسناده صحيح. وفي الحديث مشروعية الترقية بكتاب الله تعالى ونحوه مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرقى كما تقدم في الحديث (178) عن الشفاء قالت: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا عند حفصة فقال لي: " ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة؟ ". وأما غير ذلك من الرقى فلا تشرع، لاسيما ما كان منها مكتوبا بالحروف المقطعة والرموز المغلقة التي ليس لها معنى سليم ظاهر، كما ترى أنواعا كثيرة منها في الكتاب المسمى بـ " شمس المعارف الكبرى " ونحوه. 1932 - " من قال: (لا إله إلا الله) أنجته يوما من دهره، أصابه قبل ذلك ما أصابه ". أخرجه أبو سعيد بن الأعرابي في " معجمه " (ق 88 / 2) وابن حيويه في " حديثه " (3 / 2 / 2) وابن ثرثال في " سداسياته " (227 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 46) والخطيب في " الموضح " (2 / 205) والبيهقي في " الشعب " (1 / 56 - هندية) كلهم عن عمرو بن خالد المصري أخبرنا عيسى بن يونس عن سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن الأغر عن أبي هريرة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمرو بن خالد المصري وهو ثقة من شيوخ البخاري. وقد توبع، فرواه أبو سعيد أيضا (112 / 2) : أخبرنا إبراهيم بن راشد أخبرنا داود بن مهران أخبرنا عيسى بن يونس به.

ورواه الثقفي في " الفوائد " (ج 9 / 5 / 2) عن سعيد بن الصلت حدثنا أبو ظبية عن هلال بن يساف عن أبي هريرة لم يذكر بينهما: الأغر. وأخرجه البزار في " مسنده " (رقم - 3) وعنه البيهقي حدثنا أبو كامل حدثنا أبو عوانة عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي هريرة به. وقال البزار: " لا نعلمه يروي عنه صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، ورواه عيسى بن يونس عن الثوري عن منصور أيضا. وقد روي عن أبي هريرة موقوفا، ورفعه أصح ". قلت: كذا وقع فيه أيضا لم يذكر في إسناده (الأغر) ، وظاهر كلامه أن رواية عيسى كذلك، فلا أدري أكذلك وقعت الرواية عنده عنه، أم هو تساهل منه في حمل روايته على رواية أبي عوانة؟ وسواء كان هذا أو ذاك فالسند صحيح أيضا لأن هلال تابعي معروف الرواية عن الصحابة كعمران بن حصين وعائشة وأدرك عليا رضي الله عنه. وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 238) : " رواه البزار والطبراني، ورواته رواة الصحيح ". وهو عند الطبراني في " الأوسط " (6533) من طريق حديج بن معاوية حدثنا حصين عن هلال بن يساف عن الأغر به. وقال: " لم يروه عن حصين إلا حديج ". قلت: وهو صدوق يخطىء كما قال الحافظ في التقريب، فهو ممن يستشهد به، ويرجح ثبوت ذكر الأغر في السند. والله أعلم. وللحديث طريق آخر يرويه حفص الغاضري عن موسى الصغير عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " ولو بعدما يصيبه العذاب ".

1933

أخرجه الطبراني في " الصغير " (رقم - 1156 - الروض) و " الأوسط " (رقم - 363) والخطيب في " الموضح " (2 / 28) وقال الطبراني: " الغاضري هذا هو حفص بن سليمان أبو عمر القارىء ". قلت: وهو متروك، فالاعتماد على ما قبله. 1933 - " عرضت علي الأيام، فعرض علي فيها يوم الجمعة، فإذا هي كمرآة بيضاء، وإذا في وسطها نكتة سوداء، فقلت: ما هذه؟ قيل: الساعة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 48 / 2) عن أبي سفيان الحميري: حدثنا الضحاك بن حمرة عن يزيد بن حميد عن أنس بن مالك مرفوعا وقال: " لم يروه عن يزيد إلا الضحاك، تفرد به أبو سفيان ". قلت: هو صدوق وسط كما في " التقريب "، واسمه سعيد بن يحيى الحميري. ونحوه الضحاك بن حمرة، فقد اختلفوا فيه ما بين موثق ومضعف، وحسن الترمذي حديثه، فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 164 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني وهو ثقة ". كذا قال، والضحاك بن حمرة لم يخرج له الشيخان شيئا. وأورده هو والمنذري (1 / 248) عن أنس به نحوه بأتم منه، وقال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ". وقال المنذري: " ... بإسناد جيد " .

وقال في مكان آخر (4 / 274 - 275) : " رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في " الأوسط " بإسنادين أحدهما جيد قوي، وأبو يعلى مختصرا، ورواته رواة الصحيح والبزار ". قلت: في إسناد الطبراني خالد بن مخلد القطواني وهو وإن كان من رجال البخاري ففي حفظه ضعف، وهو راوي حديث " ... من عادى لي وليا ... " وهو مخرج فيما تقدم برقم (1640) مع بيان شواهده التي تقويه. وبالجملة فالحديث بمجموع الطريقين حسن على الأقل. ثم وجدت له طريقا أخرى أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 72 - 73) عن يزيد بن عبد ربه الجرجاني قال: حدثنا الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك به. وقال: " غريب من حديث الأوزاعي عن يحيى متصلا مرفوعا ولم نكتبه إلا من هذا الوجه، وقيل: إنه تفرد به يزيد ". قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، لكن الوليد وهو ابن مسلم يدلس تدليس التسوية. ويحيى بن أبي كثيرا رأى أنسا لكنه رمي بالتدليس . وله طريق ثالث، فقال أبو يعلى (3 / 1046) : حدثنا شيبان بن فروخ أخبرنا الصعق بن حزن أخبرنا علي بن الحكم البناني عن أنس بن مالك به. وفيه ذكر يوم المزيد. وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال البخاري غير الصعق بن حزن فهو من رجال مسلم وفيه كلام لا يضر. وله بهذه الزيادة طرق أخرى، خرجها ابن القيم في " حادي الأرواح " (2 / 101 - 108) يزيد بعضهم على بعض، ثم قال:

1934

" هذا حديث كبير عظيم الشأن رواه أئمة السنة وتلقوه بالقبول وجمل به الشافعي ( مسنده) ". قلت: وهو عند البزار (320 - زوائد ابن حجر) من طريق عثمان بن عمير عن أنس. وعثمان هذا هو أبو اليقظان الكوفي الأعمى، وهو ضعيف. وبالجملة فالحديث صحيح بمجموع طرقه. والله أعلم. 1934 - " عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار: عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى بن مريم عليه السلام ". أخرجه النسائي (2 / 64) وأحمد (5 / 278) وأبو عروبة الحراني في " حديثه " (102 / 2) عن بقية بن الوليد حدثنا عبد الله بن سالم وأبو بكر بن الوليد الزبيدي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن لقمان بن عامر الوصابي عن عبد الأعلى بن عدي البهراني عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات غير أبي بكر الزبيدي فهو مجهول الحال لكنه مقرون هنا مع عبد الله بن سالم وهو الأشعري الحمصي، ثقة من رجال البخاري. وبقية بن الوليد مدلس ولكنه قد صرح بالتحديث، فأمنا به شر تدليسه. على أنه قد توبع، فقال هشام بن عمار: حدثنا الجراح بن مليح البهراني حدثنا محمد بن الوليد الزبيدي به. أخرج ابن عدي (58 / 2) وابن عساكر (15 / 100 / 1) . وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، الجراح بن مليح وهو الحمصي صدوق. وهشام بن عمار من شيوخ البخاري وكان يتلقن، لكن تبعه سليمان وهو ابن عبد الرحمن بن بنت شرحبيل. أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (3 / 2 / 72) عنه حدثنا الجراح بن مليح به.

1935

قلت: وهذا إسناد قوي، فصح الحديث والحمد لله. 1935 - " عقر دار المؤمنين بالشام ". أخرجه النسائي (2 / 217 - 218) وابن حبان (1617) وأحمد (4 / 104) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 427 - 428) والبغوي في " مختصر المعجم " (9 / 130 / 1) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 174 / 1) والطبراني في " الكبير " (6357 و 6358 و 6359) من طريق عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير عن سلمة بن نفيل الكندي قال: " كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا : لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه وقال: كذبوا، الآن الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحي إلي: أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني أفنادا، يضرب بعضكم رقاب بعض وعقر ... " الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ورواه البزار في " مسنده " (1689) دون قوله: " يضرب بعضكم ... " إلخ. وزاد بعد قوله: " ... يوم القيامة ". " وأهلها معانون عليها ". وقال: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا سلمة بن نفيل وهذا أحسن إسناد يروى في ذلك، ورجاله شاميون مشهورون إلا إبراهيم بن سليمان الأفطس ". قلت: وهو ثبت كما قال دحيم. ورواه عنه الطبراني أيضا (6358) . (أذال) أي أهان. وقيل: أراد أنهم وضعوا أداة الحرب عنها وأرسلوها. كما في " النهاية ".

1936

(يزيغ) أي يميل، في " النهاية ": " في حديث الدعاء: " لا تزغ قلبي " أي لا تمله عن الإيمان. يقال: زاغ عن الطريق يزيغ إذا عدل عنه ". 1936 - " عليك بالخيل فارتبطها، الخيل معقود في نواصيها الخير ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 184) : حدثنا معلى أخبرنا محمد بن حمران أخبرنا سلم الجرمي عن سوادة بن الربيع قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر لي بذود، قال لي: مر بنيك أن يقصوا أظافرهم عن ضروع إبلهم ومواشيهم، وقل لهم: فليحتلبوا عليها سخالها، لا تدركها السنة وهي عجاف، قال: هل لك من مال؟ قلت: نعم، لي مال وخيل ورقيق قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد أورد البخاري في ترجمة سوادة هذا، وقال: " الجرمي، له صحبة، يعد في البصريين ". وبهذا ترجم له في " الإصابة " وخفي حاله على المناوي فقال: " لم أر ذلك في الصحابة المشاهير "! وسلم هو ابن عبد الرحمن الجرمي، وهو صدوق، ومثله محمد بن حمران كما في " التقريب ". ومعلى هو ابن أسد العمي ثقة ثبت من رجال الشيخين. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 259) مع القصة مختصرا، وقال: " رواه البزار، ورجاله ثقات ". قلت: وكذلك أخرجه أحمد (3 / 484) من طريق المرجي بن رجاء اليشكري قال: حدثني سلم بن عبد الرحمن به دون قوله " وقل لهم ". وأورده السيوطي في " الجامع " بلفظ:

1937

" عليك بالخيل، فإن الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ". وقال: " رواه الطبراني والضياء عن سوادة بن الربيع ". قلت: هو عند الطبراني في " الكبير " (6480) من طريق معلى شيخ البخاري، لكن وقع فيه ابن راشد العمي، وهو محرف من (أسد) . ثم روى (6482) من طريق أخرى عن المرجي بن رجاء عن سلم (ووقع فيه: مسلم!) بإسناده ومتنه دون حديث الترجمة، ودون قوله: " وقل لهم ... ". ونحو ذلك عند البزار (1688) . 1937 - " عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها، ... ، عليك بالصوم فإنه لا مثل له، عليك بالسجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة ". رواه الطبراني في " الكبير " كما في " الجامع الصغير " و " الكبير " للسيوطي، من حديث أبي فاطمة ولم أقف على إسناده، ولا على من تكلم عليه بتصحيح أو تضعيف، وقد استطعت الوقوف على الحديث كله إلا فقرة الجهاد، مفرقا في عدة مصادر إلا الفقرة المحذوفة والمشار إليها بالنقط ولفظها: " عليك بالجهاد فإنه لا مثل له ". وإليك البيان: 1 - أخرج النسائي (2 / 182 - 183) من طريق محمد بن عيسى بن سميع قال: حدثنا زيد بن واقد عن كثير بن مرة أن أبا فاطمة يعني حدثه أنه قال: " يا رسول حدثني بعمل أستقم عليه وأعمله، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره مقتصرا على الفقرة الأولى منه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير ابن سميع، فهو صدوق يخطىء ويدلس كما قال الحافظ، وقد صرح بالتحديث كما ترى. وله في " المسند " (3 / 428) طريق آخر يرويه ابن لهيعة حدثنا الحارث بن يزيد عن كثير الأعرج الصدفي قال: " سمعت أبا فاطمة.. فذكره.

وكثير هذا هو ابن قليب بن موهب البصري، وقد فرق بينه وبين كثير بن مرة بن يونس، وعليه جرى الحافظ، فقال في الأول: ثقة، وفي الآخر: مقبول. 2 - أخرج ابن شاهين في " الصحابة " من وجه ضعيف عن أبان بن أبي عياش - أحد المتروكين - عن أنس أن أبا فاطمة الأنصاري أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكر الفقرة الثالثة في الصوم، كذا في " الإصابة " لابن حجر. لكن لهذه الفقرة شاهد صحيح من حديث أبي أمامة مرفوعا مثله. أخرجه النسائي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وهو مخرج في " تخريج الترغيب " (2 / 61 - 62) وقد أخرجه الطبراني (7463 - 7465) وسنده صحيح. 3 - أخرج ابن ماجة (1 / 435) من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة أن أبا فاطمة حدثه قال: " قلت : يا رسول الله أخبرني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال: عليك بالسجود.... " إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد كما قال المنذري (1 / 145) . وأخرجه أحمد (3 / 428) والدولابي في " الكنى " (1 / 48) من طريق ابن لهيعة قال: حدثنا الحارث بن يزيد عن كثير الأعرج الصدفي قال: سمعت أبا فاطمة وهو معنا بذي الفواري يقول: فذكره مرفوعا بلفظ: " يا أبا فاطمة أكثر من السجود ... "، الحديث دون قوله: " وحط عنك خطيئة ". قلت: ورجاله ثقات غير كثير وهو ابن قليب، قال الذهبي: " مصري لا يعرف ". وقيل: إنه كثير بن مرة المذكور في الطريق الذي قبله. والله أعلم.

وفي رواية لأحمد من طريق ابن لهيعة أيضا عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن أبي فاطمة الأزدي أو الأسدي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا فاطمة إن أردت أن تلقاني فأكثر السجود ". ورجاله ثقات غير ابن لهيعة فهو سيء الحفظ، وإسناده الأول أصح لأنه من رواية عبد الله بن يزيد المقرىء عنه عند الدولابي وهو صحيح الحديث عنه. والله أعلم. وجملة القول أن الحديث صحيح إلا فقرة الجهاد لجهلي بحال إسنادها عند الطبراني، وعدم العثور على شاهد لها. والله تعالى أعلم. ثم وقفت على الحديث في المجلد الثاني والعشرين من " المعجم الكبير " للطبراني الذي صدر أخيرا بتحقيق أخينا الفاضل حمدي عبد المجيد السلفي، وقد أهداه إلي مع ما قبله من الأجزاء، جزاه الله خيرا، فرأيت الحديث فيه رقم (810) من طريق زيد بن واقد عن سليمان بن موسى عن كثير ابن مرة أن أبا فاطمة حدثه قال: قلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل.. الحديث مثل رواية النسائي الأولى، لكن بالفقرات الأربع كلها. ورجاله ثقات غير بكر بن سهل شيخ الطبراني، قال الذهبي: " حمل الناس عنه، وهو مقارب الحال، قال النسائي: ضعيف ". قلت: وأعله أخونا حمدي بقوله: " وسليمان بن موسى لم يدرك كثير بن مرة ". قلت: وهذا قول أبي مسهر وفيه عندي نظر لأن كلاهما شامي تابعي وإن كان كثير أقدم، فقد ذكره البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 95) في فصل من مات " ما بين الثمانين إلى التسعين "، وذكر (ص 137) أن سليمان بن موسى عاش إلى سنة

1938

ثلاث وعشرين يعني ومائة، فهو قد أدركه يقينا، فلعل أبا مسهر يعني أنه لم يسمع منه. فالله أعلم. وقد تابعه عند الطبراني (809) مكحول عن كثير بن مرة به. لكن في الطريق إليه بقية بن الوليد وهو مدلس وقد عنعنه. وشيخ الطبراني : عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء الحمصي لم أجد له ترجمة. وبعد، فإن فقرة الجهاد هذه لا تزال بحاجة إلى ما يشهد لها ويقويها. والله أعلم. 1938 - " عليك بحسن الخلق وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما عمل الخلائق بمثلهما ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 834) : حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي أخبرنا بشار بن الحكم أخبرنا ثابت البناني عن أنس قال: " لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر، وأثقل (في الميزان) من غيرهما؟ قال: بلى يا رسول الله، قال: " فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في " الأوسط " (7245) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 65 / 1) من طريقين آخرين حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي به. وتابعه معلى بن أسد حدثنا بشار بن الحكم أبو بدر الضبي به. أخرجه ابن أبي الدنيا في " الصمت " (4 / 32 / 2) والبزار (ص 329 - زوائد ابن حجر ) ، وقال: " تفرد به بشار، وهو ضعيف ". قلت: هو من رجال " الميزان " و " اللسان "، وقد تحرف اسمه في الطرق

المذكورة تحريفا فاحشا، وفي غيرها أيضا! فوقع عند أبي يعلى والبيهقي " سيار " وفي " زوائد البزار ": " مبارك "! وفي " كنى الدولابي " (1 / 126) " يسار "! وكان مما ساعدنا على معرفته أنه وقع على الصواب في كلام البزار المذكور عقب الحديث: " تفرد به بشار، وهو ضعيف ". وقد أشار الحافظ في " اللسان " إلى كلام البزار هذا، ولكنه سقط من الناسخ أو الطابع التضعييف المذكور. ونقل ابن أبي حاتم (1 / 1 / 416) عن أبي زرعة أنه قال فيه: " شيخ بصري منكر الحديث ". وكذا قال الذهبي في " الضعفاء ". وأما قول الهيثمي في " المجمع " (8 / 22) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " ورجال أبي يعلى ثقات " . ومثله قول المنذري في " الترغيب " (3 / 258) : " رواه ابن أبي الدنيا والطبراني والبزار وأبو يعلى بإسناد جيد، رواته ثقات ". قلت: فلعل وجهه - أعني التوثيق المطلق الشامل لبشار هذا - إنما هو الاعتماد على قول ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به " كما في " الميزان ". لكن ذكر الحافظ بن حجر أن أول كلام ابن عدي وهو في كتابه " الكامل " (ق 35 / 1) : " منكر الحديث عن ثابت وغيره ولا يتابع وأحاديثه أفراد وأرجو أنه لا بأس به وهو خير من بشار بن قيراط ". قلت: ابن قيراط كذبه أبو زرعة وضعفه غيره، فكأن ابن عدي يعني بقوله أنه لا بأس به من جهة صدقه، أي أنه لا يتعمد الكذب وإلا لو كان يعني من جهة حفظه أيضا لم يلتق مع أول كلامه: " منكر الحديث ... "، وقال ابن حبان: " ينفرد عن ثابت بأشياء ليست من حديثه ".

1939

قلت: فمثله إلى الضعف بل إلى الضعف الشديد أقرب منه إلى الصدق والحفظ. والله أعلم. لكن قال المنذري عقب ما سبق نقله عنه: " رواه أبو الشيخ ابن حيان في " كتاب الثواب " بإسناد واه عن أبي ذر، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر ألا أدلك على أفضل العبادة وأخفها على البدن وأثقلها في الميزان وأهونها على اللسان؟ قلت: بلى فداك أبي وأمي، قال: عليك بطول الصمت وحسن الخلق، فإنك لست بعامل مثلهما ". ورواه أيضا من حديث أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا الدرداء ألا أنبؤك بأمرين خفيف مؤنتهما، عظيم أجرهما، لم تلق الله عز وجل بمثلهما؟ طول الصمت وحسن الخلق ". قلت: ووجدت له شاهد آخر مرسل. أخرجه ابن أبي الدنيا (4 / 39 / 2) عن محمد ابن عبد العزيز التيمي عن جليس لهم عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " ألا أدلك على أحسن العمل وأيسره على البدن؟ قال: بلى بأبي أنت وأمي، قال: حسن الخلق وطول الصمت عليك بهما، فإنك لن تلقى الله بمثلهما ". قلت: وهذا إسناد مرسل حسن لولا أن الجليس لم يسم، وعلى كل حال، فالحديث به وبحديث أبي ذر وأبي الدرداء حسن على الأقل إن شاء الله تعالى. 1939 - " عليك بحسن الكلام، وبذل الطعام ". أخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 79) وابن أبي الدنيا في " الصمت " (2 / 9 / 1) والحاكم (1 / 23) والخطيب في " الموضح " (2 / 4) عن يزيد

1940

ابن المقدام بن شريح بن هاني عن المقدام عن أبيه عن هاني " أنه لم وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول أي شيء يوجب الجنة؟ قال: " فذكره ، وقال الحاكم: " حديث مستقيم، وليس له علة قادحة ". ووافقه الذهبي وهو كما قال ولذلك أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1937 و 1938) وفي رواية له: " عليك بطيب الكلام وبذل السلام وإطعام الطعام ". وهي شاذة لمخالفتها لما قبلها، وعليها جمع من الثقات بخلاف الشاذة هذه، فقد تفرد بها أحدهم. 1940 - " سيوقد المسلمون من قسي يأجوج ومأجوج ونشابهم وأترستهم سبع سنين ". أخرجه ابن ماجة (4076) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا ابن جابر عن يحيى بن جابر الطائي: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه أنه سمع النواس بن سمعان يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم غير هشام بن عمار، فإنه على شرط البخاري إلا أنه قد تكلم فيه لأنه كان يتلقن. لكنه قد توبع، فقال الترمذي (2 / 37 - 38) : حدثنا علي بن حجر أخبرنا الوليد بن مسلم وعبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر - دخل حديث أحدهما في حديث الآخر - عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به. وهو عنده قطعة من حديث النواس الطويل في خروج الدجال ويأجوج ومأجوج وقيام الساعة على شرار الخلق. وقد أخرجه مسلم (8 / 198 - 199) بإسناد الترمذي هذا، ولكنه لم يسق لفظه وإنما أحال به على لفظ قبله، ساقه من رواية زهير بن حرب: حدثنا الوليد بن مسلم حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني يحيى بن جابر الطائي ... الحديث بطوله دون حديث الترجمة. ولكنه قد أشار الإمام مسلم إليه بقوله

1941

عقب سوقه لإسناد علي بن حجر: " نحو ما ذكرنا ". وأكد ذلك رواية الترمذي على علي بن حجر، ففي سياقه - كما رأيت - حديث الترجمة، فالغالب أنه عند مسلم أيضا لأن شيخهما واحد، فالسياق ينبغي أن يكون واحد وإنما لم يسقه مسلم اكتفاء منه بسياق زهير بن حرب، ولم ينبه على زيادة ابن حجر هذه اختصارا منه، وله من مثل هذا شيء كثير لا يخفى على المتبحر بدراسة كتابه، والله أعلم. ثم قال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ". 1941 - " عليكم بالجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فإنه باب من أبواب الجنة، يذهب الله به الهم والغم ". رواه الهيثم بن كليب في " مسنده " (137 / 1) والحاكم (2 / 74 - 75) والضياء في " المختارة " (69 / 1) من طريق أحمد بن أبي إسحاق الفزاري عن عبد الرحمن بن عياش عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي أمامة عن عبادة بن الصامت مرفوعا. ثم رواه الأولان من هذا الوجه إلا أنهما أدخلا سفيان بين الفزاري وابن عياش ثم قال الضياء: فلعل أبا إسحاق سمعه من عبد الرحمن ومن سفيان عنه ، فكان يرويه مرة عن عبد الرحمن، ومرة عن سفيان. والله أعلم. وقال الحاكم : " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

ثم رواه الهيثم وكذا الضياء (69 - 71 ) عن عبد الرحمن بن الحارث (وهو ابن عياش) عن سليمان بن موسى عن مكحول عن أبي سلام الباهلي عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت به. قلت: ورجاله ثقات على الخلاف المذكور في إسناده غير أني لم أعرف أبا سلام الباهلي وقد قيل فيه أبو سلام الأعرج. رواه أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلام الأعرج عن المقدام بن معدي كرب عن عبادة الصامت به نحوه. أخرجه أحمد (5 / 314 و 316 و 326) . وأبو بكر هذا ضعيف لاختلاطه. وتابعه سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام نحو ذلك. أخرجه أحمد (5 / 326) . ويحيى بن أبي كثير ثقة ولكن الراوي عنه سعيد بن يوسف وهو الرحبي الصنعاني ضعيف ولولا ضعفه لكان من الممكن أن يقال: إن أبا إسلام هذا هو الحبشي: ممطور لأن ابن أبي كثير يروي عنه كثيرا، ويؤيد ذلك أن أبا بكر بن أبي مريم قد وصفه في روايته بالأعرج، وهو ممطور نفسه. والله أعلم. وثمة اختلاف آخر على مكحول، فقد قال عبد الرحمن بن ثوبان: عن أبيه عن مكحول عن عبادة بن الصامت. أخرجه ابن بشران في " الأمالي " (87 / 2) . قلت: وأسقط واسطتين بين مكحول وعبادة، ولعل ذلك من مكحول نفسه، فإنه موصوف بالتدليس. والله أعلم. وجملة القول إن الحديث بمجموع الطريقين عن عبادة صحيح، لاسيما وله طريق ثالث عنه بسند جيد بنحوه وهو الآتي بعده: " كان يأخذ الوبر من جنب البعير من المغنم ثم يقول: مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم. ثم يقول: إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، فأدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدوا في الله القريب والبعيد، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من الجنة، إنه ينجي صاحبه من الهم والغم. وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ".

1942

1942 - " كان يأخذ الوبر من جنب البعير من المغنم ثم يقول: مالي فيه إلا مثل ما لأحدكم. ثم يقول: إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، فأدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك، وجاهدا في الله القريب والبعيد، في الحضر والسفر، فإن الجهاد باب من الجنة، إنه ينجي صاحبه من الهم والغم. وأقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ". أخرجه عبد الله بن أحمد (5 / 330) والضياء في " المختارة " (67 / 1) عن عبد الله بن سالم المفلوج حدثنا عبيدة بن الأسود عن القاسم بن الوليد عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ عن عبادة بن الصامت مرفوعا. ولابن ماجة (2540) الفقرة الأخيرة منه التي فيها إقامة الحدود. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات غير ربيعة هذا فقد وثقه الحافظ فقط تبعا لابن حبان. لكن رواه أحمد (5 / 316 و 326) وابن عساكر (8 / 428 / 1) من طريق المقدام بن معدي كرب أنبأنا عبادة بن الصامت به. وستأتي طريق المقدام هذه ولفظها برقم (1972) . 1943 - " عليكم بألبان البقر، فإنها ترم من كل شجر، وهو شفاء من كل داء ". أخرجه الحاكم (4 / 403) من طريق إسرائيل عن الركين بن الربيع عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

وقد تابعه شعبة عن الركين لكن في الطريق إليه من في حفظه ضعف وهو الرقاشي كما سبق في " ما أنزل الله من داء " (رقم - 518) . وبالجملة فالحديث صحيح بهذين الطريقين عن ركين. وله طريق أخرى عن ابن مسعود بزيادة فيه بلفظ: " عليكم بألبان البقر وسمنانها وإياكم ولحومها، فإن ألبانها وسمنانها دواء وشفاء ولحومها داء ". أخرجه الحاكم (4 / 404) من طريق سيف بن مسكين حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي في " التلخيص " بقوله: " قلت: سيف وهاه ابن حبان " وقال في " الميزان ": " شيخ يأتي بالمقلوبات والأشياء الموضوعة، قاله ابن حبان ". قلت: وله علتان أخريان: اختلاط المسعودي، ومظنة الانقطاع بين عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود وأبيه. قال يعقوب بن شيبة: ثقة مقل، تكلموا في روايته عن أبيه لصغره. وقال ابن معين: سمع من أبيه، وقال مرة: لم يسمع منه ". كذا في " الميزان ". وفي " التقريب ": ثقة من صغار الثانية، وقد سمع من أبيه لكن شيئا يسيرا ". فالحديث بهذه الزيادة ضعيف الإسناد. لكن يأتي ما يقويه قريبا. وأخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 27 / 1) من طريق عبد الرزاق عن الثوري

ومن طريق المسعودي عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود موقوفا عليه باللفظ الأول دون ذكر الشفاء. وأخرجه الفاكهي في " حديثه " (27 / 10) عن المسعودي به لكن رفعه. وكذلك أخرجه أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 15 / 1) . وكذلك أخرجه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (9 / 79 / 1) والهيثم بن كليب في " مسنده " (84 / 2) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 242 / 2) من طرق عن قيس بن مسلم مرفوعا به. ثم أخرجه البغوي وابن عساكر وكذا عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (65 / 2) من طريق أخرى عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب مرفوعا مرسلا لم يذكر ابن مسعود، قال ابن عساكر: " المحفوظ الموصول ". قلت: وهذا ما كنت رجحته فيما تقدم تحت هذا الحديث بلفظ آخر (رقم - 518) . ومن هذا التخريج يتبين أن الحديث مرفوعا صحيح الإسناد، لاتفاق جماعة من الثقات على روايته عن قيس بن مسلم عن طارق عن ابن مسعود مرفوعا باللفظ الأول. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين. وأما الزيادة فهي وإن كانت ضعيفة الإسناد، فقد مضى لها شاهد من حديث مليكة بنت عمرو مرفوعا نحوه، فراجعه برقم (1533) . ولها شاهد آخر دون ذكر اللحم ولفظه: " عليكم بألبان البقر فإنه شفاء وسمنها دواء ". رواه أبو نعيم في " الطب " كما في " الجزء المنتقى منه " (81 - 82) عن دفاع بن

1944

دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده صهيب الخير مرفوعا. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، وهو على شرط ابن حبان، فإنه وثق جميع رجاله، وفي بعضهم خلاف. (تنبيه) زاد ابن عساكر وحده في روايته زيادة أخرى منكرة، فقال: " عليكم بألبان الإبل والبقر ... ". فزاد لفظة " الإبل "، ولم ترد في شيء من طرق الحديث وشواهده مطلقا - فيما علمت - فهي زيادة باطلة. ويؤكد ذلك أن ابن عساكر رواها من طريق البغوي أخبرنا محمد بن بكار أخبرنا قيس بن مسلم به. والبغوي نفسه أخرجه في المصدر السابق بهذا الإسناد عينه دون الزيادة، فثبت بطلانها، وكنت أود أن أقول: لعلها زيادة من بعض النساخ ولكني وجدت السيوطي قد أورد الحديث بهذه الزيادة في " الجامع الصغير " من رواية ابن عساكر، فعلمت أنها ثابتة عنده، فهو وهم من بعض رواته بينه وبين البغوي. والله أعلم. 1944 - " فضل الله قريشا بسبع خصال: فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قرشي، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيهم غيرهم: * (لإيلاف قريش) *، وفضلهم بأن فيهم النبوة، والخلافة، والحجابة، والسقاية ".

أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 341) ، فقال: في ترجمة إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل من بني عبد الدار بن قصي المدني: قال لي أبو مصعب حدثنا إبراهيم عن عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق عن سعيد بن عمرو بن جعدة عن أبيه عن جدته أم هانىء مرفوعا به. ومن هذا الوجه أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 5 / 1) والطبراني والبيهقي في " مناقب الشافعي " (1 / 34 ) ، وقال الحافظ العراقي في " محجة القرب في محبة العرب " (ق 25 / 1) بعدما ساقه من طريق الطبراني بنحوه: " هذا حديث حسن ورجاله كلهم ثقات معروفون إلا عمرو بن جعدة بن هبيرة، فلم أجد فيه تعديلا ولا تجريحا، وهو ابن أخت علي ابن أبي طالب، وهو أخو يحيى بن جعدة بن هبيرة، أحد الثقات ". قلت: في هذا الكلام نظر من وجوه: الأول: أنه مع جهالة عمرو بن جعدة التي أشار إليها العراقي، فإن ابنه سعيدا حاله قريب من حال أبيه، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان لكن قد روى عنه جمع. والثاني: أن عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 156) من رواية إبراهيم هذا وسليمان بن بلال عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولعله في " ثقات ابن حبان ". الثالث: وهو الأهم أن علة الحديث إبراهيم المذكور، فإنه مختلف فيه، فقد وثقه ابن حبان، وقال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 125) عن أبيه: " صدوق ". وقال ابن عدي: " روى عنه عمرو بن أبي سلمة وغيره مناكير ". وكذا قال الذهبي، واستنكر له هذا الحديث كما يأتي.

لكن ختم ابن عدي ترجمته بقوله: " وأحاديثه صالحة محتملة، ولعله أتي ممن قد رواه عنه ". قلت: كيف يصح هذا الاحتمال وممن روى عنه المناكير عمرو بن أبي سلمة كما سبق عن ابن عدي نفسه، وعمرو ثقة حافظ؟ ! وروى عنه هذا الحديث ذاته أبو مصعب كما رأيت، وهو أحمد بن أبي بكر الزهري المدني الفقيه، وهو ثقة أيضا من رجال الشيخين. وبالجملة، فإبراهيم هذا لا يخلوا من ضعف ما دام أن الثقات رووا عنه المناكير ومما يؤيد ذلك أنه خولف في إسناده، فقال الإمام البخاري عقبه: " وقال لي الأويسي: حدثني سليمان عن عثمان بن عبد الله بن أبي عتيق عن ابن جعدة المخزومي عن ابن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ". قلت: فأرسله أو أعضله ورجحه البخاري فقال عقبه: " بإرسال أشبه ". وسليمان الذي أرسله هو ابن بلال المدني ثقة من رجال الشيخين أيضا، فمخالفة إبراهيم إياه في وصل الحديث مردودة كما لا يخفى على من كان عنده أدنى معرفة بقواعد هذا العلم الشريف. ثم إنه قد رواه جمع غير أبي مصعب، منهم يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت به. أخرجه الحاكم (2 / 536) ، وقال: " صحيح الإسناد "! وتعقبه الذهبي، فقال: " قلت: يعقوب ضعيف، وإبراهيم صاحب مناكير، هذا أنكرها ".

قلت: لا دخل ليعقوب في هذا الحديث فإنه متابع كما تقدم بل أخرجه الحاكم (4 / 54) أيضا من طريقين آخرين عن إبراهيم، فسلم يعقوب من عهدته، وانحصرت العلة في إبراهيم. لكن ذكر العراقي له شاهد من رواية الطبراني في " المعجم الأوسط " أخرجه في ترجمة مصعب بن إبراهيم بن حمزة بن محمد بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام برقم (9327) فقال: حدثنا مصعب حدثني أبي حدثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير مرفوعا به، وسياق الحديث له قال: " لا يروى عن الزبير إلا بهذا الإسناد ". وقال العراقي: " هذا حديث يصلح أن يخرج للاعتبار به والاستشهاد، فإن عبد الله بن مصعب بن ثابت ذكره ابن حبان في " الثقات "، وضعفه ابن معين ". قلت: هو صالح للاستشهاد كما يشير إليه كلامه، فقد روى عنه جمع من الثقات، وقال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 178) عن أبيه: " هو شيخ، بابة عبد الرحمن بن أبي الزناد ". يعني أنه نحوه في الرواية، والمتقرر فيه أنه حسن الحديث، فابن مصعب عنده مثله أو قريب منه، فهو على الأقل صالح للاعتضاد به والاستشهاد بحديثه. وسائر رجاله ثقات غير شيخ الطبراني مصعب فإني لم أجد له ترجمة كما كانت ذكرت في تخريج حديث آخر في " المعجم الصغير " (رقم - 56 - الروض النضير) لكنه قد توبع، فقد أخرجه البيهقي في " المناقب " (1 / 33) من طريق إبراهيم ابن حمزة: حدثنا عبد الله بن مصعب بن ثابت به.

1945

وأخرجه ابن عساكر (17 / 493 / 2) من طريق أخرى عن عبد الله به. وإبراهيم هذا صدوق من رجال البخاري. ولذلك فقد انشرح الصدر واطمأنت النفس لقول الحافظ العراقي المتقدم: إنه حديث حسن. يعني لغيره. لاسيما ولبعض فقراته شواهد، فالفقرة الرابعة مثلا شاهدها في " المعجم الكبير " للطبراني (رقم 368) . والخامسة مضى لها شاهد برقم ( 1851) . والأحاديث في معناها كثيرة بل إنها بلغت مبلغ التواتر. 1945 - " عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه - والله يغفر له - حيث أرسل إليه ليستفتي في الرؤية، ولو كنت أنا لم أفعل حتى أخرج، وعجبت لصبره وكرمه - والله يغفر له - أتى ليخرج فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره، ولو كنت أنا لبادرت الباب ". أخرجه الطبراني (رقم 11640) عن إبراهيم بن يزيد عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به، وزاد: " ولولا الكلمة لما لبث في السجن حيث يبتغي الفرج من عند غير الله، قوله: * (اذكرني عند ربك) * ". ومن هذا الوجه رواه ابن جرير وغيره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، إبراهيم هذا هو الخوزي متروك الحديث كما في " مجمع الزوائد " (7 / 40) و " التقريب ". ولذلك قال ابن كثير: " هذا الحديث ضعيف جدا ". وقد عزاه لعبد الرزاق: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة به مرسلا لم يذكر ابن عباس في إسناده، ولا قوله: " ولولا الكلمة ... " في آخره. وهو الصحيح. وإنما صح هذا بلفظ آخر.

1946

فقال أبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (50 / 1 رقم الحديث 52) قال: قرىء على أبي نصر محمد بن حمدويه بن سهل المطوعي - في المحرم سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة في دار بكار وهو ينظر في كتابه - قيل: حدثكم محمود بن آدم قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار به إلا أنه قال: " حين سئل عن البقرات العجاف كيف أخبر حتى يخرجوه ". وهذه متابعة قوية، وإسناد جيد، فإن ابن عيينة ثقة حافظ. ومحمود بن آدم وهو المروزي ثقة. قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 290 - 291) : " كتب إلى أبي وأبي زرعة وإلي، وكان ثقة صدوقا ". وأبو نصر المطوعي من شيوخ الدارقطني وقال: " هو ثقة حافظ ". فثبت الحديث بذلك والحمد لله. وقد جاء الحديث بنحوه من رواية أبي هريرة، وقد مضى برقم (1867) وفي بعض طرقه الزيادة التي في آخر الحديث وقد استنكرها الحافظ ابن كثير كما سبق بيانه هناك. 1946 - " صومي عن أختك ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2630) : حدثنا شعبة عن الأعمش قال: سمعت مسلم البطين يحدث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له أن أختها نذرت أن تصوم شهرا وأنها ركبت البحر فماتت ولم تصم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره.

1947

وأخرجه أحمد (1 / 338 ) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طرق أخرى عن الأعمش به نحوه بلفظ: " أمك ". لكن علقه البخاري فقال: " ويذكر عن أبي خالد هو " الأحمر ": حدثنا الأعمش عن الحكم ومسلم البطين وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير وعطاء ومجاهد عن ابن عباس: قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أختي ماتت ". وو صله مسلم (3 / 156) ولكنه لم يسق لفظه، وغيره كالنسائي في " الكبرى " (4 / 42 / 2) من هذا الوجه، وقال الترمذي (1 / 138 - بولاق ) : " حسن صحيح " وقال هو والنسائي: " صوم شهرين متتابعين ". والحديث من معاني قوله صلى الله عليه وسلم: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه ". متفق عليه من حديث عائشة لأن الولي أعم من أن يكون ابنا أو أختا، وهو محمول على صوم النذر أيضا كما حققه ابن القيم في بعض كتبه، ولعله " تهذيب السنن " فليراجع. 1947 - " كان يعرض نفسه على الناس في الموقف، فيقول: ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي ". أخرجه البخاري في " أفعال العباد " (ص 77 - هند) وأبو داود (4734) والترمذي (2 / 152) والدارمي (ص 428 - هند) . وابن ماجة (201) وابن منده في " التوحيد " (113 / 2) وابن عبد الهادي في " هداية الإنسان " (2 / 239 / 1) عن إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن جابر قال : فذكره مرفوعا،

1948

وقال الترمذي: " حديث غريب صحيح ". قلت: وهو على شرط البخاري. وأخرجه أحمد (3 / 322 و 339) من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه مختصرا. وهو على شرط مسلم. 1948 - " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة! ساعة وساعة، ثلاث مرات ". أخرجه مسلم (8 / 94 - 95) والترمذي (2 / 83 - 84) وابن ماجة (2 / 559) وأحمد (4 / 178 و 346) من طريق أبي عثمان النهدي عن حنظلة الأسيدي قال - وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة؟ قال: سبحان الله ما تقول؟ ! قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت : نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي العين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. والسياق لمسلم. وقال الترمذي: " حديث صحيح ".

1949

قلت: وله طريق بنحوه مختصرا سيأتي بلفظ: " لو كنتم تكونون " رقم (1976) مع شاهد من حديث أنس يأتي برقم (1965) . 1949 - " والذي نفسي بيده لكأنما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر ". أخرجه أحمد (3 / 456) : حدثنا أبو اليمان قال: أنبأنا شعيب عن الزهري قال: حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن مروان ابن الحكم أخبره أن عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث أخبره أن أبي ابن كعب أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من الشعر حكمه ". وكان بشير بن عبد الرحمن بن كعب يحدث أن كعب بن مالك كان يحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ورجال إسناده كلهم رجال البخاري غير بشير بن عبد الرحمن بن كعب، فلم أجد من وثقه سوى ابن حبان، وذكر البخاري في " التاريخ " وابن أبي حاتم في " الجرح " أنه روى عنه الزهري وهشام بن عروة ولم يورده الحافظ في " التعجيل " مع أنه على شرطه، وقد رواه الزهري عن عبد الرحمن بن كعب وعن عبد الرحمن بن عبد الله ابن كعب كلاهما عن كعب به نحوه. وقد سبق بيان ذلك في: " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه ". وقد مضى برقم (1631) . وله شاهد من حديث أنس بلفظ: " خل عنه يا عمر! فلهي أسرع فيهم من نضح النبل ". وقد خرجته في " مختصر الشمائل المحمدية " برقم (210) . 1950 - " والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ".

1951

أخرجه مسلم (8 / 94) وأحمد (2 / 308) عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا. وله طريقان آخران عن أبي هريرة، وشواهد كثيرة، فانظر: " لو أنكم لا تخطؤن " (رقم - 969) و (970) وغيرهما. ومنها الحديث الآتي بعده وبعد أحاديث برقم (1963) ، وذكرت هناك كليمة في المراد من هذه الأحاديث. 1951 - " والذي نفسي بيده - أو قال: والذي نفس محمد بيده - لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله عز وجل لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده - أو قال: والذي نفسي بيده - لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم ". أخرجه أحمد (3 / 238) حدثنا سريج بن النعمان حدثنا أبو عبيدة يعني عبد المؤمن ابن عبيد الله السدوسي حدثني أخشم السدوسي قال: دخلت على أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال الهيثمي: (10 / 215 ) : " رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله ثقات ". كذا قال، وهو صواب إلا في أخشم هذا، فإنه لم يوثقه سوى ابن حبان، وقد قال في " الإكمال ": " هو مجهول ". وقال الحافظ في " التعجيل ": " لم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم فيه جرحا، وصرح في روايته بسماعه من أنس، وللحديث الذي أخرجه له أحمد في الاستغفار شاهد من حديث أبي هريرة عند مسلم ". قلت: يعني الحديث الذي قبل هذا وإنما هو شاهد للشطر الثاني منه وأما الشطر الأول، فله طريق أخرى عن أنس بنحوه، ولفظه:

1952

" قال الله: يا ابن آدم إنك ما دعوتني.. ". وقد مضى برقم (127) ، فالحديث حسن لغيره. تنبيه: (أخشم) هكذا وقع في " المسند " بالميم. وفي التعجيل: (أخشن) بالنون وهو الصواب، فقد ضبطه الحافظ عبد الغني بن سعيد الأزدي في " المؤتلف والمختلف " ص (5) : " بالخاء المعجمة والشين المعجمة والنون ". وللحديث بشطره الأول شاهد آخر من حديث أبي هريرة نحوه بلفظ: " لو أخطأتم ". وقد مضى برقم (903) . 1952 - " النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ". أخرجه مسلم (3 / 45) وأحمد (5 / 42 و 343 و 344) عن يحيى بن أبي كثير أن زيد حدثه أن أبا سلام حدثه أن أبا مالك الأشعري حدثه به مرفوعا. وأخرجه الحاكم (1 / 383) من هذا الوجه نحوه، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وفيه نظر، فإن زيدا وجده أبا سلام لم يخرج لهما البخاري في " صحيحه "، بل في " الأدب المفرد ". وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة سبق في : " أربع في أمتي ليس هم " تحت رقم (735) . وقد ذكرت هناك أنه لم تذكر فيه الخصلة الرابعة، وتساءلت هل سقطت من الراوي أم من ناسخ " المجمع ". والآن فقد ترجح عندي الأول لأنها سقطت من " كشف الأستار عن زوائد البزار " (800) أيضا، والله أعلم.

1953

1953 - " يا عائشة قومك أسرع أمتي بي لحاقا. قالت: فلما جلس قلت: يا رسول الله جعلني الله فداءك لقد دخلت وأنت تقول كلاما ذعرني. قال: وما هو؟ قالت: تزعم أن قومي أسرع أمتك بك لحاقا. قال: نعم. قالت: ومم ذاك؟ قال: تستحليهم المنايا، وتنفس عليهم أمتهم. قالت: فقلت: فكيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟ قال: دبى تأكل شداده ضعافه حتى تقوم عليهم الساعة ". أخرجه أحمد (6 / 81 و 90) : حدثنا هاشم قال: حدثنا إسحاق بن سعيد - يعني - ابن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عنها. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وفي " المجمع " (10 / 28) : " رواه أحمد والبزار ببعضه والطبراني في " الأوسط " ببعضه أيضا، وإسناد هذه الرواية عند أحمد رجال الصحيح، وفي الرواية الأولى مقال ". يشير إلى الطريق الأخرى الآتية. وللحديث شاهد عن أبي هريرة بلفظ: " أسرع قبائل العرب " وقد مضى برقم (738) . وله طريق آخر عنها - أيضا - بلفظ: " يا عائشة إن أول من يهلك من الناس قومك، قالت: قلت: جعلني الله فداك أبني تيم؟ قال: لا، ولكن هذا الحي من قريش، تستحليهم المنايا وتنفس عنهم، أول الناس هلاكا، قلت: فما بقاء الناس بعدهم؟ قال: هم صلب الناس، فإذا هلكوا هلك الناس ". أخرجه أحمد (6 / 74) : حدثنا موسى بن داود قال: حدثنا عبد الله بن المؤمل عن ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها. وعبد الله هذا ضعيف وبقية رجاله ثقات رجال مسلم.

1954

(دبى) : الدبى - مقصور -: الجراد قبل أن يطير. وقيل: هو نوع يشبه الجراد ، واحدته (دباة) . " نهاية ". 1954 - " يا حسان! أجب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، اللهم أيده بروح القدس ". أخرجه البخاري (1 / 116 و 7 / 109) ومسلم (7 / 163) عن الزهري قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك الله هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره؟ قال أبو هريرة: نعم. وللزهري فيه إسناد آخر سبق في: " أجب عني " رقم (930) . وله شاهد بنحوه من حديث البراء سيأتي بإذن الله برقم (1970) ، وقد مضى برقم (801) . 1955 - " لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون ". أخرجه البخاري (4 / 187 و 8 / 149 و 189) ومسلم (6 / 53) وأحمد (4 / 244 و248 و 252) من حديث المغيرة بن شعبة مرفوعا. وله شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة، مضى ذكر بعضها تحت حديث (270) ويأتي بعض آخر قريبا بإذن الله. 1956 - " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ". أخرجه الحاكم (4 / 449) والطيالسي (ص 9 رقم 38) وعنه الدارمي

(2 / 213) وكذا الضياء رقم (120 و 121 بتحقيقي) عن همام حدثنا قتادة عن عبد الله بن بريدة عن سليمان بن الربيع العدوي عن عمر بن الخطاب مرفوعا. وقال الحاكم : " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال الستة غير الربيع بن سليمان العدوي فلم أعرفه. ولقتادة فيه إسناد آخر، رواه الحاكم أيضا (4 / 550) عن معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن أبي الأسود الديلي قال: انطلقت أنا وزرعة بن ضمرة الأشعري إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلقينا عبد الله بن عمرو، فقال: " يوشك أن لا يبقى في أرض العجم من العرب إلا قتيل أو أسير يحكم في دمه ". فقال زرعة: أيظهر المشركون على الإسلام؟ ! فقال: ممن أنت؟ قال من بني عامر بن صعصعة، فقال: " لا تقوم الساعة حتى تدافع نساء بني عامر على ذي الخصلة - وثن كان يسمى في الجاهلية ". قال فذكرنا لعمر بن الخطاب قول عبد الله بن عمرو، فقال: عمر ثلاث مرات: عبد الله بن عمرو أعلم بما يقول، فخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بنحوه. قال: فذكرنا قول عمر لعبد الله بن عمرو، فقال: صدق نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا كان ذلك كالذي قلت. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". وفي " التلخيص " للذهبي: " على شرط البخاري ومسلم ". وهو الصواب، فإن رجاله كلهم من رجال الشيخين.

1957

والحديث أورده في: " المجمع " (7 / 288) باللفظ الأول، وقال: " رواه الطبراني في (الصغير) (¬1) و (الكبير) ، ورجال الكبير رجال الصحيح ". ويشهد له الحديث الذي قبله وأحاديث أخرى بنحوه يأتي بعضها بعده. 1957 - " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ". أخرجه مسلم (6 / 52 - 53) وأبو داود (2 / 202) والترمذي (2 / 36) وابن ماجة (2 / 464 - 465) وأحمد (5 / 278 - 279) والحاكم أيضا (4 / 449 - 450) من حديث ثوبان مرفوعا. وروى الحديث بزيادة فيه بلفظ: " لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك، قالوا: وأين هم؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ". رواه عبد الله بن الإمام أحمد في " المسند " (5 / 269) فقال: وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثني مهدي بن جعفر الرملي : حدثنا ضمرة عن الشيباني - واسمه يحيى بن أبي عمرو - عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن أبي أمامة مرفوعا. ورواه الطبراني في " الكبير " (7643) من طريق أخرى عن ضمرة بن ربيعة به. وهذا سند ضعيف لجهالة عمرو بن عبد الله الحضرمي، قال الذهبي في " الميزان ": " ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي عمرو الشيباني ". ¬

(¬1) قلت: ولم نجده في نسختنا من " المعجم الصغير "، والله أعلم. اهـ.

1958

وذكره ابن حبان في " الثقات " على قاعدته التي لم يأخذ بها جمهور العملاء ولذلك لم يوثقه الحافظ في " التقريب " وإنما قال: " مقبول " أي لين الحديث. وبقية رجال الإسناد ثقات، وفي " المجمع " (7 / 288) : " رواه عبد الله وجادة عن خط أبيه، والطبراني، ورجاله ثقات ". كذا قال وفيه وما علمت عن حال الحضرمي. (تنبيه) الشيباني كذا في " المسند " و " الميزان " بالشين المعجمة والصواب: السيباني بالمهملة المفتوحة وسكون التحتانية بعدها موحدة كما في " التقريب "، وهكذا وقع في " الطبراني ". ولحديث أبي أمامة شاهد بنحوه رواه الطبراني (20 / 317 / 754) عن مرة البهزي، قال الهيثمي (7 / 289) : " وفيه جماعة لم أعرفهم ". كذا قال، ومن لم يعرفهم مترجمون في " تاريخ البخاري " و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم كما حققه صاحبنا الشيخ حمدي السلفي في تعليقه على " المعجم "، فالصواب أن يقال: " وفيه من لم يوثق، إلا من ابن حبان، فإنه وثق أحدهم ". والله أعلم. 1958 - " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى يأتي أمر الله ". أخرجه الطيالسي (ص 94 رقم 689) : حدثنا شعبة عن أبي عبد الله الشامي قال: سمعت معاوية يخطب وهو يقول: يا أهل الشام حدثني الأنصاري - يعني زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وإني أراكموهم يا أهل الشام. والحديث قال في " المجمع " (7 / 287) :

" رواه أحمد والبزار والطبراني، وأبو عبد الله الشامي ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: " هو في المسند (4 / 369) من طريق الطيالسي، وأبو عبد الله الشامي من التراجم التي لم يقف عليها الحافظ، فقد قال في " التعجيل ": أبو عبد الله الشامي عن معاوية وعن شعبة. كذا ذكره الهيثمي ولم أر له في أصل المسند ذكرا ولا أورده الحسيني ". وفي " الميزان ": " أبو عبد الله الشامي عن تميم الداري وعنه ضرار بن عمرو الملطي لا يعرف ". قلت: وهو من هذه الطبقة، فلعله من هذا الذي روى عنه شعبة، فيكون له راويان . وقد قيل: إن شعبة لا يروي إلا عن ثقة. والله أعلم. وقد صح عن معاوية أنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ: " لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهو ظاهرون على الناس ". أخرجه مسلم (6 / 53) وأحمد (4 / 101) عن يحيى بن حمزة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أن عمير بن هانىء حدثه قال: سمعت معاوية على المنبر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وزاد أحمد: فقام مالك بن يخامر السكسكي فقال: يا أمير المؤمنين سمعت معاذ بن جبل يقول: وهم أهل الشام، فقال معاوية - ورفع صوته -: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم أهل الشام. وأخرجه البخاري (4 / 187 و 8 / 189) عن الوليد بن مسلم قال : حدثني ابن جابر به نحوه، وفيه الزيادة. وللحديث طرق أخرى عن معاوية فانظر : لا تزال أمة من أمتي " رقم (1971) و " من يرد الله به خيرا يفقهه.. " رقم (1195) .

1959

1959 - " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال ". أخرجه أبو داود (1 / 388 - 389) والحاكم (4 / 450) وأحمد (4 / 429 و 437 ) من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن مطرف بن عبد الله الشخير عن عمران بن حصين مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقد تابعه أبو العلاء بن الشخير واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير عن أخيه مطرف قال: قال لي عمران: إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله عز وجل به بعد اليوم، اعلم أن خير عباد الله تبارك وتعالى الحمادون، واعلم أنه لن تزال طائفة من أهل الإسلام يقاتلون عن الحق ظاهرين على من ناوأهم، حتى يقاتلوا المسيح الدجال، واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر من أهله في العشر، فلم تنزل آية تنسخ ذلك، ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى لوجهه، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء الله أن يرتئي ". أخرجه أحمد (4 / 434) : حدثنا إسماعيل أنبأنا الجريري عن أبي العلاء بن الشخير به. وهذا سند صحيح على شرط الستة. وبهذا الإسناد أخرجه مسلم (4 / 47) دون التعليمين الأولين، وكذلك رواه ابن ماجة (2 / 229) عن أبي أسامة عن الجريري. وقد كنت ذكرت الحديث من الطريق الأول مختصرا برقم (270) من مصدر عزيز، وهذا متمم لما هناك. 1960 - " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله على هذه الأمة ". أخرجه مسلم (1 / 95 و 6 / 53) وأحمد (3 / 384) من طريق ابن جريج

1961

أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: فذكره. وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير به. أخرجه أحمد (3 / 345) والبخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 451) . 1961 - " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الناس يرفع (¬1) الله قلوب أقوام يقاتلونهم ، ويرزقهم الله منهم حتى يأتي أمر الله عز وجل وهم على ذلك، ألا إن عقر دار المؤمنين الشام، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة ". أخرجه أحمد (4 / 104) من طريق إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن سليمان عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير أن سلمة بن نفيل أخبرهم أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنى سئمت الخيل، وألقيت السلاح ووضعت الحرب أوزارها، قلت: لا قتال، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الآن جاء القتال، لا تزال ... إلخ. وهذا إسناد شامي حسن، رجاله كلهم موثقون. وقد جاء من طريق أخرى عن الجرشي بلفظ: " لا تزال من أمتي " وقد مضى ذكره تحت الحديث (1935) . 1962 - " لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله، لا يضرها من خالفها ". أخرجه ابن ماجة (1 / 7) من طريق أبي علقمة نصر بن علقمة عن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند حسن إن شاء الله تعالى، رجاله رجال الصحيح غير نصر بن علقمة، وقد وثق، وفي " التقريب " إنه " مقبول ". وللحديث طريق أخرى مضى بلفظ: " لن يزال على هذا الأمر " ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعل الصواب (يزيغ) . انظر الحديث (1935) . اهـ.

1963

واعلم أنني كنت خرجت الحديث من رواية عمران فيما تقدم (270) ، وذكرت هناك أن الحديث رواه جمع آخر من الصحابة بلغ عددهم ثمانية، وأخرجت أحاديثهم باختصار دون أن أسوق متونهم وألفاظهم، وكان الغرض هناك إفادة القراء ما قاله علماء الأمة وأئمة الحديث في الطائفة المنصورة، وأنهم أهل الحديث، والآن توجهت الهمة في تخريج أحاديثهم، وأحاديث آخرين منهم من ذكر ألفاظهم، ليتبين ما فيها من فوائد وزيادات لا يمكن الحصول عليها إلا بهذا التخريج. والموفق الله سبحانه وتعالى. 1963 - " لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيغفر لهم ". أخرجه مسلم (8 / 94) والترمذي (2 / 270) وأحمد (5 / 414) من طريق محمد ابن قيس - قاص عمر بن عبد العزيز - عن أبي صرمة عن أبي أيوب أنه قال حين حضرته الوفاة: كنت كتمت عنكم شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإنما لم يصححه الترمذي - والله أعلم - مع ثقة رجاله لأن فيه انقطاعا بين أبي صرمة وهو صحابي اسمه مالك بن قيس - وبين محمد بن قيس ولم يسمع منه. قال الحافظ في ترجمته من " التقريب ": " ثقة من السادسة، وحديثه عن الصحابة مرسل ". لكن قد تابعه عند مسلم محمد بن كعب القرظي، وقد روي عن جمع من الصحابة وقد سبق بلفظ: " لو أنكم لم تكن لكم ذنوب " (رقم 968) . وذكرنا له هناك بعض الشواهد (969 - 970) ، وأشرت إلى هذا الحديث. وتقدم له شاهدان من حديث أبي هريرة (1950) . وحديث أنس بن مالك (1951) . وفي كل منهما زيادة هامة بلفظ:

1964

" فيستغفرون الله، فيغفر لهم ". وذلك لأنه ليس المقصود من هذه الأحاديث - بداهة - الحض على الإكثار من الذنوب والمعاصي، ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم، وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار، ليغفر الله له ذنوبه، فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث، وإن اختصر ذلك منه بعض الرواة. والله أعلم. 1964 - " هذا أمين هذه الأمة. يعني أبا عبيدة ". أخرجه مسلم (1297) والحاكم (3 / 267) وأحمد (3 / 125) وأبو يعلى (2 / 831) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: " أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلا يعلمنا السنة والإسلام، قال: فأخذ بيد أبي عبيدة، وقال.... " فذكره، والسياق لمسلم، ولفظ الحاكم: " يعلمنا القرآن ". وقال: " صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بذكر القرآن ". قلت: وفي الحديث فائدة هامة، وهي أن خبر الآحاد حجة في العقائد، كما هو حجة في الأحكام، لأننا نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث أبا عبيدة إلى أهل اليمن ليعلمهم الأحكام فقط، بل والعقائد أيضا، فلو كان خبر الآحاد لا يفيد العلم الشرعي في العقيدة، ولا تقوم به الحجة فيها، لكان إرسال أبي عبيدة وحده إليهم ليعلمهم، أشبه شيء بالعبث. وهذا مما يتنزه الشارع عنه. فثبت يقينا إفادته العلم. وهو المقصود، ولي في هذه المسألة الهامة رسالتان معروفتان مطبوعتان مرارا، فليراجعهما من أراد التفصيل فيها.

1965

1965 - " لو تدومون على ما تكونون عندي في الخلاء لصافحتكم الملائكة حتى تظلكم بأجنحتها عيانا، ولكن ساعة وساعة ". أخرجه أبو يعلى (2 / 786) : حدثنا محمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن قتادة عن أنس: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنا إذا كنا عندك رأينا في أنفسنا ما نحب، وإذا رجعنا إلى أهلينا فخالطناهم أنكرنا أنفسنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد هذا، وهو ابن مهدي الأيلي، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 106) : " روى عن أبي داود الطيالسي ، روى عنه أبو زرعة رحمه الله ". قلت: وشيوخ أبي زرعة ثقات، فالإسناد صحيح. ثم رأيت ابن حبان قد أخرجه ( 2493) من طريق أبي قديد عبيد الله بن فضالة حدثنا عبد الرزاق به. وهذه متابعة قوية لابن مهدي هذا، فإن ابن فضالة ثقة ثبت كما في " التقريب ". وللحديث شاهد من رواية حنظلة الأسيدي مضى برقم (1948) . 1966 - " يقضي الله بين خلقه الجن والإنس والبهائم، وإنه ليقيد يومئذ الجماء من القرناء حتى إذا لم يبق تبعة عند واحدة لأخرى قال الله: كونوا ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: * (يا ليتني كنت ترابا) * ". أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (30 / 17 - 18) من طريق إسماعيل بن رافع المدني عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة مرفوعا به.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، إسماعيل بن رافع المدني، قال الحافظ: " ضعيف الحفظ ". والرجل الأنصاري لم أعرفه لكنه قد توبع فأخرجه ابن جرير من طريق جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: " إن الله يحشر الخلق كلهم، كل دابة وطائر وإنسان، يقول للبهائم والطير: كونوا ترابا، فعند ذلك يقول الكافر: * (يا ليتني كنت ترابا) * ". قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات رجال مسلم غير ابن ثور وهو محمد الصنعاني وهو وإن كان موقوفا فإنه شاهد قوي للمرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي. ويشهد له ما عند ابن جرير أيضا من طريق عوف عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو قال: إذا كان يوم القيامة مد الأديم وحشر الدواب والبهائم والوحش، ثم يحصل القصاص بين الدواب، يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء نطحتها، فإذا فرغ من القصاص بين الدواب قال لها: كوني ترابا، قال: فعند ذلك يقول الكافر: * (يا ليتني كنت ترابا) *. قلت: وإسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي المغيرة هذا وهو القواس لا يسمى، قال الذهبي في الميزان: " لينه سليمان التميمي، وقال ابن المديني : لا أعلم أحدا روى عنه غير عوف ". قلت: لكن قال ابن معين: إنه ثقة كما في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 439) وذكره ابن حبان في " الثقات "، فثبت الإسناد، والحمد لله على توفيقه.

1967

وفي حشر البهائم والقصاص بينها أحاديث كثيرة، سأذكر ما وقفت عليه منها في الحديث الآتي. 1967 - " يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة ". أخرجه أحمد (2 / 363) : حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن واصل عن يحيى بن عقيل عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وواصل هو مولى أبي عيينة. وحماد هو ابن سلمة البصري. وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث البصري. والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 352) تبعا للمنذري في " الترغيب " (4 / 201) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وأصله في " الصحيح " من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ: " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء ". أخرجه مسلم (7 / 18 - 19) . والترمذي (4 / 292 بشرح التحفة) وأحمد (2 / 235 و 301 و 411) من طرق عنه به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

وفي لفظ لأحمد: " حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها " . وإسناده صحيح أيضا على شرط مسلم. وله طريق أخرى، فقال ابن لهيعة: عن دراج أبي السمح عن أي حجيرة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " ألا والذي نفسي بيده ليختصمن كل شيء يوم القيامة، حتى الشاتان فيما انتطحتا ". أخرجه أحمد (2 / 290) بإسناد قال المنذري: " حسن ". قلت: ولعله يعني لغيره، فإن ابن لهيعة سيء الحفظ وكذلك دراج أبو السمح. ورواه الطبراني في " الأوسط " بنحوه، قال الهيثمي: " وفيه جابر بن يزيد الجعفي، وهو ضعيف ". وأخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في " البعث " عن أبي هريرة أيضا قال: " يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة والبهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء، ثم يقول: كوني ترابا فذلك حين يقول الكافر: * (يا ليتني كنت ترابا) * ": أورده السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 310) ولم يتكلم على إسناده كما هي عادته وهو عند ابن جرير (30 / 17) قوي كما سبق قريبا وموضع الشاهد منه صحيح قطعا عنه مرفوعا للطرق السابقة، ولشواهده الآتية:

الأول: عن أبي سعيد الخدري مرفوعا مثل حديث أبي هريرة من الطريق الأخرى. أخرجه أحمد أيضا (3 / 29) عن ابن لهيعة أيضا حدثنا دراج عن أبي الهيثم عنه. وقد عرفت حال ابن لهيعة وشيخه آنفا. الثاني: عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا، وشاتان تقترنان، فنطحت إحدهما الأخرى فأجهضتها، قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما يضحكك يا رسول الله! قال: " عجبت لها، والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة ". أخرجه أحمد (5 / 173) عن ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن الهزيل بن شرحبيل عنه. وهذا إسناد جيد في الشواهد والمتابعات، رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير ليث وهو ابن أبي سليم، ضعيف لاختلاطه ولكنه قد توبع، فرواه منذر الثوري عن أشياخ له (وفي رواية لهم) عن أبي ذر مختصرا وفيه: " يا أبا ذر! هل تدري فيم تنطحان؟ قال: لا، قال: لكن الله يدري، وسيقضي بينهما ". أخرجه أحمد أيضا (5 / 162) . قلت: وهذا إسناد صحيح عندي، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الأشياخ الذين لم يسموا وهم جمع من التابعين، يغتفر الجهل بحالهم لاجتماعهم على رواية هذا الحديث، ولا يخدج في ذلك قوله في الرواية الأولى: " أشياخ له " فإنه لا منافاة بين الروايتين لأن الأقل يدخل في الأكثر، وزيادة الثقة مقبولة، وقد خفيت هذه الرواية الأخرى على الهيثمي، فقال عقب الرواية المطولة والمختصرة:

" رواه كله أحمد والبزار بالرواية الأولى وكذلك الطبراني في " المعجم الأوسط " وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس (!) وبقية رجال أحمد رجال الصحيح غير شيخه ابن أبي عائشة وهو ثقة، ورجال الرواية الثانية رجال الصحيح، وفيها راو لم يسم "! الثالث: عن عثمان بن عفان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة ". أخرجه أحمد (1 / 72) عن حجاج بن نصير حدثنا شعبة عن العوام بن مراجم - من بني قيس بن ثعلبة - عن أبي عثمان النهدي عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير حجاج بن نصير وهو ضعيف كما في " التقريب ". الرابع: عن عبد الله بن أبي أوفى مرفوعا بلفظ: " إنه ليبلغ من عدل الله يوم القيامة حتى يقتص للجماء من ذات القرن ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (9582) عن علي بن سنان أخبرنا بشر بن محمد الواسطي حدثنا عبد الله بن عمران الواسطي عن عطاء بن السائب عن عبد الله بن أبي أوفى، وقال: " لم يروه عن عطاء إلا عبد الله بن عمران، ولا عنه إلا بشر بن محمد، تفرد به علي بن سنان ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه من لم أعرفهم وعطاء بن السائب اختلط ". الخامس: عن ثوبان مرفوعا نحو الحديث الذي قبله. أخرجه الطبراني في " الكبير " (1421) وفيه زيد بن ربيعة وقد ضعفه جماعة، وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به وبقية رجاله ثقات.

(فائدة) قال النووي في " شرح مسلم " تحت حديث الترجمة: " هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: * (وإذا الوحوش حشرت) * وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره. قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازاة والعقاب والثواب . وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة، و (الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم ". وذكر نحوه ابن الملك في " مبارق الأزهار " (2 / 293) مختصرا . ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاريء في " المرقاة " (4 / 761) أنه قال: " فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد ولا يسأل عما يفعل والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع بل يقتص حق المظلوم من الظالم ". قال القاريء: " وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن، إلا أن التعبير عن الحكمة بـ (الغرض) وقع في غير موضعه. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوي والضعيف؟ ". قلت: ومن المؤسف أن ترد كل هذه الأحاديث من بعض علماء الكلام بمجرد الرأي، وأعجب منه أن يجنح إليه العلامة الألوسي! فقال بعد أن ساق الحديث عن أبي هريرة من رواية مسلم ومن رواية أحمد بلفظ الترجمة عند تفسيره آية * (وإذا الوحوش حشرت) * في تفسيره " روح المعاني " (9 / 306) : " ومال حجة الإسلام الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين لعدم كونه

مكلفا ولا أهلا لكرامة بوجه، وليس في هذا الباب نص من كتاب أو سنة معول عليها يدل على حشر غيرهما من الوحوش، وخبر مسلم والترمذي وإن كان صحيحا لكنه لم يخرج مخرج التفسير للآية ويجوز أن يكون كناية عن العدل التام. وإلى هذا القول أميل ولا أجزم بخطأ القائلين بالأول لأن لهم ما يصلح مستندا في الجملة. والله تعالى أعلم ". قلت: كذا قال - عفا الله عنا وعنه - وهو منه غريب جدا لأنه على خلاف ما نعرفه عنه في كتابه المذكور، من سلوك الجادة في تفسير آيات الكتاب على نهج السلف، دون تأويل أو تعطيل، فما الذي حمله هنا على أن يفسر الحديث على خلاف ما يدل عليه ظاهره، وأن يحمله على كناية عن العدل التام، أليس هذا تكذيبا للحديث المصرح بأنه يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، فيقول هو تبعا لعلماء الكلام: إنه كناية! ... أي لا يقاد للشاة الجماء. وهذا كله يقال لو وقفنا بالنظر عند رواية مسلم المذكورة، أما إذا انتقلنا به إلى الروايات الأخرى كحديث الترجمة وحديث أبي ذر وغيره، فإنها قاطعة في أن القصاص المذكور هو حقيقة وليس كناية، ورحم الله الإمام النووي، فقد أشار بقوله السابق: " وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره ". قلت: أشار بهذا إلى رد التأويل المذكور وبمثل هذا التأويل أنكر الفلاسفة وكثير من علماء الكلام كالمعتزلة وغيرهم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة وعلوه على عرشه ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة ومجيئه تعالى يوم القيامة. وغير ذلك من آيات الصفات وأحاديثها. وبالجملة، فالقول بحشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض هو الصواب الذي لا يجوز غيره، فلا جرم أن ذهب إليه الجمهور كما ذكر الألوسي نفسه في مكان آخر من " تفسيره " (9 / 281) ، وبه جزم الشوكاني في تفسير آية " التكوير " من تفسيره " فتح القدير "، فقال (5 / 377) :

1968

" الوحوش ما توحش من دواب البر، ومعنى (حشرت) بعثت، حتى يقتص بعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء ". وقد اغتر بكلمة الألوسي المتقدمة النافية لحشر الوحوش محرر " باب الفتاوي " في مجلة الوعي الإسلامي السنة الثانية، العدد 89 ص 107، فنقلها عنه، مرتضيا لها معتمدا عليها، وذلك من شؤم التقليد وقلة التحقيق. والله المستعان وهو ولي التوفيق. 1968 - " إنا قد بايعناك فارجع ". هو من حديث الشريد بن سويد قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه مسلم (7 / 37) والنسائي (2 / 184 ) وابن ماجة (2 / 364) والطيالسي (رقم 1270) وأحمد (4 / 389 - 390) عن يعلى بن عطاء عن عمرو بن الشريد عن أبيه به. وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7247) من طريق شريك عن يعلى بن عطاء بلفظ: أن مجذوما أتى النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه، فأتيته فذكرت له، فقال: " ائته فأعلمه أني قد بايعته فليرجع ". قلت: وفي الحديث إثبات العدوى والاحتراز منها، فلا منافاة بينه وبين حديث " لا عدوى " لأن المراد به نفي ما كانت الجاهلية تعتقده أن العاهة تعدي بطبعها لا بفعل الله تعالى وقدرته، فهذا هو المنفي، ولم ينف حصول الضرر عنه ذلك بقدر الله ومشيئته، وهذا ما أثبته حديث الترجمة، وأرشد فيه إلى الابتعاد عما قد يحصل الضرر منه بقدر الله وفعله.

1969

1969 - " اللهم اجعله هاديا مهديا واهده واهد به. يعني معاوية ". أخرجه الترقفي في " حديثه " (ق 45 / 1) : حدثنا أبو مسهر حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني - قال سعيد: وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في معاوية ... فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 327) والترمذي (2 / 316 - بولاق) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 133 / 1 و 16 / 243 / 2) ، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وأقول: رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فكان حقه أن يصحح، فلعل الترمذي اقتصر على تحسينه لأن سعيد بن عبد العزيز كان قد اختلط قبل موته، كما قال أبو مسهر وابن معين، لكن الظاهر أن هذا الحديث تلقاه عنه أبو مسهر قبل اختلاطه، وإلا لم يروه عنه لو سمعه في حالة اختلاطه، لاسيما وقد قال أبو حاتم: " كان أبو مسهر يقدم سعيد بن عبد العزيز على الأوزاعي ". قلت: أفتراه يقدمه على الإمام الأوزاعي وهو يروي عنه في اختلاطه؟ ! . وقد تابعه جمع: 1 - رواه ابن محمد الدمشقي أخبرنا سعيد أخبرنا ربيعة بن يزيد سمعت عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في معاوية بن أبي سفيان: فذكره. أخرجه البخاري في " التاريخ " وابن عساكر. 2 - الوليد بن مسلم مقرونا بمحمد بن مروان - ولعله مروان بن محمد - قالا: أخبرنا

سعيد بن عبد العزيز به مسلسلا بالسماع. أخرجه ابن عساكر، وأخرجه أحمد (4 / 216) عن الوليد وحده. 3 - عمر بن عبد الواحد عن سعيد بن عبد العزيز به مسلسلا. أخرجه ابن عساكر. 4 - محمد بن سليمان الحراني: أخبرنا سعيد بن عبد العزيز به مصرحا بسماع عبد الرحمن بن أبي عميرة إياه من النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن عساكر. قلت: فهذه خمسة طرق عن سعيد بن عبد العزيز، وكلهم من ثقات الشاميين، ويبعد عادة أن يكونوا جميعا سمعوه منه بعد الاختلاط، وكأنه لذلك لم يعله الحافظ بالاختلاط، فقد قال في ترجمة ابن أبي عميرة من " الإصابة ": " ليس للحديث علة إلا الاضطراب، فإن رواته ثقات، فقد رواه الوليد ابن مسلم وعمر بن عبد الواحد عن سعيد بن عبد العزيز مخالفا أبا مسهر في شيخه، قالا: عن سعيد عن يونس بن ميسرة عن عبد الرحمن بن أبي عميرة أخرجه ابن شاهين من طريق محمود بن خالد عنهما ، وكذا أخرجه ابن قانع من طريق زيد بن أبي الزرقاء عن الوليد بن مسلم ". قلت: رواية الوليد هذه أخرجها ابن عساكر أيضا من طريق أخرى عنه، لكن قد تقدمت الرواية عنه وعن عمر بن عبد الواحد على وفق رواية أبي مسهر، فهي أرجح من روايتهما المخالفة لروايته، لاسيما وقد تابعه عليها مروان بن محمد الدمشقي ومحمد بن سليمان الحراني كما تقدم، ولذلك قال الحافظ ابن عساكر: " وقول الجماعة هو الصواب ". وإذا كان الأمر كذلك، فالاضطراب الذي ادعاه الحافظ ابن حجر إن سلم به،

فليس من النوع الذي يضعف الحديث به، لأن وجوه الاضطراب ليست متساوية القوة، كما يعلم ذلك الخبير بعلم مصطلح الحديث. وبالجملة، فاختلاط سعيد بن عبد العزيز لا يخدج أيضا في صحة الحديث. وأما قول ابن عبد البر في الحديث ورواية ابن أبي عميرة: " لا تصح صحبته، ولا يثبت إسناد حديثه ". فهو وإن أقره الحافظ عليه في " التهذيب " فقد رده في " الإصابة " أحسن الرد متعجبا منه، فقد ساق له في ترجمته عدة أحاديث مصرحا فيها بالسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " وهذه الأحاديث، وإن كان لا يخلوا إسناد منها من مقال، فمجموعها يثبت لعبد الرحمن الصحبة، فعجب من قول ابن عبد البر (فذكره) ، وتعقبه ابن فتحون وقال: لا أدري ما هذا؟ فقد رواه مروان بن محمد الطاطري وأبو مسهر، كلاهما عن ربيعة بن يزيد أنه سمع عبد الرحمن بن أبي عميرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ". (قال الحافظ) : " وفات ابن فتحون أن يقول: هب أن هذا الحديث الذي أشار إليه ابن عبد البر ظهرت له فيه علة الانقطاع، فما يصنع في بقية الأحاديث المصرحة بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ ! فما الذي يصحح الصحبة زائدا على هذا، مع أنه ليس للحديث الأول علة إلا الاضطراب ... " إلخ كلامه المتقدم. قلت: فلا جرم أن جزم بصحبته أبو حاتم وابن السكن، وذكره البخاري وابن سعد وابن البرقي وابن حبان وعبد الصمد بن سعيد في " الصحابة " وأبو الحسن بن سميع في الطبقة الأولى من " الصحابة " الذين نزلوا حمص، كما في " الإصابة " لابن حجر، فالعجب منه كيف لم يذكر هذه الأقوال أو بعضها على الأقل في " التهذيب " وهو الأرجح، وذكر فيه قول ابن عبد البر المتقدم وهو المرجوح! وهذا مما يرشد الباحث إلى أن مجال الاستدراك عليه وعلى غيره من العلماء مفتوح على قاعدة: كم ترك الأول للآخر! .

1970

ومما يرجح هذا القول إخراج الإمام أحمد لهذا الحديث في " مسنده " كما تقدم، فإن ذلك يشعر العارف بأن ابن أبي عميرة صحابي عنده، وإلا لما أخرج له، لأنه يكون مرسلا لا مسندا. ثم إن للحديث طريقا أخرى، يرويه عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن عمير بن سعد الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه الترمذي وابن عساكر، وقال الترمذي: " حديث غريب، وعمرو بن واقد يضعف ". ثم رواه ابن عساكر عن الوليد بن سليمان عن عمر بن الخطاب مرفوعا به. وقال: " الوليد بن سليمان لم يدرك عمر ". وبالجملة فالحديث صحيح، وهذه الطرق تزيده قوة على قوة. 1970 - " اذهب إلى أبي بكر ليحدثك حديث القوم وأيامهم وأحسابهم، ثم اهجهم وجبريل معك ". أخرجه الحاكم (3 / 488 - 489) عن حاتم بن أبي صغيرة أبي يونس القشيري عن سماك ابن حرب رفع الحديث، وعن جابر عن السدي عن البراء بن عازب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فقيل: يا رسول الله! إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك، فقام ابن رواحة فقال: يا رسول الله ايذن لي فيه، فقال: أنت الذي تقول: " ثبت الله ... ؟ قال: نعم، قلت يا رسول الله " فثبت الله ما أعطاك من حسن تثبيت موسى ونصرا مثل ما نصروا ".

1971

قال " وأن يفعل الله بك خيرا مثل ذلك ". قال: ثم وثب كعب فقال: يا رسول الله: ايذن لي فيه. قال: " أنت الذي تقول: " همت.. ". قال نعم، قلت: يا رسول الله " همت سخينة أن تغالب ربها فليغلبن مغالب الغلاب ". قال: " أما إن الله لم ينس لك ذلك ". قال: ثم قام حسان فقال: يا رسول الله! ايذن لي فيه، وأخرج لسانا له أسود، فقال: يا رسول الله! ايذن لي إن شئت أفريت به المزاد. فقال: الحديث. وقال " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. كذا قالا، وجابر هو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، لكن تابعه سماك بن حرب مرسلا فيتقوى به. وقد جاء الحديث من طرق أخرى عن البراء مختصرا فانظر: " اهج المشركين " وقد مضى برقم (801) . 1971 - " لا تزال أمة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس ". أخرجه أحمد (4 / 99) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ربيعة ابن يزيد عن عبد الله بن عامر اليحصبي قال: سمعت معاوية يحدث وهو يقول: إياكم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا حديثا كان على عهد عمر، فإن عمر رضي الله عنه كان أخاف الناس في الله عز وجل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قلت: فذكر ثلاثة أحاديث هذا أحدها. والثاني: (إنما أنا خازن ... ) . والثالث: (من يرد الله به خيرا يفقهه..) ، وقد سبقا برقم (971 و 1194) .

1972

وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرج به في صحيحه الحديثين المشار إليهما . وقد ورد الحديث بألفاظ أخرى من طرق كثيرة عن معاوية وغيره، فانظر " لا تزال طائفة.. " رقم (1958) . 1972 - " إن هذه الوبرة من غنائمكم، وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم، إلا الخمس والخمس مردود عليكم، فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر ولا تغلوا، فإن الغلول نار وعار على أصحابه فى الدنيا والآخرة. وجاهدوا الناس في الله تبارك وتعالى القريب والبعيد، ولا تبالوا في الله لومة لائم وأقيموا حدود الله في الحضر والسفر وجاهدوا في سبيل الله، فإن الجهاد باب من أبواب الجنة عظيمة، ينجي الله تبارك وتعالى به من الغم والهم ". أخرجه أحمد (5 / 314 و 316 و 326) من طرق عن إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلام الأعرج عن المقدام بن معدي كرب الكندي. أنه جلس مع عبادة بن الصامت وأبي الدرداء والحارث بن معاوية الكندي، فتذاكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو الدرداء لعبادة: يا عبادة! كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة كذا وكذا في شأن الأخماس. فقال عبادة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم في غزوة إلى بعير من المقسم، فلما سلم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال: " إن هذه من غنائمكم ... " الحديث. وهذا إسناد ضعيف، قال الهيثمي (5 / 338) : " رواه أحمد وفيه أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف ".

1973

قلت: لكن أخرجه أحمد أيضا (5 / 326) : حدثنا يحيى بن عثمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن سعيد بن يوسف عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام نحو ذلك. هكذا ساقه عقب الإسناد الأول. وهذه متابعة قوية لابن أبي مريم عن أبي سلام! إلا أن يحيى بن أبي كثير مدلس، بل إنه لم يسمع من أبي سلام، واسمه منصور، كما قال العجلي. ثم الراوي عنه سعيد بن يوسف ضعيف كما في " التقريب " وغيره. ورواه مكحول عن أبي سلام عن أبي أمامة الباهلي عن عبادة بن الصامت بنحوه. وله عن عبادة طرق أخرى وشاهد من حديث ابن عمرو يأتي عقب هذا، فالحديث بذلك حسن على أقل الدرجات . بل هو صحيح، وقد تقدم لفظه من الطريق المشار إليها برقم (1942) . 1973 - " يا أيها الناس ليس لي من هذا الفيء ولا هذه (الوبرة) إلا الخمس، والخمس مردود عليكم، فردوا الخياط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عارا ونارا وشنارا ". أخرجه أحمد (2 / 184) من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاءته وفود هوازن فقالوا: يا محمد إنا أهل وعشيرة، فمن علينا من الله عليك، فإنه قد نزل بنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فقال: " اختاروا بين نسائكم وأموالكم وأبنائكم ". قالوا: خيرتنا بين أحسابنا وأموالنا، نختار أبناءنا، فقال: " أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم، فإذا صليت الظهر فقولوا: إنا نستشفع برسول الله على المؤمنين وبالمؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسائنا وأبنائنا " . قال: ففعلوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم ". وقال المهاجرون: ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت الأنصار مثل ذلك، وقال عيينة بن بدر: أما ما كان لي ولبني فزارة فلا، وقال الأقرع بن حابس: أما أنا وبنو تميم فلا، وقال عباس بن مرداس: أما أنا وبنو سليم فلا. فقالت الحيان: كذبت، بل هو لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس ردوا عليهم نساءهم وأبناؤهم، فمن تمسك بشيء من الفيء فله علينا ستة فرائض من أول شيء يفيئه الله علينا ". ثم ركب راحلته وتعلق به الناس يقولون: أقسم علينا فيأنا بيننا، حتى ألجأوه إلى سمرة فخطفت رداءه، فقال: " يا أيها الناس ردوا علي ردائي، فوالله لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعم لقسمته بينكم، ثم لا تلقوني بخيلا ولا جبانا ولا كذوبا ". ثم دنا من بعيره فأخذ وبرة من سنامه فجعلها بين إصبعيه، السبابة والوسطى، ثم رفعها فقال: " يا أيها الناس ليس لي.. " إلخ. وهذه القطعة الأخيرة عزاها في " المنتخب " (2 / 301) إلى النسائي أيضا، وقد وجدته في سننه (2 / 178) من هذا الوجه دون قوله: " فردوا ... " إلخ. ثم الحديث أخرجه أحمد (2 / 218) من طريق آخر عن محمد بن إسحاق قال: وحدثني عمرو بن شعيب به بطوله دون قوله: " ثم ركب راحلته ... " إلخ. فهذا إسناد حسن قد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، فزالت بذلك شبهة تدليسه . وللحديث شواهد سبقت الإشارة إليها عند الحديث:

1974

" يا أيها الناس إن هذا من غنائمكم " رقم (985) . 1974 - " ألا لا يجني جان إلا على نفسه، لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده ". أخرجه ابن ماجة (2 / 147) وأحمد (3 / 498 - 499) عن شبيب بن غرقدة عن سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في حجة الوداع: فذكره. وليس عند أحمد أداة الاستفتاح. قال في " الزوائد ": " إسناد صحيح، ورجاله ثقات ". كذا قال، وسليمان بن عمرو ليس بالمشهور ولذلك قال في " الخلاصة ": " موثق ". وفي التقريب: " مقبول ". فمثله حسن الحديث إذا لم يتفرد. وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح. وله شاهد بلفظ: " لا تجني نفس على نفس أخرى ". وقد مضى برقم (988) . وله شاهد آخر من حديث ابن عمر بلفظ: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه ". أخرجه النسائي (2 / 177) من طريق أبي بكر بن عياش، ومن طريق شريك كلاهما عن الأعمش عن مسلم عن مسروق - قال الأول: عن عبد الله، وقال الآخر: عن ابن عمر - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال النسائي: " هذا خطأ، والصواب مرسل ". ثم ساقه من طريق أبي معاوية ويعلى عن الأعمش به مرسلا لم يذكرا عبد الله.

1975

وهو مرسل صحيح الإسناد، فهو شاهد قوي. وأما الطرف الأول فهو صحيح عن ابن عمر، له طرق أخرى عند النسائي والبخاري وغيرهما وهو مخرج في " الروض النضير " برقم (797) وغيره. 1975 - " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن ولا يغضهم إلا منافق، فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله ". أخرجه البخاري (4 / 223) ومسلم (1 / 60) والترمذي (2 / 324) وقال: " حسن صحيح "، والطيالسي (ص 99 رقم 728) وأحمد (4 / 292) عن البراء بن عازب. وله شاهد من حديث أنس مرفوعا نحوه. وقد مضى لفظه برقم (668) . 1976 - " لو تكونون كما تكونون عندي لأظلتكم الملائكة بأجنحتها ". أخرجه الطيالسي (ص 191 رقم 1345) : حدثنا عمران عن قتادة عن زيد بن عبد الله ابن الشخير عن حنظلة الأسيدي مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال الستة غير عمران وهو القطان روى له البخاري تعليقا، وهو صدوق يهم كما في " التقريب ". وقد أخرجه الترمذي (2 / 74) وأحمد (4 / 346) عن الطيالسي، وقال الترمذي: " حديث حسن من هذا الوجه، وقد روي من غير هذا الوجه عن حنظلة ، وفي الباب عن أبي هريرة ". قلت: الوجه الآخر الذي أشار إليه الترمذي لفظه أتم من هذا، وقد مضى بلفظ:

1977

" والذي نفسي بيده إن لو تدومون " برقم (1948) . وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه سبق في " لو تكونون " رقم (968) . وله شاهد آخر بلفظ " لو تدومون " وقد مضى قريبا برقم (1965) . 1977 - " اللهم بارك لأهلها فيها. يعني العنز ". أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 27 - 29 مصورة المكتب) : حدثنا محمد بن داود ابن صبيح قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم اللخمي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " نزل بنا ضيف بدوي، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام بيوته، فجعل يسأله عن الناس كيف فرحهم بالإسلام؟ وكيف حدبهم على الصلاة؟ فما زال يخبره من ذلك بالذي يسره حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم نضرا، فلما انتصف النهار وحان أكل الطعام دعاني مستخفيا لا يألوا: أن ائت عائشة رضي الله عنها فأخبرها أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ضيفا، فقالت: والذي بعثه بالهدى ودين الحق ما أصبح في يدي شيء يأكله أحد من الناس، فردني إلى نسائه، كلهن يعتذرن بما اعتذرت به عائشة رضي الله عنها، فرأيت لون رسول الله صلى الله عليه وسلم خسف، فقال البدوي: إنا أهل البادية معانون على زماننا، لسنا بأهل الحاضر، فإنما يكفي القبضة من التمر يشرب عليها من اللبن أو الماء، فذلك الخصب! فمرت عند ذلك عنز لنا قد احتلبت، كنا نسميها (ثمر ثمر) ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم باسمها (ثمر ثمر) فأقبلت إليه تحمحم، فأخذ برجلها باسم الله، ثم اعتقلها باسم الله، ثم مسح سرتها باسم الله، فحفلت (الأصل: فحطت) فدعاني بمحلب، فأتيته به، فحلب باسم الله، فملأه فدفعه إلى الضيف، فشرب منه شربة ضخمة، ثم أراد أن يضعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " عل ". ثم أراد أن يضعه، فقال له: " عل "، فكرره عليه حتى امتلأ وشرب ما شاء، ثم حلب باسم الله وملأه وقال: أبلغ عائشة هذا، فشربت

1978

منه ما بدا لها ، ثم رجعت إليه، فحلب فيه باسم الله، ثم أرسلني به إلى نسائه، كلما شرب منه رددته إليه، فحلب باسم الله فملأه، ثم قال: ادفعه إلى الضيف فدفعته إليه فقال: باسم الله، فشرب منه ما شاء الله، ثم أعطاني، فلم آل أن أضع شفتي على درج شفته، فشربت شرابا أحلى من العسل، وأطيب من المسك، ثم قال " ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب ". 1978 - " موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها، وقرأ: * (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * ". أخرجه الترمذي (3017 و 3288) والدارمي (2 / 332 - 333) والحاكم (2 / 299 ) وأحمد (2 / 438) من طريق محمد بن عمرو قال: حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي! قلت: وإسناده حسن فقط للخلاف في محمد بن عمرو. ولذا أخرج له مسلم مقرونا. وللشطر الأول منه طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه: 1 - الخزرج بن عثمان السعدي قال: حدثنا أبو أيوب مولى لعثمان بن عفان عنه مرفوعا بلفظ: " قيد سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها، ولنصيف امرأة من الجنة خير من الدنيا ومثلها معها ". قال: قلت: يا أبا هريرة! ما النصيف؟ قال: الخمار.

أخرجه أحمد (2 / 483) . قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، الخزرج هذا قال ابن معين: صالح، وذكره ابن حبان في " الثقات "، لكن قال الدارقطني: " بصري يترك، وأبو أيوب عن أبي هريرة جماعة، ولكن هذا مجهول ". قلت: وهذه فائدة هامة من الإمام الدارقطني رحمه الله أن أبا أيوب عن أبي هريرة جماعة، وهذا مما لم ينبه عليه الحافظ في ترجمة أبي أيوب هذا وقد سماه عبد الله بن أبي سليمان الأموي، قال: ويقال: اسمه سليمان. وقال الذهبي في " الميزان ": " أبو أيوب مولى عثمان عن جبير بن مطعم، لا يعرف ". قلت: فهو علة هذا الإسناد. 2 - فليح عن هلال بن علي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة مرفوعا: " لقاب قوس أو سوط في الجنة خير مما تطلع عليه الشمس وتغرب ". أخرجه أحمد (2 / 482) . قلت: وإسناده على شرط الشيخين، على ضعف في فليح وهو ابن سليمان الخزاعي المدني. قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". 3 - همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أحاديث هذا أحدها بلفظ: " لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض ". أخرجه أحمد (2 / 315) . قلت: وسنده صحيح على شرط الشيخين.

1979

4 - عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به إلا أنه قال : " خير من الدنيا وما فيها ". أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (2 / 17) . قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم وابن إسحاق هذا هو العامري القرشي مولاهم ويقال له: عباد بن إسحاق. 5 - الأعمش عن أبي صالح عنه مرفوعا نحو طريق همام. أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 143) . قلت: ورجاله ثقات. وللحديث شاهدان: 1 - حديث أنس بن مالك مرفوعا نحو الطريق الرابع. أخرجه ابن حبان (2629) وأحمد (3 / 141) . وسنده صحيح على شرط الشيخين. 2 - حديث سهل بن سعد مرفوعا مثل حديث الترجمة دون الزيادة. أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة في " الجهاد " وأحمد (3 / 433 - 334 و5 / 330 و 337 و 338 و 339) . عن أبي حازم المدني عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 1979 - " من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كتب له براءتان، براءة من النار وبراءة من النفاق ".

هو من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه، وله عنه طرق. الأولى: سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عنه به. أخرجه الترمذي (1 / 201 - تحفة) وأسلم الواسطي في " تاريخ واسط " (ص 40) ، وقال الترمذي: " قد روي هذا الحديث عن أنس موقوفا، ولا أعلم أحدا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو، وإنما يروى هذا عن حبيب بن أبي حبيب البجلي عن أنس بن مالك قوله ". قلت: قد روي مرفوعا من طريق أخرى لم يقف عليها الترمذي، وهي: الثانية: منصور بن مهاجر أبو الحسن حدثنا أبو حمزة الواسطي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه أسلم الواسطي في " تاريخ واسط " (ص 36) : حدثنا أحمد بن إسماعيل قال: حدثنا إسماعيل بن مرزوق قال: حدثنا منصور بن مهاجر ... وقال: " هذا (يعني أبا حمزة الواسطي) اسمه جبير ابن ميمون ". كذا قال، ولم أره لغيره ولا وجدت في الرواة من يسمى جبير بن ميمون بل الظاهر أن أبا حمزة هذا هو عمران بن أبي عطاء القصاب، قال الدولابي في " الكنى " (1 / 156) : " واسطي، روى عنه شعبة وهشيم ". قلت: وهو من رجال مسلم، روى عن أبيه وابن عباس وأنس وغيرهم وقد وثقه جمع وضعفه بعضهم فهو حسن الحديث، لاسيما عند المتابعة. ومنصور بن مهاجر، روى عنه جمع من الثقات منهم يعقوب بن شيبة، ولم يذكروا فيه توثيقا، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ":

" مستور ". قلت: فمثله لا يستشهد به على أقل الدرجات. وإسماعيل بن مرزوق هو المرادي الكعبي المصري، ذكره ابن حبان في " الثقات " وتكلم فيه الطحاوي، لكن استنظف الحافظ إسناد حديث آخر من طريقه. وأما أحمد بن إسماعيل، فلم أعرفه الآن وفي " تاريخ بغداد " جمع من الرواة بهذا الاسم. الثالثة: عن أبي العلاء الخفاف عن حبيب بن أبي حبيب عن أنس بن مالك قال: فذكره نحوه موقوفا عليه. وهو الذي أشار إليه الترمذي فيما سبق. أخرجه الواسطي أيضا في تاريخه (ص 40) من طريقين عنه. وحبيب هذا هو ابن أبي حبيب البجلي البصري نزيل الكوفة روى عنه أيضا طعمة بن عمرو الجعفري وعمر بن محمد العنقزي، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال الحافظ: " مقبول " يعني المتابعة، وقد توبع كما تقدم. وأما أبو العلاء الخفاف واسمه خالد بن طهمان فهو صدوق، لكنه كان اختلط. ثم رواه الواسطي من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان عن خالد عن أبي عميرة عن أنس بن مالك بمثله. وأبو عميرة هذا ثقة، وهو ابن أنس بن مالك. وخالد هو ابن طهمان المتقدم، فكأنه اضطرب في إسناده، فرواه تارة عن أبي عميرة عن أنس، وتارة عن أنس مباشرة لم يذكر أبا عميرة، ولعل ذلك من اختلاطه. قلت: وبالجملة، فهذه الطرق وإن كانت مفرداتها لا تخلو من علة، فمجموعها

1980

يدل على أن له أصلا، والأخير منها وإن كان موقوفا، فمثله لا يقال من قبل الرأي كما لا يخفى. وللحديث طريق رابع عن أنس مرفوعا، ولكن بلفظ: " من صلى في مسجدي أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجاة من العذاب وبرىء من النفاق ". ولكنه منكر بهذا اللفظ لمخالفته للفظه في الطرق المتقدمة مع جهالة في إسناده، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر (364) . 1980 - " علي يقضي ديني ". روي من حديث أنس بن مالك وحبشي بن جنادة وسعد بن أبي وقاص. 1 - أما حديث أنس فيرويه ضرار بن صرد أبو نعيم: حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي يحدث عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. أخرجه البزار (ص 268) وقال: " هذا الحديث منكر ". قال الحافظ في " زوائد البزار ": " وضرار بن صرد ضعيف جدا ". قلت: وتساهل في " التقريب " فقال: " صدوق له أوهام وخطأ ". والحسن هو البصري، وهو مدلس وقد عنعنه ويمكن أن يكون تلقاه عن بعض المتروكين، فقد رواه محمد بن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن مطر عن أنس به. أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 297 - مختصره) .

قلت: ومطر هذا هو ابن ميمون المحاربي، قال الحافظ: " متروك ". 2 - وأما حديث حبشي فيرويه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عنه بلفظ: " علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني (ديني) إلا أنا أو علي ". أخرجه أحمد (4 / 164) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (12 / 150 / 1) ورجاله ثقات إلا أن أبا إسحاق وهو السبيعي كان اختلط. ثم هو مدلس، لكن تابعه شريك عن أبي إسحاق به. وقال شريك: " قلت لأبي إسحاق: أنت أين سمعته منه؟ قال: موضع كذا وكذا، لا أحفظه ". أخرجه أحمد أيضا (4 / 165) والترمذي (2 / 299) والنسائي (ص 14 - خصائص) والطبراني في " الكبير " (3511) وابن ماجة ( 119) ، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: إلا أن شريكا سيء الحفظ، فإن كان حفظه، فالعلة ما ذكرنا من الاختلاط. وتابعه قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن حبشي. أخرجه الطبراني (3512) . 3 - وأما حديث سعد فيرويه موسى بن يعقوب قال: حدثنا مهاجر بن سمسار بن سلمة عن عائشة بنت سعد قالت: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الجحفة - فأخذ بيد علي فخطب فحمد الله فأثنى عليه - ثم قال:

" أيها الناس إني وليكم ". قالوا: صدقت يا رسول الله، ثم أخذ بيد علي فرفعها فقال: " هذا وليي، ويؤدي عني ديني وأنا موالي من والاه ومعادي من عاداه ". أخرجه النسائي في " خصائص علي " (ص 3) والبزار في " مسنده " (ص 266) وقال: " لا نعلمه يروى عن عائشة بنت سعد عن أبيها (إلا) من هذا الوجه، ولا يعلم روى المهاجر عن عائشة بنت سعد عن أبيها إلا هذا ". قلت: ورجاله ثقات على أن موسى بن يعقوب وهو الزمعي سيء الحفظ كما قال الحافظ في " التقريب ". قلت: فإذا ضم هذا إلى الذي قبله ارتقى الحديث بمجموعهما إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى. (تنبيه) ليس في شيء من هذه الطرق تعيين المكان الذي نطق فيه عليه الصلاة والسلام بهذا الحديث اللهم إلا ما في حديث سعد أنه " يوم الجحفة "، وإلا ما في رواية لابن عساكر (12 / 150 / 2) من طريق جبير بن هارون: أخبرنا محمد بن حميد أخبرنا حكام عن عنبسة عن أبي إسحاق عن حبشي بحديثه المتقدم، وزاد في آخره: " قاله في حجة الوداع ". قلت: وهذه زيادة منكرة لتفرد هذا الطريق بها دون الطرق المتقدمة عن أبي إسحاق . وفي هذا محمد بن حميد وهو الرازي، وهو ضعيف لسوء حفظه. وجبير بن هارون لم أجد له ترجمة. ولا أستبعد أن تكون هذه الزيادة من سوء حفظ الرازي، فإن في رواية إسرائيل المتقدمة عند أحمد زيادة أخرى بلفظ:

" ... عن حبشي بن جنادة - وكان قد شهد حجة الوداع - ". قلت: فلم يضبط الرازي هذه الجملة وانقلبت عليه لسوء حفظه فصيرها: " قاله في حجة الوداع "! ! وجعله عقب الحديث! ! مع ما في ذلك من المخالفة لرواية سعد، فتنبه. وإذا تبينت هذا، فاعلم أنه قد صنع صنيع الرازي هذا رجل من متعصبة الشيعة، وهو الشيخ المسمى بعبد الحسين الموسوي بل إن صنيعه أسوأ وأقبح لأنه عن عمد فعل! فقد قال في كتابه " المراجعات " (ص 173) : " 15 - قوله صلى الله عليه وسلم يوم عرفات في حجة الوداع: علي مني وأنا من علي، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي ". ثم قال في تخريجه في الحاشية: " أخرجه ابن ماجة في باب فضائل الصحابة ص 92 من الجزء الأول من سننه والترمذي والنسائي في صحيحيهما (!) وهو الحديث 2531 ص 153 من الجزء السادس من الكنز. وقد أخرجه الإمام أحمد (ص 164 من الجزء الرابع من مسنده) من حديث حبشي بن جنادة بطرق متعددة كلها صحيحة (!) وحسبك أنه رواه عن يحيى بن آدم عن إسرائيل بن يونس عن جده أبي إسحاق السبيعي عن حبشي وكل هؤلاء حجج عند الشيخين. ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد علم أن صدوره إنما كان في حجة الوداع "! أقول والله المستعان: في هذه السطور أكاذيب. الأولى: قوله: " يوم عرفات " ، فإنه لا أصل له مطلقا في شيء من الروايات. وإنما افترى هذه الزيادة تصخيما للأمر وتهويلا، وليكرر ذلك بعبارة أخرى فقال (ص 194) : " فلما كان يوم الموقف بعرفات نادى في الناس: علي مني ... "!

الثانية: قوله: " في حجة الوداع "، فقد عرفت أنها لم ترد في شيء من الطرق إلا طريق ابن عساكر الواهية، وهو إنما عزى الحديث بهذه الزيادة إلى غير ابن عساكر كما رأيت وليست عندهم، فهو افتراء ظاهر عليهم. الثالثة: قوله: " ومن راجع هذا الحديث في مسند أحمد ... " إلخ، تضليل مكشوف ، فليس في " المسند " إلا قول أبي إسحاق أو من دونه في حبشي: " وكان قد شهد حجة الوداع ". وكل ذي لب وعلم يعلم أن هذه الجملة لا تعطي تصريحا ولا تلميحا أن حبشي بن جنادة سمع الحديث منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. الرابعة: قوله: " في صحيحيهما " تضليل آخر، فإن كتاب الترمذي والنسائي إنما يعرفان بـ " السنن " وليس بـ " الصحيح "، كيف وفيهما أحاديث ضعيفة يصرح المؤلف فضلا عن غيره بضعفها لاسيما الأول منها. على أن النسائي لم يخرج الحديث في " سننه " وإنما في " الخصائص " كما تقدم، فهذا تضليل آخر، حتى ولو كان أطلق عليها " الصحيح " أيضا كما هو ظاهر! الخامسة: قوله: " بطرق متعددة ". كذب أيضا لأنه ليس له في " المسند " بل ولا في غيره إلا طريق واحدة هي طريق أبي إسحاق السبيعي عن حبشي. وإنما تعددت الطرق إلى السبيعي فقط، وفي هذه الحال لا يصح أن يقال: " بطرق متعددة " إلا من متساهل، أو مدلس كهذا الشيعي. السادسة: قوله: " كلها صحيحة ". أقول: فهذا كذب مزدوج لأنه ليس له إلا طريق واحدة كما سبق بيانه آنفا. ولأن هذا الطريق لا يجوز إطلاق الصحة عليها لاختلاط المتفرد بها - وهو السبيعي، ولعنعنته كما سبق بيانه. ثم اعلم أن لهذا الشيعي أكاذيب كثيرة في كتابه المذكور فضلا عن جهله بهذا العلم واحتجاجه بالأحاديث الضعيفة والموضوعة وطعنه في الصحابة وأئمة الحديث

1981

وأهل السنة الأمر الذي يستلزم القيام بالرد عليه والكشف عما في كتابه من الأسواء والأخطاء والأكاذيب. وقد توفرت الهمة لنقده في أحاديثه الضعيفة والموضوعة، وقد اجتمع لدي منها حتى الآن قرابة مائة حديث جلها أو كلها في فضل علي وهي ما بين ضعيف وموضوع وأرقامها في الكتاب الآخر (4882 - 4960) . والله المستعان. 1981 - " عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز، تذكركم الآخرة ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (84 / 1) والبخاري في " الأدب المفرد " (518) وابن حبان (709) وابن المبارك في " الزهد " (248) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 166 / 1) عن قتادة عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. قلت: إسناده حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي عيسى الأسواري، فأخرج له مسلم متابعة، ووثقه الطبراني وابن حبان وروى عنه جماعة. 1982 - " العرافة أولها ملامة وآخرها ندامة والعذاب يوم القيامة ". رواه الطيالسي في " مسنده " (رقم 2526) وأبو العباس الأصم في " حديثه " (3 / 148 / 1) (رقم 125) عن هشام عن عباد بن أبي علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، رجال الشيخين غير عباد بن أبي علي وهو البصري، وقد روى عنه مع هشام هذا - وهو الدستوائي - غيره من الثقات وهم حماد بن زيد وخليد بن حسان، كما في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 84) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال الحافظ: " مقبول ".

1983

وفي الترهيب عن العرافة أحاديث أخرى عن جمع من الصحابة، لا تخلو أسانيدها من ضعف تجدها في آخر الجزء الأول من " الترغيب " للحافظ المنذري (1 / 278 - 280) إلا الحديث الأخير منها عنده عن أبي سعيد وأبي هريرة معا، وقد مضى لفظه وتخريجه برقم (360) . 1983 - " العقل على العصبة، وفي السقط غرة: عبد أو أمة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم - 3484) من طريق عباد بن منصور أخبرنا أبو المليح الهذلي عن حمل بن النابغة " أنه كانت له امرأتان، لحيانية، ومعاوية - من بني معاوية بن زيد - وأنهما اجتمعتا فتغايرتا، فرفعت المعاوية حجرا فرمت به اللحيانية، وهي حبلى، وقد بلغت فقتلتها، فألقت غلاما، فقال حمل بن مالك لعمران بن عويمر: أد إلي عقل امرأتي، فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف لسوء حفظ عباد بن منصور، لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه قتادة عن أبي المليح بن أسامة به نحوه. أخرجه الطبراني أيضا (رقم - 3485) . وإسناده صحيح. ورواه النسائي (2 / 249) من طريق أخرى عن حمل مختصرا. وللحديث شواهد منها عن أبي هريرة قال: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها ". أخرجه البخاري (4 / 286) ومسلم (5 / 110 ) والنسائي وأحمد (2 / 539) .

1984

(العقل) : الدية. (العصبة) : هو بنو الرجل وقرابته لأبيه، وفي (الفرائض) : من ليست له فريضة مسماه في الميراث وإنما يأخذ ما أبقى ذوو الفروض. (غرة) . قال ابن الأثير: الغرة: العبد نفسه أو الأمة. 1984 - " طوافك بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك ". أخرجه مسلم (4 / 34) وأبو داود (1897) عن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء - وقال مسلم: عن مجاهد - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: فذكره. لفظ عطاء، ولفظ مجاهد: أنها حاضت بـ (سرف) ، فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يجزيء عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك ". ثم أخرج مسلم وأحمد (6 / 124) من طريق عبد الله بن طاووس عن أبيه عن عائشة " أنها أهلت بعمرة، فقدمت ولم تطف بالبيت حتى حاضت، فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم (النفر ) : " يسعك طوافك لحجك وعمرتك ". فأبت، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج ". قلت: فالعمرة بعد الحج إنما هي للحائض التي لم تتمكن من الإتيان بعمرة الحج بين يدي الحج لأنها حاضت كما علمت من قصة عائشة هذه، فمثلها من النساء إذا أهلت بعمرة الحج كما فعلت هي رضي الله عنها، ثم حال بينها وبين إتمامها الحيض ، فهذه يشرع لها العمرة بعد الحج، فما يفعله اليوم جماهير الحجاج من تفاهتهم على العمرة

1985

بعد الحج، مما لا نراه مشروعا لأن أحدا من الصحابة الذين حجوا معه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها. بل إنني أري أن هذا من تشبه الرجال بالنساء، بل بالحيض منهن! ولذلك جريت على تسمية هذه العمرة بـ (عمرة الحائض) بيانا للحقيقة. 1985 - " طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها ". أخرجه أحمد (3 / 71) وابن جرير في " تفسيره " (13 / 101) وابن حبان ( 2625) من طريق دراج أبي السمح أن أبا الهيثم حدثه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا سند لا بأس به في الشواهد لسوء حفظ دراج. ويشهد له ما رواه فرات ابن أبي الفرات عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " * (طوبى لهم وحسن مآب) * شجرة غرسها الله بيده، ونفخ فيها من روحه بالحلي والحلل، وإن أغصانها لترى من وراء سور الجنة ". أخرجه ابن جرير. وفرات هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 80) عن أبيه: " صدوق لا بأس به ". وضعفه غيره. وما أخرجه البخاري وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، إن شئتم فاقرءوا: * (وظل ممدود، وماء مسكوب) *.

1986

وما أخرجه أحمد (2 / 202 و 224 و 225) عن حنان بن خارجة عن عبد الله بن عمرو قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أخبرنا عن ثياب أهل الجنة خلقا تخلق أم نسجا تنسج؟ فضحك بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مم تضحكون من جاهل يسأل عالما؟ " ثم أكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " أين السائل؟ " قال: هو ذا أنا يا رسول الله! قال: " لا بل تشقق عنها ثمر الجنة (ثلاث مرات) ". 1986 - " العمد قود، والخطأ دية ". أخرجه الطبراني في " الكبير " من حديث عمرو بن حزم مرفوعا. وقال الهيثمي في " المجمع " (6 / 286) : " وفيه عمران بن أبي الفضل وهو ضعيف ". وأقره المناوي. وأقول: ولكنه حديث صحيح، أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 328) من طرق عن عمرو بن دينار عن ابن عباس مرفوعا بألفاظ، أقربها إلى لفظ الترجمة بلفظ: " العمد قود، والخطأ عقل لا قود فيه ... " الحديث وهو مخرج في " المشكاة " ( 3478) وفي " الإرواء " أيضا فيما أظن. وللشطر الأول منه شاهد آخر من حديث عثمان بن عفان مرفوعا نحوه. أخرجه النسائي (2 / 169) وأحمد (1 / 63) عن مطر الوراق عن نافع عن ابن عمر عنه. وسنده حسن في الشواهد. (قود) القود: القصاص، وقتل القاتل بدل القتيل.

1987

1987 - " عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 42) عن محمد بن أبي إسرائيل سمع عبد الملك بن أبي بشير عن علقمة بن وائل عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: " إن كان علينا أمراء يعملون بغير طاعة الله؟ فقال: " فذكره، ثم رواه من طريق شعبة عن سماك عن علقمة بن وائل عن أبيه قال سلمة بن يزيد الجعفي للنبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ومن طريق إسرائيل قال: حدثنا سماك عن علقمة قال يزيد للنبي صلى الله عليه وسلم. قلت: الرواية الأولى معلولة بمحمد بن أبي إسرائيل، وفي ترجمته ساق البخاري الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع ابن أبي حاتم في كتابه (3 / 2 / 209) لم يذكر فيه ذلك، فهو في عداد المجهولين. والرواية الثانية إسنادها صحيح، رجالها كلهم ثقات رجال مسلم، وهي أصح من الرواية الثالثة لأن شعبة أحفظ من إسرائيل لاسيما في الرواية عن سماك. والحديث عزاه السيوطي للطبراني في " الكبير " عن يزيد بن سلمة الجعفي، وقال المناوي: " قال الهيثمي: فيه عبيد بن عبيدة لم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". وأقره المناوي. وأقول: إسناده عند البخاري ليس من طرقه وهذا من فضائل تتبع الطرق والأسانيد ، فالحمد لله على توفيقه. ثم وقفت على إسناده في " الكبير "، فرأيته أخرجه ( 6322) من طريق عبيد بن عبيدة حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن زائدة عن سماك به مثل رواية شعبة. فازدادت روايته بهذه المتابعة قوة على قوة.

1988

1988 - " غشيتكم الفتن كقطع الليل المظلم، أنجى الناس فيه رجل صاحب شاهقة يأكل من رسل غنمه، أو رجل آخذ بعنان فرسه من وراء الدرب يأكل من سيفه ". أخرجه الحاكم (4 / 514) عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن نافع بن سرجس عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، ورجاله ثقات رجال مسلم غير نافع هذا، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 453) عن أبيه: " لا أعلم إلا خيرا ". 1989 - " غير الدجال أخوف على أمتي من الدجال، الأئمة المضلون ". أخرجه أحمد (5 / 145) عن ابن لهيعة عن ابن هبيرة عن أبي تميم الجيشاني قال: سمعت أبا ذر يقول: " كنت مخاصرا للنبي صلى الله عليه وسلم يوما إلى منزله ، فسمعته يقول: " فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه سيء الحفظ. وأما قول المناوي: " رواه مسلم في آخر " الصحيح " بلفظ: " غير الدجال أخوفني عليكم " ثم ذكر حديثا طويلا ". فإنما يعني حديث النواس بن سمعان المتقدم برقم (482) وليس فيه " الأئمة المضلون ".

1990

لكن هذه الزيادة قد ثبتت من حديث أبي الدرداء كما تقدم برقم (1582) ، فالحديث بمجموع ذلك صحيح. 1990 - " الغزو غزوان، فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة واجتنب الفساد، فإن نومه وتنبهه أجر كله، وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصى الإمام وأفسد في الأرض، فإنه لا يرجع بكفاف ". رواه أبو داود (رقم (2515) والنسائي في " السير " من " الكبرى " (2 / 52 / 1) وعبد بن حميد في " المنتخب " (15 / 2) وابن عدي (44 / 2) عن بقية عن بحير عن خالد بن معدان عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل مرفوعا. وهكذا رواه الهيثم بن كليب في " مسنده " (171 / 1) وصرح عنده بقية بالتحديث، وكذلك صرح به في رواية أبي العباس الأصم في " حديثه " (ج 3 رقم 97) وابن عساكر (8 / 512 / 1) ورواه أبو القاسم إسماعيل الحلبي في " حديثه " (113 / 2) عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن معاذ بن جبل مرفوعا به. قلت: والسند الأول حسن رجاله ثقات وقد صرح بقية بالتحديث في رواية الأكثرين . وأبو بحرية اسمه عبد الله بن قيس الكندي وهو ثقة مخضرم. 1991 - " الغسل صاع، والوضوء مد ". رواه الطبراني في " الأوسط " (3611) وابن عدي (69 / 2) عن حكيم بن نافع الرمي عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا، وقال: " هذا الحديث بهذا الإسناد غير محفوظ عن موسى بن عقبة ". وقال الطبراني: " لم يروه عن موسى إلا حكيم ".

قلت: وهو ضعيف، قال ابن عدي: " هو ممن يكتب حديثه ". وقال أبو حاتم: " ضعيف الحديث، منكر الحديث ". وقال الساجي: " عنده مناكير ". وأما ابن معين فقال: " ليس به بأس ". وقال مرة: " ثقة ". قلت: فهو على كل حال ليس شديد الضعف، فمثله يتقوى حديثه بالمتابعات والشواهد وقد وجدت له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة: الأول: عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " يكفي من الوضوء المد، ويكفي من الغسل الصاع ". أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 233) عن معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنسا به. وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم. الثاني: عن جابر مرفوعا. " يجزي من الوضوء المد، ومن الجنابة صاع ". أخرجه البيهقي (1 / 195) عن حصين ويزيد بن أبي زياد وأحمد (3 / 370) عن يزيد وحده - كلاهما عن سالم بن أبي الجعد عنه. وإسناد البيهقي صحيح. الثالث: عن علي مرفوعا نحوه. أخرجه ابن ماجة (270) عن حبان بن علي عن يزيد ابن أبي زياد عن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب عن أبيه عن جده.

1992

وهذا سند ضعيف. الرابع: عن ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " بسند ضعيف. 1992 - " الغيبة أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ". أخرجه مالك في " الموطأ " (3 / 150 - طبعة الحلبي) عن الوليد بن عبد الله صياد أن المطلب بن عبد الملك بن حنطب المخزومي أخبره: " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغيبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تذكر.... قال: يا رسول الله وإن كان حقا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا قلت باطلا فذلك البهتان ". وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (704) عن مالك به نحوه. قلت: وهذا إسناد مرسل المطلب هذا قال الحافظ في " التعجيل ": " كان كثير الإرسال ولم يصح سماعه من أبي هريرة، فلعله أخذ عن عبد الرحمن ابن يعقوب ". وترجم الحافظ للوليد بما يستفاد منه أنه ليس له راو سوى مالك، وأن ابن حبان ذكره في الطبقة الثالثة من " الثقات "، وقد ذكر السيوطي في مقدمة " إسعاف المبطأ برجال الموطأ ": أن شيوخ مالك كلهم ثقات، فهو مرسل صحيح الإسناد ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعا بمعناه وقد خرجته في " غاية المرام في تخريج الحلال والحرام " (426) . والحديث أورده السيوطي في " زوائد الجامع " من رواية الخرائطي في " مساوي الأخلاق " عن المطلب بن عبد الله بن حنطب مرفوعا بلفظ: " بما فيه من خلفة " بالفاء، أي من ورائه دون علمه.

1993

وهو بمعنى رواية مالك: فكان عليه أن يعزوه إليه لعلو طبقته، وأن ينبه على أنه مرسل، كما هي عادته. ثم وقفت على نسخة مصورة من مخطوطة " مساوي الأخلاق " أنا الآن في صدد نسخة وترقيم أحاديثه إعداد لتحقيق ونشره إن شاء الله تعالى، فإذا الحديث فيه (رقم - 207) من طريق الأوزاعي عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: ذكرت الغيبة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " الغيبة أن يذكر الرجل بما فيه من خلقه ". قال: ما كنا نظن أن الغيبة إلا أن يذكره بما ليس فيه. قال: " ذلك من البهتان ". كذا وقع فيه (خلقه) بالقاف، ليس بالفاء كما تقدم عن " الزوائد "، ولعله أولى. ثم إن الأوزاعي ثقة حافظ إمام، فهي متابعة قوية للوليد تدل على حفظه. 1993 - " إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له ". أخرجه الدارمي (1 / 374) وابن خزيمة في " صحيحه " (2 / 159 / 1103) وابن حبان (683) من طرق عن ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن شريح بن عبيد عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن ثوبان قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: " فذكره، وليس عند الدارمي هذه الجملة المصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم قال الحديث في السفر، ولذلك عقب على الحديث بقوله: " ويقال: " هذا السفر " وأنا أقول: السهر "! وبناء عليه وقع الحديث عنده بلفظ: " هذا السهر ". ويرده أمران:

الأول: ما ذكرته من مناسبة ورود الحديث في السفر. والآخر: أن ابن وهب قد تابعه عبد الله بن صالح حدثنا معاوية بن صالح به مناسبة ولفظا. أخرجه الدارقطني (ص 177) والطبراني في " الكبير " (1410) . وعبد الله بن صالح من شيوخ البخاري، فهو حجة عند المتابعة. فدل ذلك كله على أن المحفوظ في الحديث " السفر " وليس " السهر " كما قال الدارمي. والحديث استدل به الإمام ابن خزيمة على " أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما بعد الوتر لم يكونا خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته، إذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتبن بعد الوتر أمر ندب وفضيلة، لا أمر إيجاب وفريضة ". وهذه فائدة هامة، استفدناها من هذا الحديث، وقد كنا من قبل مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين وبين قوله: " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا "، وقلنا في التعليق على " صفة الصلاة " (ص 123 - السادسة) : " والأحوط تركهما اتباعا للأمر. والله أعلم ". وقد تبين لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمرا عاما، فكأن المقصود بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وترا، أن لا يهمل الإيتار بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره. والله أعلم.

1994

1994 - " لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1224) والحاكم (1 / 314) عن إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي حدثنا خالد بن عبد الله حدثني محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي. قلت: وذلك من أوهامهما، فإن محمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة. وابن زرارة لم يخرج له مسلم أصلا! وهو صدوق تكلم فيه الأزدي بغير حجة كما في " التقريب "، فالسند حسن، وقد أعله ابن خزيمة بقوله عقبه: " لم يتابع هذا الشيخ إسماعيل بن عبد الله على إيصال هذا الخبر، رواه الدراوردي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة مرسلا. ورواه حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قوله ". قلت: لم يتفرد ابن زرارة بوصله، فقد تابعه: أولا: محمد بن دينار حدثنا محمد ابن عمرو به. أخرجه ابن عدي (ق 301 / 1) وقال: " محمد بن دينار الطاحي حسن الحديث، وعامة حديثه ينفرد به ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق سيء الحفظ ". ثانيا: عاصم بن بكار الليثي عن محمد بن عمرو به.

أخرجه ابن شاهين في " الترغيب " (ق 282 / 1) من طريق الفضل بن الفضل أبي عبيدة حدثنا عاصم به. لكني لم أعرف عاصما هذا. والفضل لين الحديث. ثالثا: عمرو بن حمران عن محمد بن عمرو به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( رقم - 4322) : حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا نوح بن أنس الرازي حدثنا عمرو ابن حمران، وقال: " لم يروه عن محمد إلا عمرو ". كذا قال وهو مردود بما سبق، ومن الطرائف أن يستدرك بكلامه هذا وروايته على ابن خزيمة، وبرواية هذا على الطبراني! تصديقا للقول السائر: كم ترك الأول للآخر! قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله موثقون، وأما قول الهيثمي فى " مجمع الزوائد " (2 / 239) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن عمرو، وفيه كلام وفيه من لم أعرفه ". فهو يشير بطرفه الآخر من كلامه إلا عمرو بن حمران والراوي عنه نوح، أو أحدهما، وقد عرفتهما بالصدق: أما عمرو بن حمران فهو بصري سكن الري، وروى عنه جمع من الثقات سماهم ابن أبي حاتم في ترجمته (3 / 1 / 227) ، وقال عن أبيه: " صالح الحديث ". وأما نوح بن أنس فهو المقريء. قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 486) :

1995

" روى عنه أبي والفضل بن شاذان. سئل أبي عنه؟ فقال: صدوق ". وأما علي بن سعيد فهو حافظ معروف مترجم في " الميزان " و" اللسان " وغيرهما وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن. وجملة القول أن حديث ابن زرارة الموصول يتقوى بهاتين المتابعتين، لاسيما الأخيرة منهما، فيندفع بذلك شبهة أن يكون أخطأ في وصله ولولا أن محمد بن عمرو في حفظه بعض الضعف لحكمت على الحديث بالصحة، ولعله هو نفسه كان يوصله تارة، ويرسله أخرى، فكل حدث بما سمع منه، والحكم للزيادة، لاسيما والجملة الأخيرة منه - وإن كانت لم ترد في هاتين المتابعتين - فإن لها شاهدا من حديث زيد بن أرقم سبق تخريجه برقم (1164) ولها طريق أخرى عن أبي هريرة خرجتها في " صحيح أبي داود " (1286) 1995 - " فاطمة بضعة مني، يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها، وإن الأنساب يوم القيامة تنقطع غير نسبي وسببي وصهري ". أخرجه أحمد (4 / 323) ومن طريقه الحاكم (3 / 158) من طريق عبد الله بن جعفر حدثتنا أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبيد الله بن أبي رافع عن المسور: " أنه بعث إليه حسن بن حسين يخطب ابنته، فقال له: قل له: فيلقاني في العتمة ، قال: فلقيه، فحمد الله المسور، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، أيم الله، ما من نسب ولا سبب ولا صهر إلي من نسبكم وصهركم، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (فذكره) ، وعندك ابنتها ولو زوجتك لقبضها ذلك، فانطلق عاذرا له ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي! وهذا عجب منه، فإن أم بكر هذه لا تعرف، بشهادة الذهبي نفسه، فإنه أوردها في فصل " النسوة المجهولات "، وقال:

1996

" تفرد عنها ابن أخيها عبد الله بن جعفر ". لكني وجدت لها متابعا قويا، فقال عبد الله ابن الإمام أحمد (4 / 332) : حدثنا محمد بن عباد المكي حدثنا أبو سعيد - مولى بني هاشم - حدثنا عبد الله بن جعفر عن أم بكر وجعفر عن عبيد الله بن أبي رافع به، إلا أنه قال: " شجنة " مكان " بضعة ". والباقي مثله سواء. وهذا إسناد جيد، جعفر هذا هو ابن محمد بن علي بن الحسين أبو عبد الله الصادق الإمام الفقيه، وهو ثقة من رجال مسلم، فهو متابع قوي. وبقية رجال الإسناد - باستثناء أم بكر - ثقات رجال مسلم. ومحمد بن عباد هو ابن الزبرقان المكي. والحديث أخرجه البخاري في " فضائل الصحابة " (11 / 84 - فتح) والنسائي في " الخصائص " (ص 25) من طريق ابن أبي مليكة عن المسور بن مخرمة مختصرا بلفظ: " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني ". (تنبيه) لم يقف الهيثمي على الحديث في " مسند أحمد " فقال في " المجمع " (9 / 203) : " رواه الطبراني، وفيه أم بكر بنت المسور ولم يجرحها أحد ولم يوثقها وبقية رجاله وثقوا "! قلت: ففاتته بسبب ذلك تلك المتابعة القوية. والله الموفق. 1996 - " في الإبل فرع، وفي الغنم فرع ". رواه الطبراني في " الأوسط " (رقم 328 / 2) : حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا أحمد ابن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى أن يزيد ابن عبد المزني حدثه عن أبيه مرفوعا وقال:

" لم يروه عن أيوب إلا عمرو، تفرد به ابن وهب ". قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه إلا يزيد بن عبد المزني، فإنه مجهول العين، وليس مجهول الحال كما جزم به الحافظ في " التقريب "، وإن أورده ابن حبان في " الثقات " (1 / 261) ، واغتر به الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " (4 / 28 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجاله ثقات "! وأقره المناوي في " فيض القدير "!! ، وراجع " الإرواء " (1165) . (تنبيه) : هكذا متن الحديث في " الأوسط "، وكذلك أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " و " مجمع البحرين " (1 / 128 / 1) . وأما السيوطي فأورده في الجامع بزيادة: " ويعق عن الغلام، ولا يمس رأسه بدم ". عازيا لها لرواية الطبراني في " الكبير " وحده، وكذلك ذكره الهيثمي أيضا في مكان آخر (4 / 58 ) ، وهي في " الأوسط " حديث مستقل لكن بهذا السند نفسه وسيأتي. وقد أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 335) عن أبي نعيم معلقا قال: حدثنا محمد ابن إبراهيم بن علي حدثنا أبو العباس بن قتيبة حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب به كاملا ولفظه: " في الإبل فرع، ويعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم ". وقد وجدت له شاهدا قويا من حديث نبيشة الهذلي مرفوعا: " في كل سائمة فرع، تغذوه ماشيتك، حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه على ابن السبيل، فإن ذلك خير ". أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح كما بينته في " الإرواء " (1181) . والعق وترك الدميم له شاهد من حديث بريدة، وآخر من حديث عائشة، وقد خرجتهما في المصدر المذكور تحت الحديث المشار إليه آنفا. (الفرع) : أول ما تلده الناقة، كانوا يذبحونه لآلهتهم، فأبطله الإسلام،

1997

وجعله لله لمن شاء على التخيير لا الإيجاب، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا فرع ... ". كما ترى بيانه في " الإرواء " (4 / 409 - 413) . 1997 - " في الأنف الدية إذا استوعب جدعه مائة من الإبل، وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي الآمة ثلث النفس وفي الجائفة ثلث النفس وفي المنقلة خمس عشرة وفي الموضحة خمس وفي السن خمس وفي كل إصبع مما هنالك عشر ". أخرجه البزار (رقم - 1531) والبيهقي (8 / 86) عن محمد بن عبد الرحمن عن عكرمة بن خالد عن أبي بكر بن عبيد الله بن عمر عن أبيه عن عمر مرفوعا. وقال البزار: " لا نعلمه عن عمر إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف، محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى كما صرحت به رواية البزار، وهو ضعيف سيء الحفظ. لكن الحديث له شاهد من حديث عمرو بن حزم في حديثه الطويل في (الديات) عند النسائي (2 / 252) وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (2273) . ولبعض فقراته شواهد متفرقة فيه من حديث ابن عباس ( 2231) وأبي موسى (2272) وعبد الله بن عمرو (2285) ومكحول مرسلا (2296 ) وابن عمرو أيضا (2297) . (استوعبه) أي قطع جميعه. (الآمة) قال ابن الأثير: وفي حديث آخر: (المأمومة) وهما الشجة التي بلغت أم الرأس، وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. (الجائفة) : الطعنة التي تنفذ إلى الجوف، والمراد هنا كل ما له قوة محيلة كالبطن والدماغ.

1998

(المنقلة) : هي التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل من أماكنها، وقيل: التي تنقل العظم، أي تكسره. (الموضحة) : هي من الشجاج التي تبدي وضح العظم، أي بياضه. 1998 - " في المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 386) والبزار (رقم - 87) والطبراني في " الأوسط " (8080) عن يوسف بن الخطاب المدني عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: فذكره مرفوعا . وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه، ويوسف مجهول ". ولكن للحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " ثلاث في المنافق وإن صلى وإن صام، وزعم أنه مسلم، إذا حدث ... " الحديث. أخرجه أحمد (2 / 397) ومسلم (1 / 56) ولم يسق لفظه بتمامه عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند عن سعيد ابن المسيب عنه. وهو في " الصحيحين " وغيرهما بلفظ: " آية النفاق ... " إلخ. 1999 - " في أمتي كذابون ودجالون، سبعة وعشرون، منهم أربعة نسوة، وإني خاتم النبين، لا نبي بعدي ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 104) وأحمد (5 / 396) والطبراني في

2000

الكبير (3026) والأوسط (5582) عن قتادة عن أبي معشر عن إبراهيم النخعي عن همام عن حذيفة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال الطبراني: " لا يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهو صحيح على شرط مسلم، وأبو معشر هو زياد بن كليب الكوفي. وفي الحديث رد صريح على القاديانية وابن عربي قبلهم القائلين ببقاء النبوة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نبيهم المزعوم ميرزا غلام أحمد القادياني كذاب ودجال من أولئك الدجاجلة. 2000 - " في عجوة العالية أول البكرة على ريق النفس شفاء من كل سحر أو سم ". أخرجه أحمد (6 / 77 و 105 و 152) من طريق سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله عن ابن أبي عتيق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، وهو على شرط الشيخين، لولا أن في شريك بن عبد الله - وهو ابن أبي نمر - ضعفا من قبل حفظه. وقد أخرجه مسلم (6 / 124) من طريق إسماعيل بن حجر عن شريك بلفظ: " إن في عجوة العالية شفاء، أو أنها ترياق أول البكرة ". لم يذكر فيه الريق. لكني وجدت له شاهدا من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا بلفظ: " من أكل سبع تمرات عجوة ما بين لابتي المدينة على الريق، لم يضره يومه ذلك شيء حتى يمسي - قال: وأظنه قال: - وإن أكلها حين يمسي، لم يضره شيء حتى يصبح ".

أخرجه أحمد (1 / 168) من طريق فليح عن عبد الله بن عبد الرحمن يعني ابن معمر قال: حدث عامر بن سعد عمر بن عبد العزيز - وهو أمير على المدينة - أن سعدا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سند جيد في الشواهد، وهو على شرط الشيخين أيضا على كلام في فليح وهو ابن سليمان المدني. قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". وقد تابعه سليمان بن بلال عن عبد الله بن عبد الرحمن به. إلا أنه لم يذكر: " على الريق "، ولا الأكل حين يمسي، وقال: " سم " بدل: " شيء ". أخرجه مسلم (6 / 123) . ثم أخرجه من طريق هاشم بن هاشم قال: سمعت عامر بن سعد به مختصرا وقال : " سم ولا سحر ".

الاستدراك 1 ص 104، الحديث 1575. يضاف إلى المصادر المذكورة قبيل: "وعبد الغني ... ": والطبراني في "المعجم الكبير" (22/75/185) . 2 ص 112، الحديث 1584: قلت هناك: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث عمران مرفوعًا، وفيه من لم أعرفهم كما قال الهيثمي (60/95) . وأقول الآن بعد أن صدر المجلد الثامن عشر من "المعجم الكبير" بتحقيق الأخ الفاضل حمدي عبد المجيد السلفي وقد أهداه إلي مع بقية المجلدات آخرها الخامس والعشرون وبه ينتهي " المعجم " جزاهُ الله خيرًا على هديته الثمينة، وعلى ما قدم للمسلمين من جهد عظيم لإِخراج هذا السفر الجليل إلى عالم المطبوعات. أقول: قال الطبراني في "معجمه" (18/124/254) : حدثنا محمد بن حمويه الجوهري الأهوازي: ثنا أبو يوسف يعقوب بن إسحاق العلوي: ثنا بكر بن يحيى بن زبَّان: ثنا حسان بن إبراهيم عن محمد بن عبد الله عن عبد الرحمن بن مورق عن ابن الشخير عن عمران بن حصين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أفضل عباد الله ... ". هكذا وقع إسناده في المطبوعة، وفيه بعض الأخطاء من الناسخ أو الطابع لا بد من بيانها وتصحيحها، أو تصحيح الممكن منها، فأقول:

أولًا: قوله: محمد بن عبد الله، أخشى أن يكون اسم " عبد الله " محرفًا من " سلمة بن كهيل " فقد ذكروا ابنه محمد بن سلمة في شيوخ حسان بن إبراهيم الراوي هنا عنه، فانظر " الجرح والتعديل " (2/3/276) وترجمة حسان هذا من " تهذيب الكمال " للحافظ المزي. ثانيًا: قوله: " العلوي " مصحف " القلوسي " كما في ترجمته من " تاريخ بغداد " (14/285) وترجمة شيخه هنا بكر بن يحيى في " تهذيب المزي " (4/232) لكنه تصحف على محققه الدكتور بشار عواد إلى "الفلوسي" بالفاء، وقد قيده السمعاني في " الأنساب " بضم القاف واللام. ثالثًا: قوله: " بن حمويه " محرف من " بن محمويه " كذلك وقع في ترجمة هذا الشيخ من " المعجم الأوسط " للطبراني (2/151/1-152/1 - مصورة الجامعة الإِسلامية) وقد ساق له فيه نحو عشرين حديثًا وقع فيها كلها " محمويه " على الصواب، ومنها حديث " يخرج الدجال من قبل أصبهان " (رقم 7334 - بترقيمي) . وكذلك وقع في " المجمع " (7/239) فقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " عن محمد بن محمويه الجوهري. ولم أعرفه ". وحديث الدجال هذا قد رواه الطبراني في " الكبير " أيضًا (18/154/338) بهذا السند ذاته لكن تحرف " محمويه " فيه إلى " حيوة "! وفي " المعجم الصغير " حديث آخر بهذا السند أيضًا تحرف هذا الاسم تحريفًا آخر: " محمد بن محمد بن عزرة الأهوازي "!! هكذا في المطبوعة الهندية منه (ص 186) وفي المصرية (2/47) وعلى الصواب وقع في " الأوسط " (رقم 7335) . بعد هذا التحرير أستطيع أن أقول: إن رجال هذا الإِسناد معروفون غير هذا الشيخ، وغير عبد الرحمن بن مورق، فإني لم أجد لهما ترجمة، ولعلهما المقصودان بقول الهيثمي المتقدم: " وفيه من لم أعرفهم "، والله أعلم.

3 ص 145، الحديث 1612. يضاف في آخر السطر الذي قبل الأخير: والطبراني في " المعجم الكبير " (17/114-115/280-285) . 4 ص 170، الحديث 1628. يزاد في وسط الصحيفة أول السطر قبل قوله: " وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ": وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (19/390/916) من طريق أخرى عن أبي المغيرة. ويزاد بعد السطر الرابع من الأسفل: قلت: وهو في " كبير الطبراني " (19/370-371/869-873) . ويزاد تحت السطر الأخير: قلت: ورواه الطبراني في " الكبير " (19/389/914 و915) من الطريقين المذكورين بإسنادين مفرقين عنهما عن أبي هزان بتمامه. مثل حديث أبي المغيرة. 5 ص 178، الحديث 1635. يزاد بعد قوله: " المذكور " في السطر الذي قبل الأخير: ثم تأكدت من ذلك بعد أن طبع المجلد العشرون من " المعجم الكبير " فقد أخرجه فيه (298/707) من طريقين آخرين عن حماد بن سلمة: أنا سعيد الجُريري به. فصح الإِسناد، والحمد لله. 6 ويزاد (ص 179 سطر 8) : والطبراني في " الكبير " (20/296/704 و705) .

7 ص 230، الحديث 1666. يزاد بعد السطر 10: ثم رأيت الحديث في "المعجم الكبير" للطبراني (20/270) رواه من طريق بَقِيَّة وإسماعيل عن بحير به. وتابعه عنده (638 و639) ثور بن يزيد، وهو ثقة من رجال البخاري، رواه من طريقين عنه عن خالد بن معدان به. فصح الحديث عن المقدام يقينًا. والحمد لله. وقد مضى لإسماعيل بن عياش حديث آخر من روايته عن بحير بن سعيد، ويقال: ابن سعد، فانظر الحديث (173) إن شئت. 8 ص 232، الحديث 1668. يزاد بعد السطر الثالث عشر: ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " (20/175) برقم (375) من طريق بقية بن الوليد: ثنا حبيب بن صالح عن عبد الرحمن بن سابط عن معاذ بن جبل به دون قوله: "في أجساد لا تموت". وإسناده هكذا: حدثنا محمد بن إبراهيم بن عرق الحمصي: ثنا محمد بن مصفى: ثنا بقية بن الوليد.. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير هذا الشيخ.. ابن عرق، فلم أعرفه، ولا أورده الطبراني في شيوخه (المحمدين) من " الصغير " و" الأوسط "، ولا السمعاني في مادة (العرقي) ، وإنما أورد فيها: " أحمد بن محمد بن الحارث بن محمد بن عبد الرحمن من عرق اليحصبي الحمصي العرقي، نسب إلى جده الأعلى، من أهل حمص، يروي عن أبيه محمد بن الحارث، وعنه أبو القاسم الطبراني ". قلت: وقد روى له في " الأوسط " (1/125/4) حديثين: أحدهما عن أبيه، وقد أخرجه في " الكبير " أيضًا (20/278/659) و" الصغير " (ص 3 - هندية) ، وقد تكلمت عليه في " الروض " (874) .

إذا تبين هذا فلا أدري إذا كان هذا الشيخ محمد بن إبراهيم بن عرق شيخًا آخر للطبراني أم هو محرف من شيخه في الحديثين المشار إليهما: أحمد بن محمد بن الحارث.. وسواء كان هذا أو ذاك فإني لم أجد من ترجمهما، فقول الهيثمي: "وإسناد الكبير جيد إلا.."، إنما هو بغض النظر عن الشيخ، أو من باب إحسان الظن به، كما بلونا ذلك في كثير من أحاديث الطبراني. والله أعلم. وأما إسناده في "الأوسط" فقد أخرجه في ترجمة أحمد بن النضر العسكري فقال رقم (1644 - بترقيمي) حدثنا أحمد قال: نا محمد بن سلام المنبجي قال: نا سعيد عن حبيب بن صالح الطائي به. وفيه الزيادة. وسعيد هذا لم أعرفه، ولم يذكره المزي في الرواة عن حبيب الطائي. ومحمد بن سلام المنبجي ليس بالمشهور، لم أجد أحدًا ترجمه عن المشهورين إلا الذهبي في "الميزان" و"الضعفاء"، ولم يزد فيهما على قوله: " قال ابن مندة: له غرائب ". وسقطت ترجمته من " اللسان ". وقد أورده السمعاني في مادة (المنبجي) فقال: "يروي عنه أهل بلده العجائب، روى عن عمر بن سعيد الحافظ المنبجي بنسخة مقلوبة يطول ذكرها لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا للمعرقة فقط". وهذه فائدة هامة خلت منها الكتب الخاصة بتراجم الرواة. والله الموفق. وأما شيخ الطبراني أحمد بن النضر العسكري فترجمه الخطيب (5/185-186) ووثقه. وخلاصة القول إن إسناد "الكبير" خير من هذا، والله أعلم. 9 ص 300، الحديث 1722

يزادَ في آخر البحث: قلت: وللحديث شاهدان يتقوى بهما: أحدهما: من حديث عائشة رضي الله عنها. والآخر: من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه. وقد مضى تخريجهما والكلام على إسناديهما في المجلد الثالث: (1059 و1060) . 10 ص 305، الحديث 1727. قلت: ورواية عبد الرزاق في " المصنف " (5/382-383) عن معمر به مرسلًا مثل رواية البزار. ثم طبع المجلد الذي فيه أحاديث كعب بن مالك من " المعجم الكبير " للطبراني، فرأيت الحديث فيه (19/71/139) من طريق محمد بن أبي عمر العدني: أنا عبد الرزاق به إلا أنه قال: عن ابن كعب بن مالك عن أبيه قال: جاء ملاعب الأسنة.. الحديث. فذكره موصولًا. والعدني هذا هو محمد بن يحيى بن أبي عمر نسب لجده وهو من شيوخ مسلم، لكن قال أبو حاتم: كانت به غفلة. فلا يحتج بمخالفته. وكذا وصله (برقم 138) من طريق أحمد بن أبي بكر البالسي: ثنا محمد بن مصعب: ثنا الأوزاعي عن الزهري به. لكن محمد بن مصعب -وهو القرقساني- ضعيف لكثرة غلطه، والبالسي أسوأ منه. ورواية ابن المبارك الموصولة أخرجها فيه برقم (162) من طريق محمد بن مقاتل المروزي: ثنا عبد الله بن المبارك به.

والمروزي هذا ثقة من شيوخ البخاري، لكن المحفوظ عن الزهري بإسناده مرسل كما تقدم، وكذلك رواه يونس عنه، إلا أنه قال: عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وغيره أن عامر بن مالك.. الحديث. أخرجه الطبراني (140) . (تنبيه) : قد علمت مما ذكرته آنفًا أن رواية العدني عن عبد الرزاق، ورواية المروزي عن ابن المبارك كلاهما موصولة. ومع ذلك علق عليهما أخونا الفاضل بأنه رواد عبد الرزاق (9741) ، وقد عرفت أنه عنده بالرقم ذاته مرسل، فوجب التنبيه. 11 ص 344، الحديث 1751. يزاد في السطر الثاني من تحت: والبيهقي في "الآداب" (ص 479) . 12 ص 398، الحديث 1790. يزاد في السطر الثامن بعد قوله. ".. ابن عقبة لم أعرفه": ثم وجدته جاء مسمى بـ " محمد بن عقبة " عند الطبراني في " المعجم الكبير " (19/341/790) من الطريق ذاته. ومحمد هذا هو ابن عقبة بن أبي مالك القرظي ابن أخي ثعلبة بن أبي مالك، أورده ابن حبان في " الثقات " وقال (3/234) : "يروي عن أبيه وابن عباس. عداده في أهل المدينة. روى عنه محمد بن رفاعة وزكريا بن منظور". قلت: يضم إليهما هشام بن سعد كما في الطريق المشار إليها، وهي فائدة لا توجد في كتب الرجال، وقال فيه الحافظ. "مستور".

ثم أخرجه الطبراني رقم (925) من طريق ضمام بن إسماعيل به، مثل رواية أبي يعلى. 13 ص 443، الحديث 1828. يزاد في السطر الثاني: ولكنه في شرحه "التيسير" صرح بأن إسناده ضعيف، وهذا من فوائده التي خلى منها شرحه الكبير: "فيض القدير". 14 ص 445، الحديث 1830. يزاد في السطر الرابع من تحت: وقد غفل عن هذه النكارة المعلق على " شرح السنة " (9/6 طبع المكتب الإسلامي) حين استشهد للحديث بحديث ابن مظعون وجابر، وليس فيهما ذكر القيام كما تقدم، فكان عليه أن ينبه القراء أن شهادتهما قاصرة، وأن الزيادة في الحديث منكرة، لتفرد الضعيف بها، وهذا من دقائق هذا العلم التي يغفل عنها عامة المشتغلين به في العصر الحاضر، فلا يتنبهون لمثله إلا إذا تقدمهم إلى ذلك عالم! 15 ص 449، الحديث 1833: ثم رأيت المدعو عز الدين بليق قد سود عدة صفحات في كتابه الذي سماه "موازين القرآن والسنة للأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة" (!) (ص 71-77) زعم فيها أن الحديث يتعارض مع القرآن الكريم جملة وتفصيلا (!) وتمسك في ذلك بالآيات المصرحة بأن الله خلق السماوات والأرض في ستة آيام، جاهلًا أو متجاهلًا أن الأيام السبعة في الحديث هي غير الأيام الستة المذكورة في الآيات كما كنت شرحت ذلك في التعليق على "المشكاة". ومنشأ جهله أنه فسر (التربة) في الحديث بأنها الأرض. يعني الأرض كلها بما فيها من الجبال والأشجار وغيرها، وهذا باطل لمنافاتِه لسياق الحديث كما لا يخفى على أحد ذي لب، وإنما المراد بـ (التربة) التراب وليس

الأرض كلها، ففي "لسان العرب": "وتربة الأرض" ظاهرها. وهذا هو الذي يدل عليه السياق، فإن الأرض بدون التراب لا تصلح للأشجار والدواب التي ذكرت في الحديث، ولا لخلق آدم وذريته التي تناسلت منه بعد. وبالجملة: فالتفصيل الذي في الحديث هو غير التفصيل الذي في القرآن الكريم، وأيامه غير أيامه، فالواجب في مثل هذا عند أهل العلم أن يضم أحدهما إلى الآخر، وليس ضرب أحدهما بالآخر، كما فعل هذا الرجل المتعالم. ولقد كنت بدأت في الرد عليه مفصلًا في حلقات نشرت الأربع الأولى منها في جريدة " الرأي " الأردنية، آخرها بتاريخ (29/4/1983) ، ثم فاجأتنا بامتناعها عن متابعة النشر، بعد أن وعدت بالنشر كتابة في الجريدة وعدًا عامًا، وشفهيًا وعدًا خاصًا من المسؤول فيها لأحد إخواننا الأفاضل، ولله في خلقه شؤون. 16 ص 641، الحديث 1987. يضاف إلى السطر الأخير: وإن كان أسقط منه قوله: " عن أبيه "، فرواية شعبة أصح. وقول السيوطي: " يزيد بن سلمة " مقلوب، والصواب: " سلمة بن يزيد " كما في " التاريخ " و" كبير الطبراني "، وهو في ذلك تابع للهيثمي (5/220) ، وانطلى أمره على المناوي! 17 ص 651، الحديث 1995. يضاف بعد السطر السابع: ثم بدا لي أنه يحتمل أن جعفرًا هذا ليس هو جعفر بن محمد الصادق، لأنه وإن كان قد ذكروه في الرواة عن عبيد الله بن أبي رافع، فإنهم لم يذكروه في شيوخ عبد الله بن جعفر الراوي عن جعفر هنا، وهو عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن المِسْوَر، بل ذكروا في شيوخه أباه جعفر بن عبد الرحمن، ولم يذكروا فيهم جعفر الصادق، فالأمر محتمل. والترجيح في مثله صعب، على أنني لم أجد لجعفر بن عبد الرحمن ترجمة. لكن ذلك لا

يخدج في صحة الحديث، لثبوت الطرف الأول منه في البخاري كما تقدم، وأما الطرف الآخر، فله شواهد أخرى تأتي إن شاء الله تعالى برقم (2036) . ثم رأيت الحديث قد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20/25/30) عن شيخه موسى بن هارون الثقة بإسناد ابن الإِمام أحمد عن عبد الله بن جعفر عن م بكر بنت المِسْوَر عن جعفر بن محمد عن عبيد الله بن أبي رافع.. هكذا قال: " عن جعفر.. " مكان: " وجعفر " في إسناد ابن الإِمام أحمد، وهذا أقرب إلى الصواب، لأنهم لم يذكروا لأم بكر بنت المسور رواية عن جعفر. ثم إننا نرى أنه وقع منسوبًا إلى محمد في رواية الطبراني هذه، فيمكن اعتبارها مرجحًا لكونه هو جعفر بن محمد الصادق، كما كنت ذكرت في أول التخريج. ويؤيده رواية إسحاق بن محمد الفروي: ثنا عبد الله بن جعفر الزهري (الأصل الزاهري وهو خطأ) عن جعفر بن محمد به دون الطرف الآخر. أخرجه الحاكم (3/154) وقال: " صحيح الِإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: فترجح بما سبق من التحقيق أن راوي الحديث عن عبيد الله بن أبي رافع هو جعفر بن محمد الصادق رحمه الله، فعاد الحديث إلى ما كنا حكمنا عليه من الجودة لإسناده، واستفدنا منه أن جعفرًا هذا من شيوخ عبد الله بن جعفر المسوري الزهري، وهي فائدة عزيزة لم ترد في ترجمته في كتب الرجال، فلتلحق بها. وبالله التوفيق.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحيمِ مقدمة المؤلف: إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه (¬1) ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسِنا وسيِّئات أَعمالِنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أَنْ لا إِله إِلا الله وحده لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} . {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} . {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} . ¬

_ (¬1) سمعتُ غير ما واحد من الخطباء يزيد هنا قوله: "ونستهديه"، ونحن في الوقت الذي نشكرهم على إحيائهم لهذه الخطبة في خطبهم ودروسهم، نرى لزامًا علينا أن نذكرهم بأن هذه الزيادة لا أصل لها في شيء من طرق هذه الخطبة؛ خطبة الحاجة، التي كنتُ جمعتها في رسالة خاصة معروفة، و {الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} .

أما بعد؛ فهذا هو المجلد الخامس من "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" أقدمه اليوم إلى قرائنا الكرام؛ لينهلوا مما فيه من السنة الصحيحة، وثمارها اليانعة، على اختلاف أنواعها، وجميل توجيهاتها، وتعدد فوائدها، مما يحتاجه كل مسلم في حياته؛ من العقائد، والعبادات، والمعاملات، والأخلاق، وغيرها. وإن أول حديث يبادرك من هذا المجلد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "في كل قرنٍ مِن أمَّتي سابقون"، ففيه بشارة عظيمة لهذه الأمة المحمدية باستمرار العاملين بأحكام الله في كل قرن، وأن قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} (¬1) ، ليس خاصًا بقرن دون قرن، بل هو عامٌّ في كل العصور، حتى تقوم الساعة؛ خلافًا لما رُوِيَ عن عائشة أن السابق بالخيرات إنما هو مَن مضى على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فإنه مع مخالفته لهذا الحديث الصحيح، فيه مَن هو متروك الحديث؛ كما هو مبين في الكتاب الآخر (3235) . وقد تميَّزَ هذا المجلد بأمور؛ منها: كثرة الأحاديث الواردة في شمائله - صلى الله عليه وسلم - وهديه، مما يدخل في باب (كان) ، من رقم (2053-2141) ، ومن ذلك أنه "كان لا يطأ عقبه رجلان" (2087 و2104) ؛ من آداب المشي مع الكبراء، خلافًا لما عليه اليوم بعض مشايخ الصوفية والعلماء، فضلًا عن الملوك والأمراء! ¬

_ (¬1) فاطر: 32.

ومن ذلك أدب القول إذا قرأ القارىء: {فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} (¬1) (2150) ؛ مما أخلَّ به جماهير المستمعين والقراء! وحديث في وصاياه - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذر رضي الله عنه (2166) ما أحوجنا إلى معرفتها والتأسي بها. ووجوب رحمة الكبير للصغير، وتوقير الصغير للكبير، ومعرفة حق العالم (2196) ؛ مما أخل به الكثيرون. وأحاديث في الجهاد في سبيل الله، وفضل غُباره (2219 و2227 و2228) . وحديث في أدب المسلم إذا سلم عليه الكافر (2242) . وحديث في الكبائر منها: "التعرب بعد الهجرة" (2244) ، وبيان أن نحوه التغرب! وحديث: "من باع بيعتين في بيعة ... "، وتفسير بعض العلماء له ببيع التقسيط بزيادة في الثمن، وحكمه (2326) . وحديث في الترهيب من ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره (2337) . وحديث في لعن من سب الصحابة رضي الله عنهم (2340) . وحديث في تفسير المقام المحمود بالشفاعة الكبرى (2369) . وآخر في المحافظة على نظافة الطرق (2373) . ¬

_ (¬1) وردت في عدة مواضع من سورة الرحمن.

وحديث في النهي عن سب الشيطان، والأمر بالتعوذ من شره (2422) . وآخر في النهي عن تحدث الإِنسان بتلعب الشيطان به في منامه (2453) . وحديث هام في امتحان من لم تبلغه الدعوة يوم القيامة (2468) ... إلى غير ذلك من الحكم والفوائد التي تضمنتها سائر الأحاديث، وآخرها في فضل الصبر على البلاء إذا لم يُستغث بغير الله. وختامًا؛ أسأل المولى سبحانه وتعالى أن يلهمني الصواب في كل ما أكتب، وأن ينفع به الناس جميعًا في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يوفِّقنا جميعًا للعمل بما علمنا، وأن يجعل ذلك كله خالصًا لوجهه تبارك وتعالى؛ إنه سميع مجيب. وصلى الله على محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. عمان/23 ربيع أول سنة 1409 هـ وكتب محمد ناصر الدين الألباني أبو عبد الرحمن هذا، وكما جريت عليه في هذه السلسلة "الصحيحة"، وفي الأخرى "الضعيفة" من وضع فهارس علمية مفصلة، تساعد القراء على تسهيل الاستفادة منها، والرجوع إلى مطالبهم حين الحاجة إليها، فقد حال بيني وبين وضع أكثر فهارسها عوائق، منها بعض الأمراض التي لازمتني حتى هذا

الشهر، رمضان المبارك، الذي لزمت فيه داري، ولم أتمكن بسببها من صيامه، والجلوس في مكتبتي لمتابعة أعمالي العلمية التي نذرت لها نفسي، فاقتضت المصلحة العلمية أن يقوم بعض إخواننا من طلاب العلم العاملين في "المكتبة الإِسلامية" بوضع الفهارس المشار إليها، راجيًا لهم التوفيق في ذلك، وقد كلفت ابنتي أم عبد الله -بارك الله فيها وفي زوجها وذريتها- أن تتولى بيان ذلك في كلمة لها تكون ختامًا لهذه المقدمة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم -. أما بعد؛ فهذا هو المجلد الخامس من "سلسلة الأحاديث الصحيحة"، يخرج إلى قرائه ومنتظريه رافدًا غزيرًا جديدًا؛ ليلحق بأمثاله من السلسلتين "الصحيحة" و"الضعيفة"، وقد أولاه مؤلفه الوالد الفاضل مثلما أولى سابقيه، فصنعه على عينه؛ أودعه زبدة علمه، وخلاصة أبحاثه، وأشرف بنفسه على تصحيح تجاربه، واطلع على جميع مراحل صفه وتهذيبه، متحاملًا على أوجاعه التي ما برحته هذا العام إلا يسيرًا، مهتبلًا كل فرصة من ليل أو نهار ليأوي فيها إلى مكتبته، مستغلًا كل فترة هي أدعى أن تكون لراحته، مصرًا على أن يخرج الكتاب بأحسن صورة يرضاها ويستطيعها. وهكذا كان، إلى أن وصل الكتاب إلى مرحلة (الفهرسة) ، وكما هو معروف، فإن فهرسة الشيخ علم وفن بحد ذاتها، خاصة الفهرس الأول (المواضيع والفوائد) ، فإنه يختصر موضوعات الكتاب وأبحاثه اختصارًا ملمًا

دون أن يضيع فوائدها، وفي هذه المرحلة بالذات صحب الوالد كتابه إلى مكان استجمامه وخلوته، ففتح الله عليه بركاته، ومتعه بالعافية، فكنتَ تراه عاكفًا عليه دون تمييز بين ساعات ليلٍ أو نهار حتى تمم الفهرس الأول، ثم كان لا بد من عودته إلى بيته، وكان الشتاء قارسًا زاد في أوجاع الوالد ومرضه، مما اضطره إلى التوقف عن إتمام بقية الفهارس، فعُهد إلى بعض موظفي "المكتبة الإِسلامية" بإتمامها وتصحيح تجاربها، وللأسف لم يتمكن الوالد من الاطلاع عليها ومراجعتها كما كان يريد. وحرصًا على نفع المسلمين بما في الكتاب من حديث شريف، وعدم تعطيل ما به من علم غزير، كان لا بد أن يخرج الكتاب بهذه الصورة، وما لا يدرك كله لا يترك جله. والله تعالى نسأل أن يجزي الوالد الفاضل عنا وعن المسلمين خير الجزاء، وأن يمد في عمره، ويمتعه بالصحة والعافية، ويبارك في وقته، ليتحف المسلمين بما عنده من كتبه ومؤلفاته، فيتابع نشرها، ويشرف بنفسه على طباعتها وإخراجها؛ ليعم نفع المسلمين بها في مشارق الأرض ومغاربها، إنه سميع مجيب. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. عمان/25 رمضان 1409 هـ أم عبد الله

2001

2001 - " في كل قرن من أمتي سابقون ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 8) وعنه الديلمي (2 / 333) معلقا: حدثنا عبد الله بن جعفر (وقال الديلمي: ابن فارس) حدثنا إسماعيل بن عبد الله (وقال الديلمي: إسماعيل بن سمويه) : حدثنا سعيد بن أبي مريم (وقال الديلمي: سعيد بن الحكم) : حدثنا يحيي بن أيوب عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلي الله عليه وسلم به، إلا أن أبا نعيم قال: " لكل قرن ... ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون من رجال " التهذيب " - على كلام يسير في محمد بن عجلان - غير إسماعيل بن عبد الله يلقب سمويه وهو ثقة حافظ، مات سنة 267. وعبد الله بن جعفر، هو ابن أحمد بن فارس الأصبهاني من شيوخ أبي نعيم الذين يكثر عنهم، وترجم له في " أخبار أصبهان " (2 / 80) ، وكذا ابن العماد في " الشذرات " - وفيات سنة (346) ووصفه بـ (الصالح) . وقال الذهبي في " السير " (15 / 553) : " وكان من الثقات العباد ". ثم ذكر أنه وثقه ابن مردويه وعبد الله بن أحمد السوذرجاني. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للحكيم الترمذي فقط، وذكر في " الفتاوي " (2 / 462) أنه رواه من طريق ليث بن سعد عن محمد بن عجلان به. والحديث رواه الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (2 / 132) من طريق أبي نعيم، وقال: " حديث غريب جدا، وإسناده صالح ".

2002

2002 - " الفجر فجران، فجر يقال له: ذنب السرحان، وهو الكاذب يذهب طولا ولا يذهب عرضا، والفجر الآخر يذهب عرضا ولا يذهب طولا ". أخرجه الحاكم (1 / 191) وعنه البيهقي (1 / 377) والديلمي (2 / 344) عن عبد الله بن روح المدائني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " إسناده صحيح "، ووافقه الذهبي. ذكره شاهدا لحديث ابن عباس المتقدم برقم (693) . قلت: وإسناد جيد، رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " غير عبد الله بن روح المدائني ترجمه الخطيب في " تاريخه " (9 / 454) وقال عن الدارقطني: " ليس به بأس ". وقال الحافظ في " اللسان ": " من شيوخ أبي بكر (الشافعي) الثقات ". قلت: لكن أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (ج 3 رقم 2995) والدارقطني (ص 231) والبيهقي (1 / 377 و 4 / 215) من طرق عن ابن أبي ذئب به مرسلا لم يذكر فيه جابرا. وقال الدارقطني: " وهذا مرسل ". وقال البيهقي:

2003

" وهو أصح " . قلت: لكن الحديث صحيح لشاهده المشار إليه آنفا. وله شاهد آخر أخرجه الدارقطني عن الوليد بن مسلم عن الوليد بن سليمان قال: سمعت ربيعة بن يزيد قال : سمعت عبد الرحمن بن عائش صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه، وقال: " إسناد صحيح ". وأقول: ابن عائش هذا، قال في " التقريب ": " يقال: له صحبة، وقال أبو حاتم: من قال في روايته: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ ". والوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية. وله شواهد أخرى بعضها في " صحيح مسلم " وهي مخرجة في " صحيح أبي داود " برقم (2031 - 2033) ، وسيأتي أحدهما برقم ( 2031) . 2003 - " الفردوس ربوة الجنة، وهي أوسطها وأحسنها ". رواه ابن جرير في " تفسيره " (16 / 30) وأبو نعيم في " صفة الجنة " (2 / 2 - شيخ الإسلام) عن سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، لعنعنة الحسن وهو البصري، وضعف سعيد بن بشير. لكن الحديث صحيح. فإن له شواهد، منها: 1 - عن أنس مرفوعا. " يا أم حارثة ... والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها ". أخرجه أحمد (3 / 260) وابن جرير (16 / 31) والترمذي (2 / 201)

2004

وقال: " حديث حسن صحيح ". 2 - عن أبي هريرة أو أبي سعيد الخدري مرفوعا. " إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنها أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقها عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة ". أخرجه ابن جرير بهذا اللفظ، وقد مضى تخريجه برقم (921) عن أبي هريرة وحده نحوه من رواية البخاري وغيره. وبرقم (922) عن عبادة بن الصامت مرفوعا نحوه. 2004 - " إذا لقي المسلم أخاه المسلم، فأخذ بيده فصافحه، تناثرت خطاياهما من بين أصابعهما كما يتناثر ورق الشجر بالشتاء ". أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 165) : حدثنا وهب بن بقية قال: أخبرني عبد الله بن سفيان الواسطي عن الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا، قال عبدة: " فقلت لمجاهد: إن هذا ليسير، فقال مجاهد: لا تقل هذا، فإن الله تعالى قال في كتابه * (لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم) * (¬1) فعرفت فضل علمه على غيره ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن سفيان الواسطي، قال العقيلي: ¬

(¬1) الأنفال: 63. اهـ.

2005

" لا يتابع على حديثه ". وساق له حديثا آخر، وأما هذا فله شواهد كثيرة، سبق تخريج بعضها برقم (526) ، وقد ذكره بحشل في ترجمته، ولم يذكر له فيها جرحا ولا تعديلا، ولذلك خرجته، ولاسيما أني لم أر أحدا ذكره من حديث ابن عباس. والله أعلم. 2005 - " إن قوما يقرءون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ". أخرجه الدارمي (1 / 68 - 69) ، وبحشل في " تاريخ واسط " (ص 198 - تحقيق عواد) من طريقين عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال: حدثني أبي قال: حدثني أبي قال: " كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري، فقال: أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعا، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إنى رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته، ولم أر والحمد لله إلا خيرا، قال: فما هو؟ فقال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا، ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة، فيقول هللوا مائة، فيهللون مائة، ويقول سبحوا مائة، فيسبحون مائة، قال: فماذا قلت لهم ؟ قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك، قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا

يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحوا باب ضلالة؟ ! قالوا والله: يا أبا عبد الرحمن! ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا: (فذكر الحديث) ، وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم! ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج ". قلت: والسياق للدارمي وهو أتم، إلا أنه ليس عنده في متن الحديث: " يمرقون ... من الرمية ". وهذا إسناد صحيح، إلا أن قوله: " عمر بن يحيى " أظنه خطأ من النساخ، والصواب: " عمرو بن يحيى "، وهو عمرو بن يحيى بن عمرو بن سلمة ابن الحارث الهمداني (¬1) . كذا ساقه ابن أبي حاتم في كتابه " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 269) ، وذكر في الرواة عنه جمعا من الثقات منهم ابن عيينة، وروى عن ابن معين أنه قال فيه: " صالح ". وهكذا ذكره على الصواب في الرواة عن أبيه، فقال (4 / 2 / 176) : " يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني، ويقال: الكندي. روى عن أبيه روى عنه شعبة والثوري والمسعودي وقيس بن الربيع وابنه عمرو بن يحيى ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ويكفي في تعديله رواية شعبة عنه، فإنه كان ينتقي الرجال الذين كانوا يروي عنهم، كما هو مذكور في ترجمته، ولا يبعد أن يكون في ¬

(¬1) وكنت أظن قديما أنه عمرو بن عمارة بن أبي حسن المازني، فتبين لي بعد أنه وهم قد رجعت عنه. اهـ.

" الثقات " لابن حبان، فقد أورده العجلي في " ثقاته " وقال: " كوفي ثقة ". وأما عمرو بن سلمة، فثقة مترجم في " التهذيب " بتوثيق ابن سعد، وابن حبان (5 / 172) ، وفاته أن العجلي قال في " ثقاته " (364 / 1263) : " كوفي تابعي ثقة ". وقد كنت ذكرت في " الرد على الشيخ الحبشي " (ص 45) أن تابعي هذه القصة هو عمارة بن أبي حسن المازني، وهو خطأ لا ضرورة لبيان سببه، فليصحح هناك. وللحديث طريق أخرى عن ابن مسعود في " المسند " (1 / 404) ، وفيه الزيادة، وإسنادها جيد، وقد جاءت أيضا في حديث جمع من الصحابة خرجها مسلم في " صحيحه " (3 / 109 - 117) . وإنما عنيت بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات، فإن فيها عبرة لأصحاب الطرق وحلقات الذكر على خلاف السنة، فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم منكر ما هم فيه اتهموه بإنكار الذكر من أصله! وهذا كفر لا يقع فيه مسلم في الدنيا، وإنما المنكر ما ألصق به من الهيئات والتجمعات التي لم تكون مشروعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على أصحاب تلك الحلقات؟ ليس هو إلا هذا التجمع في يوم معين، والذكر بعدد لم يرد، وإنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة، ويأمرهم به من عند نفسه، وكأنه مشرع عن الله تعالى! * (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) *. زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا إنما هي التسبيح بالأنامل، كما هو مبين في " الرد على الحبشي "، وفي غيره. ومن الفوائد التي تؤخذ من الحديث والقصة، أن العبرة ليست بكثرة العبادة وإنما

2006

بكونها على السنة، بعيدة عن البدعة، وقد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا: " اقتصاد في سنة، خير من اجتهاد في بدعة ". ومنها: أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعد من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب؟ فهل من معتبر؟ ! 2006 - " ليس في الجنة أعزب ". أخرجه أسلم الواسطي في " تاريخه " (180) من طريق سعيد بن عيسى الواسطي قال: حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب ويونس وحميد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: " افتخرت الرجال والنساء، فقال أبو هريرة: النساء أكثر من الرجال في الجنة، فنظر عمر بن الخطاب إلى القوم فقال: ألا تسمعون ما يقول أبو هريرة؟ فقال أبو هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أول زمرة تدخل الجنة: وجوههم كالقمر ليلة البدر، والثانية كأضواء كوكب في السماء، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم، وليس في الجنة عزب ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد الواسطي فلم أعرفه، وفي ترجمته ذكره أسلم، ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا، ولم يتفرد به، فقد رواه جمع من الثقات عن أيوب عن محمد به نحوه. أخرجه مسلم (8 / 145 - 146) ، وأحمد (2 / 230 و 247 و 507) . وأخرجه الدارمي (2 / 336) من طريق هشام القردوسى عن محمد به.

2007

2007 - " كان طلق حفصة، ثم راجعها ". أخرجه داود (2283) والنسائي (2 / 117) والدارمي (2 / 160 - 161) وابن ماجة (2016) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 53) والحاكم (2 / 197) والبيهقي (7 / 321 - 322) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن صالح بن صالح عن سلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. وأقول: وهو كما قالا، وصالح هو ابن صالح بن حي. وله عند أبي يعلى طريق أخرى فقال: حدثنا أبو كريب أخبرنا يونس بن بكير عن الأعمش عن أبي صالح عن ابن عمر قال: " دخل عمر على حفصة وهي تبكي، فقال لها: وما يبكيك؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك، إن كان طلقك مرة، ثم راجعك من أجلي، والله لئن طلقك مرة أخرى لا أكلمك أبدا ". وبهذا الإسناد أخرجه البزار (ص 156) نحوه. ثم قال: حدثناه أحمد بن يزداد الكوفي: حدثنا عمر بن عبد الغفار حدثنا الأعمش به. والإسناد الأول لا بأس به، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن يونس ابن بكير إنما أخرج له البخاري تعليقا، ثم هو صدوق يخطىء كما في " التقريب ". وقد تابعه عمر بن عبد الغفار، ولكني لم أعرفه. ثم تذكرت أنه لعله عمرو - بالواو - بن عبد الغفار، فرجعت إلى ترجمته من " الميزان "، فإذا هو هذا وهو الفقيمي، قال أبو حاتم:

" متروك الحديث ". قلت: فلا يفرح بمتابعته. وللحديث شواهد مختصرة نحو حديث الترجمة: الأول: عن هشيم: أنبأ حميد عن أنس قال: " لما طلق النبي صلى الله عليه وسلم حفصة أمر أن يراجعها، فراجعها ". أخرجه أبو يعلى (3 / 957) والحاكم (2 / 197) ، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه الدارمي أيضا لكنه لم يذكر الأمر، وأعل الحديث بما لا يقدح. وله عند الحاكم (4 / 15) طريق أخرى، لكنها ضعيفة. الثاني: عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عاصم بن عمر مرفوعا: أخرجه أحمد (3 / 478) وكذا الطبراني كما في " مجمع الهيثمي "، وقال: " ورجاله ثقات ". قلت: وفي هذا الإطلاق للتوثيق نظر بين، فإن موسى هذا - وهو الأنصاري المدني - لم يوثقه غير ابن حبان، ومع أنه معروف بالتساهل في التوثيق، فإن تمام كلامه في كتابه " الثقات " (7 / 451) : " يخطىء ويخالف ". فإذا كان كذلك، فهو ليس من الثقات الذين يحتج بهم كما هو الشأن فيمن وثق مطلقا، وإنما هو ممن ينتخب حديثه في الشواهد والمتابعات، ولاسيما قد قال فيه ابن القطان: " لا يعرف حاله ".

الثالث: عن قيس بن زيد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة بنت عمر، فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون، فبكت، وقالت: والله ما طلقني عن شبع، وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة، فإنها صوامة قوامة وإنها زوجتك في الجنة ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 50) والحاكم من طريق حماد بن سلمة: أنبأ أبو عمران الجوني عن قيس بن زيد. قلت: سكت عنه الحاكم ثم الذهبي، ولعل ذلك لوضوح علته وهي قيس بن زيد هذا، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 98) : " روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، لا أعلم له صحبة. روى عنه أبو عمران الجوني ". الرابع: عن الحسن بن أبي جعفر عن عاصم عن زر عن عمار بن ياسر قال: " أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة، فجاء جبريل فقال: لا تطلقها، فإنها صوامة قوامة، وإنها زوجتك في الجنة ". أخرجه أبو نعيم. قلت: ورجاله ثقات غير الحسن بن أبي جعفر وهو الجعفري، قال الحافظ: " ضعيف الحديث، مع عبادته وفضله ". قلت: فإذا ضم إلى المرسل الذي قبله ارتقى حديثه إلى مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وقد رواه مرة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة، فأتاه جبريل عليه الصلاة السلام، فقال: يا محمد! طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة؟ ".

2008

أخرجه الحاكم، وسكت عنه لم عرفت من حال الحسن بن أبي جعفر. وجملة القول، أن تطليقه صلى الله عليه وسلم لحفصة ثابت عنه من طرق، وكونه أمر بإرجاعها ثابت من حديث أنس الصحيح، وقول جبريل له: " راجعها فإنها صوامة ... " إلخ، حسن كما ذكرنا. والله أعلم. (فائدة) : دل الحديث على جواز تطليق الرجل لزوجته ولو أنها كانت صوامة قوامة ولا يكون ذلك بطبيعة الحال إلا لعدم تمازجها وتطاوعها معه، وقد يكون هناك أمور داخلية لا يمكن لغيرها الاطلاع عليها، ولذلك، فإن ربط الطلاق بموافقة القاضي من أسوأ وأسخف ما يسمع به في هذا الزمان! الذي يلهج به كثير من حكامه وقضاته وخطبائه بحديث: " أبغض الحلال إلى الله الطلاق " وهو حديث ضعيف كما بينته في غير ما موضع مثل " إرواء الغليل " (رقم 2040) . 2008 - " قاتل عمار وسالبه في النار ". رواه أبو محمد المخلدي في " ثلاثة مجالس من الأمالي " (75 / 1 - 2) عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ليث - وهو ابن أبي سليم - كان اختلط. لكن لم ينفرد به، فقال عبد الرحمن بن المبارك: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن مجاهد به. أخرجه الحاكم (3 / 387) وقال: " تفرد به عبد الرحمن بن المبارك وهو ثقة مأمون، فإذا كان محفوظا، فإنه صحيح على شرط الشيخين ". قلت: له طريق أخرى، فقال الإمام أحمد (4 / 198) وابن سعد في " الطبقات " ( 3 / 260 - 261) والسياق له: أخبرنا عثمان بن مسلم قال: أخبرنا حماد بن سلمة قال:

أخبرنا أبو حفص وكلثوم بن جبير عن أبي غادية قال: " سمعت عمار بن ياسر يقع في عثمان يشتمه بالمدينة، قال: فتوعدته بالقتل، قلت: لئن أمكنني الله منك لأفعلن، فلما كان يوم صفين جعل عمار يحمل على الناس، فقيل: هذا عمار، فرأيت فرجة بين الرئتين وبين الساقين، قال: فحملت عليه فطعنته في ركبته، قال، فوقع فقتلته، فقيل: قتلت عمار بن ياسر؟ ! وأخبر عمرو بن العاص، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، فقيل لعمرو بن العاص: هو ذا أنت تقاتله؟ فقال: إنما قال: قاتله وسالبه ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو الغادية هو الجهني وهو صحابي كما أثبت ذلك جمع، وقد قال الحافظ في آخر ترجمته من " الإصابة " بعد أن ساق الحديث، وجزم ابن معين بأنه قاتل عمار: " والظن بالصحابة في تلك الحروب أنه كانوا فيها متأولين، وللمجتهد المخطىء أجر، وإذا ثبت هذا في حق آحاد الناس، فثبوته للصحابة بالطريق الأولى ". وأقول: هذا حق، لكن تطبيقه على كل فرد من أفرادهم مشكل لأنه يلزم تناقض القاعدة المذكورة بمثل حديث الترجمة، إذ لا يمكن القول بأن أبا غادية القاتل لعمار مأجور لأنه قتله مجتهدا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قاتل عمار في النار "! فالصواب أن يقال: إن القاعدة صحيحة إلى ما دل الدليل القاطع على خلافها، فيستثنى ذلك منها كما هو الشأن هنا وهذا خير من ضرب الحديث الصحيح بها. والله أعلم. ومن غرائب أبي الغادية هذا ما رواه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (4 / 76) عن ابن عون عن كلثوم بن جبر قال: " كنا بواسط القصب عند عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر، قال: فإذا عنده رجل يقال له : أبو الغادية، استسقى ماء، فأتي بإناء مفضض، فأبى أن يشرب، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر هذا الحديث: لا ترجعوا بعدي كفارا أو ضلالا - شك ابن أبي عدي - يضرب

2009

بعضكم رقاب بعض (¬1) . فإذا رجلا يسب فلانا، فقلت: والله لئن أمكنني الله منك في كتيبة، فلما كان يوم صفين، إذا أنا به وعليه درع، قال: ففطنت إلى الفرجة في جربان الدرع، فطعنته، فقتلته، فإذا هو عمار بن ياسر! قال: قلت: وأي يد كفتاه، يكره أن يشرب في إناء مفضض وقد قتل عمار ابن ياسر؟ ! ". قلت: وإسناده صحيح أيضا. والحديث رواه الحسن بن دينار عن كلثوم بن جبر المرادي عن أبي الغادية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره . أخرجه ابن عدي (85 / 1) وابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 421) . قلت: وهذا من تخاليط الحسن بن دينار، فإن الحديث ليس من رواية أبي الغادية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بينهما عمرو بن العاص كما في الرواية السابقة. 2009 - " إن الله تعالى يقول: إذا ابتليت عبدا من عبادي مؤمنا، فحمدني وصبر على ما ابتليته به، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب للحفظة: إني أنا قيدت عبدي هذا وابتليته، فأجروا (له) من الأجر ما كنتم تجرون له قبل ذلك وهو صحيح ". أخرجه أحمد (4 / 123) وأبو نعيم في " الحلية " (9 / 309 - 310) وابن عساكر في " التاريخ " (8 / 8 / 2) عن إسماعيل بن عياش عن راشد بن داود عن أبي الأشعث الصنعاني أنه راح إلى مسجد دمشق وهجر بالرواح، فلقي شداد بن أوس والصنابحي معه، ¬

(¬1) كذا الأصل، وكذلك هو في نقل " المجمع " (7 / 244) عنه، والكلام غير متصل. اهـ.

2010

فقلت: أين تريدان رحمكما الله؟ فقالا: نريد ههنا، إلى أخ لنا مريض نعوده، فانطلقت معهما حتى دخلنا على ذلك الرجل، فقالا له: كيف أصبحت؟ قال أصبحت بنعمة الله وفضله، فقال شداد: أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى رجاله ثقات وفي راشد بن داود - وهو الصنعاني الدمشقي - خلاف، وثقه ابن معين ودحيم وابن حبان. وقال البخاري: " فيه نظر ". وقال الدارقطني: " ضعيف لا يعتبر به ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". قلت: فمثله حسن الحديث إذا لم يرو منكرا، وهذا الحديث له شواهد معروفة وقد مضى بعضها فانظر مثلا الحديث (272) . (تنبيه) : قال المناوي: قال الهيثمي: " خرجه الكل من رواية إسماعيل بن عياش عن راشد الصنعاني، وهو ضعيف عن غير الشاميين. اهـ. ولم يبال المصنف بذلك فرمز لحسنه ". قلت: وقد فات الهيثمي ثم المناوي أن راشدا هذا ليس من صنعاء اليمن، وإنما هو من صنعاء دمشق، ولذلك ذكروا أنه دمشقي، فإعلال الحديث بما ذكروا وهم محض ، فتنبه. 2010 - " قال الله تعالى: إذا قبضت من عبدي كريمته - وهو بها ضنين - لم أرض له ثوابا دون الجنة، إذا حمدني عليها ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 103) عن بقية عن أبي بكر بن أبي مريم قال : حدث حبيب بن عبيد عن العرباض بن سارية مرفوعا.

2011

قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن أبي مريم كان اختلط. وبقية مدلس ولكنه قد توبع من قبل عبد القدوس بن الحجاج أبي المغيرة عن أبي بكر بن أبي مريم به. أخرجه البزار (ص 84 - زوائده) ، وقال: " لا نعلم عن العرباض بأحسن من هذا الإسناد ". وفيه إشارة لطيفة إلى أن له إسناد آخر عنه وقد وجدته عند ابن حبان (706 - موارد الظمآن) من طريق لقمان بن عامر عن يزيد بن جبلة عن العرباض به. ويزيد بن جبلة لم أعرفه. ثم تبينت أنه محرف من سويد بن جبلة، وعلى الصواب وقع في " الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان " (2920) ، دلني عليه بعض الإخوان وقد وثقه ابن حبان (4 / 325) ، وقد روى عنه ثقتان. وسائر رجاله ثقات، فالحديث بمجموع الطريقين حسن، ولاسيما وله شواهد كثيرة بنحوه، تراها في " الترغيب " و " المجمع " وغيرهما. (كريمته) عينه. 2011 - " قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم! إذا ذكرتني خاليا ذكرتك خاليا، وإذا ذكرتني في ملإ ذكرتك في ملإ خير من الذين تذكرني فيهم ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 295 - زوائده) : حدثنا بشر بن معاذ حدثنا فضيل ابن سليمان عن عبد الله عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم

2012

وقال: " لا نعلم يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه ". قلت: ورجاله ثقات لولا ما في الفضيل من سوء الحفظ ومع ذلك صححه الحافظ أو شيخه الهيثمي في " زوائد البزار "، وقال في " مجمع الزوائد " (10 / 78) : " رواه البزار، ورجاله رجال " الصحيح " غير بشر بن معاذ العقدي وهو ثقة " . والحديث عزاه السيوطي للبيهقي في " شعب الإيمان " وصححه في كتابه " الحاوي للفتاوي " (2 / 131) ، ومن قبله المنذري (2 / 227) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به، إلا أنه قال: " إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ... "، والباقي مثله. أخرجه البخاري في " التوحيد "، ومسلم في " الذكر " (8 / 67 ) وأحمد (2 / 251، 354، 405، 413، 480، 482) من طرق عنه. وشاهد آخر من حديث أنس مرفوعا مثل حديث أبي هريرة. أخرجه أحمد (3 / 138) وسنده صحيح على شرط الشيخين. 2012 - " قال الله عز وجل: عبدي! أنا عند ظنك بي، وأنا معك إذا ذكرتني ". أخرجه الحاكم (1 / 497) عن الربيع بن صبيح عن الحسن عن أنس مرفوعا. وقال: " غريب صحيح ". وأقول: هو صحيح لغيره وأما السند فلا لأن الحسن - وهو البصري - مدلس

2013

وقد عنعن. والربيع بن صبيح سيء الحفظ، وأخشى أن يكون خلط بين حديثين، فقد رواه قتادة عن أنس بلفظ: " يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني ". أخرجه أحمد (3 / 210، 277) بسند صحيح على شرط مسلم. ثم أخرجه (3 / 471، 4 / 106) عن حبان أبي النضر عن واثلة بن الأسقع مرفوعا به إلا أنه قال في النصف الثاني: " فليظن بي ما شاء ". والحديث الآخر الذي أشرت إليه إنما هو حديث أبي هريرة بلفظ: " يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني ... " الحديث وقد سبق تخريجه في الحديث الذي قبله، وهذا القدر منه أخرجه القضاعي في " مسنده " (ق 117 / 1) . 2013 - " قال تبارك وتعالى للنفس: اخرجي، قالت: لا أخرج إلا وأنا كارهة، (قال: اخرجي وإن كرهت) ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (219) و " التاريخ " (2 / 1 / 251) والبزار (783 - كشف الأستار) والزيادة له والبيهقي في " الزهد " (52 / 1 - 2) عن الربيع بن مسلم عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم. وقال البزار: " لا نعلمه إلا عن أبي هريرة ولا رواه عنه إلا محمد بن زياد ولا عنه إلا الربيع والربيع ثقة مأمون ".

2014

2014 - " قال رجل: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك ". أخرجه مسلم (8 / 36) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 84 / 1) من طرق عن معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عمران عن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ثم أخرجه الطبراني من طريق حماد بن سلمة أخبرنا أبو عمران عن جندب: " أن رجلا آلى أن لا يغفر الله لفلان، فأوحى الله عز وجل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أو إلى نبي إنها بمنزلة الخطيئة فليستقبل العمل ". قلت: وإسناد صحيح موقوف، ولكنه في حكم المرفوع بدليل ما قبله. (تنبيه) : وقد ساق السيوطي الحديث من رواية الطبراني بلفظ: " قال رجل: لا يغفر الله لفلان، فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء إنها خطيئة فليستقبل العمل ". وأنت ترى أنه لفظ ملفق من لفظي الطبراني، مع تصرف يسير في بعض ألفاظ اللفظ الثاني منهما. قوله: (يتألى) ، أي: يحلف. و (الألية) على وزن (غنية) : اليمين. هذا وقد سبق تخريج الحديث بأوسع وأقوى مما هنا برقم (1685) نبهتني على ذلك ابنتي أم عبد الله جزاها الله خيرا، فكدت أن أحذفه وأطبع آخر بديله، ثم بدا لي أن أدعه كما هو لأن فيه فائدتين لم يسبق ذكرهما هناك: الأولى، التنبيه المذكور. والأخرى، بيان أن رواية الطبراني من طريق حماد بن سلمة موقوفة، وهذا مما فاتني ذكره هناك، والله ولي التوفيق.

2015

2015 - " قال لي جبريل: لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فم فرعون مخافة أن تدركه الرحمة ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2618) : حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه الترمذي (3107) والحاكم (2 / 340، 4 / 249) وأحمد (1 / 240، 340) وابن جرير (17859) من طرق أخرى عن شعبة به نحوه، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، إلا أن أكثر أصحاب شعبة أوقفوه على ابن عباس ". ووافقه الذهبي. قلت: وهذا لا يعله، فقد رفعه عنه جمع من الثقات منهم الطيالسي كما رأيت، ومنهم خالد بن الحارث عند الترمذي والحاكم والنضر بن شميل عند الحاكم أيضا، ومحمد بن جعفر - غندر - عند أحمد، وقد علم أن زيادة الثقة مقبولة. ولاسيما وقد وجدت له طريقا أخرى، وشاهدا. أما الطريق، فيرويه حماد بن سلمة عن علي ابن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لما أغرق الله فرعون قال: * (آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * (¬1) ¬

(¬1) يونس: الآية: 90. اهـ.

2016

فقال جبرائيل: يا محمد! لو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر وأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة ". أخرجه الترمذي (3106) والحاكم (4 / 249) وأحمد (1 / 245، 309) وابن جرير (17861) والخطيب في " التاريخ " (8 / 102) وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: يعني لغيره لأن ابن جدعان سيء الحفظ. ويوسف بن مهران لين الحديث. وذهل المناوي عن الطريق الأولى الصحيحة، فأعل الحديث بابن مهران هذا متعقبا على الحاكم والذهبي تصحيحهما إياه على شرط الشيخين! وأما الشاهد، فيرويه محمد بن حميد الرازي حدثنا حكام بن سلم حدثنا عنبسة بن سعيد عن كثير بن زاذان عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا مثل لفظ الترجمة. أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (17860) والسهمي في " تاريخ جرجان " (164) وقال ابن كثير عقبه: " كثير ابن زاذان هذا قال ابن معين: لا أعرفه. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: مجهول. وباقي رجاله ثقات ". كذا قال! ومحمد بن حميد الرازي، وإن كان من الحفاظ فهو ضعيف، وإن كان ابن معين حسن الرأي فيه. (الحال) : الطين الأسود كالحمأ. " نهاية ". 2016 - " قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه ". أخرجه البزار في " مسنده " (1545) وأبو الشيخ في " الطبقات " (66 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 36، 191) عن يعقوب القمي عن عنبسة عن هشام بن

2017

عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه ". قلت: وقال الحافظ في " زوائد البزار " (ص 209) : " ورجاله ثقات ". ويعقوب هو ابن عبد الله القمي قال الحافظ: " صدوق يهم ". وعنبسة هو ابن سعيد بن الضريس الأسدي ثقة. فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى. وروى البزار أيضا عن أبي هريرة مرفوعا: " قتل الرجل صبرا كفارة لما قبله من الذنوب ". قال الهيثمي: " وفيه صالح بن موسى بن طلحة، وهو متروك ". 2017 - " قوموا! فإن للموت فزعا ". رواه ابن ماجة (1 / 468) وأحمد (2 / 287، 343) ومحمد بن مخلد العطار (2 / 19 / 1) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: " مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة. فقام وقال: فذكره ". قلت: وهذا إسناد حسن. ورواه إسماعيل بن جعفر حدثنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وأبي

2018

سعيد مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم (1 / 356 - 357) ، وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله شاهد من حديث جابر مرفوعا به. أخرجه مسلم (3 / 57) وأبو داود (2 / 64) والنسائي (1 / 272) وأحمد (3 / 319، 335، 354) . (تنبيه) : هذا الحديث من الأحاديث القليلة التي ثبت نسخها بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأمره، وقد ذكرت بعض الأحاديث الواردة في ذلك في " أحكام الجنائز " (ص 78) ، فلتراجع. 2018 - " اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا ". أخرجه أحمد (3 / 3) والبزار في " مسنده " (3119 - كشف الأستار) عن ربيح ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه (عن جده) قال: " قلنا يوم الخندق: يا رسول الله! هل من شيء نقوله، فقد بلغت القلوب الحناجر؟ قال: نعم، اللهم ... ( فذكره) قال: فضرب الله عز وجل وجوه أعدائه بالريح، فهزمهم الله بالريح ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، ربيح هذا، روى عنه جمع، وقال فيه أحمد: " ليس بمعروف ". وقال البخاري: " منكر الحديث ". وقال أبو زرعة:

" شيخ ". وقال ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 309) . قلت: فمثله يتردد النظر بين تضعيف حديثه وتحسينه ولعل الأول هو الأرجح وإلى ذلك يشير الحافظ بقوله فيه في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث كما نص عليه في مقدمته. والله أعلم. وقد توبع على الدعاء دون القصة، فرواه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 94 / 3710) عن خباب الخزاعي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال الهيثمي ( 10 / 180) : " وفيه من لم أعرفه ". وله شاهد آخر صحيح من رواية ابن عمر رضي الله عنهما فيما كان يقوله صلى الله عليه وسلم حين يمسي وحين يصبح، وهو مخرج في " الكلم الطيب " برقم التعليق (14) و " المشكاة " (رقم الحديث 2397) . (تنبيه) : الزيادة التي بين المعكوفتين (عن جده) سقطت من " المسند " وهي ثابتة عند البزار، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 136) : " رواه أحمد والبزار، وإسناد البزار متصل، ورجاله ثقات وكذلك رجال أحمد إلا أن في نسختي من " المسند ": " عن ربيح بن أبي سعيد عن أبيه " وهو في البزار: عن أبيه عن جده ". قلت: وهذا هو الصواب الذي يقتضيه السياق، ورواية أحمد خطأ لأنه يلزم منها

2019

أن يكون والد ربيح - واسمه عبد الرحمن بن أبي سعيد - صحابيا لظاهر قوله: " قلنا يوم الخندق "، ولا قائل بذلك. فتنبه. وعلى الصواب أخرج الحديث ابن أبي حاتم أيضا كما في " البداية " للحافظ ابن كثير (4 / 111) . 2019 - " القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار ". أخرجه ابن حبان (1793) عن عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات وأشار المنذري في " الترغيب " (2 / 207) إلى تقويته وعزاه السيوطي للبيهقي أيضا في " شعبه ". وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود ولكنه مما لا يفرح به، فإنه من رواية الربيع بن بدر عن الأعمش عن أبو وائل عنه مرفوعا به. أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 78 / 2) وابن عدي (132 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 108) ، وقال: " غريب من حديث الأعمش تفرد به عنه الربيع ". قلت: وهو متروك، وقد خولف. فقال البزار في " مسنده " (26 - زوائده) : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن المعلى الكندي عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره موقوفا. وقال: وحدثناه أبو كريب: حدثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه، وقال: " لا نعلم أحدا يرويه عن جابر إلا من هذا الوجه ". وقال الهيثمي عقبه:

2020

" رجاله ثقات ". وكذا قال في " مجمع الزوائد " (1 / 171) وزاد: " ورجال أثر ابن مسعود فيه المعلى الكندي وقد وثقه ابن حبان " . قلت: أورده هو (7 / 492) وابن أبي حاتم (4 / 1 / 320) برواية الأعمش عنه ولم يزد، فهو مجهول. وسكت المنذري عنه في " الترغيب " (1 / 42) ، وقال: " وإسناد المرفوع جيد ". قلت: وهو كما قال، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن الأجلح وهو صدوق كما في " التقريب ". 2020 - " القصاص ثلاثة: أمير أو مأمور أو محتال ". أخرجه ابن وهب في " الجامع " (ص 88) وعنه ابن عساكر في " التاريخ " (6 / 71 / 2) والبخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 243 - 244) وأحمد (6 / 22، 28) والروياني أيضا في " مسنده " (24 / 122 / 2) وعنه ابن عساكر أيضا، كلهم من طريق معاوية بن صالح عن أزهر بن سعيد عن ذي الكلاع عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون غير ذي الكلاع وهو كما قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 448) : " ابن عم كعب الأحبار، أبو شراحيل شامي، روى عنه أزهر بن سعيد ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 223) ! وقد أورده ابن عبد البر في " الاستيعاب " وأطال في ترجمته (2 / 471 - 474) ، ومما جاء فيها:

" ولا أعلم لذي الكلاع صحبة أكثر من إسلامه، واتباعه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وأظنه أحد الوفود عليه ولا أعلم له رواية إلا عن عوف بن مالك ". وقد جاء الحديث من طريقين آخرين عن عوف: الأول: عن بكير بن عبد الله أن يعقوب أخاه وابن أبي خصيفة حدثاه أن عبد الله ابن يزيد قاص مسلمة بالقسطنطينية حدثهما عن عوف بن مالك الأشجعي به. أخرجه أحمد (6 / 27) . قلت: ورجاله ثقات غير عبد الله بن يزيد هذا، قال في " تعجيل المنفعة ": " لا أعرفه ". والآخر: عن صالح بن أبي عريب عن كثير بن مرة عن عوف بن مالك قال: " دخل عوف بن مالك مسجد حمص، قال: وإذا الناس على رجل، فقال: ما هذه الجماعة؟ قالوا: كعب يقص، قال: ويحه! ألا سمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "، فذكره. أخرجه أحمد أيضا (6 / 29) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات غير صالح هذا، روى عنه جمع من الثقات منهم الليث بن سعد، ووثقه ابن حبان (6 / 457) . وقصة عوف هذه مع كعب وقعت في حديث ذي الكلاع عند البخاري في " التاريخ "، وزاد عقب الحديث: " فمكث كعب سنة لا يقص حتى أرسل إليه معاوية يأمره أن يقص ". وقال البخاري عقبه: " وقال عبد الله بن يحيى: حدثنا معاوية بن عبد الرحمن بن جبير عن أبيه عن كعب بن عياض عن النبي صلى الله عليه وسلم. والأول أصح ".

2021

يعني رواية من قال عن معاوية عن أزهر بن سعيد عن ذي الكلاع عن عوف. وإنما رجحها البخاري لأنها رواية الأكثر عن معاوية. وعبد الله بن يحيى - وهو المعافري، ويقال: الكلاعي، أبو يحيى المصرى - ثقة من رجال البخاري، فروايته شاذة. وبالجملة، فالحديث صحيح بلا ريب بمجموع هذه الطرق الثلاث، ولاسيما والأخيرة منها حسن كما تقدم. والله أعلم. 2021 - " كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى ". أخرجه النسائي (1 / 231) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 211) وأحمد ( 3 / 103، 178، 235، 250) من طرق عن حميد عن أنس بن مالك قال: " كان لأهل الجاهلية يومان في كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال: فذكره ". قلت: وإسناده صحيح، وبعض أسانيده عند أحمد ثلاثي، فقد صرح حميد بسماعه من أنس في طريق عنده، وإسناده صحيح على شرط مسلم، وكذا قال الحاكم (1 / 294) ، ووافقه الذهبي. 2022 - " كان هذا الأمر في حمير، فنزعه الله منهم فصيره في قريش ". رواه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 241) وأحمد (4 / 91) والطبراني (1 / 203 / 2) وابن أبي عاصم في " السنة " (ق 107 / 2 رقم 1015 - بتحقيقي) وأبو

2023

موسى المديني في " منتهى رغبات السامعين " (254 / 1) من طرق عن عثمان عن راشد بن سعد عن أبي حي المؤذن عن ذي مخبر مرفوعا وزاد البخاري وأحمد: " وسيعود إليهم ". قلت: وإسنادهم جيد، رجاله ثقات غير أبي حي المؤذن واسمه شداد بن حي، روى عنه جمع من الثقات، ووثقه العجلي (496 / 1938) وذكره ابن حبان في (الكنى ) من " ثقات التابعين " وخفي ذلك على الحافظ بن حجر كما بينته في " تيسير الانتفاع "، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ". والحديث، قال الهيثمي (5 / 162) بعد أن عزاه لأحمد والطبراني: " ورجالهم ثقات ". قال المناوي عقبه: " ومن ثم رمز المصنف لحسنه، لكن قال ابن الجوزي: هذا حديث منكر، وإسماعيل بن عياش، أحد رجاله ضعفوه، وبقية مدلس يروي عن الضعفاء ". وأقول: ليس عند أحمد وغيره ممن ذكرنا من المخرجين ذكر لإسماعيل وبقية، فلا أدري كيف وقع هذا الخطأ من ابن الجوزي أو المناوي أو ناسخ كتابه أو طابعه؟ ! 2023 - " كأني أنظر إلى موسى عليه السلام في هذا الوادي محرما بين قطوانيتين ". رواه أبو يعلى (3 / 1262) والطبراني في " الكبير " (3 / 70 / 1) و" الأوسط " (1 / 119 / 1) وأبو بكر المقرىء الأصبهاني في " الفوائد " (178 / 1) وأبو نعيم في الحلية (4 / 189) عن يزيد بن سنان عن زيد بن أبي أنيسة عن عاصم عن زر عن

عبد الله مرفوعا. وقال الطبراني: " لم يروه عن عاصم إلا زيد، ولا عنه إلا يزيد ". قلت: وهو يزيد بن سنان بن يزيد التميمي أبو فروة الرهاوي، وهو ضعيف. فقول المنذري في " الترغيب " (2 / 117) ، وتبعه الهيثمي في " المجمع " (3 / 221 ) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " بإسناد حسن ". قلت: فهو تساهل واضح، أو لعلهما ظنا أن يزيد بن سنان هذا هو يزيد بن سنان بن يزيد القزاز البصري، أبو خالد نزيل مصر، فإنه ثقة، ولكنه ليس هو راوي الحديث لأنه متأخر عن الرهاوي. فتنبه. ويخالفه ما روى الطبراني أيضا (3 / 165 / 1) عن ليث عن عبد الملك عن سعيد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: حج موسى على ثور أحمر، عليه عباءة قطوانية ". قال المنذري والهيثمي: " وفيه ليث بن أبي سليم، وبقية رواته ثقات ". ونقل الحافظ الناجي فيما كتبه على " الترغيب " (ق 132 / 1) عن الحافظ ابن كثير أنه قال: " وهو غريب جدا ". قلت: وعلته أن ليثا كان اختلط، وقول الهيثمي: " وهو ثقة ولكنه مدلس ". فهو من أوهامه، فليس بثقة ولا بمدلس، وإنما هو ضعيف لاختلاطه. ووجه المخالفة إفراده القطوانية خلافا للحديث الأول. ولعل استغراب الحافظ بن كثير إياه من جهة ذكره الثور، فقد جاء في " صحيح مسلم " (1 / 105 - 106)

2024

وسنن البيهقي (5 / 42) من طريق أبي العالية عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " كأني أنظر إلى موسى عليه السلام هابطا من الثنية، وله جؤار إلى الله بالتلبية ". ثم روى من طريق مجاهد عنه نحوه بلفظ: " وأما موسى فرجل جعد، على جمل أحمر مخطوم بخلبته، كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي يلبي ". وقد وجدت له طريقا أخرى فيه شاهد قوي للقطوانيتين، فقال الطبراني في " الأوسط " (1 / 119 / 2) : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة حدثنا عبد الله بن هاشم الطوسي حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلى في مسجد الخيف سبعون نبيا، منهم موسى صلى الله عليه، كأني أنظر إليه وعليه عباءتان قطوانيتان، وهو محرم على بعير من أزد شنوءة، مخطوم بخطام ليف، له ضفيرتان ". وقال: " لم يروه عن عطاء إلا محمد بن فضيل ، تفرد به عبد الله ". قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم، وكذلك من فوقه ثقات، إلا أن عطاء بن السائب كان اختلط. وجملة القول أن الحديث بهذا الشاهد يرتقي إلى درجة الحسن. والله أعلم. 2024 - " كتاب الله، هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض ". رواه الترمذي (3790) وأحمد (3 / 14، 17، 26، 59) والطبري (ج 7 رقم 7572 صفحة 72) من طرق عن عطية عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

2025

وهو عند الترمذي مقرون بحديث حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم مرفوعا به في حديث، وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: عطية ضعيف، وحبيب مدلس. فالحديث حسن بمجموع الطريقين، وهو صحيح بأن له شاهدا من حديث زيد بن ثابت، وهو مخرج في " الروض النضير " (977، 978) و" المشكاة " (6153) . وفي حديث زيد بن أرقم: " ألا وإني تارك فيكم ثقلين ، أحدهما كتاب الله عز وجل هو حبل الله ومن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة ". أخرجه مسلم (7 / 123) ، وابن حبان (123 - شاكر) . وفي حديث أبي شريح الخزاعي مرفوعا: " فإن هذا القرآن سبب (أي حبل) طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به ". الحديث. وهو مخرج فيما مضى برقم (713) . 2025 - " كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع ". أخرجه مسلم في مقدمة " صحيحه " (1 / 8) وأبو داود (4992) والحاكم (1 / 112) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 114 / 1) عن علي بن حفص: حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

فذكره، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وعلي بن حفص - وفي الأصل: جعفر وهو خطأ - المدائني ثقة ". ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وقد أخرجه مسلم من طريقين آخرين عن شعبة به، إلا أنه قال: " كذبا " مكان: " إثما ". ومنه تعلم أن قول أبي داود عقبه: " ولم يسنده إلا هذا الشيخ، يعني علي بن حفص المدائني ". فهو بالنسبة لما وقف عليه هو من الطرق، وإلا فالطريقان الآخران يردان عليه. واحتمال أنه أراد خصوص لفظ: " إثما "، بعيد جدا لأن الخلاف بين اللفظين إنما هو لفظي كما لا يخفى. وللفظ الثاني شاهد يأتي قريبا. وللحديث طريق أخرى عند ابن المبارك في " الزهد " (735) : أخبرنا يحيى بن عبيد الله قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف. والشاهد أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (1415) من طريق هلال بن العلاء قال: حدثنا أبي العلاء بن هلال قال: أخبرنا هلال بن عمر أخبرني عمر بن هلال عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " كفى بالمرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، هلال بن عمر - وهو الرقي جد هلال بن العلاء الذي دونه في السند - قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 78) عن أبيه: " ضعيف الحديث ".

2026

وأخرجه الحاكم من هذا الوجه بزيادة في متنه، أوردته من أجلها في " الضعيفة " (2233) وفيه علل أخرى بسطت القول فيها هناك. 2026 - " قيدوا العلم بالكتاب ". روي من حديث أنس بن مالك وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن العباس. 1 - أما حديث أنس فله عنه: الأولى: عن ثمامة بن أنس عنه مرفوعا به. أخرجه لوين في " أحاديثه " (ق 24 / 2) : حدثنا عبد الحميد بن سليمان عن عبد الله بن المثنى عن عمه ثمامة بن أنس. ومن طريق لوين أخرجه ابن شاهين في " الناسخ والمنسوخ " (ق 65 / 2) ، والخطيب في " التاريخ " (10 / 46) وفي " تقييد العلم " (ص 69 - 70) وابن عبد البر في " جامع العلم " (1 / 72) ويوسف بن عبد الهادي في " هداية الإنسان " (31 / 2) ، كلهم عن لوين به، وقال لوين: " هذا لم يكن يرفعه أحد غير هذا الرجل ". قلت: يعني عبد الحميد بن سليمان، وهو ضعيف كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه أيضا أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (ص 293) وأبو الحسن الحربي في " الفوائد " (ق 168 / 1) وأبو بكر الدقاق في " الثاني من حديثه " (43 / 2) ، وقال ابن عبد الهادي: " تفرد برفعه عبد الحميد بن سليمان أخو فليح وقد ضعف، والمحفوظ عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس من قوله ".

قلت: والموقوف أخرجه الدارمي (1 / 126 - 127) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 22) وأبو خيثمة في " العلم " (رقم 120 - بتحقيقي) والطبراني في " الكبير " (1 / 62 / 2) والحاكم في " المستدرك " (1 / 106) والخطيب في " التقييد " (ص 96، 97) وابن عبد البر من طرق عن عبد الله بن المثنى الأنصاري به موقوفا. وصححه الحاكم والذهبي. قلت: وفيه نظر لأن عبد الله هذا وإن كان من رجال البخاري فقد تكلم فيه جمع كما بينه الذهبي نفسه في " الميزان "، والحافظ في " التهذيب " ولخص ذلك بقوله في " التقريب ": " صدوق كثير الغلط ". الطريق الأخرى: وقد وجدت له طريقا أخرى خيرا من هذه، يرويه إسماعيل بن أبي أويس عن إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن عقبة عن الزهري عن أنس مرفوعا به . أخرجه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (245 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 228) والقضاعي في " مسند الشهاب " (53 / 2) من طرق عنه. قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم على شرط البخاري ولولا أن في ابن أبي أويس كلاما في حفظه لصححته، فقد قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه ". وقال الذهبي في " الضعفاء ": " صدوق، ضعفه النسائي ". 2 - وأما حديث ابن عمرو، فهو شاهد له يرويه عبد الله بن المؤمل عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو قال:

" قلت: يا رسول الله! أقيد العلم؟ قال: نعم. قلت: وما تقييده؟ قال: الكتاب ". أخرجه الحاكم والخطيب في " التقييد " (ص 68) وابن عبد البر وعبد الغني المقدسي في " العلم " (ق 29 / 1) وعفيف الدين في " فضل العلم " (ق 125 / 2) ، وقال الحاكم: " عبد الله بن المؤمل غير معتمد ". وقال الذهبي في " التلخيص ": " ضعيف ". وقال الحافظ: " ضعيف الحديث ". وأقول: وثقه غير واحد، ويبدو أن تضعيف من ضعفه إنما هو من قبل حفظه، لا تهمة له في نفسه، وقد ختم الحافظ ترجمته بقوله: " وقال أبو عبد الله (أظنه يعني الذهبي) : هو سيء الحفظ، ما علمنا له جرحة تسقط عدالته ". قلت: فإذا عرفت ذلك، فمثله يستشهد به ويرتقي الحديث إلى مرتبة الصحيح لغيره ، ولاسيما والإذن بالكتابة ثابت في غير ما حديث واحد، ولعلي أذكر بعضها قريبا إن شاء الله تعالى. وله طريق أخرى عن ابن عمرو، رواه زيد بن يحيى الدمشقي أخبرنا عمران بن موسى عن مكحول عنه مرفوعا. رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (12 / 343 / 2) في ترجمة عمران هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ويبدو لي أنه أخو أيوب بن موسى، سمع سعيدا المقبري وعمر بن عبد العزيز. روى عنه ابن جريج أيضا كما في " الجرح " (3 / 1 / 305) ولم

يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ومكحول لم يسمع من عبد الله بن عمرو. وقد روي من طريق ثالثة عنه، رواه عبد الله بن المؤمل عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه الخطيب في " التقييد " (ص 69) . وعبد الله ضعيف كما سبق. ورواه إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي ذئب عن عمرو بن شعيب به. أخرجه الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ق 93 / 1) والخطيب، وقال: " قال علي بن عمر (يعني الإمام الدارقطني) : تفرد به إسماعيل بن يحيى عن ابن أبي ذئب ". قلت: وابن أبي ذئب ثقة، فهي متابعة قوية، إلا أن إسماعيل بن يحيى - وهو أبو يحيى التيمي - كذاب وضاع، فلا يفرح بها. 3 - وأما حديث ابن عباس فيرويه حفص بن عمر بن أبي العطاف عن أبي الزناد عن الأعرج عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 101 / 1) ، وقال: " وحفص بن عمر حديثه منكر ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وجملة القول أن جميع هذه الطرق معلولة، مرفوعها وموقوفها وخيرها الطريق الثانية التي يرويها ابن أبي أويس ... عن أنس والشاهد الذي يرويه عبد الله بن المؤمل

2027

تارة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عمرو وتارة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ابن عمرو. ولا شك عندي أن الحديث صحيح بمجموع هذه الطرق، على ما سبق بيانه، وإعلاله بالوقف من بعض الوجوه في الطريق الأولى عن أنس كما جروا عليه ، ليس كما ينبغي لما عرفت من ضعفه موقوفا ومرفوعا، فلا يجوز المعارضة به للصحة الثابتة بمجموع الطريقين كما هو ظاهر، ولاسيما وهناك الشواهد التي سبقت الإشارة إليها التي منها قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو نفسه: " اكتب، فوالذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ". وقد مضى تخريجه برقم (1532) من طرق عنه، فراجعه. هذا ما يسر الله لي من التحقيق والتصحيح لهذا الحديث، فإن وفقت للصواب في ذلك فالحمد والمنة والفضل له، وإلا فإني أستغفر الله وأتوب إليه من كل ما لا يرضيه، إنه هو ذو الفضل العظيم، التواب الرحيم. (تنبيه) : وقع في " مسند الشهاب ": " ... إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة، يعني عن عمه موسى بن عقبة "، وفيما تقدم: " إسماعيل بن إبراهيم ابن أخي موسى بن عقبة "، وهو الثابت في المصدرين اللذين قبله. والله أعلم. 2027 - " كل، فلعمري لمن أكل برقية باطل، لقد أكلت برقية حق ". أخرجه أبو داود (3420، 3896، 3897) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 1032) وعنه ابن السني (رقم 624) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 269) والحاكم (1 / 559 - 560) والطيالسي (1362) وأحمد (5 / 210 - 211) من طريق الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمه:

2028

" أنه مر بقوم فأتوه، فقالوا: إنك جئت من عند هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرجل، فأتوه برجل معتوه في القيود ، فرقاه بأم القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشية، كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنما أنشط من عقال، فأعطوه شيئا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره له ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا إن شاء الله، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير خارجة بن الصلت، فروى عنه مع الشعبي عبد الأعلى بن الحكم الكلبي، وذكره ابن حبان في " الثقات "، لكن قال ابن أبي خيثمة: " إذا روى الشعبي عن رجل وسماه فهو ثقة ، يحتج بحديثه ". ذكره الحافظ في " التهذيب " وأقره، وكأنه لذلك قال الذهبي في " الكاشف ": " ثقة ". 2028 - " كل ما ردت عليك قوسك ". ورد من حديث عبد الله بن عمرو وأبي ثعلبة الخشني وعقبة بن عامر وحذيفة بن اليمان. 1 - أما حديث ابن عمرو فيرويه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه أبو داود (2857) والنسائي (2 / 196) وأحمد (2 / 184) من طرق عنه. قلت: وهذا إسناد حسن. 2 - وأما حديث أبي ثعلبة، فله عنه ثلاث طرق: الأولى: عن يونس بن سيف: حدثنا أبو إدريس الخولاني حدثني أبو ثعلبة الخشني

قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا ثعلبة! كل ... " الحديث، وزاد: " وكلبك المعلم، ويدك، فكل ذكيا وغير ذكي ". أخرجه أبو داود (2856 ) . قلت: وإسناده صحيح، يونس بن سيف وثقه الدارقطني وغيره، وروى عنه جمع من الثقات، فقول الحافظ فيه: " مقبول ". يعني عند المتابعة، فهو غير مقبول، بل هو ثقة حجة. الثانية: عن الحجاج عن مكحول عنه، والحجاج أيضا عن الوليد بن أبي مالك عن عائذ الله أنه سمع أبا ثعلبة الخشني قال: فذكره مرفوعا دون الزيادة. أخرجه الترمذي (1 / 277) ، وقال: " هذا حديث حسن صحيح، عائذ الله بن عبد الله هو أبو إدريس الخولاني ". قلت: فهذه متابعة قوية من الوليد - وهو ابن عبد الرحمن بن أبي مالك - ليونس ابن سيف في الطريق الأولى، لكن الراوي عنه الحجاج وهو ابن أرطأة مدلس وقد عنعنه، كما عنعنه عن مكحول عنه. ومكحول أيضا مدلس، وبالنظر إلى روايته عنه ، فهي الطريقة الثانية، فتصحيح الترمذي للحديث من طريق الحجاج لا يخفى بعده عن الصواب، إلا أنه يعني أنه صحيح لغيره، فهو صحيح، لكنه يبعد عن تعبيره بقوله : " حسن صحيح ". والله أعلم. الثالثة: عن ضمرة بن ربيعة عن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي ثعلبة به. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ضمرة بن ربيعة وهو ثقة.

2029

ويحيى بن سعيد هو الأنصاري النجاري، أبو سعيد المدني القاضي. 3 و 4 - وأما حديث عقبة بن عامر وحذيفة بن اليمان، فيرويه عمرو بن شعيب أن مولى شرحبيل بن حسنة حدثه أنه سمع عقبة بن عامر وحذيفة بن اليمان يقولان: فذكره مرفوعا. أخرجه أحمد (4 / 156 و 5 / 388) . 2029 - " كل ما أفرى الأوداج، ما لم يكن قرض ناب أو حز ظفر ". أخرجه البيهقي (9 / 278) من طريق عبيد الله بن زحر عن القاسم مولى عبد الرحمن عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعا به. وقال: " قال أبو العباس محمد بن يعقوب: ليس في كتابي: عن علي بن يزيد ". قلت: لعله يشير إلى أن المعروف فيما يرويه ابن زحر عن القاسم بهذا الإسناد من الأحاديث - وهي كثيرة - أن بينهما علي بن يزيد وهو الألهاني، ولكنه لما لم يجد في كتابه علي بن يزيد لم يذكره في الإسناد مع التنبيه على ذلك. والظاهر أن هذا الحديث من تلك الأحاديث، فقد أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 34) ، وقال: " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه علي بن زيد، وهو ضعيف وقد وثق ". وقال البيهقي عقبه: " وفي هذا الإسناد ضعف ". قلت: ضعفه أشد مما يعطيه هذا التعبير، وعلى الرغم من ذلك فإني أرى أن الحديث يتقوى بشاهدين له: الأول: عن حذيفة مرفوعا بلفظ:

2030

" اذبحوا بكل شيء فرى الأوداج، ما خلا السن والظفر ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الله بن حراش، وثقه ابن حبان، وقال: ربما أخطأ، وضعفه الجمهور ". والآخر: حديث رافع بن خديج مرفوعا بلفظ: " ما أنهر الدم، وذكر اسم الله عليه فكلوه، إلا السن والظفر ". أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 165 / 2522) . 2030 - " كلوا بسم الله من حواليها واعفوا رأسها، فإن البركة تأتيها من فوقها ". أخرجه ابن ماجة (2 / 305) من طريق أبي حفص عمر بن الدرفس حدثني عبد الرحمن بن أبي قسيمة عن واثلة بن الأسقع الليثي قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الثريد، فقال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير عمر بن الدرفس، فهو مجهول كما في " التقريب " لكنه قد توبع، فقال عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن حبيب أن ربيعة بن يزيد الدمشقي أخبره عن واثلة يعني ابن الأسقع قال: " كنت مع أهل الصفة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بقرص فكسره في القصعة، وصنع فيها ماء سخنا ثم صنع فيها ودكا ثم سفسفها ثم لبقها ثم صعنبها، ثم قال: اذهب فائتني بعشرة أنت عاشرهم، فجئت بهم، فقال: (فذكره نحوه دون البسملة) فأكلوا منها حتى شبعوا ".

أخرجه أحمد (3 / 490) . قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، فإن ابن لهيعة وإن كان سيء الحفظ فإن حديثه من رواية العبادلة صحيح، كما هو معروف عند أهل العلم، وهذا من رواية أحدهم عنه، وهو عبد الله بن المبارك الإمام، ولقد خفيت هذه الحقيقة على المناوي حين أعل الحديث بقوله: " وفيه ابن لهيعة "! وقد وهم مرة أخرى، فإنه قال ذلك عقب عزو السيوطي الحديث لابن ماجة، فأوهم أنه رواه من طريق ابن لهيعة، والواقع خلافه، فليس في إسناده ابن لهيعة كما رأيت. وللحديث طريق ثالث، يرويه خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه أنه حدثه عن واثلة بن الأسقع، وكان من أهل الصفة.. الحديث بطوله وأتم منه، وفيه البسملة. أخرجه الحاكم (4 / 116 - 117) وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: خالد ثقة وثقه بعضهم، وقال النسائي: ليس ثقة ". قلت: وفي " التقريب ": " ضعيف مع كونه فقيها، وقد اتهمه ابن معين ". قلت: فالعمدة على الطريق التي قبله. وللحديث شاهد يرويه عبد الله بن عباس مرفوعا بلفظ: " إن البركة تنزل وسط القصعة، فكلوا من نواحيها ولا تأكلوا من رأسها ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 55) وغيره بسند صحيح وهو مخرج في " المشكاة " (4211) .

2031

(غريب الحديث) : قوله: (ودكا) : هو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه. (سفسفها) : في " القاموس ": " السفساف: الرديء من كل شيء ". فلعل المراد خلطها بشيء رديء من القمح أو الدقيق. (لبقها) : في " النهاية ": أي خلطها خلطا شديدا، وقيل: جمعها بالمغرفة. (صعنبها) : أي رفع رأسها وجعل لها ذروة وضم جوانبها. 2031 - " كلوا واشربوا ولا يهيدنكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر ". أخرجه أبو داود (1 / 369 - 370) والترمذي (705) وابن خزيمة (1930) والدارقطني (ص 231) من طريق عبد الله بن النعمان السحيمي قال: " أتاني قيس ابن طلق في رمضان في آخر الليل بعدما رفعت يدي من السحور لخوف الصبح، فطلب مني بعض الإدام، فقلت له: " يا عماه! لو كان بقي عليك من الليل شيء لأدخلتك إلى طعام عندي وشراب، قال: عندك؟ فدخل، فقربت إليه ثريدا ولحما ونبيذا، فأكل وشرب وأكرهني فأكلت وشربت، وإني لوجل من الصبح، ثم قال حدثني طلق ابن علي أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: " فذكره، والسياق للدارقطني ، وقال: " قيس بن طلق ليس بالقوي ". كذا قال، وقد وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان. ووهاه أبو حاتم، وقال الحافظ: " صدوق ". قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف.

ثم رأيت الذهبي قد ذكر عن ابن القطان أنه قال: " يقتضي أن يكون خبره حسنا لا صحيحا ". فالحمد لله على توفيقه. وليس عند الآخرين من السياق إلا المرفوع منه، وقال الترمذي : " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". ورواه أحمد (4 / 23) مختصرا بلفظ: " ليس الفجر المستطيل في الأفق ولكنه المعترض الأحمر ". وعبد الله بن النعمان، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وقد روى عنه ثقتان، وقال ابن خزيمة: " لا أعرفه بعدالة ولا جرح ". قلت: فحاله قريب من حال شيخه قيس بن طلق لكنه قد توبع، فقال عبد الله بن بدر السحيمي: حدثني جدي قيس بن طلق به. أخرجه الطحاوي (1 / 325) . وجملة القول أن الحديث حسن. وله شاهد من حديث سمرة بن جندب مرفوعا نحوه. وآخر تقدم برقم (2002) . رواه مسلم وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (915) و " صحيح أبي داود " (2031) . قوله: (ولا يهيدنكم) : أي: لا تنزعجوا للفجر المستطيل فتمتنعوا به عن السحور، فإنه الصبح الكاذب. وأصل (الهيد) : الحركة. " نهاية ". واعلم أنه لا منافاة بين وصفه صلى الله عليه وسلم لضوء الفجر الصادق بـ ( الأحمر) ووصفه تعالى

2032

إياه بقوله: * (الخيط الأبيض) * (¬1) لأن المراد - والله أعلم - بياض مشوب بحمرة أو تارة يكون أبيض وتارة يكون أحمر، يختلف ذلك باختلاف الفصول والمطالع. وقد رأيت ذلك بنفسي مرارا من داري في (جبل هملان ) جنوب شرق (عمان) ، ومكنني ذلك من التأكد من صحة ما ذكره بعض الغيورين على تصحيح عبادة المسلمين، أن أذان الفجر في بعض البلاد العربية يرفع قبل الفجر الصادق بزمن يتراوح بين العشرين والثلاثين دقيقة، أي قبل الفجر الكاذب أيضا! وكثيرا ما سمعت إقامة صلاة الفجر من بعض المساجد مع طلوع الفجر الصادق، وهم يؤذنون قبلها بنحو نصف ساعة، وعلى ذلك فقد صلوا سنة الفجر قبل وقتها، وقد يستعجلون بأداء الفريضة أيضا قبل وقتها في شهر رمضان، كما سمعته من إذاعة دمشق وأنا أتسحر رمضان الماضي (1406) وفي ذلك تضييق على الناس بالتعجيل بالإمساك عن الطعام وتعريض لصلاة الفجر للبطلان، وما ذلك إلا بسبب اعتمادهم على التوقيت الفلكي وإعراضهم عن التوقيت الشرعي: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * " فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر "، وهذه ذكرى، (والذكرى تنفع المؤمنين) . 2032 - " كلوه، ومن أكل منكم فلا يقرب هذا المسجد، حتى يذهب ريحه منه ". أخرجه أبو داود (2 / 147) وابن خزيمة (1669) وابن حبان (318) عن بكر ابن سوادة أن أبا النجيب مولى عبد الله بن سعد حدثه أن أبا سعيد الخدري حدثه: " أنه ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الثوم والبصل، قيل: يا رسول الله! وأشد ذلك كله الثوم، أفتحرمه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فذكره. وهذا إسناد ضعيف، أبو النجيب لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يذكروا له راويا غير ¬

(¬1) البقرة: الآية: 187. اهـ.

2033

بكر هذا. لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث، فقوله " كلوه " ورد في " الصحيحين " عن جابر بلفظ الإفراد، وفي " الترمذي " وغيره عن أم أيوب بلفظ الجمع، وسيأتي هو والذي قبله برقم (2784) . وسائره له شاهد من حديث المغيرة بن شعبة بسند صحيح عنه، وهو مخرج في " إصلاح المساجد " رقم ( 71) . 2033 - " كل امرئ مهيأ لما خلق له ". أخرجه الحاكم (2 / 462) وأحمد (6 / 441) عن أبي الربيع سليمان بن عتبة عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن أبي إدريس عن أبي الدرداء: " قالوا: يا رسول الله! أرأيت ما نعمل أمر قد فرغ منه، أم أمر نستأنفه؟ قال: بل أمر قد فرغ منه، قالوا: فكيف العمل يا رسول الله؟ قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما سبق بيانه في الحديث (514) وأما الحاكم فقال: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: بل قال ابن معين في سليمان ابن عتبة: لا شيء ". قلت: وفي هذا التعقب إجحاف لأن ابن عتبة مختلف فيه كما ذكرنا هناك والذهبي نفسه لما أورده في " الميزان " قال: " وثقه دحيم، ووهاه ابن معين، وقال صالح جزرة: روى مناكير، وقد وثق ". قلت: الذين وثقوه أعرف به من غيره، فإنهم دمشقيون، مثل دحيم، ومنهم أبو مسهر بل إن أبا حاتم - على تشدده - قد قال فيه: " ليس به بأس، وهو محمود عند الدمشقيين ".

2034

فرجل قد قالوا فيه هذا التوثيق، ليس من الإنصاف صرف النظر عنه والاعتماد على قول من جرحه، ولاسيما وهو جرح مبهم. والحق أن الرجل وسط، حسن الحديث. والله أعلم. 2034 - " كل أهل النار يرى مقعده من الجنة، فيقول: لو أن الله هداني، فيكون عليهم حسرة، وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار، فيقول: لولا أن الله هداني، فيكون له شكرا، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: * (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) * (¬1) ". أخرجه الحاكم (2 / 435 - 436) وأحمد (2 / 512) والخطيب (5 / 24) عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم. " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي. قلت: أبو بكر بن عياش فيه كلام من قبل حفظه، فهو حسن الحديث. وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه، وكتابه صحيح ". 2035 - " كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ". رواه ابن مخلد في " المنتقى من أحاديثه " (76 / 1) والأصبهاني في " الترغيب " (ق 171 / 2) عن سلام بن سليمان حدثنا قيس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعا. ¬

(¬1) الزمر: الآية: 56. اهـ.

وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل: الأولى: الحارث، وهو ابن عبد الله الأعور، قال الحافظ: " كذبه الشعبي في رأيه ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف ". قلت: لكن كذبه ابن المديني مطلقا. الثانية: أبو إسحاق السبيعي، ثقة ولكنه على اختلاطه مدلس، وقد عنعنه بل ذكروا في ترجمته أنه لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث والباقي كتاب. الثالثة والرابعة: قيس - وهو ابن الربيع - وسلام بن سليمان - وهو المدائني الضرير - ضعيفان. لكن يبدو أن له طريقا أخرى، فقد أورده السخاوي في " القول البديع " (ص 223 - بيروت) من رواية البيهقي في " الشعب " وأبي القاسم التيمي وغيرهما عن الحارث الأعور عن علي مرفوعا نحوه. وقال: " الأعور قد ضعفه الجمهور، وروي عن أحمد بن صالح توثيقه ". قلت: فلم يعله بغير الأعور، لكن ذكر له متابعا فقال: " وأخرجه الطبراني في " الأوسط " والبيهقي في " الشعب " من رواية الحارث وعاصم بن ضمرة عن علي. ورواه الطبراني أيضا والهروي في " ذم الكلام " له، وأبو الشيخ والديلمي من طريقه، والبيهقي أيضا في " الشعب " كلهم موقوفا باختصار: " كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم ". والموقوف أشبه ". وقال الهيثمي في هذا الموقف (10 / 160) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ". قلت: وهو في حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي كما قال السخاوي

(ص 223) ، وحكاه عن أئمة الحديث والأصول. وقد وجدت له شاهدا بلفظ: " الدعاء محجوب حتى يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن حبان في ترجمة " إبراهيم بن إسحاق الواسطي " من " الضعفاء " له يسنده عن ثور بن يزيد عن خالد ابن معدان عن معاذ بن جبل مرفوعا. وقال فيه: " يروي عن ثور ما لا يتابع عليه وعن غيره من الثقات المقلوبات، على قلة روايته لا يجوز الاحتجاج به ". وأورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 87) فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وله شاهد آخر، فقال ابن القيم في " في جلاء الأفهام " (ص 261) : " وقال أحمد بن علي بن شعيب (هو النسائي الإمام) : حدثنا محمد بن حفص حدثنا الجراح بن مليح (الأصل: يحيى) : حدثني عمر (الأصل: عمرو) بن عمرو قال: سمعت عبد الله بن بسر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدعاء كله محجوب حتى يكون أوله ثناء على الله عز وجل، وصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو فيستجاب لدعائه ". وعمر بن عمرو هذا هو الأحموسي له عن عبد الله بن بسر حديثان هذا أحدهما ". قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 127) : " شامي، أبو حفص، أدرك عبد الله بن بسر ... قال أبي: لا بأس به، صالح الحديث، هو من ثقات الحمصيين ". والجراح ابن مليح هو البهراني، شامي حمصي، روى عن جمع منهم الأحموسي هذا كما في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 524) ، وقال عن أبيه: " صالح الحديث ".

ومحمد بن حفص الظاهر أنه الوصابي الحمصي أبو عبيد روى عن محمد بن حمير وغيره ، قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 237) : " أدركته، وأردت قصده والسماع منه، فقال لي بعض أهل حمص: ليس بصدوق، ولم يدرك محمد بن حمير، فتركته ". وقال ابن منده: " ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: " يغرب ". والحديث رواه الديلمي في " مسند الفردوس " من حديث أنس كما في " القول البديع " (ص 222) ولم يتكلم على إسناده بشيء. وقد جزم المناوي بضعفه، فقال: " فيه محمد بن عبد العزيز الدينوري، قال الذهبي في " الضعفاء ": منكر الحديث ". وجزم بأن رواية الطبراني المتقدمة جيدة الإسناد. وخلاصة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى على أقل الأحوال. ثم وقفت على إسناده عند الطبراني في " الأوسط " (4 / 448 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، فإذا هو من طريق عامر بن يسار حدثنا عبد الكريم الجزري عن أبي إسحاق الهمداني عن الحارث وعاصم بن ضمرة عن علي موقوفا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات كما تقدم عن الهيثمي، لكن أبو إسحاق - وهو السبيعي - مدلس وكان اختلط إلا أن ذلك لا يضر في الشواهد. والله أعلم. ومن شواهده ما أخرجه الترمذي (1 / 97) عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن

2036

المسيب عن عمر قال: " إن الدعاء موقوف بين السماء والأرض، لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك صلى الله عليه وسلم ". وأبو قرة مجهول. 2036 - " كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي ". روي من حديث عبد الله بن عباس وعمر بن الخطاب والمسور بن مخرمة وعبد الله ابن عمر. 1 - أما حديث ابن عباس فيرويه موسى بن عبد العزيز العدني حدثني الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. أخرجه المخلص في " سبعة مجالس " (51 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 129 / 1) والخطيب في " التاريخ " (10 / 271) والهروي في " ذم الكلام " (108 / 2) والضياء في " المختارة ". قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، فإن الحكم بن أبان صدوق عابد له أوهام. وموسى العدني صدوق سيء الحفظ. 2 - وأما حديث عمر، فله عنه طرق: الأولى: يرويه إبراهيم بن مهران بن رستم المروزي: حدثنا الليث بن سعد القيسي - هو مولى بني رفاعة في سنة إحدى وسبعين ومائة بمصر - عن موسى بن علي بن رباح اللخمي عن أبيه عن عقبة بن عامر قال: " خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب ابنته من فاطمة، وأكثر تردده إليه، فقال: يا أبا الحسن! ما يحملني على كثرة ترددي إليك إلا حديث سمعته من رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) : فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سبب وصهر. فقام علي فأمر بابنته من فاطمة فزينت، ثم بعث بها إلى أمير المؤمنين عمر، فلما رآها قام إليها فأخذ بساقها، وقال: قولي لأبيك: قد رضيت قد رضيت قد رضيت، فلما جاءت الجارية إلى أبيها قال لها: ما قال لك أمير المؤمنين؟ قالت: دعاني وقبلني، فلما قمت أخذ بساقي، وقال قولي لأبيك قد رضيت، فأنكحها إياه، فولدت له زيد بن عمر بن الخطاب، فعاش حتى كان رجلا، ثم مات ". أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (73 / 257 / 1) وابن عدي (6 / 2) والخطيب في " التاريخ " (6 / 182) في ترجمة ابن رستم هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن عدي فقال فيه: " ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات ". قلت: وأنكر ما فيه ذكر التقبيل، وأما الكشف عن الساق، فقد ورد في غير هذه الطريق، وهي: الثانية: من طرق عن جعفر بن محمد عن أبيه (زاد بعضهم: عن علي بن الحسين) : " أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي رضي الله عنه أم كلثوم، فقال: أنكحنيها، فقال: إني أرصدها لابن أخي عبد الله بن جعفر، فقال عمر: أنكحنيها، فوالله ما من الناس أحد يرصد من أمرها ما أرصده، فأنكحه علي، فأتى عمر المهاجرين فقال: ألا تهنوني؟ فقالوا: بمن يا أمير المؤمنين؟ فقال: أم كلثوم بنت علي وابنة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره ". أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " (520 - 521) وابن سعد في " الطبقات " (8 / 463) والثقفي في " الفوائد " (رقم 40 منسوختي) والحاكم (3 / 142) والزيادة له، وكذا البيهقي (7 / 63 - 64) ، وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت منقطع ". يعني بين علي بن الحسين وعمر. فهو بين الانقطاع أكثر بين محمد - وهو ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - وعمر. وراجع ما تقدم نقله عن الحافظ تحت فقه الحديث المتقدم (99) . وأخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (6 / 330 - 331 ) من طريقين آخرين عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين الباقر قال: قال عمر ... فذكره نحوه. وفي رواية له من طريق الزبير بن بكار معضلا بدون إسناد: " فقال له علي: أنا أبعثها إليك، فإن رضيت فقد زوجتكها، فبعثها إليه ببرد، وقال لها: قولي له: هذا البرد الذي قلت لك، فقالت ذلك لعمر، فقال لها: قولي له ، قد رضيته رضي الله عنك، ووضع يده على ساقها، فكشفها، فقالت له: أتفعل هذا؟ ! لولا أنك أمير المؤمنين لكسرت أنفك! ثم خرجت حتى جاءت أباها، فأخبرته الخبر، وقالت: بعثتني إلى شيخ سوء! فقال: مهلا يا بنية، فإنه زوجك، فجاء عمر إلى مجلس المهاجرين ... " الحديث. الثالثة: قال الطبراني في " الكبير " (1 / 124 / 1) : حدثنا محمد بن عبد الله أخبرنا الحسن بن سهل الحناط أخبرنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: فذكره مرفوعا. ومن طريق الطبراني أخرجه الضياء في " المختارة " (رقم 95، 96 - بتحقيقي) . قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات حفاظ غير الحناط هذا، فقد ذكره السمعاني في هذه النسبة (الحناط) إلى بيع الحنطة، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ويحتمل عندي أنه الحسن بن سهل الجعفري كما في " الجرح " (1 / 2 / 17) أو الجعفي كما في " ثقات ابن حبان " على ما في هامشه، فقد ذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه أبو زرعة. وقد

علم أنه لا يروي إلا عن ثقة. وقد وثقه الهيثمي في " المجمع " (9 / 173) . والله أعلم. ثم رأيت في " ثقات ابن حبان " (8 / 181) : " الحسن ابن سهل الخياط (كذا) ، يروي عن أبي أسامة والكوفيين. روى عنه الحضرمي ". قلت: فهو هذا، فإن الحضرمي هو محمد بن عبد الله شيخ الطبراني في الحديث، و ( الخياط) تصحيف، والصواب: (الحناط) كما حققته في " تيسير الانتفاع " يسر الله لي إتمامه بكرمه ومنه. الرابعة: عن يونس بن أبي يعفور عن أبيه سمعت عبد الله بن عمر يقول: سمعت عمر ابن الخطاب يقول: فذكره مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 124 / 1 ) وأبو علي الصواف في " الفوائد " (3 / 165 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 199 - 200) . قلت: وهذا إسناد حسن أيضا في الشواهد، يونس هذا من رجال مسلم، لكن ضعفه جماعة من الأئمة، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، يخطىء كثيرا ". وقد توبع ممن لا يفرح بمتابعته، فقال محمد بن عكاشة عن سيف بن محمد بن أخت سفيان عن سفيان الثوري عن خالد بن سعد بن عبيد عن نافع عن ابن عمر به. أخرجه تمام في " الفوائد " (247 / 2) . قلت: وهذا إسناد موضوع، آفته سيف هذا، قال الحافظ: " كذبوه ". ومحمد بن عكاشة إن كان العكاشي الكرماني، فهو كذاب وضاع. وإن كان محمد بن عكاشة الكوفي، فهو ضعيف. وهذا مشكل، فقد جاء في ترجمة الأول أنهم نسبوه كوفيا، فيحتمل أنهما واحد،

لكن فرق بينهما الدارقطني، فقال في الأول: " يضع الحديث ". وفي الآخر: " ضعيف ". وعليه جرى الذهبي والعسقلاني، ففرقا بينهما. فالله أعلم. الخامسة: قال الطبراني أيضا وعنه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 34) : حدثنا جعفر بن محمد بن سليمان النوفلي المديني أخبرنا إبراهيم بن حمزة الزبيري أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: " دعا عمر بن الخطاب رضي الله عنه علي بن أبي طالب فساره، ثم قام علي في الصفة فوجد العباس وعقيلا والحسين، فشاورهم في تزويج أم كلثوم عمر، فغضب عقيل وقال: يا علي ! ما تزيدك الأيام والشهور والسنون إلا العمى في أمرك، والله لئن فعلت ليكونن وليكونن - لأشياء عدها - ومضى يجر ثوبه، فقال علي للعباس: والله ما ذاك منه نصيحة، ولكن درة عمر أخرجته إلى ما ترى، أما والله ما ذاك رغبة فيك يا عقيل، ولكن قد أخبرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... " فذكر الحديث. وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح " غير النوفلي شيخ الطبراني فلم أجد له ترجمة. وأخرج المرفوع منه ابن شاهين في " الأفراد " (2 / 1) عن سلمة بن شبيب أخبرنا الحسين بن محمد بن أعين أخبرنا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه به. وقال: " تفرد بهذا الحديث سلمة بن شبيب، لا أعلم به غيره ". قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم، لكن شيخه الحسين بن محمد بن أعين لم

أعرفه. السادسة: عن أحمد بن سنان بن أسد (بن) حبان القطان: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد حدثني ابن أبي رافع أن عمر بن الخطاب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه الحافظ السلفي في " معجم السفر " (ق 192 / 2) . قلت: هذا إسناد رجاله ثقات حفاظ غير ابن أبي رافع واسمه عبد الرحمن، فإنه لم يرو عنه غير حماد هذا، وهو ابن سلمة، وقال ابن معين: " صالح ". وقال الحافظ: " مقبول من الرابعة ". فهو تابعي لم يدرك عمر بن الخطاب. السابعة " عن حسن بن حسن عن أبيه أن عمر بن الخطاب به نحوه. أخرجه البيهقي بسند ضعيف منقطع. الثامنة: رواه أبو موسى المديني في " اللطائف من دقائق المعارف " (2 / 1) من طريق الدارقطني بسنده عن العلاء بن عمرو الحنفي حدثنا النضر بن منصور حدثنا عقبة بن علقمة اليشكري قال: سمعت علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: أخبرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه مر بعثمان رضي الله عنه وهو كئيب حزين حين أصيب بزوجته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " لم يروه بهذا الإسناد غير النضر ". قلت: ومن طريقه رواه ابن عساكر (11 / 83 / 1) ، وهو ضعيف. لكن الراوي عنه العلاء بن عمرو الحنفي كذاب.

التاسعة: عن المستظل بن حصين أن عمر بن الخطاب خطب إلى علي ابنته، فاعتل عليه بصغرها فقال: إني أعددتها لابن أخي جعفر، قال عمر: إني والله ما أردت بها الباءة، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " رقم (266 - بتحقيقي) من طريق شريك عن شبيب بن أبي غرقدة عن المستظل به. وشريك سيء الحفظ، وهو صدوق يستشهد به. 3 - وأما حديث المسور بن مخرمة فرواه أحمد (4 / 323) والطبراني والبيهقي من طريق أم بكر بنت المسور بن مخرمة عن عبيد الله بن أبي رافع عنه مرفوعا. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 203) : " وفيه أم بكر بنت المسور، ولم يجرحها أحد ولم يوثقها وبقية رجاله وثقوا ". 4 - وأما حديث ابن عمر، فهو بلفظ: " كل نسب وصهر منقطع يوم القيامة إلا نسبي وصهري ". أخرجه ابن عساكر (19 / 60 / 2) عن سليمان بن عمر بن الأقطع: أخبرنا إبراهيم بن عبد السلام عن إبراهيم بن يزيد عن محمد بن عباد بن جعفر قال : سمعت ابن عمر يقول: مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، وفيه علل: الأولى: إبراهيم بن يزيد - وهو الخوزي المكي - متروك. الثانية: إبراهيم بن عبد السلام - وهو المخزومي المكي - ضعيف. الثالثة: سليمان بن عمر الأقطع كتب عنه أبو حاتم، ولم يذكر فيه ابنه (2 / 1 / 131) جرحا ولا تعديلا فهو مجهول الحال. وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح. والله أعلم.

2037

2037 - " كل شيء جاوز الكعبين من الإزار في النار ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 138 / 2) عن اليمان بن المغيرة عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل اليمان هذا، قال الحافظ: " ضعيف ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 124) : " اليمان ضعيف عند الجمهور، وقال ابن عدي: لا بأس به ". قلت: والحديث صحيح، لن له شواهد كثيرة: 1 - عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: " ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ". أخرجه البخاري (4 / 73) والنسائي (2 / 299) وأحمد (2 / 255، 287، 410، 461، 498، 504) من طرق عنه. 2 - عن حذيفة بن اليمان مرفوعا نحوه. أخرجه النسائي وابن ماجة (3572) بسند رجاله ثقات. 3 - عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: " ما تحت الكعبين من الإزار في النار ". أخرجه أحمد (6 / 59، 254، 257) عن محمد بن إسحاق سمعت أبا نبيه يقول: سمعت عائشة تقول: فذكره. قلت: وهذا سند حسن في الشواهد، رجاله ثقات معروفون غير أبي نبيه هذا وثقه

2038

ابن حبان (5 / 571) . 4 - عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد وغيره وهو مخرج في " المشكاة " (4331) . وفي الباب عن غير هؤلاء الأصحاب فراجع " مجمع الزوائد " (5 / 122 - 126) . 2038 - " كل مال النبي صلى الله عليه وسلم صدقة إلا ما أطعمه أهله وكساهم، إنا لا نورث ". أخرجه أبو داود (2975) والترمذي في " الشمائل " (رقم - 383) من طريق أبي البختري قال: " سمعت حديثا من رجل فأعجبني، فقلت: اكتبه لي، فأتى به مكتوبا مذبرا: دخل العباس وعلي على عمر، وعنده طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد، وهما يختصمان، فقال عمر لطلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد: ألم تعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) قالوا: بلى، قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق من ماله على أهله، ويتصدق بفضله، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوليها أبو بكر سنتين، فكان يصنع الذي كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ذكر شيئا من حديث مالك بن أوس ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير الرجل الذي لم يسم والظاهر أنه صحابي أو تابعي كبير، فمثله حديثه مقبول، ولاسيما إذا كان في الشواهد، ومن شواهده حديث عائشة مرفوعا: " لا نورث، ما تركنا فهو صدقة، وإنما هذا المال لآل محمد، لنائبتهم ولضيفهم، فإذا مت فهو إلى ولي الأمر من بعدي ". أخرجه أبو داود (2977) بإسناد حسن عنها. وأصله في " الصحيحين " وغيرهما دون الشطر الثاني منه.

2039

وأخرجاه عن أبي بكر الصديق مرفوعا بلفظ: " لا نورث ما تركنا صدقة، وإنما يأكل آل محمد في هذا المال ". وهو رواية لأبي داود (2969) ، وزاد: " يعني مال الله، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ". 2039 - " كل مخمر خمر، وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: وما طينة الخبال؟ قال: صديد أهل النار، ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه، كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال ". أخرجه أبو داود (3680) ، ومن طريقه البيهقي (8 / 288) عن إبراهيم بن عمر الصنعاني قال: سمعت النعمان يقول: عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، والنعمان هذا هو ابن أبي شيبة عبيد الصنعاني، وهو ثقة بلا خلاف. ومثله إبراهيم بن عمر الصنعاني. (تنبيه) : زاد محقق سنن أبي داود الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد بعد قوله : " النعمان " زيادة (بن بشير) ، وهي خطأ منه، ذهب وهله إلى أنه الصحابي المعروف " النعمان بن بشير "! وإنما هو ابن أبي شيبه كما ذكرنا وهو تابع تابعي. وكذلك وهل بعضهم فكتب على اسم إبراهيم بن عمر الصنعاني من النسخة التي نقلت عنها من " سنن أبي داود " نسخة المكتبة الظاهرية كتب عليه: " مجهول "، وهو خطأ، سببه أنه ظن أنه الذي روى عنه الترمذي إبراهيم بن عمر الصنعاني ، وهذا آخر متأخر عن الأول، وهو مستور كما في " التقريب "، فاقضي التنبيه بدون تشهير!

2040

2040 - " كل معروف صنعته إلى غني أو فقير فهو صدقة ". جاء من طريقين: الأول: عن ابن مسعود أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 62 / 1) والخرائطي (ص 13) وابن عدي (201 / 2) و " الحلية " (3 / 49) عن صدقة بن موسى ومحمد بن المظفر في " غرائب شعبة " (1 / 2) و " الحلية " أيضا (7 / 194) عن شعبة، كلاهما عن فرقد السبخي عن إبراهيم عن علقمة عنه مرفوعا. وقال ابن عدي: " لا أعلم يرويه عن فرقد غير صدقة بن موسى ". قلت: وهو صدوق له أوهام، لكنه قد تابعه شعبة كما رأيت، وقد استغربه أبو نعيم من طريقه عنه. لكن فرقد لين الحديث كثير الخطأ كما في " التقريب ". الثاني: عن جابر، رواه ابن عساكر (8 / 228 / 1 - 2) عن أبي داود سليمان ابن سيف قال: كنت مع أبي عاصم النبيل وهو يمشي وعليه طيلسان فسقط عنه طيلسانه فسويته عليه، فالتفت إلي وقال: كل معروف صدقة، فقلت: من ذكره رحمك الله؟ قال: أنبأنا ابن جريج عن عطاء عن جابر مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، إلا أنني لا أدري ما حال من دون سليمان؟ و" تاريخ ابن عساكر " مقفل عليه الآن ولا يمكن الوصول إليه مع الأسف، لكن الظن أنه ليس فيه شديد الضعف يمنع من الاستشهاد به، ولاسيما والشطر الأول من الحديث يشهد بعمومه لسائره. وهو صحيح له شواهد عديدة بعضها في " الصحيحين "، وهي مخرجة في " الروض النضير " (231) .

2041

2041 - " كل نفس من بني آدم سيد، فالرجل سيد أهله، والمرأة سيدة بيتها ". أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (382) وأبو بكر المقرىء الأصبهاني في " الفوائد " (13 / 190 / 1) عن أحمد بن عمرو بن السرح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن أبي يونس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وأبو يونس اسمه سليم بن جبير. 2042 - " كل يمين يحلف بها دون الله شرك ". أخرجه البغوي في " الجعديات " (2332) والحاكم في " المستدرك " (1 / 18) عن شريك بن عبد الله عن الحسن بن عبيد الله عن سعد بن عبيدة عن ابن عمر، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي. قلت: وشريك فيه ضعف من قبل حفظه، وإنما أخرج له مسلم متابعة، والحسن بن عبيد الله - وهو النخعي - ثقة، لكن البغوي جعل مكانه جابرا الجعفي، لكنه ثابت عن الحسن النخعي، فقال الإمام أحمد (2 / 125) : حدثنا سليمان بن حيان عن الحسن بن عبيد الله به مرفوعا بلفظ: " من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك " . ومن هذا الوجه أخرجه الترمذي (1 / 290) ، وقال:

" حديث حسن ". وأقول: بل هو صحيح، فقد تابعه جرير عن الحسن بن عبيد الله به باللفظ الثاني ، إلا أنه قال: " كفر " ولم يشك. أخرجه الحاكم، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو على شرط مسلم، فإن الحسن هذا - وهو النخعي - لم يخرج له البخاري. ولكنه قد توبع كما يأتي. وتابعه عبد الرحيم بن سليمان عن الحسن به . أخرجه ابن حبان (1177) ، وفيه: " أن رجلا حلف بالكعبة، فقال ابن عمر: ويحك لا تفعل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من حلف بغير الله فقد أشرك ". ثم أخرجه أحمد (2 / 34، 69، 86) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 357 - 359) والبغوي (925) من طرق أخرى عن سعد بن عبيدة به وفي لفظ لأحمد: " من حلف بشيء دون الله تعالى فقد أشرك ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين وله في " المسند " طريق أخرى عن ابن عمر، فانظر " الإرواء " ( 2627) . (فائدة) : قال أبو جعفر الطحاوي: " لم يرد به الشرك الذي يخرج من الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجا عن الإسلام، ولكنه أراد أنه لا ينبغي أن يحلف بغير الله تعالى لأن من حلف بغير الله

2043

تعالى، فقد جعل ما حلف به محلوفا به كما جعل الله تعالى محلوفا به، وبذلك جعل من حلف به أو ما حلف به شريكا فيما يحلف به وذلك أعظم، فجعله مشركا بذلك شركا غير الشرك الذي يكون به كافرا بالله تعالى خارجا عن الإسلام ". يعني - والله أعلم - أنه شرك لفظي، وليس شركا اعتقاديا، والأول تحريمه من باب سد الذرائع، والآخر محرم لذاته. وهو كلام وجيه متين، ولكن ينبغي أن يستثني منه من يحلف بولي لأن الحالف يخشى إذا حنث في حلفه به أن يصاب بمصيبة، ولا يخشى مثل ذلك إذا حلف بالله كاذبا، فإن بعض الجهلة الذين لم يعرفوا حقيقة التوحيد بعد إذا أنكر حقا لرجل عليه وطلب أن يحلف بالله فعل، وهو يعلم أنه كاذب في يمينه، فإذا طلب منه أن يحلف بالولي الفلاني امتنع واعترف بالذي عليه، وصدق الله العظيم: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (¬1) . 2043 - " كلكم يدخل الجنة إلا من شرد على الله شراد البعير على أهله ". أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 247) وأحمد (5 / 258) من طريق سعيد بن أبي هلال عن علي بن خالد قال: " مر أبو أمامة الباهلي على خالد بن يزيد بن معاوية، فسأله عن ألين كلمة سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره ". ذكره الحاكم شاهدا لحديث أبي هريرة الآتي، وسكت عليه الذهبي، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 71) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير علي بن خالد، وهو ثقة ". قلت: لكن سعيد بن أبي هلال كان اختلط. ¬

(¬1) يوسف: الآية: 106. اهـ.

2044

لكن الحديث صحيح، فإن له غير شاهد واحد كما يأتي: ثم عزاه الهيثمي للطبراني في " الأوسط، وقال: " ورواه في " الكبير " موقوفا على أبي أمامة، قال: لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا دخل الجنة، إلا من شرد على الله كشراد البعير السوء على أهله، فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: * (لا يصلاها إلا الأشقى. الذي كذب وتولى) * (¬1) ، كذب بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وتولى عنه وإسنادهما حسن ". ومن شواهد الحديث ما أخرجه ابن حبان (2306) عن قتيبة بن سعيد: حدثنا خليفة بن خياط عن العلاء بن المسيب عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشرود البعير، قالوا، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ فقال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ". 2044 - " والذي نفسي بيده، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشرود البعير، قالوا: ومن يأبى أن يدخل الجنة؟! فقال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ". قلت: إسناده صحيح على شرط البخاري. وقال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح ". ومن شواهده أيضا حديث أبي هريرة المشار إليه آنفا بلفظ: " لتدخلن الجنة إلا من أبي وشرد عن الله كشراد البعير ". أخرجه الحاكم من طريق إسماعيل بن أبي أويس: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن الأعرج عنه، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. ¬

(¬1) الليل: الآية: 15، 16. اهـ.

2045

وأقول: إسماعيل هو ابن عبد الله بن أبي أويس، وهو وإن كان من رجال الشيخين ففيه كلام كثير، فبحسبه أن يكون حديثه حسنا، وأما الصحة فلا. وقد قال الحافظ فيه: " صدوق أخطأ في أحاديث ". نعم، حديثه هذا صحيح بما تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2045 - " كلمات الفرج: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " الفرح بعد الشدة " (ص 13 و 14) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 88) عن يزيد بن هارون عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي العالية عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه أحمد (1 / 339) من هذا الوجه من فعله صلى الله عليه وسلم بلفظ: " كان يقول عند الكرب ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طرق عن ابن أبي عروبة وغيره به مثل رواية أحمد. وكذلك أخرجه هو في " المسند " (1 / 228، 254، 339، 356) . وأخرجه مسلم (8 / 85) من طريق يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبي العالية بلفظ: " كان إذا حزبه أمر قال: ... " فذكر مثله، وزاد: " لا إله إلا الله رب العرش الكريم ". وهو رواية لأحمد أيضا (1 / 268، 280) وزاد في إحدى روايتيه:

2046

" ثم يدعو ". وسنده صحيح على شرط مسلم. وأخرج أحمد أيضا (1 / 206) عن حماد بن سلمة عن ابن أبي رافع عن عبد الله بن جعفر: " أنه زوج ابنته من الحجاج بن يوسف، فقال لها: إذا دخل بك فقولي: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، وزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أمر قال هذا. قال حماد: فظننت أنه قال: فلم يصل إليها ". وابن أبي رافع اسمه عبد الرحمن، لم يذكروا له راويا غير حماد، ومع ذلك قال ابن معين: " صالح ". وأما الحافظ فقال: " مقبول ". يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث ولم أجد متابعا على هذا السياق، فبقي حديثه على الضعف. 2046 - " كما لا يجتنى من الشوك العنب، كذلك لا ينزل الأبرار منازل الفجار، فاسلكوا أي طريق شئتم، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 31) من طريق إبراهيم بن يوسف حدثنا أحمد ابن أبي الحواري حدثنا مروان عن يزيد بن السمط عن الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

2047

قلت: وهذا إسناد مرسل ضعيف، يزيد بن مرثد تابعي ثقة. والوضين بن عطاء فيه ضعف، وبقية الرجال ثقات. ومروان هو ابن محمد الطاطري. وإبراهيم بن يوسف الظاهر أنه ابن ميمون الباهلي البلخي، وهو صدوق. وللحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ: كما لا يجتنى من الشوك العنب، لا نزل الفجار منازل الأبرار، وهما طريقان، فأيهما أخذتم أخذ بكم إليه ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 112) وابن عساكر في " التاريخ " (19 / 96 / 2) عن فرات بن سلمان أخبرنا أبو المهاجر الدمشقي عن أبي ذر الغفاري مرفوعا به. أورده ابن عساكر في ترجمة " أبي المهاجر " هذا، ولم يذكر فيها أكثر من هذا الحديث. ولعله الذي في " كنى تاريخ البخاري " (73 / 685) : " أبو المهاجر مولى بني كلاب، قلت لابن عباس: كما لا ينفع مع الإشراك شيء فهل يضر مع الإخلاص شيء؟ عنه عبد الواحد بن صفوان ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 565) برواية ابن صفوان هذا عنه. وسائر الرجال موثقون. فالحديث بمجموع الطرقين حسن، والله أعلم. 2047 - " كما يضاعف لنا الأجر، كذلك يضاعف علينا البلاء ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 314) : أخبرنا محمد بن عمر قال: فحدثني معمر ومالك عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:

" دخلت أم بشر بن البراء ابن معرور على رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مرضه الذي مات فيه وهو محموم فمسته، فقالت: ما وجدت مثل وعك عليك على أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره ". قلت: وهذا إسناد واه جدا، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عمر، وهو الواقدي، وهو متهم بالكذب. لكن للحديث شاهدان: الأول: عن أبي سعيد الخدري قال: " وضع رجل يده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنا معشر الأنبياء، يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الأجر، إن كان النبي من الأنبياء يبتلى بالقمل حتى يقتله، وإن كان النبي من الأنبياء ليبتلى بالفقر حتى يأخذ العباء فيجوبها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما تفرحون بالرخاء ". أخرجه أحمد (3 / 94) : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم عن رجل عنه. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات لولا الرجل الذي لم يسم. لكن قد سماه هشام بن سعد، فقال: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري به. أخرجه ابن ماجة (2 / 490) والأصبهاني في " الترغيب " (ق 60 / 2 ) ، وقال: " (يجوبها) : أي يقطعها ويجعل لها شبه الجيب ". وقال البوصيري في " الزوائد " (245 / 1) : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات ". قلت: وصححه الحاكم أيضا والذهبي كما تقدم برقم (144) وإنما هو حسن للكلام المعروف في هشام بن سعد. نعم هو صحيح بالشاهد الذي بعده، وآخر تقدم

2048

هناك (145) . الثاني: عن عبد الله بن مسعود قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه وهو يوعك وعكا شديدا، فقلت: إنك لتوعك وعكا شديدا، قلت: إن ذاك بأن لك أجرين، قال: أجل (ذلك كذلك) ما من مسلم يصيبه أذى (شوكة فما فوقها ) إلا حات الله عنه خطاياه كما تحات ورق الشجر ". أخرجه البخاري (10 / 91) ومسلم (8 / 14) والدارمي (2 / 316) وابن حبان (701) وأحمد (1 / 381، 441، 455) . 2048 - " كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث ليتسع ذو الطول على من لا طول له، فكلوا ما بدا لكم، وأطعموا وادخروا ". أخرجه مسلم (6 / 82) ولم يسق لفظه والترمذي (1 / 285) والبيهقي في " الشعب " (2 / 395 / 2) من طرق عن سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن سليمان ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 2049 - " يا أم هانئ! قد أجرنا من أجرت، وأمنا من أمنت ". أخرجه أحمد (6 / 341 و 343) من طريق أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي مرة مولى فاختة أم هانىء بنت أبي طالب عنها قالت: " لما كان يوم فتح مكة أجرت رجلين من أحمائي فأدخلتهما بيتا، وأغلقت عليهما بابا، فجاء ابن أمي علي بن أبي طالب، فتفلت عليهما بالسيف، قالت: فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أجده، ووجدت فاطمة، فكانت أشد علي من زوجها. قالت: فجاء النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر الغبار، فأخبرته، فقال: فذكره ".

2050

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طريق أخرى عن أبي مرة واسمه يزيد دون قوله: " وأمنا من أمنت "، وهو مخرج في كتاب " إرواء الغليل / باب صلاة التطوع " (رقم 464) . وله طريق أخرى يرويه عياض بن عبد الله عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال: حدثتني أم هانىء بنت أبي طالب ... الحديث مختصرا، وفيه الزيادة. أخرجه أبو داود (2763) والحاكم (4 / 54) دون الزيادة. قلت: وإسناده جيد في المتابعات، فرجاله رجال مسلم إلا أن عياضا هذا - وهو الفهري المصري - فيه لين. 2050 - " قوائم منبري رواتب في الجنة ". ورد من حديث أم سلمة وأبي واقد. 1 - أما حديث أم سلمة فيرويه عمار الدهني عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة مرفوعا به. أخرجه النسائي (1 / 113) وابن حبان (1034) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 253) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 248) وأحمد (6 / 289 و292 و 318) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. 2 - وأما حديث أبي واقد فيرويه أبو يحيى الحماني حدثنا عبد الرحمن بن آمين عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا واقد الليثي يقول: فذكره مرفوعا. أخرجه الحاكم ( 3 / 532) ، وسكت عليه هو والذهبي. قلت: وسنده ضعيف لضعف عبد الرحمن بن آمين وأبي يحيى الحماني، واسمه عبد الحميد بن عبد الرحمن.

2051

2051 - " الكبائر: الشرك بالله والإياس من روح الله والقنوط من رحمة الله ". رواه البزار في " مسنده " (ص 18 - زوائده) : حدثنا عبد الله بن إسحاق العطار حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس: " أن رجلا قال: يا رسول الله! ما الكبائر؟ قال: الشرك ... ". قلت: وهذا إسناد حسن لولا أنني لم أعرف العطار هذا، ولكن لعل غيري من المتقدمين قد عرفه، أو وجد له متابعا، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 104) : " رواه البزار والطبراني، ورجال موثقون ". وقال المناوي: " رمز المصنف لحسنه، قال الزين العراقي في " شرح الترمذي ": إسناده حسن ". قلت: ولم نعثر عليه في " معجم الطبراني الكبير " من هذا الوجه، وبهذا اللفظ مرفوعا، وإنما رواه موقوفا على ابن عباس في حديث طويل له فقال (3 / 187 / 1) : حدثنا بكر بن سهل أخبرنا عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به نحوه . وهذا سند ضعيف. وله شاهد موقوف يرويه معمر عن أبي إسحاق عن وبرة عن عامر أبي الطفيل عن ابن مسعود به. وتابعه مسعر عن وبرة به. وهذا إسناد صحيح كما قال الهيثمي. وتابعه عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله به. قلت: وهذا إسناد حسن. أخرجها كلها الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 13 / 1) .

2052

ثم تبين لي ما رجوته في عبد الله بن إسحاق العطار، فهو عبد الله بن إسحاق الجوهري البصري، فقد ذكره المزي في الرواة عن الضحاك بن مخلد أبي عاصم النبيل وكذلك ابن حبان في " الثقات " (8 / 363) وقال: " مستقيم الحديث ". فثبت أن السند حسن والله أعلم. 2052 - " ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب، وما اطلع منه على شيء عند أحد من أصحابه، فيبخل له من نفسه حتى يعلم أن (قد) أحدث توبة! ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " قال: أخبرنا خالد بن خداش أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: فذكره. وتابعه روح بن القاسم عن إبراهيم بن ميسرة به. أخرجه ابن أبي الدنيا في " مكارم الأخلاق " (ص 30) . وقال أحمد (6 / 152) : حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة أو غيره عن عائشة قالت: فذكره بنحوه. قلت: والإسناد الأول رجاله ثقات على ضعف خالد بن خداش لكنه قد توبع كما رأيت لكنه منقطع، فإن إبراهيم بن ميسرة لم يذكروا له رؤية عن غير أنس من الصحابة، وقال البخاري: " مرسل "، كما يأتي. وقد وصله نصر بن طريف الباهلي، عن إبراهيم بن ميسرة عن عبيد بن سعد عن عائشة. أخرجه ابن أبي الدنيا (ص 32) لكن ابن طريف متهم.

والإسناد الثاني صحيح لولا تردد معمر أو غيره بين ابن أبي مليكة وغيره، فإن كان عن ابن أبي مليكة - واسمه عبد الله بن عبيد الله - فهو صحيح، وإن كان عن غيره، فهو مجهول. والحديث عزاه السيوطي في " الجامع " للبيهقي في " شعب الإيمان " عن عائشة مرفوعا مختصرا بلفظ: " كان أبغض الخلق إليه الكذب ". فتعقبه المناوي بقوله: " رمز المصنف لحسنه، قضية صنيع المصنف أن البيهقي خرجه وسكت عليه، وهو باطل، فإنه خرجه من حديث إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة وعن محمد بن أبي بكر عن أيوب عن إبراهيم بن ميسرة عن عائشة. ثم عقبه بما نصه: قال البخاري : هو مرسل يعني بين إبراهيم بن ميسرة وعائشة، ولا يصح حديث ابن أبي مليكة. قال البخاري: ما أعجب حديث معمر عن غير الزهري، فإنه لا يكاد يوجد فيه حديث صحيح. اهـ. فأفاد بذلك أن فيه ضعفا أو انقطاعا، فاقتطاع المصنف لذلك من كلامه وحذفه من سوء التصرف، وإسحاق الدبري يستبعد لقيه لعبد الرزاق كما أشار إليه ابن عدي، وأورده الذهبي في (الضعفاء) ". انتهى كلام المناوي. قلت: لكن قد تابعه أحمد كما سبق، وتابعه أيضا يحيى بن موسى حدثنا عبد الرزاق به مثل رواية الدبري عن ابن أبي مليكة عنها، دون التردد. أخرجه الترمذي (1 / 357) وقال: " حديث حسن ". كذا قال! ويحيى بن موسى - وهو البلخي - ثقة من شيوخ البخاري، ومن فوقه

2053

ثقات من رجال الشيخين، فحقه أن يصححه، ولعله لم يفعل لما سبق من إعلال البخاري إياه، ولا يظهر لي أنه إعلال قوي، والله أعلم. وكأنه لذلك قال ابن القيم في " إعلام الموقعين ": " حديث حسن ". ولبعضه طريق أخرى عن عائشة بلفظ: " كان إذا اطلع على أحد من أهل بيته كذب كذبة، لم يزل معرضا عنه حتى يحدث لله التوبة ". رواه العقيلي في مقدمة كتابه " الضعفاء " (ص 2) ، وعنه ابن عبد البر في " التمهيد " (1 / 69) : حدثنا أحمد بن زكير حدثنا أحمد بن عبد المؤمن حدثنا يحيى بن قعنب قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. ثم رواه (ص 467) : حدثنا الحسن بن {حبيب} حدثنا أحمد بن عبد المؤمن به. أورده في ترجمة يحيى بن مسلمة بن قعنب، وقال: " لا يتابع على حديثه، وقد حدث بمناكير ". وعزاه في " الجامع " لأحمد والحاكم عن عائشة ولم أره عندهما الآن، وذكر المناوي أنه عند الحاكم من طريق ابن قعنب هذا. 2053 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، كأنما صيغ من فضة، رجل الشعر ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 29) والبيهقي في " الدلائل " (1 / 179) عن صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به.

قلت: وهذا سند ضعيف، صالح بن أبي الأخضر قال الحافظ: " ضعيف يعتبر به ". قلت: وقد جاء الحديث مفرقا عن جمع من الصحابة: الأول: أنس بن مالك قال: " كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا، ليس بالسبط ولا بالجعد بين أذنيه وعاتقه ". أخرجه البخاري (4 / 97) ومسلم (7 / 83) وأحمد (3 / 135 و 203) عن قتادة عنه. وتابعه ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال: سمعت أنس بن مالك يصف النبي صلى الله عليه وسلم: " كان ربعة من القوم، ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمهق ولا آدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل (الشعر ) ... " الحديث. أخرجه البخاري (2 / 391 - 392) ومسلم (7 / 87) والترمذي في " الشمائل " (ص 8 - 10) والبيهقي في " دلائل النبوة " (3 / 154 - 155) وأحمد (3 / 240) والزيادة له. (أمهق) : أي شديد البياض، فهو صلى الله عليه وسلم أبيض ولكن ليس شديد البياض. الثاني: علي رضي الله عنه قال: " لم يكن بالطويل الممغط ولا بالقصير المتردد وكان ربعة من القوم ... كان جعدا رجلا ... أبيض مشرب ... " الحديث. أخرجه الترمذي (2 / 286 - 287) وفي " الشمائل " (ص 17 - 19) وابن سعد (1 / 411 ) وقال الترمذي: " حديث حسن غريب "، ليس إسناده بمتصل ". قلت: له عند ابن سعد طرق في بعضها:

" كان أبيض اللون مشربا حمرة ... سبط الشعر ... كأن عنقه إبريق فضة ... ". ورواه ابن حبان (2117) من طريق ثالثة عنه بلفظ: " كان عظيم الهامة، أبيض مشربا حمرة، عظيم اللحية ... ". وأخرجه أحمد أيضا (1 / 96 و 116 و 127 و 134) والبيهقي (1 / 158) بعضه وفي رواية لأحمد (1 / 116 - 117) : " عظيم الرأس رجله ". وزاد عبد الله ابن أحمد (1 / 151) وابن سعد (1 / 411) في طريق رابعة عن علي: " أغر أبلج أهدب الأشفار ". روياه من طريق يوسف بن مازن أن رجلا سأل عليا ... وفي رواية لعبد الله: " عن رجل عن علي ... ". وهذا الرجل لا يبعد أن يكون محمد بن الحنفية، فقد رواه عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب به دون قوله: " أغر أبلج ". أخرجه ابن سعد (1 / 410) والبيهقي (1 / 161) . قلت: وإسناده حسن. ويحتمل أن يكون هو عمر بن علي بن أبي طالب، فقد أخرجه ( 1 / 462) من طريق عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده قال: قيل لعلي: يا أبا حسن! انعت لنا النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فذكره. دون قوله: " أغر أبلج " أيضا.

وإسناده صحيح. ورواه البيهقي أيضا، وزاد: " أسود الحدقة ". وجملة " أهدب الأشفار " ثبتت من حديث أبي هريرة من طرق عنه عند ابن سعد (1 / 414 - 415) ، ورواه من حديث أبي أمامة أيضا. وهي في الطريق الأولى أيضا من حديث علي عند ابن سعد و " شمائل الترمذي ". الثاني: أبو الطفيل قال: " كان أبيض مليحا مقصدا ". أخرجه مسلم (7 / 84) والترمذي في " الشمائل " (ص 31) وابن سعد (1 / 418) والبيهقي في " الدلائل " (1 / 156) . (مقصدا) : أي ليس بطويل ولا قصير ولا جسيم ولا نحيل. الرابع: هند بن أبي هالة قال: " كان فخما مفخما ... عظيم الهامة، رجل الشعر، ... أزهر اللون ... كأن عنقه جيد دمية ... " الحديث بطوله. أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 21 - 27) وابن سعد (1 / 422 - 423) وابن عدي في " الكامل " (59 / 2) عن جميع بن عمير بن عبد الرحمن العجلي قال: حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة زوج خديجة يكنى أبا عبد الله عن الحسن بن علي عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: جهالة أبي عبد الله التميمي، قال الحافظ وغيره: " مجهول ". الثانية: ضعف جميع بن عمير هذا، واتهمه بعضهم.

2054

الخامس: البراء بن عازب قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مربوعا ... " الحديث. أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 13) وأبو يعلى (2 / 478) . 2054 - " كان أحب الألوان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخضرة ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص / 171 - زوائده) من طريق سويد عن قتادة عن أنس به وقال: " لا نعلم أحدا رواه عن قتادة عن أنس إلا سويدا أبا حاتم " . قلت: وهو صدوق سيء الحفظ، له أغلاط. وقد توبع فقال ابن جريج: أخبرني أبو بكر الهذلي عن قتادة قال: " خرجنا مع أنس إلى أرض يقال لها الزاوية، فقال حنظلة السدوسي: ما أحسن هذه الخضرة! فقال أنس: كنا نتحدث أن أحب الألوان إلى النبي صلى الله عليه وسلم الخضرة ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 248 / 1 ) . قلت: وأبو بكر الهذلي متروك الحديث. لكن يبدو أنه قد توبع أيضا، فقد قال الهيثمي عقب الحديث (5 / 129) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط " ، ورجال الطبراني ثقات ". فهذا صريح بأن رجال الطبراني غير رجال البزار، وأن رجاله ثقات، ويبعد جدا أن يقول ذلك وفيهم الهذلي، فإذن هو عند الطبراني من غير طريق الهذلي وسويد أبي حاتم، فإذا كان كذلك فالحديث بهذه المتابعة حسن . والله أعلم. ثم تأكدت مما استبعدت، فقد رأيت الحديث في " المعجم الأوسط " للطبراني قد

2055

أخرجه فيه عن شيخيه (2 / 51 / 5861 و 2 / 207 / 8194 - بترقيمي) محمد بن عبد الله الحضرمي وموسى بن هارون كلاهما عن إبراهيم بن المنذر الحزامي : حدثنا معن بن عيسى حدثنا سعيد بن بشير عن قتادة به. وقال: " لم يروه عن قتادة إلا سعيد بن بشير، ولا عن سعيد إلا معن تفرد به إبراهيم بن المنذر ". قلت: وهو ثقة من شيوخ البخاري، وكذلك من فوقه ثقات من رجال الشيخين غير سعيد بن بشير، فهو مثل سويد في الضعف، قال الذهبي في " الكاشف ": " قال البخاري: يتكلمون في حفظه، وهو محتمل. وقال دحيم: ثقة، كان مشيختنا يوثقونه، كان قدريا ". قلت: فالحديث حسن كما تقدم. والله ولي التوفيق. 2055 - " كان أحب العرق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذراع الشاة ". أخرجه الطيالسي (288) وعنه أبو داود (3780 و 3781) وأحمد (1 / 397) عن زهير عن أبي إسحاق عن سعد بن عياض عن عبد الله قال: فذكره. وفي رواية لأبي داود: " كان يعجبه الزراع ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير سعد بن عياض لم يرو عنه غير أبي إسحاق، ولم يوثقه غير ابن حبان، فهو مجهول، وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في " الميزان ": " روى عنه أبو إسحاق السبيعي فقد ". وأبو إسحاق مدلس، وكان اختلط.

2056

لكن يشهد له حديث أبي هريرة قال: " وضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم، فتناول الذراع، وكانت أحب الشاة إليه ... " الحديث بطوله في الشفاعة. أخرجه البخاري (2 / 334) ومسلم (1 / 129) والسياق له وأحمد (2 / 435) . وحديث عائشة قالت: " كان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع ". ذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 23) من طريق عبد الرحمن بن عبد الملك الحزامي عن ابن أبي فديك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وقال: " قال أبو زرعة: هو حديث منكر ". قلت: لكن يشهد له ما قبله، وسنده حسن في الشواهد. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2056 - " كان أخف الناس صلاة على الناس، وأدومه على نفسه (وفي رواية: وأطول الناس صلاة لنفسه) ". أخرجه أحمد (5 / 219) وأبو يعلى (1 / 402) من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم حدثنا نافع بن سرجس: " أنه دخل على أبي واقد الليثي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه، فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن سرجس هذا، فقال أحمد:

2057

" لا أعلم إلا خيرا ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وهو في " الصحيحين " من حديث أنس بالشطر الأول نحوه وزاد: " في تمام ". 2057 - " كان إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة: ويأتيك بالأخبار من لم تزود ". أخرجه أحمد (6 / 31 و 146) بسند صحيح عن الشعبي عن عائشة قالت: فذكره. قلت: لكن الشعبي لم يسمع من عائشة كما قال الحاكم وغيره. إلا أنه يقويه أن له طريقا أخرى، يرويه شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه عنها قال: " قيل لها: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان يتمثل بشعر ابن رواحة، ويتمثل ويقول: ... " فذكره. أخرجه أحمد (6 / 138 و 156 و 222 ) والبخاري في " الأدب المفرد " (867) والترمذي في " الشمائل " (ص 146) و" السنن " (2 / 138) والبغوي في " الجعديات " (103 / 2) والطحاوي في " المشكل " (4 / 297) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". كذا قال، ولعله بالنظر إلى طريقيه وإلا فشريك - وهو ابن عبد الله القاضي - سيء الحفظ. نعم رواه سفيان بن وكيع حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن المقدام بن شريح. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 264) وقال:

2058

" غريب ولم أكتبه إلا من هذا الوجه " . قلت: وهذه متابعة قوية لشريك لكن في الطريق إليها سفيان بن وكيع وهو ضعيف . وللحديث طريق آخر يرويه الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عكرمة قال: " سئلت عائشة رضي الله عنها: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمثل شعرا قط؟ قالت: كان أحيانا إذا دخل بيته يقول: ... " فذكره. أخرجه ابن سعد (1 / 383 ) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 155) والضياء في " المختارة " (65 / 51 / 2) معلقا. قلت: والوليد بن أبي ثور ضعيف. وقد خالفه زائدة فقال: عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل من الأشعار: ويأتيك بالأخبار من لم تزود ". أخرجه البزار (ص 250 - زوائده) والطبراني في " الكبير " (3 / 134 / 2) والضياء من طريق الطبراني وغيره. قلت: وإسناده صحيح. قوله: (استراث) أي: استبطا، وهو استفعل من الريث. 2058 - " كان إذا اشتدت الريح يقول: اللهم لقحا لا عقيما ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (718) والطبراني في " الكبير " (7 / 37 ) و " الأوسط " (1 / 161 / 3005) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " ( 294) والحاكم في " المستدرك " (4 / 286) عن المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي حدثنا يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة بن الأكوع: فذكره مرفوعا وقال الحاكم:

2059

" هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر من وجهين: الأول: أن المغيرة بن عبد الرحمن - وهو ابن الحارث بن عبد الله بن عياش، أبو هاشم المدني - لم يخرج له مسلم. الثاني: أنه مختلف فيه ولذلك أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " وثقه ابن معين وغيره، وقال أبو داود: ضعيف الحديث ". وقال الحافظ: " صدوق فقيه كان يهم ". قلت: فحسب حديث مثله أن يكون حسنا، وأما الصحة فلا. وفي " مجمع الزوائد " (10 / 135) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " ورجاله رجال الصحيح غير المغيرة بن عبد الرحمن وهو ثقة ". 2059 - " كان إذا اشتكى أحد رأسه قال: اذهب فاحتجم، وإذا اشتكى رجله قال: اذهب فاخضبها بالحناء ". هكذا أورده السيوطي في " الجامع " من رواية (طب - عن سلمى امرأة أبي رافع ) . قلت: وهذا قصور واضح، فإن الحديث في " مسند أحمد " (6 / 462) : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي حدثنا فائد مولى بني رافع عن عمته سلمى قالت: " وما اشتكى أحد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعا في رأسه إلا قال: احتجم، ولا اشتكى

إليه أحد وجعا في رجليه إلا قال: اخضب رجليك ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن اختلفوا في إسناده على فائد ، فرواه أبو سعيد هكذا، ورواه أبو عامر: حدثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي عن أيوب بن حسن بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: فذكره. وأسقط منه فائدا. أخرجه أحمد والبخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 411) والحاكم (4 / 206) وقال: " صحيح الإسناد، وقد احتج البخاري رحمه الله بعبد الرحمن بن أبي الموالي ". قلت: ووافقه الذهبي، وأيوب هذا قال الأزدي: " منكر الحديث ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وأما فائد في الوجه الأول فهو ثقة، لولا الاضطراب عليه وقد أشار إليه البخاري في " التاريخ ". ومن ذلك ما روى حماد بن خالد الخياط حدثنا فائد مولى لآل أبي رافع عن علي بن عبيد الله عن جدته سلمى - وكانت تخدم النبي صلى الله عليه وسلم - قالت: " وما كان يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم قرحة ولا نكبة إلا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أضع عليها الحناء ". أخرجه الترمذي (2 / 5) ، وقال: " حديث حسن غريب "، إنما نعرفه من حديث فائد. وروى بعضهم هذا الحديث عن فائد وقال: عن عبيد الله بن علي عن جدته سلمى، وعبيد الله بن علي أصح ". ثم روى هو وابن ماجة (3502) عن زيد ابن حباب عن فائد مولى عبيد الله بن علي عن مولاه عبيد الله عن جدته عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه.

2060

وجملة القول أن الحديث حسن كما قال الترمذي لأن مداره على فائد، ومن أسقطه فقد شذ، وهو إما تلقاه عن سلمى مباشرة كما في الطريق الأولى، فلا إشكال فيه لولا الشذوذ عنه، وإما بالواسطة، وهي إما علي بن عبيد الله، ولا يعرف، وإما عبيد الله بن علي وهو الأصح كما قال الترمذي، وهو ثقة فيثبت الحديث بإذن الله. 2060 - " كان إذا اشتكى رقاه جبريل فقال: بسم الله يبريك من كل داء يشفيك ومن شر حاسد إذا حسد ومن شر كل ذي عين ". رواه ابن سعد (2 / 213 - 214) عن زهير بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عائشة مرفوعا. ورواه من طريق سليمان بن بلال عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي جميعا، عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة به. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " (7 / 13) من طريق أخرى عن الدراوردي به وأحمد (6 / 160) عن زهير بن محمد به. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم وابن ماجة (3523) . 2061 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوغه، وجعل له مخرجا ". أخرجه أبو داود (3851) وابن حبان في " صحيحه " (1351) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (464) عن أبي عقيل القرشي عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن

2062

أبي أيوب الأنصاري قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري. وأبو عقيل اسمه زهرة بن معبد. والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 13) من رواية محمد بن معاوية النيسابوري - نزيل مكة - عن ليث بن سعد عن زهرة بن معبد به، وقال: " قال أبو زرعة: ليس هذا من حديث ليث بن سعد. قلت: هذا من حديث ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب عن أبي عقيل زهرة بن معبد ... ". قلت: يعني هذا، والنيسابوري متروك، فلا يحتج به، ولاسيما مع المخالفة. 2062 - " كان إذا أكل الطعام أكل مما يليه ". أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 206) عن أبي قتيبة أخبرنا رجل من بني ثور عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير الرجل الثوري فلم أعرفه ويحتمل أنه سفيان بن سعيد الثوري الإمام المشهور، فإنه من شيوخه هشام بن عروة . والله سبحانه وتعالى أعلم. وله عنده (ص 207) شاهد من حديث أبي رجاء: أخبرنا عبد الله بن جعفر حدثني عبد الحكم قال: " رآني عبد الله بن جعفر وأنا غلام، وأنا آكل من ههنا، ومن ههنا، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل لم تعد يده بين يديه ". وخالفه النعمان بن شبل الباهلي: أخبرنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن عبد الحكيم

بن صهيب عن جعفر بن عبد الله قال: " رآني الحكم - قال النعمان: أراه الغفاري - وأنا آكل - وأنا غلام - من ههنا، وههنا، فقال: يا بني! لا تأكل هكذا، هكذا يأكل الشيطان، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع يده في القصعة أو في الإناء لم تجاوز أصابعه موضع كفه ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 155 / 1) . قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 27) : " رواه الطبراني، وفيه النعمان بن شبل وهو ضعيف ". قلت: بل هو أسوأ حالا من ذلك، فقد قال موسى بن هارون: " كان متهما "، وساق له الذهبي حديثا موضوعا. وعبد الحكيم بن صهيب، قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 35) : " سمع جعفر بن عبد الله بن أبي الحكم. روى عنه عبد الله بن جعفر المخرمي ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والظاهر أنه هو عبد الحكم الذي في رواية أبي رجاء المتقدمة، لكنه تحرف على الناسخ أو الطابع فسقط منه حرف (الياء) ، إلا أنني لم أعرف أبا رجاء هذا. ومع ذلك فالقلب يميل إلى تقوية الحديث بمجموع الطريقين، وقد رواه خالد بن إسماعيل عن أيوب بن سلمة حدثنا هشام بن عروة بإسناده المتقدم عن عائشة نحوه، وزاد: " فإذا أتى بالتمر جالت يده ". أخرجه البزار (ص 160) . لكن خالد هذا كذاب، فلا يفرح بمتابعته.

2063

2063 - " كان إذا التقى الختانان اغتسل ". أخرجه أحمد (6 / 123 و 227) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 33) عن حماد ابن سلمة قال: حدثنا ثابت البناني عن عبد الله بن رباح عن عبد العزيز بن النعمان عن عائشة قالت: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد العزيز بن النعمان لم يوثقه غير ابن حبان. ولحماد بن سلمة إسناد آخر، رواه عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنها به. أخرجه الطحاوي أيضا. وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف. لكن له طريق أخرى فقال بشر بن بكر حدثنا الأوزاعي قال: حدثني عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: " أنها سئلت عن الرجل يجامع فلا ينزل؟ فقالت: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فاغتسلنا منه جميعا ". أخرجه الطحاوي. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه مسلم (1 / 187) من طريق أخرى عنها نحوه، وفيه جملة مستنكرة أخرجته من أجلها في " الضعيفة ". وجملة القول أن الحديث بهذه الطريق صحيح بلا ريب، وهو تطبيق عملي منه صلى الله عليه وسلم لقوله المشهور من روايتها أيضا: " إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل ". أخرجه مسلم وغيره وهو مخرج في " الإرواء " (79 و 127) .

2064

2064 - " كان إذا بلغه عن الرجل شيء لم يقل: (ما بال فلان يقول) ، ولكن يقول: (ما بال أقوام يقولون كذا وكذا؟ !) ". أخرجه أبو داود (2 / 288 - تازية) وعنه البيهقي في " الدلائل " (1 / 237) عن عبد الحميد الحماني حدثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحماني واسم أبيه عبد الرحمن، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". لكن تابعه أبو معاوية عن الأعمش بلفظ: " رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزه عنه ناس من الناس، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتى بان الغضب في وجهه، ثم قال: ما بال أقوام يرغبون عما رخص لي فيه؟ ! فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدهم له خشية ". أخرجه مسلم (7 / 90) وأحمد (6 / 45) . ثم أخرجه أحمد ( 6 / 181) ومسلم من طرق أخرى عن الأعمش به نحوه. والحديث قال المنذري في " مختصر السنن " (7 / 168 / 4620) : " وأخرجه النسائي بمعناه ". قلت: فلينظر هل يعني غير ما خرجه مسلم وأحمد، وهل يعني النسائي في " الصغرى " أم في " الكبرى "؟ والظاهر الكبرى. ثم تبين من " التحفة " أنه في " عمل اليوم والليلة " (رقم 234) وهو يؤيد ما استظهرته، فإن " العمل " من " السنن الكبرى ".

2065

2065 - " كان يرخص للنساء في الخفين ". أخرجه أحمد (6 / 35) عن محمد بن إسحاق قال: قال: حدثني نافع، وكانت امرأته أم ولد لعبد الله بن عمر: حدثته أن عبد الله بن عمر ابتاع جارية بطريق مكة، فأعتقها، وأمرها أن تحج معه، فابتغى لها نعلين، فلم يجدهما ، فقطع لها خفين أسفل من الكعبين، قال ابن إسحاق: فذكرت ذلك لابن شهاب، فقال: " حدثني سالم بن عبد الله كان يصنع ذلك، ثم حدثته صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره) فترك ذلك ". قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق، فأخرج له مسلم مقرونا بغيره. 2066 - " كان إذا تضور من الليل قال: لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ". أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (43) وابن حبان (2358) والحاكم (1 / 540) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (753) وابن منده في " التوحيد " (66 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (103) كلهم عن يوسف بن عدي: حدثنا عثام بن علي العامري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : فذكره مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! قلت: وإنما هو على شرط البخاري وحده، فإن من دون هشام، لم يخرج لهما مسلم. والحديث أعله أبو حاتم وأبو زرعة بما لا يقدح، فقد ساق ابن أبي حاتم في

2067

" العلل " (1 / 74 و 2 / 165 و 186) ، فقال: " سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه يوسف بن عدي (فساقه) قالا: هذا خطأ إنما هو هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يقول هذا. ورواه جرير هكذا. وقال أبو زرعة: حدثنا يوسف بن عدي هذا الحديث، وهو منكر، وسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر ". قلت: جرير هو ابن عبد الحميد وهو وإن كان ثقة ففيه كلام كما يأتي ويوسف بن عدي ثقة ومعه زيادة وفي مثل هذا الموضع يجب قبولها لأن جريرا ليس بأحفظ منه بل قد قال البيهقي: " نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ ". ولعله لذلك قال الحافظ العراقي في " أماليه " كما في " المناوي ": " حديث صحيح ". 2067 - " كان إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ". أخرجه الدارقطني في " سننه " (ص 31) والبيهقي (1 / 56) عن القاسم بن محمد ابن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر قال: فذكره مرفوعا، وقال الدارقطني: " ابن عقيل ليس بقوي ". قلت: الظاهر أنه عنى الجد وهو عبد الله بن محمد بن عقيل، فإنه مختلف فيه، والراجح فيه أنه حسن الحديث إذا لم يخالف ، وعليه فكان الأولى إعلاله بحفيده، فإنه شديد الضعف. قال الذهبي في " الضعفاء ": " قال أبو حاتم وغيره: متروك. وقال أحمد: ليس بشيء ". وفي الباب عن ثعلبة بن عباد عن أبيه مرفوعا في حديث فضل الوضوء:

2068

" ثم غسل ذراعيه حتى يسيل الماء على مرفقيه ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 22) وكذا الطبراني في " الكبير "، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 224) : " ورجاله موثقون ". قلت: هو عند الطحاوي من طريق قيس بن الربيع عن الأسود بن قيس عن ثعلبة به. وقيس سيء الحفظ، وثعلبة مقبول عند الحافظ. وعن وائل بن حجر، عند البزار والطبراني بسند ضعيف وقد بينت علله في " الأحاديث الضعيفة " (449) . ومما يقوي الحديث ما رواه نعيم بن عبد الله بن المجمر قال: " رأيت أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه، فأسبغ الوضوء، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ... ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ". أخرجه مسلم (1 / 149) . والحديث قواه الصنعاني في " سبل السلام " بحديثي ثعلبة ووائل. 2068 - " كان إذا حلف على يمين لا يحنث حتى أنزل الله تعالى كفارة اليمين، فقال: لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا كفرت عن يميني، ثم أتيت الذي هو خير ". أخرجه الحاكم (4 / 301) عن أبي الأشعث حدثنا محمد بن عبد الرحمن الطفاوي حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة وقال:

2069

" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. كذا قالا، وأبو الأشعث - واسمه أحمد بن المقدام - والطفاوي لم يخرج لهما مسلم شيئا. ثم إن الطفاوي فيه كلام، وقال الذهبي في " الميزان ": " شيخ مشهور ثقة ". وقال الحافظ: " صدوق يهم ". فالحديث حسن إن شاء الله تعالى. 2069 - " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حلف قال: والذي نفس محمد بيده ". أخرجه ابن ماجة في " سننه " رقم (2090 و 2091) عن محمد بن مصعب وعبد الملك ابن محمد الصنعاني كلاهما عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار، عن رفاعة بن عرابة الجهني قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن مصعب وعبد الملك بن محمد، ففيهما ضعف من قبل حفظهما، لكن الحديث جيد بمتابعة أحدهما للآخر، على أنهما قد توبعا، فقال الإمام أحمد (4 / 16) : حدثنا أبو المغيرة قال: حدثنا الأوزاعي به. قلت: وهذا إسناد صحيح، فإن أبا المغيرة وهو عبد القدوس بن الحجاج الخولاني الحمصي ثقة من رجال الشيخين أيضا. وقد ذكر البوصيري أن الحديث رواه النسائي أيضا في " عمل اليوم والليلة " بإسنادين، يعني عن الأوزاعي، أحدهما على شرط الشيخين، والثاني على شرط البخاري. ولم أره في " عمل اليوم والليلة " الذي طبع حديثا، ولا في " تحفة الأشراف ".

2070

2070 - " كان إذا راعه شيء قال: هو الله ربي لا أشرك به شيئا ". أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (657) وعنه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " رقم (330) وأبو نعيم (5 / 219) عن سهل بن هاشم حدثنا الثوري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن ثوبان رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ... إلى آخره. وقال أبو نعيم: " لم يروه عن الثوري إلا سهل بن هاشم ". قلت: وهو ثقة، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالسند صحيح. 2071 - " كان إذا رفع رأسه من الركوع في صلاة الصبح في آخر ركعة قنت ". رواه ابن نصر في " قيام الليل " ص (132) قال: حدثنا محمد بن عبيد بن حساب حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه (2 / 135) من طريقين آخرين عن ابن عيينة به. وأخرجه هو والبخاري (3 / 217 - 218) وأحمد (2 / 255) من طرق أخرى عن الزهري به أتم منه. (تنبيه) : القنوت الوارد في هذا الحديث هو قنوت النازلة، بدليل قوله في حديث الشيخين: " فيدعوا للمؤمنين ويلعن الكفار ". وانظر " الإرواء " (2 / 160 - 164) . وأصرح منه رواية ابن خزيمة بلفظ: " كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد، أو على أحد ". وسنده صحيح.

2072

2072 - " كان إذا رمى الجمار مشى إليها ذاهبا وراجعا ". رواه الترمذي (1 / 170) قال: حدثنا يوسف بن عيسى حدثنا ابن نمير عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم ... وقال: " هذا حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. (فائدة) : قال الترمذي عقب الحديث: " والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، وقال بعضهم: يركب يوم النحر ويمشي في الأيام التي بعد يوم النحر، (قال أبو عيسى) وكأنه من قال هذا إنما أراد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في فعله، لأنه إنما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ركب يوم النحر حيث ذهب يرمي الجمار، ولا يرمي يوم النحر إلا جمرة العقبة ". قلت: رميه صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة راكبا هو في حديث جابر الطويل في " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " من رواية مسلم وغيره (ص 82 - الطبعة الثانية) ولذلك فحديث ابن عمر يفسر على أنه أراد الجمار في غير يوم النحر توفيقا بينه وبين حديث جابر. والله أعلم. ثم رأيت ما يؤيد ذلك من رواية عبد الله بن عمر عن نافع بلفظ: " عن ابن عمر أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا، ويخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ". أخرجه أبو داود ( 1969) وأحمد (2 / 156) . وفي رواية له (2 / 114 و 138) : " كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا ذاهبا وراجعا، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا ". ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن عمر وهو المكبر أخو عبيد الله بن عمر

2073

المصغر الذي في الطريق الأولى، وهو سيء الحفظ، لكن موافقته لأخيه في بعضه، ولحديث جابر في بعضه الآخر، دليل على أنه قد حفظ . والله أعلم. 2073 - " " كان إذا رمى جمرة العقبة مضى ولم يقف ". أخرجه ابن ماجة في " سننه " رقم (3033) قال: حدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي ابن مسهر عن الحجاج عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، لعنعنة الحجاج وهو ابن أرطأة، وضعف سويد بن سعيد: لكن الحديث صحيح فقد أخرجه البخاري (1 / 438) وابن ماجة (3032) والبيهقي (5 / 148) وأحمد (2 / 152) من حديث ابن عمر مرفوعا مثله. 2074 - " كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام ". رواه مسلم (2 / 95) وأبو يعلى في مسنده (224 / 2) وابن منده في " التوحيد " (61 / 1) من طريقين عن عبد الله بن الحارث عن عائشة به. واللفظ لمسلم . وفي رواية لأبي يعلى: عن عبد الله بن أبي الهذيل قال: " كانوا يحبون إذا قضى الرجل الصلاة أن يقول: " فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وابن أبي الهذيل تابعي كبير ثقة مات في ولاية خالد القسري على العراق. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر مرفوعا مثله.

2075

أخرجه ابن منده . ومن حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا. أخرجه ابن حبان (2348) . 2075 - " كان إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول، حتى إذا بلغ (حي على الصلاة، حي على الفلاح) قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ". أخرجه أحمد (6 / 9) والبغوي في " الجعديات " (ق 102 / 2) وابن السني (89 ) عن شريك عن عاصم بن عبيد الله عن علي بن حسين عن أبي رافع مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف عاصم وشريك وهو ابن عبد الله القاضي. لكن الحديث صحيح له شاهد من حديث معاوية بن أبي سفيان نحوه. أخرجه الدارمي (1 / 273) وابن خزيمة في " صحيحه " (416) وأحمد (4 / 98) من طريق محمد بن عمرو قال: حدثني أبي عن جدي عنه. وهذا إسناد فيه ضعف، رجاله ثقات غير عمرو وهو ابن علقمة بن وقاص، لم يرو عنه غير ابنه محمد. لكن تابعه أخوه عبد الله ابن علقمة بن وقاص عن علقمة بن وقاص به. أخرجه أحمد (4 / 91 - 92) . فالسند بهذه المتابعة حسن لأن عبد الله هذا روى عنه اثنان. وأخرجه البخاري في " صحيحه " (رقم 613) والدارمي وأحمد (4 / 91) من طريق أخرى فيها رجل لم يسم. وأسقطه ابن خزيمة (414) من إسناده، فظهر متصلا! وللحديث شاهد آخر من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا في فضل إجابة المؤذن وفيه:

2076

" ثم قال: حي على الصلاة. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ... " الحديث. أخرجه مسلم وابن خزيمة (417) وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (539) وغيره. (تنبيه) : عزا الجزري الحوقلة بعد الحيعلتين للبخاري ومسلم، وإنما هو للبخاري فقط عن معاوية كما سبق، وقد صرح الحافظ في شرحه أن مسلما لم يخرجه من أجل الرجل الذي لم يسمه. 2076 - " كان إذا صعد المنبر سلم ". وله طرق: الأول: عن جابر رواه ابن ماجة (1109) وتمام في " الفوائد " (60 / 2) وابن عدي (211 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 123 / 1) عن عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عن محمد بن زيد بن المهاجر عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا. وقال ابن عدي: " لا أعلمه يرويه غير ابن لهيعة، وعن ابن لهيعة عمرو بن خالد ". وأعله عبد الحق في " الأحكام " (73 / 1) بابن لهيعة ، وقال: " معروف في الضعفاء "! ومن طريقه رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 240 - 241) . الثاني: عن الشعبي مرسلا. رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 114) : حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا مجالد عنه. وبهذا الإسناد رواه عبد الرزاق (3 / 193) وهو مرسل لا بأس به في الشواهد.

2077

والثالث: عن عطاء مرسلا أيضا. رواه عبد الرزاق رقم (5281) وذكره عبد الحق في " أحكامه " (73 / 1) عنه. ورجاله ثقات رجال الشيخين. ومما يشهد للحديث ويقويه أيضا جريان عمل الخلفاء عليه، فأخرج ابن أبي شيبة عن أبي نضرة قال: " كان عثمان قد كبر، فإذا صعد المنبر سلم فأطال قدر ما يقرأ إنسان أم الكتاب. وإسناده صحيح. ثم روى عن عمرو بن مهاجر: " أن عمر بن عبد العزيز كان إذا استوى على المنبر سلم على الناس وردوا عليه ". وسنده صحيح أيضا. وللحديث شاهد آخر من حديث ابن عمر مرفوعا به وفيه زيادة أوردته من أجلها في " الضعيفة " (4194) من رواية البيهقي وابن عساكر. 2077 - " كان إذا صلى الغداة في سفر مشى عن راحلته قليلا ". أخرجه أبو عثمان النجيرمي (2 / 4 / 2) وأبو نعيم (8 / 180) والبيهقي (5 / 255) والضياء في " الأحاديث والحكايات " (14 / 151 / 2) عن محمد بن عبد الله بن قهزاذ حدثنا أبو الوزير محمد بن أعين أنبأنا عبد الله عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال أبو نعيم: " تفرد به عبد الله بن المبارك ". قلت: وهو ثقة إمام من رجال الشيخين وكذلك من فوقه. ومن دونه ثقتان فالسند صحيح.

2078

والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (3 / 215) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه محمد بن علي المروزي وفيه كلام، وقد وثق ". قلت: ذا لا يضر، فإنه يرويه عن ابن قهزاذ، وقد تابعه عليه غيره عند من ذكرنا، وقد وقفت على إسناد الطبراني في " زوائده " (1 / 113 / 1) ورواه عنه الضياء في " المختارة " (ق 246 / 2) . 2078 - " كان إذا طاف بالبيت مسح، أو قال: استلم الحجر والركن في كل طواف ". أخرجه الحاكم (1 / 456) والبيهقي (5 / 76) وأحمد (2 / 18) من طرق عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو على شرط مسلم. 2079 - " كان إذا غضب احمرت وجنتاه ". أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 68) والطبراني (3 / 49 / 2) عن أبي يحيى التيمي أخبرنا مخارق أخبرنا طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعود يقول: فذكره مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات غير أبي يحيى التيمي واسمه إسماعيل بن إبراهيم، قال الهيثمي بعد ما عزاه للطبراني (8 / 278) : " وهو ضعيف ".

قلت: وله شاهد من حديث أم سلمة مرفوعا بلفظ: " ... احمر وجهه ". أخرجه أبو الشيخ (ص 69) عن جعفر بن زياد أخبرنا جامع بن أبي راشد - قال جعفر: أحسبه - عن منذر الثوري عنها. قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير أنه منقطع بين منذر وأم سلمة، وقال الهيثمي: " رواه الطبراني وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي، وثقه ابن حبان وغيره وضعفه الدارقطني وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: إسناد أبي الشيخ سالم من البجلي، فلا أدري إذا كان إسناد الطبراني سالما من الانقطاع؟ وسكوت الهيثمي عنه لا يعني سلامته منه. ومما يشهد له حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا " وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه ... ". أخرجه أحمد (3 / 310 - 311، 338، 371) . وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (3 / 11 ) ولكنه لم يسق لفظه. وحديث زيد بن خالد: " سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل، فغضب واحمرت وجنتاه، وقال: ... ". الحديث. أخرجه أحمد (4 / 116) والشيخان وغيرهما.

2080

2080 - " كان إذا صعد المنبر أقبلنا بوجوهنا إليه ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 47) وابن حبان في " ثقات أتباع التابعين " (7 / 518) من طريق محمد بن القاسم عن مطيع الغزال عن أبيه عن جده مرفوعا. أورداه في ترجمة مطيع هذا، وكنياه بأبي الحسن. وروى ابن أبي حاتم عن ابن معين أنه وثقه، وعن أبي زرعة أنه قال: " كوفي لا بأس به ". وذكر أنه روى عن الشعبي، وعنه يحيى بن سعيد القطان ووكيع، ويعلى بن عبيد وأبو نعيم، ولم يذكر في الرواة عنه محمد بن القاسم هذا، كما أنه لم يذكر أنه روى عن أبيه عن جده، وإنما ذكر هذا كله في ترجمة أخرى عقب هذه، فقال: " مطيع الأنصاري أبو يحيى، مديني روى عن أبيه عن جده، وروى عن زيد بن أسلم ونافع وأبي الزناد، وروى عنه محمد بن القاسم أبو إبراهيم الأسدي. قال أبي : مجهول ". واختصر كلامه هذا الذهبي في " الميزان " وفي " الضعفاء "، فقال : " مطيع أبو يحيى الأنصاري، عن نافع مجهول ". وزاد عليه الحافظ في " اللسان " فقال: " وفي " ثقات ابن حبان ": مطيع أبو يحيى العرابي (!) عن أبيه عن جده قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم.. (فذكر حديث الترجمة) وعنه محمد بن القاسم. قال: ولست أعرفه ولا أباه ".

كذا وقع فيه (أبو يحيى العرابي) والظاهر أنه خطأ من الطابع أو الناسخ، والصواب (أبو الحسن الغزال) . وقوله: " ولست أعرفه.. " الذي في " الثقات ": " لست أعرف أباه ولا جده " . ولعله الصواب. ثم قال الحافظ عقب ما تقدم: " قلت: في الصحابة " مطيع بن الحكم "، أخرج له ابن منده من طريق مطيع بن فلان بن مطيع بن الحكم عن أبيه عن جده الأعلى الحديث المذكور أولا. وكذلك أورد ابن عبد البر مطيعا المذكور في الصحابة، يكنى أبا مسلم، شاعر بن شاعر ". قلت: لم أره في " الاستيعاب " لابن عبد البر، لا في الأسماء ولا في الكنى، ولم يورده الحافظ نفسه في أي منهما في " الإصابة ". فالله أعلم. وجملة القول أن مطيعا الغزال هو غير مطيع الأنصاري عند ابن أبي حاتم وأبيه، وظاهر صنيع البخاري وابن حبان أنهما واحد ، لأنهما لم يذكرا غيره، وهو الذي ساقا له عن أبيه عن جده هذا الحديث. فعلة الحديث إما ممن فوقه وهو ظاهر كلام ابن حبان حيث قال عقبه: " روى عنه محمد بن القاسم وأهل الكوفة، لست أعرف أباه ولا جده، والخبر ليس بصحيح من طريق أخرى، فيعتبر به ". وإما من الراوي عنه محمد القاسم، وهو أبو إبراهيم الأسدي الكوفي، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 65) برواية جمع من الثقات عنه، وروى عن ابن معين أنه قال: " ثقة، قد كتبت عنه ". وعن أبي حاتم قال: " ليس بقوي، لا يعجبني حديثه ".

وبالغ بعضهم في الطعن فيه، فقال أحمد في " العلل والمعرفة " (1 / 281 / 1813) : " يكذب، أحاديثه أحاديث موضوعة، ليس بشيء ". وأشار البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 214) إلى كلام أحمد هذا فيه . وقال في " التاريخ الصغير ": " كذبه أحمد ". وذكر الفسوي في " تاريخه " ( 3 / 46) عن علي وهو ابن المديني قال: " قد تركت حديث محمد بن القاسم أبي إبراهيم لا أحدث عنه ". وقال ابن حبان نفسه في " الضعفاء " (2 / 288) : " كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، ويأتي عن الأثبات بما لم يحدثوا ، لا يجوز الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحال، كان ابن حنبل يكذبه ". قلت: فالعجب منه كيف لم يفصح باسم أحد ممن روى عن شيخه مطيع الغزال من أهل الكوفة إلا عن هذا المتهم؟ ! قلت: فهو علة هذا الحديث، وأما قول ابن حبان: " والخبر ليس بصحيح من طريق آخر ". ففيه نظر لأنه قد جاء من طرق يقوي بعضها بعضا مع شاهد لها في " صحيح البخاري " وإليك البيان: أولا: عن البراء بن عازب قال: فذكره. أخرجه البيهقي (3 / 198) من طريق محمد بن علي بن غراب: حدثنا أبي عن أبان بن عبد الله البجلي عن عدي بن ثابت عنه.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن علي بن غراب، أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 28) برواية أخرى عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال. وأبوه علي بن غراب صدوق مدلس، وقد عنعنه، وقد أعله بالمخالفة، فقال البيهقي: قال ابن خزيمة : " هذا الخبر عندي معلول، حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج حدثنا النضر بن إسماعيل عن أبان بن عبد الله البجلي قال: رأيت عدي بن ثابت يستقبل الإمام بوجهه إذا قام يخطب، فقال (لعله: فقلت) له: رأيتك تستقبل الإمام بوجهك؟ قال: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يفعلونه ". قلت: فأعله ابن خزيمة بالوقف على الصحابة، وفيه نظر من وجهين: الأول: أن النضر بن إسماعيل ليس خيرا من علي بن غراب، فقد قال فيه الحافظ في " التقريب ": " ليس بالقوي ". والآخر: أنه قد خالفه ابن المبارك، فقال البيهقي عقبه: " وكذلك رواه ابن المبارك عن أبان بن عبد الله عن عدي بن ثابت، إلا أنه قال: " هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلون برسول الله صلى الله عليه وسلم ". ذكره أبو داود في " المراسيل " عن أبي توبة عن ابن المبارك ". وتعقبه ابن التركماني في " الجوهر النقي " فقال: " قلت: هذا مسند، وليس بمرسل لأن الصحابة كلهم عدول فلا تضرهم الجهالة ". قلت: وهو كما قال لأن الظاهر أن عديا تلقاه عن الصحابة، فهذه متابعة قوية من ابن المبارك لعلي بن غراب ترجح رواية هذا على رواية النضر بن إسماعيل، وبذلك

تندفع العلة بالوقف، ويتبين أنه إسناد جيد، فإن رجاله عند أبي داود ثقات رجال الشيخين غير أبان بن عبد الله وهو البجلي الكوفي، وهو حسن الحديث كما قال الذهبي في " الميزان ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، في حفظه لين ". وأبو توبة اسمه الربيع بن نافع وهو شيخ أبي داود في " المراسيل " (ق 4 / 2) ، وقد تابعه وكيع، فقال: عن أبان بن عبد الله البجلي عن عدي بن ثابت قال: فذكره مرسلا، وقد عرفت الجواب عنه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 117 - هندية) . وخالف الهيثم بن جميل فقال: حدثنا ابن المبارك عن أبان ابن تغلب عن عدي بن ثابت عن أبيه قال: فذكره. أخرجه ابن ماجة (1 / 349) ، وقال البوصيري في " زوائده " (ق 72 / 2) : " هذا إسناد رجاله ثقات، إلا أنه مرسل ". قلت: وفيه أن الهيثم هذا مع كونه حافظا، فقد قال فيه ابن عدي: " يغلط على الثقات " . فالظاهر أنه أخطأ على ابن المبارك في موضعين من إسناده، فقد ذكر أبان بن تغلب مكان أبان بن عبد الله. وقال: عن عدي بن ثابت عن أبيه. فزاد عن أبيه. وكل ذلك خطأ مخالف لرواية أبي توبة عن ابن المبارك، ورواية وكيع عن أبان بن عبد الله. ثانيا: قال محمد بن الفضيل بن عطية عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله ابن مسعود قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استوى على المنبر استقبلناه بوجوهنا ".

أخرجه الترمذي (509) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1310 - 1311) والطبراني في " المعجم الكبير " (9991) وتمام في " الفوائد " (11 / 2) وإسماعيل الصفار في " الثاني من حديثه " (7 / 2) وقال الترمذي: " وفي الباب عن ابن عمر، ومحمد بن الفضل ذاهب الحديث، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يستحبون استقبال الإمام إذا خطب. وهو قول سفيان الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، ولا يصح في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ". كذا قال، وفيه نظر لما تقدم من حديث ابن المبارك، وللشاهد الآتي. وقوله: " ... عن ابن عمر " لم أره مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فروى البيهقي بسنده عن أبي عمار (الأصل: أبي عامر) : حدثنا الوليد بن مسلم أخبرني إسماعيل وغيره عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال: " السنة إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة يقبل عليه القوم بوجوههم جميعا ". وبإسناده: حدثنا الوليد قال: فذكرت ذلك لليث بن سعد فأخبرني عن ابن عجلان أنه أخبره عن نافع: " أن ابن عمر كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله ". قلت: وهذا إسناده جيد، رجاله مترجمون في " التهذيب " إلى ابن عمار واسمه الحسين بن حريث المروزي، وما في الأصل خطأ لعله من الطابع أو الناسخ، فإن الراوي عنه إبراهيم بن محمد بن الحسن، وهو ابن متويه الأصبهاني، وهو مترجم ترجمة حسنة في " طبقات الأصبهانيين " لأبي الشيخ و " أخبار أصبهان " لأبي نعيم، وهو من شيوخ أبي الشيخ، فقد ذكره المزي في الرواة عن أبي عمار، كما ذكر هذا في الرواة عن الوليد بن مسلم.

وبالجملة، فهذا الأثر عن ابن عمر قوي الإسناد، وهناك آثار أخرى كثيرة، أخرجها ابن أبي شيبة في " المصنف "، وكذا عبد الرزاق في " مصنفه " (3 / 217 - 218) من ذلك عند ابن أبي شيبة عن المستمر بن الريان قال: رأيت أنسا عند الباب الأول يوم الجمعة قد استقبل المنبر. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وإن مما لا شك فيه أن جريان العمل بهذا الحديث من الصحابة ومن بعدهم لدليل قوي على أن له أصلا أصيلا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولاسيما أنه يشهد له قول أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر وجلسنا حوله.. ". أخرجه البخاري (921 و 1465 و2842 و 6427) ومسلم (3 / 101 - 102) والنسائي (1 / 360) والبيهقي (3 / 198) وأحمد (3 / 26 و 91) من طريق عطاء بن يسار عنه به، وله عندهم تتمه فيها: " إنما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا.. " الحديث. وقد أخرجها دون موضع الشاهد الحميدي في " مسنده " (2 / 325 / 740) وأبو يعلى (1 / 340) وقد وقع معزوا في " صحيح الجامع الصغير وزيادته " (2313) تبعا لأصله " الفتح الكبير " لـ (هـ) أي ابن ماجة وما أظنه إلا وهما، فإنه لم يعزه إليه الحافظ المزي في " التحفة ". ثم رأيته فيه (برقم 4043 - الدكتور الأعظمي) من طريق أخرى عن أبي سعيد مختصرا. هذا وقد أورد البخاري الحديث في " باب يستقبل الإمام القوم، واستقبال الناس الإمام إذا خطب، واستقبل ابن عمر وأنس رضي الله عنهم الإمام ".

ثم أسند تحته حديث أبي سعيد. قال الحافظ في " الفتح " (2 / 402) : " وقد استنبط المصنف من الحديث مقصود الترجمة، ووجه الدلالة منه أن جلوسهم حوله لسماع كلامه يقتضي نظرهم إليه غالبا، ولا يعكر على ذلك ما تقدم من القيام في الخطبة لأن هذا محمول على أنه كان يتحدث وهو جالس على مكان عال وهم جلوس أسفل منه، وإذا كان ذلك في غير حال الخطبة كان حال خطبة أولى، لورود الأمر بالاستماع لها، والإنصات عندها ". قال: " من حكمة استقبالهم التهيؤ لسماع كلامه، وسلوك الأدب معه في استماع كلامه، فإذا استقبله بوجهه وأقبل عليه بجسده وبقلبه وحضور ذهنه كان أدعى لتفهم موعظته، وموافقته فيما شرع له القيام لأجله ". (تنبيه) : تقدم في أثر أنس أن المستمر بن الريان رآه، فهذا يدل على أنه من صغار التابعين، فهذا ينافي جعل الحافظ إياه في " التقريب " من الطبقة السادسة ، فحقه أن يجعله من الطبقة الخامسة لأنه يصدق عليه قوله في مقدمة " التقريب " بعد أن ذكر طبقات التابعين: " الخامسة: الطبقة الصغرى منهم الذين رأوا الواحد والاثنين ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش ". ولأنه لا يصدق عليه قوله بعدها: " السادسة طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، كابن جريج ". لا يقال: لعل الحافظ لم يقف على رؤية المستمر لأنس، لأننا نقول: قد ذكر ذلك هو نفسه في " التهذيب "، فلعله نسي ذلك. والله أعلم .

2081

2081 - " كان إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز، فإذا قال: قد غابت الشمس أفطر ". أخرجه الحاكم (1 / 434) عن محمد بن أبي صفوان الثقفي حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه مرفوعا. وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو صحيح فقط، فإن الثقفي - وهو محمد بن عثمان بن أبي صفوان - لم يخرج له الشيخان شيئا ومن فوقه من رجال الشيخين، لكن ابن مهدي ليس من شيوخهما. قوله: (نشز) أي: مرتفع من الأرض. قلت: وفي الحديث اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالتعجيل بالإفطار بعد أن يتأكد صلى الله عليه وسلم من غروب الشمس، فيأمر من يعلو مكانا مرتفعا، فيخبره بغروب الشمس ليفطر صلى الله عليه وسلم، وما ذلك منه إلا تحقيقا منه لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ". متفق عليه ، وهو مخرج في " الإرواء " (917) . وإن من المؤسف حقا أننا نرى الناس اليوم ، قد خالفوا السنة، فإن الكثيرين منهم يرون غروب الشمس بأعينهم، ومع ذلك لا يفطرون حتى يسمعوا أذان البلد، جاهلين: أولا: أنه لا يؤذن فيه على رؤية الغروب، وإنما على التوقيت الفلكي. وثانيا: أن البلد الواحد قد يختلف الغروب فيه من موضع إلى آخر بسبب الجبال والوديان، فرأينا ناسا لا يفطرون وقد رأوا الغروب! وآخرين يفطرون والشمس بادية لم تغرب لأنهم سمعوا الأذان! والله المستعان!

2082

2082 - " كان إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس، فأخبرهم بمناسكهم ". أخرجه الحاكم (1 / 461) وعنه البيهقي (5 / 111) عن أبي قرة عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي، وزاد: " تفرد به أبو قرة الزبيدي ". قلت: وهو ثقة واسمه موسى بن طارق اليماني. وتابعه عمرو بن مجمع عن موسى ابن عقبة به. أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (ق 246 / 1) . وعمرو هذا ضعفوه كما قال الذهبي. 2083 - " كان إذا مشى كأنه يتوكأ ". رواه أبو داود (2 / 297) والحاكم (4 / 281) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 98) وأبو العباس الأصم في " حديثه " (ج 3 رقم 127 ) عن حميد الطويل أنه سمع أنس بن مالك يقول: فذكره مرفوعا، وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه ابن سعد (1 / 413) من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به، إلا أنه قال: " كان إذا مشى تكفأ ". وسنده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (7 / 81 ) وكذا أحمد (3 / 228 و 270) والدارمي (1 / 31) وأبو الشيخ أيضا.

2084

وله شاهد من حديث علي بلفظ: " كان إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صعد ". أخرجه ابن سعد بسند حسن، والترمذي في " الشمائل " (ص 91) بلفظ: " كأنما ينحط من صبب ". 2084 - " كان إذا كان راكعا أو ساجدا، قال: سبحانك وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ص (72 / 1) عن زيد بن أبي أنيسة عن حماد عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله موثقون على شرط مسلم غير أن حماد هذا - وهو ابن أبي سليمان كما في ترجمة ابن أبي أنيسة من " التهذيب " (1 / 225 / 2) - فيه ضعف يسير كما يشعر بذلك قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". وللحديث طريق أخرى، يرويه إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال: " لما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إذا جاء نصر الله والفتح) * (¬1) كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت التواب الرحيم (ثلاثا) ". أخرجه أحمد (3683، 3745) . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي عبيدة، وهو ثقة لكنه لم يسمع من ¬

(¬1) النصر: الآية 1. اهـ.

2085

أبيه على الراجح كما قال الحافظ. وقد صرح أبو إسحاق بسماعه من أبي عبيدة، في رواية شعبة عنه به نحوه. أخرجه أحمد أيضا (3719، 3891) . 2085 - " كان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه ". أخرجه الطيالسي (2329) وعبد الله بن المبارك (676) والشيخان في " صحيحيهما " والبخاري في " الأدب المفرد " أيضا (599) وابن سعد (1 / 368 ) من حديث أبي سعيد الخدري. وله شاهد من حديث عمران بن الحصين مرفوعا به . أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 71) وابن عدي ( ق 122 / 2) من طريق الخليل بن مرة عن قتادة عن أبي السوار عنه. والخليل بن مرة ضعيف. وله شاهد آخر من حديث أنس بلفظ: " ... رؤي ذلك في وجهه ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " كما في " الجامع الصغير "، وأخرجه البزار أيضا (ص 241) بلفظ أبي سعيد المذكور. ورجاله ثقات. 2086 - " كان إذا مشى لم يلتفت ". أخرجه الحاكم (4 / 292) وابن سعد (1 / 379) وابن أبي حاتم في " العلل " ( 2 / 248) من طريق عن عبد الجبار بن عمر الأيلي عن محمد بن المنكدر عن جابر

مرفوعا، وزاد الأخيران: " وكان ربما تعلق رداؤه بالشجرة أو بالشيء فلا يلتفت، وكانوا يضحكون، وكانوا قد أمنوا التفاته ". وقال ابن أبي حاتم: " قال أبي: هذا حديث منكر، وعبد الجبار ضعيف ". وقال الحاكم: " لا أعلم أحد رواه عن محمد بن المنكدر غير عبد الجبار ". وقال الذهبي عقبه: " قلت: عبد الجبار تالف ". وقال في " الضعفاء ": " ضعفوه ". وقال الحافظ: " ضعيف ". لكن للحديث شاهد من رواية داود بن أبي هند: حدثني رجل عن ابن عباس مرفوعا به وزاد: " وإذا مشى مشى مجتمعا ليس فيه كسل ". أخرجه ابن سعد (1 / 417) . قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل، فإنه لم يسم. وعن عوف قال: " كان لا يضحك إلا تبسما، ولا يلتفت إلا جميعا ".

2087

رواه ابن سعد (1 / 420) . قلت: وإسناده مرسل صحيح. وعن سعيد بن يزيد: أخبرنا أبو سليمان عن رجل عن عائشة مرفوعا. أخرجه ابن سعد. والرجل لم يسم. وأبو سليمان لم أعرفه. وفي حديث هند بن أبي هالة التميمي: " وإذا التفت التفت جميعا ". رواه ابن سعد (1 / 422) والترمذي وغيرهما. 2087 - " كان إذا مشى مشى أصحابه أمامه، وتركوا ظهره للملائكة ". أخرجه ابن ماجة (1 / 108) والحاكم (4 / 281) عن سفيان عن الأسود بن قيس عن نبيح العنزي عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". كذا قال! وفي " تلخيص الذهبي ": " صحيح " فقط. وهو الأقرب، فإن نبيحا هذا لم يخرج له الشيخان شيئا. وقد وثقه أبو زرعة وابن حبان والعجلي، ولذلك قال البوصيري في " الزوائد " (19 / 1) : " وإسناده صحيح، رجاله ثقات، رواه أحمد بن منيع في " مسنده " بلفظ:

2088

(مشوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال: امشوا أمامي، وخلوا ظهري للملائكة) ". قلت: وقريب منه رواية للحاكم بلفظ: " لا تمشوا بين يدي ولا خلفي، فإن هذا مقام الملائكة ". أخرجه من طريق شعبة عن الأسود به. وهذا - كما ترى - فيه النهي عن المشي أمامه أيضا بخلاف روايتي سفيان، فالمقصود منها المشي أمامه بمعنى عن يمينه ويساره، لا بمعنى الأمام المقابل للخلف. والله أعلم. 2088 - " كان إذا نزل الوحي عليه ثقل لذلك، وتحدر جبينه عرقا كأنه الجمان، وإن كان في البرد ". أخرجه أبو نعيم في " دلائل النبوة " (73) من طريق الطبراني حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا عقبة بن مكرم قال: حدثنا يونس بن بكير عن عثمان ابن عبد الرحمن عن الزهري عن سهل بن سعد قال: سمعت زيد بن ثابت يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد واه بمرة، عثمان بن عبد الرحمن هذا هو الزهري القرشي الوقاصي، وهو كذاب. لكن الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 257) بنحوه، وقال: " رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ". ثم تبين لي أن مدار الطريقتين على الوقاصي! فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 123 / 4787) بإسناده المتقدم من رواية أبي نعيم عنه، ثم قال الطبراني: (ح) : وحدثنا محمد بن يحيى بن منده الأصبهاني: حدثنا أبو كريب، قالا (يعني عقبة بن مكرم المتقدم في الإسناد الأول وأبا كريب هذا) : حدثنا يونس بن بكير ...

2089

وأخرج أبو نعيم أيضا من طريق الحسن عن حطان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي كرب لذلك وترهل له وجهه ". وللحديث شاهد قوي من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك. أخرجه أحمد (6 / 197) والشيخان وغيرهما. 2089 - " كان أرحم الناس بالعيال والصبيان ". رواه الرئيس عثمان بن محمد أبو عمرو في " حديثه " (208 / 1) عن عباس بن الوليد قال: حدثنا وهيب عن أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير عباس بن الوليد وهو صدوق. وقد أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 65) : أخبرنا أبو يعلى: أخبرنا العباس النرسي به دون لفظة: " العيال ". وأخرجه مسلم (7 / 76) من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب بلفظ: " العيال " ودون لفظ: " الصبيان ". 2090 - " كانت أكثر أيمان رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ومصرف القلوب ". أخرجه ابن ماجة (1 / 644) عن عباد بن إسحاق عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات على شرط مسلم غير أبي إسحاق الشافعي إبراهيم بن محمد بن العباس شيخ ابن ماجة فيه، وهو ثقة.

2091

2091 - " كان أكثر دعائه: يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك. فقيل له في ذلك. فقال: إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ". أخرجه الترمذي (3517) وابن أبي شيبة في " الإيمان " (رقم 56 - بتحقيقي) وأحمد (6 / 302، 315) عن شهر بن حوشب قال: " قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين! ما كان أكثر دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان عندك؟ قالت: ... " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: يعني لغيره، وهو كما قال أو أعلى لأن شهرا هذا وإن كان سيء الحفظ، فحديثه هذا له شواهد تقويه . منها ما روى الحسن أن عائشة قالت: " دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر يدعو بها ... " فذكره. أخرجه أحمد (6 / 91) . ورجاله ثقات رجال مسلم غير أن الحسن - وهو البصري - لم يسمع من عائشة. وقد تابعه علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة به نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة (رقم 57) . وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - سيء الحفظ أيضا. وأم محمد - وهي زوجة أبيه - لا تعرف. ومنها عن النواس بن سمعان الكلابي مرفوعا نحوه. أخرجه ابن ماجة (1 / 77) وأحمد (4 / 182) . وإسناده صحيح.

2092

2092 - " كان بابه يقرع بالأظافير ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1080) وفي " التاريخ " (1 / 1 / 228) وأبو نعيم في " أخبار أصفهان " (2 / 110 و 365) عن أبي بكر بن عبد الله الأصفهاني عن محمد بن مالك بن المنتصر عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن المنتصر وأبو بكر الأصفهاني مجهولان. وله شاهد من حديث كيسان مولى هشام بن حسن عن محمد بن سيرين عن المغيرة بن شعبة قال: فذكره. أخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 19) عن محمد بن أحمد الزيبقي حدثنا زكريا بن يحيى المنقري حدثنا الأصمعي حدثنا كيسان ... وكيسان هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 166) : " روى عن محمد بن سيرين. روى عنه أبو نعيم ومسلم بن إبراهيم ". قلت: وعنه الأصمعي أيضا كما في هذه الرواية، فهو مجهول الحال، فهو على شرط ابن حبان. فلعله أورده في " ثقاته " ثم رأيته فيه (7 / 358) . وأما الزبيقي، فأورده السمعاني في هذه النسبة، وقال: " حدث عن يحيى بن أبي طالب روى عنه القاضي أبو عمر بن أثيافا البصري ". ثم وجدت له طريقا أخرى عن أنس يرويه ضرار بن صرد: حدثنا المطلب بن زياد عن عمرو بن سويد عن أنس. أخرجه البزار (2008 - كشف الأستار) : حدثنا حميد بن الربيع حدثنا ضرار بن صرد به. قلت: وضرار، قال الحافظ: " صدوق له أوهام وخطأ ".

2093

وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (8 / 43) ، وقلده الأعظمي! وإعلاله بحميد بن الربيع أولى، فإنه مختلف فيه، وقد أتهمه بعضهم، فراجع " اللسان " إن شئت. وعمرو بن سويد لم أعرفه. ثم تبينت أنه محرف، وأن الصواب عمير بن سويد، أورده ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 198) وضعفه، وساق له هذا الحديث من طريق حميد أيضا، وقال الذهبي عقبه: " وحميد ذو مناكير ". 2093 - " كان خاتم النبوة في ظهره بضعة ناشزة ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 40) عن بشر بن الوضاح أنبأنا أبو عقيل الدورقي عن أبي نضرة العوقي قال: سألت أبا سعيد الخدري عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير بشر بن وضاح وهو صدوق. والعوقي بفتح المهملة والواو ثم قاف، ووقع في الأصل بالفاء وهو خطأ شائع. وقد تابعه عتاب البكري قال: " كنا نجالس أبا سعيد الخدري بالمدينة، فسألته عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان بين كتفيه؟ فقال بإصبعه السبابة: هكذا: لحم ناشز بين كتفيه صلى الله عليه وسلم ". أخرجه أحمد في " مسنده " (3 / 69) عن أبي ليلى عبد الله بن ميسرة الخراساني عن عتاب البكري. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عتاب البكري أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 12) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولم يذكره ابن حجر في " التعجيل " وهو على شرطه.

2094

وروى مسلم (7 / 86) والترمذي أيضا وابن سعد (1 / 425) والطبراني (3 / 94 / 2 و 98 / 1) من طرق عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: " رأيت الخاتم بين كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم غدة حمراء مثل بيضة الحمامة ". 2094 - " كان رحيما وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كان عنده ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (278) وفي " التاريخ " (2 / 2 / 211) عن سحامة بن عبد الرحمن بن الأصم قال: سمعت أنس بن مالك يقول " (فذكره) " وجاءه أعرابي فأخذ بثوبه فقال: إنما بقي من حاجتي يسيرة، وأخاف أنساها. فقام معه حتى فرغ من حاجته، ثم أقبل فصلى ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري غير سحامة هذا، ذكره ابن حبان في " الثقات " وقد روى عنه جمع من الثقات. وقال الحافظ: " مقبول ". وهذا في رأيي تقصير، وعهدي به يقول في مثله في كثير من الأحيان: " صدوق "، وهذا هو الأولى لأنه تابعي موثق . ولطرفه الأول طريق أخرى، فقال الطيالسي في " مسنده " (2432 - ترتيبه) : حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أنس به، وزاد: " بالعيال ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين، وقول ابن حبان في " الثقات ": " قيل: إنه سمع من أنس، ولا يصح ذلك عندي ". فلا يعله بالانقطاع لأن الحافظ قد جزم في " التهذيب " بأنه رأى أنسا، وسنه

2095

يساعده على ذلك، فقد كان عمره حين مات أنس نحوا من خمس وعشرين سنة، ثم هو لم يعرف بتدليس، فروايته عنه محمولة على الاتصال عند الجمهور. والله أعلم. وله شاهد من حديث مالك بن الحويرث مرفوعا بلفظ: " كان رحيما رفيقا ". أخرجه الشيخان وغيرهما. 2095 - " كان شبح الذراعين، أهدب أشفار العينين، بعيد ما بين المنكبين، يقبل جميعا ويدبر جميعا، لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا في الأسواق ". أخرجه الطيالسي (2413 - ترتيبه) وأحمد (2 / 328 و 448) وابن سعد (1 / 414) والبيهقي (1 / 181) عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، فإن صالحا هذا قال الحافظ: " صدوق، اختلط بآخره، فقال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عنه كابن أبي ذئب وابن جريج ". 2096 - " كان شيبه نحو عشرين شعرة ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 39 - مختصره) وابن ماجة (2 / 383) وأحمد (2 / 90) وأبو الشيخ (ص 309) عن شريك عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير شريك

2097

وهو ابن عبد الله القاضي، فقد أخرج له مسلم متابعة. ويشهد له حديث حميد قال : " سئل أنس بن مالك: أخضب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنه لم ير من الشيب إلا نحو سبعة عشر أو عشرين شعرة في مقدم لحيته ". أخرجه ابن ماجة أيضا وأحمد (3 / 108) وابن سعد (1 / 431) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين . ورواه ثابت قال: قيل لأنس: هل شاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما شانه الله بالشيب، ما كان في رأسه ولحيته إلا سبع عشرة أو ثماني عشرة. أخرجه ابن سعد بسند صحيح على شرط مسلم، وكذلك صححه الحاكم (2 / 608) . وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك يقول: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء ". أخرجه الشيخان وغيرهما كما في " مختصر الشمائل " (رقم 1) . 2097 - " كان كلامه كلاما فصلا يفهمه كل من سمعه ". أخرجه أبو داود (2 / 293) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (412 و 413) وأحمد (6 / 138) عن سفيان عن أسامة عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا. وأخرجه ابن سعد (1 / 375) وأحمد أيضا (6 / 257) من طريق روح بن عبادة: أخبرنا أسامة بن زيد به نحوه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير أن أسامة بن زيد - وهو الليثي - فيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ:

2098

" صدوق يهم ". والحديث عزاه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 324) للنسائي فقط في " عمل اليوم والليلة " وحسنه. 2098 - " كان له حمار يقال له: عفير ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 478) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 492) والطبراني في " الكبير " (3 / 71 / 1) من طريق يزيد بن عطاء أبي إسحاق الهمداني عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع. أبو عبيدة لم يسمع من أبيه. ويزيد بن عطاء - وهو اليشكري - لين الحديث كما في التقريب ". لكن يشهد له حديث سلمة بن الفضل: حدثني محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب حمارا اسمه عفير ". أخرجه أحمد (رقم 886) . وإسناده ضعيف لعنعنة ابن إسحاق ، وضعف سلمة بن الفضل، قال الحافظ: " صدوق كثير الغلط ". وأما الشيخ أحمد شاكر فقال في تعليقه على " المسند ": " إسناده صحيح "! قلت: وذلك من تساهله الذي عرف به، ولاسيما بالنسبة لتمشيته لعنعنة ابن

2099

إسحاق وعدم تفريقه بين حديثه المعنعن وحديثه الذي صرح فيه بالسماع، على خلاف ما عليه العلماء. نعم الحديث حسن بمجموع الطريقين. والله أعلم. ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن علي وفي إسناده ضعف بينته في الكتاب الآخر (4227) بلفظ: " كان فرسه يقال له ... وحماره عفير ... ". فهو به صحيح. والله أعلم. ثم روى ابن سعد بإسنادين مرسلين صحيحين: " أن اسم حمار النبي صلى الله عليه وسلم اليعفور ". والله أعلم. 2099 - " كان له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء ". وله طريقان: الأول: عن عائشة أخرجه الترمذي (1 / 74) وابن عدي (154 / 1) والحاكم (1 / 154) والبيهقي (1 / 185) عن زيد بن الحباب عن أبي معاذ عن الزهري عن عروة عنها. وقال البغوي في " شرح السنة " (1 / 37 / 2) : " وإسناده ضعيف ". وقال الحاكم: " أبو معاذ هذا هو الفضيل بن ميسرة بصري، روى عنه يحيى بن سعيد، وأثنى عليه ".

قلت: وأقره الذهبي. وفيه نظر، بينه قوله الترمذي عقبه: " حديث عائشة ليس بالقائم، ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء، وأبو معاذ يقولون: هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف عند أهل الحديث ". قلت: وهذا هو الصواب، أن أبا معاذ هذا هو سليمان بن أرقم، وليس هو - كما قال الحاكم - الفضيل بن ميسرة، ويؤيد ذلك أمران: الأول: أن ابن أرقم هو الذي ذكروا في ترجمته أنه روى عن الزهري، وعنه زيد بن الحباب. لم يذكروا ذلك في ترجمة ابن ميسرة. والآخر: أن ابن عدي إنما أورده في ترجمة سليمان بن أرقم ولذلك جزم البيهقي بأنه هو، وقال: " وهو متروك " . ثم ساق الطريق الثاني وهو: الثاني: عن أبي بكر الصديق، أخرجه ابن عليك النيسابوري في " الفوائد " (239 / 1) والبيهقي عن أبي العيناء محمد بن القاسم حدثنا أبو زيد سعيد بن أوس حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن أنس بن مالك عنه . قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو العيناء هذا اعترف بأنه وضع هو والجاحظ حديث فدك! وضعفه الدارقطني، وقال البيهقي: " إسناده غير قوي، وإنما رواه أبو عمرو بن العلاء عن إياس بن جعفر أن رجلا حدثه " فذكر الحديث. وساق سنده من طريق عبد الوارث عن أبي عمرو بن العلاء به مرسلا، وقال: " وهذا هو المحفوظ من حديث عبد الوارث ". ثم رواه من طريق أبي معمر عبد الله بن عمرو قال : سألت عبد الوارث عن حديث

عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل أو خرقة فإذا توضأ مسح وجهه؟ فقال: كان في قطينة فأخذه ابن علية فلست أرويه. قال البيهقي: " وهذا لو رواه عبد الوارث عن عبد العزيز عن أنس لكان إسنادا صحيحا إلا أنه امتنع من روايته ويحتمل أنه إنما كان عنده بالإسناد الأول. والله أعلم ". وحديث عبد الوارث عن عبد العزيز، أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 19) وأعله بالوقف، فقال: " قال أبي: إني رأيت في بعض الروايات عن عبد العزيز أنه كان لأنس بن مالك خرقة. وموقوف أشبه، ولا يحتمل أن يكون مسندا ". وللحديث شاهد من رواية رشدين بن سعد عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عتبة بن حميد عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه ". أخرجه الترمذي (1 / 75 - 76) والبيهقي (1 / 236) وقال: " وإسناده ليس بالقوي ". وبين علته الترمذي فقال: " حديث غريب وإسناده ضعيف، ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يضعفان في الحديث ". قلت: وضعفهما إنما هو من قبل حفظهما، وليس لتهمة في ذاتهما، فمثلهما يستشهد بحديثهما، فالحديث حسن عندي بمجموع طرقه، وقد أغرب الشيخ أحمد شاكر فصحح إسناد حديث عائشة، ذهابا منه إلى موافقة الحاكم على أن أبا معاذ هو الفضيل بن ميسرة، وقد عرفت خطأه في ذلك وكذلك حسن حديث معاذ بن جبل، خلافا للترمذي والبيهقي، وذلك تساهل منه غير محمود. والله أعلم.

2100

2100 - " كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض، ورايته سوداء ". أخرجه الترمذي (رقم 1681) وابن ماجة (2 / 189) والحاكم (2 / 105) والخطيب في " التاريخ " (14 / 332) عن يحيى بن إسحاق السيلحيني حدثنا يزيد بن حيان أخبرني أبو مجلز لاحق بن حميد عن ابن عباس مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وأقول: بل هو حسن لغيره، فابن حيان هذا - وهو أخو مقاتل بن حيان - صدوق يخطىء، كما قال الحافظ، وقال الذهبي في " التلخيص " متعقبا على الحاكم، وقد ذكره شاهدا: " قلت: يزيد ضعيف ". وشاهد الحديث ما رواه شريك عن عمار الدهني عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح ولواؤه أبيض ". أخرجه أبو داود (1 / 405) والنسائي (2 / 30) وابن ماجة والترمذي أيضا (1679) والحاكم وقال: " صحيح على شرط مسلم ". قلت: وبيض له الذهبي، أو هكذا وقع في " تلخيصه "، وفيما قاله الحاكم نظر، فإن شريكا - وهو ابن عبد الله القاضي - لم يحتج به مسلم، وإنما روى له مقرونا بغيره أو متابعة، ثم هو إلى ذلك سيء الحفظ، فهو حسن الحديث في الشواهد كما هنا، فإنه يشهد للشطر الأول من الحديث. ويشهد للشطر الثاني منه حديث أبي يعقوب الثقفي حدثني يونس بن عبيد - مولى محمد بن القاسم - قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب يسأله عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت؟ فقال:

2101

" كانت سوداء مربعة من نمرة ". أخرجه أبو داود والترمذي (1680) وأحمد (4 / 297) ، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وأقول: إنما هو حسن لغيره لأن يونس بن عبيد المولى مجهول. وأبو يعقوب - واسمه إسحاق بن إبراهيم - ضعيف. وله شاهد آخر من رواية عاصم عن الحارث بن حسان قال: " قدمت المدينة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قائما على المنبر، وبلال قائم بين يديه، متقلد سيفا، وإذا راية سوداء، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا عمرو بن العاص قدم من غزاة ". أخرجه ابن ماجة أيضا، وأحمد (3 / 481) من طريق أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود به. وفي رواية لأحمد من طريق سلام بن سليمان النحوي أبي المنذر حدثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن الحارث به. فأدخل بينهما أبا وائل. وكذلك أخرجه الترمذي (3269 و 3270) ، وسكت عنه. قلت: وإسناده حسن، على الرواية الأخرى وهي الصحيح، كما قال الحافظ في " التهذيب ". 2101 - " كان له ملحفة مصبوغة بالورس والزعفران يدور بها على نسائه، فإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء، وإذا كانت ليلة هذه رشتها بالماء ". أخرجه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (13 / 320) عن مؤمل بن إسماعيل حدثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس قال: فذكره مرفوعا.

2102

قلت: وهذا إسناد ضعيف، عمارة بن زاذان صدوق كثير الخطأ. ومؤمل بن إسماعيل صدوق سيء الحفظ كما في " التقريب ". لكن للحديث شاهد قوي مرسل من رواية هشام بن حسان عن بكر بن عبد الله المزني قال: " كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة فإذا دار على نسائه رشها بالماء ". أخرجه ابن سعد (1 / 451) . قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح. ولعل المزني تلقاه عن أنس فإنه كثير الرواية عنه وقد رواه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 169) من طريق عثمان بن حفص أخبرنا سلام بن أبي خبزة أخبرنا ثابت عنه. وابن أبي خبزة متروك، وقد ذكره الذهبي في " المشتبه " في (الحاء) وذكر أنه " خبزة " تأنيث الخبز. وعثمان بن حفص الظاهر أنه الزرقي، قال البخاري: " في إسناده نظر ". ووثقه ابن حبان وابن عبد البر، فالعمدة على المرسل مع الوصول قبله. 2102 - " كان مما يقول للخادم: ألك حاجة؟ قال: حتى كان ذات يوم فقال: يا رسول الله ! حاجتي. قال: وما حاجتك؟ قال: حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة. قال: ومن دلك على هذا؟ قال: ربي. قال: أما لا، فأعني بكثرة السجود ". أخرجه أحمد في " مسنده " (3 / 500) عن خالد - يعني: الواسطي - قال: حدثنا عمرو بن يحيى الأنصاري عن زياد بن أبي زياد مولى بني مخزوم عن خادم للنبي صلى الله عليه وسلم

2103

رجل أو امرأة قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. 2103 - " كان وسادته التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف ". أخرجه أبو داود (رقم 4146) والترمذي (1 / 326 - 327) وفي " الشمائل " (ص 188) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم (ص 166) وأحمد في " مسنده " (6 / 48) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها به. وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه البخاري مختصرا (4 / 221) وكذا ابن ماجة (4151) وهو رواية لأبي داود (4147) وأبي الشيخ وأحمد (6 / 56، 73، 108، 207، 212) . 2104 - " ما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط، ولا يطأ عقبه رجلان ". أخرجه أبو داود (2 / 140) وأحمد (2 / 165 و 167) وابن سعد (1 / 380) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 213) عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن شعيب بن عبد الله بن عمرو عن أبيه قال: فذكره. وفي رواية لأحمد: " ما رأيت رسول الله.. ". قلت: وهذا إسناد جيد، فإن شعيبا هنا جده عبد الله بن عمرو بن العاص، واسم أبيه محمد، فقد رواه سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت البناني عن شعيب بن محمد بن

2105

عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يطأ أحد عقبه، ولكن يمين وشمال ". رواه الحاكم، وقد مضى (1239) . 2105 - " كان له قصعة يقال لها: الغراء، يحملها أربعة رجال ". أخرجه أبو داود (أطعمة 17) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 215) وابن عساكر في " التاريخ " (1 / 379) عن عمرو بن عثمان: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن عرق قال: سمعت عبد الله بن بسر يقول: فذكره. قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. وتابعه يحيى بن سعيد القطان عن محمد ابن عبد الرحمن الرحبي به مختصرا بلفظ: " كان له جفنة لها أربع حلق ". أخرجه أبو الشيخ من طرق عن محمد بن مصفى: أخبرنا يحيى بن سعيد القطان. قلت: وهذا إسناد حسن، محمد بن مصفى صدوق له أوهام كما في " التقريب " وسائر رجاله ثقات وهو بمعنى الطريق الأولى أي: يحملها أربعة رجال من أربع حلق. والله أعلم. 2106 - " كان لا يجد ما يملأ بطنه من الدقل، وهو جائع ". أخرجه الحاكم (4 / 324) عن قيس بن أنيف: حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن سماك عن النعمان بن بشير، قال سماك: سمعت النعمان - وهو على المنبر - يقول: فذكره، وقال:

" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله كلهم ثقات من رجال مسلم غير قيس بن أنيف، فلم أعرفه وهو قيس بن أبي قيس البخاري، فقد ذكره المزي في الرواة عن قتيبة وهو ابن سعيد. ولم أجد له ترجمة أيضا ومن طبقته قيس بن مسلم بن منصور الأزرق البخاري، ترجمه الخطيب في " تاريخه " (12 / 463) وذكر أنه حدث ببغداد عن علي بن حجر وغيره. روى عنه محمد بن مخلد والطبراني وغيرهما، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. قلت: فيحتمل أنه هو راوي هذا الحديث، ويكون اسم أبيه مسلم، وكنيته أبو قيس وأما أنيف في " المستدرك " فلعله محرف من ابن أبي قيس، والله أعلم، فإن فيه كثيرا من التحريف والتصحيف. لكن رأيت له حديثا آخر قد عزوته في " صحيح الترغيب " ( 1 / 227 / 564) للحاكم من طريق ابن أنيف هذا وصححه. وقال الذهبي: " إسناده صالح ". فالله أعلم. وأيا ما كان، فهو لم يتفرد بالحديث، فقد أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 297 - 298) من طريقين آخرين عن أبي عوانة به. ومسلم (8 / 220) والترمذي (2373) وأحمد (4 / 268) من طرق أخر عن سماك بن حرب به نحوه. وقال الترمذي: " حديث صحيح ". وخالفهم شعبة فقال: عن سماك عن النعمان بن بشير عن عمر قال: فذكره، فجعله من مسند عمر، وهو شاذ عندي، والصواب أنه من مسند النعمان كما رواه الجماعة. وأخرجه ابن ماجة (2 / 536) وأحمد (1 / 24) عن شعبة به.

2107

2107 - " كان لا يدفع عنه الناس، ولا يضربوا عنه ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 90 / 1) عن حماد بن سلمة عن أبي عاصم الغنوي عن أبي الطفيل عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عاصم هذا، فقال أبو حاتم: " لا أعرفه، ولا حدث عنه سوى حماد ". وقال ابن معين: " ثقة ". ومن طريقه أخرجه أبو داود (1885) وأحمد (3707) . والحديث صحيح لأن له شاهدا من حديث قدامة بن عبد الله بن عمار نحوه بإسناد صحيح عنه مخرج في " المشكاة " (2623) وأخرجه أبو الشيخ أيضا في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 61) . 2108 - " كان لا يراجع بعد ثلاث ". عزاه السيوطي لابن قانع عن زياد بن سعد، وقال المناوي: " قال ابن الأثير: كذا جعله ابن قانع من الصحابة، والمشهور بالصحبة أبوه وجده. ذكره الأندلسي ". قلت: ويشهد له ما روى عبد الله بن محمد بن أبي يحيى عن أبيه عن ابن أبي حدرد الأسلمي: " أنه كان ليهودي عليه أربعة دراهم، فاستعدى عليه، فقال: يا محمد! إن لي على هذا أربعة درهم، وقد غلبني عليها، فقال: أعطه حقه، قال: والذي بعثك بالحق ما أقدر عليها، قال: أعطه حقه، قال: والذي نفسي بيده ما أقدر عليها، قد أخبرته أنك

2109

تبعثنا إلى خيبر، فأرجو أن تغنمنا شيئا، فأرجع فأقضيه، قال أعطه حقه، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال ثلاثا لم يراجع، فخرج به بن أبي حدرد إلى السوق، وعلى رأسه عصابة، وهو متزر ببرد ، فنزع العمامة عن رأسه فاتزر بها، ونزع البردة، فقال: اشتر مني هذه البردة فباعها بأربعة الدراهم، فمرت عجوز، فقالت: ما لك يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخبرها، فقالت: ها، دونك هذا، ببرد طرحته عليه ". أخرجه أحمد (3 / 423) . قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وابن أبي حدرد اسمه عبد الله وله صحبة كما قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 38) . ونقل المناوي عن العراقي أنه حسنه. 2109 - " كان لا يسأل شيئا إلا أعطاه، أو سكت ". أخرجه الحاكم (2 / 130) عن الحارث بن أبي أسامة: حدثنا روح بن عبادة حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: " أن هوازن جاءت يوم حنين بالنساء والصبيان والإبل والغنم، فصفوهم صفوفا ليكثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالتقى المسلمون والمشركون ، فولى المسلمون مدبرين كما قال الله تعالى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا عبد الله رسوله، وقال: يا معشر الأنصار! أنا عبد الله ورسوله، فهزم الله المشركين ولم يطعن برمح ولم يضرب بسيف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ: من قتل كافرا فله سلبه، فقتل أبو قتادة يومئذ عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم، فقال أبو قتادة: يا رسول الله! ضربت رجلا على حبل العاتق، وعليه درع له، فأعجلت عنه أن آخذ سلبه، فانظر من هو يا رسول الله؟ فقال رجل: يا رسول الله! أنا أخذتها، فأرضه منها، فأعطنيها! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لا (فذكره) فقال عمر: لا والله، لا يفيئ الله على أسد من أسده ويعطيكها! فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وقال:

" صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. وأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 52) مختصرا بلفظ الترجمة دون قوله: " أو سكت " من طريق ابن مبارك عن حماد بن سلمة به. وكذلك أخرجه مسلم (7 / 74 - 75) من طريق يزيد بن هارون عن حماد به نحوه. وهو والبيهقي (1 / 243) من طريق موسى بن أنس عن أبيه قال: " ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه ". ثم أخرجه أبو الشيخ من حديث جابر وعائشة وأبي أسيد نحوه. وأخرجه الطيالسي (2437 - ترتيبه) والدارمي (1 / 34) ومسلم وابن سعد (1 / 368) عن جابر. والدارمي عن سهل بن سعد. وأحمد (3 / 497) عن أبي أسيد. وأخرج ابن سعد بسند جيد عن محمد بن الحنفية قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يقول لشيء: لا، فإذا هو سئل، فأراد أن يفعل قال: نعم، وإذا لم يرد أن يفعل سكت، فكان قد عرف ذلك منه ". قلت: وهذا مرسل صحيح وشاهد قوي لحديث الترجمة. وقد وصله الطبراني في حديث طويل عن علي رضي الله عنه . قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 13) : " وفيه محمد بن كثير الكوفي، وهو ضعيف ". ورواه الطبراني في " الكبير " (1 / 13 / 2) عن سليمان بن أيوب حدثني أبي

2110

عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه مرفوعا نحوه وفيه قصة، ولفظه: " كان لا يكاد يسأل شيئا إلا فعله ". وهذا إسناد ضعيف، سليمان بن أيوب - وهو ابن سليمان بن موسى بن طلحة التيمي - قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وابنه أيوب بن سليمان، ساق نسبه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 248) ، فأدخل بين أبيه سليمان وجده موسى عيسى، فهو عنده أيوب بن سليمان بن عيسى بن موسى بن طلحة. ولم يذكر له راويا غير ابنه سليمان. وأبوه سليمان لم أجده. 2110 - " كان لا يصلي المغرب وهو صائم حتى يفطر، ولو على شربة من ماء ". رواه ابن الأعرابي في " معجمه " (222 / 2) قال: قرأت على علي (يعني ابن داود القنطري) : أخبرنا محمد بن عبد العزيز الرملي أخبرنا شعيب بن إسحاق أخبرنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا. ورواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 100 / 2) من طريق أخرى عن الرملي، وقال: " لم يروه عن قتادة إلا سعيد، ولا عنه إلا شعيب، تفرد به محمد ". قلت: وهو صدوق يهم، وكانت له معرفة، احتج به البخاري وبقية الرجال ثقات رجال الشيخين لكن شعيبا سماعه عن ابن أبي عروبة بآخرة كما في " التقريب " فالسند

2111

من أجل هذا ضعيف، فلا تغتر بقول الهيثمي (3 / 155) : " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في " الأوسط "، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". قلت: وكذلك رجال " الأوسط " كما علمت، فلا داعي لتخصيص أبي يعلى بالذكر! ثم قد علمت أيضا أن سماع شعيب من ابن أبي عروبة في حالة اختلاطه. فتنبه. ثم وجدت له طريقا آخر عن أنس، أخرجه الضياء في " المختارة " (101 / 1 - 2) من طريق أبي يعلى وغيره عن أبي بكر بن أبي شيبة: أخبرنا حسين بن علي عن زائدة عن حميد عن أنس به. وقال: " أخرجه ابن حبان عن أبي يعلى الموصلي ". قلت: وهذا سند صحيح، وهو في " موارد الظمآن " (890) وهذا يبين أن طريق أبي يعلى غير طريق الطبراني التي فيها ذاك المختلط، فكان على الهيثمي أن يبين ذلك. ثم وجدته في " المصنف " لابن أبي شيبة (2 / 184) من هذا الوجه. وأخرجه ابن عدي (25 / 1) عن أبان عن أنس، لكن أبان - وهو ابن أبي عياش - متروك، ومن طريقه رواه أبو العباس الأصم في " حديثه " (ج 3 رقم 84) . 2111 - " كان لا ينام إلا والسواك عنده، فإذا استيقظ بدأ بالسواك ". أخرجه أحمد (2 / 117) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 43) عن محمد بن مسلم ابن مهران - مولى لقريش - سمعت جدي يحدث عن ابن عمر مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير محمد - وهو ابن إبراهيم بن مسلم بن المثنى بن مهران - ففيه خلاف، والراجح أنه وسط حسن الحديث، وقد صحح له ابن

2112

حبان وعبد الحق الإشبيلي كما ذكرته في " صحيح أبي داود " (1155) . وروى الطبراني (3 / 207 / 2) عن سعيد بن راشد عن عطاء عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقعد ساعة من ليل إلا أمر السواك على فيه. وسعيد بن راشد - وهو السماك - متروك كما قال النسائي. وتابعه حسام بن المصك: حدثنا عطاء به، ولفظه: " كان لا يتعار من الليل ساعة إلا أجرى السواك على فيه ". أخرجه ابن عدي (109 / 1) . وحسام هذا قال الحافظ بن حجر: " ضعيف، يكاد أن يترك ". قلت: فالعمدة في تقوية الحديث على الطريق الأول. 2112 - " كان يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ويعود مرضاهم ويشهد جنائزهم ". أخرجه الحاكم (2 / 466) عن سفيان بن حسين عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه رضي الله عنه مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر، فإن سفيان بن حسين قد ضعفوه في روايته عن الزهري خاصة وهذه منها. لكن يشهد له حديث مسلم الأعور عن أنس مرفوعا: " كان يعود المريض ويتبع الجنائز ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار

ولقد كان يوم خيبر ويوم قريظة على حمار خطامه حبل من ليف وتحته إكاف من ليف ". أخرجه الطيالسي ( 2425 - ترتيبه) والترمذي (1017) وابن ماجة (2 / 545) والحاكم وقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وأما الترمذي فقال وأصاب: " حديث لا نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور - وهو مسلم بن كيسان - يضعف ". وقال الحافظ فيه: " ضعيف ". بل قال الذهبي نفسه في " الضعفاء " وغيره: " تركوه ". وخير منه في الشهادة حديث سماك بن حرب: سمعت عباد بن زاهر أبا الرواع: سمعت عثمان بن عفان يقول: " إنا قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، فكان يعود مرضى المسلمين ويشهد جنائزهم أو قال: يتبع جنائزهم ". أخرجه البزار (1 / 388 / 819) وقال: " لا نعلمه عن عثمان إلا بهذا الإسناد ولا نعلم روى عباد غير هذا، ولا روى عنه غير سماك ". قال الحافظ عقبه في " زوائده " (ص 89) : " قلت: وهو مجهول الحال، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " على قاعدته ". وأقول: قد روى عنه أبو إسحاق الهمداني أيضا كما في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 80) ، وقال: " سئل أبي عنه؟ فقال: شيخ ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 29) وقلده الأعظمي في تعليقه على

2113

" الكشف ": " رواه البزار، ورجاله ثقات "! وروى النسائي في " عمل اليوم والليلة " (329) وابن حبان (2145) عن جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس مرفوعا : " كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، والتسليم على الصبيان ثابت في " الصحيحين " من طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه. 2113 - " كان يؤتى بالتمر فيه دود، فيفتشه، يخرج السوس منه ". أخرجه أبو داود (2 / 148) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 191 / 201) وابن ماجة (2 / 317) مختصرا وكذا أبو الشيخ (ص 221) كلهم عن سلم بن قتيبة عن همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهمام هو ابن يحيى بن دينار الأزدي العوذي المحلمي مولاهم. وأعله البيهقي بالإرسال لأنه رواه من طريق محمد بن كثير أنبأنا همام عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالتمر فيه الدود، فذكر معناه. وما أرى ذلك بعلة، ذلك لأن سلم بن قتيبة أوثق من محمد بن كثير - وهو العبدي - كما يظهر ذلك جليا لكل من راجع أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهما في كتب الرجال، ولاسيما أن معه الزيادة وزيادة الثقة مقبولة هنا اتفاقا. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن تفتيش التمر ولكنه لا يصح كما بينته في " الضعيفة " (5228) .

2114

2114 - " كان يأمر بتغيير الشيب مخالفة للأعاجم ". رواه الطبراني في " الكبير " وعبد الغني المقدسي في " السنن " (177 / 1) عن الأحوص بن حكيم عن أبيه عن عبد الله بن غابر عن عتبة بن عبد رفعه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، الأحوص بن حكيم ضعيف الحفظ. وأبوه حكيم بن عمير صدوق يهم. وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن عساكر (2 / 353 / 1) عن بشر بن عمارة عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد وأبي عون عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا ضعيف أيضا لأن مداره على الأحوص، وقد عرفت حاله. وبشر بن عمارة - وهو الخثعمي - ضعيف أيضا، بل قال الدارقطني: " متروك ". لكن يشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالفوهم ". متفق عليه من حديث أبي هريرة وهو مخرج في " تخريج الحلال " (رقم 105) . 2115 - " كان يأمر بناته ونسائه أن يخرجن في العيدين ". أخرجه أحمد (1 / 231) عن حجاج عن عبد الرحمن بن عابس عن ابن عباس مرفوعا . وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 182) إلا أنه قال: " يخرج " بدل: " يأمر ". قلت: ورجاله ثقات إلا أن الحجاج هذا - وهو ابن أرطأة - مدلس وقد عنعنه.

وفي رواية لأحمد (1 / 354) من هذا الوجه: " كان يعجبه في يوم العيد أن يخرج أهله ". وفي أخرى له (3 / 363) وكذا الأصبهاني في " الترغيب " (ق 250) من طريق الحجاج أيضا عن عطاء عن جابر مرفوعا بلفظ: " كان يخرج في العيدين، ويخرج أهله ". وقال الإمام أحمد (6 / 184) : حدثنا علي قال: أنبأنا خالد عن أبي قلابة عن عائشة قالت: " قد كانت تخرج الكعاب من خدرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العيدين ". قلت: وهذا إسناد ضعيف منقطع بين أبي قلابة وعائشة. وعلي - وهو ابن عاصم - ضعيف لسوء حفظه، وإصراره على خطئه لكنه قد توبع عند ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 182) . وقد ثبت الأمر بإخراج النساء جميعا حتى الحيض منهن أن يخرجن إلى المصلى عند الشيخين وغيرهما من حديث أم عطية. وروى الطيالسي (706) : حدثنا شعبة عن محمد بن النعمان عن طلحة اليامي عن أخت عبد الله بن رواحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وجب الخروج على ذات نطاق، يعني في العيدين ". وإسناده حسن لولا أن البيهقي (3 / 306) أخرجه من هذا الوجه، فأدخل بين طلحة بن مصرف وأخت عبد الله امرأة من عبد القيس لم تسم. وخالفه الحسن بن عبيد الله فقال: عن طلحة اليامي قال: قال أبو بكر ... فذكره موقوفا عليه. أخرجه ابن أبي شيبة .

2116

ورجاله ثقات. 2116 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل مما مسته النار، ثم يصلي ولا يتوضأ ". أخرجه أحمد (1 / 272) عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن محمد بن عمرو بن عطاء عن علقمة القرشي قال: " دخلنا بيت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فوجدنا فيه عبد الله بن عباس، فذكرنا الوضوء مما مست النار، فقال عبد الله: (فذكره) ، فقال له بعضنا: أنت رأيته يا ابن عباس؟ قال: فأشار بيده إلى عينيه فقال: بصر عيني ". قلت: وهذا إسناد حسن. وتابعه وهب بن كيسان عن محمد بن عمرو بن عطاء بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل عرقا من شاة ثم صلى ولم يتوضأ ولم يمس ماء ". أخرجه مسلم (1 / 188) وأبو عوانة ( 1 / 272) . وله شاهد من حديث عبد الله بن الحارث بن جزء قال: " كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الخبز واللحم، ثم نصلي ولا نتوضأ ". أخرجه ابن حبان (223) . قلت: وإسناده صحيح. والحديث أورده السيوطي في " الجامع " من رواية الطبراني فقط في " الكبير " بلفظ: " كان يأكل مما ... " الحديث.

2117

وبيض له المناوي في " الفيض "، فلم يتكلم على إسناده بشيء ، سوى أنه قال: " رمز المؤلف لحسنه "! وأما في " التيسير "، فقال: " إسناده صحيح "! ولم أره عند الطبراني في " مسند ابن عباس " ولا في " مجمع الزوائد " ولا ذكره مفهرسه، والله أعلم. 2117 - " كان يبدأ إذا أفطر بالتمر ". رواه النسائي في " السنن الكبرى " (65 / 2) والفريابي في " الصيام " (4 / 62 / 2) وعنه ابن عساكر (4 / 286 / 1) والضياء في " المختارة " (1 / 292 ) عن يزيد بن عبد العزيز عن رقبة عن بريد بن أبي مريم عن أنس مرفوعا. وقال النسائي: " رواه شعبة فأرسله عن بريد عن النبي صلى الله عليه وسلم وشعبة أحفظ ممن روى هذا الحديث ". قلت: وخالفه الدارقطني فرجح الموصول، فقال كما نقله الضياء: " ويشبه أن يكون رقبة حفظه ". قلت: وهذا هو الصواب لأن رقبة - وهو ابن مصقلة - ثقة مأمون كما في " التقريب " واحتج به الشيخان، فلا يضره إرسال شعبة إياه لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. ويزيد بن عبد العزيز هو ابن سياه الأسدي الحماني، وهو ثقة أيضا من رجال الشيخين. وبريد بن أبي مريم تابعي ثقة، فالإسناد صحيح.

2118

2118 - " كان يبعث إلى المطاهر، فيؤتى بالماء، فيشربه يرجو بركة أيدي المسلمين ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 35) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 203) عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال: " قلت: يا رسول الله! الوضوء من جر جديد مخمر أحب إليك، أم من المطاهر ؟ قال: لا بل من المطاهر، إن دين الله يسر، الحنيفية السمحة "، قال: فذكره ، وقال: " لم يروه عن عبد العزيز إلا حسان ". قلت: وهو مختلف فيه والأكثرون على توثيقه، والذي يترجح عندي أنه وسط حسن الحديث، ولاسيما وقد خرج له البخاري في " صحيحه "، وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". والحديث قال الهيثمي (1 / 214) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله موثقون، وعبد العزيز بن أبي رواد ثقة ينسب إلى الإرجاء ". قلت: واحتج به مسلم وإرجاؤه لا يضر حديثه كما هو مقرر في " مصطلح الحديث ". (المطاهر) : جمع (المطهرة) : كل إناء يتطهر منه كالإبريق والسطل والركوة وغيرها كما في " المعجم الوسيط ". 2119 - " كان يبيت الليالي المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم الشعير ". أخرجه الترمذي (3 / 272 - تحفة) وابن ماجة (2 / 320) وأحمد (1 / 255 و373 - 374) والضياء في " المختارة " (66 / 89 / 1) من طريق ثابت بن يزيد عن

2120

هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هلال بن خباب وهو ثقة لكنه كان تغير بآخره. 2120 - " كان يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو لهم ". أخرجه أبو داود (1 / 411) والحاكم (2 / 115) عن الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير أن جابر بن عبد الله حدثهم به مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: هو كما قالا، فقد صرح أبو الزبير بالتحديث، فأمنا بذلك تدليسه، ثم خرجته في " صحيح أبي داود " (2372) . ( يزجي) : أي يسوقه ليلحقه بالرفاق. (يردف) : أي جعله ردفه وأركبه خلفه. 2121 - " كان يتوضأ مما مست النار ". أخرجه أحمد (6 / 321) عن محمد بن طحلاء قال: قلت لأبي سلمة: إن ظئرك سليما لا يتوضأ مما مست النار؟ قال: فضرب صدر سليم، وقال: أشهد على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير ابن طحلاء وهو صدوق . وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 248) :

2122

" رواه أحمد والطبراني في " الكبير " ورجال الطبراني موثقون لأنه من رواية محمد بن طحلاء عن أبي سلمة. وأبو سليمان الذي في إسناد أحمد لا أعرفه ولم أر من ترجمه ". قلت: الذي في " المسند " المطبوع: " سليم "، وسواء كان هذا هو الصواب أو أبو سليمان، فهو ليس من رجال إسناد الحديث كما هو ظاهر، فلا وجه لإعلال إسناد أحمد به. ثم إن تعليله لتوثيقه لرجال الطبراني بأنه من رواية محمد بن طحلاء تعليل قاصر، فلعل في العبارة سقطا نحو قوله: وهو ثقة، والله أعلم. ثم ذكر للحديث شاهدا من حديث أبي أيوب من رواية الطبراني بإسناد رجاله رجال الصحيح. (الظئر) : المرضعة لغير ولدها ويطلق على زوجها أيضا: والثاني هو المراد هنا كما هو ظاهر. 2122 - " كان يتوضأ واحدة واحدة وثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا، كل ذلك يفعل ". قال الهيثمي (1 / 233) : " رواه الطبراني في " الكبير " عن معاذ بن جبل وفيه محمد بن سعيد المصلوب وهو ضعيف ". قلت: بل هو كذاب لكن الحديث قد جاء من طريق أخرى عن أبي رافع قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا ومرتين مرتين ومرة مرة ". أخرجه الطبراني أيضا في " الكبير " (1 / 317 / 937) وإسناده صحيح ورجاله

2123

رجال الصحيح كما قال الهيثمي. وله شاهد من حديث ابن عمر، وجاء مفرقا في أحاديث، فراجع لها " إرواء الغليل ". 2123 - " كان اجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره ". أخرجه مسلم (3 / 176) والترمذي (1 / 152) وابن ماجة (1767) وأحمد (6 / 82 و 123 و 256) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا. 2124 - " كان يجلس القرفصاء ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 40 / 1) وأبو الشيخ (ص 267) عن عبد الله بن المنيب عن جده عن أبيه أبي أمامة الحارثي قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، المنيب هذا هو ابن عبد الله بن أبي أمامة الحارثي، قال الذهبي مشيرا إلى جهالته: " ما علمت عنه راويا سوى ولده عبد الله ". لكن للحديث شاهدا يرويه عبد الله بن حسان العنبري قال: حدثتني جدتاي صفية ودحيبة ابنتا عليبة بنت حوملة - وكانتا ربيبتي قيلة بنت مخرمة - أنهما أخبرتهما قيلة قالت: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا القرفصاء، فلما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم المتخشع في الجلسة، أرعدت من الفرق ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 1178) . قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، العنبري هذا روى عنه جمع من الثقات منهم عبد الله بن المبارك، وقال الحافظ فيه: " مقبول ".

2125

2125 - " كان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض ويعتقل الشاة ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 164 / 1) عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن هرمز هذا ضعيف كما في " التقريب ". وله طريق أخرى يرويه مسلم الأعور عن سعيد بن جبير به دون قوله: " على خبز الشعير ". أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 63) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 3 / 1) . ومسلم هذا - هو ابن كيسان الأعور - ضعيف أيضا كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 190) عن أنس لم يذكر بينها سعيدا وهو رواية لأبي الشيخ (ص 62) بلفظ: " كان يعود المرضى ويركب الحمار ويجيب دعوة العبد ... ". وأخرجه ابن سعد أيضا (1 / 371) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 312) والحاكم (4 / 119) وصححه ورده الذهبي بقوله: " قلت: مسلم ترك ". لكن الحديث جاء من طرق أخرى: 1 - عن أنس بن مالك قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقعد على الأرض، ويأكل على الأرض ويجيب دعوة المملوك، ويقول: لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت، وكان يعتقل شاته ".

أخرجه ابن سعد (1 / 371) ورجاله ثقات غير شيخه عمر بن حبيب العدوي، فهو ضعيف كما في " التقريب ". 2 - عن أبي هريرة مرفوعا: " كان يلبس الصوف، ويجلس على الأرض ويأكل عليها ويركب الحمار ويعتقل الشاة ويحلبها ويجيب دعوة المملوك ويقول: " لو دعيت إلى كراع لأجبت ". أخرجه ابن عدي (243 / 2) عن عمر بن يزيد عن عطاء عنه وقال " حديث غير محفوظ، وعمر يزيد منكر الحديث ". 3 - عن الحسن مرفوعا: " كان والله يجلس بالأرض ويوضع طعامه بالأرض ويلبس الغليظ ويركب الحمار ويردف بعده ويلعق والله يده ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (575) : أخبرنا معمر عن يحيى بن المختار عنه، وهو ابن أبي الحسن البصري. وهذا إسناد مرسل ضعيف، يحيى بن المختار مستور كما في " التقريب ". 4 - عن أبي موسى قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب الحمار ويلبس الصوف ويعتقل الشاة ويأتي مراعاة الضيف ". أخرجه أبو الشيخ (ص 129) والحاكم (1 / 61) وقال: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا. 5 - عن جابر مرفوعا: " كان يجيب دعوة المملوك ". أخرجه ابن سعد (1 / 370) عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي

2126

الزبير عنه، وهذا إسناد ضعيف. 6 - عن حمزة بن عبد الله بن عتبة قال: " كانت في النبي صلى الله عليه وسلم خصال ليست في الجبارين، كان لا يدعوه أحمر ولا أسود من الناس إلا أجابه ... وكان يركب الحمار عريا ليس عليه شيء ". أخرجه ابن سعد. ورجاله ثقات غير حمزة هذا، ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 212) من رواية جمع عنه، وزاد البخاري ثقة آخر، وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (4 / 169) فالحديث مرسل حسن. 7 - عن الشعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب حمارا عريا. أخرجه ابن سعد أيضا عن مسلم مولى الشعبي عن الشعبي مرسلا. ومسلم هذا لم أعرفه. 2126 - " كان يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس ". أخرجه أحمد (4 / 356) وابنه عبد الله والطبراني في " الكبير " من طريق ابن عياش عن موسى بن عقبة عن أبي النضر عن عبيد الله بن معمر عن عبد الله بن أبي أوفى قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبيد الله بن معمر مجهول كما قال الحسيني. وابن عياش - هو إسماعيل الحمصي - ضعيف في روايته عن الحجازيين وهذا منها. والحديث قال الهيثمي (5 / 325) : " رواه أحمد والطبراني من طريق إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة وهي

2127

ضعيفة ". قلت: ولفظ الطبراني كما في " الجامع الصغير ": " كان يعجبه أن يلقى العدو عند زوال الشمس ". وخالف ابن عياش أبو إسحاق الفزاري في إسناده فقال: عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله - وكان كاتبا له - قال: كتب إليه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقرأته: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيه (العدو) انتظر حتى مالت الشمس ثم قام في الناس قال ... ". أخرجه البخاري (6 / 91 - فتح) والبيهقي (9 / 152) . ورواه أحمد (4 / 353 - 354 ) من طريق أبي حيان قال: سمعت شيخا بالمدينة يحدث أن عبد الله بن أبي أوفى كتب إلى عبيد الله إذا أراد أن يغزو الحرورية، فقلت لكاتبه - وكان لي صديقا -: انسخه لي، ففعل، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره بلفظ: " فينظر ، إذا زالت الشمس نهد إلى عدوه ... ثم قال ". ورجاله ثقات غير الشيخ الذي لم يسم. وقال الحافظ بعد أن ذكر حديث الترجمة من رواية أحمد: " ولسعيد بن منصور من وجه آخر عن ابن أبي أوفى: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم تمهل (! ) إذ زالت الشمس، ثم ينهض إلى عدوه ". 2127 - " كان يحب الدباء ". أخرجه أحمد (3 / 177 و 274) عن شعبة قال: سمعت قتادة يحدث قال: سمعت أنس ابن مالك قال: فذكره. وفي لفظ: " القرع "، قال:

2128

" فأتي بطعام أو دعي له ، قال أنس: فجعلت أتتبعه، فأضعه بين يديه لم أعلم أنه يحبه ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ومن طريق أخرى عنده (3 / 279 و 289 - 290) عن شعبة بلفظ: " كان يعجبه القرع، وفي لفظ: الدباء ". وسنده صحيح أيضا. وأخرجه ابن ماجة (2 / 310 - 311) من طريق حميد عن أنس باللفظ الأول. وإسناده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 229 - 231) من طرق أخرى عن أنس باللفظين. وأخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 199) من طريقين عنه باللفظ الأول. وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأبو يعلى (3 / 1032) من طريق أخرى، وابن عدي (170 / 1) من طريق سواها، كلاهما عن أنس باللفظ الثاني. وكذا رواه ابن سعد (1 / 391) . 2128 - " كان يستحب يوم الخميس أن يسافر فيه ". أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 262) وابن عدي (114 / 1) عن خالد بن إلياس عن أبي سلمة، وقال أبو الشيخ: " عن محمد بن المنكدر " عن أم سلمة مرفوعا.

2129

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، خالد بن إلياس متروك الحديث كما قال الحافظ في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه الطبراني في " الكبير " وإليه وحده عزاه السيوطي في " الجامع " وبه أعله الهيثمي وغيره. لكن في " البخاري " (6 / 86) من حديث كعب بن مالك: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الخميس في غزوة تبوك، وكان يحب أن يخرج يوم الخميس ". وفي رواية له: " لقلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج إذا خرج في سفر إلا يوم الخميس ". ورواها البيهقي (9 / 191) وأحمد (3 / 456) . وروى سعيد بن منصور عن مهدي بن ميمون عن واصل مولى أبي عيينة قال: " بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سافر أحب أن يخرج يوم الخميس ". وهذا إسناد معضل، رجاله ثقات. 2129 - " كان يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 190) عن الأعمش عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن الأعمش على عنعنته لم يثبت له سماع من أنس. لكن تابعه قتادة قال: حدثني أنس: " أن خياطا بالمدينة دعا النبي صلى الله عليه وسلم لطعامه، قال: فإذا خبز شعير بإهالة سنخة، وإذا

2130

فيها قرع، قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه القرع، قال أنس: لم يزل يعجبني القرع منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه ". أخرجه أحمد (3 / 208 و 210 - 211 و 232 و 252 و 270 و 289) وابن سعد (1 / 391) من طرق عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. قوله: (والإهالة) : هي كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به، وقيل غير ذلك. و (السنخة) : المتغيرة الريح. 2130 - " كان يركب الحمار ويخصف النعل ويرقع القميص، ويقول: من رغب عن سنتي فليس مني ". رواه أبو الشيخ (ص 128) والسهمي في " تاريخ جرجان " (315) من طريق أبي يعلى حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل حدثنا يحيى بن يعلى عن مختار التيمي عن كرز ابن وبرة الحارثي عن أبي أيوب مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، مختار - وهو ابن نافع التيمي - ضعيف، ومثله يحيى ابن يعلى وهو الأسلمي الكوفي. لكن له شاهد مرسل قوي، قال ابن سعد (1 / 372) : أخبرنا محمد بن مقاتل الخراساني : أخبرنا عبد الله بن المبارك قال: أخبرنا سفيان أن الحسن قال: " لما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم قال: هذا نبيي، هذا خياري، ائتسوا به، وخذوا في سنته وسبيله، لم يكن تغلق دونه الأبواب ولا تقوم دونه الحجبة ولا يغدى عليه بالجفان ولا يراح عليه بها، يجلس على الأرض ويأكل طعامه بالأرض ويلبس الغليظ ويركب الحمار ويردف بعده ويلعق أصابعه، وكان يقول: من يرغب عن سنتي فليس مني ". قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري.

2131

2131 - " كان يسمي الأنثى من الخيل فرسا ". أخرجه الحاكم (2 / 144) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا موسى بن سهل حدثنا مروان بن معاوية الفزاري عن أبي حيان التيمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة مرفوعا وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي! وأقول: كلا، فإن موسى بن سهل هذا لم يخرج له الشيخان مطلقا، ثم إن في الرواة في طبقته أربعة، كلهم يسمى موسى بن سهل. الأول: موسى بن سهل بن قادم الرملي النسائي الأصل، وهذا ثقة من شيوخ أبي داود والنسائي. الثاني: موسى بن سهل بن كثير الوشاء البغدادي، وهو ضعيف. الثالث: موسى بن سهل بن هارون الرازي ضعيف جدا. الرابع: موسى بن سهل الرازي لا يعرف. ولم يتعين عندي الآن أيهم صاحب هذا الحديث، وإلى أن يتبين أنه الثقة، فهو على الضعف، والله أعلم. ثم رأيت له متابعا، فقال أبو داود (1 / 399) : حدثنا موسى بن هارون الرقي حدثنا مروان ابن معاوية به. والرقي الذي سمع منه أبو حاتم الرازي وغيره من الأئمة وذكره ابن حبان في " الثقات ". فالحديث بهذه المتابعة ينجو من الضعف، ويدخل في قسم الصحيح أو الحسن على الأقل. والله سبحانه وتعالى أعلم.

2132

2132 - " كان يصلي ما بين المغرب والعشاء ". أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 32) والبيهقي (3 / 20) عن منصور بن صقير حدثنا عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف ، عمارة بن زاذان صدوق سيء الحفظ. ومنصور بن صقير ضعيف. لكن للحديث شواهد يتقوى بها: منها عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم. عزاه السيوطي في " الجامع " للطبراني في " المعجم الكبير " وعند أحمد أيضا (5 / 431) والبيهقي من طريق التيمي قال: " طرأ علينا رجل في مجلس أبي عثمان النهدي فحدثنا عن عبيد .... " فذكره. ورواه هو وابن نصر عن المعتمر بن سليمان قال: قال أبي: حدثني رجل قال: " سئل عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بصلاة بعد المكتوبة؟ قال: نعم، بين المغرب والعشاء ". ومنها عن حذيفة مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح كما هو مبين في " تخريج الترغيب " (1 / 205 - 206) . 2133 - " كان يضمر الخيل يسابق بها ". أخرجه أبو داود (1 / 403 - تازية) عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله كلهم ثقات رجال البخاري. وأخرجه ابن ماجة (2 / 205) من هذا الوجه بنحوه.

2134

وتابعه ابن أبي ليلى عن نافع به دون قوله: " يسابق بها ". أخرجه أحمد. 2134 - " كان يعجبه الحلو البارد ". أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (9 / 260) : حدثنا محمد بن غالب حدثنا الحميدي وهذا في " مسنده " (1 / 125 / 257) حدثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا. ثم روى من طريق ابن حنبل: حدثني أبي حدثنا سفيان بلفظ: " كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البارد ". ثم زاد (10 / 276) من طريق محمد بن منصور الجواز المكي: حدثنا سفيان به: " الحلو البارد ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وهو في " المشكاة " (4282) بنحوه، وفيه زيادة: " الحلو البارد ". وهي في " مسند أحمد " ( 6 / 38 و 40) بإسناده المتقدم: حدثنا سفيان به. وقد أعل الترمذي هذا الحديث بالإرسال، وسيأتي الجواب عنه حينما نعيد الحديث بزيادة في التخريج والتحقيق إن شاء الله برقم (3006) . 2135 - " كان يعجبه الرؤيا الحسنة ". أخرجه أحمد (3 / 135 و 257) عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس مرفوعا .

2136

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد يرويه علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 44 و 50) والطحاوي في " المشكل " (4 / 312) . قلت: وإسناده لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات على شرط مسلم غير علي بن زيد - وهو ابن جدعان - فهو ضعيف لسوء حفظه. 2136 - " كان يعجبه الريح الطيبة ". أخرجه أبو داود (2 / 178) والحاكم (4 / 188 - 189) وأحمد (6 / 144 و 219 و249) وابن سعد (1 / 453) من طرق عن همام بن يحيى عن قتادة عن مطرف عن عائشة: " أنها صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة، من صوف سوداء، فلبسها، فلما عرق وجد ريح الصوف، فخلعها، وكان ... " فذكره. وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه أبو الشيخ (ص 129) نحوه. 2137 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف بريح الطيب إذا أقبل ". أخرجه ابن سعد (1 / 399) والدارمي (1 / 32) عن الأعمش عن إبراهيم قال : فذكره. قلت: ورجاله ثقات لكنه مرسل أو معضل، فإن إبراهيم - هو ابن يزيد النخعي - تابعي صغير، عامة رواياته عن التابعين. ثم روى ابن سعد من طريق أبي بشر صاحب البصري: أخبرنا يزيد الرقاشي أن

أنس بن مالك حدثهم قال: " كما نعرف خروج النبي صلى الله عليه وسلم بريح الطيب ". لكن يزيد الرقاشي ضعيف. وأبو بشر صاحب البصري (ويقال: القرى والمقري) قال أبو حاتم: " لا أعرفه ". ثم روى الدارمي من طريق إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهامشي أنبأنا المغيرة بن عطية عن أبي الزبير عن جابر: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلك طريقا، أو لا يسلك طريقا فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرقه، أو قال: من ريح عرقه ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو الزبير مدلس وقد عنعنه. والمغيرة بن عطية مجهول، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 227) من هذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وإسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن الهاشمي أورده الطوسي في " رجاله " (ص 149) في أصحاب جعفر الصادق رقم (134) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا كغالب عادته! وزاد على ما في هذا الإسناد أنه مدني. ذكره في أصحاب الباقر (ص 104 رقم 17) : " إسماعيل بن الفضل بن يعقوب بن الفضل بن عبد الله بن الحارث بن عبد المطلب ثقة من أهل البصرة ". وذكر المعلق عليه أنه هو الأول المدني، وتبع في ذلك الحافظ ابن حجر في " اللسان " وهو بعيد عندي لاختلاف اسم جدهما، ونسبتهما. والله أعلم . ثم وجدت لحديث أنس طريقا أخرى يرويه بشر بن سيحان حدثنا عمر بن سعيد

2138

الأبح عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس به نحوه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 314 - نسخة الحرم المكي من زوائده) . وهذا سند ضعيف أيضا، عمر بن سعيد الأبح قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 111) عن أبيه: " ليس بقوي ". وفي " الميزان ": " قال البخاري: منكر الحديث ". وبالجملة، فالحديث حسن على أقل الأحوال بمجموع طرقه. والله تعالى أعلم. 2138 - " كان يضع صدره ووجهه وذراعيه وكفيه بين الركن والباب. يعني في الطواف ". أخرجه أبو داود (1 / 297) وابن ماجة (2 / 225 - 226) والبيهقي (5 / 93) وكذا عبد الرزاق في " المصنف " (9043) والأصبهاني في " الترغيب " (135 / 1 ) عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال " طفت مع عبد الله، فلما جئنا دبر الكعبة قلت له: ألا تتعوذ؟ قال: أعوذ بالله من النار، ثم مضى حتى استلم الحجر، قام بين الركن والباب فوضع صدره ... ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ". قلت: والمثنى ضعيف، وزاد عبد الرزاق بعد قوله: " عن أبيه ": " عن جده "، والأول أصح. فقد تابعه علي بن عاصم أنبأنا ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن أبيه قال: كنت أطوف.... فذكره نحوه .

أخرجه البيهقي. لكن علي بن عاصم فيه ضعف وقد خالفه عبد الرزاق فقال (9044 ) : عن ابن جريج قال: قال عمرو بن شعيب: طاف محمد بالبيت - جده - مع أبيه عبد الله بن عمرو ... فذكره نحوه. وابن جريج مدلس ومن الممكن أن تكون الواسطة بينه وبين عمرو بن سعيد هو المثنى نفسه، فلا يتقوى الحديث بطريقه عن عمرو، ولاسيما مع هذا الاختلاف في إسناده عنه. لكن يشهد له ما روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن عبد الرحمن بن صفوان قال: " لم فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، قلت ... فلأنظرن كيف يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فانطلقت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من الكعبة هو وأصحابه، وقد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم، وقد وضعوا خدودهم على البيت، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطهم ". أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد (3 / 431) وابن أبي شيبة في " مسنده " أيضا (2 / 35 / 2) . ورجاله ثقات غير يزيد هذا - وهو الهاشمي مولاهم - ضعيف الحفظ. ووجدت له شاهدا موقوفا قويا، فقال عبد الرزاق (9047) : عن ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد قال: قال ابن عباس: " هذا الملتزم بين الركن والباب ". قلت: وهذا إسناد صحيح. ثم روى عن هشام بن عروة عن أبيه: " أنه كان يلصق بالبيت صدره ويده وبطنه ".

2139

وسنده صحيح أيضا . وروى عبد الرزاق أيضا (9045) بسند صحيح أيضا عن مجاهد قال: جئت ابن عباس وهو يتعوذ بين الركن والباب. وأخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (4 / 93) أيضا لكنه قرن مع ابن عباس ابن عمرو وابن عمر. وروى عبد الرزاق (9051) بإسناد صحيح عن نافع أن ابن عمر كان لا يلزم شيئا من البيت. لكن رواية مجاهد أولى لأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي كما هو مقرر في علم الأصول. وأما حديث: " ما بين الركن والمقام ملتزم من دعا ... " الحديث، فإسناده ضعيف جدا كما بينته في " الضعيفة " (4865) . 2139 - " مر النبي صلى الله عليه وسلم على نسوة، فسلم عليهن ". أخرجه أحمد (4 / 357 و 363) وابن السني في " عمل اليوم " (221) والطبراني في " الكبير " (118 / 1) عن جابر عن طارق التميمي عن جرير قال: فذكره. وزاد أحمد بين جابر وطارق رجلا لم يسمه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، جابر هو ابن يزيد الجعفي وهو ضعيف، ووقع في الموضع الثاني من " المسند " جابر بن عبد الله. ولعله وهم. وطارق التميمي كذا وقع في الموضعين من " المسند "، ووقع في ابن السني والطبراني " التيمي " ولم أجد له ترجمة. لكن الحديث قد صح من حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية.

2140

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1047 و1048) بسندين، أحدهما حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير مهاجر بن أبي مسلم مولى أسماء روى عنه جمع من الثقات، ووثقه ابن حبان (5 / 427) . وتابعه شهر بن حوشب، ولا بأس به في المتابعات وهي الطريق الأخرى. وأخرجها أيضا أبو داود والترمذي وأحمد (6 / 452 و 457 - 458) . 2140 - " كان يمشي مشيا يعرف فيه أنه ليس بعاجز ولا كسلان ". رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (11 / 58 / 2 من المنتقى منها) : حدثنا الحسين (يعني: ابن إسماعيل) حدثنا عبيد الله بن جرير بن جبلة قال: حدثنا ابن أبي بكر قال: حدثنا يحيى بن راشد قال: حدثنا داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وابن أبي بكر هو المقدمي، وقد رواه من طريق أخرى عنه البغوي في " شرح السنة " (4 / 70 / 2) . قلت: ويحيى بن راشد - وهو المازني - ضعيف. ولكنه تابعه حماد بن سلمة فقال أبو الحسن الحربي في " الحربيات " (2 / 47 / 2) : أخبرنا عبد الله بن أسيد أخبرنا أبو مسعود أحمد بن الفرات أخبرنا زيد بن عوف أخبرنا حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند جابر - وهو ابن زيد، أبو الشعثاء - عن ابن عباس نحوه. لكن زيد بن عوف متروك. وله شاهد مرسل رواه ابن المبارك في " الزهد " (288 / 873) : أخبرنا أبو إسرائيل عن سيار أبي الحكم مرفوعا بلفظ: " كان يمشي مشية السوقي، لا العاجز ولا الكسلان ". وأبو إسرائيل اسمه إسماعيل بن خليفة، صدوق، سيء الحفظ.

2141

وبالجملة، فالحديث عندي حسن بهذا الشاهد، ولاسيما وهو معنى حديث علي: " كان إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب ". وقد مضى تخريجه تحت الحديث (2083) . 2141 - " كان يلاعب زينب بنت أم سلمة وهو يقول: يا زوينب! يا زوينب، مرارا ". رواه الضياء في " المختارة " (45 / 2) عن أحمد بن حرب حدثنا علي بن عبد الحميد حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني - قال: قال علي: أحسبه - عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح. رجاله كلهم ثقات. 2142 - " لأن تصلي المرأة في بيتها خير لها من أن تصلي في حجرتها، ولأن تصلي في حجرتها خير لها من أن تصلي في الدار ولأن تصلي في الدار خير لها من أن تصلي في المسجد ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 265) والبيهقي في: " السنن " (3 / 132) و " شعب الإيمان " (2 / 475 / 1) عن أبي بكر بن أبي أويس حدثني سليمان ابن بلال عن شريك بن أبي نمر عن يحيى بن جعفر بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير يحيى بن جعفر بن أبي كثير وهو أخو

إسماعيل بن جعفر وفي ترجمته ساق البخاري هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وكذلك صنع ابن أبي حاتم (4 / 2 / 134) ولكنه لم يسق الحديث وذكر أنه روى عنه إسماعيل بن جعفر ولعله وهم وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 596) . ثم ذكر البخاري أن حاتم بن إسماعيل روى عن يحيى بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ويحيى بن محمد بن عبد الرحمن ... لم أعرفه ويحتمل أنه خطأ مطبعي وأن الصواب عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن ... ويحيى هو ابن جعفر بن أبي كثير نفسه المذكور في الطريق الأولى، وغرض البخاري أن يبين أن حاتم بن إسماعيل خالف شريك بن أبي نمر في إسناده فقال: عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده. وقال شريك عن يحيى عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن القاسم عن عائشة. والله أعلم. وللحديث شاهد يرويه محمد بن زيد بن المهاجر بن قنفذ عن أبيه عن أم سلمة مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 24 / 1) وقال: " لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد ". قلت: وقال المنذري في " الترغيب " (1 / 135) : " إسناده جيد ". كذا قال، ويرده قول الهيثمي (2 / 34) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح خلا زيد بن المهاجر، فإن ابن أبي حاتم لم يذكر عنه راويا غير ابنه محمد ابن زيد ". قلت: ولكنه شاهد لا بأس به لحديث عائشة، فالحديث حسن بمجموعهما .

2143

وله شاهد آخر من حديث أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي مرفوعا بنحوه، وله عنها طريقان يقوي أحدهما الآخر كما بينته في " تخريج الترغيب "، فالحديث به صحيح. 2143 - " لئن عشت إن شاء الله لأنهين أن يسمى: رباح ونجيح وأفلح ونافع ويسار ". أخرجه الترمذي (2 / 136) وابن ماجة (3729) والطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 302) والحاكم (4 / 274) عن أبي أحمد حدثنا سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر عن عمر بن الخطاب مرفوعا. ولم يذكر الطحاوي عمر في إسناده وقال الترمذي: " حديث غريب، هكذا رواه أبو أحمد عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن عمر، ورواه غيره عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو أحمد ثقة حافظ، والمشهور عند الناس عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه عن عمر ". قلت: هي رواية الطحاوي كما ذكرنا، وهي عنده من رواية محمد بن كثير العبدي: حدثنا سفيان الثوري به. وتابعه أبو حذيفة: حدثنا سفيان به. أخرجه الحاكم، وقال: " صحيح على شرط مسلم، ولا أعلم أحد رواه عن الثوري بذكر عمر في إسناده غير أبي أحمد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا لولا عنعنة أبي الزبير، لكن قد صرح بالتحديث في رواية ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى عن أن يسمى بيعلى وببركة وبأفلح وبيسار وبنافع وبنحو

2144

ذلك، ثم رأيته سكت بعد عنها فلم يفعل شيئا، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينه عن ذلك، ثم أراد عمر أن ينهى عن ذلك ثم تركه ". أخرجه مسلم (6 / 172) . (تنبيه) : ثم قبض ولم ينه عن ذلك، إنما هو بالنسبة لعلم جابر، وإلا فقد حفظ نهيه عن ذلك سمرة بن جندب كما رواه مسلم وغيره، فانظر " الترغيب " (3 / 85) . 2144 - " عليكم بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة ". أخرجه مسلم (4 / 71) والنسائي (2 / 49) والبيهقي (5 / 127) وأحمد (1 / 210 و 213) عن أبي الزبير عن أبي معبد عن عبد الله بن عباس عن الفضل ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس حين دفعوا عشية عرفة وغداة جمع: " عليكم بالسكينة "، وهو كاف ناقته حتى إذا دخل منى فهبط حين هبط محسرا قال: فذكره. قال: والنبي صلى الله عليه وسلم يشير بيده كما يخذف الإنسان. وصرح أبو الزبير بالتحديث في رواية لأحمد وغيره. (فائدة) : ترجم النسائي لهذا الحديث بقوله: " من أين يلتقط الحصى؟ "، فأشار بذلك إلى أن الالتقاط يكون من منى، والحديث صريح في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم به حين هبط محسرا، وهو من منى كما في رواية مسلم والبيهقي وعليه يدل ظاهر حديث ابن عباس قال: قال لي رسول الله غداة العقبة وهو على راحلته: هات القط لي، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين. أخرجه النسائي والبيهقي وأحمد (1 / 215 و 247) بسند صحيح .

2145

ووجه دلالته إنما هو قوله: " غداة العقبة "، فإنه يعني غداة رمي جمرة العقبة الكبرى، وظاهره أن الأمر بالالتقاط كان في منى قريبا من الجمرة، فما يفعله الناس اليوم من التقاط الحصيات في المزدلفة مما لا نعرف له أصلا في السنة ، بل هو مخالف لهذين الحديثين على ما فيه من التكلف والتحمل بدون فائدة! 2145 - " إذا سألتم الله فسلوه الفردوس، فإنه سر الجنة ". أخرجه الفسوي في " التاريخ " (2 / 254 - 255) وكذا البخاري في ترجمة سويد ( 2 / 2 / 146) والبزار في " مسنده " (4 / 191 / 3512) والطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 254 / 635) و " مسند الشاميين " (ص 367) كلهم عن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق قال: حدثني عمرو بن الحارث بن الضحاك قال : حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عوف أن سويد بن جبلة حدثهم: أن عرباض بن سارية حدثهم يرده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره، وزادوا إلا البزار: " يقول الرجل منكم لراعيه: عليك بسر الوادي، فإنه أمرعه وأعشبه ". وقال البزار: " لا نعلمه عن العرباض إلا هذا بهذا الإسناد ". قلت: وهو ضعيف لما يأتي. وقال الهيثمي ( 10 / 171) : " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا ". وقال في موضع آخر (10 / 398) : " رواه البزار، ورجاله ثقات "!

كذا قال، وقلده الأعظمي - كعادته - ، وأعجب منه ما فعله المناوي، فإنه نقل قول الهيثمي الأول، ثم قال عقبه: " وبه يعلم أن رمز المؤلف لحسنه تقصير، وحقه الرمز لصحته "! وقلده القائمون على طبع " الجامع الكبير " (1 / 5 / 588 / 1939) كعادتهم أيضا! ووجه الخطأ من ناحيتين: الأولى: أن قوله: " رجاله ثقات " لا يعني أن الإسناد صحيح، لما تقدم بيانه أكثر من مرة، فكيف وهو تعقبه في قوله الأول: " رجاله وثقوا "، فإن هذا فيه إشارة إلى أن بعض رجاله وثقوا توثيقا مريضا. ويكثر من هذا التعبير الحافظ الذهبي في كتابه " الكاشف "، وقد تتبعت قوله هذا في عشرات التراجم، فوجدتها كلها أو جلها ممن تفرد ابن حبان بتوثيقه، ويقول فيهم وفي أمثالهم في " الميزان ": " مجهول "، ويقول الحافظ: " مقبول ". وفي إسناد هذا الحديث - كما ترى - سويد بن جبلة، وقد وثقه ابن حبان، لكن قد ذكر البخاري أنه روى عنه أربعة من الثقات، أحدهم: حريز بن عثمان، وقد قال أبو داود: " شيوخ حريز ثقات "، ولذلك ملت في " تيسير الانتفاع " إلى أنه صدوق، فليس هو علة هذا الحديث، وإنما هي التالية على التأكيد. والأخرى: إسحاق بن زبريق هذا، فإنه مختلف فيه وأورده ابن حبان في " الثقات " (8 / 113) تبعا لقول ابن معين فيه: " لا بأس به ". لكن كذبه محمد بن عوف الطائي الحمصي، وهو به أعرف من غيره لأنه من بلده، ولذلك قال الحافظ فيه: " صدوق يهم كثيرا، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب ".

2146

ولهذا، فالنفس لا تطمئن للاحتجاج بحديثه، وإنما للاستشهاد به، ولذلك خرجته هنا، فإن له شاهد عند البخاري وغيره، تقدم تخريجه برقم (921 و 922) بخلاف حديث آخر له، كنت خرجته بهذا الرقم، لكون الهيثمي ذكر أن له إسنادين أحدهما حسن! فاتبعته على ذلك لأن المصدر الذي عزاه إليه، وهو " الطبراني الكبير " لم يكن مطبوعا، فلما طبع والحمد لله تبين أن مدار الإسنادين على ابن زبريق هذا، فنقلته إلى " الضعيفة " لخلوه - فيما علمت - من شاهد، وهو برقم (5725) . 2146 - " كان من تلبيته صلى الله عليه وسلم: لبيك إله الحق ". أخرجه النسائي (2 / 18) وابن ماجة (2 / 216) وابن خزيمة (261 / 2) وابن حبان (975) والحاكم (1 / 450) والبيهقي (5 / 45) وأحمد (2 / 341 و352 و 476) وأبو نعيم (9 / 42) من طريق عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأما النسائي فقال: " لا أعلم أحدا أسند هذا عن عبد الله بن الفضل إلا عبد العزيز، ورواه إسماعيل بن أمية عنه مرسلا ". قلت: عبد العزيز هذا ثقة ثبت محتج به في " الصحيحين " وهو الماجشون، فزيادته مقبولة. ثم روى البيهقي من طريق محبوب بن الحسن، حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بعرفات، فلما قال: لبيك اللهم لبيك، قال: إنما الخير خير الآخرة ".

2147

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله رجال " الصحيح "، وفي محبوب - وهذا لقبه، واسمه محمد بن الحسن بن هلال - خلاف، والراجح أنه حسن الحديث، وقد روى له البخاري حديثا واحدا. 2147 - " لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور ". أخرجه ابن ماجة رقم (1585) وابن حبان (737) عن أبي أسامة عن عبد الرحمن ابن يزيد بن جابر عن مكحول والقاسم عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن ... قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم وهو ابن عبد الرحمن الدمشقي، صاحب أبي أمامة وهو حسن الحديث وقد قرن به مكحولا وهو ثقة، فكان ينبغي أن يصحح الحديث لولا أنه مدلس وقد عنعنه. 2148 - " لعن المختفي والمختفية ". أخرجه البيهقي (8 / 270) من طريق يحيى بن صالح وأبي قتيبة حدثنا مالك عن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، ولعله لم يخرجه للاختلاف في إسناده، فقد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي: أنبأ مالك عن أبي الرجال عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم ... وقال: " وهذا مرسل وهو الصحيح "، وقد تعقبه ابن التركماني فقال: " فيه أن يحيى بن صالح ثقة، أخرج له الشيخان وغيرهما، وأبو قتيبة سلم بن قتيبة

2149

أخرج له البخاري في " صحيحه "، فهذان ثقتان زادا الوصل، فيقبل منهما. وتابعهما عبد الله بن عبد الوهاب، فرواه عن مالك كذلك. أخرجه صاحب " التمهيد "، فظهر بهذا أن الصحيح في هذا الحديث أنه موصول ". (المختفي) : هو نباش القبور. 2149 - " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يسم في الوجه ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (140 / 2) قال: حدثنا أحمد بن سليمان ابن أيوب المديني الأصبهاني أخبرنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أخبرنا أبي أخبرنا أبو حمزة عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، غير أحمد بن سليمان هذا، قال أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 109) : " توفي سنة تسع وتسعين ومائتين، يروي عن العراقيين الحديث الكثير: سوار بن عبد الله والوليد بن شجاع وزياد بن أيوب، وغيرهم من الثقات ". وذكر أبو الشيخ في " طبقاته " (ص 372 - منسوختنا) أنه من أهل المدينة، يكنى أبا محمد الوشاء. قلت: والحديث أصله في " مسلم " (6 / 163) من طريق أبي عبد الله مولى أم سلمة حدثه أنه سمع ابن عباس يقول: " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوم الوجه، فأنكر ذلك ". وهو رواية للطبراني (3 / 99 / 2) . وله شاهد من حديث جابر قال: " مر حمار برسول الله صلى الله عليه وسلم قد كوي في وجهه يفور منخراه من دم، فقال رسول الله

2150

صلى الله عليه وسلم: لعن الله من فعل هذا. ثم نهى عن الكي في الوجه، والضرب في الوجه ". أخرجه مسلم وابن حبان (2003 - 2005) والسياق له، وأبو داود ( 2564) ولفظه: " أما بلغكم أني قد لعنت من وسم البهيمة في وجهها، أو ضربها في وجهها؟ ! فنهى عن ذلك ". وله شاهد آخر من حديث أنس قال: " رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا موسوما في وجهه، فقال: " فذكره. أخرجه البزار (ص 249 - زوائده) بسند صحيح كما قال مختصره. 2150 - " لقد قرأتها، سورة (الرحمن) على الجن ليلة الجن، فكانوا أحسن مردودا منكم ، كنت كلما أتيت على قوله * (فبأي آلاء ربكما تكذبان) *، قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد ". أخرجه الترمذي في " سننه " (2 / 234) عن زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه فقرأ عليهم (سورة الرحمن) من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: فذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد، قال ابن حنبل: كأن زهير بن محمد الذي وقع بالشام ليس هو الذي يروى عنه بالعراق، كأنه رجل آخر قلبوا اسمه يعني: لما يروون عنه من المناكير وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: أهل الشام يروون عن زهير بن محمد مناكير وأهل العراق يروون عنه أحاديث مقاربة ".

2151

ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (2 / 473) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي! لكن للحديث شاهدا يتقوى به، فقال ابن جرير (27 / 72) : حدثنا محمد بن عباد بن موسى وعمرو بن مالك البصري قالا: حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به. وأخرجه البزار أيضا (ص 221 - 222 زوائده) : حدثنا عمرو بن مالك حدثنا يحيى بن سليم به، وعنده في آخره: " فلك الحمد "، وقال: " لا نعلمه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد ". قال الحافظ عقبه: " وكلهم ثقات إلا شيخه فقد ضعفه الجمهور ". قلت: يعني عمرو بن مالك البصري، لكنه عند ابن جرير مقرون بمحمد بن عباد بن موسى وهو الملقب بـ " سندولا "، وهو صدوق يخطىء، فأحدهما يقوي الآخر، لكن يحيى بن سليم الطائفي وإن كان صدوقا من رجال الشيخين، فهو سيء الحفظ كما في " التقريب " لكن الحديث بمجموع الطريقين لا ينزل عن رتبة الحسن. والله أعلم. 2151 - " لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله، فإن نفس المؤمن تخرج رشحا ونفس الكافر تخرج من شدقه كما تخرج نفس الحمار ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 77 / 1) عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله رفعه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، على خلاف في عاصم - وهو ابن أبي النجود - بسبب حفظه والذي استقر عليه رأي المحققين فيه أنه وسط حسن

2152

الحديث حجة ما لم يخالف. ولذلك قال الهيثمي (4 / 323) : رواه الطبراني في " الكبير " وإسناده حسن. 2152 - " لك في كل كبد حرى أجر ". أخرجه الحميدي في " مسنده " (902) حدثنا سفيان قال: سمعت الزهري يخبر عن ابن سراقة أو ابن أخي سراقة عن سراقة قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة فلم أدر ما أسأله عنه، فقلت: يا رسول الله! إنى أملأ حوضي أنتظر ظهري يرد علي، فتجيء البهمة فتشرب، فهل في ذلك من أجر؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري إن كان الزهري سمعه عن ابن أخي سراقة، واسمه عبد الرحمن بن مالك بن مالك بن جعشم. وأما إن كان سمعه من ابن سراقة نفسه واسمه محمد، فلم أعرفه ولم أره في شيء من كتب الرجال التي عندي مثل " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم و " الثقات " لابن حبان و " التاريخ " للبخاري وغيرها. لكن يرجح الأول أن محمد بن إسحاق رواه أيضا عن الزهري عن عبد الرحمن بن مالك به. أخرجه ابن ماجة (2 / 294) والحاكم (3 / 619) وأحمد (4 / 175) وغيرهم. وتابعهما صالح - وهو ابن كيسان - لكنه قال: حدث ابن شهاب أن عبد الرحمن بن مالك أخبره أن أباه أخبره أن سراقة بن مالك دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث

2153

نحوه ، فأدخل بين عبد الرحمن وسراقة أباه مالكا. أخرجه أحمد أيضا. ورجاله رجال البخاري. ثم أخرجه من طريق معمر عن الزهري عن عروة بن الزبير عن سراقة بن مالك به. وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن حبان (860) من طريق ابن وهب: حدثنا يونس عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع أن سراقة بن مالك قال: فذكره . وإسناده صحيح أيضا والزهري إمام حافظ، فلا يستنكر منه أن يكون له في الحديث عدة شيوخ كما لا يخفى على المشتغلين بهذا العلم الشريف. وللحديث شاهد من رواية أسامة أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه عن جده. " أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ... " فذكره. أخرجه أحمد (2 / 222) وسنده حسن. والرجل المذكور هو سراقة ابن مالك فيما يظهر. والله أعلم. 2153 - " للغازي أجره، وللجاعل أجره وأجر الغازي ". رواه أبو داود (1 / 396 - تازية) والطحاوي في " المشكل " (4 / 272) وأبو عوانة في " صحيحه " (21 / 1) وأحمد (2 / 174) عن ابن شفي عن شفي عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا. ومن هذا الوجه رواه أبو موسى المديني في " اللطائف " (66 / 1) عن الطبراني وغيره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.

2154

2154 - " للمسلم على المسلم أربع خلال: يشمته إذا عطس ويجيبه إذا دعاه ويشهده إذا مات ويعوده إذا مرض ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (923) وابن ماجة (1 / 438) وابن حبان (2064) وبحشل في " تاريخ واسط " (ص 217) والحاكم (1 / 349 و 4 / 264) وأحمد (5 / 273) عن عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن حكيم بن أفلح عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! كذا قالا، وهو من أوهامهما لأمور: الأول: أن حكيما هذا لم يخرج له الشيخان في " صحيحيهما " وإنما أخرج له البخاري في " الأدب المفرد " كما رأيت. الثاني: أنه في عداد المجهولين، قال الذهبي في ترجمته من " الميزان ": " تفرد عنه والد عبد الحميد بن جعفر ". قلت: ولذلك لم يوثقه الحافظ وإنما قال: " مقبول ". الثالث: أن عبد الحميد ابن جعفر إنما روى له البخاري تعليقا. وأبوه جعفر - وهو ابن عبد الله بن الحكم الأنصاري - إنما روى له البخاري في " الأدب المفرد " أيضا. قلت: ومن هنا تعلم خطأ المعلق على " تهذيب الكمال " في قوله (7 / 162) : " وإسناده صحيح " . نعم، صح الحديث من حديث أبي هريرة بلفظ: " حق المسلم على المسلم خمس ... وفي رواية: ست ". فذكر هذه الأربع وزاد:

2155

" إذا لقيته فسلم عليه وإذا استنصحك فانصح له ". وهو مخرج فيما تقدم برقم (1832) . (تنبيه) : حكيم بن أفلح جاء في ترجمته من " تهذيب التهذيب " أنه ذكره ابن حبان في " الثقات ". ولم أره في النسخة المطبوعة منه ولا جاء ذلك في أصله: " تهذيب المزي "، لكن المعلق الفاضل عليه قد عزاه إليه وذكره الهيثمي في " ترتيب الثقات ". فالله أعلم. 2155 - " لم تحل الغنائم لأحد سود الرءوس من قبلكم، كانت تنزل نار من السماء فتأكلها ". أخرجه الترمذي (3084) وابن حبان (1668) والطحاوي في " المشكل " (4 / 292 ) من طرق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا به. فلما كان يوم بدر وقعوا في الغنائم قبل أن تحل لهم فأنزل الله: * (لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) *. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب من حديث الأعمش ". قلت: وهو على شرط الشيخين. وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة، ستأتي برقم (2741) نحوه. 2156 - " لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته ". أخرجه مسلم (8 / 83) وأبو داود (1503) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 107 ) وابن منده في " التوحيد " له (77 / 1 و 103 / 2) وكذا النسائي (1 /

2157

198 - 199) والترمذي (2 / 273) وابن ماجة (3808) وأحمد (6 / 324 - 325) من طرق عن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن كريب عن ابن عباس عن جويرية : " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت نعم. قال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. ولفظ النسائي والترمذي وأحمد: " ألا أعلمك كلمات لو عدلن بهن عدلتهن، أو لو وزن بهن وزنتهن، يعني بجميع ما سبحت؟ سبحان الله عدد خلقه، ثلاث مرات ... " الحديث وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم وهو رواية لابن خزيمة. وقد رويت هذه القصة من طريق أخرى وهي مع ضعف إسنادها مخالفة لهذه القصة الصحيحة من وجوه منها أن التسبيح كان عدا بالنوى أو الحصى، وقد بينت ذلك في " الضعيفة " (1 / 131) ، فليرجع إليه من شاء. 2157 - " لا، ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مصيبة، خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان ". أخرجه الترمذي (1 / 187) والحاكم (4 / 41) والبيهقي (4 / 69) والبزار (ص 78) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (110 / 2 - 111 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (1 / 169 / 1) والضياء في " المختارة " (10 / 99 / 2) عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال:

2158

" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرحمن بن عوف فانطلق به إلى ابنه إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعه في حجره، فبكى، فقال له عبد الرحمن: أتبكي! أولم تكن نهيت عن البكاء؟ قال " ... " فذكره، وقال الترمذي : " حديث حسن ". قلت: ابن أبي ليلى - واسمه محمد بن عبد الرحمن - سيء الحفظ ، فالظاهر أنه يعني أنه حسن لغيره لطرقه، وقد وقفت منها على حديث أنس بإسناد حسن سبق تخريجه برقم (427) . ووجدت له طريقا أخرى عنه، فقال ابن السماك في " الأول من حديثه " (ق 87 / 2) : حدثنا الحسين حدثنا عبيد بن عبد الرحمن التميمي قال: حدثني عيسى بن طهمان عن أنس به نحو حديث ابن أبي ليلى. لكن عبيد هذا أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 410) وكناه بأبي محمد البزار، روى عنه أبو أسامة الكلبي، وقال عن أبيه: " لا أعرفه، والحديث الذي رواه كذب ". والحديث الذي أشار إليه لم أعرفه، وهو غير هذا قطعا. والله أعلم. 2158 - " لما صور الله تبارك وتعالى آدم عليه السلام تركه، فجعل إبليس يطوف به ينظر إليه، فلما رآه أجوف، قال: ظفرت به خلق لا يتمالك ". رواه عبد الله بن أحمد في " الزهد " (ص 48) وابن عساكر (2 / 310 / 1) عن هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 31) من طريقين آخرين عن حماد به دون قوله: " ظفرت به "، ولذلك استدركه الحاكم عليه

2159

(2 / 542) من طريق عفان بن مسلم: حدثنا حماد بن سلمة بهذه الزيادة وقال: " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي. ورواه ابن سعد (1 / 6) وأحمد (3 / 152 و 229 و 240 و 254 ) والبيهقي في " الأسماء " (ص 386) . 2159 - " لما نفخ الله في آدم الروح، فبلغ الروح رأسه عطس، فقال: الحمد لله رب العالمين، فقال له تبارك وتعالى: يرحمك الله ". أخرجه ابن حبان (2081) والحاكم (4 / 263) من طريقين عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس مرفوعا، إلا الحاكم فموقوفا، وقال: " صحيح على شرط مسلم، وإن كان موقوفا "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وللحديث شاهد مرفوع من حديث أبي هريرة وهو مخرج في " تخريج السنة لابن أبي عاصم " (204 و 205) . (تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " دون " الكبير " برواية المذكورين بزيادة: " مارت وطارت ". وليست عندهما، فلا أدري من أين وقعت إليه؟ 2160 - " لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية ". أخرجه أحمد (3 / 396) عن أبي بكر بن عياش: حدثني الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا. قلت: وإسناد جيد، رجاله ثقات رجال الصحيح.

وفي رواية له (6 / 362) من طريق زائدة عن سليمان (هو الأعمش) عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر قالت: " جاء غلام حاطب، فقال: والله لا يدخل حاطب الجنة! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، قد شهد بدرا والحديبية ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها. قالت: بلى يا رسول الله! فانتهرها، فقالت حفصة: * (وإن منكم إلا واردها) * (¬1) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله عز وجل: * (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا) * (¬2) ". أخرجه مسلم (7 / 169) ورواه أحمد (3 / 350) مختصرا وابن سعد (2 / 100 - 101) بتمامه من طريق وهب بن منبه عن جابر به. والمروزي في " زوائد الزهد " (1417) من طريق أبي الزبير. وفي رواية لمسلم عنه: " أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله! ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت ، لا يدخلها، فإنه شهد بدرا والحديبية ". وأخرجه أحمد أيضا (3 / 325 و 349 ) . وخالفهم خداش عن أبي الزبير به مرفوعا بلفظ: " ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة، إلا صاحب الجمل الأحمر ". ¬

(¬1) مريم: الآية: 71. اهـ. (¬2) مريم: الآية: 72. اهـ.

2161

أخرجه الترمذي (3862) ، وقال: " حديث حسن غريب ". وأقول: هو بهذا الاستثناء منكر عندي لأن خداشا هذا مع كونه لين الحديث كما في " التقريب "، فقد أتى بهذه الزيادة، " الاستثناء "، دون الثقات الذين رووه عن أبي الزبير، فهي منكرة. 2161 - " لن يلج الدرجات العلى من تكهن أو تكهن له، أو رجع من سفر تطيرا ". رواه تمام في " الفوائد " (224 / 1 رقم 2307 - نسختي) عن محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي حدثنا يحيى بن داود حدثنا إبراهيم بن يزيد حدثنا رقبة بن مصقلة عن رجاء بن حيوة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء مرفوعا. كتب ابن المحب على هامش " الفوائد " ما نصه: " رواه الطبراني عن محمد بن عبد الله الحضرمي وقال: " عن " وفيه: (عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة) ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن داود بن ميمون الواسطي، ذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال (9 / 266) : " مستقيم الحديث ". وإبراهيم بن يزيد، وهو ابن مردانبة القرشي المخزومي، مولى عمرو بن حريث ، وهو صدوق. والحديث قال المنذري (4 / 53) وتبعه الهيثمي (5 / 118) : " رواه الطبراني بإسنادين، رواة أحدهما ثقات ".

2162

2162 - " لو آمن بي عشرة من اليهود ما بقي على ظهرها يهودي إلا أسلم ". رواه البخاري (6 / 220 - فتح) وابن الضريس في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الأزدي " (4 / 2) : حدثنا قرة بن خالد حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، واللفظ لابن الضريس ولفظ البخاري مختصر: " ... لآمن بي اليهود ". وتابعه أبو هلال قال: حدثنا محمد ابن سيرين به، ولفظه: " لو آمن بي عشرة من أحبار اليهود، لآمن بي كل يهودي على وجه الأرض ". أخرجه أحمد (2 / 346 و 363 و 416) . وأبو هلال - اسمه محمد بن سليم الراسبي - صدوق فيه لين. والحديث عزاه المناوي لمسلم، ولم أره عنده. 2163 - " لو أخذتم إهابها، يطهرها الماء والقرظ ". أخرجه أبو داود (4126) والنسائي (2 / 191) والدارقطني (ص 17) والبيهقي (1 / 19) وأحمد (6 / 334) عن كثير بن فرقد عن عبد الله بن مالك بن حذافة عن أمه العالية بنت سبيع قالت: " كان لي غنم بأحد، فوقع فيها الموت، فدخلت على ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك لها، فقالت: لو أخذت جلودها فانتفعت بها. فقلت: أو يحل ذلك؟ قالت: نعم. مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من قريش يجرون شاة لهم مثل الحمار، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أخذتم إهابها. قالوا: إنها ميتة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهرها الماء والقرظ ".

2164

قلت: وهذا إسناد ضعيف. العالية بنت سبيع لم يرو عنها غير ابنها عبد الله بن مالك بن حذافة. وهذا لم يرو عنه سوى كثير بن فرقد، وقال الذهبي: " فيه جهالة ". لكن للحديث شاهد قوي من حديث ابن عباس نحوه، وفيه: " أوليس في الماء والقرظ ما يطهرها؟ ". أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق عمرو بن الربيع بن طارق: حدثنا يحيى بن أيوب عن عقيل عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. (القرظ) : ورق السلم يدبغ به. 2164 - " لو أفلت أحد من ضمة القبر، لأفلت منها هذا الصبي ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 193 / 1) : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري أخبرنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وكيع عن حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن البراء بن عازب عن أبي أيوب رضي الله عنهما: " أن صبيا دفن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير التستري هذا، ترجمه الذهبي في " الأعلام " (14 / 57 ) برواية جمع عنه، مات سنة (290) وقال: " وكان من الحفاظ الرحالة، أكثر عنه الطبراني ". وأما قول الهيثمي (3 / 47) :

" رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح ". فهو على ما جرى عليه من عدم قصده بمثل هذه الكلمة من دون شيخ مسلم في " الصحيح " في سند الحديث، وهو هنا عثمان بن أبي شيبة، ولا يخفى ما في ذلك من التساهل. وخالفه إبراهيم بن الحجاج السامي، فقال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عن أنس به. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 82 / 1) وابن عدي في " الكامل " (ق 48 / 2) والضياء في " المختارة " (70 / 1) وقال: " رواه أبو سلمة موسى بن إسماعيل عن حماد عن ثمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم. مرسل. قلت: وقد رواه غير واحد متصلا كما أخرجناه، منهم المؤمل بن إسماعيل والعلاء بن عبد الجبار. والله أعلم " . ثم قال: " قال الدارقطني: رواه حرمي بن عمارة وسعيد بن عاصم الملحي - شيخ بصري - عن حماد عن ثمامة عن أنس. وخالفهما وكيع وأبو عمرو الحوضي، روياه عن حماد عن ثمامة مرسلا، وهو الصحيح ". كذا قال، ومتابعة إبراهيم بن الحجاج السامي - وهو ثقة - للمذكورين مما يقوي الوصل. والله أعلم. ولعل رواية ثمامة هذه عن أنس أرجح من روايته عن البراء، فقد قال ابن عدي: " ثمامة بن عبد الله أرجو أنه لا بأس به، وأحاديثه قريبة من غيره وهو صالح فيما يرويه عن أنس عندي ". قلت: وقد احتج به الشيخان وغيرهما، ووثقه أحمد والنسائي وسواهما. وحماد بن سلمة ثقة من رجال مسلم. والله أعلم.

2165

2165 - " لو أن حجرا يقذف به في جهنم، هوى سبعين خريفا قبل أن يبلغ قعرها ". أخرجه أبو يعلى (4 / 1739) والبزار (315) وابن حبان (2609) عن جرير بن عبد الحميد عن عطاء بن السائب عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري عن أبي موسى الأشعري مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عطاء بن السائب فمن رجال البخاري وحده، وكان اختلط، ومع ذلك قال الحافظ في " زوائد البزار ": " إسناده حسن "! وأما الهيثمي فعزاه في " المجمع " (10 / 389) للبزار والطبراني دون أبي يعلى! ثم أعله بمحمد بن أبان، ولا ذكر له في إسنادهم! لكن للحديث شواهد تدل على أنه قد حفظ: الأول: عن أبي هريرة قال: " والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفا ". أخرجه مسلم في " صحيحه " (1 / 130) وهو موقوف في حكم المرفوع وقد جاء عنه مرفوعا من طريق أبي حازم عنه قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع وجبة، فقال: تدرون ما هذا؟ قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفا، فهو يهوي في النار الآن حتى انتهى إلى قعرها ". أخرجه مسلم (8 / 150) وأحمد (2 / 371) . وأخرجه الحاكم (4 / 606) من طريق عقبة بن أبي الحسناء عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ:

" لو أخذ سبع خلفات بشحومهن فألقين من شفر جهنم، ما انتهين إلى آخرها سبعين عاما "، وسكت عليه. وقال الذهبي: " قلت: سنده صالح "! كذا قال، وعقبة مجهول كما في الميزان! الثاني: عن خالد بن عمير العدوي قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد ... فإنه قد ذكر لنا أن الحجر يلقى في شفة جهنم، فيهوي فيها سبعين عاما لا يدرك لها قعرا. رواه مسلم (8 / 215) وأحمد (4 / 174) . ورواه الترمذي (2578) من طريق الحسن قال: قال عتبة بن غزوان على منبرنا هذا منبر البصرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحوه، وقال: " لا نعرف للحسن سماعا من عتبة بن غزوان، وإنما قدم عتبة البصرة في زمن عمر، وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر ". الثالث: عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " ويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر سبعين خريفا قبل أن يبلغ قعرها ". أخرجه الترمذي (3164) وأحمد (3 / 75) عن ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عنه به. وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث ابن لهيعة "! قلت: كذا قال، وقد عرفه غيره من حديث غيره، فقد تابعه عمرو بن الحارث عن دراج به. أخرجه ابن حبان (2610) .

2166

إلا أن دراجا صاحب مناكير. الرابع: عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ: " لو أن حجرا بسبع خلفات شحومهن وأولادهن، ألقي في جهنم، لهوى سبعين عاما لا يبلغ قعرها ". أخرجه أبو يعلى ( 3 / 1014) عن يزيد الرقاشي عنه. قلت: ورجاله ثقات، غير يزيد الرقاشي، فهو ضعيف، لكن يشهد له ما بعده. الخامس: عن بعض أهل العلم أن معاذ بن جبل كان يخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره مثل حديث أنس. رواه الطبراني، ورواته رواة الصحيح، إلا أن الراوي عن معاذ لم يسم كما في " الترغيب " (4 / 231) و " مجمع الزوائد " (10 / 389) . وذكر له شاهدا من حيث أبي أمامة عند الطبراني بإسناد فيه ضعفاء، قد وثقهم ابن حبان. 2166 - " أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا، وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مرا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم،

2167

وأمرني أن أكثر من قول: " لا حول ولا قوة إلا بالله "، فإنهن من كنز تحت العرش، (وفي رواية: فإنها كنز من كنوز الجنة) ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 159) والسياق له وابن حبان في " صحيحه " (2041) والرواية الأخرى له والطبراني في " المعجم الصغير " (ص 157 - هند) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 25) والبيهقي في " السنن " (10 / 91) وكذا أبو نعيم في الحلية (2 / 357) والخطيب في " التاريخ " (5 / 254) من طرق عن محمد بن واسع عن عبد الله بن صامت عن أبي ذر قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وتابعه بديل بن ميسرة عن عبد الله بن الصامت به دون الوصية الرابعة وهي رواية ابن حبان. أخرجه البزار (3309) . وتابعه عمر مولى غفرة عن محمد بن كعب عن أبي ذر به دون الوصية الرابعة والسادسة. أخرجه أحمد وابنه عبد الله (5 / 173) . وعمر هذا ضعيف، ولقد أعجبني - والله - قوله عقب الحديث: " لا أعلم بقي فينا من الخمس إلا هذه: قولنا: (لا حول ولا قوة إلا بالله) ". 2167 - " لو تعلمون قدر رحمة الله عز وجل لاتكلتم وما عملتم من عمل ولو علمتم قدر غضبه ما نفعكم شيء ". رواه ابن أبي الدنيا في " حسن الظن " (2 / 193 / 1) عن موسى الأسواري عن عطية عن ابن عمر مرفوعا.

2168

قلت: وعطية ضعيف. لكن قال الهيثمي (10 / 213) : " رواه البزار، وإسناده حسن "! كذا قال، وبالرجوع إلى " زوائد البزار " للهيثمي (4 / 85 / 3256) تبين أنه عند البزار من طريق الحجاج عن عطية نفسه! مع كون الحجاج - وهو ابن أرطأة - مدلسا. ومع ذلك سكت عنه الأعظمي في تعليقه على " الزوائد "! ثم رواه ابن أبي الدنيا من طريق قتادة مرسلا نحوه. قلت: فالحديث حسن، والله أعلم. 2168 - " لو تعلمون ما ذخر لكم ما حزنتم على ما زوي عنكم وليفتحن لكم فارس والروم ". أخرجه أحمد (4 / 128) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 14) عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: قال العرباض بن سارية: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج علينا في الصفة وعلينا الحوتكية فيقول: " فذكره. قلت: إسناده شامي صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفي ضمضم كلام يسير لا يضر، وقد وثقه جماعة كما تقدم (2 / 144) . وشريح سمع معاوية كما قال البخاري، وقد مات قبل العرباض بأكثر من عشر سنين. والحديث قال الهيثمي (10 / 261) : " رواه أحمد، ورجاله وثقوا "! نقله المناوي في " الفيض "، ثم عقب عليه بقوله:

2169

" ومن ثم رمز المؤلف لصحته "! قلت: ولا يخفى ما فيه. وبناء عليه صحح إسناده في " التيسير "! 2169 - " لو تعلمون ما لكم عند الله عز وجل، لأحببتم لو أنكم تزدادون حاجة وفاقة ". أخرجه الترمذي (2369) وابن حبان (2538) وأحمد (6 / 18 - 19) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 17) عن حيوة بن شريح: أخبرني أبو هانىء عن عمرو بن مالك أنه سمع فضالة بن عبيد يقول: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى بالناس خر رجال من قامتهم في الصلاة، لما بهم من الخصاصة وهم من أصحاب الصفة حتى يقول الأعراب: إن هؤلاء مجانين، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة انصرف إليهم، فقال: " فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي هانىء، وهو ثقة. 2170 - " لو خرجتم إلى إبلنا، فأصبتم من أبوالها وألبانها ". رواه أبو عبيد في " الغريب " (28 / 2) : حدثناه هشيم عن عبد العزيز بن صهيب وحميد الطويل عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الرهط العرنيين الذين قدموا عليه المدينة فاجتووها، فقال: لو ... الحديث، ففعلوا فصحوا، فمالوا على الرعاء فقتلوهم واستاقوا الإبل وارتدوا عن الإسلام، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وتركوا بالحرة حتى ماتوا. وأخرجه ابن ماجة (3503) والطحاوي في " المشكل " (2 / 223) وأحمد (3

2171

/ 107 و 205) من طرق أخرى عن حميد وحده. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجاه بنحوه، فانظر " الإرواء " (177) . 2171 - " لو قلت: (بسم الله) ، لطارت بك الملائكة والناس ينظرون إليك ". رواه الطبراني (13 / 2) عن سليمان بن أيوب حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: لما كان يوم أحد أصابني السهم، فقلت: حس، فقال: فذكره. قلت: وهذا سند ضعيف من أجل سليمان هذا، فإنه صاحب مناكير كما في " الميزان " . لكنه لم يتفرد به، فقد رواه أبان بن سفيان حدثنا هشيم عن إبراهيم بن محمد بن طلحة عن موسى بن طلحة به نحوه. أخرجه ابن شاهين في " السنة " (رقم 81 - منسوختي) . لكن أبان بن سفيان، قال الدارقطني: " جزري متروك ". وتابعه الحسين بن الفرج حدثنا محمد بن عمر عن الضحاك بن عثمان حدثه مخرمة بن سليمان الوالبي عن إبراهيم بن محمد به. أخرجه الحاكم (3 / 369) . قلت: وسكت عليه هو والذهبي وهو ضعيف جدا، محمد بن عمر - وهو الواقدي - متهم بالكذب. والحسين بن الفرج متروك.

2172

لكن للحديث شاهدا من رواية أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعا بلفظ: " لو قلت: بسم الله، لرفعتك الملائكة والناس ينظرون ". وفيه قصة. أخرجه النسائي (2 / 60) ، وعزاه ابن كثير في " البداية " (4 / 26) للبيهقي في " الدلائل " فقط، وزاد: " حتى تلج بك في جو السماء ". قلت : ورجال إسناده ثقات كلهم على شرط مسلم، لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعنه. وبالجملة، فالحديث حسن بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. وسأعيد تخريجه بزيادة تحقيق إن شاء الله برقم (2796) . 2172 - " لو كانت سورة واحدة لكفت الناس ". أخرجه أبو داود (1 / 385) والطحاوي في " المشكل " (2 / 424) وأحمد (3 / 80) وابنه عبد الله أيضا عن جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال - والسياق لأحمد -: " جاءت امرأة صفوان بن المعطل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله! إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، قال: وصفوان عنده، قال: فسأله عما قالت؟ فقال: يا رسول الله! أما قولها: " يضربني إذا صليت "، فإنها تقرأ سورتين، فقد نهيتها عنها، قال: فقال (فذكره ) . وأما قولها: " يفطرني "، فإنها تصوم وأنا رجل شاب، فلا أصبر، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: لا تصومن امرأة إلا بإذن زوجها، قال: وأما قولها: " بأني

2173

لا أصلي حتى تطلع الشمس "، فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس، قال: فإذا استيقظت فصل ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقواه الحافظ في " الفتح " (8 / 371) . وتابعه أبو بكر عن الأعمش به. أخرجه أحمد (3 / 84 - 85) . قلت: وإسناده صحيح على شرط البخاري. والحديث مضى برواية أبي داود تحت الحديث (395) . 2173 - " لو كنتم تغرفون من بطحان ما زدتم ". أخرجه الحاكم (2 / 178) وأحمد (3 / 448) من طرق صحيحة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: حدثنا أبي حدرد الأسلمي: " أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه في مهر امرأة، فقال: كم أمهرتها؟ فقال: مائتي درهم، فقال صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. وخالفهم إسماعيل بن عياش فقال: عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي عن أبيه به. فزاد فيه عبد الله بن أبي حدرد. أخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 25) . قلت: وهذه الزيادة منكرة، لتفرد إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في روايته عن الحجازيين، وهذه منها.

2174

2174 - " لو لم أحتضنه، لحن إلى يوم القيامة. يعني الجذع الذي كان يخطب إليه ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 26) والدارمي (1 / 18 - 19 و 367) وابن ماجة (1 / 433) وأحمد (1 / 249 و 266 - 267 و 363) والبغوي في " حديث هدبة بن عمار " (1 / 257 - 258) والضياء في " المختارة " (1 / 508) من طرق عن حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس وعن ثابت عن أنس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع، فلما اتخذ المنبر ذهب إلى المنبر فحن الجذع، فأتاه واحتضنه، فسكن، فقال: ... "، فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم من الوجهين وقد أخرجه من الوجه الأول ابن سعد في " الطبقات " (1 / 252) وكذا الطبراني في " الكبير " (3 / 179 / 1) وأبو موسى المديني في " اللطائف " (ق 78 / 2) . ورواه حماد أيضا عن حبيب بن الشهيد عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا. أخرجه البغوي أيضا. وتابعه الصعق قال: سمعت الحسن يقول: فذكره أتم منه. أخرجه الدارمي، وخالفه المبارك بن فضالة فرواه عن الحسن عن أنس بن مالك به مختصرا. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (5 / 142 / 2756) وابن خزيمة في " صحيحه " (1776) وابن حبان أيضا (574 - موارد) . ثم أخرجه الدارمي والترمذي (3631) وصححه، وابن خزيمة في " صحيحه " (1777) من طريق أخرى عن عكرمة بن عمار حدثنا إسحاق بن أبي طلحة حدثنا أنس

2175

بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب الناس، فجاءه رومي، فقال: ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه وكأنك قائم؟ فصنع له منبرا له درجتان، ويقعد على الثالثة، فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على ذلك المنبر خار الجذع كخوار الثور حتى ارتج المسجد حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور، فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكن، ثم قال: أما والذي نفس محمد بيده لو لم ألتزمه لما زال هكذا إلى يوم القيامة حزنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدفن ". قلت: وإسناده جيد، وهو على شرط مسلم. وله شاهد من حديث جابر مختصرا من ثلاث طرق صحيحة عنه. رواه البخاري (3584 و 3585) والدارمي (2 / 366 - 367) والنسائي (1 / 207) وابن ماجة (1417) وأحمد (3 / 306، 324) . وآخر من حديث ابن عمر رواه البخاري (3583) وأحمد (2 / 23 و 109) وصححه الترمذي (رقم 506) . 2175 - " لو يعلم الذي يشرب وهو قائم ما في بطنه لاستقاء ". أخرجه عبد الرزاق (19588) وعنه البيهقي (7 / 282) : أخبرنا معمر عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا منقطع، وقد وصله زهير بن محمد فقال: أنبأنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة به . وزهير هذا هو ابن قمير المروزي، وهو من شيوخ ابن ماجة الثقات، لكن نقل

2176

المناوي عن الذهبي أنه قال: " هذا منكر ". قلت: لكن قد صح موصولا من طريق أخرى، فقال عبد الرزاق أيضا (19589) عن معمر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. قال: فبلغ ذلك عليا فدعا بماء فشرب وهو قائم. وأخرجه الطحاوي من طريق أخرى عن عبد الرزاق، فقال في " مشكل الآثار " (3 / 18) : حدثنا فهد بن سليمان حدثنا سلمة بن شبيب قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر به. وسلمة بن شبيب ثقة من شيوخ مسلم. فالإسناد صحيح على شرط الشيخين، فلا تغتر بتخريج المناوي للحديث، فإنه قاصر يوهم أنه معلول لأنه لم يذكره إلا من طريق زهير الموصولة التي أنكرها الذهبي ومن الطريق الأولى المنقطعة! ولم يتعرض لذكر الطريق الأولى الموصولة عند عبد الرزاق، وعنه البيهقي أيضا! وقد روي الحديث عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ آخر، ولكنه معلول ولذلك أوردته في " الضعيفة " (927) ، وذكرت له هناك شاهدا قويا عن أبي هريرة أيضا، فراجعه. 2176 - " ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة تعينه على أمر الآخرة ". رواه الترمذي (3093) وابن ماجة (1 / 571) وأحمد (5 / 278 و 282) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 182 و 182 - 183) والحافظ ابن حجر في " الأحاديث العاليات " (رقم 15) عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن ".

2177

قال الحافظ: " وله شواهد رواها ابن مردويه وغيره " . قلت: قد ذكرت بعضها في " تخريج الترغيب " (3 / 68) . وله شاهد آخر في " مسند " أحمد (5 / 366) عن صحابي لم يسم. قلت: وفيه سالم عن عبد الله بن أبي الهذيل، وعنه شعبة لم أعرفه. ثم خطر في البال أنه لعله محرف من " سلم " بفتح السين المهملة وسكون اللام، فإن مثله يقع كثيرا في الأسماء المتشابهة. ثم تأكدت من صحة الخاطرة حين وجدت في الرواة عن ابن أبي الهذيل " سلم بن عطية " ، وفي الرواة عن " سلم " شعبة، وهو ثقة، وسائر رجاله ثقات على شرط مسلم، فصح السند والحمد لله. 2177 - " ليتمنين أقوام لو أكثروا من السيئات، قال: بم يا رسول الله؟ قال: الذين بدل الله سيئاتهم حسنات ". أخرجه الحاكم (4 / 252) عن أبي العنبس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " أبو العنبس هذا سعيد بن كثير ، وإسناده صحيح ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات معروفون غير والد أبي العنبس، واسمه كثير بن عبيد التيمي، رضيع عائشة رضي الله عنها، لم يوثقه غير ابن حبان، لكنه روى عنه جمع من الثقات، وصحح له الحاكم (4 / 10) حديثا آخر يأتي برقم (2255) ، ووافقه الذهبي أيضا، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. ولعله لذلك قال المناوي في " التيسير ": " وإسناده حسن ".

2178

2178 - " ليدخلن الجنة بشفاعة رجل، ليس بنبي، مثل الحيين، أو مثل أحد الحيين ربيعة ومضر، فقال رجل: يا رسول الله! أوما ربيعة من مضر؟ فقال: إنما أقول ما أقول ". أخرجه أحمد (5 / 257 و 261) وابن عساكر (11 / 105 / 1) عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن ميسرة عن أبي أمامة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما قال السيوطي في " الحاوي " (2 / 16) ، رجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الرحمن بن ميسرة، وهو الحضرمي الحمصي، قال ابن المديني: " مجهول، لم يرو عنه غير حريز ". لكن قال أبو داود: " شيوخ حريز كلهم ثقات ". وقال العجلي: " شامي تابعي ثقة ". قلت: وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (5 / 109) . ويشهد له حديث حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن به مرسلا. أخرجه عبد الله في " زوائد الزهد " (ص 126) بسند صحيح عنه. وله شاهد من حديث عبد الله بن أبي الجدعاء مرفوعا نحوه. أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 26) والترمذي (2 / 71) والدارمي (2 / 328) وابن ماجة (4316) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 203) وابن حبان (2598) وابن عساكر (3 / 106 / 2 و 11 / 105 / 2) بسند صحيح عنه وقال الترمذي:

2179

" حديث حسن صحيح غريب ". 2179 - " ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفا ". أخرجه أحمد (5 / 280 - 281) : حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة: قال شريح بن عبيد: " مرض ثوبان بحمص، وعليها عبد الله بن قرط الأزدي، فلم يعده، فدخل على ثوبان رجل من الكلاعيين عائدا، فقال له ثوبان: أتكتب؟ فقال: نعم. فقال: اكتب، فكتب للأمير عبد الله بن قرط: من ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بعد، فإنه لو كان لموسى وعيسى مولى بحضرتك لعدته، ثم طوى الكتاب، وقال له: أتبلغه إياه؟ فقال: نعم، فانطلق الرجل بكتابه فدفعه إلى ابن قرط، فلما قرأه قام فزعا، فقال الناس: ما شأنه؟ أحدث أمر؟ فأتى ثوبان حتى دخل عليه، فعاده، وجلس عنده ساعة، ثم قام، فأخذ ثوبان بردائه، وقال: اجلس حتى أحدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي ضمضم خلاف يسير لا يضر كما تقدم. وفي سماع شريح من ثوبان اختلاف لا يضر أيضا لأنه متابع كما يأتي. وأخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 71 / 1) عن محمد بن إسماعيل حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة به، إلا أنه قال: " عن شريح بن عبيد عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مرفوعا به ". ومحمد بن إسماعيل بن عياش ضعيف. (تنبيه) : وذكر المناوي أن الحديث رواه أحمد والطبراني من حديث سريع بن عبد الله عن ثوبان.

وأنت ترى أنه لا ذكر لسريع هذا عندهما. وللحديث شواهد عن جمع من الصحابة: الأول: أبو أمامة الباهلي مرفوعا بلفظ: " وعدني ربي سبعين ألفا ... " الحديث. أخرجه أحمد (5 / 250) عن صفوان بن عمرو عن سليم بن عامر الخبائري وأبي اليمان الهوزني عنه. قلت: وإسناده صحيح. وتابعهما محمد بن زياد الألهاني سمعت أبا أمامة به. أخرجه الترمذي (2439) وابن ماجة (2 / 574) وأحمد أيضا، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده شامي صحيح. الثاني: حذيفة بن اليمان مرفوعا بلفظ الترجمة في أثناء حديث. أخرجه أحمد (5 / 393) . وفيه ابن لهيعة. الثالث: أبو أيوب الأنصاري مرفوعا نحوه . أخرجه أحمد (5 / 413) . وفيه ابن لهيعة أيضا. الرابع: أبو هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (2 / 359) . قلت: وسنده لا بأس به في الشواهد.

2180

2180 - " ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل، ولا أحد أكثر معاذير من الله عز وجل ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 42 / 2) عن مبارك بن فضالة عن الحسن الأسود بن سريع مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد ضعيف. لكن له شاهدا صحيحا من حديث المغيرة بن شعبة قال: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن سعد بن عبادة يقول: لو وجدت معها رجلا لضربتها بالسيف غير مصفح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أتعجبون من غير سعد؟ ! أنا أغير من سعد، والله أغير مني ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله ولا أحب إليه المعاذير، ولذلك بعث النبيين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدح من الله، ولذلك وعد الجنة ". أخرجه مسلم (4 / 211) والدارمي (2 / 149) . 2181 - " ليس بمؤمن من لا يأمن جاره غوائله ". أخرجه ابن نصر في " الصلاة " (141 / 2) والحاكم (4 / 165) عن سنان بن سعد الكندي عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: سكت عليه الحاكم والذهبي، وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين وغير الكندي هذا، قال الحافظ: " صدوق له أفراد ". وله شواهد في " الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره نحوه بلفظ:

2182

" بوائقه ". والمعنى واحد، أي شره. كما جاء مفسرا في رواية للحاكم وأحمد (4 / 288 و 336) وصححها على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. 2182 - " (الأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه) ليس بيني وبينه نبي وإنه نازل، فإذا رأيتموه فاعرفوه، رجل مربوع إلى الحمرة والبياض، بين ممصرتين، كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام ويهلك الله المسيح الدجال (وتقع الأمنة في الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمار مع البقر والذئاب مع الغنم ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم) ، فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، فيصلي عليه المسلمون ". أخرجه أبو داود (2 / 214) وابن حبان في " صحيحه " (6775 و 6782 - الإحسان) وأحمد (2 / 406) - والزيادتان لهما - عن همام بن يحيى عن قتادة عن عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " (6 / 384) وهو على شرط مسلم. 2183 - " ليس شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان ". رواه تمام في " الفوائد " (153 / 2) : حدثنا أبي حدثني أبو القاسم موسى بن محمد بن معبد الموصلي حدثنا عيسى بن عبد الله العسقلاني حدثنا الفريابي عن الثوري

عن الأعمش عن أبي ظبيان عن سلمان مرفوعا. ورواه ابن بشران في " الأمالي " (197 / 1) : أخبرنا عبد الباقي بن قانع حدثنا محمد بن موسى النهرتيري حدثنا إبراهيم بن محمد المقدسي حدثنا الفريابي به. قلت: رجاله ثقات ، رجال الشيخين، والفريابي اسمه محمد بن يوسف غير عيسى بن عبد الله العسقلاني ، فقال ابن عدي: " ضعيف يسرق الحديث ". ووثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان وأخرج حديثه في " صحيحه ". وأما متابعة إبراهيم بن محمد المقدسي فهو إبراهيم بن محمد بن يوسف بن سرج الفريابي، وليس هو ابن الفريابي المتقدم كما في " التهذيب "، وهو صدوق كما قال أبو حاتم، وتبعه الذهبي في " الكاشف ". وأما محمد بن موسى النهرتيري فقال الخطيب (3 / 241) : " كان ثقة فاضلا جليلا ". وقد تابعه عبدان بن أحمد عند الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 292 / 6095) . قلت: ثم رأيت الحديث في " الأمثال " لأبي الشيخ الأصبهاني (137) من طريق أخرى عن إبراهيم بن محمد بن يوسف به. وله عنده (139) شاهد من رواية أسامة بن زيد (قلت: وهو الليثي) عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا به. وهذا إسناد حسن. والحديث عزاه السيوطي للطبراني والضياء عن سلمان، فقال المناوي: " قال الهيثمي: مداره على أسامة بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف جدا، كذا في

2184

موضع، وأعاده في آخر، وقال: رجاله رجاله الصحيح غير إبراهيم بن محمد بن يوسف وهو ثقة. اهـ. وقال شيخه العراقي: الحديث حسن ". قلت: هو في " المجمع " (5 / 318) كما عزاه في الموضع الآخر. ولم أره في غيره. ثم إنه حسن إسناده في " التيسير ". 2184 - " ليس على رجل طلاق فيما لا يملك ولا عتاق فيما لا يملك ولا بيع فيما لا يملك ". أخرجه أحمد (2 / 189 و 190) والنسائي (2 / 225 - 226) الجملة الأخيرة والطحاوي في " المشكل " (1 / 281) بتمامه من طريق مطر الوراق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن مطرا فيه ضعف من قبل حفظه. لكن تابعه عامر الأحول عن عمرو بن شعيب بلفظ: " لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق لابن آدم فيما لا يملك ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك ولا يمين لابن آدم فيما لا يملك ". أخرجه أحمد (2 / 190) وابن الجارود في " المنتقى " (743) جملة الطلاق والعتق، والترمذي (1181) دون الجملة الأخيرة، وقال " حديث حسن صحيح ". والطحاوي (1 / 281) . قلت: وهذا إسناد حسن، عامر - هو ابن عبد الواحد الأحول البصري - من رجال مسلم، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ".

2185

قلت: فإن لم يكن حديثه حسنا لذاته، فلا أقل من أن يكون حسنا لغيره لمتابعة مطر الوراق له. والجملة الأخيرة رواها أيوب عن عمرو بن شعيب بلفظ: " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا بيع ما ليس عندك ". أخرجه النسائي (2 / 225) . 2185 - " ليس على الماء جنابة ". رواه ابن سعد (8 / 137) وأحمد (6 / 330) عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن ميمونة قالت: أجنبت أنا ورسول الله، فاغتسلت من جفنة، ففضلت فضلة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فاغتسل منها، فقلت: إني قد اغتسلت منها ، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن شريكا - وهو ابن عبد الله القاضي - سيء الحفظ، وقد اضطرب في إسناده، فرواه مرة هكذا، جعله من مسند ميمونة نفسها، ومرة قال: " عن ابن عباس قال: أجنب النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة، فاغتسلت ميمونة في جفنة ... ". أخرجه أحمد (1 / 337) . فجعله من مسند ابن عباس لا ميمونة، وهذا هو الصواب لمتابعة سفيان وأبي الأحوص إياه عليه كما رواه أبو داود وغيره على ما هو مخرج في " صحيح أبي داود " (61) . وروى الدارقطني (ص 42) عن أبي عمر المازني حفص بن عمر حدثنا سليم بن حيان عن سعيد بن ميناء عن جابر بن عبد الله مرفوعا به وزاد: " ولا على الأرض جنابة ولا على الثوب جنابة ".

2186

وحفص هذا لا يعرف كما في " اللسان ". 2186 - " ليس على ولد الزنا من وزر أبويه شيء * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * (¬1) ". أخرجه الحاكم (4 / 100) عن محمد بن غالب حدثنا جعفر بن محمد بن جعفر المدائني حدثنا عباد بن العوام عن سفيان الثوري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي، فقال: " صحيح، وصح ضده ". قلت: أما أنه صحيح ففيه عندي نظر، فإن المدائني هذا ترجمه الخطيب في " تاريخه " (5 / 175) ، فقال: " روى عنه محمد بن غالب التمتام وغيره، بلغني أنه مات سنة 259 ". فلم يوثقه ولا حكاه عن غيره، فمثله يبعد تصحيح حديثه. نعم يمكن القول بتحسين حديثه حملا له على الستر، ولاسيما أن الحديث موافق القرآن، كما هو ظاهر. والله أعلم. 2187 - " ليس عليها غسل حتى تنزل، كما أنه ليس على الرجل غسل حتى ينزل ". أخرجه ابن ماجة (602) عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن خولة بنت حكيم أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ؟ فقال فذكره. ¬

(¬1) فاطر: الآية: 18. اهـ.

2188

قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف لسوء حفظه. وقد تابعه عطاء الخراساني عن سعيد بن المسيب به مختصرا بلفظ: " إذا رأت الماء فلتغتسل ". أخرجه النسائي (1 / 42) . لكن عطاء هذا وإن كان صدوقا، فإنه يهم كثيرا ويدلس كما قال الحافظ، ورأيي أنه لولا عنعنته لكان متابعا لا بأس به لابن جدعان. لكن للحديث شواهد يتقوى بها، منها حديث عائشة نحوه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " نعم إنما النساء شقائق الرجال ". وهو حديث صحيح كما بينته في " صحيح أبي داود " (234) . 2188 - " ليس في الجنة شيء يشبه (ما) في الدنيا إلا الأسماء ". رواه أبو نعيم في " صفة الجنة " (21 / 2) : حدثنا أبو محمد بن حيان حدثنا أبو يحيى الرازي حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو معاوية ووكيع عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس موقوفا. وأخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (59 / 198 / 2) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن عمر بن بكير العبسي حدثنا وكيع به. قلت: فالإسنادان مدارهما على وكيع، وهو ثقة من رجال الشيخين، فالسند صحيح. وقال المنذري في " الترغيب " (4 / 278) : " رواه البيهقي بإسناد جيد ".

2189

(تنبيه) : قال المعلق على " صفة الجنة " (1 / 160) : " وهذا إسناد ضعيف، الأعمش مدلس وقد عنعنه، وهو هنا لا يروي عن أمثال أبي صالح السمان وإبراهيم النخعي وأبو (كذا) وائل، فإن روايته عن هؤلاء محمولة على الاتصال، انظر " الميزان " (2 / 224) ". فأقول: الجواب من وجهين: الأول: أن كلام الذهبي لا يفيد الحصر في هؤلاء الشيوخ لأنه ذكرهم على سبيل التمثيل، بقوله: " كإبراهيم و.. ". والآخر: أن عنعنة الأعمش عن أبي ظبيان قد مشاها البخاري، فإنه ساق بهذا السند حديثا آخر عن ابن عباس رقم (4706) . 2189 - " ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق ". أخرجه أبو داود (1 / 253) وعنه البيهقي (4 / 117) عن عبد الوهاب حدثنا عبيد الله عن رجل عن مكحول عن عراك بن مالك عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم. وقد خولف عبد الوهاب - وهو ابن عبد المجيد الثقفي - وهو ثقة من رجال الشيخين في إسناده، فخالفه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: أخبرني عبيد الله بن عمر عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به. أخرجه الخطيب (14 / 114) والبيهقي وقال: " كذا روى بهذا الإسناد عن عبيد الله ". ثم ساق الإسناد الأول عن عبد الوهاب، وقال: " هذا هو الأصح، وحديثه عن أبي الزناد غير محفوظ، ومكحول لم يسمعه من

2190

عراك إنما رواه عن سليمان عن عراك ". ثم ساق إسناده عنه به دون الاستثناء. وكذلك أخرجه مسلم ( 3 / 76 - 68) ومن طريق خثيم بن عراك عن أبيه مثله دون الزيادة. وكذلك رواه البخاري. قلت: لكن في رواية لمسلم (3 / 68) والدارقطني (ص 214) عن ابن وهب: أخبرني مخرمة عن أبيه عن عراك بن مالك به مرفوعا بلفظ: " ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر ". فالزيادة محفوظة، والله أعلم. 2190 - " ليس في المأمومة قود ". أخرجه البيهقي (8 / 65) عن أحمد بن عبيد حدثنا عباس بن الفضل الأسفاطي حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا يونس بن بكير عن طلحة بن يحيى بن طلحة عن يحيى وعيسى ابني طلحة، أو أحدهما عن طلحة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم على خلاف في بعضهم، لولا أن الأسفاطي هذا لم أجد له ترجمة وقد روى عنه الطبراني أيضا، ولم يذكر ابن الأثير في " اللباب " غير الطبراني راويا عنه! ثم وجدت الدارقطني يقول في " سؤالات الحاكم له " (ص 129 ) : " صدوق ". وأحمد بن عبيد لين الحديث كما في " التقريب ". وله شاهد من حديث العباس بن عبد المطلب مرفوعا بلفظ:

" لا قود في المأمومة ولا الجائفة ولا المنقلة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 140 - 141) وأبو يعلى (4 / 1580) وعنه البيهقي عن رشدين بن سعد عن معاوية بن صالح عن معاذ بن محمد الأنصاري عن ابن أصبهان عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن أصبهان قال الحافظ: " اسمه عقبة فيما أظن، فإن كان فروايته منقطعة، وإلا فمجهول ". قلت: جزمه بالانقطاع فيه نظر، فقد ذكروا له رواية عن عثمان بن عفان، ووفاته سنة خمس وثلاثين، وكان وفاة العباس سنة اثنتين، وقيل: ثلاث، وقيل: أربع وثلاثين . والله أعلم. ومعاذ بن محمد الأنصاري روى عنه جمع من الثقات، ووثقه ابن حبان. وقال الحافظ: " مقبول ". ورشدين بن سعد ضعيف. لكن تابعه ابن لهيعة عن معاذ به. رواه أبو يعلى. قلت: فالحديث حسن عندي بمجموع الطريقين. والله أعلم. ثم روى أبو يعلى (4 / 1581) عن عبد الله بن وهب حدثنا ابن لهيعة عن معاذ بن محمد الأنصاري قال: أخبرني عمرو بن معدي كرب: " أصاب رجلا من بني كنانة مأمومة، فأراد عمر بن الخطاب أن يقيد منه، فقال له العباس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكر) ، فأغرمه العقل ". وعمرو هذا اثنان كما في " الجرح " (3 / 1 / 260) ولم يذكر فيهما شيئا.

2191

(غريب الحديث) : (المأمومة) : الشجة التي بلغت أم الرأس وهي الجلدة التي تجمع الدماغ. (الجائفة) : الطعنة التي تصل إلى الجوف، والمراد بالجوف هنا كل ما له قوة محيلة كالبطن والدماغ. (المنقلة) : هي التي تخرج منها صغار العظام وتنتقل عن أماكنها. وقيل: التي تنقل العظم، أي تكسره. كذا في " النهاية ". قال أبو الحسن السندي: " وإنما انتفى القصاص لعسر ضبطه ". 2191 - " فوا لهم، ونستعين الله عليهم ". أخرجه أحمد (5 / 397) عن سفيان عن أبي إسحاق حدثني بعض أصحابنا عن حذيفة : " أن المشركين أخذوه وأباه، فأخذوا عليهم أن لا يقاتلوهم يوم بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير البعض الذي لم يسم، وقد سماه الأعمش في روايته عن أبي إسحاق فقال: عن مصعب بن سعد قال: " أخذ حذيفة وأباه المشركين قبل بدر، فأرادوا أن يقتلوهما، فأخذوا عليهما عهد الله وميثاقه أن لا يعينان عليهم، فحلفا لهم، فأرسلوهما، فأتيا النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبراه،

2192

فقالا: إنا قد حلفنا لهم، فإن شئت قاتلنا معك ، فقال: " فذكره بلفظ: " نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم ". وهكذا رواه الوليد بن جميع حدثنا أبو الطفيل حدثنا حذيفة بن اليمان قال: " ما منعني أن أشهد بدرا إلا أن خرجت أنا وأبي حسيل قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن من المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر: فقال: انصرفا، نفي لهم ... ". أخرجه مسلم ( 5 / 177) والحاكم أيضا (3 / 201 - 202) وكذا أحمد (5 / 395) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي! فوهما مرتين: الأولى: استدراكه إياه على مسلم وقد أخرجه. والأخرى: اقتصاره على تصحيحه مطلقا، وهو على شرط مسلم! 2192 - " ليس فيما دون خمس من الإبل صدقة، ولا في الأربع شيء، فإذا بلغت خمسا، ففيها شاة إلى أن تبلغ تسعا، فإذا بلغت عشرا، ففيها شاتان إلى أن تبلغ أربع عشرة، فإذا بلغت خمس عشرة، ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ تسع عشرة، فإذا بلغت عشرين، ففيها أربع شياه إلى أن تبلغ أربعا وعشرين، فإذا بلغت خمسا وعشرين، ففيها بنت مخاض، إلى خمس وثلاثين، فإذا لم تكن بنت مخاض فابن لبون

ذكر، فإن زادت بعيرا ففيها بنت لبون إلى أن تبلغ خمسا وأربعين، فإن زادت بعيرا، ففيها حقة، إلى أن تبلغ ستين، فإن زادت بعيرا، ففيها جذعة، إلى أن تبلغ خمسا وسبعين، فإن زادت بعيرا ففيها بنتا لبون، إلى أن تبلغ تسعين، فإن زادت بعيرا ، ففيها حقتان، إلى أن تبلغ عشرين ومائة، ثم في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون ". أخرجه ابن ماجة رقم (1799) : حدثنا محمد بن عقيل بن خويلد النيسابوري حدثنا حفص بن عبد الله السلمي حدثنا إبراهيم بن طهمان عن عمرو بن يحيى بن عمارة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس له في الشواهد، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير محمد بن عقيل هذا، قال الحافظ: " صدوق، حدث من حفظه بأحاديث فأخطأ في بعضها ". قلت: وهذا ليس منها فيما يبدو لي، فإنه مطابق لما في أول حديث أنس الطويل في نصاب الإبل والغنم عند البخاري وهو مخرج في " الإرواء " (792) . (غريب الحديث) : (بنت المخاض) : المخاض: اسم للنوق الحوامل واحدتها خلفة، و (بنت المخاض) و (ابن المخاض) ما دخل في السنة الثانية لأن أمه قد لحقت بالمخاض، أي: الحوامل، وإن لم تكن حاملا. (ابن لبون) : هو الذي مضى عليه حولان، وصارت أمه لبونا بوضع الحمل. (حقة) : هي التي أتى عليها ثلاث سنين . (جذعة) : هي التي أتى عليها أربع سنين.

2193

2193 - " ليس من عمل يوم إلا وهو يختم عليه، فإذا مرض المؤمن قالت الملائكة: يا ربنا! عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرب: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت ". رواه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (158 / 2) قال: حدثنا أحمد بن جميل قال: أنبأ عبد الله بن المبارك قال: أنبأ ابن لهيعة قال: حدثني يزيد أن أبا الخير حدثه أنه سمع عقبة بن عامر الجهني مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات وابن لهيعة إنما يخشى من سوء حفظه إذا كان الراوي عنه غير أحد العبادلة، وهذا من رواية عبد الله بن المبارك عنه كما ترى، وحديثه عنه صحيح كما حققه غيرما واحد من أهل العلم. وأحمد بن جميل، هو المروزي، وهو صدوق كما قال أبو حاتم: وقال ابن معين: " ليس به بأس ". وقد تابعه مروزي آخر، فقال أحمد (4 / 146) : حدثنا علي بن إسحاق قال: حدثنا عبد الله به. وابن إسحاق هذا - هو السلمي مولاهم - من شيوخ الترمذي الثقات. ولابن المبارك فيه إسناد آخر عن يزيد - وهو ابن حبيب - أخرجه الحاكم (4 / 308 - 309 ) من طريق عبدان: أنبأ عبد الله: أخبرني رشدين عن عمرو بن الحارث عن يزيد به . وقال: " صحيح الإسناد " ورده الذهبي بقوله: " قلت: رشدين واه ". وأقول : يتقوى بالطريق الأولى، وهي قوية خلافا لما أفاده المناوي بقوله: " وتعقب الهيثمي سند أحمد والطبراني بأن فيه ابن لهيعة ".

2194

فإنه قائم على ما هو الأصل في حديث ابن لهيعة، ولم يتنبه لكونه من رواية ابن المبارك عنه، وهي صحيحة! 2194 - " ليس منا من تشبه بغيرنا، لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى، فإن تسليم اليهود الإشارة بالأصابع، وتسليم النصارى الإشارة بالكف ". أخرجه الترمذي (2696) عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال: " إسناده ضعيف، وروى ابن المبارك هذا الحديث عن ابن لهيعة فلم يرفعه ". قلت: قد وجدته من طريق غيره، أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 267 - حرم) عن أبي المسيب سلام بن مسلم حدثنا ليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن شعيب به. إلا أنه قال: " أظنه مرفوعا ". وهذا إسناد رجاله ثقات غير سلام بن مسلم فلم أعرفه. وليس هو سلام بن مسلم البصري، روى عن عبد الكريم عن إبراهيم، وعنه موسى بن إسماعيل كما في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 261) ، فإن هذا أعلى طبقة منه، وهو الذي يشير إليه قول الهيثمي في " المجمع " (8 / 39) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه من لم أعرفه ". لكن الحديث جاء مفرقا في أحاديث يتقوى بها، فالجملة الأولى منه يشهد لها حديث ابن عباس قال: " لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة قال:

2195

إن الله عز وجل ورسوله حرم عليكم شرب الخمر وثمنها وحرم عليكم أكل الميتة وثمنها وحرم عليكم الخنازير وأكلها وثمنها، وقال: قصوا الشوارب وأعفوا اللحى، ولا تمشوا في الأسواق إلا وعليكم الأزر، إنه ليس منا من عمل بسنة غيرنا ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 118 / 1) عن أبي يحيى الحماني عن يوسف بن ميمون عن عطاء عنه. وهذا سند ضعيف، يوسف بن ميمون - وهو الصباغ - قال الحافظ: " ضعيف ". قلت: وأبو يحيى الحماني فيه ضعف. وقال الهيثمي في " المجمع " (5 / 169) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه يوسف بن ميمون، ضعفه أحمد والبخاري وجماعة، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات "! والجملة الثانية: " لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى ". فقد صح من حديث أبي هريرة والزبير، وهما مخرجان في " حجاب المرأة المسلمة " (ص 96) . وسائره له شاهد من حديث جابر مرفوعا، وهو مخرج أيضا في المصدر السابق (ص 98) وسبق تخريجه أيضا برقم (1783) . 2195 - " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له ". أخرجه البزار (ص 169 - زوائده) والطبراني في " الكبير " (ق 73 / 1 - منتقى منه) عن إسحاق بن الربيع أبي حمزة العطار عن الحسن عن عمران بن حصين:

أنه رأى رجلا في عضده حلقة من صفر، فقال له: ما هذه؟ قال: نعت لي من الواهنة. قال: أما لو مت وهي عليك وكلت إليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وليس عند البزار هذه القصة، وقال: " لا نعلمه عن عمران إلا بهذا الطريق وأبو حمزة بصري لا بأس به ". قلت: وفي " التقريب ": " صدوق، تكلم فيه للقدر ". فالسند جيد لولا عنعنة الحسن - وهو البصري - فإنه مدلس، مع الخلاف في ثبوت سماعه منه في الجملة. لكن يشهد له حديث ابن عباس مرفوعا به. أخرجه البزار أيضا والطبراني في " الأوسط " (ص 393 - حرم) عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا به. قلت: وقال البزار: " لا نعلمه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ". وزمعة ضعيف ونحوه سلمة. ويشهد له أيضا حديث علي بن أبي طالب مرفوعا به. أخرجه الطبراني أيضا " (ص 501) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 195) عن عيسى بن مسلم أبي داود عن عبد الأعلى بن عامر قال: قال أبو عبد الرحمن السلمي: " دخلت المسجد وأمير المؤمنين علي على المنبر، وهو يقول: " فذكره مرفوعا في قصة، وقال الطبراني: " لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى ". قلت: وهو لين الحديث، ومثله عبد الأعلى بن عامر، وهو الثعلبي، قال في

2196

" التقريب ": " صدوق يهم ". قلت : وبالجملة، فحديث الترجمة حسن، بل هو صحيح بهذين الشاهدين. والله أعلم. 2196 - " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ". أخرجه الترمذي (1 / 349) عن عبيد بن واقد عن زربي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: " جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ... " فذكره، وقال: " حديث غريب، وزربي له أحاديث مناكير عن أنس بن مالك وغيره ". قلت: وفي التقريب أنه ضعيف ، وكذلك قال في عبيد بن واقد. لكن الحديث صحيح، فله شاهد من رواية محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (358) وأحمد (2 / 207) من هذا الوجه بلفظ: " ويعرف حق كبيرنا " . وهو رواية للبخاري (355) . وإسناده حسن لولا عنعنة ابن إسحاق، وله طريق أخرى صحيحه عن ابن عمرو باللفظ الثاني، وقد خرجته في " الترغيب " (1 / 66) .

2197

وله شاهد آخر من حديث ابن عباس، وهو مخرج في " الضعيفة " (2108) . وقد وجدت له طريقا أخرى عنه بلفظ: " ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه ". فجمع بين اللفظين. أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 154 - 155) عن محمد بن عبيد الله عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عنه. ومحمد بن عبيد الله، هو العرزمي على غالب الظن، وهو متروك. وقريب منه حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: من لم يرحم صغيرنا ويجل كبيرنا، فليس منا ". أخرجه البخاري في " الأدب " ( 356) عن الوليد بن جميل عن القاسم بن عبد الرحمن عنه. وهذا إسناد حسن. وله بهذا اللفظ شاهد آخر من حديث عبادة بن الصامت وإسناده حسن أيضا كما حققته في " الترغيب " (1 / 66) . 2197 - " أما كان هؤلاء يسألون العافية؟! ". أخرجه البزار في " مسنده " (3134 - كشف الأستار) : حدثنا العباس بن جعفر البغدادي حدثنا يزيد بن مهران حدثنا أبو بكر بن عياش عن حميد عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم مبتلين، فقال: فذكره. وقال: " لا نعلمه رواه عن حميد إلا ابن عياش ". قلت: وهو ثقة من رجال البخاري.

2198

وشيخه حميد - وهو الطويل - من رجال الشيخين. ويزيد بن مهران ثقة بلا خلاف. والعباس بن جعفر - وهو العباس بن أبي طالب - ثقة، له ترجمة في " تاريخ بغداد " (12 / 141 - 142) وغيره، مات سنة (258) ، فالإسناد صحيح. وقال الهيثمي (10 / 147) : " ورجاله ثقات ". وفي " صحيح مسلم " (8 / 67) من طريق محمد بن أبي عدي عن حميد عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من المسلمين قد خفت فصار مثل الفرخ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل كنت تدعو بشيء، أو تسأله إياه؟ ". قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله! لا تطيقه، أو لا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار؟ ". قال: فدعا الله له، فشفاه. 2198 - " ليستغن أحدكم عن الناس ولو بقضيب من سواك ". أورده السيوطي في " الزيادة " من رواية (هب) عن ميمون بن أبي شبيب مرسلا . وقد أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 216) من رواية عبد العزيز بن مسلم عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا وقال: " قال أبي: هكذا رواه عبد العزيز، ورواه جرير بن حازم عن الأعمش عن الحكم

2199

بن عتيبة عن ميمون بن أبي شبيب عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، وهو أشبه ". قلت: لست أرى هذا، فإن كلا من عبد العزيز بن مسلم - وهو القسملي - وجرير بن حازم ثقة ، بل لعل الأول أوثق، فقد قال الحافظ فيه: " ثقة عابد، ربما وهم ". وقال في جرير: " ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه ". قلت: فإن لم يكن وهم في إسناد هذا، فلا أقل من أن يحكم على كل من الإسنادين بأنه محفوظ، وأن الأعمش رواه هكذا وهكذا. والله أعلم. 2199 - " ليسلم الراكب على الراجل وليسلم الراجل على القاعد وليسلم الأقل على الأكثر ، فمن أجاب السلام فهو له ومن لم يجب فلا شيء له ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (992) من طريق علي بن المبارك عن يحيى قال: حدثنا زيد بن سلام عن جده أبي سلام عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (19444) وعنه أحمد (3 / 444) عن معمر عن يحيى بن أبي كثير به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي راشد الحبراني وهو ثقة. (تنبيه) : جاء في تعليق العلامة فضل الله الجيلاني على " الأدب المفرد " ما نصه (2 / 457) :

2200

" الحديث أخرجه أحمد وعبد الرزاق بسند صحيح بلفظ مسلم "! فقوله: " بلفظ مسلم " سهو، فلم يروه مسلم عن عبد الرحمن بن شبل أصلا، لا بهذا اللفظ ولا بغيره، وإنما أخرجه عن أبي هريرة بنحوه دون قوله: " فمن أجاب ... ". 2200 - " ليصل الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد ". رواه تمام الرازي (217 / 2) عن بقية بن الوليد حدثنا مجاشع بن عمرو حدثني منصور بن أبي الأسود عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر. قلت: وهذا إسناد مقطوع وآفته من مجاشع، قال فيه ابن معين: " أحد الكذابين ". وقد دلسه بقية مرة، فقد رواه أبو الحسن الحربي في " جزء من حديثه " (39 / 1) عن بقية عن منصور بن أبي الأسود به. فأسقط مجاشعا من بينه وبين منصور، ثم عنعنه . لكن روي من غير طريقه، فقال الطبراني (3 / 199 / 2) : حدثنا محمد بن أحمد بن نصر الترمذي حدثنا عبادة بن زياد الأسدي أخبرنا زهير بن معاوية عن عبيد الله بن عمر به. وبهذا الإسناد أخرجه في " الأوسط " (22 / 2 من ترتيبه) وقال: " لم يروه عن زهير إلا عبادة ". قلت: وهو صدوق، لكن ابن نصر الترمذي ثقة اختلط اختلاطا عظيما، له ترجمة في " التاريخ " (1 / 365 - 366) و " اللسان " ولم يعرفه الهيثمي (2 / 24) وفي كلام الطبراني ما يشير إلى أنه لم يتفرد به ، فالسند جيد: وأما قول عبد الحق في " الأحكام " (33 / 2) : " ولا أعلم قيل في مجاشع إلا صالح الحديث ".

2201

فلا أدري كيف وقع له هذا؟ فإنه خطأ محض! ثم وجدت له طريق آخر عن ابن عمر أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (348) : حدثنا محمد بن زكريا البلخي حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حبيب بن غالب (كذا الأصل) عن العوام بن حوشب عن إبراهيم التيمي عن ابن عمر به. وقال: " قال البخاري: غالب بن حبيب أبو غالب اليشكري عن العوام بن حوشب، منكر الحديث. قلت: وكذا أورده البخاري في " التاريخ الصغير " (184) لكنه وقع في سند هذا الحديث وفي حديث آخر ساقه العقيلي عن شيخ آخر له عن قتيبة: " حبيب بن غالب " على القلب، قال العقيلي: " هكذا ترجمة البخاري بـ " غالب بن حبيب "، وقد حدثنا عن قتيبة هذان الشيخان - ما منهما إلا صاحب حديث ضابط - فكلاهما قالا عنه: " حبيب بن غالب " ولا أحسب الخطأ إلا من البخاري وقد روي هذان الحديثان بغير هذا الإسناد من وجه أصلح من هذا ". وقال الذهبي: " هو مجهول ". 2201 - " ليقرأن القرآن ناس من أمتي يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ". أخرجه ابن ماجة (1 / 73) وأحمد (1 / 256) وابنه أيضا وأبو يعلى (2 / 623) عن أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد وهو على شرط مسلم. وللحديث شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما عن جمع من الصحابة، قد

2202

خرجت بعضها في " ظلال الجنة " (914) و " الروض النضير " (984) وفيما تقدم برقم (1895) . 2202 - " ليكف أحدكم من الدنيا خادم ومركب ". أخرجه الدارمي (2 / 301) وأحمد (5 / 360) عن أبي نضرة عن عبد الله بن مولة عن بريدة الأسلمي مرفوعا. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير ابن مولة، فهو مجهول، لم يرو عنه غير أبي نضرة. لكن له شاهد من حديث أبي هاشم بن عتبة مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد، وابن حبان (2478 - موارد) وغيرهما وهو مخرج في " الترغيب " (4 / 124) . 2203 - " يكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ، وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " (ق 153 / 1) عن أبي بكر الهذلي عن أنس مرفوعا به. قلت: والهذلي هذا متروك. ثم رواه (154 / 1) عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أحد ولد أنس بن مالك وعن غيره عن أنس به نحوه. وابن زيد متروك أيضا.

لكن الحديث روي من طرق يشد بعضها بعضا عن جمع من الصحابة وعن غيرهم. الأول: سهل بن سعد الساعدي مرفوعا به. يرويه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبي حازم عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا (152 / 2) . الثاني: عن عمران بن حصين مرفوعا به. يرويه عبد الله بن عبد القدوس قال: حدثني الأعمش عن هلال بن يساف عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا، والترمذي (2213) وقال: " غريب ". قلت: يعني ضعيف، ورجاله صدوقون غير أن عبد الله هذا كان يخطىء كما في " التقريب " فمثله يستشهد به. الثالث: أبو أمامة الباهلي مرفوعا به نحوه. يرويه فرقد السبخي حدثني عاصم بن عمرو البجلي عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا. ثم أخرجه (154 / 1) عن علي بن ثابت عن فرقد السبخي عن أبي أمامة به. وأحمد (5 / 259) من الطريق الأولى. وفرقد لين الحديث، كثير الخطأ. الرابع: عائشة مرفوعا به. يرويه أبو معشر عن محمد بن المنكدر عنها. أخرجه ابن أبي الدنيا (152 - 153) .

وأبو معشر - اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي - ضعيف. الخامس: علي بن أبي طالب مرفوعا نحوه في حديث أوله: " إذا عملت أمتي ... ". يرويه الفرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن محمد بن علي عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا (153 / 1) والترمذي (2211) وقال: " غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض أهل الحديث وضعفه من قبل حفظه " . وله طريق أخرى يرويه إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن التميمي عن عباد بن أبي علي عن علي نحوه. قلت: وهذا سند رجاله موثقون، لكن لا أدري إن كان عباد هذا سمع من علي؟ السادس: عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. يرويه سليمان بن سالم أبو داود قال: حدثنا حسان بن أبي سنان عن رجل عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا (153 / 1 - 2) . قلت: ورجاله موثقون غير الرجل الذي لم يسم، وأخرجه الترمذي (2212) من طريق رميح الجذامي - وهو مجهول - عن أبي هريرة به. السابع: عبد الرحمن بن سابط مرسلا - ولم يذكر القينات. أخرجه ابن أبي الدنيا وإسناده صحيح مرسل. الثامن والتاسع: سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي مرسلا. يرويه فرقد وحدثني قتادة عن سعيد بن المسيب، وحدثني إبراهيم النخعي به. أخرجه أحمد (5 / 259) .

2204

قلت: وفرقد لين الحديث كما سبق، لكن إذا انضم إليه ما لم يشتد ضعفه من الأحاديث المتقدمة، وخاصة حديث ابن سابط المرسل الصحيح السند، فلا يشك حينئذ حديثي أن الحديث يرتقي بمجموع ذلك إلى مرتبة الصحيح، ولاسيما وله شاهد من حديث أبي مالك الأشعري سبق تخريجه برقم (90 و 91) . وأما الشطر الأول منه فقد صح من حديث عبد الله بن عمرو، خرجته في " الروض النضير " (1004) وله شواهد أخرى تقدم ذكرها برقم (1787) . 2204 - " ليلة الضيف حق على كل مسلم، فمن أصبح بفنائه فهو عليه دين إن شاء اقتضى وإن شاء ترك ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (744) وأبو داود (2 / 137) وابن ماجة (2 / 392) والطحاوي في " المشكل " (4 / 39) وأحمد (4 / 130 و 132 و 133 ) وتمام (250 / 2) وابن عساكر (17 / 77 / 2) من طريق منصور عن الشعبي عن المقدام أبي كريمة الشامي مرفوعا. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات. وتابعه حريز عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معد يكرب الكندي به نحوه. أخرجه أحمد (4 / 130 - 131) . قلت: وسنده صحيح أيضا. وله طريق آخر ، فيه زيادة منكرة كما بينته في " تخريج المشكاة " (4247) . وله شاهد صحيح من حديث عقبة بن عامر مخرج في " الإرواء " (2591) .

2205

2205 - " ليلة القدر ليلة سابعة أو تاسعة وعشرين، إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2545) وعنه أحمد (2 / 519) وكذا ابن خزيمة في " صحيحه " (223 / 2) عن عمران القطان عن قتادة عن أبي ميمونة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن وسكت عليه الحافظ في " الفتح " (4 / 209) . 2206 - " ليودن أهل العافية يوم القيامة أن جلودهم قرضت بالمقاريض، مما يرون من ثواب أهل البلاء ". رواه الترمذي (2404) والخطيب في " التاريخ " (4 / 400) وكذا ابن عساكر (9 / 9 / 1) عن عبد الرحمن بن مغراء أخبرنا الأعمش عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه ". قلت: وله علتان: الأولى: عنعنة أبي الزبير، فإنه مدلس، كما تقدم مرارا. والأخرى: أن عبد الرحمن بن مغراء وإن كان صدوقا، فقد تكلموا في حديثه عن الأعمش كما في " التقريب ". ومن طريقه رواه ابن أبي الدنيا أيضا كما في " الترغيب " (4 / 146) وقال: " ورواه الطبراني في " الكبير " عن ابن مسعود موقوفا عليه وفيه رجل لم يسم ". ثم ذكر له شاهدا من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ:

2207

" يؤتى بالشهيد يوم القيامة فيوقف للحساب، ثم يؤتى بالمتصدق فينصب للحساب، ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان، ولا ينصب لهم ديوان، فيصب عليهم الأجر صبا، حتى إن أهل العافية ليتمنون في الموقف أن أجسادهم قرضت بالمقاريض من حسن ثواب الله ". وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " من رواية مجاعة بن الزبير، وقد وثق ". قلت: أخرجه فيه (3 / 178 / 2) : حدثنا السري بن سهل الجنديسابوري أخبرنا عبد الله بن رشيد أخبرنا مجاعة بن الزبير عن قتادة عن جابر بن زيد عن ابن عباس. والسري هذا، قال البيهقي: " لا يحتج به، ولا بشيخه ". قلت: وشيخه عبد الله بن رشيد، قد ذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " مستقيم الحديث ". قلت: فهذا الإسناد لا يحتج به ، لكن لا يمنع ذلك من الاستشهاد به لأنه ليس شديد الضعف، فالحديث حسن. والله أعلم. 2207 - " اللبن في المنام فطرة ". أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 183) من حديث أبي هريرة قال: فذكره موقوفا عليه، وقال: رواه البزار وفيه محمد بن مروان وهو ثقة وفيه لين وبقية رجاله ثقات ". ثم رجعت إلى " كشف الأستار " (3 / 13 / 2127) ، فإذا الحديث فيه مرفوع وكذلك ذكره الحافظ في " الفتح " (12 / 393) برواية البزار، فالظاهر أنه سقط من " المجمع " رفعه، وإسناده هكذا: حدثنا جميل بن الحسن حدثنا محمد بن مروان حدثنا

هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " لا نعلم رواه عن هشام إلا محمد وعون بن عمارة وعون لين الحديث ". قلت: هذا إسناد ضعيف، جميل بن الحسن قال الحافظ: " صدوق يخطىء، أفرط فيه عبدان ". وشيخه محمد بن مروان - وهو العقيلي - قريب منه، قال الحافظ: " صدوق له أوهام ". ومتابعه عون بن عمارة ضعيف. وقد خالفهما أبو أسامة فقال: عن هشام به موقوفا على أبي هريرة. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (11 / 77 / 10561) . وأبو أسامة هو حماد بن أسامة، وهو ثقة لكنه مدلس. قلت: وقد وجدت له شاهدا موقوفا أيضا، فقال الدارمي في " سننه " (2 / 128) : أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا الوليد حدثنا جابر حدثني محمد بن قيس حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. كذا وقع في النسخة الشامية موقوفا، وكذا في أصلها الهندية (ص 275) . لكن على هامشها : " نسخة: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ". ثم إن الإسناد مشكل، فإن جابرا هذا لم أعرفه ولا شيخه محمد بن قيس ويحتمل أن يكون سقط من الناسخ لفظة : (ابن) ، والصواب: (حدثنا ابن جابر) وهو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الشامي الداراني، فإنه من شيوخ الوليد وهو ابن مسلم الدمشقي وهذا من شيوخ الحكم بن المبارك. وأما محمد بن قيس، فلم يتبين لي شيء الآن، غير أنه يلقى في النفس أنه لعله محمد بن قيس المدني قاص عمر بن عبد العزيز، أبو إبراهيم. والله أعلم.

2208

وبالجملة، فالحديث حسن بمجموع طريقيه الموقوفين، إن لم يصح رفع الآخر منهما وبخاصة أن الحافظ قد ذكر له شاهدا مرفوعا من حديث أبي بكرة وسكت عنه وهو في الغالب لا يسكت إلا عما هو حسن عنده على الأقل، لكن القلب لم يطمئن له، فقد رأيت الهيثمي قد قال فيه (11 / 183) : " رواه الطبراني وفيه الحكم بن ظهير وهو متروك ". والله سبحانه وتعالى أعلم. 2208 - " الذي لا ينام حتى يوتر حازم ". أخرجه أحمد (1 / 170) عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن الحصين أنه حدث عن سعد بن أبي وقاص: " أنه كان يصلي العشاء الآخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يوتر بواحدة لا يزيد عليها، فيقال له: أتوتر بواحدة لا تزيد عليها يا أبا إسحاق؟ فيقول نعم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: ورجاله ثقات، غير ابن الحصين هذا، فأورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 317) من رواية ابن إسحاق فقط عنه ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وذكره ابن حبان في " الثقات " على ما قال الحافظ في " التعجيل " ولكني لم أره في التابعين منهم في النسخة المطبوعة في الهند. والله أعلم. ثم رأيته أورده في " أتباع التابعين " (7 / 413) وقال: " روى عنه محمد بن إسحاق وكان صواما قواما ". إلا أن الحديث صحيح، له شواهد من حديث أبي قتادة وابن عمر وعقبة بن

2209

عامر وهي مخرجة في " صحيح أبي داود " ( 1288) . 2209 - " ما آتاك الله من أموال السلطان من غير مسألة ولا إشراف، فكله وتموله ". أخرجه أحمد (5 / 195 و 6 / 452) عن قيس بن سعد عن رجل حدثه عن أبي الدرداء قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أموال السلطان؟ فقال: " فذكره . قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم. لكن له شاهد من حديث الزهري عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى قال: أخبرني عبد الله بن السعدي: " أنه قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه من الشام، فقال: ألم أخبر أنك تعمل على عمل من أعمال المسلمين، فتعطى عليه عمالة، فلا تقبلها؟ قال: أجل إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير وأريد أن يكون عملي صدقة على المسلمين، فقال عمر: إن أردت الذي أردت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطيني المال، فأقول: أعطه من هو أفقر إليه مني وإنه أعطاني مرة مالا، فقلت له: أعطه من هو أحوج إليه مني، فقال: ما آتاك الله عز وجل من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف، فخذه فتموله أو تصدق به وما لا فلا تتبعه نفسك ". أخرجه البخاري (13 / 128 - 132 - فتح) ومسلم (3 / 98 - 99) والنسائي (1 / 365) والدارمي ( 1 / 388) . وله طرق أخرى عن عمر أحدها عند الضياء في " المختارة " (رقم 83 - بتحقيقي) وبعضها في " الإرواء " (3 / 364 - 365) .

2210

2210 - " ما جلس قوم يذكرون الله عز وجل إلا ناداهم مناد من السماء: قوموا مغفور لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (434) عن إسماعيل بن عبد الملك الزئبقي أبي إسحاق حدثنا ميمون بن عجلان عن ميمون بن سياه عن أنس مرفوعا. وقال: " لم يروه عن ميمون إلا إسماعيل ". قلت: وهو ثقة من شيوخ يعقوب بن سفيان، ذكره في " تاريخه " وقال: " كان ثقة، إلا أنهم كانوا يعيبون عليه بيع الزئبق ". وميمون بن عجلان، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 239) عن أبيه: " شيخ ". ومن العجائب قول الحافظ في " اللسان ": " لا أعرف له حديثا "! وقد تابعه ميمون بن موسى المرائي، فقال أحمد (3 / 142) : حدثنا محمد بن بكر أنبأنا ميمون المرائي حدثنا ميمون بن سياه به. وهذا إسناد حسن إن شاء الله ميمون بن سياه، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وميمون المرائي صدوق. والحديث قال المنذري في " الترغيب " (2 / 233) : " رواه أحمد ورواته محتج بهم في الصحيح إلا ميمون المرائي - بفتح الميم والراء بعدها ألف نسبة إلى امرىء القيس - وأبو يعلى والبزار والطبراني. ورواه الطبراني

2211

من حديث عبد الله بن مغفل وسهل بن الحنظلية ". وحديث سهل عزاه في " الجامع " للحسن بن سفيان، وقال الهيثمي ( 10 / 77) : " وفيه المتوكل بن عبد الرحمن والد محمد بن أبي السري ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". 2211 - " ما أحب أن أحدا ذاك عندي ذهب، أمسى ثالثة عندي منه دينار إلا دينارا أرصده لدين، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا - حثا بين يديه -، وهكذا - عن يمينه -، وهكذا - عن شماله - ". أخرجه البخاري (7 / 137) ومسلم (3 / 75) وأحمد (5 / 152) عن زيد بن وهب عن أبي ذر مرفوعا. وفي رواية للبخاري: " ما يسرني أن عندي ... "، وقد مضى برقم (1028) . وله طريق أخرى بلفظ: " ما أحب أن لي مثل أحد ذهبا - أو قال: ما أحب أن لي أحدا ذهبا - أدع منه يوم أموت دينارا أو نصف دينار إلا لغريم ". أخرجه أحمد (5 / 160 - 161 و 176) والخطيب (7 / 376) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سويد بن الحارث قال: سمعت أبا ذر قال: مرفوعا به. ولفظ الخطيب: " ما يسرني ". وإسناده رجال الستة، غير سويد هذا، وقد ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحا وتبعه ابن أبي حاتم. وله شاهد بلفظ:

2212

" وما أحب أن لي أحدا ذهبا، يمر بي ثالثة عندي منه دينار إلا شيء أعده لغريم ". أخرجه أحمد (2 / 506) : حدثنا يزيد أنبأنا ابن أبي ذئب عن أبي الوليد عن أبي هريرة مرفوعا به. وهذا سند صحيح على شرط الستة وأبو الوليد اسمه عبد الله بن الحارث البصري. وأخرجه ابن ماجة (4132) من طريق أبي سهيل بن مالك عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ: " إلا شيء أرصده في قضاء دين ". وسنده جيد. 2212 - " ما أحب أن أسلم على الرجل وهو يصلي، ولو سلم علي لرددت عليه ". موقوف. أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 264) من طريقين عن الأعمش قال: حدثني أبو سفيان قال: سمعت جابرا يقول: فذكره موقوفا عليه. قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم. وهو موقوف كما ترى وقد أورده السيوطي في " الجامعين " من رواية الطحاوي عن جابر، فأوهم أنه مرفوع ولم يتنبه لذلك المناوي، فاكتفى بقوله: " رمز المصنف لحسنه "! قلت: وللتنبيه على ذلك أوردته هنا وإلا فكتابنا هذا خاص بالأحاديث المرفوعة

2213

إلا ما شاء الله ولاسيما وقد صح عن جابر نفسه أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ورد عليه إشارة كما في " صحيح مسلم " (2 / 71) وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " مع أحاديث أخرى بأصرح منه، تحت: " باب رد السلام في الصلاة " (856 - 860) . 2213 - " ما أحرز الولد أو الوالد فهو لعصبته من كان ". أخرجه أبو داود (2 / 20) وابن ماجة (2 / 165) وأحمد (1 / 27) عن حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن رئاب بن حذيفة تزوج امرأة، فولدت له ثلاثة غلمة، فماتت أمهم، فورثوها رباعها وولاء مواليها، وكان عمرو بن العاص عصبة بنيها، فأخرجهم إلى الشام، فماتوا، فقدم عمرو بن العاص، ومات مولى لها، وترك مالا، فخاصمه إخوتها إلى عمر بن الخطاب، فقال عمر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن. ثم خرجت الحديث في " صحيح أبي داود " (2550) من رواية البيهقي عنه. وتكلمت عليه بأبسط مما هنا وذكرت من قواه من العلماء. 2214 - " ما أحد أعظم عندي يدا من أبى بكر رضي الله عنه، واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته ". أخرجه الطبراني في " معجمه الكبير " (11 / 191 / 11461) وابن عدي (31 / 2) وابن عساكر في " تاريخه " (9 / 278 / 1) عن محمد بن صالح بن مهران أخبرنا أرطأة أبو حاتم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا وقال ابن

عدي: " لا أعرفه إلا عن أرطأة عن ابن جريج ". قلت: وأرطأة هذا هو ابن المنذر، بصري، يكنى أبا حاتم، ساق له ابن عدي حديثين هذا أحدهما، والآخر، خطأه في إسناده، ثم قال: " وله أحاديث غير ما ذكرت، وفي بعضها خطأ وغلط " . وقد وجدت له طريقا أخرى، يرويه عبيد الله بن تمام عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: " ما أحد من الناس أفضل علي نعمة في أهل ومال من أبي بكر " . أخرجه الطبراني أيضا (11 / 348 / 11974) . وعبيد الله هذا ضعيف. وله طريق ثالث يرويه ليث عن مجاهد عن ابن عباس نحوه. ورابع من رواية جرير: سمعت يعلى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: " إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة، ولو كنت متخذ خليلا.. " الحديث. أخرجه البخاري (467) والطبراني (11938) وابن حبان (6821 - الإحسان) . وله شاهد من حديث أبي حفص العبدي عن مالك بن دينار عن أنس نحوه. أخرجهما ابن عساكر. وشاهدان آخران صحيحان مختصران من حديث أبي هريرة وعائشة، مخرجان في " أحاديث مشكلة الفقر " (رقم 13) .

2215

2215 - " ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر ". رواه الطبراني في " المعجم الصغير " (رقم 1053) وعنه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 247) عن أحمد بن الفرات حدثنا محمد بن كثير حدثنا محمد بن فضيل عن الصلت بن بهرام عن أبي وائل عن البراء بن عازب مرفوعا. وقال الطبراني : " تفرد به أحمد ". قلت: وهو ثقة حافظ، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين غير الصلت بن بهرام وهو ثقة. ومحمد بن كثير هو العبدي فيما يترجح عندي. والله أعلم. والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 295) : " رواه الطبراني في " الصغير " وفيه الصلت بن بهرام، وهو ثقة، إلا أنه كان مرجئا ". قلت: وأخرجه الضياء المقدسي أيضا في " الأحاديث المختارة " كما في " الجامعين : الكبير والصغير "، وحسن المناوي إسناده في " التيسير ". 2216 - " ما أخشى عليكم الفقر ولكني أخشى عليكم التكاثر، وما أخشى عليكم الخطأ ولكني أخشى عليكم التعمد ". أخرجه ابن حبان (2479) والحاكم (2 / 534) وأحمد (2 / 308 و 539) عن جعفر بن برقان قال: سمعت يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

2217

وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 236) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". 2217 - " ما أدري تبع ألعينا كان أم لا؟ وما أدري ذا القرنين أنبيا كان أم لا؟ وما أدري الحدود كفارات أم لا؟ ". أخرجه أبو داود (4674) - دون الجملة الثالثة - والحاكم في " المستدرك " (1 / 36) وعنه البيهقي (8 / 329) وأبو القاسم الحنائي في " الفوائد " (16 / 1) وابن عبد البر في " الجامع " (2 / 50) وابن عساكر في " التاريخ " (3 / 251 / 1 و 6 / 57 / 1 و 11 / 302 / 1 و 16 / 66 / 2) كلهم عن عبد الرزاق أنبأ معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، ولا أعلم له علة "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال ابن عساكر: " قال الدارقطني: تفرد به عبد الرزاق ". قلت: ولعله يعني عن معمر، وإلا فقد توبع عليه معمر عن ابن أبي ذئب كما يأتي، وقد أعل بالإرسال، فقال الحنائي عقبه: " غريب، ورواه هشام بن يوسف الصنعاني عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو الأصح ". وذكره البيهقي نحوه عن البخاري، وأقول: " هشام ثقة، وقد خالفه معمر كما تقدم، وكذلك خالفه آدم بن أبي إياس حدثنا ابن أبي ذئب عن المقبري به.

أخرجه الحاكم (2 / 450) وعنه البيهقي أيضا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. فقد اتفق الثقتان على وصله عن ابن أبي ذئب عن المقبري به، فإما أن يقال: ما اتفقنا عليه أرجح مما تفرد به هشام من الإرسال، وأما أن يقال: كل صحيح، وابن أبي ذئب له سندان، أحدهما عن المقبري عن أبي هريرة، والآخر : عن الزهري مرسلا، وكل حفظ عنه ما سمع منه، وكل ثقة. والله أعلم. وللحديث شاهد بإسناد ضعيف عن ابن عباس خرجناه في الكتاب الآخر (3033) . (فائدة) : قال ابن عساكر: " وهذا الشك من النبي صلى الله عليه وسلم كان قبل أن يبين له أمره، ثم أخبر أنه كان مسلما، وذاك فيما أخبرنا ... ". ثم ساق إسناده بحديث: لا تسبوا تبعا فإنه قد كان أسلم ". أخرجه هو، وأحمد (5 / 340) عن ابن لهيعة حدثنا أبو زرعة عمرو بن جابر عن سهل بن سعد مرفوعا. وأبو زرعة وابن لهيعة ضعيفان. لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن على أقل الدرجات، كما سيأتي بيانه إن شاء الله برقم (2423) . قلت: ونحوه قول الهيثمي: " يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم قاله في وقت لم يأته فيه العلم عن الله، ثم لما أتاه قال ما رويناه في حديث عبادة وغيره ". يعني قوله صلى الله عليه وسلم:

2218

" ... ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ... ". أخرجه الشيخان وغيرهما. (تنبيه) : وقع في " المستدرك " في الموضع الأول منه " تبع أنبيا "، وأظنه خطأ من بعض نساخ " المستدرك " أو الطابع، والصواب ما أثبتناه، وهو رواية البيهقي عن الحاكم، وكذلك هو في رواية الآخرين عن عبد الرزاق، وفي رواية آدم بن أبي إياس أيضا. ووقع في " الفتح الكبير " (3 / 78) معزوا لإحدى روايتي الحاكم: " عزير " بدل " لقمان "، وهو خطأ مخالف لروايتي الحاكم كلتيهما، ولرواية الآخرين، اللهم إلا قول ابن عساكر في آخر الحديث: " وقال غيره: عزير "، ولم أدر من عنى، ولكنه روي ذلك في الشاهد الذي سبقت الإشارة إليه. والله أعلم. 2218 - " ما استكبر من أكل معه خادمه وركب الحمار بالأسواق واعتقل الشاة فحلبها ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 550) والديلمي (4 / 33) عن ابن لال معلقا كلاهما عن عبد العزيز بن عبد الله عن عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله رجال " الصحيح " غير أن محمد بن عمرو إنما أخرج له مقرونا بغيره. وأما قول المناوي في " فيضه ": " رمز المصنف لحسنه، وفيه عبد العزيز بن عبد الله الأويسي، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: قال أبو داود: " ضعيف "، عن عبد العزيز بن محمد قال ابن حبان بطل الاحتجاج به ". قلت: ففيه مؤاخذتان:

2219

الأولى: أن الذي في " ضعفاء الذهبي " نصه: " ثقة مشهور، قال أبو داود: ضعيف ". زاد في نسخة: " وقال أيضا: ثقة ". فقوله: " ثقة مشهور " واضح جدا أنه ثقة عنده غير ضعيف، فحذف المناوي لهذا التوثيق الصريح مما لا يخفى ما فيه. ويؤيد ما قلت أنه أورده في كتابه " معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (ص 137 / 212) ، وقال: " شيخ البخاري، ضعفه أبو داود ". والأخرى: أن ما نقله عن ابن حبان إنما قاله في " الضعفاء " (2 / 138) في ابن زبالة، وليس هو راوي هذا الحديث، وإنما هو (الدراوردي) وهو ثقة عند ابن حبان وغيره، فيه ضعف يسير من قبل حفظه، فحديثه لا ينزل عن مرتبة الحسن، وقد احتج به مسلم. 2219 - " من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار ". أخرجه البخاري (2 / 390 - السلفية) والترمذي (1632) والنسائي (2 / 56) وابن حبان (4586) وأحمد (3 / 479) عن عباية بن رفاعة قال: " أدركني أبو عبس وأنا أذهب إلى الجمعة فقال: (أبشر، فإن خطاك هذه في سبيل الله ) ، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب صحيح، وأبو عبس اسمه عبد الرحمن بن جبر ". وروى عتبة بن أبي حكيم عن حصين عن أبي المصبح عن جابر بن عبد الله مرفوعا به نحوه. أخرجه ابن حبان ( 1588) والطيالسي (1 / 234 - ترتيبه) وأحمد (3 / 367)

عن عبد الله بن مبارك عنه. قلت: وعتبة بن أبي حكيم ضعيف. وقد خالفه ابن جابر فذكر أن أبا المصبح الأوزاعي حدثهم قال: " بينا نسير في درب (قلمية) ، إذ نادى الأمير مالك بن عبد الله الخثعمي رجل يقود فرسه في عراض الجبل: يا أبا عبد الله! ألا تركب؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره " إلا أنه قال: " ساعة من نهار، فهما حرام على النار ". أخرجه أحمد (5 / 225 - 226) . قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي المصبح الأوزاعي وهو ثقة. وتابعه ليث بن المتوكل عن مالك بن عبد الله الخثعمي باللفظ الأول. أخرجه أحمد أيضا. والليث هذا وثقه ابن حبان ومحمد بن عبد الله بن عمير، وسائر رجاله ثقات معروفون، فالسند صحيح أيضا. وتابعهما عبد الله بن سليمان أن مالك بن عبد الله مر على حبيب بن مسلمة، أو حبيب مر على مالك، وهو يقود فرسا وهو يمشي فقال: ألا تركب حملك الله؟ فقال: فذكره مرفوعا. أخرجه الدارمي ( 2 / 202) . ورجاله ثقات، لكني لم أعرف ابن سليمان هذا. وللحديث شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (6 / 443 - 444) .

2220

ورجاله ثقات. (تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في " زوائد الجامع الصغير " بلفظ: " ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار "، وقال: " رواه الأربعة عن مالك بن عبد الله الخثعمي ". قلت: وهذا وهم عجيب، فإن الأربعة لم يخرجوا لمالك هذا أصلا، ولا هو من رجال " التهذيب "، ولذلك لم يعزه الحافظ في ترجمته من " الإصابة " إلا لأبي داود الطيالسي وأحمد والطبراني والبغوي. (فائدة) : (قلمية) قال في " معجم البلدان ": " بفتح أوله وثانيه وسكون الميم والياء خفيفة: كورة واسعة برأسها من بلاد الروم، قرب (طرسوس) ". قلت: ووقع في " المسند ": (قلمتة) ، وفي " مجمع الزوائد " (5 / 285) : (ملمة) ولعل الصواب ما أثبته. 2220 - " ما أقفر من أدم بيت فيه خل ". أخرجه الترمذي (1842) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 312 - 313) والديلمي (4 / 34) من طريق ثابت بن أبي صفية أبي حمزة الثمالي عن الشعبي عن أم هانىء قالت: " دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أم هانىء! هل عندك شيء ؟ فقالت: لا، إلا كسيرات يابسات وخل، فقال: "، فذكره، وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي حمزة ". قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب "، وقال الذهبي في " الضعفاء ":

" متفق على ضعفه ". وأما الترمذي فقال: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". كذا قال: ولا يخفى ما فيه، لكني وجدت للحديث شاهدا قويا، فقال أحمد (3 / 353) : حدثنا محمد بن يزيد عن حجاج بن أبي زينب عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " نعم الإدام الخل، ما أقفر بيت فيه خل ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم - على ضعف في حفظ حجاج بن أبي زينب - غير محمد بن يزيد، وهو الواسطي وهو ثقة. وقد تابعه يزيد بن هارون أخبرنا حجاج بن أبي زينب به أتم منه، وفيه قصة أم هانىء لكنها لم تسم لكن ليس فيه: " ما أقفر بيت فيه خل ". أخرجه مسلم (6 / 126) والدارمي (2 / 101) وأبو يعلى (2 / 593) بلفظ: " هاتوه، فنعم الأدم الخل ". وأخرجه مسلم والترمذي وأبو يعلى (2 / 591) وأحمد (3 / 301 و 304 و 353 و 364 و 389 و 390 و 400) من طريق أخرى عن أبي سفيان به مختصرا: " نعم الإدام الخل ". وكذلك أخرجه مسلم والترمذي والدارمي من حديث سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. وأخرج الشطر الثاني منه ابن حبان في " ثقات التابعين " (14 / 1) من طريق أنس بن عبد الحميد الضبي حدثنا هشام به.

وأخرجه ابن ماجة (2 / 314) من طريق عنبسة بن عبد الرحمن عن محمد بن زاذان قال: حدثتني أم سعد قالت: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة - وأنا عندها - فقال: هل من غداء؟ قالت: عندنا خبز وتمر وخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الإدام الخل، اللهم بارك في الخل، فإنه كان إدام الأنبياء قبلي، ولم يفتقر بيت فيه خل ". قلت: وهذا إسناد هالك، عنبسة وابن زاذان متروكان، والأول رماه أبو حاتم بالوضع. ثم وجدت لحديث جابر طريقا أخرى، ولكنه ضعيف جدا، يرويه الحسن بن قتيبة: حدثنا مغيرة (هو ابن زياد) عن أبي الزبير عنه بلفظ: " ما أقفر أهل بيت من أدم فيه خل وخير خلكم خل خمركم ". أخرجه البيهقي (6 / 38) وقال: " قال أبو عبد الله ( يعني شيخه الحاكم) : هذا حديث واهي، والمغيرة بن زياد صاحب مناكير ". قلت: المغيرة هذا صدوق له أوهام كما في " التقريب "، فليست العلة منه وإنما من الراوي عنه الحسن بن قتيبة، فإنه هالك كما قال الذهبي، وقال الدارقطني: " متروك الحديث ". ونحوه في الضعف، ما زاده عبيد الله بن الوليد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال: " دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على جابر بن عبد الله، فقرب إليهم خبزا وخلا، فقال: كلوا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم الإدام الخل، إنه هلاك بالرجل أن يدخل عليه النفر من إخوانه فيحتقر ما في بيته أن يقدمه إليهم، وهلاك بالقوم

2221

أن يحتقروا ما قدم إليهم ". أخرجه البيهقي (7 / 279 - 280) وأحمد (3 / 371) . قلت: وعبيد الله هذا ضعيف كما جزم به الحافظ. وقد روي من طريقين آخرين عن جابر ولكنهما معلولان ولذلك خرجته في " الضعيفة " (5379) . 2221 - " ما أوتيكم من شيء وما أمنعكموه، إن أنا إلا خازن أضع حيث أمرت ". أخرجه أبو داود (2 / 25) وأحمد (2 / 314) عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة بلفظ: " والله ما أعطيكم ولا أمنعكم وإنما أنا قاسم أضعه حيث أمرت ". أخرجه البخاري (6 / 165 - فتح) وأحمد (2 / 482) . 2222 - " ما أوذي أحد ما أوذيت في الله عز وجل ". أخرجه الديلمي (4 / 51) من طريق محمد بن إبراهيم الطرسوسي حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل عن جابر عن ابن بريدة عن أبيه رفعه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله موثقون غير جابر - وهو ابن يزيد الجعفي - وهو ضعيف. ورواه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 233) عن محمد بن سليمان بن هشام حدثنا وكيع

عن مالك (عن الزهري) عن أنس مرفوعا نحوه، وقال: " غريب من حديث مالك، تفرد به وكيع ". قلت: والراوي عنه ابن هشام - وهو الشطوي - ضعيف، لكن مفهوم قول أبي نعيم: " تفرد به وكيع " أنه لم يتفرد به الشطوي، فإن كان كذلك فالحديث صحيح ولعله لذلك سكت عليه السخاوي في " المقاصد " (ص 361 / 969) وقال: " وأصله في البخاري ". والحديث رواه ابن عدي أيضا وابن عساكر عن جابر كما في " الجامع الصغير ". وبالجملة، فالحديث بمجموع هذه الطرق الثلاث يرتقي إلى درجة الحسن إن شاء الله تعالى. وأما قول السخاوي: " وأصله في البخاري " . فلم أدر ما يعني، فإني لا أعلم لأنس قريبا من هذا عنده، وإن كان يعني حديثه الذي رواه عنه ثابت مرفوعا بلفظ: " لقد أذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثالثة وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا مما وارى إبط بلال ". قلت: فهذا شيء، وحديث الترجمة شيء آخر، فإنه يتحدث عن زمانه صلى الله عليه وسلم فهو خاص، وحديث الترجمة أعم كما هو ظاهر، ثم إنه لم يروه البخاري وإنما رواه الترمذي (2474) وابن ماجة (1 / 67) وأحمد (3 / 120 و 286) عن حماد بن سلمة أنبأنا ثابت به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم.

2223

2223 - " ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي ". أخرجه الترمذي (3713) والنسائي في " الخصائص " (ص 13 و 16 - 17) وابن حبان (2203) والحاكم (3 / 110) والطيالسي في " مسنده " (829) وأحمد ( 4 / 437 - 438) وابن عدي في " الكامل " (2 / 568 - 569) من طريق جعفر بن اليمان الضبعي عن يزيد الرشك عن مطرف عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمضى في السرية، فأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقدوا أربعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرناه بما صنع علي وكان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله! ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام الثاني، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام إليه الثالث، فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والغضب يعرف في وجهه فقال: " فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث جعفر بن سليمان ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم وكذلك سائر رجاله ولذلك قال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي. وللحديث شاهد يرويه أجلح الكندي عن عبد الله بن بريدة عن أبيه بريدة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثين إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب.. فذكر القصة بنحو ما تقدم، وفي آخره:

" لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي وإنه مني وأنا منه وهو وليكم بعدي ". أخرجه أحمد (5 / 356) . قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير الأجلح، وهو ابن عبد الله الكندي، مختلف فيه، وفي " التقريب ": " صدوق شيعي ". فإن قال قائل: راوي هذا الشاهد شيعي، وكذلك في سند المشهود له شيعي آخر، وهو جعفر بن سليمان، أفلا يعتبر ذلك طعنا في الحديث وعلة فيه؟ ! فأقول: كلا لأن العبرة في رواية الحديث إنما هو الصدق والحفظ، وأما المذهب فهو بينه وبين ربه، فهو حسيبه، ولذلك نجد صاحبي " الصحيحين " وغيرهما قد أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين كالخوارج والشيعة وغيرهم، وهذا هو المثال بين أيدينا، فقد صحح الحديث ابن حبان كما رأيت مع أنه قال في راويه جعفر في كتابه " مشاهير علماء الأمصار " (159 / 1263) : " كان يتشيع ويغلو فيه ". بل إنه قال في ثقاته (6 / 140) : " كان يبغض الشيخين ". وهذا، وإن كنت في شك من ثبوته عنه، فإن مما لا ريب فيه أنه شيعي لإجماعهم على ذلك، ولا يلزم من التشيع بغض الشيخين رضي الله عنهما، وإنما مجرد التفضيل. والإسناد الذي ذكره ابن حبان برواية تصريحه ببغضهما، فيه جرير بن يزيد بن هارون، ولم أجد له ترجمة، ولا وقفت على إسناد آخر بذلك إليه. ومع ذلك فقد قال ابن حبان عقب ذاك التصريح:

" وكان جعفر بن سليمان من الثقات المتقنين في الروايات غير أنه كان ينتحل الميل إلى أهل البيت، ولم يكن بداعية إلى مذهبه، وليس بين أهل الحديث من أئمتنا خلاف أن الصدوق المتقن إذا كان فيه بدعة ولم يكن يدعو إليها أن الاحتجاج بأخباره جائز ". على أن الحديث قد جاء مفرقا من طرق أخرى ليس فيها شيعي. أما قوله: " إن عليا مني وأنا منه ". فهو ثابت في " صحيح البخاري " ( 2699) من حديث البراء بن عازب في قصة اختصام علي وزيد وجعفر في ابنة حمزة، فقال صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: " أنت مني وأنا منك ". وروي من حديث حبشي بن جنادة، وقد سبق تخريجه تحت الحديث (1980) . وأما قوله: " وهو ولي كل مؤمن بعدي ". فقد جاء من حديث ابن عباس، فقال الطيالسي (2752) : حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت ولي كل مؤمن بعدي ". وأخرجه أحمد (1 / 330 - 331) ومن طريقه الحاكم (3 / 132 - 133) وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا. وهو بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " من كنت مولاه فعلي مولاه.. " وقد صح من طرق كما تقدم بيانه في المجلد الرابع برقم (1750) . فمن العجيب حقا أن يتجرأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث

2224

وتكذيبه في " منهاج السنة " (4 / 104) كما فعل بالحديث المتقدم هناك، مع تقريره رحمه الله أحسن تقرير أن الموالاة هنا ضد المعاداة وهو حكم ثابت لكل مؤمن، وعلي رضي الله عنه من كبارهم، يتولاهم ويتولونه. ففيه رد على الخوارج والنواصب، لكن ليس في الحديث أنه ليس للمؤمنين مولى سواه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أسلم وغفار ومزينة وجهينة وقريش والأنصار موالي دون الناس، ليس لهم مولى دون الله ورسوله ". فالحديث ليس فيه دليل البتة على أن عليا رضي الله عنه هو الأحق بالخلافة من الشيخين كما تزعم الشيعة لأن الموالاة غير الولاية التي هي بمعنى الإمارة، فإنما يقال فيها: والي كل مؤمن. هذا كله من بيان شيخ الإسلام وهو قوي متين كما ترى، فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث إلا التسرع والمبالغة في الرد على الشيعة، غفر الله لنا وله. 2224 - " ما تستقل الشمس فيبقى شيء من خلق الله عز وجل إلا سبح الله عز وجل وحمده إلا ما كان من الشيطان وأعتى بني آدم، فسألت عن أعتى بني آدم؟ فقال: شرار الخلق ، أو قال: شرار خلق الله ". أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (146) وعنه الديلمي (4 / 46) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 111) من طريق بقية بن الوليد حدثني صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن ميسرة أبي سلمة الحضرمي عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون غير أبي سلمة الحضرمي، وقد روى عنه جمع منهم حريز بن عثمان، وقد قال أبو داود: " شيوخ حريز كلهم ثقات ".

2225

وقال العجلي: " شامي تابعي ثقة ". وبقية، الكلام فيه معروف، والراجح منه الاحتجاج بحديثه إذا صرح بالتحديث عن شيخه، وقد قال الذهبي في " الكاشف ": " وثقه الجمهور فيما سمعه من الثقات، وقال النسائي: إذا قال: (حدثنا) و (أخبرنا) ، فهو ثقة ". 2225 - " ما تقولون؟ إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 298) عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عن أبي قتادة قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته، فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعمته، فادعم، ثم مال، فدعمته، فأدعم ، ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته، فدعمته، فانتبه، فقال: من الرجل؟ قلت: أبو قتادة. قال: منذ كم كان مسيرك؟ قلت: منذ الليلة. قال: حفظك الله كما حفظت رسوله. ثم قال: لو عرسنا، فمال إلى شجرة فنزل، فقال: انظر هل ترى أحد؟ قلت: هذا راكب، هذان راكبان، حتى بلغ سبعة، فقلنا: احفظوا علينا صلاتنا، فنمنا، فما أيقظنا إلا حر الشمس، فانتبهنا، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسار وسرنا هنيهة، ثم نزل فقال: أمعكم ماء؟ قال: قلت : نعم. معي ميضأة فيها شيء من ماء، قال: ائت بها. فأتيته بها، فقال: مسوا منها، مسوا منها. فتوضأ القوم، وبقيت جرعة، فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة ! فإنه سيكون

2226

لها نبأ، ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجر، ثم صلوا الفجر ، ثم ركب وركبنا، فقال بعضهم لبعض: فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ، قلنا: يا رسول الله! فرطنا في صلاتنا: فقال: لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها، ومن الغد وقتها، ثم قال: ظنوا بالقوم، قالوا: إنك قلت بالأمس: إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، فالناس بالماء. فقال: أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم، فقال بعضهم لبعض: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء، وفي القوم أبي بكر وعمر، فقالا: أيها الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا. قالها ثلاثا، فلما اشتدت الظهيرة، رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله ! هلكنا عطشا تقطعت الأعناق. فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: يا أبا قتادة! ائت بالميضأة، فأتيته بها. فقال: احلل لي غمري، يعني: قدحه، فحللته، فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقي الناس، فازدحم الناس عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! أحسنوا الملء فكلكم يصدر عن ري، فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب لي. فقال: اشرب يا أبا قتادة! قال: قلت: اشرب أنت يا رسول الله! قال: إن ساقي القوم آخرهم. فشربت وشرب بعدي، وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها. وهم يومئذ ثلاثمائة ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " دون موضع الشاهد منه، وهو رواية لأحمد. 2226 - " ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس ". رواه أحمد (2 / 325) والخطيب (9 / 99) وعنه ابن عساكر (7 / 157 / 2) من طريق أبي بكر بن عياش عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا.

2227

قلت: وهذا إسناد جيد على شرط البخاري. وقد أخرجه هو ومسلم من طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا نحوه مطولا، وسيأتي إن شاء الله تعالى برقم (2741) . 2227 - " ما خالط قلب امرئ مسلم رهج في سبيل الله، إلا حرم الله عليه النار ". أخرجه أحمد (6 / 85) عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: " أن مكاتبا لها دخل عليها ببقية مكاتبته، فقالت له: أنت غير داخل علي غير مرتك هذه، فعليك بالجهاد في سبيل الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير إسماعيل بن عياش وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها. قلت: وقد تابعه سويد بن عبد العزيز حدثنا الأوزاعي به. أخرجه ابن أبي عاصم في " الجهاد " (ق 84 / 1) . وسويد هذا لين الحديث، كما في " التقريب " ، فيستشهد به. وله عنده طريق أخرى، أخرجه من طريق حفص بن جميع عن المغيرة عن الحكم عن عطاء عنها. وحفص هذا ضعيف أيضا. ووجدت له طريقا ثالثا، فقال الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم 9577 - مصورتي) : حدثنا هيثم بن خلف أخبرنا محمد بن عمار الموصلي أخبرنا القاسم بن يزيد الجرمي عن صدقة بن عبد الله الدمشقي عن ابن جريج عن محمد بن زياد المدني عن

() مولى عائشة قال: قالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره نحوه. وقال: " لم يروه عن ابن جريج إلا صدقة، ولا عن صدقة إلا القاسم بن يزيد، تفرد به محمد بن عمار ". قلت: وهو ثقة حافظ من شيوخ النسائي، نسبه إلى جده وإلا فهو محمد بن عبد الله بن عمار، أبو جعفر البغدادي، نزيل الموصل. ومن فوقه ثقات غير صدقة، فهو ضعيف. و () مولى عائشة لم أعرفه، ووقع في " المعجم " هكذا بغير إعجام، فلم يتبين لي اسمه. وبالجملة، فالحديث صحيح بهذه الطرق، وخيرها أولها، وقد وثق المنذري (2 / 168) رجالها. وكذلك فعل الهيثمي (5 / 276) وأقره المناوي، بل قال في " التيسير ": " إسناده صحيح وقول المؤلف: " حسن " تقصير ". (تنبيه) : (الرهج) بفتح الراء وفتح الهاء وتسكن: هو الغبار، كما في " ابن الأثير " وغيره، وشذ المنذري فقال في تفسيره: " هو ما بداخل باطن الإنسان من الخوف والجزع ". وهذا خطأ بلا نزاع، لم يقله غيره كما في " عجالة الإملاء " للحافظ الناجي، وأيد ذلك بالنقل عن أهل اللغة، ونقل عن طائفة منهم أنه بفتح الهاء، وأن الإسكان لم يذكره إلا صاحب " القاموس ". والله أعلم. ولعل المنذري رحمه الله تأثر فيما ذهب إليه بالتحديث الذي ساقه عقبه مرفوعا بلفظ: " إذا رجف قلب المؤمن في سبيل الله تحاتت عنه خطاياه، كما يتحات عنه عذق النخلة ".

2228

رواه الطبراني. ولا يخفى أن هذا الحديث مستقل عن ذاك، ولا يمكن اعتباره بوجه من الوجوه مفسرا له، هذا لو ثبت، فكيف وهو موضوع، كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " (5145) ؟ ! 2228 - " ما على الأرض من نفس تموت، ولها عند الله خير، تحب أن ترجع إليكم ولها الدنيا إلا القتيل (في سبيل الله) ، فإنه يحب أن يرجع فيقتل مرة أخرى ". أخرجه النسائي (2 / 62) وأحمد (5 / 318، 322) من طريقين عن كثير بن مرة أن عبادة بن الصامت حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وإسناد النسائي جيد، وكذلك إسناد أحمد لو أن ابن جريج صرح بالتحديث، لكنه شاهد للذي قبله. (تنبيه) : أورد السيوطي الحديث برواية المذكورين بزيادة في آخره " لما يرى من ثواب الله له ". وهي ليست عندهما كما ذكرنا، وقد عزاه في " الجامع الكبير " لابن أبي الدنيا أيضا في " ذكر الموت " والروياني والطبراني في " الكبير " والضياء المقدسي عن عبادة، فلعلها عند أحدهم. وقد وجدت لها شاهدا من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " ما من نفس تموت فتدخل الجنة فتود أنها رجعت إليكم ولها الدنيا وما فيها إلا الشهيد، فإنه ود أنه قتل كذا وكذا مرة، لما رأى من الثواب ". أخرجه الدارمي (2 / 206) بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه بمعناه.

2229

2229 - " ما علمته إذ كان جاهلا، وأطعمته إذ كان ساغبا أو جائعا ". أخرجه أبو داود (1 / 408 - 409) وابن ماجة (2 / 44) والحاكم (4 / 133) والبيهقي (10 / 2) وأحمد (4 / 166 - 167) وابن سعد (7 / 55) عن أبي بشر عن عبادة بن شرحبيل قال: " أصابتني سنة، فدخلت حائطا من حيطان المدينة، ففركت سنبلا فأكلت وحملت في ثوبي، فجاء صاحبه، فضربني وأخذ ثوبي ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: (فذكره) وأمره، فرد علي ثوبي وأعطاني وسقا أو نصف وسق من طعام ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 2230 - " ما أنكر قلبك فدعه ". أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (824 و 1162) : أخبرنا ابن لهيعة قال : حدثنا يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره أن عبد الله بن معاوية بن حديج أخبره: " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ما يحل لي مما يحرم علي؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرد عليه ثلاث مرات، كل ذلك يسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من السائل؟ فقال الرجل: أنا ذا يا رسول الله! قال: ونقر بأصبعيه: " فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله ثقات، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه العبادلة، وابن المبارك أحدهم. وله شاهد من حديث أبي أمامة قال:

2231

" سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإثم؟ قال: ما حك أو ما حاك في صدرك فدعه ". أخرجه ابن المبارك (825) بإسناد صحيح، وغيره كما سبق برقم (550) . 2231 - " يا أبا بكر! ثلاث كلهن حق: ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها لله عز وجل إلا أعز الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله بها قلة ". أخرجه أحمد (2 / 436) عن ابن عجلان قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة: " أن رجلا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب ويبتسم، فلما أكثر رد عليه بعض قوله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقام، فلحقه أبو بكر فقال: يا رسول الله! كان يشتمني وأنت جالس فلما رددت عليه بعض قوله، غضبت وقمت، قال: إنه كان معك ملك يرد عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان، فلم أكن لأقعد مع الشيطان، ثم قال: " فذكره. قلت: وإسناده جيد. والحديث قال في " مجمع الزوائد " (8 / 190) : " رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " بنحوه ورجال أحمد رجال (الصحيح) "! كذا قال ، وابن عجلان إنما أخرج له البخاري تعليقا ومسلم استشهادا. وللجملة الأخيرة منه طريق أخرى عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة. أخرجه أحمد (2 / 418) .

2232

وسنده صحيح على شرط مسلم. 2232 - " وما سبيل الله إلا من قتل؟! من سعى على والديه ففي سبيل الله ومن سعى على عياله ففي سبيل الله (ومن سعى على نفسه ليعفها فهو في سبيل الله) ومن سعى مكاثرا ففي سبيل الطاغوت وفي رواية: سبيل الشيطان ". أخرجه البزار (1871 - الكشف) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 196 - 197) والأصبهاني في " الترغيب والترهيب " (ق 47 / 2 - 48 / 1 - مصور الجامعة الإسلامية الثانية) والبيهقي في " السنن " (9 / 25) من طرق عن أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا رياح بن عمرو حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع شاب من الثنية، فلما رأيناه رميناه بأبصارنا، فقلنا: لو أن هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله! فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالتنا فقال: فذكره. والسياق لأبي نعيم والزيادة للأصبهاني. قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير رياح بن عمرو - وهو القيسي - وهو صدوق كما قال أبو زرعة. وقال في " المجمع " (8 / 144) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط " وفيه رباح بن عمر وثقه أبو حاتم وضعفه غيره وبقية رجاله رجال الصحيح ". كذا وقع فيه: " رباح " بالموحدة، والصواب : (رياح) بالمثناة التحتية و (ابن عمر)

2233

خطأ أيضا ولعله مطبعي لم يتنبه له الأعظمي في تعليقه على " الكشف " والصواب (ابن عمرو) بفتح العين ". والحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة كما بينته في " التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب " وقد ذكر أحدها (3 / 4) من حديث كعب بن عجرة وأخرجه بحشل الواسطي في " تاريخ واسط " (ص 146) . وللحديث طريق أخرى، يرويه سليمان بن كيسان عن هارون بن راشد عن أبي هريرة به نحوه. أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسنده " (4 / 42 / 2) . وهارون هذا قال الذهبي: " روى عن تابعي عن أبي هريرة، مجهول، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". 2233 - " ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى ". أخرجه أبو داود (1 / 396) والحاكم (2 / 112) وعنه البيهقي (6 / 331) عن عبد الله بن الديلمي أن يعلى بن منية قال: " آذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغزو، وأنا شيخ كبير ليس لي خادم، فالتمست أجيرا يكفيني، وأجري له سهمه، فوجدت رجلا، فلما دنا الرحيل أتاني فقال: ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي؟ فسم لي شيئا، كان السهم أو لم يكن، فسميت له ثلاثة دنانير، فلما حضرت غنيمته، أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير، فجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكرت له أمره، قال: " فذكره، وقال الحاكم:

2234

" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي! قلت: عبد الله بن الديلمي - وهو ابن فيروز - لم يخرج له الشيخان، وكذلك عاصم بن حكيم الذي في الطريق إليه، وهما ثقتان، فالإسناد صحيح فقط. وتابعه خالد بن دريك عن يعلى بن أمية به نحوه. أخرجه أحمد (4 / 223) . قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات. وذكر له الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 310) شاهدا من رواية الطبراني في " مسند الشاميين " عن أبي (يعني ابن كعب) قال: " استعنت رجلا يغزو معي ... " الحديث نحوه. وسكت عن إسناده وإسناد أبي داود أيضا! 2234 - " إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف ". أخرجه ابن وهب في " الجامع " (58 / 2) عن أسامة بن زيد الليثي عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن من رواية ابن وهب عن أسامة. وقد رواه الحاكم من هذا الوجه وصححه، ووافقه الذهبي. وقد تابعه سفيان الثوري عن أسامة به. رواه جماعة عن سفيان. وخالفهم في متنه معاوية بن هشام فرواه عن سفيان بلفظ: " ... يصلون على ميامن الصفوف ". وهو بهذا اللفظ غير محفوظ كما قال البيهقي، وإن حسنه المنذري وغيره كما بينت في " ضعيف أبي داود " (104) .

2235

2235 - " لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على مثل الحال التي تكونون عليها عندي لصافحتكم الملائكة في طرق المدينة ". أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " (29 / 1 - 2) : حدثنا محمد بن هارون بن داهر حدثنا عبد الواحد بن غياث حدثنا غسان بن برزين الطهوي عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: غدا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله ! هلكنا ورب الكعبة. قال: وما ذاك؟ قالوا: النفاق النفاق!! قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: ليس ذاك النفاق. ثم عاودوه الثانية، فقالوا: يا رسول الله! هلكنا ورب الكعبة. قال : وما ذاك: قالوا: النفاق النفاق. قال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: ليس ذاك بنفاق. ثم عاودوه الثالثة، فقالوا مثل ذلك، فقال لهم: ليس ذلك بنفاق، فقالوا: يا رسول الله! إنا إذا كنا عندك كنا على حال، وإذا خرجنا من عند همتنا الدنيا وأهلونا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " غير شيخ الإسماعيلي ابن داهر هذا، فقد أورده الخطيب في " التاريخ " (3 / 355) برواية الإسماعيلي فقط عنه، وساق له عنه حديثا آخر، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. لكن الظاهر أنه من المقبولين عند الإسماعيلي، فقد ذكر في مقدمة كتابه " المعجم " أنه يبين حال من ذمت طريقه في الحديث بظهور كذبه فيه أو اتهامه به أو خروجه عن جملة أهل الحديث للجهل به والذهاب عنه. والله أعلم. والحديث صحيح - أعني حديث الترجمة - فإن له شواهد كثيرة وطرق عن أنس وغيره، وقد تقدم بعضها برقم (1948 و 1963 و 1965 و 1976) .

2236

2236 - " ينزل عيسى بن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة ". أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده ": حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم حدثنا إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. كذا في " المنار المنيف في الصحيح والضعيف " لابن القيم (ص 147 - 148) ، وقال: " وهذا إسناد جيد ". وأقره الشيخ العباد في رسالته في " المهدي " المنشورة في العدد الأول من السنة الثانية عشرة من مجلة " الجامعة الإسلامية " (ص 304) . قلت: وهو كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى، فإن رجاله كلهم ثقات من رجال أبي داود، وقد أعل بالانقطاع بين وهب وجابر، فقال ابن معين في إسماعيل هذا : " ثقة، رجل صدق، والصحيفة التي يرويها عن وهب عن جابر ليست بشيء إنما هو كتاب وقع إليهم ولم يسمع وهب من جابر شيئا ". وقد تعقبه الحافظ المزي، فقال في " تهذيب الكمال ": " روى أبو بكر بن خزيمة في " صحيحه " عن محمد بن يحيى عن إسماعيل بن عبد الكريم عن إبراهيم بن عقيل عن وهب بن منبه قال: هذا ما سألت عنه جابر بن عبد الله وأخبرني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: أوكوا الأسقية وأغلقوا الأبواب ... الحديث. وهذا إسناد صحيح إلى وهب بن منبه. وفيه رد

على من قال: إنه لم يسمع من جابر، فإن الشهادة على الإثبات مقدمة على الشهادة على النفي، وصحيفة همام (أخو وهب) عن أبي هريرة مشهورة عند أهل العلم، ووفاة أبي هريرة قبل جابر، فكيف يستنكر سماعه منه، وكان جميعا في بلد واحد؟ ". ورده الحافظ في " تهذيب التهذيب "، فقال: " قلت: أما إمكان السماع فلا ريب فيه، ولكن هذا في همام، فأما أخوه وهب الذي وقع فيه البحث فلا ملازمة بينهما، ولا يحسن الاعتراض على ابن معين بذلك الإسناد، فإن الظاهر أن ابن معين كان يغلط إسماعيل في هذه اللفظة عن وهب: " سألت جابرا ". والصواب عنده: عن جابر. والله أعلم ". وأقول: لا دليل عندنا على اطلاع ابن معين على قول وهب: " سألت جابرا ". وعلى افتراض اطلاعه عليه ففيه تخطئة الثقة بغير حجة، وذا لا يجوز، ولاسيما مع إمكان السماع، والبراءة من التدليس، فإن هذا كاف في الاتصال عند مسلم والجمهور، ولو لم يثبت السماع، فكيف وقد ثبت؟ وقد ذكر الحافظ في ترجمة عقيل هذا أن البخاري علق (يعني في " صحيحه ") عن جابر في " تفسير سورة النساء " أثرا في الكهان، وقد جاء موصولا من رواية عقيل هذا عن وهب بن منبه عن جابر . قلت: ذكر هناك (8 / 252) أنه وصله ابن أبي حاتم من طريق وهب بن منبه قال: سألت جابر بن عبد الله عن الطواغيت.. ففيه تصريح أيضا بالسماع. وبالله التوفيق. وأصل الحديث في " صحيح مسلم " (1 / 95) من طريق أخرى عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ". قال: " فينزل عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا،

فيقول لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة " (¬1) . فالأمير في هذه الرواية هو المهدي في حديث الترجمة وهو مفسر لها. وبالله التوفيق. واعلم أيها الأخ المؤمن! أن كثيرا من الناس تطيش قلوبهم عن حدوث بعض الفتن، ولا بصيرة عندهم تجاهها، بحيث إنها توضح لهم السبيل الوسط الذي يجب عليهم أن يسلكوه إبانها، فيضلون عنه ضلالا بعيدا، فمنهم مثلا من يتبع من ادعى أنه المهدي أو عيسى، كالقاديانيين الذين اتبعوا ميرزا غلام أحمد القادياني الذي ادعى المهدوية أولا، ثم العيسوية ، ثم النبوة، ومثل جماعة (جهيمان) السعودي الذي قام بفتنة الحرم المكي على رأس سنة (1400) هجرية، وزعم أن معه المهدي المنتظر، وطلب من الحاضرين في الحرم أن يبايعوه، وكان قد اتبعه بعض البسطاء والمغفلين والأشرار من أتباعه ، ثم قضى الله على فتنتهم بعد أن سفكوا كثيرا من دماء المسلمين، وأراح الله تعال العباد من شرهم. ومنهم من يشاركنا في النقمة على هؤلاء المدعين للمهدوية ، ولكنه يبادر إلى إنكار الأحاديث الصحيحة الواردة في خروج المهدي في آخر الزمان، ويدعي بكل جرأة أنها موضوعة وخرافة!! ويسفه أحلام العلماء الذين قالوا بصحتها، يزعم أنه بذلك يقطع دابر أولئك المدعين الأشرار! وما علم هذا وأمثاله أن هذا الأسلوب قد يؤدي بهم إلى إنكار أحاديث نزول عيسى عليه الصلاة والسلام أيضا، مع كونها متواترة! وهذا ما وقع لبعضهم، كالأستاذ فريد وجدي والشيخ رشيد رضا، وغيرهما، فهل يؤدي ذلك بهم إلى إنكار ألوهية الرب سبحانه وتعالى لأن بعض البشر ادعوها كما هو معلوم؟! نسأل الله السلامة من فتن أولئك المدعين، وهؤلاء المنكرين للأحاديث الصحيحة الثابتة عن سيد المرسلين، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. ¬

(¬1) مضى تخريجه برقم (1960) . اهـ.

2237

2237 - " أقرأنيها: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * فمدها ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8677) من طريق سعيد بن منصور حدثنا شهاب بن خراش حدثني موسى بن يزيد الكندي قال: كان ابن مسعود يقرئ القرآن رجلا، فقرأ الرجل: * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين) * (¬1) مرسلة، فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: كيف أقرأكها يا أبا عبد الرحمن؟ قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله موثقون غير موسى بن يزيد الكندي، فإني لم أعرفه ولا ذكره الحافظ المزي في شيوخ ابن خراش في " التهذيب "، وقد ذكره الهيثمي في " المجمع " (7 / 155) من طريق الطبراني، لكن وقع فيه: " مسعود بن يزيد الكندي "، وقال عقبه: " ورجاله ثقات "! وفي " ثقات ابن حبان " (3 / 260) : " مسعود بن يزيد، يروي عن ابن عمر، روى عنه محمد بن الفضل ". قلت: فالظاهر أنه هو، ولم يورده البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما. ثم رأيت الحديث قد أورده الحافظ ابن الجزري في " النشر في القراءات العشر " (1 / 313) بإسناده إلى الطبراني به، وفيه: " مسعود بن يزيد الكندي "، فدل على أن " موسى " في " الطبراني " محرف من " مسعود ". والله أعلم. وقال الجزري عقبه: ¬

(¬1) التوبة: الآية: 60. اهـ.

2238

" هذا حديث جليل، رجال إسناده ثقات ". وأقول: شهاب بن خراش فيه بعض الكلام أشار إليه الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطئ ". وقال الذهبي في " الكاشف ": " وثقه جماعة، قال ابن المهدي : لم أر أحدا أحسن وصفا للسنة منه. وقال ابن عدي: له بعض ما ينكر ". قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى. واستدل به ابن الجزري على وجوب مد المتصل. وذكر أن قصره غير جائز عند أحد من القراء. فراجعه إن شئت. (تنبيه) : وقع في " الكبير ": (فمددها) وفي " النشر ": (فمدوها) وفي " المجمع ": (فمددوها) ، ولعل الصواب ما أثبته. 2238 - " إن من أشراط الساعة الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وائتمان الخائن - أحسبه قال: وتخوين الأمين ". أخرجه البزار (ص 238 - زوائده) من طريق شبيب بن بشر عن أنس بن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير شبيب بن بشر وفيه كلام، والراجح أنه حسن الحديث. ولذلك قال في " زوائد البزار ": " حسن ". وقال في " مجمع الزوائد " (7 / 327) :

2239

" رواه البزار، وفيه شبيب بن بشر وهو لين، ووثقه ابن حبان، وقال: يخطىء، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: قد وثقه ابن معين أيضا، والراجح فيه ما ذكرنا آنفا. وللشطر الثاني من الحديث طريق أخرى عن أنس سقته فيما تقدم (1887) . وشاهد آخر من حديث أبي هريرة ذكرته هناك. وله شاهد آخر من حديث عبد الله بن عمرو يأتي تحت الحديث ( 2253) ، فالحديث صحيح. 2239 - " إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ". أخرجه مسلم (2 / 201) والدارمي (2 / 443) وابن ماجة (رقم 206 - تحقيق الأعظمي) من طريق الزهري عن عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بـ (عسفان) وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال: ابن أبزى. قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولى من موالينا. قال: فاستخلفت عليهم مولى؟! قال: إنه قارىء لكتاب الله عز وجل، وإنه عالم بالفرائض. قال عمر: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. 2240 - " يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية (كنت) تقرأ بها ". أخرجه أبو داود (1464) والترمذي (2915) وابن حبان (1790) والزيادة له والحاكم (1 / 552 - 553) وابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 498) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 70) وأحمد (2 / 192) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل "

(ص 76 - 77) والبغوي في " شرح السنة " (4 / 435 / 1178) وابن عبد الهادي في " هداية الإنسان " (2 / 44 / 1) من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر عن عبد الله - زاد بعضهم: ابن عمرو - مرفوعا، وأوقفه بعضهم وهو في حكم المرفوع، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الذهبي: " صحيح ". وكأنه موافقة منه للحاكم، ولكن سقط من " المستدرك " تصريحه بالتصحيح، وهو عندي حسن للخلاف المعروف في عاصم. لكن يزداد قوة بالشاهد الذي يرويه فراس عن عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " يقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنة: اقرأ واصعد، فيقرأ ويصعد بكل آية درجة، حتى يقرأ آخر شيء معه ". أخرجه ابن ماجة (3825) وأحمد (3 / 40) . قلت: وعطية - وهو العوفي - ضعيف، وبه أعله البوصيري في " الزوائد " (227 / 2) وفاته أنه لم يتفرد به، فقد قال ابن أبي شيبة (10 / 498 / 10104) : حدثنا وكيع قال: حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد أو عن أبي هريرة - شك الأعمش - قال: " يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارقه، فإن منزلك عند آخر آية تقرأها ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وتردد الأعمش بين أبي سعيد وأبي هريرة لا يضر لأن كلاهما صحابي كما لا يضر وقفه لما سبق. (تنبيه) : أخطأ في هذا الحديث رجلان: أحدهما: المنذري، فإنه عزا الحديث للترمذي وأبي داود وابن ماجة عن ابن عمرو، وإنما رواه ابن ماجة عن أبي سعيد كما سبق. والآخر: الأستاذ الدعاس، فإنه عزاه في تعليقه على " سنن الترمذي " (8 / 117)

للبخاري نقلا عن " تيسير الوصول "، فلا أدري آلوهم منه أم من " التيسير "؟ فليراجع. (فائدة) : قال ابن عبد الهادي بعد أن عزا الحديث إلى بعض من ذكرنا وزاد (النسائي) ولم يروه في " الصغرى " له وإنما في " الكبرى - فضائل القرآن " كما في " تحفة الأشراف " للمزي (6 / 290) : " وقال الخطيب : وكل حديث جاء فيه: " عاصم عن زر عن عبد الله " غير منسوب فهو ابن مسعود، غير هذا الحديث ". وقال الخطابي في " معالم السنن " (2 / 136) : " قلت: جاء في الأثر: أن عدد آي القرآن على قدر درج الجنة، يقال للقارىء: أرق في الدرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فمن استوفى قراءة جميع القرآن استولى على أقصى درج الجنة، ومن قرأ جزءا منها كان رقية في الدرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة ". والأثر الذي أشار إليه أخرجه ابن أبي شيبة (10 / 466 / 10001) : حدثنا محمد بن عبد الرحمن السدوسي عن معفس بن عمران عن أم الدرداء قالت: " دخلت على عائشة فقلت: ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأه ممن دخل الجنة؟ فقالت: إن عدد درج الجنة على عدد آي القرآن، فليس أحد ممن دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن ". و (معفس) هذا ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 433) برواية اثنين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ومحمد بن عبد الرحمن السدوسي أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 324) برواية وكيع عنه ولم يزد. فهو مجهول. ووكيع - وهو ابن الجراح - من شيوخ ابن أبي شيبة الذين يكثر عنهم، فالظاهر أنه سقط اسمه من " ابن أبي شيبة " كما أن اسم شيخه وقع فيه (مقعس) بالقاف ثم العين. وهو خطأ مطبعي. وجملة القول أن إسناد هذا الأثر ضعيف. والله أعلم.

2241

واعلم أن المراد بقوله: " صاحب القرآن "، حافظه عن ظهر قلب على حد قوله صلى الله عليه وسلم " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله.. "، أي أحفظهم، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب الحفظ في الدنيا، وليس على حسب قراءته يومئذ واستكثاره منها كما توهم بعضهم، ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أن يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى، وليس للدنيا والدرهم والدينار، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: " أكثر منافقي أمتي قراؤها ". وقد مضى تخريجه برقم (750) . 2241 - " اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته. يعني أنسا رضي الله عنه ". هو من حديث أنس بن مالك وله عنه طرق: الأولى: عن قتادة عنه قال: قالت أمي (وفي رواية: أم سليم) : يا رسول الله! خادمك أنس، ادع الله له. قال : فذكره. أخرجه البخاري (6334 و 6344 و 6378 و 6380) ومسلم (7 / 159) والترمذي (3827) وقال: " حديث حسن صحيح " والطيالسي (1987) وأحمد (6 / 430) إلا أنه قال: " عن أنس عن أم سليم "، فجعله من مسند أم سليم، وهو رواية للشيخين، ورواية الترمذي. الثانية: عن هشام بن زيد: سمعت أنس بن مالك يقول مثل ذلك. أخرجه البخاري (6379) ومسلم. الثالثة: عن ثابت عن أنس قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا وما هو إلا أنا وأمي وأم حرام خالتي، فقالت أمي: يا رسول

الله! خويدمك، ادع الله له، قال: فدعا لي بكل خير، وكان في آخر ما دعا لي به أن قال: فذكره. أخرجه مسلم والبخاري في " الأدب المفرد " (88) والطيالسي (2027) وأحمد (3 / 193 - 194) وعبد بن حميد في " مسنده " (ق 165 / 2) . ثم رواه هو ( 164 / 2) وأحمد (3 / 248) من طريقين آخرين عن ثابت به نحوه. وقال ابن حميد: " وأدخله الجنة " مكان قوله: " وبارك له فيما أعطيته ". وسنده صحيح على شرط مسلم. وزاد: " قال: فلقد رأيت اثنتين، وأنا أرجو الثالثة ". الرابعة: عن الجعد أبي عثمان قال: حدثنا أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعت أمي أم سليم صوته، فقالت: بأبي وأمي يا رسول الله! أنيس. فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث دعوات، قد رأيت منها اثنتين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة. أخرجه مسلم. الخامسة: عن حميد عن أنس: " دخل النبي صلى الله عليه وسلم على أم سليم، فقالت: يا رسول الله! إن لي خويصة. قال: ما هي؟ قالت: خادمك أنس. فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي به: اللهم.. فإني لمن أكثر الأنصار مالا، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة ". أخرجه البخاري (1982) والسياق له وابن حبان في " صحيحه " (9 / 158 /

7142 - الإحسان) وأحمد (3 / 108) ويعقوب الفسوي في " المعرفة " (2 / 532) وإلا أنه قال: " اللهم ارزقه المال وبارك له فيه، - أظنه قال - وأطل عمره " . وإسناده على شرط الشيخين، ولطول العمر طريق أخرى تأتي إن شاء الله تعالى. السادسة: عن إسحاق - وهو ابن عبد الله بن أبي طلحة المدني -: حدثنا أنس به دون التبريك، وزاد: قال أنس: فوالله! إن مالي لكثير وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم. أخرجه مسلم. السابعة: عن حفصة بنت سيرين عن أنس به. وزاد: " قال أنس: فلقد دفنت من صلبي - سوى ولد ولدي - خمسا وعشرين ومائة، وإن أرضي ليثمر في السنة مرتين، وما في البلد شيء يثمر مرتين غيرها ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 267) معلقا، والطبراني في " الكبير " (1 / 248 / 710) موصولا، ورجاله ثقات غير إبراهيم بن عثمان المصيصي فلم أعرفه، وقد ساقه الحافظ في " الإصابة " من رواية الطبراني بإسناده، وسكت عنه. الثامنة: عن عبد العزيز بن أبي جميلة عن أنس قال: إني لأعرف دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفي مالي وفي ولدي. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (7 / 19 - 20) . ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد العزيز هذا، ترجمة ابن أبي حاتم (2 / 2 / 379) ومن قبله البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 15) بهذه الرواية، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 166) .

التاسعة: عن أبي خلدة قال: قلت لأبي العالية: سمع أنس من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: خدمه عشر سنين، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له بستان يحمل في السنة الفاكهة مرتين، وكان فيه ريحان يجد منه ريح المسك. أخرجه الترمذي (3832) ، وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح. العاشرة: عن ثمامة بن عبد الله بن أنس قال: " كان كرم أنس يحمل كل سنة مرتين ". أخرجه ابن سعد وسنده صحيح على شرط البخاري. وأخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 31 / 1 / 503) من طريق أخرى عن ثمامة به نحو الطريق التالي، دون قول أنس: " فقد دفنت.. "، وسنده جيد. الحادية عشرة: عن سنان بن ربيعة قال: سمعت أنس بن مالك يقول: ذهبت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! خويدمك ادع الله له ، قال: " اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه ". قال أنس: فقد دفنت من صلبي مائة غير اثنين، أو قال: مائة واثنين، وإن ثمرتي لتحمل في السنة مرتين ولقد بقيت حتى سئمت الحياة، (وفي رواية: حتى استحييت من الناس ) وأنا أرجو الرابعة. أخرجه ابن سعد (7 / 19) والبخاري في " الأدب المفرد " (653) والرواية الأخرى له وفيها سعيد بن زيد - وهو الأزدي - صدوق له أوهام ورواية ابن سعد سالمة منه ولذلك قال الحافظ في " الفتح " (4 / 229) :

2242

" وإسناده صحيح ". وقد أشار البخاري إلى هذه الطريق في بعض تراجمه لهذه الحديث بقوله في " الدعوات " (11 / 144) : " باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله ". وقد أيد ذلك الحافظ برواية " الأدب المفرد " المتقدمة "، وفاتته رواية ابن سعد، وهي أصح كما سبق. وقد تقدم لها شاهد في الطريق الخامسة. ثم وجدت لها شاهدا آخر ذكره الحافظ المزي في " تهذيب الكمال " (2 / 364) فقال: " وقال الحسين بن واقد وغيره عن ثابت عن أنس: دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته ". ففيه جواز الدعاء للإنسان بطول العمر، كما هي العادة في بعض البلاد العربية، خلافا لقول بعض العلماء ويؤيده أنه لا فرق بينه وبين الدعاء بالسعادة ونحوها، إذ إن كل ذلك مقدر، فتأمل. 2242 - " إذا مررتم باليهود ... فلا تسلموا عليهم وإذا سلموا عليكم فقولوا: وعليكم ". أخرجه الفسوي في " المعرفة " (2 / 491) : حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي بصرة

الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره بزيادة (والنصارى ) . قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن البخاري روى لعبد الحميد بن جعفر تعليقا. لكني أرى أن ذكر (النصارى) في هذا الحديث خطأ لعله من بعض الناسخين، فإن الإمام أحمد قد رواه في " المسند " (6 / 398) بإسناد الفسوي دون هذه اللفظة، وسياقه هكذا: قال: قال لهم يوما: " إني راكب إلى يهود، فمن انطلق معي، فإن سلموا عليكم، فقولوا: وعليكم ". وزاد: " فانطلقنا، فلما جئناهم سلموا علينا، فقلنا: وعليكم ". وهكذا رواه الطبراني في " الكبير " (2 / 311 / 2162) : حدثنا أبو مسلم الكشي حدثنا أبو عاصم به. وتابعه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به. أخرجه أحمد والطبراني والبخاري في " الأدب المفرد " (1102) وابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 630) وكذا ابن ماجة (3743 - تحقيق الأعظمي) لكنهم جعلوه من مسند أبي عبد الرحمن الجهني! وهو شاذ من أوهام ابن إسحاق عندي، وأعله البوصيري في " الزوائد " (223 / 1) بتدليس ابن إسحاق، وخفي عليه أنه قد صرح بالتحديث عند أحمد (4 / 233) فى إحدى روايته مع أنه قد عزاه إليه! فالعلة ما ذكرته من الشذوذ لمخالفته لرواية أبي عاصم - وهو الضحاك بن مخلد النبيل - عن عبد الحميد ابن جعفر. وتابعه وكيع عنه. رواه أحمد وابن أبي شيبة.

وتابع عبد الحميد أبو أسامة حماد بن أسامة عند النسائي في " عمل اليوم والليلة " (305 / 388) . وتابعه ابن لهيعة عند النسائي أيضا وأحمد والطبراني. قلت: فهذه المتابعات لعبد الحميد تؤكد شذوذ ابن إسحاق في جعله الحديث من مسند أبي عبد الرحمن الجهني، ولاسيما وقد وافقهم في رواية البخاري ومن ذكره قبله. كما تؤكد شذوذ النصارى في هذا الحديث، وإن جاء هذا اللفظ في حديث ابن عمر أيضا عند النسائي (379) ، فإنه شاذ أيضا لمخالفته للرواية الأخرى عنده (380) أيضا، وهي في " الصحيحين " وابن حبان (502 - الإحسان) دونها. والحديث قال الهيثمي (8 / 41) : رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، وزاد: " فلما جئناهم سلموا علينا، فقلنا: وعليكم "، وأحد إسنادي أحمد والطبراني رجاله (رجال الصحيح) ". ولي عليه ملاحظتان: الأولى: أن زيادة الطبراني هي عند أحمد أيضا! والأخرى: أنه كان عليه أن يخرج رواية ابن إسحاق.. عن أبي عبد الرحمن الجهني ، فإنها على شرطه، لورودها عند أحمد كما تقدم، وكذا عند الطبراني (22 / 390 / 743) وأن يبين شذوذها وأنه لا يقويها متابعة إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عند الطبراني أيضا (744) لأنه - أعني إسحاق - متروك كما قال الحافظ في " التقريب ". وقد كنت خرجت الحديث في " إرواء الغليل " (5 / 112 - 113) بأخصر مما هنا نحوه، وفيه فوائد لم تذكر هنا، فمن ابتغاها فيرجع إليه. واعلم أن عدم ثبوت لفظه (النصارى) لا يعني جواز ابتدائهم بالسلام لأنه قد صح النهي عن ذلك في غيرما حديث صحيح، وفي بعضها اللفظ المذكور، كما صح قوله

2243

صلى الله عليه وسلم: " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم ". وهي مخرجة في " الإرواء " (5 / 111 - 118) ، والرد عليهم بـ (وعليكم) محمول عندي على ما إذا لم يكن سلامهم صريحا، وإلا وجب مقابلتهم بالمثل: (وعليكم السلام) لعموم قوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) *، ولمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا سلم عليكم اليهود - فإنما يقول أحدهم: السام عليكم - فقل: وعليك ". أخرجه البخاري (6257) ومسلم وغيرهما. ولعل هذا هو وجه ما حكاه الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 45) عن جماعة من السلف أنهم ذهبوا إلى أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم: " عليكم السلام " كما يرد على المسلم. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2243 - " ابدأ بمن تعول، والصدقة عن ظهر غنى ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 227 / 3129) من طريق أبي الزبير عن أبي صالح مولى حكيم بن حزام عن حكيم بن حزام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أفضل؟ قال: فذكره. قلت: ورجال إسناده ثقات غير أبي صالح ، قال الذهبي والعسقلاني: " لا يعرف ". وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (3 / 116) ، فقال: " رواه الطبراني في " الكبير " وأبو صالح مولى حكيم لم أجد من ترجمه ". قلت: لكن قد تابعه جمع من الثقات عند الشيخين وغيرهما كما يأتي ولقد أخطأ في حق هذا الحديث جماعة من العلماء، فلابد من التنبيه على ذلك: الأول: الهيثمي في إيراده إياه في " المجمع " وهو من المتفق عليه عن حكيم بن

حزام. الثاني: السيوطي، فإنه لما أورده في " الجامع الصغير "، " الكبير " أيضا عزاه للطبراني فقط وهذا تقصير فاحش لإيهامه أنه ليس في " الصحيحين " وإلا لعزاه إليهما! وهذا مما حمل بعض الشراح على تضعيف الحديث! وهو المناوي كما يأتي. ولقد أخطأ السيوطي خطأ آخر، قلده فيه المناوي، وهو أنه أورد الحديث دون الشطر الثاني منه، فأوهم أنه عند الطبراني كذلك! وإنما هو عنده بشطريه كما ترى. الثالث: المناوي فإنه قال في شرحه " فيض القدير ": " رمز المؤلف (السيوطي) لصحته وليس كما قال، فقد قال الهيثمي.. ". فذكر كلامه المتقدم. وهذا من أفحش الخطأ الذي رأيته للمناوي وإنما ينشأ ذلك من قلة حفظه ، أو عدم استحضاره أن الحديث في " الصحيحين " من غير طريق أبي صالح هذا وفي هذه الحالة لا يجوز تضعيف الحديث ولاسيما وقد صححه من صححه، كما لا يخفى على أهل هذه الصناعة. وإذا عرفت هذا، فقد تابع أبا صالح هذا عروة بن الزبير عند البخاري وغيره وموسى بن طلحة بن عبيد الله عند مسلم وغيره، وهما مخرجان في " إرواء الغليل " مع شواهد كثيرة عن أبي هريرة وغيره، فراجعها فيه (3 / 316 - 319) إن شئت. ومن الغريب أن متابعة عروة قد أخرجها الطبراني أيضا (3092) ، فأوردها الهيثمي أيضا في " المجمع " (3 / 98) مع كونها في البخاري زاعما أن في رواية الطبراني زيادة ليست عند البخاري وهي بلفظ: " ومن يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله عز وجل ". وهي عند البخاري أيضا، كما نبه عليه الأخ الفاضل حمدي السلفي في تعليقه

2244

على الطبراني. ثم إن لأبي صالح متابعا ثالثا وهو المطلب بن عبد الله بن حنطب، رواه الطبراني (3124) . 2244 - " اجتنبوا الكبائر السبع، فسكت الناس فلم يتكلم أحد، فقال: ألا تسألوني عنهن ؟ الشرك بالله وقتل النفس والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم وأكل الربا وقذف المحصنة والتعرب بعد الهجرة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 124 / 5636) : حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا عمرو بن خالد الحراني حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، لضعف أحمد بن رشدين، وكذا ابن لهيعة وأشار الهيثمي في " المجمع " (1 / 103) إلى إعلاله به. وأقول: لكنه لم يتفرد به، فقد قال البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 107) : قال: أنبأنا إسحاق: عن عبدة سمع ابن إسحاق عن محمد بن سهل بن أبي حثمة سمع أباه: سمع عليا: " الكبائر السبع. وقال الوليد بن كثير: حدثني محمد بن سهل بن أبي حثمة مثله ". ذكره في ترجمة محمد بن سهل هذا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وقد كشفت لنا هاتان الروايتان عند البخاري أن في رواية الطبراني علة أخرى، وهي أن الحديث من مسند علي وليس من مسند سهل بن أبي حثمة ، فإنه رواه عن علي في الروايتين وهما

أصح من رواية ابن لهيعة، كما هو ظاهر. وإذا عرفت ما سبق، فالحديث قوي لا علة له، إلا إن تمسك أو حاول أحد إعلاله بمحمد بن سهل لكن قد روى عنه أولئك الثلاثة: يزيد بن أبي حبيب ومحمد بن إسحاق والوليد بن كثير، وهو أبو محمد المدني، وكلهم ثقة، ويضم إليهم أبو عفير الأنصاري والحجاج بن أرطاة، عند ابن أبي حاتم (3 / 2 / 277) ولم يذكر أيضا فيه جرحا ولا تعديلا، بيد أنه إذا لوحظ أنه تابعي، وقد روى عنه هؤلاء الخمسة، زد على ذلك أن ابن حبان ذكره في " الثقات " (3 / 238) ، فالنفس تطمئن للاحتجاج بحديث مثله، وعلى ذلك جرى عمل كثير من المحققين، ولاسيما إذا كان لحديثه شاهد كهذا الحديث على ما سأبينه، فلا جرم أن الحافظ ابن حجر سكت عليه في " الفتح " (12 / 182) ، ثم صرح في الصفحة التالية بصحته، يعني لشواهده، وهو الصواب إن شاء الله تعالى. لكن وقع له خطأ في النقل يحسن التنبيه عليه، فإنه قال: " وللطبراني من حديث سهل بن أبي خيثمة (!) عن علي رفعه ... " فذكر حديث الترجمة. قلت: فذكر علي في رواية الطبراني خطأ ظاهر من تخريجنا المتقدم، ويؤكد ذلك أن الحافظ ابن كثير ذكره في " التفسير " (1 / 484) من رواية ابن مردويه عن الطبراني - كما تقدم - إلا أنه وقع فيه كـ " الفتح ": " أبي خيثمة " وهو خطأ مطبعي، وإنما رواه عن علي البخاري - كما سبق - من طريق عبدة عن ابن إسحاق. ثم رأيت عند ابن جرير في " التفسير " (5 / 25) من طريق أخرى عن ابن إسحاق عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن أبيه قال: " إني لفي هذا المسجد مسجد الكوفة، وعلي رضي الله عنه يخطب الناس على المنبر، فقال: يا أيها الناس! إن الكبائر سبع. فأصاخ الناس، فأعادها ثلاث مرات، ثم قال: ألا تسألوني عنها؟ قالوا: يا أمير المؤمنين! ما هي؟ قال: (فذكرها) . فقلت لأبي:

يا أبت! التعرب بعد الهجرة كيف لحق ههنا؟ فقال: يا بني! وما أعظم من أن يهاجر الرجل، حتى إذا وقع سهمه في الفيء ووجب عليه الجهاد، خلع ذلك من عنقه، فرجع أعرابيا كما كان ". قلت: وهذا موقوف ظاهر الوقف، وبه أعل ابن كثير رواية الطبراني المرفوعة، فقال عقبها: " وفي إسناده نظر، ورفعه غلط فاحش، والصواب ما رواه ابن جرير.. ". ثم ذكر هذا. لكن يمكن أن يقال: إنه موقوف في حكم المرفوع، فلا منافاة بينهما، ولاسيما وقد جاءت له شواهد مرفوعة، أذكر ما تيسر لي منها: 1 - عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 72 / 109) وابن أبي حاتم في " التفسير " من طريق أبي عوانة عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه عنه. وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (578) مختصرا موقوفا. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمر بن أبي سلمة وهو صدوق يخطىء، كما في " التقريب "، ولا بأس به في المتابعات، كما في " الترغيب " (3 / 49) وهو في " الصحيحين " من طريق أخرى عن أبي هريرة به نحوه ، إلا أنه ذكر (السحر) مكان (التعرب) وهو مخرج في " إرواء الغليل " (5 / 24 / 1202) . 2 - عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه وقال: " والرجوع إلى الأعراب بعد الهجرة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 49 / 2) من طريق أبي بلال الأشعري قال:

حدثنا عبد السلام بن حرب عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. وقال: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو بلال ". قلت: واسمه مرداس بن محمد، ضعفه الدارقطني والحاكم، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: " يغرب ". وبه أعله الهيثمي (1 / 104) ، وقال: " وهو ضعيف ". وإعلاله بإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة أولى، فإنه متروك شديد الضعف. 3 - عن عبد الله بن عمرو قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ثم قال: " أبشروا من صلى الخمس، واجتنب الكبائر السبع، نودي من أبواب الجنة ". فقيل له: أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يذكرهن؟ قال: نعم ... فذكر مثل حديث علي سواء. كذا ذكره الحافظ في " الفتح " (12 / 182) من رواية إسماعيل القاضي من طريق المطلب بن عبد الله بن حنطب عنه. والمطلب هذا صدوق كثير الإرسال والتدليس، كما قال في " التقريب ". ثم ذكر الحافظ لحديث علي لفظا آخر وفيه: " التعرب بعد الهجرة ". وعزاه لابن أبي حاتم من طريق مالك بن حريث عنه. كذا وقع فيه " حريث ". ووقع في " تفسير ابن كثير ": " جرير "، وقد ساق إسناده من طريق ابن أبي حاتم، وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح غير مالك هذا، وأنا أظن

أنه تحرف اسم أبيه على الطابعين أو الناسخين. وأنه مالك بن الحارث، فقد جاء في " ثقات ابن حبان " (3 / 241 - 242) : " مالك بن الحارث الكوفي السلمي، أبو موسى، يروي عن علي وابن عباس، روى عنه محمد بن قيس وأهل الكوفة في آخر ولاية الحجاج بن يوسف ". وذكر ابن أبي حاتم (4 / 1 / 207) أنه روى عنه منصور بن المعتمر والأعمش، وأن ابن معين قال فيه: ثقة. وذكر بعده مالك بن الحارث الأشتر النخعي، روى عن علي أيضا، وكلاهما من رجال " التهذيب "، وذكر أن الأول من رجال مسلم، ولم يذكر أنه روى عن علي، بخلاف الأشتر، فإنه روى عن علي، فالظاهر أنه هو راوي هذا الحديث، فالإسناد صحيح. والله أعلم. ومما جاء في خطورة التعرب بعد الهجرة، حديث سلمة بن الأكوع أنه دخل على الحجاج فقال: يا ابن الأكوع! ارتددت على عقبيك؟ تعربت؟ ! قال: لا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لي في البدو. أخرجه البخاري (7087) ومسلم (6 / 27) والنسائي (2 / 184) والطبراني في " الكبير " (7 / 38 / 6298) وأحمد (4 / 54) مختصرا وكذا ابن سعد في " الطبقات " (4 / 306) . وله طريق أخرى، يرويه عبد الرحمن بن حرملة عن محمد بن إياس بن سلمة بن الأكوع أن أباه حدثه أن سلمة بن الأكوع قدم المدينة، فلقيه بريدة بن الحصيب، فقال: ارتددت عن هجرتك يا سلمة؟ ! فقال: معاذ الله، إني في إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ابدوا يا أسلم! فتنسموا الرياح، واسكنوا الشعاب ". فقالوا: إنا نخاف أن يغير ذلك هجرتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم

" أنتم مهاجرون حيثما كنتم ". أخرجه أحمد (4 / 55) والطحاوي في " المشكل " (2 / 299) والطبراني في " الكبير " (7 / 26 / 6265) وكذا البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 21) . ورجاله ثقات رجال مسلم غير محمد (ووقع في " المسند " سعيد) بن إياس، ترجمه البخاري بهذه الرواية وكذا ابن أبي حاتم (3 / 2 / 305) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني وفيه سعيد بن إياس، ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". قلت: سعيد ليس في رواية الطبراني والآخرين وإنما هو في رواية أحمد كما سبق وهو خطأ من بعض الرواة. وروى أحمد عقبه من طريق بكر بن عبد الله عن يزيد مولى سلمة بن الأكوع عن سلمة بن الأكوع قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! فقال: أنتم أهل بدونا ونحن أهل حضركم. وسنده صحيح. وروى عبد الرحمن بن حرملة أيضا عن محمد بن عبد الله بن الحصين عن عمر بن عبد الرحمن بن جرهد قال: سمعت رجلا يقول لجابر بن عبد الله: من بقي معك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بقي أنس بن مالك وسلمة بن الأكوع. فقال رجل: أما سلمة فقد ارتد عن هجرته. فقال جابر: لا تقل ذلك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأسلم: " ابدوا يا أسلم! ". قالوا: يا رسول الله! إنا نخاف أن نرتد بعد هجرتنا. فقال:

" أنتم مهاجرون حيث كنتم ". أخرجه الطحاوي (2 / 298 - 299) وأحمد ( 3 / 361 - 362) . وقال الهيثمي (5 / 252) : " وعمر هذا لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: وقد ترجمه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 172 ) وابن أبي حاتم (3 / 1 / 121) وابن حبان في " الثقات " (3 / 135) برواية ابن حرملة هذا وابن إسحاق أيضا ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فقالوا: هو أخو زرعة بن عبد الرحمن. ومن الملاحظ أن ابن حرملة روى عنه بواسطة محمد بن عبد الله بن الحصين وهذا مما لم يذكروه ولم يتنبه لذلك الحافظ ابن حجر في " التعجيل " وقد ترجمه فيمن اسمه (عمر) ومن اسمه (عمرو) . ثم إن ظاهر كلام الهيثمي المتقدم أن ابن الحصين هذا من رجال (الصحيح) ولم أره في " التهذيب " وغيره. وفي " تاريخ البخاري " و " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 317) : " محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن حصين التميمي، روى عن عائشة وعوف بن الحارث وعروة بن الزبير. وعنه ابن إسحاق ". فيجوز أن يكون هذا وقع في الحديث منسوبا إلى جده عبد الله. والله أعلم. (التعرب بعد الهجرة) ، قال ابن الأثير في " النهاية ": " هو أن يعود إلى البادية، ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا. وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد ". قلت: ونحوه: (التغرب) : السفر إلى بلاد الغرب والكفر، من البلاد الإسلامية إلا لضرورة وقد سمى بعضهم بـ ( الهجرة) ! وهو من القلب للحقائق الشرعية الذي

2245

ابتلينا به في هذا العصر، فإن (الهجرة) إنما تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام. والله هو المستعان. 2245 - " إذا أذنت المغرب فاحدرها مع الشمس حدرا ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 210 / 6744) من طريق يحيى الحماني حدثنا إبراهيم بن أبي محذورة عن أبيه عن جده عن أبي محذورة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا سناد ضعيف، إبراهيم هذا هو ابن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة، وفيه ضعف أشار إليه الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وبيض له الذهبي في " الكاشف "، فلم يقل فيه شيئا تبعا للبخاري وابن أبي حاتم لكن هذا ذكر في " العلل " (1 / 114 ) عن أبيه: " شيخ ". وأبوه عبد العزيز، وجده عبد الملك من المقبولين عند الحافظ. ويحيى، وهو ابن عبد الحميد الحماني، قال الحافظ: " حافظ، إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث ". وقد خالفه عبد الله بن عمر بن أبان فقال: حدثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال: سمعت أبي يقول: عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وقت المغرب احدرها مع الشمس "

قلت: فهذا مرسل لم يذكر في إسناده: " عن أبي محذورة " إلا أن يكون سقط من الناسخ أو الطابع، فهذا محتمل. وعبد الله هذا ثقة من شيوخ مسلم، وهو ابن عمر بن محمد بن أبان المعروف بـ (مشكدانة) . وبالجملة، فالإسناد ضعيف، لأنه إن سلم من الإرسال فلن يسلم من إبراهيم أو أبيه أو جده، ومع ذلك قال الهيثمي في كل من الحديثين (1 / 311) : " وإسناده حسن "! وقد كنت اعتمدت عليه حين خرجت أحاديث " الجامع الصغير وزيادته "، وجعلته قسمين " الصحيح " و" الضعيف "، ولم أكن قد وقفت على إسناده، فأوردته في " الصحيح " برقم (295 ) والآن وقد وقفت عليه وتبينت ضعفه وتساهله في تحسينه، فحقه أن يودع في " ضعيف الجامع " لكن منعني من ذلك أنني وجدت له شاهدا قويا من حديث سلمة بن الأكوع قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب ساعة تغرب الشمس، إذا غاب حاجبها ". أخرجه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 443) . قوله: " فاحذرها " أي: صلاة المغرب. قال ابن الأثير في " النهاية " : " (فاحدر) ، أي: أسرع، حدر في قراءته وأذانه يحدر حدرا، وهو من الحدور ضد الصعود، ويتعدى ولا يتعدى ". قلت: وهذه من السنن المتروكة في بلاد الشام، ومنها عمان، فإن داري في جبل هملان من جبالها، أرى بعيني طلوع الشمس وغروبها، وأسمعهم يؤذنون للمغرب بعد غروب الشمس بنحو عشر دقائق، علما بأن الشمس تغرب عمن كان في وسط عمان ووديانها قبل أن تغرب عنا! وعلى العكس من ذلك فإنهم يؤذنون لصلاة الفجر قبل دخول وقتها بنحو نصف ساعة. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

2246

2246 - " اللهم بارك لنا في مكتنا، اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم بارك لنا في شامنا، وبارك لنا في صاعنا، وبارك لنا في مدنا، فقال رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا، فأعرض عنه، فرددها ثلاثا، كل ذلك يقول الرجل: وفي عراقنا، فيعرض عنه، فقال: بها الزلازل والفتن، وفيها يطلع قرن الشيطان ". أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (2 / 746 - 748) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (7 / 2 - 3) والجرجاني في " الفوائد " (164 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 133) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 120) من طرق عن توبة العنبري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد تابعه زياد بن بيان حدثنا سالم به. أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 246 / 1 / 4256) وأبو علي القشيري الحراني في " تاريخ الرقة " (2 / 20 / 1 - 2) والربعي في " فضائل الشام ودمشق " (11 / 20) وابن عساكر (1 / 121 - 122) وقال الطبراني: " لم يروه عن زياد إلا إسماعيل، تفرد به ابنه حماد "! كذا قال ! وهو عند ابن عساكر من طريق سليمان بن عمر بن خالد الأقطع أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم - وهو ابن علية - به. وعند القشيري من طريق العلاء بن إبراهيم حدثنا زياد بن بيان به. قلت: وزياد بن بيان - هو الرقي - صدوق عابد كما قال الحافظ في " التقريب "،

فالإسناد جيد. وتابعه نافع عن ابن عمر به، ولم يذكر مكة. أخرجه الطبراني في " الكبير " (12 / 384 / 13422) وفي " الأوسط " (1 / 215 / 1 / 3851) من طريق إسماعيل بن مسعود: أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عون عن أبيه عنه. قلت: وهذا إسناد جيد أيضا، عبيد الله هذا، قال البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 388) : " معروف الحديث ". وقال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 322) عن أبيه: " صالح الحديث ". وتابعه أزهر بن سعد أبو بكر السمان: أخبرنا ابن عون به، إلا أنه قال: " نجدنا " مكان " عراقنا "، والمعنى واحد . أخرجه البخاري (1037 و 7094) والترمذي (3948) وابن حبان (7257 - الإحسان) والبغوي في " شرح السنة " (14 / 206 / 4006) وصححوه وأحمد (2 / 118) وابن عساكر (1 / 122 - 124) . وتابعه عبد الرحمن بن عطاء عن نافع به ، إلا أنه قال: " مشرقنا " مكان " عراقنا "، وزاد في آخره: " وبها تسعة أعشار الشر ". أخرجه أحمد (2 / 90) والطبراني في " الأوسط " (1 / 102 / 2 / 2087) وابن عساكر (1 / 125) وقال الطبراني: " لم يروه عن عبد الرحمن بن عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب تفرد به ابن وهب ".

قلت: ولفظ الزيادة عنده: " وبه تسعة أعشار الكفر وبه الداء العضال ". فلعله يعني بالتفرد هذه الزيادة وإلا فالحديث مع الزيادة الأولى قد تابعه عليه أبو عبد الرحمن - وهو عبد الله بن يزيد - عند أحمد وابن عساكر ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الرحمن بن عطاء وهو ثقة على ضعف فيه كما يشعر به قول الحافظ في " التقريب ": " صدوق، فيه لين ". فعندي وقفة في ثبوت هذه الزيادة، لتفرد عبد الرحمن بها دون سائر الرواة، ولاسيما وقد رواها الفسوي (2 / 750 و 751) عن ابن مسعود وعلي رضي الله عنهما موقوفا ولا يظهر لي أنها في حكم المرفوع. والله أعلم. وتابعه أبو عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك عن نافع به، إلا أنه قال: " العراق ومصر ". أخرجه أبو عبد الله القطان في " حديثه " (ق 59 / 2) ، وأبو أمية الطرسوسي في " مسند ابن عمر " (ق 207 / 1 - 2) ، وابن عساكر (1 / 124 - 125 ) من طريق محمد ابن يزيد بن سنان الرهاوي عن أبيه: حدثني أبو رزين الفلسطيني عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو عبيد ثقة، لكن أبو رزين الراوي عنه لم أعرفه، وقد أورده الذهبي في " المقتنى في الكنى " بهذه الرواية، ولم يسمه. والرهاوي ليس بالقوي، كما قال الحافظ، فذكر " مصر " في هذا الطريق منكر. وبالله التوفيق. وله شاهد، يرويه إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا نحو حديث الترجمة. أخرجه الطبراني في " الكبير " (12 / 84 / 12553) .

لكن إسناده ضعيف جدا، إسحاق قال البخاري: " منكر الحديث ". وأبوه عبد الله صدوق يخطىء كثيرا كما قال الحافظ في " التقريب ". وشاهد آخر من رواية الحسن البصري مرسلا. أخرجه يعقوب الفسوي (2 / 750) ، ومن طريقه ابن عساكر (1 / 128) . وإسناده صحيح مرسل. وقد روي من حديث معاذ، وفيه زيادة في آخره جوابا لقول الرجل: " وفي عراقنا " تخالف جواب النبي صلى الله عليه وسلم الثابت في جميع طرق الحديث، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر: " الضعيفة " (5518) ، مع بيان المتهم بوضعه. وإنما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح وذكر طرقه وبعض ألفاظه لأن بعض المبتدعة المحاربين للسنة والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبد الوهاب مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا أو تجاهلوا أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي ( العراق) كما دل عليه أكثر طرق الحديث، وبذلك قال العلماء قديما كالإمام الخطابي وابن حجر العسقلاني وغيرهم. وجهلوا أيضا أن كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم أيضا إذا كان صالحا في نفسه، والعكس بالعكس. فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق من عالم وصالح. وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام: " أما بعد، فإن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا، وإنما يقدس الإنسان عمله ". وفي مقابل أولئك المبتدعة من أنكر هذا الحديث وحكم عليه بالوضع لما فيه من

2247

ذم العراق كما فعل الأستاذ صلاح الدين المنجد في مقدمته على " فضائل الشام ودمشق "، ورددت عليه في تخريجي لأحاديثه، وأثبت أن الحديث من معجزاته صلى الله عليه وسلم العلمية، فانظر الحديث الثامن منه. 2247 - " كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه ". أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (3 / 121) ومن طريقه البيهقي في " السنن الكبرى " (2 / 28) والطبراني في " الكبير " (22 / 9 / 1) من طريق آخر: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا موسى بن عمير العنبري قال: حدثني علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ... ورأيت علقمة يفعله. قال الفسوي: " وموسى بن عمير كوفي ثقة ". قلت: ووثقه آخرون من الأئمة وسائر الرواة ثقات من رجال مسلم، فالسند صحيح. وأخرجه النسائي (1 / 141) من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى بن عمير العنبري وقيس بن سليم العنبري قالا: حدثنا علقمة بن وائل به نحوه دون فعل علقمة. ورواه أحمد (4 / 316) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 390) : حدثنا وكيع حدثنا موسى بن عمير العنبري به مختصرا بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة ". فلم يذكر القيام. ورواه البغوي في " شرح السنة " (3 / 30) من طريق أخرى عن وكيع. وهكذا رواه أحمد (4 / 316 - 319) من طريق أخرى عن وائل بن حجر دون القيام.

ولا يشك الباحث في طرق هذا الحديث أنه مختصرا أيضا - كرواية وكيع - من حديث وائل المبين لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم والقيام الذي قبض فيه يديه، وهو الذي قبل الركوع، جاء ذلك من طريقين: الأولى : عن عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل الصلاة، كبر - وصف همام - حيال أذنيه. ثم التحف بثوبه. ثم وضع يده اليمنى على اليسرى. فلما أراد أن يركع أخرج يده من الثوب ثم رفعها ثم كبر فركع. فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يده. فلما سجد سجد بين كفيه. أخرجه مسلم (2 / 13) وأبو عوانة (2 / 106 - 107) وأحمد (4 / 317 - 318) والبيهقي (2 / 28 و 71) . الثانية: عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال: " قلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؟ قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه. ثم أخذ شماله بيمينه. فلما أراد أن يركع رفعها مثل ذلك. ثم وضع يديه على ركبتيه. فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك.

فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى.. وأشار بالسبابة.. " الحديث. أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم بسند صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (716 - 717) برواية آخرين من الأئمة عن جمع من الثقات عن عاصم، يزيد بعضهم على بعض ، وأتمهم سياقا زائدة بن قدامة وبشر بن المفضل، وهو ثقة ثبت، والسياق له ، ولابن ماجة منه قوله: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فأخذ شماله بيمينه ". قلت: فإذا نظر الناظر إلى هذه الجملة لوحدها، ولم يعلم، أو على الأقل لم يستحضر أنها مختصرة من الحديث، فهم منها مشروعية الوضع لليدين في كل قيام سواء كان قبل الركوع أو بعده، وهذا خطأ يدل عليه سياق الحديث، فإنه صريح في أن الوضع إنما هو في القيام الأول، وهو في سياق عاصم بن أصرح، فإنه ذكر رفع اليدين في تكبيرة الإحرام، ثم الركوع والرفع منه، يقول فيهما: مثل ذلك، فلو كان في حفظ وائل وضع اليدين بعد الرفع لذكره أيضا كما هو ظاهر من ذكره الرفع ثلاثا قبله، ولكن لما فصلت تلك الجملة عن محلها من الحديث أوهمت الوضع بعد الرفع، فقال به بعض أفاضل العلماء المعاصرين، دون أن يكون لهم سلف من السلف الصالح فيما علمت. ومما يؤكد ما ذكرنا رواية ابن إدريس عن عاصم به مختصرا بلفظ: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كبر أخذ شماله بيمينه " . ومثل هذا الوهم بسبب الاختصار من بعض الرواة أو عدم ضبطهم للحديث يقع كثير، ولقد كنت أقول في كثير من محاضراتي ودروسي حول هذا الوضع وسببه: يوشك أن يأتي رجل ببدعة جديدة اعتمادا منه على حديث مطلق لم يدر أنه مقيد أيضا، ألا وهي الإشارة بالإصبع في غير التشهد! فقد جاء في " صحيح مسلم " حديثان في الإشارة بها في التشهد أحدهما من حديث ابن عمر، والآخر من حديث ابن الزبير، ولكل منهما

لفظان مطلق ومقيد، أو مجمل ومفصل: " كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها.. "، فأطلق الجلوس. والآخر: " كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى.. " الحديث. فقيد الجلوس بالتشهد. ونحوه لفظا حديث ابن الزبير. فاللفظ الأول " جلس " يشمل كل جلوس، كالجلوس بين السجدتين، والجلوس بين السجدة الثانية والركعة الثانية المعروفة عند العلماء بجلسة الاستراحة. فكنت أقول: يوشك أن نرى بعضهم في هاتين الجلستين! فلم يمض على ذلك إلا زمن يسير حتى قيل لي بأن بعض الطلاب يشيرون بها بين السجدتين! ثم رأيت ذلك بعيني من أحد المتخرجين من الجامعة الإسلامية حين زارني في داري في أول سنة (1404) ! ونحن في انتظار حدوث البدعة الثالثة، ألا وهي الإشارة بها في جلسة الاستراحة! ثم حدث ما انتظرته، والله المستعان! وقد وقع مثل هذا الاختصار الموهم لشرعية الإشارة في كل جلوس في حديث وائل أيضا من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عنه، وهو في " مسند أحمد " (4 / 316 - 319) على وجهين : الأول: الإشارة مطلقا دون تقييد بتشهد. أخرجه (4 / 116 - 117) من طريق شعبة عنه بلفظ: " وفرش فخذه اليسرى من اليمنى، وأشار بإصبعه السبابة ". وكذا أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 345 / 697) ، لكنه قال في آخره: " يعني في الجلوس في التشهد ". وهذا التفسير، إما من وائل وإما من أحد رواته والأول هو الراجح لما يأتي. وفي لفظ له في " المسند " (4 / 316) من رواية عبد الواحد بلفظ:

" فلما قعد افترش رجله اليسرى.. وأشار بإصبعه السبابة ". وتابعه عنده (4 / 317 / 318) سفيان - وهو الثوري - وزهير بن معاوية، ورواه الطبراني (22 / 78 و 83 و 84 و 85 و 90) من طريقهما وآخرين. والآخر: الإشارة بقيد التشهد. وهو في " المسند " (4 / 319) من طريق أخرى عن شعبة بلفظ: " فلما قعد يتشهد.. أشار بإصبعه السبابة وحلق بالوسطى ". وسنده صحيح، وأخرجه ابن خزيمة أيضا (698) . وتابعه أبو الأحوص عند الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 152) والطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 34 / 80) ، وزاد: " ثم جعل يدعو بالأخرى ". وتابعهما زائدة بن قدامة بلفظ: " فحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها ". أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب السنن، وأحمد (4 / 318) والطبراني (22 / 35 / 82) وصححه ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود والنووي وابن القيم، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (717) . وتابعه أبو عوانة بنحوه، وفيه: " ثم دعا ". أخرجه الطبراني (22 / 38 / 90) . وابن إدريس مثله. رواه ابن حبان (486) .

وسلام بن سليم عند الطيالسي (1020) . قال الطحاوي عقب رواية أبي الأحوص المتقدمة: " فيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة ". قلت: وهذا صريح في رواية أبي عوانة المشار إليها آنفا، فإنه قال: " ثم سجد، فوضع رأسه بين كفيه ، ثم صلى ركعة أخرى، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم دعا ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى، وكفه اليمنى على ركبته اليمنى، ودعا بالسبابة ". وإسناده صحيح. ونحوه رواية سفيان (وهو ابن عيينة) ، ولفظه: " وإذا جلس في الركعتين أضجع اليسرى ونصب اليمنى ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ونصب إصبعه للدعاء ووضع يده اليسرى على رجله اليسرى ". أخرجه النسائي (1 / 173) بسند صحيح، والحميدي (885) نحوه. قلت: فتبين من هذه الرواية الصحيحة أن التحريك أو الإشارة بالإصبع إنما هو في جلوس التشهد، وأن الجلوس المطلق في بعضها مقيد بجلوس التشهد، هذا هو الذي يقتضيه، الجمع بين الروايات، وقاعدة حمل المطلق على المقيد المقررة في علم أصول الفقه، ولذلك لم يرد عن أحد من السلف القول بالإشارة مطلقا في الصلاة ولا في كل جلوس منها فيما علمت، ومثل ذلك يقال في وضع اليدين على الصدر، إنما هو في القيام الذي قبل الركوع، إعمالا للقاعدة المذكورة. فإن قال قائل: قد روى عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن كليب بإسناده المتقدم عن وائل.. فذكر الحديث والافتراش في جلوسه قال: " ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى حلق بها وقبض سائر أصابعه، ثم

سجد فكانت يداه حذو أذنيه ". فهذا بظاهره يدل على أن الإشارة كانت في الجلوس بين السجدتين، لقوله بعد أن حكى الإشارة: " ثم سجد.. ". فأقول: نعم قد روى ذلك عبد الرزاق في " مصنفه " (2 / 68 - 69) ، ورواه عنه الإمام أحمد (4 / 317) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 34 - 35) وزعم الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه عليه: " أنه أخرجه الأربعة إلا الترمذي والبيهقي مفرقا في أبواب شتى ". وهو زعم باطل يدل على غفلته عن موجب التحقيق فإن أحد منهم ليس عنده قوله بعد الإشارة: " ثم سجد "، بل هذا مما تفرد به عبد الرزاق عن الثوري، وخالف به محمد بن يوسف الفريابي وكان ملازما للثوري، فلم يذكر السجود المذكور. رواه عنه الطبراني (22 / 33 / 78) . وقد تابعه عبد الله بن الوليد حدثني سفيان ... به. أخرجه أحمد (4 / 318) . وابن الوليد صدوق ربما أخطأ، فروايته بمتابعة الفريابي له أرجح من رواية عبد الرزاق، ولاسيما وقد ذكروا في ترجمته أن له أحاديث استنكرت عليه، أحدها من روايته عن الثوري، فانظر " تهذيب ابن حجر " و " ميزان الذهبي "، فهذه الزيادة من أوهامه. وإن مما يؤكد ذلك، أنه قد تابع الثوري في روايته المحفوظة جمع كثير من الثقات الحفاظ منهم عبد الواحد بن زياد وشعبة وزائدة بن قدامة وبشر بن المفضل وزهير بن معاوية وأبو الأحوص وأبو عوانة وابن إدريس وسلام بن سليمان وسفيان بن

2248

عيينة، وغيرهم، فهؤلاء جميعا لم يذكروا في حديث وائل هذه الزيادة، بل إن بعضهم قد ذكرها قبيل الإشارة، مثل بشر وأبي عوانة وغيرهما، وقد تقدم لفظهما، وبعضهم صرح بأن الإشارة في جلوس التشهد كما سبق. وهذا هو الصحيح الذي أخذ به جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء، ولا أعلم أحدا قال بشرعيتها في الجلوس بين السجدتين، إلا ابن القيم، فإن ظاهر كلامه في " زاد المعاد " مطابق لحديث عبد الرزاق، ولعل ذلك الطالب الجامعي الذي تقدمت الإشارة إليه قلده في ذلك، أو قلد من قلده من العلماء المعاصرين، وقد بينت له ولغيره من الطلاب الذين راجعوني شذوذ رواية عبد الرزاق ووهاءها، ولقد أخبرني أحدهم عن أحد العلماء المعروفين في بعض البلاد العربية أنه يعمل بحديث عبد الرزاق هذا ويحتج به! وذلك مما يدل على أنه لا اختصاص له بهذا العلم، وهذا مما اضطرني إلى كتابة هذا التخريج والتحقيق، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي. سائلا المولى سبحانه وتعالى أن يأخذ بأيدينا ويهدينا إلى الحق الذي اختلف فيه الناس، إنه يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم. والحمد لله رب العالمين. 2248 - " كان إذا جلس في الثنتين أو في الأربع يضع يديه على ركبتيه، ثم أشار بإصبعه ". أخرجه النسائي (1 / 173) والبيهقي (2 / 132) من طريقين عن ابن المبارك قال : أنبأنا مخرمة بن بكير حدثنا عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (2 / 90) من طريق ابن عجلان عن عامر به نحوه بلفظ: " كان إذا قعد يدعو.. " ليس فيه ذكر الثنتين والأربع وهي فائدة هامة تقضي

2249

على بدعة الإشارة بإصبعه في غير التشهد ، ولذلك خصصتها بالتخريج بيانا للناس. ورواه أحمد (4 / 3) بلفظ: " كان إذا جلس في التشهد وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بالسبابة ولم يجاوز بصره إشارته ". وأخرجه أبو داود وغيره نحوه، وزاد في رواية: " ولا يحركها ". وهي زيادة شاذة كما بينته في " ضعيف أبي داود " (175) . وخرجت الرواية الأولى في " صحيح أبي داود " (908 و909) . وفي الحديث مشروعية الإشارة بالإصبع في جلسة التشهد، وأما الإشارة في الجلسة التي بين السجدتين التي يفعلها بعضهم اليوم، فلا أصل لها إلا في رواية لعبد الرزاق في حديث وائل بن حجر وهي شاذة كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله بيانا لا تراه في مكان آخر، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. 2249 - " ليس أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا (ويجعلون له ندا ) وإنه ليعافيهم (ويدفع عنهم) ويرزقهم (ويعطيهم) ". أخرجه البخاري (6099 و 7378) ومسلم (8 / 133 - 134) ويعقوب الفسوي في " المعرفة " (3 / 149 - 150) وأحمد (4 / 395 و 401 و 405) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 504 - 505) من طرق عن الأعمش حدثنا سعيد بن جبير عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي موسى مرفوعا.

2250

والزيادة الأولى والأخيرة لمسلم والوسطى لأحمد. وعزاه السيوطي في " الصغير " و " الكبير " للشيخين فقط بالزيادة الأولى!! 2250 - " إذا خلص المؤمنون من النار يوم القيامة وأمنوا، فما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد مجادلة له من المؤمنين لربهم، في إخوانهم الذين أدخلوا النار. قال: يقولون: ربنا! إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا، فأدخلتهم النار. قال: فيقول: اذهبوا فأخرجوا من عرفتم، فيأتونهم، فيعرفونهم بصورهم، لا تأكل النار صورهم، فمنهم من أخذته النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته النار إلى كعبيه، فيخرجونهم، فيقولون: ربنا! أخرجنا من أمرتنا. ثم يقول: أخرجوا من كان قلبه في وزن دينار من الإيمان، ثم من كان في قلبه وزن نصف دينار من الإيمان، حتى يقول: من كان في قلبه مثقال ذرة - قال أبو سعيد: فمن لم يصدق بهذا فليقرأ هذه الآية: * (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * (¬1) - قال: فيقولون: ربنا! قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير. قال: ثم يقول الله: شفعت الملائكة وشفع الأنبياء وشفع المؤمنون وبقي أرحم الراحمين. قال: فيقبض قبضة من النار - أو قال: قبضتين - ناس لم يعملوا لله خيرا قط، قد احترقوا حتى صاروا حمما. قال: فيؤتى بهم إلى ماء يقال له: ماء الحياة فيصب عليهم، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فيخرجون من أجسادهم مثل ¬

(¬1) النساء: الآية: 40. اهـ.

2251

اللؤلؤ، في أعناقهم الخاتم: عتقاء الله. قال: فيقال لهم: ادخلوا الجنة، فما تمنيتم أو رأيتم من شيء فهو لكم، عندي أفضل من هذا. قال: فيقولون: ربنا! وما أفضل من ذلك؟ قال: فيقول: رضائي عليكم، فلا أسخط عليكم أبدا ". أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " (2 / 49) : حدثنا عبد الرزاق - وهذا في " مصنفه " (11 / 409 / 20857) - قال: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وكذلك أخرجه النسائي (5010) وابن ماجة (60) وابن خزيمة في " التوحيد " ( 184) ، كلهم عن عبد الرزاق به إلا أن النسائي وقعت الآية عنده: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) * (¬1) . وهو مخالف لرواية الآخرين، ولا أدري ممن الوهم ولكن رواية الجماعة الأولى، والأخرى شاذة. وإن مما يؤيد ذلك أن الحديث أخرجه البخاري (7439) من طريق سعيد بن أبي هلال ، ومسلم (1 / 114 - 117) من طريق حفص بن ميسرة كلاهما عن زيد بن أسلم به مطولا بالآية الأولى. 2251 - " صدق أبي ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 38 / 2) من طريق إبراهيم عن ابن مسعود أنه سأل أبي بن كعب - ونبي الله صلى الله عليه وسلم يخطب - عن آية من كتاب الله؟ فأعرض عنه، ولم يرد عليه فلما قضى صلاته قال: إنك لم تجمع ". فسأل ابن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: فذكره. ¬

(¬1) النساء: الآية: 48 و 116. اهـ.

قلت: وإسناده حسن ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير شيخ الطبراني وهو علي بن عبد العزيز - وهو البغوي - ثقة حافظ، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي. وقد يقول قائل: إنه مرسل منقطع بين إبراهيم وابن مسعود فكيف تحسن إسناده؟ فأقول: نعم، ولكن جماعة من الأئمة صححوا مراسيله، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود كما نقله في " التهذيب ". وقول البيهقي هو الصواب، لقول الأعمش: قلت لإبراهيم: أسند لي عن ابن مسعود، فقال إبراهيم: إذا حدثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعت، وإذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله. فهذا صريح في أن ما أرسله عن ابن مسعود يكون بينه وبين ابن مسعود أكثر من واحد، وهم وإن كانوا مجهولين، فجهالتهم مغتفرة، لأنهم جمع من جهة ومن التابعين - بل وربما من كبارهم - من جهة أخرى، وهذه فائدة أخرى سبق أن ذكرتها في موضع آخر، لا يحضرني الآن. ومما يقوي هذه القصة بين ابن مسعود وأبي بن كعب، أنها رويت من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وابن عباس رضي الله عنهما. 1 - أما حديث جابر، فأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 497 - 498) وعنه ابن حبان (577) والطبراني في " الأوسط " (1 / 252 / 2) من طريق يعقوب القمي عن عيسى بن جارية عن جابر به نحوه. وقال المنذري (1 / 258) : " رواه أبو يعلى بإسناد جيد وابن حبان في (صحيحه) ". قلت: إسناده محتمل للتحسين، للكلام المعروف في عيسى بن جارية ويعقوب بن عبد الله القمي. 2 - وأما حديث ابن عباس، فأخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1809) بإسناد

2252

فيه ضعف، كما بينته فيما علقته عليه. وروى الطبراني أيضا في " الكبير " من طريق إبراهيم بن المهاجر البجلي: استقرأ رجل عبد الله بن مسعود والإمام يخطب يوم الجمعة، فلم يكلمه عبد الله، فلما قضى الصلاة قال له عبد الله: " الذي سألت عنه نصيبك من الجمعة ". والبجلي هذا صدوق سيء الحفظ. ثم روي بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال: " كفى لغوا أن تقول لصاحبك: أنصت، إذا خرج الإمام في الجمعة ". وقد وقع مثل هذه القصة بين أبي ذر وأبي بن كعب عند ابن خزيمة والطحاوي وأحمد وغيرهم وترى ذلك في " الترغيب " (1 / 257 - 258) و " المجمع " (2 / 186) ولا منافاة بينهما، لجواز تعددها، كما لا يخفى. 2252 - " إن اتخذت شعرا فأكرمه ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (11 / 270 / 20516) عن معمر عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي قتادة: فذكره. قال: " وكان أبو قتادة - حسبت - يرجله كل يوم مرتين ". وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 265 / 2) من طريق عبد الرزاق وزاد في الإسناد بعد سعيد: " عن أشياخهم، فإذا صحت هذه الزيادة فيكون الحديث موصولا وإلا فهو مرسل لأن سعيدا هذا تابعي روى عن بعض الصحابة وقد وثقه ابن حبان وقال النسائي: " ليس به بأس ".

مع أنه لم يرو عنه غير معمر، كما ذكرته في " تيسير انتفاع الخلان بكتاب " ثقات ابن حبان " وحققت فيه أنه وقع في ترجمة سعيد هذا عنده عدة تصحيفات، منها نسبة (الجحشي) هذه، وقعت فيه: (الحجبي) ، كما أنها تحرفت في " الشعب " إلى " الجرشي "، الأمر الذي حال بيني وبين معرفتي إياه، حين أوردت حديثه هذا شاهدا تحت الحديث المتقدم (666) وكان ذلك من دواعي إعادة تخريجه وتصحيح نسبته إلى فوائد أخرى يأتي ذكرها بإذن الله تبارك وتعالى. وقوله: " وكان أبو قتادة - حسبت - يرجله كل يوم مرتين "، لا يصح عندي، لشك الراوي: أولا: في قوله: " حسبت ". وثانيا: لثبوت نهيه صلى الله عليه وسلم عن الترجل إلا غبا، كما تقدم تخريجه من طرق برقم (501) . وكذلك لا يصح ما أخرجه النسائي (5237) من طريق عمر بن علي بن مقدم قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن أبي قتادة قال: " كانت له جمة ضخمة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأمره أن يحسن إليها وأن يترجل كل يوم ". قلت: وهذا أنكر من سابقه، فإنه رفع الترجل كل يوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خلاف الحديث الصحيح الذي أشرت إليه آنفا وعلته الانقطاع بين محمد بن المنكدر وأبي قتادة، فإنه لم يسمع منه كما حققه الحافظ في " التهذيب ". ويمكن استخراج علة ثانية وهي الإرسال. وعلة ثالثة وهي التدليس، فإن ابن مقدم هذا كان يدلس تدليسا عجيبا يعرف عند العلماء بتدليس السكوت، فانظر ترجمته في " التهذيب ".

ومع هذا فقد خالفه حماد بن زيد: حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر أن أبا قتادة اتخذ شعرا.. الحديث فأرسله. أخرجه البيهقي. ويؤيد أنه تابعه سفيان (وهو الثوري) فقال: عن محمد بن المنكدر قال: " كان لأبي قتادة شعر. . " الحديث مثله، إلا أنه قال: " وكان يدهنه يوما ويدعه يوما ". رواه البيهقي. وهذا يؤكد نكارة رواية ابن مقدم، ويوافق الحديث الصحيح، وهو المظنون بهذا الصحابي الجليل. وقد أشار الحافظ المزي في " التحفة " (9 / 264 ) إلى ترجيح المرسل بقوله: " ورواه المفضل بن فضالة عن ابن جريج عن عطاء عن ابن المنكدر أن أبا قتادة.. " فذكره. ورواه هشام بن عروة أيضا عن محمد بن المنكدر، لكنه قال: عن جابر. وقد تقدمت هذه الرواية مع شواهد أخرى لحديث الترجمة تؤيد صحته تحت الحديث المشار إليه آنفا (666) . ومن شواهده ما أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 448) : حدثنا ابن إدريس عن يحيى عن (الأصل : بن) عبد الله بن أبي قتادة، قال: فذكره مرسلا. وهذا إسناد مرسل صحيح، ولعل عبد الله تلقاه عن أبيه أبي قتادة. والله أعلم. (تنبيه) : لقد ذكر الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه على حديث الترجمة رواية النسائي المتقدمة عن أبي قتادة، ساكتا عليها، موهما القراء أنه لا علة فيها، وهذا شأنه في أكثر تعليقاته. والله المستعان.

2253

2253 - " إن بين يدي الساعة سنين خداعة يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة. قيل: المرء التافه يتكلم في أمر العامة ". أخرجه البزار في " مسنده " (3373 - الكشف) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 18 / 67 / 125) من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبيه عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. زاد البزار: قال محمد بن إسحاق: وحدثني عبد الله بن دينار عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بنحوه. قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 284) : " رواه البزار، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع من عبد الله بن دينار، وبقية رجاله ثقات ". كذا قال! وأقره الأعظمي في تعليقه على " الكشف ". ولنا عليه مؤخذتان: الأولى: أنه لم يعز حديث عوف للطبراني، ولاسيما وقد رواه من غير هذا الوجه. والأخرى: أن أبا عبلة - والد إبراهيم - غير معروف إلا بهذه الرواية، ولم يوثقه غير ابن حبان (4 / 367) ، وسكت عنه ابن أبي حاتم، فهو من هذا الوجه ضعيف، يقويه حديث أنس، فإن إسناده حسن لتصريح ابن إسحاق بالتحديث. وقد أخرجه أحمد (3 / 220) من طريق أخرى عنه عن محمد بن المنكدر عن أنس بلفظ:

" إن أمام الدجال سنين خداعة.. ". الحديث مثل حديث الترجمة، إلا أنه قال: " قال: الفويسق يتكلم في أمر العامة ". ثم رواه عقبه هو وابنه عبد الله وأبو يعلى (1 / 378 / 3715) من طريق ابن إسحاق الأولى عن عبد الله بن دينار به. وقد وهم المعلق على " أبي يعلى " فجعل طريق ابن إسحاق عن ابن المنكدر عند أحمد والطريق هذه واحدة. نعود إلى حديث عوف، فقد توبع عليه ابن إسحاق من اثنين: الأول: مسلمة بن علي: حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة عن أبيه به . أخرجه الطبراني (18 / 67 / رقم 123) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 226 / 2) . ومسلمة هذا متروك. والآخر: إسماعيل بن عياش عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عوف بن مالك مرفوعا مثله. أخرجه الطبراني (رقم 124) ، وقال المعلق عليه، صاحبنا حمدي السلفي: " إسناده حسن "! وأقول: كان يكون كذلك لولا الانقطاع بين إبراهيم بن أبي عبلة وعوف، فإن بين وفاتيهما تسعا وسبعين سنة، ولذلك لم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة، سوى أنس ابن مالك رضي الله عنه ونحوه. ولم يذكروا له رواية عن عوف، والروايات السابقة تبين أن بينهما والده أبا عبلة. ثم إن مما يزيد الحديث قوة أن له شواهد عن غيرما واحد من الصحابة، منها عن عبد الله بن عمر مرفوعا نحوه إلى قوله: " ويخون الأمين "، وزاد:

" قيل: يا رسول الله! فكيف المؤمن يومئذ؟ قال: كالنخلة وقعت فلم تفسد وأكلت فلم تكسر ووضعت طيبا، وكقطعة الذهب، دخلت النار، فأخرجت، فلم تزدد إلا جودا ". أخرجه البزار (9409) عن عبد الرحمن بن مغراء الدوسي حدثنا الأعمش عن أبي أيوب عنه. وقال: " لا نعلمه إلا عن عبد الله بن عمرو، ولا له عنه إلا هذا الطريق ". قلت: ورجاله ثقات رجال (الصحيح) غير عبد الرحمن بن مغراء الدوسي، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، تكلم في حديثه عن الأعمش ". قلت: وهذا عنه كما ترى ومع ذلك فقد قال الحافظ في " زوائده " (ص 238) : " حسن ". وأما الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد " (7 / 327) : " رواه البزار، وفيه عبد الرحمن بن مغراء، وثقه أبو زرعة وجماعة، وضعفه ابن المديني، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وله طريق أخرى عن ابن عمر، يأتي بإذنه تعالى برقم (2288) . (تنبيه) : قوله: " كقطعة من الذهب.. " إلخ، لم ترد في " المجمع " وأورده السيوطي بتمامه في " الجامع " من رواية الحاكم في " الكنى "، وابن عساكر، لكنه قال: " إلا جودة ". ولعله الصواب. وللحديث شواهد أخرى تقدم بعضها برقم (1887 و 2238) . من حديث جماعة منهم أنس، وجود إسناده الحافظ في " الفتح " (13 / 84) .

2254

2254 - " اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر وما أسرت وما أعلنت، وقال : والله إنها لدعوتي لأمتي في كل صلاة ". أخرجه البزار في " مسنده " (2658 - كشف الأستار) : حدثنا أحمد بن منصور حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب أخبرني حيوة عن أبي صخر عن ابن قسيط عن عروة عن عائشة قالت: " لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب النفس، قلت: يا رسول الله! ادع الله لي. قال: (فذكره) ، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الضحك، فقال: أيسرك دعائي؟ فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك؟ فقال: والله إنها لدعوتي.. إلخ. وقال البزار: " لا يروى إلا عن عائشة، ولا عنها إلا بهذا الإسناد ". قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات رجال مسلم غير أحمد بن منصور - وهو الرمادي من شيوخ ابن ماجة - وهو ثقة، ولولا أن في أبي صخر - واسمه حميد بن زياد - بعض الكلام من قبل حفظه لصححته، قال الذهبي في " الكاشف ": " مختلف فيه، قال أحمد: ليس به بأس ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". ولذلك فقوله في " زوائد البزار " (ص 284) : " صحيح ". لا يخلو من تساهل. ونحوه قول شيخه الهيثمي في " المجمع " (9 / 244) :

2255

" رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن منصور الرمادي، وهو ثقة ". لأنه يوهم ما صرح به الحافظ من الصحة، وقد قلده الشيخ الأعظمي كما هي عادته. 2255 - " أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قلت: بلى. قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة ". أخرجه الحاكم (4 / 10) من طريق أبي العنبس سعيد بن كثير عن أبيه قال: حدثتنا عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة رضي الله عنها، قالت: فتكلمت أنا، فقال: فذكره. وقال: " أبو العنبس هذا سعيد بن كثير، مدني ثقة، والحديث صحيح ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وكثير والد العنبس وإن كان لم يوثقه غير ابن حبان، فقد روى عنه جمع من الثقات كما تقدم ذكره تحت الحديث (2177) ، ولاسيما ولحديث الترجمة شواهد في " الصحيحين " وغيرهما، فانظر كتابي الجديد " صحيح سنن الترمذي " (أبواب المناقب) . 2256 - " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته * (وما كان ربك نسيا) * (¬1) ". أخرجه الدارقطني في " سننه " (2 / 137 / 12) والحاكم (2 / 375) وعنه البيهقي (10 / 12) والبزار في " مسنده " (1 / 78 / 123 - كشف الأستار) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 416) من طرق عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن أبيه عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . ¬

(¬1) مريم: الآية: 64. اهـ.

2257

وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال البزار: " إسناده صالح ". قلت: وهذا هو الأقرب لحال عاصم بن رجاء، فإن فيه كلاما، فقد قال الذهبي في " الكاشف ": " قال ابن معين: صويلح ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". ولذلك قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 171) : " رواه البزار، والطبراني في " الكبير "، وإسناده حسن، ورجاله موثقون ". وهو - أعني عاصما - ممن ذكرهم ابن حبان في " ثقاته " (7 / 259) ، وصحح له في " صحيحه " منها حديثا في فضل طالب العلم (رقم 88 - الإحسان) . 2257 - " ما أنتما بأقوى على المشي مني، وما أنا بأغنى عن الأجر منكما ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (4713 - الإحسان) والحاكم (30 / 20) وأحمد ( 1 / 411 و 418 و 422 و 424) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 21) والبزار في " مسنده " (2 / 310 / 1759 - الكشف) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (ق 29 / 1) من طرق عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال:

2258

كنا في غزوة بدر كل ثلاثة منا على بعير، كان علي وأبو لبابة زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان عقبة النبي صلى الله عليه وسلم قالا: اركب يا رسول الله! حتى نمشي عنك، فيقول: (فذكره) والسياق لأحمد في رواية والبزار والحاكم، وقال: " صحيح على شرط مسلم "! وسكت عنه الذهبي لأنه قال: " ... الحديث وقد مر ". ولم أره في غير هذا المكان.. وعاصم بن بهدلة إنما أخرج له الشيخان مقرونا كما في " الكاشف " وغيره. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 68 - 69) : " رواه أحمد والبزار وقال: فإذا كانت عقبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالا: اركب حتى نمشي عنك، والباقي نحوه. وفيه عاصم بن بهدلة، وحديثه حسن ". قلت: وفاته أن اللفظ الذي عزاه للبزار هو لأحمد أيضا في رواية كما ذكرنا آنفا. 2258 - " ما أهلك الله قوما ولا قرنا ولا أمة ولا أهل قرية منذ أنزل التوراة على وجه الأرض بعذاب من السماء، غير أهل القرية التي مسخت قردة، ألم تر إلى قوله تعالى: * (ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى بصائر للناس وهدى ورحمة لعلهم يتذكرون) * (¬1) أخرجه الحاكم (2 / 408) والبزار (2248 - الكشف) والثعلبي في " تفسيره " ( 3 / 41 / 2) من طريقين عن عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. ¬

(¬1) القصص: الآية: 43. اهـ.

2259

وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. ثم أخرجه البزار ( 2247) وابن جرير في " تفسيره " (20 / 50) من طرق عن عوف به موقوفا على أبي سعيد. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 88) : " رواه البزار موقوفا ومرفوعا، ورجالهما رجال الصحيح ". وأقول: كلاهما صحيح، ولا مخالفة بينهما ، فمن الواضح أن الموقوف على الصحابي في حكم المرفوع فيما يتعلق بالتفسير، حتى ولو لم يرد مرفوعا، فكيف وقد صح مرفوعا أيضا؟ ! 2259 - " ما في الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه فيجاهد في سبيل الله ويجتنب شرور الناس . ومثل رجل باد في غنمه، يقري ضيفه ويؤدي حقه ". أخرجه الإمام أحمد (1 / 311) : حدثنا روح حدثنا حبيب بن شهاب العنبري قال: سمعت أبي يقول: أتيت ابن عباس أنا وصاحب لي، فلقينا أبا هريرة عند باب ابن عباس، فقال: من أنتما؟ فأخبرناه، فقال: انطلقا إلى ناس على تمر وماء، إنما يسيل كل واد بقدره. قال: قلنا: كثير خيرك، استأذن لنا على ابن عباس، قال: فاستأذن لنا، فسمعنا ابن عباس يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك، فقال: فذكره. قال: قلت: أقالها؟ قال: قالها.

2260

قال: قلت: أقالها؟ قال: قالها. قلت: أقالها ؟ قال: قالها. فكبرت الله، وحمدت الله وشكرته. قلت: وهذا إسناد صحيح: روح هو ابن عبادة، وهو ثقة من رجال الشيخين. وحبيب بن شهاب العنبري ثقة بلا خلاف، وهو مترجم في " تعجيل المنفعة " وأبوه شهاب، وثقه ابن حبان (4 / 363) وأبو زرعة كما في " الجرح والتعديل ". وقد تابعه القلوص بنت عليبة: سمعت شهاب بن مدلج حدثنا أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خير الناس رجل تنحى عن شرور الناس ". 2260 - " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته إياهم. وما من مسلم ينفق من زوجين من ماله في سبيل الله إلا ابتدره حجبة الجنة (كلهم يدعوه إلى ما قبله) ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (4 / 260 / 2929 و 7 / 77 - 78 / 4624 - 4626) وأبو عوانة في " صحيحه " (8 / 8 - 9 مخطوطة الظاهرية) والبيهقي (9 / 171) - والزيادة له - وأحمد (5 / 151 و 159 و 164) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 154 - 155 / 1644 و 1645) من طريق صعصعة بن معاوية عن أبي ذر مرفوعا به. زاد ابن حبان وغيره: " وما زوجان من ماله؟ قال: عبدان من رقيقه فرسان من خيله بعيران من إبله ". وأخرجه النسائي مرفوعا (1874 و 3185) ، وعنده معنى الزيادة

2261

(تنبيه) : أعل الحديث صاحبنا حمدي السلفي في تعليقه على " الطبراني " بعنعنة الحسن البصري، وفاته أنه صرح بالتحديث عند ابن حبان وأبي عوانة وأحمد من طرق عن الحسن: حدثني صعصعة. فاقتضى التنبيه. 2261 - " إن كنت نذرت فاضربي، وإلا فلا ". أخرجه الترمذي (3691) وابن حبان (4371 - الإحسان) والبيهقي (10 / 77) وأحمد (5 / 353) من طريق الحسين بن واقد قال: حدثني عبد الله بن بريدة قال : سمعت بريدة يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف، جاءت جارية سوداء، فقالت: يا رسول الله! إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (فذكره) ، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر، فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الشيطان ليخاف منك يا عمر! إني كنت جالسا وهي تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده جيد رجاله ثقات رجال مسلم وفي الحسين كلام لا يضر قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ".

ولحديث الترجمة شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف، قال: " أوفي بنذرك ". (تنبيه) : جاء عقب حديث بريدة في " موارد الظمآن " (493 - 494 / 2015) زيادة: " وقالت: أشرق البدر علينا، من ثنيات الوداع، وجب الشكر علينا، ما دعا لله داع، وذكر محققه الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة رحمه الله تعالى في الحاشية أن هذه الزيادة من الهامش، وبخط يخالف خط الأصل. وكم كنت أتمنى على الشيخ رحمه الله أن لا يطبعها في آخر الحديث، وأن يدعها حيث وجدها: " في الهامش " وأن يكتفي بالتنبيه عليها في التعليق، خشية أن يغتر بها بعض من لا علم عنده، فإنها زيادة باطلة، لم ترد في شيء من المصادر المتقدمة ومنها " الإحسان " الذي هو " صحيح ابن حبان " مرتبا على الأبواب الفقهية، بل ليس لها أصل في شيء من الأحاديث الأخرى، على شهرتها عند كثير من العامة وأشباههم من الخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل بذلك من النساء والصبيان حين دخل المدينة في هجرته من مكة، ولا يصح ذلك كما كنت بينته في " الضعيفة " (2 / 63 / 598) ، ونبهت عليه في الرد على المنتصر الكتاني (ص 48) واستندت في ذلك على الحافظ العراقي، والعلامة ابن قيم الجوزية. وقد يظن بعضهم أن كل ما يروى في كتب التاريخ والسيرة، أن ذلك صار جزءا لا يتجزأ من التاريخ الإسلامي ، لا يجوز إنكار شيء منه! وهذا جهل فاضح، وتنكر بالغ للتاريخ الإسلامي الرائع، الذي يتميز عن تواريخ الأمم الأخرى بأنه هو وحده الذي

يملك الوسيلة العلمية لتمييز ما صح منه مما لم يصح، وهي نفس الوسيلة التي يميز بها الحديث الصحيح من الضعيف، ألا وهو الإسناد الذي قال فيه بعض السلف: لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء. ولذلك لما فقدت الأمم الأخرى هذه الوسيلة العظمى امتلأ تاريخها بالسخافات والخرافات، ولا نذهب بالقراء بعيدا، فهذه كتبهم التي يسمونها بالكتب المقدسة، اختلط فيها الحامل بالنابل، فلا يستطيعون تمييز الصحيح من الضعيف مما فيها من الشرائع المنزلة على أنبيائهم، ولا معرفة شيء من تاريخ حياتهم، أبد الدهر، فهم لا يزالون في ضلالهم يعمهون، وفي دياجير الظلام يتيهون! فهل يريد منا أولئك الناس أن نستسلم لكل ما يقال: إنه من التاريخ الإسلامي. ولو أنكره العلماء، ولو لم يرد له ذكر إلا في كتب العجائز من الرجال والنساء؟ ! وأن نكفر بهذه المزية التي هي من أعلى وأغلى ما تميز به تاريخ الإسلام؟ ! وأنا أعتقد أن بعضهم لا تخفى عليه المزية ولا يمكنه أن يكون طالب علم بله عالما دونها، ولكنه يتجاهلها ويغض النظر عنها سترا لجهله بما لم يصح منه، فيتظاهر بالغيرة على التاريخ الإسلامي، ويبالغ في الإنكار على من يعرف المسلمين ببعض ما لم يصح منه، بطرا للحق، وغمصا للناس. والله المستعان. (فائدة) : من المعلوم أن (الدف) من المعازف المحرمة في الإسلام والمتفق على تحريمها عند الأئمة الأعلام، كالفقهاء الأربعة وغيرهم وجاء فيها أحاديث صحيحة خرجت بعضها في غير مكان، وتقدم شيء منها برقم (9 و 1806) ، ولا يحل منها إلا الدف وحده في العرس والعيدين، فإذا كان كذلك، فكيف أجاز النبي صلى الله عليه وسلم لها أن تفي بنذرها ولا نذر في معصية الله تعالى. والجواب - والله أعلم - لما كان نذرها مقرونا بفرحها بقدومه صلى الله عليه وسلم من الغزو سالما، ألحقه صلى الله عليه وسلم بالضرب على الدف في العرس والعيد وما لا شك فيه، أن الفرح بسلامته

2262

صلى الله عليه وسلم أعظم - بما لا يقاس - من الفرح في العرس والعيد، ولذلك يبقى هذا الحكم خاصا به صلى الله عليه وسلم، لا يقاس به غيره، لأنه من باب قياس الحدادين على الملائكة، كما يقول بعضهم. وقد ذكر نحو هذا الجمع الإمام الخطابي في " معالم السنن "، والعلامة صديق حسن خان في " الروضة الندية " (2 / 177 - 178) . 2262 - " ما كان من حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام ". أخرجه أحمد (5 / 61) من طريقين عن مغيرة عن أبيه عن شعبة بن التوأم عن قيس بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال البخاري، غير شعبة بن التوأم وقد روى عنه جمع من الثقات وذكره ابن حبان في " الثقات " وأخرج حديثه هذا في " صحيحه " مختصرا (2060 - موارد) . ومغيرة هو ابن مقسم بن بجرة. وللحديث شاهد من حديث جبير بن مطعم مرفوعا نحوه دون قوله: " فتمسكوا به ". أخرجه مسلم (7 / 183) وأحمد (4 / 83) وغيرهما. وآخر من حديث عبد الله بن عمرو نحوه وفيه. " وأوفوا بحلف الجاهلية ". أخرجه ابن خزيمة (232 / 1) وأحمد (2 / 212 - 213) . وشاهد آخر من حديث ابن عباس نحوه. أخرجه الدارمي (2 / 243) وابن حبان (2061) وأحمد (1 / 317 و 329) .

2263

ومن حديث عبد الرحمن بن عوف. أخرجه أحمد (1 / 190) . ومن حديث أم سلمة. أخرجه أبو يعلى (315 / 2 - مصورة المكتب الثانية) . 2263 - " ما مررت ليلة أسري بي بملإ من الملائكة، إلا كلهم يقول لي: عليك يا محمد بالحجامة ". أخرجه الترمذي وابن ماجة (2 / 350) وابن جرير الطبري في " التهذيب " (2 / 103 - 104) وصححه (!) وأحمد والطبراني (3 / 139 / 1) من طريق عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح " ورده الذهبي بقوله: " قلت: لا ". فأصاب هنا وأخطأ فيما تقدم في لفظ: " خير يوم تحتجمون فيه ". والحديث أورده في " المجمع " (5 / 91) وقال: " رواه البزار وفيه عطاف بن خالد وهو ثقة وتكلم فيه ". قلت: والظاهر أن هذه طريق أخرى للحديث عن ابن عباس وله شواهد، فأخرجه الطبراني عن مالك بن صعصعة ورجاله رجال الصحيح ومنها الآتي بلفظ: " ما مررت ليلة أسري بي بملإ إلا قالوا: يا محمد! مر أمتك بالحجامة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 350) قال: حدثنا جبارة بن المغلس حدثنا كثير بن سليم

2264

سمعت أنس بن مالك يقول مرفوعا. وهذا إسناد ثلاثي من ثلاثيات ابن ماجة القليلة، ولكنه ضعيف، فإن جبارة وشيخه كثير كلاهما ضعيف كما في " التقريب ". لكن له شاهد من حديث ابن مسعود. أخرجه الترمذي (2 / 5) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود مرفوعا به، وقال: " حديث حسن ". كذا قال ولعله لشواهده فإن عبد الرحمن بن إسحاق هو أبو شيبة الواسطي وهو ضعيف. ثم رجعت إلى " كشف الأستار عن زوائد مسند البزار " فوجدت الحديث فيه (ق 284 / 1) من طريق عبد الله بن صالح حدثنا عطاف عن نافع عن ابن عمر مرفوعا. فالحديث حديث ابن عمر لا ابن عباس، فما في " المجمع " خطأ. فهو شاهد لا بأس به. 2264 - " ما مسخت أمة قط، فيكون لها نسل ". الطبراني في " الأوسط " (429) : حدثنا أحمد بن رشدين حدثنا محمد بن سفيان الحضرمي حدثنا مسلمة بن علي عن محمد بن الوليد الزبيدي عن الزهري عن حمزة بن عبد الله بن عمر عن أبيه مرفوعا وقال: " لم يروه عن الزهري إلا الزبيدي ". قلت: هو ثقة ثبت، لكن الراوي عنه مسلمة بن علي وهو الخشني متروك. غير أن الحديث صحيح، فقد قال ليث: عن علقمة بن مرثد عن المعرور بن سويد

2265

عن أم المؤمنين أم سلمة قالت: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن مسخ، أيكون له نسل؟ فقال: ما مسخ أحد قط فكان له نسل ولا عقب ". أخرجه أبو يعلى (318 / 2) والطبراني في " الكبير " (23 / 325 / 746) . وليث - وهو ابن أبي سليم - كان اختلط. وقد خالفه في إسناده مسعر والثوري فقالا: عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد الله اليشكري عن المعرور بن سويد عن عبد الله (يعني: ابن مسعود) قال: " وذكرت عنده صلى الله عليه وسلم القردة والخنازير أنه مما مسخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لم يمسخ شيئا فيدع له نسلا أو عاقبة، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك ". أخرجه مسلم (8 / 56 - 57) وأحمد (1 / 390 و 413 و 433 و 445 و 466) . وتابعه أبو الأحوص الجشمي عن ابن مسعود به. أخرجه أحمد (1 / 395 و 396 - 397 و 421) . 2265 - " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ". أخرجه الترمذي (3 / 378) وابن حبان (1349 - موارد) والحاكم (4 / 121 و331) وعبد الله بن المبارك في " الزهد " (603) وأحمد (4 / 132) وابن سعد (1 / 410) والطبراني في " الكبير " (20 / 272 / 644 - 646) وابن عساكر (7 / 307 / 2) من طرق عن يحيى بن جابر الطائي قال: سمعت المقدام بن معد يكرب الكندي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.

قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وقد أعل بالانقطاع وقد أجبت عنه في " الإرواء " (7 / 42) . وله طريق ثانية أخرجها ابن ماجة (2 / 321) من طريق محمد بن حرب: حدثتني أمي عن أمها أنها سمعت المقدام بن معد يكرب به. وأم محمد بن حرب وأمها مجهولتان. وطريق ثالثة عند ابن حبان (1348) عن صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب - وهو لين - عن أبيه - وهو مستور - عن جده المقدام به. ورابعة عند الطبراني (662) عن حسان بن حسان عن حريز بن عثمان عن حبيب بن عبيد عن المقدام به مختصرا. وحسان هذا فيه ضعف. (تنبيه) : سقط من " الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان " للأمير علاء الدين، الطريق الأولى الصحيحة لهذا الحديث، بخلاف الطريق الثالثة اللينة، فهي ثابتة فيه برقم (5213) ، مع ثبوت الطريقين معا في " موارد الظمآن "، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك برقميهما، فلا أدري إذا كان السقط من مرتبه، أو ناسخه، أو طابعه، فإن كان الأول فهل كان ذلك منه قصدا، أو سهوا؟ ! فإن كان الأول، فهل كان ذلك عن منهج التزمه فيه، منه حذف المكرر منه، أم كان ذلك سهوا منه؟ فإن كان الأول - وهذا ما أستبعده - فيرد عليه شيئان: الأول: أننا في هذه الحالة لا نستطيع أن نعتقد أن " الإحسان " يغني عن أصله: " صحيح ابن حبان ".

2266

والآخر: أنه يجب في هذه الحالة الاحتفاظ بالمتن الصحيح إسناده، وحذف اللين إسناده، وليس العكس، كما وقع في هذا الحديث. والله أعلم. 2266 - " ما من أحد يسلم علي، إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ". رواه أبو داود (1 / 319) والبيهقي في " سننه " (5 / 245) وأحمد (2 / 227 ) والطبراني في " الأوسط " (449) عن عبد الله بن يزيد الإسكندراني عن حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا وقال الطبراني: " لم يروه عن يزيد إلا أبو صخر ولا عنه إلا حيوة تفرد به عبد الله بن يزيد ". قلت: وهو المقري، ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه غير أبي صخر - وهو حميد بن زياد - مختلف فيه، والراجح عندي أنه حسن الحديث. وفي " التقريب ": " صدوق يهم ". وهذا أقرب إلى الصواب من قوله في " الفتح " (6 / 279) : " رجاله ثقات "! وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 279) : " سنده جيد ". وأما النووي، فقال في " الرياض " ( 1409) : " إسناده صحيح "! ووافقه المناوي في " التيسير "!

2267

2267 - " ما من أربعين من مؤمن يشفعون لمؤمن، إلا شفعهم الله فيه ". أخرجه ابن ماجة (1 / 453) عن بكر بن سليم حدثني حميد بن زياد الخراط عن كريب مولى عبد الله بن عباس قال: " هلك ابن لعبد الله بن عباس، فقال لي: يا كريب! قم فانظر هل اجتمع لابني أحد؟ فقلت: نعم، فقال: ويحك، كم تراهم.. أربعين؟ قلت: لا بل أكثر. قال: فاخرجوا بابني، فأشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، علته بكر هذا، أورده الذهبي في " المغني "، وقال: " قال ابن عدي: يتفرد بما لا يتابع عليه ، وهو ضعيف ". قلت: وقد خالفه في إسناده عبد الله بن وهب فقال: أخبرني أبو صخر (وهو حميد بن زياد الخراط) عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن كريب مولى ابن عباس به نحوه، ولفظ المرفوع منه: " ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه ". أخرجه مسلم ( 3 / 53) وأبو داود (2 / 64) والبيهقي (4 / 30) وأحمد (1 / 277 - 278) . 2268 - " ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينا القمر مضيء إذ علته سحابة فأظلم، إذ تجلت عنه فأضاء ". رواه أبو الطيب الحوراني في " جزئه " (70 / 1) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 196) والديلمي (4 / 8 - 9) عن محمد بن عبد الله بن أبي حماد القطان حدثنا

2269

عبد الرحمن بن مغراء عن الأزهر بن عبد الله الأودي عن محمد بن عجلان عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن علي بن أبي طالب مرفوعا، وقال أبو نعيم: " حديث غريب، تفرد به عبد الرحمن بن مغراء عن أزهر ". قلت: وكلاهما صدوق، وكذلك من فوقه. وأما القطان، فقد روى عنه جماعة من الثقات منهم أبو داود في " المراسيل "، والنسائي خارج " السنن "، وكان أحمد يكرمه، فهو مستور، وقال الحافظ: " مقبول ". قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله، ولاسيما وفي كلام أبي نعيم المتقدم إشارة إلى أنه لم يتفرد به. والله أعلم. 2269 - " ما من امرئ مسلم ينقي لفرسه شعيرا، ثم يعلقه عليه إلا كتب له بكل حبة حسنة ". أخرجه أحمد (4 / 103) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 103) عن شرحبيل بن مسلم الخولاني: " أن روح بن زنباع زار تميما الداري فوجده ينقي شعيرا لفرسه ، قال: وحوله أهله، فقال له روح: أما كان في هؤلاء من يكفيك؟ قال تميم : بلى، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد شامي جيد، رجاله ثقات، وفي شرحبيل كلام لا يضر، فقد قال الطبراني تحت عنوان: " ما أسند شرحبيل بن مسلم بن حامد الخولاني ": " سمعت عبد الله بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول: شرحبيل بن مسلم من ثقات

2270

المسلمين ". ووثقه ابن نمير والعجلي وابن حبان (4 / 363) وضعفه ابن معين وحده! فقول الحافظ في " التقريب ": " صدوق فيه لين " فيه لين! وقد اغتر به المناوي، فقال في " التيسير ": " إسناده فيه لين "! وأعله في " الفيض " بإسماعيل بن عياش أيضا! وخفي عليه أنه صحيح الحديث عن الشاميين، وهذا منه، فإن الخولاني شامي. 2270 - " ما من وال إلا وله بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالا، فمن وقي شرها فقد وقي وهو من التي تغلب عليه منهما ". أخرجه النسائي (2 / 186 - 187) والطحاوي (3 / 22 - 23) والبخاري معلقا ( 4 / 401) وأحمد (2 / 237 و 289) عن الزهري قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه عبد الملك بن عمير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن به، وفيه قصة. أخرجه الترمذي (2 / 58 - 59) وقال: " حديث حسن صحيح غريب ". وقد تقدمت هذه المتابعة مع القصة وتخريجها تخريجا موسعا برقم (1641) .

2271

2271 - " ما من بعير إلا على ذروته شيطان، فاذكروا اسم الله إذا ركبتموها كما أمركم ، ثم امتهنوها لأنفسكم، فإنما يحمل الله ". أخرجه ابن خزيمة (241 / 2، 255 / 2) والحاكم (1 / 444) وعنه البيهقي (5 / 252) وأحمد (4 / 221) وابن معين في " التاريخ والعلل " (9 / 2) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 49 / 1) وابن سعد في " الطبقات " (4 / 297 ) والطبراني في " الكبير " (22 / 334 / 837 و 838) عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي لاس الخزاعي رضي الله عنه قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة ضعاف للحج ، فقلنا: يا رسول الله! ما ترى أن تحملنا هذه، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وابن إسحاق، وإن كان قد عنعنه، فقد صرح بالتحديث في رواية الحربي، وكذا أحمد في إحدى روايتيه، فثبت الحديث والحمد لله. ولهذا قال الهيثمي (10 / 131) : " رواه أحمد والطبراني بأسانيد، ورجال أحدها رجال الصحيح، وقد صرح بالسماع في أحدها ". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي! ! وله عنده شاهدان من حديث أبي هريرة، وحديث حمزة بن عمرو وصححهما، ووافقه الذهبي. وانظر تخريجه في رسالة الصيام لابن تيمية (63) . 2272 - " ما من رجل يتعاظم في نفسه ويختال في مشيته إلا لقي الله وهو عليه غضبان ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (549) والحاكم (1 / 60) وأحمد (2 / 118) عن يونس بن القاسم اليمامي أن عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي

2273

حدثه أنه لقي عبد الله بن عمر بن الخطاب فقال له: يا أبا عبد الرحمن! إنا بنو المغيرة قوم فينا نخوة، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ذلك شيئا؟ فقال عبد الله بن عمر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". وفي " التلخيص ": " على شرط مسلم ". قلت: وكلاهما خطأ، فإن اليمامي هذا لم يخرج له مسلم، فهو على شرط البخاري وحده. 2273 - " ما من رجل يجرح في جسده جراحة، فيتصدق بها، إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به ". أخرجه أحمد (5 / 316 و 329 و 330) ، وابنه عبد الله عن المغيرة عن الشعبي أن عبادة بن الصامت قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، إذا كان الغيرة - وهو ابن مقسم الضبي - سمعه من الشعبي، فإنه قد وصف بالتدليس، لكن الظاهر من كلام الإمام أحمد أنه إنما كان يدلس عن إبراهيم النخعي فقط، فقد قال أحمد: " حديث مغيرة مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد ومن يزيد بن الوليد والحارث العكلي وعبيدة وغيرهم ". وجعل أحمد يضعف حديث مغيرة عن إبراهيم وحده. ولذلك قوى أبو حاتم حديثه عن الشعبي قال ابنه:

2274

" سألت أبي: مغيرة أحب إليك أو ابن شبرمة في الشعبي؟ فقال: جميعا ثقتان ". ولعله لذلك أخرج الحديث الضياء في " المختارة " من طريق " المسند " (53 / 71 / 1 - 71 / 2) ، وقال المناوي في " التيسير " : " وإسناده صحيح " بناء على منقله في " الفيض " عن المنذري والهيثمي أنهما قالا: " ورجاله رجال الصحيح ". ولا يخفى ما فيه! 2274 - " ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه، إلا كفر الله عنه من سيئاته ". أخرجه الحاكم (1 / 347) وأحمد (4 / 98) وابن أبي الدنيا في " الكفارات " (69 / 1 و 80 / 2) عن طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن معاوية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي. قلت: طلحة بن يحيى، هو التيمي المدني، ولم يخرج له البخاري شيئا، فهو على شرط مسلم وحده على أنه قد تكلم في حفظه، وفي " التقريب ": " صدوق يخطىء ". لكن الحديث صحيح بلا ريب، له شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما من حديث عائشة وغيرها. وأخرج أحمد (6 / 66) عن عبيد الله بن عمير عنها: " أن رجلا تلا هذه الآية: * (من يعمل سوءا يجز به) * (¬1) ، قال: إنا لنجزى بكل عملنا؟ ¬

(¬1) النساء: الآية:. اهـ.

2275

هلكنا إذا، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: نعم، يجزي به المؤمنون في الدنيا في مصيبة في جسده فيما يؤذيه ". وإسناده صحيح على شرط مسلم. 2275 - " ما من عبد إلا وله صيت في السماء، فإذا كان صيته في السماء حسنا وضع في الأرض حسنا، وإذا كان صيته في السماء سيئا وضع في الأرض سيئا ". أخرجه البزار (ص 326 - زوائده) وابن عدي (58 / 2) من طريق أبي الوليد عن أبي وكيع الجراح بن مليح عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. وقال ابن عدي: " ما أعلم رواه عن الأعمش غير أبي وكيع وسعيد بن بشر ". قلت: وفيهما ضعف من قبل حفظهما، لكن أبو وكيع أقوى منه، وقد أخرج له مسلم في " صحيحه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". وسائر الرواة ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد قوي. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 271 ) " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". وقد رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه به نحوه. أخرجه مسلم والترمذي وغيرهما، وقد خرجته في " الضعيفة " تحت الحديث (2207) .

2276

2276 - " ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنا تواب نساء، إذا ذكر ذكر ". رواه الطبراني (3 / 136 / 2) : حدثنا الحسن بن العباس الرازي أخبرنا أحمد بن أبي سريج الرازي أخبرنا علي بن حفص المدائني أخبرنا عبيد المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير الحسن بن العباس الرازي، وهو ثقة، كما قال الخطيب (7 / 397) ، مات سنة تسع وثمانين ومائتين. والظاهر أنه قد توبع، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 201) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " باختصار ، وأحد أسانيد " الكبير " رجاله ثقات ". أقول: فإني لم أره في ترجمة الرازي هذا من " الأوسط ". والله أعلم. 2277 - " ما من عبد يصرع صرعة من مرض، إلا بعثه الله منها طاهرا ". رواه الروياني في " مسنده " (30 / 225 / 2) وعنه ابن عساكر (7 / 19 / 2) : أخبرنا مالك بن عبد الله بن سيف أبو سعد الجيبي - مصري -: أخبرنا عبد الله بن يوسف أخبرنا خالد بن يزيد الدمشقي عن سالم بن عبد الله المحاربي عن سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، من فوق مالك كلهم ثقات معروفون من رجال

2278

" التهذيب " غير سالم بن عبد الله المحاربي، قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 185) عن أبيه: " صالح الحديث ". وأما مالك بن عبد الله التجيبي، فقال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 214) : " سمعت منه بمصر، وكان صدوقا ". وقد توبع كما يأتي. والحديث قال الهيثمي (2 / 302) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". ونقل المناوي عنه أنه قال: " قال سالم بن عبد الله البخاري (كذا) الشامي لم أجد من ذكره، وبقية رجاله ثقات "! كذا قال، وقد عرفناه والحمد لله كما بينا. والحديث أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا في " المرض والكفارات " (ق 195 / 2) والطبراني في " الكبير " ( 8 / 115 / 7485) من طريقين آخرين عن خالد بن يزيد به. 2278 - " ما من نفس تموت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، يرجع ذلك إلى قلب موقن إلا غفر الله لها ". أخرجه ابن ماجة (2 / 419) وابن حبان (5) وأحمد (5 / 229) والحميدي ( 370) عن هصان بن الكاهل عن عبد الرحمن بن سمرة عن معاذ بن جبل مرفوعا. ومن هذا الوجه أخرجه النسائي أيضا في " اليوم والليلة " (1136 - 1139) وكذا ابن أبي شيبة وأحمد بن منيع وأبو يعلى كما في " زوائد البوصيري " (228 / 2) .

2279

قلت: وإسناده حسن إن شاء الله، رجاله ثقات رجال الشيخين غير هصان بن الكاهل، روى عنه ثقتان، وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 512) . وحديثه هذا بمعنى أحاديث أخرى في الباب، بعضها عن معاذ نفسه، منها حديث أنس عنه مرفوعا بلفظ: " من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صادقا من قلبه، دخل الجنة ". أخرجه أحمد (5 / 229) والنسائي (1134) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. 2279 - " ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة ومنزل في النار، فإذا مات فدخل النار، ورث أهل الجنة منزله، فذلك قوله تعالى: * (أولئك هم الوارثون) * (¬1) ". أخرجه ابن ماجة (2 / 595 - آخر حديث فيه) وابن أبي حاتم في " تفسيره " والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 265 - هندية) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وكذا قال البوصيري في " الزوائد " (268 / 1) ، وذكر أنه رواه أبو بكر بن أبي شيبة فى " مسنده ". وعزاه الحافظ في " الفتح " (11 / 442 - السلفية) لأحمد مع ابن ماجة قال: " بسند صحيح ". ولم أره في " المسند " إلا من حديث أبي سعيد نحوه (3 / 3 - ¬

(¬1) المؤمنون: الآية: 10. اهـ.

2280

4) وهو حديث آخر، فيه أن ذلك يقع عند السؤال في القبر، وسنده جيد. وكذلك هو في " المسند " (6 / 140) من حديث عائشة وأبي هريرة، وهو عند ابن ماجة (4268) عن أبي هريرة وحده، وإسناده صحيح كما قال الحافظ والبوصيري في " الزوائد "، ورواه ابن حبان أيضا (781) وغيره. انظر " التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب " (4 / 189) . وهو في " البخاري " (6569) من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: " لا أحد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا ولا يدخل النار أحد إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليكون عليه حسرة " ورواه البيهقي. 2280 - " ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ". أخرجه الترمذي (2401) والحاكم (1 / 346 و 4 / 314) وأحمد (2 / 450) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 91) وكذا ابن أبي الدنيا في " الكفارات " (69 / 1 - 2) وفي " الصبر " (50 / 1) والبزار (ص 82 - زوائده) وأبو يعلى ( 4 / 1414) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط لأن محمد بن عمرو هذا، فيه كلام يسير من قبل حفظه ولم يخرج له مسلم إلا متابعة. لكن الحديث صحيح بما له من شواهد كثيرة معروفة، قد ساق الكثير الطيب منها

2281

الحافظ المنذري في " الترغيب " (4 / 144 - 155) . ومما لم يسقه مرسل عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما زال الله يبتلي العبد حتى يلقاه وما له ذنب ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (87 / 1) : حدثنا خالد بن خداش حدثنا عبد العزيز بن محمد عن سهيل بن أبي صالح عن زيد عن عطاء بن يسار. وهذا إسناد حسن ، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، على ضعف في خالد بن خداش. ثم أخرج (88 / 1) من طريق إبراهيم بن حمزة حدثني عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن يحيى عن أبي الحويرث عن محمد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله ليبتلي عبده بالسقم حتى يكفر عنه بذلك ذنبه كله ". وهذا مرسل أيضا، ورجاله ثقات غير أبي الحويرث، واسمه عبد الرحمن بن معاوية المدني، قال الحافظ: " صدوق سيء الحفظ ". 2281 - " متعها، فإنه لابد من المتاع ولو نصف صاع من تمر ". أخرجه البيهقي (7 / 257) من طريق علي بن عبد الصمد حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع السكوني حدثنا مصعب بن سلام حدثنا شعبة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: " لما طلق حفص بن المغيرة امرأته فاطمة، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لزوجها: متعها، قال: لا أجد ما أمتعها، قال: فإنه لابد من المتاع، قال: متعها ولو نصف صاع من تمر ".

2282

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال " التهذيب " وفي بعضهم كلام، غير علي بن عبد الصمد، وهو أبو الحسن الطيالسي يعرف بـ " علان ماغمة " ترجمه الخطيب، وقال (12 / 28) : " وكان ثقة، مات سنة تسع وثمانين ومائتين ". وتابعه محمد بن علي بن سهيل الحصيب حدثنا أبو همام الوليد بن شجاع به مختصرا. أخرجه الخطيب (3 / 71 - 72) من طريق أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي عنه، وقال: " قال الأزدي: لم يكن هذا الشيخ مرضيا، سرقه، هو عند علي بن أحمد بن النضر، وأصله عن شعبة باطل، إنما هو عن الحسن بن عمارة ". قلت: كذا قال الأزدي، وهو مردود بمتابعة علي بن عبد الصمد الثقة لمحمد بن علي بن سهيل الحصيب، فانتفت شبهة سرقته، واندفع إعلال الأزدي إياه بالسرقة، ولاسيما والأزدي نفسه متكلم فيه، على حفظه! 2282 - " مثل الذي يسترد ما وهب، كمثل الكلب يقيء فيأكل قيئه، فإذا استرد الواهب فليوقف، فليعرف بما استرد، ثم ليدفع إليه ما وهب ". أخرجه أبو داود (2 / 109) وأحمد (2 / 175) عن أسامة بن زيد أن عمرو بن شعيب حدثه عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن على ما تقرر من حال عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وأسامة بن زيد هو الليثي، مولاهم، أبو زيد، وأما العدوي فضعيف.

2283

2283 - " مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا ومثل المنافق كمثل الأرزة المجذية (¬1) على الأرض حتى يكون انجعافها مرة ". رواه البخاري (4 / 40) ومسلم (8 / 136) والدارمي (2 / 310) وأحمد (3 / 454) وأبو عبيد في " الغريب " (18 / 1) عن سفيان عن سعد بن إبراهيم حدثني ابن كعب بن مالك عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وأخرجه الحربي (5 / 203 / 1) مختصرا، وقال: " سمعت ابن الأعرابي يقول: الجاذي على قدميه والجاثي على ركبتيه. وجثا على ركبتيه، وهو الانتصاب ". وأخرجه أحمد (2 / 523) والشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعا بمعناه. وأخرج أحمد أيضا (3 / 349، 387 و 394 - 395) عن ابن لهيعة حدثنا أبو الزبير عن جابر به مرفوعا بلفظ : " مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر ". وهذا سند ضعيف. إلا أنه أخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (1 / 268 - طبع المجمع) من طريق ابن وهب أخبرني ابن لهيعة به . وحديث ابن وهب عن ابن لهيعة صحيح. فلم يبق إلا عنعنة أبي الزبير. ¬

(¬1) القائمة. اهـ.

2284

لكن أخرجه القضاعي (ق 110 / 2) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن جابر مرفوعا به نحوه، وقال: " لا تزال قائمة حتى تنقعر ". وهذا إسناد جيد . وأما ما روى أحمد أيضا (5 / 342) من طريق إسماعيل بن أمية عمن حدثه عن أم ولد أبي بن كعب عن أبي بن كعب: " أنه دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: متى عهدك بأم ملدم وهو حر بين الجلد واللحم؟ قال: إن ذلك لوجع ما أصابني قط، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمن مثل الخامة تحمر مرة، وتصفر أخرى ". فهو ظاهر الضعف لجهالة أم الولد، والراوي عنها الذي لم يسم، وبه أعله الهيثمي (2 / 293) . 2284 - " مثل المؤمن مثل السنبلة، تميل أحيانا وتقوم أحيانا ". ورد من حديث أنس وأبي هريرة: 1 - أما حديث أنس، فله عنه طرق: الأولى: عن ثابت عنه مرفوعا. أخرجه أبو يعلى (2 / 831) وعنه الضياء في " المختارة " (ق 49 / 2) والبزار في " مسنده " (ص 82 - زوائده) والبغوي في " حديث هدبة بن خالد " (1 / 246 / 2) والرامهرمزي في " الأمثال " (62 / 2) عن هدبة بن خالد حدثنا عبيد بن مسلم صاحب السابري عنه. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد هذا، فترجمه ابن

أبي حاتم (3 / 1 / 3) برواية أبي عاصم النبيل أيضا وأحمد بن زياد بن سيار السياري عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو على شرط ابن حبان فلعله في " ثقاته ". ثم طبع الكتاب، وهو فيه (7 / 158) برواية التبوذكي، موسى بن إسماعيل، فهؤلاء ثقات ثلاثة رووا عنه: هذا والنبيل وهدبة. الثانية: عن قتادة عنه. أخرجه البزار أيضا وأبو بكر المعدل في " اثنا عشر مجلسا من الأمالي " (2 / 1) عن فهد بن حيان حدثنا همام عنه. قلت: ورجاله ثقات، غير فهد بن حيان، فإنه ضعيف. الثالثة: عن أبي سفيان عنه نحوه. أخرجه البزار أيضا عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عنه. وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال " الصحيح ". الرابعة: عن حميد عنه به. أخرجه ابن عدي (148 / 1) ، والأصبهاني في " الترغيب " (10 / 2) عن أبي يحيى الوقار حدثنا مؤمل بن عبد الرحمن عنه. وقال : " وأبو يحيى الوقار زكريا بن يحيى يضع الحديث. ومؤمل أيضا فيه ضعف، ولعل البلاء أيضا منه ". قلت: فهذه الطريق لا يستشهد بها لشدة ضعفها، وفيما قبلها من الطرق غنية. 2 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه محمد بن دينار عن داود بن أبي هند عن الشعبي عنه مرفوعا. أخرجه الضياء في " الأحاديث والحكايات " (12 / 206 / 1 - 2) ، ومحمد بن دينار هذا هو الطاحي، صدوق سيء الحفظ.

2285

ومن فوقه ثقات على شرط مسلم . وهو في " الصحيحين " نحوه كما تقدم في الذي قبله. وكذلك رواه ابن حبان في " صحيحه " (2904 - الإحسان) . 2285 - " مثل المؤمن مثل النخلة، ما أخذت منها من شيء نفعك ". رواه الطبراني (3 / 204 / 1) : حدثنا محمد بن الفضل السقطي أخبرنا سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن أبي بشر عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا. ثم رواه (204 / 2) عن شريك عن سلمة بن كهيل عن مجاهد به دون الشطر الثاني منه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير السقطي هذا وهو ثقة كما قال الخطيب (3 / 153) . وفي الطريق الأخرى عن شريك، وهو ابن عبد الله القاضي سيء الحفظ، يستشهد به. 2286 - " مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره؟ ". روي من حديث أنس وعمار بن ياسر وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو. 1 - أما حديث أنس فله عنه أربعة طرق. الأولى: عن حماد بن يحيى الأبح عن ثابت البناني عنه مرفوعا.

أخرجه الترمذي (2873) والطيالسي (2 / 197) وأحمد ( 3 / 130 و 143) وابن عدي (74 / 1) وابن الضريس في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الفراهيدي " (6 / 1) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص 83 - ظاهرية) والبيهقي في " الزهد الكبير " (ق 46 / 1) من طرق عنه. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: وحماد بن يحيى صدوق يخطىء كما في " التقريب "، فهو حسن الحديث لغيره على الأقل. وقد تابعه هدبة بن خالد حدثنا عبيد بن مسلم السابري عن ثابت. وإبراهيم بن حمزة بن أنس حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت به. أخرجهما الرامهرمزي في " الأمثال " (82 / 2) . والسابري هذا وثقه ابن حبان، وروى عنه ثلاثة من الثقات كما تقدم بيانه تحت الحديث (2284) ، فالسند جيد. وإبراهيم بن حمزة بن أنس لم أعرفه. فالحديث بهذه الطرق عن ثابت صحيح. الثانية: عن محمد بن المغيرة - يعرف بحمدان السكري -: حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي عن مالك بن أنس عن الزهري عنه. أخرجه السلفي في " معجم السفر " ( 212 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (12 / 221 / 1) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (91 / 1) . والرازي هذا قال أبو حاتم: " صدوق ". وقال ابن حبان:

" كان يهم ويخطىء على الثقات ". وذكر الدارقطني في " الغرائب " أنه تفرد بهذا الحديث عن مالك، وأنه وهم فيه ودخل عليه حديث في حديث كما في " اللسان ". ومحمد بن المغيرة قال السليماني: " فيه نظر ". الثالثة: عن خليد بن دعلج عن قتادة عنه. أخرجه ابن عدي (120 / 1) . وخليد ضعيف. الرابعة: عن عبيد الله بن تمام حدثنا يونس بن عبيد عن الحسن عنه. أخرجه ابن عدي أيضا (237 / 1) ، وقال: " عبيد الله بن تمام في بعض ما يرويه مناكير، وهذا لا يتابعه ثقة عليه ". 2 - حديث عمار، فله عنه طريقان: الأولى: عن الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة عن عبيد بن سلمان الأغر عن أبيه عنه. أخرجه ابن حبان (2307) والبزار ( 2843 - الكشف) والرامهرمزي في " الأمثال " والبيهقي في " الزهد " والشاموخي في " جزئه " (رقم 10) ، وقال البزار " هذا الإسناد أحسن ما يروى في هذا عن عمار ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عبيد بن سلمان الأغر، وهو صدوق وفي فضيل بن سليمان وهو النميري ضعف من قبل حفظه كما في " التقريب ": " صدوق ، له خطأ كثير ".

فهو إسناد حسن لغيره، ويحتمل التحسين لذاته، فيكون صحيحا لغيره. والأخرى: عن زياد أبي عمر عن الحسن عنه. أخرجه أحمد (4 / 319) . وهذا إسناد جيد رجاله ثقات لولا أن الحسن - وهو البصري - مدلس، وقد عنعنه. وفي زياد - وهو ابن أبي أسلم - كلام يسير. وخالفه إسماعيل بن نصر فقال: حدثنا عباد بن راشد عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا به. فجعله من مسند عمران . أخرجه البزار، وقال: " لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد أحسن من هذا، ولا نعلمه يروى عن عمران إلا من هذه الطريق ". وقال الهيثمي ( 10 / 68) : " رواه البزار وإسناده حسن (!) والطبراني في (الأوسط) ". 3 - وأما حديث ابن عمر، فيرويه عيسى بن ميمون قال: أخبرنا بكر بن عبد الله المزني عنه به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 231) عن أبي عاصم، والسهمي في " تاريخ جرجان " (386) عن محمد بن أبان، والقضاعي في " مسند الشهاب " (110 / 1) عن معلى بن أسد، ثلاثتهم عن عيسى بن ميمون. قلت: وهذا إسناد صحيح، فإن عيسى بن ميمون الذي روى عنه أبو عاصم هو الجرشي المكي صاحب التفسير، وهو ثقة. وبكر بن عبد الله المزني تابعي ثقة جليل.

2287

4 - وأما حديث علي، فرواه أبو يعلى كما في " الجامع ". 5 - وأما حديث ابن عمرو، فرواه الطبراني في " المعجم الكبير ". وبالجملة، فالحديث صحيح بلا ريب بمجموع هذه الطرق، ولذلك جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم العلامة ابن القيم في " إعلام الموقعين " (2 / 358) ، وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (7 / 4 - 5) : " وهو حديث حسن، له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة ". قلت: بل هو صحيح يقينا كما بينته من هذا التخريج. 2287 - " قال الله تعالى: يا ابن آدم! قم إلي أمش إليك، وامش إلي أهرول إليك ". أخرجه أحمد (3 / 478) عن أبي وائل عن سريج قال: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير سريج، كذا وقع في الأصل بالسين المهملة والجيم في آخره، وهو تصحيف، والصواب " شريح " بالمعجمة وبالمهملة آخره، وهو ابن الحارث بن قيس النخعي الكوفي، ثقة مخضرم. وللحديث شواهد صحيحة من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك وأبي ذر الغفاري وأبي سعيد الخدري. 1 - أما حديث أبي هريرة، فأخرجه أحمد (2 / 251، 413، 480، 482، 500، 509 ، 524، 535) والبخاري (4 / 452، 453) ومسلم (8، 62، 63 / 67، 91) والترمذي (2 / 280) وصححه، وابن ماجة (3822) . 2 - وأما حديث أنس، فأخرجه أحمد (3 / 122، 127، 130، 138، 272،

2288

283) والبخاري (4 / 494) . 3 - وأما حديث أبي ذر، فأخرجه أحمد (5 / 153، 169) ومسلم (8 / 67) وابن ماجة (3821) ومضى لفظه وتخريجه أيضا برقم (581) . 4 - وأما حديث أبي سعيد الخدري، فيرويه عطية عنه. أخرجه أحمد (3 / 40) . 2288 - " إن مثل المؤمن كمثل القطعة من الذهب، نفخ فيها صاحبها فلم تغير ولم تنقص، والذي نفسي بيده، إن مثل المؤمن كمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا ووقعت فلم تكسر ولم تفسد ". أخرجه أحمد (2 / 199) والرامهرمزي في " الأمثال " (50 / 1 - 2) والأصبهاني في " الترغيب " (11 / 2) عن مطر عن عبد الله بن بريدة عن أبي سبرة حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وزاد في أوله: " إن الله يبغض الفحش والتفحش، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخون الأمين ويؤتمن الخائن حتى يظهر الفحش والتفحش وقطيعة الأرحام وسوء الجوار ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو سبرة لم يوثقه غير ابن حبان، وقال ابن معين: " لا أعرفه ". ومطر هو ابن طهمان الوراق، صدوق كثير الخطأ، كما في " التقريب ". لكن تابعه على الزيادة المذكورة حسين المعلم حدثنا عبد الله بن بريدة به. أخرجه أحمد (2 / 162 - 163 ) وتابعه على الحديث كله قتادة عن عبد الله بن بريدة به.

أخرجه الحاكم (4 / 513) وقال: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! ثم وجدت له طريقا أخرى يتقوى بها إن شاء الله تعالى، فقال البزار في " مسنده " (ص 238 - زوائده) : حدثنا يوسف بن موسى حدثنا عبد الرحمن بن مغراء عن الأعمش عن أيوب عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش وقطيعة الرحم وسوء الجوار، (ويخون) الأمين، قيل: يا رسول الله! فكيف المؤمن؟ قال: كالنحلة، وقعت فلم تفسد وأكلت فلم تكسر ووضعت طيبا ". وقال البزار: " لا نعلم إلا هذا الطريق، ولا روى الأعمش عن أبي أيوب، إلا هذا الإسناد ". قلت : كذا وقع هنا: " أبي أيوب "، وفيما تقدم: " أيوب " بإسقاط أداة الكنية ويغلب على الظن أن الصواب إثباتها لقول البزار السابق: " ولا روى الأعمش عن أبي أيوب إلا هذا الإسناد ". ومن المعلوم أن الأعمش كثير الرواية عن أيوب - وهو السختياني - حتى إنهم لما ذكروا الرواة عنه ذكروه أولهم، فلو كان الصواب أن شيخ الأعمش في هذا الإسناد هو أيوب لم يقل البزار ذلك. فإذن من هو أبو أيوب فيه؟ الذي يظهر لي أنه أبو أيوب المراغي الأزدي البصري، روى عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمرو، وهو ثقة من رجال الشيخين. وقد سبق الكلام على هذه الطريق بزيادة فائدة تحت الحديث (2253) . ولبعضه طريق أخرى يرويه عمار بن محمد عن عبد السلام بن مسلم أبي مسعود عن منصور بن زاذان عن أبي جحيفة عن عبد الله بن عمرو بلفظ:

2289

" من أشراط الساعة أن يؤتمن الخائن ويخون الأمين ". أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " (ص 31) . ورجاله ثقات غير عبد السلام هذا فلم أعرفه. 2289 - " مررت بجبريل ليلة أسري بي بالملإ الأعلى، وهو كالحلس البالي من خشية الله عز وجل ". رواه محمد بن العباس البزار في " حديثه " (116 / 2) : حدثنا العباس بن الفضل ابن رشيد الطبري قال: حدثنا عمر بن عثمان الكلابي قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو بن عبد الكريم عن عطاء عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير عمرو بن عثمان الكلابي (والأصل: عمر كما ترى وهو خطأ) ، وهو ضعيف كما في " التقريب ". والعباس بن الفضل بن رشيد الطبري، قال الدارقطني: " صدوق " وله ترجمة في تاريخ بغداد (12 / 147) . والحديث، قال السيوطي في " الخصائص الكبرى " (1 / 158) : " أخرجه ابن مردويه والطبراني في " الأوسط " بسند صحيح عن جابر ". قلت: ولعل مستند السيوطي في التصحيح قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 78) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح ". قلت: فإن كان هذا مستنده، فهو غير قوي لأن قول المحدث : " رجاله رجال الصحيح " لا يساوي قوله: " إسناده صحيح "، لأن الأول إنما يعني أن إسناده توفر فيه شرط من شروط الصحة، وهو كون رجاله ثقات رجال الصحيح ، وليس يعني أنه سالم من

2290

علة قادحة كالتدليس والانقطاع وغير ذلك، بخلاف القول الآخر. فتنبه. على أن عمرا ليس من رجال (الصحيح) . ويحتمل أن يكون طريق الطبراني ليس فيه عمرو بن عثمان الكلابي، فقد وجدت له متابعا، أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 621 - بتحقيقي) : حدثنا أيوب الوزان حدثنا عروة بن مروان حدثنا عبيد الله بن عمرو وموسى بن أعين عن عبد الكريم به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات من رجال " التهذيب "، غير عروة بن مروان - وهو الرقي - ذكره ابن أبي حاتم (3 / 1 / 398) بروايته عن جمع آخر من الثقات، ورواية أيوب هذا فقط عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكن ترجمه في " الميزان " و" اللسان " برواية جمع آخر عنه، منهم يونس بن عبد الأعلى. وقال عنه الدارقطني: " ليس بالقوي في الحديث ". فهو ممن يستشهد به. والله أعلم. ثم وقفت على إسناد " الأوسط "، فإذا هو من طريق عمرو، قال (1 / 287 / 2 / 4817 ) : حدثنا أبو زرعة أخبرنا عمرو بن عثمان به. وهذه متابعة قوية للعباس بن الفضل من أبي زرعة، وهو عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي الحافظ الثقة. وأيوب هو ابن محمد بن زياد الوزان الرقي، وهو ثقة. وبالجملة، فالحديث بمجموع الطريقين حسن أو صحيح. والله أعلم. 2290 - " ملعون من سأل بوجه (الله) وملعون من يسأل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأله هجرا ". رواه ابن عساكر (8 / 397 / 2) عن محمد بن هارون الروياني أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن أخبرنا عمي - يعني ابن وهب -: حدثني عبد الله بن عياش عن أبيه أن يزيد بن

المهلب لما ولي خراسان قال: دلوني على رجل كل لخصال الخير، فدل على أن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، فما جاءه رآه رجلا فائقا، فلما كلمه رأى مخبرته أفضل من مرآته، قال: إني وليتك كذا وكذا من عملي، فاستعفاه فأبى أن يعفيه، فقال: أيها الأمير! ألا أخبرك بشيء حدثنيه أبي أنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هاته، قال: إنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من تولى عملا وهو يعلم أنه ليس لذلك العمل أهل فليتبوأ مقعده من النار "، قال: وأنا أشهد أيها الأمير! أني لست بأهل لما دعوتني إليه، فقال له يزيد: ما زدت إلا أن حرضتني على نفسك ورغبتنا فيك، فأخرج إلى عهدك فإني غير معفيك، ثم فخرج (كذا الأصل ولعل الصواب: فخرج ثم) أقام فيه ما شاء الله أن يقيم، واستأذنه بالقدوم عليه، فأذن له، فقال: أيها الأمير! ألا أحدثك بشيء حدثنيه أبي أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال هاته، قال: (فذكره) ، قال: وأنا أسألك بوجه الله ألا ما أعفيتني أيها الأمير! من عملك. فأعفاه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، وفي عبد الله بن عياش ضعف من قبل حفظه، ومثله أحمد بن عبد الرحمن. ولكن هذا قد توبع فيما يبدو لي من قول المنذري في تخريجه لهذا الحديث في " الترغيب " (2 / 17) ، فإنه قال: " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا شيخه يحيى بن عثمان بن صالح، وهو ثقة ". قلت: وهو من طبقة أحمد بن عبد الرحمن، فالظاهر أنه متابع له. وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 103) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وإسناده حسن، على ضعف في بعضه مع توثيق ". قلت: وكأنه يشير إلى عبد الله بن عياش. والله أعلم.

2291

وكذلك حسنه الحافظ العراقي، وتبعه السيوطي كما في " المناوي ". وقد روي عن ابن عياش على وجه آخر، فقال الدولابي في " الكنى " (1 / 43) : حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: أنبأ عبد الله بن وهب قال : حدثني عبد الله بن عياش عن عبد الله بن الأسود عن أبي معقل بن أبي مسلم عن أبي عبيدة مولى رفاعة بن رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر الشطر الثاني منه. وذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 448) في ترجمة أبي معقل بن أبي مسلم بتمامه من طريق ابن وهب به، وقال: " سمعت أبا زرعة يقول: أبو معقل لا يسمى، وأبو عبيدة ليست له صحبة ". وعبد الله بن الأسود لم أجد من ذكره. وأشار إلى ذلك الهيثمي بقوله: " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه من لم أعرفه ". 2291 - " من أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن، تقضي عنه دينا، تقضي له حاجة، تنفس له كربة ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 452 / 2) من طريقين عن أبي العباس محمد بن يعقوب حدثنا الحسن بن علي بن عثمان - لعله عفان -: حدثنا الحسن بن علي الجعفي عن سفيان بن عيينة عن ابن المنكدر يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. قال سفيان: وقيل لابن المنكدر فما بقي مما يستلذ؟ قال: الإفضال على الإخوان. قلت: وهذا إسناد مرسل، رجاله ثقات، غير الحسن بن علي الجعفي، فلم أعرفه، ومن المحتمل أنه الحسن بن عطية القرشي الكوفي، فإنه من شيوخ علي بن الحسن، ونسخة " الشعب " سيئة، فإن يكن هو، فهو صدوق كما قال أبو حاتم، ويحتمل أنه الحسن بن علي بن الوليد الجعفي، فإنه من هذه الطبقة، ولعله أقرب ، وهو ثقة، فإن

2292

ثبت هذا فالإسناد صحيح مرسل. والحسن بن علي بن عثمان أظنه ابن عفان تحرف على الناسخ إلى ابن عثمان، وابن عفان ثقة. وللحديث شاهد من حديث ابن عمر بسند حسن سبق تخريجه برقم (906) . 2292 - " من اقتراب الساعة انتفاخ الأهلة، وأن يرى الهلال لليلة، فيقال: هو ابن ليلتين ". أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 182 ورقم 1130 - الروض النضير) وفي " الأوسط " أيضا (2 / 130 / 1 / 7007) و " مسند الشاميين " (ص 642) : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن الأزرق الأنطاكي - بأنطاكية -: حدثنا أبي حدثنا مبشر بن إسماعيل عن شعيب بن أبي حمزة عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: " تفرد به مبشر ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين وكذا من فوقه، فالإسناد جيد لولا أن الأنطاكي وأباه لم أعرفهما، وهما على شرط ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ولم أرهما فيه ، وفي نسخة الظاهرية منه خرم. لكن الظاهر من ربط الطبراني التفرد بمبشر بن إسماعيل أن شيخه وأباه لم يتفردا به. والله أعلم. وفي " مجمع الزوائد " ( 3 / 146) : " رواه الطبراني في " الصغير "، وفيه عبد الرحمن بن الأزرق الأنطاكي، ولم أجد من ترجمه ". قلت: وفاته في " الأوسط " أيضا، وقد استفدنا منه تصحيح اسم ابن محمد شيخ الطبراني، فقد وقع في النسخ المطبوعة من " الصغير ": " عبد الله بن عبد الرحمن بن

الأزرق ". فالصواب حذف: " عبد الله "، فهو: " محمد بن عبد الرحمن بن الأزرق "، فإنه الموافق لما في " الأوسط " و " المسند ". لكن الحديث صحيح عندي على كل حال، فإن له شواهد تقويه: الأول: عن أنس مرفوعا به، وزاد: " وأن تتخذ المساجد طرقا وأن يظهر موت الفجأة ". أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 233) ومن طريقه الضياء في " الأحاديث المختارة " (ق 161 / 2) عن شريك عن العباس بن ذريح عن الشعبي عنه. وقال الطبراني: " لم يروه عن الشعبي إلا العباس، ولا عنه إلا شريك ". قلت: وهو سيء الحفظ، وقد خولف، فقد قال الضياء: " قال الدارقطني: وغيره يرويه عن الشعبي مرسلا ". قلت: رواه كذلك حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن الشعبي مرفوعا دون الزيادة. أخرجه أبو عمرو الداني في " الفتن " (52 / 2 و 53 / 2) من طريقين عن حماد به. وهذا إسناد مرسل حسن، لما عرف من حال ابن بهدلة. الثاني: عن عبد الله بن مسعود مرفوعا دون قوله: " وأن يرى ... ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 78 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (238 ) وابن عدي (231 / 2 و 237 / 2) وتمام في " الفوائد " (41 / 1) عن عبد الرحمن بن يوسف عن سليمان بن مهران عن شقيق بن سلمة عنه. وقال العقيلي: " عبد الرحمن بن يوسف مجهول في النسب والرواية، والحديث غير محفوظ، ولا

يعرف إلا به ". وقال ابن عدي: " ليس بمعروف، والحديث منكر عن الأعمش بهذا الإسناد، ولا أعرف لعبد الرحمن غيره ". الثالث: عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، مثل رواية الشعبي. أخرجه الداني أيضا عن (أبي) داود عن عمارة بن مهران قال: سمعت الحسن به. وهذا مرسل حسن أيضا. الرابع: عن أبي سعيد الخدري موقوفا عليه. أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " ( 195 / 2) وعنه الداني أخبرنا أبو رفاعة (يعني عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب العدوي) : حدثنا أبو حذيفة عن سفيان عن عثمان بن الحارث عن أبي الوداك عنه. وهذا إسناد رجاله ثقات معروفون، غير أبي رفاعة، فلم أجد له ترجمة. الخامس: عن طلحة بن أبي حدرد قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 345) : أخبرنا يعقوب أخبرنا محمد بن معن عن عمه عنه. قلت: وهذا إسناد مجهول، أورده البخاري في ترجمة طلحة بن أبي حدرد ، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع ابن أبي حاتم (2 / 1 / 472) ، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (4 / 394) . وعم محمد بن معن لم أعرفه. ولعل قوله: " عمه "، محرف من: " أبيه "، فإن البخاري وغيره ذكروا له رواية عن

أبيه، وليس عن عمه، وثقه ابن حبان (7 / 412) ، وروى عنه آخران. ويعقوب هو ابن كاسب. وبالجملة، فهذه الطرق وإن كانت لا تخلو من ضعف، فبعضها يتقوى ببعض كما قال السخاوي في " المقاصد الحسنة " (1 / 433) . وقد بقي الكلام على الزيادة المتقدمة في حديث أنس: " وأن تتخذ المساجد طرقا، وأن يظهر موت الفجاءة ". فاعلم أن الشطر الأول منها له شاهد من حديث ابن مسعود قال: " من أشراط الساعة أن يمر الرجل في المسجد فلا يركع ركعتين ". أخرجه عبد الرزاق (1678) عن معمر عن أبي إسحاق وغيره من أهل الكوفة عنه. وأخرجه ابن أبي شيبة (1 / 339) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 36 / 2) عن عبد الأعلى بن الحكم عن خارجة بن الصلت البرجمي عنه قال: " من اقتراب الساعة أو من أشراط الساعة أن تتخذ المساجد طرقا ". ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (4 / 446 ) مرفوعا، وله عنده تتمة، وقال: " صحيح الإسناد ". قلت: وتعقبه الذهبي بما لا طائل تحته، بل إنه خلط بين هذا الإسناد وبين إسناد آخر قبله. وهذا لا يحتمل الصحة، وإنما الحسن فقط، لأن عبد الأعلى - وهو ابن الحكم - ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 25) برواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو على شرط ابن حبان، فلعله أخرجه في " ثقاته "، فليراجع. ويقويه أن له طريقا أخرى عن ابن مسعود، يرويه منصور عن سالم بن أبي الجعد قال: دخل ابن مسعود المسجد، فقال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" إن من أشراط الساعة أن يمر الرجل في طول المسجد وعرضه لا يصلي فيه ركعتين ". أخرجه الطبراني وقال: " هكذا رواه منصور، ووصله قتادة ". قلت: لكن إسناده إلى قتادة ضعيف وفيه زيادة منكرة، كما بينته في الكتاب الآخر (4514) . وأما الزيادة الأخرى: " وأن يظهر موت الفجأة ". فقد وجدت لها طريقا أخرى عن أنس. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (6780) وابن عدي في " الكامل " (83 / 1) والدينوري في " المنتقى من المجالسة " (270 / 2) عن الحسن بن عمارة عن الحواري بن زياد عنه مرفوعا: " من اقتراب الساعة أن يفشو الفالج، وموت الفجأة ". لكن ابن عمارة هذا متروك. إلا أنها قد ثبتت في مرسل الشعبي المتقدم ، رواه محمد بن يحيى عن أبيه عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن الشعبي مرفوعا. أخرجه أبو عمرو الداني في " الفتن " (52 / 1 و 53 / 1) . وهذا إسناد مرسل حسن، محمد بن يحيى هو ابن سعيد بن فروخ القطان، وهو ثقة. وأما أبوه فحافظ ثقة إمام، ومن فوقهم معروفون، فإذا ضم إليه حديث أنس صارت هذه الزيادة منه في مرتبة الحسن إن شاء الله.

2293

2293 - " منا الذي يصلي عيسى بن مريم خلفه ". عزاه السيوطي في " الجامع " لأبي نعيم في " كتاب المهدي " عن أبي سعيد وقال المناوي: " وفيه ضعف ". وأقول: لم يتيسر لي حتى الآن الوقوف على إسناده، ومع ذلك فالحديث عندي صحيح لأنه جاء مفرقا في أحاديث. أما أنه من أهل البيت، ففيه ثلاثة أحاديث: الأول: من حديث أم سلمة. أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " الضعيفة " تحت الحديث (80) ، وفي " الروض النضير " (2 / 54) . الثاني: من حديث علي، وهو مخرج في " الروض " أيضا (2 / 53) . الثالث: من حديث أبي سعيد، وهو مخرج في " الروض " أيضا وفي " المشكاة " (5454) . وأما صلاته بعيسى عليه السلام، ففيه حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا. " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة ، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال: صل لنا، فيقول لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله هذه الأمة ". أخرجه مسلم وغيره، وقد سبق تخريجه برقم (1960) . وله شاهد من حديث عثمان بن أبي العاص مرفوعا بالشطر الثاني مطولا.

2294

أخرجه أحمد (4 / 216 - 217) والحاكم (4 / 478 ) وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بأن المحفوظ أنه من رواية علي بن زيد بن جدعان وحده. يعني وهو ضعيف. وفي الباب أحاديث أخرى فيها التصريح بأن الإمام الذي يصلي خلفه عيسى عليه السلام إنما هو المهدي، تراها في " العرف الوردي " للسيوطي (ص 81، 83، 84) ، وقد مضى منها حديث جابر قريبا (2236) . وختم السيوطي ذلك بما نقله عن أبي الحسن السحري (!) : " قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم بمجيء المهدي وأنه من أهل بيته، ... وأنه يخرج مع عيسى بن مريم، فيساعده على قتل الدجال ... وأنه يؤم هذه الأمة، وعيسى يصلي خلفه ... ". 2294 - " من آذى المسلمين في طرقهم، وجبت عليه لعنتهم ". رواه أبو بكر الشافعي في " مسند موسى بن جعفر بن محمد الهاشمي " (71 / 2) عن موسى بن إبراهيم أخبرنا موسى بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وموسى بن إبراهيم هذا متروك. لكن له طريقا أخرى رواه الطبراني (1 / 312 / 1 ورقم 3050 - طبعة بغداد) عن شعيب بن بيان حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أبي الطفيل عن حذيفة بن أسيد مرفوعا. قلت: وشعيب هذا ضعيف، وفي " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وقال المنذري في " الترغيب " (1 / 83) :

2295

" رواه الطبراني في " الكبير " بإسناد حسن ". طريق ثالث عن زكريا بن حكيم الحبطي حدثنا عطاء بن السائب عن أبي الطفيل عن أبي ذر مرفوعا. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 129) وابن عدي (148 / 1) وقال: " لا أعلم يرويه بهذا الإسناد غير زكريا، وهو في جملة الذين يجمع حديثهم ". قلت: وبالجملة ، فالحديث بهذا الشاهد لا ينزل عن مرتبة الحسن. والله أعلم. 2295 - " من آذى عليا فقد آذاني ". روي عن جمع من الصحابة: الأول: عن عمرو بن شاس. رواه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 307) والفسوي في " المعرفة " (1 / 329 - 330) وأحمد (3 / 483) وابن حبان (2202 ) والحاكم (3 / 122) وصححه، ووافقه الذهبي (!) وابن عساكر (12 / 109 / 2) عن محمد بن إسحاق حدثني أبان بن صالح حدثني الفضل بن معقل عن عبد الله بن نيار الأسلمي عنه. ثم روى ابن عساكر من طريق موسى بن عمير عن عقيل بن نجدة بن هبيرة عن عمرو بن شاس به. قلت: في الطريق الأولى الفضل بن معقل - وهو ابن سنان الأشجعي - ذكره ابن أبي حاتم (3 / 2 / 67) من رواية أبان هذا فقط، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وفي الطريق الأخرى عقيل بن نجدة، لم أجد من ذكره . وموسى بن عمير، إن كان القرشي الأعمى فهو متروك، وإن كان التميمي العنبري فهو ثقة. الثاني: عن سعد بن أبي وقاص رواه الهيثم بن كليب في " المسند " (15 / 2) وأبو يعلى (رقم 770) والبزار (2562) والقطيعي في زيادته على " فضائل الصحابة "

2296

(1078) ، وابن عساكر عن قنان النهمي حدثنا مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد حسن، قنان هو ابن عبد الله النهمي، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال النسائي: " ليس بالقوي ". الثالث: جابر بن عبد الله: رواه ابن عساكر، وكذا السهمي في " تاريخ جرجان " (325) عن إسماعيل بن بهرام الكوفي حدثني محمد بن جعفر عن أبيه عن جده عن جابر مرفوعا بمعناه. قلت: إسماعيل هذا صدوق، توفي سنة (241) من شيوخ ابن ماجة. لكن محمدا هذا - وهو ابن جعفر الصادق - تكلم فيه. وبالجملة، فالحديث صحيح بمجموع هذه الطرق. (تنبيه) : لقد تكلم صاحبنا وصي الله بن محمد بن عباس في تعليقه على " الفضائل " بكلام جيد على الحديث، من الطريقين الأولين، ولكنه بعد أن ضعف الأولى، وحسن الأخرى، عاد فذهل فقال عقب الأخرى: " ومضى برقم ( 981) بإسناد صحيح عن عمرو بن شاس نحوه "! وأما المعلق على أبي يعلى فعلق تحسين إسناده بسماع قنان من مصعب، مع أنه صرح بالتحديث في أبي يعلى وغيره! 2296 - " من أثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم على الله وجبت له الجنة ". رواه ابن عساكر (14 / 354 / 1) عن عمرو بن الحارث أن أبا عشانة المعافري حدثه أنه سمع عقبة بن عامر الجهني يقول: فذكره مرفوعا.

2297

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأبو عشانة بضم المهملة وتشديد المعجمة اسمه حي بن يومن، ثقة مشهور بكنيته. وعمرو بن الحارث من رجال الشيخين. وقد تابعه ابن لهيعة قال: حدثنا أبو عشانة به. أخرجه أحمد (4 / 144) . وابن لهيعة سيء الحفظ، لكن متابعة عمرو بن الحارث إياه تدل على أنه قد حفظ، والظاهر أن الطبراني أيضا أخرجه من طريق عمرو، فقد قال الهيثمي (3 / 5 - 6) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " ورجال الطبراني ثقات ". ثم تحقق ما استظهرته بعد طبع المجلد السابع عشر من " كبير الطبراني " (300 / 829) . وللحديث شواهد كثيرة تؤكد صحته، منها الحديث الآتي برقم (2302) وما يشار إليه تحته، وفيه زيادة هامة. 2297 - " من أجل سلطان الله أجله الله يوم القيامة ". رواه ابن أبي عاصم في السنة (99 / 2) عن ابن لهيعة عن أبي مرحوم عن رجل من بني عدي عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل جهالة الرجل الذي لم يسم، وضعف ابن لهيعة. لكن له طريق أخرى، يرويه حميد بن مهران: حدثنا سعد بن أوس عن زياد بن كسيب العدوي عن أبي بكرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

2298

" من أكرم سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أكرمه الله يوم القيامة، ومن أهان سلطان الله تبارك وتعالى في الدنيا أهانه الله يوم القيامة ". أخرجه أحمد (5 / 42، 48 - 49) بهذا التمام والطيالسي (2 / 167) الشطر الثاني منه، ومن طريقه ابن حبان في " الثقات " (4 / 259) وكذا الترمذي (2225) وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: ورجاله ثقات، إلا أن زياد بن كسيب لم يوثقه غير ابن حبان، وفي ترجمته ساق الحديث، وقد روى عنه مستلم بن سعيد أيضا كما في " التهذيب ". وقال في " التقريب ": " مقبول ". قلت: يعني عند المتابعة، وقد توبع على الشطر الأول منه في الطريق الأولى، فالحديث حسن عندي. والله أعلم. 2298 - " قتال المؤمن كفر وسبابه فسوق ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام ". أخرجه أحمد (1 / 176) والطبراني (1 / 18 / 2) والضياء في " المختارة " ( 1 / 338) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أبي إسحاق عن عمر بن سعيد حدثنا سعد بن أبي وقاص مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الصحيحين غير عمر بن سعد، وهو صدوق. وقد تابعه على الجملة الأخيرة منه أخوه محمد بن سعد بن أبي وقاص.

2299

أخرجه أحمد (1 / 183) وأبو يعلى (1 / 206) والطبراني أيضا ، والضياء (1 / 345) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق أيضا عنه. وأبو إسحاق مدلس مع اختلاطه. لكن الحديث صحيح، فإن هذه الجملة لها شاهد من حديث أبي أيوب الأنصاري عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (2089) . وما قبله له شاهد من حديث ابن مسعود عند البخاري ومسلم (1 / 58) . 2299 - " من أحب أن تسره صحيفته، فيكثر فيها من الاستغفار ". أخرجه الضياء في " المختارة " (1 / 297) من طريق الطبراني حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا عتيق بن يحيى الزبيري حدثنا ابنا المنذر عبيد الله ومحمد عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير بن العوام مرفوعا، وقال الطبراني: " لا يروى عن الزبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به عتيق بن يعقوب ". قلت: محمد بن المنذر - وهو ابن الزبير بن العوام - أورده ابن أبي حاتم (4 / 1 / 97) وكذا البخاري (1 / 1 / 243) وابن حبان في " ثقاته " (7 / 405) من رواية فليح بن محمد عنه عن أبيه. ولم يزد عليه. فهو مجهول الحال لرواية عتيق أيضا عنه. لكن ذكره ابن حبان أيضا في مكان آخر (7 / 437) بروايته عن هشام بن عروة، وعنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، وكناه بأبي زيد، وقال: " ربما أخطأ ". وقد تابعه أخوه عبيد الله كما ترى، ولكني لم أجد من ذكره إلا ابن حبان في " الثقات " (7 / 152) برواية عتيق هذا فقط عنه. وعتيق بن يحيى ، كذا في الأصل وهو خطأ، والصواب: ابن يعقوب كما في " الجرح والتعديل " ( 3 / 2 / 46) و " اللسان "، وذكر في الرواة عنه أحمد بن يحيى

2300

الحلواني هذا، وقد وثقه الدارقطني، وكذا أبو زرعة حيث روى عنه. والحلواني هذا روى عنه جمع من الحفاظ كأحمد وابن معين وغيرهما، ووثقه جمع، ذكرهم الخطيب في " تاريخه " (5 / 212 - 213) . قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 208) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ". وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 268) : " رواه البيهقي بإسناد لا بأس به ". ثم رأيت الحديث في " زوائد المعجمين " (ص 465 - نسخة الحرم المكي) ، وفيه " عتيق بن يعقوب " على الصواب . والحمد لله على توفيقه. وكذلك وقع في " شعب الإيمان " (1 / 364) للبيهقي من طريق الحلواني. ثم رجعت إلى " المعجم الأوسط "، فوجدت الحديث فيه (1 / 48 / 826) على الصواب أيضا، والحمد لله رب العالمين. 2300 - " من سره أن يجد طعم الإيمان فليحب المرء لا يحبه إلا لله عز وجل ". أخرجه الطيالسي (2495) وأحمد (2 / 298، 520) والبزار (1 / 50 / 63) من طرق عن شعبة أخبرني يحيى بن أبي سليم سمعت عمرو بن ميمون عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن أبي سليم وهو أبو بلج الفزاري الواسطي، وهو صدوق ربما أخطأ كما قال الحافظ. والحديث قال الهيثمي (1 / 90) :

2301

" رواه أحمد والبزار، ورجاله ثقات ". قلت: وأخرجه أيضا ابن نصر في " الصلاة " (101 / 1) من الوجه المذكور وكذا الحاكم (1 / 4 و 4 / 168) ، وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وقد خالف الطرق المشار إليها آنفا يزيد بن هارون، فقال: حدثنا شعبة عن أشعث ابن أبي الشعثاء عن عمرو بن ميمون قال: بنحوه. أخرجه البزار أيضا، وقال: " لا نعلم أحدا رواه عن شعبة عن أشعث هكذا إلا يزيد، ولم يتابع عليه، والصواب حديث أبي بلج عن عمرو عن أبي هريرة ". (تنبيه) : ذكر المناوي عن العراقي أنه قال في " أماليه ": " حديث صحيح وهو من غير طريق الحاكم "! 2301 - " من أحب أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ". أخرجه ابن ماجة (138) وأحمد (1 / 7، 445، 454) من طريق عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال: " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهو بين أبي بكر وعمر، وإذا ابن مسعود يصلي وإذا هو يقرأ ( النساء) ، فانتهى إلى رأس المائة، فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اسأل تعطه، اسأل تعطه، ثم قال: (فذكره) ، فلما أصبح غدا إليه أبو بكر رضي الله تعالى عنه ليبشره، وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلت: اللهم إني أسألك إيمانا لا يرتد، ونعيما لا ينفد، ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد. ثم جاء عمر رضي الله عنه، فقيل له: إن أبا بكر قد سبقك! قال: يرحم الله أبا بكر، ما سبقته إلى خير

قط إلا سبقني إليه " . والسياق لأحمد، ولابن ماجة المرفوع منه فقط. قلت: وهذا إسناد حسن. وله طريق آخر يرويه الحسن بن عبيد الله حدثنا إبراهيم عن علقمة عن القرثع عن قيس أو ابن قيس - رجل من جعفي - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه وأبو بكر رضي الله عنه على عبد الله بن مسعود وهو يقرأ، فقام، فسمع قراءته، ثم ركع عبد الله وسجد، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سل تعطه، سل تعطه ... " الحديث نحوه. أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 199) وأحمد (1 / 38 و 39) والطبراني (3 / 9 / 1) . ثم أخرجه أحمد (1 / 25) من طريق الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان عن عمر به. ومن طريقه أيضا عن إبراهيم عن علقمة عن عمر به. ومن هذه الطريق أخرجها الحاكم (2 / 227 و 3 / 318) وقال : " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: الظاهر أنه منقطع بين علقمة وعمر، بينهما القرثع عن قيس، وهو قيس بن مروان كما في رواية إبراهيم المتقدمة عنه وهو ثقة حجة، ومعه زيادة فيجب قبولها، لكن في الطريق إليه الحسن بن عبيد الله وهو النخعي وفيه كلام، انظر " المختارة " للضياء المقدسي (253 - 255 - بتحقيقي) . والقرثع وقيس صدوقان كما في " التقريب "، فالإسناد جيد. وللحديث طريق أخرى من رواية أبي الضحى عن عبد الله مرفوعا. أخرجه ابن سعد (2 / 342) .

2302

قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه من طريق إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم عن عبد الله به. وابن مهاجر لين الحفظ. وله شاهد من حديث عمار بن ياسر. أخرجه الحاكم (2 / 228) . وآخر من رواية أبي بكر بن أبي مريم عن عطية بن قيس الكلابي مرسلا. أخرجه ابن عساكر (6 / 282 / 2) . وثالث من حديث علي بتمامه. أخرجه الحاكم (3 / 317) ، وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي. 2302 - " من احتسب ثلاثة من صلبه دخل الجنة، فقالت امرأة: أو اثنان؟ قال: أو اثنان ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 421) والنسائي (1 / 264) وابن حبان (721) عن بكير بن عبد الله عن عمران بن نافع عن حفص بن عبيد الله عن أنس مرفوعا به. وليس عند البخاري وابن حبان: " فقالت امرأة ... ". وزاد النسائي أيضا: " قالت المرأة يا ليتني قلت: واحد "! قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير عمران بن نافع فوثقه ابن حبان، وكذا النسائي مع أنه لم يرو عنه غير بكير هذا وفي ترجمته ساق البخاري حديثه هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. والحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة، منها حديث أبي هريرة رفعه أن رسول الله

2303

صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: " لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه ; إلا دخلت الجنة، فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: أو اثنين ". أخرجه مسلم (8 / 39) وأحمد (2 / 246 و 378) . ومنها حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه، وفيه: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين واثنين واثنين ". أخرجه مسلم، وكذا البخاري (3 / 94 - فتح) دون تكرار: " واثنين ". 2303 - " من البر أن تصل صديق أبيك ". الطبراني في " الأوسط " (350) عن عنبسة بن عبد الرحمن عن عبد الرحمن بن سابط عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال: " لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد لم يرو ابن سابط عن أنس غيره ". وأقول: لا يمكن الجزم بأن ابن سابط رواه عن أنس لأن الراوي عنه عنبسة بن عبد الرحمن، وهو الأموي متروك، رماه أبو حاتم بالوضع. وقال الهيثمي (8 / 147) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عنبسة بن عبد الرحمن القرشي، وهو متروك ". لكن الحديث صحيح لأن له شاهدا من حديث ابن عمر عند مسلم وغيره وقد سبق ذكره تحت الحديث (2089) . 2304 - " من أخاف أهل المدينة أخافه الله ". أخرجه ابن حبان (1039) وابن النجار في " ذيل تاريخ بغداد " (10 / 4) وابن عساكر (16 / 240 / 2) عن عبد الرحمن بن عطاء عن محمد بن جابر بن عبد الله عن

أبيه مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، وفي ابني عطاء وجابر كلام يسير لا يضر، ولاسيما وقد توبعا، فرواه محمد بن صالح بن قيس بن الأزرق عن مسلم ابن أبي مريم عن علي بن عبد الرحمن المعاوي عن جابر بن عبد الله به، إلا أنه لم يقل: " أخافه الله "، وزاد: " فعليه لعنة الله وغضبه، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا ". أخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 132) . والأزرق هذا ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 287 - 288) ، وقال عن أبيه: " شيخ. يعني يستشهد به. وقد خالفه يحيى بن سعيد فقال: عن مسلم بن أبي مريم عن عطاء بن يسار عن السائب بن خالد - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بتمامه مع الزيادة. أخرجه الحربي في " غريب الحديث " (5 / 146 / 1) والدولابي (1 / 72) وكذا أحمد (4 / 55 و56) . قلت: وإسناده صحيح. وأخرجه كذلك النسائي في " الكبرى " (ق 89 / 2) والبغوي في " مختصر المعجم " (9 / 136 / 2) وعنه ابن عساكر (16 / 240 / 2 ) والخلعي في " الفوائد " (111 / 1) ويعقوب بن أحمد الصيرفي فى " المنتقى من فوائده " (255 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 372) وأحمد من طرق أخرى عن عطاء به. وأخرجه الدولابي أيضا (1 / 123) لكن دون الزيادة. وللحديث شاهد من رواية ابن جريح عن أبي بكر بن عبد الله عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد بن يسار عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

أخرجه الجندي في " فضائل المدينة " (رقم 31 - منسوختي) . قلت: ورجاله ثقات غير أبي بكر بن عبد الله - وهو ابن أبي سبرة - وهو متهم بالوضع، فلا يصلح للشهادة. وقد صح الحديث عن جابر بلفظ: " من أخاف أهل المدينة، فقد أخاف ما بين جنبي ". أخرجه أحمد (3 / 354 و 393) عن زيد بن أسلم عنه. ورجاله رجال الشيخين غير أن زيدا هذا لم يسمع من جابر كما قال ابن معين. وأخرجه أحمد بن المهندس في " حديث عافية وغيره " (2132 / 1) وابن عساكر (16 / 240 / 2) من طريقين عن ابن أخي جابر بن عبد الله عن جابر به. وابن أخي جابر لم أعرفه. وتابعه عبد الله بن نسطاس عن جابر. أخرجه ابن عساكر أيضا عن هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص عنه. وعبد الله بن نسطاس وثقه النسائي ولم يرو عنه غير هاشم هذا. ورواه محمد بن كليب عن محمود ومحمد ابني جابر سمعا جابرا قال: فذكره مرفوعا إلا أنهما قالا: " الأنصار " بدل " أهل المدينة ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 53 و 4 / 1 / 404) . قلت: ورجاله ثقات على ضعف في محمد بن جابر كما تقدم، وأما أخوه محمود، ففي ترجمته ذكر البخاري هذا الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وقال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 291) :

2305

" لا أعرف محمود بن جابر، أعرف محمد بن جابر بن عبد الله ". قلت: وأما ابن حبان فأوردهما في " الثقات " (3 / 232 و 258) على قاعدته المعروفة! 2305 - " من أخذ السبع الأول من القرآن فهو حبر ". أخرجه أحمد (6 / 73 و 82) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 69) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 153 - 154) والحاكم (1 / 564) والواحدي في " الوسيط " (2 / 123 / 2) والخطيب (10 / 108) من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن حبيب بن هند الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعا. وقال الحاكم : " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وأقول: حبيب بن هند، قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 110) : " روى عنه عبد الله بن أبي بكر، وعمرو بن عمرو، وابن حرملة ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع البخاري (1 / 2 / 327) ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 141 و 6 / 177) ، فالحديث حسن أو قريب منه. والله أعلم. (تنبيه) : " حبر " بفتح المهملة وكسرها، أي عالم . كذا وقع في المصادر المذكورة، سوى " المشكل " و " المستدرك "، فوقع فيهما بلفظ " خير " بالخاء المعجمة، وكذلك وقع في " الجامع الصغير " معزوا للحاكم والبيهقي في " الشعب " وعليه شرح المناوي. والله أعلم. (فائدة) : المقصود من (السبع الأول) : السور السبع الطوال من أول القرآن، وهي مع عدد آياتها: 1 - البقرة (286) ،

2306

2 - آل عمران (200) ، 3 - النساء (176) ، 4 - المائدة (120) ، 5 - الأنعام (165) ، 6 - الأعراف (206) ، 7 - التوبة (129) . 2306 - " من أخرج من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم، كتب الله له به حسنة، ومن كتب له عنده حسنة، أدخله الله بها الجنة ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 94 / 2 من الجمع بين المعجمين) عن أبي بكر بن أبي مريم حدثني حميد بن عقبة بن رومان عن أبي الدرداء مرفوعا، وقال: " لا يروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو بكر ". قلت: وهو ضعيف لاختلاطه. وحميد بن عقبة بن رومان ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 226) برواية ثقتين عنه. وكذلك صنع ابن حبان في " الثقات " (1 / 41 - هندية) . والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 135) بهذا اللفظ ، وقال: " رواه الطبراني في الأوسط "، ولفظه في " الكبير " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أخرج من طريق المسلمين شيئا يؤذيهم كتب الله له به مائة حسنة "، ولم يزد. وفيه أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف ". وللحديث شاهد من رواية الخليل بن أحمد قال: حدثنا المستنير بن أخضر قال:

حدثني معاوية بن قرة قال: كنت مع معقل المزني، فأماط أذى عن الطريق، فرأيت شيئا، فبادرته ، فقال: ما حملك على ما صنعت يا ابن أخي؟ قال: رأيتك تصنع شيئا فصنعته، قال : أحسنت يا ابن أخي! سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من أماط أذى عن طريق المسلمين، كتب له حسنة، ومن تقبلت له حسنة دخل الجنة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (593) والطبراني في " الكبير "، إلا أنه قال: " المستنير بن الأخضر بن معاوية عن أبيه قال: كنت مع معقل بن يسار ... " إلخ.. فجعله من رواية المستنير عن أبيه، وليس من روايته عن معاوية بن قرة وهو جده كما في البخاري، وقال الهيثمي: " قال المزي: (الصواب كما رواه البخاري) . فإن كان كما قال المزي فإسناده حسن إن شاء الله تعالى، وإن كان فيه (عن أبيه أخضر) ، فلم أجد من ذكر (أخضر) . والله أعلم ". وأقول: ليس بحسن لأن المستنير بن أخضر لم يوثقه أحد، بل قال ابن المديني: " مجهول، لا أعرفه ". نعم، لو قيل: إنه حسن بالذي قبله لم يكن بعيدا، ولاسيما وله شاهد آخر يرويه أبو شيبة المهري قال: كان معاذ يمشي ورجل معه، فرفع حجرا من الطريق، فقال: ما هذا؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من رفع حجرا من الطريق كتبت له حسنة، ومن كانت له حسنة دخل الجنة ". قال

2307

الهيثمي: " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". كذا قال، وأبو شيبة هذا لم يوثقه غير ابن حبان (1 / 306 - هندية) ، وقال الذهبي: " لا يدرى من ذا؟ ". وجملة القول أن الحديث بشاهديه حسن على أقل المراتب. والله تعالى أعلم. ثم وجدت لحديث معاذ طريقا أخرى، يرويه النضر بن كثير السعدي حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب عنه به. أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (7 / 1 / 2) . ورجاله ثقات غير النضر هذا، وهو ضعيف عابد كما في " التقريب ". (تنبيه) : لقد أورده السيوطي في " الجامع " كما هو أعلاه، برواية الطبراني في " الأوسط "، فادعى المناوي أن تخريجه إياه غير محرر! ثم ذكر أن لفظ " الأوسط " هو لفظ " الكبير " الذي ليس فيه: " ومن كتب له عنده حسنة.. "! فكأنه لما قرأ كلام الهيثمي المتقدم، لم تقع عينه على قوله فيه: ".. في الكبير "، فوقع في الخطأ، نسأل الله العصمة. 2307 - " من ادعى إلى غير أبيه فلن يرح رائحة الجنة، وريحها يوجد من مسيرة سبعين عاما ". أخرجه أحمد (2 / 171 / 194) والخطيب (2 / 347) عن شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والحكم هو ابن عتيبة الكوفي.

2308

وقد خالفه في متنه عبد الكريم عن مجاهد به إلا أنه قال: " خمسمائة عام ". أخرجه ابن ماجة (2611) : حدثنا محمد بن الصباح أنبأنا سفيان عن عبد الكريم به. وقال البوصيري في " زوائده " (161 / 2) : " إسناده صحيح ". ونقل السندي في " حاشيته " على ابن ماجة عنه أنه علل ذلك بقوله: " لأن محمد بن الصباح هو أبو جعفر الجرجاني (¬1) التاجر، قال فيه ابن معين: لا بأس به. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات "، وباقي رجال الإسناد لا يسأل عن حالهم لشهرتهم " . وأقول: هذا مسلم على اعتبار أن عبد الكريم هذا هو الجزري وبه جزم المنذري في " الترغيب " (3 / 88) ولم أجد ما يؤيد هذا الجزم، بل إن احتمال كونه عبد الكريم ابن أبي المخارق الضعيف وارد، لأن كلا منهما قد ذكروه في شيوخ سفيان، وهو ابن عيينة، كما ذكروا في شيوخهما معا مجاهدا، ولكن يرجح هذا الاحتمال المخالفة المذكورة، فإنها بعبد الكريم المضعف أليق من عبد الكريم الجزري الثقة . والله أعلم. والحديث في " الصحيحين " وغيرهما عن سعد وأبي بكرة مرفوعا دون قوله: " وريحها يوجد. ". وهو مخرج في " غاية المرام " (267) . 2308 - " من أدرك منكم عيسى ابن مريم، فليقرئه مني السلام ". أخرجه الحاكم (4 / 545) عن عبد الله بن سليمان حدثنا محمد (الأصل محمود) ابن مصفى الحمصي حدثنا إسماعيل عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مرفوعا. وقال : ¬

(¬1) كذا الأصل، والصواب الجرجراني. اهـ.

" إسماعيل هذا أظنه ابن عياش، ولم يحتجا به ". ووافقه الذهبي، بل إنه جزم بذلك، فإنه لما ساق إسناد الحديث من عند إسماعيل قال: " إسماعيل بن عياش عن أيوب ... ". فأضاف من عنده في صلب الإسناد: " ابن عياش ". وذلك وهم منه ومن الحاكم أيضا، فإنه ليس هو ابن عياش، وإنما إسماعيل ابن علية، وهو ثقة من رجال الشيخين، وقد ذكروا في شيوخه أيوب هذا، وهو السختياني. ومحمد بن مصفى الحمصي، قال الحافظ: " صدوق، له أوهام، وكان يدلس ". قلت: وقد صرح هنا بالتحديث، فأمنا شبهة تدليسه. وعبد الله بن سليمان هو الحافظ ابن الحافظ أبي داود السجستاني صاحب " السنن "، وهو ثقة، تكلم فيه والده بما لم يقبلوه منه. والمعصوم من عصمه الله، فالإسناد جيد. وروى الحاكم أيضا (2 / 595) من طريق محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن عطاء مولى أم حبيبة قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليهبطن عيسى ابن مريم حكما عدلا ... الحديث يقول أبو هريرة: " أي بني أخي! إن رأيتموه فقولوا: أبو هريرة يقرئك السلام ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وأقول: محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعنه. وعطاء مولى أم حبيبة لم أعرفه، ولعل أم حبيبة محرف من أم صبية، فإن عطاء مولى أم صبية من رجال النسائي. روى عن أبي هريرة. وعنه سعيد المقبري وهو مجهول.

2309

2309 - " من أراد أن يصوم فليتسحر بشيء ". أخرجه أحمد (3 / 367 و 379) عن شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف لسوء حفظ شريك، وهو ابن عبد الله القاضي . لكن الحديث صحيح، له شواهد كثيرة معروفة، فراجع له " الترغيب " (2 / 93 - 94) إن شئت. والحديث رواه الضياء أيضا عن جابر كما في " الجامع ". 2310 - " من أراد أن يعلم ما له عند الله جل ذكره، فلينظر ما لله عز وجل عنده ". روي من حديث أنس وأبي هريرة وسمرة بن جندب. 1 - أما حديث أنس: فأخرجه أبو الحسن بن الصلت في " حديث حمزة بن القاسم ابن عبد العزيز الهاشمي "، فقال (75 / 2) : حدثنا حمزة قال: حدثنا مولانا أبو مقاتل سويد بن هلال بن سويد قال: حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن الزهري عن أنس ابن مالك مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير سويد بن هلال، فإني لم أجد له ترجمة. وحمزة الهاشمي له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (8 / 181) . والحديث عزاه السيوطي للدارقطني في " الأفراد " عن أنس وغالب الظن أنه عنده من هذا الوجه. 2 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه الحسن بن يحيى الأيلي حدثنا عاصم بن مهجع حدثنا صالح المري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عنه.

2311

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 176 و 274) ، وقال: " غريب من حديث صالح ، تفرد به عاصم ". قلت: وهو ثقة كما قال أبو زرعة على ما في " الجرح " (3 / 1 / 350) وكذلك سائر الرجال ثقات، غير صالح المري، فهو ضعيف. والحسن بن يحيى هو ابن هشام الرزي، ووقع في " الجرح ": " الرازي "، ولعله تصحيف، قال ابن حبان: " مستقيم الحديث، كان صاحب حديث ". 3 - وأما حديث سمرة فيرويه محمد بن صبيح بن السماك عن مبارك بن فضالة عن الحسن عنه. أخرجه أبو نعيم أيضا (8 / 216) ، وقال: " غريب من حديث مبارك ومحمد بن صبيح ". قلت : وهما صدوقان، على ضعف في حفظ ابن صبيح وتدليس في المبارك. وبالجملة، فالحديث بهذه الطرق الثلاثة لا ينزل عن مرتبة الحسن. والله أعلم. 2311 - " من أرضى الله بسخط الناس، كفاه الله الناس، ومن أسخط الله برضى الناس، وكله الله إلى الناس ". أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (162 / 1 - 2) والجوزجاني في كتابه " أحوال الرجال " (رقم 2 - منسوختي) ، وعنه ابن حبان (1541) : حدثنا عثمان بن عمر أخبرنا شعبة عن واقد عن ابن أبي مليكة عن القاسم بن محمد عن عائشة مرفوعا.

ومن هذا الوجه رواه البيهقي في " الزهد " (ق 108 / 1) ، وقال: " ربما رفعه عثمان، وربما لم يرفعه ". يعني أن عثمان بن عمر كان تارة يرفعه وتارة يوقفه، ولا شك أن الرفع هو الأرجح لسببين: الأول: أن فيه زيادة، وهي مقبولة إذا كانت من ثقة مثل عثمان بن عمر هذا - وهو ابن فارس العبدي - فإنه ثقة من رجال الشيخين، والراوي قد ينشط تارة فيرفع الحديث، ولا ينشط أخرى فيوقفه. الثاني: أنه قد رواه غيره مرفوعا أيضا، وهو النضر بن شميل حدثنا شعبة به. أخرجه البيهقي. والنضر ثقة ثبت من رجال الشيخين أيضا. نعم قد رواه علي بن الجعد: أخبرنا شعبة به موقوفا. أخرجه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (8 / 76 / 1) . فالجواب: أن الرفع زيادة من ثقة، فيجب قبولها كما تقدم. ولاسيما وقد توبع شعبة على رفعه، فرواه عثمان بن واقد العمري عن أبيه عن محمد بن المنكدر عن عروة عن عائشة مرفوعا نحوه. أخرجه ابن حبان (1542) والقضاعي ( 42 / 2) ومشرق بن عبد الله في " حديثه " (61 / 2) وابن عساكر (15 / 278 / 1) . قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن واقد، وهو صدوق، ربما وهم كما قال الحافظ. وتابعه هشام بن عروة عن أبيه به مرفوعا، لكن بلفظ: " من طلب محامد الناس بمعصية الله عاد حامده ذاما ".

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (325) والخرائطي في " مساوىء الأخلاق " (ج 2 / 5 / 2) وابن عدي (272 / 2) ، وابن شاذان الأزجي في " الفوائد المنتقاة " (1 / 118 / 2) وابن بشران في " الأمالي " (144 - 145) وابن الأعرابي في " معجمه " ( 82 / 1) ومن طريقه القضاعي (42 / 2) وأبو القاسم المهراني في " الفوائد المنتخبة " (3 / 23 / 1) والبيهقي أيضا عن قطبة بن العلاء الغنوي عن أبيه عن هشام. وقال العقيلي: " العلاء بن المنهال لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به ، ولا يصح في الباب مسندا، وهو موقوف من قول عائشة ". كذا قال ومجيئه من وجوه مرفوعا يقوي رفعه، لكن بلفظ الترجمة. وأعله ابن عدي والبيهقي بقطبة بن العلاء، فقالا: " ليس بالقوي ". وأبوه العلاء ذكره ابن حبان في " الثقات " ! وتابعه ابن المبارك عن هشام بن عروة به نحو لفظ الترجمة. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 188) عن سهل بن عبد ربه حدثنا ابن المبارك، وقال: " غريب من حديث هشام بهذا اللفظ ". وسهل بن عبد ربه لم أجد من ترجمه. وقد خالفه سفيان فرواه عن هشام به موقوفا. أخرجه الترمذي (2 / 67) . ثم أخرجه هو وعبد الغني المقدسي في " التوكل " (245 / 2) عن ابن المبارك عن عبد الوهاب بن الورد عن رجل من أهل المدينة قال:

" كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن اكتبي إلي كتابا توصيني فيه ولا تكثري علي، فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم ولكنه تابعي فيستأنس به، ويتقوى حديثه بالطرق المتقدمة. وجملة القول أن الحديث قد صح عن عائشة مرفوعا وموقوفا، ولا منافاة بين الأمرين لما سبق. والله أعلم. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " من أسخط الله في رضى الناس سخط الله عليه، وأسخط عليه من أرضاه في سخطه، ومن أرضى الله في سخط الناس رضي الله عنه، وأرضى عنه من أسخطه في رضاه حتى يزينه، ويزين قوله وعمله في عينه ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 132 / 1 / 1) : حدثنا جبرون بن عيسى المقري: أخبرنا يحيى بن سليمان الحفري: أخبرنا فضيل بن عياض عن منصور عن عكرمة عنه. والحفري هذا فيه مقال كما قال أبو نعيم، وجبرون لم أجد من ترجمه، ومع ذلك قال في " الترغيب " (3 / 154) : " رواه الطبراني بإسناد جيد قوي "! (تنبيه) : (الحفري) هذا بالحاء المهملة، هكذا وقع في " كبير الطبراني " في إسناد هذا الحديث وغيره مما قبله وبعده. وفي الحديث الأول منها (الحفري) بضم الحاء وتحتها ما يشبه النقطين، لعل إحدهما وسخة صغيرة تشبه النقطة، فظهرت في مصورة الكتاب مع أختها الأصيلة، وعليه يكون الأصل (الجفري) بالجيم، وكذلك وقع في حديث آخر لجبرون عنه في " المعجم الصغير " (ص - 68 - طبع الهند) وكذلك في " المعجم الأوسط " (رقم - 3539 - مصورتي) . وكذا ذكره السمعاني في " الأنساب "،

فقال: " بضم الجيم وسكون الفاء وفي آخرها راء، وظني أنه موضع بـ (إفريقية) والله أعلم، حدث، وآخر من حدث عنه جبرون بن عيسى بن زيد، توفي سنة (237) ". وكذلك وقع في " الضعفاء " للذهبي مضموم الجيم بالقلم من مخطوطة الظاهرية، وكذلك في النسختين المطبوعتين من " الميزان ". وأما في المخطوطة فبالحاء المهملة تحتها حاء صغيرة، وأما في " المشتبه " فقيده بالحاء المضمومة، وتبعه الحافظ ابن حجر في " التبصير " فقال: (1 / 340) : " وبحاء مهملة مضمومة: يحيى بن سليمان الحفري المغربي ... ". وقد تعقب الذهبي الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه الجليل " توضيح المشتبه (1 / 112 / 2) ، فقال: " وقد تبع المصنف في نسبة يحيى هذا ابن ماكولا، والفرضي، وكذلك قلده القاضي عياض في " ترتيب المدارك "، وابن الجوزي، وقد وجدته في " تاريخ ابن يونس " بخط الحافظ ابن عساكر وسماعه بالجيم منقوطة مضمومة، وكذلك وجدته في " المستخرج " لأبي القاسم ابن منده، وهو الأشبه بالصواب، ولعله منسوب إلى (جفرة عتيب) : اسم قبيلة في بلاد المغرب. ثم وجدت بعضهم ذكر أنه إنما قيل له: (الحفري) يعني بالمهملة، كما ذكره الأمير ونحوه، لأن داره كانت على حفرة بدرب أم أيوب بـ ( القيروان) . انتهى ". قلت: ويبدو من مجموع ما سبق، وبخاصة من كلام ابن ناصر الدين الأخير صحة النسبتين: (الجفري) بالجيم و (الحفري) بالحاء، الأولى نسبة إلى موضع بالقيروان، والأخرى نسبة إلى الحفرة التي كانت قرب داره . والله أعلم. ثم إن يحيى هذا قد وثقه الذهبي في " الضعفاء "، وقال في " الميزان ": " ما علمت به بأسا ".

2312

فالعلة من جبرون بن عيسى. والله أعلم. وأما الهيثمي فلم يعرج عليه في هذا الحديث كعادته، بل أوهم أنه من رجال " الصحيح "! فقال (10 / 224) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال " الصحيح "، غير يحيى بن سليمان الحفري، وقد وثقه الذهبي في آخر ترجمة يحيى بن سليمان الجعفي ". 2312 - " من استجمر فليستجمر ثلاثا ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (¬1) من طريق قيس بن الربيع بإسناده عن ابن عمر رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الهيثمي (1 / 211) : " وقيس بن الربيع وثقه الثوري وشعبة، وضعفه جماعة ". قلت: وللحديث شاهد قوي، من رواية الأعمش عن أبي سفيان عن جابر مرفوعا بلفظ: " إذا استجمر أحدكم فليستجمر ثلاثا ". أخرجه أحمد (3 / 400) وابن خزيمة في " صحيحه " (76) وعنه البيهقي (1 / 103 - 104) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه مسلم (1 / 147) من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله به، دون قوله: " ثلاثا ". وهو رواية لأحمد (3 / 294) . وفي أخرى له (3 / 336) من طريق ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير به، بلفظ: " إذا تغوط أحدكم فليمسح ثلاث مرات " . وابن لهيعة لا بأس به في الشواهد والمتابعات. ¬

(¬1) لم أره في " مسند ابن عمر " من نسخة الظاهرية منه، وفيها خرم. اهـ.

2313

2313 - " من استطاع منكم أن يكون له خبئ من عمل صالح فليفعل ". أخرجه الخطيب في التاريخ (11 / 263) عن عمر بن محمد بن السري بن سهل الوراق حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز حدثنا إسحاق بن إسماعيل الطالقاني حدثنا محمد بن فضيل بن غزوان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن الزبير بن العوام مرفوعا. وقال: قال محمد بن أبي الفوارس: كان عمر هذا مخلطا في الحديث جدا، يدعي ما لم يسمع، ويركب ". وقال أبو الحسن بن الفرات: " كان يحفظ من الحديث قطعة حسنة، وكتبت شيئا كثيرا، ثم ذهبت كتبه إلا شيئا يسيرا، وحدث عن الباغندي بأحاديث لا أصل لها وكان رديء المذهب ". قلت: ومن فوقه من الرواة ثقات كلهم، لكن أعله الدارقطني بعلة أخرى، يشعر صنيعه أن عمر الوراق لم يتفرد به، فقد قال: " رفعه إسحاق بن إسماعيل، ولم يتابع عليه، وقد رواه شعبة وزهير، والقطان وهشيم وابن عيينة وأبو معاوية وعبدة ومحمد بن زياد عن إسماعيل عن قيس عن الزبير موقوفا وهو الصحيح ". نقله المناوي عن ابن الجوزي، عند شرح الحديث وقد عزاه أصله - أعني " الجامع الصغير " - لرواية الضياء عن الزبير، يعني مرفوعا. قلت: وقد رجعت إلى " الأحاديث المختارة " فوجدته قد أخرجه فيه (1 / 296) من طريقين آخرين عن إسحاق بن إسماعيل به مرفوعا. فصح ما استشعرته من صنيع الدارقطني، والحمد لله.

2314

وقد رواه الضياء أيضا من طريق وكيع بن الجراح أخبرنا ابن أبي خالد به موقوفا. ثم نقل عن الدارقطني ما سبق نقله عن المناوي، ومما لا شك فيه أن اجتماع هؤلاء الثقات على رواية الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد موقوفا، مما يحمل على الاطمئنان أن رفعه وهم من إسحاق بن إسماعيل أو شيخه محمد بن فضيل. لكني وجدت للحديث شاهدا مرفوعا، أخرجه القضاعي في " مسند الشهاب " (ق 37 / 1) من طريق سلم بن جنادة السوائي قال: أخبرنا أبي، ومن طريق علي بن مسهر كلاهما عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح من الطريق الثانية طريق ابن مسهر، والطريق الأولى شاهد لها، فثبت الحديث مرفوعا، والحمد لله أولا وآخرا. 2314 - " من استعف أعفه الله ومن استغنى أغناه الله ومن سأل الناس وله عدل خمس أواق ، فقد سأل إلحافا ". أخرجه أحمد (4 / 138) : حدثنا أبو بكر الحنفي قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن أبيه عن رجل من مزينة أنه قالت له أمه: " ألا تنطلق فتسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يسأله الناس؟ فانطلقت أسأله، فوجدته قائما يخطب وهو يقول : (فذكره) ، فقلت بيني وبين نفسي: لناقة له هي خير من خمس أواق، ولغلامه ناقة أخرى هي خير من خمس أواق، فرجعت ولم أسأله ". ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي أيضا في " مشكل الآثار " (1 / 204 - 205) . قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير الرجل المزني، وهو من الصحابة كما تدل عليه الرواية نفسها، وجهالته لا تضر لأنهم عدول عند أهل السنة.

وقد روى هلال بن حصن عن أبي سعيد الخدري نحو هذه القصة والحديث، إلا أنه قال: " ومن سألنا لم ندخر عنه شيئا نجده ". أخرجه الطبري (5 / 598 / 6228) من طريق قتادة عنه. وهلال هذا أورده ابن أبي حاتم (4 / 73) برواية أبي حمزة أيضا عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (1 / 280 - 281 هندية ) . ومن دونه ثقات رجال الشيخين، غير بشر - وهو ابن معاذ العقدي شيخ الطبري - وهو ثقة. وقد أخرجه أحمد (3 / 44) من طريق أبي حمزة عن هلال بن حصن به نحوه. وأبو حمزة هذا هو عبد الرحمن بن عبد الله المازني جار شعبة، وهو ثقة من رجال مسلم، وصوب العلامة الشيخ عبد الرحمن المعلمي في تعليقه على " التاريخ " (4 / 2 / 204) أن " أبا حمزة " تصحيف، والصواب " أبو جمرة ": نصر بن عمران الضبعي، فقد ذكر المزي في شيوخه هلال بن حصن هذا. قلت: وهذا التصويب لا وجه له لأن الأصول كلها اتفقت على أنه أبو حمزة، فتخطئتها كلها لأن المزي ذكر في شيوخ هلال أبا جمرة بالجيم لا ينهض دليلا على التصحيف المذكور، لاحتمال أن يكون كلا من أبي حمزة وأبي جمرة قد روى عن هلال. والله أعلم. وقد جزم الحافظ في ترجمة أبي حمزة من " التعجيل " أنه يعرف بجار شعبة، واسمه عبد الرحمن. ورواه عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري:

" أن ناسا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد من عنده فقال: " ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم ومن يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ". أخرجه البخاري (3 / 261 - فتح) ومسلم (3 / 102) والدارمي (1 / 378) وأحمد أيضا (3 / 93) . وأخرج أحمد أيضا (3 / 9) من طريق عبد الرحمن بن أبي الرجال عن عمارة بن غزية عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: " سرحتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله، فأتيته ... " فذكره نحو حديث الترجمة، إلا أنه قال: " وله قيمة أوقية فقد ألحف ". وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن أبي الرجال، وهو صدوق ربما أخطأ كما في " التقريب ". ومن طريقه أخرجه النسائي (1 / 363) . وأخرج الطحاوي من طريق عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول لرجل يسأله: " من سأل منكم وعنده أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا ". والأوقية يومئذ أربعون درهما ". قلت: وإسناده صحيح. وله شاهد من حديث ابن عمرو وغيره مختصرا وقد مضى برقم (1719) .

2315

2315 - " من استودع وديعة فلا ضمان عليه ". هو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. وله عنه طرق: الأولى: عن المثنى بن الصباح عنه. أخرجه ابن ماجة (2 / 73) . والمثنى ضعيف اختلط بآخره. الثانية: عن محمد بن عبد الرحمن الحجبي عنه. أخرجه الدارقطني (ص 306) وعنه البيهقي (6 / 289) . والحجبي هذا أورده ابن أبي حاتم (3 / 2 / 323) من رواية ابن المبارك ووكيع عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكأنه لذلك قال البيهقي عقب الحديث: " إسناده ضعيف ". وأقول: ولكنه ليس شديد الضعف، فيستشهد بالحجبي لأنه مجهول الحال، ولعله في " ثقات ابن حبان ". ثم رأيته قد أورده في " أتباع التابعين " (7 / 422) من رواية أبي عاصم النبيل. فقد روى عنه ثلاث من الثقات. الثالثة: عن عبيدة بن حسان عنه به نحوه. أخرجه الدارقطني من طريق عمرو بن عبد الجبار عنه، وقال: " عمرو وعبيدة ضعيفان ". الرابعة: عن عمرو بن خالد حدثنا ابن لهيعة عنه. أخرجه الخلعي في " الفوائد " ، وعلقه البيهقي.

2316

قلت: عمرو بن خالد - هو المصري - ثقة. وابن لهيعة صدوق، لكنه سيء الحفظ، لكنه يتقوى بالمتابعات التي قبله، فالحديث بمجموعها حسن عندي على الأقل. والله أعلم. 2316 - " من أسلم على يديه رجل فهو مولاه ".. روي من حديث أبي أمامة وتميم الداري وراشد بن سعد مرسلا. 1 - أما حديث أبي أمامة، فيرويه معاوية بن يحيى الصدفي عن القاسم الشامي عن أبي أمامة مرفوعا. أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " (3 / 1 / 56) وأبو حامد الحضرمي في " حديثه " (157 / 2) والدارقطني في " سننه " (ص 502) والبيهقي (10 / 298) والطبراني في " الكبير " (8 / 223 / 7781) وابن عساكر في " التاريخ " (16 / 392 / 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، من أجل الصدفي هذا. وقد أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 53) ، وقال: " امتنع أبو زرعة من قراءته علينا، ولم نسمعه منه ". وقد تابعه جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن به نحوه. أخرجه المخلص في " الفوائد المنتقاة " (13 / 248 / 1) وابن عدي (ق 53 / 1) وعنه البيهقي (10 / 298) وسعيد بن منصور أيضا كما في " تهذيب ابن القيم " (4 / 186) . لكن جعفرا هذا متروك كما قال عبد الحق في " أحكامه " (168 / 2) .

2 - وأما حديث تميم فيرويه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وقد اختلف عليه على وجوه: الأول: قال أبو بدر: حدثنا عبد العزيز قال: أخبرني من لا أتهم عن تميم الداري قال: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل من أهل الكفر يسلم على يدي الرجل من المسلمين، ما السنة فيه؟ قال: من أولى الناس بمحياه ومماته ". أخرجه أبو عمرو بن السماك في " حديثه " (2 / 25 / 1) وعنه البيهقي (10 / 296) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات لولا الرجل الذي لم يسم، وإن كان ثقة غير متهم عند الراوي عنه عبد العزيز بن عمر لأن مثل هذا التوثيق غير مقبول عند الجمهور ما دام أنه لم يسم الراوي الموثق، لكنه قد سمي في بعض الروايات الآتية، فظهر أنه ثقة، وبذلك يثبت الحديث، والحمد لله. الثاني: قال: يحيى بن حمزة: حدثني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال: سمعت عبد الله بن موهب يحدث عمر بن عبد العزيز عن قبيصة بن ذؤيب عن تميم به. أخرجه أبو داود (2 / 20) والحاكم (2 / 219) والبيهقي (10 / 296، 297) والطبراني في " الكبير " (1273) من طرق عن يحيى به. قلت: وهذا إسناد حسن ، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن موهب - وقيل: ابن وهب، والصواب الأول - وهو ثقة كما في " التقريب " غير أن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، مع كونه من رجالهما، فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، فقال الذهبي في " المغني ": " وثقه جماعة، وضعفه أبو مسهر ".

وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". الثالث: قال جماعة منهم وكيع: عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن موهب عن تميم (وقال بعضهم ابن وهب: سمعت تميما به) . أخرجه الترمذي (2113) وابن ماجة (2 / 171) والدارقطني والبيهقي وأحمد (4 / 103) وابن أبي شيبة في " المصنف " (11 / 408) وقال الترمذي: " لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن وهب - ويقال: ابن موهب - عن تميم الداري، وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن وهب وبين تميم الداري قبيصة بن ذؤيب، ولا يصح، رواه يحيى بن حمزة ". قلت: يحيى هذا ثقة من رجال الشيخين، فإن كان قد حفظه، فهي زيادة من ثقة يجب قبولها، وإلا فرواية الجماعة عن عبد العزيز بإسقاط قبيصة أصح، وقد تابعهم حفص بن غياث عند الطبراني (1272) ، وإسحاق بن يوسف الأزرق عند أحمد (4 / 102) وابن المبارك عند عبد الرزاق في " المصنف " (6 / 20 / 9872 و9 / 39 / 16271) وقال: " قال ابن المبارك: ويرثه إذا لم يكن له وارث. فذكرته للثوري، فقال: يرثه، هو أحق من غيره ". فقد يقال حينئذ بأنه منقطع بين عبد الله بن موهب وتميم. والجواب: أنه قد صرح بالسماع من تميم في عدة روايات: الأولى: رواية وكيع عند ابن ماجة وأحمد. الثانية: رواية أبي نعيم عند البيهقي وأحمد (4 / 103) وكذا الدارمي (2 / 377) .

الثالثة: رواية علي بن عابس وعبد الرحمن بن سليمان ومحمد بن ربيعة الكلابي عند الدارقطني. فهؤلاء خمسة أكثرهم متفق على توثيقهم، وكلهم صرحوا بسماع عبد الله بن موهب من تميم. وخالفهم يحيى بن حمزة فأدخل بينهما قبيصة. فالأمر لا يخرج عما قاله ابن التركماني: " فإن كان الأمر كما ذكر أبو نعيم ووكيع حمل على أنه سمع منه بواسطة وبدونها، وإن ثبت أنه لم يسمع منه ولا لحقه، فالواسطة - وهو قبيصة - ثقة أدرك زمان تميم بلا شك، فعنعنته محمولة على الاتصال، فلا أدري ما معنى قول البيهقي: (فعاد الحديث مع ذكر قبيصة إلى الإرسال) ؟ ". وجملة القول أن إعلال حديث تميم بالانقطاع، غير قوي، وعندي أن إعلاله بعبد العزيز بن عمر أولى وأظهر، لما فيه من الكلام الذي سبقت الإشارة إليه ولعله هو سبب هذا الاختلاف في إسناده، ولكنه مع ذلك لا ينزل حديثه عن أن يكون شاهدا للطريق الأولى عن ابن أبي أمامة، وعليه، فالحديث على أقل الدرجات حديث حسن، وهو ما صرح به ابن القيم في " تهذيب السنن " (4 / 186 ) . وسبقه إلى ذلك أبو زرعة الدمشقي، فقال: " وهذا حديث حسن متصل، لم أر أحدا من أهل العلم يدفعه ". كذا في " تهذيب ابن حجر ". والله أعلم. ومما يؤيد رواية الجماعة عن عبد العزيز بن عمر أنه قد تابعه أبو إسحاق السبيعي عن عبد الله بن موهب عن تميم الداري. رواه الطبراني (1274) والحاكم والبيهقي من طريق أبي بكر الحنفي حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه به. وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وعبد الله بن وهب بن زمعة مشهور " . وتعقبه الذهبي بقوله: " هذا ما خرج له إلا ابن ماجة فقط، ثم هو وهم من الحاكم ثان، فإن ابن زمعة لم يرو عن تميم الداري وصوابه عبد الله بن موهب ". قلت: وما دام أنه ثقة - كما تقدم عن الحافظ، ونحوه قول الذهبي في " الكاشف ": " صدوق "، وأنه ثبت سماعه من تميم في الروايات المتقدمة - فالإسناد صحيح ، أو على الأقل حسن، فلا وجه لإعلال من أعله بالانقطاع بحجة عنعنته، أو إدخال بعض الرواة - قبيصة - بينه وبين تميم، لما علمت من أنها رواية مخالفة لرواية الجماعة، وأن ابن موهب لم يتهم بتدليس، فالأصل أن تحمل روايته على الاتصال، فكيف وقد صرح بالسماع؟ ! فإذا ضم إلى روايته حديث أبي أمامة من طريق معاوية، ارتقى الحديث إلى درجة الصحة. والله أعلم. 3 - وأما حديث راشد فيرويه الأحوص بن حكيم عنه به، وزاد: " يرثه، ويعقل عنه ". أخرجه سعيد بن منصور (رقم 601) . والأحوص هذا ضعيف الحفظ، فيستشهد به. وفي معناه أثر عمر رضي الله عنه أن رجلا أتى عمر فقال: إن رجلا أسلم على يدي، فمات، وترك ألف درهم، فتحرجت منها، فرفعتها إليك. فقال: أرأيت لو جنى جناية عن ما كانت تكون؟ قال: علي، قال: فميراثه لك. أخرجه ابن أبي شيبة (11 / 409 / 11623) بسند ضعيف.

2317

2317 - " من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب، فهو كفارته ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 189) وأحمد (5 / 214، 215) عن أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر عن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وإسناده حسن، ورجاله ثقات على شرط مسلم، وفي أسامة بن زيد - وهو الليثي المدني - كلام معروف، لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن. والحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث عبادة بن الصامت مرفوعا نحوه، أخرجه أحمد (5 / 316، 320) والشيخان، وغيرهما. وله شاهد آخر من حديث علي نحوه، لكن إسناده ضعيف عندي كما بينته في " المشكاة " (3629) و " الروض النضير " (705 ) . 2318 - " من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ". روي من حديث عبيد الله بن محصن الأنصاري وأبي الدرداء وابن عمر وعلي. 1 - أما حديث الأنصاري فيرويه ابنه سلمة بن عبيد الله بن محصن الأنصاري عن أبيه مرفوعا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (300) و " التاريخ " (3 / 1 / 373) والترمذي (2347) وابن ماجة (2 / 525) والحميدي في " مسنده " رقم (439) والعقيلي في " الضعفاء " (166) وابن أبي الدنيا في " القناعة " (2 / 4 / 2) والخطيب في " التاريخ " (3 / 364) والبيهقي في " الزهد " ( 14 / 1) والقضاعي في " مسنده " (45 / 2) كلهم عنه به. وقال العقيلي: " سلمة بن عبيد الله مجهول في النقل، ولا يتابع على حديثه، ولا يعرف إلا به.

قال أحمد: " لا أعرفه "، وقد رووا مثل هذا الكلام عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يشبه هذا في اللين ". وقال الحافظ في " التقريب " : " مجهول ". وأما الترمذي، فقال: " حديث حسن غريب ". قلت: وهذا من تساهله الذي عرف به، ولو قال: " حسن " فقط، لكان مقبولا لأن المعنى حينئذ أنه حسن لغيره، وهذا ما يشهد له ما يأتي من الطرق. 2 - وأما حديث أبي الدرداء فيرويه عبد الله بن هانىء بن عبد الرحمن بن أبي عبلة أبو عمرو قال: أخبرنا أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أم الدرداء عنه مرفوعا به. وزاد في بعض الروايات عنه: " يا ابن جعشم! يكفيك منها ما سد جوعتك ووارى عورتك وإن كان ثوبا يواريك فذاك، وإن كانت دابة تركبها فبخ، فلق الخبز وماء الجر وما فوق ذلك حساب عليك ". أخرجه ابن حبان (2507) وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 249) والخطيب (6 / 166) وابن عساكر في " التاريخ " (2 / 268 / 2، 19 / 280 / 1) والزيادة له. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عبد الله بن هانىء قال الذهبي: " متهم بالكذب ". وقال أبو حاتم: " روى عنه محمد بن عبد الله بن مخلد الهروي أحاديث بواطيل، قدمت الرملة، فذكر لي أنه في بعض القرى، وسألت عنه؟ فقيل: هو شيخ يكذب، فلم أخرج إليه ".

2319

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (8 / 357) ! وأبوه هانىء بن عبد الرحمن، قال ابن حبان في " الثقات " (7 / 583) : " ربما أغرب ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 289) : " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم ". 3 - وأما حديث ابن عمر فيرويه فضيل بن مرزوق عن عطية عنه. أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا. وعطية - هو العوفي - ضعيف. 4 - وأما حديث علي فيرويه أحمد بن عيسى العلوي حدثنا محمد بن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعا. أخرجه السهمي في " تاريخ جرجان " (322) . قلت: والعلوي هذا قال الدارقطني: " كذاب ". قلت: فلا يستشهد به. وبالجملة، فالحديث حسن إن شاء الله بمجموع حديثي الأنصاري وابن عمر. والله أعلم. 2319 - " القائم بعدي في الجنة، (والذي يقوم بعده في الجنة) والثالث والرابع في الجنة ". أخرجه يعقوب الفسوي في " المعرفة " (3 / 197) وابن عساكر في " التاريخ " ( 11 / 101 / 1) عن أبي يحيى التيمي حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن

2320

سلمة المرادي عن عبيدة السلماني قال: هجمت على عبد الله بن مسعود - وهو في دهليزه - فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات - على ضعف في المرادي - غير أبي يحيى التيمي - واسمه إسماعيل بن إبراهيم الأحول - وهو ضعيف كما في " التقريب " وقد قال ابن عدي: " ليس فيما يرويه حديث منكر المتن، ويكتب حديثه ". قلت: ولم يتفرد به، فقد قال ابن عساكر عقبه: " قال يعقوب: وقد رواه ابن عبيدة عن الأعمش أيضا ". قلت: ولم أدر من يعني بابن عبيدة هذا؟ وعلى كل حال، فالحديث صحيح، يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: " أبو بكر في الجنة ... " الحديث، وهو مخرج في تعليقي على شرح الطحاوية " (ص 488 - 489) . 2320 - " من أطعمه الله طعاما فليقل: اللهم بارك لنا فيه وارزقنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل: اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه، فإني لا أعلم شيئا يجزئ من الطعام والشراب إلا اللبن ". رواه أبو عبد الله بن مروان القرشي في " الفوائد " (25 / 113 / 2) : حدثنا محمد بن إسحاق بن الحويص حدثنا هشام بن عمار حدثنا ابن عياش حدثنا ابن جريج قال : وابن زياد عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عتبة عن ابن شهاب (كذا الأصل، والصواب:

ابن عباس) قال: دخلت على خالتي ميمونة وخالد بن الوليد، فقالت ميمونة: يا رسول الله! ألا أطعمك مما أهدى لي أخي من البادية؟ فقربت ضبين مشويين على قنو، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلوا فإنه ليس من طعام قومي، أجدني أعافه، وأكل منه ابن عباس وخالد، فقالت ميمونة: أنا لا آكل من طعام لم يأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بإناء لبن، فشرب وعن يمينه ابن عباس وعن يساره خالد بن الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عباس: أتأذن لي أن أسقي خالدا؟ فقال ابن عباس: ما أحب أن أوثر بسؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي أحدا، فتناول ابن عباس فشرب، وشرب خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث. قلت: وشيخه محمد بن إسحاق هو ابن عمرو بن عمر أبو الحسن القرشي المؤذن المعروف بابن الحريص - كذا في " التاريخ " بالراء - ختن هشام بن عمار. ترجمه ابن عساكر (15 / 31 / 1 - 2) برواية جمع من الثقات عنه، منهم أبو الحسن بن جوصا والطبراني وغيرهما. مات سنة (288) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ومن فوقه موثقون من رجال " التهذيب "، إن كان ابن زياد هو محمد الألهاني، وأما إن كان عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي ففيه ضعف من قبل حفظه، فمثله يستشهد به، ولاسيما وهو مقرون مع ابن جريج، ولولا أن هذا - أعني ابن جريج - مدلس، وقد عنعنه، لكانت الحجة به وحده قائمة، لولا أن ابن عياش - وهو إسماعيل الحمصي - ضعيف في غير الشاميين، وابن جريج مكي، وعبد الرحمن بن زياد إفريقي بخلاف الألهاني فهو شامي، فإن كان هو المراد بهذا الإسناد، فابن عياش حينئذ حجة. وجملة القول فيه أنه على أقل الأحوال صالح للاستشهاد به لذكر ابن زياد فيه، إن كان هو الإفريقي، وإلا فهو حجة بذاته إن كان هو الألهاني، فإن ابن ماجة قد أخرجه في " سننه " (2 / 314) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا إسماعيل بن عياش حدثنا ابن جريج

2321

عن ابن شهاب به. مقتصرا على المتن وحده، فلم يذكر فيه ابن زياد. وللحديث طريق أخرى عن ابن عباس، هو بها أشهر يرويه علي بن زيد بن جدعان عن عمر بن حرملة عنه به. أخرجه أبو داود (2 / 135) والترمذي (3451) وابن السني (468) وأحمد (1 / 284) وابن سعد ( 1 / 397) وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: وهو كما قال بمجموع الطريقين ، وإلا فابن جدعان سيء الحفظ. والله أعلم. 2321 - " من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى ". رواه ابن خزيمة (176) وابن حبان (561) والحاكم (1 / 282) والطبراني في " الأوسط " (50 / 2 من ترتيبه) عن هارون بن مسلم العجلي البصري حدثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة، فقال: غسلك هذا من الجنابة أو للجمعة؟ قلت: من جنابة . قال: أعد غسلا آخر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قال الطبراني: " لم يروه عن يحيى إلا أبان، ولا عنه إلا هارون ". قلت: وهو صدوق كما قال الحافظ في " التقريب ". ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، وهارون بن مسلم العجلي، يقال له: الحنائي،

ثقة ". قلت: وهو ليس من رجال الشيخين بل ولا بقية الستة، خلافا لما يوهمه كلام الحاكم، وإن وافقه الذهبي. وأما ابن خزيمة، فقد أعله بعنعة يحيى، فقال: ".. إن كان يحيى بن أبي كثير سمع الخبر من عبد الله بن أبي قتادة ". قلت: قد احتج به الشيخان وغيرهما، فالظاهر أن عنعنته إنما تضر فيما رواه عن أنس ونحوه. والله أعلم. وأما قول المناوي في " الفيض " عقب قول الحاكم المتقدم: " وتعقبه الذهبي في " المهذب "، فقال: هذا حديث منكر ، وهارون لا يدرى من هو؟ ". قلت: وهذا من أوهام الذهبي، فإنه ظن أن هارون بن مسلم هذا هو الذي روى عن قتادة وعنه سلم بن قتيبة وغيره، قال أبو حاتم فيه: " مجهول ". وكذا في " الميزان ". ثم ذكر فيه عقبه هارون بن مسلم صاحب الحناء، ونقل فيه قول أبي حاتم المتقدم: " فيه لين ". وقول الحاكم: " ثقة ". فاختلط عليه هذا بالذي قبله في " المهذب "، فنشأ الوهم.

2322

2322 - " من أكل لحما فليتوضأ ". أخرجه أحمد (4 / 180، 5 / 289) عن معاوية بن صالح عن سليمان بن أبي الربيع - قال أحمد: هو سليمان بن عبد الرحمن الذي روى عنه شعبة وليث بن سعد - عن القاسم مولى معاوية قال: " دخلت مسجد دمشق، فرأيت أناسا مجتمعين، وشيخا يحدثهم، قلت: من هذا؟ قالوا: سهل بن الحنظلية، فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " فذكره. قلت: وهذا سند حسن، بعد أن كشف لنا الإمام أحمد عن هوية سليمان بن أبي الربيع هذا، فقد قال الهيثمي (1 / 248 ) بعدما عزاه لأحمد: " لم أر من ترجمه ". وهذه حقيقة، فالرجل لم يتعرض له أحد بذكر بهذا الاسم الذي وقع في هذا السند، حتى ولا الحافظ في " التعجيل "، فرحم الله الإمام أحمد، ما أكثر علمه وفوائده! وسليمان الذي روى عنه الليث وشعبة هو ابن عبد الرحمن بن عيسى، ويقال: سليمان بن يسار، ويقال: سليمان بن أنس بن عبد الرحمن الدمشقي كما في " التهذيب ". قلت: وينبغي أن يزاد: " ويقال: سليمان بن أبي الربيع ". قلت: وهو ثقة. والقاسم هو ابن أبي عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، وهو حسن الحديث. (فائدة) : الأمر في الحديث للاستحباب إلا في لحم الإبل، فهو للوجوب لثبوت التفريق بينه وبين غيره من اللحوم، فإنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل؟

2323

فقال: " توضؤوا "، وعن لحوم الغنم؟ فقال: " إن شئتم ". رواه مسلم وغيره. وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 152 / 118) . 2323 - " من أكل مع قوم تمرا، فأراد أن يقرن فليستأذنهم ". أخرجه ابن بشران في " الفوائد المنتخبة " (63 / 2) والخطيب في " التاريخ " ( 7 / 180) من طريق عامر بن أبي الحسين، حدثني رحمة بن مصعب عن الشيباني عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، لولا أن عامرا هذا أورده العقيلي في " الضعفاء " وقال: " لا يتابع على حديثه ". لكنه قد توبع، فرواه ابن فضيل عن أبي إسحاق - وهو الشيباني - بلفظ: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقران، إلا أن تستأذن أصحابك ". أخرجه أبو داود (2 / 148) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه سفيان: حدثنا جبلة بن سحيم به، مثل لفظ ابن فضيل. أخرجه البخاري (5 / 99 - فتح) ومسلم (6 / 123 ) والترمذي (1815) وابن ماجة (2 / 317) وأحمد (2 / 60) وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح ". وتابعه أيضا شعبة عن جبلة، قال: " كنا بالمدينة، فأصبتنا سنة، فكان ابن الزبير يرزقنا التمر، وكان ابن عمر يمر بنا فيقول: لا تقرنوا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى.. " الحديث. أخرجه الشيخان والدارمي (2 / 103) والطيالسي (1 / 131) والبيهقي (7

/ 281) وزاد مسلم في رواية له: " قال شعبة: لا أرى هذه الكلمة إلا من كلمة ابن عمر. يعني الاستئذان ". قلت: وهذا شاذ، لم يذكره سائر الرواة عن شعبة، فإن ثبت عنه فهو رأي له، لا يعتد به، ولاسيما وهي ثابتة في رواية سفيان - وهو الثوري - وغيره في صلب الحديث كما تقدم، ويأتي. وتابعه أيضا ابن أبي غنية، فقال الإمام أحمد (2 / 131) : حدثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية حدثنا أبي عن جبلة بن سحيم به مرفوعا بلفظ: " إذا أكل أحدكم مع صاحبه فلا يقرنن حتى تستأمره . يعني: التمر ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وللحديث شاهد مختصر ، يرويه أبو عامر الخزاز عن الحسن عن سعد مولى أبي بكر قال: " قدمت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرا، فجعلوا يقرنون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقرنوا ". أخرجه ابن ماجة والحاكم (4 / 120) وأحمد (1 / 199) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! وأخرج الحاكم أيضا ، وابن حبان (1350) عن جرير عن عطاء بن السائب عن الشعبي عن أبي هريرة قال: " كنت في أصحاب الصفة، فبعث إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر عجوة، فكبت بيننا، فجعلنا نأكل الثنتين من الجوع، وجعل أصحابنا إذا قرن أحدهم، قال لصاحبه: إني قد قرنت فاقرنوا ". وقال الحاكم ووافقه الذهبي:

2324

" صحيح الإسناد "! قلت: عطاء كان اختلط، وجرير سمع منه في اختلاطه لكنه قوي بما قبله والله أعلم. 2324 - " من أمركم من الولاة بمعصية فلا تطيعوه ". أخرجه ابن ماجة (2 / 201 - 202) وابن حبان (1552) وأحمد (3 / 67) عن محمد بن عمرو عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث علقمة بن مجزز على بعث وأنا فيهم، فلما انتهى إلى رأس عزاته، أو كان ببعض الطريق، استأذنته طائفة من الجيش، فأذن لهم، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة بن قيس السهمي، فكنت فيمن غزا معه، فلما كان في بعض الطريق، أوقد القوم نارا ليصطلوا، أو ليصنعوا عليها صنيعا، فقال عبد الله - وكانت فيه دعابة -: أليس لي عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى، قال : فما أنا بآمركم بشيء إلا صنعتموه؟ قالوا: نعم، قال، فإني أعزم عليكم إلا تواثبتم في هذه النار، فقام ناس فتحجزوا، فلما ظن أنهم واثبون قال: أمسكوا على أنفسكم، فإنما كنت أمزح معكم، فلما قدمنا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. وروى الحاكم (3 / 630) طرفا من أوله. قلت: وإسناده حسن. 2325 - " من أم قوما وهم له كارهون، فإن صلاته لا تجاوز ترقوته ". رواه ابن عساكر (4 / 15 / 2) عن أبي بكر الهذلي عن شهر بن حوشب عن أبي عبد الله الصنابحي:

2326

أن جنادة بن أبي أمية أم قوما، فلما قام من الصلاة التفت عن يمينه فقال: أترضون؟ قالوا: نعم. ثم فعل ذلك عن يساره، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا ، آفته أبو بكر الهذلي، متروك الحديث. وشهر بن حوشب سيء الحفظ. من طريقه أخرجه الطبراني كما في " فيض القدير ". لكن الحديث قد صح بمجموع رواية جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة، فراجع " الترغيب " (1 / 171) مع تخرجنا عليه. 2326 - " من باع بيعتين في بيعة، فله أوكسهما أو الربا ". رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (6 / 120 / 502) وعنه (3461) وابن حبان في " صحيحه " (1110) وكذا الحاكم (2 / 45) والبيهقي (5 / 343) : أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن وقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ثم ابن حزم في " المحلى " (9 / 16) . ورواه النسائي (7 / 296 - الطبعة الجديدة) والترمذي (1 / 232) وصححه، وابن الجارود (286) وابن حبان أيضا (1109) والبغوي في " شرح السنة " (8 / 142 / 211) وصححه أيضا، وأحمد (2 / 432 و 475 و503) والبيهقي من طرق عن محمد بن عمرو به بلفظ: " نهى عن بيعتين في بيعة ".

وقال البيهقي: " قال عبد الوهاب (يعني: ابن عطاء) : " يعني: يقول: هو لك بنقد بعشرة، وبنسيئة بعشرين ". وبهذا فسره الإمام ابن قتيبة، فقال في " غريب الحديث " (1 / 18) : " ومن البيوع المنهي عنها ... شرطان في بيع، وهو أن يشتري الرجل السلعة إلى شهرين بدينارين وإلى ثلاثة أشهر بثلاثة دنانير وهو بمعنى بيتعتين في بيعة ". والحديث بهذا اللفظ مختصر صحيح، فقد جاء من حديث ابن عمر وابن عمرو، وهما مخرجان في " الإرواء " (5 / 150 - 151) . ولعل في معنى الحديث قول ابن مسعود: " الصفقة في الصفقتين ربا ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (8 / 138 - 139) وابن أبي شيبة أيضا (6 / 199) وابن حبان ( 163 و 1111) والطبراني (41 / 1) وسنده صحيح، وفي سماع عبد الرحمن من أبيه ابن مسعود خلاف، وقد أثبته جماعة والمثبت مقدم على النافي. ورواه أحمد (1 / 393) وهو رواية لابن حبان (1112) بلفظ: " لا تصلح سفقتان في سفقة (ولفظ ابن حبان: لا يحل صفقتان في صفقة) وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه ". وسنده صحيح أيضا. وكذا رواه ابن نصر في " السنة " (54) . وزاد في رواية: " أن يقول الرجل: إن كان بنقد فبكذا وكذا، وإن كان إلى أجل فبكذا وكذا ". وهو رواية لأحمد (1 / 398) ، وجعله من قول سماك، الراوي عن عبد الرحمن

بن عبد الله. ثم إن الحديث رواه ابن نصر (55) وعبد الرزاق في " المصنف " (8 / 137 / 14629) بسند صحيح عن شريح قال: فذكره من قوله مثل لفظ حديث الترجمة بالحرف الواحد. قلت: وسماك هو ابن حرب وهو تابعي معروف، قال: أدركت ثمانين صحابيا. فتفسيره للحديث ينبغي أن يقدم - عند التعارض - ولاسيما وهو أحد رواة هذا الحديث، والراوي أدرى بمرويه من غيره لأن المفروض أنه تلقى الرواية من الذي رواها عنه مقرونا بالفهم لمعناها، فكيف وقد وافقه على ذلك جمع من علماء السلف وفقهائهم: 1 - ابن سيرين، روى أيوب عنه: أنه كان يكره أن يقول: أبيعك بعشرة دنانير نقدا، أو بخمسة عشر إلى أجل. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " ( 8 / 137 / 14630) بسند صحيح عنه. وما كره ذلك إلا لأنه نهي عنه. 2 - طاووس، قال: إذا قال: هو بكذا وكذا إلى كذا وكذا، وبكذا وكذا إلى كذا وكذا، فوقع المبيع على هذا، فهو بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين. أخرجه عبد الرزاق أيضا (14631) بسند صحيح أيضا. ورواه هو (14626) وابن أبي شيبة (6 / 120) من طريق ليث عن طاووس به مختصرا، دون قوله: " فوقع البيع.. ". وزاد: " فباعه على أحدهما قبل أن يفارقه، فلا بأس به ". فهذا لا يصح عن طاووس لأن ليثا - وهو ابن أبي سليم - كان اختلط. 3 - سفيان الثوري، قال:

إذا قلت: أبيعك بالنقد إلى كذا، وبالنسيئة بكذا وكذا، فذهب به المشتري، فهو بالخيار في البيعين، ما لم يكن وقع بيع على أحدهما، فإن وقع البيع هكذا، فهو مكروه وهو بيعتان في بيعة وهو مردود وهو منهي عنه، فإن وجدت متاعك بعينه أخذته، وإن كان قد استهلك فلك أوكس الثمنين ، وأبعد الأجلين. أخرجه عبد الرزاق (14632) عنه. 4 - الأوزاعي، نحوه مختصرا، وفيه: " فقيل له: فإن ذهب بالسلعة على ذينك الشرطين؟ فقال: هي بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين ". ذكره الخطابي في " معالم السنن " (5 / 99) . ثم جرى على سنتهم أئمة الحديث واللغة، فمنهم: 5 - الإمام النسائي، فقال تحت باب " بيعتين في بيعة ": " وهو أن يقول: أبيعك هذه السلعة بمئة درهم نقدا، وبمئتي درهم نسيئة ". وبنحوه فسر أيضا حديث ابن عمرو: " لا يحل شرطان في بيع "، وهو مخرج في " الإرواء " (1305) وانظر " صحيح الجامع " (7520) . 6 - ابن حبان، قال في " صحيحه " (7 / 225 - الإحسان) : " ذكر الزجر عن بيع الشيء بمئة دينار نسيئة، وبتسعين دينارا نقدا ". ذكر ذلك تحت حديث أبي هريرة باللفظ الثاني المختصر. 7 - ابن الأثير في " غريب الحديث "، فإنه ذكر ذلك في شرح الحديثين المشار إليهما آنفا. حكم بيع التقسيط: وقد قيل في تفسير (البيعتين) أقوال أخرى، ولعله يأتي بعضها، وما تقدم أصح

وأشهر، وهو ينطبق تماما على المعروف اليوم بـ (بيع التقسيط) ، فما حكمه؟ لقد اختلف العلماء في ذلك قديما وحديثا على ثلاثة أقوال: الأول: أنه باطل مطلقا. وهو مذهب ابن حزم. الثاني: أنه لا يجوز إلا إذا تفرقا على أحدهما. ومثله إذا ذكر سعر التقسيط فقط. الثالث: أنه لا يجوز، ولكنه إذا وقع ودفع أقل السعرين جاز. 1 - جليل هذا المذهب ظاهر النهي في الأحاديث المتقدمة، فإن الأصل فيه أنه يقتضي البطلان. وهذا هو الأقرب إلى الصواب لولا ما يأتي ذكره عند الكلام على دليل القول الثالث. 2 - ذهب هؤلاء إلى أن النهي لجهالة الثمن، قال الخطابي: " إذا جهل الثمن بطل البيع. فأما إذا باته على أحد الأمرين في مجلس العقد، فهو صحيح ". وأقول: تعليلهم النهي عن بيعتين في بيعة بجهالة الثمن، مردود لأنه مجرد رأي مقابل النص الصريح في حديث أبي هريرة وابن مسعود أنه الربا. هذا من جهة. ومن جهة أخرى أن هذا التعليل مبني على القول بوجوب الإيجاب والقبول في البيوع ، وهذا مما لا دليل عليه في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل يكفي في ذلك التراضي وطيب النفس، فما أشعر بهما ودل عليهما فهو البيع الشرعي وهو المعروف عند بعضهم ببيع المعاطاة "، قال الشوكاني في " السيل الجرار " (3 / 126) : " وهذه المعطاة التي تحقق معها التراضي وطيبة النفس هي البيع الشرعي الذي أذن الله به، والزيادة عليه هي من إيجاب ما لم يوجبه الشرع ". وقد شرح ذلك شيخ الإسلام في " الفتاوي " (29 / 5 - 21) بما لا مزيد عليه،

فليرجع إليه من أراد التوسع فيه. قلت: وإذا كان كذلك، فالشاري حين ينصرف بما اشتراه، فإما أن ينقد الثمن، وإما أن يؤجل، فالبيع في الصورة الأولى صحيح، وفي الصورة الأخرى ينصرف وعليه ثمن الأجل - وهو موضع الخلاف - فأين الجهالة المدعاة؟ وبخاصة إذا كان الدفع على أقساط، فالقسط الأول يدفع نقدا، والباقي أقساط حسب الاتفاق. فبطلت علة الجهالة أثرا ونظرا. 3 - دليل القول الثالث حديث الترجمة وحديث ابن مسعود، فإنهما متفقان على أن " بيعتين في بيعة ربا "، فإذن الربا هو العلة، وحينئذ فالنهي يدور مع العلة وجودا وعدما، فإذا أخذ أعلى الثمنين، فهو ربا، وإذا أخذ أقلهما فهو جائز كما تقدم عن العلماء الذين نصوا أنه يجوز أن يأخذ بأقل الثمنين إلى أبعد الأجلين، فإنه بذلك لا يكون قد باع بيعتين في بيعة، ألا ترى أنه إذا باع السلعة بسعر يومه، وخير الشاري بين أن يدفع الثمن نقدا أو نسيئة أنه لا يصدق عليه أنه باع بيعتين في بيعة كما هو ظاهر، وذلك ما نص عليه صلى الله عليه وسلم في قوله المتقدم: " فله أوكسهما أو الربا "، فصحح البيع لذهاب العلة، وأبطل الزيادة لأنها ربا، وهو قول طاووس والثوري والأوزاعي رحمهم الله تعالى كما سبق. ومنه تعلم سقوط قول الخطابي في " معالم السنن " (5 / 97) : " لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بظاهر هذا الحديث، وصحح البيع بأوكس الثمنين، إلا شيء يحكى عن الأوزاعي، وهو مذهب فاسد، وذلك لما تتضمنه هذه العقدة من الغرر والجهل ". قلت: يعني الجهل بالثمن كما تقدم عنه وقد علمت مما سلف أن قوله هو الفاسد لأنه أقامه على علة لا أصل لها في الشرع، بينما قول الأوزاعي قائم على نص الشارع كما تقدم، ولهذا تعقبه الشوكاني بقول في " نيل الأوطار " (5 / 129) : " ولا يخفى أن ما قاله الأوزاعي هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالأوكس يستلزم

صحة البيع ". قلت: الخطابي نفسه قد ذكر أن الأوزاعي قال بظاهر الحديث ، فلا فرق بينه وبين الخطابي من هذه الحيثية إلا أن الخطابي تجرأ في الخروج عن هذا الظاهر ومخالفته لمجرد علة الجهالة التي قالوها برأيهم خلافا للحديث. والعجيب حقا أن الشوكاني تابعهم في ذلك بقوله: " والعلة في تحريم بيعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين.. ". وذلك لأن هذه المتابعة تتماشى مع الذين يوجبون الإيجاب والقبول في البيوع، والشوكاني يخالفهم في ذلك، ويقول بصحة بيع المعاطاة، وفي هذه الصورة (أعني المعطاة) الاستقرار متحقق كما بينته آنفا. ثم إنه يبدو أن الشوكاني - كالخطابي - لم يقف على من قال بظاهر الحديث - كالأوزاعي -، وإلا لما سكت على ما أفاده كلام الخطابي من تفرد الأوزاعي، وقد روينا لك بالسند الصحيح سلفه في ذلك - وهو التابعي الجليل طاووس - وموافقة الإمام الثوري له، وتبعهم الحافظ ابن حبان، فقال في " صحيحه " (7 / 226) : " ذكر البيان بأن المشتري إذا اشترى بيعتين في بيعة على ما وصفنا وأراد مجانبة الربا كان له أوكسهما ". ثم ذكر حديث الترجمة ، فهذا مطابق لما سبق من أقوال أولئك الأئمة، فليس الأوزاعي وحده الذي قال بهذا الحديث. أقول هذا بيانا للواقع، ولكي لا يقول بعض ذوي الأهواء أو من لا علم عنده، فيزعم أن مذهب الأوزاعي هذا شاذ! وإلا فلسنا - والحمد لله - من الذين لا يعرفون الحق إلا بكثرة القائلين به من الرجال، وإنما بالحق نعرف الرجال. والخلاصة أن القول الثاني ثم أضعف الأقوال لأنه لا دليل عنده إلا الرأي،

مع مخالفة النص، ويليه القول الأول لأن ابن حزم الذي قال به ادعى أن حديث الترجمة منسوخ بأحاديث النهي عن بيعتين في بيعة، وهذه دعوى مردودة لأنها خلاف الأصول، فإنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع، وهذا من الممكن هنا بيسر، فانظر مثلا حديث ابن مسعود، فإنك تجده مطابقا لهذه الأحاديث، ولكنه يزيد عليها ببيان علة النهي، وأنها (الربا) . وحديث الترجمة يشاركه في ذلك، ولكنه يزيد عليه فيصرح بأن البيع صحيح إذا أخذ الأوكس، وعليه يدل حديث ابن مسعود أيضا لكن بطريق الاستنباط على ما تقدم بيانه. هذا ما بدا لي من طريقة الجمع بين الأحاديث والتفقه فيها، وما اخترته من أقوال العلماء حولها ، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، والله أسأل أن يغفره لي وكل ذنب لي. واعلم أخي المسلم! أن هذه المعاملة التي فشت بين التجار اليوم، وهي بيع التقسيط، وأخذ الزيادة مقابل الأجل، وكلما طال الأجل زيد في الزيادة، إن هي إلا معاملة غير شرعية من جهة أخرى لمنافاتها لروح الإسلام القائم على التيسير على الناس والرأفة بهم، والتخفيف عنهم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " رحم الله عبدا سمحا إذا باع سمحا إذا اشترى، سمحا إذا اقتضى ". رواه البخاري. وقوله: من كان هينا، لينا، قريبا حرمه الله على النار ". رواه الحاكم وغيره، وقد سبق تخريجه برقم (938) . فلو أن أحدهم اتقى الله تعالى ، وباع بالدين أو بالتقسيط بسعر النقد، لكان أربح له حتى من الناحية المادية لأن ذلك مما يجعل الناس يقبلون عليه ويشترون من عنده ويبارك له في رزقه، مصداق قوله عز وجل: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من

2327

حيث لا يحتسب ) * (¬1) . وبهذه المناسبة أنصح القراء بالرجوع إلى رسالة الأخ الفاضل عبد الرحمن عبد الخالق: " القول الفصل في بيع الأجل " فإنها فريدة في بابها، مفيدة في موضوعها، جزاه الله خيرا. 2327 - " من باع دارا ولم يجعل ثمنها في مثلها، لم يبارك له فيها ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 328) وابن ماجة (2 / 97) والطيالسي (1 / 263) وابن عدي (358 / 1) عن يوسف بن ميمون عن أبي عبيدة بن حذيفة عن أبيه حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، يوسف بن ميمون - هو المخزومي مولاهم الكوفي الصباغ - ضعيف، ومع ذلك قال ابن عدي: " هذا الحديث لا أرى به بأسا ". قلت: لعل ذلك لأنه تابعه يزيد بن أبي خالد الدالاني عن أبي عبيدة به. أخرجه البخاري أيضا وكذا الطيالسي والبيهقي (6 / 33) . ويزيد هذا - هو أبو خالد الدالاني - من رجال " التهذيب "، قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا، وكان يدلس ". ولم يعرفه البوصيري في " زوائده "، فقال (155 / 1) : " لم أعلم يزيد بن أبي خالد بعدالة ولا جرح ". قلت: والسبب في ذلك أنه عزاه البيهقي فقط، ووقع فيه: " يزيد بن أبي خالد " ¬

(¬1) الطلاق: الآية: 2. اهـ.

ليس فيه زيادة: " الدالاني "، وهي ثابتة عند البخاري، ثم هو مشهور بكنيته، واسم أبيه عبد الرحمن، فهو يزيد بن عبد الرحمن، وهكذا ذكروا اسمه لما ترجموا الابن في كنيته المذكورة، فخفي أمره على البوصيري. أقول: ومن ضعفه أنه اضطرب في إسناده، فرواه وهب بن جرير : أخبرنا شعبة عنه به مرفوعا. أخرجه من هذا الوجه البخاري والبيهقي وأبو جعفر الرزاز في " حديثه " (4 / 75 / 1) . وتابعه سلم بن قتيبة سمع شعبة رفعه . أخرجه البخاري. وخالفهم ابن مهدي وغندر وآدم، ثلاثتهم عن شعبة به موقوفا على حذيفة. أخرجه البخاري عنهم. وتابعهم الطيالسي، فقال: حدثنا شعبة به موقوفا. وقد ذكر ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 290) هذا الاختلاف على شعبة، وساق رواية وهب المرفوعة، ورواية الطيالسي الموقوفة، ثم قال عن أبيه : " موقوف عندي أقوى، ويزيد أبو خالد ليس بالدالاني ". كذا قال! وبعد تصريح البخاري في بعض روايات الحديث بأنه الدالاني، فلا وجه للنفي لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. وللحديث شاهد من حديث سعيد بن حريث مرفوعا به. أخرجه ابن ماجة والبيهقي وأحمد (3 / 467، 4 / 307) وابن عدي (9 / 1) والضياء في " المنتقى من مسموعاته " (79 / 2) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر حدثني عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث عن أخيه سعيد بن حريث به.

قلت: وإسماعيل هذا ضعيف كما في " التقريب ". لكن تابعه أبو حمزة عن عبد الملك بن عمير به. أخرجه البيهقي من طريق الحاكم بسنده عن محمد بن موسى بن حاتم حدثنا علي بن الحسن بن شقيق حدثنا أبو حمزة. قلت: وأبو حمزة - هو محمد بن ميمون السكري - ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه، إلا أن محمد بن موسى بن حاتم متكلم فيه. قال القاسم السياري: " أنا بريء من عهدته ". وقال ابن أبي سعد: " إن كان محمد بن علي الحافظ سيء الرأي فيه ". وتابعه قيس بن الربيع أيضا عن عبد الملك بن عمير به. ذكره البوصيري دون أن يعزوه لمخرج، وأظنه يعني ما أخرجه أحمد (1 / 190) عن قيس بن الربيع حدثنا عبد الملك بن عمير عن عمرو بن حريث قال: " قدمت المدينة، فقاسمت أخي، فقال سعيد بن زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يبارك في ثمن أرض ولا دار لا يجعل في أرض ولا دار ". قلت: فأنت ترى أن قيس بن الربيع جعله من حديث سعيد بن زيد لا من حديث سعيد بن حريث. ولعل ذلك من سوء حفظه الذي ضعف بسببه. وقد روي من طريق أخرى عن عمرو بن حريث مرفوعا، ولكن إسناده واه، فقال ابن أبي حاتم (2 / 324) : " سألت أبي عن حديث رواه عقبة بن خالد عن الصباح بن يحيى عن خالد بن أبي أمية عن عمرو بن حريث: (فذكره) ، قال أبي: يروونه عن عمرو بن حريث عن أخيه سعيد بن حريث ".

قلت: يشير إلى أنه منكر من مسند عمرو بن حريث، وآفته الصباح هذا، فقد أورده الهيثمي في " المجمع " (4 / 111) عن حذيفة وعمرو بن حريث معا مرفوعا، وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه الصباح بن يحيى وهو متروك ". ثم إن للحديث شاهدا آخر من حديث أبي أمامة غير أن سنده واه جدا، فإنه من رواية إبراهيم بن حبان بن حكيم بن علقمة بن سعد بن معاذ عن حماد بن سلمة عن برد بن سنان عن مكحول عنه مرفوعا. أخرجه ابن عدي في ترجمة إبراهيم هذا (ق 4 / 1) ، وقال: " ضعيف الحديث ". ثم ساق له حديثين هذا أحدهما، ثم قال : " وهذان الحديثان مع أحاديث أخرى عامتها موضوعة مناكير، وهكذا سائر أحاديثه ". وجملة القول أن الحديث بمتابعته وشاهده الأول لا ينزل عن رتبة الحسن. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت في بعض أصولي وأوراقي القديمة بخطي أن الحافظ السخاوي حسنه أيضا في " الفتاوي الحديثية " (ق 30 / 2) . ثم وجدت له شاهدا ثالثا يرويه عبد القدوس بن محمد العطار، حدثنا يزيد بن تميم بن زيد حدثني أبو مرحوم السندي: حدثني المنتصر بن عمارة عن أبيه عن أبي ذر مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 143 / 2) ، وقال: " لا يروى عن أبي ذر إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد القدوس ". قلت: هو صدوق من شيوخ البخاري، لكن من بينه وبين أبي ذر لم أعرفهم، وقد

نقل الحافظ في " اللسان " عن " تلخيص " الذهبي أنه قال في المنتصر بن عمارة وأبيه: " مجهولان ". (تنبيه) : بعد كتابة ما تقدم رجعت إلى بعض أصولي القديمة التي عندي، فوجدت فيه أن أبا يعلى الموصلي أخرج الحديث في " حديث محمد بن بشار " (127 / 1) من طريق شعبة بسنده المتقدم عن حذيفة مرفوعا وموقوفا، والوقف أكثر. وجاء في بعض طرقه ما يأتي: " قال بندار - هو محمد بن بشار -: فقلت لعبد الرحمن بن مهدي: تحفظ هذا الحديث عن شعبة؟ قال: نعم. قلت: حدثني به. فقال: حدثني شعبة عن يزيد أبي خالد. قلت له: الدالاني؟ قال: ليس بالدالاني. فقلت له: فإن ههنا من يرويه عن شعبة عن يزيد أبي خالد الدالاني، فألح علي؟ قلت: حرمي بن عمارة، قال: ويحه! ما أقل علمه بالحديث! يزيد الدالاني أصغر من أن يسمع من أبي عبيدة بن حذيفة ". قلت: ولا أجد ما يحملنا على نفي سماعه منه، فأبو عبيدة تابعي من الطبقة الثاني عند الحافظ، وقد ذكروا له - أعني أبا خالد - رواية عن قتادة، وهو رأس الطبقة الرابعة عنده، وعن أبي إسحاق السبيعي، وهو من الطبقة الثالثة، ويحيى بن إسحاق بن عبد الله بن طلحة الأنصاري، وإبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي، وهما من الخامسة، وكل هؤلاء رووا عن الصحابة، كأبي عبيدة، فما الذي يمنع أن يكون أبو خالد سمع منه كما سمع من هؤلاء التابعين الذين ذكرنا وغيرهم ممن لم نذكر؟ بل هذا هو الذي يشير إليه صنيع الحافظ في ترجمة أبي خالد، فإنه قال: " إنه من السابعة ". وقد ذكر في المقدمة أن الطبقة السادسة هم الذين عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج، وأن السابعة كبار أتباع التابعين كمالك والثوري

2328

فإذن أبو خالد الدالاني في اطلاع الحافظ العسقلاني - وكفى به حجة في هذا العلم - وهو من كبار أتباع التابعين، فليس هناك ما يمنع من إمكان سماعه من الطبقة الثانية، وهي تعني كبار التابعين. والله أعلم. ومما يسترعي الانتباه أن هذا النفي الذي رواه أبو يعلى عن محمد بن بشار عن ابن مهدي قد روى البخاري عنه ما ينافيه، وعليه اعتمدت في إثبات أنه الدالاني، فقد قال في ترجمة يزيد أبي خالد الواسطي عن إبراهيم السكسكي: قال لي محمد بن بشار: أخبرنا ابن مهدي وغندر عن شعبة عن يزيد بن أبي خالد الدالاني عن أبي عبيدة ... فعلق عليه المحقق اليماني بقوله: " هكذا في الأصلين، وكأنه من أوهام ابن بشار، زاد كلمة: " ابن "، وزاد: " الدالاني ". والله أعلم ". وكان عمدته في هذا التوهيم قول ابن أبي حاتم المتقدم: " وليس بالدالاني ". وقد نقله اليماني عنه قبيل تعليقه المذكور. وبالجملة، فهذه مسألة مشكلة، تحتاج إلى مزيد من البحث والتحقيق، فإن تخطئة الإمام البخاري أو أحد رواته الثقات ليس بالأمر الهين، فعسى الله أن ييسر لي أو لغيري ممن له عناية بهذا العلم الشريف ما يكشف عن الحقيقة، ويزيل المشكلة، ولكن ذلك لا يمنع من تحسين الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2328 - " من تواضع لله رفعه الله ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 46) عن علي بن الحسن بن أبي الربيع الزاهد حدثنا إبراهيم بن أدهم قال: سمعت محمد بن عجلان يذكر عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، وقال:

" غريب من حديث إبراهيم، لا أعرف له طريقا غيره ". قلت: وهو صدوق مع زهده، فالحديث حسن لأن من فوقه ثقات معروفون لولا أن الراوي عن إبراهيم لم أعرفه، لكن صنيع أبي نعيم يشعر بأنه لم يتفرد به. ومن الغريب قوله: " لا أعرف له طريقا غيره ". مع أن مسلما أخرجه في " صحيحه " (8 / 21) من طريق العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا به في حديث، وأخرجه غيره أيضا، وقد خرجته في " إرواء الغليل " (2262) . وله شاهد من حديث عمر مرفوعا، وزاد: " وقال: انتعش رفعك الله، فهو في نفسه صغير وفي أعين الناس عظيم ومن تكبر خفضه الله، وقال: اخسأ خفضك الله، فهو في أعين الناس صغير وفي نفسه كبير، حتى يكون أهون عليهم من كلب ". أخرجه أبو نعيم (7 / 129) والخطيب (2 / 110) وقالا: " غريب من حديث الثوري، تفرد به سعيد بن سلام ". قلت: وهو كذاب، كما قال أحمد وغيره ولذا خرجته في " الضعيفة " ( 1295) . وللحديث شاهد آخر من رواية دراج، وهو ضعيف، عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " من تواضع لله درجة يرفعه الله درجة، حتى يجعله في أعلى عليين، ومن تكبر على الله درجة يضعه الله درجة، حتى يجعله في أسفل السافلين ". أخرجه ابن ماجة (2 / 544) وابن حبان (1942) . ثم وجدت لحديث عمر طريقا أخرى من رواية عاصم بن محمد عن أبيه عن ابن

2329

عمر عنه - قال: لا أعلمه إلا - رفعه، قال: " يقول الله تبارك وتعالى: من تواضع لي هكذا، رفعته هكذا . وجعل يزيد (ابن هارون) باطن كفه إلى الأرض وأدناها إلى الأرض، " رفعته هكذا " وجعل باطن كفه إلى السماء، ورفعها نحو السماء ". أخرجه أحمد (1 / 44) بسند صحيح، ومن طريقه وطريق غيره أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (رقم 199 - 201 بتحقيقي) . 2329 - " من تولى غير مواليه، فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه ". أخرجه أحمد (3 / 332) والبخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 143) عن يعقوب بن محمد بن طحلاء حدثنا خالد بن أبي حيان عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير خالد بن أبي حيان قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 324) : " سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: مديني ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (1 / 56 - هند) . 2330 - " من جامع المشرك وسكن معه، فإنه مثله ".. أخرجه أبو داود (2787) عن سليمان بن موسى أبي داود حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة بن جندب مرفوعا. وهذا إسناد ضعيف، سليمان بن سمرة قال الحافظ:

" مقبول ". وابنه خبيب مجهول. وجعفر بن سعد بن سمرة ليس بالقوي. وسليمان بن موسى أبو داود الكوفي الخراساني فيه لين. ومن هنا تعلم خطأ المناوي في قوله في " التيسير " : " وإسناده حسن ". مع أنه في " الفيض " تعقب رمز السيوطي لحسنه بضعف سليمان هذا! قلت: لكن له طريق أخرى يتقوى بها، أخرجه الحاكم (2 / 141 - 142) عن إسحاق بن إدريس حدثنا همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ: " لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا ". وقال: " صحيح على شرط البخاري "، ووافقه الذهبي، إلا أنه زاد: " ومسلم ". ولا أدري إذا كانت هذه الزيادة منه، أو من بعض نساخ كتابه: " التلخيص ". وسواء كان هذا أو ذاك، فتصحيحه وهم فاحش منهما لأن إسحاق بن إدريس هذا ليس من رجال الشيخين، ولا هو بثقة، بل إنه اتهم بالوضع، فقد أورده الذهبي نفسه في " الميزان " وقال: " تركه ابن المديني، وقال أبو زرعة: واه. وقال البخاري : تركه الناس. وقال الدارقطني: منكر الحديث. وقال: يحيى بن معين: كذاب يضع الحديث ". لكني وجدت له متابعا قويا يرويه إسحاق بن سيار حدثنا محمد بن عبد الملك عن همام به.

2331

أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 123) عن أبي العباس الشعراني عنه. ومحمد بن عبد الملك - هو أبو جابر الأزدي البصري - قال أبو حاتم: " أدركته، وليس بقوي ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 64 ) (¬1) . وإسحاق بن سيار - وهو النصيبي أبو يعقوب - قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 223) : " أدركناه، وكتب إلي ببعض حديثه، وكان صدوقا ثقة ". وأبو العباس الشعراني اسمه أحمد بن محمد بن جعفر الزاهد الجمال، وفي ترجمته ساق أبو نعيم الحديث، وقال: " كان من العباد الراغبين في الحج، وكان يصلي عند كل ميل ركعتين "! قلت: هذه الصلاة بدعة لم يفعلها السلف وإمامهم سيد الأنبياء عليه الصلاة والسلام، " وخير الهدي هدي محمد ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فالرجل مستور. وبالجملة، فالحديث عندي حسن بمجموع الطريقين، ولاسيما وقد مضى له شاهد بنحوه، فراجعه برقم (636) . 2331 - " من جلب على الخيل يوم الرهان، فليس منا ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 126 / 2) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي أخبرنا ضرار بن صرد أبو نعيم أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. ¬

(¬1) ترجم له من " الميزان " و " اللسان "، و " التهذيب " أيضا على خلاف قاعدته أن لا يترجم في " اللسان " لمن ترجم له في " التهذيب "، ورمز له فيه بـ " م " ، وأظنه وهما، ولم يترجم له في " التقريب ". اهـ.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، رجاله كلهم ثقات غير ضرار هذا، فهو متروك الحديث كما قال البخاري والنسائي، وضعفه غيرهما، إلا أن أبا حاتم قال فيه: " صدوق ، صاحب قرآن وفرائض، يكتب حديثه ولا يحتج به، روى حديثا عن معتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة بعض الصحابة ينكرها أهل المعرفة بالحديث ". قلت: ولخص ذلك الحافظ بقوله: " صدوق، له أوهام ". ولا يخفى ما فيه من التساهل، ولعل المناوي اغتر به حين قال في " التيسير ": " وإسناده لا بأس به ". لكنه لم يتفرد به، فقد قال الحافظ في " التلخيص " (4 / 165) : " رواه ابن أبي عاصم (يعني في " الجهاد ") ، والطبراني من حديث ابن عباس، وإسناد ابن أبي عاصم لا بأس به ". قلت: ولعل رواية ابن أبي عاصم هذه من الطريق التي رواها أبو يعلى في " مسنده " (4 / 303 / 2413) ، وعنه الضياء في " المختارة " (64 / 24 / 2) بسنده الصحيح عن ثور بن زيد عن إسحاق بن جابر عن عكرمة عن ابن عباس به. وقال الضياء : " إسحاق بن جابر العدني، لم يذكره ابن أبي حاتم في (كتابه) ". قلت: بلى قد ذكره، لكنه قال: " إسحاق بن عبد الله العدني، هو الذي يقال له إسحاق بن جابر ". فكأن جابرا جده. وهكذا ذكره البخاري (1 / 1 / 397) منسوبا لأبيه عبد الله. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (8 / 107) منسوبا لجده برواية عبد الله بن نافع الصائغ عنه. فقد روى عنه ثقتان: هذا، وثور بن زيد، فلعله لذلك قال الحافظ:

2332

" لا بأس بإسناده ". (الجلب) في السباق: أن يتبع الرجل فرسه إنسانا، فيزجره، ويصيح حثا على السوق. 2332 - " من حلف على يمين مصبورة كاذبا (متعمدا) فليتبوأ بوجهه مقعده من النار ". أخرجه أبو داود (2 / 74) والزيادة له، والطبري في " تفسيره " (6 / 533 / 7287) والحاكم (4 / 294) وأحمد (4 / 436 / 441) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 277) من طرق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عمران بن حصين مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، على الخلاف في سماع ابن سيرين من عمران بين الإمام أحمد والدارقطني، فالأول أثبت والآخر نفي والمثبت مقدم على النافي، ولاسيما وله في مسلم ثلاثة أحاديث (1 / 137 و 5 / 97 و 105) الأول منها صرح فيه بالتحديث عن عمران. 2333 - " من توضأ ثم قال: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق، ثم طبع بطابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة ". أخرجه النسائي في " اليوم والليلة " (¬1) (رقم 81) والحاكم (1 / 564) والضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " (68 / 1) عن أبي غسان يحيى بن كثير: حدثنا شعبة عن ¬

(¬1) " تحفة الأشراف " (3 / 447) . اهـ.

أبي هاشم (عن أبي مجلز) عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فذكره) . وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وأقول بل هو على شرط الشيخين، فإن رجاله كلهم ثقات من رجالهما. وأبو هاشم الرماني اسمه يحيى، واسم أبيه دينار، وقيل غير ذلك. وتابعه روح بن القاسم عن أبي هاشم به مرفوعا. أخرجه أبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة " (1 / 150 / 1) عن عيسى بن شعيب: أخبرنا روح بن القاسم. وهذا إسناد حسن، روح بن القاسم ثقة حافظ من رجال الشيخين أيضا. وعيسى بن شعيب - وهو النحوي البصري الضرير - صدوق له أوهام. وتابعه الوليد بن مروان عن أبي هاشم به نحوه. أخرجه أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (3 / 1 / 257 / 1) . والوليد هذا مجهول. وتابعه قيس بن الربيع عن أبي هاشم به مرفوعا. ذكره أبو نعيم في " اليوم والليلة " له. وقيس سيء الحفظ. وتابعه سفيان الثوري عن أبي هاشم به. أخرجه ابن السني (28) ، والمعمري (¬1) عن يوسف بن أسباط عنه. لكن يوسف هذا فيه ضعف، وقد خالفه عبد الرحمن بن مهدي، فقال: حدثنا سفيان ¬

(¬1) " النكت الظراف " للحافظ (3 / 447) . اهـ.

به، إلا أنه أوقفه على أبي سعيد. أخرجه الحاكم. وتابعه عبد الله بن المبارك عن سفيان به موقوفا. أخرجه النسائي. ثم أخرجه من طريق غندر عن شعبة بإسناده موقوفا. ولا شك أن الوقف أصح إسنادا، لكن قال الحافظ (¬1) : " مثله لا يقال من قبل الرأي، فله حكم المرفوع ". ثم وجدت للحديث شاهدا، فقال ابن بشران في " الأمالي " (147 / 1) : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن طاهر العلوي - بالمدينة -: حدثنا محمد بن الحسن بن نصر البغدادي المعروف بـ (المقدسي) : حدثنا محمد بن حسان الأزرق حدثنا وكيع بن الجراح عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا به. قلت: الأزرق ثقة مترجم في " التهذيب "، ومن فوقه من رجال الشيخين. والمقدسي لم أعرفه، ولم أره في " تاريخ بغداد "، وهو من شرطه. والعلوي لم أعرفه أيضا. والخلاصة: أن الحديث صحيح بمجموع طرقه المرفوعة، والموقوف لا يخالفه لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما تقدم عن الحافظ. ولعله من أجل ذلك ساقه ابن القيم في " زاد المعاد " (1 / 69) مساق المسلمات ، ولكنه عزاه لـ " سنن النسائي " وهو وهم لم يتنبه له المعلق عليه، ثم قصر في تخريجه تقصيرا فاحشا، فلم يعزه إلا لابن السني وضعف إسناده - وهو كذلك كما تقدم دون الأسانيد التي قبله - فأوهم أن الحديث ضعيف. والله المستعان. ¬

(¬1) " النكت الظراف " للحافظ (3 / 447) . اهـ.

2334

2334 - " من حلف في قطيعة رحم، أو فيما لا يصلح، فبره أن لا يتم على ذلك ". أخرجه ابن ماجة (1 / 648) عن حارثة بن أبي الرجال عن عمرة عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات غير حارثة، فإنه ضعيف كما قال الحافظ، وتبعه البوصيري (130 / 2) . لكني وجدت للحديث شاهدا قويا من رواية أبي معبد عن ابن عباس رفعه قال: " من حلف بيمين على قطيعة رحم أو معصية فحنث فذلك كفارة له ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 287) : حدثنا بكار حدثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله بن الزبير الأسدي الكوفي حدثنا محمد بن شريك عن سليمان الأحول عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب "، غير بكار - وهو ابن قتيبة الثقفي البكراوي، أبو بكرة الفقيه الحنفي البصري - قال السيوطي في " حسن المحاضرة " (1 / 263) : " روى عنه أبو عوانة في " صحيحه " وابن خزيمة، وولاه المتوكل القضاء بمصر سنة ست وأربعين ومائتين، وله أخبار في العدل والعفة والنزاهة والورع، مات سنة سبعين ومائتين ". قلت: وقد ذكره الذهبي في شيوخ الطحاوي في ترجمة هذا، بل ساق له حديثا آخر من روايته عن بكار بن قتيبة حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان.. أقول: هذا لاحتمال أن يكون بكار في هذا الحديث إنما هو ابن سهل الدمياطي مولى بني هاشم، فقد ذكر الذهبي في الرواة عنه الطحاوي، والدمياطي ضعيف كما قال

2335

النسائي ولكني أستبعد أن يكون هو المراد في الحديث، لأمرين: الأول: أنه لو كان هو لنسبه الإمام الطحاوي تفريقا بينه وبين بكار بن قتيبة الثقة. والآخر : أنني لم أر له رواية عن أبي أحمد الزبيري، بخلاف ابن قتيبة. والله أعلم. 2335 - " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة ". رواه البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 111 / 1873) والترمذي (2452) والحاكم (4 / 307 - 308) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (156 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (457) والقضاعي (33 / 1) وأبو نعيم في " الجنة " (8 / 2) عن أبي عقيل الثقفي حدثنا يزيد بن سنان التميمي قال: سمعت بكير بن فيروز قال: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره مرفوعا. وقال العقيلي: " يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي، لا يتابع عليه ولا يعرف إلا به، قال يحيى: ليس بشيء ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". وتساهل الترمذي فقال: " حديث حسن غريب "! والحاكم فقال:

2336

" صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! قلت: لا عجب من الحاكم، فتساهله معروف، وإنما العجب من متابعة الذهبي إياه وغفلته عن قوله هو نفسه في " المغني ": " يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي، مشهور، ضعفه أحمد وابن المديني "! نعم، للحديث شاهد جيد يرويه عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي ابن كعب عن أبيه مرفوعا به. وزاد: " جاءت الراجفة، تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه ". أخرجه الحاكم (4 / 308) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 377) بتمامه وأحمد (5 / 136) الزيادة فقط، وكذا الترمذي (2459) وقال: " حديث حسن صحيح ". وأقول: إنما هو حسن فقط للخلاف المعروف في ابن عقيل. وبالجملة، فالحديث بهذا الشاهد صحيح. 2336 - " من كان الله عز وجل خلقه لواحدة من المنزلتين يهيئه لعملها، وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: * (ونفس وما سواها. فألهمها فجورها وتقواها) * (¬1) ". أخرجه أحمد (4 / 438) : حدثنا صفوان بن عيسى أنبأنا عزرة بن ثابت عن يحيى بن عقيل عن ابن يعمر عن أبي الأسود الديلي قال: ¬

(¬1) الشمس: الآية: 7، 8. اهـ.

" غدوت على عمران بن حصين يوما من الأيام، فقال: يا أبا الأسود - فذكر الحديث - أن رجلا من جهينة أو من مزينة أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه، شيء قضي عليهم، أو مضى عليهم في قدر قد سبق، أو فيما يستقبلون مما أتاهم به نبيهم صلى الله عليه وسلم واتخذت عليهم به الحجة؟ قال : بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم. قال: فلم يعملون إذا يا رسول الله؟ قال: " فذكره. وأخرجه ابن جرير في " تفسيره " (30 / 135) من طريق صفوان بن عيسى وأبي عاصم النبيل قالا: حدثنا عزرة بن ثابت به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وابن يعمر اسمه يحيى أيضا. والحديث أخرجه مسلم (8 / 48 - 49) والطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 223 / 557) من طريق عثمان بن عمر حدثنا عزرة بن ثابت به نحوه، دون الشطر الأول من حديث الترجمة. وأورده السيوطي في " الجامع " مختصرا بلفظ: " من خلقه الله لواحدة من المنزلتين وفقه لعملها ". وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " عن عمران ". قلت: ولم يورده السهمي في " مجمع الزوائد " أصلا، وكأنه لإخراج مسلم إياه على ما ذكرنا. وهو عند الطبراني من طريق عون بن عمارة حدثنا عزرة به. قلت: وعون ضعيف، لكن يقويه صفوان وأبي عاصم المتقدمة. وقول المناوي في " التيسير ": " وإسناده حسن ". خطأ ظاهر.

2337

2337 - " من ذكرت عنده، فنسي الصلاة علي، خطئ به طريق الجنة ". رواه عيسى بن علي الوزير في " ستة مجالس " (190 / 2) قال: قرىء على أبي الحسن محمد بن الحسن الجنديسابوري - وأنا أسمع - قيل له: حدثكم جعفر بن عامر وسهل بن بحر قالا: حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن إن ثبتت عدالة الجنديسابوري هذا، فإني لم أعرفه. ومثله جعفر بن عامر، ولكنه مقرون مع سهل بن بحر، وهذا قد قال عنه ابن أبي حاتم (2 / 1 / 194) : " كتبت عنه بالري مع أبي، وكان صدوقا ". لكن الحديث صحيح، فقد روي عن ابن عباس عند ابن ماجة، وحسين بن علي عند الطبراني، وابنه محمد بن الحسين أبي جعفر الباقر مرسلا عند إسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " (رقم 41 - 44 بتحقيقي) وهي وإن كانت لا تخلو عن ضعف، فبعضها يقوي بعضا، ولاسيما والمرسل منها صحيح كما بينته هناك. 2338 - " من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكا يوم القيامة ". أخرجه ابن ماجة (2 / 177) : حدثنا محمد بن سعيد بن يزيد بن إبراهيم التستري حدثنا أبو عاصم عن شبيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، شبيب - وهو ابن بشر - مختلف فيه، وقال الحافظ:

2339

" صدوق يخطىء ". والتستري من شيوخ البزار وغيره من الحفاظ، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 140) برواية الحافظ أحمد بن يحيى بن زهير التستري عنه. 2339 - " من رمانا بالليل فليس منا ". له طريقان: الأول: عن أبي هريرة أخرجه أحمد (2 / 321) والبخاري في " الأدب المفرد " (1279) وابن حبان (1857) ، عن يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عنه مرفوعا. وقال البخاري: " في إسناده نظر ". قلت: وذلك لضعف يحيى هذا، لكن يقويه ما يأتي. الآخر: عن ابن عباس أخرجه الطبراني (3 / 126 / 2) عن عبد العزيز بن محمد عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات. 2340 - " من سب أصحابي، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ". رواه الطبراني (3 / 174 / 1) عن الحسن بن قزعة عن عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن عبد الله بن أبي الهذيل عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن خراش قال الحافظ: " ضعيف، وأطلق عليه ابن عمار الكذب ".

وله طريق آخر، رواه أبو القاسم المهراني في " الفوائد المنتخبة " (2 / 10 / 1) والسهمي (234) والخطيب في " التاريخ " (14 / 241) : عن علي بن يزيد الصدائي قال: أخبرنا أبو شيبة الجوهري عن أنس مرفوعا به، وزاد: " لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا "، قال: والعدل الفرائض، والصرف التطوع. وقال المهراني: " هذا حديث غريب من حديث أنس، تفرد بروايته أبو شيبة الجوهري عنه، ولا نعلم رواه عن أبي شيبة غير علي بن يزيد الصدائي " . قلت: وفيه لين كما في " التقريب ". وأبو شيبة الجوهري اسمه يوسف بن إبراهيم التميمي، وهو ضعيف. وله شاهد مرسل، يرويه البغوي في " حديث علي بن الجعد " (9 / 92 / 2) عن فضيل بن مرزوق عن محمد بن أبي مرزوق عن عطاء بن أبي رباح مرفوعا مرسلا به، دون قوله: " والملائكة ". قلت: ورجاله ثقات غير محمد بن أبي مرزوق فلم أجد له ترجمة، وقد ذكر المزي في شيوخ فضيل بن مرزوق محمد بن سعيد صاحب عكرمة، فلعله هو، ولكني لم أعرفه أيضا، ولا ذكره المزي في الرواة عن عكرمة. فالله أعلم، ولا أستبعد أن يكون محمد بن خالد الآتي. وتابعه ابن خالد عن عطاء به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 103) من طريق أبي يحيى الحماني عن سفيان عنه. وقال: " كذا رواه الحماني عن سفيان، وأرسله، وتفرد به عنه. ومحمد بن خالد يعرف بأبي حمنة الكوفي الضبي ".

2341

قلت: كذا وقع: " أبو حمنة "، وفي " الجرح " (3 / 2 / 241) : " أبو خبية " ، وقال عن أبيه: " ليس به بأس ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مختلف في كنيته، ولقبه سؤر الأسد، صدوق ". والحماني فيه ضعف مع كونه من رجال الشيخين، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: وبالجملة، فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي على أقل الدرجات. والله أعلم . ثم رأيت الحديث في " كتاب السنة " لابن أبي عاصم (1001) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو معاوية عن محمد بن خالد عن عطاء به. وهذا إسناد مرسل صحيح ، رجاله كلهم ثقات، وهي متابعة قوية من أبي معاوية لأبي يحيى الحماني، ترد قول أبي نعيم أن الحماني تفرد به! 2341 - " من ستر أخاه المسلم في الدنيا، ستره الله يوم القيامة ". أخرجه أحمد (4 / 62 و 5 / 375) عن عبد الملك بن عمير عن هبيب عن عمه قال: " بلغ رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل من أصحاب النبي أنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (فذكره) ، فرحل إليه - وهو بمصر - فسأله عن الحديث، قال: نعم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، قال: فقال: وأنا قد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قلت: ورجال إسناده موثقون.

وهبيب هو ابن مفضل الغفاري، صحابي، شهد فتح مصر، وسكنها. وأخرجه الحميدي في " مسنده " (384) : حدثنا سفيان قال: حدثنا ابن جريج قال: سمعت أبا سعيد الأعمى يحدث (عن) عطاء بن أبي رباح قال: " خرج أبو أيوب إلى عقبة بن عامر - وهو بمصر - يسأله عن حديث سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيره وغير عقبة، فلما قدم أتى منزل مسلمة ابن مخلد الأنصاري - وهو أمير مصر - فأخبر به، فعجل، فخرج إليه فعانقه، ثم قال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال : حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم غيري وغير عقبة، فابعث من يدلني على منزله قال: فبعث معه من يدله على منزل عقبة فأخبر عقبة به، فعجل فخرج إليه فعانقه، وقال: ما جاء بك يا أبا أيوب؟ فقال: حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك في ستر المؤمن، فقال عقبة: نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) بلفظ: " من ستر مؤمنا في الدنيا على خزية، ستره الله يوم القيامة ". فقال له أبو أيوب: صدقت. ثم انصرف أبو أيوب إلى راحلته فركبها راجعا إلى المدينة، فما أدركته جائزة مسلمة بن مخلد إلا بعريش مصر ". وأخرجه الحاكم في " معرفة علوم الحديث " (ص 7 - 8) عن الحميدي، وأحمد (4 / 153) عن سفيان - وهو ابن عيينة - مختصرا، وعلقه ابن عبد البر (1 / 93) . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي سعيد الأعمى - ويقال: أبو سعد الأعمى - له ترجمة في " التعجيل " (ص 488) ، يؤخذ منها أنه لا راوي له غير ابن جريج، فهو مجهول. وروى أحمد (4 / 104) عن مكحول أن عقبة أتى مسلمة بن مخلد (وهو أمير) بمصر، وكان بينه وبين البواب شيء، فسمع صوته، فأذن له ، فقال: إني لم آتك زائرا، ولكني جئتك لحاجة، أتذكر يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" من علم من أخيه سيئة فسترها ستره الله عز وجل يوم القيامة؟ فقال: نعم، فقال: لهذا جئت ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم إلا أن مكحولا لم يسمع من عقبة كما قال الحاكم. وروى أحمد أيضا عن ابن جريج عن ابن المنكدر عن أبي أيوب عن مسلمة بن مخلد مرفوعا به. ورجاله ثقات، وفي صحبة مسلمة بن مخلد خلاف. وللحديث طريق أخرى عن عقبة بن عامر بلفظ آخر، قد خرجته في الكتاب الآخر (1265) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه أحمد (2 / 296 و 500 و 514) والخطيب (10 / 85) وابن عساكر (17 / 298 / 1) من طريق محمد بن واسع (عن محمد بن المنكدر) عن أبي صالح عنه. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به نحوه. أخرجه أحمد (2 / 388 و 404 و 522) . وإسناده على شرط مسلم أيضا. ثم رأيته في " صحيح مسلم " (8 / 21) من هذا الوجه بلفظ: " لا يستر عبدا عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ". واستدركه الحاكم (4 / 383 - 384) على مسلم، فوهم. والأعمش عن أبي صالح به في حديث أوله:

" من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ". أخرجه مسلم (8 / 71) وأبو داود (2 / 307) والترمذي (1425 و 1931) وابن ماجة (1 / 99 و 2 / 112) وابن الجارود (802) وأحمد (2 / 252) . وتابعه محمد بن واسع عن أبي صالح به. أخرجه الحاكم (4 / 383) ، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي! وشاهد ثان من حديث ابن عمر مرفوعا. أخرجه البخاري (5 / 74 - فتح) ومسلم (8 / 18 ) والترمذي (1426) وأحمد (2 / 91) . (تنبيه) : أورد حديث الترجمة السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية أحمد عن رجل، إلا أنه زاد بعد قوله: " في الدنيا ": فلم يفضحه "، وهي زيادة مقحمة لا أصل لها في " المسند " ولا في غيره من هذه الطريق، ولا في شيء من الطرق التي ذكرتها. ولم يتنبه له المناوي في " شرحيه "! بل إنه أوهم أنها في البخاري. ثم رأيت الحديث في " الجامع الكبير " للسيوطي بدون الزيادة، فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. وشاهد ثالث من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته ". أخرجه ابن ماجة (2 / 112) من طريق محمد بن عثمان الجمحي: حدثنا الحكم ابن أبان عن عكرمة عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد بن عثمان الجمحي أورده الذهبي في " المغني " وقال:

2342

" قال أبو حاتم: منكر الحديث ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف. 2342 - " من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في (المصحف) ". أخرجه ابن شاهين في " الترغيب " (ق 288 / 1) وابن عدي (111 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 209) وعنه الحافظ ابن حجر في " نتائج الأفكار " (1 / 231 / 2) عن إبراهيم بن جابر حدثنا الحر بن مالك حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله مرفوعا. وقال ابن عدي: " لم يروه عن شعبة إلا الحر، وهو قليل الحديث، وهذا عن شعبة منكر ". قال الحافظ عقبه: " قلت: وهو موافق لما قال مسلم في مقدمة " صحيحه "، حيث قال: وعلامة المنكر في حديث المحدث أن يعمد إلى مثل الزهري في كثرة حديثه وكثرة الرواة عنه، فيأتي عنه بما ليس عند أحد منهم ". وقال الذهبي في ترجمته: " أتى بخبر باطل فقال: ... " فذكره وقال: " وإنما اتخذت المصاحف بعد النبي صلى الله عليه وسلم ". ورده الحافظ بقوله: " وهذا التعليل ضعيف، ففي " الصحيحين ": " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يسافر

2343

بالقرآن إلى أرض العدو، مخافة أن يناله العدو "، وما المانع أن يكون الله أطلع نبيه على أن أصحابه سيتخذون المصاحف؟ لكن الحر مجهول الحال ". قلت: كلا، فقد قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 278) . " سألت أبي عنه؟ فقال: صدوق لا بأس به ". قلت: وسائر رواته ثقات من رجال الشيخين غير إبراهيم بن جابر - وهو القزاز، أبو إسحاق البصري الباهلي - أورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 92) من روايته عن جمع، ثم قال: " روى عنه أبي وأبو زرعة رحمهم الله ". وأبو زرعة لا يروي إلا عن ثقة، وعلى هذا فالحديث إسناده حسن عندي. والله أعلم. 2343 - " من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى، فلينظر إلى أبي ذر ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (4 / 228) عن أبي أمية بن يعلى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي أمية هذا - واسمه إسماعيل - أورده الذهبي في " المغني "، وقال: " ضعفه الدارقطني ". لكن للحديث شواهد يتقوى بها: الأول: عن أبي ذر نفسه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تقل الغبراء ولا تظل الخضراء على ذي لهجة أصدق وأوفى من أبي ذر، شبيه

2344

عيسى بن مريم، فاعرفوا له " . أخرجه ابن حبان (2258) والحاكم (3 / 342) عن النضر بن محمد حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا أبو زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه عنه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، على ضعف يسير في عكرمة بن عمار، قال الحافظ: " صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب ". الثاني: عن مالك بن دينار مرسلا إلا أنه قال: " زهد " بدل " تواضع ". أخرجه ابن سعد أخبرنا مسلم بن دينار قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثنا مالك بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير مالك بن دينار وهو صدوق. الثالث: عن إبراهيم الهجري رفع الحديث إلى عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ: " من سره أن ينظر إلى شبيه عيسى ابن مريم خلقا وخلقا فلينظر إلى أبي ذر ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 171 / 1 - 2) . وهذا إسناد منقطع ضعيف. 2344 - " من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة ". أورده في " الجامع الصغير " من رواية البزار عن ابن عمر. وأما الهيثمي فذكره في " المجمع " (1 / 16 - 17) عن عمر رضي الله عنه وقال:

2345

" رواه أبو يعلى والبزار، وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف لسوء حفظه ". فرجعت إلى " زوائد البزار "، فوجدت الحديث فيه في أول " كتاب الإيمان " (ص 2 ) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث. هكذا في الأصل بياض، فلم أتمكن من التأكد من كون الحديث هو من مسند عمر أو ابنه عبد الله بن عمر، ويترجح عندي الأول، لأني لم أجد الحديث عن ابن عمر في أي مصدر آخر، بل وجدته في " المجمع " (1 / 32) من رواية الطبراني أيضا في " الأوسط " عن عمر أيضا وقال: " وفيه حجاج بن نصير، والأكثرون على تضعيفه ". وقصة عمر مع أبي هريرة حول أمره صلى الله عليه وسلم أبا هريرة بتبشير الناس بهذا الحديث، وقول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: فلا تفعل، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون، وقوله صلى الله عليه وسلم " فخلهم ". قصة معروفة ثابتة في " صحيح مسلم " (1 / 44 - 45) وغيره. فالراجح أن عمر هو صاحب هذا الحديث. والله أعلم. ثم تيقنت ذلك بعد أن طبع " كشف الأستار عن زوائد البزار "، فهو فيه (1 / 12 / 9) عن ابن عقيل عن ابن عمر عن عمر.. قلت: وإسناده حسن صحيح بما قبله. والأحاديث بمعناه كثيرة معروفة، ويأتي أحدهما قريبا من حديث جابر رضي الله عنه وغيره (2355) . 2345 - " من شهر سيفه ثم وضعه، فدمه هدر ". أخرجه النسائي (2 / 174) والحاكم (2 / 159) وأبو نعيم (4 / 21) عن معمر بن راشد عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره وقال الحاكم:

2346

" صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، وإن خالفه ابن جريج فرواه عن ابن طاووس به موقوفا على ابن عباس. أخرجه النسائي. وذلك لأن معمرا ثقة، وزيادة الثقة مقبولة، ولأن ابن جريج مدلس، وقد عنعنه. وأما قول أبي نعيم عقبه. " تفرد به الفضل عن معمر مجودا ". فذلك حسبما وقع له، وإلا فرواية الحاكم إنما هي من طريق وهيب - وهو ابن خالد - عن معمر، فلم يتفرد به الفضل، وهو ابن موسى . (فائدة) : معنى الحديث أن " من شهر " - بالتخفيف وقد يشدد - أي: سل، " سيفه، ثم وضعه " أي: في الناس يضربهم به، " فدمه هدرا " أي: لا دية ولا قصاص بقتله. وقد ترجم له بذلك الإمام النسائي بقوله: " من شهر سيفه ثم وضعه في الناس ". 2346 - " من صرع عن دابته في سبيل الله، فهو شهيد ". رواه الروياني في " مسنده " (18/ 34 / 2 - 35 / 1) : أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن أخبرنا عمي حدثني عمرو بن الحارث أن أبا علي ثمامة بن شفي حدثه أنه سمع عقبة بن عامر يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، كما قال الحافظ في " الفتح " (6 / 14) وإنما لم يصححه - مع أن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم - لأن في أحمد بن عبد الرحمن - وهو ابن وهب بن مسلم المصري - كلاما، أشار إليه الحافظ نفسه بقوله في " التقريب ":

2347

" صدوق تغير بآخره ". وقال المناوي: " قال الهيثمي: رجاله ثقات. وقال ابن حجر: إسناده حسن ". قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا قويا من حديث أبي مالك الأشعري، خرجته في " أحكام الجنائز " (37) . 2347 - " من صلى اثنتي عشرة ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 58 / 2 - زوائده) : حدثنا الهيثم بن خلف حدثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي حدثنا حماد بن زيد عن هارون بن أبي إسحاق الكوفي أنه سمع أبا بردة يحدث عن أبيه أبي موسى يرفعه وقال: " لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به حماد ". قلت: ومن طريقه أخرجه أحمد (4 / 413) إلا أنه قال: " هارون بن إسحاق الكوفي، ولعل الصواب حذف لفظ " ابن " أو " أبي " في رواية الطبراني فإنه هارون أبو إسحاق، هكذا ذكره البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 225) وقال: " سمع أبا بردة ... " فساق هذا الحديث، وقال: " قاله مسدد وعارم عن حماد بن زيد ". وكذلك ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 99) ، فنستفيد من رواية أحمد أن اسم أبيه إسحاق، وهكذا ذكره أيضا الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 231) ، فقال:

" رواه أحمد والطبراني في " الأوسط " و " الكبير " والبزار وقال: لم يتابع هارون بن إسحاق على هذا الحديث ". قلت: هو ثقة مشهور، كما رواه ابن أبي حاتم عن ابن معين، فلا يضر تفرده بالحديث كما هو مقرر في " مصطلح الحديث "، وقد وثقه ابن حبان أيضا (7 / 582 ) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 204) وعنه ابن ماجة (1 / 350) والنسائي (1 / 257) عن محمد بن سليمان الأصبهاني عن سهيل عن أبيه عنه. وقال النسائي: " هذا خطأ، ومحمد بن سليمان الأصبهاني ضعيف ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: ولم يظهر لي، ولا رأيت من ذكر وجه (خطإ) ابن الأصبهاني فيه، ولعله الرفع، فقد روى شعبة عن منصور عن أبي عثمان مولى المغيرة بن شعبة عن أبي هريرة قال: فذكره موقوفا عليه نحوه. أخرجه الطيالسي (1 / 113) وأحمد (2 / 498) . ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي عثمان هذا، وهو التبان، روى عنه مع منصور بن المعتمر ابنه موسى ومغيرة بن مقسم، وحسن له الترمذي، وذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: فهو حسن الإسناد، أو على الأقل يحتمل التحسين، وهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال بمجرد الرأي، وعليه فهو شاهد جيد لرواية ابن الأصبهاني. وللحديث شاهد آخر من حديث أم حبيبة رضي الله عنها. أخرجه مسلم وغيره من أصحاب السنن، وغيرهم كابن خزيمة (1185 -

2348

1187) وعنه ابن حبان (2443 - الإحسان) والترمذي، وزادا تفصيل عدد الركعات. وهي في حديث ابن الأصبهاني أيضا، إلا أنه خالف فقال: " وركعتين قبل الظهر "، وفي حديثها: " أربع ركعات قبل الظهر " ولعل هذا هو وجه (خطإ) ابن الأصبهاني الذي تقدم نقله عن الدارقطني. (تنبيه) : قد أورد السيوطي الحديث بنحوه من رواية الطبراني في " الأوسط " عن أبي ذر. ولم أره في " زوائد المعجمين "، ولا في " مجمع الزوائد "، إلا من حديث أبي موسى كما تقدم. والله أعلم. وقد عزاه في " الجامع الكبير " لابن عساكر أيضا، فلعل الحديث من روايته فقط، وذكر الطبراني معه سهوا، ثم لما نقله إلى " الجامع الصغير " عزاه إليه وحده، أو أنه سهى في " الجامع الكبير " أن يذكر بعد قوله: (طس) : عن أبي موسى. فوقع الوهم. والله أعلم. 2348 - " إن الله تعالى حرم الخمر، فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء، فلا يشرب ولا يبع ". أخرجه مسلم (5 / 39) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 320 / 1056) قالا - والسياق لمسلم -: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى أبو همام حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بالمدينة قال: " يا أيها الناس إن الله تعالى يعرض بالخمر، ولعل الله سينزل فيها أمرا، فمن كان عنده منها شيء ، فليبعه ولينتفع به ".

فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال: فاستقبل الناس بما كان عندهم منها في طرق المدينة فسفكوها . (سفكوها) : أي: أراقوها. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في " السنن " (6 / 11) . والظاهر أن الآية التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم هي قوله تعالى في سورة المائدة (91) : * (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) * . وهو آخر آية أنزلت في تحريم الخمر كما يبدو من حديث عمر المروي في الترمذي وغيره، وقد صححه ابن المديني كما في " تفسير ابن كثير " (2 / 92) ولعله من شواهده المذكورة في " الدر المنثور " (2 / 314 - 316) وصححه الحاكم (4 / 143) ووافقه الذهبي. وفي الحديث فائدة هامة، وهي الإشارة إلى أن الخمر طاهرة مع تحريمها، وإلا لم يرقها الصحابة في طرقهم وممراتهم ولأراقوها بعيدة عنها، كما هو شأن النجاسات كلها، كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " اتقوا اللاعنين ". قالوا: وما اللاعنان؟ قال: " الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 100 - 101) وغيره. وقد اختلف الناس في ذلك، وقد قال كثير من الأئمة المتقدمين بطهارتها، مثل ربيعة الرأي والليث بن سعد، وكثير من المحدثين وغيرهم، وقد كنت فصلت القول في ذلك في " تمام المنة في التعليق على فقه السنة "، وقد تم طبعه والحمد لله، وأصبح في متناول أيدي القراء.

2349

2349 - " من صلى الضحى أربعا وقبل الأولى أربعا، بني له بيت في الجنة ". رواه الطبراني في " الأوسط " (59 / 1 من ترتيبه) عن سهل بن عثمان حدثنا إبراهيم بن محمد الهمداني عن عبد الله بن عياش عن أبي بردة عن أبي موسى مرفوعا. وقال: " لم يروه عن أبي بردة إلا ابن عياش، ولا عنه إلا إبراهيم ، تفرد به سهل ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم. وإبراهيم بن محمد هو - فيما أرى - ابن مالك بن زبيد الهمداني الخيواني، عم هارون بن إسحاق، ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 129) وقال: " سألت أبي عنه؟ فقال: لا بأس به ". وعبد الله بن عياش متوسط الحال، أخرج له مسلم في الشواهد وهو صدوق يغلط كما في " التقريب ". فالإسناد حسن. والله أعلم. والمراد بـ (الأولى) صلاة الظهر فيما يبدو لي. والله أعلم. 2350 - " من صلى صلاة لم يتمها، زيد عليها من سبحاته حتى تتم ". رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 109 / 1) والضياء في " المختارة " (60 / 1 - 2) من طريق الطبراني، وهذا في " المعجم الكبير " (18 / 22 / 37) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثنا الهيثم بن خارجة حدثنا محمد بن حمير عن عمرو بن قيس السكوني قال: سمعت عائذ بن قرط يقول: فذكره مرفوعا.

2351

قلت: وهذا إسناد حسن. رجاله كلهم ثقات معرفون. وأخرجه محمد بن سليمان الربعي في " جزء من حديثه " (215 / 1) من طريق هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن حمير به. وأخرجه أيضا ابن أبي خيثمة وابن شاهين من طريق قيس بن مسلم السكوني عن عائذ بن قرط، كما في " الإصابة " (2 / 254) للحافظ ابن حجر، وقال: " وإسناده حسن ". وأقول: ليس في الرواة " قيس بن مسلم السكوني "، فالظاهر أنه خطأ مطبعي والصواب: " عمرو بن قيس السكوني "، كما تقدم. والله أعلم. وللحديث شاهد قوي من حديث تميم الداري مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد وغيره ، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " (812) . 2351 - " من صلى على جنازة في المسجد، فليس له شيء ". أخرجه أبو داود (2 / 66) وابن ماجة (1 / 462) واللفظ له والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 284) وابن عدي (198 / 2) والبيهقي (4 / 52) وعبد الرزاق في " المصنف " (6579) وابن أبي شيبة (3 / 364 - 365) وكذا الطيالسي (1 / 165) وأحمد (2 / 444 و 455) من طرق (عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة مرفوعا به. ولفظ الآخرين: " فلا شيء له "، إلا رواية لأحمد، فهي باللفظ الأول، وشذ عنهم جميعا أبو داود في روايته ، فلفظها: " فلا شيء عليه ".

ومما يؤكد شذوذها، ويؤيد أن المحفوظ رواية الجماعة، زيادة الطيالسي وابن أبي شيبة عقب الحديث: " قال صالح: وأدركت رجالا ممن أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر إذا جاؤا فلم يجدوا إلا أن يصلوا في المسجد رجعوا فلم يصلوا " (¬1) . فهذا صريح في أن صالحا كان يروي الحديث بلفظ الجماعة، فإنه هو الذي يناسب ما حكاه عمن أدركهم من الصحابة من تركهم الصلاة على الجنازة في المسجد بخلاف رواية أبي داود: " فلا شيء عليه "، فإنها تباينه وتنافيه، ويدل ذلك أيضا على بطلان تأويل رواية الجماعة إلى رواية أبي داود: أي فلا شيء عليه! قالوا: ليتحد معنى اللفظين ولا يتناقضان . وأقول: التأويل فرع التصحيح، فبعد أن بينا شذوذ رواية أبي داود بما لا ريب فيه، فلا مبرر للتأويل، وقد جاء في " نصب الراية " (2 / 275) : " قال الخطيب: المحفوظ: " فلا شيء له "، وروي: " فلا شيء عليه "، وروي: " فلا أجر له "، انتهى. قال ابن عبد البر: رواية: " فلا أجر له " خطأ فاحش، والصحيح: " فلا شيء له ". وصالح مولى التوأمة من أهل العلم، منهم من لا يحتج به لضعفه، ومنهم من يقبل منه ما رواه ابن أبي ذئب خاصة، انتهى ". قلت: والسبب في ذلك أنه كان اختلط، فمنهم من سمع منه قبل الاختلاط - كابن أبي ذئب - فهو حجة، ومنهم من سمع منه بعد الاختلاط فليس بحجة، وهذا التفصيل هو الذي استقر عليه رأى أهل العلم قديما وحديثا، فروى ابن أبي حاتم (2 / 1 / 417) عن عبد الله بن أحمد عن أبيه أنه قال: " كان مالك قد أدرك صالحا، وقد اختلط وهو كبير، من سمع منه قديما فذاك، وقد ¬

(¬1) ورواه البيهقي أيضا، إلا أنه قال: فرأيت أبا هريرة إذا لم يجد ... إلخ. . اهـ.

روى عنه أكابر أهل المدينة، وهو صالح الحديث، ما أعلم به بأسا ". ثم روى عن ابن معين نحوه، فقال عنه: " ثقة، وقد كان خرف قبل أن يموت، فمن سمع منه قبل أن يختلط، فهو ثبت، وهو صالح بن نبهان ". إذا عرفت هذا التفصيل، وأن الحديث من رواية ابن أبي ذئب عنه، تبينت أنه ثابت، فلا تعويل على من ذهب إلى تضعيفه متمسكا بالطعن المجمل فيه كما فعل البيهقي، ونحوه عن الإمام أحمد، فقال ابنه عبد الله في " مسائله " (ص 125) : " سألت أبي عن حديث أبي هريرة هذا؟ فقال: حديث عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على سهيل ابن بيضاء في المسجد ". ثم قال: حتى يثبت حديث صالح مولى التوأمة. كأنه عنده ليس بثبت، أو ليس بصحيح ". قلت: ولعل الإمام أحمد رحمه الله توقف عن تصحيح هذا الحديث لأنه لم يكن يومئذ تبين له التفصيل الذي نقلته عنه آنفا، أو أنه ظن أنه معارض لحديث عائشة المذكور، وهو دونه في الصحة بلا ريب. والذي أراه أنه لا ينبغي عند نقد الحديث أن يلاحظ الناقد أمورا فقهية يتوهم أنها تعارض الحديث، فيتخذ ذلك حجة للطعن في الحديث، فإن هذا - مع كونه ليس من قواعد علم الحديث - لو اعتمد عليه في النقد للزم منه رد كثير من الأحاديث الصحيحة التي وردت بالطرق القوية. وعلى هذا فكون حديث صالح مخالفا لحديث عائشة، فلا ينبغي الطعن فيه بسبب ذلك، بل ينبغي التوفيق بينهما بعد ثبوت كل منهما من الوجهة الحديثية، كما قرره الحافظ في " شرح النخبة " وغيره في غيره، ولذلك قال الإمام ابن قيم الجوزية في " زاد المعاد " (1 / 198 - 199) بعد أن ذكر بعض ما قيل في صالح هذا: " وهذا الحديث حسن، فإنه من رواية ابن أبي ذئب عنه وسماعه منه قديم قبل

اختلاطه ، فلا يكون اختلاطه موجبا لرد ما حدث به قبل الاختلاط ". هذا، وأحسن ما يمكن أن يقال في سبيل التوفيق المشار إليه آنفا هو أن حديث عائشة غاية ما يدلي عليه إنما هو جواز صلاة الجنازة في المسجد، وحديث صالح لا ينافي ذلك، لأنه لا ينفي أجر الصلاة على الجنازة مطلقا، وإنما ينفي أجرا خاصا بصلاتها في المسجد ، قال أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى: " فالحديث لبيان أن صلاة الجنازة في المسجد ليس لها أجر لأجل كونها في المسجد كما في المكتوبات، فأجر أصل الصلاة باق، وإنما الحديث لإفادة سلب الأجر بواسطة ما يتوهم من أنها في المسجد، فيكون الحديث مفيدا لإباحة الصلاة في المسجد من غير أن يكون لها بذلك فضيلة زائدة على كونها خارجة. وينبغي أن يتعين هذا الاحتمال دفعا للتعارض وتوفيقا بين الأدلة بحسب الإمكان. وعلى هذا، فالقول بكراهة الصلاة في المسجد مشكل، نعم ينبغي أن يكون الأفضل خارج المسجد بناء على أن الغالب أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي خارج المسجد، وفعله في المسجد كان مرة أو مرتين. والله أعلم ". قلت: وبهذا الجمع، التقى حديث الترجمة مع حديث عائشة من حيث دلالة كل منهما على إباحة الصلاة في المسجد، وأما كون الأفضل الصلاة خارج المسجد، فهذا أمر لا يشك فيه من تجرد عن الهوى والتعصب المذهبي، لثبوت كون ذلك هو الغالب على هديه صلى الله عليه وسلم كما بينته في " أحكام الجنائز " (ص 106 - 107) ، فلا التفات بعد هذا البيان إلى قول ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 366 ) : " وهذا خبر باطل، كيف يخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم أن المصلي في الجنازة لا شيء له من الأجر، ثم يصلي هو صلى الله عليه وسلم على سهيل ابن البيضاء في المسجد؟ "!! (تنبيه) : ذكر الزيلعي أن ابن أبي شيبة روى الحديث في " مصنفه " بلفظ: " فلا صلاة له "!

2352

ولم أر هذا اللفظ عنده، وإنما رواه بلفظ: " فلا شيء له "، كما سبقت الإشارة إليه في صدر هذا التخريج، فاقتضى التنبيه. 2352 - " من ضرب مملوكه ظالما أقيد منه يوم القيامة ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 378) : حدثنا سليمان بن أحمد قال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا فرات بن محبوب قال: حدثنا الأشجعي عن سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن ميمون بن أبي شبيب عن عمار بن ياسر مرفوعا وقال: " غريب من حديث الثوري وحبيب، لم يروه عنه مجودا إلا الأشجعي ". قلت: واسمه عبيد الله بن عبد الرحمن الكوفي، وهو أثبت الناس كتابا في الثوري، ومن فوقه ثقات رجال الشيخين، غير ميمون بن أبي شبيب، وهو ثقة، لكن ابن أبي ثابت مدلس، وقد عنعنه، فهذه علة. وفرات بن محبوب لم أجد من وثقه سوى ابن حبان (9 / 13) ، لكن قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 80) : " روى عنه أبو زرعة ". قلت: وهو لا يروي إلا عن ثقة، لكنه خولف كما يأتي. ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة فيه ضعف. وأما المنذري فقال (3 / 161) : " رواه الطبراني، ورواته ثقات ". ثم رأيت الحديث في " الأدب المفرد " للبخاري (181) ، قال: حدثنا محمد بن

2353

يوسف وقبيصة: حدثنا سفيان به، إلا أنه أوقفه. ثم وجدت للحديث شاهدا قويا، فقال البخاري في " الأدب المفرد " (185) : حدثنا محمد بن بلال قال: حدثنا عمران عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من ضرب ضربا اقتص منه يوم القيامة ". وأخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم 1445 - مصورتي منه، و " مجمع البحرين " 366 - حرم) من هذا الوجه بلفظ: " من ضرب سوطا ظلما اقتص ... ". وقال: " لم يروه عن قتادة إلا عمران، تفرد به محمد بن بلال. ورواه عبد الله بن رجاء عن عمران عن قتادة عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن أبي هريرة ". قلت: وهذا إسناد حسن، ورجاله ثقات، وفي عمران - وهو ابن داور القطان - ومحمد بن بلال - وهو أبو عبد الله البصري - فيه كلام، لا ينزل حديثهما عن مرتبة الحسن، فالأول صدوق يهم، والآخر صدوق يغرب، كما قال الحافظ، وقد خالفه في سنده ابن رجاء كما علقه الطبراني فجعل عبد الله بن شقيق مكان زرارة، وصله ابن عدي في " الكامل " (ق 214 / 1) . 2353 - " من غسل ميتا فستره، ستره الله من الذنوب، ومن كفن مسلما، كساه الله من السندس ". رواه ابن بشران في " الأمالي الفوائد " (2 / 137 / 1) : أخبرنا أبو الحسين عبد الباقي بن قانع قال: حدثنا أحمد بن شهاب بن أيوب الأهوازي قال: حدثنا عبد الملك بن

مروان الحذاء الأهوازي قال: حدثنا سليم بن أخضر عن سعير بن الخمس عن أبي غالب عن أبي أمامة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، لولا أني لم أجد لأحمد بن شهاب ترجمة. لكن يبدو أنه لم يتفرد به، فقد قال الهيثمي (3 / 21) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه أبو عبد الله الشامي، روى عن أبي خالد ولم أجد له ترجمة ". ثم طبع المعجم الكبير " للطبراني، فوجدت فيه الحديث من طريقين عن أبي غالب: الأولى: من طريق سعير المتقدمة، وقد كشفت لي عن خطأ في اسم والد أحمد الأهوازي: (شهاب) ، صوابه: (سهل) ، فقال الطبراني (8 / 337 / 8077) : حدثنا أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي به. وأحمد بن سهل هذا له ترجمة في " اللسان "، ولم يحك عن أحد فيه كلاما، لكنه ذكر له حديثا قال فيه: " وهذا خبر منكر، وإسناد مركب ... ". ثم ذكر أن له حديثين غريبين جدا، أحدهما في " المعجم الصغير " للطبراني. قلت: وهو في " الأوسط " أيضا (1 / 110 / 2 / 2220) وله فيه حديثان آخران (2218 - 2219) . وحديثه الأول مخرج في " الروض " (583) . والطريق الأخرى في " الكبير " (8078) من طريق معتمر بن سليمان عن أبي عبد الله الشامي عن أبي غالب به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير أبي عبد الله الشامي، وقد عرفت قول الهيثمي

2354

فيه آنفا ، وأنا أظن أنه الذي في " كنى البخاري " (49 / 427) : " أبو عبد الله الشامي ، روى عنه جعفر بن سليمان ". وذلك لأن جعفر بن سليمان من طبقة معتمر بن سليمان. وقد كشف لنا إسناد الطبراني أن ما في " مجمع الهيثمي ": " أبي خالد "، محرف من: " أبي غالب ". والله أعلم. ثم إن الهيثمي لم يتعرض للطريق الأولى بذكر، فكأنه سها عنها. وللحديث شاهد قوي من حديث أبي رافع مرفوعا نحوه. وقد خرجته في " أحكام الجنائز " (ص 51) . وروى ابن سعد (7 / 503) والبخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 275 - 276) عن ثابت عن صالح بن حجير أبي حجير عن معاوية بن حديج - قال: وكانت له صحبة - قال: " من غسل ميتا وكفنه واتبعه وولي جننه رجع مغفورا له ". وهو موقوف رجاله ثقات رجال مسلم، غير صالح بن حجير، ترجمه ابن سعد والبخاري برواية ثابت هذا - وهو البناني - وقتادة عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وكذا في " الجرح والتعديل " ( 2 / 1 / 398) . وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 373) . 2354 - " من غل منها (يعني الصدقة) بعيرا أو شاة أتي به يوم القيامة يحمله ". أخرجه ابن ماجة (1810) عن عمرو بن الحارث أن موسى بن جبير حدثه: أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري حدثه: أن عبد الله بن أنيس حدثه: أنه

2355

تذاكر هو وعمر بن الخطاب يوما الصدقة، فقال عمر: ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يذكر غلول الصدقة أنه من غل منها ... ؟ قال: فقال عبد الله بن أنيس: بلى. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن الحباب هذا لا يعرف إلا بهذه الرواية، ولم يوثقه غير ابن حبان. لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا مفصلا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا. أخرجه الشيخان وغيرهما، تراه في " الترغيب " (2 / 187) . 2355 - " من قال: لا إله إلا الله (مخلصا) دخل الجنة ". أخرجه ابن حبان (7) عن محرر بن قعنب الباهلي حدثنا رباح بن عبيدة عن ذكوان السمان عن جابر بن عبد الله مرفوعا به دون الزيادة، وفيه قصة. قلت: وسنده صحيح، ومحرر براءين مهملتين، ووقع في الأصل: (محرز) بمهملة ثم معجمة وهو تصحيف، وثقه أبو زرعة، وقال أحمد: " لا بأس به ". ثم أخرجه ابن حبان (4) وأحمد (5 / 236) وأبو نعيم (7 / 312) من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر: " أن معاذا لما حضرته الوفاة، قال اكشفوا عني سجف القبة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة ". وإسناد أحمد ثلاثي، وهو صحيح على شرط الشيخين. ورواه صدقة بن يسار عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: فذكره مثل لفظ

2356

ذكوان. أخرجه أبو نعيم (7 / 174) بسند صحيح. ثم أخرجه (9 / 254) من طريق الهيثم بن جماز عن أبي داود عن زيد بن أرقم مرفوعا بلفظ الترجمة مع الزيادة. وهذا إسناد واه. وأخرجه البزار (ص 3 - زوائده) من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعا به. قلت: ورجاله ثقات كلهم، غير عطية، فإنه ضعيف، ومدلس كما قال الحافظ عقب الحديث في " الزوائد ". وأخرجه الحاكم (4 / 251) . 2356 - " من قتل نفسا معاهدة بغير حقها لم يرح رائحة الجنة وإن ريح الجنة توجد من مسيرة مائة عام ". رواه الضياء في " صفة الجنة " (3 / 86 / 2) من طريقين عن عيسى بن يونس عن عوف الأعرابي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: " وإسناده عندي على شرط الصحيح ". قلت: وهو كما قال. وقد جاء الحديث من حديث أبي بكرة وقد خرجته في " التعليق الرغيب " (3 / 204 - 205) وفي رواية عنه بلفظ: " سبعين عاما ". وإسناده صحيح.

2357

2357 - " من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يحلن عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء ". أخرجه الطيالسي (1 / 240 / 2075) : حدثنا شعبة عن أبي الفيض الشامي قال: سمعت سليم بن عامر يقول: " كان بين معاوية وبين الروم عهد، فكان يسير في بلادهم، حتى إذا انقضى العهد أغار عليهم، وإذا رجل على دابة، أو على فرس، وهو يقول: الله أكبر، وفاء لا غدر، (مرتين) ، فإذا هو عمرو بن عبسة السلمي، فقال له معاوية: ما تقول؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، فرجع معاوية بالناس ". وهكذا أخرجه أبو داود (1 / 434) والترمذي (1580) وأحمد (4 / 358 - 386) من طرق عن شعبة به، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات. 2358 - " من كان له أرض فأراد بيعها، فليعرضها على جاره ". أخرجه ابن ماجة (2493) والضياء في " المختارة " (65 / 55 / 1) عن شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا إسناد ضعيف، سماك - وهو ابن حرب - صدوق، كما قال الحافظ، لكن روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بآخره فكان ربما يلقن.

2359

وشريك - وهو ابن عبد الله القاضي - ضعيف لسوء حفظه. لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد من حديث أبي رافع والشريد بن سويد وسمرة، وهي مخرجة في " الإرواء " (1538 و 1539) . 2359 - " من كذب في حلمه، كلف يوم القيامة عقد شعيرة ". أخرجه الترمذي (2282) والدارمي (2 / 125) والحاكم (4 / 392) وأحمد (1 / 76 و 90 و 91) وعبد الله بن أحمد (131) من طرق عن عبد الأعلى بن عامر عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: عبد الأعلى ضعفه أبو زرعة ". وقال الحافظ: " صدوق يهم ". وقال في " الفتح " ( 12 / 359) : " إسناده حسن، وقد صححه الحاكم، ولكنه من رواية عبد الأعلى بن عامر، ضعفه أبو زرعة ". قلت: ومما يدل على ضعفه وسوء حفظه اضطرابه في متن هذا الحديث، وذلك على وجوه: الأول: هذا.

الثاني: بلفظ: " ... كلف أن يعقد بين شعيرتين ". أخرجه الحاكم. الثالث: بلفظ: " من كذب في الرؤيا متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ". أخرجه أحمد (1 / 131) . الرابع: مثله، إلا أنه قال: " من كذب علي متعمدا ... ". أخرجه أحمد (1 / 130) . قلت: وهذا اللفظ الأخير هو الأشبه، فقد جاء عن علي من طريق أخرى عن حبيب عن ثعلبة عن علي مرفوعا به. أخرجه أحمد (1 / 78) . ورجاله ثقات رجال الشيخين - على عنعنة حبيب، وهو ابن أبي ثابت - غير ثعلبة - وهو ابن يزيد الحماني - وثقه النسائي وابن حبان. واللفظ الثاني محفوظ من حديث ابن عباس مرفوعا به، إلا أنه قال: " من تحلم بحلم لم يره، كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل ". أخرجه البخاري (12 / 359 - فتح) والترمذي (2284) ، وقال: " حديث حسن صحيح ". (تنبيه) : أخرج هذا الحديث الخطيب البغدادي في " التاريخ " (11 / 93 ) من طريق سفيان الثوري عن عاصم عن أبي عبد الرحمن السلمي باللفظ الأول. ومن هذه الطريق أخرجه الترمذي وغيره عن عبد الأعلى بن عامر عن أبي عبد الرحمن السلمي ... فقوله: " عن عاصم "، في رواية الخطيب شاذ، ولعله كان الأصل: " عن ابن عامر "، فتحرف على بعض الرواة أو النساخ إلى: " عن عاصم ". والله أعلم.

2360

2360 - " من كف غضبه كف الله عنه عذابه ومن خزن لسانه ستر الله عورته ومن اعتذر إلى الله قبل الله عذره ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1071) ومن طريقه الضياء في " المختارة " ( 249 / 2) والدولابي في " الكنى " (1 / 194 و 195 و 2 / 44) وأبو عثمان النجيرمي في " الفوائد " (44 / 2) عن الربيع بن سليمان قال: حدثني أبو عمرو مولى أنس بن مالك أنه سمع أنس بن مالك يقول: " فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو عمرو مولى أنس، لا يعرف، لم يزد ابن أبي حاتم في ترجمته على قوله (4 / 2 / 410) : " روى عنه الربيع بن سليم ". قال المعلق عليه: " مثله في " الكنى " للبخاري رقم (474) ووقع في (ك) : سليمان ". قلت: وهكذا وقع في أبي يعلى وفي موضع من " كنى الدولابي "، وكناه بأبي سليمان، وفي الموضعين الآخرين منه: " الربيع بن مسلم "، وكذلك وقع في " الفوائد ". وأورده في " الميزان " و " اللسان " كما جاء في ابن أبي حاتم والبخاري: " ربيع بن سليم الكوفي عن أبي عمر (كذا) مولى أنس مرفوعا (فذكر الحديث) ، رواه عنه يزيد بن الحباب، وهذا في " مسند ابن أبي شيبة "، قال الأزدي: منكر الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: شيخ ". قلت: وهو عند أبي يعلى من طريق ابن أبي شيبة الربيع بن سليمان كما سبق. وأورده ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 141) من طريق زيد بن الحباب، لكنه

قال عن سليمان أبي الربيع (وفي " الميزان " و " اللسان ": ابن الربيع) (عن) مولى أنس به. وهذا مقلوب، والصواب: الربيع بن سليمان أو سليم. وإن الاختلاف في ضبط اسمه لدليل واضح على أن الرجل غير مشهور ولا معروف. وقد ترجم ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 443) لربيع بن سليم الأزدي أبي سليمان الخلقاني البصري. وفيه ذكر قول ابن معين وأبي حاتم المتقدمين. لكن الحافظ في " اللسان " فرق بين الربيع بن سليم الكوفي راوي هذا الحديث، وبين الربيع بن سليم البصري الخلقاني. ومن العجب أنه أعاد فيه قول ابن معين وأبي حاتم المشار إليهما آنفا دون أن يشير إلى ذلك أدنى إشارة. والذي يظهر لي أن الكوفي هو غير البصري، وأن الأول هو صاحب هذا الحديث، وهو غير معروف، وأن الآخر هو الذي ضعفه ابن معين، ولا علاقة له بهذا الحديث . والله أعلم. وقد قال ابن أبي حاتم عقبه: " قال أبي: هذا حديث منكر ". ولعل هذا هو عمدة الأزدي في قول راويه: " منكر الحديث "، كما تقدم. وللحديث طريق أخرى، فقال ابن بشران في " الأمالي " (108 / 1) ، وعنه الضياء في " المختارة " (109 / 2) : أخبرنا أبو علي محمد بن أحمد الصواف: أنبأ بشر بن موسى: حدثنا أبو حفص - يعني: عمرو بن علي الفلاس - حدثنا الفضل بن العلاء الكوفي

حدثنا سفيان عن حميد عن أنس به، وقال الضياء: " الفضل ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحا ". قلت: ترجمه برواية جمع من الثقات عنه، وقال ( 3 / 2 / 65) : " سألت أبي عنه؟ فقال: هو شيخ، يكتب حديثه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 318 و 9 / 5) . قلت: وسائر رجال الإسناد ثقات من رجال الشيخين غير بشر بن موسى - وهو ابن صالح أبو علي الأسدي - وهو ثقة أمين ، عاقل ركين، كما قال الخطيب في ترجمته (7 / 86) . وأبو علي محمد بن أحمد الصواف ترجمه الخطيب أيضا (1 / 289) وروى عن محمد بن أبي الفوارس أنه قال: " كان ثقة مأمونا من أهل التحرز، ما رأيت مثله في التحرز ". قلت: فالإسناد عندي حسن، ولاسيما إذا ضم إليه الطريق الأولى. والله أعلم. وله طريق ثالث ، ولكنه مما لا يفرح به! أخرجه ابن بشران أيضا (139 / 2) عن بشر بن الحسين : حدثنا الزبير بن عدي عن أنس به. قلت: بشر هذا متروك. وله شاهد عن عمر بن الخطاب. أخرجه الدينوري في " المنتقى من المجالسة " (296 / 2) عن المغيرة بن مسلم عن هشام عن عبد الله عنه. قال أبو جعفر: " لا أدري من هشام هذا؟ ".

2361

2361 - " من لم يصل ركعتي الفجر، فليصلهما بعدما تطلع الشمس ". أخرجه الترمذي (423) وابن خزيمة (1117) وابن حبان (613) والحاكم (1 / 274 و 307) والبيهقي (2 / 484) عن عمرو بن عاصم حدثنا همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وأشار الترمذي إلى إعلاله بتفرد عمرو بن عاصم فقال: " هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه، ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث عن همام بهذا الإسناد نحو هذا إلا عمرو بن عاصم الكلابي ". وأشار البيهقي إلى رد مثل هذا الإعلال بقوله عقب الحديث: " تفرد به عمرو بن عاصم، والله تعالى أعلم، وعمرو بن عاصم ثقة ". قلت: واحتج به الشيخان، فلا يرد حديثه بمجرد التفرد. 2362 - " من يكن في حاجة أخيه يكن الله في حاجته ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " قضاء الحوائج " (ص 82 رقم 47) عن محمد بن الحسن ابن زبالة: ذكر المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر بن عبد الله مرفوعا. قلت: وهذا إسناد واه بمرة، ابن زبالة هذا قال الحافظ: " كذبوه ". وشيخه المنكدر لين الحديث.

2363

قلت: لكن الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث ابن عمر، سبق تخريجه برقم (504) وهو متفق عليه. وشاهد آخر من حديث مسلمة بن مخلد مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 104) من طريق ابن جريج عن ابن المنكدر عن أبي أيوب عن مسلمة بن مخلد مرفوعا. فهذا هو المحفوظ عن محمد بن المنكدر. ورجاله ثقات رجال الشيخين. 2363 - " منبري هذا على ترعة من ترع الجنة ". أخرجه أحمد (2 / 360 و 450) وابن سعد (1 / 253) من طرق عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به، وزاد ابن سعد: " قال: والترعة الباب ". وإسناده حسن. وأحد إسنادي أحمد صحيح على شرط الشيخين. ثم أخرجه (2 / 412 و 534) من طريق حماد بن سلمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث سهل بن سعد الساعدي مرفوعا به ، وزاد: " قال سهل: أتدرون ما الترعة؟ قالوا: نعم، هو الباب ". أخرجه أحمد (5 / 335 و 339) وابن سعد من طرق عن أبي حازم عنه. وسنده صحيح على شرط الشيخين. ثم أخرجه أحمد (3 / 389) من حديث جابر بن عبد الله، و (4 / 41) من حديث عبد الله بن زيد الأنصاري.

2364

2364 - " موسى بن عمران صفي الله ". أخرجه الحاكم (2 / 576) من طريق أبي ظفر عبد السلام بن مطهر حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " صحيح على على شرط مسلم ". قلت: لم يتكلم الذهبي عليه مطلقا وأبو ظفر لم يخرج له مسلم وإنما هو من رجال البخاري. وقد تابعه سيار حدثنا جعفر بن سليمان به، وزاد: " وأنا حبيب الله ". أخرجه الديلمي (4 / 75) . قلت: وسيار هو ابن حاتم العنزي، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " قال القواريري: كان معي في الدكان، لم يكن له عقل، قيل: أتتهمه؟ قال: لا . وقال غيره: صدوق سليم الباطن ". وقال الحافظ: " صدوق له أوهام ". قلت: فمثله يستشهد به، ولا تقبل زيادته على الأوثق منه. والله أعلم. 2365 - " كان إذا تهجد يسلم بين كل ركعتين ". رواه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 50) عن أبي أيوب الأنصاري لكن من المؤسف أن مختصره حذف إسناده، فلم يبق منه إلا صحابيه، ثم أتبعه بشاهد من حديث عائشة بمعناه.

2366

وهذا قد وصله مسلم (2 / 165) والبيهقي (2 / 486 - 487 ) عنها. ورواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 273) عن أبي سلمة مرسلا. وسنده صحيح. 2366 - " موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإذا أبيت فمن وراء الساقين، ولا حق للكعبين في الإزار ". أخرجه الترمذي (1784) والنسائي (2 / 99) وابن ماجة (2 / 371) وابن حبان (1447) وأحمد (5 / 382 و 396 و 398 و 400) من طرق عن أبي إسحاق عن مسلم بن نذير عن حذيفة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، رواه الثوري وشعبة عن أبي إسحاق ". قلت: وهو كما قال، وهما قد رويا عنه قبل اختلاطه، وشعبة لا يروي عنه إلا ما صرح فيه بالتحديث كما هو مذكور في ترجمته ، فبروايته عنه أمنا شبهة تدليسه، والحمد لله على توفيقه. وله شاهد مختصر، من رواية سلام بن أبي مطيع عن قتادة عن الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ: " موضع الإزار نصف الساق، ولا حق للإزار في الكعبين ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 191) ، وقال: " غريب من حديث قتادة وسلام ". قلت: وسلام ثقة، لكنه في روايته عن قتادة خاصة ضعيف، كما قال الحافظ في " التقريب ". وله شواهد كثيرة سبقت الإشارة إليها في المجلد الرابع، وأخرجنا منها هناك حديث

2367

أنس رضي الله عنه برقم (1765) ، وخرجت ثمة حديث الترجمة باختصار، وذكرت متابعا لمسلم بن نذير. 2367 - " المؤمن مكفر ". أخرجه الحاكم (1 / 58 و 4 / 251) عن محمد بن عبد العزيز (بن عمر) بن عبد الرحمن بن عوف حدثني حسين بن عثمان بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعا. وقال: " قد اتفقا على عبد الرحمن بن حميد، وهذا حديث غريب صحيح، ولم يخرجاه، لجهالة محمد بن عبد العزيز الزهري هذا ". كذا قال، ووافقه الذهبي، وهو أمر عجب من وجهين: الأول: أنه إذا كان مجهولا، فكيف يصحح حديثه؟ ! والآخر: أنه ليس مجهولا، بل هو معروف بالضعف الشديد عند البخاري وغيره، فقال الذهبي نفسه في " الميزان ": " قال البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف ". وقد تابعه سهل بن بكار حدثنا الحسن بن عثمان عن الزهري عن عامر بن سعد به. أخرجه الخطابي في " غريب الحديث " (151 / 1) . والحسن هذا أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 25) من رواية سعيد بن يحيى بن الحسن عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول الحال. ولا يقويه أنه قرن معه عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف - وهو الزهري - لما عرفت أنه من رواية ذلك الضعيف!

2368

نعم الحديث قوي بما له من الشواهد الكثيرة في تكفير ذنوب المؤمن بالبلايا والأمراض وهي معروفة منها حديث مصعب - أخو عامر - بن سعد عن أبيه مرفوعا بلفظ: " ... فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة ". وقد سبق تخريجه برقم (143) . 2368 - " المرء في صلاة ما انتظرها ". أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 137 / 1 - مصورة المكتب) عن حماد بن شعيب الحماني عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، أبو الزبير مدلس، وقد عنعنه. وحماد ضعيف، ضعفه ابن معين وغيره، وقال ابن عدي: " أكثر حديثه مما لا يتابع عليه ". قلت: لكن هذا قد توبع عليه ، فقال ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرا: هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " الرجل في صلاة ما انتظر الصلاة "؟ قال: انتظرنا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العتمة، فاحتبس علينا، حتى كان قريبا من شطر الليل، أو بلغ ذلك، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فصلينا، ثم قال: اجلسوا، فخطبنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الناس صلوا ورقدوا، وأنتم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ". ورجاله ثقات، غير أن ابن لهيعة سيء الحفظ. لكنه قد توبع، فقال الإمام أحمد (3 / 367) : حدثنا أبو الجواب حدثنا عمار بن رزيق

2369

عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: " جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا ليلة حتى ذهب نصف الليل، أو بلغ ذلك، ثم خرج، فقال: قد صلى الناس ورقدوا وأنتم تنتظرون هذه الصلاة، أما إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. 2369 - " المقام المحمود: الشفاعة ". أخرجه أحمد (2 / 478) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 372) من طريق داود الأودي عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. وأخرجه أحمد أيضا (2 / 441 و 444 و528) والترمذي (2 / 193) والدولابي في " الكنى " (2 / 164) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 449) وابن أبي عاصم في " السنة " (784 - بتحقيقي) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 198) والمروزي في " زوائد الزهد " (1312) وأبو عمرو الداني في " المكتفى " (51 / 2) وتمام في " الفوائد " (125 / 2) والسهمي في " تاريخ جرجان " (153) من طرق أخرى عن الأودي بلفظ: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في قول الله عز وجل: * (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) * (¬1) قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي ". قلت: وداود هو ابن يزيد بن عبد الرحمن الأودي الزعافري أبو يزيد الكوفي، وهو ¬

(¬1) الإسراء: الآية: 79. اهـ.

2370

ضعيف، وأبوه مقبول عند الحافظ، يعني عند المتابعة، ولهذا لم يحسن الترمذي إسناده، وإنما متنه، فقال عقبه: " حديث حسن ". وهو كما قال أو أعلى، فإن له شواهد كثيرة أورده الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (3 / 55 - 58) ، وسأذكر أحدها قريبا. وروى ابن عدي (136 / 1) عن رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس في قوله: * (مقاما محمودا) * قال: " المقام المحمود: الشفاعة " وقال: " ورشدين أحاديثه مقاربة، لم أر فيها حديثا منكر جدا، وهو - على ضعفه - ممن يكتب حديثه ". 2370 - " يبعث الناس يوم القيامة، فأكون أنا وأمتي على تل، ويكسوني ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي، فأقول ما شاء الله أن أقول، فذاك المقام المحمود ". أخرجه ابن حبان (6445 - الإحسان) والحاكم (2 / 363) وأحمد (3 / 456) من طريق محمد بن حرب حدثني الزبيدي عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن كعب بن مالك مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه بقية بن الوليد: حدثنا الزبيري به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 449) وابن أبي عاصم في " السنة " (785 - بتحقيقي) .

2371

2371 - " المهدي منا أهل البيت، يصلحه الله في ليلة ". رواه ابن ماجة (4075) وأحمد (1 / 84) والعقيلي في " الضعفاء " (470) وابن عدي (360 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 177) عن ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن علي مرفوعا. وقال: " لا يتابع ياسين على هذا اللفظ وفي المهدي أحاديث صالحة الأسانيد من غير هذا الطريق ". قلت: بلى، قد تابعه سالم بن أبي حفصة، أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 1 / 170) عنه مقرونا مع ياسين هذا، وهو ابن شيبان، قال البخاري: " في حديثه نظر ". قال ابن معين: " ليس به بأس، وفي رواية: صالح ". وقال أبو زرعة " لا بأس به ". قال الحافظ في " تهذيب التهذيب ". " ووقع في " سنن ابن ماجة " عن ياسين غير منسوب، فظنه بعض الحفاظ المتأخرين ياسين بن معاذ الزيات، فضعف الحديث به، فلم يصنع شيئا ". وقال في " التقريب ": " لا بأس به، ووهم من زعم أنه ابن معاذ الزيات ". قلت: وسائر الرواة ثقات، فالإسناد حسن. لكن متابعة سالم بن أبي حفصة المتقدمة - وهو صدوق في الحديث - ترفع الحديث إلى مرتبة الصحيح. والله أعلم.

2372

2372 - " الميت من ذات الجنب شهيد ". رواه أحمد (4 / 157) والروياني في " مسنده " (9 / 48 / 2) عن ابن لهيعة أخبرنا واهب بن عبد الله المعافري عن عبد الرحمن بن شماسة عن عقبة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة سيء الحفظ. لكن للحديث شاهد من حديث جابر بن عتيك وآخر من حديث أبي هريرة وهما مخرجان في " أحكام الجنائز " (ص 39 و 40) . 2373 - " نح الأذى عن طريق المسلمين ". رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " الأدب " (1 / 149 / 1) : حدثنا وكيع عن أبان بن صمعة عن أبي الوازع عن أبي برزة قال: قلت: يا رسول الله! دلني على عمل أنتفع به، قال: فذكره. ومن طريق ابن أبي شيبة رواه أبو يعلى في " مسنده " (343 / 2 - مصورة المكتب) والضياء في " المنتقى من الأحاديث الصحاح والحسان " (280 / 1) ، وقال: " أخرجه مسلم بمعناه ". قلت: هو عنده (8 / 34 - 35) من طريق يحيى بن سعيد عن أبان بن صمعة بلفظ: " اعزل الأذى ... ". وهكذا أخرجه أحمد (4 / 420) : حدثنا يحيى بن سعيد به. ثم قال (4 / 423) : حدثنا وكيع به، بلفظ يحيى.

2374

ثم أخرجه (4 / 423 و 424) من طريق شداد بن سعيد حدثني جابر بن عمرو الراسبي به بلفظ: " أمط الأذى عن الطريق فهو لك صدقة ". وسنده حسن، وهو على شرط مسلم. 2374 - " نحن آخر الأمم، وأول من يحاسب، يقال: أين الأمة الأمية ونبيها؟ فنحن الآخرون الأولون ". أخرجه ابن ماجة (2 / 575) عن حماد بن سلمة عن سعيد بن إياس الجريري عن أبي نضرة عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات كما قال البوصيري في " زوائد ابن ماجة " (262 / 1) . 2375 - " نحن بنو النضر بن كنانة، لا نقفو أمنا ولا ننتفي من أبينا ". رواه ابن منده في " المعرفة " (2 / 2 - عام 4442) والخطيب في " التاريخ " ( 7 / 128) عن حيان بن بشر قال: أخبرنا يحيى بن آدم قال: أخبرني الحسن بن صالح بن حي عن أبيه قال: أخبرنا الجفشيش الكندي قال: " قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنت ممن يا رسول الله؟ " قال: " فذكره، وقال ابن منده: " رواه عقيل بن طلحة عن مسلم بن الهيصم عن الأشعث بن قيس نحوه ". والحديث رواه الطبراني أيضا في " المعجم الكبير " (2 / 285 - 286 / 2190) وكذا " الصغير " (ص 44 - هند) من طريق صالح بن حي عن الجفشيش به.

2376

وله من طريق أخرى عن صالح : حدثنا الجفشيش. فصرح بالتحديث عن الجفشيش كما في رواية ابن منده، قال الحافظ في " الإصابة ": " وهو خطأ فإنه لم يدركه، وأصل الحديث في " مسند أحمد " من رواية مسلم بن هيصم عن الأشعث قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من كندة، ولم يذكر الجفشيش ". قلت: هو في " المسند " (5 / 211 و212) ، و " التاريخ الكبير " للبخاري (4 / 1 / 274) و " الصغير " أيضا (ص 7) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 23) وابن ماجة (2 / 131 - 132) من طريق عقيل بن طلحة السلمي عن مسلم بن هيصم به. وقال البوصيري في " الزوائد " (162 / 1) : " إسناده صحيح، رجاله ثقات ". وهو كما قال. ورواه ابن سعد أيضا ( 1 / 22) عن الزهري مرسلا، وإسناده مرسل صحيح. 2376 - " نزل ملك من السماء يكذبه (يعني الذي وقع في أبى بكر) بما قال لك، فلما انتصرت وقع الشيطان، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان ". أخرجه أبو داود (2 / 300) عن بشير بن المحرر عن سعيد بن المسيب أنه قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس ومعه أصحابه وقع رجل بأبي بكر فآذاه، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثانية، فصمت عنه أبو بكر، ثم آذاه الثالثة، فانتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: أوجدت علي يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره.

2377

قلت: وهذا مع إرساله ضعيف، لأن بشيرا هذا لا يعرف كما قال الذهبي. وقد خالفه ابن عجلان فقال: عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة: " أن رجلا كان يسب أبا بكر، وساق نحوه ". أخرجه أبو داود أيضا هكذا موصولا بذكر أبي هريرة، وهو الأصح كما قال البخاري، على ما في " تخريج الإحياء " للحافظ العراقي (3 / 156) . قلت: وكذلك أخرجه في " شرح السنة " ( 13 / 163 / 3586) كلاهما من طريق سفيان بن عيينة عن ابن عجلان به. وتابعه يحيى بن سعيد عن ابن عجلان حدثنا سعيد بن أبي سعيد به. قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في ابن عجلان رواه أحمد، وتقدم برقم (2231) بزيادة في المتن . ويزداد قوة بمرسل زيد بن أتيع مختصرا. رواه عبد الرزاق (11 / 117 / 20225 ) ورجاله ثقات. 2377 - " نصبر ولا نعاقب ". أخرجه عبد الله بن أحمد (5 / 135) : حدثنا أبو صالح هدبة بن عبد الوهاب المروزي حدثنا الفضل بن موسى حدثنا عيسى بن عبيد عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: " لما كان يوم أحد قتل من الأنصار أربعة وستون رجلا ومن المهاجرين ستة، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم، فلما كان يوم الفتح، قال رجل لا يعرف: لا قريش بعد اليوم، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمن الأسود والأبيض، إلا فلانا وفلانا ناسا سماهم، فأنزل الله تبارك وتعالى:

2378

* (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين) * (¬1) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم صدوقون، وفي بعضهم كلام يسير. 2378 - " نهيت عن التعري ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (رقم 2659) : حدثنا عمرو بن ثابت عن سماك عن ابن عباس، وطلحة عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا، وزاد: " وذاك قبل أن ينزل عليه النبوة ". قلت: وهذا إسناد ضعيف من الوجهين، في الأول عمرو بن ثابت - وهو ابن أبي المقدام الكوفي - ضعيف. وسماك هو ابن حرب، وروايته عن ابن عباس بواسطة عكرمة، فلعله سقط من الناسخ، فقد روي عنه من طريق أخرى كما يأتي . وطلحة - وهو ابن عمرو الحضرمي المكي - متروك. وأخرجه الحاكم (4 / 179) من طريق أبي يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن حدثنا النضر أبو عمر الخزاز عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كان أبو طالب يعالج زمزم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ممن ينقل الحجارة وهو يومئذ غلام، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم إزاره، فتعرى، واتقى به الحجر، فغشي عليه، فقيل لأبي طالب : أدرك ابنك، فقد غشي عليه، فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم من غشيته سأله أبو طالب عن غشيته؟ فقال: " أتاني آت عليه ثياب بيض، فقال لي: استتر ". ¬

(¬1) النحل: الآية: 126. اهـ.

2379

فقال ابن عباس: فكان ذلك أول ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم من النبوة أن قيل له استتر، فما رؤيت عورته من يومئذ ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! فرده الذهبي بقوله: " قلت: النضر، ضعفوه ". لكن يشهد له حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي الطفيل وذكر بناء الكعبة في الجاهلية قال: " فهدمتها قريش، وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي، تحملها قريش على رقابها، فرفعوها في السماء عشرين ذراعا، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة، فضاقت عليه النمرة، فذهب يضع النمرة على عاتقه فيرى عورته من صغر النمرة، فنودي: يا محمد! خمر (وفي رواية: لا تكشف) عورتك. فما رؤي عريانا بعد ذلك ". أخرجه أحمد (5 / 455) والسياق له والحاكم والرواية الأخرى له وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. وقد وردت هذه القصة من حديث جابر أيضا، لكن ليس فيه الأمر بالتستر. أخرجه البخاري (1 / 103) ومسلم (1 / 184) وأحمد (3 / 310 و 333) . 2379 - " لا تضربه، فإني نهيت عن ضرب أهل الصلاة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (163) من طريق أبي غالب عن أبي أمامة قال: " أقبل النبي صلى الله عليه وسلم معه غلامان، فوهب أحدهما لعلي صلوات الله عليه، وقال: (فذكره) ، وإني رأيته يصلي منذ أقبلنا، وأعطى أبا ذر غلاما وقال: استوص به معروفا،

2380

فأعتقه، فقال: ما فعل؟ قال: أمرتني أن أستوصي به خيرا، فأعتقته ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي غالب هذا وهو صاحب أبي أمامة وهو متكلم فيه، ولا ينزل حديثه عن رتبة الحسن. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إني نهيت عن قتل المصلين ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1455) وغيره، انظر " المشكاة " (4481) . وعن عمر بن أبي سلمة عن أبيه مرسلا. رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 196) في قصة جوع النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ومجيئهم إلى منزل أبي الهيثم وإعطائه إياه خادما من السبي وفيه يقول: " خذ هذا واستوص به خيرا فإني رأيته يصلي، وإني نهيت عن المصلين ". 2380 - " نهينا عن الكلام في الصلاة إلا بالقرآن والذكر ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 65 / 1) عن محمد بن شعيب أخبرنا ابن جابر أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده " أنه كان يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فيرد عليه السلام، ثم إنه سلم عليه وهو يصلي، فلم يرد عليه، فظن عبد الله أن ذلك من موجدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال: يا رسول الله! كنت أسلم عليك وأنت تصلي فترد علي، فسلمت عليك، فلم ترد علي، فظننت أن ذلك من موجدة علي فقال: لا ولكنا نهينا ... ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، غير عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، فإني لم أجد من ذكره، وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة مشهور من رجال الشيخين، وقد ذكروا في ترجمته أنه روى عنه ابناه القاسم ومعن. كما ذكروا في ترجمة

2381

ابن جابر - واسمه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الأزدي الداراني - أنه روى عن القاسم بن عبد الرحمن. فلعل أحد الرواة أو النساخ وهم فذكر " عبد الله " مكان " القاسم ". والله أعلم. والقصة صحيحة، فقد أخرجها الطبراني من طرق متعددة عن ابن مسعود بألفاظ متقاربة ، ولكن ليس في شيء منها قوله " إلا بالقرآن والذكر ". وكذلك أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد وغيرهما. لكن في رواية للنسائي من طريق الزبير بن عدي عن كلثوم عن ابن مسعود بلفظ: " إن الله أحدث في الصلاة أن لا تكلموا، إلا بذكر الله وما ينبغي لكم، وأن تقوموا لله قانتين ". وإسناده صحيح، كما بينته في " صحيح أبي داود " (857) . فهو شاهد قوي للزيادة الواردة في طريق الطبراني . ولها شاهد آخر من حديث معاوية بن الحكم السلمي مرفوعا بلفظ: " إن هذه الصلاة لا يحل فيها شيء من كلام الناس هذا، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ". أخرجه مسلم وأبو داود وغيره من أصحاب " السنن " وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (862) . 2381 - " النار جبار ". أخرجه أبو داود (4594) والنسائي في " العارية والوديعة " من " السنن الكبرى " (10 / 1) وابن ماجة (2676) من طرق ثلاث عن عبد الرزاق عن معمر عن همام بن

منبه عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه أيضا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي في " صحيفة همام بن منبه " (رقم 137 ) : حدثنا عبد الرزاق به. وخالفهم محمد بن شبويه - وهو ابن إسحاق السجزي - فقال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس به. وقال: أخرجه ابن عدي (374 / 2) ، وقال: " ابن شبويه ضعيف يقلب الأحاديث ويسرقها ". ولم يتفرد عبد الرزاق به، فقد قال أبو داود: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني حدثنا عبد الرزاق، ح، حدثنا جعفر بن مسافر التنيسي حدثنا زيد بن المبارك حدثنا عبد الملك الصنعاني كلاهما عن معمر به. وهذا الإسناد الثاني رجاله صدوقون، غير عبد الملك - وهو ابن محمد الصنعاني - فإنه لين الحديث. وأما محمد بن المتوكل العسقلاني في الإسناد الأول، فهو ضعيف، ولكن ضعفه لا يضر الحديث لأنه متابع من السلمي وغيره ممن أشرنا إليه آنفا. إذا عرفت هذا، فقول المناوي مضعفا للحديث بعدما عزاه أصله لأبي داود وابن ماجة: " وفيه محمد بن المتوكل العسقلاني، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: قال أبو حاتم: لين ". فأقول فيه أوهام عديدة: الأول: أن العسقلاني هذا في إسناد ابن ماجة أيضا، وليس كذلك، فإنه قال:

2382

حدثنا أحمد بن الأزهر حدثنا عبد الرزاق ... الثاني: أن أبا داود لم يروه إلا من طريق العسقلاني، الواقع خلافه كما سبق. الثالث: أن العسقلاني تفرد به، وإلا لما سكت على ضعفه، والواقع أيضا أنه متابع من جمع ثقات كما تقدم. والله أعلم. وأما قول ابن عدي: " ليس هذا الحديث في كتب عبد الرزاق، يعني: عن معمر عن همام عن أبي هريرة ". فلا يظهر لي أنه علة قادحة، بعد ثبوته من عدة طرق عن عبد الرزاق، فليتأمل. (جبار) : أي: هدر. قال المناوي: " المراد بـ (النار) الحريق، فمن أوقدها في ملكه لغرض، فطيرتها الريح فشعلتها في مال غيره، ولا يملك ردها، فلا يضمنه ". 2382 - " النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا وإن مع العسر يسرا ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (10 / 287) والديلمي (4 / 111 - 112) من طريقين عن أبي عيسى عبد الرحمن بن زاذان حدثنا أبو عبد الله بن حنبل حدثنا عفان حدثنا همام عن ثابت عن أنس رفعه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن زاذان، اتهمه الذهبي بهذا الحديث، وقال: " باطل ". قلت: بل الحديث صحيح، فقد جاء في بعض طرق حديث ابن عباس:

2383

" يا غلام! إني أعلمك كلمات، احفظ الله يحفظك ... " الحديث وقد خرجته في " المشكاة " (5302 ) وفي " تخريج السنة " (316 - 318) وهذه القطعة منه في " مسند أحمد " (1 / 307) و " الأحاديث المختارة " (59 / 199 - 200) من طرق عن قيس بن الحجاج الزرقي عن حنش بن عبد الله عن ابن عباس به. قلت: وهذا إسناد صحيح. ولهذه القطعة طرق أخرى عنه عند أبي نعيم في " الحلية " (1 / 314) والحاكم (3 / 541 - 542) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (88 / 2 - 89 / 1 - مصورة المكتب) . 2383 - " النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا، فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام، فإن الصوم له وجاء ". أخرجه ابن ماجة (1846) عن عيسى بن ميمون عن القاسم عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وإسناده ضعيف، رجاله ثقات، غير عيسى بن ميمون - وهو المدني مولى القاسم بن محمد - وهو ضعيف كما في " التقريب ". قلت: لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث: 1 - عن عبيد بن سعيد مرفوعا مرسلا بلفظ: " ... ومن سنتي النكاح ". أخرجه أبو يعلى وغيره، وقد سبق تخريجه في الكتاب الآخر (2509) .

2384

2 - حديث أنس في قصة الرهط: " ... وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني . أخرجه الشيخان وغيرهما، وقد خرجته في " الإرواء " (1808) . 3 - قوله صلى الله عليه وسلم: " تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم ". ورد من حديث معقل بن يسار، وصححه الحاكم، وأنس بن مالك وصححه ابن حبان ، وعبد الله بن عمر بسند جيد، وهو مخرج في " آداب الزفاف " (ص 53 - 54) و" الإرواء " (1811) . 4 - عن أنس مرفوعا: " يا معشر الشباب من استطاع منكم الطول فلينكح، أو فليتزوج وإلا فعليه بالصوم، فإنه له وجاء ". أخرجه البزار (ص 146 - زوائده ) بإسناد صحيح عنه. وله شاهد من حديث عثمان وآخر من حديث ابن مسعود نحوه وهما مخرجان في " التعليق الرغيب " (3 / 67) . 2384 - " نهى أن تستر الجدر ". أخرجه البيهقي (7 / 272) عن حكيم بن جبير عن علي بن حسين مرسلا. قلت: وحكيم بن جبير ضعيف، كما في " التقريب "، فهو مرسل ضعيف الإسناد. قلت: لكن قد ثبت من غير وجه إنكار الرسول الله صلى الله عليه وسلم ستر الجدر لغير حاجة، من ذلك حديث عائشة في قصة النمط، وقوله صلى الله عليه وسلم لها:

" أتسترين الجدار؟ ! إن الله لم يأمرنا فيما رزقنا أن نكسو الحجارة والطين " . أخرجه مسلم وغيره، يزيد بعضهم على بعض، كما تراه مخرجا مبينا في " آداب الزفاف " (ص 111 - 112) . وأخرجه البيهقي (7 / 272) عن أبي جعفر الخطمي عن محمد بن كعب قال: " دعي عبد الله بن زيد إلى طعام، فلما جاء رأى البيت منجدا ، فقعد خارجا وبكى، قال: فقيل: ما يبكيك؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا شيع جيشا فبلغ عقبة الوداع قال: أستودع الله دينكم وأماناتكم وخواتيم أعمالكم، قال: فرأى رجلا ذات يوم قد رفع بردة له بقطعة، قال: فاستقبل مطلع الشمس، وقال هكذا - ومد عفان يديه - وقال تطالعت عليكم الدنيا (ثلاث مرات) أي: أقبلت، حتى ظننا أن يقع علينا، ثم قال: أنتم اليوم خير، أم إذا غدت عليكم قصعة وراحت أخرى، ويغدو أحدكم في حلة، ويروح في أخرى، وتسترون بيوتكم كما تستر الكعبة؟ ! فقال عبد الله بن يزيد: أفلا أبكي وقد بقيت حتى تسترون بيوتكم كما تستر الكعبة؟ ! ". قلت: وإسناده صحيح. وأخرجه الترمذي (2 / 77 - 87) من طريق محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي حدثني من سمع علي بن أبي طالب يقول: " إنا لجلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع مصعب بن عمير ما عليه إلا بردة مرفوعة بفرو ... " الحديث نحوه، وزاد في آخره: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأنتم اليوم خير منكم يومئذ ". وقال: " حديث حسن ". وروى البيهقي من طريقين ضعيفين عن محمد بن كعب القرظي: حدثني عبد الله بن عباس مرفوعا بلفظ:

2385

" لا تستروا الجدر ". وأخرجه أبو داود أيضا، إلا أنه لم يسم الراوي عن محمد بن كعب، وقد تكلمت عليه في " ضعيف أبي داود " (262) ، وسماه بعضهم كما بينته في تعليقي على " المشكاة " (2243) . أقول: من أجل ما تقدم أميل إلى تقوية الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2385 - " نهى أن يجلس الرجل بين الرجلين إلا بإذنهما ". رواه أبو الحسن السكري الحربي في الثاني من " الفوائد " (159 / 2) والبيهقي في " السنن " (3 / 232) عن عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا. وكذا رواه أبو عبد الله بن منده في " الأمالي " (40 / 1) وأبو القاسم الحلبي السراج في " حديث ابن السقاء " (7 / 82 / 1) . قلت: وهذا إسناد حسن على الخلاف المعروف في عمرو بن شعيب، وكذا في عامر، وهو ابن عبد الواحد الأحول البصري، وقد احتج به مسلم وحسنه المناوي، وقال: " فيكره الجلوس دون إذنهما تنزيها، وتشتد الكراهية بين نحو والد وولده، وأخ وأخيه ، وصديق وصديقه ". 2386 - " نهى أن يصلي الرجل وهو عاقص شعره ". أخرجه ابن ماجة (1 / 323) وأحمد (6 / 8 و 391) والدارمي (1 / 320) نحوه عن مخول قال: سمعت أبا سعد - رجلا من أهل المدينة - يقول:

" رأيت أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الحسن وهو يصلي وقد عقص شعره، فأطلقه ، أو نهى عنه، وقال: ... " فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير أبي سعد المدني، قال الحافظ: " قيل: هو شرحبيل بن سعد ". قلت: وليس ذلك ببعيد، فإنه قد روى عن أبي رافع، وعنه مخول بن راشد ويكنى بأبي سعد، وهو صدوق اختلط بآخره. وللحديث طريق أخرى، يرويه عمران بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه أنه رأى أبا رافع ... الحديث نحوه، وفيه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ذلك كفل الشيطان: يعني مقعد الشيطان، يعني مغرز ضفره ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (653) . وللحديث شاهد من حديث أم سلمة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل ورأسه معقوص ". قال الهيثمي (2 / 86) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال ( الصحيح) ". قلت: وهو كما قال، باستثناء شيخ الطبراني (23 / 252) علي بن عبد العزيز، وهو ثقة حافظ، فالسند صحيح. وروى أحمد (1 / 146) من طريق أبي إسحاق عن الحارث عن علي مرفوعا في حديث: " ولا تصل وأنت عاقص شعرك، فإنه كفل الشيطان ". والحارث ضعيف، وفيما تقدم كفاية. قوله: " معقوص الشعر ": أي: مجموع بعضه إلى بعض كالمضفور وهذا

2387

- بالطبع - لمن كان له شعر طويل على عادة العرب قديما، وفي بعض البلاد حديثا، فنهى عن ذلك، وأمر بنشره، ليكون سجوده أتم، كما يستفاد من " النهاية " وغيره. وانظر " صفة الصلاة " (ص 151 - الطبعة الخامسة) . 2387 - " كان إذا عطس حمد الله، فيقال له: يرحمك الله، فيقول: يهديكم الله ويصلح بالكم ". أخرجه أحمد (1 / 204) عن ابن لهيعة عن أبي الأسود قال: سمعت عبيد بن أم كلاب عن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبيد بن أم كلاب لا يدرى من هو؟ كما في " تعجيل المنفعة ". وابن لهيعة سيء الحفظ . والحديث قال الهيثمي (8 / 56) : " رواه أحمد والطبراني، وفيه ابن لهيعة ، وهو حسن الحديث على ضعف فيه، وبقية رجاله ثقات ". كذا قال. لكن الحديث قد صح من تعليمه صلى الله عليه وسلم لأمته من حديث أبي هريرة وغيره، فانظر " الإرواء " (772) . ثم وجدت له شاهدا من رواية إسرائيل عن أسباط بن عزرة عن جعفر بن أبي وحشية عن مجاهد عن ابن عمر قال: " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فعطس، فحمد الله، فقالوا: يرحمك الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يهديكم الله ويصلح بالكم ".

2388

أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 204 / 1) وقال الهيثمي (8 / 57) : " وأسباط بن عزرة لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: وفي " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (1 / 1 / 332) : " أسباط بن زرعة. روى عن مجاهد. روى عن إسرائيل ". ولم يزد. قلت: فالظاهر أنه هذا، لكن تحرف اسم أبيه في أحد الكتابين: " المعجم " أو " الجرح "، والأقرب الأول، فإنه في " التاريخ الكبير " (1 / 2 / 53) وفق " الجرح ". وأيهما كان فهو مجهول. 2388 - " نهى أن يمنع نقع البئر. يعني: فضل الماء ". أخرجه أحمد (6 / 268) : حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني أبو الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه أحمد أيضا (6 / 139) وابن حبان (1141) من طرق أخرى عن محمد بن إسحاق به. ثم أخرجه أحمد (6 / 112 و 252) والحاكم (2 / 61) وابن عدي (121 / 1) من طرق أخرى عن أبي الرجال بلفظ: " لا يمنع نقع ماء في بئر " ، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". قلت: وهو بهذه الطرق إلى أبي الرجال على شرط الشيخين، وتابعه ابنه حارثة بن

2389

أبي الرجال عن عمرة به. وزاد في أوله: " لا منع فضل الماء، و ... ". وحارثة هذا ضعيف. لكن هذه الزيادة صحيحة ثابتة من حديث أبي هريرة في " الصحيحين " وغيرهما، وهو مخرج بألفاظ عديدة في " أحاديث البيوع ". 2389 - " نهى عن الثوم والبصل والكراث ". أخرجه الطيالسي (2171) : حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا بشر بن حرب الندبي عن أبي سعيد مرفوعا. قلنا: يا أبا سعيد أحرام هو؟ قال: لا. قلت: وهذا إسناد حسن، بشر بن حرب صدوق فيه لين كما في " التقريب ". ويشهد له حديث جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث ". أخرجه مسلم (2 / 80) . وفي رواية له: " من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربن مسجدنا ... " الحديث. وأخرج ابن ماجة (3367) من طريق عثمان بن نعيم عن المغيرة بن نهيك عن دخين الحجري أنه سمع عقبة بن عامر الجهني مرفوعا بلفظه: " لا تأكلوا البصل ". ثم قال كلمة خفية: " النيىء ". قلت: وعثمان والمغيرة مجهولان.

2390

2390 - " نهى عن أكل الضب ". أخرجه أبو داود (2 / 143) والحافظ الفسوي في " التاريخ " (2 / 318) والطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 191 / 311) والبيهقي (9 / 326) وابن عساكر (9 / 486 / 1) عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل مرفوعا. وقال الطبري: " لا يثبت " وبين ذلك البيهقي بقوله: " ينفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة، وما مضى في إباحته أصح منه ". يعني حديث ابن عمران وابن عباس في " الصحيحين " وغيرهما في قصة خالد بن الوليد وأكله الضب. وامتناعه صلى الله عليه وسلم منه وقوله: " كلوا، فإنه ليس بحرام ولا بأس به ولكنه ليس من طعام قومي ". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (2498) . ولا شك أن هذا أصح من حديث الترجمة، ولكن ذلك لا يستلزم تضعيفه إذا كان لا علة فيه سوى إسماعيل بن عياش، ذلك لأنه في نفسه ثقة، وقد ضعفوه في روايته عن غير الشاميين، ووثقوه في روايته عنهم، وهذا الحديث رواته كلهم شاميون، قال الحافظ: " صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم ". وعلى هذا التفريق جرى كبار أئمة الحديث كأحمد والبخاري وابن معين ويعقوب بن شيبة وابن عدي وغيرهم، وهم عمدة الحافظ ابن حجر فيما قال فيه. ونحوه في " المغني " للذهبي .

فالعجب من البيهقي كيف تغافل عن هذا التفصيل، فأطلق القول فيه بأنه ليس بحجة ؟ ونحوه قول المنذري في " مختصر أبي داود ". وأعجب منه إقرار الزيلعي في " نصب الراية " (4 / 195) إياهما، وسكوت ابن التركماني في " الجوهر النقي " على تغافل البيهقي، مع أن الحديث حجة الحنفية على تحريم الضب، فكان عليهما أن يبينا ما في ذلك من الحيد عن الصواب دفاعا عن الحق، لا تعصبا للمذهب، وهو الموقف الذي وقفه الحافظ ابن حجر رحمه الله، مع أن الحديث بظاهره مخالف لمذهبه ! فقال رحمه الله تعالى في " الفتح " (9 / 547) : " أخرجه أبو داود بسند حسن ... وحديث ابن عياش عن الشاميين قوي، وهؤلاء شاميون ثقات، ولا يغتر بقول الخطابي، ليس إسناده بذاك. وقول ابن حزم: فيه ضعفاء ومجهولون. وقول البيهقي: تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة. وقول ابن الجوزي: لا يصح. ففي كل ذلك تساهل لا يخفى. فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري، وقد صحح الترمذي بعضها ... والأحاديث الماضية، وإن دلت على الحل تصريحا وتلويحا، نصا وتقريرا، فالجمع بينها وبين هذا يحمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون الضب مما مسخ، وحينئذ أمر بإكفاء القدور، ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه، وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له، ثم بعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه، وأكل على مائدته فدل على الإباحة، وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره، وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره، ولا يلزم من ذلك أنه يكره مطلقا ". قلت: وبالجملة، فالحديث ثابت، وكونه معارضا لما هو أصح منه لا يستلزم ضعفه، فهو من قسم المقبول، فيجب التوفيق بينه وبين ما هو أصح منه، على النحو الذي عرفته في كلام الحافظ، وخلاصته أنه محمول على الكراهة لا على التحريم، وفي حق من يتقذره، وعلى ذلك حمله الطبراني أيضا. والله أعلم.

وقد خالف الطحاوي الحنفية في هذه المسألة، فقد عقد فيها بابا خاصا في كتابه " شرح المعاني " (2 / 314 - 317) وذكر الأحاديث الواردة فيها إباحة وكراهة - إلا هذا الحديث فلم يسقه - ثم ختم الباب بقوله: " فثبت بتصحيح هذه الآثار أنه لا بأس بأكل الضب، وهو القول عندنا ". فمن شاء التفصيل فليرجع إليه. وللحديث شاهد من رواية يوسف بن مسلم المصيصي: أخبرنا خالد بن يزيد القسري أخبرنا محمد بن سوقة عن سعيد بن جبير عن عائشة مرفوعا به. أخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (5 / 284 / 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، خالد بن يزيد القسري - وهو أمير العراق -، قال ابن عدي: " لا يتابع على أحاديثه لا إسنادا ولا متنا ... وهو عندي ضعيف ". وقال أبو حاتم: " ليس بقوي ". ويوسف بن مسلم المصيصي لم أعرفه. ثم تبين أنه وقع منسوبا لجده، وأنه يوسف بن سعيد بن مسلم، وثقه ابن أبي حاتم، وابن حبان (9 / 281) ، وذكر أنه مات سنة (265) . (تنبيه) : إنما اقتصر الحافظ على تحسين إسناد أبي داود مع ثقة رجاله لأن ضمضم بن زرعة شيخ إسماعيل بن عياش فيه ضعف يسير، وقد أشار إليه في قوله فيه في " التقريب ": " صدوق، يهم ". والله أعلم.

2391

2391 - " نهى عن أكل المجثمة، وهي التي تصبر بالنبل ". أخرجه الترمذي (1473) عن أبي أيوب الإفريقي عن صفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب ". وقال ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 20) عن أبيه: " سعيد بن المسيب عن أبي الدرداء لا يستوي ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي أيوب الإفريقي، واسمه عبد الله بن علي بن الأزرق، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: فحديثه يحتمل التحسين، بل هو حسن، فقد وجدت له طريق أخرى، قال الإمام أحمد (6 / 445) : حدثنا علي بن عاصم حدثنا سهيل بن أبي صالح عن عبد الله بن يزيد السعدي قال: " أمرني ناس من قومي أن أسأل سعيد بن المسيب عن سنان يحددونه ويركزونه في الأرض، فيصبح وقد قتل الضبع، أتراه ذكاته؟ قال: فجلست إلى سعيد بن المسيب، فإذا عنده شيخ أبيض الرأس واللحية من أهل الشام، فسألت عن ذلك؟ فقال لي: وإنك لتأكل الضبع؟ قال: قلت: ما أكلتها قط، وإن ناسا من قومي ليأكلونها، قال: فقال: إن أكلها لا يحل. قال: فقال الشيخ: يا عبد الله! ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي الدرداء يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال : قلت: بلى، قال: فإني سمعت أبا الدرداء يقول: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي خطفة وعن كل ذي نهبة وعن كل ذي ناب من السباع ". قال: فقال سعيد بن المسيب: صدق ".

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات - على ضعف في علي بن عاصم - غير عبد الله بن يزيد السعدي، فلا يعرف إلا بهذه الرواية، وقد وثقه ابن حبان (7 / 13) . والحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة: 1 - عن عبد الله بن عباس قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبن الجلالة وعن أكل المجثمة وعن الشرب من في السقاء ". أخرجه أبو داود (2 / 134) والنسائي (2 / 210) والترمذي (1826) والدارمي (2 / 83 و 89) وابن خزيمة (1 / 256 / 1) وابن حبان (1363) والحاكم (1 / 445) والبيهقي (9 / 334) واللفظ له وأحمد (1 / 226، 241، 293، 321، 339) من طرق عن قتادة عن عكرمة عنه به، إلا أن أبا داود قال: " ركوب " مكان " لبن "، ولم يذكرهما الحاكم وصححه، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط البخاري، وقد أخرج الفقرة الأخيرة منه، وسبق تخريجه (399) . 2 - عن أبي ثعلبة الخشني قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطفة والمجثمة والنهبة وعن أكل كل ذي ناب من السباع ". أخرجه الدارمي (2 / 85) والبيهقي عن أبي أويس ابن عم مالك بن أنس عن الزهري عن أبي إدريس الخولاني عنه. قلت: وإسناده حسن وهو على شرط مسلم، وأبو أويس اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس.

ورواه بقية عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة به نحوه، وقال: ولا تحل المجثمة ". أخرجه النسائي (2 / 199 / 210) وأحمد (4 / 194) . 3 - عن جابر مرفوعا بلفظ: " وحرم المجثمة ". أخرجه أحمد (3 / 323) . قلت: ورجاله على شرط مسلم. 4 - عن العرباض بن سارية مرفوعا مثل حديث جابر. أخرجه أحمد (4 / 127) . ورجاله ثقات غير أم حبيبة بنت العرباض وهي مقبولة. 5 - عن أبي هريرة مرفوعا مثل حديث جابر. أخرجه أحمد (2 / 366) . قلت: وإسناده حسن. 6 - عن سمرة قال: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهيمة وأن يؤكل لحمها إذا صبرت ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " من طريق الحسن عنه، وقال: " جاء في النهي عن صبر البهيمة أحاديث جياد، وأما النهي عن أكلها فلا يعرف إلا في هذا ". قلت: كذا قال، ويرده حديث الترجمة وحديث ابن عباس (رقم 1) وقال

2392

الحافظ في " الفتح " (9 / 529) عقبه: " قلت: إن ثبت فهو محمول على أنها ماتت بذلك بغير تذكية كما في المقتولة بالبندقة ". (فائدة) : المراد بالبندقة هنا كرة في حجم البندقة، تتخذ من طين، فيرمى بها بعد أن تيبس، فالمقتول بها لا يحل لأنها لا تخرق ولا تجرح وإنما تقتل بالصدم بخلاف البنادق الحديثة، التي يرمى بها بالبارود والرصاص، فيحل لأن الرصاصة تخرق خرقا زائدا على خرق السهم والرمح، فلها حكمه. انظر " الروضة الندية " لصديق حسن خان (2 / 187) . 2392 - " نهانا عن التكلف (للضيف) ". أخرجه الحاكم (4 / 123) وابن عدي (ق 154 - 155) عن سليمان بن قرم عن الأعمش عن شقيق قال: " دخلت أنا وصاحب لي على سلمان رضي الله عنه، فقرب إلينا خبزا وملحا، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف، لتكلفت لكم. فقال صاحبي: لو كان في ملحنا سعتر، فبعث بمطهرته إلى البقال، فرهنها، فجاء بسعتر، فألقاه فيه، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة عند البقال ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وقال ابن عدي: " سليمان بن قرم مفرط في التشيع، وله أحاديث حسان أفرادات، وهو خير من سليمان بن أرقم بكثير ". قلت: هو من رجال مسلم، واستشهد به البخاري، وقال الحافظ

" سيء الحفظ، يتشيع ". قلت: فحديثه يحتمل التحسين، والحديث صحيح لما له من الشواهد كما يأتي. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 179) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن منصور الطوسي وهو ثقة ". قلت: والظاهر أنه عند الطبراني من طريق ابن قرم هذا. ثم تأكد ما استظهرته بعد أن طبع " المعجم الكبير "، فهو فيه (6 / 288 / 6084 و 6085) . وأخرجه ابن المبارك في " الزهد " (1404) : أخبرنا قيس بن الربيع: أنبأنا عثمان بن شابور عن رجل عن سلمان به نحوه. قلت: وقيس بن الربيع سيء الحفظ، وقد اضطرب في إسناده، فمرة رواه هكذا: عن رجل لم يسمه، ومرة سماه، فقال: عن أبي وائل، ومرة قال: عن شقيق أو غيره. أخرجها أبو عمرو بن حيويه في زياداته على " زهد ابن المبارك " (1404 - 1406) . وأخرجه أحمد (4 / 441) الرواية الأخيرة منها، وقال: " شك قيس ". وكذلك رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط ". ثم روى الحاكم من طريق الحسين بن محمد حدثنا الحسين بن الرماس حدثنا عبد الرحمن بن مسعود العبدي قال: سمعت سلمان الفارسي يقول: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ". ذكره الحاكم شاهدا للإسناد الأول وأشار إلى تصحيحه، وقال الذهبي في " تلخيصه ": " قلت: سنده لين ". قلت: عبد الرحمن بن مسعود مقبول عند الحافظ، ولم يوثقه غير ابن حبان. والحسن بن الرماس لم أعرفه.

2393

ثم تبين أنه الحسين بن الرماس، هكذا ذكره البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وساق له البخاري هذا الحديث بلفظ: " أمرنا أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا، وأن نقدم ما حضر ". (تنبيه) : تكرر تخريج هذا الحديث فيما يأتي (2440) فمعذرة، وإن كان هناك لا يخلو من زيادة فائدة. 2393 - " نهى عن الجداد بالليل والحصاد بالليل. قال جعفر بن محمد: أراه من أجل المساكين ". أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " (ق 203 / 2) والبيهقي (4 / 133) والخطيب في " التاريخ " (12 / 372) من طرق عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده - يعني الحسين - مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقصر السيوطي في تخريجه، فلم يعزه إلا للبيهقي! ورمز لحسنه فقط كما قال المناوي، ثم قلده في " التيسير "، فقال: " وإسناده حسن "! و (الجداد) بفتح الجيم والكسر: صرام النخل، وهو قطع ثمرتها. 2394 - " نهى عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل الرجل وهو منبطح على بطنه ". أخرجه أبو داود (3774) والحاكم (4 / 129) وابن ماجة (3370) بالشطر الثاني منه عن جعفر بن برقان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: فذكره. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط مسلم! ووافقه الذهبي! وأعله أبو داود بقوله عقبه: " هذا الحديث لم يسمعه جعفر من الزهري، وهو منكر ". ثم ساق بإسناده الصحيح عن جعفر أنه بلغه عن الزهري بهذا الحديث. قلت: وجعفر ثقة من رجال مسلم، لكنهم ضعفوا حديثه عن الزهري خاصة، ولذلك قال الحافظ: " صدوق، يهم في حديث الزهري ". وذكر الحافظ في " التهذيب " أن هذا الحديث مما أنكره العقيلي أيضا من حديثه عن الزهري. قلت: لكن الحديث ثابت، فشطره الأول له شواهد من حديث جابر وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " رقم (1949 و 1982) و " تخريج الحلال ". والشطر الثاني، له شاهد من حديث علي، قال: " نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صلاتين وقراءتين وأكلتين ولبستين، نهاني أن أصلي بعد الصبح حتى ترتفع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس، وأن آكل وأنا منبطح على بطني، ونهاني أن ألبس الصماء وأحتبي في ثوب واحد ليس بين فرجي وبين السماء ساتر ". أخرجه الحاكم (4 / 119) عن أبي أحمد الزبيري حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن زيد بن أسلم عن أبيه عنه. وقال: " صحيح الإسناد "، وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: عمر واه ". قلت: لم ينكشف لي من هو؟ بعد مزيد البحث عنه، على أنه وقع في " تلخيص

الذهبي ": " عمرو " بالواو. فالله أعلم. ووجدت له شاهدا آخر بلفظ: " لا تأكل منكبا ولا تخطى رقاب الناس يوم الجمعة " . رواه الطبراني في " الأوسط " (52 / 1 - زوائده) وعنه ابن عساكر (13 / 196 / 2) عن أبي اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا أرطأة بن المنذر عن عبيد الله بن رريق عن عمرو بن الأسود عن أبي الدرداء مرفوعا. وقال: " لا يروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به أرطأة ". قلت: وهو ثقة، وكذلك سائر رواته غير عبيد الله بن رريق. (كذا بالإهمال) ، ووقع في " ابن عساكر " بإعجام الحرف الثاني بنسبته: (الألهاني) ولم أعرفه، وقد قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 24) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله ثقات ". (تنبيه) : " منكبا " هكذا وقع مقيدا في " الزوائد " من الانكباب، ووقع في " المجمع " و " ابن عساكر ": " متكئا " من الاتكاء، وبوب له الهيثمي: " باب الأكل متكئا ". والله أعلم. ثم تكشفت لي أمور: الأول: أن " عبد الله بن رريق " وقع فيه خطآن: أحدهما: من الناسخ، والصواب رواية: " عبد الله بن رزيق "، كذا في نسخة جيدة من " المعجم الأوسط " (1 / 3 / 33 - بترقيمي) . والآخر: من أحد الرواة، انقلب اسمه عليه، والصواب فيه: " رزيق أبو عبد الله "، نبه على ذلك الأمير ابن ماكولا في " الإكمال " (4 / 54) ، وكذلك أوردوه في كتب التراجم، مثل: " التاريخ " و " الجرح " و " ثقات ابن حبان " (4 / 239) وغيرها.

الثاني: أن الرجل معروف، ولكنه مختلف فيه، فقال أبو زرعة: " لا بأس به ". وذكره ابن حبان في " الثقات " كما تقدم، ولكنه تناقض فأورده في " الضعفاء " أيضا (1 / 301) ، فقال: " ينفرد بأشياء لا تشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إلا عند الوفاق ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". الثالث: أن الهيثمي تناقض فيه أيضا، فقد رأيت آنفا أنه وثق رجاله دون استثناء ، ثم رأيته قال في موضع آخر (2 / 178) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه عبد الله بن زريق - كذا - قال الأزدي: لا يصح حديثه ". وقلده المعلق على " المعجم الأوسط " (1 / 50 و 52) كعادته، فإن الرجل لا علم عنده بهذا الفن، وكل ما أثقل به كاهل الحواشي والتعليقات إنما هو مجرد النقل الذي لا يعجز عنه أي طالب علم! ويبدو لي أن الهيثمي بعد أن ذكر هذا عن الأزدي، تبين له ما سبق تحقيقه أن عبد الله بن رزيق هو رزيق أبو عبد الله، وبناء عليه وثق رجاله لتوثيق أبي زرعة وابن حبان إياه، ولعله لم يتنبه لتناقض ابن حبان فيه. والله أعلم. الرابع: أن الصواب في متن الحديث: " متكئا " لأمرين: أحدهما: أنه كذلك في النسخة التي سبقت الإشارة إليها من " الأوسط ". والآخر: أنه وقع كذلك في " ضعفاء ابن حبان "، وفي " الجامع الكبير " للسيوطي

2395

معزوا للطبراني وابن عساكر . وعليه فلا يصلح الاستشهاد به لحديث الترجمة كما هو ظاهر. والله أعلم. 2395 - " نهى عن المفدم ". أخرجه ابن ماجة (2 / 377) عن يزيد بن أبي زياد عن الحسن بن سهيل عن ابن عمر مرفوعا. قال يزيد: " قلت للحسن: ما المفدم؟ قال: المشبع بالعصفر ". قلت: وهذا إسناد ضعيف، والحسن بن سهيل قال الذهبي: " ما علمت روى عنه غير يزيد بن أبي زياد الكوفي، ولكن ذكره ابن حبان في (الثقات) ". قلت: وتوثيقه غير معتد به والحالة هذه لما عرف من توثيقه المجهولين، حتى الذين يقول هو فيهم: " لا أعرفه ولا أعرف أباه ". ويزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي مولاهم - ضعيف. لكن للحديث شاهد من حديث علي رضي الله عنه قال: " نهاني حبي صلى الله عليه وسلم عن ثلاث - لا أقول: نهى الناس - نهاني عن تختم الذهب وعن لبس القسي وعن العصفر المفدم ". أخرجه النسائي (1 / 168 و 2 / 287) عن داود بن قيس عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين عن أبيه عن ابن عباس عنه.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه الضحاك بن عثمان عن إبراهيم بن حنين به إلا أنه قال: " وعن لبس المفدم والمعصفر ". أخرجه النسائي أيضا (1 / 160 و 2 / 287) ، وزاد: " وعن القراءة في الركوع ". وإسناده صحيح على شرط مسلم أيضا ، وقد أخرجه في " صحيحه " (6 / 144) من طرق أخرى عن إبراهيم بن عبد الله به ، دون قوله: " المفدم ". وهو رواية لابن ماجة. وأخرجه أحمد (1 / 71) من طريق أخرى عن عبيد الله - يعني ابن عبد الله بن موهب -: أخبرني عمي عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب عن أبي هريرة عنه به مختصرا، وفيه قصة. وهذا إسناد ضعيف لضعف عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، ولم يذكروا له رواية عن أبي هريرة، والظاهر أنه لم يسمع منه. والراوي عنه هو عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب التميمي ضعيف أيضا. (تنبيه) : قال البوصيري في " زوائد ابن ماجة " تعليقا على حديث الترجمة (218 / 1) : " هذا إسناد صحيح، وله شاهد من حديث علي بن أبي طالب، رواه مسلم وأصحاب " السنن " الأربعة، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في " مسنده " بهذا الإسناد، وبزيادة في أوله "! وفيه أمور لا تخفى على القارىء اللبيب، أهمها أن لفظ: " المفدم " عن علي ليس إلا عند النسائي.

2396

هذا ولعل النهي أن لبس الثوب المشبع حمرة لأنه تشبه بالكفار لحديث: " إن هذه من ثياب الكفار، فلا تلبسها ". رواه مسلم، وتقدم تخريجه برقم (1704) . أو لأنه من لباس النساء كما يشعر به حديث آخر عنده (6 / 144) عن عبد الله بن عمرو قال: " رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين، فقال: أأمك أمرتك بهذا؟ ! قلت: أغسلهما؟ قال: بل أحرقهما ". والله أعلم. 2396 - " نهى عن ميثرة الأرجوان ". أخرجه الترمذي (2789) عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا، وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: ورجاله ثقات، لكن الحسن مدلس، وقد عنعنه. وله شاهد من حديث علي قال: " نهى عن ميثار الأرجوان ". أخرجه أبو داود (2 / 175) والنسائي (2 / 288) عن هشام عن محمد عن عبيدة عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح. وأخرجه أبو داود أيضا والنسائي (2 / 287) وابن ماجة (3654) عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب وعن لبس القسي والميثرة الحمراء ".

2397

قلت: وإسناده جيد. وله عند النسائي (2 / 287 و 302) طريقان آخران عن علي. وطريق آخر عند أحمد (1 / 147) . وله شاهد من حديث البراء بن عازب عند البخاري وغيره وهو مخرج في " المشكاة " ( 4358 - التحقيق الثاني) و " آداب الزفاف " (125) . وفي " صحيح مسلم " (6 / 139 - 140) عن ابن عمر: " أن ميثرته كانت أرجوانا ". قال ذلك ردا على من نسب إليه أنه يحرم ميثرة الأرجوان! 2397 - " نهى عن سب الأموات ". أخرجه الحاكم (1 / 385) عن شعبة عن مسعر عن زياد بن علاقة عن عمه: " أن المغيرة بن شعبة سب علي بن أبي طالب، فقام إليه زيد بن أرقم فقال: يا مغيرة! ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن سب الأموات؟ فلم تسب عليا وقد مات؟ ! "، وقال: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، وعم زياد بن علاقة اسمه قطبة بن مالك، وقد اختلف في إسناده على مسعر، فرواه شعبة عنه هكذا، وخالفه محمد بن بشر فقال: حدثنا مسعر عن الحجاج مولى بني ثعلبة عن قطبة بن مالك عم زياد بن علاقة قال: " نال المغيرة بن شعبة من علي، فقال زيد بن أرقم ... " الحديث. أخرجه أحمد (4 / 369) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 153) . وتابعه وكيع: حدثنا مسعر عن أبي أيوب مولى بني ثعلبة عن قطبة بن مالك به.

أخرجه أحمد (4 / 371) . وأبو أيوب هذا هو الحجاج الذي في الطريق التي قبلها، واسم أبيه أيوب كما في " تعجيل المنفعة "، وأفاد أنه مجهول الحال. وخالفهم سفيان الثوري فقال: عن زياد بن علاقة عن المغيرة بن شعبة قال: فذكر الحديث مرفوعا، وجعله من مسند المغيرة! أخرجه أحمد (4 / 252) والترمذي (1983) وابن حبان (1987) . وفي رواية لأحمد من طريق عبد الرحمن: حدثنا سفيان عن زياد بن علاقة قال: سمعت رجلا عند المغيرة بن شعبة قال: فذكره مرفوعا بلفظ: " لا تسبوا الأموات، فتؤذوا الأحياء ". فهذا اختلاف شديد على زياد بن علاقة، يتلخص في الوجوه التالية: 1 - عنه عن عمه قطبة بن مالك عن زيد بن أرقم مرفوعا. 2 - عنه عن المغيرة بن شعبة مرفوعا. 3 - عنه عن رجل مرفوعا. ولعل الوجه الأول هو أرجح الوجوه لمطابقته للرواية الراجحة من روايتي الحجاج بن أيوب عن قطبة بن مالك عن زيد به، وقد عرفت أنه صحيح السند. وله شاهد من حديث عائشة عند البخاري وغيره، وهو مخرج في " الروض النضير " (1 / 437) . وثان من حديث ابن عباس في سنده ضعيف كما بينته في " تخريج الترغيب " (4 / 175) . وثالث من حديث عائشة أيضا. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (10 / 395) .

2398

2398 - " نهى عن صوم ستة أيام من السنة: ثلاثة أيام التشريق ويوم الفطر ويوم الأضحى ويوم الجمعة مختصة من الأيام ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1 / 191) : حدثنا الربيع عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، الرقاشي ضعيف. والربيع - وهو ابن صبيح - صدوق سيء الحفظ. ومن طريقه أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 429 و 430) لكنه لم يذكر يوم الجمعة والفطر. وكذلك أخرجه هو وأبو يعلى (3 / 1016) من طريق الربيع أيضا، ومرزوق أبي عبد الله الشامي قالا: حدثنا يزيد الرقاشي به. ومرزوق هذا قال ابن معين: " ليس به بأس ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وللحديث شواهد، فروى عبد الله بن سعيد عن أبيه (وقيل: عن جده ) عن أبي هريرة مرفوعا به نحوه، إلا أنه ذكر: " آخر يوم من شعبان يوصل برمضان "، بدل: " يوم الجمعة ". أخرجه البزار (ص 104 - زوائده) وابن عدي (213 / 1 - 2) والبيهقي (4 / 208) وقال: " عبد الله بن سعيد المقبري غير قوي ". كذا قال وهو أسوأ حالا مما ذكر، فإنه متروك كما في " التقريب "، وقال ابن عدي: " عامة ما يرويه الضعف عليه بين ".

وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 303) : " رواه البزار، وفيه عبد الله بن سعيد المقبري، وهو ضعيف "! وقال في حديث أنس: " رواه أبو يعلى، وهو ضعيف من طرقه كلها ". والحديث صحيح ، فقد جاء مفرقا عن أبي هريرة في أحاديث: الأول: روى صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب عن ابن المسيب عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عبد الله بن حذافة أن يطوف في أيام منى: ألا لا تصوموا هذه الأيام، فإنها أيام أكل وشرب وذكر الله ". أخرجه الطحاوي وأحمد (2 / 513 و 535) . وله عند أحمد وغيره طريق أخرى وشواهد كثيرة، سبق تخريجها برقم (1282) . الثاني: عن الأعرج عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين ، يوم الأضحى ويوم الفطر ". أخرجه الشيخان والبيهقي (4 / 297) وغيرهم وله شواهد خرجتها في " الإرواء " (944) . الثالث: عن أبي صالح عنه مرفوعا بلفظ: " لا تصوموا يوم الجمعة، إلا وقبله يوم، أو بعده يوم ". أخرجه الترمذي وغيره ومسلم من طريق أخرى عنه نحوه، وهما مخرجان فيما تقدم برقم (980 و 981) . الرابع: عن أبي سلمة عنه مرفوعا بلفظ: " لا تقدموا قبل رمضان بيوم أو يومين، إلا أن يكون رجلا كان يصوم صياما، فيصومه ".

2399

أخرجه مسلم وأصحاب السنن " والبيهقي (4 / 207) والطيالسي (1 / 182) وأحمد (2 / 234 و 281) . وله شاهد من حديث ابن عباس، مخرج في " الإرواء " (894) . واعلم أنه قد صح النهي عن صوم يوم السبت إلا في الفرض، ولم يستثن عليه الصلاة والسلام غيره، وهذا بظاهره مخالف لما تقدم من إباحة صيامه مع صيام يوم الجمعة، فإما أن يقال بتقديم الإباحة على النهي، وإما بتقديم النهي على الإباحة، وهذا هو الأرجح عندي، وشرح ذلك لا يتسع له المجال الآن، فمن رامه، فعليه بكتابي " تمام المنة في التعليق على فقه السنة " (405 - 408 / طبعة عمان) . 2399 - " نهى عن محاشي النساء ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 196 / 1 - زوائد المعجمين) عن علي بن بحر عن ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله مرفوعا، وقال: " لم يروه عن الضحاك إلا ابن أبي فديك، تفرد به علي ". قلت: وهو ثقة فاضل، ومن فوقه ثقات من رجال مسلم، فالإسناد جيد صحيح. وللحديث شاهد من حديث عقبة بن عامر مخرج في " آداب الزفاف " (ص 31) . (محاشي النساء) : قال ابن الأثير في " النهاية ": " هكذا جاء في رواية، وهي جمع " محشاة "، لأسفل مواضع الطعام من الأمعاء، فكنى به عن الأدبار ".

2400

2400 - " هذا القرع - هو الدباء - نكثر به طعامنا ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 104) وابن ماجة (2 / 311) وأحمد (4 / 352) والطبراني في " الكبير " (2080 و 2085) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 214) عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: " دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وعنده هذه الدباء ، فقلت: أي شيء هذا؟ قال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير حكيم بن جابر، وهو ثقة. وأبوه جابر قال الترمذي: " هو جابر بن طارق، ويقال: ابن أبي طارق، وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نعرف له إلا هذا الحديث الواحد ". 2401 - " هذه، ثم ظهور الحصر. قاله صلى الله عليه وسلم لأزواجه في حجة الوداع ". ورد من حديث أبي واقد الليثي وأبي هريرة وزينب بنت جحش وسودة بنت زمعة وأم سلمة وعبد الله بن عمر. 1 - أما حديث أبي واقد، فأخرجه أبو داود (1 / 272) وأحمد (5 / 218 و 219) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 239 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " ( 16 / 32 / 2) عن أحمد كلهم عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم عن واقد بن أبي واقد عن أبيه:

" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لنسائه في حجة الوداع: ... " فذكره. قلت: ورجاله ثقات، رجال مسلم غير واقد بن أبي واقد، قال الحافظ: " يقال: له صحبة، وقيل: بل هو في الثالثة ". 2 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عنه. أخرجه أحمد (2 / 446 و 6 / 324) وابن سعد في " الطبقات " (8 / 55 و 207 - 208) والبغوي في " حديث علي بن الجعد " (12 / 127 / 2) . قلت: وهذا إسناد جيد كما تقدم تحقيقه في حديث: " من صلى على جنازة.. " (2351) . 3 و 4 - وأما حديث زينب وسودة، ففي رواية لأحمد وابن سعد في حديث أبي هريرة السابق: " قال: فكن كلهن يحججن إلا زينب بنت جحش وسودة بنت زمعة، وكانتا تقولان: والله لا تحركنا دابة بعد أن سمعنا ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ( وفي رواية: بعد قول رسول الله صلى الله عليه وسلم) : هذه ثم ظهور الحصر ". 5 - وأما حديث أم سلمة، فيرويه محمد بن خالد الحنفي حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن عثمان الأخنسي عن عبد الرحمن بن سعد بن يربوع عنها قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: " إنما هي هذه الحجة، ثم الجلوس على ظهور الحصر في البيوت ". أخرجه أبو يعلى (ق 314 / 2 - مصورة المكتب) . قلت: ورجاله ثقات غير محمد بن خالد الحنفي، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 135) :

2402

" رواه الطبراني في " الكبير " وأبو يعلى، ورجاله ثقات ". 6 - وأما حديث ابن عمر فيرويه عاصم بن عمر عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعا، مثل حديث أم سلمة، إلا أنه لم يقل: " في البيوت ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 112 / 1) ، وقال الهيثمي (3 / 214) : " وعاصم بن عمر العمري وثقه ابن حبان، وقال: يخطىء. وضعفه الجمهور ". 2402 - " هدم - أو قال: حرم - المتعة: النكاح والطلاق والعدة والميراث ". أخرجه ابن حبان (1267) والدارقطني (398) والبيهقي (7 / 207) عن مؤمل ابن إسماعيل حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا سعيد المقبري عن أبي هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج نزل ثنية الوداع، فرأى مصابيح، وسمع نساء يبكين، فقال: ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله! نساء كانوا تمتعوا منهن أزواجهن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عكرمة بن عمار مع أنه من رجال مسلم، فإنه كما قال الحافظ: " صدوق يغلط ". ومؤمل بن إسماعيل صدوق سيء الحفظ. لكن يشهد له ما روى عبد الله بن لهيعة عن موسى بن أيوب عن إياس بن عامر عن علي بن أبي طالب قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة. قال: وإنما كانت لمن لم يجد، فلما أنزل النكاح

2403

والطلاق والعدة والميراث بين الزوج والمرأة نسخت ". أخرجه الدارقطني والبيهقي. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله صدوقون، على ضعف في حفظ ابن لهيعة. ثم روى البيهقي بسند جيد عن سعيد بن المسيب قال: " نسخ المتعة الميراث ". وعن بسام الصيرفي قال: " سألت جعفر بن محمد عن المتعة - ووصفتها له - فقال لي: ذلك الزنا ". وسنده جيد أيضا. 2403 - " هل تدري أين تغرب هذه؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: فإنها تغرب في عين حامية ". أخرجه أبو داود (4002) واللفظ له، وأحمد (5 / 165) عن يزيد بن هارون عن سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال : " كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على حمار والشمس عند غروبها ، فقال ... " فذكره. وزاد أحمد: " تنطلق، حتى تخر لربها عز وجل ساجدة تحت العرش، فإذا حان خروجها أذن الله لها فتخرج، فتطلع، فإذا أراد أن يطلعها حيث تغرب حبسها، فتقول: يا رب! إن مسيري بعيد، فيقول لها اطلعي من حيث غبت، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها ". قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه هو (1 / 96) والبخاري (3 / 318) والطيالسي (460) وأحمد أيضا (5 / 145، 152 / 177) من طرق أخرى عن إبراهيم بن يزيد التيمي به دون ذكر الغروب في العين الحامية.

2404

2404 - " والذي نفس محمد بيده، ما أصبح عند آل محمد صاع حب ولا صاع تمر ". أخرجه ابن ماجة (2 / 537) وأحمد (3 / 238) عن الحسن بن موسى أنبأنا شيبان عن قتادة عن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه هشام بن أبي عبد الله عن قتادة به، إلا أنه قال: " ما أمسى عند ... " دون طرفه الأول. أخرجه أحمد (3 / 133 و 208) والبخاري (4 / 242) والترمذي (1215) وقال: " حديث حسن صحيح "، وفي رواية للبخاري (5 / 105) من هذا الوجه بلفظ: " ما أصبح لآل محمد صلى الله عليه وسلم إلا صاع، ولا أمسى ". 2405 - " والذي نفس محمد بيده، ما من عبد يؤمن، ثم يسدد إلا سلك به في الجنة وأرجو أن لا يدخلوها حتى تبوءوا أنتم ومن صلح من زرياتكم مساكن في الجنة، ولقد وعدني ربي عز وجل أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب ". أخرجه ابن ماجة (2 / 574) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 87) وابن حبان ( 9 - موارد) والطيالسي (1 / 27) وأحمد (4 / 16) عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثنا هلال بن أبي ميمونة قال: حدثني عطاء بن يسار قال: حدثني رفاعة بن عرابة الجهني مرفوعا.

2406

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. 2406 - " والله لا تجدون بعدي أعدل عليكم مني ". أخرجه أحمد (3 / 65) : حدثنا محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة والضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم يقسم مالا إذ أتاه ذو الخويصرة - رجل من بني تميم - فقال: يا محمد! اعدل، فوالله ما عدلت منذ اليوم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ثلاث مرات، فقال عمر: يا رسول الله! أتأذن لي فأضرب عنقه؟ فقال: لا، إن له أصحابا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ... " الحديث. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير محمد بن مصعب، ففيه ضعف، لكن الحديث صحيح، فقد أخرجه مسلم (3 / 122) من طريق يونس عن ابن شهاب به نحوه، لكن ليس فيه حديث الترجمة. ويشهد له حديث الأزرق بن قيس عن شريك بن شهاب قال: " كنت أتمنى أن ألقى رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسأله عن الخوارج، فلقيت أبا برزة الأسلمي في يوم عيد في ناس من أصحابه، فقلت له: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث في الخوارج؟ قال أبو برزة: سمعت رسول الله بأذني، ورأيته بعيني، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال (الأصل: بملل ، وهو خطأ. وفي رواية: بدنانير من أرض) ، فقسمه، فجاء رجل، مطموم الشعر ، عليه ثوبان أبيضان، فأعطى من عن يمينه ومن عن شماله ولم يعطه شيئا، فجاء من ورائه فقال: والله يا محمد! ما عدلت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. أخرجه الطيالسي (2 / 183 - 184) وعنه النسائي (2 / 174 - 175)

2407

والحاكم (2 / 146) وأحمد (4 / 421 - 422 و 424) كلهم من طريق حماد بن سلمة عن الأزرق بن قيس به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي فلم يتعقبه بشيء، والأزرق هذا لم يخرج له مسلم شيئا وإنما هو من رجال البخاري، فالحديث صحيح فقط، وقد وثقه النسائي وابن سعد وابن معين والدارقطني وابن حبان، وقد قصر المناوي تبعا للهيثمي (6 / 229) حينما اقتصرا على قولهما: " وثقه ابن حبان " فقط! وشاهد آخر من رواية عطاء بن السائب عن بلال بن بقطر عن أبي بكرة قال: " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنانير ... "، الحديث نحوه. أخرجه أحمد (5 / 42) . وبلال هذا لم يوثقه غير ابن حبان (4 / 65) . وعطاء كان اختلط. 2407 - " والله، لا يلقي الله حبيبه في النار ". أخرجه الحاكم (4 / 177) وأحمد (3 / 104 و 235) عن حميد عن أنس رضي الله عنه قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من أصحابه، وصبي بين ظهراني الطريق، فلما رأت أمه الدواب خشيت على ابنها أن يوطأ، فسعت والهة، فقالت: ابني! ابني! فاحتملت ابنها، فقال القوم: يا نبي الله! ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا والله ... " الحديث. وقال الحاكم " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا:

2408

وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب نحوه. أخرجه مسلم (8 / 97) . 2408 - " وجب الخروج على كل ذات نطاق. يعني في العيدين ". أخرجه الطيالسي (1 / 146) وأحمد (6 / 358) وعنه أبو نعيم في " الحلية " ( 7 / 163) والبيهقي (3 / 306) والخطيب (4 / 63) عن طلحة بن مصرف عن امرأة من بني عبد القيس عن أخت عبد الله بن رواحة الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير المرأة القيسية، فلم أعرفها. لكن يشهد للحديث حديث أم عطية مرفوعا: " لتخرج العواتق وذوات الخدور والحيض، فيشهدن الخير ودعوة المؤمنين، ويعتزلن الحيض المصلى ". أخرجه البخاري (3 / 469 - طبع الخطيب) والبيهقي (3 / 306) . وروى ابن أبي شيبة (2، 182) عن طلحة اليامي أيضا قال: قال أبو بكر: " حق على كل ذات نطاق الخروج إلى العيدين ". ورجاله ثقات رجال الشيخين. 2409 - " وجبت صدقتك ورجعت إليك حديقتك ". أخرجه ابن ماجة (2395) وأحمد (2 / 185) والبزار (145 - زوائده) عن عبيد الله عن عبد الكريم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:

" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أعطيت أمي حديقة لي، وإنها ماتت ولم تترك وارثا غيري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... ". فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وله شاهد من حديث عبد الله بن عطاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة، فقالت: إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت؟ قال: فقال: وجب أجرك، وردها عليك الميراث ". أخرجه مسلم (3 / 156 - 157) وابن ماجة (2394) وغيرهما. وهناك قصة ثالثة رواها جابر بن عبد الله: " أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخل حياتها، فماتت، فجاء إخوته فقالوا: نحن فيه شرع سواء، فأبى، فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقسمها بينهم ميراثا ". أخرجه أحمد (3 / 299) من طريقين عن سفيان الثوري عن حميد بن قيس الأعرج عن محمد بن إبراهيم عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وخالفهما معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن حبيب - يعني ابن أبي ثابت - عن الأعرج عن طارق المكي عن جابر نحوه، وفيه: " فقال ابنها: إنما أعطيتها حياتها - وله أخوة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي لها حياتها وموتها. قال: كنت تصدقت بها عليها. قال: ذلك أبعد لك ". أخرجه أبو داود (3557) . ومعاوية بن هشام - وهو القصار الكوفي - وإن كان صدوقا من رجال مسلم، فقد قال الحافظ:

2410

" له أوهام ". فيخشى أن يكون وهم على الثوري في روايته عنه عن حبيب ... خلافا لرواية الثقتين المشار إليهما في رواية أحمد. على أن حبيبا مدلس. 2410 - " وصب المؤمن كفارة لخطاياه ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (ق 164 / 1 و 172 / 1) والحاكم (1 / 347) عن عبيد الله بن موسى: أنبأ إسرائيل عن عبد الله بن المختار عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو على شرط مسلم. ذكره الحاكم شاهدا. وأعله ابن أبي حاتم بعلة عجيبة، فقال في " العلل " (2 / 167) : " كنت أستغرب هذا الحديث، فنظرت، فإذا هو وهم، ورواه حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي الرباب القشيري عن أبي الدرداء أنه قال: " وصب المؤمن ... " من قوله، غير مرفوع ". وللحديث شواهد كثيرة، استقصى كثيرا منها المنذري في آخر " الترغيب " وسبق طائفة منها، فانظر مثلا الأحاديث: (272 و 714 و 1103 و 1611) . (الوصب) : الوجع والمرض.

2411

2411 - " ولد آدم كلهم تحت لوائي يوم القيامة، وأنا أول من تفتح له أبواب الجنة ". رواه لوين في " حديثه " (1 / 1 - قطعة منه) : أخبرنا حديج عن أبي إسحاق عن عامر - وليس بالشعبي - عن صلة بن زفر عن حذيفة بن اليمان قال: قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إبراهيم خليل الله وعيسى كلمة الله وروحه وموسى كلمه الله تكليما، فماذا أعطيت يا رسول الله؟ قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال مسلم غير حديج - وهو ابن معاوية بن حديج - قال الحافظ : " صدوق يخطىء ". وعامر هو ابن سعد البجلي. وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد السبيعي، وهو مدلس مختلط. لكن الحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في حديثين سبق تخريجهما برقمي (774 و 1571) . 2412 - " ويل للمكثرين، إلا من قال بالمال هكذا وهكذا وهكذا وهكذا، أربع: عن يمينه وعن شماله ومن قدامه ومن ورائه ". أخرجه ابن ماجة (2 / 532) عن محمد بن أبي ليلى عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عطية العوفي ضعيف مدلس.

2413

ومحمد - وهو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى - سيء الحفظ. وقد تابعه الأعمش عن عطية بلفظ : " هلك المكثرون ... وقليل ما هم ". أخرجه أحمد (3 / 31 و 52) وأبو يعلى (1 / 303) . ويشهد له ما رواه أبو إسحاق عن كميل بن زياد عن أبي هريرة قال: " كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل لبعض أهل المدينة، فقال: يا أبا هريرة! هلك ... " دون قوله: " ومن ورائه ". وزاد: " وقليل ما هم ". أخرجه أحمد (2 / 309 و 525) . قلت: ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير كميل بن زياد وهو ثقة، إلا أن أبا إسحاق وهو عمرو بن عبد الله السبيعي مدلس مختلط. وبالجملة، فالحديث بشاهده هذا حسن إن شاء الله تعالى. 2413 - " الوتر بليل ". أخرجه أحمد (3 / 4) : حدثنا عبد الصمد حدثنا همام حدثنا يحيى عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا. وأخرجه أبو يعلى (1 / 332) : حدثنا زهير أخبرنا عبد الصمد ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، أبو نضرة اسمه المنذر بن مالك بن قطعة العوقي. ويحيى هو ابن أبي كثير.

2414

وهمام هو ابن يحيى بن دينار الأزدي . وعبد الصمد هو ابن عبد الوارث. 2414 - " الولد من كسب الوالد ". رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 141 / 2) : حدثنا محمد بن علي بن سعيد حدثنا محمد بن أبي بلال التميمي حدثنا خلف بن خليفة عن محارب بن دثار عن ابن عمر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، خلف بن خليفة، قال الحافظ: " صدوق اختلط في الآخر، وادعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي، فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد ". ومحمد بن أبي بلال التميمي لم أجد له ترجمة. لكن الحديث صحيح يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم ". وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 170) وغيره. 2415 - " لا أجر إلا عن حسبة ولا عمل إلا بنية ". أخرجه الديلمي (4 / 206) من طريق إبراهيم بن السري الهروي حدثنا سعيد بن محمد حدثنا شقيق عن إبراهيم بن أدهم عن عمران القصير عن مالك بن دينار عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر رفعه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، شقيق هو ابن إبراهيم أبو علي البلخي شيخ خراسان، قال الذهبي: " منكر الحديث، روى عن إسرائيل و ... استشهد سنة أربع وتسعين ومائة ولا

2416

يتصور أن يحكم عليه بالضعف لأن نكارة تلك الأحاديث من جهة الراوي عنه ". كذا قال، وهو وإن كان ينفي عنه مسئوليته في تلك الأحاديث، فليس يعني أنه ثقة معروف الحفظ والضبط، كيف وهو قد أورده في كتابه " ديوان الضعفاء والمتروكين "، وقال: " لا يحتج به "؟ والراوي عنه هنا سعيد بن محمد، أظنه هو الوراق الثقفي أبا الحسن الكوفي نزيل بغداد، فإنه من هذه الطبقة، وهو ضعيف كما قال الحافظ. وإبراهيم بن السري الهروي لم أجد له ترجمة. لكن الحديث صحيح في نفسه، فإن الجملة الأولى منه وجدت لها شاهدا، فقال ابن المبارك في " الزهد " (152) : أخبرنا بقية قال: سمعت ثابت بن عجلان يقول: سمعت القاسم أبا عبد الرحمن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا أجر لمن لا حسبة له ". وهذا إسناد مرسل حسن، صرح فيه بقية بالتحديث. والجملة الأخرى يشهد له الحديث المشهور: " إنما الأعمال بالنيات ... ". أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 59 / 22) . 2416 - " لا بأس بالحيوان واحد باثنين، يدا بيد ". أخرجه الترمذي (1238) وابن ماجة (2 / 38) وأحمد (3 / 310، 380، 382) وابن أبي شيبة (8 / 191 / 2) عن الحجاج بن أرطأة عن أبي الزبير عن جابر

مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". كذا قال، والحجاج وأبو الزبير مدلسان. وقد نقل ابن التركماني في " الجوهر النقي " (5 / 290) عنه - أعني الترمذي - أنه قال: " حديث حسن ". وهذا أقرب إلى الصواب، فإنه حين يقول الترمذي في حديث ما: " حديث حسن ". فإنه لا يعني أنه حسن إسناده، وإنما يعني أنه حسن لغيره، وهذا كذلك، فإني رأيت له شاهدا من رواية خلف بن خليفة عن أبي جناب عن أبيه عن ابن عمر: " ... فقام إليه رجل، فقال: يا رسول الله! أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل؟ قال: لا بأس إذا كان يدا بيد ". أخرجه أحمد (2 / 109) والطبراني في " الكبير " كما في " مجمع الزوائد " وقال (4 / 105) : " وفيه أبو جناب الكلبي، وهو مدلس ". قلت: واسمه يحيى بن أبي حية، قال الحافظ: " ضعفوه لكثرة تدليسه ". ووالده أبو حية مجهول. وخلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر. ويشهد للحديث أيضا حديث سمرة وغيره مرفوعا:

2417

" نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ". وهو صحيح مخرج في " المشكاة " (2822) . قلت: وشهادة هذا إنما هو بدلالة مفهومه، كما أن حديث الترجمة يشهد بمفهومه لمنطوق هذا. 2417 - " لا تباع أم الولد ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 208 / 1 - 2) عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن خوات بن جبير قال: " مات رجل وأوصى إلي، فكان فيما أوصى به أم ولده، وامرأة حرة ، فوقع بين أم الولد والمرأة كلام، فقالت لها المرأة: يا لكعا! غدا يوخذ بأذنك فتباعين في السوق! فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " فذكره. وأخرجه البيهقي (10 / 345) من هذا الوجه، وزاد: " وأمر بها، فأعتقت ". وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال مسلم غير ابن لهيعة، فهو ضعيف لسوء حفظه. ثم رواه من طريق أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين حدثنا يونس بن عبد الرحيم العسقلاني حدثني رشدين بن سعد المهري حدثنا طلحة بن أبي سعيد عن عبيد الله بن أبي جعفر به نحوه. قلت: وهذه متابعة قوية لابن لهيعة، فإن طلحة بن أبي سعيد ثقة من رجال البخاري لولا أن الراوي عنه رشدين بن سعد ضعيف. وحفيده أحمد بن محمد بن الحجاج، قال ابن عدي:

" كذبوه، وأنكرت عليه أشياء ". ونحو هذه القصة ما روى محمد بن إسحاق عن الخطاب بن صالح عن أمه قالت: حدثتني سلامة بنت معقل قالت: " كنت للحباب بن عمرو ولي منه غلام، فقالت لي امرأته: الآن تباعين في دينه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من صاحب تركة الحباب ابن عمرو؟ فقالوا: أخوه أبو اليسر كعب بن عمرو، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا تبيعوها وأعتقوها، فإذا سمعتم برقيق قد جاءني، فائتوني أعوضكم ". ففعلوا ، فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال قوم: أم الولد مملوكة، لولا ذلك لم يعوضهم رسول الله صلى الله عليه وسلم منها. وقال بعضهم: هي حرة قد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي كان الاختلاف ". أخرجه أحمد (6 / 360) والسياق له والبيهقي، وكذا أبو داود (2 / 163) دون قصة الاختلاف، وزاد: " قالت: فأعتقوني، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رقيق، فعوضهم مني غلاما ". قلت: وإسناد ضعيف، أم خطاب بن صالح لا تعرف كما قال الحافظ. وابنها خطاب، قال الذهبي: " تفرد عنه ابن إسحاق، وقد وثقه البخاري ". وابن إسحاق مدلس وقد عنعنه. وقد يخالف ما تقدم ما روى عبد الرزاق في " المصنف " (13211) : أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: " كنا نبيع أمهات الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم فينا حي، لا نرى بذلك بأسا ". قلت: وهذا إسناد صحيح متصل، على شرط مسلم.

ومن طريق عبد الرزاق أخرجه ابن ماجة (2 / 105) والبيهقي (10 / 348) وأحمد (3 / 321) وابن حبان (1215) من طريق روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به. وتابعه قيس بن سعد عن عطاء عن جابر بن عبد الله قال : " بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، فلما كان عمر نهانا، فانتهينا ". أخرجه أبو داود (2 / 163) وابن حبان (1216) والحاكم (2 / 18 - 19) والبيهقي (10 / 347) وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ثم روى له الحاكم شاهدا من طريق شعبة عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: " كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ومن هذا الوجه أخرجه الطيالسي (1 / 245) وعنه البيهقي وأحمد (3 / 22) . وقال الحاكم: " صحيح "، ووافقه الذهبي! قلت: وزيد العمي ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب " ، ولذلك قال في " التلخيص الحبير " (4 / 218) : " وإسناده ضعيف ". والذهبي نفسه أورده في " المغني "، وقال: " مقارب الحال، قال ابن عدي: لعل شعبة لم يرو عن أحد أضعف منه ". قلت: ولا شك في ثبوت بيع أمهات الأولاد في عهده صلى الله عليه وسلم لهذه الأحاديث وإنما الشك في استمرار ذلك وعدم نهيه صلى الله عليه وسلم عنه، قال البيهقي:

" ليس في شيء من هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بذلك، فأقرهم عليه، وقد روينا ما يدل على النهي ". قال الحافظ عقبه: " نعم قد روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك، وقال الخطابي: يحتمل أن يكون بيع الأمهات كان مباحا، ثم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ولم يشتهر ذلك النهي، فلما بلغ عمر نهاهم ". وأقول: الذي يظهر لي أن نهي عمر إنما كان عن اجتهاد منه، وليس عن نهي ورده عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لتصريح علي رضي الله عنه بأنه كان عن رأي من عمر ومنه، فروى عبد الرزاق (13224) بسنده الصحيح عن عبيدة السلماني قال: سمعت عليا يقول: " اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن. قال: ثم رأيت بعد أن يبعن. قال عبيدة: فقلت له: فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة. قال: فضحك علي ". قال الحافظ: " وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد ". وأخرجه البيهقي أيضا. ويؤيد ما ذكرته أن عمر لو كان ذلك عن نص لديه لما رجع عنه علي رضي الله عنه. وهذا ظاهر بين. وهذا بالطبع لا ينفي أن يكون هناك نهي صدر من النبي صلى الله عليه وسلم فيما بعد، وإن لم يقف عليه عمر، بل هذا هو الظاهر من مجموع الأحاديث الواردة في الباب، فإنها وإن كانت مفرداتها لا تخلو من ضعف، فمجموعها مما يقوي النهي ومن ذلك طريق أبي سلمة التي أشار إليها الحافظ فيما سبق، فإنها شاهد قوي له، على الرغم من أن الحافظ سكت عنه، وكذلك البوصيري في " زوائد ابن ماجة " (ق 156 / 2) وذكر هذا أن لفظه

عند ابن أبي شيبة عن جابر: " وذكر لي أنه زجر عن بيعهن بعد ذلك، وكان عمر يشتد في بيعهن ". وهذا النهي يلتقي مع بعض الأحاديث التي تدل على أن أمة الرجل تعتق بولدها، وهي وإن كانت مفرداتها ضعيفة أيضا، فلا أقل من أن تصلح للشهادة، ومنها ما رواه عبد الرزاق (13219) عن سفيان (الأصل: أبي سفيان) عن شريك بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " أيما رجل ولدت منه أمته فهي معتقة عن دبر منه ". وهذا إسناد رجاله على شرط البخاري على ضعف في حفظ شريك بن عبد الله، وهو ابن أبي نمر. وقد تابعه حسين بن عبد الله عن عكرمة به. أخرجه البيهقي ( 10 / 346) من طريق وكيع عن شريك (هو ابن عبد الله القاضي) عنه. وقال: " حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس الهاشمي، ضعفه أكثر أصحاب الحديث ". وفي رواية أخرى له عنه به بلفظ: " أعتق أم إبراهيم ولدها ". وهو مخرج في " الإرواء " (1799) . وقال البيهقي بعد أن روى ما تقدم عن عمر من النهي: " يشبه أن يكون عمر رضي الله عنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم بعتقهن بموت ساداتهن نصا، فاجتمع هو وغيره على تحريم بيعهن، ويشبه أن يكون هو وغيره استدل ببعض ما بلغنا وروينا عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على عتقهن، فاجتمع هو وغيره على تحريم

2418

بيعهن، فالأولى بنا متابعتهم فيما اجتمعوا عليه قبل الاختلاف مع الاستدلال بالسنة ". قلت: وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس وينشرح له الصدر ومجموع ذلك كله يشهد لصحة حديث الترجمة. والله أعلم. 2418 - " لا تتخذوا بيوتكم قبورا، صلوا فيها ". أخرجه أحمد (4 / 114، 5 / 192) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 30) من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن زيد بن خالد الجهني مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به . أخرجه ابن حبان (635) . وإسناده صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه في " صحيحه " دون قوله: " صلوا فيها " وهو مخرج في " الجنائز " (ص 212) وفي " تحذير الساجد " (ص 98 - 99) . وله شاهد آخر من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا بتقديم وتأخير، وقد مضى برقم (1910) . 2419 - " لا تجادلوا في القرآن، فإن جدالا فيه كفر ". أخرجه الطيالسي (2 / 7) : حدثنا فليح بن سليمان عن سالم مولى أبي النضر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين لولا أن فليحا فيه كلام من قبل حفظه قال الحافظ:

2420

" صدوق كثير الخطأ ". لكن يشهد لحديثه حديثان: الأول: حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا: " نهى عن الجدال في القرآن ". رواه السجزي كما في " الجامع الصغير " . والآخر: حديث أبي هريرة مرفوعا: " المراء في القرآن كفر ". أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في " المشكاة " (236) . 2420 - " لا تخيفوا أنفسكم بعد أمنها، قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: الدين ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 430) وأحمد (4 / 146 و 154) وعباس الترقفي في " حديثه " (ق 48 / 1) وأبو يعلى في " مسنده " (98 / 1) والطبراني في " الكبير " (ق 59 / 1 - المنتقى منه) والضياء المقدسي في " المنتقى من حديث أبي نعيم الأزهري " (283 / 1) عن بكر بن عمرو المعافري حدثنا شعيب بن زرعة المعافري: أنه سمع عقبة بن عامر يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، رجال الشيخين غير شعيب بن زرعة أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 346) برواية أبي قبيل المعافري أيضا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وزاد الحافظ في " التعجيل " في الرواة عنه يزيد بن أبي حبيب وعبد الكريم بن الحارث، فهؤلاء أربعة من الثقات رووا عنه، فهو معروف وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 356) .

2421

2421 - " وما أنا والدنيا؟ وما أنا والرقم؟ ". أخرجه أبو داود (4149) وأحمد (2 / 21) عن ابن نمير حدثنا فضيل بن غزوان عن نافع عن عبد الله بن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة رضي الله عنها، فوجد على بابها سترا، فلم يدخل، قال: وقلما كان يدخل إلا بدأ بها، فجاء علي رضي الله عنه فرآها مهتمة، فقال: مالك؟ قالت: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلي، فلم يدخل فأتاه علي رضي الله عنه، فقال: يا رسول الله! إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها، فلم تدخل عليها، قال: (فذكره) ، فذهب إلى فاطمة، فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: قل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يأمرني به؟ قال: قل لها فلترسل به إلى بني فلان ". ثم قال أبو داود (4050) : حدثنا واصل بن عبد الأعلى الأسدي حدثنا ابن فضيل عن أبيه بهذا الحديث قال: وكان سترا موشيا. قلت: وإسناده الأول صحيح على شرط الشيخين، والزيادة على شرط مسلم. قوله: (والرقم) قال ابن الأثير: يريد النقش والوشي. 2422 - " لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره ". رواه أبو طاهر المخلص (9 / 196 / 2) وعنه الديلمي (4 / 148) وتمام في " فوائده " (122 / 1) وأبو عبد الله الغضائري في " أحاديثه " (204 / 2) عن عبد الغفار بن داود أبي صالح الحراني قال: حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا.

2423

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الغفار بن داود فمن رجال البخاري. 2423 - " لا تسبوا تبعا، فإنه كان قد أسلم ". روي من حديث سهل بن سعد الساعدي وعبد الله بن عباس وعائشة مرفوعا، ووهب بن منبه مرسلا. 1 - أما حديث سهل فيرويه ابن لهيعة حدثنا أبو زرعة عمرو بن جابر سمعت سهل بن سعد به. أخرجه أحمد (5 / 340) والطبراني في " الأوسط " ( ص 368 - مجمع البحرين) و (ق 8 / 2 - المنتقى منه) والروياني في " مسنده " ( 29 / 201 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (3 / 251 / 2 - خط 10 / 408 ط) وقال الطبراني: " لا يروى عن سهل بن سعد إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة ". قلت: وهو ضعف، ومثله شيخه عمرو بن جابر. 2 - وأما حديث ابن عباس فيرويه أحمد بن القاسم بن أبي بزة أخبرنا مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. أخرجه أبو بكر بن خلاد في " الفوائد " (1 / 217 / 1) وعنه ابن عساكر والطبراني في " الأوسط " أيضا وكذا في " الكبير " (3 / 135 / 2) والخطيب في " التاريخ " (3 / 205) وقال الطبراني: " لم يروه عن سفيان إلا مؤمل، تفرد به ابن أبي بزة ". قلت: وهو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة. وهو ضعيف الحديث كما قال أبو حاتم. وقال العقيلي: " يوصل الأحاديث ".

2424

وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (8 / 97) ! 3 - وأما حديث عائشة فيرويه عبد الرزاق أيضا: أنبأ معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أنها قالت: " كان تبع رجلا صالحا، ألا ترى أن الله عز وجل ذم قومه ولم يذمه؟ ". وأخرجه الحاكم (2 / 450) وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. 4 - وأما حديث وهب بن منبه فيرويه عبد الرزاق أخبرنا بكار بن عبد الله قال: سمعت وهب بن منبه يقول: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس عن سب أسعد ، وهو تبع. قلنا: يا أبا عبد الله! وما كان أسعد؟ قال: كان على دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن عساكر. وبكار بن عبد الله - هو اليمامي - قال الذهبي: " ما علمت به بأسا ". قلت: فهو شاهد مرسل جيد. 2424 - " لا تشرب مسكرا، فإني حرمت كل مسكر ". أخرجه النسائي (2 / 326) وأحمد (4 / 402) عن الأجلح قال: حدثني أبو بكر بن أبي موسى عن أبيه قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله! إن بها أشربة، فما

2425

أشرب، وما أدع؟ قال: وما هي؟ قلت: البتع والمزر: قال: ما البتع والمزر؟ قال: أما البتع، فنبيذ العسل وأما المزر، فنبيذ الذرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره وليس عند أحمد: " فإني حرمت ... ". قلت: وهذا إسناد جيد. وتابعه أبو بردة بن أبي موسى عن أبيه به نحوه. أخرجه مسلم (6 / 99 - 100) والنسائي وأحمد (4 / 407 و 410 و 415 - 416 و 417) . وللشطر الأول منه شاهد من حديث بريدة مرفوعا. أخرجه مسلم (6 / 98) وأبو داود (2 / 132) . وأخرج الشطر الثاني منه من حديث بريدة أيضا وعائشة وابن عمر. 2425 - " لا تشربوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير وانتبذوا في الأسقية. قالوا: يا رسول الله! فإن اشتد في الأسقية؟ قال: فصبوا عليه الماء. قالوا : يا رسول الله ... فقال لهم في الثالثة أو الرابعة: أهريقوه. ثم قال: إن الله حرم علي، أو حرم: الخمر والميسر والكوبة، قال: وكل مسكر حرام ". أخرجه أبو داود - والسياق له - (2 / 131) وأحمد (1 / 274) عن أبي أحمد: حدثنا سفيان عن علي بن بذيمة حدثني قيس بن حبتر النهشلي عن ابن عباس: " أن وفد عبد القيس قالوا: يا رسول الله! فيما نشرب؟ قال: فذكره. قال سفيان: فسألت علي بن بذيمة عن الكوبة؟ قال: الطبل.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن بذيمة وحبتر، وهما ثقتان. وتابعه أبو جمرة عن ابن عباس به، دون قوله: " وانتبذوا ... " إلخ. أخرجه البخاري (10 / 463 - فتح) ومسلم (1 / 35) وأبو داود، وزادوا: " والحنتم ". وأخرجه أبو داود عن أبي هريرة مثل حديث أبي جمرة، وزاد: " والمزادة المخنوثة، ولكن اشرب في سقائك، وأوكه ". وسنده صحيح. وأخرج مسلم (1 / 37) وأحمد (3 / 57) في قصة وفد عبد القيس هذه، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تشربوا في النقير - قالوا: يا نبي الله! جعلني الله فداءك، أو تدري ما النقير؟ قال: نعم، الجذع ينقر وسطه - ولا في الدباء ولا في الحنتم وعليكم بالموكى ". وأخرجه أبو داود عن أبي القموص زيد بن علي حدثني رجل كان من الوفد الذين وفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من عبد القيس فقال: " لا تشربوا في نقير ولا مزقت ولا دباء ولا حنتم، واشربوا في الجلد الموكأ عليه، فإن اشتد فاكسروه بالماء، فإن أعياكم فأهريقوه ". وإسناد صحيح. وأخرجه أحمد (4 / 206) إلى قوله: " الموكأ عليه ". ولهذا القدر منه طريق أخرى عنده (3 / 432 و 4 / 206) . ثم إن علي بن بذيمة قد تابعه عبد الكريم - وهو الجزري - عن قيس بن حبتر به، والجملة الأخيرة فقط بلفظ:

2426

" إن الله حرم عليكم الخمر والميسر والكوبة، وقال: كل مسكر حرام ". أخرجه أحمد (1 / 289 و 350) وغيره. وإسناده صحيح أيضا، وهو مخرج في " المشكاة " (3652 و 4503) . وأخرجها أحمد أيضا (2 / 158 و 165 و 167 و 171 و 172) من طرق عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. 2426 - " لا تطعموهم مما لا تأكلون. يعني المساكين ". رواه أحمد (6 / 105 و 144) والطبراني في " الأوسط " (1 / 90 / 2 - مجمع البحرين) عن حماد بن سلمة حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ضب فلم يأكله، قالت عائشة: يا رسول الله! ألا نطعمه المساكين؟ قال: فذكره، وقال: " لم يروه عن حماد إلا حماد والثوري ". قال الهيثمي (3 / 113) : " ورجاله موثوقون ". قلت: ورجاله رجال مسلم، على ضعف في حماد بن أبي سليمان، فالإسناد حسن. 2427 - " لا تغزى هذه (يعني: مكة) بعد اليوم إلى يوم القيامة ". أخرجه الترمذي (1611) والحاكم (3 / 627) وأحمد (3 / 412 و 4 / 343) وكذا الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 228 - 229) وابن سعد في

" الطبقات " (2 / 145) من طرق عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن الحارث بن مالك بن برصاء مرفوعا. زاد الطحاوي: " قال سفيان (يعني ابن عيينة) : تفسيره أنهم لا يكفرون أبدا، ولا يغزون على الكفر ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح " . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين إلا أن زكريا بن أبي زائدة كان يدلس. وقد خالفه عبد الله بن أبي السفر فقال: عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الأسود - أخي بني عدي بن كعب - عن أبيه مطيع - وكان اسمه العاص، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيعا - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: فذكره، وزاد: " ولا يقتل قرشي بعد هذا العام صبرا أبدا ". أخرجه أحمد (3 / 412 و 4 / 213) والطحاوي من طريق ابن إسحاق حدثني شعبة بن الحجاج عن عبد الله بن أبي السفر ... وهذا إسناد جيد، وهو أصح عندي من الذي قبله. والله أعلم. وقد تابعه على هذا الزيادة زكريا فقال: حدثنا عامر به. أخرجه أحمد هكذا مصرحا بالتحديث، وقد أخرجه مسلم (5 / 173) والطحاوي والحاكم (4 / 275) عنه معنعنا. وتابعه فراس عن الشعبي به نحوه. أخرجه أحمد. وله شاهد من رواية أبي معشر عن يوسف بن يعقوب عن السائب بن يزيد رضي الله

2428

عنه قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرج عبد الله بن خطل من بين أستار الكعبة، فقتله صبرا، ثم قال: " لا يقتل أحد من قريش بعد هذا صبرا ". أخرجه الحاكم (3 / 637) وسكت عليه هو والذهبى. قلت: ويوسف بن يعقوب هذا، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 233) : " روى عنه ابن أبي ذئب وأبو معشر ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ووثقه ابن حبان (5 / 551 و 7 / 635) ! 2428 - " لا تقتلوا الجراد، فإنه جند من جنود الله الأعظم ". أخرجه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (ق 289 / 2) وأبو عبد الله بن منده في " معرفة الصحابة " (37 / 201 / 1) عن سعيد بن عمرو الحضرمي، والطبراني في " الأوسط " (1 / 128 / 2) عن محمد بن إسماعيل بن عياش، وابن منده أيضا (2 / 243 / 1) عن عبد الوهاب بن الضحاك، ثلاثتهم عن إسماعيل بن عياش عن ضمضم ابن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي زهير النميري مرفوعا. وقال الطبراني: " لا يروى عن أبي زهير إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل ". قلت: وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها، ومن فوقه ثقات أيضا، فالإسناد جيد. وأما إعلال الهيثمي إياه بقوله في " مجمع الزوائد " (4 / 39) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه محمد بن إسماعيل بن عياش ، وهو

2429

ضعيف ". فهو إعلال قائم على النظر في إسناد الطبراني خاصة، وإلا فقد تابعه سعيد بن عمرو الحضرمي كما رأيت، وهو الحمصي، وهو شيخ كما قال أبو حاتم، فالحديث بهذه المتابعة قوي. وأما متابعة عبد الوهاب بن الضحاك، فإنها مما لا يفرح به لأنه كذاب. وفي قول الطبراني المتقدم: " تفرد به إسماعيل "، ما يشير إلى أنه لم يتفرد به ابنه عنه. فتأمل. وإذا عرفت هذا، فإن المناوي لم يحسن صنعا حين نقل قول الهيثمي السابق، ثم أقره عليه، ولاسيما أن السيوطي قد عزاه إلى البيهقي أيضا في " الشعب "، وهو - أعني المناوي - لم يتعرض لبيان ما إذا كان الحديث عنده من طريق محمد بن إسماعيل أم لا؟ 2429 - " لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما صغار الأعين عراض الوجوه كأن أعينهم حدق الجراد، كأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر ويتخذون الدرق، حتى يربطوا خيولهم بالنخل ". أخرجه أحمد (3 / 31) : حدثنا عمار بن محمد بن أخت سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وأخرجه ابن ماجة (4099) : حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا عمار بن محمد به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمار بن محمد، فهو من رجال مسلم فقط، ولكنه صدوق يخطىء.

2430

إلا أنه لم يتفرد به، فقد أخرجه ابن حبان (1872) عن محمد بن أبي عبيدة بن (الأصل: " عن "، وهو خطأ) معن عن أبيه عن الأعمش به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. واسم أبي عبيدة عبد الملك بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الكوفي. 2430 - " لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ". رواه أبو يعلى في " مسنده " (65 / 2) : حدثنا أبو خيثمة حدثنا يحيى عن شعبة حدثني قتادة عن عبد الله بن أبي عتبة عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. ومن طريق أبي يعلى أخرجه ابن حبان (1884) والحاكم (4 / 453) من طريقين آخرين عن شعبة. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي. وعبد الله بن أبي عتبة هو الأنصاري البصري مولى أنس. وأبو خيثمة اسمه زهير بن حرب. وشعبة هو ابن الحجاج. وقد خالفه الحجاج بن الحجاج، فقال : عن قتادة به. إلا أنه قال في متنه: " ليحجن البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج ". أخرجه البخاري (1 / 403) ، وقال: " تابعه أبان وعمران عن قتادة. وقال عبد الرحمن عن شعبة: " لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت ". والأول أكثر ".

2431

قلت: ومتابعة أبان، عند أحمد (3 / 27 و 48 و 64) والحاكم. ومتابعة عمران - وهو ابن داور القطان - عنده أيضا (3 / 28) وكذا أبي يعلى (1 / 289 - مصورة المكتب) . قال الحافظ في " الفتح " (3 / 455) : " وقد تابع هؤلاء سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. أخرجه عبد بن حميد عن روح بن عبادة عنه، ولفظه: إن الناس ليحجون ويعتمرون ويغرسون النخل بعد خروج يأجوج ومأجوج ". ثم ذكر أن البخاري إنما رجح الحجاج لاتفاق من تقدم ذكره على هذا اللفظ، وانفراد شعبة بما يخالفهم، وإنما قال ذلك لأن ظاهرهما التعارض لأن المفهوم من الأول - يعني حديث الحجاج - أن البيت يحج بعد أشراط الساعة، ومن الثاني أنه لا يحج بعدها. ولكن يمكن الجمع بين الحديثين، فإنه لا يلزم من حج الناس بعد خروج يأجوج ومأجوج أن يمتنع الحج في وقت ما عند قرب ظهور الساعة. 2431 - " لا تمثلوا بالبهائم ". رواه النسائي (2 / 210) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (16 / 383 / 2) عن محمد بن زنبور أخبرنا ابن أبي حازم عن يزيد بن الهاد عن معاوية - يعني ابن عبد الله بن جعفر - عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم على ناس يرمون كبشا بالنبل، فكره ذلك، وقال: " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي ابن زنبور كلام يسير. وللحديث شاهد من حديث ابن عمر:

2432

" أنه مر على قوم وقد نصبوا دجاجة حية يرمونها، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من مثل بالبهائم ". أخرجه أحمد (2 / 13) وسنده صحيح. 2432 - " لا تنتهي البعوث عن غزو هذا البيت، حتى يخسف بجيش منهم ". أخرجه النسائي (2 / 32) والحاكم (4 / 430) عن محمد بن إدريس أبي حاتم الرازي قال: حدثنا عمر بن حفص بن غياث قال: حدثنا أبي عن مسعر قال: أخبرني طلحة ابن مصرف عن أبي مسلم الأغر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم . وقال الحاكم: " حديث غريب صحيح لا أعلم أحدا حدث به غير عمر بن حفص بن غياث ، يرويه عنه الإمام أبو حاتم "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو صحيح على شرط مسلم غير أبي حاتم وهو الإمام الحافظ النقاد. وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (7 / 244) من طريق أخرى عن عمر بن حفص به. وتابعه سحيم أنه سمع أبا هريرة به نحوه. أخرجه النسائي بسند رجاله ثقات معروفون غير سحيم، وقد وثقه ابن عمار وابن حبان. وله شاهد من حديث حفصة بنت عمر رضي الله عنهما مرفوعا نحوه أتم منه. أخرجه مسلم (8 / 167) والنسائي وأحمد (6 / 336 - 337) وغيرهم عن عبد الله بن صفوان عنها.

وإسناده صحيح على شرط مسلم. وخالفه مسلم بن صفوان فقال: عن صفية مرفوعا. أخرجه ابن ماجة (4064) والترمذي (2185) وصححه. ورواه الدالاني عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبي الجعد عن أخيه قال: حدثني ابن أبي ربيعة عن حفصة بنت عمر مرفوعا نحوه بلفظ: " ... خسف بأولهم وآخرهم ولم ينج أوسطهم، قلت: أرأيت إن كان فيهم مؤمنون؟ قال: تكون لهم قبورا ". أخرجه النسائي. قلت: والدالاني - واسمه يزيد بن عبد الرحمن - ضعيف، قال الحافظ: " صدوق يخطىء كثيرا، وكان يدلس ". قلت: وقد استنكرت منه جملة: " القبور "، والمحفوظ ما في " مسلم " وغيره من حديث أم سلمة مرفوعا نحو حديث الترجمة، وفيه أنها قالت: " فقلت: يا رسول الله! فكيف بمن كان كارها؟ قال: يخسف به معهم، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته ". (فائدة) : اعلم أنه لا منافاة بين هذا الحديث والحديث المتقدم (2427) : " لا تغزى مكة بعد إلى يوم القيامة " لأن المثبت من الغزو في هذا غير المنفي في ذاك، ألا ترى إلى تفسير سفيان إياه بقوله: " إنهم لا يكفرون أبدا ولا يغزون على الكفر ". ويؤيده قوله في هذا الحديث: " يخسف بجيش منهم ".

2433

فهو صريح في أن هذا الجيش من الكفار، أو البغاة، وإن كان فيهم مؤمنون مكرهون، فهم يؤمون البيت ليغزوا من فيه من المسلمين، فلا تعارض، والحمد لله. 2433 - " لا تنزلوا على جواد الطرق، ولا تقضوا عليها الحاجات ". رواه أبو بكر بن أبي شيبة في " الأدب " (1 / 150 / 1) : حدثنا يزيد حدثنا هشام عن الحسن عن جابر مرفوعا. ومن طريق أبي بكر أخرجه ابن ماجة (3772) . وأخرجه أحمد (3 / 305) من طريق أخرى عن هشام به أتم منه وكذلك أخرجه أبو يعلى (2 / 594) من طريق أخرى عن يزيد، وهو ابن هارون. ورجاله ثقات رجال الشيخين إلا أنه منقطع بين الحسن - وهو البصري - وجابر، فإنه لم يسمع منه كما بينته في الكتاب الأخر (1140) . نعم، أخرجه ابن ماجة (329) من طريق زهير قال: قال سالم: سمعت الحسن يقول: حدثنا جابر بن عبد الله: فذكره بلفظ : " إياكم والتعريس على جواد الطريق والصلاة عليها، فإنها مأوى الحيات والسباع، وقضاء الحاجة عليها، فإنها من الملاعن ". قلت: فقد صرح الحسن بالتحديث والسماع من جابر. لكن السند بذلك إليه لا يصح، فإن سالما هذا - وهو ابن عبد الله الخياط البصري - ضعفه جماعة، وقال الحافظ: " صدوق، سيء الحفظ ". وزهير الراوي عنه، هو ابن محمد التميمي الخراساني، وهو ضعيف أيضا . لكن حديث الترجمة صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث. أما الشطر الأول، فهو في حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:

2434

" إذا سافرتم ... وإذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق، فإنها مأوى الهوام في الليل ". أخرجه مسلم (6 / 54) وغيره. انظر الرقم المتقدم (1357) . وأما الشطر الآخر، فله شواهد كثيرة من حديث أبي هريرة وغيره، فراجع " الترغيب " (1 / 82 - 83) . 2434 - " لا خير فيمن لا يضيف ". أخرجه أحمد (4 / 155) : حدثنا حجاج وحسن بن موسى قالا: حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن لهيعة وهو ضعيف لسوء حفظه وبه أعله الهيثمي ، وأقره المناوي. وأقول: لكن أخرجه الروياني في " مسنده " (ق 42 / 2) من طريق ابن وهب عن ابن لهيعة به. وحديث ابن لهيعة من رواية عبد الله بن وهب صحيح، لأنه روى عنه قبل أن يسوء حفظه كما حققه بعض الأئمة، على ما هو مشروح في ترجمته، فصح الحديث بهذه الرواية، والحمد لله. 2435 - " لا سمر إلا لمصل أو مسافر ". أخرجه الطيالسي (1 / 73 / 294) : حدثنا شعبة قال: أخبرني منصور قال: سمعت خيثمة بن عبد الرحمن يحدث عن عبد الله مرفوعا.

وأخرجه أحمد (1 / 412 و463) ومحمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 4 / 2) والحارث في " مسنده " (ق 105 - 1 - زوائده) من طرق أخرى عن شعبة به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكنه معلول كما يأتي. وقد خالفهم أسد بن موسى فقال: حدثنا شعبة عن سليمان عن خيثمة به. أخرجه ابن المظفر في " غرائب شعبة " (135 / 2) . وأسد بن موسى صدوق يغرب، فقوله: " عن سليمان " - وهو الأعمش - غريب. وتابع شعبة عمرو بن أبي قيس عن منصور به. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (14 / 286) . وعمرو هذا صدوق له أوهام. وخالفهما جرير فقال : عن منصور عن خيثمة عن رجل من قومه عن عبد الله به. أخرجه أحمد (1 / 379) . وهذا أصح، فقد تابعه أبو عوانة عن منصور به. أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " (ص 45) . وتابعه أيضا سفيان حدثني منصور به. أخرجه أحمد (1 / 444) والبيهقي (1 / 452) وقال: " رواه حماد عن شعيب عن منصور عن خيثمة عن الأسود عن عبد الله وأخطأ فيه. وقيل: عن علقمة عن عبد الله، وهو خطأ ". ورواه عطاء بن السائب عن شقيق عن عبد الله بن مسعود قال: " جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء. يعني زجرنا ".

أخرجه ابن ماجة (1 / 238) وابن حبان (277) والبيهقي والطيالسي (1 / 73 / 295) وأحمد (1 / 389 و410) . قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري إلا أن عطاء بن السائب كان قد اختلط. وللحديث شاهد يرويه معاوية بن صالح عن أبي عبد الله الأنصاري عن عائشة مرفوعا بلفظ: " لا سمر إلا لثلاثة، مصل أو مسافر أو عروس ". أخرجه سمويه في " الفوائد " (38 / 2) والضياء المقدسي في " المختارة " كما في " نيل الأوطار " . قلت: وأبو عبد الله الأنصاري، أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 400) لهذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وبالجملة، فالحديث حسن عندي. والله أعلم. ثم وجدت له طريقا أخرى يرتقي بها إلى درجة الصحة، يرويه إبراهيم بن يوسف حدثنا سفيان بن عيينة عن منصور عن حبيب بن أبي ثابت عن زياد بن حدير عن عبد الله به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 198 ) من طريقين عنه. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات، زياد بن حدير ( وفي الأصل: " ابن جرير "، وهو خطأ) ، يكنى بأبي المغيرة الأسدي، وهو ثقة . ومن دونه ثقات من رجال الشيخين، غير إبراهيم بن يوسف، وهو الحضرمي الكندي ، قال النسائي: " ليس بالقوي ". وقال موسى بن إسحاق: " ثقة ".

2436

وقال محمد بن عبد الله الحضرمي: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". قلت: فلولا أن حبيب بن أبي ثابت مدلس لحكمت على الإسناد بالصحة، فلا أقل من أن يصلح شاهدا جيدا لما تقدم. والله أعلم. 2436 - " لا عقر في الإسلام ". أخرجه أبو داود (2 / 71) وأحمد (3 / 197) والرامهرمزي في " المحدث الفاصل " (ص 46) عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال عبد الرزاق: " كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد وجدت له طريقا أخرى ولكنها واهية يرويه سفيان عن أبان عن أنس به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 7 / 118) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 71 / 2) . وأبان - هو ابن أبي عياش - متروك. 2437 - " لا يقطع الأبطح إلا شدا ". أخرجه ابن ماجة (2987) وأحمد (6 / 404 - 405) والطبراني في " الكبير " ( 25 / 97 / 253) عن هشام الدستوائي عن بديل بن ميسرة (عن المغيرة بن حكيم) عن صفية بنت شيبة عن أم ولد شيبة قالت:

2438

" رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة، وهو يقول: " فذكره. وأخرجه النسائي (2 / 42) عن حماد عن بديل عن المغيرة بن حكيم به نحوه. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وأم ولد شيبة، هي أم عثمان بنت سفيان كما في " الطبراني " وغيره. وما بين المعكوفتين زيادة لأحمد في إحدى روايتيه. وهي صحيحة لمتابعة حماد - وهو ابن زيد - عند النسائي. وقد قصر ووهم الهيثمي في إيراده الحديث في " المجمع " (3 / 248) ، وقوله: " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله (رجال الصحيح) ". أما تقصيره فواضح. وأما وهمه، فإنه ظن أنه لم يخرجه أحد الستة، فأورده! 2438 - " لا يأتي رجلا مولاه يسأله فضلا عنده فيمنعه إياه، إلا دعي له يوم القيامة شجاعا يتلمظ فضله الذي منع ". رواه أبو داود (5139) والنسائي في " الكبرى " (10 / 2) وأحمد (5 / 3 و 5 ) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا. قلت: وسنده حسن. وليس عند أبي داود " يتلمظ ". وفي " القاموس ": (لمظ) : تتبع بلسانه (اللماظة) بالضم، لبقية الطعام في الفم، وأخرج لسانه، فمسح شفتيه، أو تتبع الطعام وتذوقه، كـ (تلمظ) في الكل ".

2439

2439 - " لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ". أخرجه الترمذي (2 / 21) وابن عدي في " الكامل " (217 / 1) عن عبد الله بن ميمون عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله مرفوعا. وقال الترمذي : " حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن ميمون، وهو منكر الحديث " . قلت: لكن الحديث صحيح، فإنه جاء مفرقا في أحاديث: الأول: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا إلى قوله: " خيره وشره ". أخرجه الآجري في " الشريعة " (ص 188) وأبو الحسن القزويني في " مجلس من الأمالي " (198 / 1) واللالكائي في " السنة " (1 / 141 / 2) وأبو سعد الجنزروذي في " العاشر " من " أحاديث هشام بن عمار " (5 / 2) من طرق عنه. قلت: وهذا إسناد حسن. الثاني: عن عكرمة بن عمار عن شداد عن ابن عمر مرفوعا به نحوه. أخرجه اللالكائي. الثالث: عن إسماعيل بن أبي الحكم الثقفي قال: حدثني ابن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد الساعدي مرفوعا به. أخرجه اللالكائي أيضا، والطبراني في " الكبير " (6 / 212 / 5900) . وقال الهيثمي (7 / 206) :

" وإسماعيل بن أبي الحكم الثقفي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". وتعقبه الشيخ حمدي السلفي بأنه - أعني الهيثمي - قد قال في الثقفي هذا في حديث آخر (4 / 80) : " وثقه أبو حاتم، ولم يتكلم فيه أحد ". وأقول: لم يوثقه أبو حاتم، فقد قال ابنه في " الجرح " (1 / 1 / 165) : " روى عنه أبو زرعة، سئل أبي عنه؟ فقال : شيخ ". وهذه اللفظة: " شيخ "، لا تعني أنه ثقة، وإنما يستشهد به كما نص ابنه في كتابه (1 / 37) . نعم، رواية أبي زرعة عنه توثيق له كما هو معلوم. فالإسناد حسن إن شاء الله تعالى. الرابع: من طريقين عن أنس بن مالك مرفوعا به. أخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (2 / 60 / 2 و 11 / 38 / 1) . الخامس: عن الوليد بن عبادة عن أبيه عبادة بن الصامت في حديث: " ولن تؤمن بالله حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: القدر على هذا من مات على غير هذا دخل النار ". أخرجه الآجري وكذا أحمد وابن أبي عاصم وهو حديث صحيح كما حققته في " تخريج السنة لابن أبي عاصم " (رقم 111) . السادس والسابع والثامن والتاسع: عن أبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وزيد بن ثابت مرفوعا في حديث لهم في القدر: " ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم

2440

أن ما أصابك ... " الحديث، وفيه: " ولو مت على غير هذا لدخلت النار ". وإسناده صحيح، أخرجه جماعة من أصحاب السنن والمسانيد وغيرهم، وهو مخرج في " المشكاة " ( 115) ، و " تخريج السنة " (245) . العاشر: عن أنس مرفوعا: " لا يجد عبد حلاوة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه ... " الحديث. أخرجه ابن أبي عاصم (247) بإسناد حسن عنه. 2440 - " لا يتكلفن أحد لضيفه ما لا يقدر عليه ". أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 56) والخطيب في " التاريخ " (10 / 205) والديلمي (4 / 2 / 197) عن ابن لال كلاهما من طريق محمد بن الفرج حدثنا يونس بن محمد المؤدب حدثنا حسين بن الرماس قال: سمعت عبد الرحمن بن مسعود وسليم بن رباح وزكريا بن إسحاق يحدثون عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق للخطيب، وقال: " كذا قال: سليم بن رباح وزكريا بن إسحاق عن سلمان ". قلت: ولم يذكرهما ابن لال في الإسناد. وكذلك رواه الحاكم (4 / 123) من طريق الحسين بن محمد وهو المروذي عن الحسين بن الرماس به نحوه. قلت: وهو إسناد ضعيف مجهول، عبد الرحمن بن مسعود، لم أعرفه، ووقع في " المستدرك " أنه العبدي، فلم أجد من ترجمه هكذا، ويحتمل أنه عبد الرحمن بن مسعود

بن نيار الأنصاري سمع سهل بن أبي حثمة. سمع منه خبيب بن عبد الرحمن، ولم يوثقه غير ابن حبان. فهو مجهول أيضا. والمقرونان معهما سليم بن رباح وزكريا بن إسحاق لم أعرفهما أيضا، والثاني منهما يحتمل أن يكون زكريا بن إسحاق المكي الذي يروي عن عمرو بن دينار وطبقته وهو ثقة ولكنه لم يسمع من الصحابة، فهو منقطع. والحسين بن الرماس قال ابن أبي حاتم (1 / 2 / 52) : " روى عن عبد الرحمن بن مسعود. روى عنه الحسين بن محمد المروذي " (¬1) . ولم يذكر فيه غير ذلك، فهو مجهول، ولذلك قال الذهبي في " التلخيص ": " قلت : سنده لين ". لكن له عند الحاكم طريق أخرى عن سليمان بن قرم عن الأعمش عن شقيق قال: " دخلت أنا وصاحب لي على سلمان رضي الله عنه، فقرب إلينا خبزا وملحا، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن التكلف لتكلفت لكم، فقال صاحبي: لو كان في ملحنا سعتر، فبعث بمطهرته إلى البقال فرهنها، فجاء بسعتر فألقاه فيه، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا! فقال سلمان: لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة عند البقال! "، وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. وأقول: فيه نظر، فإن سليمان بن قرم، وإن كانوا قد رمزوا له بأنه من رجال الشيخين، فقد ضعفه جمع، وقال الحافظ في " التقريب ": " سيء الحفظ ". ¬

(¬1) الأصل: " المروزي "، وهو تصحيف لأن المروذى يروي عنه العباس بن محمد الدوري وهو الراوي عنه هذا الحديث في " المستدرك "، فتنبه. اهـ.

2441

ولكنه لم يتفرد به، فقد تابعه قيس بن الربيع حدثنا عثمان بن شابور، رجل من بني أسد - عن شقيق - أو نحوه شك قيس أن سلمان دخل عليه رجل فدعا له بما كان عنده، فقال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا، أو لولا أنا نهينا أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك. أخرجه أحمد (5 / 441) . قلت: وإسناده ضعيف، عثمان بن شابور لم أجد له ترجمة، ولا أورده الحافظ في " تعجيل المنفعة "، وهو على شرطه. وقيس بن الربيع سيء الحفظ أيضا. لكن الحديث قوي بمجموع هذه الطرق، ولاسيما ويشهد له عموم حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: " نهينا عن التكلف ". أخرجه البخاري في أول " الاعتصام ". (تنبيه) : تقدم تخريج هذا الحديث برقم (2392 ) فمعذرة، وإن كان هنا لا يخلو من زيادة فائدة. 2441 - " لا يذهب الليل والنهار، حتى يملك رجل من الموالي يقال له: جهجاه ". أخرجه مسلم (8 / 184) والترمذي (2229) وأحمد (2 / 329) والثقفي في " مشيخة النيسابوريين " (ق 192 / 1) عن عبد الكبير بن عبد المجيد أبي بكر الحنفي حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال: سمعت عمر بن الحكم يحدث عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".

2442

2442 - " لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته ". أخرجه البخاري في " التاريخ - الكنى " (ص 61) وابن ماجة (1 / 7 - 8) وابن حبان في " صحيحه " (326 - الإحسان) وفي " الثقات " (4 / 75) والدولابي في " الكنى " (1 / 46) وابن شاهين في " السنة " (18 / 47 / 1) وابن عدي (58 / 2) وابن منده في " المعرفة " (2 / 1 / 1) عن الجراح بن مليح البهراني قال : سمعت بكر بن زرعة الخولاني قال: سمعت أبا عنبة الخولاني - وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممن صلى القبلتين كلتيهما، وأكل الدم في الجاهلية - يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال البوصيري في " الزوائد " (2 / 2) : " هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات ". قلت: بكر بن زرعة الخولاني ذكره ابن حبان في " الثقات " من رواية الجراح هذا عنه، ولم يوثقه غيره، لكنه روى عنه إسماعيل بن عياش أيضا كما في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 386) وأبو المغيرة الخولاني كما في " تهذيب التهذيب "، وقال في " التقريب ": " مقبول ". قلت: فمثله يمكن تحسين حديثه، أما تصحيحه فبعيد. 2443 - " لا يعضه بعضكم بعضا ". أخرجه الطيالسي (2 / 66 / 2216) وأحمد (5 / 313 / 320) ومسلم (5 / 127) من طريق أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت مرفوعا به. وهو طرف حديث المبايعة عند أحمد ومسلم.

2444

وهذا القدر منه عزاه السيوطي للطيالسي فقط فقصر، ولقد وهم المناوي في إعلاله وهما فاحشا، فقال: " رمز لحسنه، وفيه أبو الأشعث، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: هو جعفر بن الحارث، كوفي نزل واسطا، ضعفوه "! وليس كما توهم المناوي، فإن أبا الأشعث هذا، إنما هو الصنعاني كما وقع مصرحا به في رواية مسلم، وكما يعلم ذلك من رواية أبي قلابة عنه، ومن غير ذلك، واسمه شراحيل بن آدة. ثم إن المناوي تناسى في " التيسير " تعقبه لتحسين السيوطي، فجزم فيه بأن إسناده حسن! ! (لا يعضه) : أي لا يرميه بـ (العضيهة) ، وهو البهتان والكذب. 2444 - " لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله ". أخرجه أبو داود (1 / 321) والحاكم (2 / 166 و 193) وأحمد (2 / 324) عن عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعا. وفي رواية للحاكم من طريق حبيب المعلم، قال: جاء رجل من أهل الكوفة إلى عمرو بن شعيب، فقال: ألا تعجب أن الحسن يقول: الزاني المجلود لا ينكح إلا مجلودة مثله؟ فقال عمرو: وما يعجبك؟ حدثناه سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان عبد الله بن عمرو ينادي بهذا ". وقال: " صحيح الإسناد " ووافقه الذهبي وهو كما قالا. قوله: " المجلود " قال الشوكاني (6 / 124) : هذا الوصف خرج مخرج الغالب، باعتبار من ظهر منه الزنى. وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنى وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر

2445

منها الزنى ويدل على ذلك قوله تعالى: * (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) * (¬1) ". 2445 - " لا يقتل بعضكم بعضا [ولا يصب بعضكم (بعضا) ] ، وإذا رميتم الجمرة فارموا بمثل حصا الخذف ". أخرجه أبو داود (1966) والطيالسي (1660) وأحمد (3 / 503 و 6 / 376 و 379 ) عن يزيد بن أبي زياد أخبرنا سليمان بن عمرو بن الأحوص عن أمه قالت: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة في بطن الوادي وهو راكب يكبر مع كل حصاة ورجل خلفه يستره، فسألت عن الرجل؟ فقالوا: الفضل بن العباس وازدحم الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. والزيادة لأحمد وسقط منه ما بين الهلالين واستدركته من: " الزيادة على الجامع الصغير ". وقد عزاه بالزيادة لأبي داود أيضا وابن ماجة! قلت: وهذا إسناد ضعيف، سليمان بن عمرو هذا مجهول الحال، لم يوثقه غير ابن حبان ولم يرو عنه غير يزيد هذا وشبيب بن غرقدة. ويزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي مولاهم - فيه ضعف من قبل حفظه. لكن الحديث حسن، فإن له في " المسند " طريقين آخرين: الأولى: عن الحجاج بن أرطأة عن أبي يزيد مولى عبد الله بن الحارث عن أم جندب الأزدية نحوه دون الزيادة. وأبو يزيد هذا غير معروف، أورده الحافظ في " التعجيل " لهذه الرواية ولم يزد! والأخرى: عن ليث عن عبد الله بن شداد عنها مرفوعا بلفظ: " يا أيها الناس! عليكم السكينة والوقار، وعليكم بمثل حصى الخذف ". ¬

(¬1) النور: الآية: 3. اهـ.

2446

قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أن ليثا - وهو ابن سعد المصري - ولد بعد وفاة عبد الله بن شداد - وهو ابن الهاد الليثي المدني - بأكثر من عشر سنين. 2446 - " يا بني بياضة! أنكحوا أبا هند، وانحكوا إليه. وكان حجاما ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 268 / 861) وأبو داود (2102) وابن حبان (1249) والحاكم (2 / 164) وابن عدي (77 / 2) وابن الأعرابي في " معجمه " (214 / 1) من طريق حماد بن سلمة: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: " أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن وصححه الحاكم وفيه نظر بينته في أماكن مضت، منها الحديث (760) . قوله: (أنكحوا أبا هند ) : أي: زوجوه بناتكم. (وانكحوا إليه) : أي: اخطبوا إليه بناته، ولا تخرجوه منكم للحجامة. كذا في " عون المعبود ". 2447 - " يجزئ من الوضوء مد، ومن الغسل صاع ". روي من حديث عقيل بن أبي طالب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس. 1 - أما حديث عقيل، فيرويه جبان بن علي عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن

محمد بن عقيل بن أبي طالب عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه ابن ماجة (270) . قلت: وهذا إسناد ضعيف. 2 - وأما حديث جابر، فيرويه سالم بن أبي الجعد عن جابر مرفوعا به. أخرجه الحاكم (1 / 161) ، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. وأقول: هو صحيح فقط، لأن هارون بن إسحاق الهمداني أحد رواته ليس من رجال الشيخين، ومن طريقه أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (117) وقال: " فيه دلالة على أن توقيت المد من الماء للوضوء أن ذلك يجزيء، لا أنه لا يجوز النقصان منه ولا الزيادة فيه ". قلت: وهو كما قال: لكن ينبغي مجانبة الإسراف في ماء الوضوء والغسل لأنه منهي عنه. 3 - وأما حديث أنس فيرويه شريك عن عبد الله بن عيسى عن ابن جبر بن عتيك عنه بلفظ: " يجزي في الوضوء رطلان من ماء ". أخرجه أحمد (3 / 179) والترمذي ( 2 / 507 / 609 - شاكر) وقال: " حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك على هذا اللفظ ". قلت: شريك - وهو ابن عبد الله القاضي - سيء الحفظ، ولكنه لم يتفرد به، فقد تابعه سفيان عن عبد الله بن جبر به. أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 233) : حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال: حدثنا معاوية بن هشام قال: حدثنا سفيان بلفظ:

" يكفي من الوضوء المد، ويكفي من الغسل الصاع ". قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم على ضعف في حفظ معاوية بن هشام وهو القصار الكوفي، لكنه لم يتفرد به، فقال أحمد (3 / 264) : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا زائدة عن سفيان به، إلا أنه قال: حدثني جبر بن عبد الله ، فقلبه، وإنما هو عبد الله بن جبر، وهو جده، فإنه عبد الله بن عبد الله بن جبر - ويقال: جابر. ابن عتيك الأنصاري كما في " التهذيب ". وزائدة هو ابن قدامة الثقفي. ومعاوية بن عمرو هو ابن المهلب الأزدي، وكلاهما ثقة من رجال الشيخين، فالحديث صحيح على شرطهما. 4 - وأما حديث ابن عباس فيرويه عبد العزيز بن عبد الرحمن البالسي عن خصيف عن عكرمة عنه مرفوعا. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 37) وقال: " لم يروه عن خصيف إلا عبد العزيز ". قلت: اتهمه الإمام أحمد. فالعمدة على ما قبله. (تنبيه) : أعل المناوي رواية الترمذي (الحديث - 3) بقوله في " فيض القدير " : " وفيه عبد الله بن عيسى البصري، قال في " الكاشف ": ضعفوه ". قلت: وهذا وهم، وإنما عبد الله بن عيسى بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو ثقة من رجال الشيخين. ثم إنه قد تابعه سفيان كما تقدم - وهو الثوري -، فقوله في " التيسير ": " وإسناده ضعيف ". خطأ آخر!

2448

(فائدة) : في " القاموس ": " (المد) - بالضم: مكيال، وهو رطلان أو رطل وثلث، أو ملء كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما، وبه سمي مدا، وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا ". قلت: فعلى القول الثاني في أن المد رطل وثلث ، يكون حديث شريك مخالفا لحديث سفيان الذي ذكر المد ولم يذكر الرطلين، فهو أقل منهما. والله أعلم. ثم إن هذا الحديث قد سبق أن خرجته برقم (1991) ، لكن بأوجز مما هنا، فقد تيسرت لنا فوائد جديدة، فاستحسنت تخريجه مرة أخرى بهذه الزيادات المفيدة، ولا يخلو التخريج السابق من فوائد لم يرد ذكرها هنا. 2448 - " يجيء النبي ومعه الرجلان ويجيء النبي ومعه الثلاثة وأكثر من ذلك وأقل، فيقال له: هل بلغت قومك؟ فيقول: نعم، فيدعى قومه، فيقال: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا. فيقال: من شهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فتدعى أمة محمد، فيقال: هل بلغ هذا؟ فيقولون: نعم. فيقول: وما علمكم بذلك؟ فيقولون: أخبرنا نبينا بذلك أن الرسل قد بلغوا، فصدقناه، قال: فذلك قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) * (¬1) ". أخرجه ابن ماجة (2 / 573 - 574) وأحمد (3 / 58) عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ¬

(¬1) البقرة: 143. اهـ.

2449

وقد أخرجه البخاري (6 / 286 و 8 / 139 و 13 / 269) والترمذي (2965) وأحمد (3 / 32) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". 2449 - " يجير على أمتي أدناهم ". أخرجه أحمد (2 / 365) والحاكم (2 / 141) عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن. والحديث صحيح، فإن له شواهد بلفظ الإجازة: 1 - عن أنس مرفوعا. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 92) والحاكم (4 / 45) من طريق عبد الله بن شبيب حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال حدثني أبو بكر بن أبي أويس حدثني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد وصالح بن كيسان عن ابن شهاب عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، عبد الله بن شبيب هذا واه. 2 - وعن أم سلمة مرفوعا. أخرجه الحاكم. وسنده حسن في الشواهد. 3 - وعن عمرو بن العاص به. أخرجه أحمد (4 / 197) وأبو يعلى (4 / 1769) عن رجل عنه. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل، وبه أعله الهيثمي (5 / 329) .

2450

4 - عن ابنه عبد الله به. رواه أحمد وبعض أصحاب " السنن " وهو مخرج في " إرواء الغليل " (2208) و " صحيح أبي داود " (2457) . 5 - وعن علي وهو مخرج في " الإرواء " (2209) . (تنبيه) : حديث أبي هريرة لما عزاه السيوطي لمن ذكرنا أعله المناوي بقول الهيثمي: " فيه رجل لم يسم "! وإنما قال هذا في حديث عمرو، وحديث أبي هريرة سالم منه، بل هو حسن صحيح لشواهده. 2450 - " يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان ". أخرجه الترمذي (2601) وكذا النسائي (2 / 270) وأحمد (3 / 94) عن عبد الرزاق أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. وهو عند الآخرين مختصرا من حديث الشفاعة، وقال الأول: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا نحوه. أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 193) وسنده صحيح. وأخرجه هو والشيخان وغيرهما عنه بنحوه.

2451

2451 - " يعذب ناس من أهل التوحيد في النار، حتى يكونوا فيها حمما، ثم تدركهم الرحمة ، فيخرجون ويطرحون على أبواب الجنة، قال: فيرش عليهم أهل الجنة الماء، فينبتون كما ينبت الغثاء في حمالة السيل، ثم يدخلون الجنة ". أخرجه أحمد (3 / 391) والترمذي (2600) عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري بأتم منه. رواه مسلم وغيره كما تقدم برقم (1551) . 2452 - " يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم ". أخرجه ابن ماجة (2 / 281) والطبراني في " الأوسط " (1 / 33 / 2) وابن منده في " المعرفة " (2 / 35 / 1) عن عبد الله بن وهب حدثني عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى أنه حدثه أن يزيد بن عبد المزني حدثه: [عن أبيه] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن أيوب إلا عمرو ، تفرد به ابن وهب ". قلت: وثلاثتهم ثقات، لكن يزيد بن عبد الله المزني مجهول، لم يذكروا عنه راويا غير أيوب، ومع ذلك وثقه ابن حبان (5 / 543) ! لكن للحديث شاهد من حديث عائشة قالت: " كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس

2453

الصبي وضعوها على رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اجعلوا مكان الدم خلوقا ". أخرجه ابن حبان (1057) . قلت: وإسناده صحيح. وأخرجه أبو داود وغيره من حديث بريدة نحوه. وإسناده صحيح أيضا. (تنبيه) : الزيادة التي بين المعكوفتين هي عند الطبراني وابن منده وإثباتها هو الصواب كما في " التهذيب ". 2453 - " يعمد الشيطان إلى أحدكم فيتهول له، ثم يغدو يخبر الناس! ". أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (913) وابن ماجة (2 / 451) وأحمد (2 / 344) عن محمد بن عبد الله بن الزبير عن عمر بن سعيد بن أبي حسين: حدثني عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال: " جاء رجل فقال: إني رأيت رأسي ضرب، فرأيته يتدهده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا حديث صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. وله شاهد من حديث جابر نحوه. أخرجه مسلم (7 / 55) والنسائي (912) واستدركه الحاكم (4 / 302) ، فوهم. وترجم النسائي الحديث بقوله: " الزجر عن أن يخبر الإنسان بتلعب الشيطان به في منامه ".

2454

2454 - " تلقى عيسى حجته، فلقاه الله في قوله " * (وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله) * (¬1) ، فلقاه الله " * ( سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق) * (¬2) ، الآية كلها ". أخرجه الترمذي (3064) عن طاووس عن أبي هريرة قال: فذكره موقوفا عليه إلى تمام الآية الأولى، ثم رفع الباقي فقال: قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلقاه الله ... ولا شك أن جميعه مرفوع، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط مسلم. 2455 - " ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع حتى يخرج في أعراضهم الدجال ". أخرجه ابن ماجة (1 / 74) : حدثنا هشام بن عمار حدثنا يحيى بن حمزة حدثنا الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره. وقال البوصيري في " زوائده " (13 / 1) : " إسناده صحيح، وقد احتج البخاري بجميع رواته ". قلت: لكن ابن عمار قال الحافظ: " صدوق مقرئ، كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح ". ¬

(¬1) المائدة: الآية: 116. اهـ. (¬2) المائدة: الآية: 116. اهـ.

فإن كان الحديث قد حفظه، ولم يتلقنه فهو صحيح، على خلاف في سماع الأوزاعي من نافع. لكن يبدو لي أنه حديث حسن، فقد ثبت أن من أشراط الساعة نشئا ينشأون يتخذون القرآن مزامير. وقد سبق تخريجه برقم (979) . وروى أحمد وغيره عن عثمان بن أبي العاص مرفوعا في حديث له: " ... فيخرج الدجال في أعراض الناس ". وإسناده ضعيف. وله شاهد من حديث شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بلفظ: " يخرج ناس من قبل المشرق يقرءون القرآن لا يجاوز ... " الحديث. أخرجه الحاكم (4 / 486 - 487) والطيالسي في " مسنده " (2293) وأحمد (2 / 198 - 199 و 209) من طريق قتادة عنه. وخالفه أبو جناب يحيى بن أبي حية عن شهر بن حوشب: سمعت عبد الله بن عمر ... فذكره نحوه. أخرجه أحمد (2 / 84) في " مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب " . والصواب رواية قتادة لأن أبا جناب ضعيف لكثرة تدليسه كما في " التقريب ". وشهر لا بأس به في الشواهد، وبعضهم يحسن حديثه، ولعله لذلك سكت عنه الحاكم والذهبي. قوله: (أعراضهم) : جمع عرض بفتح وسكون، بمعنى الجيش العظيم وهو مستعار من العرض بمعنى ناحية الجبل، أو بمعنى السحاب الذي يسد الأفق. قاله السندي.

2456

2456 - " يوم القيامة كقدر ما بين الظهر والعصر ". أخرجه الحاكم (1 / 84) وعنه الديلمي (4 / 337) عن سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك عن معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. وقال: " صحيح الإسناد، على شرط الشيخين إن كان سويد بن نصر حفظه، على أنه ثقة مأمون، فقد أخبرنا ... ". ثم ساقه من طريق عبدان: حدثنا عبد الله عن معمر موقوفا على أبي هريرة بلفظ: " يوم القيامة على المؤمنين كقدر ... ". الحديث. ووافقه الذهبي على ما قال، وأرى أن الموقوف في حكم المرفوع، بل هو أوضح وأبين. والله أعلم. لكن سويدا ليس على شرط الشيخين وإن كان ثقة وهو رواية ابن المبارك.. 2457 - " صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة من الصلوات (وفي رواية: صلاة الظهر) فقام من اثنتين [ولم يجلس] فسبح به [فلما اعتدل مضى ولم يرجع] [فقام الناس معه] ، فمضى حتى [إذا] فرغ من صلاته ولم يبق إلا السلام [ وانتظر الناس تسليمه] سجد سجدتين [يكبر في كل سجدة، وهو جالس] قبل أن يسلم [ثم سلم] [وسجد الناس معه، مكان ما نسي من الجلوس] ". هذا الحديث مما يرويه عبد الله بن بحينة رضي الله تعالى عنه، وعنه عبد الرحمن الأعرج رحمه الله تعالى، وله عنه ثلاث طرق:

الأولى: عن ابن شهاب الزهري عنه مختصرا نحوه. أخرجه البخاري (829 و 830 و 1224 و 1225 و 1230 و6670) ومسلم (2 / 83 - 84) وابن حبان (2666 - 2668) وغيرهم من طرق عنه . وهو مخرج في " إرواء الغليل " (2 / 45 / 338) و " صحيح أبي داود " (946) ، فلا نطيل النفس في تخريجه إلا بقدر الحاجة. والزيادات للشيخين أو لأحدهما، إلا الثالثة، فهي لغيرهما كما يأتي. الثانية: عن الضحاك عن عثمان عنه. أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (2 / 115 / 1030) والحاكم (1 / 322) والسياق له، وقال: " هذا حديث مفسر، صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! قلت: والضحاك بن عثمان لم يخرج له البخاري، فهو على شرط مسلم وحده وفيه ضعف يسير، يتقوى بما بعده. الثالثة: عن يحيى بن سعيد عنه. أخرجه ابن خزيمة (1031) - وله الزيادة الثانية - وابن الجارود في " المنتقى " (2 - 93 / 242) وابن حبان (2669 - 2670) بزيادة: " فسبحنا به ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، فكان على الحاكم أن يخرجه بأولى من الذي قبله. واعلم أنه من الدواعي على إخراج هذا الحديث هنا أمور وقفت عليها، فما أحببت أن أدع التنبيه عليها: الأول: أنني رأيت المعلق على " المنتقى " لابن الجارود ، عزا الحديث من رواية يحيى بن سعيد هذه للستة وغيرهم، وليس عندهم زيادة التسبيح. ونبه على ذلك صديقنا

2458

الفاضل أبو إسحاق الحويني في كتابه القيم: " غوث المكدود في تخريج منتقى ابن الجارود "، وقد أهدى إلي الجزء الأول منه، جزاه الله خيرا. الثاني: أن الحافظ في " الفتح " عزاها لابن خزيمة فقط! الثالث: أن الحافظ الهيثمي لم يورد رواية ابن حبان هذه في " موارد الظمآن "، فإنها من شرطه لهذه الزيادة، فقد أورد مثلا (536) حديث عمران في سجود السهو ، مع كونه في " مسلم " لأن في رواية ابن حبان زيادة ذكر التشهد بعد سجدتي السهو ، وقد فاته من هذا القبيل الشيء الكثير، ولعل أوفق لاستدراكه أو استدراك بعضه على الأقل. والله تعالى ولي التوفيق. (فائدة) : قوله: " فلما اعتدل مضى ولم يرجع " فيه إشارة قوية إلى أن عدم رجوعه صلى الله عليه وسلم إلى التشهد - وهو واجب - إنما هو اعتداله صلى الله عليه وسلم قائما، ومفهومه أنه لو لم يعتدل لرجع، وقد جاء هذا منصوصا عليه في قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قام الإمام في الركعتين، فإن ذكر قبل أن يستوي قائما فليجلس، فإن استوى قائما فلا يجلس، ويسجد سجدتي السهو ". وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، أحدها جيد، وهو مخرج في " الإرواء " (388) و " صحيح أبي داود " (949) . فما جاء في بعض كتب الفقه أنه إذا كان إلى القيام أقرب لم يرجع، فإنه مع مخالفته للحديثين، فلا أصل له في السنة البتة، فكن أيها المسلم من دينك على بينة. 2458 - " مكتوب في الإنجيل: لا فظ ولا غليظ ولا سخاب بالأسواق ولا يجزي بالسيئة مثلها، بل يعفو ويصفح ". رواه الحاكم (2 / 614) وابن عساكر (1 / 264 / 2) عن أحمد بن عبد الجبار حدثنا يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن العيزار بن حريث عن عائشة أن رسول الله

مكتوب ... الحديث. هكذا في المستدرك، وفي ابن عساكر: " قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مكتوب ... "، ولعل الأول هو الصواب، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وفيه نظر من وجهتين: الأول: أن أحدا من رواته لم يخرج له البخاري في " صحيحه " محتجا به. الثاني: أن أحمد بن عبد الجبار لم يخرج له مسلم أيضا، وإنما هو من رجال أبي داود فيما قيل، وقد قال الحافظ فيه: " ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح ". قلت: ويعني بـ " السيرة ": " مغازي يونس بن بكير " هذا، كما يستفاد من ترجمته في " التهذيب "، وفيها ما يدل على أنه صدوق، في حفظه ضعف، وهو ما انتهى إليه اجتهاد الحافظ، فقال في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". ولعله لا ينافي قول الذهبي في " الميزان ": " وقد أخرج مسلم ليونس في الشواهد لا الأصول، وكذلك ذكره البخاري مستشهدا به، وهو حسن الحديث ". ويؤيده قول ابن حبان في " الثقات " (8 / 45) : " حدثنا عنه أصحابنا، ربما خالف، لم أر في حديثه شيئا يجب أن يعدل به عن سبيل العدول إلى سنن المجروحين ". ويونس بن عمرو هو يونس بن أبي إسحاق: عمرو بن عبد الله السبيعي، وهو صدوق يهم قليلا كما قال الحافظ. وبالجملة، فقول الحاكم والذهبي: إن الحديث صحيح على شرط الشيخين وهم

2459

ظاهر، بل ولا هو صحيح الإسناد. نعم هو حسن على الأرجح. والله أعلم. 2459 - " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى همس شيئا لا أفهمه ولا يخبرنا به ، قال: أفطنتم لي؟ قلنا: نعم. قال: إني ذكرت نبيا من الأنبياء أعطي جنودا من قومه، (وفي رواية: أعجب بأمته) ، فقال: من يكافئ هؤلاء؟ أو من يقوم لهؤلاء - أو غيرها من الكلام، (وفي الرواية الأخرى: من يقوم لهؤلاء؟ ولم يشك) ، فأوحي إليه أن اختر لقومك إحدى ثلاث، إما أن نسلط عليهم عدوا من غيرهم أو الجوع أو الموت، فاستشار قومه في ذلك، فقالوا: أنت نبي الله، فكل ذلك إليك، خر لنا. فقام إلى الصلاة وكانوا إذا فزعوا فزعوا إلى الصلاة فصلى ما شاء الله، قال: ثم قال: أي رب! أما عدو من غيرهم، فلا، أو الجوع، فلا، ولكن الموت، فسلط عليهم الموت، فمات منهم [في يوم] سبعون ألفا، فهمسي الذي ترون أني أقول: اللهم بك أحول ولك أصول وبك أقاتل ". أخرجه أحمد (6 / 16) : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال.... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه معمر عن ثابت البناني به نحوه، دون الورد الذي في آخره، والرواية الأخرى

والزيادة له، وزاد: " وكان إذا حدث هذا الحديث، حدث بهذا الحديث الآخر: كان ملك من الملوك، وكان لذلك الملك كاهن ... "، الحديث بطوله. أخرجه الترمذي (2 / 236 - 237) وقد أخرجه مسلم (8 / 229 - 231) وأحمد في رواية له (1 / 16 - 18) من طريق حماد بن سلمة حدثنا ثابت به دون الحديث الأول. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده على شرطهما أيضا. (تنبيه) : جاء في " الأذكار " للإمام النووي ما نصه: " وذكر الإمام أبو محمد القاضي حسين من أصحابنا رحمه الله في كتابه " التعليق في المذهب " قال: " نظر بعض الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إلى قومه يوما فاستكثرهم ، وأعجبوه، فمات منهم في ساعة سبعون ألفا، فأوحى الله سبحانه وتعالى إليه : إنك عنتهم! ولو أنك إذا عنتهم حصنتهم لم يهلكوا، قال: وبأي شيء أحصنهم ؟ فأوحى الله تعالى إليه: تقول: حصنتهم بالحي القيوم الذي لا يموت أبدا، ودفعت عنكم السوء بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ". فأقول: وهو بهذا السياق منكر عندي لأنه يخالف الرواية الصحيحة المتقدمة من وجوه لا تخفى، والعجيب أن النووي قال عقبه: " قال المعلق عن القاضي حسين: وكان عادة القاضي رحمه الله إذا نظر إلى أصحابه فأعجبه سمتهم وحسن حالهم حصنهم بهذا المذكور ". قلت: فسكت عليه النووي، فكأنه أقره واستحسنه، ولو كان هذا حديثا ضعيفا

2460

لقلنا: إنه حمله على ذلك قوله: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. فكيف وهو لم يذكره حديثا مرفوعا ولو ضعيفا؟ فكيف وهو مخالف للحديث الصحيح؟ أفليس هذا من شؤم القول المذكور يحملهم على العمل حتى بما لا أصل له من الحديث؟ بلى! فهل من معتبر؟ ! 2460 - " إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن، فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم فيقول : لست صاحب ذلك، ثم بموسى، فيقول كذلك، ثم محمد صلى الله عليه وسلم، فيشفع بين الخلق، فيمشي حتى يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا، يحمده أهل الجمع كلهم ". أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 199) : حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال: أخبرنا أبي وشعيب قالا: أخبرنا الليث عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: سمعت حمزة بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبيه، وهما ثقتان فقيهان بصريان. قلت: وهذا حديث عزيز في المقام المحمود وأنه شفاعته صلى الله عليه وسلم الخاصة به. وهو أصح حديث وقفت عليه فيه وهناك أحاديث أخرى، فانظر الحديثين المتقدمين (2369 و 2370) و " تخريج السنة " (784 و 785 و 789) . والحديث قال الهيثمي (10 / 371) : " رواه الطبراني في " الأوسط " عن مطلب بن شعيب عن عبد الله بن صالح،

وكلاهما قد وثق على ضعف فيه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: إسناد ابن خزيمة سالم من هذين المضعفين، وعبد الله بن صالح كثير الرواية عن الليث - وهو ابن سعد - بل هو كاتبه، ولولا غفلة كانت فيه لكانت روايته عنه من أقوى الروايات، وعلى كل حال، فهو متابع للثقتين في رواية ابن خزيمة، ففيها قوة للحديث. والله أعلم. ثم رأيت ابن خزيمة أخرجه بإسناد آخر عن الليث، فقال (ص 158 - 159) : " وحدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا يحيى - يعني ابن عبد الله بن بكير - قال: حدثني الليث ... " به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. (فائدة) : قوله صلى الله عليه وسلم: " استغاثوا بآدم "، أي: طلبوا منه عليه السلام أن يدعو لهم، ويشفع لهم عند الله تبارك وتعالى. والأحاديث بهذا المعنى كثيرة معروفة في " الصحيحين "، وغيرهما. وليس فيه جواز الاستغاثة بالأموات، كما يتوهم كثير من المبتدعة الأموات! بل هو من باب الاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه، كما في قوله تعالى: * (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه..) * الآية (¬1) . ومن الواضح البين أنه لا يجوز - مثلا - أن يقول الحي القادر للمقيد العاجز: أعني! فالميت الذي يستغاث به من دونه تعالى أعجز منه، فمن خالف، فهو إما أحمق مهبول، أو مشرك مخذول لأنه يعتقد في ميته أنه سميع بصير، وعلى كل شيء قدير، وهنا تكمن الخطورة لأن الشرك الأكبر، وهو الذي يخشاه أهل التوحيد على هؤلاء ¬

(¬1) القصص: الآية: 15.

2461

المستغيثين بالأموات من دون الله تبارك وتعالى، وهو القائل: * (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين. ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها) * (¬1) . وقال: * (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير) * (¬2) . 2461 - " ما من عام بأكثر مطرا من عام ولكن الله يصرفه بين خلقه [حيث يشاء] . ثم قرأ: * (ولقد صرفناه بينهم [ليذكروا] ) * (¬3) [الآية] ". أخرجه ابن جرير في " التفسير " (19 / 15) والحاكم (2 / 403) من طريق سليمان التيمي سمعت الحسن بن مسلم يحدث طاووسا عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: فذكره، والسياق له، وكذا الزيادة الثانية في رواية، والزيادة الأولى للحاكم، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي وهو كما قالا. وله شاهد يرويه يزيد بن أبي زياد أنه سمع أبا جحيفة يقول: سمعت عبد الله بن ¬

(¬1) الأعراف: الآية: 194 - 195. (¬2) فاطر: الآية: 13 - 14. اهـ. (¬3) الفرقان: 5. اهـ.

2462

مسعود يقول: فذكره. أخرجه ابن جرير. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير يزيد هذا - وهو الهاشمي مولاهم - وهو سيء الحفظ، فلا بأس به في الشواهد، وعزاه في " الدر المنثور " (5 / 73) للخرائطي في " مكارم الأخلاق ". وقال البغوي في " معالم التنزيل " (6 / 184 - منار) عقب حديث ابن عباس: " وهذا كما روي مرفوعا: ما من ساعة من ليل ولا نهار، إلا والسماء تمطر فيها، يصرفه الله حيث يشاء. وذكر ابن إسحاق وابن جريج ومقاتل وبلغوا به ابن مسعود يرفعه قال: ليس من سنة بأمر (¬1) من أخرى، ولكن الله قسم هذه الأرزاق، فجعلها في السماء الدنيا في هذا القطر، ينزل منه كل سنة بكيل معلوم ، ووزن معلوم، وإذا عمل قوم بالمعاصي حول الله ذلك إلى غيرهم، فإذا عصوا جميعا صرف الله ذلك إلى الفيافي والبحار ". قلت: فيظهر مما تقدم أن الحديث وإن كان موقوفا، فهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد، ولأنه روي مرفوعا. والله أعلم. 2462 - " يحلها - يعني: مكة - ويحل به - يعني: الحرم المكي - رجل من قريش، لو وزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لوزنتها ". أخرجه أحمد (2 / 196 و 219) : حدثنا هاشم حدثنا إسحاق - يعني ابن سعيد - حدثنا سعيد بن عمرو قال: " أتى عبد الله بن عمرو ابن الزبير، وهو جالس في الحجر، فقال: يا ابن الزبير! ¬

(¬1) على وزن أفعل، أي: أسوأ. اهـ.

إياك والإلحاد في حرم الله، فإني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (فذكره) . قال: فانظر أن لا تكون هو يا ابن عمرو! فإنك قد قرأت الكتب وصحبت الرسول صلى الله عليه وسلم، فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهدا ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهاشم هو ابن القاسم أبو النضر، وقد توبع، فقال الإمام أحمد (2 / 136) : حدثنا محمد بن كناسة حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: " أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير، فقال: ... " فذكره نحوه دون قوله: " فإنك قد قرأت الكتب ... ". كذا قال " ابن عمر "، وفي " مسنده " أورده الإمام أحمد ولعله من أوهام ابن كناسة، فإنه مع ثقته قد قال فيه أبو حاتم: " يكتب حديثه ولا يحتج به ". وقال الهيثمي (3: 285) في الطريق الأولى: " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ". وقال في الأخرى: " رواه أحمد ورجاله ثقات ". وذكره من حديث ابن عمرو أيضا بلفظ: " يلحد رجل بمكة يقال له: عبد الله، عليه نصف عذاب العالم ". وقال: " رواه البزار، وفيه محمد بن كثير الصنعاني، وثقه صالح بن محمد وابن سعد وابن حبان، وضعفه أحمد ". وقال الحافظ في الصنعاني هذا:

2463

" صدوق، كثير الغلط ". لكن له شاهد يرويه يعقوب عن جعفر بن أبي المغيرة عن ابن أبزى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال له عبد الله بن الزبير حين حصر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك، فهل لك أن تحول إلى مكة، فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس ". أخرجه أحمد (1 / 64) ورجاله ثقات كما قال الهيثمي، لكن جعفرا هذا - وهو ابن أبي المغيرة الخزاعي القمي - ويعقوب - وهو ابن عبد الله القمي - كلاهما قال الحافظ فيهما: " صدوق يهم ". فالحديث حسن بلفظ البزار، صحيح بلفظ أحمد. 2463 - " من وعده الله على عمل ثوابا، فهو منجزه له، ومن وعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 838) وابن أبي عاصم في " السنة " (960 - بتحقيقي) وعبد الله البغوي في " حديث هدبة بن خالد " (1 / رقم 55) قالوا: حدثنا هدبة حدثنا سهيل بن أبي حزم القطيعي عن ثابت عن أنس مرفوعا به. وأخرجه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " (2 / 109 / 2) وأبو الحسين الأبنوسي في " الفوائد " (6 / 2) وابن عدي في " الكامل " (189 / 1) وأبو بكر الكلاباذي في " مفتاح المعاني " (110 / 2 و 354 / 2) والواحدي في " الوسيط " (1

/ 181 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (12 / 260 / 2) كلهم عن هدبة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات غير سهيل هذا، فهو ضعيف كما في " التقريب "، وقد ضعفه الجمهور ومنهم البخاري، وقال ابن حبان: " يتفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات ". والحديث قال الهيثمي (10 / 211 ) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط " وفيه سهيل بن أبي حزم، وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: لم يوثقه غير العجلي وهو لين التوثيق، وقال ابن معين في رواية: " صالح ". وضعفه الجمهور كما تقدم، وفيهم ابن معين في الرواية الأخرى عنه. قلت: والحديث مع ضعف سنده فهو ثابت المتن عندي، فإن شطره الأول يشهد له آيات كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى : * (لا يخلف الله وعده) * (¬1) وقوله: * (ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) * (¬2) . وأما الشطر الآخر، فيشهد له حديث عبادة بن الصامت مرفوعا بلفظ: " ... ومن عبد الله ... وسمع وعصى، فإن الله تعالى من أمره بالخيار، إن شاء رحمه، وإن شاء عذبه ". أخرجه أحمد وغيره بسند حسن كما حققته في " تخريج السنة " (968) وله طرق أخرى في " الصحيحين " وغيرهما بنحوه. فانظر التخريج المذكور (961 - 967) . ¬

(¬1) الروم: الآية: 6. (¬2) الأحقاف: الآية: 16. اهـ.

2464

2464 - " كل فجاج مكة طريق ومنحر ". حديث صحيح روي من حديث جابر بن عبد الله وجبير بن مطعم وعبد الله بن عباس . 1 - أما حديث جابر فيرويه أسامة بن زيد عن عطاء بن أبي رباح حدثه أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. أخرجه أبو داود (1917) والدارمي (2 / 156 - 157) وابن ماجة ( 3048) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 73) والحاكم (1 / 460) والبيهقي (5 / 239) وأحمد (3 / 326) من طرق عن أسامة به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط لأن أسامة - وهو الليثي مولاهم - وإن كان من رجال مسلم، فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، ووثقه آخرون، ومنهم يعقوب بن سفيان الحافظ المشهور، فقد روى البيهقي عنه أنه قال عقب الحديث: " أسامة بن زيد - عند أهل بلده: المدينة - ثقة مأمون ". قلت: يعني أن أهل بلده أعرف به من غيره. ولكنه لا يخلو من ضعف، وقد أشار الحافظ إلى ذلك بقوله في " التقريب ": " صدوق، يهم ". 2 - وأما حديث جبير فيرويه سعيد بن عبد العزيز قال: حدثني سليمان بن موسى عنه مرفوعا به دون قوله: " طرق ". أخرجه ابن حبان (1008) وأحمد (4 / 82) . قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، فإن رجاله ثقات رجال مسلم غير

2465

سليمان بن موسى - وهو الأموي مولاهم - قال الحافظ: " صدوق، فقيه، في حديثه بعض لين ". وقال في سعيد بن عبد العزيز - وهو التنوخي -: " ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي، وقدمه أبو مسهر، ولكنه اختلط في آخر عمره ". 3 - وأما حديث ابن عباس، فأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 281) وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الصغير " وفيه عبد الله بن عمر العمري وفيه كلام وقد وثق ". قلت: وذكره مالك في " الموطأ " (3 / 183 - زرقاني) بلاغا. وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب، ولاسيما وله شاهد من حديث ابن عباس أنه كان ينحر بمكة. أخرجه البيهقي بسند صحيح عنه، وروى بسند فيه ضعف عن ابن عمر نحوه. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2465 - " المتلاعنان إذا تفرقا، لا يجتمعان أبدا ". ورد من حديث ابن عمر وسهل بن سعد وعبد الله بن مسعود وعلي بن أبي طالب. 1 - أما حديث ابن عمر، فعلقه البيهقي (7 / 409) فقال: وروينا عن محمد بن زيد عن سعيد بن جبير عنه مرفوعا به. وهذا إسناد رجاله ثقات، وابن زيد هو ابن علي الكندي، فإذا كان السند إليه ثابتا،

فهو صحيح الإسناد، وعلى كل حال ، فإنه يشهد له ما بعده. 2 - وأما حديث سهل فيرويه عياض بن عبد الله الفهري وغيره عن ابن شهاب عن سهل في حديث المتلاعنين قال: " فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا ". أخرجه أبو داود (1 / 351 - 352) والبيهقي (7 / 410) . قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله رجال مسلم، والفهري هذا وإن كان فيه ضعف، فليس شديدا، فمثله يستشهد به، ولاسيما أنه لم يتفرد به، فقد قرن به غيره، وهذا وإن لم يسم في هذه الرواية فمن المحتمل أن يكون الزبيدي الآتي، فإن كان هو، فهي متابعة قوية لأن الزبيدي هذا - واسمه محمد بن زياد - ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري كما قال الحافظ، وإن كان غيره، فهو مجهول إن لم يقو حديثه فلا يضره. وهذه المتابعة يرويها الأوزاعي عن الزبيدي عن الزهري به. أخرجه البيهقي. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات غير ابن أبي حسان شيخ أبي بكر الإسماعيلي، فلم أعرف اسمه الآن. 3 و 4 - وأما حديث ابن مسعود وعلي فيرويه قيس بن الربيع عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله، وعن عاصم عن زر عن علي قالا: " مضت السنة في المتلاعنين أن لا يجتمعا أبدا ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (7 / 112 / 12434 و 12436) والبيهقي والطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 390 / 9661) عن ابن مسعود وحده . قلت: وإسناده حسن في المتابعات على الأقل لأن قيس بن الربيع فيه ضعف من قبل حفظه.

2466

وللحديث شاهد موقوف يرويه الأعمش عن إبراهيم أن عمر بن الخطاب قال في المتلاعنين إذا تلاعنا: يفرق بينهما، ولا يجتمعان أبدا. أخرجه عبد الرزاق، والبيهقي. قلت: ورجاله موثقون، لكنه منقطع بين إبراهيم - وهو النخعي - وعمر بن الخطاب. إذا علمت ما تقدم فالحديث صالح للاحتجاج به على أن فرقة اللعان إنما هي فسخ، وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما، وذهب أبو حنيفة إلى أنه طلاق بائن، والحديث يرد عليه، وبه أخذ مالك أيضا والثوري وأبو عبيدة وأبو يوسف، وهو الحق الذي يقتضيه النظر السليم في الحكمة من التفريق بينهما، على ما شرحه ابن القيم رحمه الله تعالى في " زاد المعاد " فراجعه (4 / 151 و153 - 154) وإليه مال الصنعاني في " سبل السلام " (3 / 241) . 2466 - " كان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 376) : أخبرنا يوسف بن الغرق أخبرنا الطيب بن سليمان حدثتنا عمرة قالت: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: فذكره. وأخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 280 - 281) من طريق أخرى عن يوسف بن الغرق به. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف، يوسف هذا، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 227 - 228) : " سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بالقوي، سمعت أبي يقول: قال أحمد بن حنبل:

رأيته، ولم أكتب عنه شيئا ". وضعفه غيره، وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (9 / 279) ! والطيب بن سليمان خير منه، فقد وثقه ابن حبان (8 / 328) والطبراني أيضا، وقال الدارقطني: " ضعيف ". لكن يشهد للحديث نهيه صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، وقوله صلى الله عليه وسلم: " من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه ". وهو ثابت صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، وهو مخرج في " صفة الصلاة " (ص 118 - 119 الطبعة السابعة) . وانظر الحديث (1512 و 1513) وما ذكر تحتهما. ولا يشكل على هذا ما ثبت عن بعض السلف مما هو خلاف هذه السنة الصحيحة، فإن الظاهر أنها لم تبلغهم. وما أحسن ما قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى في ترجمة الحافظ وكيع بن الجراح، في كتابه العظيم " سير أعلام النبلاء " (7 / 39 / 2) وقد روى عنه أنه كان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة: " قلت: هذه عبادة يخضع لها، ولكنها من مثل إمام من الأئمة الأثرية مفضولة، فقد صح نهيه عليه السلام عن صوم الدهر، وصح أنه نهى أن يقرأ القرآن في أقل من ثلاث، والدين يسر ومتابعة السنة أولى، فرضي الله عن وكيع، وأين مثل وكيع؟ ومع هذا فكان ملازما لشرب نبيذ الكوفة الذي يسكر الإكثار منه، وكان متأولا في شربه، ولو تركه تورعا لكان أولى به، فإن من توقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه. وقد صح النهي والتحريم للنبيذ المذكور، وليس هذا موضع هذه الأمور، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، فلا قدوة في خطإ العالم، نعم، ولا يوبخ بما فعله باجتهاد، نسأل الله المسامحة ".

2467

2467 - " لما لقي موسى الخضر عليهما السلام جاء طير، فألقى منقاره في الماء، فقال الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطير؟ قال: وما يقول؟ قال: يقول: ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء ". أخرجه الحاكم (2 / 369) : حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه حدثنا أبو عمران موسى بن هارون بن عبد الله الحافظ حدثني أبي حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدثني أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وأقره السيوطي في " الدر المنثور " (4 / 234) . وأقول: إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن أبا داود الطيالسي وهارون بن عبد الله - وهو الحمال - لم يحتج بهما البخاري. وأما موسى بن هارون وابن بالويه، فليسا من رجالهما، وموسى ثقة حافظ كبير كما قال الحافظ وأورده تمييزا. وأما ابن بالويه، فترجمه الخطيب (1 / 282) وقال: " حدثنا عنه أبو بكر البرقاني، وسألته عنه؟ فقال: " ثقة ". مات سنة أربع وسبعين وثلاثمائة. وهو ابن أربع وتسعين سنة ". والحديث قطعة من قصة الخضر مع موسى عليهما الصلاة والسلام في " الصحيحين "، و " زوائد أحمد " (5 / 117 - 118) لكنهم لم تقع لهم هذه القطعة بهذا التمام، ولذلك خرجتها.

2468

2468 - " يؤتى بأربعة يوم القيامة، بالمولود وبالمعتوه وبمن مات في الفترة والشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب تبارك وتعالى لعنق من النار: ابرز، فيقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه، فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب! أين ندخلها ومنها كنا نفر؟ قال: من كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعا، قال: فيقول تبارك وتعالى : أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة، وهؤلاء النار ". روي من حديث أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ومعاذ بن جبل والأسود بن سريع وأبي هريرة. 1 - أما حديث أنس، فيرويه جرير عن ليث عن عبد الوارث عنه مرفوعا به. أخرجه أبو يعلى (3 / 1044 - 1045) والبزار (ص 232 - 233 - زوائده) . قلت: وقال الهيثمي (7 / 216) بعد أن عزاه إليهما: " وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح ". كذا قال! وفيه نظر من وجهين : الأول: أن ليثا هذا لم أر من اتهمه بالتدليس وإنما هو معروف بأنه كان اختلط . ولذلك جزم في " زوائد البزار " بأنه ضعيف. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، اختلط أخيرا، ولم يتميز حديثه فترك ". والآخر: أن عبد الوارث شيخ الليث - الظاهر أنه مولى أنس بن مالك الأنصاري -

قال في " الجرح والتعديل " (3 / 1 / 74) : " روى عن أنس، روى عنه يحيى بن عبد الله الجابر وجابر الجعفي وقطري الخشاب وأبو هاشم وسلمة بن رجاء قال أبي: هو شيخ ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 130) من رواية مختار بن أبي مختار عنه، وأما الدارقطني فضعفه كما في " الميزان "، ولم أر أحدا ذكر أنه من رجال " الصحيح "، ولعل الهيثمي توهم أنه عبد الوارث بن سعيد التميمي العنبري مولاهم، فإنه من رجال " الشيخين "، لكنه يروي عن أنس بواسطة عبد العزيز بن صهيب وغيره. والله تعالى أعلم. 2 - أما حديث أبي سعيد الخدري، فيرويه فضيل بن مرزوق عن عطية عنه مرفوعا نحوه، ولم يذكر الشيخ الفاني. أخرجه البغوي في " حديث ابن الجعد " ( ق 94 / 1) والبزار أيضا، وقال: " لا نعلمه من حديث أبي سعيد إلا عن فضيل، وعطية ضعيف ". 3 - وأما حديث معاذ، فلفظه: " يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلا، وبالهالك في الفترة، وبالهالك صغيرا، فيقول الممسوخ عقلا: يا رب! لو آتيتني عقلا ما كان من آتيته عقلا بأسعد بعقله مني، ويقول الهالك في الفترة: يا رب! لو أتاني منك عهد ما كان من أتاه منك عهد بأسعد بعهده مني. ويقول الهالك صغيرا: لو آتيتني عمرا ما كان من آتيته عمرا بأسعد من عمره مني، فيقول الرب تبارك وتعالى: إني آمركم بأمر فتطيعوني؟ فيقولون: نعم وعزتك، فيقول: اذهبوا فادخلوا النار، فلو دخلوها ما ضرتهم، فيخرج عليهم قوابس يظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيرجعون سراعا، فيقولون: خرجنا يا رب! نريد دخولها، فخرجت علينا قوابس ظننا أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء، فيأمرهم الثانية، فيرجعون كذلك يقولون مثل قولهم، فيقول الله تبارك وتعالى: قبل أن تخلقوا علمت ما أنتم عاملون وإلى

2469

علمي تصيرون، فتأخذهم النار ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير "، وفيه عمرو بن واقد وهو متروك عند البخاري وغيره ورمي بالكذب. وقال محمد بن المبارك الصوري: كان يتبع السلطان وكان صدوقا وبقية رجال " الكبير " رجال الصحيح ". وهو في " المعجم الكبير " (20 / 83 / 158) بإسنادين له عن عمرو به. 4 و 5 - وأما حديث الأسود وأبي هريرة، فقد سبق تخريجهما برقم (1434) وليس فيهما ذكر المولود والمقصود به من كان أبواه من الكفار. 2469 - " يا آل محمد! من حج منكم فليهل بعمرة في حجة ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 379) وابن حبان (987 و 988) وأحمد (6 / 297 و 317) وأبو يعلى (4 / 1669 - 1670) من طرق عن يزيد بن أبي حبيب قال: حدثني أبو عمران الجوني أنه حج مع مواليه، قال: فأتيت أم سلمة فقلت: يا أم المؤمنين! إني لم أحج قط، فبأيهما أبدأ، بالحج أو بالعمرة؟ قالت: إن شئت فاعتمر قبل أن تحج، وإن شئت فبعد أن تحج. فذهبت إلى صفية، فقالت لي مثل ذلك، فرجعت إلى أم سلمة، فأخبرتها بقول صفية، فقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي عمران الجوني - واسمه أسلم - وهو ثقة.

2470

2470 - " إن من المؤمنين من يلين لي قلبه ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 267) : حدثنا حيوة حدثنا بقية حدثنا محمد بن زياد حدثني أبو راشد الحبراني قال: " أخذ بيدي أبو أمامة الباهلي، قال: أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أبا أمامة! إن ... " الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وبقية إنما يخشى منه التدليس، وقد صرح بالتحديث، فأمنا بذلك تدليسه. (تنبيه) : انقلب هذا الحديث على الحارث المحاسبي، فأورده في كتابه " رسالة المسترشدين " (ص 66) بلفظ: " له قلبي ". وعلق عليه محققه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة الحنفي الكوثري بقوله: " لم أقف عليه فيما رجعت إليه من المراجع الحديثية، فالله أعلم بثبوته ". قلت: لو رجع إلى " المسند " لوجده، بل لو أنه رجع إلى ما هو أقرب منالا منه لوقف عليه، فقد أورده الحافظ الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 276) باللفظ الذي ذكره المحاسبي، وقال الهيثمي: " رواه الطبراني، ورجاله وثقوا ". قلت: وفاته أنه في " المسند " باللفظ الأول، ثم رأيته قد أورده في مكان آخر (1 / 63) باللفظ الأول، وقال: " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". ولعل قوله: " ورجاله وثقوا " إنما هو لأن بقية لم يصرح بالتحديث في رواية الطبراني، فإذا كان كذلك، فتلك فائدة أخرى أن الإمام أحمد أسند الحديث عن بقية مصرحا بالتحديث، فجزاه الله عن الحديث وأهله خيرا.

2471

ثم طبع " المعجم الكبير " للطبراني، فرأيته قد أخرج الحديث فيه بإسنادين له عن بقية، صرح في أحدهما بالتحديث، فقال: (8 / 122 / 7499) : حدثنا أبو يزيد يوسف بن يزيد القراطيسي حدثنا المعلى بن الوليد القعقاعي حدثنا بقية بن الوليد حدثنا محمد بن زياد ... باللفظ الآخر. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير القعقاعي هذا، فلم يوثقه غير ابن حبان (9 / 182) ومع ذلك قال فيه: " ربما أغرب ". ثم قال (7655) : حدثنا أحمد بن خليد الحلبي حدثنا عبيد بن جناد حدثنا بقية بن الوليد عن محمد بن زياد به. قلت: وهذا رجاله ثقات أيضا غير أحمد هذا، فلم أجد له ترجمة. فإذا صح هذا اللفظ، فيجمع بينه وبين الأول بنحوه: " يلين لي قلبه، ويلين له قلبي ". والله أعلم. 2471 - " لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه ". أخرجه أحمد (6 / 441 - 442) والبزار (8 - زوائده) والقضاعي (75 / 1) وابن عساكر (4 / 332 / 1) من طريق أبي الربيع سليمان بن عتبة السلمي عن يونس ابن ميسرة عن أبي إدريس عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال البزار: " إسناده حسن ". وهو كما قال أو أعلى، فإن رجاله ثقات كلهم، لا كلام فيهم، غير سليمان بن عتبة وقد وثقه جماعة وما قيل فيه فلا حجة له.

2472

ثم إن للحديث شواهد كثيرة، تقدم ذكر الكثير الطيب منها تحت الحديث (2439) . 2472 - " كانت امرأة تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم [حسناء من] أجمل الناس، فكان ناس يصلون في آخر صفوف الرجال فينظرون إليها، فكان أحدهم ينظر إليها من تحت إبطه [إذا ركع] وكان أحدهم يتقدم إلى الصف الأول حتى لا يراها فأنزل الله عز وجل هذه الآية: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين) * ". أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (2712) : حدثنا نوح بن قيس قال حدثني عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس قال.. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، غير عمرو بن مالك النكري، وهو ثقة، كما قال الذهبي في " الميزان " ذكره فيه تمييزا، ووثقه أيضا من صحح حديثه هذا ممن يأتي ذكرهم. وأخرجه البيهقي في " سننه " (3 / 98) من طريق الطيالسي وأخرجه أحمد (1 / 305) والترمذي (2 / 191 - بولاق) والنسائي (1 / 139) وابن ماجة (1046) وابن خزيمة في " صحيحه " (رقم 1696 - 1697) وابن حبان (1749) والطبري في

" تفسيره " (14 / 18) والحاكم (2 / 353) والبيهقي أيضا من طرق أخرى عن نوح ابن قيس به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، وقال عمرو بن علي: لم يتكلم أحد في نوح بن قيس الطاحي بحجة " ووافقه الذهبي وقال: " هو صدوق خرج له مسلم ". وقال في " الميزان ": " صالح الحال ". قلت: لم يحك هو ولا الحافظ في " التهذيب " عن أحد من الأئمة تضعيفه إلا رواية عن ابن معين، وهي مع كونها لا تصح عنه لأن أبا داود قال: " بلغني عن يحيى أنه ضعفه "، فهي معارضة برواية عثمان الدارمي عنه أنه ثقة. وهذه مع صحتها فهي المطابقة لقول أحمد وسائر الأئمة الذين وثقوه. فهي العمدة. وإذا عرفت هذا فقد أعل الحديث بالإرسال، فقال الترمذي عقبه: " وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه، لم يذكر فيه " عن ابن عباس " وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح ". واعتمده الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (5 / 12 - 13) ، وقال: " حديث غريب جدا وفيه نكارة شديدة ". وهذا الإعلال ليس بشيء عندي وذلك من وجوه. أولا: إرسال جعفر بن سليمان للحديث، ومخالفته لنوح بن قيس لا تضر، لأنه لو كان في الثقة في مرتبة نوح، لورد هنا القاعدة المعروفة في علم المصطلح: زيادة الثقة مقبولة. فكيف وهو دونه الثقة؟ فإنه وإن كان من رجال مسلم فقد ضعفه غير واحد من الأئمة، منهم البخاري، فقال:

" يخالف في بعض حديثه ". وهذا وإن كان لا يسقط حديثه بالمرة، فإنه يسقطه عن المرتبة العليا من الصحة. ويجعله لا يعتد به عند المخالفة، ولذلك قال الذهبي في " الميزان ": " وهو صدوق في نفسه وينفرد بأحاديث عدت مما ينكر واختلف بالاحتجاج بها، منها (فساق أحاديث له، قال:) وغالب ذلك في (صحيح مسلم) ". وإذا كان الأمر كذلك، فوصل نوح بن أبي قيس مقدم على إرسال جعفر، لأنه أوثق منه ولأن الوصل زيادة من ثقة فيجب قبولها. ثانيا: الغرابة التي أشار إليها منفية بمجيء أصل الحديث من طرق أخرى ولو باختصار. 1 - فقال الحاكم عقب ما نقلته من كلامه السابق: " وله أصل من حديث سفيان الثوري، أخبرناه أبو بكر الشافعي: حدثنا إسحاق بن الحسن حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن رجل عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: * (المستقدمين) *: الصفوف المقدمة * (والمستأخرين) *: الصفوف المؤخرة ". 2 - روى الطبري عن المعتمر بن سليمان عن أبيه عن رجل: أخبرنا عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء ، قال: فأنزل الله: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ) *. 3 - وأخرج بن مردويه عن داود بن صالح قال: قال سهل بن حنيف الأنصاري: أتدرون فيم أنزلت: * (ولقد علمنا المستقدمين منكم ... ) * الآية؟ قلت: في سبيل الله، قال: لا، ولكنها في صفوف الصلاة. ذكره في " الدر المنثور " (4 / 97) .

قلت: فهذه الروايات وإن كانت لا تخلو من ضعف، فبعضها يشد بعضا، فهي صالحة للاستشهاد ويدل مجموعها على أن الآية الكريمة نزلت في صفوف الصلاة، فأين الغرابة؟ ! وإن كان المقصود بها غرابة المعنى ومباينة تفسير الآية بما دل عليه سبب النزول لما قبلها من الآيات: * (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه. وما أنتم له بخازنين. وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون. ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين. وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم) * (¬1) . فالجواب: أن المعنى المستفاد من سبب النزول ليس مباينا للعموم الذي تدل عليه الآية بسباقها وسياقها، ومن المعلوم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال العلامة الآلوسي في " روح المعاني " (4 / 290) : " ومن هنا قال بعضهم: الأولى الحمل على العموم، أي: علمنا من اتصف بالتقدم والتأخر في الولادة والموت والإسلام وصفوف الصلاة وغير ذلك ". وهو يشير بذلك إلى الإمام ابن جرير رحمه الله، فإنه اختار حمل الآية على العموم المذكور ثم قال: " وجائز أن تكون نزلت في شأن المستقدمين في الصف لشأن النساء ، والمستأخرين فيه لذلك، ثم يكون الله عز وجل عم بالمعنى المراد منه جميع الخلق، فقال جل ثناؤه لهم: قد علمنا ما مضى من الخلق وأحصيناهم وما كانوا يعملون ومن هو حي منكم، ومن هو حادث بعدكم أيها الناس! وأعمال جميعكم، خيرها وشرها، وأحصينا جميع ذلك، ونحن نحشرهم جميعهم فنجازي كلا بأعماله إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، فيكون ذلك تهديدا ووعيدا للمستأخرين في الصفوف لشأن النساء، ولكل من تعدى حد الله وعمل بغير ما أذن له به، ووعدا لمن تقدم في الصفوف لسبب النساء، ¬

(¬1) الحجر: الآية: 22 - 25. اهـ.

2473

وسارع إلى محبة الله ورضوانه في أفعاله كلها " . وهذا في غاية التحقيق كما ترى. جزاه الله خيرا. ثالثا: وأما النكارة الشديدة التي زعمها ابن كثير رحمه الله، فالظاهر أنه يعني أنه من غير المعقول أن يتأخر أحد من المصلين إلى الصف الآخر لينظر إلى امرأة! وجوابنا عليه، أنهم قد قالوا: إذا ورد الأثر بطل النظر، فبعد ثبوت الحديث لا مجال لاستنكار ما تضمنه من الواقع، ولو أننا فتحنا باب الاستنكار لمجرد الاستبعاد العقلي للزم إنكار كثير من الأحاديث الصحيحة، وهذا ليس من شأن أهل السنة والحديث، بل هو من دأب المعتزلة وأهل الأهواء. ثم ما المانع أن يكون أولئك الناس المستأخرون من المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر؟ بل وما المانع أن يكونوا من الذين دخلوا في الإسلام حديثا، ولما يتهذبوا بتهذيب الإسلام، ولا تأدبوا بأدبه؟ 2473 - " إن الله عز وجل يقول: يا ابن آدم! إن تعط الفضل فهو خير لك، وإن تمسكه فهو شر لك، وابدأ بمن تعول، ولا يلوم الله على الكفاف، واليد العليا خير من اليد السفلى ". أخرجه أحمد (2 / 362) : حدثنا زيد بن يحيى الدمشقي حدثنا عبد الله بن العلاء بن زبر قال: سمعت القاسم مولى يزيد يقول: حدثني أبو هريرة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات على ضعف في القاسم - وهو ابن عبد الرحمن الشامي، أبو عبد الرحمن الدمشقي، مولى آل أبي سفيان بن حرب الأموي - لكن لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، وقد قيل: إنه لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من أبي أمامة، وهذا الإسناد يرده، فقد صرح فيه بالتحديث عن أبي هريرة وقد جزم

2474

البخاري بأنه سمع عليا وابن مسعود وقد ماتا قبل أبي هريرة بنحو عشرين سنة. وللحديث شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعا به. أخرجه مسلم (3 / 94) والترمذي (2344) وأحمد (5 / 262) من طريق عكرمة بن عمار حدثنا شداد بن عبد الله قال: سمعت أبا أمامة به. وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح ". قلت: عكرمة بن عمار فيه كلام أيضا، فحديثه يتقوى بالطريق الأولى. والله تعالى ولي التوفيق. 2474 - " إن الرحم شجنة من الرحمن عز وجل واصلة، لها لسان ذلق تتكلم بما شاءت، فمن وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2550) حدثنا شعبة قال: حدثنا عثمان بن المغيرة قال: حدثنا أبو العنبس قال: حدثنا عبد الله بن عمرو - بالوهط - قال: عطف لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات رجال البخاري غير أبي العنبس - وهو الثقفي - فقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، فمثله يحتج به في التابعين، ولاسيما ولحديثه شواهد كثيرة تقدم بعضها برقم (1602) . وقد تابعه قتادة عن أبي ثمامة الثقفي عن عبد الله بن عمرو به مرفوعا نحوه. أخرجه أحمد (2 / 189، 209) وغيره ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي ثمامة الثقفي، وثقه ابن حبان (5 / 567) وعزاه الهيثمي (8 / 150) للطبراني أيضا. وراجع لشواهده " تخريج الحلال والحرام " (405) والحديث المتقدم برقم

2475

(1602) . (شجنة) : الشعبة من كل شيء كما في " المعجم الوسيط " وهي بالضم والكسر كما في " النهاية "، وفي الترغيب (3 / 226) : " قال أبو عبيد: يعني قرابة مشتبكة كاشتباك العروق ". 2475 - " إذا أدركت ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، [فطلعت] ، فصل إليها أخرى ". أخرجه الطحاوي (1 / 232) والبيهقي (1 / 379) والزيادة له، وأحمد (2 / 236 - 489) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأعله الكوثري تعصبا لمذهبه فقال في " النكت الطريفة " (86) : " في سنده عنعنة ابن أبي عروبة وقتادة وهما مدلسان ". قلت: تدليس قتادة قليل مغتفر، ولذلك مشاه الشيخان، واحتجا به مطلقا كما أفاده الذهبي وكأنه لذلك لم يترجمه الحافظ في " التقريب " بالتدليس بل قال فيه: " ثقة ثبت ". على أنه قد صرح بالتحديث كما يأتي. وابن أبي عروبة من أثبت الناس في قتادة، ومع ذلك فإنه لم يتفرد به، فقد تابعه همام قال: سئل قتادة عن رجل صلى ركعتين من صلاة الصبح ثم طلع قرن الشمس؟ فقال: حدثني خلاس عن أبي رافع أن أبا هريرة حدثه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يتم

صلاته. أخرجه أحمد (2 / 490) والدارقطني (147) والبيهقي أيضا. وهذا إسناد صحيح أيضا. وقد تعمد الكوثري تجاهل هذا الإسناد الصحيح وغيره مما يأتي، تضليلا للقراء، فإنه مع إعلاله للإسناد الأول بالعنعنة، أعل متنه فقال: " وأما حديث البيهقي (فليصل إليها أخرى) فقبل (الأصل: فبعد ولعله سبق قلم منه) طلوع الشمس بنصه، وكلامنا في الصلاة أثناء الطلوع "! فتأتي هذه الرواية الثانية لترد عليه إسنادا ومتنا، فالإسناد فيه التصريح بالتحديث. والمتن فيه التصريح بأن ذلك في أثناء الطلوع. بل إن الزيادة التي في الرواية الأولى عند البيهقي وأحمد ( فطلعت) مما تجاهله الكوثري أيضا، ولعله توهم أن رواية البيهقي مثل رواية الطحاوي التي لم تقع فيها هذه الزيادة، وإلا لما قال ما قال. ولقتادة فيه شيوخ آخرون، فقال همام أيضا: حدثنا قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس فليصل إليها أخرى، وفي رواية: فليتم صلاته ". أخرجه ابن حبان (1579 - الإحسان) وأحمد (2 / 306، 347، 521) والدارقطني: وهذا إسناد صحيح على شرطهما أيضا. وقال هشام الدستوائي: عن قتادة عن عزرة بن تميم عن أبي هريرة مثل الرواية الأولى.

أخرجه الدارقطني والبيهقي. وعزرة هذا مقبول عند الحافظ عند المتابعة، وقد تابعه جمع كما رأيت. وتابعه أيضا يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة: حدثني أبو هريرة مرفوعا بلفظ: " من صلى ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فلم تفته، ومن صلى ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فلم تفته ". أخرجه أحمد (2 / 254) وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري بنحوه، وقد مضى لفظه برقم (66) ، وزاد فيه بعضهم لفظ: " أول " في كل من الصلاتين، فراجعه، وصححه ابن حبان (1584) . وهذا أعله الكوثري أيضا بعنعنة يحيى بن أبي كثير، متجاهلا احتجاج الشيخين به مطلقا، واحتجاج البخاري بحديثه هذا خاصة، ولو كان ذلك علة قادحة في هذا الإسناد فلا يقدح في صحة الحديث لمجيئه من تلك الطرق الكثيرة الصحيحة كما لا يخفى على أهل العلم بهذا الفن الشريف. وله طرق أخرى، فقال الطيالسي في " مسنده " (2381) : حدثنا زهير بن محمد عن زيد بن أسلم عن الأعرج وبسر بن سعيد وأبي صالح عن أبي هريرة به مثل حديث ابن أبي كثير. وهذا إسناد جيد رجاله رجال الشيخين، وصححه ابن حبان (1581) . وبعد جمع طرق الحديث يتبين لكل ذي عينين أن الحديث صريح الدلالة في إبطال مذهب الحنفية القائلين بأن من طلعت عليه الشمس في صلاة الصبح بطلت ولو أدرك منها ركعة! وقد تفننوا في التفصي من هذه الأحاديث، تارة بإعلال ما يمكن إعلاله منها ولو بعلة غير قادحة، وتارة بتجاهل الطرق الصحيحة ، كما فعل متعصب العصر الحاضر الشيخ الكوثري، وتارة بادعاء نسخها بأحاديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وتارة بتخصيصها بالصبيان ونحوهم كما فعل الطحاوي وجرى خلفه الكوثري.

2476

قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (2 / 46) عقب الرواية الأولى: " ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر، ونحوها. وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة. وهو مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل، وهي خلافية مشهورة. قال الترمذي : وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق. وخالف أبو حنيفة فقال: من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته. واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث، وهي دعوى تحتاج إلى دليل، فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن يحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ ". 2476 - " كل أيام التشريق ذبح ". روي عن جبير بن مطعم وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي سعيد الخدري أو أبي هريرة. 1 - أما حديث جبير بن مطعم فيرويه سعيد بن عبد العزيز التنوخي وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه: الأول: رواه أبو المغيرة وأبو اليمان عنه قال: حدثني سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم مرفوعا به. أخرجه أحمد (4 / 82) والبيهقي ( 9 / 295) وقال: " هذا هو الصحيح، وهو مرسل ". قلت: يعني أنه منقطع بين سليمان بن موسى وجبير بن مطعم، وقد وصله

بعضهم، وهو الوجه التالي: الثاني: رواه أبو نصر التمار عبد الملك بن عبد العزيز القشيري: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سليمان بن موسى عن عبد الرحمن بن أبي حسين عن جبير بن مطعم به. أخرجه ابن حبان (1008) والبزار (1130 - الكشف) والبيهقي وقال: " رواه سويد بن عبد العزيز - وهو ضعيف عند بعض أهل النقل - عن سعيد ". قلت: ومما يؤيد ضعفه أنه خالف الثقات المتقدمين الذين رووه على الوجهين السابقين، ورواه هو على الوجه الثالث الآتي. وعلة هذا الوجه الثاني، أن أبا نصر هذا وإن كان ثقة من رجال مسلم، فقد خالف الثقتين المذكورين في الوجه الأول، فزاد عليهما وصله بذكر عبد الرحمن بن أبي حسين بين سليمان بن موسى وجبير بن مطعم، فوصله. فروايته شاذة، وقد أشار إلى ذلك البيهقي بتصحيحه الرواية الأولى المنقطعة كما سبق. ثم إن عبد الرحمن بن أبي حسين هذا، لم أعرفه، لكن ابن حبان ذكره على قاعدته في " الثقات "، وقال (3 / 160) : " أحسبه والد عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين المدني ". وقد توهم بعض القائمين على تحقيق المطبوعات أنه سقط من الإسناد اسم ابنه، فصحح نسخة " موارد الظمآن " المطبوعة والمحفوظة في ظاهرية دمشق بقلم الرصاص فجعلها هكذا: " عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين " ! وهذا خطأ محض، لاتفاق الروايتين، رواية الثلاثة المخرجين، ابن حبان والبزار والبيهقي على أنه عبد الرحمن بن أبي حسين، لا عبد الله بن عبد الرحمن ... ولإيراد ابن حبان إياه في " الثقات ". ثم رأيت الزيلعي ذكره (4 / 212) على الصواب من رواية ابن حبان، ثم قال:

" ورواه البزار في " مسنده "، وقال : ابن أبي حسين لم يلق جبير بن مطعم ". الوجه الثالث: يرويه سويد بن عبد العزيز عن سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن سليمان بن موسى عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 79 / 1) والدارقطني (ص 544) والبيهقي وضعفه بسويد كما تقدم قريبا، فهو علة الحديث من هذا الوجه، وقد أورده البيهقي في مكان آخر (5 / 239) من الوجه الأول، ومن هذا الوجه، ثم قال: " الأول مرسل، وهذا غير قوي لأن رواية سويد، وقد رواه أبو معبد عن سليمان عن عمرو بن دينار عن جبير ". قلت: وفي جزمه بأن أبا معبد رواه عن سليمان نظر بين لما سيأتي بيانه في الوجه الرابع. واعلم أن هذه الوجوه الثلاثة مدارها كلها على سعيد بن عبد العزيز التنوخي، وهو وإن كان ثقة إماما، سواه الإمام أحمد بالإمام الأوزاعي، فإنه كان اختلط في آخر عمره، فلعله حدث به في اختلاطه، فاضطرب فيه كما رأيت، ومن الممكن أن يكون بعضها من غيره كالوجه الثالث. وقد رواه غيره موصولا عن جبير على وجه آخر، وهو: الوجه الرابع: يرويه أحمد بن عيسى الخشاب : حدثنا عمرو بن أبي سلمة حدثنا أبو معيد عن سليمان بن موسى أن عمرو بن دينار حدثه عن جبير بن مطعم به. أخرجه الدارقطني حدثنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا أحمد بن عيسى الخشاب.. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير الخشاب هذا، وهو ضعيف، قال ابن عدي: " له مناكير ".

وقال الدارقطني: " ليس بالقوي ". وقال مسلمة: " كذاب، حدث بأحاديث موضوعة ". وقال ابن يونس: " مضطرب الحديث جدا ". وقال ابن حبان: " يروي المناكير عن المشاهير، والمقلوبات عن الثقات، لا يجوز الاحتجاج بما انفرد به ". وقال ابن طاهر: " كذاب يضع الحديث ". قلت: فإذا عرفت هذا، يتبين لك خطأ البيهقي في قوله جازما: " وقد روى أبو معيد عن سليمان بن موسى.. " كما تقدم لأن الجزم به يشعر بأن السند إلى أبي معيد صحيح، فكيف وفي الطريق إليه هذا الضعيف المتهم؟ ! فمثله لا يصلح للاستشهاد، بله الاحتجاج! ولعل الحافظ قلد البيهقي فيما سبق حين قال في " الفتح " (10 / 6) : " أخرجه أحمد لكن في سنده انقطاع، ووصله الدارقطني ورجاله ثقات "! فإن الدارقطني لم يوصله إلا من هذه الطريق وطريق سويد الضعيف !! 2 - عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البيهقي عن ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أن نافع بن جبير بن مطعم رضي الله عنه أخبره عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قد سماه نافع فنسيته - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من غفار: " قم فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، وأنها أيام أكل وشرب أيام منى - زاد

سليمان بن موسى - وذبح " يقول: " أيام ذبح "، ابن جريج يقوله. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، لكن ليس فيه قول: " وذبح " الذي هو موضع الشاهد وإنما فيه أن ابن جريج رواه عن سليمان بن موسى . يعني مرسلا لأنه لم يذكر إسناده. فهو شاهد قوي مرسل للطرق الموصولة السابقة . 3 - قال البيهقي: " ورواه معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن سعيد بن المسيب - مرة - عن أبي سعيد ومرة عن أبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم به ". ثم ساق إسناده بذلك إليه، وقال: " قال أبو أحمد بن عدي: وسواء قال عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، أو قال: عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي سعيد، جميعا غير محفوظين، لا يرويهما غير الصدفي ". قال البيهقي: " والصدفي ضعيف، لا يحتج به ". قلت: وفي " التقريب ": " ضعيف، وما حدث بالشام أحسن مما حدث بالري ". قلت: وهذا من حديثه بالشام، فقد رواه عنه محمد بن شعيب، وهو ابن شابور الدمشقي، ولذلك فقد غلا أبو حاتم حين قال كما رواه ابنه في " العلل " (2 / 38) : " هذا حديث موضوع عندي "! والصواب عندي أنه لا ينزل عن درجة الحسن بالشواهد التي قبله، ولاسيما وقد قال به جمع من الصحابة كما في " شرح مسلم " للنووي، " والمجموع " له (8 / 390)

2477

ولذلك ذهب إلى تقويته بطرقه ابن القيم في " الهدي النبوي "، وتبعه الشوكاني في " نيل الأوطار " (5 / 106 - 107 - طبع الحلبي) . وأما حديث: " الضحايا إلى هلال المحرم لمن أراد أن يستأني ذلك "، فهو مرسل لا يصح، وقد تكلمت عليه في " الضعيفة " (4106) . 2477 - " الراعي يرمي بالليل، ويرعى بالنهار ". أخرجه البيهقي (5 / 151) عن ابن وهب: أخبرني عمر بن قيس عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، عمر بن قيس وهو المكي المعروف بـ (سندل) متروك كما في " التقريب ". لكن لابن وهب إسناد آخر فيه خير من هذا وأقوى، فقد قال : أخبرني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. أخرجه البيهقي. قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. ويشهد له ما رواه مسلم بن خالد عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا بالليل. أخرجه البزار (1139) والبيهقي أيضا. قلت: وإسناده كلهم ثقات رجال مسلم غير مسلم بن خالد - وهو المكي المعروف بـ (الزنجي) - وهو صدوق كثير الأوهام، كما قال الحافظ، وهو فقيه معروف

من شيوخ الإمام الشافعي، فالحديث بمجموع هذه الطريق والتي قبلها حسن عندي، ولاسيما وقد قال الحافظ في " التلخيص " (2 / 263) في حديث ابن عمر: " رواه البزار بإسناد حسن، والحاكم والبيهقي ". قلت: ولم أره في " المستدرك " للحاكم، وقد رواه البيهقي من طريقه. وله شاهد آخر، يرويه بكر بن بكار: أخبرنا إبراهيم بن يزيد أخبرنا سليمان الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا بالليل وأي ساعة من النهار شاؤوا ". أخرجه الدارقطني (ص 279) وقال المعلق عليه: " قال ابن القطان: وإبراهيم بن يزيد هذا إن كان هو الخوزي فهو ضعيف، وإن كان غيره فلا يدرى من هو؟ وبكر بن بكار قال فيه ابن معين: ليس بالقوي ". وقال الحافظ: " وإسناده ضعيف ". قلت: وقد بدت لي ملاحظات على كلام الحافظ وغيره، ومن المفيد بيانها: أولا: قوله: " رواه البزار بإسناد حسن و ... " يوهم أنه عند البزار من غير طريق مسلم بن خالد الذي في طريق البيهقي عن الحاكم، وليس كذلك، فإن الزيلعي في " نصب الراية " (3 / 86) عزاه للبزار وحده في " مسنده " من الطريق نفسها، وبه أعله الهيثمي في " المجمع " (3 / 260) ، فقال: " وفيه مسلم بن خالد الزنجي وهو ضعيف وقد وثق ". ثانيا: تردد ابن القطان في إبراهيم بن يزيد هل هو الخوزي أو غيره؟ أجاب عنه الحافظ في " اللسان " بقوله: " قلت: هو الخوزي لا ريب فيه مما يظهر لي. والله أعلم ".

2478

قلت: ويؤيده أنه ذكر في ترجمته أن ابن عدي قال - وقد روى له حديثا آخر عن سليمان -: " والظاهر أنه إبراهيم بن يزيد الخوزي، فإنه يروي عن سليمان، وهو الأحول ... ". ثالثا: قوله: " قال فيه ابن معين: ليس بالقوي ". لم أره في ترجمته من " الميزان " و " اللسان ". وإنما فيهما عن ابن معين أنه قال فيه: " ليس بشيء " . وكذلك رواه عنه ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 383) . نعم ، لقد روى قبله عن أبيه أنه قال فيه: " ليس بالقوي ". فالظاهر أن بصر بن القطان انتقل إليه حين نقل عنه! والله أعلم. 2478 - " من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى ". أخرجه الحاكم (1 / 218) وعنه البيهقي (2 / 442) عن شداد أبي طلحة قال: سمعت معاوية بن قرة يحدث عن أنس بن مالك أنه كان يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بشداد بن سعيد أبي طلحة الراسبي ". ووافقه الذهبي! وقال البيهقي: " تفرد به شداد بن سعيد، أبو طلحة الراسبي، وليس بالقوي ". قلت: وهذا أقرب إلى الصواب، فإن شداد هذا لم يخرج له مسلم إلا حديثا

واحدا في الشواهد كما قال الحافظ في " التهذيب "، وهو مختلف فيه، فقد وثقه أحمد وابن معين وأبو خيثمة والنسائي وابن حبان والبزار، وضعفه عبد الصمد بن عبد الوارث. وقال العقيلي: " له غير حديث لا يتابع عليه ". وقال الدارقطني: " يعتبر به ". وقال الحاكم أبو أحمد: " ليس بالقوي عندهم ". وقال ابن عدي: " لم أر له حديثا منكرا، وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: ومن الملاحظ أن الأئمة المتقدمين والمشهورين قد اتفقوا على توثيقه، ولم يضعفه منهم غير عبد الصمد بن عبد الوارث، وهو مع ثقته ليس مشهورا بالجرح والتعديل - فيما علمت - والآخرون الذين ضعفوه، لم يأتوا بسبب الجرح، اللهم إلا قول العقيلي: " له غير حديث لا يتابع عليه ". وهذا ليس بجرح قادح لأن كثيرا من الثقات يصدق فيهم مثل هذا القول لأن لهم ما تفردوا به ولم يتابعوا عليه. نعم، لعل في الرجل نوع ضعف وسوء حفظ، ينزل به حديثه عن مرتبة الصحة من أجل ذلك استشهد به مسلم، ولعل ابن عدي يشير إلى ذلك بقوله: " لا بأس به ". وكذلك قول الذهبي فيه في " الميزان ". " صالح الحديث ".

2479

فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وأما قول الحافظ فيه: " صدوق يخطىء ". فهو مما يحتمل ذلك. والله أعلم. 2479 - " أيها الناس! لا تشكوا عليا، فوالله إنه لأحسن في ذات الله - أو في سبيل الله - من أن يشكى ". أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " (4 / 250 - ابن هشام) ومن طريقه أحمد (3 / 86) : حدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد الخدري قال: اشتكى الناس عليا رضوان الله عليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا، فسمعته يقول: فذكره، وليس في " المسند " قوله: " من أن يشكى ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون، غير زينب بنت كعب، فقال في " التجريد ": " صحابية، تزوجها أبو سعيد الخدري ". قال الحافظ في " الإصابة " بعد أن عزاه للتجريد: " وكأن سلفه فيه أبو إسحاق بن الأمين، فإنه ذكرها في ذيله على " الاستيعاب "، وكذا ذكرها ابن فتحون. وذكرها غيرهما في التابعين، وروايتها عن زوجها أبي سعيد، وأخته الفريعة في " السنن الأربعة " و" مسند أحمد ". روى عنها ابنا أخويها سعد بن إسحاق، وسليمان بن محمد ابني كعب بن عجرة. وذكرها ابن حبان في (الثقات) ".

2480

قلت: وذكرها الذهبي في " فصل النسوة المجهولات " في آخر " الميزان ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبولة، من الثانية، ويقال: لها صحبة ". قلت: وابنا أخويها سعد وسليمان ثقتان، وقد رويا عنها فهي على ما تقتضيه القواعد الحديثية مجهولة الحال، إن لم تثبت صحبتها، فمثلها مما يطمئن القلب لحديثها. والله أعلم. 2480 - " إن بين أيديكم عقبة كؤودا، لا ينجو منها إلا كل مخف ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 325 - زوائده) ، وابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 407 / 935) من طريق أسد بن موسى: حدثنا أبو معاوية عن موسى الصغير عن هلال بن يساف عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره، وقال البزار: " هذا إسناد صحيح، لا نعلمه إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو كما قال، فإن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، غير أسد بن موسى، وموسى الصغير، هما ثقتان، كما قال الهيثمي (10 / 263) على خلاف في أسد بن موسى لا يضر إن شاء الله تعالى، ولاسيما وقد تابعه عبد الحميد بن صالح في " الحلية " (1 / 226) . وقال المنذري (4 / 84) : " رواه البزار بإسناد حسن ". ثم ساقه من رواية الطبراني عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ، قالت: " قلت له:

2481

مالك لا تطلب ما يطلب فلان وفلان؟ قال: " إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن ورائكم عقبة كؤودا، لا يجوزها المثقلون " . فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة ". وقال: " رواه الطبراني بإسناد صحيح ". قلت: ثم ساق له شاهدا من حديث أنس بنحوه، في إسناده ضعف. ووقفت له على شاهد آخر بلفظ: " لا يجوزها إلا كل ضامر مهزول ". لكن إسناده ضعيف، ولفظه منكر، ولذلك أوردته في " الضعيفة " برقم (3176) . (مخف) : أي من الذنوب، وما يؤدي إليها، في " النهاية ": " يقال: أخف الرجل فهو مخف، وخف وخفيف، إذا خفت حاله ودابته، وإذا كان قليل الثقل، يريد به المخف من الذنوب، وأسباب الدنيا، وعلقها ". 2481 - " مثل المؤمن ومثل الموت، كمثل رجل له ثلاثة أخلاء، أحدهم ماله، قال: خذ ما شئت، وقال الآخر: أنا معك فإذا مت أنزلتك. وقال الآخر: أن معك وأخرج معك، فأحدهم ماله والآخر أهله وولده والآخر عمله ". أخرجه البزار (313) : حدثنا محمد بن أبي مرحوم وأحمد بن جميل قالا: حدثنا النضر بن شميل حدثنا حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في بعضهم،

غير شيخي البزار، وابن جميل، فهما ثقتان مترجم لهما في " تاريخ بغداد " (4 / 76 - 77) . والحديث أورده المنذري (4 / 100) بنحوه، وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " بأسانيد أحدها صحيح، وفي " الأوسط " نحوه ". وزاد الهيثمي في العزو (10 / 252) : البزار، وقال : " وأحد أسانيده في " الكبير " رجاله رجال الصحيح ". ثم ذكراه من حديث أبي هريرة نحوه وقالا: " رواه البزار، ورواته رواة الصحيح ". ثم ذكره الهيثمي من حديث أنس، وزاد في آخره: " فيقول: إن كنت لأهون الثلاثة علي ". وقال: " رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، ورجالهما رجال الصحيح، غير عمران القطان وقد وثق وفيه خلاف ". قلت: قد تابعه الحجاج عن قتادة عن أنس به. أخرجه الحاكم (1 / 74) ، وقال: " صحيح على شرطهما "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. والحجاج هذا هو ابن الحجاج الباهلي البصري الأحول. وله شاهد مفصل من حديث عائشة مرفوعا. رواه ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 118) من طريق عبد الله بن عبد العزيز عن الزهري عن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير عنها وقال: " هذا حديث منكر من حديث الزهري، لا يشبه أن يكون حقا وعبد الله بن عبد العزيز ضعيف الحديث، عامة حديثه خطأ، لا أعلم له حديثا مستقيما ".

2482

2482 - " والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذه على أهلها. يعني شاة ميتة ". أخرجه أحمد (1 / 329) : حدثنا محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة ميتة قد ألقاها أهلها، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد في الشواهد، رجاله ثقات ، رجال الشيخين، غير محمد بن مصعب - وهو القرقساني - قال الحافظ: " صدوق كثير الغلط ". قلت: ولحديثه هذا شواهد كثيرة تدل على أنه قد حفظه، وسأذكر بعضها إن شاء الله تعالى، ولعله لذلك قال المنذري في " الترغيب " (4 / 101) : " رواه أحمد بإسناد لا بأس به ". وقال الهيثمي (10 / 287) : " رواه أحمد ، وأبو يعلى والبزار وفيه محمد بن مصعب وقد وثق على ضعفه وبقية رجالهم رجال الصحيح ". وقد جاء الحديث من رواية جابر بن عبد الله والمستورد بن شداد وعبد الله بن ربيعة السلمي وأبي هريرة وسهل بن سعد. 1 - أما حديث جابر، فيرويه جعفر بن محمد عن أبيه عنه: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالسوق داخلا من بعض العالية والناس كنفيه، فمر بجدي أسك ميت، فتناوله فأخذ بأذنه ثم قال: أيكم يحب هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء، وما نصنع به؟ قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال:

فذكره ". أخرجه مسلم (8 / 210 - 211) وأحمد ( 3 / 365) . 2 - وأما حديث المستورد، فيرويه مجالد بن سعيد عن قيس بن أبي حازم عنه قال: كنت مع الركب الذين وقفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السخلة الميتة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها؟ قالوا: من هوانها ألقوها يا رسول الله! قال: فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 52 ) وابن ماجة (4111) وأحمد (4 / 229 و 230) وقال الترمذي: " حديث حسن " . 3 - وأما حديث السلمي، فيرويه عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه نحو حديث ابن عباس. أخرجه أحمد (4 / 336) بإسناد صحيح، قال الهيثمي: " ورجاله رجال الصحيح ". 4 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه أبو المهزم عنه به مثله. أخرجه الدارمي (2 / 306 - 307) وأحمد (2 / 338) . وأبو المهزم قال الهيثمي: " ضعفه الجمهور ". 5 - وأما حديث سهل، فيرويه زكريا بن منظور: حدثنا أبو حازم عنه به نحوه. أخرجه ابن ماجة (4110) والحاكم (4 / 306) وقال: " صحيح الإسناد ".

2483

ورده الذهبي بقوله: " قلت: زكريا ضعفوه "، وبه أعله في " العلل " (2 / 109) . وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب، فراجعها إن شئت في " الترغيب " و " المجمع ". 2483 - " رديه فيه، ثم اعجنيه ". أخرجه ابن ماجة (3336) : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أخبرني بكر بن سوادة أن حنش بن عبد الله حدثه عن أم أيمن أنها غربلت دقيقا فصنعته للنبي صلى الله عليه وسلم رغيفا، فقال: ما هذا؟ قالت: طعام نصنعه بأرضنا، فأحببت أن أصنع منه لك رغيفا، فقال: فذكره. وأخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب " الجوع " (ق 9 / 1) : حدثنا خالد بن خداش قال: حدثنا عبد الله بن وهب به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، رجال مسلم، غير ابن كاسب، قال الحافظ: " صدوق ربما وهم ". وقد تابعه ابن خداش كما رأيت، قال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وهو من شيوخ مسلم. قلت: فالحديث بمجموع روايتهما عن ابن وهب صحيح، وهو بإسناد ابن أبي الدنيا على شرط مسلم، فلا تغتر بعد هذا البيان بتصدير المنذري الحديث بقوله

(4 / 111) : " وروي عن أم أيمن ... رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا في " كتاب الجوع " وغيرهما ". فإنه من أوهامه. وقال البوصيري في " الزوائد " (225 / 1) : " قلت: ليس لأم أيمن عند ابن ماجة سوى هذا الحديث، وآخر في " الجنائز "، وليس لها رواية في شيء من الخمسة الأصول. ورجال إسنادها حسن، يعقوب مختلف فيه وكذلك ابن عبد الله ". كذا قال وحنش بن عبد الله ثقة بلا خلاف علمته ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه ثقة. والمختلف فيه إنما هو حنش بن المعتمر، فلعله اختلط عليه بهذا. وتعقبه الأستاذ محمد فؤاد عبد الباقي في قوله: " وليس لها رواية في شيء من الخمسة الأصول ". بقوله: " بل أخرج لها مسلم في 44 - كتاب فضائل الصحابة 18 - باب من فضائل أم أيمن رضي الله عنها، حديث رقم 103 وهو الحديث الذي رواه ابن ماجة في كتاب الجنائز برقم 1635 ". قلت: وهذا تعقب لا وجه له، لأن قول البوصيري: " ليس لها رواية ... " إنما يعني رواية مرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر، والحديث المشار إليه عند مسلم وابن ماجة، إنما هو من قولها غير مرفوع. فتنبه. (فائدة) : والمراد من قوله صلى الله عليه وسلم: " رديه.. "، أي: ردي ما غربلتيه من النخالة إلى الدقيق ، ثم اعجنيه من جديد. وهذا من زهده صلى الله عليه وسلم في طعامه. انظر بعض الأحاديث في ذلك في " مختصر الشمائل " (باب - 5) .

2484

2484 - " والله يا عائشة! لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة ". أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 465) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 166 - 167) من طريق عباد بن عباد المهلبي عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت امرأة من الأنصار علي ، فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثنية، فانطلقت، فبعثت إليه بفراش حشوه صوف، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قلت : يا رسول الله! فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك، فذهبت، فبعثت بهذا. فقال رديه، فلم أرده، وأعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فقال: ... فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي كما في " الترغيب " (4 / 115 ) وأشار إلى تقويته. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال الشيخين غير مجالد - وهو ابن سعيد - وفيه ضعف، قال الحافظ: " ليس بالقوي ". قلت: لكن وجدت له شاهدا لا بأس به، يرويه أبو معشر عن سعيد عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة! لو شئت لسارت معي جبال الذهب، جاءني ملك، إن حجزته لتساوي الكعبة، فقال: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك: إن شئت نبيا عبدا وإن شئت نبيا ملكا. قال: فنظرت إلى جبريل، قال: فأشار إلي: أن ضع نفسك. قال: فقلت: نبيا عبدا. قال: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا، يقول: آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد ".

2485

أخرجه أبو يعلى (3 / 1203) وعنه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 213) وعن هذا أبو نعيم في " الدلائل " (216) ، وحسن إسناده الهيثمي كما تقدم تحت الحديث (544) ، وفيه نظر عندي لأن أبا معشر - واسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي - قال الحافظ: " ضعيف، أسن واختلط ". وللجملة الأخيرة من حديثها طريق أخرى عنها، وشواهد سبق ذكرها وتخريجها تحت الحديث ( 544) . وأما وصف الملك وحجزته فلم أجد له شاهدا نقويه به، فهذا منكر ولذلك خرجته في " الضعيفة " (2045) . 2485 - " كان إذا صافح رجلا لم يترك يده حتى يكون هو التارك ليد رسول الله صلى الله عليه وسلم ". روي من طرق عن أنس بن مالك رضي الله عنه: الأولى: عن هلال بن أبي هلال القسملي عنه. أخرجه الخطيب في " الموضح " (2 / 225 - مصورة حلب) عن أبي بكر محمد بن جعفر البخاري حدثنا هلال بن أبي هلال القسملي ... واللفظ له. قلت: والقسملي ضعيف، والراوي عنه لم أعرفه. الثانية: عن زيد العمي عنه. أخرجه الترمذي (2 / 80) واستغربه وابن ماجة (3716) وابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 378) والبغوي في " شرح السنة " (13 / 245 / 3680 - المكتب

الإسلامي) . وزيد العمي ضعيف أيضا. الثالثة: عن أبي جعفر الرازي عن أبي درهم عن يونس بن عبيد عن مولى لآل أنس - قد سماه ونسيته - عنه. أخرجه أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 25) وابن سعد أيضا. وهذا ضعيف لجهالة المولى، ولسوء حفظ أبي جعفر الرازي. الرابعة: عن مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس. أخرجه ابن حبان (2132) . قلت: ورجاله ثقات لولا أن مبارك بن فضالة مدلس، وقد عنعنه. وبالجملة، فالحديث صحيح بهذه الطرق، ولاسيما وله شواهد: الأول: عن ابن عمر، رواه إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية عن نافع عنه. أخرجه الترمذي واستغربه وقد مضى الكلام عليه تحت الحديث (14) . لكن أورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 16) وقال: " رواه البزار، وفيه يزيد بن عبد الرحمن بن أمية ولم أعرفه ". وأقول: الظاهر أنه إبراهيم بن عبد الرحمن بن يزيد بن أمية كما وقع عند الترمذي، سقط اسم إبراهيم من نسخة " البزار "، كما انقلب فيه اسم أبيه عبد الرحمن بن يزيد إلى يزيد بن عبد الرحمن ، ولم أره في " زوائد البزار " للحافظ لنستعين به على التحقيق. ثم قال الهيثمي: " ورواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله وثقوا ".

2486

ثم طبع كتابه " كشف الأستار "، فإذا الحديث فيه (2472 ) من طريق إبراهيم بن عبد الرحمن عن يزيد بن أمية عن نافع.. فهذا تحريف آخر: " عن يزيد "، والصواب: " ابن يزيد ". والثاني: عن أبي هريرة. قال الهيثمي (9 / 15) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، وإسناد الطبراني حسن ". 2486 - " إنها ستفتح عليكم الدنيا حتى تنجدوا بيوتكم كما تنجد الكعبة، قلنا: ونحن على ديننا اليوم؟ قال: وأنتم على دينكم اليوم. قنا: فنحن يومئذ خير، أم ذلك اليوم؟ قال: بل أنتم اليوم خير ". أخرجه البزار في " مسنده " (3671) : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا أبو أحمد عن عبد الجبار بن العباس عن عون بن أبي جحيفة - قال: ولا أعلمه إلا - عن أبيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحافظ في " زوائده " (ص 330) : " خبر غريب صحيح ". قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الجبار بن العباس، وهو ثقة. وقال الهيثمي (10 / 323) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الجبار بن العباس الشبامي وهو ثقة ". ثم روى له البزار شاهدا من حديث طلحة بن عمرو نحوه.

وأخرجه ابن حبان أيضا (2539) وأحمد (3 / 487) من طرق عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عنه قال: " أتيت المدينة وليس لي بها معرفة، فنزلت الصفة مع رجل، فكان بيني وبينه كل يوم مد من تمر، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلما انصرف، قال رجل من أصحاب الصفة: يا رسول الله! أحرق بطوننا التمر، وتخرقت عنا الخنف! فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطب، ثم قال: " والله لو وجدت خبزا أو لحما لأطعمتكموه، أما إنكم توشكون أن تدركوا، ومن أدرك ذلك منكم أن يراح عليكم بالجفان وتلبسون مثل أستار الكعبة ". قال: فمكثت أنا وصاحبي ثمانية عشر يوما وليلة ما لنا طعام إلا البرير، حتى جئنا إلى إخواننا الأنصار فواسونا، وكان خير ما أصابنا هذا التمر ". والسياق لأحمد - وهو أتم -، وإسناده صحيح رجاله رجال مسلم، وقال الهيثمي (10 / 322 - 323) : " رواه الطبراني والبزار بنحوه ... ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن عثمان العقيلي، وهو ثقة ". قلت: وهذا تقصير، وقد رواه أحمد، فكان من الواجب عزوه إليه، ولاسيما وأن رجاله كلهم رجال الصحيح . وللحديث شاهد آخر من حديث عبد الله بن يزيد الخطمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أنتم اليوم خير أم إذا غدت على أحدكم صحيفة وراحت أخرى وغدا في حلة وراح في أخرى وتكسون بيوتكم كما تكسى الكعبة؟ فقال رجل: نحن يومئذ خير؟ قال: بل أنتم اليوم خير ". قال الهيثمي:

2487

" رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير أبي جعفر الخطمي، وهو ثقة ". قلت: وله شاهد ثالث من حديث علي رضي الله عنه مرفوعا نحوه. أخرجه الترمذي وحسنه، وفيه أن تابعيه لم يسم، فلعله حسنه لشواهده بل هو بها صحيح، وانظر " الترغيب " (3 / 109 و123 و 4 / 118) و " المشكاة " (5366) . وله شاهد رابع من حديث ابن مسعود جود إسناده المنذري ثم الهيثمي، وفيه نظر بينته في " التعليق الرغيب " (3 / 123) لكنه يصلح للشواهد. وله شاهد خامس عن الحسن البصري مرسلا. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (1 / 340) من طريقين عنه. (تنبيه) : تقدم الحديث برقم (1884) برواية البزار عن أبي جحيفة فقط، ووقع فيه هناك سقط، لعله من المخطوطة، فيصحح من هنا. 2487 - " إن منكم من يقاتل على تأويل هذا القرآن، كما قاتلت على تنزيله، فاستشرفنا وفينا أبو بكر وعمر، فقال: لا، ولكنه خاصف النعل. يعني عليا رضي الله عنه ". أخرجه النسائي في " خصائص علي " (ص 29) وابن حبان (2207) والحاكم (3 / 122 - 123) وأحمد (3 / 33 و 82) وأبو يعلى (1 / 303 - 304) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 67) وابن عساكر (12 / 179 / 2 - 180 / 2) من طرق عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي عن أبيه قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: كنا جلوسا ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه، قال: فقمنا معه، فانقطعت نعله، فتخلف عليها علي يخصفها، فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومضينا معه ثم قام ينتظره، وقمنا معه، فقال: (فذكره) ، قال: فجئنا نبشره، قال: وكأنه قد سمعه.

ولفظ الحاكم وغيره: " فلم يرفع رأسه، كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم "، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: وهذا من أوهامهما، فإن إسماعيل بن رجاء وأباه لم يخرج لهما البخاري، فهو على شرط مسلم وحده. ويقابل هذا الوهم قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 133 - 134) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير فطر بن خليفة، وهو ثقة ". قلت: فمن عادة الهيثمي في مثل هذا الإسناد أن يطلق قوله: " ورجاله رجال الصحيح "، ولا يستثني، لأن فطرا هذا من رجال البخاري، إلا أن الدارقطني قد قال فيه: " لم يحتج به البخاري ". وصرح الخزرجي وغيره أن البخاري يروي له مقرونا بآخر، لكنه قد توبع كما أشرت إلى ذلك في أول التخريج بقولي: " ... من طرق "، فالحديث صحيح لا ريب فيه. (تنبيه) : قد خبط عبد الحسين الشيعي في " مراجعاته " (ص 180) في تخريج هذا الحديث خبطا عجيبا، فقال بعدما عزاه للحاكم وأحمد: " وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان "، وسعيد بن منصور في " سننه "، وأبو نعيم في " حليته "، وأبو يعلى في " السنن "، 2585 في ص 155 من الجزء 6 من (الكنز) ". قلت: وهذا مما يدل على جهله البالغ بكتب الحديث، وقلة تحقيقه، فإن الحديث في " الكنز " الذي أشار إليه مرموز له فيه بـ (حم ع هب، ك حل ص) . وقد وقع في رمز (هب ص) تصحيف، والصواب (حب، ض) كما في " الجامع الكبير " للسيوطي ( 1 / 223 / 2) ، وبناء على ذلك التصحيف الذي لم يتنبه له الشيعي جاء منه ذلك العزو الذي لا أصل له: " البيهقي في شعب الإيمان وسعيد بن منصور في سننه "!

فإن قيل: لا لوم على الشيعي في ذلك، لأنه فسر الرمز الذي رآه في الكتاب، وليس كل من ينقل من كتاب ما يكلف أن يحقق في نصوصه ورموزه. فأقول: هذا حق، ولكن في ترتيب الرموز الواقعة في " الكنز " ما يشعر العالم بأن فيها تحريفا دون أن يكلفه ذلك مراجعة ما، فرمز (هب، ك، حل، ص) غير معقول ولا مهضوم عند أهل العلم، لأن (هب) المرموز به للبيهقي هو تلميذ (ك) المرموز به للحاكم فكيف يقدم التلميذ على شيخه في الذكر؟ ولاسيما وكتاب شيخه معدود في " الصحاح "، بخلاف " شعب البيهقي ". ولأن (ص) المرموز به لسعيد بن منصور، هو أعلى جميع المرموز لهم، فكيف يؤخر عنهم وهو مقدم عليهم؟ ! ولكن الصواب كما ذكرنا (ض) ، وهو رمز للضياء المقدسي في " المختارة ". فلو كان عند الشيعي معرفة بتراجم أئمة الحديث لكان ذلك كافيا في صيانته من هذا الخبط العجيب. زد على ذلك أنه فسر (ع) بـ " أبو يعلى في السنن "! وإنما هو أبو يعلى في " المسند "، وطلبة العلم المبتدئون يعلمون أن أبا يعلى ليس له " كتاب السنن ". وله من مثل هذا غرائب وعجائب كقوله في حديث: " من أراد أن ينظر إلى نوح في عزمه ... ": " أخرجه البيهقي في " صحيحه "، والإمام أحمد في " مسنده "! وليس للبيهقي أيضا كتاب الصحيح، ولا أخرج الحديث الإمام أحمد في " مسنده "، بل هو حديث موضوع كما حققته في الكتاب الآخر برقم (4903) ، وقد خرجت فيه جملة كثيرة من الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي احتج بها الشيعي المذكور على أهل السنة في ولاية علي رضي الله عنه وعصمته، فراجع الأرقام (4882 - 4907) فما بعدها تر العجب العجاب، ويتبين لك أن الرجل لا علم عنده مطلقا بعلم الحديث ورواته وصحيحه وسقيمه، وإنما هو قماش جماع حطاب! (تنبيه آخر) : لقد ساق الحديث الشيعي المذكور في حاشية الكتاب (ص 166) بلفظ : " كما قوتلتم على تنزيله "، فحرف قوله صلى الله عليه وسلم: " قاتلت "، إلى قوله " قوتلتم "، غمزا

في الصحابة وطعنا فيهم، عامله الله بما يستحق. وقد روي الحديث بلفظ آخر من طريق محمد بن جعفر الفيدي قال: نبأنا محمد ابن فضيل عن الأجلح قال: نبأنا قيس بن مسلم وأبو كلثوم عن ربعي بن خراش قال: سمعت عليا يقول وهو بالمدائن: جاء سهيل بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنه قد خرج إليك ناس من أرقائنا ليس بهم الدين تعبدا، فارددهم علينا. فقال له أبو بكر وعمر: صدق يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لن تنتهوا يا معشر قريش! حتى يبعث الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب أعناقكم، وأنتم مجفلون عنه إجفال النعم. فقال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا. قال له عمر: أنا هو يا رسول الله؟ قال: لا، ولكنه خاصف النعل . قال: وفي كف علي نعل يخصفها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (1 / 133 - 134 و 8 / 433) ، وابن عساكر (12 / 149 / 2) . قلت: وإسناده حسن إن كان الفيدي قد حفظه، فإن له أحاديث خولف فيها كما قال الحافظ في " التهذيب "، ومال إلى أنه ليس هو الذي حدث عنه البخاري في " صحيحه "، وإنما هو القوسي، ولذلك لم يوثقه في " التقريب "، بل قال فيه: " مقبول "، يعني عند المتابعة. وفيه إشارة إلى أنه لم يعتد بإيراد ابن حبان إياه في " الثقات "، ولم يتابع عليه فيما علمت. والله سبحانه وتعالى أعلم . ثم وجدت له طريقا أخرى عن ربعي، يتقوى بها، يرويه شريك عن منصور عنه عن علي قال: " جاء النبي صلى الله عليه وسلم أناس من قريش فقالوا: يا محمد! إنا جيرانك وحلفاؤك، وإن من

2488

عبيدنا قد أتوك ليس بهم رغبة في الدين ولا رغبة في الفقه، إنما فروا من ضياعنا وأموالنا، فارددهم إلينا. فقال لأبي بكر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وحلفاؤك. فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال لعمر: ما تقول؟ قال: صدقوا، إنهم لجيرانك وحلفاؤك. فتغير وجه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " يا معشر قريش! والله ليبعثن عليكم رجلا منكم، امتحن الله قلبه بالإيمان فيضربكم على الدين، أو يضرب بعضكم ". قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله! قال: لا قال عمر: أنا هو يا رسول الله! قال: لا، ولكن ذلك الذي يخصف النعل. وقد كان أعطى عليا نعلا يخصفها ". أخرجه الترمذي (2: 298) ، والنسائي في " الخصائص " (ص 8) والضياء في " المختارة " (1 / 161) ، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ربعي عن علي ". قلت: شريك سيء الحفظ ولكنه يصلح للاستشهاد به والتقوية وقد تابعه أبان بن صالح، عن منصور بن المعتمر به. أخرجه أبو داود ( 2700) وعنه الضياء (1 / 161 - 162) . 2488 - " والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النار ". أخرجه الحاكم (3 / 150) من طريق محمد بن فضيل: حدثنا أبان بن تغلب عن جعفر بن إياس عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال:

2489

" صحيح على شرط مسلم ". قلت: وهو كما قال، وبيض له الذهبي. وتابعه هشام بن عمار: حدثنا أسد بن موسى حدثنا سليم بن حيان عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري نحوه. أخرجه ابن حبان ( 2246) . قلت: ورجاله ثقات على ضعف في هشام بن عمار لتلقنه. 2489 - " كان يحرس حتى نزلت هذه الآية: * (والله يعصمك من الناس) * (¬1) ، فأخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة، فقال لهم: يا أيها الناس! انصرفوا فقد عصمني الله ". أخرجه الترمذي (2 / 175) وابن جرير (6 / 199) والحاكم (2 / 313) من طريق الحارث بن عبيد عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة قالت: فذكره. وقال الترمذي: " حديث غريب " وروى بعضهم هذا الحديث عن الجريري عن عبد الله بن شقيق، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس ... ولم يذكروا فيه: عن عائشة ". قلت: وهذا أصح، لأن الحارث بن عبيد - وهو أبو قدامة الإيادي - فيه ضعف من قبل حفظه، أشار إليه الحافظ بقوله: " صدوق يخطىء ". ¬

(¬1) المائدة: الآية: 67. اهـ.

وقد خالفه بعض الذين أشار إليهم الترمذي، ومنهم إسماعيل بن علية الثقة الحافظ ، رواه ابن جرير بإسنادين عنه عن الجريري به مرسلا. قلت: فهو صحيح مرسلا، وأما قول الحاكم عقب المسند عن عائشة: " صحيح الإسناد "، فمردود لما ذكرنا، وإن تابعه الذهبي. نعم الحديث صحيح، فإن له شاهدا من حديث أبي هريرة قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا نظروا أعظم شجرة يرونها ، فجعلوها للنبي صلى الله عليه وسلم، فينزل تحتها، وينزل أصحابه بعد ذلك في ظل الشجر، فبينما هو نازل تحت شجرة - وقد علق السيف عليها - إذ جاء أعرابي فأخذ السيف من الشجرة، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فأيقظه ، فقال: يا محمد! من يمنعك مني الليلة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله. فأنزل الله: * (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) * (¬1) ! الآية ". أخرجه ابن حبان في ( صحيحه - 1739 موارد) ، وابن مردويه كما في ابن كثير (6 / 198) من طريقين عن حماد بن سلمة حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. قلت: وهذا إسناد حسن. وذكر له ابن كثير شاهدا ثانيا من حديث جابر. رواه ابن أبي حاتم. وله شاهدان آخران عن سعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي مرسلا. واعلم أن الشيعة يزعمون - خلافا للأحاديث المتقدمة - أن الآية المذكورة نزلت يوم غدير (خم) في علي رضي الله عنه، ويذكرون في ذلك روايات عديدة مراسيل ومعاضيل أكثرها، ومنها عن أبي سعيد الخدري، ولا يصح عنه كما حققته في " الضعيفة " ¬

(¬1) المائدة: الآية: 67. اهـ.

(4922) ، والروايات الأخرى أشار إليها عبد الحسين الشيعي في " مراجعاته " (ص 38) دون أي تحقيق في أسانيدها كما هي عادته في كل أحاديث كتابه، لأن غايته حشد كل ما يشهد لمذهبه، سواء صح أو لم يصح على قاعدتهم: " الغاية تبرر الوسيلة "! فكن منه ومن رواياته على حذر، وليس هذا فقط، بل هو يدلس على القراء - إن لم أقل يكذب عليهم - فإنه قال في المكان المشار إليه في تخريج أبي سعيد هذا المنكر، بل الباطل: " أخرجه غير واحد من أصحاب السنن، كالإمام الواحدي ... "! ووجه كذبه أن المبتدئين في هذا العلم يعلمون أن الواحدي ليس من أصحاب السنن الأربعة ، وإنما هو مفسر، يروي بأسانيده ما صح وما لم يصح، وحديث أبي سعيد هذا مما لا يصح، فقد أخرجه من طريق فيه متروك شديد الضعف، كما هو مبين في المكان المشار إليه من " الضعيفة ". وهذه من عادة الشيعة قديما وحديثا: أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة، عملا في كتبهم وخطبهم، بعد أن صرحوا باستحلالهم للتقية، كما صرح بذلك الخميني في كتابه " كشف الأسرار " (ص 147 - 148) ، وليس يخفى على أحد أن التقية أخت الكذب، ولذلك قال أعرف الناس بهم، شيخ الإسلام ابن تيمية: " الشيعة أكذب الطوائف ". وأنا شخصيا قد لمست كذبهم لمس اليد في بعض مؤلفيهم وبخاصة عبد الحسين هذا والشاهد بين يديك، فإنه فوق كذبته المذكورة، أوهم القراء أن الحديث عند أهل السنة من المسلمات بسكوته عن علته وادعائه كثرة طرقه، فقد كان أصرح منه في الكذب الخميني، فإنه صرح في الكتاب المذكور (ص 149) أن آية العصمة نزلت يوم غدير خم بشأن إمامة علي بن أبي طالب باعتراف أهل السنة واتفاق الشيعة، كذا قال عامله الله بما يستحق، وسأزيد هذا الأمر بيانا في " الضعيفة " إن شاء الله تعالى.

2490

2490 - " إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه، ثم قرأ: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * (¬1) الآية، ثم قال: وما نقصنا الآباء بما أعطينا البنين ". أخرجه البزار (ص 221) وابن عدي (ق 270 / 1) والبغوي في " التفسير " (8 / 82 - منار) عن قيس بن الربيع عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال البزار: " رواه الثوري عن عمرو بن مرة موقوفا ". وقال الحافظ عقبه: " وهو أحفظ من قيس وأوثق ". قلت: ولا شك في ذلك، ولكن من الممكن أن يقال: إن الموقوف في حكم المرفوع، لأنه لا يقال بمجرد الرأي، بل هو ظاهر الآية المذكورة وهو الذي رجحه ابن جرير وغيره في تفسيرها وقد أخرجه هو (27 / 15) والحاكم (2 / 468) من طرق عن الثوري عن عمرو بن مرة به موقوفا على ابن عباس، فهو صحيح الإسناد. وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " بإسناد آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ؟ فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به، وقرأ ابن عباس: * (والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان) * (¬2) ، الآية ". فهو موضوع، وإن سكت عليه الحافظ ابن كثير (8 / 82) وكأنه مقلوب عن هذا، وقد خرجته وبينت علته في الكتاب الآخر (2602) . ¬

(¬1) الطور: الآية: 21. اهـ. (¬2) الطور: الآية: 21. اهـ.

2491

2491 - " كان إذا دعا (يعني: في الاستسقاء) جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 167 / 2 - مكتب 2) : حدثنا زهير حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم وقد أخرجه (3 / 24) بنحوه من طريق الحسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة بلفظ: " إن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء ". وأخرجه أحمد (3 / 153) : حدثنا حسن بن موسى به. ثم أخرجه (3 / 241) عن مؤمل: حدثنا حماد به. ثم قال (3 / 271) : حدثنا عفان بلفظ: " إن الناس قالوا: يا رسول الله! هلك المال وأقحطنا، وهلك المال فاستسق لنا، فقام يوم الجمعة وهو على المنبر، فاستسقى - وصف حماد - وبسط يديه حيال صدره وبطن كفيه مما يلي الأرض، وما في السماء قزعة، فما انصرف حتى أهمت الشاب القوي نفسه أن يرجع إلى أهله، فمطرنا إلى الجمعة الأخرى ، فقالوا: يا رسول الله! تهدم البنيان، وانقطع الركبان، ادع الله أن يكشطها عنا. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم حوالينا لا علينا. فانجابت حتى كانت المدينة كأنها في إكليل ". وأخرجه أبو يعلى أيضا ( ق 166 / 2) : حدثنا زهير: حدثنا عفان به. وأخرجه أبو داود من طريق أخرى عن عفان بموضع الشاهد فقط منه. وتابعه عمر بن نبهان عن قتادة عن أنس به مختصرا بلفظ:

2492

" كان يدعو ببطن كفيه، ويقول: هكذا بظهر كفيه ". أخرجه أبو يعلى (2 / 264 - 265) . وعمر هذا ضعيف. (فائدة) : قد ذهب إلى العمل بالحديث وأفتى به الإمام مالك رحمه الله تعالى كما جاء في " المدونة " لابن القاسم (2 / 158 ) . 2492 - " من عال ثلاثا من بنات يكفيهن ويرحمهن ويرفق بهن، فهو في الجنة ". أخرجه أبو يعلى (2 / 591) : حدثنا أبو خيثمة أخبرنا يزيد بن هارون أن سفيان بن حسين عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا، وفيه قصة. وأخرجه أحمد (3 / 303) والبزار (2 / 384 / 1908) والبخاري أيضا في " الأدب المفرد " (78 ) عن علي بن زيد عن محمد بن المنكدر به. قلت: وإسناد أبي يعلى ظاهره الصحة، فإن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكني أخشى أن يكون سقط من بين سفيان ومحمد علي بن زيد - وهو ابن جدعان الذي في إسناد أحمد - فإني لم أر من ذكر في شيوخ سفيان محمد بن المنكدر، وقد راجعت " تهذيب الكمال " للحافظ المزي " ومن عادته أن يستقصي في كل ترجمة أسماء الشيوخ والرواة عنه، ولم يذكر ذلك في ترجمة سفيان، ولا في ترجمة ابن المنكدر. والله أعلم. ولكنه على كل حال قد توبع، فقال البزار وبحشل في " تاريخ واسط " (83) : حدثنا محمد بن كثير بن نافع الثقفي ابن بنت يزيد بن هارون قال: حدثنا سرور بن المغيرة قال:

2493

حدثنا سليمان التيمي عن محمد بن المنكدر به. قلت: وهذا إسناد جيد لولا أني لم أعرف الثقفي هذا. وسرور وثقه ابن حبان (6 / 437 و 8 / 301) . وقال أبو حاتم: " شيخ ". وابن سعد: " معروف ". انظر " تيسير الانتفاع ". وقد سبق الحديث برقم (1027) ، وقد أعيد هنا لزيادة تحقيق. والحديث قال الهيثمي (8 / 157 ) تبعا للمنذري (3 / 84 - 85) : " رواه أحمد بإسناد جيد والبزار والطبراني في (الأوسط) ". كذا قالا، وقد عرفت أن في إسناد أحمد علي بن زيد بن جدعان ، وهو ضعيف لسوء حفظه. ولم يتكلما على إسناد البزار الآخر بشيء! وقلدهما الأعظمي كما هي عادته! لكن الحديث صحيح، فإن له شواهد كثيرة تقدم بعضها برقم (294 - 296) . 2493 - " إن إبراهيم ابني وإنه مات في الثدي وإن له ظئرين يكملان رضاعته في الجنة ". أخرجه الإمام أحمد في " المسند " (3 / 112) : حدثنا إسماعيل أنبأنا أيوب عن عمرو بن سعيد عن أنس بن مالك قال: ما رأيت أحدا كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إبراهيم مسترضعا في عوالي المدينة وكان ينطلق ونحن معه، فيدخل البيت، وإن ليدخن - وكان ظئره قينا -

فيأخذه، فيقبله، ثم يرجع، (قال عمرو) : فلما توفي إبراهيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . وبهذا الإسناد أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (1 / 136 و 139) مفرقا في موضعين، مصرحا بأن الحديث من قول عمرو مرفوعا، لم يسنده إلى أنس. وكذلك أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " (7 / 76 - 77) من طريق زهير وابن نمير عن إسماعيل - وهو ابن علية - به، في سياق واحد كسياق أحمد. وكذلك رواه أبو يعلى (4195 و 4196) . وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (9 / 51 / 6911) من طريقين آخرين به، لكن لم يذكر: " قال عمرو "، فجعل الحديث كله من مسند أنس، وهو شاذ مخالف لرواية الجماعة. وعمرو بن سعيد هو أبو سعيد البصري. وتابعه وهيب عن أيوب به دون قول عمرو: " فلما توفي إبراهيم ... ". إلخ. أخرجه أبو يعلى (4197) . قلت: فهذا يؤكد أن حديث الترجمة مرسل، ليس من مسند أنس، ويزيده تأكيدا أن ثابتا لم يذكره أيضا في حديثه عن أنس، كما رواه سليمان بن المغيرة عنه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ولد لي الليلة غلام، فسميته باسم أبي: إبراهيم ". ثم دفعه إلى أم سيف، امرأة قين يقال له : أبو سيف، فانطلق يأتيه واتبعته، فانتهينا إلى أبي سيف وهو ينفخ في كيره، قد امتلأ البيت دخانا، فأسرعت المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا أبا سيف! أمسك، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمسك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي، فضمه إليه، وقال ما شاء الله أن يقول ... الحديث.

أخرجه مسلم (7 / 76) وأبو داود (3126) وابن حبان في " صحيحه " ( 4 / 245 / 2891) والبيهقي (4 / 69) وأحمد (3 / 194) وابن سعد (1 / 136 ) وأبو يعلى (6 / 42 / 3288) وعلقه البخاري في " الجنائز " عقب رواية أخرى له (1303) مختصرة عن هذه ولم يسق لفظها، فعزو السيوطي في " الجامع " قوله صلى الله عليه وسلم: " ولد لي الليلة غلام ... " للبخاري أيضا فيه نظر لا يخفى ، وإن قلده فيه الغماري في " كنزه " كعادته، ولم يتنبه له المناوي. وهذا القدر من الحديث أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 454) . (تنبيه) : لقد غفل عن إرسال عمرو بن سعيد لحديث الترجمة المعلق الفاضل على " مسند أبي يعلى " حين قال: " إسناده صحيح ". ثم عزاه لمسلم وغيره. وحقه التفريق بين حديث الترجمة، وبين ما قبله على ما سبق بيانه. وإذ الأمر كذلك، فلابد من تخريج شاهد له يقويه ويأخذ بعضده وهو حديث البراء بن عازب قال: " توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ابن ستة عشر شهرا فقال: ادفنوه بالبقيع ، فإن له مرضعا يتم رضاعه في الجنة ". أخرجه أحمد (4 / 297 و 304) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (1 / 215 / 1) بسند صحيح على شرط الشيخين وأبو يعلى (1696) بسند آخر عنه، صحيح على شرط مسلم. وهو في " صحيح البخاري " (1382 و3255 و 6195) وغيره من طريق ثالث عنه نحوه، دون الشطر الأول منه، وهو مخرج في " السلسلة الأخرى " تحت الحديث (3202) ، فإنه قد جاء بزيادات أخرى لا يصح بعضها، خرجته لذلك هناك، مميزا ما صح منها مما لا يصح، فذكرت هذا في جملة ما صح وبالله التوفيق.

2494

ثم إن لفظ ابن حبان: " إن له مرضعتين في الجنة " . فهو شاهد قوي لحديث عمرو. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2494 - " ألا إن الفتنة ههنا، ألا إن الفتنة ههنا [قالها مرتين أو ثلاثا] ، من حيث يطلع قرن الشيطان، [يشير [بيده] إلى المشرق، وفي رواية: العراق] ". هو من حديث ابن عمر وله عنه طرق: الأولى: عن نافع عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: فذكره. أخرجه البخاري (2 / 275 و4 / 374) ومسلم (8 / 180 - 181) وأحمد (2 / 18 و 92) من طرق عنه. والسياق والزيادة الأولى لمسلم. وفي رواية لأحمد: " كان قائما عند باب عائشة فأشار بيده نحو المشرق ". وهو رواية لمسلم. ولفظ البخاري في الموضع الأول المشار إليه: " قام خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة ". وفي أخرى لمسلم: عند باب حفصة. وهي شاذة عندي. الثانية: عن سالم عنه مثل رواية نافع الأول إلا أنه كرر الجملة ثلاثا وقال فيها: " ها "، بدل: " ألا ". أخرجه البخاري (2 / 384 و 4 / 374) ومسلم أيضا والترمذي (2 / 44) ، وقال: " حسن صحيح ".

وأحمد (2 / 23 و 40 و 72 و 140 و 143) والسياق له في رواية وكذا مسلم وفي إحدى روايتي البخاري: " وهو على المنبر.. يشير إلى المشرق ". وفي الأخرى: " قام إلى جنب المنبر فقال ... ". وفي أخرى لأحمد: " صلى الفجر فاستقبل مطلع الشمس، فقال ... ". وإسناده صحيح. وفي أخرى له ولمسلم من طريق عكرمة بن عمار عن سالم بلفظ: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: " رأس الكفر من ههنا ... ". لكن عكرمة فيه ضعف من قبل حفظه، فلا يحتج به فيما يخالف الثقات. وفي أخرى لأحمد قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق: ها إن الفتنة ... " الحديث بتمامه. وهو رواية لمسلم. ويشهد لها رواية أخرى له من طريق ابن فضيل عن أبيه قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة، وأركبكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: فذكره مرفوعا. الثالثة: عن عبد الله بن دينار عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى المشرق فقال: فذكره، مثل رواية سالم الأولى، إلا أنه كرر الجملة مرتين. أخرجه مالك (3 / 141 - 142) والبخاري (2 / 321 و 3 / 471) وأحمد

(2 / 23، 50، 73، 110) ، وكرر الجملة ثلاثا في رواية له والسياق للبخاري . الرابعة: عن بشر بن حرب: سمعت ابن عمر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي صاعنا ومدنا ويمننا وشامنا . ثم استقبل مطلع الشمس فقال: من ههنا يطلع قرن الشيطان من ههنا الزلازل والفتن ". أخرجه أحمد (2 / 126) ورجاله ثقات رجال مسلم، غير بشر هذا فإنه لين. لكن يشهد له حديث توبة العنبري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. إلى قوله: " وشامنا " مع تقديم وتأخير وزاد: " فقال رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ فأعرض عنه، فقال: فيها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 133) وإسناده صحيح. وله طريق أخرى عند الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 201 / 1) عن ابن عمر نحوه وفيه: " فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا: يا رسول الله! وفي عراقنا؟ ... " الحديث. وإسناد صحيح أيضا. وأصله عند البخاري وأحمد فراجع له كتابي " تخريج فضائل الشام " (ص 9 - 10) . وقد تقدم تخريجه والذي قبله برقم (2246) بزيادة. ثم إن للحديث شاهدا من رواية أبي مسعود مرفوعا بلفظ: " من ههنا جاءت الفتن نحو المشرق والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين ... " الحديث. أخرجه البخاري (2 / 382) . قلت: وطرق الحديث متضافرة على أن الجهة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي

المشرق، وهي على التحديد العراق كما رأيت في بعض الروايات الصريحة، فالحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فإن أول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة كبدعة التشيع والخروج ونحوها . وقد روى البخاري (7 / 77) وأحمد (2 / 85، 153) عن ابن أبي نعم قال: " شهدت ابن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن محرم قتل ذبابا فقال: يا أهل العراق! تسألوني عن محرم قتل ذبابا، وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هما ريحانتي في الدنيا ". وإن من تلك الفتن طعن الشيعة في كبار الصحابة رضي الله عنهم، كالسيدة عائشة الصديقة بنت الصديق التي نزلت براءتها من السماء، فقد عقد عبد الحسين الشيعي المتعصب في كتابه " المراجعات " (ص 237) فصولا عدة في الطعن فيها وتكذيبها في حديثها، ورميها بكل واقعة، بكل جرأة وقلة حياء، مستندا في ذلك إلى الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وقد بينت قسما منها في " الضعيفة " (4963 - 4970) مع تحريفه للأحاديث الصحيحة، وتحميلها من المعاني ما لا تتحمل كهذا الحديث الصحيح، فإنه حمله - فض فوه وشلت يداه - على السيدة عائشة رضي الله عنها زاعما أنها هي الفتنة المذكورة في الحديث - * (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا) * (¬1) معتمدا في ذلك على الروايتين المتقدمتين: الأولى: رواية البخاري: فأشار نحو مسكن عائشة ... والأخرى: رواية مسلم: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة فقال: رأس الكفر من ههنا. .. فأوهم الخبيث القراء الكرام بأن الإشارة الكريمة إنما هي إلى مسكن عائشة ذاته، ¬

(¬1) الكهف: الآية: 5. اهـ.

2495

وأن المقصود بالفتنة هي عائشة نفسها! والجواب، أن هذا هو صنيع اليهود الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعه، فإن قوله في الرواية الأولى: " فأشار نحو مسكن عائشة "، قد فهمه الشيعي كما لو كان النص بلفظ: " فأشار إلى مسكن عائشة "! فقوله: " نحو " دون " إلى " نص قاطع في إبطال مقصوده الباطل، ولاسيما أن أكثر الروايات صرحت بأنه أشار إلى المشرق. وفي بعضها العراق. والواقع التاريخي يشهد لذلك. وأما رواية عكرمة فهي شاذة كما سبق، ولو قيل بصحتها، فهي مختصرة جدا اختصارا مخلا، استغله الشيعي استغلالا مرا، كما يدل عليه مجموع روايات الحديث، فالمعنى: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة رضي الله عنها، فصلى الفجر، ثم قام خطيبا إلى جنب المنبر (وفي رواية : عند باب عائشة) فاستقبل مطلع الشمس، فأشار بيده، نحو المشرق. (وفي رواية للبخاري: نحو مسكن عائشة) وفي أخرى لأحمد: يشير بيده يؤم العراق. فإذا أمعن المنصف المتجرد عن الهوى في هذا المجموع قطع ببطلان ما رمى إليه الشيعي من الطعن في السيدة عائشة رضي الله عنها. عامله الله بما يستحق. 2495 - " والذي نفسي بيده، لو قتلتموه لكان أول فتنة وآخرها ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 42) : حدثنا روح حدثنا عثمان الشحام حدثنا مسلم بن أبي بكرة عن أبيه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم مر برجل ساجد - وهو ينطلق إلى الصلاة - فقضى الصلاة ورجع عليه وهو ساجد، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يقتل هذا؟ فقام رجل فحسر عن يديه فاخترط سيفه وهزه ثم قال: يا نبي الله! بأبي أنت وأمي كيف أقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله؟ ثم قال: من يقتل هذا؟ فقام رجل فقال: أنا.

فحسر عن ذراعيه واخترط سيفه وهزه حتى ارعدت يده فقال: يا نبي الله! كيف أقتل رجلا ساجدا يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الهيثمي (6 / 225) : " رواه أحمد والطبراني من غير بيان شاف، ورجال أحمد رجال الصحيح ". وعزاه الحافظ في " الإصابة " (2 / 174 - 175) لمحمد بن قدامة والحاكم في " المستدرك ". ولم أره فيه بهذا السياق وإنما أخرج (2 / 146) من طريقين آخرين عن الشحام بإسناده حديثا آخر في الخوارج وصححه على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث أنس نحوه. وفيه أن الرجل الأول الذي قام لقتله هو أبو بكر، والثاني عمر، وزاد: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكم يقوم إلى هذا فيقتله؟ قال علي: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت له إن أدركته. فذهب علي فلم يجد، فرجع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلت الرجل؟ قال: لم أدر أين سلك من الأرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا أول قرن خرج من أمتي، لو قتلته ما اختلف من أمتي اثنان ". أخرجه أبو يعلى (3 / 1019 - 1020) من طريق يزيد الرقاشي قال: حدثني أنس بن مالك به. قلت: ورجاله رجال مسلم، غير الرقاشي، وهو ضعيف. وتابعه موسى بن عبيدة: أخبرني هود بن عطاء عن أنس به نحوه. وفيه أن أبا بكر قال: كرهت أن أقتله وهو يصلي، وقد نهيت عن ضرب المصلين. أخرجه أبو يعلى (3 / 1025 - 1026) . قلت: وموسى بن عبيدة ضعيف. وله طريق ثالثة، يرويه عبد الرحمن بن شريك: حدثنا أبي عن الأعمش عن أبي سفيان

عن أنس به نحوه، لكن ليس فيه حديث الترجمة. أخرجه البزار (ص 207) . قلت: وهذا إسناد فيه ضعف من أجل شريك وابنه. وله شاهد آخر يرويه جامع بن مطر الحبطي: حدثنا أبو رؤبة شداد بن عمران القيسي عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله! إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذا رجل متخشع حسن الهيئة يصلي. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب إليه فاقتله. قال: فذهب إليه أبو بكر، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: اذهب فاقتله، فذهب عمر فرآه على تلك الحال التي رآه أبو بكر قال فكره أن يقتله قال فرجع، فقال: يا رسول الله! إني رأيته يصلي متخشعا فكرهت أن أقتله، قال: يا علي! اذهب فاقتله، قال، فذهب علي فلم يره، فرجع علي فقال: يا رسول الله! إنه لم يره ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه، حتى يعود السهم في فوقه، فاقتلوهم، هم شر البرية. أخرجه أحمد (3 / 15) . قلت: وإسناده حسن، رجاله ثقات معروفون، غير أبي روبة هذا، وقد وثقه ابن حبان وروى عنه يزيد بن عبد الله الشيباني أيضا وقال الهيثمي (6 / 225) : " رواه أحمد ورجاله ثقات ". ثم صرح في الصفحة التالية أنه صح هو وحديث أبي بكرة المتقدم، حديث الترجمة. (فوقه) : في " النهاية ": " فوق السهم: موضع الوتر منه ".

2496

2496 - " كان يبعثه البعث فيعطيه الراية، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، جبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره. يعني عليا رضي الله عنه ". أخرجه ابن حبان (2211) وأحمد (1 / 199) والبزار (2574 - الكشف) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 131 / 1) والنسائي في " الخصائص " رقم ( 25) نحوه تحقيق البلوشي وابن عساكر (12 / 215 / 1 - 2) من طرق عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال: سمعت الحسن بن علي قام فخطب الناس فقال: يا أيها الناس! لقد فارقكم أمس رجل ما سبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون. لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه (الحديث) ، ما ترك بيضاء ولا صفراء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يشترى بها خادما. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين، غير هبيرة هذا، فقد اختلفوا فيه، وقال الحافظ: " لا بأس به، وقد عيب بالتشيع ". قلت: وأبو إسحاق - وهو السبيعي - مدلس وكان اختلط، وقد اختلف عليه في إسناده، فرواه جمع عنه هكذا. وخالفهم حفيده إسرائيل فقال: عن أبي إسحاق عن عمرو بن حبشي قال: خطبنا الحسن بن علي ... الحديث. أخرجه أحمد وابن عساكر. قلت: ولعل هذا الاختلاف من السبيعي نفسه لاختلاطه، لكنه قد توبع. فقال سكين بن عبد العزيز، حدثني حفص بن خالد: حدثني أبي خالد بن جابر قال:

لما قتل ابن أبي طالب قام الحسن خطيبا ... فذكره. أخرجه البزار ( 2573) : حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو عاصم حدثنا سكين بن عبد العزيز به. وأخرجه أبو يعلى (4 / 1596) : حدثنا إبراهيم بن الحجاج: أخبرنا سكين به، إلا أنه زاد في الإسناد، فقال: عن خالد بن جابر عن أبيه عن الحسن ... فزاد فيه جابرا والد خالد. وكذا رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 235 / 8634 ) من طريق عبد الرحمن قال: حدثنا سكين بن عبد العزيز به. وقال الطبراني: " لم يروه إلا سكين، تفرد به عبد الرحمن ". قلت: بل تابعه إبراهيم بن الحجاج كما تقدم. وقال البزار: " ولا نعلم حدث به [عن] حفص إلا سكين، وإسناده صالح ". كذا قال! وحفص بن خالد بن جابر وأبوه وجده لا يعرفون، وحفص وأبوه أوردهما ابن أبي حاتم (1 / 2 / 172، 323) ولم يذكر فيهما جرحا ولا تعديلا. وقال في حفص: " روى عن أبيه. روى عنه سكين بن عبد العزيز ". وقال في خالد بن جابر: " روى عن الحسن بن علي، روى عنه ابنه حفص بن خالد بن جابر " . قلت: وهذا مطابق لرواية البزار. لكن في " تاريخ البخاري " (1 / 2 / 362 - 363) : " حفص بن خالد بن جابر، سمع أباه عن جده: قال الحسن بن علي: قتل علي

ليلة نزل القرآن. سمع منه سكين بن عبد العزيز ". قلت: وهذا مطابق لرواية أبي يعلى و " أوسط الطبراني "، فالاختلاف في إسناده قديم، ولعله من حفص هذا ، فإنه وإن وثقه ابن حبان، فهو متساهل في التوثيق كما هو معروف. وللحديث طريق ثالث، لكنه لا يساوي فلسا، لأنه من رواية أبي الجارود عن منصور عن أبي رزين قال: خطبنا الحسن بن علي حين أصيب أبوه وعليه عمامة سوداء فذكر نحوه. أخرجه البزار. قلت: وأبو الجارود - واسمه زياد بن المنذر الأعمى - قال الحافظ: " رافضي كذبه يحيى بن معين ". وله طريق رابع، يرويه علي بن جعفر بن محمد: حدثني الحسين بن زيد عن عمر بن علي عن أبيه علي بن الحسين قال: خطب الحسن بن علي الناس حين قتل ... فذكر الحديث بتمامه، وزاد: " ثم قال: أيها الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير وأنا ابن النذير وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه، وأنا ابن السراج المنير، وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا، وأنا من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، وأنا من أهل البيت الذي افترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا) * (¬1) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت ". ¬

(¬1) الشورى: الآية: 23. اهـ.

أخرجه الحاكم (3 / 172) ، وسكت عليه. وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: ليس بصحيح ". وأشار إلى أن آفته شيخ الحاكم الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، وقد اتهمه في " الميزان " بوضع حديث: " علي خير البشر "، وأنكر على الخطيب تساهله في قوله فيه: " هذا حديث منكر، ليس بثابت "! ووافقه الحافظ في " اللسان ". قلت: وعلي بن جعفر هذا، لم يوثقه أحد، بل أشار الترمذي إلى تضعيفه، بأن استغرب حديثه بلفظ: " من أحبني وأحب هذين ... ". وهو مخرج في الكتاب الآخر (3122) . وقال الذهبي في " الميزان ": " ما رأيت أحدا لينه، ولا من وثقه، لكن حديثه منكر جدا، ما صححه الترمذي ولا حسنه " . وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة. قلت: وهذه الزيادة التي تفرد بها دون سائر الطرق منكرة جدا، ولاسيما آخرها المتعلق بتفسير آية المودة، فإن التفسير المذكور باطل، لا يعقل أن يصدر من الحسن ابن علي رضي الله عنه، لأن الآية مكية نزلت قبل زواج علي بفاطمة رضي الله عنهما، والمعنى كما صح عن ابن عباس: إلا أن تصلوا قرابة ما بيني وبينكم، وما روي عن ابن عباس مما يخالف هذا باطل لا يصح عنه كما حققته في الكتاب الآخر برقم ( 4974) . وجملة القول، أن حديث الترجمة حسن بطريقيه الأولين، ويمكن الاستشهاد

بالطريق الرابع أيضا. والله أعلم. (تنبيه) : أورد الهيثمي في " المجمع " (9 / 146) الحديث من رواية أبي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي ... الحديث بطوله مثل الطريق الرابع، وفيه الزيادة المذكورة. ثم قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " باختصار، وكذا أبو يعلى، والبزار بنحوه، ورواه أحمد باختصار كثير، وإسناد أحمد، وبعض طرق البزار والطبراني حسان ". قلت: وقد خرجت لك كل روايات هؤلاء الأئمة وطرقها - سوى طريق أبي الطفيل، فإني لم أقف عليه بعد - وهي كلها مختصرة كما صرح بذلك الهيثمي وليس فيها تلك الزيادة المنكرة التي في رواية الحاكم، فإذا عرفت هذا، يتبين لك خطأ الفقيه الهيثمي في " الصواعق " ( ص 101) حين قال: " وأخرج البزار والطبراني عن الحسن رضي الله عنه من طرق بعضها حسان أنه خطب خطبة من جملتها: من عرفني فقد عرفني ... " إلخ. وشرحه أنه وقع على تخريج الحافظ الهيثمي المذكور، فلخصه تلخيصا سيئا، غير متنبه لكون الخطبة بطولها مما تفرد به " أوسط " الطبراني دون الآخرين وأن التحسين المذكور إنما هو لبعض طرقهم، وليس منها طريق أبي الطفيل، وهذه مما سكت عنه الهيثمي مع الأسف الشديد. ثم وقفت على إسنادها في " الأوسط " (2344 - بترقيمي ) ، فإذا هو من رواية سلام ابن أبي عمرة عن معروف بن خربوذ عن أبي الطفيل. وسلام هذا قال ابن حبان في " الضعفاء " (1 / 341) : " يروي عن الثقات المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج بخبره ".

2497

2497 - " يا معاذ! إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا، [أ] ولعلك أن تمر بمسجدي [هذا أ] وقبري ". أخرجه أحمد (5 / 235) : حدثنا الحكم بن نافع أبو اليمان حدثنا صفوان بن عمرو عن راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني، أن معاذا لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى اليمن معه النبي صلى الله عليه وسلم يوصيه، ومعاذ راكب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي تحت راحلته، فلما فرغ قال: فذكره. وزاد: فبكى معاذ بن جبل جشعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تبك يا معاذ! للبكاء، أو إن البكاء من الشيطان ". وكذا رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 121) : حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو حدثنا أبو اليمان به. وقال أحمد: حدثنا أبو المغيرة: حدثنا صفوان به دون قوله: " فقال: لا تبك ... " إلخ. والزيادتان له، وزاد في آخره: ثم التفت فأقبل بوجهه نحو المدينة فقال: " إن أولى الناس بي المتقون، من كانوا، وحيث كانوا ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وأبو المغيرة اسمه عبد القدوس بن الحجاج، وخالف الإمام أحمد عنه البزار في " مسنده " فقال (1 / 380 - الكشف) : حدثنا العباس بن عبد الله، حدثنا عبد القدوس بن الحجاج به مثل رواية أبي اليمان، إلا أنه أسقط من الإسناد السكوني، فقال: عن راشد بن سعد عن معاذ بن جبل ... وقال الحافظ عقبه في " زوائد البزار " (ص 87) : " قلت: فيه انقطاع ".

وسكت الهيثمي عن هذه العلة ، فقال في " المجمع " (3 / 16) : " رواه البزار، ورجاله ثقات "! قلت: وإنما نسبت المخالفة إلى البزار، وليس إلى شيخه العباس بن عبد الله الراوي عن أبي المغيرة مباشرة لأن البزار قد تكلم فيه، بخلاف شيخه - وهو المعروف بالترقفي - فإنه ثقة حافظ. ولأبي المغيرة عن صفوان شيخ آخر، فقال صفوان: حدثني أبو زياد يحيى بن عبيد الغساني عن يزيد بن قطيب عن معاذ أنه كان يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال: " لعلك أن تمر بقبري ومسجدي، قد بعثتك إلى قوم رقيقة قلوبهم، يقاتلون على الحق (مرتين) ، فقاتل بمن أطاعك منهم من عصاك، ثم يفيئون إلى الإسلام، حتى تبادر المرأة زوجها، والولد والده، والأخ أخاه، فانزل بين الحيين: السكون والسكاسك " . أخرجه أحمد أيضا، والطبراني (20 / 89 - 90) والبيهقي (9 / 20) . قال الهيثمي (10 / 55) بعد أن عزاه للأولين: " ورجاله ثقات، إلا أن يزيد بن قطيب لم يسمع من معاذ ". قلت: وهذا النفي مأخوذ من أنه روى عن أبي بحرية فقط ، لم يذكروا أنه روى عن معاذ، اللهم إلا ابن حبان، فقد أورده في التابعين من " ثقاته " (5 / 544) ، فقال: " عن معاذ، كنيته أبو بحرية ". كذا وقع فيه، ولعله اعتمد في جزمه بأنه روى عن معاذ على رواية أحمد هذه، فالله أعلم. وأما قوله: " كنيته أبو بحرية "، فقد وقع ذلك في بعض نسخ " الثقات " كما ذكر المعلق عليه، والظاهر أنها غير صحيحة، فإن (أبو بحرية) كنيته عبد الله بن قيس كما في

2498

" كنى " الدولابي وغيره، وهو شيخ يزيد هذا كما تقدم. والله أعلم. (تنبيه) : هذا الحديث استدل به الدكتور البوطي في آخر كتابه " فقه السيرة " على شرعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم التي زعم أن ابن تيمية ينكرها! ونحن وإن كنا لا نخالفه في هذا الاستدلال، فإنه ظاهر، ولكنا ننبه القراء بأن هذا الزعم باطل وافتراء على ابن تيمية رحمه الله، فإن كتبه طافحة بالتصريح بشرعيتها، بل وتوسع في بيان آدابها، وإنما ينكر ابن تيمية قصدها بالسفر إليها، المعني بحديث: " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ... ". الحديث، كما كنت بينت ذلك وبسطت القول فيه من أقوال ابن تيمية نفسه في ردي على البوطي المسمى: " دفاع عن الحديث النبوي "، فما معنى إصرار الدكتور على هذه الفرية حتى الطبعة الأخيرة من كتابه؟ ! الجواب عند القراء الألباء. 2498 - " ألا أنبئكم بخياركم؟ خياركم أطولكم أعمارا إذا سددوا ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 884) : حدثنا الجراح بن مخلد أخبرنا سالم بن نوح أخبرنا سهيل أخبرنا ثابت عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، غير سهيل وهو ابن أبي حزم كما في حديث قبله عند أبي يعلى، وهو ضعيف كما جزم به الحافظ في " التقريب ". فقول المنذري (4 / 135) ثم الهيثمي (10 / 203) : " رواه أبو يعلى بإسناد حسن ". فهو غير حسن، إلا إن كان المراد أنه حسن لغيره، فإن له شواهد كثيرة، تقدم بعضها برقم (1298) .

2499

2499 - " أحسنت، [اتركها حتى تماثل] ". أخرجه مسلم (5 / 125) والترمذي (1441) وابن الجارود (816) والبيهقي ( 8 / 229) والطيالسي (1 / 300 - ترتيبه) وعنه أحمد (1 / 156) وكذا أبو يعلى (ق 23 / 1 - مصورة 2) عن السدي عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن قال: خطب علي فقال: يا أيها الناس! أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. والزيادة لمسلم. ولها شاهد من طريق أخرى يأتي . وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن وهو من التابعين، قد سمع من أنس بن مالك، ورأى حسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ". قلت: والطريق الأخرى عن عبد الأعلى بن عامر عن أبي جميلة عن علي به نحوه بلفظ: " إذا جفت دماؤها فاجلدها وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ". أخرجه أبو داود (2 / 239) والبيهقي والطيالسي وأحمد (1 / 89، 136، 145 ) . قلت: وعبد الأعلى بن عامر - وهو الثعلبي - ضعيف.

2500

2500 - " ما ابتلى الله عبدا ببلاء وهو على طريقة يكرهها، إلا جعل الله ذلك البلاء له كفارة وطهورا، ما لم ينزل ما أصابه من البلاء بغير الله، أو يدعو غير الله في كشفه ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " الكفارات " (69 / 2) : حدثنا يعقوب بن عبيد أخبرنا هشام بن عمار أخبرنا يحيى بن حمزة أخبرنا الحكم بن عبد الله أنه سمع المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي يحدث: أنه سمع أبا هريرة يحدث قال: دخلت على أم عبد الله بنت أبي ذباب عائدا لها من شكوى فقالت: يا أبا هريرة! إني دخلت على أم سلمة أعودها من شكوى، فنظرت إلى قرحة في يدي فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات رجال البخاري، على ضعف في هشام بن عمار غير ثلاثة منهم: الأول: أم عبد الله بنت أبي ذباب، فإني لم أجد من ترجمها، وقد أورد الحافظ ابن حجر في مادة (ذباب) من " التبصير " (2 / 578) جماعة ليست فيهم، ومنهم سعد بن أبي ذباب، وهو صحابي، وله حديث في " مسند أحمد " (4 / 79) وغيره، فالظاهر أنها أخته، وأنها صحابية، ويؤيد هذا رواية أبي هريرة عنها. والله أعلم. الثاني: الحكم بن عبد الله، الظاهر أنه ابن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي، شيخه في هذا الإسناد، نسب إلى جده الأدنى. قال الذهبي: " قال الدارقطني: يعتبر به. وقال أبو محمد بن حزم: لا يعرف حاله ". وزاد عليه في " اللسان ": " أنه روى عنه جماعة، منهم: أخوه عبد العزيز، ومحمد بن عبد الله الشعيثي،

وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي، ويحيى بن حمزة في هذا الإسناد، وكل هؤلاء ثقات. قال الزبير بن بكار: كان من سادة قريش ووجوهها، وكان من أبر الناس بأبيه، وولاه بعض ولاة المدينة على المساعي ثم ترك ذلك وتزهد، ولحق بـ (منبج) مرابطا، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". الثالث: يعقوب بن عبيد، هو النهرتيري، ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 2 / 210) وقال: " سمعت منه مع أبي، وهو صدوق ". ونقله عنه الخطيب في " التاريخ " (14 / 280 ) وأقره. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (4 / 145 - 146) من رواية ابن أبي الدنيا وقال: " وأم عبد الله ابنة أبي ذئاب (كذا) لا أعرفها ". قلت: ومع ذلك صدر الحديث بلفظ: " عن " مشيرا لتقويته، ولعل ذلك لما ذكرته آنفا من استظهار كونها صحابية، مع شهادة القرآن للجملة الأخيرة منه، وكثرة الشواهد لسائره، وقد مضى بعضها، فانظر مثلا الحديثين (2273 و 2274) . والله أعلم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة إنَّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ، ونستعينُهُ ونستغفرُهُ، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسِنا وسيِّئات أعمالِنا، مَن يَهْدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له. وأشهدُ أنْ لا إلهَ ألاّ اللهُ وحدهُ لا شريك له. وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُه. أمّا بعد: فهذا هو المجلدُ السادسُ من كتابي الكبير "سِلْسِلَة الأحاديث الصحيحة.."، وهو يَضُمُّ بين دَفَّتيه باقةً عَطِرَةً جديدةً منَ أحَاديثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وسُنَّتِهِ المطهّرة، وسيرتِه المُشرَّفة. وهذا المجَلَّدُ -كسابقيهِ- تتضمَّنُ أحاديثُهُ ألوانًا من العقائدِ، وأنواعًا من الأداب والأخلاق، وصنوفًا مِن الفقه والأحكام، وفنونًا من العلوم الحديثيَّة الاصطلاحيَّةِ، وغير ذلك ممّا سيستفيدُ منه -إنْ شاء اللهُ- المسلمون بعامّةٍ، وطلبةُ العلمِ بخاصّةٍ، ودُعاةُ السُّنَّة وأهلُها بشكلٍ أخصَّ. وحتى يكونَ إخوانُنا القرّاءُ الأفاضلُ على اطِّلاعٍ لما قلتُ، ومعرفةٍ بما أشَرْتُ، أذكُرُ -في هذه المقدّمة الوجيزة- أهمّ ما وقَعَ لي في هذا المجلَّد من أحاديثَ ورواياتٍ ومباحثَ علميّة: من ذلك -فيما أرى- بعضُ الأحاديث، أو المسائل التي ظَهَرَ لي مِنِّي ابتداءٌ -أو بدلالة غيري- فيها تغيُّرُ رأيٍ، أو اختلافُ اجتهادٍ، أو خطأٌ انكشف

لي فيما بعد، كمثلِ الأحاديث فوات الأرقامِ (2520 و2551 و2576 و2639 و2658 و2723 و2748 و2764 و2813 و2827 و2878 و2883) وغيرها. وهذا الذي ذكرتُهُ هنا يجعلُني أُشيرُ إلى مسألةٍ مُهمّةٍ جدًّا؛ وهي مُتَعَلِّقةٌ بما تَشَبَّثَ به بعضُ جهلةِ مُبتدعةِ هذا العصر؛ الذين سوّدوا بعضَ الرسائل والكتب طَعْنًا في السنَّة وَأهلها، وتشكيكًا بِحَمَلَتِها ودُعاتِها، كمثل ذاك الهالكِ في تعصُّبِهِ، الغارق في جهلهِ، المدعو (السقَّاف) ، فقد استغلَّ عددًا مِن تلك الاجتهاداتِ المختلفةِ، أو المراجعات العلميّة، واسِمًا إياها بـ " التناقضات "، وإنَما هي تناقُصْاتُ رأسِه، واضطراباتُ فكره، التي انعكست على قَلْبه عداءً، وعلى قَلَمِهِ استعداءًا!! أمّا أهلُ العَدْل والإنْصاف فإنهم يَعُدُّون مثل هذه المواقف العلمية رفعةً في الأمانة، وعُلُوًّا في أداءِ الحقِّ لأهلِهِ.. على أنّني أذكُرُ للإخوة القُرَّاء أنَّ كثيرًا من تلك "التناقضات" التي سوَّد ذِكْرَها ذاك السقّافُ الأَشِرُ إنّما هي من تلبيسهِ على القُرَّاء، ومحاولتِه تضليله إياهم، وتلاعُبِهِ بعقولهم!! وهذا مما لا يخفى -إن شاء الله- على مَن له أدنى اشتغالٍ بعلوم السنّةِ، أو على مَن له أدنى درايةٍ بطرائِق المبتدِعةِ في الكتابةَ!! (¬1) ¬

_ (¬1) وقد ذكرت في مقدمة المجلد الأول من هذه السلسلة/الطبعة الجديدة نماذج مما زعم فيها التناقض، وبينت أنه لا تناقض في شيء منها، وإنما هو الاستسلام للحق، واتباع للعلم الذي لا يقبل الجمود والوقوت، وأن زعمه نابع من جهله وحسده وحقده، وأقمت الدليل القاطع على ذلك، وهو استمراره في ادعاء "التناقضات" التي لا يستفيد منها أحد، دون أن يبين الصواب منها ولو في نوع واحد!!

وبينَ يَدَيَّ مثالٌ يَلْتقي -تقريبًا- مَعَ ما ذكرتُ من صنائعِ أهل الإنصاف وتعامُلِهم فيما يختلفُ فيه قولُ العالم -أحيانًا- في بعض مسائل العلمِ: فها هو فضيلةُ الشيخ بكر أبو زيد -نَفَعَ اللهُ بهِ- يبحثُ في جُزْئِهِ اللطيف "مرويّات دُعاء خَتْم القُرآن" روايةَ خَبَرٍ في سندِه (صالحُ بنُ بشيرٍ المُرِّي) ، وحالُه معروفٌ عند أهلِ الحديث، فقال -حفظه الله- في نهاية بحثه: " ... فهو متروكُ الحديث مع صلاحِهِ وزهادتِهِ، والمتروكُ لا يُعْتَبَرُ بحديثِهِ في باب الشواهد، ولا المتابعات، وهذا يتَّفق مع ما قرّره العلاّمةُ الألبانيُّ في "الضعيفة" (1/214 و309) ، خلافَ ما قرّرهُ في تعليقهِ على "مشكاة المصابيح" (1/36) (رقم: 98) ، فإنّه اعْتَبَرَ به، فَلْيُصَحَّحْ. وهذا لا يُشَغَّبُ بهِ على أهل العلمِ، كالحالِ في تعدُّدِ الروايات عن الإمام الواحِدِ في الفقهيّاتِ، وفي رُتبةِ الحديثِ الواحد، وكذا في منزلة الراوي. وللحافظَيْنِ الذهبي وابنِ حَجَر في هذا شيءٌ غيرُ قليلٍ يُعْلَمُ مِن المقابَلَةِ بين "الكاشف" و"المُغْني"؛ كلاهما للذهبي، وبين "التقريب" و "التلخيص" و"الفتح"؛ ثلاثتها لابن حَجَر، والأعذارُ في هذا مَبْسوطةٌ، وانظر "رفع الملام" لابن تيميَّة. لكنّ هذا يُوافق لدى المبتدعةِ شهوةً يُعالجونَ بها كمَدَ الحسرةِ من ظهور أهل السنَّة، ولهم في الإيذاء وقائعُ مشهودةٌ على مَرِّ التاريخ، لكنّها تنتهي بخذلانهم، والله الموعدُ".

قلتُ: لقد أصاب -حفظه اللهُ- كَبِدَ الحقيقة بأبْيَنِ طريقةٍ، وكأنَّ كلماتِهِ سِهامٌ مُوَجَّهةٌ نحو نَحْرِ ذاك السقّافِ الجَهُولِ (¬1) لتهدمَ كُتُبَهُ كُلَّها ورسائلَه جميعَها، إذ إنّها مبنيّةٌ على هذا الأساس المتهاوي، فهي على شَفَا جُرُفٍ هار!! فَلْيَكُن هذا الكلامُ العلميُّ العالي نَهْجًا يَضَعُهُ المنْصِفون نُصبَ أعينهم، ليكونَ طريقًا سويًّا في نَقَداتِهم أو تنبيهاتِهم.. وممّا سَيَراهُ القُرّاءُ الأفاضلُ في هذا المجلّد: ردودٌ علميّة، ومُناقَشات حديثيّة أو فقهيّة لعددٍ كبير من المعاصِرين المشتغلين بالتأليف، أو المنْشغلين بالكتابة والتصنيف، كمثل ما تراه تحت الأحاديث ذوات الأرقام: (2724) شعيب الأرناؤوط، و (2742) حبيب الرحمن الأعظمي، و (2755) عبد القادر الأرناؤوط، و (2656) و (2890) زهير الشاويش، و (2758) محمد علي الصابوني، و (2739) الكشميري، و (2814) و (2792) عبد الله الغُماري، و (2735) و (2899) و (2914) حسّان عبد المنّان، و (2753) إسماعيل الأنصاري، و (2580) تقيّ الدين النبهانيّ، و (2647) عبد الرحيم الطحّان.. وغيرهم كثير.. وسيرى القُرّاءُ الحريصون على معرفة السنّة الصحيحةِ وتَطْبيقها أحاديثَ ¬

_ (¬1) وانظر الحديث الآتي برقم (2567) مثالًا على ما قلتُ.

كثيرةً فيها من الأخلاق النبوية والآداب المحمديّة الكمّ الطيّب المبارك، مثل الأحاديث (2501 و2570 و2605 و2616 و2648 و2658) . وهناك الكثير من الفوائد الفقهية مثل ما جاء تحت الحديث (2565) حول معنى حديث: " أنت ومالك لأبيك ". وفي الحديث (2571) مناقشة مهمة لابن حزم في تجويزه عطية المرأة دون إذن زوجها. وفي الحديث (2920) إثبات صلاة ركعتين بعد العصر، وأن وقتَ كراهةِ الصلاةِ بعدها إنما هو عندَ اصفرارِ الشمسِ. وهناك مجموعة طيبة من الأدعية والأذكار مثل الأحاديث (2506 و2524 و2563 و2578 و2598 و2664 و2686 و2727 و2753 و2754 و2755 و....) إلى غير ذلك من الفوائد الفقهية، والحديثية، والمواضيع المختلفة التي يمكن الاطلاع على رؤوسها بواسطة الفهارس المختلفة. وسيرى القرّاءُ الأفاضلُ -أيضًا- في هذا المجلّد، أحاديثَ تكرّرت إمّا في مجلّدات سابقة من هذه "السلسلة"، وإمّا في كُتُبي ومُصَنّفاتي الأُخرى، احتفظتُ بها هنا لفوائد زوائد، أو تنبيهات وإشارات إضافيّة إمّا في المتن، أو في الإسناد، أو في التخريج، أو في الشرح والاستنباط، مثل الأحاديث: (2541 و2563 و2579 و2590 و2652 و2719 و2724 و2792 و2848 ... ) . وبَعْدُ: فإنّي أسألُ اللهَ سبحانه وتعالى أن يُعينَني على إتمام ما أقدرُ عليه من

مشروعي القديم "تَقْريب السُّنَّة بين يَدَي الأُمّة" الذي أفنيتُ فيه شَبَابي، وقضيتُ فيه كهولَتي، وأُتُمِّم به -الآن- شيخوختي، سائلًا الله -جلّ في عُلاه- أن أكون ممن قال فيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم مَن طال عُمُره وحَسُن عملُه"، راجيًا منه جلَّ شأنه حُسْنَ الختام، والوفاة على الإيمان ... وفي الختام؛ لا يفوتني أن أقوم بواجب الشكر لابنتي الكبرى (أم عبد الله) ، فإن لها الفضل في تيسير تصحيح تجاربِ هذا المجلد، ولفت النظر إلى كثير من الأمور التي قد يسهو عنها أي مؤلف؛ فضلًا عمن بلغ الثمانين من العمر، من مثل سقوط كلمة أو جملة، أو استرعاء نظر إلى تكرر تخريج حديث، أو عدم تمام الكلام عليه، ونحو ذلك، فجزاها الله عني خير الجزاء. وكذلك الأخ علي الحلبي، فقد استفدتُ من ملاحظاته التي كان كتبها على الأصل الذي هو بخطي، وبعضه قد كتب منذ عشراتِ السنين، أو كتبها على بعض التجارب التي أتيح له الاطلاع عليها. فله ولكل من كان له يد في إخراج المجلد ونشره بإشراف صهري نظام سكجها/صاحب المكتبة الإسلامية/عمّان - جزيل الشكر. وآخِر دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين. عمان في 27 ذو القعدة 1415 هـ محمد ناصر الدين الألباني

2501

2501 - " إياكم والجلوس في الصعدات (وفي رواية: الطرق) فإن كنتم لابد فاعلين، فأعطوا الطريق حقه. قيل: وما حقه؟ قال: غض البصر ورد السلام وإرشاد الضال ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 58) والبزار في " مسنده " (2 / 425 / 2018) - كشف الأستار من طريق محمد بن المثنى ويزيد بن سنان قالا: حدثنا عبد الله بن سنان: حدثنا عبد الله بن المبارك عن جرير بن حازم عن إسحاق ابن سويد عن ابن حجيرة عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال البزار: " لا نعلم أسنده إلا جرير، ولا عنه إلا ابن المبارك. ورواه حماد بن زيد عن إسحاق بن سويد مرسلا ". كذا وقع فيه وقد وصله الطحاوي من طريق حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة عن إسحاق بن سويد عن يحيى بن يعمر أن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث وقال الطحاوى: " منقطع الإسناد ". قلت: يعني أنه مرسل وهو أشبه بالصواب كما قال الدارقطني في " العلل " (2 / 251) وإسحاق بن سويد يروي عنه كل من الحمادين، فمن الممكن أن يكون كلاهما قد روياه عنه مرسلا، ثم لينظر هل سقط من رواية " كشف الأستار " أو ناسخه ذكر يحيى بن يعمر؟ (¬1) ¬

(¬1) ثم طبع أصل الكشف، أعني " مسند البزار " المعروف بـ " البحر الزخار "، فإذا هو كما في " الكشف " ليس فيه يحيى بن يعمر.

ثم إن عبد الله بن سنان - وهو الهروي - قد توبع، فقال أبو داود في " سننه " (4817) : حدثنا الحسن بن عيسى النيسابوري: أخبرنا ابن المبارك بإسناده عن ابن حجير العدوي قال: سمعت عمر بن الخطاب به. قلت: كذا وقع في " السنن " (ابن حجير) وكذا في " تهذيب الكمال " وفروعه وفي رواية البزار والطحاوي (ابن حجيرة) وكذا في ترجمة إسحاق من " الجرح والتعديل " وجزم المعلق على " التهذيب " بأنه مصحف، وما أرى ذلك بصواب لأن الرجل مجهول كما جزم به المنذري في " مختصر السنن " (7 / 181) وهو معنى قول الحافظ فيه: " مستور ". قلت فهو غير مشهور ولا يعرف إلا فى هذا الحديث، فليس من الممكن إذن ترجيح رواية على أخرى! وقد أخطأ في هذا الحديث الحافظ الهيثمي مرتين: الأولى : إيراده إياه وهو في " السنن ". والأخرى: قوله (8 / 62) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن سنان الهروي وهو ثقة " ذلك أن ابن حجيرة ليس من رجال (الصحيح) بل هو مجهول كما تقدم. وفي ظني أنه توهم أنه عبد الرحمن بن حجيرة الخولاني أبو عبد الله المصري، فإنه من رجال مسلم ولكنه ليس به كما سبق، ولا ذكروا له رواية عن عمر ولا في الرواة عنه إسحاق بن سويد.

وكأنه اغتر به أو اتفق أن وافقه على هذا الخطأ المعلق على " مشكل الآثار " - الطبعة الهندية، فإنه قال: " في الخلاصة هو عبد الرحمن بن حجيرة - بضم أوله وفتح الجيم - الأكبر أبو عبد الله الخولاني قاضى مصر ". وفيه خطأ آخر وهو نسبته هذا التفسير لـ " الخلاصة " وليس فيه إلا قوله: " عبد الرحمن بن حجيرة .. "! والخلاصة أن علة هذا الإسناد جهالة ابن حجير هذا. لكن الحديث صحيح، فإنه في " الصحيحين "، و " الأدب المفرد " (1150) وأبي داود (4815) وابن حبان (594 - الإحسان) والطحاوي أيضا، وأحمد (3 / 36) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه، ومسلم (7 / 2) من حديث أبي طلحة رضي الله عنه دون قوله : " وإرشاد الضال ". وزاد أبو سعيد: " وكف الأذى، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ". وفي رواية لأحمد (3 / 61) من طريق عبد الرزاق وهذا في " المصنف " (11 / 20 / 19786) من طريق رجل عن أبي سعيد به، لكنه ذكر مكان " كف الأذى ": " وأرشدوا السائل ". وهو بمعنى " إرشاد الضال ". ولفظ أبي طلحة: [" غض البصر ورد السلام وحسن الكلام "] . وقد جاء المعنى المشار إليه في أحاديث أخرى عن أبي هريرة والبراء بن

عازب وعبد الله بن عباس وسهل بن حنيف. 1 - أما حديث أبي هريرة، فله طريقان: الأولى: عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه: فذكره نحوه بلفظ: " إدلال السائل ورد السلام وغض الأبصار والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1049) . قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم. والأخرى: عن عبد الرحمن بن إسحاق عن سعيد المقبري عنه بلفظ: " غض البصر وإرشاد ابن السبيل وتشميت العاطس إذا حمد الله، ورد التحية ". أخرجه البخاري أيضا (1014) وأبو داود (4816) وابن حبان (595) . وإسناده جيد على شرط مسلم. 2 - وأما حديث البراء فيرويه شعبة وغيره عن أبى إسحاق عنه - ولم يسمعه منه - نحوه بلفظ : " فردوا السلام وأعينوا المظلوم واهدوا السبيل ". أخرجه الترمذي (2727) والدارمي (2 / 282) وابن حبان (596) والطحاوي أيضا، وأحمد (4 / 282 و291 و 393 و 304) . وقال الترمذي: " حديث حسن ". قلت: بل هو صحيح لشواهده المتقدمة، وجملة: " وأعينوا المظلوم " جاءت

في " الصحيحين " من طريق أخرى عن البراء في حديث آخر له بلفظ: " أمرنا بسبع.. " الحديث، فذكرها فيهن. وذكر مسلم (6 / 135) في رواية له: " وإنشاد الضال ". كذا فيه، ولعله: " وإرشاد ". 3 - وأما حديث ابن عباس فيرويه ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس به، ولفظه: " فردوا السلام وغضوا البصر واهدوا السبيل وأعينوا على الحمولة ". أخرجه البزار (2019) وقال: " لا نعلم لابن عباس غير هذا الطريق، وروي عن غيره بألفاظ، ولا نعلم في حديث " وأعينوا على الحمولة " إلا في هذا، وداود ليس بالقوي في الحديث، ولا يتوهم عليه إلا الصدق، وإنما يكتب من حديثه ما لم يروه غيره ". قلت: وابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن - سيىء الحفظ، وبه أعله الهيثمي. وهو ما قاله - عقب ما سبق - الحافظ ابن حجر في " زوائد البزار " (2 / 211) . 4 - وأما حديث سهل فيرويه أبو معشر: حدثنا أبو بكر بن عبد الرحمن الأنصاري عنه نحوه بلفظ: " قالوا: وما حق المجالس؟ قال: ذكر الله كثيرا، وأرشدوا السبيل وغضوا الأبصار ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (6 / 105 / 5592) .

وأعله الهيثمي بأبي بكر هذا فقط، فقال: " تابعي، لم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا " . وكأنه يشير إلى ضعف في أبي معشر من قبل حفظه، واسمه نجيح. 5 - وأما حديث وحشي فيرويه وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده بلفظ: " فردوا السلام وغضوا من أبصاركم واهدوا الأعمى (¬1) ، وأعينوا المظلوم " أخرجه الطبراني أيضا (22 / 138 / 367) . قال الهيثمي: " ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف ". قلت: حرب بن وحشي لم يوثقه غير ابن حبان (4 / 173) وفيه جهالة كما بينته في " تيسير الانتفاع ". واعلم أن في هذه الأحاديث مجموعة طيبة من الآداب الإسلامية الهامة بأدب الجلوس في الطرق وأفنية الدور، ينبغي على المسلمين الاهتمام بها ، ولاسيما ما كان منها من الواجبات مثل غض البصر عن النساء المأمور به في كثير من الأحاديث الأخرى، وفي قول ربنا تبارك وتعالى: * (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون) * (النور: 30 ) . فإذا كان هذا الأمر الإلهي قد وجه مباشرة إلى ذاك الجيل الأول الأطهر الأنور ولم يكن يومئذ ما يمكن أن يرى من النساء إلا الوجه والكفان ومن بعضهن ، كما ¬

(¬1) كذا الأصل، ومطابق لنقل " المجمع ". ووقع في " الفتح " (12 / 11) " الأغبياء "، وهو الأقرب لمعنى سائر الأحاديث. والله أعلم.

تواترت الأحاديث بذلك كحديث الخثعمية، وحديث بنت هبيرة وغيرهما مما هو مذكور في " جلباب المرأة " و " آداب الزفاف ". أقول: إذا لم يكن إلا هذا مما يمكن أن يرى من النساء يومئذ، فإن مما لا شك فيه أنه يتأكد الأمر بغض النظر في هذا الزمن الذي وجدت فيه " النساء الكاسيات العاريات " اللاتي قال فيهن النبي صلى الله عليه وسلم: " صنفان من أهل النار لم أرهما بعد.. " الحديث، وفيه: " ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة.. " الحديث. وقد مضى بتمامه مع تخريجه برقم (1326) . فالواجب على كل مسلم - وبخاصة الشباب منهم - أن يغضوا من أبصارهم، وعن النظر إلى الصور الخليعة المهيجة لنفوسهم، والمحركة لكامن شهواتهم، وأن يبادروا إلى الزواج المبكر إحصانا لها، فإن لم يستطيعوا، فعليهم بالصوم فإنه وجاء كما قال عليه الصلاة والسلام، وهو حديث صحيح مخرج في " الإرواء " (1781) ، ولا يركنوا إلى الإستمناء (العادة السرية) مكان الصيام (¬1) ، فيكونوا كالذين قال الله فيهم من المغضوب عليهم: * (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) *؟! ( البقرة: 61) . أسأل الله تعالى أن يستعملنا والمسلمين في طاعته، وأن يصرفنا عما لا يرضيه من معصيته، إنه سميع مجيب. ¬

(¬1) انظر ما سبق برقم (1830) . اهـ.

2502

2502 - " إن شئت دعوت الله لك فشفاك، وإن شئت صبرت ولا حساب عليك ". أخرجه ابن حبان (708 - موارد) والبزار (83 - زوائده) والأصبهاني في " الترغيب " (59 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (رقم 1424) من طرق عن محمد ابن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها لمم، فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يشفيني، قال: فذكره. فقالت: بل أصبر ولا حساب علي. قلت: وهذا إسناد حسن. وسكت عنه الحافظ (10 / 115) . وله شاهد من حديث ابن عباس نحوه، وزاد: " فقالت: إني أتكشف، فادع الله لي أن لا أتكشف. فدعا لها ". أخرجه الشيخان وغيرهما كابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (87 / 1) والبغوي في " شرح السنة " (1423) . وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة قال: جاءت الحمى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ابعثني إلى آثر أهلك عندك، فبعثها إلى الأنصار، فبقيت عليهم ستة أيام ولياليهن، فاشتد ذلك عليهم، فأتاهم في ديارهم، فشكوا ذلك إليه، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يدخل دارا دارا، وبيتا بيتا، يدعو لهم بالعافية. فلما رجع تبعته امرأة منهم، فقالت: والذي بعثك بالحق إني لمن الأنصار، وإن أبي لمن الأنصار، فادع الله لي كما دعوت للأنصار، قال: " ما شئت، إن شئت دعوت الله أن يعافيك، وإن شئت صبرت ولك الجنة ".

2503

قالت: بل أصبر، ولا أجعل الجنة خطرا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (132 / 502 ) من طريق عطاء بن أبي رباح عنه، وإسناده صحيح. ويبدو أن هذه قصة أخرى غير الأولى لاختلاف المرض فيها، ففي هذه الحمى، وفي تلك اللمم وهو الجنون، ويحتمل أن تكونا واحدة، وتكون الحمى شديدة تشبه في شدتها اللمم. والله أعلم. 2503 - " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته ". أخرجه مسلم (8 / 16) والترمذي (1 / 181) وابن أبي الدنيا في " الكفارات " (69 / 1 و 76 / 1) وأحمد (3 / 4 و 24 و 61 و 81) من طرق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، والسياق لمسلم، وابن أبي الدنيا في رواية، ولم يذكر الآخرون أبا هريرة في إسناده، وقال الترمذي: " إلا يكفر الله به عنه سيئاته "، فلم يقل: " من "، وهو شاذ، تفرد به أسامة بن زيد دون سائر الطرق ، على أنه عند أحمد من طريقه بلفظ: " من خطاياه ". وهو المحفوظ. وكذلك أخرجه البخاري في " المرض " (10 / 91 - فتح) من الوجه المذكور عنهما معا، إلا أنه لم يذكر (السقم) ، وقال مكانه: " هم ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه "، وهو رواية لأحمد (2 / 202 و 335 و 3 / 18 و48) . وللحديث طريق أخرى بلفظ مختصر مضى برقم (2410) .

وفي رواية لابن أبي الدنيا من طريق عبيد الله بن عبد الله بن موهب: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مؤمن يشاك شوكة في الدنيا ويحتسبها إلا قص بها من خطاياه يوم القيامة " قلت: وعبيد الله هذا قال أحمد: " أحاديثه مناكير، ولا يعرف لا هو ولا أبوه ". لكن له شاهد من حديث جابر مرفوعا بلفظ: " ما من مؤمن ولا مؤمنة، ولا مسلم ولا مسلمة يمرض مرضا، إلا قص الله عنه من خطاياه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (508) وابن أبي الدنيا (ق 87 - 88) والبزار (758 - كشف) بإسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير شيخه إسحاق بن إسماعيل، وهو ثقة من شيوخ أبي داود، وقد توبع عند أحمد (3 / 386 و 400) بلفظ: " حط الله ". وكذلك أخرجه أبو يعلى (2 / 611 ) . وهو كذلك عند أحمد (3 / 346) من طريق أبي الزبير عن جابر به، إلا أنه قال: " حط عنه خطيئته ". لم يقل: " من ". وكذلك رواه ابن حبان (696) من هذا الوجه، وزاد: " كما تنحط الورقة عن الشجرة ". وأبو الزبير مدلس. وشاهد ثان من حديث عائشة بلفظ:

2504

" لا يصيب عبدا شوكة فما فوقها إلا قاص الله عز وجل بها من خطاياه ". أخرجه أحمد (6 / 185) بإسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 15) من طريق أخرى عنها بلفظ: " إلا قص بها من خطاياه، أو كفر بها من خطاياه "، والشك من يزيد بن خصيفة أحد رواته. 2504 - " من عاد مريضا لم يزل يخوض في الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 234) وأحمد (3 / 304) وابن أبي الدنيا في " الكفارات " (73 / 1) والبيهقي (3 / 380) وابن حبان في " صحيحه " (711) من طريق هشيم: حدثنا عبد الحميد بن جعفر عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الحميد بن جعفر، فهو على شرط مسلم وحده. ومن طريقه أخرجه البزار أيضا (1 / 368 / 775 - الكشف ) . وخالفه أبو معشر فقال: عن عبد الرحمن بن عبد الله الأنصارى قال: دخل أبو بكر ابن محمد بن عمرو بن حزن على عمر بن الحكم بن ثوبان فقال: يا أبا حفص حدثنا حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه اختلاف، قال: حدثني كعب بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره نحوه. أخرجه أحمد (3 / 460) وابن أبي الدنيا (85 / 2) إلا أنه وقع عنده: " عبد الله بن عبد الرحمن " على القلب.

وأبو معشر اسمه نجيح السندي، وهو ضعيف، وسائر رواته ثقات. ومن هذا تعلم أن قول الهيثمي (2 / 297) تبعا للمنذري (4 / 164) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وإسناده حسن ". قلت: فهو غير حسن لما علمت من ضعف أبي معشر مع مخالفته في إسناده. وقالا في حديث جابر، وقد عزواه للبزار أيضا - ولم أجده في زوائده -: " ورجال أحمد رجال الصحيح ". وللحديث شاهد من رواية أبي عمارة قيس مولى سودة بنت عمرو بن حزم عن أبيه عن جده مرفوعا به، وزاد: " ثم إذا قام من عنده فلا يزال يخوض فيها حتى يرجع ". أخرجه ابن أبي الدنيا (86 / 2 - 87 / 1) والعقيلي في " الضعفاء " ( ص 358) . وأبو عمارة هذا ضعفه البخاري جدا فقال: " فيه نظر ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات "، ولعله معتمد الهيثمي في قوله بعد أن ساق الحديث ( 2 / 297) : " رواه الطبرانى في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله موثقون "! وأما المنذري فقال: " وإسناده إلى الحسن أقرب "! والحديث أخرجه ابن عبد البر أيضا في " التمهيد " (24 / 273) وصححه

2505

من طريق هشيم وغيره عن عبد الحميد بن جعفر، وخالفه خالد بن الحارث عنه في مخالفة لا تضر في صحة متنه كما تقدم بيانه برقم (1929) ، وقد قدر إعادة تخريجه هنا، ولا يخلو من فائدة. 2505 - " إن الرجل يشفع للرجلين وللثلاثة والرجل للرجل ". أخرجه ابن خزيمة في " التوحيد " (ص 205) : حدثنا إسحاق بن منصور قال: حدثنا عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني ثابت البناني أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وأخرجه البزار (3473 - كشف) من طريقين آخرين عن عبد الرزاق دون الجملة الأخيرة. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأورده المنذري في " الترغيب " (4 / 220) ، ثم الهيثمي في " المجمع " (10 / 382) من رواية البزار (3473 - كشف الأستار) ، وقالا: " ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وله شاهد يرويه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. أخرجه ابن خزيمة (ص 670) وأحمد (3 / 20 و 63) . وعطية ضعيف كما هو معلوم.

2506

2506 - " ما استجار عبد من النار سبع مرات في يوم إلا قالت النار: يا رب إن عبدك فلانا قد استجارك مني فأجره، ولا يسأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا قالت الجنة: يا رب! إن عبدك فلانا سألني فأدخله الجنة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1472 - 1473) والضياء أيضا في " صفة الجنة " (3 / 89 / 1) : حدثنا أبو خيثمة أخبرنا جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الضياء: " هذا الحديث عندي على شرط الصحيحين ". وكذا قال المنذري قبله في " الترغيب " ( 4 / 222) وتبعهما ابن القيم في " حادي الأرواح " (1 / 148) وهو كما قالوا ، وبيان ذلك: 1 - أبو حازم هو سلمان الأشجعي الكوفي، وهو ثقة بلا خلاف، قيل: إنه مات في خلافة عمر بن عبد العزيز. 2 - يونس هو ابن يزيد الأيلي، قال الذهبي: " ثقة حجة شذ ابن سعد في قوله: ليس بحجة ... ". وقال الحافظ: " ثقة إلا أن في روايته عن الزهري وهما قليلا، وفي غير الزهري خطأ ". 3 - جرير هو ابن حازم الأزدي البصري، قال الذهبي: " أحد الأئمة الكبار الثقات، ولولا ذكر ابن عدي له لما أوردته ". وقال الحافظ:

" ثقة، لكن فى حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه ". قلت: وليس هذا من حديثه عنه، وإنما عن يونس الأيلي، وقد ذكروه في شيوخه. 4 - أبو خيثمة هو زهير بن حرب الحرشي النسائي، ثقة اتفاقا. وقال الحافظ: " ثقة ثبت، روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث ". وبالجملة، فالحديث صحيح بلا ريب، وما في بعض رواته من الكلام فهو يسير لا يضر في صحته - كما هو ظاهر - والله أعلم. (فائدة) : لقد اعتاد بعض الناس في دمشق وغيرها التسبيع المذكور في هذا الحديث جهرا وبصوت واحد عقب صلاة الفجر، وذلك مما لا أعلم له أصلا في السنة المطهرة، ولا يصلح مستندا لهم هذا الحديث لأنه مطلق، ليس مقيدا بصلاة الفجر أولا، ولا بالجماعة، ولا يجوز تقييد ما أطلقه الشارع الحكيم، كما لا يجوز إطلاق ما قيده، إذ كل ذلك شرع يختص به العليم الحكيم. فمن أراد العمل بهذا الحديث، فليعمل به في أي ساعة من ليل أو نهار، قبل الصلاة، أو بعدها. وذلك هو محض الاتباع، والإخلاص فيه. رزقنا الله تبارك وتعالى إياه. وأما حديث: " إذا صليت الصبح فقل قبل أن تتكلم: " اللهم أجرني من النار " سبع مرات.. " الحديث، فهو ضعيف كما تراه محققا في " الضعيفة " (1624) فلا تغتر بمن حسنه، فإنها زلة عالم، ولا بمن قلده، فإنه لا علم عنده. ثم طبع " مسند أبي يعلى " بتحقيق الأخ حسين سليم أسد، فإذا به يضيف حديث الترجمة! ويقول في التعليق عليه:

" إسناده ضعيف، يونس هو ابن خباب، قال يحيى بن سعيد: كان كذابا.. ". ثم أفاض في نقل أقوال الأئمة في تضعيف يونس هذا، ثم نقل عن " مجمع الزوائد " (10 / 171) أنه قال: " رواه البزار، وفيه يونس بن خباب، وهو ضعيف ". قلت: أصاب البزار، وأخطأ المعلق المشار إليه خطأ فاحشا، وخلط خلطا قبيحا بين راويين، أحدهما ثقة، وهو يونس بن يزيد الأيلي في إسناد أبي يعلى، والآخر واه، وهو يونس بن خباب، وذلك لمجرد التقائهما في الاسم والطبقة، وإن اختلف شيوخهما والرواة عنهما! والواجب في مثل هذا التأني والتحري في شأنهما حتى يتمكن من التعرف على شخصيتهما، وإلا وقع في الخطأ ولابد، كما حصل للمشار إليه ذلك لأن البزار رحمه الله قد ساق الحديث بأسانيد له عن يونس بن خباب كما في " كشف الأستار " (4 / 51) منها قوله: وحدثنا يوسف بن موسى: حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن يونس بن خباب عن أبي علقمة عن أبي هريرة به. ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في " صفة الجنة " (1 / 9 / 68) من طريق أخرى عن جرير به، إلا أنه وقع فيه: " أبي حازم بن يونس ". وأظن أن قوله: " ابن يونس " خطأ من الناسخ أو الطابع، فإنه في " حادي الأرواح " على الصواب من الطريق نفسها. على أن قول يونس بن خباب: " عن أبي حازم " غير محفوظ عن يونس والظاهر أنه من تخاليط ليث، وهو ابن أبي سليم، كان تارة يرويه هكذا، وتارة عن أبي علقمة، كما في رواية البزار، وهو الصواب عن يونس، لأنه كذلك هو في الطرق والأسانيد المشار إليها عند البزار. ويؤيده طريق أخرى عند الطيالسي في " مسنده " قال (2579) : حدثنا شعبة عن يعلى بن عطاء

قال: سمعت أبا علقمة - قال شعبة: حدثني يونس بن خباب سمع أبا علقمة عن أبي هريرة - ولم يرفعه يعلى إلى أبي هريرة قال : قال: " من سأل الله الجنة سبعا قالت الجنة.. " الحديث. فقد دارت الطرق الصحيحة على يونس بن خباب عن أبي علقمة عن أبي هريرة، بينما طريق أبي يعلى تدور على جرير بن حازم الذي لم يذكر في تلك الطرق عن يونس، فتبادر في ذهن ذلك المعلق أن يونس في هذه الطريق هو يونس بن خباب في تلك الطرق، وليس كذلك، لاحتمال أن يكون راويا آخر متابع، وهذا هو الراجح، لأن جرير ابن حازم من المعروف من ترجمته أنه يروي عن يونس بن يزيد الأيلي كما تقدم، فهذا هو ملحظ أولئك الحفاظ الذين صرحوا بصحة الحديث، وأنه على شرط الصحيحين. فهل خفي هذا على ذاك المعلق فوقع في الخطأ، أم أصابه غرور بعض الشباب بما عندهم من علم ضحل بهذا الفن الشريف؟! ذلك ما لا أدريه، ولكنني فوجئت بمعلق آخر اطلع على تصحيح الحفاظ المشار إليهم، وهم ضياء الدين المقدسي، والمنذري، وابن القيم، بل وأضاف إليهم رابعا، وهو الحافظ ابن كثير! ثم أخذ يرد عليهم بأن يونس بن خباب ليس من رجال الشيخين، وبأنه متكلم فيه، قال: " فالإسناد ضعيف واه "! ذلك هو المعلق على كتاب أبي نعيم المتقدم ذكره: " صفة الجنة ". لقد كان يكفي لردع هذا الشاب عن تسرعه في الرد على أولئك الحفاظ وتخطئتهم، أن يفكر قليلا في السبب الذي حملهم على تصحيح الحديث، إنه لو فعل ذلك لوجد أن الصواب معهم، وأنه هو المخطىء في مخالفتهم، ولكن المصيبة إنما هي التزبب قبل التحصرم. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

2507

2507 - " أما بعد يا عائشة! فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، [إنما أنت من بنات آدم] ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه. وفي رواية: فإن التوبة من الذنب الندم ". أخرجه البخاري (8 / 363 - 364 - فتح) ومسلم (8 / 116) وأحمد (6 / 196) والرواية الأخرى له (6 / 364) وأبو يعلى (3 / 1208 و 1218) والطبري في " التفسير " (18 / 73 و 75) والبغوي (6 / 74) من حديث عائشة رضي الله عنها، في حديثها الطويل عن قصة الإفك، ونزول الوحي القرآني ببراءتها في آيات من سورة النور: * (إن الذين جاؤا بالإفك عصبة منكم ... ) * الآيات (11 - 20) ، والزيادة التي بين المعقوفتين هي لأبي عوانة في " صحيحه "، والطبراني في " معجمه " كما في " الفتح " (8 / 344 و 364) . وقوله: " ألممت ". قال الحافظ : أي وقع منك على خلاف العادة، وهذا حقيقة الإلمام، ومنه: ألمت بنا والليل مرخ مستورة. قال الداوودي: " أمرها بالاعتراف، ولم يندبها إلى الكتمان، للفرق بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن، فيجب على أزواجه الاعتراف بما يقع منهن ولا يكتمنه إياه، لأنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك بخلاف نساء الناس، فإنهن ندبن إلى الستر ".

ثم تعقبه الحافظ نقلا عن القاضي عياض فيما ادعاه من الأمر بالاعتراف، فليراجعه من شاء، لكنهم سلموا له قوله: إنه لا يحل لنبي إمساك من يقع منها ذلك. وذلك غيرة من الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم، ولكنه سبحانه صان السيدة عائشة رضي الله عنها وسائر أمهات المؤمنين من ذلك كما عرف ذلك من تاريخ حياتهن، ونزول التبرئة بخصوص السيدة عائشة رضي الله عنها، وإن كان وقوع ذلك ممكنا من الناحية النظرية لعدم وجود نص باستحالة ذلك منهن، ولهذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم في القصة موقف المتريث المترقب نزول الوحي القاطع للشك في ذلك الذي ينبئ عنه قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الترجمة: " إنما أنت من بنات آدم، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله.. "، ولذلك قال الحافظ في صدد بيان ما في الحديث من الفوائد: " وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم لنفسه إلا بعد نزول الوحي. نبه عليه الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة نفع الله به ". يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقطع ببراءة عائشة رضي الله عنها إلا بعد نزول الوحي. ففيه إشعار قوي بأن الأمر في حد نفسه ممكن الوقوع، وهو ما يدندن حوله كل حوادث القصة وكلام الشراح عليها، ولا ينافي ذلك قول الحافظ ابن كثير (8 / 418) في تفسير قوله تعالى: * (ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين) * (التحريم: 10 ) . " وليس المراد بقوله: * (فخانتاهما) * في فاحشة، بل في الدين، فإن نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة لحرمة الأنبياء كما قدمنا في سورة النور ". وقال هناك (6 / 81) :

" ثم قال تعالى: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) *، أي: تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين، وتحسبون ذلك يسيرا سهلا ، ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا، فكيف وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم الأمي خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة نبيه ورسوله ما قيل، فإن الله سبحانه وتعالى يغار لهذا، وهو سبحانه لا (¬1) يقدر على زوجة نبي من الأنبياء ذلك، حاشا وكلا، ولما لم يكن ذلك، فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء زوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة، ولهذا قال تعالى: * (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) * ". أقول: فلا ينافي هذا ما ذكرنا من الإمكان، لأن المقصود بـ " العصمة " الواردة في كلامه رحمه الله وما في معناها إنما هي العصمة التي دل عليها الوحي الذي لولاه لوجب البقاء على الأصل، وهو الإمكان المشار إليه، فهي بالمعنى الذي أراده النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " فالمعصوم من عصمه الله " في حديث أخرجه البخاري وغيره، وليس المراد بها العصمة الخاصة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي التي تنافي الإمكان المذكور، فالقول بهذه في غير الأنبياء إنما هو من القول على الله بغير علم، وهذا ما صرح به أبو بكر الصديق نفسه في هذه القصة خلافا لهواه كأب، فقد أخرج البزار بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها أنه لما نزل عذرها قبل أبو بكر رضي الله عنها رأسها، فقالت: ألا عذرتني؟ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت ما لا أعلم؟! (¬2) وهذا هو الموقف الذي يجب على كل مسلم أن يقفه تجاه كل مسألة لم يأت الشرع الحنيف بما يوافق هوى الرجل، ولا يتخذ إلهه هواه. ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعل الصواب " لم " كما يدل عليه قوله الآتي: " ولما لم يكن ذلك ... ". (¬2) كذا في " روح المعاني " للآلوسي (6 / 38) وعزاه الحافظ في " الفتح " (8 / 366) للطبري وأبي عوانة.

واعلم أن الذي دعاني إلى كتابة ما تقدم، أن رجلا عاش برهة طويلة مع إخواننا السلفيين في حلب، بل إنه كان رئيسا عليهم بعض الوقت، ثم أحدث فيهم حدثا دون برهان من الله ورسوله، وهو أن دعاهم إلى القول بعصمة نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته وذريته من الوقوع في الفاحشة، ولما ناقشه في ذلك أحد إخوانه هناك، وقال له: لعلك تعني عصمتهن التي دل عليها تاريخ حياتهن، فهن في ذلك كالخلفاء الأربعة وغيرهم من الصحابة المشهورين، المنزهين منها ومن غيرها من الكبائر؟ فقال: لا، إنما أريد شيئا زائدا على ذلك وهو عصمتهن التي دل عليها الشرع، وأخبر عنها دون غيرها مما يشترك فيها كل صالح وصالحة، أي العصمة التي تعني مقدما استحالة الوقوع! ولما قيل له: هذا أمر غيبي لا يجوز القول به إلا بدليل، بل هو مخالف لما دلت عليه قصة الإفك، وموقف الرسول وأبي بكر الصديق فيها، فإنه يدل دلالة صريحة أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يعتقد في عائشة العصمة المذكورة، كيف وهو يقول لها: إنما أنت من بنات آدم، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ... الحديث: فأجاب بأن ذلك كان من قبل نزول آية الأحزاب 33: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *! جاهلا أو متجاهلا أن الآية المذكورة نزلت قبل قصة الإفك، بدليل قول السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها عن صفوان بن المعطل السلمي: " فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب "، وفيه أنها احتجبت منه. ودليل آخر، وهو ما بينه الحافظ رحمه الله بقوله (8 / 351) : " ولا خلاف أن آية الحجاب نزلت حين دخوله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش،

وفي حديث الإفك: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل زينب عنها. فثبت أن الحجاب كان قبل قصة الإفك ". ثم اشتدت المجادلة بينهما في ذلك حتى أرسل إلي أحد الإخوان الغيورين الحريصين على وحدة الصف خطابا يشرح لي الأمر، ويستعجلني بالسفر إليهم، قبل أن يتفاقم الأمر، وينفرط عقد الجماعة. فسافرت بالطائرة - ولأول مرة - إلى حلب، ومعي اثنان من الإخوان، وأتينا الرجل في منزله، واقترحت عليهما أن يكون الغداء عنده تألفا له، فاستحسنا ذلك. وبعد الغداء بدأنا بمناقشته فيما أحدثه من القول، واستمر النقاش معه إلى ما بعد صلاة العشاء، ولكن عبثا، فقد كان مستسلما لرأيه، شأنه في ذلك شأن المتعصبة الذين يدافعون عن آرائهم دون أي اهتمام للأدلة المخالفة لهم، بل لقد زاد هذا عليهم فصرح في المجلس بتكفير من يخالفه في قوله المذكور، إلا أنه تنازل - بعد جهد جهيد - عن التكفير المشار إليه، واكتفى بالتصريح بتضليل المخالف أيا كان! ولما يئسنا منه قلنا له: إن فرضك على غيرك أن يتبنى رأيك وهو غير مقتنع به، ينافي أصلا من أصول الدعوة السلفية، وهو أن الحاكمية لله وحده، وذكرناه بقوله تعالى في النصارى: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله) *، ولهذا فحسبك أن يظل كل منكما عند رأيه، ما دام أن أحدكما لم يقنع برأي الآخر ، ولا تضلله، كما هو لا يضللك، وبذلك يمكنك أن تستمر في التعاون معه فيما أنتما متفقان عليه من أصول الدعوة وفروعها. فأصر على فرض رأيه عليه وإلا فلا تعاون، علما بأن هذا الذي يريد أن يفرض عليه رأيه هو أعرف منه وأفقه بالدعوة السلفية أصولا وفروعا، وإن كان ذاك أكثر ثقافة عامة منه. وصباح اليوم التالي بلغنا إخوانه المقربين إليه بخلاصة المناقشة، وأن الرجل

لا يزال مصرا على التضليل وعدم التعاون إلا بالخضوع لرأيه. فأجمعوا أمرهم على عزله، ولكن بعد مناقشته أيضا، فذهبوا إليه في بيته - بعد استئذانه طبعا - وأنا معهم، وصاحباي فطلبوا منه التنازل عن إصراره وأن يدع الرجل على رأيه، وأن يستمر معهم في التعاون، فرفض ذلك، وبعد مناقشة شديدة بينه وبين مخالفه في الرأي وغيره من إخوانه، خرج فيها الرجل عن طوره حتى قال لمخالفه لما ذكره بالله: أنا لا أريد أن تذكرني أنت بالله! إلى غير ذلك من الأمور التي لا مجال لذكرها الآن ، وعلى ضوء ما سمعوا من إصراره، ورأوا من سوء تصرفه مع ضيوفه اتفقوا على عزله، ونصبوا غيره رئيسا عليهم. ثم أخذت الأيام تمضي، والأخبار عنه تترى بأنه ينال من خصمه ويصفه بما ليس فيه، فلما تيقنت إصراره على رأيه وتقوله عليه، وهو يعرف نزاهته وإخلاصه قرابة ثلاثين سنة، أعلنت مقاطعته حتى يعود إلى رشده، فكان كلما لقيني وهش إلي وبش أعرضت عنه. ويحكي للناس شاكيا إعراضي عنه متجاهلا فعلته، وأكثر الناس لا يعلمون بها، في الوقت الذي يتظاهر فيه بمدحي والثناء علي وأنه تلميذي! إلى أن فوجئت به في منزل أحد السلفيين في عمان في دعوة غداء في منتصف جمادى الأولى لسنة (1396) فسارع إلى استقبالي كعادته، فأعرضت عنه كعادتي، وعلى المائدة حاول أن يستدرجني إلى مكالمته بسؤاله إياي عن بعض الشخصيات العلمية التي لقيتها في سفري إلى (المغرب) ، وكنت حديث عهد بالرجوع منه، فقلت له: لا كلام بيني وبينك حتى تنهي مشكلتك! قال: أي مشكلة؟ قلت: أنت أدرى بها، فلم يستطع أن يكمل طعامه. فقصصت على الإخوان الحاضرين قصته، وتعصبه لرأيه، وظلمه لأخيه المخالف له، واقترحت عقد جلسة خاصة ليسمعوا من الطرفين. وكان ذلك بعد

يومين من ذلك اللقاء، فبعد أن انصرف الناس جميعا من الندوة التي كنت عقدتها في دار أحدهم في (جبل النصر) وبقي بعض الخاصة من الإخوان، بدأ النقاش، فإذا بهم يسمعون منه كلاما عجبا، وتناقضا غريبا، فهو من جهة يشكوني إليهم لمقاطعتي إياه، وأنه يهش إلي ويبش ، ويتفاخر في المجالس بأني شيخه، ومن جهة أخرى لما يجري البحث العلمي بيني وبينه يصرح بتضليلي أيضا وبمقاطعتي! فيقول له الإخوان: كيف هذا، وأنت تشكو مقاطعته إياك؟! فلا يجيب على سؤالهم، وإنما يخوض في جانب آخر من الموضوع. وباختصار فقد انكشف للحاضرين إعجابه برأيه وإصراره عليه، وتعديه على من يزعم أنه شيخه وجزمه بضلاله، والله المستعان. فإذا قيل له: رأيك هذا هو وحي السماء، ألا يمكن أن يكون خطأ؟ قال: بلى، فإذا قيل له: فكيف تجزم بضلال مخالفك مع احتمال أن يكون الصواب معه؟ لم يحر جوابا، وإنما يعود ليجادل بصوت مرتفع، فإذا ذكر بذلك قال: عدم المؤاخذة، لقد قلت لكم: هذه عادتي! فلا تؤاخذوني! فطالبه بعض الحاضرين بالدليل على العصمة التي يزعمها، فتلى آية التطهير: * (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) *، فقيل له: الإرادة في هذه الآية شرعية أم كونية، فأجاب: كونية! فقيل له: هذا يستلزم أن أولاد فاطمة أيضا معصومون! قال: نعم. قيل وأولاد أولادها؟ فصاح وفر من الجواب. وواضح من كلامه أنه يقول بعصمة أهل البيت جميعا إلى يوم يبعثون، ولكنه لا يفصح بذلك لقبحه. فقام صاحب الدار وأتى برسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقرأ منها فصلا هاما في بيان الفرق بين الإرادة الشرعية والإرادة الكونية، فالأولى محبته تعالى ورضاه لما أراده من الإيمان والعمل

الصالح، ولا تستلزم وقوع المراد، بخلاف الإرادة الكونية، فهي تستلزم وقوع ما أراده تعالى، ولكنها عامة تشمل الخير والشر، كما في قوله تعالى: * (إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) * (يس: 82) ، فعلى هذا، فإذا كانت الإرادة في آية التطهير إرادة شرعية فهي لا تستلزم وقوع المراد من التطهير، وإنما محبته تعالى لأهل البيت أن يتطهروا، بخلاف ما لو كانت إرادة كونية فمعنى ذلك أن تطهيرهم أمر كائن لابد منه، وهو متمسك الشيعة في قولهم بعصمة أهل البيت، وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ضلالهم في ذلك بيانا شافيا في مواطن عديدة من كتابه " منهاج السنة "، فلا بأس من أن أنقل إلى القراء الكرام طرفا منه لصلته الوثيقة بما نحن فيه، فقال في صدد رده على الشيعي المدعي عصمة علي رضي الله عنه بالآية السابقة: " وأما آية (الأحزاب 33) : * (ويطهركم تطهيرا) * فليس فيها إخبار بذهاب الرجس وبالطهارة، بل فيها الأمر لهم بما يوجبهما، وذلك كقوله تعالى (المائدة 6) : * (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم) *، والنساء: 26) : * (يريد الله ليبين لكم ويهديكم) *، و (النساء: 28) : * (يريد الله أن يخفف عنكم) *. فالإرادة هنا متضمنة للأمر والمحبة والرضا ليست هي الملتزمة لوقوع المراد، ولو كان كذلك لتطهر كل من أراد الله طهارته. وهذا على قول شيعة زماننا أوجه، فإنهم معتزلة يقولون: إن الله يريد ما لا يكون، فقوله تعالى: * (يريد الله ليذهب عنكم الرجس) * إذا كان بفعل المأمور وترك المحظور ، كان ذلك متعلقا بإرادتهم وبأفعالهم، فإن فعلوا ما أمروا به طهروا. ومما يبين أن ذلك مما أمروا به لا مما أخبر بوقوعه أن النبي صلى الله عليه وسلم أدار الكساء على علي وفاطمة والحسن والحسين ثم قال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب

عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ". رواه مسلم من حديث عائشة. ورواه أهل السنن من حديث أم سلمة، وفيه دليل على أنه تعالى قادرا على إذهاب الرجس والتطهير، وأنه خالق أفعال العباد، ردا على المعتزلي. ومما يبين أن الآية متضمنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام: * (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينه - إلى قوله - ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. واذكرن ما يتلى في بيوتكن) * (الأحزاب 30 - 34) ، فهذا السياق يدل على أن ذلك أمر ونهي، وأن الزوجات من أهل البيت، فإن السياق إنما هو في مخاطبتهن ويدل الضمير المذكر على أنه عم غير زوجاته كعلي وفاطمة وابنيهما " (¬1) . وقال في " مجموعة الفتاوى " (11 / 267) عقب آية التطهير: " والمعنى أنه أمركم بما يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، فمن أطاع أمره كان مطهرا قد أذهب عنه الرجس بخلاف من عصاه ". وقال المحقق الآلوسي في تفسير الآية المذكورة بعد أن ذكر معنى ما تقدم عن ابن تيمية (7 / 47 - بولاق) : " وبالجملة لو كانت إفادة معنى العصمة مقصودة لقيل هكذا: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيرا. وأيضا لو كانت مفيدة للعصمة ينبغي أن يكون الصحابة لاسيما الحاضرين في غزوة بدر قاطبة معصومين لقوله تعالى ¬

(¬1) " المنتقى من منهاج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال " (ص 168) ، وراجع منه (ص 84، 427 - 428 و 446 - 448 و 473 و 551) . اهـ.

2508

فيهم: * (ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون) *، بل لعل هذا أفيد لما فيه من قوله سبحانه: * (وليتم نعمته عليكم) *، فإن وقوع هذا الإتمام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان ". وللبحث عنده تتمة لا يخرج مضمونه عما تقدم، ولكن فيه تأكيد له، فمن شاء فليراجعه. فأقول: لقد أطلت الكلام في مسألة العصمة المزعومة، لأهميتها ولصلتها الوثقى بحديث عائشة رضي الله عنها. وتذكيرا للأخر المشار إليه لعله يجد فيما كتبت ما ينير له سبيل الهداية، والعودة لمواصلة أخيه، راجعا عن إضلاله، وللتاريخ والعبرة أخيرا . ثم توفي الرجل بعد كتابه هذا بسنين طويلة إلى رحمة الله ومغفرته، ومعذرة إلى بعض الإخوان الذين قد يرون في هذا النقد العلمي وفيما يأتي ما لا يروق لهم ، فأذكرهم بأن العلم الذي عشته دهري هو الذي لا يسعني مخالفته، وما قول البخاري وسليمان بن حرب الآتي تحت رقم 2630 في (حرب بن ميمون) : " هو أكذب الخلق " - وذلك بعد موته - عنهم ببعيد. 2508 - " إن فرعون أوتد لامرأته أربعة أوتاد في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها ظللتها الملائكة، فقالت: * (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) *، فكشف لها عن بيتها في الجنة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1521 - 1522) : حدثنا هدبة أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة أن فرعون ... إلخ. هكذا

وقع فيه موقوفا عليه غير مرفوع، وهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال بمجرد الرأي، مع احتمال كونه من الإسرائيليات. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أورده السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 245) موقوفا أيضا، وقال: " أخرجه أبو يعلى والبيهقي بسند صحيح عن أبي هريرة ". ثم عزاه لعبد بن حميد عن أبي هريرة موقوفا أيضا نحوه. وقال الحافظ ابن حجر في " المطالب العالية " (3 / 390) : " صحيح موقوف ". وقال الهيثمي (9 / 218) : " ورجاله رجال الصحيح ". وله شاهد من حديث سلمان رضي الله عنه قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة. أخرجه الطبري في " تفسيره " (28 / 110) والحاكم (2 / 496) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وعزاه السيوطي لابن أبي شيبة أيضا وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في " شعب الإيمان ". قلت: ثم طبع " شعب الإيمان " هذا، فرأيته قد أخرجه (2 / 244 / 1637) من طريقين عن يزيد بن هارون: أنبأنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان به موقوفا أيضا.

2509

وإسناده صحيح. ثم أخرج (1638) من طريق معمر عن ثابت عن أبي رافع قال: " وتد فرعون لامرأته أربعة أوتاد. ثم حمل على بطنها رحى عظيمة حتى ماتت ". وهذا صحيح. لكنه مع وقفه مرسل. 2509 - " لو كان في هذا المسجد مائة [ألف] أو يزيدون، وفيه رجل من أهل النار فتنفس فأصابهم نفسه لاحترق المسجد ومن فيه ". أخرجه البزار (3499) وأبو يعلى في " المسند " (4 / 1573 - 1574) وابن أبي الدنيا في " صفة النار " (ق 8 / 2) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 307) والسياق له من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل: قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد: قال : حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن شبيب عن جعفر بن أبي وحشية عن سعيد بن جبير عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث سعيد، تفرد به أبو عبيدة عن هشام ". قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير محمد بن شبيب، وهو الزهراني، ترجمه ابن أبي حاتم، فقال (3 / 2 / 285) : " روى عن الحسن وعبد الملك بن عمير، روى عنه هشام الدستوائي وهشام بن حسان وحماد بن زيد، ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: محمد بن شبيب الزهراني ثقة ".

وسمع منه شعبة أيضا كما في " تاريخ البخاري " (1 / 1 / 114) . وجهله ابن الجوزي وغيره، فأورده الذهبي في " الميزان "، فقال: " محمد بن شبيب قال ابن الجوزي: مجهول. ثم ساق له في " الواهيات " حديثا، وهو: هشام بن حسان عن محمد بن شبيب ... (فذكره) . قال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر ". قلت: ومن الغريب أن الذهبي لم يتنبه أنه الزهراني المترجم عند البخاري وابن أبي حاتم، وقد يقال أنه تنبه لذلك ولكنه يرى أنه غيره. فأقول: فكان الواجب الذي يقتضيه هذا العلم أن ينبه على ذلك، على النحو الذي صنعه الحافظ ابن حجر، ولو أنه لم يصب الهدف، فإنه عقب عليه في " اللسان " بقوله: " ومحمد بن شبيب المذكور هو محمد بن عيسى بن شبيب النهدي، فنسب إلى جده، وله ترجمة في ( الكامل) ". قلت: ففاته أيضا أنه الزهراني، أو أن ينبه أنه غيره على الأقل. على أنني لم أجد في ترجمة من اسمه (محمد) من " الكامل " لابن عدي من اسم جده " شبيب النهدي ". والله أعلم. والحديث قال المنذري (4 / 227) : " رواه أبو يعلى وإسناده حسن، وفي متنه نكارة، ورواه البزار ولفظه.. ". وقال الهيثمي (10 / 391) : " رواه أبو يعلى عن شيخه إسحاق، ولم ينسبه، فإن كان ابن راهويه فرجاله رجال الصحيح، وإن كان غيره فلم أعرفه ". قلت: بل هو غيره قطعا، فقد ساق له حديثا قبل هذا، وحديثا آخر قبلهما،

وقد سماه فيه فقال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل: حدثني ... فإذا قال بعده: حدثنا إسحاق ... ولم ينسبه فهو الذى قبله يقينا، فلا أدري كيف لم يتنبه الهيثمي لهذا، فإن مثله لا يخفى عليه مثله! وقد ازددت بذلك يقينا حين رأيت أبا نعيم قد نسبه في روايته كما سبق، وسماه ابن أبي الدنيا إسحاق بن إبراهيم، وهو هو وكنيته أبو يعقوب المروزي، وهو ثقة. وأما قوله: " فرجاله رجال الصحيح "، فوهم أيضا لما عرفت من ترجمة محمد بن شبيب، وأنه ليس من رجال " التهذيب "، ولعله توهم أنه محمد بن سيرين، فقد وقع كذلك عند البزار في " مسنده " (ص 315 - زوائده) من طريق عبد الرحيم بن هارون الغساني عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن جعفر بن أبي وحشية به نحوه وعبد الرحيم هذا ضعيف كذبه الدارقطني كما في " التقريب " وقوله:. " محمد بن سيرين " يحتمل أنه فيه فيدل على ضعفه لمخالفته أبا عبيدة الحداد الثقة، ويحتمل أنه من الناسخ، ويؤيد الأول قول الهيثمي: " رواه البزار، وفيه عبد الرحيم بن هارون، وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: يعتبر حديثه إذا حدث من كتابه، فإن في حديثه من حفظه بعض مناكير، وبقية رجاله رجال الصحيح ". فإن قوله: " ... رجال الصحيح "، يشعر بأنه وقع في نسخته أيضا: محمد بن سيرين. لكن يحتمل أنه وهم فيه أيضا كما وهم في إسناد أبي يعلى. فالله سبحانه وتعالى أعلم. هذا ولم يتبين لي وجه النكارة التي ذكر المنذري، وحكاها ابن الجوزي عن الإمام أحمد، ونحن على الصحة التي تقتضيها صحة الإسناد، لا نخرج عنها إلا

2510

بحجة بينة، ويعجبني بهذه المناسبة كلمة رائعة وقفت عليها في " سير أعلام النبلاء " للذهبي (9 / 188) : " قال يحيى بن سعيد (وهو القطان الإمام) : لا تنظروا إلى الحديث، ولكن انظروا إلى الإسناد، فإن صح الإسناد ، وإلا فلا تغتروا بالحديث إذا لم يصح الإسناد ". والله تعالى هو الموفق. 2510 - " إنكم اليوم في زمان كثير علماؤه قليل خطباؤه من ترك عشر ما يعرف فقد هوى، ويأتي من بعد زمان كثير خطباؤه قليل علماؤه من استمسك بعشر ما يعرف فقد نجا ". أخرجه الهروي في " ذم الكلام " (1 / 14 - 15) من طريقين عن محمد بن طفر بن منصور حدثنا محمد بن معاذ حدثنا علي بن خشرم حدثنا عيسى بن يونس عن الحجاج بن أبي زياد عن أبي الصديق أو أبي نضرة - شك الحجاج - عن أبي ذر مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير محمد بن طفر هذا، فإني لم أجد له حتى الآن ترجمة، وهو الذي كان حال بيني وبين تصحيح الحديث لما خرجت حديث أبي هريرة بنحوه في " الضعيفة " (684) ، ثم وجدت أنه لم يتفرد به، فلم أر من الأمانة العلمية إلا تصحيحه، فقد قال البخاري في ترجمة الحجاج ابن أبي زياد الأسود (1 / 2 / 374) : " قال إبراهيم بن موسى: أخبرنا عيسى بن يونس ... (قلت: فساق إسناده مثله والطرف الأول من متنه، ثم قال:) وقال إسحاق: حدثنا المؤمل سمع

حماد بن سلمة سمع حجاج الأسود يحدث ثابتا عن أبي الصديق عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنكم في زمان من ترك - نحوه ". قلت: وهذا وصله أحمد في " المسند " (5 / 155) : حدثنا مؤمل: حدثنا حماد: حدثنا حجاج الأسود - قال مؤمل: وكان رجلا صالحا - قال: سمعت أبا الصديق يحدث ثابتا البناني عن رجل عن أبي ذر به. قلت: فزاد أحمد في إسناده: " عن رجل "، فأفسده، وبه أعله الهيثمي (1 / 127) ، فقال: " رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم ". قلت: وعندي أن هذه الزيادة هي من مؤمل، وهو ابن إسماعيل البصري، فإنه سيىء الحفظ كما في " التقريب "، فكان يضطرب فيها، فيذكرها تارة فحفظها عن أحمد، ولا يذكرها تارة كما في رواية إسحاق المتقدمة عنه، وإسحاق هو ابن راهويه الإمام، وهذا هو الصواب لموافقتها لرواية عيسى بن يونس، ولا اختلاف فيها كما رأيت، فقد اتفق عليها علي بن خشرم وإبراهيم بن موسى - وهو أبو إسحاق الفراء - وكلاهما ثقة من رجال الشيخين، ومن ذلك يتبين أن الحديث صحيح الإسناد رجاله كلهم ثقات غير الحجاج بن أبي زياد، وهو ثقة كما قال أحمد وابن معين، ثم الذهبي في " تلخيص المستدرك " (4 / 332) وترجم له في " الميزان " ترجمة مختصرة مخلة، خلافا للحافظ في " اللسان "، فراجعه، وهو راوي حديث " الأنبياء أحياء في قبورهم " المتقدم (621) ، فانظر ترجمته ثم. وأما تردد الحجاج بين أبي نضرة وأبي الصديق، فمما لا يضر في صحة السند لأنه تردد بين ثقتين، فتنبه.

2511

وقد روي الحديث بنحوه من حديث عبد الله بن سيد مرفوعا بسند ضعيف، ومن حديث عبد الله بن مسعود موقوفا بسند صحيح، وسيأتي تخريجه برقم (3189) . 2511 - " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام: ما لي لم أر ميكائيل ضاحكا قط؟ قال: ما ضحك ميكائيل منذ خلقت النار ". أخرجه الروياني في " مسنده " (ق 247 / 2) : أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد القطان أخبرنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن عائذ عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - وربما لم يرفعه - قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الرحمن بن عائذ، وهو ثقة كما في " التقريب ". والحديث أخرجه الحاكم (2 / 80 - 81) وعنه البيهقي (9 / 149) من طريق مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه لم يقل: " وربما لم يرفعه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "! ووافقه الذهبي! وذلك من أوهامهما لما تقدم من الاستثناء، وقد أقره المنذري أيضا (2 / 154) ! ثم قال الحاكم: " وقد أوقفه وكيع بن الجراح عن ثور، وفي يحيى بن سعيد قدوة ". قلت: وهو كما قال، لكن يحيى قد ذكر أن الراوي - ولعله ابن عمر أو من دونه - كان ربما لم يرفعه، وذلك مما لا يضر لأن الراوي قد لا ينشط أحيانا فيوقفه، ولأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر. (تنبيه) : " حارس الحرس " كذا وقع في " المسند " وفي المصدرين الآخرين: " حارس حرس " ولعله الصواب، فإنه كذلك في " مصنف ابن أبي شيبة " (5 / 296) : حدثنا وكيع أخبرنا ثور به موقوفا. وكذا هو في " الترغيب ". والله أعلم.

2512

2512 - " ما من أحد يموت سقطا ولا هرما - وإنما الناس فيما بين ذلك - إلا بعث ابن ثلاثين سنة، فإن كان من أهل الجنة كان على نسحة آدم، وصورة يوسف، وقلب أيوب، ومن كان من أهل النار عظموا، أو فخموا كالجبال ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 302 / 1) : حدثنا هيثم بن خالد حدثنا عبد الكبير بن المعافى: حدثنا هشيم عن عبيدة عن إبراهيم عن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي عن عبد الله بن عكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " لم يروه عن عبيدة إلا هشيم، تفرد به عبد الكبير به المعافى ". قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 63) : " سمع منه أبي وروى عنه وقال: وكان ثقة رضا، كان يعد من الأبدال ". قلت: وإنما العلة ممن فوقه، فهشيم - وهو ابن بشير الواسطي - مع كونه ثقة ثبتا، فهو كثير التدليس كما في " التقريب ". وشيخه عبيدة - وهو ابن معتب الضبي -، قال الذهبي في " الضعفاء ": " قال أحمد: تركوا حديثه ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 218) : " وفيه عبيدة بن معتب وقد أجمعوا على ضعفه ".

وعبد الله بن عبيد الله الهاشمي هو من طبقة عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي وهو ثقة من رجال الشيخين، لكنهم لم يذكروا له رواية عن عبد الله بن عكيم ولا ذكروا إبراهيم - وهو النخعي - في الرواة عنه. وهيثم بن خالد وهو المصيصي أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال الدارقطني: ضعيف ". وأقره الحافظ في " التهذيب " وجزم بضعفه في " التقريب ". لكن قد رواه شبيب بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في أرض جهينة: " إني كنت رخصت لكم في إهاب الميتة وعصبها، فلا تنتفعوا بعصب ولا إهاب ". أخرجه ابن عدي في ترجمة شبيب هذا من " الكامل " (4 / 1347) والطبراني أيضا كما في " التلخيص الحبير " (1 / 47) وقال: " إسناده ثقات، وتابعه فضالة بن المفضل عند الطبراني في ( الأوسط) ". قلت: فضالة لفظ حديثه يختلف عن هذا فإنه بلفظ: " إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب ". فذكر الجلد في الموضعين مكان الإهاب والمحفوظ (الإهاب) وهو الجلد قبل الدبغ، هكذا رواه جماعة عن شعبة به، وهو مخرج في " الإرواء " (رقم 38) .

وفضالة بن مفضل قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 79) عن أبيه: " لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم، سألت عنه سعيد بن عيسى بن تليد؟ فثبطني عنه، وقال: الحديث الذي يحدث به موضوع أو نحو هذا ". واعلم أن حديث ابن عكيم هذا قد اختلف العلماء فيه رواية ودراية: وأما رواية، فقد أعله بعضهم بالإرسال والاضطراب، وهو مردود لأنه إن سلم به بالنظر لبعض الطرق، فهو غير مسلم بالنسبة للطرق الأخرى كما كنت بينته في المصدر المذكور آنفا ولذلك قواه بعض المتقدمين ومنهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فقال ابنه صالح في " مسائله " (ص 160) : " قال أبي: الله قد حرم الميتة، فالجلد هو من الميتة، وأذهب إلى حديث ابن عكيم، أرجو أن يكون صحيحا : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". قال أحمد: " وليس عندي في دباغ الميتة حديث صحيح، وحديث ابن عكيم هو أصحها "! كذا قال رحمه الله، مع أنه قد ورد في الدباغ خمسة عشر حديثا ساقها الشوكاني في " نيل الأوطار " (1 / 54) بعضها في " الصحيحين " وهي مخرجة في " غاية المرام " (25 - 29) .

وأما الدراية فقد اختلف العلماء في كون الدباغ مطهرا أم لا؟ والجمهور على الأول، واختلفوا في الجواب عن حديث الترجمة، وأصح ما قيل إن الإهاب هو الجلد الذي لم يدبغ، فهو المنهي عنه، فإذا دبغ فقد طهر. ومن شاء التفصيل فليراجع " نيل الأوطار " وغيره.

2513

2513 - " أعطيت الكوثر، فإذا هو نهر يجري [كذا على وجه الأرض] ولم يشق شقا، فإذا حافتاه قباب الؤلؤ، فضربت بيدي إلى تربته، فإذا هو مسكة ذفرة، وإذا حصاه اللؤلؤ ". أخرجه أحمد (3 / 152) : حدثنا عبد الصمد، والزيادة له، و (3 / 247) : حدثنا عفان والسياق له، قالا: حدثنا حماد: أنبأنا ثابت عن أنس بن مالك أنه قرأ هذه الآية: * (إنا أعطيناك الكوثر) * قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 133 / 6437) من طريق هدبة بن خالد: حدثنا حماد بن سلمة به، والبزار (4 / 179 / 3488) من طريق روح: حدثنا حماد به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 401) لابن المنذر أيضا وابن مردويه عن أنس. وقال ابن القيم في " حادي الأرواح " (1 / 286) : " وقال أبو خيثمة: حدثنا عفان. حدثنا حماد بن سلمة ... وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا يعقوب بن عبيد (الأصل: عبيدة وهو خطأ) حدثنا يزيد بن هارون حدثنا الجريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال:

أظنكم تظنون أن أنهار الجنة أخدود في الأرض! لا والله، إنها لسائحة على وجه الأرض، إحدى حافتيها اللؤلؤ، والأخرى الياقوت، وطينها المسك الأذفر. قال: قلت: ما الأذفر؟ قال: الذي لا خلط له. ورواه ابن مردويه في " تفسيره " عن محمد بن أحمد: حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى حدثنا مهدي بن حكيم حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا الجريري عن معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره هكذا مرفوعا ". قلت: وإسناد ابن أبي الدنيا صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يعقوب ابن عبيد - وهو النهرتيري - قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 210) : " سمعت منه مع أبي، وهو صدوق ". وله ترجمة في " تاريخ بغداد " (14 / 280) : وقد خالفه مهدي بن حكيم فرواه عن يزيد بن هارون به مرفوعا عند ابن مردويه، ومهدي هذا لم أجد له ترجمة ، ولكن الموقوف صحيح كما رأيت، وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي، لاسيما وقد صح مرفوعا من الطريق الأولى. ونحوه ما روى سفيان الثوري عن عمرو بن مرة عن أبي عبيدة عن مسروق في قوله تعالى: * (وماء مسكوب) * قال: إنها تجري في غير أخدود. ذكره ابن القيم. وإسناده مقطوع صحيح. قلت: وفيما تقدم دليل على بطلان ما أخرج ابن مردويه في " الدر المنثور " (6 / 402) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: * (إنا أعطيناك الكوثر) * قال: " نهر في الجنة عمقه [في الأرض] سبعون ألف فرسخ ". وعزاه المنذري (4 / 254 - 255) لابن أبي الدنيا وعنده الزيادة، وأشار إلى تضعيفه، بل هو عندي منكر لمخالفته لحديث أنس هذا. والله أعلم.

2514

(تنبيه) : أورد المنذري حديث أنس الموقوف الذي سبق نقله عن ابن القيم، وقال عقبه (4 / 255) : " رواه ابن أبي الدنيا موقوفا، ورواه غيره مرفوعا، والموقوف أشبه بالصواب ". قلت: وكأنه يشير بالمرفوع إلى رواية ابن مردويه المتقدمة، وهذا التصويب صحيح، كما يتبين لك مما سبق من التحقيق، لكن الذي يبدو لي أن المنذري لم يطلع على الطريق الأخرى المرفوعة عند الإمام أحمد، وإلا لما أغفلها مع صحة إسنادها، فالصواب أن كلا من الموقوف والمرفوع صحيح. ولا منافاة بينهما كما هو ظاهر. والله أعلم. 2514 - " ذاك نهر أعطانيه الله - يعني - في الجنة، أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طير أعناقها كأعناق الجزر. قال عمر: إن هذه لناعمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكلتها أنعم منها ". أخرجه الترمذي (2 / 88) وابن جرير في " التفسير " (30 / 209) وأحمد (3 / 237) والمقدسي في " صفة الجنة " (3 / 3 / 85 / 1) من طرق عن محمد بن عبد الله ابن مسلم عن أبيه عن أنس بن مالك قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الكوثر؟ قال آفذكره. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن غريب، ومحمد بن عبد الله بن مسلم هو ابن أخي ابن شهاب الزهري، وعبد الله بن مسلم هو أخو الزهري محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري ". قلت: وقد تابعه ابن شهاب الزهري نفسه وغيره، فقال أبو أويس: أخبرني ابن شهاب أن أخاه أخبر أن أنس بن مالك الأنصاري أخبره به.

أخرجه أحمد (3 / 236 و 237) وابن جرير والحاكم (2 / 537) وتابعه عبد الوهاب بن أبي بكر عن عبد الله بن مسلم بن شهاب به. أخرجه ابن جرير، وأحمد (3 / 220) . قلت: فهذه ثلاث طرق عن عبد الله بن مسلم بن شهاب، وهو ثقة من رجال مسلم، فهو مشهور عنه، وليس مشهورا عن ابنه محمد فقط كما يوهم كلام الحاكم عليه، لكنه من طريق ابنه حسن كما قال الترمذي، لأن فيه كلاما من قبل حفظه، لكن متابعة عمه الزهري إياه، وكذا عبد الوهاب بن أبي بكر المدني - وهو ثقة أيضا - يجعل حديثه صحيحا. ولعل الترمذي لم يقف على هذه المتابعات، وإلا لكان حقه أن يصححه. والله أعلم. وللحديث طريق أخرى بنحوه. فقال أحمد (3 / 221) : حدثنا سيار بن حاتم حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي حدثنا ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة. فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذه لطير ناعمة! فقال: أكلتها أنعم منها (قالها ثلاثا) ، وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها يا أبا بكر! ". وهذا إسناد على شرط مسلم، غير سيار بن حاتم، وهو صدوق له أوهام كما في " التقريب "، وفيه نكارة ظاهرة ، ولا يقويه ما ذكره ابن القيم في " حادي الأرواح " (1 / 295) من رواية الحاكم من طريق الفضل بن المختار عن عبيد الله بن موهب عن عصمة بن مالك الخطمي عن حذيفة مرفوعا مثل حديث سيار. قلت: لا يقويه، لأن الفضل هذا ضعيف جدا، قال أبو حاتم: " أحاديثه منكرة، يحدث بالأباطيل ". وقد ساق له الذهبي طائفة من أحاديثه، وقال عقبها:

" فهذه أباطيل وعجائب ". وقد ساقها ابن عدي أيضا في " الكامل " (ق 323 / 2) ومنها هذا الحديث، ولكنه لم يذكر في إسناده حذيفة وقال عقبها: " لا يرويها غير الفضل بن المختار، وبه تعرف، وعامتها مما لا يتابع عليه " ومثله ما أخرجه المقدسي (3 / 85 / 1 - 2) من طريق عبد الله بن زياد عن زرعة عن نافع عن ابن عمر قال: ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم طوبى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر هل بلغك ما طوبى؟ قال : الله ورسوله أعلم. قال: طوبى شجرة في الجنة لا يعلم طولها إلا الله عز وجل ، يسير الراكب تحت غصن من أغصانها سبعين خريفا، ورقها الحلل، يقع عليها الطير كأمثال البخت. فقال أبو بكر: إن هناك لطيرا ناعما. قال: أنعم منه من يأكله ، وأنت منهم إن شاء الله تعالى ". سكت عنه ابن كثير في " تفسيره " (8 / 184 - منار) ولعل ذلك لظهور علته، فإن عبد الله بن زياد وهو الفلسطيني. تكلم فيه ابن حبان، وساق له حديثا آخر وقال: " ليس هذا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وساق له الحافظ في " اللسان " حديثا ثالثا من طريق أبي نعيم بإسناده عنه به، وقال: " قال أبو نعيم: الحمل فيه على عبد الله بن زياد ". ولجملة الطير وأنها أمثال البخت، شاهدان من مرسل يحيى الجزار والحسن البصري أخرجهما ابن أبي شيبة (13 / 102 - 103) بإسنادين صحيحين عنهما.

2515

2515 - " إذا رميت الجمار كان لك نورا يوم القيامة ". أخرجه البزار (ص 113 - زوائده) : حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري حدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر حدثنا ابن أبي الزناد عن موسى بن عقبة عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " لا نعلمه متصلا عن ابن عباس إلا من هذا الطريق ". قلت: قال الحافظ عقبه: " قلت: إسناده حسن، لأن سماع موسى من صالح قبل الاختلاط ". قلت: وهذه فائدة هامة لا توجد هكذا في كتب الرجال، فقد ذكروا فيها أن صالحا كان اختلط، وأن ابن أبي ذئب وابن جريج وزياد بن سعد سمعوا منه قبل الاختلاط، ولم يذكروا معهم موسى بن عقبة هذا، وهو حري بذلك، فقد كانت وفاته سنة (141) ، فهو متقدم الوفاة عليهم بنحو عشر سنين، وأكثر من ذلك بالنسبة لبعضهم. وقد غفل عن هذه الفائدة الحافظ المنذري فأشار في " الترغيب " (2 / 131) إلى إعلاله بصالح مولى التوأمة، وصرح بذلك الهيثمي، فقال في " مجمع الزوائد " (3 / 260) : " رواه البزار، وفيه صالح مولى التوأمة، وهو ضعيف "!

2516

2516 - " لا ينقع بول في طست في البيت، فإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه بول، ولا يبولن في مغتسل ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (ص 34 - مجمع البحرين نسخة الحرم المكي) حدثنا أحمد حدثنا إسحاق بن إبراهيم البغوي حدثنا يحيى بن عباد أبو عباد حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن بكر بن ماعز: سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره: وقال: " لا يروى عن عبد الله بن يزيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به يحيى ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وهو الضبعي البصري نزيل بغداد، وكذلك سائر رجاله ثقات من رجال التهذيب غير من دونه، أما البغوي فترجم له الخطيب (6 / 370 - 371) وغيره، وهو ثقة مأمون. وأما شيخ الطبراني: أحمد، فلم أعرفه، فإن الأحمدين في شيوخ الطبراني كثيرون كما يتبين من " معجمه الصغير "، ومن أشهرهم أحمد بن علي الأبار، وهو ثقة حافظ، ترجم له الخطيب أيضا (4 / 306) فلعله هو، فقد قوى إسناده جماعة من الحفاظ، فقال المنذري (1 / 84) : " رواه الطبراني في " الأوسط " بإسناد حسن، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد " وكذا قال الهيثمي (1 / 204) إلا أنه لم يعزه للحاكم، ولم أره في " مستدركه " بعد مراجعته في مواطن منه مثل " الطهارة " و " المعرفة " و " اللباس ". ونقل السيوطي في حاشيته على " النسائي " (1 / 14) عن الحافظ ولي الدين العراقي أنه قال:

" رواه الطبراني في " الأوسط " بإسناد جيد ". ذكره في صدد التوفيق بينه وبين حديث أميمة بنت رقيقة قالت: " كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل ". أخرجه أبو داود وغيره وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (19) . والتوفيق بأن يحمل حديث الترجمة على أن المراد بانتفاعه طول مكثه، فلا يعارض حديث أميمة، لأن ما يجعل في الإناء لا يطول مكثه غالبا. والله أعلم. وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " كتاب " الطهارة " (1 / 175 - طبعة العزيزية - هند) عن سفيان عن أبي إسحاق عن بكر بن ماعز عن أبي بريدة - يحسبه - عن أبيه قال: " لا تبول في طست في بيت تصلي فيه، ولا تبول في مغتسلك ". قلت: ورجاله إلى بكر ثقات رجال الشيخين غير أبي بريدة فإني لم أعرفه، ومن المحتمل أن يكون محرفا عن أبي بردة، وهو ابن أبي موسى الأشعري، فإنه يروي عن أبيه، وعنه أبو إسحاق وهو السبيعي، وكلاهما ثقة من رجال الشيخين غير أن السبيعي مدلس، وكان اختلط، لكن روى عنه سفيان - وهو الثوري - قبل الاختلاط. والله أعلم. ثم رأيت الحديث في " المعجم الأوسط " للطبراني برقم (2270 - بترقيمي) أورده في ترجمة أحمد بن زهير التستري، وقد روى له فيه (1 / 111 / 1 - 121 / 1) أكثر من خمسين ومائة حديث (2229 - 2384) ، فهو من شيوخه المشهورين، ولكني لم أجد له ترجمة. ثم رأيته مترجما في " تذكرة الحفاظ " للذهبي، ووصفه بـ " الحافظ الحجة أحد الأعلام.. ". و (زهير) جده، واسم أبيه يحيى.

2517

وبذلك يتبين أن السند صحيح لما عرفت من أن من فوقه من الرواة ثقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 2517 - " عليكم بالسواك فإنه مطيبة للفم ومرضاة للرب ". أخرجه أحمد (2 / 108) : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن لهيعة، فهو سيىء الحفظ، وبه أعله المنذري (1 / 101) ، ثم الهيثمي (1 / 220) وعزاه للطبراني أيضا في " الأوسط ". ثم استدركت فقلت: بل هو إسناد جيد، لأن قتيبة أحاديثه عن ابن لهيعة صحيحة كما قرره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " (8 / 15) وقد رواه عن قتيبة ابن عساكر أيضا (2 / 472) ، ثم أخرجه هو والطبراني (1 / 177 / 1 / 3265) . ثم وجدت له شاهدا من حديث حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، إلا أنه قال: " مطهرة للفم "، والباقي مثله سواء. أخرجه ابن حبان (144) . وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيح "، وفي حماد بن سلمة كلام إذا روى عن غير ثابت، ولكنه لا يضر، فالحديث صحيح. والله الموفق. ثم رأيت الحافظ في " التلخيص " (1 / 60) قد أعل هذا المتن عن أبي هريرة

2518

بالشذوذ، فالعمدة على حديث ابن عمر. على أنه قد أخرجه البيهقي في " الشعب " (3 / 27 / 2776) من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف. وقد صح الحديث دون قوله: " عليكم " عن جمع من الصحابة، أسانيد بعضهم صحيحة، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 105 / 66) . 2518 - " لا يسمع النداء أحد في مسجدي هذا، ثم يخرج منه - إلا لحاجة - ثم لا يرجع إلا منافق ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 27 / 1) ومن طريقه أبو نعيم في " صفة النفاق " (29 / 1) : حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا أبو مصعب حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم: حدثني أبي وصفوان بن سليم عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " تفرد به أبو مصعب، ولم يروه موصولا عن أبي هريرة غير صفوان وأبي حازم ". قلت: وجميعهم ثقات من رجال الشيخين غير الرازي، وهو حافظ حسن الحديث، قال الدارقطني: ليس بذاك. وقال مسلمة: كان ثقة عالما بالحديث. وأبو مصعب اسمه أحمد بن أبي بكر. وقال المنذري (1 / 115) وتبعه الهيثمي (2 / 5) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". قلت: وفي هذا الإطلاق نظر ظاهر، لأن الرازي ليس من رجال " الصحيح "، وكثيرا ما يطلقان مثله، فكن على انتباه.

وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه، عند الطيالسي وأحمد في " مسنديهما "، وفي إسناده كلام ذكرته في " التعليق الرغيب ". والحديث رواه أبو داود في " مراسيله " (84 / 25) والدارمي (1 / 118) عن الأوزاعي، والبيهقي في " سننه " (3 / 56) عن سفيان، كلاهما عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب مرسلا. وإسناده صحيح، ولا ينافي الموصول، لأن الذين وصلوه ثقات، إلا أن يكون الوهم من الرازى. وعلى كل حال فالحديث صحيح بالطريق الأخرى. واعلم أن الحديث ظاهر لفظه اختصاص الحكم المذكور فيه بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه من حيث المعنى عام لكل المساجد، للأحاديث الكثيرة الدالة على وجوب صلاة الجماعة. والخروج من المسجد يفوت عليه الواجب. فتنبه. ويؤيد ذلك ما روى أبو الشعثاء قال: كنا مع أبي هريرة في المسجد فخرج رجل حين أذن المؤذن للعصر، فقال أبو هريرة: " أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ". أخرجه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 263 / 245) و " صحيح أبي داود " (547) . تنبيهان: الأول: لقد فات المعلق على " مراسيل أبي داود " تقوية مرسله بحديث الترجمة المتصل عن سعيد عن أبي هريرة. والآخر: أنه أعل المرسل بتدليس الوليد - وهو ابن مسلم - ، وفاته أنه قد

2519

تابعه أبو المغيرة عند الدارمي، كما فاتته متابعة سفيان المذكورة - وهو ابن عيينة - عند البيهقي. ولفظ رواية أبي المغيرة.. عن عبد الرحمن بن حرملة قال: جاء رجل إلى سعيد بن المسيب يودعه بحج أو عمرة، فقال له : لا تبرح حتى تصلي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكر الحديث) فقال: إن أصحابي بالحرة! قال: فخرج. قال: فلم يزل سعيد يولع بذكره حتى أخبر أنه وقع من راحلته فانكسرت فخذه. قلت: وإسناده مرسل صحيح. 2519 - " كذبت لا يدخلها (يعني النار) ، فإنه شهد بدرا والحديبية. يعني حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه ". أخرجه مسلم (7 / 169) وابن حبان (9 / 125 / 6076) وأحمد (3 / 349) من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر: أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا، فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وتابعه ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 325) : حدثنا حجاج حدثنا ابن جريج به. (تنبيه) : أورد الإمام ابن الوزير اليماني في كتابه القيم " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " (ص 64 - الطبعة المنيرية) هذا الحديث بالمعنى فقال:

2520

" وقد ثبت في " صحيح مسلم " مرفوعا أن حاطبا يدخل الجنة ". فأشكل ذلك على بعض الطلاب المغاربة، وكأنه فتش عنه في " صحيح مسلم " فلم يجده. فسألني عنه في سفرتي الأولى إلى المغرب سنة 1396. وكونه رواية بالمعنى ظاهر جدا، لأن شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لحاطب بأنه لا يدخل النار، تستلزم دخوله الجنة ولابد، إذ إنه لا منزلة بين المنزلتين! . 2520 - " يبعث مناد عند حضرة كل صلاة فيقول: يا بني آدم قوموا فأطفئوا عنكم ما أوقدتم على أنفسكم. فيقومون فيتطهرون فتسقط خطاياهم من أعينهم، ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، ثم توقدون فيما بين ذلك، فإذا كان عند صلاة الأولى نادى: يا بني آدم قوموا فأطفئوا ما أوقدتم على أنفسكم، فيقومون فيتطهرون ويصلون فيغفر لهم ما بينهما، فإذا حضرت العصر فمثل ذلك، فإذا حضرت المغرب فمثل ذلك، فإذا حضرت العتمة فمثل ذلك، فينامون وقد غفر لهم، ثم قال: فمدلج في خير ومدلج في شر ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 69 / 2) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (4 / 189) : حدثنا الحسن بن علي المعمري أخبرنا محمد بن الخليل الخشني أخبرنا أيوب بن حسان الجرشي عن هشام بن الغار عن أبان - يعني العطار - عن عاصم بن بهدلة عن زر ابن حبيش أنه حدثه عن عبد الله بن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ثم رواه الطبراني من طريق عبد ربه بن ميمون النحاس عن الربيع بن حظيان عن عاصم به نحوه.

قلت: ولم يسق لفظه. والإسناد الأول حسن ، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير أيوب ابن حسان الجرشي، وهو صالح الحديث كما قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 244) عن أبيه. وغير المعمري ، وهو صدوق حافظ مترجم له في " الميزان " و " اللسان " وغيرهما. وعاصم بن بهدلة - وهو ابن أبي النجود - فيه كلام معروف لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن . وأبان هو ابن يزيد العطار الثقة احتج به الشيخان، وقد وهم فيه الهيثمي وهما فاحشا، فقال (2 / 299) : " رواه الطبراني في " الكبير " وفيه أبان بن أبي عياش، وثقه أيوب وسلم العلوي، وضعفه شعبة وأحمد وابن معين وأبو حاتم ". وبيانه من وجهين: الأول: أنه لم يتنبه لما في الإسناد نفسه من بيان أن أبان هو العطار، ففسره من عنده بأنه أبان بن أبي عياش، وهذا متروك عند الحافظ، فصار الحديث بذلك واهيا! وقد كنت اغتررت به في بعض مؤلفاتي، فلتصحح . والآخر: أنه غفل عن متابعة الربيع بن حظيان لأبان التي ساقها الطبراني عقب الحديث كما رأيت، وهي متابعة لا بأس بها فإن الربيع هذا أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 459) من رواية ثقتين عنه. وله راو ثالث وهو عبد ربه الراوي لهذا الحديث عنه، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 44) من رواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، والربيع قال فيه أبو زرعة:

2521

منكر الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: " مستقيم الحديث ". وتابعه أيضا حماد بن سلمة عن عاصم به نحوه، وحسن إسناده المنذري (1 / 138) وتبعه الهيثمي (1 / 299 ) وهو مخرج في " الروض النضير " رقم (611) . 2521 - " كان يأمرها (يعني عائشة) أن تسترقي من العين ". أخرجه مسلم (7 / 17) وأحمد (6 / 63) من طريق مسعر: حدثنا معبد بن خالد عن عبد الله بن شداد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... فذكره . ورواه سفيان عن معبد بلفظ: " كان يأمرني أن أسترقي من العين ". أخرجه مسلم . ورواه ابن ماجه (2 / 356) والحاكم (4 / 412) وأحمد (6 / 63 و 138) من هذا الوجه نحوه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي، وقد وهما في استدراكهما على مسلم، وكذا في استدراكهما على البخاري، فقد وجدته عنده أيضا من هذا الوجه (10 / 164) . 2522 - " كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين ". أخرجه أبو داود (2 / 153) وعنه البيهقي (9 / 351) : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: فذكره. وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وسكت عليه الحافظ في " الفتح " (10 / 164) .

2523

وتابعه سفيان عن الأعمش به نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 59) . 2523 - " إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل صالح نساء قريش، أخشاه على ولد في صغر وأرعاه على بعل بذات يد ". أخرجه أحمد (1 / 318 - 319) من طريق عبد الحميد: حدثنا شهر حدثني ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قوم يقال لها سودة، وكانت مصبية كان لها خمسة صبية أو ستة من بعل لها مات، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يمنعك مني؟ قالت: والله يا نبي الله ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلي، ولكني أكرمك أن يضغوا هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشية، قال: فهل منعك مني شيء غير ذلك؟ قالت: لا والله. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يرحمك الله، إن خير.. " الحديث. قال الحافظ في " الفتح " (9 / 422) : " وسنده حسن، وله طريق أخرى أخرجها قاسم بن ثابت في " الدلائل " من طريق الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس باختصار القصة ". قلت: الحكم بن أبان صدوق له أوهام، وشهر في الطريق الأولى هو ابن حوشب، صدوق كثير الإرسال والأوهام كما قال الحافظ في " التقريب "، فلعل تحسين الحافظ للحديث من طريقه إنما هو تحسين لغيره. والله أعلم. وللحديث شاهدان أحدهما من حديث أبي هريرة بلفظ:

2524

" خير نساء ركبن الإبل ". وقد مضى برقم (1052) ، والآخر من حديث معاوية الآتي بعده. ثم إن الحديث أخرجه ابن سعد (8 / 108) من طريق عامر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانىء فقالت يا رسول الله لأنت أحب إلي من سمعي وبصري، وحق الزوج عظيم، فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأني وولدي. وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق الزوج. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وإسناده صحيح لكنه مرسل، عامر هو الشعبي. وهذا هو الصحيح أن صاحبة القصة هي أم هانىء بنت أبي طالب ليست هي سودة، وهذا من أوهام شهر بن حوشب، وقد رواه على الصحيح مسلم وغيره من حديث أبي هريرة المشار إليه آنفا فراجعه. 2524 - " اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد، من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ". أخرجه مالك (3 / 94) وأحمد (4 / 92 - 93 و 95 و 98) والطحاوي في " المشكل " (2 / 278 - 279) وابن عبد البر في " الجامع " (1 / 19 - 20) من طرق عن محمد بن كعب القرظي قال: قال معاوية على المنبر: اللهم.. إلخ. سمعت هؤلاء الكلمات من رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر. والسياق لأحمد. وإسناده صحيح على شرط مسلم. وله عنده (4 / 101) طريق أخرى بزيادة :

" وخير نسوة ركبن الإبل صالح نساء قريش، أرعاه على زوج في ذات يده وأحناه على ولد في صغره ". وإسناده هكذا: حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن مبشر مولى أم حبيبة عن زيد بن أبي عتاب عن معاوية مرفوعا به. وهذا سند صحيح رجاله رجال البخاري، غير عبد الله بن مبشر، وقد وثقه ابن معين كما في " التعجيل ". وقد علق هذه الزيادة البخاري في " صحيحه " (193) وقال الحافظ: " وصله أحمد والطبراني من طريق ابن مبشر هذا، ورجاله موثقون، وفي بعضهم مقال لا يقدح ". اهـ. مجموعا من " الشرح " و " التعجيل ". قلت: وهذا البعض الذي فيه المقال لم يتبين لي من هو من بين هؤلاء الثلاثة، فأبو نعيم وهو الفضل بن دكين ثقة ثبت كما قال الحافظ نفسه في " التقريب "، وكذلك زيد بن أبي عتاب ثقة عنده، فلم يبق إلا ابن مبشر هذا، وقد وثقه ابن معين كما سبق، ولم يحك الحافظ فيه أي خلاف في " التعجيل ". والله أعلم. ولهذه الزيادة شاهد من حديث أبي هريرة سبق بلفظ: " خير نساء ركبن الإبل "، فراجعه برقم (1052) .

2525

2525 - " إن الله عز وجل يضحك من رجلين يقتل أحدهما الآخر فيدخلهما الله الجنة، يكون أحدهما كافرا فيقتل الآخر، ثم يسلم فيغزو في سبيل الله فيقتل ". أخرجه أحمد (2 / 511) : حدثنا روح حدثنا محمد بن أبي حفصة حدثنا ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا به، وفيه زيادة: " قيل كيف يكون ذاك ؟ قال: يكون أحدهما " إلخ. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله طريق أخرى بنحوه أخرجه النسائي (2 / 63) وأحمد (2 / 244) عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا صحيح أيضا على شرطهما. وقد أخرجاه من هذا الوجه بلفظ: " يضحك الله إلى رجلين "، وسيأتي بإذن الله تعالى . وله في " المسند " (3 / 318) طريق ثالث: حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه عنه. وهذا إسناد صحيح على شرطهما أيضا. وقد أخرجه مسلم (6 / 40) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 468) وأخرجه الشيخان من طريق الأعرج عنه به نحوه، وقد مضى برقم (1074) .

2526

2526 - " المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ". رواه مسلم (8 / 20) وأحمد (4 / 271 و 276) عن الأعمش عن خيثمة عن النعمان بن بشير مرفوعا به، وقال أحمد: " المؤمنون ". وأخرجه البخاري (7 / 77 - 78) ومسلم أيضا، وأحمد (4 / 70) والطيالسي رقم (790) من حديث الشعبي عن النعمان به مرفوعا بلفظ: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ". ثم أخرجه الطيالسي رقم (793) وأحمد (4 / 274) من طريق حماد بن سلمة عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير به مختصرا. وإسناده صحيح على شرط مسلم. وله شاهد من حديث سهل بن سعد مرفوعا بلفظ: " إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس ". أخرجه أحمد (5 / 340) : حدثنا أحمد بن الحجاج حدثنا عبد الله أخبرنا مصعب بن ثابت حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات رجال البخاري غير مصعب بن ثابت، وهو لين الحديث، وكان عابدا كما في " التقريب ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (8 / 87 ) ، وقال: " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير سوار بن عمارة وهو ثقة ".

2527

كذا قال. وأنت ترى أنه ليس في إسناده سوار هذا، ولم أجد له طريقا في " المسند " غير التي ذكرتها. والله أعلم. ثم رأيت الهيثمي قد أعاد ذكره في مكان آخر (8 / 187) وقال: " رواه أحمد والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال أحمد رجال الصحيح ". قلت: هو عند " كبير الطبراني " (6 / 160 - 161) من طريق أحمد بن الحجاج، وفي " الأوسط " (1 / 288 / 2 / 4832 بترقيمي ) من طريق سوار بن عمارة الرملي أخبرنا زهير ابن محمد عن أبي حازم به. قلت: وسوار هذا وثقه ابن معين وابن حبان (8 / 302) . وقال أبو زرعة الدمشقي في " تاريخه " (1 / 285 و 709) : " رأيت يحيى بن معين يكتب بين يدي سوار بن عمارة الرملي، وهو يملي عليه علمه في سنة أربع عشرة ومائتين، ومات [سوار] بعد ذلك بيسير ". وزهير بن محمد هو أبو المنذر الخراساني الشامي، ورواية الشاميين عنه فيها ضعف. وعبد الله في إسناد أحمد هو ابن المبارك الإمام، وقد أخرجه في كتابه " الزهد " (241 / 693) . 2527 - " المملوك أخوك، فإذا صنع لك طعاما فأجلسه معك، فإن أبى فأطعمه ولا تضربوا وجوههم ". أخرجه الطيالسي (ص 312 رقم 2369) وأحمد (2 / 505) من طريق ابن أبي ذئب عن عجلان عن أبي هريرة به مرفوعا.

2528

وهذا سند حسن أو صحيح، رجاله رجال الستة غير عجلان، وهو مولى المشعل. قال النسائي: " ليس به بأس "، ووثقه ابن حبان، وفي " التقريب ": " لا بأس به ". والحديث صحيح متواتر عن أبي هريرة بألفاظ متقاربة، سبق ذكرها في: " إذا أتى أحدكم خادمه ". 2528 - " أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين. قال: وكذلك من شهد فينا من الملائكة ". أخرجه ابن أبي خيثمة في " التاريخ " (230) : حدثنا أبي قال: أخبرنا جرير عن يحيى ابن سعيد الأنصاري عن معاذ بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر وجده من أهل العقبة - قال: ... فذكره. وقال: " سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث؟ فقال: ليس بشيء باطل ". كذا قال، ولا وجه له فيما نرى، فالإسناد صحيح متصل على شرط البخاري، فقد أخرجه في " صحيحه " (3992 - فتح) : حدثني إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا جرير به، ثم رواه (3993) من طريق حماد (وهو ابن زيد) عن يحيى به نحوه. ثم ساقه (3994) من طريق يزيد: أخبرنا يحيى سمع معاذ بن رفاعة: أن ملكا سأل النبي صلى الله عليه وسلم. فهذا ظاهره الإرسال، فلعله وجه قول ابن معين المتقدم، لكن اتفاق جرير وحماد على وصله يرفعه ويرجح وصله، والله أعلم. وراجع له " فتح الباري " (7 / 312)

2529

وللحديث شاهد من رواية يحيى بن سعيد عن عباية بن رفاعة عن جده رافع بن خديج قال: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 465) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ويحيى بن سعيد هذا هو ابن حيان التميمي، ثقة احتج به الشيخان، وهو غير الأنصاري المتقدم. 2529 - " يا أبا ذر! أتاني ملكان وأنا ببعض بطحاء مكة، فوقع أحدهما على الأرض وكان الآخر بين السماء والأرض، فقال أحدهما لصحابه: أهو هو؟ قال: نعم، قال: فزنه برجل فوزنت به، فوزنته، ثم قال: فزنه بعشرة، فوزنت بهم، فرجحتهم، ثم قال: زنه بمائة فوزنت بهم، فرجحتهم، ثم قال: زنه بألف فوزنت بهم، فرجحتهم ، كأني أنظر إليهم ينتثرون علي من خفة الميزان، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لو وزنته بأمة لرجحها ". أخرجه الدارمي (1 / 9) : حدثنا عبد الله بن عمران حدثنا أبو داود حدثنا جعفر بن عثمان القرشي عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن أبي ذر الغفاري قال : قلت: يا رسول الله! كيف علمت أنك نبي حين استنبئت؟ فقال: يا أبا ذر أتاني .. إلخ. وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون، وفي جعفر بن عثمان - وهو ابن عبد الله بن عثمان - كلام لا يضر إن شاء الله تعالى، وقد وثقه أبو حاتم، وأبو داود في الإسناد هو الطيالسي، ومن طريقه رواه ابن عساكر أيضا كما في " البداية " (2 / 276) والعقيلي كما في " الميزان " (1 / 190) .

2530

وللحديث شواهد كثيرة، فانظر (أنا دعوة أبي إبراهيم) ، رقم (1545 و 1546) والحديث عند ابن عساكر أتم منه، ففيه ذكر شق صدره، وخياطته، وجعل الخاتم بين كتفيه . قال: " فما هو إلا أن وليا عني، فكأنما أعاين الأمر معاينة ". 2530 - " إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة [وحسرة] يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ". أخرجه البخاري (13 / 107 - فتح) والنسائي (2 / 187 - 188 و 304) وأحمد ( 2 / 476) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والسياق للبخاري دون الزيادة، وهي عند الآخرين، وقالا: " فنعمت المرضعة ... "، وهي كذلك في رواية أخرى لأحمد (2 / 448) : حدثنا يزيد ابن هارون قال: أنبأنا ابن أبي ذئب به، إلا أنه قال: " فبئست المرضعة. ونعمت الفاطمة "، فانقلبت عليه، أعني يزيد بن هارون مع ثقته وإتقانه! قال أبو الحسن السندي رحمه الله تعالى: " (فنعمت المرضعة) أى الحالة الموصلة إلى الإمارة، وهي الحياة. (وبئست الفاطمة) أي الحالة القاطعة عن الإمارة، وهي الموت، أي فنعمت حياتهم، وبئس موتهم. والله تعالى أعلم ". ثم إن الحديث أخرجه البخاري معلقا من طريق أخرى عن أبي هريرة قوله. لكن في إسناده عبد الله بن حمران، وهو صدوق، لكن قال فيه ابن حبان في " الثقات ": " يخطىء "، فلا يعتد بمخالفته، لاسيما وزيادة الثقة مقبولة.

2531

2531 - " ألا أخبركم بأسرع كرة وأعظم غنيمة من هذا البعث؟ رجل توضأ في بيته فأحسن وضوءه، ثم تحمل إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقب بصلاة الضحى، فقد أسرع الكرة وأعظم الغنيمة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1530 - 1531) ومن طريقه ابن حبان (629) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا حاتم بن إسماعيل عن حميد بن صخر عن المقبري عن أبي هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا، فأعظموا الغنيمة، وأسرعوا الكرة، فقال رجل: يا رسول الله! ما رأينا بعث قوم بأسرع كرة وأعظم غنيمة من هذا البعث، فقال: فذكره. وأخرجه ابن عدي في " الكامل " (2 / 275) من طريقين آخرين عن حاتم به. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات رجال مسلم على ضعف في حميد بن صخر لا يضر حديثه، وقال المنذري (1 / 235 ) : " رواه أبو يعلى، ورجال إسناده رجال الصحيح ". وللحديث شاهد قاصر من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أخرجه الترمذي وغيره، وفيه ضعف بينته في " التعليق الرغيب " (1 / 166) لكن يقويه حديث أبي هريرة هذا، وقد رواه عنه البزار في " مسنده " (ص 300) من طريق زيد بن الحباب: حدثني حميد مولى بني عبدة (لعله: ابن علقمة) عن عطاء ابن أبي رباح عنه. وقال البزار:

2532

" لا نعلم رواه عن عطاء عن أبي هريرة غير حميد، وهو ضعيف ". قلت: وهو حميد المكي مولى ابن علقمة، وهو غير ابن قيس الأعرج المكي كما في " التهذيب "، وهو مجهول كما صرح في " التقريب ". وله شاهد آخر، يرويه ابن لهيعة: حدثني حيي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاصي قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فغنموا وأسرعوا الرجعة ... " الحديث أخرجه أحمد (2 / 175) . قلت: وإسناده جيد، فإن رجاله ثقات على ضعف في ابن لهيعة، لكن تابعه ابن وهب عند الطبراني في " الكبير " كما في " المجمع " (2 / 235) ولذلك قال المنذري (1 / 235) : " رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، والطبراني بإسناد جيد ". 2532 - " إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف، ومن سد فرجة رفعه الله بها درجة ". أخرجه ابن ماجه (995) وأحمد (6 / 89) من طريق إسماعيل بن عياش عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن ابن عياش قد ضعفوه في روايته عن المدنيين، وهذه منها. لكنه قد توبع. فقد أخرجه أحمد (6 / 67 و 160) وابن خزيمة (1550) وابن حبان (1511) وعبد بن حميد (394) والحاكم (1 / 214) من طريق أسامة بن زيد

عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه به، دون قوله: " ومن سد ... ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وأقره المنذري (1 / 174) . وقد توبع ابن عياش على الزيادة المذكورة. فروى الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 / 2) من طريق أحمد بن محمد بن القواس: حدثنا مسلم بن خالد الزنجي عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن عروة عن عائشة مرفوعا بلفظ: " من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتا في الجنة ". وقال الطبراني: " لم يروه عن المقبري إلا ابن أبي ذئب، ولا عنه إلا الزنجي، تفرد به القواس ". قلت: ولم أعرفه، لكن شيخه الزنجي فيه ضعف، ومن فوقه ثقات. إلا أن الزنجي قد تابعه وكيع كما تقدم برقم (1892) . فصح الحديث والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات (¬1) . وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به، إلا أنه قال: " ... ولا يصل عبد صفا إلا رفعه الله به درجة، وذرت عليه الملائكة من البر " أخرجه الطبراني أيضا من طريق إسماعيل بن عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم عن أبيه عن جده عن غانم بن الأحوص أنه سمع أبا صالح السمان يقول: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره بتمامه مرفوعا. وقال: ¬

(¬1) ثم عرفت القواس ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 10) وقال: " ربما خالف ". وله ترجمة في " التهذيب " (1 / 79 - 80) . اهـ.

2533

" لم يرو غانم ابن الأحوص عن أبي صالح غير هذا الحديث ". قلت: وغانم هذا ليس بالقوي كما قال الدارقطني. وإسماعيل بن عبد الله بن خالد بن سعيد بن أبي مريم وجده ذكرهما ابن حبان في " الثقات "، وخالفه غيره. وأما أبوه عبد الله بن خالد، فقال الأزدي: " لا يكتب حديثه ". قال الذهبي: " وهو مجهول مع ضعفه ". قلت: ومع هذه العلل قال المنذري (1 / 175) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ولا بأس بإسناده "! وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه ثابت صحيح. وبالله التوفيق. 2533 - " خياركم ألينكم مناكب في الصلاة، وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 32 / 2) من طريق ليث بن حماد: حدثنا حماد بن زيد عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعا به، وقال: " لم يروه عن حماد بن زيد إلا ليث ". قلت: وقد ضعفه الدارقطني. وبه أعله الهيثمي (2 / 90) . وليث الذي فوقه هو ابن أبي سليم، وكان اختلط. ومن طريقه أخرج الشطر الثاني من الحديث الديلمي في " مسند الفردوس "

(4 / 24 - ترتيبه) وأخرج الشطر الأول منه البزار (58 - زوائده) من طريق محمد بن الفضل: حدثنا حماد عن ليث عن نافع عن ابن عمر به. وقال: " لا نعلم رواه عن نافع إلا ليث " . لكن الحديث صحيح، لأنه جاء من طرق أخرى مفرقا: أما الشطر الأول فأخرجه أبو داود، وابن خزيمة (1566) وابن حبان (397) من حديث ابن عباس مرفوعا وفي إسناده جهالة بينته في " التعليق الرغيب " (1 / 173) لكن له شواهد كثيرة أشرت إلى بعضها هناك، وخرجت بعضها في " صحيح أبي داود " (676) . وأما الشطر الثاني منه، فله شاهد من حديث البراء بن عازب، أخرجه أبو داود، وفيه شيخ كوفي لم يسم، أخرجته من أجله في " ضعيف أبي داود " رقم (85) . وآخر من حديث معاذ أخرجه البيهقي وغيره، وقد تكلمت على إسناده في " التعليق الرغيب " أيضا (1 / 175) . (تنبيه) : أورد الحديث بتمامه عن ابن عمر مرفوعا المنذري، ثم قال (1 / 175) : " رواه البزار بإسناد حسن، وابن حبان في " صحيحه " كلاهما بالشطر الأول. ورواه بتمامه الطبراني في " (الأوسط) ". قلت: وفيه مؤاخذات: الأولى: أن إسناد البزار فيه ليث بن أبي سليم ضعيف كما سبق. الثانية: أنه عند ابن حبان إنما هو من حديث ابن عباس، وليس عن ابن عمر، وقد تقدم آنفا.

الثالثة: أن إسناد الطبراني فيه الليثان، وكلاهما ضعيف. (فائدة) : قال الخطابي في " معالم السنن " (1 / 334) : " قلت: معنى " لين المنكب ": لزوم السكينة في الصلاة والطمأنينة فيها، لا يلتفت ولا يحاك بمنكبه منكب صاحبه، وقد يكون فيه وجه آخر، وهو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان. بل يمكنه من ذلك، ولا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف، ويتكاتف الجموع ". قلت: هذا المعنى الثاني هو المتبادر من الحديث، والمعنى الأول بعيد كل البعد عن سياقه لمن تأمله. وإن مما يؤيد ذلك لفظ حديث ابن عمر عند أبي داود (666) مرفوعا: " أقيموا الصفوف . وحاذوا بالمناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله ". وإسناده صحيح كما قال النووي (¬1) ، فإنه يوضح أن الأمر باللين إنما هو لسد الفرج، ووصل الصفوف، ولذلك قال أبو داود عقبه: " ومعنى " لينوا بأيدي إخوانكم ": إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في الصف ". ولذلك استدل به النووي في " المجموع " (4 / 301) على أنه " يستحب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف.. ". وليس يخفى على كل محب للسنة عارف بها أن قول الخطابي: ¬

(¬1) وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (672) . اهـ.

" ولا يحاك منكبه بمنكب صاحبه " مخالف لما كان يفعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين يصلون خلفه، وذلك تنفيذا منهم لقوله صلى الله عليه وسلم: " أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من ورائي ". رواه البخاري (725) عن أنس، قال أنس: " وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه ". وله شاهد من حديث النعمان بن بشير، وهما مخرجان في " صحيح أبي داود " (668) . وقد أنكر بعض الكاتبين في العصر الحاضر هذا الإلزاق، وزعم أنه هيئة زائدة على الوارد، فيها إيغال في تطبيق السنة! وزعم أن المراد بالإلزاق الحث على سد الخلل لا حقيقة الإلزاق، وهذا تعطيل للأحكام العملية، يشبه تماما تعطيل الصفات الإلهية، بل هذا أسوأ منه لأن الراوي يتحدث عن أمر مشهود رآه بعينه وهو الإلزاق. ومع ذلك قال: ليس المراد حقيقة الإلزاق! فالله المستعان. وأسوأ منه ما صنع مضعف مئات الأحاديث الصحيحة المدعو (حسان عبد المنان) ، فإنه تعمد إسقاط رواية البخاري المذكورة عن أنس.. من طبعته لـ " رياض الصالحين " ( ص 306 / 836) وليس هذا فقط، بل دلس على القراء، فأحال ما أبقي من حديث البخاري المرفوع إلى البخاري برقم (723) حتى إذا رجع القراء إليه لم يجدوا قول أنس المذكور! والرقم الصحيح هو المتقدم مني (725) ، وله من مثل هذا الكتم للعلم ما لا يعد ولا يحصى، وقد نبهت على شيء من ذلك في غير ما مناسبة ، فانظر على سبيل المثال الاستدراك رقم (13) من المجلد الأول من هذه السلسلة ، الطبعة الجديدة.

2534

2534 - " إذا قرأ الإمام: * (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) *، فأمن الإمام فأمنوا ، فإن الملائكة تؤمن على دعائه، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ". أخرجه أبو يعلى (4 / 1408) : حدثنا عمرو الناقد أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وعمرو هو ابن محمد بن بكير الناقد أبو عثمان البغدادي، ثقة حافظ، احتج به الشيخان وغيرهما. وقد أخرجاه وغيرهما ، وهو مخرج في " الإرواء " (344) بلفظ: " إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق.. " إلخ. وإنما أخرجته بلفظ الترجمة لما فيه من الزيادة، وهي قوله بعد * (ولا الضالين) *: " فأمن الإمام فأمنوا "، فإنها صريحة بأمرين اثنين: الأول: أن الإمام يؤمن بعد ختمه الفاتحة، والآخر: أن المأموم يؤمن بعد فراغ الإمام من التأمين. وقد قيل في تفسير رواية الشيخين أقوال كثيرة ذكرها الحافظ في " الفتح " (2 / 218 - 219) ، منها أن معنى قوله: إذا أمن، بلغ موضع التأمين، كما يقال: أنجد إذا بلغ نجدا، وإن لم يبلغها. قال ابن العربي: " هذا بعيد لغة وشرعا ". وقال ابن دقيق العيد: " وهذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به، وإلا فالأصل عدمه ". قال الحافظ: " استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ: إذا قال الإمام: * (ولا الضالين) * فقولوا: (آمين ) ، قالوا: فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله: إذا أمن على المجاز ".

وأقول: يمكن الجمع بطريقة أخرى، وهي أن يؤخذ بالزائد من الروايتين فيضم إلى الأخرى، وهو قوله في رواية سعيد: " إذا أمن الإمام فأمنوا "، فتضم الزيادة إلى رواية أبي صالح فيصير الحديث هكذا: " إذا قال الإمام: * (ولا الضالين) * آمين، فقولوا آمين ". وهذا الجمع أولى من الجمع المذكور، وذلك لوجوه. الأول: أنه مطابق لرواية أبي يعلى هذه، الصريحة بذلك. الثاني: أنه موافق للقواعد الحديثية من وجوب الأخذ بالزيادة من الثقة. الثالث: أنه يغنينا عن مخالفة الأصل الذي أشار إليه ابن دقيق العيد. الرابع: أنه على وزن قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده، فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ". أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة أيضا. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 794) . فكما أن هذا نص في أن المقتدي يقول التحميد بعد تسميع الإمام، فمثله إذا أمن فأمنوا، فهو نص على أن تأمين المقتدي بعد تأمين الإمام. الخامس: أنه هو الموافق لنظام الاقتداء بالإمام المستفاد من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر كبروا [ولا تكبروا حتى يكبر] وإذا ركع فاركعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ... " الحديث. أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث عائشة وأبي هريرة وغيرهما، وهو مخرج في المصدر السابق (614 و 618) ، والزيادة لأبي داود. فكما دل الحديث أن من مقتضى الائتمام بالإمام عدم مقارنته بالتكبير، وما

ذكر معه، فمن ذلك عدم مقارنته بالتأمين. وإخراج التأمين من هذا النظام يحتاج إلى دليل صريح، وهو مفقود، إذ غاية ما عند المخالفين إنما هو حديث أبي صالح المتقدم، وليس صريحا في ذلك ، بل الصحيح أنه محمول على رواية سعيد هذه لاسيما على لفظ أبي يعلى المذكور أعلاه. السادس: أن مقارنة الإمام بالتأمين تحتاج إلى دقة وعناية خاصة من المؤتمين، وإلا وقعوا في مخالفة صريحة وهي مسابقته بالتأمين، وهذا مما ابتلي به جماهير المصلين، فقد راقبتهم في جميع البلاد التي طفتها، فوجدتهم يبادرون إلى التأمين، ولما ينته الإمام من قوله: * (ولا الضالين) *، لاسيما إذا كان يمدها ست حركات، ويسكت بقدر ما يتراد إليه نفسه، ثم يقول: آمين فيقع تأمينه بعد تأمينهم! ولا يخفى أن باب سد الذريعة يقتضي ترجيح عدم مشروعية المقارنة خشية المسابقة، وهذا ما دلت عليه الوجوه المتقدمة. وهو الصواب إن شاء الله تعالى، وإن كان القائلون به قلة، فلا يضرنا ذلك، فإن الحق لا يعرف بالرجال، فاعرف الحق تعرف الرجال. ذلك ما اقتضاه التمسك بالأصل بعد النظر والاعتبار، وهو ما كنت أعمل به وأذكر به مدة من الزمن. ثم رأيت ما أخرجه البيهقي (2 / 59) عن أبي رافع أن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم، فاشترط أن لا يسبقه بـ * (الضالين) * حتى يعلم أنه دخل الصف، وكان إذا قال مروان: * (ولا الضالين) * قال أبو هريرة: " آمين "، يمد بها صوته، وقال: إذا وافق تأمين أهل الأرض أهل السماء غفر لهم. وسنده صحيح. قلت: فهذا صريح في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يؤمن بعد قول الإمام: * (ولا الضالين) *. ولما كان من المقرر أن راوي الحديث أعلم بمرويه من غيره، فقد اعتبرت عمل أبي هريرة هذا تفسيرا لحديث الترجمة، ومبينا أن معنى " إذا أمن الإمام

2535

فأمنوا.. "، أي: إذا بلغ موضع التأمين كما تقدم عن الحافظ، وهو وإن كان استبعده ابن العربي، فلابد من الاعتماد عليه لهذا الأثر. وعليه فإني أكرر تنبيه جماهير المصلين بأن ينتبهوا لهذه السنة، ولا يقعوا من أجلها في مسابقة الإمام بالتأمين، بل عليهم أن يتريثوا حتى إذا سمعوا نطقه بألف (آمين ) قالوها معه. والله تعالى نسأل أن يوفقنا لاتباع الحق حيثما كان إنه سميع مجيب. وفي هذا الأثر فائدة أخرى وهي جهر المؤتمين بـ (آمين) ، وذلك مما ملت إليه في الكتاب الآخر لمطابقته لأثر آخر صحيح عن ابن الزبير، وحديث لأبي هريرة مرفوع تكلمت على إسناده هناك (956) فراجعه. 2535 - " إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تقبل له صلاة ولعله يتم الركوع ولا يتم السجود ويتم السجود ولا يتم الركوع ". أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ق 236 / 2) من طريق أبي الشيخ عن عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثنا أبو الشعثاء حدثنا عبدة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، على ضعف يسير في محمد بن عمرو، والمعتمد فيه أنه حسن الحديث. وعبدة هو ابن سليمان الكلابي أبو محمد الكوفي، وهو من رجال الشيخين. وأبو الشعثاء اسمه علي بن الحسن بن سليمان الحضرمي، وهو ثقة من شيوخ مسلم. ولم يستحضر الحافظ المنذري حال إسناده، فقال في " الترغيب " (1 / 182) :

2536

" رواه أبو القاسم الأصبهاني، وينظر في إسناده ". وأخرجه ابن عدي في " الكامل " (7 / 256) بإسناد واه عن عبدة به 0 فالعمدة على رواية أبي الشعثاء. 2536 - " لا ينظر الله عز وجل إلى صلاة عبد لا يقيم فيها صلبه بين ركوعها وسجودها ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 22) : حدثنا وكيع قال: حدثنا عكرمة بن عمار عن عبد الله بن زيد - أو بدر، أنا أشك - عن طلق بن علي الحنفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن زيد أو بدر - شك عكرمة - فإن كان ابن زيد، فلم أعرفه، وإن كان ابن بدر - وهو الراجح - فهو ثقة بلا خلاف بينهم، وهو عبد الله بن بدر بن عميرة الحنفي اليمامي. روى عن جمع من الصحابة منهم طلق بن علي، وعنه جمع من أتباع التابعين، منهم عكرمة هذا، وأيوب بن عتبة وغيرهما. وقد تابعه أيوب بن عتبة في روايته لهذا الحديث عنه، ولكنه خالفه في إسناده، فقال أحمد : حدثنا أبو النضر قال: حدثنا أيوب بن عتبة حدثنا عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ساقه أحمد عقب الرواية السابقة، وكأنه فعل ذلك للإشارة إلى مخالفة أيوب لعكرمة، ولا شك أن مخالفته مردودة لأنه ضعيف لسوء حفظه، حتى قال ابن حبان: " كان يخطىء كثيرا ويهم حتى فحش الخطأ منه ".

فعكرمة خير منه، وإن تكلم فيه ، ويكفيه أن مسلما احتج به. لكن تابعه ملازم بن عمرو فقال: حدثنا عبد الله بن بدر أن عبد الرحمن بن علي حدثه أن أباه علي بن شيبان حدثه: أنه خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فصلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فلمح بمؤخر عينيه إلى رجل لا يقيم صلبه في الركوع والسجود، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر المسلمين! إنه لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ". أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة (593) وابن حبان (500) . وملازم هذا ثقة بلا خلاف يذكر، فروايته أرجح من رواية عكرمة بن عمار، لاسيما وقد قال أحمد: كان يحيى بن سعيد يختاره على عكرمة بن عمار ويقول: هو أثبت حديثا منه. إلا أنه من الممكن أن يقال: يحتمل أن يكون لعبد الله بن بدر في الحديث إسنادان، أحدهما عن طلق بن علي، والآخر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه. فروى عكرمة عنه الأول، وملازم عنه الآخر. والله أعلم. وخالفهم جميعا عامر بن يساف فقال: حدثنا يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن بدر الحنفي عن أبي هريرة مرفوعا به نحو حديث الترجمة. أخرجه أحمد (2 / 525 ) . قلت: ورجاله ثقات غير عامر بن يساف، ففيه ضعف. قال ابن عدي: " هو منكر الحديث عن الثقات، ومع ضعفه يكتب حديثه ".

وقال أبو داود: " ليس به بأس، رجل صالح ". وقال العجلي: " يكتب حديثه، وفيه ضعف ". وأعله الحافظ في " التعجيل " بالانقطاع بين الحنفي وأبي هريرة، ومما سبق يتبين خطأ قول المنذري (1 / 183) : " رواه أحمد بإسناد جيد ". ومثله قول العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 132) : " إسناده صحيح ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 120) : " رواه أحمد من رواية عبد الله بن زيد الحنفي عن أبي هريرة، ولم أجد من ترجمه ". قلت: الذي في " المسند ": " عبد الله بن بدر " كما تقدم ، وكذلك نقله الحافظ عن " المسند "، فالظاهر أنه تصحف على الهيثمي، أو وقع له ذلك في نسخته من " المسند ". والله أعلم. وبالجملة، فالأصح في الحديث أنه من رواية عبد الله بن بدر عن عبد الرحمن بن علي بن شيبان عن أبيه مرفوعا بلفظ: " لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود ". لكن لحديث الترجمة شاهد من رواية علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عن أنس مرفوعا في حديث. أخرجه أبو يعلى (3 / 914 - 916) .

2537

وعلي بن زيد - هو ابن جدعان - لا بأس به في الشواهد. 2537 - " الصلاة ثلاثة أثلاث: الطهور ثلث والركوع ثلث والسجود ثلث، فمن أداها بحقها قبلت منه وقبل منه سائر عمله ومن ردت عليه صلاته رد عليه سائر عمله ". أخرجه البزار في " مسنده " (1 / 177 / 349) : حدثنا زكريا بن يحيى الضرير حدثنا شبابة بن سوار حدثنا مغيرة بن مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " لا نعلمه مرفوعا إلا عن المغيرة، ولم يتابع عليه، وإنما يحفظ عن أبي صالح عن كعب قوله ". قلت: المغيرة بن مسلم ثقة كما قال الهيثمي (2 / 147) ولم يضعفه أحد، ولذا قال الحافظ: " صدوق ". وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن زكريا الضرير، وقد ترجمه الخطيب (8 / 457 - 458) برواية جمع من الحفاظ عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فمثله يحتج به ولو في مرتبة الحسن، ولذلك قال المنذري (1 / 185) وتبعه الهيثمي: " وإسناده حسن ". قلت: وهو كما قالا ، إلا أن يثبت بإسناد أصح من هذا عن أبي صالح عن كعب من قوله كما تقدم عن البزار، ولكنه لم يذكر إسناده بذلك لننظر فيه. وللشطر الأخير من الحديث شاهد عن أنس، تقدم برقم (1358) .

2538

ثم وجدت للمغيرة متابعا يرويه أبو فروة قال : حدثني أبي عن أبيه: حدثنا سليمان الأعمش به. أخرجه ابن جميع في " معجم الشيوخ ". قلت: وأبو فروة هذا هو يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي. ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 288) بروايته عن جمع، منهم أبو محمد، ثم قال: " كتب إلى أبي وإلي ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 276) وقال: " حدثنا عنه أبو عروبة، مات بـ (الرها) سنة تسع وستين ومئتين ". وابنه محمد بن يزيد بن سنان ليس بالقوي كما في " التقريب ". ويزيد بن سنان ضعيف. 2538 - " سألت ربي مسألة وودت أني لم أسأله، قلت: يا رب! كانت قبلي رسل منهم من سخرت له الرياح ومنهم من كان يحيي الموتى، [وكلمت موسى] . قال: ألم أجدك يتيما فآويتك؟ ألم أجدك ضالا فهديتك؟ ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ ألم أشرح لك صدرك ووضعت عنك وزرك؟ قال: فقلت بلى يا رب! [فوددت أن لم أسأله] ". أخرجه الحاكم (2 / 526) والزيادتان له، والبيهقي في " دلائل النبوة " (ج 2 - مخطوط) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 155 / 2 خط و 11 / 455 / 12289 - ط) و " المعجم الأوسط " (1 / 210 / 3394 بترقيمي) وابن أبي

حاتم كما في " تفسير ابن كثير "، والضياء المقدسي في " المختارة " (ق 248 / 2) من طرق عن حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الطبراني: " لم يرفعه عن حماد بن زيد إلا أبو الربيع الزهراني، وسليمان بن أيوب صاحب البصري ". كذا قال: وفاته أنه تابعهما أبو النعمان عنده في " كبيره "، والبيهقي أيضا وقرن معه سليمان بن حرب، وعبد الله بن الجراح عند الحاكم، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، فإن عطاء بن السائب ، وإن كان اختلط، فإن حماد بن زيد سمع منه قبل الاختلاط كما في " تهذيب التهذيب "، وقال النسائي فيه: " ثقة في حديثه القديم، إلا أنه تغير، ورواية حماد بن زيد وشعبة وسفيان عنه جيدة ". وعليه فقول الهيثمي (8 / 254 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط "! فهو غير جيد. لأنه يشعر بأنه معلول بالاختلاط، وقد عرفت أنه ليس بصواب. وكذلك ذكره الحافظ في آخر ترجمته أن رواية ابن زيد عنه صحيحة. وقد تبع الهيثمي في ذهوله عن هذه الحقيقة جمع، منهم المناوي في " الجامع الأزهر " ، وصاحبنا السلفي في تعليقه على الطبراني!

(تنبيه) : قد أورد السيوطي الحديث في " الجامع الكبير " (6 - 14517) بتخريج: " ق في (1) ، كر عن ابن عباس ". فقالت اللجنة في التعليق عليه: " بياض في الأصل في جميع النسخ ". فأقول: من المعلوم من مقدمة السيوطي في " الجامع " في أثناء تحدثه عن رموزه قوله: " وللبيهقي (ق) ، فإن كان في " السنن " أطلقت، وإلا بينته ". فالبياض المشار إليه سواء كان من المؤلف - كما هو الظاهر - أو من النساخ، فصوابه: " الدلائل " كما يفهم من التخريج السابق. وقد أزيل هذا البياض من بعض مخطوطات " الجامع " لكن بقي حرف (في) ! وعليه جرى صاحب " كنز العمال " ( 11 / 456) لكنه حذف (في) ! فصار المعنى: ".. البيهقي في السنن "! وهذا غير صحيح! وبعد كتابة ما تقدم رأيت ابن الجزري قد قوى الحديث في كتابه الفريد " النشر في القراءات العشر "، فقال (2 / 391) : " روى ابن أبي حاتم بإسناد جيد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.. " فذكر الحديث.

2539

2539 - " من بات طاهرا بات في شعاره ملك لا يستيقظ ساعة من الليل إلا قال الملك: اللهم اغفر لعبدك فلانا، فإنه بات طاهرا ". أخرجه عبد الله بن المبارك في " حديثه " (2 / 101 / 2) وفي " الزهد " (ق 216 / 1 ورقم 1244 - ط) وابن عدي (ق 89 / 1) وابن حبان (167 - موارد) وابن شاهين في " الترغيب " (ق 313 / 2) كلهم عن ابن المبارك: أخبرنا الحسن ابن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، لكن وقع في " الموارد ": " ابن عمر " مكان أبي هريرة ولعله سبق قلم من الناسخ، نعم قد روي عن ابن عمر من طريق أخرى كما يأتي. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال البخاري، على ضعف في ابن ذكوان، لكن لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن، وقد قال فيه ابن عدي: " أرجو أنه لا بأس به " . وقال الذهبي: " وهو صالح الحديث ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء، وكان يدلس ". وخالف ابن المبارك ميمون بن زيد فقال: حدثنا الحسن بن ذكوان عن سليمان الأحول عن عطاء عن ابن عمر به. أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 209 / 1) والبزار (1 / 149 / 288 - زوائده) وقال: " لا نعلمه عن ابن عمر إلا من هذا الوجه، والحسن روى عنه جماعة ثقات ". قلت: لكن ميمون بن زيد لينه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في " الثقات ". ثم أخرجه الطبراني وابن شاهين والعقيلي في " الضعفاء " (ص 33) من

طريق إسماعيل بن عياش عن العباس بن عتبة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر به. أورده العقيلي في ترجمة العباس هذا، وقال: " لا يصح حديثه ". ثم قال: " وقد روي بغير هذا الإسناد، بإسناد لين أيضا " . قلت: وكأنه يشير إلى إسناد ميمون بن زيد المذكور. والذهبي نقل كلام العقيلي: " لا يصح حديثه "، وأقره. وزاد الحافظ عليه في ترجمة العباس، فقال: " وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " لكنه سماه (عياشا) بالياء المثناة من تحت، وبالشين المعجمة ". قلت: ولفظ حديثه: " طهروا هذه الأجساد طهركم الله، فإنه ليس عبد يبيت طاهرا إلا بات معه ملك في شعاره، لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك، فإنه بات طاهرا " وبهذا اللفظ أورده المنذري في " الترغيب " (1 / 207) والهيثمي في " المجمع " (10 / 128) والحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 93) لكنهم جميعا جعلوه من حديث ابن عباس، وقالوا: " رواه الطبراني في " الأوسط " بإسناد جيد ". إلا أن الهيثمي قال: " وإسناده حسن ". لكنه في مكان آخر لما أورده من حديث ابن عمر بلفظ حديث الترجمة، قال (1 / 226) :

" رواه البزار والطبراني في " الكبير "، وفيه ميمون بن زيد، قال الذهبي: لينه أبو حاتم، وفي إسناد الطبراني العباس بن عتبة، قال الذهبي: يروي عن عطاء - وساق له هذا الحديث، وقال: - لا يصح حديثه. قلت: قد رواه سليمان الأحول عن عطاء، وهو من رجال الصحيح. كذلك هو عند البزار، وأرجو أنه حسن الإسناد. ولفظ الطبراني: طهروا هذه الأجساد ... ". قلت: فساق لفظه كما تقدم آنفا. فهذا يشعر أنه من حديث ابن عمر أيضا فهو مخالف لتصريحه في المكان المشار إليه آنفا أنه من حديث ابن عباس: فالله أعلم بسبب هذا التناقض. ثم إن في كلامه السابق ما يقتضي التنبيه عليه، وهو أنه يشعر أن الطبراني لم يروه من طريق ميمون بن زيد، ولا من طريق سليمان الأحول، والأمر بخلافه كما يتبين لك من مراجعة تخريجي لرواية ميمون هذا، كما يشعر أيضا أن رواية البزار ليست من رواية ميمون، وهو خلاف الواقع أيضا، وقد نبه على هذا الأمر الأخير في هامش " المجمع "، وأظنه بقلم الحافظ ابن حجر رحمه الله. وجملة القول أن الحديث حسن الإسناد لولا عنعنة ابن ذكوان، فهو حسن برواية العباس بن عتبة. والله أعلم. وأما قول المعلق على " موارد الظمآن " (1 / 287 - دمشق) : " ويشهد له حديث معاذ عند أحمد (5 / 235) .. " إلخ، فهو خطأ، لأنه ليس فيه منه إلا فضل من بات طاهرا، دون قوله: " بات في شعاره ملك.. " إلخ، فهو شاهد قاصر جدا، وهذا مما يقع فيه كثيرا المشار إليه وأمثاله ممن لا فقه عندهم، ولا معرفة بالمعاني والمتون من المشتغلين بهذا العلم الشريف. وقد وقع له خطأ آخر في تخريجه لحديث معاذ، فحسنه من حديث شهر بن حوشب عند أبي

2540

داود وغيره، وغفل عن متابعة ثابت البناني إياه عند أبي داود وغيره. انظر تخريجي للحديث فيما يأتي برقم (3288) . ثم انكشف لي سبب التناقض المتقدم ذكره، وهو أن الطبراني في " الأوسط " لما أخرج الحديث فيه ( 2 / 9 / 2 / 5219 - بترقيمي) أخرجه من طريق إسماعيل بن عياش المتقدمة من روايته في " المعجم الكبير " وغيره عن العباس بن عتبة عن عطاء بن أبي رباح.. فقال: (عن ابن عباس) مكان (عن ابن عمر) ، وهذا من العباس هذا أو إسماعيل بن عياش. والله أعلم. ثم رأيت الحافظ قد أورد حديث ابن حبان برواية ابن حبان ، ثم قال (11 / 109) : " وأخرج الطبراني في " الأوسط " من حديث ابن عباس نحوه بسند جيد ". 2540 - " يدخل أهل الجنة الجنة، فيبقى منها ما شاء الله عز وجل، فينشئ الله تعالى لها ـ يعني خلقا ـ حتى يملأها ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 152) : حدثنا عبد الصمد حدثنا حماد عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه هو (8 / 152) وأبو يعلى (3 / 892) من طريق عفان : حدثنا حماد به. وتابعه قتادة عن أنس به. أخرجه البخاري (7384) ومسلم وأحمد (3 / 134 و 141 و 231) .

وله شاهد من حديث أبي هريرة. أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في الكتاب الآخر، تحت الحديث (6199) . وقد وقع في رواية للبخاري (7449) من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: ".. وينشئ للنار ... " ، مكان ".. الجنة ". وهي بلا شك رواية شاذة لمخالفتها للطريق الأولى عن أبي هريرة ولحديث أنس، وقد أشار إلى ذلك الحافظ أبو الحسن القابسي (علي بن محمد بن خلف القيرواني ت 403) ، وقال جماعة من الأئمة: إنه من المقلوب، وجزم ابن القيم بأنه غلط، واحتج بأن الله أخبر بأن جهنم تمتلئ من إبليس وأتباعه، وأنكرها الإمام البلقيني، واحتج بقوله تعالى: * (ولا يظلم ربك أحدا) *. ذكره الحافظ في " الفتح " (13 / 437) . فأقول: هذا الشذوذ في هذا الحديث مثال من عشرات الأمثلة التي تدل على جهل بعض الناشئين الذي يتعصبون لـ " صحيح البخاري "، وكذا لـ " صحيح مسلم " تعصبا أعمى، ويقطعون بأن كل ما فيهما صحيح! ويقابل هؤلاء بعض الكتاب الذين لا يقيمون لـ " الصحيحين " وزنا، فيردون من أحاديثهما ما لا يوافق عقولهم وأهواءهم، مثل (السقاف) و (حسان) و (الغزالي) وغيرهم. وقد رددت على هؤلاء وهؤلاء في غير ما موضع.

2541

2541 - " اللهم أكثر ماله وولده وأطل عمره واغفر له. يعني أنسا رضي الله عنه ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1048) : حدثنا أبو الربيع الزهراني أخبرنا حماد ابن زيد عن سنان بن ربيعة عن أنس بن مالك قال: انطلقت بي أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! خويدمك فادع الله له. فقال: (فذكره) قال: فكثر مالي، وطال عمري حتى قد استحييت من أهلي، وأينعت ثماري (!) ، وأما الرابعة يعني المغفرة. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سنان بن ربيعة، فأخرج له البخاري مقرونا بغيره، وقال الحافظ: " صدوق فيه لين ". وأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (653 ) من طريق سعيد بن زيد عن سنان به نحوه، وفيه أنه قال: " فدعا لي بثلاث، فدفنت مائة وثلاثة، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة ". وترجم له بـ " باب من دعا بطول العمر " . وأصله في " صحيح البخاري " (11 / 122 - فتح) ومسلم (2 / 128) من طريقين آخرين عن أنس دون ذكر العمر، وقد وهم مخرج " الأدب المفرد " حيث عزاه لمسلم دون البخاري، ودون أن ينبه على أن العمر ليس عندهما، وتقدم تخريجه برقم (140 و 141) ومع ذلك فقد ترجم له البخاري في " الصحيح "

2542

بقوله: " باب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه بطول العمر وبكثرة ماله ". فذكر الحافظ أن البخاري أشار بذلك إلى طريق سنان هذه. 2542 - " يا سعد! اتق أن تجيء يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 92 - زوائده) : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا أبي حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن ابن عمر قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة مصدقا، فقال: (فذكره) . قال : لا آخذه، اعفني: فأعفاه "، وقال: " ما رواه هكذا إلا يحيى الأموي ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك سائر الرواة، ولذلك قال الحافظ عقبه : " إسناده صحيح، وله شاهد من حديث ابن المسيب عن سعد نفسه ". وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 86) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". والشاهد المشار إليه أخرجه أحمد (5 / 285) بإسناد رجاله ثقات رجال البخاري، إلا أن سعيد بن المسيب لم يدرك سعدا. وله شاهد آخر من حديث قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه ساعيا، فقال أبوه: لا تخرج حتى تحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم عهدا، فلما

2543

أراد الخروج أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا قيس لا تأتي يوم القيامة على رقبتك بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها يعار، ولا تكن كأبي رغال " الحديث. أخرجه البيهقي (4 / 157) عن هشام بن سعد بسنده عن قيس. قلت: وهذا إسناد حسن، للخلاف المعروف في هشام، وقد جعل قيسا في القصة مكان أبيه سعد، فإن كان حفظه، وإلا فالصواب ما في الروايتين السابقتين أنه سعد. 2543 - " لا يفتح الإنسان على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر، يأخذ الرجل حبله فيعمد إلى الجبل فيحتطب على ظهره فيأكل به خير له من أن يسأل الناس معطى أو ممنوعا ". أخرجه أحمد (2 / 418) : حدثنا قتيبة قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن العلاء - يعني - ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وصححه ابن حبان (3378 - الإحسان) . وعبد العزيز بن محمد هو الدراوردي فيه كلام لا يضر، وقد تابعه على الجملة الأولى منه محمد بن عبد الرحمن بن مجبر عن العلاء به. أخرجه أبو يعلى (6691) وابن عدي (299 / 2) وقال: " وابن مجبر مع ضعفه يكتب حديثه ". قلت: لكن كذبه مسلمة بن قاسم والخطيب، فلا قيمة لمتابعته، فالعمدة

2544

على رواية الدراوردي. ثم وجدت له متابعا قويا من رواية محمد بن جعفر عن العلاء به. أخرجه الطبري في " التهذيب " (مسند عمر - 19 / 25 ) ، فصح الحديث والحمد لله. وللطرف الأول منه طريق آخر يرويه الطبري (20 / 26) والأصبهاني (72 / 2) عن ابن عجلان: حدثني سعيد عن أبي هريرة مرفوعا. وللشطر الثاني من الحديث طريق أخرى عن أبي هريرة نحوه. أخرجه الشيخان وغيرهما، وشاهد من حديث الزبير بن العوام. أخرجه البخاري وغيره، وهو مخرج في " تخريج الحلال " (157) . وللجملة الأولى شواهد من حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه عند أحمد (1 / 193) ومن حديث أبي كبشة الأنماري عنده أيضا (4 / 231) والترمذي وصححه، وهو مخرج في " المشكاة " (5287) ومن حديث أم سلمة ، وفيه يونس ابن خباب، وهو ضعيف. وهو مخرج في " الروض النضير " (1192) . 2544 - " بقي كلها غير كتفها ". أخرجه الترمذي (2 / 77) وأحمد (6 / 50) عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة عن عائشة: أنهم ذبحوا شاة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بقي منها؟ قالت: ما بقي منها إلا كتفها. قال: ... فذكره. وقال الترمذي:

حديث صحيح، وأبو ميسرة هو الهمداني، اسمه عمرو بن شرحبيل ". قلت : هو ثقة عابد مخضرم من رجال الشيخين، وكذلك سائر رجاله ثقات من رجال الشيخين ، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، وهو وإن كان رمي بالتدليس والاختلاط، فإن سفيان - وهو الثوري - سمع منه قبل الاختلاط، ولعله كان لا يروي عنه إلا ما صرح بالتحديث كشعبة، فقد قالوا: الثوري أثبت الناس فيه. وللحديث طريق أخرى، وشاهد من حديث أبي هريرة. أما الطريق، فأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (5 / 23) : حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم حدثنا موسى بن إسحاق القاضي الأنصاري حدثنا عيسى بن عثمان حدثنا عمي يحيى بن عيسى حدثنا الأعمش عن طلحة عن مسروق عنها قالت: أهدي لنا شاة مشوية، فقسمتها إلا كتفها، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له. فقال: " بقي لكم إلا كتفها " ، وقال: " غريب من حديث الأعمش عن طلحة، تفرد به يحيى بن عيسى ". قلت: وهو النهشلي الفاخوري، وهو صدوق يخطىء، واحتج به مسلم. وعيسى بن عثمان هو النهشلي الكسائي، وهو صدوق من شيوخ الترمذي. وموسى بن إسحاق الأنصاري القاضي، قال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 135) : " سمعت عنه، وهو ثقة صدوق ". قلت: فالسند حسن لولا أنني لم أجد لشيخ أبي نعيم ترجمة الآن. وأما الشاهد، فقال البزار (ص 99 - مختصر الزوائد) : حدثنا علي بن

2545

محمد حدثنا عمرو بن العباس: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن أبي مريم عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تذبح شاة فيقسمها بين الجيران، قال : فذبحتها، فقسمتها بين الجيران، ورفعت الذراع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان أحب الشاة إليه الذراع، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة : ما بقي عندنا منها إلا الذراع. قال: " كلها بقي إلا الذراع ". وقال المختصر وهو ابن حجر: " إسناده حسن ". وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 109) : " رواه البزار، ورجاله ثقات ". قلت: ورجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير علي بن محمد، فلم أعرفه الآن. ثم رأيت حديث الترجمة في " المستدرك " (4 / 136) مختصرا من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به عن عائشة قالت: " كانت لنا شاة فخشينا أن تموت، فقتلناها وقسمناها إلا كتفها ". وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. 2545 - " إن الله تبارك وتعالى لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه ". أخرجه أحمد (4 / 446 و 5 / 2 و 3) من طريق أبي قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، واسم أبي قزعة سويد بن حجير.

وفي لفظ له: " لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه ". وتابعه عليه بهز بن حكيم عن أبيه به، إلا أنه قال: " عملا " مكان: " توبة ". أخرجه أحمد (5 / 5) . قلت: وبهز ثقة حجة، لاسيما في روايته عن أبيه، وفيها ما يفسر رواية أبي قزعة، ويزيل الإشكال الوارد على ظاهرها، فهي في ذلك كقوله تعالى: * (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم) * (آل عمران: 90) ولذلك أشكلت على كثير من المفسرين، لأنها بظاهرها مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة من قبول توبة الكافر، ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى قبل الآية المذكورة: * (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) * إلى قوله: * ( أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. خالدين فيها ... ) * إلى قوله: * (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) * ( آل عمران: 86 - 89) فاضطربت أقوال المفسرين في التوفيق بين الآيتين، وإزالة الإشكال على أقوال كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وإنما أذكر منها ما تأيد برواية بهز هذه، فإنها كما فسرت رواية أبي قزعة فهي أيضا تفسر الآية وتزيل الإشكال عنها. فكما أن معنى قوله في الحديث: " لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه "، أي توبته من ذنب في أثناء كفره، لأن التوبة من الذنب عمل، والشرك يحبطه كما قال تعالى: * (لئن أشركت ليحبطن عملك) * (الزمر: 65) فكذلك قوله تعالى في الآية: * (لن تقبل توبتهم) *، أي من ذنوبهم، وليس من كفرهم. وبهذا فسرها بعض السلف، فجاء في " تفسير روح المعاني " للعلامة الآلوسي (1 / 624) ما نصه بعد أن ذكر بعض الأقوال المشار إليها:

2546

" وقيل: إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر، وإنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه، فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر، فردت عليهم لذلك، ويؤيده ما أخرجه ابن جرير (¬1) عن أبي العالية قال: هؤلاء اليهود والنصارى كفروا بعد إيمانهم، ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها، ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم، فلم تقبل توبتهم، ولو كانوا على الهدى قبلت، ولكنهم على ضلالة ". قلت: وهذا هو الذي اختاره إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى، فليراجع كلامه من أراد زيادة تبصر وبيان. 2546 - " اشووا لنا منه، فقد بلغ محله ". أخرجه أبو يعلى (2 / 796) ومن طريقه الضياء في " الأحاديث المختارة " (ق 194 / 2) : حدثنا محمد بن يحيى بن أبي سمينة السامي أخبرنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيت عائشة فرأى لحما، فقال: اشووا لنا منه. فقالوا يا رسول الله! إنها صدقة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي سمينة وهو التمار البغدادي، ثقة. ولكني لم أجد من قال فيه ( السامي) (¬2) . والله أعلم ثم رواه (2 / 823) من طريق أبي داود قال: أنبأنا شعبة به نحوه بلفظ: " هو عليها صدقة، ولنا هدية ". وهو بهذا اللفظ في " الصحيحين " وغيرهما. ¬

(¬1) أخرجه في تفسيره (6 / 579 رقم 7376 - 7381) من طرق عن داود بن أبي هند عن أبي العالية بنحوه، والسياق المذكور لفقه الآلوسي من مجموع الطرق، فتنبه. اهـ. (¬2) ووقع في " مسند أبي يعلى " (3078) المطبوع: " الشامي "! وهو بغدادي! . اهـ.

2547

2547 - " إن الله إذا استودع شيئا حفظه ". أخرجه النسائي في " عمل اليوم " (509) وابن حبان (2376 - الموارد) والبيهقي (9 / 173) والطبراني (3 / 206 / 2) وعلي بن المفضل المقدسي في " الأربعين في فضل الدعاء والداعين " (5 / 250 / 1) عن محمد بن عائذ الدمشقي: أخبرنا الهيثم بن حميد عن المطعم بن المقدام عن مجاهد قال: خرجت إلى العراق، وشيعنا عبد الله بن عمر، فلما فارقنا قال: إني ليس عندي شيء أعطيكم، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكره) ، وإني أستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، على ضعف يسير في الهيثم بن حميد. وله شاهد من حديث عمر رضي الله عنه، أخرجه عبد الوهاب بن أحمد أبو الحسين في " حديث أبي بكر بن أبي الحديد " (ق 191 / 2 ) عن نهشل الضبي عن أبي غالب أو أبي قزعة أو عن كلاهما عنه مرفوعا. قلت: هكذا وجدته بخطي عن المصدر المذكور، ويبدو أن فيه سقطا وزيادة فقد أخرجه الإمام أحمد (2 / 87) من طريق سفيان عن نهشل بن مجمع عن قزعة عن ابن عمر قال: " إن لقمان الحكيم كان يقول: (فذكر حديث الترجمة) وقال مرة نهشل عن قزعة أو عن أبي غالب ". ثم أخرجه أحمد من طريق أخرى عن سفيان: أخبرني نهشل بن مجمع الضبي - قال: وكان مرضيا - عن قزعة قال: أنبأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لقمان ... الحديث. قلت: وهذا سند صحيح لولا أن نهشلا تردد بين قزعة وأبي غالب، وقزعة

ثقة، وأبو غالب مجهول، ولا يجوز ترجيح أحد طرفي التردد على الآخر إلا بمرجح، وهذا ما لم نجده حتى الآن، ولذلك كنت أوردته في " الضعيفة " (3191) وأوضحت السبب هناك. وأزيد هنا فأقول: إن في رواية نهشل هذه أن الحديث هو من قول لقمان الحكيم، وهذه زيادة على رواية مجاهد التي ظاهرها أنها من قوله صلى الله عليه وسلم، والزيادة على الثقة لا تقبل إلا من ثقة مثله وهذا معدوم هنا. فتنبه. وفي معنا الحديث ما أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (508) وكذا ابن السني من طريق الليث بن سعد وسعيد بن أبي أيوب عن الحسن بن ثوبان أنه سمع موسى بن وردان يقول: أتيت أبا هريرة أودعه لسفر أردته فقال أبو هريرة رضي الله عنه: ألا أعلمك يا ابن أخي شيئا علمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوله عند الوداع؟ قلت: بلى. قال: قل: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه. قلت: وهذا إسناد حسن. وأخرجه أحمد (2 / 403) لكنه لم يذكر سعيد ابن أبي أيوب في إسناده. وتابعهما ابن لهيعة عن الحسن بن ثوبان به ، إلا أنه قال: " ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أردت سفرا أو تخرج مكانا، تقول لأهلك.. "، فذكره. أخرجه ابن السني (501) وابن ماجه (2825) مختصرا، وأحمد (2 / 358) بلفظ: " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك ". وابن لهيعة سيىء الحفظ فلا يحتج به إلا فيما وافق الثقات واللفظ الذي قبله أصح. انظر الحديث المتقدم (16) .

2548

2548 - " ما من ذي رحم يأتي رحمه فيسأله فضلا أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج له يوم القيامة من جهنم حية يقال لها: شجاع، يتلمظ، فيطوق به ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 235 / 2 - النسخة العتيقة) و " الأوسط " ( 2 / 42 / 1 / 5723) عن عبد الله بن أبي زياد القطواني: أخبرنا إسحاق بن الربيع العصفري عن داود بن أبي هند عن عامر الشعبي عن جرير بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات غير العصفري، وقد روى عنه جمع آخر من الثقات غير القطواني، قال الذهبي: " ذكره ابن عدي، وساق له حديثين غريبين، متن الواحد: " كل معروف صدقة ". رواه عنه أحمد بن بديل، وإسحاق صدوق إن شاء الله ". وأقره الحافظ في " التهذيب ". وأما في " التقريب " فقال: " مقبول ". وقال المنذري (2 / 33) ، ثم الهيثمي (8 / 154) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " بإسناد جيد ". وللحديث شواهد عند المنذري أحدها في " سنن أبي داود " تقدم تخريجه برقم (2438) .

2549

2549 - " أحسن ابن الخطاب ". أخرجه أحمد (5 / 368) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر، فقام رجل يصلي، فرآه عمر، فقال له: اجلس، فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري، وجهالة الصحابي لا تضر، وهو أبو رمثة كما في رواية أبي داود (1007) من طريق المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس به نحوه. والمنهال ضعيف. وللحديث شاهد من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن لا توصل صلاة بصلاة حتى يتكلم أو يخرج. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1034) . والحديث نص صريح في تحريم المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج، كما يفعله كثير من الأعاجم وبخاصة منهم الأتراك، فإننا نراهم في الحرمين الشريفين لا يكاد الإمام يسلم من الفريضة إلا بادر هؤلاء من هنا وهناك قياما إلى السنة ! وفي الحديث فائدة أخرى هامة، وهي جواز الصلاة بعد العصر، لأنه لو كان غير جائز، لأنكر ذلك على الرجل أيضا كما هو ظاهر، وهو مطابق لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، ويدل على أن ذلك ليس من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، وما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " محمول على ما إذا كانت الشمس مصفرة، لأحاديث صحت مقيدة

2550

بذلك. وقد سبق تخريج بعضها مع الكلام عليها من الناحية الفقهية تحت الحديث (200 و 314) . 2550 - " يا أيها الناس! لا ترفعوني فوق قدري، فإن الله اتخذني عبدا قبل أن يتخذني نبيا ". أخرجه الحاكم (3 / 179) من طريق علي بن قادم: حدثنا عبد السلام بن حرب عن يحيى ابن سعيد قال: كنا عند علي بن الحسين فجاء قوم من الكوفيين، فقال علي: يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، سمعت أبي يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. فذكرته لسعيد بن المسيب، فقال: وبعدما اتخذه نبيا . وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا. 2551 - " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو، ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟ ". أخرجه مسلم (4 / 107) والنسائي (2 / 44) وفي " الكبرى " أيضا (ق 83 / 1 ) وابن ماجه (3014) والدارقطني في " سننه " (ص 289) وكذا البيهقي (5 / 118) وابن عساكر في جزء " فضل عرفة " (ق 2 / 2) كلهم من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه قال: سمعت يونس بن يوسف يحدث عن سعيد بن المسيب عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

(تنبيه) : قد وقع لبعض العلماء بعض الأوهام في متن الحديث، فوجب بيانها ليكون القراء على حذر منها: أولا: قال المنذري في " الترغيب " (2 / 129) بعدما عزاه لمسلم والنسائي وابن ماجه: " وزاد رزين في " جامعه " فيه: اشهدوا ملائكتي! أني قد غفرت لهم ". فأقول: هذه الزيادة لا أصل لها في شيء من روايات الحديث التى وقفت عليها، وقد ذكرت آنفا مخرجيها، وإنما رويت هذه الزيادة من حديث جابر رضي الله عنه، لكن فيه عنعنة أبي الزبير، مع الاختلاف عليه في لفظه، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر (679) وهو شاهد قوي لحديث الترجمة، دون قوله: " فيقول: ما أراد هؤلاء؟ " ، وفيه: " ينزل الله إلى السماء الدنيا "، بدل قوله: " وإنه ليدنو ". وإنا لنعهد من رزين أنه كثيرا ما يخلط بين حديث وحديث يختلفان في المخرج، فيسوق أحدهما ثم يضم إليه زيادة من حديث آخر، دون أن يشير إلى ذلك، وقد تكون زيادة لا أصل لها في شيء من طرق الحديث. والله أعلم. ثانيا: أورد السيوطي حديث الترجمة في " الجامع الكبير " من رواية مسلم والنسائي وابن ماجه أيضا بلفظ: " عبدا أو أمة ". فهذه الزيادة " أو أمة " لا أصل لها أيضا عندهم، ولا عند غيرهم ممن أخرج الحديث. وانطلى أمرها على صاحب " الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير "، وعلي أيضا حينما جعلت " الفتح " قسمين: " صحيح الجامع الصغير وزيادته " و " ضعيف الجامع الصغير وزيادته "، فأوردت الحديث في القسم الأول برقم (5672) ، فمن كان عنده فليعلق عليه بما يدل على أن هذه الزيادة لا أصل لها.

ثالثا: جاء الحديث في " الترغيب " (2 / 129 - الطبعة المنيرية) برواية الثلاثة المذكورين أيضا بلفظ " عبيدا " بصيغة الجمع، وكذلك وقع في سائر النسخ المطبوعة، منها مطبوعة مصطفى عمارة، ويظهر أنه خطأ قديم لعله من المؤلف نفسه، فقد جاء كذلك في مخطوطة الظاهرية (ق 139 / 1) ، ونبه عليه الحافظ الناجي، فقال في " العجالة " (133 / 2) : " كذا وجد في أكثر نسخنا، وإنما هو " عبدا " بالإفراد ". رابعا: وقع في " الترغيب " أيضا بلفظ : " ليدنو يتجلى " بهذه الزيادة: " يتجلى ". وكذلك وقع فيما سبقت الإشارة إليه من الطبعات والنسخ، وهي زيادة منكرة لا أصل لها أيضا في شيء من طرق الحديث ورواياته، ولا أدري إذا مر عليه الناجي فلم يعلق عليه بشيء، أو أنها لم تقع في نسخته من " الترغيب "، غالب الظن الأول، وليس كتابه في متناول يدي الآن، لترجيح أحد الاحتمالين. وهذا الخطأ عندي أسوأ من الذي قبله لأنه مغير لمعنى الحديث، لأنه تفسير للدنو بالتجلي، وهذا إنما يجري على قاعدة الخلف وعلماء الكلام في تأويل أحاديث الصفات، خلافا لطريقة السلف رضي الله عنهم، كما خالفوهم في تأويل أحاديث نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا (¬1) بأن المعنى نزول رحمته. وهذا كله مخالف لما كان عليه السلف من تفسير النصوص على ظاهرها دون تأويل أو تشبيه كما قال تعالى: * (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) * ( الشورى: 11) ، فنزوله نزول حقيقي يليق بجلاله لا يشبه نزول المخلوقين، وكذلك دنوه عز وجل دنو حقيقي يليق بعظمته، وخاص بعباده المتقربين إليه بطاعته ، ووقوفهم بعرفة تلبية لدعوته عز وجل. فهذا هو مذهب السلف في النزول والدنو ، فكن على علم بذلك ¬

(¬1) وهي أحاديث كثيرة متواترة، خرجت طائفة كبيرة منها في " الإرواء " (449) ، وفي " تخريج السنة " لابن أبي عاصم (492 - 513) . اهـ.

2552

حتى لا تنحرف مع المنحرفين عن مذهبهم. وتجد تفصيل هذا الإجمال وتحقيق القول فيه في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبخاصة منها " مجموعة الفتاوى "، فراجع مثلا (ج 5 / 464 - 478) . وقد أورد الحديث على الصواب فيها (ص 373) واستدل به على نزوله تعالى بذاته عشية عرفة، وبحديث جابر المشار إليه آنفا. 2552 - " إن الله عز وجل أنزل: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * و* (أولئك هم الظالمون) * و * (أولئك هم الفاسقون) *. قال ابن عباس: أنزلها الله في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتله (العزيزة) من (الذليلة) فديته خمسون وسقا، وكل قتيل قتله (الذليلة) من (العزيزة) فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك، حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤمئذ لم يظهر ولم يوطئهما عليه (¬1) وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا، فأرسلت (العزيزة) إلى ( الذليلة) أن ابعثوا إلينا بمائة وسق، فقالت (الذليلة) : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض ؟ ! إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما ¬

(¬1) لفظ الطبراني: " ورسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمئذ لم يظهر عليهم ولم يوطئهما، وهو الصلح ". اهـ.

منكم لنا، وفرقا منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما، ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، ثم ذكرت (العزيزة) فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم، فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه، إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه. فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل الله عز وجل: * (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا: آمنا) * إلى قوله: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) *، ثم قال: فيهما والله نزلت، وإياهما عنى الله عز وجل ". أخرجه أحمد (1 / 246) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 95 / 1) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال: فذكره. وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (2 / 281) لأبي داود أيضا وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس، وهو عند ابن جرير في " التفسير " (12037 ج 10 / 352) من هذا الوجه، لكنه لم يذكر في إسناده ابن عباس. وعند أبي داود (3576) نزول الآيات الثلاث في اليهود خاصة في قريظة والنضير. فقط خلافا لما يوهمه قول ابن كثير في " التفسير " (6 / 160) بعد ما ساق رواية أحمد هذه المطولة: " ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه نحوه "!

وقد نقل عنه صاحب " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " أنه حسن إسناده. ولم أر هذا في كتابه: " التفسير " ، فلعله في بعض كتبه الأخرى. وتحسين هذا الإسناد هو الذي تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف، فإن مداره على عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو كما قال الحافظ : " صدوق، تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيها ". فقول الهيثمي (7 / 16) : " رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو ضعيف ، وقد وثق، وبقية رجال أحمد ثقات ". قلت: فقوله فيه: " ضعيف، وقد وثق " ليس بجيد لأنه يرجح قول من ضعفه على قول من وثقه، والحق أنه وسط حسن الحديث، إلا أن يخالف وهذا مما لا يستفاد من قوله المذكور فيه. والله أعلم. (فائدة هامة) : إذا علمت أن الآيات الثلاث: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) *، * (فأولئك هم الظالمون) *، * (فأولئك هم الفاسقون) * نزلت في اليهود وقولهم في حكمه صلى الله عليه وسلم: " إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه "، وقد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه الآيات فقال: * (يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه، وإن لم تؤتوه فاحذروا) *، إذا عرفت هذا، فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين وقضاتهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية، أقول: لا يجوز تكفيرهم بذلك، وإخراجهم من الملة إذا كانوا مؤمنين بالله ورسوله، وإن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ما أنزل الله، لا يجوز ذلك، لأنهم وإن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور، فهم مخالفون لهم من جهة

أخرى، ألا وهي إيمانهم وتصديقهم بما أنزل الله، بخلاف اليهود الكفار، فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم: " ... وإن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه "، بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلا، وسر هذا أن الكفر قسمان: اعتقادي وعملي. فالاعتقادي مقره القلب. والعملي محله الجوارح. فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع، وكان مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به، فهو الكفر الاعتقادي، وهو الكفر الذي لا يغفره الله، ويخلد صاحبه في النار أبدا. وأما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه، فهو مؤمن بحكم ربه، ولكنه يخالفه بعمله، فكفره كفر عملي فقط، وليس كفرا اعتقاديا، فهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له، وعلى هذا النوع من الكفر تحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئا من المعاصي من المسلمين، ولا بأس من ذكر بعضها: 1 - اثنتان في الناس هما بهم كفر، الطعن في الأنساب والنياحة على الميت. رواه مسلم. (¬1) 2 - الجدال في القرآن كفر. (¬2) 3 - سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر. رواه مسلم. (¬3) 4 - كفر بالله تبرؤ من نسب وإن دق. (¬4) 5 - التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر . (¬5) 6 - لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض. متفق عليه. (¬6) ¬

(¬1) تخريج " الطحاوية " (ص 298) . (¬2) " صحيح الجامع الصغير " (3 / 83 / 3101) . (¬3) تخريج " الإيمان " لأبي عبيد (ص 86) ، وتخريج " الحلال " (رقم 341) . (¬4) " الروض النضير " (رقم 587) . (¬5) " الأحاديث الصحيحة " (رقم 667) (¬6) " الروض النضير " (رقم 797) ، و " الأحاديث الصحيحة " رقم (1974) .

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها. فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي، فكفره كفر عملي، أي إنه يعمل عمل الكفار، إلا أن يستحلها، ولا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم، لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضا، والحكم بغير ما أنزل الله، لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا، وقد جاء عن السلف ما يدعمها، وهو قولهم في تفسير الآية: " كفر دون كفر "، صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثم تلقاه عنه بعض التابعين وغيرهم، ولابد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة، ونحا نحو الخوارج الذين يكفرون المسلمين بارتكابهم المعاصي، وإن كانوا يصلون ويصومون! 1 - روى ابن جرير الطبري (10 / 355 / 12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * قال: هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله. 2 - وفي رواية عنه في هذه الآية: إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه (¬1) ، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة، كفر دون كفر. أخرجه الحاكم (2 / 313 ) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وحقهما أن يقولا: على شرط الشيخين. فإن إسناده كذلك. ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في " تفسيره " (6 / 163) عن الحاكم أنه قال: " صحيح على شرط الشيخين "، فالظاهر أن في نسخة " المستدرك " المطبوعة سقطا، وعزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار. 3 - وفي أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من ¬

(¬1) كأنه يشير إلى الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه.

جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق. أخرجه ابن جرير (12063 ) . قلت: وابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس، لكنه جيد في الشواهد. 4 - ثم روى (12047 - 12051) عن عطاء بن أبي رباح قوله: (وذكر الآيات الثلاث) : كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم. وإسناده صحيح. 5 - ثم روى ( 12052) عن سعيد المكي عن طاووس (وذكر الآية) قال: ليس بكفر ينقل عن الملة . وإسناده صحيح، وسعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي، وثقه ابن معين والعجلي وابن حبان وغيرهم، وروى عنه جمع. 6 - وروى (12025 و 12026) من طريقين عن عمران بن حدير قال: أتى أبا مجلز (¬1) ناس من بني عمرو بن سدوس ( وفي الطريق الأخرى: نفر من الإباضية) (¬2) فقالوا: أرأيت قول الله: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) * أحق هو؟ قال: نعم. قالوا: * ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) * أحق هو؟ قال: نعم. قالوا : * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) * أحق هو؟ قال: نعم. قال: فقالوا: يا أبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله؟ قال: هو دينهم الذي يدينون به، وبه يقولون وإليه يدعون -[يعني الأمراء]- فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم أصابوا ذنبا. فقالوا: لا والله، ولكنك تفرق (¬3) . قال: أنتم أولى بهذا مني! لا أرى، وإنكم أنتم ترون هذا ولا تحرجون، ولكنها أنزلت في اليهود والنصارى وأهل الشرك. أو نحوا من هذا، وإسناده صحيح. وقد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال ¬

(¬1) من كبار ثقات التابعين واسمه لاحق بن حميد البصري. (¬2) طائفة من الخوارج. (¬3) أي: تجزع وتخاف.

ساقها ابن جرير (10 / 346 - 357) بأسانيده إلى قائليها، ثم ختم ذلك بقوله (10 / 358 ) : " وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبرا عنهم أولى. فإن قال قائل: فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصا؟ قيل: إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم - على سبيل ما تركوه - كافرون. وكذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو بالله كافر، كما قال ابن عباس، لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه، نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي ". وجملة القول أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله، فمن شاركهم في الجحد، فهو كافر كفرا اعتقاديا، ومن لم يشاركهم في الجحد فكفره عملي لأنه عمل عملهم، فهو بذلك مجرم آثم، ولكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه. وقد شرح هذه وزاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم ابن سلام في " كتاب الإيمان " " باب الخروج من الإيمان بالمعاصي " (ص 84 - 87 - بتحقيقي) ، فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق. وبعد كتابة ما سبق، رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في " مجموع الفتاوي " (3 / 268) : " أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله ".

2553

ثم ذكر (7 / 254) أن الإمام أحمد سئل عن الكفر المذكور فيها؟ فقال: كفر لا ينقل عن الإيمان، مثل الإيمان بعضه دون بعض، فكذلك الكفر، حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه. وقال (7 / 312) : " وإذا كان من قول السلف أن الإنسان يكون فيه إيمان ونفاق، فكذلك في قولهم أنه يكون فيه إيمان وكفر، وليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة، كما قال ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) *، قالوا: كفرا لا ينقل عن الملة. وقد اتبعهم على ذلك أحمد وغيره من أئمة السنة ". 2553 - " من خرج حاجا فمات كتب الله له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمرا فمات كتب الله له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب الله له أجر الغازي إلى يوم القيامة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1505) : حدثنا إبراهيم بن زياد - سبلان -: أخبرنا أبو معاوية أخبرنا محمد بن إسحاق عن جميل بن أبي ميمونة عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وتابع أبا يعلى، الحافظ الطبراني في " الأوسط " (2 / 24 / 2 / 5454) : حدثنا محمد ابن السري قال: أخبرنا إبراهيم بن زياد - سبلان - به. وقال: " تفرد به أبو معاوية ". ومن طريقه أخرجه ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 326 - 327) والبيهقي في " الشعب " (3 / 474) .

قلت: وهذا إسناد فيه علتان: الأولى: جهالة حال جميل بن أبي ميمونة، فقد أورده ابن أبي حاتم عن أبيه من روايته عن ابن أبي زكريا الخزاعي. وعنه محمد بن إسحاق ثم قال: " وروى عن سعيد بن المسيب. روى عنه الليث بن سعد ". وبه أعله الهيثمي، فقال (3 / 209) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه جميل بن أبي ميمونة، وقد ذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". والأخرى: عنعنة ابن إسحاق، وبها أعله المنذري تلميحا، فقال (2 / 166) : " رواه أبو يعلى من رواية محمد بن إسحاق، وبقية إسناده ثقات ". قلت: وقد وجدت له إسنادا آخر عن الليثي، فقال يحيى بن صاعد في " مجلسان من الأمالي " ( ق 51 / 2) : حدثنا عمرو بن علي قال: أخبرنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا هلال بن ميمون الفلسطيني عن عطاء بن يزيد الليثي به. وأخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 21) من طريق ابن صاعد به، لكنه قال: " الواسطي " بدل " الفلسطيني "، وهو خطأ من الناسخ أو الطابع. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير هلال بن ميمون الفلسطيني، وثقه ابن معين وابن حبان، وقال النسائي: ليس به بأس. وأما أبو حاتم فقال: " ليس بالقوي، يكتب حديثه ". وقد أخرج له ابن حبان عدة أحاديث في " صحيحه "، وهذه أرقامها (1160

2554

و 1746 و 2053 - وهو مكرر الذي قبله، 3183 - الإحسان) والأخيران رقمهما في " موارد الظمآن " (357 و 431) وأما حديث الرقم الأول فقد سقط منه ، وقد استدركته في كتابي الجديد " صحيح موارد الظمآن "، وهو على وشك التمام إن شاء الله تعالى. بل هو تحت الطبع الآن يسر الله صدوره قريبا إن شاء الله. (تنبيه) : شيخ الطبراني المتابع لأبي يعلى هو محمد بن السري بن مهران الناقد البغدادي، ترجمه الخطيب (5 / 318 - 319) ووثقه. وقد ساق له الطبراني قبل هذا الحديث خمسة أحاديث أخرى نسبه فيها إلى جده (مهران) إلا في هذا، فكان ذلك سببا لوهم المعلق على " مجمع البحرين "، فإنه فسره (3 / 186) على أنه ( محمد بن السري بن سهل أبو بكر البزار) الموثق عند الخطيب أيضا وغيره، وفي ذلك دليل على أنه غير متقن لهذا العلم، لأن سبب وهمه أنه لم يتنبه أن الطبراني في " الأوسط " قد أورد حديثه هذا في آخر أحاديثه كما تقدم، وهو قد عزاه لـ " الأوسط "! هذا أولا. وثانيا: أنه لما رأى الخطيب قد ذكر في ترجمة ابن سهل هذا أنه من شيوخ الطبراني، تسرع فحكم بأنه هو، ولو أنه صبر وتابع البحث لوجد ما يحول بينه وبين الوهم. فإن الخطيب بعد ترجمة واحدة فقط ترجم لابن مهران هذا، وذكر في شيوخه (سبلان) صاحب هذا الحديث. وعنه الطبراني!! 2554 - " ما خالط قلب امرئ مسلم رهج (¬1) في سبيل الله إلا حرم الله عليه النار ". ¬

(¬1) أي: الغبار. اهـ.

أخرجه أحمد (6 / 85) : حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة: أن مكاتبا لها دخل عليها ببقية مكاتبته، فقالت له: أنت غير داخل علي غير مرتك هذه، فعليك بالجهاد في سبيل الله، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير إسماعيل بن عياش وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها. وقال المنذري (2 / 168) وتبعه الهيثمي (5 / 276) : " رواه أحمد، ورواته ثقات ". قلت: وأخرجه ابن أبي عاصم (ق 84 / 2) من طريق سويد بن عبد العزيز: حدثنا الأوزاعي به. قلت: وقد وجدت له طريقا أخرى قد يعتضد به ويقوى، فقال الطبراني في " الأوسط " (2 / 124 - 125 - مصورة الجامعة الإسلامية) : حدثنا هشيم بن خلف حدثنا محمد ابن عمار الموصلي حدثنا القاسم بن يزيد الجرمي عن صدقة بن عبد الله الدمشقي عن ابن جريج عن محمد بن زياد المدني عن فرات مولى عائشة قال: قالت عائشة: فذكره مرفوعا نحوه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، صدقة بن عبد الله الدمشقي ضعيف كما قال الحافظ. وفرات مولى عائشة لم أعرفه، ولعل اسمه أصابه تحريف. وله طريق ثالث، فقال ابن أبي عاصم: حدثنا عمر بن يحيى الأيلي حدثنا حفص بن جميع عن المغيرة عن الحكم عن عطاء عنها، رفعت الحديث نحوه.

2555

قلت وحفص بن جميع ضعيف كما في " التقريب ". 2555 - " من رمى بسهم في سبيل الله كان له نورا يوم القيامة ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 183 - زوائده) : حدثنا عبد الرحمن بن الفضل بن موفق حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حميد المكي - مولى لابن علقمة - عن عطاء - يعني ابن أبي رباح - عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " تفرد به عن حميد زيد ". قلت: وهو صدوق من رجال مسلم، لكن شيخه المكي مولى ابن علقمة - وهو غير ابن قيس الأعرج المكي - مجهول كما قال الحافظ، وهو أصغر من الأعرج كما قال الذهبي، ويبدو أن الهيثمي توهم أنه ابن قيس المخرج له في " الصحيحين "، فإنه قال في " المجمع " (5 / 270) : " رواه البزار عن شيخه عبد الرحمن بن الفضل بن موفق، ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح "! ومن العجيب أن الحافظ ابن حجر أقره على ذلك، فإنه قال عقب قول البزار المتقدم: " قال الشيخ: رجاله رجال الصحيح غير عبد الرحمن، وهو ثقة " ! قلت: وأنا أظن أنه يعني بـ (الشيخ) شيخه الهيثمي، وحينئذ يشكل قوله عنه في عبد الرحمن: " وهو ثقة "! والهيثمي قد قال فيه كما سبق: " لم أعرفه ". وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 382) وقال: " روى عنه الحضرمي وأهل العراق ". وجملة القول أن إسناد الحديث ضعيف، لما عرفت من جهالة حميد المكي ، فلا يغتر بقول المنذري (2 / 172) :

2556

" رواه البزار بإسناد حسن ". فإن الظاهر أنه وهم في حميد أيضا. لكن للحديث شاهد قوي من حديث أبي نجيح السلمي مرفوعا بلفظ: " من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نورا يوم القيامة، ومن رمى بسهم كان له نورا يوم القيامة.. " الحديث. أخرجه البيهقي في " سننه " (9 / 161) بإسناد صحيح. والشطر الأول منه عند النسائي (2 / 59) من طريقين آخرين ، وكذا أحمد (4 / 113) وأحد إسناديه صحيح أيضا. ثم طبع " ثقات ابن حبان " فرأيته قد أورد فيه عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق (8 / 382) وذكر أنه روى عنه الحضرمي وأهل العراق، ورواية الحضرمي - وهو من شيوخ الطبراني - في " المعجم الأوسط " كما في كتابي " تيسير انتفاع الخلان " يسر الله إتمامه. 2556 - " من جرح جرحا في سبيل الله جاء يوم القيامة ريحه ريح المسك ولونه لون الزعفران عليه طابع الشهداء ومن سأل الله الشهادة مخلصا أعطاه الله أجر شهيد وإن مات على فراشه ". أخرجه ابن حبان (1615 - موارد) من طريق ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير ابن مرة عن مالك بن يخامر السكسكي أن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، وأخرجه أبو داود (2541) من هذا الوجه نحوه دون قوله: " وإن مات على فراشه ".

2557

وكذلك أخرجه النسائي (2 / 59) من طريق سليمان بن موسى قال: حدثنا مالك بن يخامر أن معاذ بن جبل حدثهم به دون ذكر الفراش. وفي أوله زيادة بلفظ: " من قاتل في سبيل الله عز وجل من رجل مسلم فواق ناقة قد وجبت له الجنة ". وهكذا أخرجه أحمد (5 / 230 - 231) والترمذي (1 / 311) بتمامه، والحاكم (2 / 77) ببعضه، وصححه هو والترمذي. وللجملة الأخيرة منه شاهد من حديث سهل بن حنيف مرفوعا بلفظ: " من سأل الله الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه ". أخرجه الدارمي (2 / 205) والحاكم (2 / 77) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي الدرداء عند أحمد، ورجاله ثقات، لكن فيه انقطاع بينته في " التعليق الرغيب " (2 / 167) . 2557 - " ما من قوم اجتمعوا في مجلس، فتفرقوا ولم يذكروا الله إلا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (مصورة الجامعة الإسلامية 4 / 434) والبيهقي في " الشعب " (1 / 400 / 533) من طريق شداد بن سعيد الراسبي: حدثنا جابر بن عمرو الراسبي عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره، وقال: " لا يروى عن عبد الله بن مغفل إلا بهذا الإسناد ".

2558

قلت: وهو حسن في الشواهد والمتابعات، فإن جابر بن عمرو، وشداد بن سعيد، وإن كانا من رجال مسلم ففيهما ضعف من قبل حفظهما، وقال المنذري في " الترغيب " ( 2 / 236) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، والبيهقي، ورواة الطبراني محتج بهم في (الصحيح) ". وقال الهيثمي (10 / 80) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير "، ورجالهما رجال (الصحيح) ". قلت: وقد تقدمت بعض شواهده من حديث أبي هريرة وغيره، فراجع الأرقام (74 - 80) . 2558 - " أفضل الجهاد عند الله يوم القيامة الذين يلقون في الصف الأول فلا يلفتون وجوههم حتى يقتلوا، أولئك يتلبطون في الغرف العلى من الجنة ينظر إليهم ربك، إن ربك إذا ضحك إلى قوم فلا حساب عليهم ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 227 - مصورة الجامعة) قال: حدثنا علي بن سعيد حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الأموي حدثنا عمي عنبسة بن سعيد حدثنا عبد الله بن المبارك عن الأوزاعي عن عروة بن رويم عن قزعة بن يحيى عن أبي سعيد الخدري مرفوعا، وقال: " لم يروه عن الأوزاعي إلا ابن المبارك، ولا عنه إلا عنبسه، تفرد به سعيد بن يحيى ".

قلت: هو سعيد بن يحيى بن سعيد بن أبان الأموي البغدادي، وهو ثقة من رجال الشيخين. وعمه عنبسة بن سعيد، وثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان في " الثقات "، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين غير عروة بن رويم، وهو ثقة. وعلي بن سعيد وهو الرازي الحافظ مختلف فيه، والذي يتلخص من كلامهم فيه أنه حسن الحديث، إلا أن يخالف، ولذلك قال المنذري في " الترغيب " (2 / 194) : " رواه الطبراني بإسناد حسن ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 292) : " رواه الطبراني في " الأوسط " من طريق عنبسة بن سعيد بن أبان، وثقه الدارقطني كما نقل الذهبي، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وعروة بن رويم ليس من رجال الصحيح كما سبق. وللحديث شاهد من حديث نعيم بن همار مرفوعا مثله. أخرجه أحمد (5 / 287) وكذا سعيد بن منصور في " سننه " (2566) والبخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 2 / 95) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (472) وأبو يعلى (4 / 1626) وأبو العباس المقدسي في " فضل الجهاد " (ق 115 / 2) وابن أبي عاصم في " الجهاد " (94 / 1) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 234 و 235) من طريق إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عنه. قلت: وهذا إسناد شامي متصل صحيح. وقال المنذري (2 / 193) وتبعه الهيثمي (5 / 292) :

2559

" رواه أحمد وأبو يعلى، ورواتهما ثقات ". قال الهيثمي: " ورواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه ". وهو في " أوسط الطبراني " (2 / 227 - مجمع البحرين - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق ابن لهيعة عن علي بن دينار الهذلي عن نعيم بن همار به. وقال الدمياطي في " المتجر الرابح " (ص 383) : " رواه أحمد وأبو يعلى بإسنادين جيدين ". ورواه ابن أبي شيبة (7 / 147 / 2) عن يحيى بن أبي كثير مرسلا. 2559 - " أول ثلة (¬1) يدخلون الجنة الفقراء المهاجرون الذين تتقى بهم المكاره، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت للرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض له حتى يموت وهي في صدره، وإن الله عز وجل ليدعو يوم القيامة الجنة فتأتي بزخرفها وزينتها فيقول: أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقوتلوا وأوذوا في سبيلي وجاهدوا في سبيلي، ادخلوا الجنة، فيدخلونها بغير حساب. وتأتي الملائكة فيسجدون، فيقولون: ربنا نحن نسبح بحمدك الليل والنهار ونقدس لك، من هؤلاء الذين آثرتهم علينا؟ فيقول الرب عز وجل: هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وأوذوا في سبيلي، فتدخل عليهم الملائكة من كل باب * (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) * [الرعد: 24] ". أخرجه الأصفهاني في " الترغيب والترهيب " (ص 213 - مصورة الجامعة) : ¬

(¬1) الأصل: ثلاثة، والتصحيح من " المستدرك " و " المسند ". اهـ.

أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن محمد بن إسحاق: أنبأنا والدي أنبأنا أبو طاهر أحمد بن عمرو المصري - بها - حدثنا يونس بن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن أبا عشانة حدثه قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، أبو الطاهر فمن فوقه ثقات من رجال مسلم غير أبي عشانة واسمه حي بن يومن المصري ، وهو ثقة كما قال الحافظ في " التقريب ". وعبد الوهاب بن محمد بن إسحاق هو الحافظ ابن الحافظ ابن منده، وهما ثقتان مشهوران من الحفاظ الذين ترجمهم الحافظ الذهبي في " التذكرة "، فالإسناد صحيح، فقول المنذري (2 / 194) : " رواه الأصبهاني بإسناد حسن، ومتنه غريب ". قلت: ففيه تقصير ظاهر، وأما استغرابه إياه، فلعله لما رواه معروف بن سويد الجذامي عن أبي عشانة به مرفوعا نحوه، ليس فيه: " أين عبادي الذين ... في سبيلي ". أخرجه أحمد (2 / 168) وابن حبان (2565) والبزار (4 / 256 - 257 / كشف الأستار) . فأقول: معروف هذا وثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة من الثقات، وعمرو بن الحارث أوثق منه وأشهر، فلا ضير في مخالفة الجذامي إياه في بعض ألفاظه. وأخرجه الحاكم (2 / 71) ومن طريقه البيهقي في " الشعب " (4 / 27 - 28) من طريق أخرى عن ابن وهب به وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

2560

ثم وجدت له متابعا، فقال أحمد في الموضع المشار إليه: حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو عشانة به مثل رواية عمرو بن الحارث: فالحديث صحيح عندي لا غبار عليه. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 2560 - " أين ذهبتم؟! إنما هي يا أيها الذين آمنوا لا يضركم من ضل - من الكفار - إذا اهتديتم ". أخرجه أحمد (4 / 129 و 201 - 202) من طريق علي بن مدرك عن أبي عامر الأشعري قال: كان رجل قتل منهم بـ (أوطاس) ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا عامر ألا غيرت؟ (¬1) فتلا هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * [المائدة: 105] ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: فذكره. ورواه الطبراني ولفظه: عن أبي عامر أنه كان فيهم شيء فاحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما حبسك؟ قال: قرأت هذه الآية: * (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) *، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يضركم من ضل من الكفار إذا اهتديتم ". قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 19) : " ورجالهما ثقات، إلا أني لم أجد لعلي بن مدرك سماعا من أحد من الصحابة ". قلت: خفي عليه أن ابن حبان أورده في " ثقات التابعين "، وقال (3 / 180) : " سمع أبا مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه شعبة بن الحجاج، مات سنة عشرين ومائة ". ¬

(¬1) أي: لو أخذت الدية. اهـ.

2561

قلت: وأبو مسعود مات سنة أربعين، وأبو عامر الأشعري مات في خلافة عبد الملك ابن مروان، وكانت خلافته سنة 65، وقيل سنة 73، فهو بإمكانه أن يسمع منه من باب أولى، لأنه تأخر وفاته عن وفاة أبي مسعود بعشرين سنة أو أكثر. ولذلك ذكر الحافظ في " التقريب " أنه ثقة من الرابعة. مات سنة عشرين ومائة. وجملة القول: إن الحديث صحيح الإسناد، ورجاله كلهم ثقات، وهو يلتقي في الجملة مع الأحاديث الكثيرة التي توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي كثيرة معروفة. 2561 - " من لم يغز أو يجهز غازيا أو يخلف غازيا في أهله بخير أصابه الله سبحانه بقارعة قبل يوم القيامة ". أخرجه أبو داود (2503) وعنه البيهقي (9 / 48) والدارمي (2 / 209) وابن ماجه (2762) وابن أبي عاصم في " الجهاد " (83 / 1) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 176) وفي " المعجم الكبير " (8 / 211 / 7747) وأبو العباس المقدسي في " فضل الجهاد " (ق 120 / 2) من طرق عن الوليد بن مسلم: حدثنا يحيى ابن الحارث الذماري عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات، على خلاف في القاسم وهو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، والمتقرر فيه أنه حسن الحديث، والوليد بن مسلم، وإن كان يخشى منه تدليس التسوية، فالقاسم مشهور الرواية عن أبي أمامة، وكذا الذماري عنه. وفي " مسند الروياني " (30 / 217 / 2) ومن طريقه ابن عساكر في " الأربعين في الحث على الجهاد " (ص 84) التصريح بالتحديث مكان (عن) في سائر المواضع.

وتابعه مسلمة بن علي الخشني عن الذماري به. أخرجه الطبراني في " الشاميين " (ص 175) . وله شاهد من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعا به. قال الهيثمي (5 / 284) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه سويد بن عبد العزيز، وهو ضعيف ". وروى نجدة بن نفيع عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنفر حيا من العرب، فتثاقلوا، فنزلت: * (إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما) * ، قال: كان عذابهم: حبس المطر عنهم. أخرجه البيهقي، ونجدة مجهول كما في " التقريب ". ثم رأيت الحديث في " مسند الشاميين " للطبراني، أخرجه (ص 53) من طريق علي بن بحر: حدثنا الوليد بن مسلم عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعا به. قلت: وهذا إسناد آخر للوليد بن مسلم مخالف للطريق الأولى التي تقدمت من رواية الطرق، وراويه عنه علي بن بحر ثقة، فإن كان حفظه فيكون للوليد بن مسلم إسنادان. وقد تابعه عمر بن سعيد الدمشقي قال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز التنوخي. أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب " (1432) . ويؤيده أنه رواه أبو حلبس عن عبد الملك بن مروان عن أبي هريرة به. أخرجه في " مسند الشاميين " (ص 157) .

2562

وأبو حلبس مجهول، وانظر (ص 159) . ثم وقفت على الشاهد عند الطبراني في " الأوسط " (4 / 226 / 8497) ، فإذا هو يرويه من طريق عمرو بن الحصين العقيلي: حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة حدثنا سويد بن عبد العزيز عن مكحول عن واثلة به. وقال: " لم يروه عن سعيد (!) بن عبد العزيز إلا ابن علاثة، تفرد به عمرو بن الحصين ". قلت: هو متروك متهم كما تقدم مرارا. فلا قيمة حينئذ لحديثه كشاهد. وقريب منه سويد بن عبد العزيز، لكني أخشى أن يكون تحرف اسم (سويد) في السند من " سعيد "، فإنه هكذا وقع في تذييل الطبراني عليه، وهو الراجح عندي لأنه هو المعروف بالرواية عن مكحول بخلاف سويد، وسعيد ثقة، لكنه كان اختلط. 2562 - " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا. قال: وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر ". أخرجه الترمذي (2 / 265) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 322) عن محمد بن ثابت البناني قال: حدثني أبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". وأقول: هذا من تساهل الترمذي رحمه الله، فإن محمد بن ثابت هذا متفق على تضعيفه، وإن كان بعضهم أشار إلى أنه صدوق في نفسه، والضعف من قبل حفظه، وقد أخرج حديثه هذا ابن عدي في " الكامل " (ق 290 / 1) في جملة أحاديث ساقها له، ثم قال:

" وهذه الأحاديث مع غيرها مما لم أذكره عامتها مما لا يتابع محمد بن ثابت عليه ". نعم لو أن الترمذي قال: " حديث حسن " لأصاب، فقد وجدت له متابعا وشاهدا. أما المتابع، فهو زائدة بن أبي الرقاد قال: حدثنا زياد النميري عن أنس به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 268) . وزياد وزائدة ضعيفان وثقا، وقد حسن لهما الهيثمي (10 / 77) حديثا آخر لهما عن أنس، فقال: " وإسناده حسن ". أقول: فلا أقل من أن يستشهد بهما. وأما الشاهد، فيرويه محمد بن عبد الله بن عامر: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مالك عن نافع عن سالم عن ابن عمر مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم (6 / 354) وقال: " غريب من حديث مالك، لم نكتبه إلا من حديث محمد بن عبد الله بن عامر ". قلت: ولم أعرفه، ويحتمل أن (عامر) محرف (نمير) ، فإن كان كذلك فهو ثقة. ثم رأيت ما يرجح أنه هو، فقد ذكره المزي في الرواة عن قتيبة، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد صحيح، إن كان شيخ أبي نعيم (أبو الحسن علي ابن أحمد بن عبد الله المقدسي) ثقة، أو متابعا، فإني لم أجد له ترجمة ولا في " تاريخ ابن عساكر "، على أن أبا نعيم في استغرابه المتقدم قد أشار إلى أنه قد توبع. والله أعلم. وروى زيد بن الحباب أن حميدا المكي مولى ابن علقمة حدثه أن عطاء بن أبي رباح حدثه عن أبي هريرة مرفوعا به، إلا أنه قال بدل " حلق الذكر ":

" المساجد ". قلت: وما الرتع يا رسول الله! قال: " سبحان الله، والحمد لله ، ولا إله إلا الله، والله أكبر ". أخرجه الترمذي أيضا، وقال: " حديث حسن غريب ". قلت: حميد المكي مجهول كما قال الحافظ، فالإسناد ضعيف، فقول الحافظ المنذري (2 / 251) : " رواه الترمذي وقال: " حديث غريب "، وقال الحافظ: وهو مع غرابته حسن الإسناد ". قلت: فهذا من تساهل المنذري. كيف لا ، وحميد هذا لم يوثقه أحد، ولا روى عنه غير زيد بن الحباب، وقال البخاري في حديثه هذا: " لا يتابع عليه ". ثم إن هناك تغايرا بين ما نقلته عن الترمذي ، وما نقله المنذري عنه، والأليق بحال الإسناد وحسن الظن بالترمذي - على تساهله - ما نقله هو عنه: " حديث غريب "، دون قوله: " حسن ". والله أعلم. وله شاهد آخر من حديث جابر مرفوعا نحوه في حديث له. أخرجه الحاكم (1 / 494 - 495) وغيره من طريق عمر بن عبد الله مولى غفرة قال: سمعت أيوب بن خالد بن صفوان الأنصاري عنه. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله:

" قلت: عمر ضعيف ". قلت: وشيخه أيوب نحوه في الضعف وإن روى له مسلم، فقد قال الحافظ: " فيه لين ". ولم يوثقه غير ابن حبان، فقول المنذري (2 / 234) بعد أن أشار إلى الكلام الذي في عمر: " وبقية رجاله ثقات مشهورون محتج بهم، فالحديث حسن. والله أعلم "! تساهل ظاهر. وقد خرجته في " الضعيفة " (6205) ، نعم يمكن القول بتحسين الحديث بهذا الشاهد ونحوه. ومن أجل ذلك أوردته هنا، وكنت خرجت حديث الترمذي عن أبي هريرة في " الضعيفة " (1150) لتفرده بتفسير الرتع، فلينتبه لهذا إخوتي القراء قبل أن يفاجئهم من اعتاد أن يدعي " التناقضات " فيما لا يفهمه، أو يفهمه، ولكن زين له أن يدس السم في الدسم، ولا أدل على ذلك من تأليفه الذي نشره باسم " صحيح صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها "! ! وهو في الحقيقة، إنما فيه ما يدل على تعصبه لمذهب الشافعية - ولا أقول الشافعي - على السنة المحمدية، حتى وصل به الأمر أن يبطل صلاة من قرأ سورة * (إذا السماء انشقت) *، وسجد فيها، مع علمه بأن الحديث متفق على صحته، ولذلك لم يورده في " صحيحه " المزعوم لأنه مخالف لمذهبه، كما أنه لما ساق حديث أبي سعيد من رواية مسلم فيما كان صلى الله عليه وسلم يقرؤه في صلاة الظهر لم يذكره بتمامه، بل بتر منه ما كان صلى الله عليه وسلم يقرؤه في الركعتين الآخيرتين من الظهر، لأنه مخالف لمذهبه، والأدهى والأمر أن الإمام الشافعي قد قال في كتابه " الأم " بهذا الذي بتره من الحديث تعصبا منه للشافعية! وأعجب من هذا كله لقد خالفهم جميعا انتصارا منه للبدعة، ومتابعة منه للعوام، فكذب على رسول الله

2563

صلى الله عليه وسلم حين صرح بأن التلفظ بالنية في الصلاة سنة! مع أن الإمامين الرافعي والنووي صرحا بأنه ليس بشيء، فمثل هذا الدعي الذي يخالف السنة والأئمة انتصارا لهواه والبدعة، لا يستغرب منه أن ينتصب لمحاربة من نذر نفسه لخدمة السنة، ونشرها بين المسلمين، بالافتراء عليه ونسبة " التناقضات " إليه. فالله حسيبه. 2563 - " من قال حين يصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير - عشر مرات، كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات وحط عنه بها عشر سيئات ورفعه الله بها عشر درجات وكن له كعشر رقاب وكن له مسلحة من أول النهار إلى آخره، ولم يعمل يؤمئذ عملا يقهرهن، فإن قالها حين يمسي، فكذلك ". أخرجه أحمد (5 / 420) والطبراني (4 / 151 / 3883) عن إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن خالد بن معدان عن أبي رهم السمعي عن أبي أيوب الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد صحيح شامي رجاله كلهم ثقات، وأبو رهم اسمه أحزاب، وقد قيل بصحبته. ورواه ابن لهيعة: حدثني الحارث بن يزيد عن ربيعة بن مطير عن أبي رهم به. أخرجه الطبراني رقم (3884) . وربيعة بن مطير لم أعرفه، وعلى الهامش: " ابن قيصر، صح "، ولم أعرفه أيضا. وفي الرواة عن أبي رهم (واسمه أحزاب) ربيعة بن قيصر، ويقال: ابن مصبر الحضرمي المصري كما في " تهذيب المزي "، وفي " ثقات ابن حبان " (4 / 230) : " ربيعة بن يورا المصري "، وهو مجهول. انظر " تيسير الانتفاع ".

وقد وجدت له طرقا أخرى، فرواه أبو الورد عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 414 - 415) والطبراني (4 / 221 / 4089) . قلت: وأبو محمد الحضرمي لا يعرف كما قال الذهبي، وعلق حديثه هذا البخاري في " صحيحه " (11 / 171 - فتح) لكن بلفظ: " كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل ". وهو شاذ أيضا . وتابعه القاسم أبو عبد الرحمن عن أبي أيوب به نحوه. أخرجه الطبراني (1 / 205 / 1 - 2) . قلت: وسنده حسن في المتابعات والشواهد. وتابعه عبد الله بن يعيش عن أبي أيوب به نحوه، إلا أنه قال: " من قال إذا صلى الصبح: لا إله إلا الله ... وإذا قالها بعد المغرب فمثل ذلك ". أخرجه ابن حبان (2341) وأحمد (5 / 415) والطبراني (4 / 222 / 223) وسنده حسن كما قال الحافظ. وتابعه أبو الورد بن أبي بردة عن غلام أبي أيوب عن أبي أيوب به، وفيه قصة. أخرجه الطبراني (1 / 199 / 1) . وغلام أبي أيوب اسمه أفلح، وهو ثقة.

والراوي عنه أبو الورد بن أبي بردة جزم الحافظ بأنه أبو الورد بن ثمامة بن حزن القشيري، يعني المتقدم من روايته عن أبي محمد الحضرمي. وأن قوله هنا ابن أبي بردة وهم. قلت: ويحتمل أن كنية ثمامة والد أبي الورد: " أبو بردة "، فلا ضرورة للتوهيم حينئذ. والله أعلم. وابن ثمامة مقبول عند الحافظ. والله أعلم. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " من قال: لا إله إلا الله ... بعد ما يصلي الغداة عشر مرات ... " الحديث، إلا أنه قال: " وكن له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل ". أخرجه الخطيب في " التاريخ " (12 / 389 و472) من طريق الحسن بن عرفة: حدثنا قران بن تمام الأسدي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو في " جزء الحسن بن عرفة " المشهور (رقم: 18) ، وقال الناجي في " العجالة " (70) : " وإسناده على شرط مسلم ، لكن لم يخرجوه ". وأقول: قران بن تمام لم يخرج له مسلم شيئا، فهو صحيح فقط كما ذكرنا. وقد سبق تخريجه برقم (113) . وأخرجه أحمد (2 / 360) وابن منده في " التوحيد " (ق 59 / 2) والبيهقي (1 / 345) من طريق سمي عن أبي صالح به نحوه، لكنه قال: " حين يصبح " و " حين يمسي ".

2564

وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ورواه أبو بكر بن أبي سبرة عن عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعا مثله في الصباح والمساء، والباقي نحوه ، وقال: " يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. غفرت له ذنوبه وإن كانت أكثر من زبد البحر ". أخرجه البزار في " مسنده " (3 / 260 / 1051 - البحر الزخار) : حدثنا بعض أصحابنا قال: أخبرنا محمد بن سليمان بن مسمول قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي سبرة. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، أبو بكر هذا متروك متهم. وبه أعله الهيثمي (10 / 113 و 114) . ( تنبيه) : سبق تخريج حديث الترجمة في المجلد الأول برقم (114) ، ثم قدر الله إعادة تخريجه هنا من مصادر جديدة، وفوائد عديدة، وله الحمد والمنة. 2564 - " إن أولادكم هبة الله لكم * (يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور) * (¬1) ، فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها ". أخرجه الحاكم (2 / 284) وعنه البيهقي (7 / 480) من طريق محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال: سمعت أبي يقول: أنبأ أبو حمزة عن إبراهيم الصائغ عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه هكذا، وإنما اتفقا على حديث عائشة: أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وولده من كسبه ". ¬

(¬1) الشورى: 49. اهـ.

2565

قلت: وفيه وهمان. الأول: قوله: صحيح على شرط الشيخين، وإن وافقه الذهبي ، فإن إبراهيم الصائغ - هو ابن ميمون - ومحمد بن علي بن الحسن بن شقيق لم يخرج لهما الشيخان شيئا. وحماد - وهو ابن أبي سليمان - لم يخرج له البخاري في " صحيحه " أصلا، وإنما في " الأدب المفرد "، فهو صحيح فقط. والآخر: أن الشيخين لم يخرجا أصلا حديث عائشة الآخر: " أطيب ما أكل الرجل ... " الحديث، وإنما أخرجه بعض أصحاب السنن، وقد خرجته في " إرواء الغليل " (رقم 830 و1626) . وفي الحديث فائدة فقهية هامة قد لا تجدها في غيره، وهي أنه يبين أن الحديث المشهور: " أنت ومالك لأبيك " (الإرواء 838) ليس على إطلاقه، بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه. 2565 - " من صام يوما في سبيل الله باعد الله منه جهنم مسيرة مائة عام ". أخرجه النسائي (2 / 314) وابن أبي عاصم في " الجهاد " (رقم 1 / 88 / 2) والطبراني في " الكبير " (17 / 335 رقم 927) عن يحيى بن الحارث عن القاسم عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي القاسم - وهو ابن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة - كلام لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن. وللحديث شاهد من رواية زبان عن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا به، وزاد:

" سير المضمر المجتهد ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1486) . قلت: وزبان فيه ضعف. وشاهد آخر من حديث عمرو بن عبسة مرفوعا به نحوه دون الزيادة. قال المنذري (2 / 62) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بإسناد لا بأس به ". وقال الهيثمي (3 / 194) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله موثقون ". أقول : لكن رواه البخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 234) وابن أبي عاصم (ق 89 / 1 ) من طريق جنادة بن أبي خالد عن أبي شيبة عن عمرو بن عبسة بلفظ: " سبعين خريفا ". وأبو شيبة هذا - وهو المهري - ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 2 / 390) برواية بليح أيضا عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات ". وجنادة ترجمه ابن أبي حاتم أيضا (1 / 1 / 515) برواية زيد بن أبي أنيسة ، وهو الراوي عنه لهذا الحديث، وفي ترجمته ذكره البخاري، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو في " ثقات ابن حبان " (6 / 150) وصرح الذهبي في " الميزان (1 / 424) بجهالته.

2566

2566 - " من سمع الناس بعمله سمع الله به مسامع خلقه يوم القيامة وحقره وصغره ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (رقم 141) وأحمد في " مسنده " (رقم 6509 و6986 و 7085) والطبراني في " الأوسط " (4 / 484 - مصورة الجامعة الإسلامية) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 124) و (5 / 99) من طرق عن عمرو بن مرة عن خيثمة عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. ثم أخرجه الطبراني من طريق محمد بن سليمان بن أبي داود: حدثنا أبي عن عبد الكريم بن مالك عن سعيد بن المسيب قال: سمعت عبد الله بن عمرو، فذكر نحوه، وقال: " لم يروه عن سعيد إلا عبد الكريم ". قلت: وهو الجزري أبو سعيد الحراني، وهو ثقة من رجال الشيخين. لكن الراوي عنه سليمان بن أبي داود - وهو الحراني - ضعفه أبو حاتم وغيره. وأما ابنه محمد فثقة. إلا أن الإسناد الأول صحيح على شرط الشيخين، فالعمدة عليه. وإليه أشار الحافظ المنذري بقوله في " الترغيب " (1 / 31) : " رواه الطبراني في " الكبير " بأسانيد أحدها صحيح، والبيهقي ". 2567 - " حبذا المتخللون من أمتي ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 39 - مصورة الجامعة الإسلامية) قال: حدثنا أحمد: حدثنا محمد بن عمار الموصلي حدثنا عفيف بن سالم عن محمد بن أبي حفص الأنصاري عن رقبة بن مصقلة عن أنس بن مالك مرفوعا، وقال:

" لم يروه عن رقبة إلا محمد، ولا عنه إلا عفيف، تفرد به ابن عمار ". قلت: وأعله الهيثمي بمحمد بن أبي حفص الأنصاري قال: " لم أجد من ترجمه ". وتبعه محقق " مجمع البحرين " (1 / 338 - مكتبة الرشد) ! قلت: أورده الحافظ المزي في شيوخ عفيف بن سالم كما وقع هنا، وفي الرواة عن رقبة بن مصقلة: محمد بن أبي حفص العطار. ثم رجعت إلى " الميزان "، فوجدت فيه: " محمد بن أبي حفص الكوفي العطار. روى عن السدي: قال الأزدي: " يتكلمون فيه "، فقال الحافظ في " اللسان ": " قال النباتي: هو محمد بن عمر الأنصاري الآتي ذكره ". فرجعت إلى المكان المشار إليه فرأيت فيه: " محمد بن عمر الأنصاري عن كثير النواء بخبر منكر، ضعفه الأزدي. انتهى. وفي " الثقات " لابن حبان: محمد بن عمر بن علي الأنصاري يروي عن أسامة بن زيد الليثي، وعنه الحضرمي. فيحتمل أن يكون هو هذا ". ثم رجعت إلى " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، فإذا فيه (4 / 1 / 19) : " محمد بن عمر، وهو ابن أبي حفص الأنصاري العطار، روى عن السدي، روى عنه أبو نعيم ". أقول: فقد تبين أن محمد بن أبي حفص الأنصاري هو محمد بن عمر الأنصاري العطار، وأنه معروف برواية ثلاثة من الثقات عنه:

الأول: عفيف بن سالم. الثاني: الحضرمي. الثالث: أبو نعيم. قلت: وهؤلاء كلهم ثقات، ثم رأيت في " اللسان ": " محمد بن عمر بن أبي حفص العطار الأنصاري، يروي عنه عفيف بن سالم وأبو غسان، كان ممن يخطىء. قاله ابن حبان في (الثقات) ". فهذا راو رابع عنه، وهو أبو غسان، واسمه مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي، لكن قوله: " ابن أبي حفص " إن لم يكن خطأ، ففيه فائدة جديدة، وهي أن أبا حفص جد محمد بن عمر، وليس كنية أبيه كما هو صريح كلام ابن أبي حاتم المتقدم. والله أعلم. وجملة القول: أن محمد بن أبي حفص الأنصاري هذا معروف برواية هؤلاء الثقات الأربعة عنه، فمثله يستشهد به، بل كان يمكن القول بأنه يحتج به في مرتبة من يحسن حديثه، لولا قول ابن حبان فيه: " كان ممن يخطىء "، فالحديث عندي حسن لغيره لأن له شاهدا من حديث أبي أيوب الأنصاري به أتم منه، رواه أحمد وغيره، وقد خرجته في " إرواء الغليل " (1975) كما ذكرت لحديث الترجمة هناك مصادر أخرى، وقع فيها اسم الأنصاري هكذا: " محمد بن أبي جعفر "، فذهب وهلي إلى أنه غير الذي ترجمته هنا، وكان ذلك مني خطأ على خطأ بعض الرواة، فالاعتماد على ما ذكرت هنا، وهو مما لم أسبق إليه فيما علمت، فإن أصبت فمن الله، وله الحمد والمنة، وإن أخطأت فمني، والله أسأل أن يعفو عني، ويغفر لي ذنبي.

2568

2568 - " إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته ". أخرجه مسلم (6 / 4) وأبو عوانة في " صحيحه " (4 / 400) وأحمد (4 / 86 و87 - 88 و 89) ومن طريقه الطبراني في " المعجم الكبير " (1803) من طرق عن المهاجر بن مسمار عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن جابر بن سمرة مرفوعا وفي رواية للطبراني ومن طريقه الخطيب في " تاريخه " (10 / 38) من طريق حاتم بن إسماعيل عن المهاجر بن مسمار به بلفظ: " إذا أنعم الله عز وجل على عبد [نعمة ] فليبدأ ... " الحديث. (تنبيه) : سقطت من مطبوعة الطبراني لفظة " نعمة "، وهي ثابتة في مخطوطة الظاهرية (1 / 191 / 1) وكذا في " تاريخ بغداد ". 2569 - " إذا صنع خادم أحدكم طعاما فولي حره ومشقته فليدعه فليأكل معه، فإن لم يدعه فليناوله منه ". أخرجه أحمد (2 / 483) : حدثنا سريج قال: حدثنا فليح عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة مرفوعا. وهذا سند حسن رجاله موثقون كلهم على ضعف في فليح، وقد صح من طرق أخرى بنحوه فانظر: " إذا أتى أحدكم خادمه.. " رقم (1285) ومن ألفاظه: " إذا صنع لأحدكم خادمه طعاما ثم جاءه به وقد ولي حره ودخانه فليقعده معه فليأكل، فإن كان الطعام مشفوها قليلا فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين ".

2570

أخرجه مسلم (5 / 94) وأبو داود (2 / 149) وأحمد (2 / 277) عن داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا. (مشفوها) فسره ما بعده (قليلا) قال في " النهاية ": " المشفوه: القليل، وأصله الماء الذي كثرت عليه الشفاه حتى قل ". وله شاهد من حديث جابر يرويه أبو الزبير أنه سأل جابرا عن خادم الرجل إذا كفاه المشقة والحر، فقال: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ندعوه فإن كره أحد أن يطعم معه فليطعمه أكلة في يده. أخرجه أحمد (3 / 346) : حدثنا موسى حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير به. قال الحافظ في " الفتح " (9 / 478) بعد أن عزاه لأحمد: " وإسناده حسن ". قلت: ابن لهيعة سيىء الحفظ، وقد توبع، فأخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (30) : حدثنا محمد بن سلام قال: أخبرنا مخلد بن يزيد قال: أنبأنا ابن جريج قال: حدثني أبو الزبير به. وهذا سند صحيح على شرطه في الصحيح. وابن جريج وابن الزبير مدلسان، لكنهما قد صرحا بالتحديث. 2570 - " إذا لبست نعليك فابدأ باليمنى وإذا خلعت فابدأ باليسرى وليكن اليمنى أول ما تنتعل، واليسرى آخر ما تحفى، ولا تمش في نعل واحد، اخلعهما جميعا أو البسهما جميعا ". رواه أبو عمر بن منده في " المنتخب من الفوائد " (265 / 2) عن عتاب بن

بشير عن خصيف عن محمد بن عجلان، قال عتاب: ثم لقيت محمد بن عجلان فحدثني به عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند حسن في الشواهد، خصيف - وهو ابن عبد الرحمن الجزري - ضعفه أحمد وغيره، وعتاب بن بشير ومحمد بن عجلان ثقتان، في حفظهما ضعف لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن إن شاء الله تعالى. وقد توبع، فقال أحمد (2 / 245) : حدثنا سفيان عن أبي الزناد به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه مالك في " الموطأ " (3 / 105) عن أبي الزناد به. ومن طريقه أخرجه ابن حبان (5431 - الإحسان) وكذا البخاري ومسلم (6 / 153) وله طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه، تقدم أحدها برقم (1117) . واعلم أن ما في هذا الحديث من الأدب في الانتعال، والتفريق بين البدء به والخلع، هو مما غفل عنه أكثر المسلمين في هذا الزمان لغلبة الجهل بالسنة، وفقدان المربين للناس عليها، وفيهم بعض من يزعم أنه من الدعاة إلى الإسلام، بل وفيهم من يقول في هذا الأدب: إنه من القشور، وتوافه الأمور! فلا تغتر بهم أيها المسلم، فإنهم - والله - بالإسلام جاهلون، وله معادون من حيث يشعرون أو لا يشعرون، وقديما قيل: من جهل شيئا عاداه. ومن عجيب أمرهم أنهم يطنطنون في خطبهم ومحاضراتهم بوجوب تبني الإسلام كلا لا يتجزأ، فإذا بهم أول من يكفر بما إليه يدعون، وإن ذلك لبين في أعمالهم وأزيائهم، فتراهم أو ترى الأكثرين منهم لا يهتمون بالتزيي بزي نبيهم صلى الله عليه وسلم، وإنما بالتشبه بحسن البنا وأمثاله: لحية قصيرة، وكرافيت (عقدة العنق) ، وبعضهم تكاد لحيتهم تكون على مذهب العوام في بعض البلاد: " خير الذقون إشارة تكون "! مع تزييه بلباس أهل العلم، العمامة والجبة، وقد تكون كالخرج، وطويلة الذيل كلباس النساء! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

2571

2571 - " إذا ملك الرجل المرأة لم تجز عطيتها إلا بإذنه ". أخرجه الطيالسي (ص 299 رقم 2667) : حدثنا حماد حدثنا حبيب المعلم عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، وهذا سند حسن. وورد بلفظ: " لا يجوز لامرأة "، وقد مضى برقم (825) مع بعض الشواهد. ثم وجدت له شاهدا قويا آخر، وكان ذلك من دواعي إعادته هنا، وهو ما أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه " (9 / 125 / 16607) عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يجوز لامرأة شيء في مالها إلا بإذن زوجها إذا هو ملك عصمتها ". قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، فهو شاهد قوي لأحاديث الباب الموصولة . ثم رواه عن رجل عن عكرمة مرسلا نحوه. واعلم أن هذا الحديث قد عمل به قوم من السلف كما حكاه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 403) ورواه ابن حزم في " المحلى " (8 / 310 - 311) عن أنس بن مالك وأبي هريرة وطاووس والحسن ومجاهد، قال: " وهو قول الليث بن سعد، فلم يجز لذات الزوج عتقا، ولا حكما في صداقها، ولا غيره إلا بإذن زوجها، إلا الشيء اليسير الذي لابد لها منه في صلة رحم، أو ما يتقرب به إلى الله عز وجل ". ثم ذكر أقوال العلماء الآخرين مع مناقشة أدلتهم، واختار هو جواز تصرف المرأة في مالها دون إذن زوجها. وساق في تأييد ذلك بعض الأحاديث الصحيحة كحديث ابن عباس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء في خطبة العيد بالصدقة، فجعلت المرأة تلقي الخاتم والخرص والشيء. ولا حجة في شيء من ذلك، لأنها وقائع أعيان يحتمل كل منها وجها لا

يتعارض مع حديث الترجمة، وما في معناه عند إمعان النظر، فتأمل معي إلى حديث ابن عباس هذا مثلا، فإن فيه التصريح بأن تصدقهن كان تنفيذا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلو فرض أنهن لم يكن مأذونا لهن بالتصدق من أزواجهن ، بل فرض نهيهم إياهن عن الصدقة، ثم أمرهم صلى الله عليه وسلم بها، فهل من قائل بأن نهيهم مقدم على أمره صلى الله عليه وسلم، مع أنه لا نهي منهم، كل ما في الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى النساء أن يتصدقن بغير إذن أزواجهن، فإذا أمرهن بالتصدق في مناسبة ما، فلا شك حينئذ أن هذا الأمر يكون مخصصا لنهيهم، هذا لو فرض تقدمه على الأمر ولا دليل على ذلك. والحقيقة أن ابن حزم معذور فيما ذهب إليه لأنه هو الأصل الذي تدل عليه النصوص التي ذكرها، ولو أن حديث الترجمة وما في معناه صح عنده لبادر إلى العمل بها لأنها تضمنت زيادة حكم على الأصل المشار إليه. ولكنه رحمه الله أعل الحديث بأنه صحيفة منقطعة. وهذا خلاف ما عليه جماهير علماء الحديث، وفي مقدمتهم الإمام أحمد من الاحتجاج بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأنه موصول، وأما جوابه عنه بأنه لو صح منسوخ فقد عرفت الجواب عنه، ثم كيف ينسخ الجزء الكل، أي الخاص العام؟! ثم إن هذا الحديث جهله وتجاهله جل الدعاة اليوم الذين يتحدثون عن حقوق المرأة في الإسلام، ليس لأنه ترجح لديهم مذهب المخالفين له، بل لأن هذا المذهب يوافق ما عليه الكفار، فيريدون تقريب الإسلام إليهم بأنه جاء بما يوافقهم في تصرف المرأة في مالها، وهم يعلمون أن ذلك لا ينفعهم فتيلا، لأنهم يسمحون لها أن تتصرف أيضا في غير مالها، فهي تزوج نفسها بنفسها، بل وأن تتخذ أخدانا لها!! وصدق الله العظيم إذ يقول: * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) * (البقرة: 120) .

2572

2572 - " إذا رأى أحدكم من أخيه ومن نفسه ومن ماله ما يعجبه فليبركه، فإن العين حق ". أخرجه الحاكم (4 / 215) وأحمد (3 / 447) من طريق وكيع بن الجراح بن مليح: حدثنا أبي عن عبد الله بن عيسى عن أمية بن هند بن سهل بن حنيف عن عبد الله بن عامر قال: انطلق عامر بن ربيعة وسهل بن حنيف يريدان الغسل قال: فانطلقا يلتمسان الخمر، قال: فوضع عامر (كذا في " المسند " وفي " المستدرك ": " سهل " وهو الصواب) جبة كانت عليه من صوف فنظرت إليه، فأصبته بعيني، فنزل الماء يغتسل، قال، فسمعت له في الماء قرقعة، فأتيته فناديته ثلاثا فلم يجبني ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فجاء يمشي فخاض الماء كأني أنظر إلى بياض ساقيه، قال: فضرب صدره بيده ثم قال: " اللهم أذهب عنه حرها وبردها ووصبها ". قال: فقام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وفيه نظر، فإن أمية بن هند أورده الذهبي في " الميزان "، وقال: " قال ابن معين: لا أعرفه، قلت: روى عنه سعيد بن أبي هلال وغيره ". ولم يذكر توثيقه عن أحد، وقد وثقه ابن حبان (4 / 41 و 6 / 70) ، فهو مجهول الحال، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " إنه مقبول ". يعني لين الحديث إلا إذا توبع، ولم أجد له متابعا في هذا الحديث.

وقد أخرجه الحاكم أيضا، والنسائي في " اليوم والليلة " (211 و1033) وعنه ابن السني (202) وابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 57 / 3646 ) وعنه أبو يعلى (13 / 152 / 7195) من طريق عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى. لكن الحديث صحيح، فقد وجدت له طريقا أخرى، أخرجه ابن قانع في ترجمة سهل بن حنيف من كتابه " معجم الصحابة "، وابن السني أيضا (201) كلاهما من طريق يحيى بن عبد الحميد الحماني: حدثنا عبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل حدثنا مسلمة بن خالد الأنصاري عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه مرفوعا بلفظ: " ما يمنع أحدكم إذا رأى.. " الحديث. ومسلمة هذا مجهول كما قال الذهبي في " الميزان "، وبقية رجاله رجال مسلم على ضعف في الحماني. وأخرجه الإمام مالك (3 / 118 - 119) وعنه ابن حبان في " صحيحه " (1424 - موارد) عن محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أباه يقول: اغتسل أبي سهل بن حنيف بـ ( الخرار) فنزع جبة كانت عليه، وعامر بن ربيعة ينظر، وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد، قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء! قال: فوعك سهل مكانه، واشتد وعكه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر أن سهلا وعك، وأنه غير رائح معك يا رسول الله، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر سهل بالذي كان من أمر عامر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علام يقتل أحدكم أخاه! ألا بركت؟ إن العين حق، توضأ له "، فتوضأ له عامر، فراح سهل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس به بأس. وهذا إسناد صحيح.

2573

ثم أخرجه هو وابن ماجه (2 / 356) وأحمد (3 / 487) من طريق الزهري عن أبي أمامة به نحوه، وليس فيه: إن العين حق. وفيه بيان صفة اغتسال عامر، وعند أحمد صفة الصب على سهل. وهو صحيح أيضا وقد روى التبريك من فعله عليه السلام فانظر: ( كان إذا خاف) ، والجملة الأخيرة من الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة، ولها شواهد كثيرة تقدم بعضها برقم (1248 - 1251) ، وانظر الحديث الآتي (2576 ) . والحديث أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 94 - 101) من طرق عن ابن شهاب الزهري به. وله عنده طريقان آخران عن أبي أمامة، أحدهما من طريق مسلمة المتقدمة عند أبي يعلى. 2573 - " ارملوا بالبيت ليرى المشركون قوتكم ". أخرجه أحمد (1 / 373) : حدثنا روح حدثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن أيوب بن جبير عن ابن عباس: أن قريشا قالت: إن محمدا وأصحابه قد وهنتهم حمى يثرب ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم العام الذي اعتمر فيه قال لأصحابه: فذكره، فلما رملوا قالت قريش: ما وهنتهم. هذا سند صحيح على شرط مسلم. وقد علقه البخاري في " صحيحه " (5 / 86) عن حماد بن سلمة به نحوه، وتابعه حماد بن زيد عن أيوب به نحوه، ولفظه: " وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرملوا ثلاثة أشواط، ويمشوا ما بين الركنين ليري المشركين جلدهم، فقال المشركون: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتهم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا! ".

وفي " المسند " (1 / 305) طريق آخر رواه عن أبي الطفيل عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل (مر الظهران) في عمرته بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشا تقول: ما يتباعثون من العجف! فقال أصحابه: لو انتحرنا من ظهرنا فأكلنا من لحمه وحسونا من مرقه أصبحنا غدا حين ندخل على القوم وبنا جمامة، قال: " لا تفعلوا ولكن اجمعوا إلي من أزوادكم "، فجمعوا له وبسطوا الأنطاع فأكلوا حتى تولوا (¬1) ، وحثا كل واحد منهم في جراب، ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل المسجد - وقعدت قريش نحو الحجر - فاضطبع بردائه ثم قال: " لا يرى القوم فيكم غمزة "، فاستلم الركن ثم دخل حتى إذا تغيب عن الركن اليماني مشى إلى الركن الأسود، فقالت قريش: ما يرضون بالمشي، إنهم لينقزون نقز الظباء، ففعل ذلك ثلاثة أطواف فكانت سنة، قال أبو الطفيل: وأخبرني ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في حجة الوداع . وسنده صحيح على شرط مسلم أيضا. وأخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (3 / 3 / 1) من الوجهين. ورواه مسلم (4 / 64) من طريق الجريري عن أبي الطفيل نحوه. وهو مخرج في " الإرواء " (4 / 315) . ثم روى من طريق عطاء عن ابن عباس قال: " إنما سعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ورمل بالبيت ليري المشركين قوته ". (فائدة) : قد يقول قائل: إذا كان علة شرعية الرمل إنما هي إراءة المشركين قوة المسلمين، أفلا يقال: قد زالت العلة فيزول شرعية الرمل؟ والجواب: لا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رمل بعد ذلك في حجة الوداع كما جاء في حديث جابر الطويل وغيره مثل حديث ابن عباس هذا في رواية أبي الطفيل المتقدمة. ولذلك قال ابن حبان في " صحيحه " (6 / 47 - الإحسان) : ¬

(¬1) كذا الأصل، وكذا في " جامع المسانيد " (31 / 32) و " مجمع الزوائد " ( 3 / 278) والظاهر أن المراد: انصرفوا وقد شبعوا، وزاد حتى حثها كل واحد. اهـ.

2574

" فارتفعت هذه العلة، وبقي الرمل فرضا على أمة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة ". 2574 - " استعينوا بالنسل، فإنه يقطع عنكم الأرض وتخفون له ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 255 / 1) : حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح، ثم اجتمع إليه المشاة من أصحابه وصفوا له ، وقالوا: نتعرض لدعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: اشتد علينا السفر. وطالت الشقة، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ففعلنا ذلك وخفنا له، وذهب ما كنا نجد ". قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 400 / 1880) من طريق أخرى عن عبد الوهاب به. ثم رواه من طريق ابن جريج: أخبرني جعفر بن محمد به نحوه، ولفظه: " عليكم بالنسلان ". قال: فنسلنا فوجدناه أخف علينا. وهو صحيح أيضا، وقد مضى بتخريج آخر (465) . وقد وجدت له شاهدا بإسناد لا بأس به في الشواهد من حديث عبد الله بن عمرو مختصرا بلفظ: " اشتدوا ".

2575

رواه محمد بن مخلد العطار في " المنتقى من حديثه " (2 / 15 / 2) عن إسماعيل بن مسلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " شكونا إلى النبي صلى الله عليه وسلم العيا، فقال: " فذكره. وقد روي الحديث من طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " اربطوا أوساطكم بأرديتكم، وعليكم بالهرولة ". وهو مخرج في الكتاب الآخر (2734) . و (النسل) و (النسل) و (النسلان) : الإسراع في المشي. 2575 - " اشربوا فإني أيسركم، قاله للصائمين في السفر ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (ق 70 / 2) : حدثنا وهب بن بقية: أنبأنا خالد عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: " مر النبي صلى الله عليه وسلم على نهر من ماء وهو على بغل، والناس صيام، والمشاة كثير، فقال: " اشربوا "، فجعلوا ينظرون إليه، فقال: فذكره، فجعلوا ينظرون إليه، فحول وركه، فشرب وشرب الناس ". ثم رواه (78 / 2) : حدثنا زهير حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثني أبي حدثنا الجريري به بلفظ: " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهر من ماء السماء، والناس صيام في يوم صائف، وهم مشاة ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته، فقال: " اشربوا أيها الناس "، قالوا: نشرب يا رسول الله؟ ! قال: فقال:

2576

" إني لست مثلكم، إني أيسر منكم، إني راكب ". فأبوا، فثنى نبي الله صلى الله عليه وسلم فخذه، فنزل فشرب وشرب الناس، وما كان يريد أن يشربه. قلت: وإسناده صحيح من الوجهين، والجريري هو أبو مسعود سعيد بن إياس البصري، ثقة من رجال الشيخين، وكان قد اختلط، لكن لم يكن اختلاطه فاحشا كما قال ابن حبان، ولعله لذلك أخرج له الشيخان. والحديث أخرجه أحمد في " مسنده " (3 / 21) : حدثنا يزيد: أنبأنا أبو مسعود الجريري به نحوه. ويزيد هذا هو ابن هارون الواسطي، وهو ثقة أيضا من رجال الشيخين، لكن قول المعلق على " مسند أبي يعلى " (2 / 338) : إنه قديم السماع من الجريري، وهم محض، لمخالفته لما في " التهذيب " عن العجلي: " روى عنه في الاختلاط يزيد بن هارون وابن المبارك.. و.. " إلخ. وإنما صححنا حديثه لما ذكرته آنفا. والله أعلم. 2576 - " أصدق الطيرة الفأل، والعين حق ". أخرجه أحمد (2 / 289) : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا أبو معشر عن محمد بن قيس قال: سئل أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الطيرة في ثلاث : في المسكن والفرس والمرأة؟ قال: إذا أقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ما لم يقل؟! ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم] ، يقول: فذكره. وهذا إسناد ضعيف لضعف أبي معشر وشيخه محمد بن قيس. كما في " التقريب ". والزيادة من " المسند " تحقيق أحمد شاكر (14 / 266 - 267) .

لكن للحديث طريق أخرى، يرويه شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن حية حدثه عن أبيه عن أبي هريرة به نحوه. أخرجه أحمد أيضا (5 / 70) وفي إسناده جهالة واضطراب بينته في " الضعيفة " (4804) . وفي " الصحيحين " و " المسند " (2 / 266) من طريق أخرى عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا طيرة، وخيرها الفأل. قيل: يا رسول الله: وما الفأل؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم ". ولهذا شاهد من حديث أنس عند الشيخين تقدم تخريجه برقم (786) . وأما جملة " العين حق " فهي مستفيضة إن لم تكن متواترة، وقد تقدم تخريج الكثير الطيب من طرقها، فانظر الأحاديث (781 و 1248 - 1251) . وللجملة الأولى شاهد يرويه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (97 / 288) بسند صحيح عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عقبة بن عامر الجهني قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الطيرة؟ قال: " أصدقها الفأل، ولا ترد مسلما.. " الحديث. وحبيب بن أبي ثابت مدلس، ونحوه الأعمش، لكن تابعه سفيان عن حبيب، لكنه قال: عن عروة بن عامر. أخرجه أبو داود (3919) والبيهقي (8 / 139) . قلت: وعروة بن عامر هو القرشي، ويقال الجهني المكي، مختلف في

2577

صحبته، وقوله في " عمل اليوم ": (عقبة) أظنه محرفا من بعض النساخ. وعلى الصواب ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في آخر كتابه " الكلم الطيب " دون أن يعزوه لأحمد، وكنت عزوته في التعليق عليه لأبي داود، والأولى أن يعزى لابن السني لأن لفظه مطابق للفظه. والله أعلم. وأخرجه عبد الرزاق (10 / 406 / 19512) عن معمر عن الأعمش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وهذا صحيح معضل. 2577 - " أفما يسرك إذا أدخلك الله الجنة أن تجده على باب من أبوابها فيفتحه لك. يعني ابنه الصغير ". رواه ابن سعد (7 / 32 - 33) : أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن معاوية بن قرة عن عمه أنه كان يأتي النبي بابنه فيجلسه بين يديه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " تحبه ؟ " قال: نعم حبا شديدا، قال: ثم إن الغلام مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " كأنك حزنت عليه؟ " قال: أجل يا رسول الله، قال: فذكره. قال : بلى، قال: " فإنه كذلك إن شاء الله ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، لكن رابني منه قوله: " عن عمه "، وقد تبادر لذهني أول الأمر أنه لعله محرف من " عن أبيه "، فإنه هكذا في " المسند " و " سنن النسائي " بإسنادين عن معاوية بن قرة، وكلاهما أصح من هذا. ولكن يبدو أنه لا تحريف، فإن ابن سعد أورده في ترجمة (أخو قرة بن إياس) فالظاهر أنه وهم من بعض رواته ، وهو من أحد العبدين: ابن جعفر، أو ابن عمير، فإن كلاهما كان تغير حفظه. ثم إن لفظ الحديث عند النسائي في إحدى روايتيه أتم، فراجعه إن شئت في " أحكام الجنائز " (ص 162) .

2578

2578 - " ألا أخبرك بأفضل أو أكثر من ذكرك الليل مع النهار والنهار مع الليل؟ أن تقول: سبحان الله عدد ما خلق، سبحان الله ملء ما خلق، سبحان الله عدد ما في الأرض والسماء، سبحان الله ملء ما في السماء والأرض، سبحان الله ملء ما خلق ، سبحان الله عدد ما أحصى كتابه، وسبحان الله ملء كل شيء، وتقول: الحمد لله، مثل ذلك ". هذا الحديث من رواية أبي أمامة الباهلي: صدي بن عجلان مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وله عنه طرق. الأولى: عن ابن عجلان عن مصعب بن محمد بن شرحبيل عن محمد بن سعد بن زرارة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر به وهو يحرك شفتيه فقال: " ماذا تقول يا أبا أمامة؟ " قال: أذكر ربي. قال: ... فذكره. أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 166) وابن حبان في " صحيحه " (2331 - مواد الظمآن) والروياني في " مسنده " (30 / 221 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (8122) لكن في إسناده خلط! قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات على الخلاف المعروف في محمد بن عجلان. الثانية: عن سالم بن أبي الجعد قال: حدثني أبو أمامة به نحوه. أخرجه الحاكم (1 / 513) ومن طريقه البيهقي في " الدعوات " (رقم 132) وأحمد (5 / 249) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

الثالثة: عن مجاهد بن رومي مثل الرواية الأولى. أخرجه الأصبهاني في " الترغيب والترهيب " (ق 78 / 1) والسهمي في " تاريخ جرجان " (ص 117) وفي " فوائده " (ق 166 / 1) والطبراني في " الدعاء " (1743) . قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، رجال الشيخين غير مجاهد هذا، وقد وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 499) . الطريق الرابعة: عن المعتمر بن سليمان: سمعت ليثا عن عبد الكريم بن أبي المخارق عن أبي عبد الرحمن القاسم عن أبي أمامة مرفوعا نحوه، إلا أنه قال : (الحمد لله) مكان (سبحان الله) . أخرجه الروياني (30 / 220 / 2) والطبراني في " الكبير " (7930) وفي " الدعاء " (1744) وزاد في آخره: " تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك ". وكذلك رواه ابن عساكر (8 / 150 / 1) إلا أنه ذكر في آخره التسبيح أيضا. وليث هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف كان قد اختلط، وقول الهيثمي في " المجمع " (10 / 93) أنه مدلس فمن أوهامه. وابن أبي المخارق ضعيف. وخالف معتمر أبو إسرائيل فقال: عن ليث عن يزيد بن الأصم عن أم الدرداء عن أبي الدرداء ... فخالف في الإسناد، وجعله من مسند أبي الدرداء. وأبو إسرائيل ضعيف واسمه (إسماعيل بن خليفة الملائي) . الطريق الخامسة: عن الحسن بن أبي جعفر عن محمد بن جحادة عن الوليد

2579

ابن العيزار عن أبي أمامة به مطولا، ذكر فيه التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل وختمهن بقوله : " قلهن يا أبا أمامة وعلمهن عقبك، فإنهن أفضل من ذكرك الليل مع النهار وذكرك النهار مع الليل ". أخرجه البيهقي برقم (131) . والحسن بن أبي جعفر ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب ". والحديث أورده المنذري في " الترغيب " بنحو حديث الترجمة وأتم منه، وقال: (2 / 253) : " رواه أحمد وابن أبي الدنيا واللفظ له، والنسائي، وابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما " باختصار، والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن.. ". 2579 - " أفي القوم أبي؟ ". رواه الحربي في " الغريب " (5 / 184 / 2) : حدثنا أحمد بن جعفر حدثنا وكيع عن سفيان عن سلمة عن ذر عن ابن أبزى عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أغفل آية، فلما صلى قال: أفي القوم أبي؟ فقال أبي: آية كذا نسخت أم نستها؟ قال : " بل أنسيتها ". قلت: وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أحمد بن جعفر - وهو الضرير الوكيعي - وهو حافظ ثقة له ترجمة في " تاريخ بغداد " (4 / 58 - 59) .

2580

ورواه أئمة آخرون، وهو مخرج في " صفة الصلاة "، وإنما أخرجته هنا لعزة هذا المصدر. وفي الحديث دلالة واضحة على جواز الفتح على الإمام إذا ارتج عليه في القراءة، وما في بعض المذاهب أن المقتدي إذا أراد أن يفتح على إمامه ينبغي عليه أن ينوي القراءة! فهو رأي يغني حكايته عن رده! 2580 - " أقبلت مع سادتي نريد الهجرة، حتى دنونا من المدينة، قال: فدخلوا المدينة وخلفوني في ظهرهم، قال: فأصابني مجاعة شديدة، قال: فمر بي بعض من يخرج من المدينة فقالوا لي: لو دخلت المدينة فأصبت من ثمر حوائطها، فدخلت حائطا فقطعت منه قنوين، فأتاني صاحب الحائط، فأتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره خبري، وعلي ثوبان، فقال لي: " أيهما أفضل؟ "، فأشرت له إلى أحدهما ، فقال: " خذه "، وأعطى صاحب الحائط الآخر وخلى سبيلي ". أخرجه أحمد (5 / 223) : حدثنا ربعي بن إبراهيم حدثنا عبد الرحمن - يعني ابن إسحاق -: حدثنا أبي، عن عمه وعن أبي بكر بن زيد بن المهاجر أنهما سمعا عميرا مولى أبي اللحم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات معروفون غير عم إسحاق، وهو إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري، فلم أعرفه، ولا يخدج ذلك في السند، لأنه مقرون بأبي بكر بن زيد بن المهاجر، وهذا ثقة من رجال مسلم، واسمه محمد، وكنيته أبو بكر كما جزم بذلك الحافظ ابن حجر في

" تعجيل المنفعة " (ص 469) خلافا لابن أبي حاتم، فإنه ذكر في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 342) عن أبيه أن محمد بن زيد بن المهاجر هو أخو أبي بكر هذا. والله أعلم. والحديث أخرجه البيهقي (10 / 3) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبيه عن عمير، فأسقط من السند أبا بكر هذا وقرينه عم إسحاق بن عبد الله. وأخرجه الحاكم (4 / 132) من طريق ثالثة عن عبد الله موصولا، لكن وقع في سنده شيء من التحريف، لا أدري هو من الطابع أم من بعض الرواة، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ولولا أن في عبد الرحمن هذا بعض الضعف من قبل حفظه لحكمت على الحديث بالصحة، فهو حسن فقط. والله أعلم. من فقه الحديث: فيه دليل على جواز الأكل من مال الغير بغير إذنه عند الضرورة، مع وجوب البدل. أفاده البيهقي. قال الشوكاني (8 / 128) : " فيه دليل على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحد، وعلى أن الحاجة لا تبيح الإقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به أو بقيمته، ولو كان مما تدعو حاجة الإنسان إليه، فإنه هنا أخذ أحد ثوبيه ودفعه إلى صاحب النخل ". ومن هنا يتبين خطأ الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه " النظام الاقتصادي في الإسلام "، فإنه أباح فيه (ص 20 - 21) للفرد إذا تعذر عليه العمل ولم تقم

2581

الجماعة الإسلامية بأوده " أن يأخذ ما يقيم به أوده من أي مكان يجده، سواء كان ملك الأفراد أو ملك الدولة، ويكون ملكا حلالا له، ويجوز أن يحصل عليه بالقوة، وإذا أخذ الجائع طعاما يأكله أصبح هذا الطعام ملكا له "! ووجه الخطأ واضح جدا، وذلك من عدة نواح، أهمها معارضته للحديث، فإنه لم يملك الجائع ما أخذه من الطعام ما دام يجد بدله. ومنها أن المحتاج له طرق مشروعة لابد له من سلوكها كالاستقراض دون فائدة، وسؤال الناس ما يغنيه شرعا، ونحو ذلك من الوسائل الممكنة. فما بال الشيخ - عفا الله عنه - صرف النظر عنها ، وأباح للفرد أخذ المال بالقوة دون أن يشترط عليه سلوك هذه الطرق المشروعة؟ ! ولست أشك أنه لو انتشر بين الناس رأي الشيخ هذا لأدى إلى مفاسد لا يعلم عواقبها إلا الله تعالى. 2581 - " اقرأ القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف ". رواه الحربي في " غريب الحديث " (5 / 142 / 2) : حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حميد عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح على شرط البخاري، ومسدد هو ابن مسرهد، وقد خولف في إسناده بحيث يتبين أنه من مراسيل أنس رضي الله عنه، لكن مراسيل الصحابة صحيحة كما هو مقرر في علم المصطلح، وبخاصة أنه قد ثبت أنه تلقاه عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الإمام أحمد (5 / 114 ) : حدثنا يحيى بن سعيد به.. عن أنس أن أبيا قال: " ما حك في صدري شيء منذ أسلمت إلا أني قرأت آية.. " فذكر الحديث.

قلت: وتمامه كما في النسائي (1 / 150) من طريق آخر عن يحيى: وقرأها آخر غير قراءتي، فقلت: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله! أقرأتني آية كذا وكذا؟ قال: نعم، وقال الآخر: ألم تقرئني آية كذا وكذا؟ قال: " نعم، إن جبريل وميكائيل عليهما السلام أتياني، فقعد جبريل عن يميني، وميكائيل عن يساري، فقال جبريل عليه السلام: اقرأ القرآن على حرف، فقال ميكائيل: استزده استزده، حتى بلغ سبعة أحرف، فكل حرف شاف كاف ". وقد سبق تخريجه برقم (843 ) ، وقد رواه الإمام ابن جرير الطبري أيضا في مقدمة " تفسيره " (رقم 26 و 27 ) من طرق أخرى عن حميد الطويل به. ورواه هو وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن حميد به، إلا أنه أدخل بين أنس وأبي عبادة بن الصامت! وأظن أن ذلك من أوهام ابن سلمة لمخالفته لرواية الثقات المتقدمة عن حميد. وله شاهد من رواية علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه نحوه، وزاد: " ما لم يختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، كقولك: (هلم) و (تعال) ". أخرجه ابن جرير ( 40) والطحاوي في " المشكل " (4 / 191) وأحمد (5 / 51) وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف من قبل حفظه، لكن هذه الزيادة صحيحة، لأن لها شاهدا من طريق أخرى عن أبي صحيحة، سبق ذكرها وتخريجها في الموضع المشار إليه آنفا.

2582

وفي ذلك بيان أن المراد بالسبعة أحرف سبع لغات في حرف واحد وكلمة واحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كما شرحه وبينه بيانا شافيا الإمام الطبري في مقدمة تفسيره، كما أوضح أن الأمة ثبتت على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية، وأنه ليس هناك نسخ ولا ضياع، وأن القراءة اليوم على المصحف الذي كان عثمان رضي الله عنه جمع الناس عليه، في كلام رصين متين، فراجعه، فإنه مفيد جدا. 2582 - " اخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجدا. قالوا: إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف؟ فقال: مدوه من الماء، فإنه لا يزيده إلا طيبا ". أخرجه النسائي (8 / 1 المساجد - 11 باب) وابن حبان (98 / 304 - موارد) من طريق عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي قال: " خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا، فاستوهبناه من فضل طهوره، فدعا بماء فتوضأ وتمضمض ثم صبه في إداوة وأمرنا، فقال: فذكره. فخرجنا حتى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا، ثم نضحنا مكانها واتخذناها مسجدا، فنادينا فيه بالأذان، قال: والراهب رجل من طيء فلما سمع الأذان قال: دعوة حق، ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد ". قلت : إسناده صحيح، ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (4 / 23) والحربي في " غريب الحديث " (5 / 141 / 2 و 156 / 2) من الوجه المذكور مختصرا.

2583

2583 - " التمسوا الساعة التى ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس ". رواه الترمذي (رقم 489) والحسن بن شقيق في " المنتقى من الأمالي " (42 / 2 ) وابن عدي (300 / 2 و 325 / 1) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 176 - 177) عن محمد بن حميد عن موسى بن وردان عن أنس بن مالك مرفوعا. وقال ابن عدي: " محمد بن حميد - ويقال: حماد بن أبي حميد - حديثه مقارب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه ". وقال في الموضع الآخر: " لا يرويه عن موسى غير محمد بن أبي حميد، ومحمد لين ". قلت: نعم هو لين، ولكنه قد توبع، ولعل الترمذي أشار إلى ذلك بقوله عقبه: " حديث غريب من هذا الوجه، وقد روي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هذا الوجه ". والمتابع هو ابن لهيعة، أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 258 / 747) وفي " الأوسط " (1 / 10 / 135 - بترقيمي) من طريق يحيى بن بكير: حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان به، وزاد في آخره: " وهي قدر هذا يعني: قبضته ". وقال الطبراني:

2584

" لم يروه عن موسى إلا ابن لهيعة ". قلت: ومن الطرائف أن قوله هذا مردود بقول ابن عدي المتقدم وروايته، كما أن قول ابن عدي مردود بقول الطبراني وروايته، وجل من أحاط بكل شيء علما. ثم إن الحديث عندي حسن بمجموع الطريقين، ثم إنه يرتقي إلى درجة الصحة بحديث جابر رضي الله عنه مرفوعا نحوه أتم منه، رواه أبو داود وغيره، وصححه جمع، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (963) . 2584 - " اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة ". رواه البخاري (2 / 224 - 225 و 4 / 264 و 7 / 5 و 160) ومسلم (4 / 119) ومالك (3 / 87) وابن حبان (6 / 15 / 3716 - الإحسان) وأحمد (6 / 56 و 65 و221 - 222 و 260) من حديث عروة عن عائشة قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول : كل امرىء مصبح في أهله، والموت أدنى من شراك نعله. وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول، وفي رواية لأحمد:

2585

تغنى فقال: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة، بواد وحولي إذخر وجليل، وهل أردن يوما مياه مجنة، وهل يبدون لي شامة وطفيل. قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: فذكره. زاد أحمد في رواية: قال: فكان المولود يولد بالجحفة ، فما يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى. والسياق لأحمد، وسنده صحيح على شرط الستة. وله عنده (6 / 239 - 240) طريق أخرى عنها. وسنده حسن. (فائدة) : الجحفة: بضم الجيم قرية جامعة على اثنين وثمانين ميلا من مكة، وكانت تسمى (مهيعة) كما في " القاموس ". وقد كان سكانها في ذلك الوقت اليهود، ولم يكن بها مسلم، ولذلك دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل حمى المدينة إليها كما قال ابن حبان، ونحوه في " شرح مسلم " للنووي. 2585 - " اللهم اغفر لحذيفة ولأمه ". رواه ابن أبي الدنيا في " التهجد " (2 / 60) : حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله ابن محمد بن إسحاق الأذرعي حدثنا زيد بن الحباب أخبرنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش عن حذيفة بن اليمان قال: " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فصليت معه المغرب، فلما فرغ صلى، فلم يزل يصلي حتى صلى العشاء ثم خرج، فتبعته، قال: من هذا؟ قلت: حذيفة، قال: فذكره ".

2586

ورواه ابن عساكر (4 / 147 / 2) من طريق أبي يعلى: نبأنا أبو عبد الرحمن الأذرعي به، ومن طريق أحمد: أنبأنا حسين بن محمد: نبأنا إسرائيل به. قلت: وهو في " المسند " (5 / 391) : حدثنا حسين بن محمد به أتم منه. ثم أخرجه أحمد (5 / 404) والحاكم (1 / 312 - 313) من طريق زيد بن الحباب به مختصرا ليس فيه حديث الترجمة، ورواية الحاكم مختصرة جدا ليس فيها إلا الصلاة بين المغرب والعشاء. وهكذا رواه ابن خزيمة في " صحيحه " (1194) من هذا الوجه، وعزاه المنذري في " الترغيب " (1 / 205) للنسائي بإسناد جيد. هكذا أطلق العزو للنسائي، وهو إنما أخرجه في " السنن الكبرى / المناقب " (5 / 80 - 81 ) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو من أوهامهما، فإن ميسرة بن حبيب ليس من رجالهما، وهو ثقة. والحديث أخرجه الترمذي في " المناقب " (9 / 338 / 3783) من طريق أخرى عن إسرائيل مثل رواية " المسند " عن حسين بن محمد، وابن نصر في " قيام الليل " (ص 33) أخصر منه. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ". قلت: هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة، تكلم فيه بغير حجة كما في " التقريب "، فالإسناد صحيح. 2586 - " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء ". أخرجه مسلم (8 / 88) والترمذي (2605) وأحمد (1 / 224) من

طريق أيوب عن أبي رجاء العطاردي قال: سمعت ابن عباس يقول: قال محمد صلى الله عليه وسلم : فذكره. وتابعه حماد بن نجيح سمعه من أبي رجاء به. أخرجه أحمد (1 / 234) والسهمي في " تاريخ جرجان " (47) وقرن مع حماد صخر بن جويرية بلفظ: " المساكين " مكان " الفقراء "، والمعنى واحد، وله شاهد كما يأتي قريبا. ورواه البخاري (6541) والترمذي أيضا (2606) وابن حبان (7412 - الإحسان) وأحمد (4 / 429) من طريق عوف بن أبي جميلة عن أبي رجاء عن عمران مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وهكذا يقول عوف: عن أبي رجاء عن عمران بن حصين، ويقول أيوب: عن أبي رجاء عن ابن عباس. وكلا الإسنادين ليس فيهما مقال، ويحتمل أن يكون أبو رجاء سمع منهما جميعا، وقد روى غير عوف أيضا هذا الحديث: عن أبي رجاء عن عمران بن حصين ". قلت: وهذا هو الراجح، أن أبا رجاء يرويه عن ابن عباس، وعن عمران فإنه ثقة حجة، وقد تابعه مطرف عن عمران عند أحمد (4 / 443) . ويشهد للحديث ما رواه أبو عثمان عن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قمت على باب الجنة، فإذا عامة من دخلها المساكين، وإذا أصحاب الجد محبوسون، إلا أصحاب النار، فقد أمر بهم إلى النار، وقمت على باب النار، فإذا عامة من دخلها النساء ".

2587

أخرجه البخاري (5196 و 6547) ومسلم أيضا، وابن حبان (7413) وأحمد (5 / 205 و 209) . وروي الحديث عن ابن عمرو أيضا بإسناد ضعيف فيه لفظة منكرة، وهي: " الأغنياء والنساء "، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (2800) . 2587 - " أفضل الصدقة المنيحة، تغدو بعساء وتروح بعساء ". رواه الخطابي في " غريب الحديث " (106 / 2) عن الحميدي: أخبرنا سفيان أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: " قال الحميدي: ( العساء) العس الكبير ". قال الخطابي: " ولم أسمعه إلا في هذا الحديث، والحميدي من أهل اللسان، ورواه ابن المبارك فقال: " تغدو برفد، وتروح برفد "، وكان ذلك شاهدا لقول الحميدي، لأن الرفد: القدح الكبير، وأول الأقداح الغمر، وهو الذي لا يبلغ الري، ثم القعب، وهو قدر ري الرجل، ثم القدح، وهو يروي الاثنين والثلاثة، ثم العس، يعب فيه الجماعة، ثم الرفد، أكبر منه ، ثم الصحن، أكبر منه، ثم التبن،، وهو أكبرها، ثم أكبر منها الجنبة، تعمل من جنب البعير ". وهكذا في النسخة المطبوعة من " الغريب " (1 / 507 - 508) ، ونقل ابن الأثير منه إلى قوله: " من أهل اللسان "، وقال عقبه: " ورواه أبو خيثمة، ثم قال: أو قال: " بعساس " كان أجود، فعلى هذا يكون جمع ( العس) ، أبدل الهمز من السين ". والحديث في " مسند الحميدي " (1061) بهذا السياق، إلا أنه وقع فيه: " بعس " في الموضعين، وذكر المعلق عليه أن الأصل (نفس) .

2588

قلت: ولعل الأصل (بعساء) ، فلم يحسن الناسخ قراءته، ثم صححه المعلق من بعض المصادر الحديثية، فإن الحديث رواه أحمد (2 / 242) بإسناد الحميدي، فقال: حدثنا سفيان بإسناده، لكن بلفظ: " إلا رجل يمنح أهل بيت ناقته تغدو بعس، وتروح بعس، إن أجرها لعظيم ". وهكذا أخرجه مسلم (3 / 88 ) من طريق زهير بن حرب: حدثنا سفيان بن عيينة به. وأخرجه البخاري (2629 و5608) من طريق الأعرج عن أبي هريرة بلفظ: " نعم الصدقة اللقحة الصفي منحة، الشاة الصفي منحة، تغدو بإناء، وتروح بآخر ". ورواه أحمد (2 / 358 و 483 ) نحوه من طريق آخر، وزاد: " ومنيحة الناقة كعتاقة الأحمر، ومنيحة الشاة كعتاقة الأسود ". وهي زيادة منكرة فيها من لا يعرف حاله، وانظر ترجمة عبد الله بن صبيح في " تيسير انتفاع الخلان " يسر الله لي إتمامه. (اللقحة) : الناقة ذات اللبن القريبة العهد بالولادة. (الصفي) : أي الكريمة الغزيرة اللبن. 2588 - " أصلاتان معا؟! قاله لرجل يصلي والمؤذن يقيم ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (283 / 1) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:

" رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي، والمؤذن يقيم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... " فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون غير عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير شيخ أبي يعلى. أورده ابن أبي حاتم (3 / 1 / 54) وقال: " روى عن علي بن مسهر وعبد الله بن عطاء الطائي. روى عنه إبراهيم بن يوسف الهسنجاني ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 421) وقال: " من أهل الموصل، كنيته أبو نصر.. حدثنا عنه الحسن بن إدريس ". قلت: وروى عنه غيره أيضا، وأخرج له ابن حبان في " صحيحه " ثمانية أحاديث كلها من رواية أبي يعلى عنه، وأحدها مقرون بـ (الحسن بن إدريس) . ويشهد للحديث ويقويه حديث ابن بحينة قال: أقيمت صلاة الصبح، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يصلي والمؤذن يقيم، فقال: " أتصلي الصبح أربعا؟! ". أخرجه مسلم (2 / 154) وفي رواية له عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح، فكلمه بشيء لا ندري ما هو؟ فلما انصرفنا أحطناه نقول: ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قال لي: " يوشك أن يصلي أحدكم الصبح أربعا؟! ". وكذا رواه أبو عوانة (2 / 37 - 38) وابن ماجه (رقم 1153) والبيهقي (2 / 481) . ورواه البخاري (663) نحو الرواية الأولى.

2589

وله شواهد أخرى عند ابن خزيمة في " صحيحه " (1124 - 1126) وابن حبان (441) والبزار في " مسنده " (1 / 245 / 503 و 517 و 518) . 2589 - " اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل ". أخرجه الطبراني (3 / 164 / 2) وعنه أبو علي الصواف في " الفوائد " (3 / 166 - 167) ورواه الضياء في " المختارة " (226 / 2) بإسنادين عن شبل بن عباد عن سليمان الأحول عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أنه سكب للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءا عند خالته ميمونة، فلما خرج قال: من وضع لي وضوئي؟ قالت: ابن أختي يا رسول الله، قال: فذكره. قال الضياء: " قصدنا من هذا الحديث: " وعلمه التأويل "، وأما قوله: " فقهه في الدين " فقد أخرج في الصحيحين " (¬1) . ثم أخرجه هو (233 - 234) والبيهقي في " الدلائل " (ج2 باب ما جاء في دعائه لابن عباس) وأحمد (1 / 266 و 314 و 328 و 335) من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير به. وكذا أخرجه الطبراني (3 / 84 / 2) وسنده صحيح على شرط مسلم. ثم قال الضياء: " ولم يخرجا: " وعلمه التأويل "، وهذه زيادة حسن ". قلت: وصححه الحاكم (3 / 534) ووافقه الذهبي. ¬

(¬1) قلت: البخاري في " الوضوء " (باب 10) ومسلم (7 / 158) من طريق أخرى بلفظ: " اللهم فقهه في الدين "، وفي رواية للبخاري في " الفضائل ": " اللهم علمه الكتاب "، وفي أخرى ".. علمه الحكمة "، وصححه الترمذي (3824) . وهو مخرج في " الروض النضير " (395) . اهـ.

2590

ثم أخرجه الطبراني في " الكبير " (3 / 89 / 1 - 2) و " الصغير " أيضا (ص 112 - هند) من طريق داود بن أبي هند عن ابن جبير به. وله في " الكبير " طريق آخر عن ابن عباس، فقال (3 / 113 / 2) : حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار أخبرنا أبي أخبرنا أبو النضر هاشم بن القاسم أخبرنا ورقاء بن عمر عن عمرو بن دينار عنه مرفوعا. وتقدم له طريق رابع بلفظ: " اللهم أعط ابن عباس الحكمة ... ". والجملة الثانية أخرجها الطبراني (3 / 144 / 1) من طريق شبيب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وبالجملة، فالحديث صحيح بهذا التمام، وقد عزاه في " شرح الطحاوية " (ص 234) للبخاري، وهو وهم، كما كنت نبهت عليه في تخريج الحديث هناك، وقد ذكرت ثمة أن الإمام أحمد رواه من طريق أخرى بلفظ آخر، ذكرت طرفا منه، والآن أرى أن أسوقه بتمامه لأن فيه فائدة فقهية، قل من يعرفها ويعمل بها، وهو التالي. 2590 - " ما شأني (وفي رواية: ما لك) أجعلك حذائي فتخنس؟! ". أخرجه الحاكم (3 / 534) والرواية الثانية والزيادة الآتية بين المعقوفتين له، وأحمد (1 / 330) والسياق له عن حاتم بن أبي صغيرة أبي يونس عن عمرو بن دينار أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [وهو يصلي من آخر الليل] فصليت خلفه، فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه، فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست،

فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما انصرف قال لي.. فذكره، فقلت: يا رسول الله! أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك، وأنت رسول الله الذي أعطاك الله، قال: فأعجبته، فدعا الله لي أن يزيدني علما وفهما، زاد أحمد: " قال: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعته ينفخ، ثم أتاه بلال فقال: يا رسول الله! الصلاة. فقام فصلى ما أعاد وضوءا ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقال الهيثمي (9 / 284) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح "، والجملة الأخيرة في الدعاء له، قد جاءت من طرق أخرى بأتم منها، وقد سبق ذكرها قبل هذا الحديث. وفيه فائدة فقهية هامة، قد لا توجد في كثير من الكتب الفقهية، بل في بعضها ما يخالفها، وهي: أن السنة أن يقتدي المصلي مع الإمام عن يمينه وحذاءه، غير متقدم عليه، ولا متأخر عنه، خلافا لما في بعض المذاهب أنه ينبغي أن يتأخر عن الإمام قليلا بحيث يجعل أصابع رجله حذاء عقبي الإمام، أو نحوه، وهذا كما ترى خلاف هذا الحديث الصحيح، وبه عمل بعض السلف، فقد روى الإمام مالك في " موطئه " (1 / 154) عن نافع أنه قال: " قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من الصلوات وليس معه أحد غيري، فخالف عبد الله بيده، فجعلني حذاءه ". ثم روى (1 / 169 - 170) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال: دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة، فوجدته يسبح ، فقمت وراءه، فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء (يرفأ) تأخرت فصففنا وراءه.

2591

وإسناده صحيح أيضا. بل قد صح ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم في قصة مرض وفاته حين خرج وأبو بكر الصديق يصلي الناس، فجلس صلى الله عليه وسلم حذاءه عن يساره، (مختصر البخاري / 366) ، ومن تراجم البخاري (57 - باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين) . انظر المختصر (10 - كتاب الأذان) والتعليق عليه. تنبيه: تقدم حديث الترجمة برقم (606) فقدر إعادته هنا بفوائد زائدة، والخيرة فيما اختاره الله. 2591 - " أليس قد صام بعده رمضان وصلى بعده ستة آلاف ركعة، وكذا وكذا ركعة لصلاة السنة؟ ". رواه البيهقي في " الزهد " (73 / 2) عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن طلحة بن عبيد الله: أن رجلين من بلي - وهو حي من قضاعة - قتل أحدهما في سبيل الله، وأخر الآخر بعده سنة ثم مات، قال طلحة: فرأيت في المنام الجنة فتحت، فرأيت الآخر من الرجلين دخل الجنة قبل الأول، فتعجبت. فلما أصبحت ذكرت ذلك، فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن كان أبو سلمة سمع من طلحة، فقد نفى سماعه منه ابن معين وغيره، لكن الحديث صحيح لما له من الشواهد يأتي الإشارة إلى بعضها. وقد أخرجه ابن ماجه (3925) وابن حبان (2466) من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة به أتم منه.

2592

وكذا رواه أحمد (1 / 161 - 162 و163) ، فظننت أن (محمد بن عمرو) الذي في إسناد " الزهد " وهم، ثم ظهر أنه رواية، فقد رأيت الإمام أحمد أخرجه (2 / 333) من طريقه عن أبي سلمة عن أبي هريرة به، ثم من طريقه عن أبي سلمة عن طلحة.. وسنده عن أبي هريرة حسن كما قال المنذري في " الترغيب " (1 / 142) . ويشهد له حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت سعدا وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: فذكره أتم منه. أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (310) والحاكم (1 / 200) وأحمد (1 / 177) من طريق مخرمة عن أبيه عنه، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، والعلة فيه أن طائفة من أهل مصر ذكروا أن مخرمة لم يسمع من أبيه لصغر سنه،.. وأثبت بعضهم سماعه منه ". قلت: والراجح أن روايته عن أبيه وجادة من كتاب أبيه، وهي حجة، ولعل مالكا رحمه الله أشار إلى ذلك حينما روى الحديث في " الموطأ " (1 / 187) بلاغا، فقال: إنه بلغه عن عامر بن سعد به، إلا أنه لم يذكر: " وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ". 2592 - " إن أبي وأباك في النار ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (3552) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا أبو كريب حدثنا أبو خالد الأحمر عن داود بن أبي هند عن العباس بن عبد الرحمن عن عمران بن الحصين قال: جاء حصين إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أرأيت رجلا كان يصل الرحم، ويقري

الضيف مات قبلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره: فما مضت عشرون ليلة حتى مات مشركا. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير العباس بن عبد الرحمن، وهو مولى بني هاشم، لا يعرف إلا برواية داود عنه كما في " تاريخ البخاري " (4 / 1 / 5) و " الجرح والتعديل " (3 / 211) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، فهو مجهول، وقول الحافظ في " التقريب ": " مستور " سهو منه لأنه بمعنى: " مجهول الحال "، وذلك لأنه نص في المقدمة أن هذه المرتبة إنما هي في " من روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق ". قلت: وذهل عنه الهيثمي، فقال في " المجمع " (1 / 117) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال (الصحيح) "! وذلك لأن العباس هذا لم يخرج له الشيخان، ولا بقية الستة، وإنما أخرج له أبو داود في " المراسيل " و " القدر "، وحديثه في " المراسيل " يشبه هذا في المعنى، فقد أخرجه فيه (برقم 508) من طريق داود أيضا عنه قال: جاء رجل إلى العباس فقال: أرأيت الغيطلة - كاهنة بني سهم - في النار مع عبد المطلب؟ فسكت: ثم قال: أرأيت الغيطلة..، فوجأ العباس أنفه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بال أحدكم يؤذي أخاه في الأمر وإن كان حقا؟! " وكذا رواه ابن سعد في " الطبقات " (4 / 24 - 25) بأتم منه. والحديث أخرجه الجورقاني (¬1) في " الأباطيل والمناكير " (1 / 235) من ¬

(¬1) اختلفوا في ضبطه اختلافا كثيرا، هل هو بالراء أم بالزاي؟ وهل هو بفتح الجيم أم بالضم. انظر الحاشية على " السير " (20 / 178) . اهـ.

طريق أخرى عن داود بن أبي هند في جملة أحاديث أخرى تدل كلها - كهذا - على أن من مات في الجاهلية مشركا فهو في النار، وليس من أهل الفترة كما يظن كثير من الناس، وبخاصة الشيعة منهم، ومن تأثر بهم من السنة! ومن تلك الأحاديث، ما رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: في النار. فلما قفى دعاه، فقال: فذكر حديث الترجمة حرفا بحرف. أخرجه مسلم (1 / 132 - 133) وأبو عوانة (1 / 99) وأبو داود (4718) والجورقاني (1 / 233) وصححه، وأحمد (3 / 268) وأبو يعلى (6 / 229 / 3516) وابن حبان (578 - الإحسان) والبيهقي (7 / 190) من طرق عن حماد بن سلمة به. ومنها سعد بن أبي وقاص المتقدم في المجلد الأول برقم (18) بلفظ: " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ". فراجع سببه هناك، فإنه بمعنى حديث الترجمة لمن تأمله. وإن مما يتصل بهذا الموضوع قوله صلى الله عليه وسلم لما زار قبر أمه: " استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها، فأذن لي.. " الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 187 - 188) من حديث أبي هريرة وبريدة، فليراجعهما من شاء. والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرنا خير كبير وبركة.

واعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم وقبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول هذه الأحاديث الصحيحة، وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول صلى الله عليه وسلم، بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة! وفي اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي صلى الله عليه وسلم الذي قالها إن صدقوا بها. وهذا - كما هو ظاهر - كفر بواح، أو على الأقل: على الأئمة الذين رووها وصححوها، وهذا فسق أو كفر صراح، لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم، لأنه لا طريق لهم إلى معرفته والإيمان به، إلا من طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه، فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم وأهوائهم - والناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة ، وهذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي والهويدي وبليق وابن عبد المنان وأمثالهم ممن لا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث وتضعيفها إلا أهواؤهم! واعلم أيها المسلم - المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث ونحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم، إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها وتلقيها بالقبول، لقوله تعالى: * (ألم. ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين. الذين يؤمنون بالغيب) * (البقرة: 1 - 3) وقوله: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم..) * (الأحزاب : 36) ، فالإعراض عنها وعدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما - وأحلاهما مر -: إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، وإما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم.

وأنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي - عفا الله عنا وعنه - في بعض رسائله، إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، وحبهم إياه، فينكرون أن يكون أبواه صلى الله عليه وسلم كما أخبر هو نفسه عنهما ، فكأنهم أشفق عليهما منه صلى الله عليه وسلم!! وقد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أمه، وفي رواية: أبويه، وهو حديث موضوع باطل عند أهل العلم كالدارقطني والجورقاني، وابن عساكر والذهبي والعسقلاني، وغيرهم كما هو مبين في موضعه، وراجع له إن شئت كتاب " الأباطيل والمناكير " للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي (1 / 222 - 229) وقال ابن الجوزي في " الموضوعات " (1 / 284) : " هذا حديث موضوع بلا شك، والذي وضعه قليل الفهم، عديم العلم، إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة، لا بل لو آمن عند المعاينة، ويكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى: * (فيمت وهو كافر) *، وقوله صلى الله عليه وسلم في (الصحيح) : " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي ". ولقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة " للإمام الشوكاني، فقال (ص 322) : " كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وفق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية. والله المستعان ". قلت: وممن جمحت به المحبة السيوطي عفا الله عنه، فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما تقدم، وحاول في كتابه " اللآلىء "

(1 / 265 - 268) التوفيق بينه وبين حديث الاستئذان وما في معناه، بأنه منسوخ، وهو يعلم من علم الأصول أن النسخ لا يقع في الأخبار وإنما في الأحكام! وذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله: إنه في الجنة! كما هو ظاهر معروف لدى العلماء. ومن جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث الترجمة إعراضا مطلقا، ولم يشر إليه أدنى إشارة، بل إنه قد اشتط به القلم وغلا، فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة! وهو يعلم أنه من أئمة المسلمين وثقاتهم، وأن روايته عن ثابت صحيحة، بل قال ابن المديني وأحمد وغيرهما: أثبت أصحاب ثابت حماد، ثم سليمان، ثم حماد بن زيد ، وهي صحاح. وتضعيفه المذكور كنت قرأته قديما جدا في رسالة له في حديث الإحياء - طبع الهند - ولا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه، وأتتبع عواره، فليراجعها من شاء التثبت. ولقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب ودب، مثل " الجامع الصغير " و" زيادته " و " الجامع الكبير "! ولذلك خلا منه " كنز العمال " والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وتأمل الفرق بينه وبين الحافظ البيهقي الذي قدم الإيمان والتصديق على العاطفة والهوى، فإنه لما ذكر حديث: " خرجت من نكاح غير سفاح "، قال عقبه: " وأبواه كانا مشركين، بدليل ما أخبرنا.. "، ثم ساق حديث أنس هذا وحديث أبي هريرة المتقدم في زيارة قبر أمه صلى الله عليه وسلم.

2593

2593 - " أما شعرت أني أمرتهم بأمر فهم يترددون، ولو كنت استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولا اشتريته حتى أحل كما حلوا ". أخرجه إسحاق ابن راهويه في " مسنده " (4 / 126 / 2) : أخبرنا النضر ووهب قالا: حدثنا شعبة عن الحكم بن عتيبة عن علي بن حسين عن ذكوان مولى عائشة عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع ليال خلون أو خمس من ذي الحجة في حجته وهو غضبان، فقلت: يا رسول الله من أغضبك أدخله الله النار؟! فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم (4 / 33 - 34) وأحمد (6 / 175) والبيهقي (5 / 19) من طرق أخرى عن شعبة به. قلت: وهذا الحديث مثل أحاديث كثيرة ذكرها ابن القيم في " زاد المعاد "، فيها كلها أمره صلى الله عليه وسلم المفردين والقارنين الذين لم يسوقوا الهدي بفسخ الحج إلى العمرة، وآثرت هذا منها بالذكر ههنا لعزة مخرجه الأول: " مسند إسحاق "، وحكاية عائشة غضبه صلى الله عليه وسلم بسبب تردد أصحابه في تنفيذ الأمر بالفسخ، علما أن ترددهم رضي الله عنهم لم يكن عن عصيان منهم، فإن ذلك ليس من عادتهم، وإنما هو كما قال راويه الحكم عند أحمد وغيره : " كأنهم هابوا "، وذلك لأنهم كانوا في الجاهلية لا يعرفون العمرة في أيام الحج كما جاء في بعض الأحاديث الصحيحة، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم لم يحل معهم، فظنوا أن في الأمر سعة فترددوا، فلما عرفوا منه السبب وأكد لهم الأمر بادروا إلى تنفيذه رضي الله عنهم.

2594

وإذا كان الأمر كذلك فما بال كثير من المسلمين اليوم - وفيهم بعض الخاصة - لا يتمتعون، وقد عرفوا ما لم يكن قد عرفه أولئك الأصحاب الكرام في أول الأمر، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأحاديث: " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة "، ألا يخشون أن تصيبهم دعوة عائشة رضي الله عنها؟! 2594 - " أما كان فيكم رجل رحيم؟! ". رواه الطبراني في " حديثه عن النسائي " (316 / 1) : أنبأنا محمد بن علي بن حرب المروزي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل، فقال لهم: إني لست منهم، عشقت امرأة فلحقتها، فدعوني أنظر إليها نظرة ثم اصنعوا بي ما بدا لكم، فنظروا فإذا امرأة طويلة أدماء فقال لها: أسلمي حبيش قبل نفاذ العيش. أرأيت لو تبعتكم فلحقتكم بحلية أو أدركتكم بالخوانق أما كان حق أن ينول عاشق تكلف إدلاج السرى والودائق؟ قالت: نعم فديتك، فقدموه فضربوا عنقه، فجاءت المرأة فوقفت عليه، فشهقت شهقة ثم ماتت، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك، فقال، فذكره. ثم رأيته في " السير " للنسائي (2 / 47 / 1 - 2) بهذا السند، إلا أنه قال: أرأيت إن تبعتكم فلحقتكم ... [بحلية أو أدركتكم] (¬1) بالخوانق ألم يك حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق ¬

(¬1) زيادة من مطبوعة " السنن الكبرى " للنسائي (5 / 201) ومنه صححت بعض الأخطاء.

2595

ومن طريقه أخرجه في " المعجم الكبير " أيضا (3 / 144 / 2) وفي " الأوسط " (1 / 92 / 2 / 1688) والبيهقي في " دلائل النبوة " ( 5 / 117 - 118) من طريق النسائي أيضا، وكذا ابن منده في " المعرفة " (2 / 89 / 2) وقال الطبراني: " لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن علي بن حرب ". قلت: وثقه النسائي، وروى عنه جمع، ومن فوقه من رجال (الصحيح) ، إلا أن علي بن الحسين بن واقد روى له مسلم في " المقدمة "، وهو صدوق يهم كما في " التقريب "، فالإسناد حسن كما قال الهيثمي في " المجمع " (6 / 210) . وللقصة طريق أخرى عند البيهقي وابن منده، ولكن ليس فيها حديث الترجمة. 2595 - " أما يكفيك في سبيل الله ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تصوم؟! ". أخرجه أحمد (3 / 327) : حدثنا زيد بن الحباب حدثني حسين بن واقد عن أبي الزبير قال: سمعت جابرا يقول: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يقلب ظهره لبطنه، فسأل عنه؟ فقالوا: صائم يا نبي الله! فدعاه، فأمره أن يفطر فقال: فذكره. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.

2596

وله طرق أخرى عن جابر بنحوه في " الصحيحين " وغيرهما، وهي مخرجة في " الإرواء " (925) . وفي الحديث دلالة ظاهرة على أنه لا يجوز الصوم في السفر إذا كان يضر بالصائم، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: " ليس من البر الصيام في السفر " وقوله: " أولئك هم العصاة "، وفيما سوى ذلك فهو مخير إن شاء صام وإن شاء أفطر، وهذا خلاصة ما تدل عليه أحاديث الباب، فلا تعارض بينها والحمد لله. 2596 - " أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالوثقى، وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة ". رواه ابن ماجه (1 / 363) وأحمد (3 / 309 / 330) عن زائدة: حدثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: أي حين توتر؟ قال: أول الليل بعد العتمة، قال: فأنت يا عمر ؟ فقال: آخر الليل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا سند حسن كما في " زوائد ابن ماجه " و " التلخيص " (4 / 237) وله شواهد تبلغ بها إلى درجة الصحة، فمنها عن ابن عمر نحوه. أخرجه ابن ماجه، وابن نصر في " قيام الليل " ص (116) والحاكم (1 / 1 - 3) عن محمد بن عباد المكي: حدثنا يحيى بن سليم عن عبيد الله عن نافع عنه. وقال الحاكم: " إسناد صحيح ". ووافقه الذهبي، وكذلك قال صاحب " الزوائد ". قلت: وهو على شرط الشيخين، فإن رجاله كلهم من رجالهما. ورواه ابن ماجه، وابن حبان (673 - موارد) أيضا، قال الحافظ: " وكذا البزار، وقال: " لا نعلم رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع إلا يحيى

2597

ابن سليم "، قال ابن القطان: هو صدوق، فالحديث حسن ". وله طريق أخرى ضعيفة عند البزار من حديث كثير بن مرة عن ابن عمر " (¬1) . قلت: وإنما اقتصر على تحسينه لأن يحيى بن سليم وإن كان من رجال الشيخين فهو سيىء الحفظ. ومنها عن أبي قتادة نحوه. أخرجه أبو داود (1 / 227) والحاكم من طريق يحيى بن إسحاق السيلحيني: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الله بن رباح عنه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه أيضا ابن خزيمة والطبراني، وله شواهد أخرى في أسانيدها ضعف، فليراجعها من شاء في " التلخيص " و " المجمع " (2 / 245) . 2597 - " إن كان كما تقول فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير [ما دمت على ذلك] ". رواه أبو إسحاق الحربي في " الغريب " (5 / 64 / 2) عن زهير بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة: أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لي قرابة، أصلهم ويقطعون، وأحسن إليهم ويسيئون، وأحلم ويجهلون، قال: فذكره. قلت: ورجاله كلهم ثقات إلا أن زهير بن محمد - وهو أبو المنذر الخراساني - فيه ضعف من قبل حفظه. ¬

(¬1) قلت: حديث ابن عمر هذا لم يورده الهيثمي في " كشف الأستار "، ولا في " المجمع "، لا من هذه الطريق ولا التي قبلها. والله أعلم.

2598

وسلم بن قادم شيخ الحربي له ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (9 / 145 - 146) وقال: إنه ثقة. وكذلك وثقه صالح بن محمد الأسدي، وقال ابن معين: " ليس به بأس "، كما أسنده الخطيب عنهما. وقد أورده في " اللسان "، ولم يزد في ترجمته على قوله: " قال ابن حبان في " الثقات ": يخطىء "، وهذا قصور شديد! وقد توبع، فقال أحمد (2 / 484) : حدثنا عبد الرحمن عن زهير به . وفيه الزيادة التي بين المعقوفتين ولا أدري إذا كانت ساقطة من الأصل: " غريب الحديث "، أو سقطت في حين عنه نقلت، والراجح الأول. وهي على كل صحيحة كأصل الحديث، فقد توبع عليه زهير. أخرجه مسلم (7 / 8) وأحمد (2 / 300) من طريق شعبة قال: سمعت العلاء بن عبد الرحمن به مع الزيادة ثم أخرجه أحمد (2 / 412) من طريق عبد الرحمن إبراهيم القاص قال: حدثنا العلاء بن عبد الرحمن به . (تسفهم) أي: تطعمهم. (المل) الرماد الحار. 2598 - " إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك ".

2599

رواه أبو عبد الله بن منده في " التوحيد " (123 / 2) ومن طريقه الأصبهاني في " الترغيب " (739) : أخبرنا محمد بن يعقوب بن يوسف: أبنا محمد بن إسحاق الصغاني: أبنا أبو جعفر محمد بن سعيد الأنصاري: أبنا أبو معاوية محمد بن خازم عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله بن مسعود مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح، محمد بن يعقوب هذا هو أبو العباس الأصم حافظ ثقة، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم. وأبو جعفر محمد بن سعيد الأنصاري هو ابن الأصبهاني الملقب (حمدان) ولم يذكروا في ترجمته أنه أنصاري. والله أعلم. والحديث أخرجه البيهقي في " الشعب " (1 / 359 - هند) من طريق الحاكم عن أبي العباس الأصم. ورواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (849) من طريق أخرى عن محمد بن سعيد به. 2599 - " إن الرجل ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها ". أخرجه أبو يعلى في " المسند " (4 / 1447 - 1448) وعنه ابن حبان (693 - موارد) : حدثنا أبو كريب أخبرنا يونس بن بكير أخبرنا يحيى بن أيوب أخبرنا أبو زرعة أخبرنا أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.... فذكره. ثم قال أبو يعلى (4 / 1449) : حدثنا عقبة أخبرنا يونس به.

وأخرجه الحاكم (1 / 344) من طريق أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس بن بكير به. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: يحيى وأحمد ضعيفان، وليس يونس بحجة ". وأقول: الحق أن يونس هذا وسط، فحديثه يحتج به في مرتبة الحسن، وقد صرح بذلك الذهبي نفسه في آخر ترجمته من " الميزان "، فقال: " وقد أخرج مسلم ليونس في الشواهد، لا الأصول، وكذلك ذكره البخاري مستشهدا به، وهو حسن الحديث ". فإعلال الحديث به مردود. ومثله يحيى بن أيوب وهو البجيلي، فقد وثقه الجمهور، وتناقض فيه ابن معين، فمرة وثقه، وأخرى ضعفه ، وقال الحافظ: " لا بأس به ". وأما أحمد بن عبد الجبار، فقد تابعه شيخا أبي يعلى أبو كريب - واسمه محمد بن العلاء -، وعقبة - وهو ابن مكرم البصري - وكلاهما ثقة من شيوخ مسلم، فالإسناد حسن، وهو صحيح بالشواهد الآتية: الأول: عن محمد بن خالد السلمي عن أبيه عن جده - وكان لجده صحبة - أنه خرج زائرا لرجل من إخوانه، فبلغه شكاته، قال: فدخل عليه فقال: أتيتك زائرا عائدا ومبشرا! قال: كيف جمعت هذا كله؟ قال: خرجت وأنا أريد زيارتك، فبلغني شكاتك، فكانت عيادة، وأبشرك بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سبقت للعبد من الله منزلة لم يبلغها بعمله، ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده، ثم صبره حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له منه ".

أخرجه أحمد (5 / 272) والسياق له، وأبو داود (3090) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 477) وكذا البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 73) وابن أبي الدنيا في " المرض والكفارات " (ق 69 / 1) والدولابي في " الكنى " (1 / 27 ) (¬1) كلهم عن أبي المليح عن محمد بن خالد.. ومن هذا الوجه أخرجه أيضا أبو يعلى، والطبراني في " الكبير " و " الأوسط " كما في " الترغيب " (4 / 147) وقال: " ولم يرو عن خالد إلا ابنه محمد ". قلت: يشير بذلك إلى أنه مجهول، وذلك ما صرح به الحافظ ابن حجر في " التقريب "، ومثله ابنه محمد، فإنه لم يرو عنه غير أبي المليح، وقال الذهبي في " الميزان ": " محمد بن خالد عن أبيه عن جده أبي خالد السلمي، لا يدرى من هؤلاء، روى عنه أبو المليح الرقي " . الثاني: عن حماد بن أبي حميد الزرقي عن أبي عقيل مولى الزرقيين عن عبد الله بن إياس بن أبي فاطمة عن أبيه عن جده قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يصح فلا يسقم؟ قلنا: نحن يا رسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه! وعرفناها في وجهه، فقال: أتحبون أن تكونوا كالحمير الصيالة؟ قال: قالوا: يا رسول الله لا. قال: ألا تحبون أن تكونوا أصحاب بلاء وأصحاب كفارات؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فوالله إن الله ليبتلي ... الحديث. ¬

(¬1) وقع عنده " خلف السلمي "، وهو خطأ.

2600

أخرجه ابن سعد (7 / 508) والبخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 266 - 267) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، حماد هذا - وهو لقبه، واسمه محمد - ضعيف. وأبو عقيل اسمه مسلم بن عقيل، وفي ترجمته ساقه البخاري، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك صنع ابن أبي حاتم (4 / 1 / 190) . وعبد الله بن إياس بن أبي فاطمة وأبوه لم أجد لهما ترجمة. وأما أبو فاطمة - وهو الضمري كما في إسناد " التاريخ " - فذكره ابن حجر في " الإصابة " - القسم الأول - وساق له هذا الحديث، ولم يزد! الثالث: عن جابر: حدثنا من سمع بريدة الأسلمي يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " ما أصاب رجلا من المسلمين نكبة فما فوقها حتى ذكر الشوكة إلا لإحدى خصلتين، إلا ليغفر الله له من الذنوب ذنبا لم يكن ليغفر له إلا بمثل ذلك، أو يبلغ به من الكرامة كرامة لم يكن ليبلغها إلا بمثل ذلك ". أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا (ق 88 / 1 - 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرجل الذي حدث جابرا: فإنه لم يسم. وجابر، وهو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف، ولذلك أشار المنذري (4 / 147) إلى تضعيف حديثه. 2600 - " إن بعضكم على بعض شهداء ". أخرجه الطيالسي (2388) وأحمد (2 / 466 و 470) وأبو داود (3233) والنسائي (2 / 273) من طرق عن إبراهيم بن عامر عن عامر بن سعد عن أبي هريرة قال:

2601

مروا على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة فأثنوا عليها خيرا، فقال: وجبت. ثم مروا بأخرى فأثنوا شرا، فقال: وجبت. ثم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، عامر بن سعد وهو البجلي، ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 186 ) وخرج له مسلم في " الصحيح "، وروى عنه جمع من الثقات، وقد توبع كما يأتي . وإبراهيم بن عامر، وهو ابن مسعود بن أمية بن خلف القرشي الكوفي ثقة بلا خلاف. ثم أخرجه أحمد (2 / 261 و 498 و 528) وابن ماجه (1492) وابن حبان (748) من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به نحوه. وهذا إسناد حسن. وللحديث شاهد صحيح من حديث أنس نحوه. أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق عنه. وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 44 - 45) . 2601 - " آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة ويكبو مرة وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئا ما أعطاه أحدا من الأولين والآخرين. فترفع له شجرة، فيقول: أي رب أدنني من هذه الشجرة لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم! لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا يا رب، ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ، ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم ! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ - فيقول -: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها ويشرب من مائها. ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن من

الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها ؟ قال: بلى يا رب، هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها فيسمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أي رب أدخلنيها! فيقول: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب! أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فضحك ابن مسعود ، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ قال: من ضحك رب العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ - فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على

2602

ما أشاء قادر. (وفي رواية: قدير) . أخرجه مسلم (1 / 119 - 120) وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 207) وأحمد (1 / 410 - 411) وأبو يعلى (3 / 1235 - 1236) والطبراني في " الكبير " (3 / 48 / 2) من طرق عن حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن أنس عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. والرواية الأخرى لأحمد والطبراني. وفي رواية من طريق عبيدة عن عبد الله مرفوعا نحوه مختصرا، وفيه: " فقال له: تمن. فيتمنى، فيقال له: لك الذي تمنيت وعشرة أضعاف الدنيا. قال: فيقول: أتسخر بي وأنت الملك؟ ... " الحديث. أخرجه مسلم، وأحمد (1 / 378 - 379) والترمذي (2 / 98) وصححه. (تنبيه) : دل قوله تعالى في آخر الحديث: " ولكني على ما أشاء قادر أو قدير " على خطأ ما جاء في التعليق على " العقيدة الطحاوية " (ص 20) نقلا عن بعض الأفاضل: " يجيء في كلام بعض الناس: وهو على ما يشاء قدير، وليس بصواب.. ". فأقول: بل هو عين الصواب بعد ثبوت ذلك في هذا الحديث، لاسيما ويشهد له قوله تعالى: * (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) * (الشورى: 29) وذلك لا ينافي عموم مشيئته وقدرته تعالى كما توهم المشار إليه، والله أعلم. 2602 - " لن يدخل أحدا منكم عمله الجنة [ولا ينجيه من النار] ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا -[وأشار بيده هكذا على رأسه:]- إلا أن يتغمدني الله منه بفضل ورحمة، [مرتين أو ثلاثا] [فسددوا وقاربوا] [ وأبشروا] [واغدوا وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا] [ واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل] ". ورد عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم، منهم: أبو هريرة وعائشة وجابر وأبو سعيد الخدري وأسامة بن شريك.

1 - أما حديث أبي هريرة، فله عنه طرق: الأولى: عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه البخاري (4 / 48) ومسلم (8 / 140) وأحمد (2 / 264) والسياق لمسلم، وفيه عند البخاري الزيادة السابعة. الثانية: عن سعيد المقبري عنه به، وفيه الزيادة السادسة. أخرجه البخاري (4 / 222) وأحمد (2 / 514 ، 537) . الثالثة: عن بسر بن سعيد عنه به، وفيه بعض الزيادة الرابعة بلفظ: " ولكن سددوا ". أخرجه مسلم (8 / 139) وأحمد (2 / 451) . الرابعة: عن محمد بن سيرين عنه به. أخرجه مسلم، وأحمد (2 / 235 و 326 و 390 و 473 و 509 و524) . وفيه عند مسلم الزيادة الثانية، وعند أحمد الزيادة الأولى والثانية والثالثة. الخامسة: عن أبي صالح عنه به، وفيه الزيادة الرابعة. أخرجه مسلم، وابن ماجه (4201) وأحمد (2 / 344 و 495) . السادسة: عن زياد المخزومي عنه. وفيه الزيادة الثانية. أخرجه أحمد (2 / 256 و 473) . السابعة: عن محمد بن زياد عنه. وفيه الزيادة الثانية. أخرجه أحمد (2 / 385 - 386 و 469) وإسناده صحيح.

الثامنة: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه. وفيه الزيادة الرابعة والخامسة. أخرجه أحمد (2 / 482) وإسناده جيد في المتابعات. التاسعة: عن أبي مصعب عنه. أخرجه أحمد (2 / 488) . العاشرة: عن أبي سلمة عنه وفيه الزيادة الرابعة. أخرجه أحمد (2 / 503 و 509) وإسناده حسن. 2 - وأما حديث عائشة، فيرويه موسى بن عقبة قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف يحدث عن عائشة به. وفيه الزيادة الرابعة والسابعة. أخرجه البخاري (4 / 223) ومسلم (8 / 141) وأحمد (6 / 125) . 3 - وأما حديث جابر، فله عنه طريقان: الأولى: عن أبي سفيان عنه أخرجه مسلم، وأحمد ( 2 / 495 و 3 / 337 و 362) والدارمي (2 / 305) وفيه عنده الزيادة الرابعة. الأخرى: عن أبي الزبير عنه، وفيه الزيادة الأولى. أخرجه مسلم، وأبو نعيم في " صفة الجنة " (ق 9 / 1) . 4 - وأما حديث أبي سعيد، فيرويه عطية العوفي عنه، وفيه الزيادة الثانية. أخرجه أحمد (3 / 52) وعطية ضعيف، وقال المنذري (4 / 200) :

" رواه أحمد بإسناد حسن، ورواه البزار والطبراني من حديث أبي موسى والطبراني أيضا من حديث أسامة بن شريك، والبزار أيضا من حديث شريك بن طارق بإسناد جيد ". قلت: وتحسينه لإسناد أحمد غير حسن لضعف عطية، إلا إن كان يعني تحسينه لغيره، فهو مقبول. 5 - وأما حديث أسامة، فيرويه المفضل بن صالح عن زياد بن علاقة عنه، وفيه الزيادة الثانية. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 25 / 2) والمفضل هذا ضعيف أيضا. وفي الباب عن جمع آخر من الصحابة، فمن شاء فليراجع " المجمع " (10 / 356 - 357) . واعلم أن هذا الحديث قد يشكل على بعض الناس، ويتوهم أنه مخالف لقوله تعالى: * ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) * ونحوها من الآيات والأحاديث الدالة على أن دخول الجنة بالعمل، وقد أجيب بأجوبة أقربها إلى الصواب: أن الباء في قوله في الحديث: " بعمله " هي باء الثمنية، والباء في الآية باء السببية، أي أن العمل الصالح سبب لابد منه لدخول الجنة، ولكنه ليس ثمنا لدخول الجنة، وما فيها من النعيم المقيم والدرجات. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بعض فتاويه: " ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون سببا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح

في الشرع، ومجرد الأسباب لا يوجب حصول المسبب، فإن المطر إذا نزل وبذر الحب لم يكن ذلك كافيا في حصول النبات، بل لابد من ريح مربية بإذن الله، ولابد من صرف الانتفاء عنه، فلابد من تمام الشروط وزوال الموانع، وكل ذلك بقضاء الله وقدره. وكذلك الولد لا يولد بمجرد إنزال الماء في الفرج، بل كم ممن أنزل ولم يولد له، بل لابد من أن الله شاء خلقه فتحبل المرأة وتربيه في الرحم وسائر ما يتم به خلقه من الشروط وزوال الموانع . وكذلك أمر الآخرة ليس بمجرد العمل ينال الإنسان السعادة، بل هي سبب، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فذكر الحديث) ، وقد قال تعالى: * ( ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون) *. فهذه باء السبب، أي بسبب أعمالكم، والذي نفاه النبي صلى الله عليه وسلم باء المقابلة، كما يقال: اشتريت هذا بهذا. أي ليس العمل عوضا وثمنا كافيا في دخول الجنة، بل لابد من عفو الله وفضله ورحمته، فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف الدرجات . وفي هذا الموضع ضل طائفتان من الناس: 1 - فريق آمنوا بالقدر وظنوا أن ذلك كاف في حصول المقصود فأعرضوا عن الأسباب الشرعية والأعمال الصالحة. وهؤلاء يؤول بهم الأمر إلى أن يكفروا بكتب الله ورسله ودينه. 2 - وفريق أخذوا يطلبون الجزاء من الله كما يطلبه الأجير من المستأجر، متكلين على حولهم وقوتهم وعملهم، وكما يطلبه المماليك. وهؤلاء جهال ضلال: فإن الله لم يأمر العباد بما أمرهم به حاجة إليه، ولا نهاهم عما نهاهم عنه بخلا به، ولكن أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عما فيه فسادهم. وهو سبحانه

2603

كما قال: " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ". فالملك إذا أمر مملوكيه بأمر أمرهم لحاجته إليهم، وهم فعلوه بقوتهم التي لم يخلقها لهم فيطالبون بجزاء ذلك، والله تعالى غني عن العالمين، فإن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم، وإن أساءوا فلها. لهم ما كسبوا، وعليهم ما اكتسبوا، * (من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد) * ". انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله منقولا من " مجموعة الفتاوى " (8 / 70 - 71) ومثله في " مفتاح دار السعادة " لتلميذه المحقق العلامة ابن قيم الجوزية (ص 9 - 10) و " تجريد التوحيد المفيد " (ص 36 - 43) للمقريزي. 2603 - " اللهم اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور [مائة مرة] ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المسند " (2 / 71 / 1) : ابن فضيل وابن إدريس عن حصين عن هلال بن يساف عن زاذان قال: أخبرنا رجل من الأنصار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر الصلاة.. فذكره، إلا أنه قال: " أنت التائب أو التواب "، هكذا بالشك، ولعل الصواب ما أثبته في الأعلى، فقد تابعه شعبة عن حصين به دون شك، وزاد: " مائة مرة "، إلا أنه قال: " في صلاة "، بدل قوله: " في دبر الصلاة ". أخرجه أحمد (5 / 371) : حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط الشيخين غير هلال بن يساف وزاذان - وهو الكندي مولاهم الكوفي - وهما من رجال مسلم.

2604

2604 - " الناس أربعة والأعمال ستة، فالناس: 1 - موسع عليه في الدنيا والآخرة، 2 - وموسع له في الدنيا مقتور عليه في الآخرة، 3 - ومقتور عليه في الدنيا موسع عليه في الآخرة، 4 - وشقي في الدنيا والآخرة. والأعمال: 1 و 2 - موجبتان، 3 و 4 - ومثل بمثل، 5 - وعشرة أضعاف، 6 - وسبعمائة ضعف. 1 و 2 - فالموجبتان: من مات مسلما مؤمنا لا يشرك بالله شيئا، فوجبت له الجنة. ومن مات كافرا وجبت له النار. 3 و 4 - ومن هم بحسنة فلم يعملها، فعلم الله أنه قد أشعرها قلبه وحرص عليها كتبت له حسنة. ومن هم بسيئة لم تكتب عليه، ومن عملها كتبت واحدة، ولم تضاعف عليه. 5 - ومن عمل حسنة كانت له بعشر أمثالها . 6 - ومن أنفق نفقة في سبيل الله كانت له بسبعمائة ضعف ". أخرجه أحمد (4 / 345) وابن حبان (31) عن شيبان بن عبد الرحمن،

وابن أبي شيبة في " مسنده " (2 / 38 / 2) عن زائدة عن الركين بن الربيع عن أبيه عن عمه - وهو يسير بن عميلة - عن خريم بن فاتك الأسدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، والسياق لأحمد. قلت: وهذا إسناد صحيح، والربيع والد الركين، وثقه ابن معين وغيره وهو مترجم في " الجرح والتعديل ". وخالفهما المسعودي فقال: عن الركين بن الربيع عن رجل عن خريم ... أخرجه أحمد (4 / 321 ) . والمسعودي ضعيف لاختلاطه. ومسلمة بن جعفر - من بجيلة - وسكت عنه، وقال الذهبي: " قلت: ومسلمة تعبت عليه، فلم أعرفه ". قلت: ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 267) من روايته عن الركين بن الربيع وغيره. وعنه جمع، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك صنع البخاري. وقال في " اللسان " (6 / 33) : " يجهل، وقال الأزدي: ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 180) . والجملة الأخيرة من الحديث أخرجها الحاكم أيضا من الوجه الأول، وقال : " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأخرجها الترمذي أيضا والنسائي كما في " الترغيب "، فراجع تعليقي عليه (2 / 156) .

2605

2605 - " ومن قعد فلا حرج. يقوله المؤذن في آخر أذانه في اليوم البارد ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المسند " (2 / 5 / 2) : أخبرنا خالد بن مخلد قال: حدثني سليمان بن بلال قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث (الأصل: بن نعيم بن الحارث) عن نعيم النحام - من بني عدي بن كعب - قال: نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي، فقلت: ليت المنادي ينادي ومن قعد فلا حرج، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح عزيز على شرط الشيخين. وأخرجه البيهقي (1 / 398) من طريق ابن أبي أويس: حدثني سليمان بن بلال به، وزاد: " وذلك في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه ". وقال: " تابعه الأوزاعي عن يحيى بن سعيد إلا أنه قال: فلما قال: الصلاة خير من النوم، قال: ومن قعد فلا حرج ". قلت: هذه الزيادة رواها هشام بن عمار: حدثنا عبد الحميد بن حبيب بن أبي العشرين حدثنا الأوزاعي به. أخرجه البيهقي. وهشام وعبد الحميد فيهما ضعف. وإلى هذا يشير الهيثمي بقوله بعد أن ساقه بهذه الزيادة:

" رواه الطبراني في الكبير ، ورجاله موثقون خلا شيخ الطبراني عبد الله بن وهيب الغزي (¬1) فلم أعرفه ". ومما يؤكد ضعفها عدم ورودها في طرق الحديث الأخرى، فقال عبد الرزاق في " المصنف " (1926) وعنه أحمد (4 / 220) : عن معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ قد سماه عن نعيم بن النحام به نحوه دونها. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير الشيخ الذي لم يسم، وهو صحابي أو تابعي كبير، فإن عبيد بن عمير الراوي عنه من كبار التابعين، ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولعله الأول، فقد قال عبد الرزاق (1927) عقبه: عن ابن جريج عن نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم بن النحام به نحوه. دون الزيادة. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الحاكم (3 / 259) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، بل هو على شرط الشيخين إن كان ابن جريج سمعه من نافع ولم يدلس. لكن تابعه عمر بن نافع عن نافع به. أخرجه ابن قانع كما في " الإصابة "، وقال في " الفتح " (2 / 98 - 99) : " أخرجه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح ". وخالف إسماعيل بن عياش سليمان بن بلال في إسناده، فقال: حدثني يحيى بن سعيد قال: أخبرني محمد بن يحيى بن حبان عن نعيم بن النحام ... ¬

(¬1) الأصل (العري) بالإهمال، والتصحيح من " المعجم الصغير " (1108 / الروض النضير) و " الأوسط " وله فيه ثمانية أحاديث (4534 - 4542 بترقيمي) وشيخه فيها (محمد بن المتوكل بن أبي السري العسقلاني) وفي الرواة عنه ذكره المزي لكن باختلاف يسير، فقال: " وأبو العباس عبد الله بن محمد بن وهيب الجذامي الغزي ". والمفروض أن يكون ابن عساكر ترجم له في " تاريخ دمشق " لكن في النسخة خرم. والله أعلم.

أخرجه أحمد. قلت: ورواية إسماعيل عن المدنيين ضعيفة، وهذه منها، لاسيما وقد خالفه سليمان بن بلال وكذا الأوزاعي كما تقدم، وتابعهما إبراهيم بن طهمان كما ذكر الحافظ رحمه الله تعالى. (فائدة) : في هذا الحديث سنة هامة مهجورة من كافة المؤذنين - مع الأسف - وهي من الأمثلة التي بها يتضح معنى قوله تبارك وتعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) *، ألا وهي قوله عقب الأذان: " ومن قعد فلا حرج "، فهو تخصيص لعموم قوله في الأذان: " حي على الصلاة " المقتضى لوجوب إجابته عمليا بالذهاب إلى المسجد والصلاة مع جماعة المسلمين إلا في البرد الشديد ونحوه من الأعذار. وفي ذلك أحاديث أخرى منها حديث ابن عمر: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن، ثم يقول في أثره: " ألا صلوا في الرحال ". في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر ". متفق عليه، ولم يذكر بعضهم " في السفر " (¬1) وهي رواية الشافعي في " الأم " (1 / 76) وقال عقبه : " وأحب للإمام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه. وإن قاله في أذانه فلا بأس عليه ". وحكاه النووي في " المجموع " (3 / 129 - 131) عن الشافعي، وعن جماعة ¬

(¬1) وهو مخرج في " الإرواء " (2 / 339 - 344) .

من أتباعه، وذكر عن إمام الحرمين أنه استبعد قوله: " في أثناء الأذان "، ثم رده بقوله: " وهذا الذي ليس ببعيد بل هو السنة، فقد ثبت ذلك في حديث ابن عباس أنه قال لمؤذن في يوم مطير - وهو يوم جمعة -: " إذا قلت: أشهد أن محمدا رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم ". رواه الشيخان ". قلت: وهو مخرج في " الإرواء " أيضا (554) . ونقل الحافظ في " الفتح " (2 / 98) عن النووي بعد أن حكى عنه جواز هذه الزيادة في الأذان وآخره أنه قال: " لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان ". ولم أره في " المجموع " . والله أعلم. واعلم أن في السنة رخصة أخرى، وهي الجمع بين الصلاتين للمطر جمع تقديم، وقد عمل بها السلف، وفصلت القول فيها في غير ما موضع، ومن ذلك ما سيأتي تحت الحديث (2837) وهذه الرخصة كالمتممة لما قبلها، فتلك والناس في بيوتهم، وهذه وهم في المسجد والأمطار تهطل، فالرخصة الأولى أسقطت عنهم فرضية الصلاة الأولى في المسجد، والرخصة الأخرى أسقطت عنهم فرضية أداء الصلاة الأخرى في وقتها، بجمعهم إياها مع الأولى في المسجد. وصدق الله القائل: * ( ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) *.

2606

2606 - " كان يعرض يوما خيلا وعنده عيينة بن حصن بن بدر الفزاري، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أفرس بالخيل منك. فقال عيينة: وأنا أفرس بالرجال منك! فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: وكيف ذاك؟ قال: خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم، لابسو البرود من أهل نجد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن، والإيمان يمان إلى لخم وجذام وعاملة، ومأكول حمير خير من آكلها، وحضرموت خير من بني الحارث، وقبيلة خير من قبيلة، وقبيلة شر من قبيلة، والله ما أبالي أن يهلك الحارثان كلاهما، لعن الله الملوك الأربعة: جمداء ومخوساء ومشرخاء وأبضعة، وأختهم العمردة. ثم قال: أمرني ربي عز وجل أن ألعن قريشا مرتين، فلعنتهم. وأمرني أن أصلي عليهم، فصليت عليهم مرتين. ثم قال: عصية عصت الله ورسوله غير قيس وجعدة وعصية (¬1) . ثم قال: لأسلم وغفار ومزينة وأخلاطهم من جهينة، خير من بني أسد وتميم وغطفان وهوازن عند الله عز وجل يوم القيامة. ثم قال: شر قبيلتين في العرب نجران وبنو تغلب، وأكثر القبائل في الجنة مذحج ومأكول ". ¬

(¬1) كذا الأصل، وكذا في " جامع المسانيد " (10 / 19) و " المجمع "، ولم يتبين لي وجه استثنائه بعد إثباته! . اهـ.

أخرجه الإمام أحمد (4 / 387) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان بن عمرو حدثني شريح بن عبيد عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن عمرو بن عبسة السلمي قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. ثم رواه أحمد من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن رجل عن عمرو بن عبسة به مختصرا دون قوله: " ثم قال: أمرني ربي أن ألعن قريشا ... ". ورجاله ثقات. وأخرج منه ابن أبي خيثمة في " التاريخ " (2 / 10 / - مخطوطة الرباط) من طريق أبي حمزة العبسي عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير وراشد بن سعد عن جبير بن نفير عن عمرو بن عبسة قوله: " لأسلم وغفار ... " إلى آخره دون ذكر القبيلتين. ورجاله ثقات غير أبي حمزة العبسي فلم أعرفه. ثم تبين أن الصواب (العنسي) بالنون الساكنة، واسمه عيسى بن سليم الحمصي، وهو صدوق من رجال مسلم. والحديث أورده الهيثمي (10 / 43) بتمامه وقال: " رواه أحمد متصلا ومرسلا والطبراني، ورجال الجميع ثقات ". والقدر الذي أخرجه ابن أبي خيثمة له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به دون قوله أيضا: " وأكثر القبائل في الجنة مذحج ومأكول ". أخرجه مسلم (7 / 179) .

2607

2607 - " لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال وترك الحرام ". أخرجه أبو عبد الله الرازي في " مشيخته " (ق 149 / 1 - مجموع 33) وابن حبان في " صحيحه " (1084 و 1085 - موارد) والحاكم (2 / 4) والبيهقي في " السنن " (5 / 264) من طرق عن عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد ابن أبي هلال عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، لولا ما يخشى من اختلاط سعيد بن أبي هلال، إلا أن هذه الخشية غير واردة هنا لمجيء الحديث من طريق أخرى. فقد أخرجه ابن ماجه ( 2144) والحاكم والبيهقي من طريقين عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بلفظ: " إن أحدكم لن يموت حتى يستكمل رزقه، فلا تستبطئوا الرزق، واتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب، خذوا ما حل ودعوا ما حرم ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقول: هو كما قالا، فقد أمنا تدليس أبي الزبير وصاحبه بتصريحهما بالتحديث في رواية حجاج بن محمد: أخبرنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله به. أخرجه السلفي في " الطيوريات "، وعلقه البيهقي.

ولبعضه شاهد من حديث أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أجملوا في طلب الدنيا، فإن كلا ميسر لما كتب له منها ". أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق الربيع بن سليمان: حدثنا عبد الله بن وهب: أبنا سليمان بن بلال: حدثني ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد بن سويد عنه. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وإنما هو على شرط مسلم وحده، فإن عبد الملك هذا لم يخرج له البخاري شيئا. وتابعه هشام بن عمار: حدثنا إسماعيل بن عياش عن عمارة بن غزية عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن به بلفظ: " لما خلق له منها ". أخرجه ابن ماجه (2142) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 60 / 2) ولم يقع عند ابن ماجه: " منها ". ثم وقفت على متابع لابن أبي هلال، يرويه وهب بن جرير: حدثنا شعبة عن ابن المنكدر به: أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 156 و 7 / 158) عن إسحاق بن بنان: حدثنا حبيش ابن مبشر: حدثنا وهب بن جرير به. وقال: " غريب من حديث شعبة، تفرد به حبيش عن وهب ". قلت: وهب ثقة من رجال الشيخين. وحبيش ثقة من رجال " التهذيب ".

2608

وأما إسحاق بن بنان، فله ترجمة في " تاريخ بغداد " (6 / 390 - 391) وروى عن الدارقطني أنه ثقة. فصح الإسناد والحمد لله. 2608 - " والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما. يعني لحم الذي استغاباه ". أخرجه الخرائطي في " مساوئ الأخلاق " (186) والضياء المقدسي في " المختارة " (2 / 33 / 2) من طرق عن أبي بدر عباد بن الوليد الغبري: حدثنا حبان ابن هلال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: " كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما، فناما، فاستيقظا، ولم يهيئ لهما طعاما، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم نوم نبيكم صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: ليوائم نوم بيتكم) فأيقظاه فقالا : ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام ، وهما يستأدمانك. فقال: أقرهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما! ففزعا ، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدما. فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، والذي نفسي (فذكره) قالا: فاستغفر لنا، قال: هو فليستغفر لكما ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي بدر الغبري، قال أبو حاتم وتبعه الحافظ: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وروى عنه جمع من الحفاظ الثقات، وقد توبع، فقال الضياء عقبه: " وقد رواه عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن

2609

أبي يعلى: أن العرب كانت تخدم بعضهم بعضا في الأسفار. فذكره. قيل: (الموائمة) : الموافقة، ومعناه أن هذا النوم يشبه نوم البيت لا نوم السفر، عابوه بكثرة النوم ". وله شاهد مرسل في " التوبيخ " (243) عن السدي، وهو إسماعيل بن عبد الرحمن. والسند إليه ضعيف. 2609 - " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام ". أخرجه أبو يعلى (1 / 29) وعنه ابن عدي (304 / 2) وابن حبان في " الضعفاء " (2 / 155) وعبد بن حميد في " مسنده " (2 / 1) وأبو بكر المروزي في " مسنده " (رقم 51 و 52) والبزار (ص 328) والحاكم (4 / 127) من طريق عبد الواحد بن زيد عن أسلم الكوفي عن مرة الطيب عن زيد بن أرقم عن أبي بكر الصديق مرفوعا. وفي رواية لأبي يعلى عنه عن فرقد السبخي عن مرة الطيب به. وقال ابن عدي: " وقال البخاري: عبد الواحد بن زيد تركوه. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال السعدي: ليس من معادن الصدق ". وقال النسائي: " ليس بثقة ". ولذلك قال الهيثمي عقب الحديث في " الزوائد ": " عبد الواحد ضعيف جدا ". وقال في " مجمع الزوائد " (10 / 293) : " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في " الأوسط "، رجال أبي يعلى ثقات، وفي بعضهم خلاف ".

كذا قال! وقد عرفت أن رجال أبي يعلى هم رجال البزار ولا فرق إلا في روايته الأخرى، فقد جعل عبد الواحد شيخه فيها فرقدا السبخي مكان أسلم الكوفي في الرواية الأولى، ومدار الروايتين على عبد الواحد وهو ممن لا خلاف في ضعفه، اللهم إلا عند ابن حبان فإنه مع إيراده إياه في " الضعفاء " وقال فيه: " كان ممن يغلب عليه العبادة حتى غفل عن الإتقان فكثرت المناكير في روايته فبطل الاحتجاج به ". ثم ساق له هذا الحديث. أقول: فهو مع ذلك كله أورده في " الثقات " أيضا! قال الحافظ: " فما أجاد ". أقول: فما أظن أن هذا هو البعض الذي قال الهيثمي: " فيه خلاف " . نعم، يمكن أن يكون قصد به فرقدا، فإن فيه خلافا للجمهور من ابن معين ونحوه ، فإنهم ضعفوه، إلا ابن معين في رواية. وهب أن الراجح أنه ثقة فما فائدة ذلك والراوي عنه هو عبد الواحد بن زيد؟! (تنبيه) : لفظ الحديث عند الحاكم وهو رواية لابن عدي: " كل لحم نبت من السحت فالنار أولى به ". قلت: ونحو ما تقدم عن الهيثمي قول المنذري (3 / 15) : " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في " الأوسط " والبيهقي، وبعض أسانيدهم حسن ". قلت: فلعل التحسين المذكور هو بالنسبة لإسناد " الأوسط " والبيهقي، فإني لست أطولهما.

ثم رأيت الحديث عند البيهقي في " شعب الإيمان "، فإذا هو عنده (2 / 173 / 2) من طريق عبد الواحد بن زيد عن أسلم الكوفي به! فلم يبق إلا النظر في إسناد " الأوسط "، وما أظنه إلا من هذا الوجه، فأرجو أن ييسر لي الوقوف عليه. لكن الحديث عندي صحيح، فإن له شواهد، أقواها حديث جابر بن عبد الله يرويه عنه عبد الرحمن بن سابط: حدثني جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا كعب بن عجرة! إنه لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت، النار أولى به. يا كعب بن عجرة ... " الحديث. أخرجه الدارمي (2 / 318) وابن حبان (1569 و1570) والحاكم (4 / 127) والبيهقي في " الشعب " (2 / 173 / 2) والسياق له، ولأحمد (3 / 399 و 321) عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عنه. قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، وقد صرح ابن سابط فيه بسماعه إياه من جابر، ففيه رد لما جاء في ترجمته عن ابن معين أنه قال: لم يسمع منه. وله طريقان آخران عن جابر. أحدهما عند البيهقي، والآخر عند الترمذي (1 / 119) وقال: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". ثم وقفت على إسناده في " المعجم الأوسط " (2 / 65 / 1) فإذا هو فيه كما في " الشعب "!

2610

2610 - " من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل، فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل ". أخرجه مسلم (2 / 174 - 175) وأبو عوانة (2 / 317) والترمذي (456) وابن ماجه (1 / 360) وكذا عبد الرزاق في " المصنف " (4623) وابن نصر في " قيام الليل " (ص 116) وابن الجارود في " المنتقى " (269) وابن خزيمة (1086) والبيهقي (3 / 35) وأحمد (3 / 389) من طريق عبد الرزاق، كلهم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وتابعه أبو الزبير عن جابر به نحوه. أخرجه مسلم وأبو عوانة والبيهقي من طريق معقل بن عبيد الله عنه به. وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرا عن الرجل يوتر عشاء ثم يرقد؟ قال جابر: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 348) . 2611 - " 1 - أيما امرئ مسلم أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوا منه، 2 - وأيما امرئ مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو فيهما عضوا منه. 3 - وأيما امرأة مسلمة أعتقت امراة مسلمة كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوا منها ". أخرجه الترمذي (1 / 292) من طريق عمران بن عيينة - هو أخو سفيان -

عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". ثم قال: " وفي الحديث ما يدل على أن عتق الذكور للرجال أفضل من عتق الإناث لقوله صلى الله عليه وسلم: من أعتق امرأ مسلما كان فكاكه من النار ، يجزي كل عضو منه عضوا منه. الحديث صح في طرقه ". قلت: لكن مدار جل طرقه على سالم بن أبي الجعد، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه: الأول: هذا، جعله من مسند أبي أمامة، وقد تفرد به عمران بن عيينة، وفيه كلام من قبل حفظه، وقد أشار لذلك الحافظ بقوله: " صدوق له أوهام ". فتصحيح حديثه غير مقبول، وحسبه التحسين إذا لم يخالف. الثاني: قال أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1198) : حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال: سمعت سالم بن أبي الجعد عن شرحبيل بن السمط قال: قيل لكعب بن مرة أو مرة بن كعب البهزي: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لله أبوك، واحذر، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. ومن طريق الطيالسي أخرجه البيهقي (10 / 272) . وأخرجه أبو داود في " سننه " (3967) والطحاوي في " المشكل " (1 / 312) وأحمد (4 / 235) وعبد بن حميد في " المنتخب " (ق 56 - 57) من طرق أخرى عن شعبة به. وعزاه الحافظ في " الفتح " (5 / 104) للنسائي، وقال: " إسناده صحيح، ومثله للترمذي من حديث أبي أمامة، وللطبراني من حديث عبد الرحمن بن عوف، ورجاله ثقات ".

قلت: لم أره في " صغرى النسائي " فلعله في " الكبرى " له، وفي توثيق رجال الطبراني نظر يأتي بيانه. وكذا في قوله: " إسناده صحيح "، إذا كان إسناده من الوجه المذكور، فقد أعله أبو داود عقب إخراجه إياه بالانقطاع، فقال: " سالم لم يسمع من شرحبيل، مات شرحبيل بـ ( صفين) ". ثم رأيته في " كبرى النسائي " (3 / 170 / 4883) من هذا الوجه. وقد نقل الحافظ في " التهذيب " وفاته بصفين عن أبي داود، لكنه ذكر قبيله عن صاحب " تاريخ حمص " أنه توفي بـ (سلمية) سنة (36) . وعن يزيد بن عبد ربه: أنه مات سنة (40) وهذا أكثر ما قيل في وفاته، وهو الذي اعتمده ابن الأثير في " أسد الغابة " فلم يذكر غيره. وإذا كان كذلك، وكان معلوما أن عليا رضي الله عنه توفي سنة (40) أيضا، فإنه يؤيد الانقطاع الذي قاله أبو داود ما نقله الحافظ أيضا في ترجمة سالم بن أبي الجعد عن أبي زرعة أنه قال: " سالم بن أبي الجعد عن عمر، وعثمان، وعلي، مرسل ". وكذلك يؤيده ما نقله عن أبي حاتم أنه قال: " سالم لم يدرك ثوبان ". مع أن ثوبان تأخرت وفاته إلى سنة (54 ) . وبالجملة فالإسناد منقطع، فتصحيح الحافظ له هفوة منه، عفا الله عنا وعنه. هذا، وقد تابع شعبة الأعمش، فقال أحمد (4 / 235) : حدثنا أبو معاوية : حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة به، إلا أنه لم يذكر الفقرة الثالثة من حديث الترجمة. وكذلك أخرجه ابن ماجه (2522) والطحاوي (1 / 311) من طريق أخرى عن أبي معاوية. وقد تابعه سليم بن عامر عن شرحبيل بالفقرة الأولى، وقد سبق تخريجه برقم (1756) وأخرجه النسائي (4885) .

وله متابع آخر ذكرته هناك. الثالث: قال قتادة: عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة اليعمري عن أبي نجيح السلمي مرفوعا به. إلا أنه لم يذكر الفقرة الثانية منه. أخرجه أبو داود (3965) والنسائي في " الكبرى " (3 / 169 / 4879) والطحاوي (1 / 312 ) والطيالسي (1154) وعنه البيهقي، وأحمد (4 / 113 و 384) عن هشام بن أبي عبد الله عنه. وتابعه عبد الصمد عن قتادة به. وأبو نجيح اسمه عمرو بن عبسة رضي الله عنه. أخرجه ابن حبان (1208) . قلت: وهذا إسناد متصل صحيح على شرط مسلم، وهذا الوجه هو الأصح من كل الوجوه المتقدمة إن شاء الله تعالى . وللفقرة الأولى والثانية شاهد من حديث أيوب عن أبي قلابة أن شرحبيل بن حسنة قال: هل من رجل يحدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال عمرو بن عبسة: أنا. قال: اتق الله واحذر. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكرهما. إلا أنه قال في الفقرة الثانية: " ومن أعتق رقبتين فهما فداؤه.. " . قال أيوب: فحسبته يعني امرأتين. أخرجه الطحاوي (1 / 313) . قلت: وإسناده صحيح إن سلم من تدليس أبي قلابة، وما قاله أيوب تؤيده الروايات السابقة، فإنها صريحة في ذلك. والله أعلم. وللحديث شاهد بفقراته الثلاثة من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعا. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 16 / 2) : حدثنا عمرو بن

إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي: حدثني جدي إبراهيم بن العلاء: حدثني عمي الحارث بن الضحاك: حدثني منصور بن المعتمر قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا به في حديث له أوله: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الليل أسمع؟ ... " . قال المنذري (3 / 62) : " رواه الطبراني، ولا بأس برواته، إلا أن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يسمع من أبيه ". ونحوه قول الهيثمي (4 / 243) : " رواه الطبراني، وأبو سلمة لم يسمع من أبيه، وبقية رجاله حديثهم حسن ". ودونه قول الحافظ المتقدم: " ورجاله ثقات "! قلت: وفي ذلك نظر من وجوه: 1 - الانقطاع الذي صرح به المنذري ثم الهيثمي، وقد نقله الحافظ في " التهذيب " عن جمع من الأئمة المتقدمين كأحمد وغيره. 2 - الحارث بن الضحاك لم أعرفه، ولم أجد أحدا ترجم له، حتى ابن عساكر في " تاريخ دمشق "، بل ولم يذكره هو، ولا المزي في شيوخ ابن أخيه إبراهيم بن العلاء بن الضحاك. 3 - عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء، لم أجد له ترجمة أيضا، ولا في " التاريخ "، وإنما ذكره في جملة الرواة عن جده إبراهيم بن العلاء.

2612

وفي الحديث فضيلة عتق العبيد، وتفضيل عتق الذكر على عتق الأنثى، وقد بين وجه ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح "، فليراجعه من شاء. نسأل الله تعالى أن يأتي يوم يتمكن فيه المسلمون من القيام بهذه الفضيلة، ولن يكون ذلك إلا بعد أن يعودوا إلى دينهم، فهما سليما وعملا صحيحا، وبذلك يستأنفون الحياة الإسلامية، وتقوم لهم دولتهم المنشودة ، وعسى أن يكون ذلك قريبا. 2612 - " انظري أين أنت منه (يعني الزوج) ، فإنه جنتك ونارك ". أخرجه النسائي في " الكبرى " (ق 86 / 2 - عشرة النساء) وأحمد (4 / 341 و 6 / 419) والحميدي (355) وعنه الحاكم (2 / 189) وعن هذا البيهقي (7 / 291) وابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 47 / 1) والطبراني في " الأوسط " ( 1 / 170 / 1) من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن بشير بن يسار أخبره أن حصين بن محصن أخبره عن عمة له أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض الحاجة، فقضى حاجتها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح، ولم يخرجاه " . ووافقه الذهبي، وأقره المنذري (3 / 74) . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير حصين بن محصن، ذكره ابن حبان في " ثقات التابعين "، لكن ذكره جمع في " الصحابة "، وكأن الحافظ مال إلى ذلك فقال في " التقريب ": " معدود في الصحابة ".

2613

2613 - " الإثم حواز القلوب، وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع ". موقوف. أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 126 / 2) من طريق سعيد بن منصور: حدثنا سفيان عن منصور عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه قال: قال عبد الله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عبد الرحمن بن يزيد - وهو النخعي الكوفي - وهو ثقة اتفاقا، لكن أعل بالوقف، فقال المنذري (3 / 65) : " رواه البيهقي وغيره، ورواته لا أعلم فيهم مجروحا، لكن قيل: إن صوابه موقوف ". وقال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 32) : بعد ما عزاه للبيهقي من حديث ابن مسعود: " ورواه العدني في " مسنده " موقوفا عليه ". قلت : وكذلك رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 8748) : حدثنا محمد بن النضر الأزدي: أخبرنا معاوية بن عمرو أخبرنا زائدة عن منصور به موقوفا، ولفظه: " إن الإثم حواز القلوب، فما حز في قلب أحدكم شيء فليدعه ". ثم رواه بالإسناد نفسه موقوفا، إلا أنه جعل الأعمش مكان زائدة، ولفظه لفظ الترجمة، إلا أنه قدم وأخر. قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا، فإن محمد بن النضر الأزدي هو محمد بن أحمد بن النضر الأزدي، وقد وثقه عبد الله بن أحمد ومحمد بن عبدوس كما في ترجمته من " التاريخ " (1 / 364) واللذان فوقه ثقتان من رجال الشيخين ،

وزائدة هو ابن قدامة، فقد اختلف هو وسفيان - وهو ابن عيينة - في إسناده على منصور - وهو ابن المعتمر الكوفي - فأوقفه زائدة، ورفعه سفيان، والرفع زيادة من ثقة وهي مقبولة، وما لم يأت متابع لزائدة على وقفه فلا يسعني إلا أن أرجح الرفع، وكأن المنذري أشار إلى ذلك بقوله: " قيل: إن صوابه موقوف " . والله أعلم. والحديث عزاه في " الجامع الكبير " (1 / 320) لسعيد بن منصور والبيهقي في " شعب الإيمان " عن عبد الله - أظنه ابن مسعود -. قلت: والظاهر أن هذا الظن من السيوطي، لا مبرر له، فهو ابن مسعود يقينا، لأن عبد الرحمن بن يزيد - وهو النخعي - معروف بالرواية عنه دون غيره من العبادلة. ثم ترجح عندي الوقف حينما رأيت هنادا يقول في " الزهد " (2 / 465 / 934) : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي الأحوص قال: قال عبد الله: فذكره موقوفا. قلت: وهذا إسناد صحيح، ومتابعة قوية من الأعمش لمنصور، وإن اختلفا في الراوي عن ابن مسعود، فقال الأول: إنه عبد الرحمن بن يزيد، وقال الأعمش: أبو الأحوص، واسمه عوف بن مالك. ولا مانع من أن يكون لمحمد بن عبد الرحمن بن يزيد شيخان فيه. ويؤيده أن زائدة رواه أيضا عن الأعمش مثل رواية أبي معاوية. أخرجه الطبراني (رقم 8749) . وكذلك رواه أبو يحيى الحماني عن حبيب بن حسان (الأصل: سنان) الأسدي قال: سمعت أبا وائل يقول: ...

2614

أخرجه البيهقي (7277) . لكن حبيب بن حسان هذا متروك فلا يشتغل به. (تنبيه) : " حواز " أو " حواز " بتشديد الزاي أو الواو. قال ابن الأثير: " هي الأمور التي تحز فيها، أي تؤثر، كما يؤثر الحز في الشيء، وهو ما يخطر فيها من أن تكون معاصي لفقد الطمأنينة إليها، وهي بتشديد الزاي، جمع حاز. ورواه شمر: " الإثم حواز القلوب " بتشديد الواو، أي يحوزها ويتملكها، ويغلب عليها، ويروى " الإثم حزاز القلوب " بزايين، الأولى مشددة، وهي فعال من الحز ". 2614 - " من أقال أخاه بيعا أقال الله عثرته يوم القيامة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 140 / 2) : حدثنا أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا سعيد بن سليمان عن شريك عن عبد الملك بن أبي بشير عن أبي شريح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " لم يروه عن عبد الملك إلا شريك ". قلت: وهو ابن عبد الله القاضي، وهو صدوق لكنه سيىء الحفظ، وسائر رواته كلهم ثقات، إلا أنه منقطع، فإن عبد الملك بن أبي بشير إنما روايته عن التابعين. وسعيد بن سليمان هو الضبي الواسطي. والحلواني له ترجمة في " تاريخ بغداد "، وأبو شريح هو الخزاعي الكعبي اسمه خويلد بن عمرو على المشهور ، وهو صحابي معروف أسلم يوم الفتح.

2615

وللحديث شاهد يتقوى به من حديث أبي هريرة ، صححه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وهو مخرج في " المشكاة " (2881) و " الإرواء " (1334) وغيرهما. 2615 - " نعم وعليك بالماء ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 95 / 1) : حدثنا موسى بن هارون حدثنا محمد ابن أبي عمر العدني حدثنا مروان بن معاوية عن حميد الطويل عن أنس: أن سعدا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي توفيت ولم توص أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال، فذكره. وقال: " قال موسى: وهم فيه مروان بمكة، وإنما هو: " عن حميد عن الحسن " يعني مرسلا ". قلت: مروان هذا ثقة اتفاقا، بل تعجب الإمام أحمد من إتقانه وحفظه فقال: " ما كان أحفظه! "، واحتج به الشيخان، فمثله لا يوهم بمجرد الدعوى. ولذلك لم يلتفت إلى هذا الإعلال الحافظان المنذري في " الترغيب " (2 / 53) والهيثمي في " المجمع " ( 3 / 138) ، فقالا: " رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته محتج بهم في ( الصحيح) ". وأقول: لو جاز لنا التوهيم بالظن لكان نسبة الوهم إلى العدني أولى، وهو محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، فقد تكلم فيه بعضهم، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، صنف المسند، لكن قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة ".

2616

2616 - " كانوا يصلون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: " سمع الله لمن حمده " لم يزالوا قياما حتى يروه قد وضع وجهه (وفي لفظ: جبهته) في الأرض، ثم يتبعونه ". أخرجه مسلم (2 / 46) وأبو داود (622) وعنه أبو عوانة (2 / 179) والطبراني في " الأوسط " (2 / 295 / 1 - 2) من طرق عن أبي إسحاق الفزاري عن أبي إسحاق الشيباني، حدثنا محارب بن دثار قال: سمعت عبد الله بن يزيد يقول على المنبر: حدثني البراء بن عازب - وكان ما علمت غير كذوب - أنهم كانوا ... إلخ واللفظ الآخر لأبي داود، والسياق للطبراني، وقال: " لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق الشيباني إلا أبو إسحاق الفزاري ". قلت: وهو إبراهيم بن محمد بن الحارث، إمام ثقة حافظ، له تصانيف، من رجال الشيخين. وأبو إسحاق الشيباني اسمه سليمان بن أبي سليمان ثقة من رجالهما أيضا، فالسند صحيح غاية، وقد تابعه أبو إسحاق السبيعي عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج مع حديث الترجمة عندي في " صحيح أبي داود " (631) . وله فيه طريق أخرى عن البراء ( 632) . وإنما أخرجت الحديث هنا لأمرين: الأول: أن جماهير المصلين يخلون بما تضمنه من التأخر بالسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض، لا أستثني منهم أحدا حتى من كان منهم حريصا

على اتباع السنة، للجهل بها أو الغفلة عنها، إلا من شاء الله، وقليل ما هم. قال النووي رحمه الله في " شرح مسلم ": " في الحديث هذا الأدب من آداب الصلاة، وهو أن السنة أن لا ينحني المأموم للسجود حتى يضع الإمام جبهته على الأرض إلا أن يعلم من حاله أنه لو أخر إلى هذا الحد لرفع الإمام من السجود قبل سجوده. قال أصحابنا رحمهم الله تعالى: في هذا الحديث وغيره ما يقتضي مجموعه أن السنة للمأموم التأخر عن الإمام قليلا بحيث يشرع في الركن بعد شروعه، وقبل فراغه منه ". والآخر: أنني وجدت للحديث مصدرا جديدا لم أكن قد وقفت عليه من قبل، بل كان في حكم المفقود عندي، ألا وهو " المعجم الأوسط " للإمام الطبراني، فأحببت أن أعرف القراء الكرام بذلك بطريق العزو إليه، لعل أحدا منهم ممن يشاركنا في هذا العلم، ويوجد لديه فراغ من الوقت، يسعى إلى تحقيقه، وإخراجه إلى عالم المطبوعات (¬1) ، فإنه غزير المادة جدا، " فيه كل نفيس وعزيز ومنكر " كما قال الذهبي في ترجمته من " التذكرة ". وقد صورته الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ومنها حصلت على نسخة مصورة على الورق في طريقي إلى الحج السنة الماضية (1399) جزى الله القائمين عليها خيرا . وأنا الآن في صدد ترقيم أحاديثه، ووضع فهارس له، وقد انتهيت منها والحمد لله، فكانت أربعة: 1 - فهرس رواتها من الصحابة على الحروف، وعددهم قرابة ستمائة، وبجانب اسم الواحد منهم أرقام أحاديثه، وبذلك يتبين المقل منهم من المكثر. ¬

(¬1) ثم طبع بعد نحو عشر سنوات من كتابة ما تقدم في عشر مجلدات دون أي تخريج أو تحقيق حديثي! . اهـ.

2617

2 - فهرس أسماء رواة الآثار من الصحابة وغيرهم وعددهم نحو الستين، وبجانب الواحد رقم أثره. 3 - فهرس الآثار، وبجانبها أرقامها، وعددها يزيد على المئتين من أصل نحو عشرة آلاف هي مجموع أحاديث الكتاب، وسائرها مرفوعة. 4 - أسماء شيوخ الطبراني، وعددهم قرابة الثمانمئة، وبجانب اسم أحدهم أرقام أحاديثه، وهي تساعد على معرفة المقل منهم من المكثر، وهو مفيد في غير المشهورين منهم. 2617 - " اللهم هذه حجة لا رياء فيها ولا سمعة ". روي من حديث أنس وابن عباس وبشر بن قدامة الضبابي. 1 - أما حديث أنس، فله عنه طريقان: الأولى: من رواية الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان عنه قال: حج رسول الله صلى الله عليه وسلم على رحل رث، وعليه قطيفة لا تساوي أربعة دراهم، فقال: " اللهم اجعله حجا، لا رياء فيه ولا سمعة ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (ص 191) وابن ماجه (2890) وابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 106) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 177) وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 308) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، الربيع بن صبيح قال الحافظ: " صدوق سيىء الحفظ، وكان عابدا مجاهدا ".

ويزيد بن أبان قريب منه، قال الحافظ: " زاهد ضعيف ". ولذلك جزم الحافظ في " الفتح " (3 / 297) بأن إسناده ضعيف. قلت: لكن يقويه ما بعده. والطريق الأخرى: يرويه عليل بن أحمد العنزي: حدثني أبي أحمد بن يزيد بن عليل: أخبرنا أسد بن موسى أخبرنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عنه مرفوعا بلفظ الترجمة. أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ص 271 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، وعنه الضياء المقدسي في " المختارة " (2 / 34 / 2) . قلت: وهذه متابعة قوية من ثابت البناني فإنه ثقة، وكذلك اللذان دونه ، ثلاثتهم من رجال " التهذيب ". لكن أحمد بن يزيد بن عليل لم أجد له ترجمة سوى ما ذكره شارح " القاموس " (ع ل ل) أنه " من شيوخ ابن خزيمة ". وأما ابنه عليل، فقد ذكره ابن حجر في " التبصير " (3 / 966) والحافظ بن ناصر الدين في " التوضيح " (2 / 170 / 1) بروايته عن حرملة وغيره. مات سنة ثلاثمائة. ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، لكن في " الإكمال " (6 / 260) أنه قال: " وكان ثقة صحيح الكتاب ". 2 - وأما حديث ابن عباس، فيرويه أحمد بن محمد بن أبي بزة: محمد بن يزيد بن خنيس: حدثنا ابن جريج عن عطاء عنه قال: غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة من منى، فلما انبعثت به راحلته - وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم - قال: فذكره.

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 119 / 2) وقال: " لم يروه عن ابن جريج إلا محمد بن يزيد، تفرد به أحمد بن أبي بزة ". قلت: قال الذهبي: " هو إمام في القراءة، ثبت فيها، لين الحديث ". ولم يعرفه الهيثمي، فقال (3 / 221) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه أحمد بن محمد بن القاسم بن أبي بزة، ولم أعرفه ". قلت: وهو مترجم في " الميزان "، و " اللسان " (1 / 283 - 284) . 3 - وأما حديث بشر بن قدامة الضبابي، فيرويه محمد بن عبد الله بن الحكم: أبنا سعيد بن بشير القرشي: حدثني عبد الله بن حكيم الكتاني - رجل من أهل اليمن من مواليهم - عنه، قال: أبصرت عيناي حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفات مع الناس، على ناقة له حمراء قصواء، تحته قطيفة بولانية، وهو يقول: (فذكره) ، والناس يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سعيد بن بشير: فسألت عبد الله بن حكيم، فقلت: يا أبا حكيم: وما القصوى؟ قال: أحسبها المبتترة الأذنين، فإن النوق تبتر آذانها لتسمع. أخرجه البيهقي في " سننه " (4 / 332 - 333) والذهبي في " الميزان " في ترجمة القرشي، وقال: " تفرد به ابن عبد الحكم ". قلت: وهو ثقة مصري فقيه حافظ. لكن شيخه القرشي قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 8) عن أبيه:

2618

" شيخ مجهول، وعبد الله بن حكيم مجهول، لا نعرف واحدا منهما ". قلت: لكن القرشي قد أثنى عليه ابن عبد الحكم فقال: " كان يلزم المسجد - وذكر من فضله "، كما في " الضعفاء " للعقيلي (ص 149) وقد أخرج حديثه ابن خزيمة في " صحيحه " كما في الإصابة ". وجملة القول أن الحديث صحيح بهذه الطرق، والحمد لله على توفيقه. 2618 - " نزل الحجر الأسود من الجنة أشد بياضا من الثلج، فسودته خطايا بني آدم ". أخرجه الترمذي (1 / 166) وابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 271 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 155 / 1 - 2) وكذا أحمد (1 / 307 و 329 و373) والخطيب في " التاريخ " (7 / 362) من طرق عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال: " اللبن " مكان " الثلج "، وهو شاذ عندي لمخالفته للفظ الجماعة. وأخرج الطرف الأول منه النسائي في " الصغرى " (2 / 36) و " الكبرى " أيضا (ق 87 / 2) من الوجه المذكور. قلت: ورجال إسناده ثقات رجال البخاري، إلا أن عطاء بن السائب كان اختلط، لكنه لا بأس به في المتابعات والشواهد، فقد أخرجه ابن خزيمة من طريق أبي الجنيد: حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير بلفظ:

" الحجر الأسود ياقوتة بيضاء من يواقيت الجنة، وإنما سودته خطايا المشركين، يبعث يوم القيامة مثل أحد، يشهد لمن استلمه وقبله من أهل الدنيا ". وهذه متابعة قوية من ابن خثيم، لكن في الطريق إليه أبو الجنيد هذا - واسمه الحسين بن خالد - قال ابن معين: " ليس بثقة ". وقال ابن عدي: " عامة حديثه عن الضعفاء ". قلت: شيخه هنا حماد بن سلمة وهو ثقة، وقد رواه جماعة من الثقات عن حماد عن عطاء بن السائب به كما تقدم. أخرجه أحمد وغيره ممن سبق ذكرهم. فهذا يدل على وهم أبي الجنيد على حماد حين رواه عنه عن ابن خثيم خلافا لرواية الجماعة، فروايته منكرة، سندا ومتنا. وللطرف الأول منه شاهد من حديث أنس مرفوعا، بلفظ: " الحجر الأسود من حجارة الجنة ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 275) والطبراني في " الأوسط " (1 / 118 / 1) والبيهقي في " السنن " (5 / 75) من طريق شاذ بن فياض: حدثنا عمر بن إبراهيم عن قتادة عنه. وقال العقيلي معللا: " ويروى عن أنس موقوفا ". وبينه ابن أبي حاتم، فقال في " العلل " (1 / 276) عن أبيه: " أخطأ عمر بن إبراهيم، ورواه شعبة وعمرو بن الحارث المصري عن قتادة عن أنس ، موقوف ".

2619

قلت: أخرجه أحمد (3 / 277) عن شعبة به موقوفا. وإسناده صحيح، وهو في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي، فلا جرم أن الإمام أحمد أودعه " المسند "! وفي معنى سائر الحديث حديث رافع الحجبي سمع عبد الله بن عمرو يرفعه: " إن الركن والمقام من ياقوت الجنة، ولولا ما مسهما من خطايا بني آدم لأضاء ما بين المشرق والمغرب، وما مسهما من ذي عاهة ولا سقم إلا شفي ". أخرجه البيهقي بإسناد جيد، وأخرجه الترمذي وغيره من طريق أخرى مختصرا، وهو مخرج في " المشكاة " (2579) . 2619 - " لولا ما مسه من أنجاس الجاهلية، ما مسه ذو عاهة إلا شفي، وما على الأرض شيء من الجنة غيره ". أخرجه البيهقي في " السنن " (5 / 75) من طريق يوسف بن يعقوب: حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو يرفعه. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات من رجال البخاري غير يوسف بن يعقوب، وهو أبو محمد البصري القاضي، ثقة حافظ، ترجمة الخطيب في " تاريخه " (14 / 310 - 312 ) والذهبي في " تذكرة الحفاظ "، فلولا عنعنة ابن جريج لقلت: إنه إسناد صحيح . لكن له شاهد من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وله عنه ثلاث طرق: الأولى: أخرجها الترمذي وغيره عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عنه بالشطر الأخير منه نحوه، وقد سبق الكلام عليه قبله.

الثانية: رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 118 / 1) و " الكبير " (3 / 117 / 2) وأبو الحجاج الأدمي في " جزء فيه أحاديث عشرة مشايخ " (193 / 2 - 194 / 1) من طريق محمد بن عمران بن أبي يعلى: حدثني أبي عمران بن أبي ليلى عن عطاء عنه بلفظ: " الحجر الأسود من حجارة الجنة، وكان أبيض كالمهاة، وما في الأرض من الجنة غيره، ولولا ما مسه من دنس الجاهلية وما كان منها، ما مسه من ذي عاهة إلا برأ ". وقال الطبراني: " لم يروه عن عطاء إلا ابن أبي ليلى تفرد به عمران عن أبيه ". قلت : واسم أبيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف لسوء حفظه، وبه أعل الحديث الهيثمي (3 / 242) بعد أن عزاه لـ " الكبير " و " الأوسط " ومنه تبين أن قول المنذري في " الترغيب " (2 / 123) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير " بإسناد حسن ". أنه غير حسن. وأخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 118 / 1) : حدثنا محمد بن علي الصائغ حدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا [غوث بن] جابر بن غيلان بن منبه الصنعاني: حدثنا عبد الله بن صفوان عن إدريس بن [ بنت] وهب بن منبه: حدثني وهب بن منبه عن طاووس عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " لولا ما طبع الركن من أنجاس الجاهلية وأرجاسها وأيدي الظلمة والأثمة، لاستشفى به من كان به داء ". وقال:

" لا يروى عن وهب عن طاووس إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحلواني ". قلت: وهو ثقة من شيوخ الشيخين، لكن شيخ شيخه عبد الله بن صفوان ضعيف، أورده العقيلي في " الضعفاء " (ص 209) وروى عن هشام بن يوسف أنه سئل عنه؟ فقال: " كان ضعيفا لم يكن يحفظ الحديث ". ثم ساق له هذا الحديث: حدثناه محمد بن عبد الله الحضرمي قال: حدثنا الحسن بن علي الحلواني به. والزيادتان منه. ثم قال: " وفي هذا الحديث رواية من غير هذا الوجه، فيها لين أيضا ". قلت: وكأنه يشير إلى الرواية التي قبلها. وإدريس ابن بنت وهب ضعيف، وهو من رجال " التهذيب ". وأما غوث بن جابر بن غيلان فقال ابن معين: " لم يكن به بأس " كما في " الجرح والتعديل " (3 / 2 / 58) . وشيخ الطبراني محمد بن علي الصائغ، هو المكي كما في " المعجم الصغير "، ولم أجد له ترجمة. ثم رأيت الذهبي قد وثقه في " السير " (13 / 428) وقد أخرج له في " الأوسط " نحو خمسين حديثا. ثم هو متابع من الحضرمي كما تقدم. وجملة القول: أن رجال الإسناد كلهم معروفون، فيتعجب من الحافظ الهيثمي إذ قال (3 / 243) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه جماعة لم أجد من ترجمهم ". ولعله لم يتح له أن يكتشف السقط الذي في إسناد الطبراني، فخفي عليه أن

2620

شيخ الحلواني هو غوث بن جابر، وشيخ ابن صفوان هو إدريس ابن بنت وهب، ولكن كيف فاته ضعف ابن صفوان نفسه؟! ثم إن مما يزيد الحديث قوة على قوة أن له طريقا أخرى عن ابن عمرو نفسه ذكرته تحت الحديث السابق. 2620 - " ليوشكن رجل أن يتمنى أنه خر من الثريا ولم يلي من أمر الناس شيئا ". أخرجه الحاكم (4 / 91) وأحمد (2 / 377 و 520 و 536) والبزار (2 / 255 / 1643) عن عاصم بن بهدلة عن يزيد بن شريك أن الضحاك بن قيس بعث معه بكسوة إلى مروان بن الحكم، فقال مروان للبواب: انظر من بالباب؟ قال: أبو هريرة، فأذن له، فقال: يا أبا هريرة! حدثنا شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن، للكلام المعروف في عاصم بن بهدلة. نعم هو صحيح بطريق أخرى يرويها هشام بن حسان عن عباد بن أبي علي عن أبي حازم مولى أبي رهم الغفاري عن أبي هريرة مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم وابن حبان (1559) وأحمد (2 / 352 و 521) وغيرهم. وهذا إسناد حسن بما قبله، رجاله ثقات غير أن عبادا هذا لم يوثقه غير ابن حبان، وقد تكلمت عليه في " التعليق الرغيب " (2 / 279) وصححه الحاكم والذهبي، وكذا ابن خزيمة كما في " الفتح " (13 / 169) وأقره.

وله شاهد من حديث عائشة مرفوعا نحوه. أخرجه أبو يعلى (8 / 188 / 4745) والطبراني في " الأوسط " (1 / 239 / 2 / 4037) من طريق عمر بن سعد النصري عن ليث عن مجاهد عن عائشة نحوه. وقال الطبراني: " لم يروه عن ليث إلا عمر بن سعد ". قلت: ضعفه البخاري في " التاريخ " بقوله (2 / 3 / 158) : " لم يصح حديثه ". وأقره الذهبي في " الميزان "، وكذا الحافظ في " اللسان "، إلا أنهما لم ينسباه: النصري، بخلاف البخاري وابن أبي حاتم، فقد نسباه هذه النسبة، فكأن الحافظ ذهل عنها، فزاد عقب هذه الترجمة ترجمة أخرى فقال: " عمر بن سعد النضري " (كذا فيه بالضاد المعجمة!) .. ". ثم ذكر أنه روى عن ليث بن أبي سليم وغيره، وعنه إسماعيل بن موسى الفزاري وموسى بن إسماعيل! وهما اللذان ذكرهما ابن أبي حاتم في ترجمة الأول، وكذا البخاري إلا أنه لم يذكر موسى بن إسماعيل، فأوهم الحافظ أنه غير الأول، وهو هو فاقتضى التنبيه. ثم وقفت على طريق ثالث للحديث عن أبي هريرة أوقفه عليه راويه أبو جمرة قال: أخبرني أبو عبد العزيز عنه نحوه . أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (7181) ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عبد العزيز هذا فهو مجهول كما قال أبو حاتم وغيره. وأما ابن حبان فذكره - على قاعدته - في " الثقات " (5 / 590) وساق له طرف هذا الحديث.

2621

2621 - " ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولا، لا يفكه إلا العدل أو يوبقه الجور ". أخرجه أحمد (2 / 431) وأبو يعلى (4 / 1564) والبيهقي في " السنن " (10 / 96) والطبراني في " الأوسط " (1 / 199 / 1) عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية لأحمد: عن ابن عجلان قال: حدثني سعيد عن أبي هريرة به. وأخرجه البزار (ص 178) بالروايتين. قلت : وهذا إسناد حسن، وقال المنذري (3 / 139) : " رواه أحمد بإسناد جيد رجاله رجال الصحيح "! . قلت: وله طريقان آخران عن أبي هريرة. الأول: عن سعيد بن يسار عنه. أخرجه الدارمي (2 / 240) والبزار بسند صحيح، وأحمد (2 / 431) بسند حسن. والآخر: عن بشر بن سعيد عنه. أخرجه الحاكم (4 / 89) . وله شاهد من حديث أبي أمامة سبق تخريجه برقم (349) . وشاهد آخر من طريق يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعد بن عيادة مرفوعا به، وزاد: " وما من أحد يتعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله عز وجل أجذم ". أخرجه أحمد (5 / 284 و 285) وابنه (5 / 327 - 328) . قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه ثلاث علل: الأولى: الرجل الذي لم يسم، فهو مجهول العين.

الثانية: عيسى بن فائد مجهول أيضا كما قال ابن المديني وغيره. الثالثة: يزيد بن أبي زياد وهو الهاشمي مولاهم، قال الحافظ: " ضعيف، كبر فتغير فصار يتلقن ". ومن ذلك تعلم تساهل المنذري في قوله (3 / 139) وإن تبعه الهيثمي (5 / 65) : " رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال " الصحيح "، إلا الرجل المبهم "! وبيانه أن أحدا من الثلاثة المذكورين ليس من رجال " الصحيح "، اللهم إلا ابن أبي زياد فهو من رجال مسلم، لكنه إنما أخرج له مقرونا بغيره، فتنبه. شاهد ثالث: يرويه عطية العوفي عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا، وزاد: " فإن كان محسنا فكه عدله، وإن كان سيئا زيد غلا إلى غله ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 200 / 1) من طريقين عن عطية، هذا أحدهما، ووقع في الأخرى عنه: حدثني بريدة به. وعطية ضعيف. (فائدة) : لما أخرج البزار طريق سعيد بن يسار المتقدمة، أخرجها من طريق حماد ابن سلمة عن يحيى بن سعيد عنه. ومن طريق عبيد بن عمرو القيسي: حدثنا يحيى بن سعيد عن سعيد عن أبي هريرة، قال البزار عقبه: " هكذا رواه عبيد ، والثقات يروونه عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة. وهو الصواب ". فأقول: ليس هناك خطأ في رواية عبيد حتى تخطأ، كل ما في الأمر أنه لم

2622

ينسب سعيدا إلى أبيه يسار، وهذا يقع كثيرا في الأسانيد، وإنما يمكن أن يخطأ لو قال: سعيد بن أبي سعيد المقبري، فهذه مخالفة ظاهرة، ولكن هذا إنما يصار إليه لو لم يكن ليحيى بن سعيد رواية عن سعيد المقبري، والواقع أن روايته عنه في مسلم، كما أن روايته عن سعيد بن يسار في " الصحيحين "، فليس هناك مانع أن يكون يحيى بن سعيد - وهو الأنصاري الثقة الثبت - قد روى الحديث عن السعيدين عن أبي هريرة! لا شيء يمنع من ذلك، هذا لو كان عبيد القيسي ثقة، ولكني لم أعرفه، وإن كنت أظن أنه أبو عبد الرحمن الذي روى عنه قتيبة، فإنه من هذه الطبقة، وقد وثقه ابن حبان (8 / 430) والله سبحانه وتعالى أعلم. 2622 - " أصبت السنة، قاله عمر لعقبة وقد مسح من الجمعة إلى الجمعة على خفيه وهو مسافر ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 48) والدارقطني في " السنن " (ص 72 ) والحاكم (1 / 180 - 181) وعنه البيهقي في " السنن " (1 / 280) من طريق بشر بن بكر: حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني قال: خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة، فدخلت على عمر بن الخطاب، فقال: متى أولجت خفيك في رجليك؟ قلت: يوم الجمعة، قال: فهل نزعتهما؟ قلت: لا، قال: فذكره. وقال الدارقطني: " وهو صحيح الإسناد ". وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالوا.

وتابعه عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح به مثله. أخرجه الطحاوي والدارقطني والحاكم والبيهقي من طريق المفضل بن فضالة، والدارقطني أيضا (ص 73) وعنه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (رقم 240 - بتحقيقي) عن حيوة، كلاهما عن يزيد بن أبي حبيب: أخبرني عبد الله ابن الحكم البلوي به. لكن البلوي هذا مجهول، ففي " اللسان ": " قال الدارقطني في حاشية السنن: ليس بمشهور. وقال في موضع آخر ليس بالقوي. وقال الجوزقاني في " كتاب الأباطيل " : لا يعرف بعدالة ولا جرح ". وأما يزيد بن أبي حبيب فهو ثقة من رجال الشيخين ، وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه. وأما السند فرواه عنه المفضل وحيوة كما ذكرنا. وتابعهما ابن لهيعة وعمرو ابن الحارث والليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب به، إلا أنهم قالوا: " أصبت ". ولم يذكروا: " السنة ". أخرجه الطحاوي وبقية الأربعة. وخالفهم يحيى بن أيوب فقال: عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح به، فلم يذكر في إسناده " عبد الله بن الحكم البلوي "، وقال: " أصبت السنة ". أخرجه الدارقطني، وعنه الضياء المقدسي (241) . وأما المتن ، فقد تبين من التخريج السابق، وخلاصته أن المفضل وحيوة ويحيى ابن أيوب ثلاثتهم قالوا: " أصبت السنة ".

وخالفهم ابن لهيعة وعمرو بن الحارث والليث بن سعد فقالوا: " أصبت "، لم يقولوا: " السنة ". قلت: ولا شك أن الصواب في إسناده إثبات البلوي فيه لاتفاق الثقات الخمسة عليه كما رأيت. وأما المتن ، فالصواب فيه إثبات لفظ " السنة "، وذلك لأمور: الأول: أن عدد النافين والمثبتين، وإن كان متساويا، فالحكم للمثبتين للقاعدة المعروفة: " زيادة الثقة المقبولة ". الثاني: أن هؤلاء المثبتين كلهم ثقات من رجال الشيخين، بخلاف الأولين، ففيهم ابن لهيعة، وليس من رجالهما على الكلام المعروف فيه. الثالث: أن هناك ثقة آخر أثبت هذه الزيادة وهو موسى بن علي بن رباح كما في الرواية الأولى، ولم يختلف عليه فيها، فهي الراجحة يقينا، حتى لو كان الأرجح رواية الثقات عن يزيد بن أبي حبيب، لأن مدارها على البلوي وقد عرفت أنه مجهول لا يحتج به. وبهذه الجهالة أعله ابن حزم في " المحلى " (2 / 92 - 93) ، فخفي عليه الطريق الأولى فضعف الحديث من أصله فوهم، والظاهر أنه لم يقف عليها، فلا عجب منه، وإنما العجب مما قاله الدارقطني في " العلل "، فإنه بعد أن ذكر هذه الرواية الصحيحة قال: " وتابعه مفضل بن فضالة وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحكم البلوي عن علي بن رباح فقالا فيه: " أصبت السنة "، وخالفهم عمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب والليث بن سعد ، فقالوا فيه: " فقال عمر: أصبت "، ولم يقولوا: " السنة "، وهو المحفوظ " (¬1) . ¬

(¬1) نقلته ملخصا من " الأحاديث المختارة " ومن " نصب الراية " (1 / 180) . ثم رأيته في " علل الدارقطني " (2 / 110 - 111) . اهـ.

قلت: وفيما قاله الدارقطني أخطاء تظهر لكل من تأمل تخريجنا السابق، وهاك بيانها ملخصا: الأول: ذكر ابن لهيعة مع مفضل في جملة من قال: " أصبت السنة "، وإنما هو ممن قال: " أصبت " فقط كما سبق. الثاني: ذكر يحيى بن أيوب مع عمرو والليث اللذين قالا: " أصبت " كما قال ابن لهيعة. والصواب أن يذكره بديل ابن لهيعة، ويذكر هذا بديله هنا. الثالث: قوله: وهو المحفوظ. والصواب العكس كما تقدم تحقيقه. ولعل هذا الخطأ الثالث نشأ من الخطأين الأولين، وهما نشآ من تلخيصه لروايات المختلفين، ومن الملاحظ أنه لما جعل ابن لهيعة مع المفضل وحده، وجعل يحيى ابن أيوب مع عمرو والليث ضعف ذلك الجانب، وقوى هذا الجانب، زد على ذلك أنه نسي أن يجعل مع المفضل حيوة فازداد جانبه ضعفا على ضعف، كما ذهل أن يقرن معهما موسى بن علي، ولولا ذلك لتبين له الصواب إن شاء الله تعالى. والخلاصة: أن الذين قالوا: " أصبت السنة " هم أربعة: 1 - موسى بن علي بن رباح. 2 - المفضل بن فضالة. 3 - حيوة بن شريح. 4 - يحيى بن أيوب. (وكلهم ثقات رجال الشيخين غير موسى بن علي، فمن رجال مسلم وحده) . والذين قالوا: " أصبت " فقط هم ثلاثة: 1 - عبد الله بن لهيعة . 2 - وعمرو بن الحارث. 3 - والليث بن سعد. (وهم من رجال الشيخين غير ابن لهيعة كما تقدم) .

وبهذا يتجلى لك الصواب بإذن الله تعالى، فلا جرم أن صحح الحديث من سبق ذكرهم، وتبعهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في " مجموع الفتاوى " (21 / 178) : " وهو حديث صحيح ". ويمكن أن يلحق بهم البيهقي والنووي وغيرهما ممن أورده ولم يضعفه، بل ساقه معارضا به أحاديث التوقيت التي استدل بها الجمهور، فأجاب عنه البيهقي عقبه بقوله: " وقد روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه التوقيت، فإما أن يكون رجع إليه حين جاءه الثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التوقيت، وإما أن يكون قوله الذي يوافق السنة المشهورة أولى ". ونقله النووي في " المجموع " (1 / 485) وارتضاه. فلو أنهما وجدا مجالا لتضعيفه لاستغنيا بذلك عن التوفيق بينه وبين أحاديث التوقيت بما ذكراه. على أنه يمكن التوفيق بوجه آخر، وهو أن يحمل حديث عمر على الضرورة وتعذر خلعه بسبب الرفقة أو غيره، وإليه ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في بحث طويل له في المسح على الخفين. وهل يشترط أن يكونا غير مخرقين؟ فقال ( 21 / 177) : " فأحاديث التوقيت فيها الأمر بالمسح يوما وليلة، وثلاثة ولياليهن، وليس فيها النهي عن الزيادة إلا بطريق المفهوم، والمفهوم لا عموم له، فإذا كان يخلع بعد الوقت عند إمكان ذلك عمل بهذه الأحاديث، وعلى هذا يحمل حديث عقبة بن عامر لما خرج من دمشق إلى المدينة يبشر الناس بفتح دمشق، ومسح أسبوعا بلا خلع، فقال له عمر: أصبت السنة. وهو حديث صحيح ".

2623

وعمل به شيخ الإسلام في بعض أسفاره، فقال (21 / 215) : " لما ذهبت على البريد، وجد بنا السير، وقد انقضت مدة المسح فلم يمكن النزع والوضوء إلا بالانقطاع عن الرفقة، أو حبسهم على وجه يتضررون بالوقوف، فغلب على ظني عدم التوقيت عند الحاجة كما قلنا في الجبيرة، ونزلت حديث عمر وقوله لعقبة بن عامر: " أصبت السنة " على هذا توفيقا بين الآثار، ثم رأيته مصرحا به في " مغازي ابن عائذ " أنه كان قد ذهب على البريد - كما ذهبت - لما فتحت دمشق ... فحمدت الله على الموافقة، (قال) : وهي مسألة نافعة جدا ". قلت: ولقد صدق رحمه الله، وهي من نوادر فقهه جزاه الله عنا خير الجزاء، وقد نقل الشيخ علاء الدين المرادي في كتابه " الإنصاف " (1 / 176) عن شيخ الإسلام أنه قال في " الاختيارات ": " لا تتوقف مدة المسح في المسافر الذي يشق (عليه) اشتغاله بالخلع واللبس، كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين ". وأقره. وهو في " الاختيارات " (ص 15) المفردة. 2623 - " ومن أمرك أن تعذب نفسك؟! صم شهر الصبر، ومن كل شهر يوما. قلت: زدني. قال: صم شهر الصبر، ومن كل شهر يومين. قلت: زدني أجد قوة. قال: صم شهر الصبر ومن كل شهر ثلاثة أيام ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (4 / 1 / 238 - 239) والطيالسي في " مسنده " (31) والطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 194 / رقم 435) عن حماد ابن يزيد بن مسلم: حدثنا معاوية بن قرة عن كهمس الهلالي قال:

أسلمت ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بإسلامي، فمكثت حولا وقد ضمرت ونحل جسمي [ثم أتيته] ، فخفض في البصر ثم رفعه، قلت: أما تعرفني؟ قال: ومن أنت؟ قلت: أنا كهمس الهلالي. قال: فما بلغ بك ما أرى؟ قلت: ما أفطرت بعدك نهارا، ولا نمت ليلا، فقال: ... فذكره. وأورده الحافظ في " المطالب العالية " (1 / 303 / 1036) من رواية الطيالسي وسكت عليه، وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 197) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه حماد بن يزيد المنقري، (قلت: وفي " الجرح " المقرىء) ولم أجد من ذكره ". قلت: وقد فاته أن البخاري ذكره في " التاريخ " (2 / 1 / 20) وكناه بأبي يزيد البصري، وقال: " سمع معاوية بن قرة، سمع منه موسى، وسمع أباه ومحمد بن سيرين ". وكذا ذكره أيضا ابن أبي حاتم (1 / 2 / 151) وزاد في شيوخه: بكر بن عبد الله المزني ومخلد بن عقبة بن شرحبيل الجعفي. وفي الرواة عنه: يونس بن محمد ، ومسلم بن إبراهيم، ومحمد بن عون الزيادي، وطالوت بن عباد الجحدري. وينبغي أن يزاد فيهم: أبو داود الطيالسي، فإنه قد روى عنه هذا الحديث، وذكره ابن حبان أيضا في " الثقات " (2 / 62 - مخطوطة الظاهرية) وعلى هامشه بخط بعض المحدثين: " وذكره البزار، وقال: ليس به بأس ". وللحديث شاهد من حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها بهذه القصة، وفي آخره زيادة أوردته من أجلها في " ضعيف أبي داود " برقم (419) .

2624

وعند الطيالسي في هذا الحديث قصة، وفي آخرها حديث آخر أخرجه الضياء في " المختارة " برقم (258 و 259) من طريق الطيالسي وغيره. 2624 - " أذن في قومك أو في الناس يوم عاشوراء: من [كان] أكل فليصم بقية يومه [إلى الليل] ، ومن لم يكن أكل فليصم ". ورد من حديث سلمة بن الأكوع والربيع بنت معوذ ومحمد بن صيفي وهند بن أسماء وأبي هريرة وعبد الله بن عباس ورجال لم يسموا من أسلم ومعبد القرشي ومحمد بن سيرين مرسلا. 1 - أما حديث سلمة، فقال أحمد (4 / 50) : حدثنا يحيى بن سعيد عن يزيد بن عبيد قال: حدثنا سلمة بن الأكوع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم: فذكره. وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين، ويحيى بن سعيد هو القطان ومن طريقه أخرجه البخاري (13 / 205 - 206) والنسائي (1 / 319) وفي " الكبرى " (ق 22 / 1) وابن خزيمة (2092) ، ثم أخرجه البخاري (4 / 113 - 114 و 201) ومسلم (3 / 151 - 152) والدارمي (2 / 22 ) والبيهقي (4 / 220 و 288) وأحمد (4 / 47، 48) وابن حبان (5 / 252 / 3610) من طرق أخرى عن يزيد بن عبيد به. وإسناد أحمد والدارمي والبخاري ثلاثي أيضا والزيادة الأولى لأحمد، والأخرى لمسلم. 2 - وأما حديث الربيع، فقالت: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائما فليتم صومه، ومن كان

أصبح مفطرا فليتم بقية يومه. قالت: فكنا نصومه بعد ذلك، ونصوم صبياننا الصغار، ونجعل لهم اللعبة من العهن، ونذهب بهم إلى المسجد، فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار. أخرجه البخاري (4 / 163) ومسلم (3 / 152) وابن خزيمة (2088) والطحاوي (1 / 336) وابن حبان (3611) والبيهقي (4 / 288) وأحمد (6 / 359) . 3 - وأما حديث محمد بن صيفي، فقال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: أمنكم أحد طعم اليوم؟ فقلنا: منا من طعم، ومنا من لم يطعم. قال: فقال: فأتموا بقية يومكم من كان طعم ومن لم يطعم، وأرسلوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم. يعني أهل العروض حول المدينة. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 54 - 55) وعنه ابن ماجه (1 / 528 - 529) وابن خزيمة (2091) وابن حبان (932 - موارد) وأحمد (4 / 488) من طريق حصين عن الشعبي عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال البوصيري في " الزوائد " (110 / 1) . 4 - وأما حديث هند بن أسماء، فيرويه محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد عن حبيب بن هند بن أسماء الأسلمي عنه قال: " بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم فقال: مر قومك فليصوموا هذا اليوم يوم عاشوراء، فمن وجدته منهم قد أكل في أول يومه فليصم آخره ". أخرجه أحمد (3 / 484) والطحاوي (1 / 335 - 336) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون، غير حبيب بن هند،

ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 2 / 110) برواية ثقتين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 38 - هندية) . وفي رواية لأحمد من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن يحيى بن هند بن حارثة - وكان هند من أصحاب الحديبية - وأخوه الذي بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر قومه بصيام عاشوراء - وهو أسماء بن حارثة - فحدثني يحيى بن هند عن أسماء بن حارثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه، فقال: مر قومك بصيام هذا اليوم ... " الحديث نحوه. لكن يحيى بن هند هذا لا يعرف إلا برواية ابن حرملة هذا، وبها ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 194 - 195) ولم يحك فيه جرحا ولا تعديلا، وأما ابن حبان فأورده أيضا في " الثقات " (3 / 287) . وقال في ترجمة حبيب بن هند بن أسماء المتقدم: " كأنهما أخوان إن شاء الله ". وقال الحافظ في التوفيق بين روايتيهما: " قلت: فيحتمل أن يكون كل من أسماء وولده هند أرسلا بذلك، ويحتمل أن يكون أطلق في الرواية الأولى على الجد اسم الأب، فيكون الحديث من رواية حبيب بن هند عن جد أسماء، فتتحد الروايتان. والله أعلم ". قلت: التوفيق فرع التصحيح، وما أرى أن الرواية الأخرى ثابتة، لما عرفت من حال راويها يحيى بن هند. والله أعلم. ثم رأيت رواية سعيد بن حرملة في " صحيح ابن حبان " (5 / 252 / 3609 - الإحسان) من طريق سهل بن بكار قال: حدثنا وهيب عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أسماء بن حارثة به.

وهذا سند جيد، يدل على أن له أصلا عن أسماء، ولعل ابن حرملة كان له عنه إسنادان، فتارة يرويه عن يحيى بن هند، وتارة عن ابن المسيب.. والله أعلم. 5 - وأما حديث أبي هريرة فيرويه حبيب بن عبد الله عن شبيل عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم صائما يوم عاشوراء فقال لأصحابه: " من كان أصبح منكم صائما فليتم صومه، ومن كان أصاب من غداء أهله فليتم بقية يومه ". أخرجه أحمد (2 / 359) . ورجاله موثقون غير حبيب بن عبد الله وهو الأزدي اليحمدي، وهو مجهول. 6 - وأما حديث ابن عباس فيرويه جابر عن عكرمة عنه قال: " أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل قرية على رأس أربعة فراسخ - أو قال فرسخين - يوم عاشوراء فأمر من أكل أن لا يأكل بقية يومه، ومن لم يأكل أن يتم صومه ". أخرجه أحمد (1 / 232) . وجابر هو ابن يزيد الجعفي، وهو ضعيف. 7 - وأما حديث الرجال الأسلميين، فيرويه ابن شهاب عن ابن سندر عن رجال منهم [من أسلم] (¬1) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أسلم: ... فذكره نحو الحديث الأول. أخرجه النسائي في " الكبرى " (38 / 1) : أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد - يعني - بن موهب قال: حدثني الليث عن عقيل عن ابن شهاب. وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن سندر، وقد جزم الحافظ في " باب من ¬

(¬1) زيادة من " تهذيب التهذيب ". اهـ.

نسب إلى أبيه ... " من " التقريب " أنه عبد الله. ثم لم يترجم له في الأسماء، وهو تابع في ذلك لابن أبي حاتم، فقد قال في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 320) : " سندر أبو الأسود، له صحبة، روى عنه عبد الله بن سندر ". والشطر الأول منه في " التاريخ " للبخاري (2 / 2 / 210) وزاد: " كناه عثمان بن صالح، وروى الزهري عن سندر بن أبي سندر عن أبيه ". ونقله هكذا في " الإصابة "، وذكر فيه أن له ابنا آخر يدعى مسروحا. ويزيد بن موهب هو ابن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الرملي. وأحمد بن إبراهيم هو أبو عبد الملك القرشي البسري الدمشقي. وقد خالف معمر عقيلا فأرسله، أخرجه عبد الرزاق (7834) قال: أخبرنا معمر عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة قال لرجل من أسلم: فذكره. 8 - وأما حديث معبد القرشي، فقال عبد الرزاق (7835) : عن إسرائيل عن سماك ابن حرب عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بـ (قديد) فأتاه رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه. وعن عبد الرزاق أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 342 / 803 ) . قلت: وهذا إسناد جيد، وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 187) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". 9 - وأما مرسل ابن سيرين، فقال ابن أبي شيبة (3 / 57) : حدثنا ابن علية عن أيوب عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا من أسلم يوم عاشوراء ... الحديث

وإسناده صحيح مرسل. ورواه عبد الرزاق (7852) عن عطاء مرسلا. وفي الباب أحاديث أخرى خرجها الهيثمي في " مجمع الزوائد "، فمن شاء المزيد فليرجع إليه، وآخر فيه زيادة منكرة بلفظ: " فأتموا بقية يومكم واقضوه ". وفي إسناده جهالة، ولذلك خرجته في المجلد الحادي عشر من " الضعيفة " برقم (5199) وفي " ضعيف أبي داود " برقم (422) . من فقه الحديث. في هذا الحديث فائدتان هامتان: الأولى: أن صوم يوم عاشوراء كان في أول الأمر فرضا، وذلك ظاهر في الاهتمام به الوارد فيه، والمتمثل في إعلان الأمر بصيامه، والإمساك عن الطعام لمن كان أكل فيه، وأمره بصيام بقية يومه، فإن صوم التطوع لا يتصور فيه إمساك بعد الفطر كما قال ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " (3 / 327) . وهناك أحاديث أخرى تؤكد أنه كان فرضا، وأنه لما فرض صيام شهر رمضان كان هو الفريضة كما في حديث عائشة عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " برقم (2110) . والأخرى: أن من وجب عليه الصوم نهارا، كالمجنون يفيق، والصبي يحتلم، والكافر يسلم، وكمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة، فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب، ولو بعد أن أكلوا أو شربوا، فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "، وهو حديث صحيح كما حققته في " صحيح أبي داود " (2118) . وإلى هذا

الذي أفاده حديث الترجمة ذهب ابن حزم وابن تيمية والشوكاني وغيرهم من المحققين. فإن قيل: الحديث ورد في صوم عاشوراء والدعوى أعم. قلت: نعم، وذلك بجامع الاشتراك في الفريضة، ألست ترى أن الحنفية استدلوا به على جواز صوم رمضان بنية من النهار، مع إمكان النية في الليل طبقا لحديث أبي داود، فالاستدلال به لما قلنا أولى كما لا يخفى على أولي النهى. ولذلك قال المحقق أبو الحسن السندي في حاشيته على " ابن ماجه " (1 / 528 - 529) ما مختصره: " الأحاديث دالة على أن صوم يوم عاشوراء كان فرضا، من جملتها هذا الحديث، فإن هذا الاهتمام يقتضي الافتراض. نعم الافتراض منسوخ بالاتفاق وشهادة الأحاديث على النسخ. واستدل به على جواز صوم الفرض بنية من النهار، لا يقال صوم عاشوراء منسوخ فلا يصح الاستدلال به. لأنا نقول: دل الحديث على شيئين: أحدهما: وجوب صوم عاشوراء. والثاني: أن الصوم واجب في يوم بنية من نهار، والمنسوخ هو الأول، ولا يلزم من نسخه نسخ الثاني، ولا دليل على نسخه أيضا. بقي فيه بحث: وهو أن الحديث يقتضي أن وجوب الصوم عليهم ما كان معلوما من الليل، وإنما علم من النهار، وحينئذ صار اعتبار النية من النهار في حقهم ضروريا، كما إذا شهد الشهود بالهلال يوم الشك، فلا يلزم جواز الصوم بنية من النهار بلا ضرورة " أهـ . قلت: وهذا هو الحق الذي به تجتمع النصوص، وهو خلاصة ما قال ابن حزم رحمه الله في " المحلى " (6 / 166) وقال عقبه: " وبه قال جماعة من السلف كما روينا من طريق ... عبد الكريم الجزري أن

قوما شهدوا على الهلال بعد ما أصبح الناس، فقال عمر بن عبد العزيز: من أكل فليمسك عن الطعام، ومن لم يأكل فليصم بقية يومه ". قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 69) وسنده صحيح على شرط الشيخين. وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في " الاختيارات العلمية " (4 / 63 - الكردي) : " ويصح صوم الفرض بنية النهار إذا لم يعلم وجوبه بالليل، كما إذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار، فإنه يتم بقية يومه ولا يلزمه قضاء وإن كان أكل " وتبعه على ذلك المحقق ابن القيم ، والشوكاني، فمن شاء زيادة بيان وتفصيل فليراجع " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (25 / 109 و 117 - 118) و " زاد المعاد " لابن القيم (1 / 235) و " تهذيب السنن " له (3 / 328) و " نيل الأوطار " للشوكاني (4 / 167) . وإذا تبين ما ذكرنا، فإنه تزول مشكلة كبرى من مشاكل المسلمين اليوم، ألا وهي اختلافهم في إثبات هلال رمضان بسبب اختلاف المطالع، فإن من المعلوم أن الهلال حين يرى في مكان فليس من الممكن أن يرى في كل مكان، كما إذا رؤي في المغرب فإنه لا يمكن أن يرى في المشرق، وإذا كان الراجح عند العلماء أن حديث " صوموا لرؤيته ... " إنما هو على عمومه، وأنه لا يصح تقييده باختلاف المطالع، لأن هذه المطالع غير محدودة ولا معينة، لا شرعا ولا قدرا، فالتقييد بمثله لا يصح، وبناء على ذلك فمن الممكن اليوم تبليغ الرؤية إلى كل البلاد الإسلامية بواسطة الإذاعة ونحوها، وحينئذ فعلى كل من بلغته الرؤية أن يصوم، ولو بلغته قبل غروب الشمس بقليل، ولا قضاء عليه، لأنه قد قام بالواجب في حدود

2625

استطاعته، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والأمر بالقضاء لم يثبت كما سبقت الإشارة إليه، ونرى أن من الواجب على الحكومات الإسلامية أن يوحدوا يوم صيامهم ويوم فطرهم، كما يوحدون يوم حجهم، ولريثما يتفقون على ذلك، فلا نرى لشعوبهم أن يتفرقوا بينهم، فبعضهم يصوم مع دولته، وبعضهم مع الدولة الأخرى، وذلك من باب درء المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى كما هو مقرر في علم الأصول. والله تعالى ولي التوفيق. 2625 - " لو لم تكله لأكلتم منه، ولقام لكم ". أخرجه مسلم (7 / 60) من طريق معقل عن أبي الزبير عن جابر أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال، فذكره. وتابعه ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير به. أخرجه أحمد (3 / 337، 347) من طريقين عنه. وخالفهما حسان بن عبد الله فقال: حدثنا ابن لهيعة: حدثنا يونس ابن يزيد: حدثنا أبو إسحاق عن سعيد بن الحارث عن جده نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج، فأنكحه امرأة، فالتمس شيئا فلم يجده، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي، فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: فذكره إلا أنه قال: " ما عشت " بدل: " ولقام لكم ". أخرجه الحاكم (3 / 246) وعنه البيهقي في " الدلائل " (6 / 114) . وسكت عنه الحاكم والذهبي. وابن لهيعة فيه ضعف من قبل حفظه، وأبو

2626

إسحاق هو السبيعي كما في " الإصابة "، وكان اختلط، مع تدليس له. وسعيد بن الحارث لم أعرفه، فالإسناد مظلم، والأول أقوى لمتابعة معقل لابن لهيعة عليه، لكن فيه عنعنة أبي الزبير، وهو معروف بالتدليس، فلا أدري إذا كان سمعه من جابر أم لا؟ ولعل الحافظ ابن حجر قد ترجح عنده الأول، فقد أورده في " الفتح " (11 / 240) من رواية مسلم هذه ساكتا عليه، أو من أجل شواهد ذكرها قريبا، وبها يتقوى الحديث عندي إن شاء الله تعالى. منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني. أخرجه البخاري (6 / 146 و 11 / 239) ومسلم (8 / 218) وابن ماجه ( 3345) وأحمد (4 / 108) وزاد: " فليتني لم أكن كلته ". وإسنادها جيد. 2626 - " أردف أختك عائشة فأعمرها من التنعيم، فإذا هبطت الأكمة فمرها فلتحرم، فإنها عمرة متقبلة ". أخرجه الحاكم (3 / 477) من طريق داود بن عبد الرحمن العطار: حدثني عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر عن أبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. وسكت عنه. وقال الذهبي : " قلت: سنده قوي ".

قلت: وقد أخرجه أحمد أيضا (1 / 198) : حدثنا داود بن مهران الدباغ: حدثنا داود - يعني العطار - به. وأخرجه أبو داود أيضا وغيره وهو في " صحيح أبي داود " برقم (1569) . وقد أخرجه البخاري (3 / 478 ) ومسلم (4 / 35) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن أبي بكر مختصرا. وكذلك أخرجاه من حديث عائشة نفسها، وفي رواية لهما عنها قالت: فاعتمرت، فقال: " هذه مكان عمرتك ". وفي أخرى: بنحوه قال: " مكان عمرتي التي أدركني الحج ولم أحصل منها ". وفي أخرى: " مكان عمرتي التي أمسكت عنها ". وفي أخرى: " جزاء بعمرة الناس التي اعتمروا ". رواها مسلم. وفي ذلك إشارة إلى سبب أمره صلى الله عليه وسلم لها بهذه العمرة بعد الحج. وبيان ذلك: أنها كانت أهلت بالعمرة في حجتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، إما ابتداء أو فسخا للحج إلى العمرة (على الخلاف المعروف) (¬1) ، فلما قدمت (سرف) . مكان قريب من مكة -، حاضت، فلم تتمكن من إتمام عمرتها والتحلل منها بالطواف حول البيت، لقوله صلى الله عليه وسلم لها - وقد قالت له: إني كنت أهللت بعمرة فكيف أصنع بحجتي؟ قال: - ¬

(¬1) قلت: والأول أرجح، وهو الذي اختاره ابن القيم، ويؤيده قول عائشة في رواية لأحمد (6 / 245) في رواية عنها: " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فنزلنا الشجرة، فقال: من شاء فليهل بعمرة ... قالت: وكنت أنا ممن أهل بعمرة ". فهذا صريح فيما رجحنا، لأن الشجرة شجرة ذي الحليفة ميقات أهل المدينة ومبتدأ الإحرام.

" انقضي رأسك وامتشطي وأمسكي عن العمرة وأهلي بالحج، واصنعي ما يصنع الحاج غير أن لا تطوفي ولا تصلي حتى تطهري. (وفي رواية: فكوني في حجك ، فعسى الله أن يرزقكيها) "، ففعلت، ووقفت المواقف، حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمرة، وقال لها صلى الله عليه وسلم كما في حديث جابر: " قد حللت من حجك وعمرتك جميعا "، فقالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حتى حججت، وذلك يوم النفر، فأبت، وقالت: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر؟ وفي رواية عنها: يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك واحد؟ وفي أخرى : يرجع الناس (وعند أحمد (6 / 219) : صواحبي، وفي أخرى له (6 / 165 و266) : نساؤك) بعمرة وحجة، وأرجع أنا بحجة؟ وكان صلى الله عليه وسلم رجلا سهلا إذا هويت الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع أخيها عبد الرحمن، فأهلت بعمرة من التنعيم (¬1) . فقد تبين مما ذكرنا من هذه الروايات - وكلها صحيحة - أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرها بالعمرة عقب الحج بديل ما فاتها من عمرة التمتع بسبب حيضها، ولذلك قال العلماء في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم المتقدم: " هذه مكان عمرتك " أي: العمرة المنفردة التي حصل لغيرها التحلل منها بمكة، ثم أنشأوا الحج مفردا (¬2) . إذا عرفت هذا، ظهر لك جليا أن هذه العمرة خاصة بالحائض التي لم تتمكن من إتمام عمرة الحج، فلا تشرع لغيرها من النساء الطاهرات، فضلا عن الرجال. ومن هنا يظهر السر في إعراض السلف عنها، وتصريح بعضهم بكراهتها، بل إن عائشة نفسها لم يصح عنها العمل بها، فقد كانت إذا حجت تمكث إلى أن ¬

(¬1) انظر " حجة النبي صلى الله عليه وسلم " (92 / 111 - 114) . (¬2) انظر " زاد المعاد " (1 / 280 - 281) و " فتح الباري ". اهـ.

يهل المحرم ثم تخرج إلى الجحفة فتحرم منها بعمرة، كما في " مجموع الفتاوى " لابن تيمية (26 / 92) . وقد أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (4 / 344) بمعناه عن سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها كانت تعتمر في آخر ذي الحجة من الجحفة. وإسناده صحيح. وأما ما رواه مسلم (4 / 36) من طريق مطر: قال أبو الزبير: فكانت عائشة إذا حجت صنعت كما صنعت مع نبي الله صلى الله عليه وسلم. ففي ثبوته نظر، لأن مطرا هذا هو الوراق فيه ضعف من قبل حفظه، لاسيما وقد خالفه الليث بن سعد وابن جريج كلاهما عن أبي الزبير عن جابر بقصة عائشة، ولم يذكرا فيها هذا الذي رواه مطر، فهو شاذ أو منكر، فإن صح ذلك فينبغي أن يحمل على ما رواه سعيد بن المسيب، ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاختيارات العلمية " (ص 119) : " يكره الخروج من مكة لعمرة تطوع، وذلك بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أصحابه على عهده، لا في رمضان ولا في غيره، ولم يأمر عائشة بها، بل أذن لها بعد المراجعة تطييبا لقلبها، وطوافه بالبيت أفضل من الخروج اتفاقا، ويخرج عند من لم يكرهه على سبيل الجواز ". وهذا خلاصة ما جاء في بعض أجوبته المذكورة في " مجموع الفتاوى " (26 / 252 - 263) ، ثم قال (26 / 264) : " ولهذا كان السلف والأئمة ينهون عن ذلك، فروى سعيد بن منصور في " سننه " عن طاووس - أجل أصحاب ابن عباس - قال: " الذين يعتمرون من

التنعيم ما أدري أيؤجرون عليها أم يعذبون؟ قيل: فلم يعذبون؟ قال: لأنه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء، وإلى أن يجيء من أربعة أميال [يكون] قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ". وأقره الإمام أحمد. وقال عطاء بن السائب: " اعتمرنا بعد الحج، فعاب ذلك علينا سعيد بن جبير ". وقد أجازها آخرون، لكن لم يفعلوها ... ". وقال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " (1 / 243) : " ولم يكن صلى الله عليه وسلم في عمره عمرة واحدة خارجا من مكة كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجا من مكة في تلك المدة أصلا، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها فهي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحد قط إلا عائشة وحدها من بين سائر من كان معه، لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت، فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن ترجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين فإنهن كن متمتعات ولم يحضن ولم يقرن، وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يعمرها من التنعيم تطييبا لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة ولا أحد ممن كان معه " أهـ. قلت: وقد يشكل على نفيه في آخر كلامه، ما في رواية للبخاري (3 / 483 - 484) من طريق أبي نعيم: حدثنا أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة، فذكر القصة -، وفيه: " فدعا عبد الرحمن فقال: اخرج بأختك الحرم فلتهل بعمرة ، ثم افرغا من طوافكما ".

لكن أخرجه مسلم (4 / 31 - 32) من طريق إسحاق بن سليمان عن أفلح به، إلا أنه لم يذكر: " ثم افرغا من طوافكما ". وإنما قال: " ثم لتطف بالبيت ". فأخشى أن يكون تثنية الطواف خطأ من أبي نعيم، فقد وجدت له مخالفا آخر عند أبي داود (1 / 313 - 314) من رواية خالد - وهو الحذاء - عن أفلح به نحو رواية مسلم، فهذه التثنية شاذة في نقدي لمخالفة أبي نعيم وتفرده بها دون إسحاق بن سليمان وخالد الحذاء وهما ثقتان حجتان. ثم وجدت لهما متابعا آخر وهو أبو بكر الحنفي عند البخاري (3 / 328) وأبي داود. ويؤيد ذلك أنها لم ترد لفظا ولا معنى في شيء من طرق الحديث عن عائشة، وما أكثرها في " مسند أحمد " (6 / 43 و 78 و 113 و 122 و 124 و 163 و 165 و 177 و 191 و219 و 233 و 245 و 266 و 273) وبعضها في " صحيح البخاري " (3 / 297 و 324 و464 و 477 - 478 و 482 و 4 / 99 و 8 / 84) ومسلم (4 / 27 - 34) وكذا لم ترد في حديث جابر عند البخاري (3 / 478 - 480) ومسلم (4 / 35 - 36) وأحمد (3 / 309 و 366) وكذلك لم ترد في حديث الترجمة لا من الوجه المذكور أولا، ولا من الطريق الأخرى عند الشيخين وغيرهما. نعم في رواية لأحمد (1 / 198) من طريق ابن أبي نجيح أن أباه حدثه أنه أخبره من سمع عبد الرحمن بن أبي بكر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره نحوه. إلا أنه قال: " فأهلا وأقبلا، وذلك ليلة الصدر "، لكن الواسطة بين أبي نجيح وعبد الرحمن لم يسم، فهو مجهول، فزيادته منكرة، وإن سكت الحافظ في " الفتح " (3 / 479) على زيادته التي في آخره: " وذلك ليلة الصدر "، ولعل ذلك لشواهدها. والله أعلم.

2627

وجملة القول أنه لا يوجد ما ينفي قول ابن القيم المتقدم أنه لم يعتمر بعد الحج أحد ممن كان مع النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة، ولذلك لما نقل كلامه مختصرا الحافظ في " الفتح " لم يتعقبه إلا بقوله (3 / 478) : " وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته "! ومن تأمل ما سقناه من الروايات الصحيحة، وما فيها من بيان سبب أمره صلى الله عليه وسلم إياها بذلك تجلى له يقينا أنه ليس فيه تشريع عام لجميع الحجاج، ولو كان كما توهم الحافظ لبادر الصحابة إلى الإتيان بهذه العمرة في حجته صلى الله عليه وسلم وبعدها، فعدم تعبدهم بها، مع كراهة من نص على كراهتها من السلف كما تقدم لأكبر دليل على عدم شرعيتها. اللهم إلا من أصابها ما أصاب السيدة عائشة رضي الله عنها من المانع من إتمام عمرتها. والله تعالى ولي التوفيق. وإن مما ينبغي التنبه له أن قول ابن القيم المتقدم: " إنما كانت عمره كلها داخلا إلى مكة "، لا ينافيه اعتماره صلى الله عليه وسلم من (الجعرانة) ، كما توهم البعض لأنها كانت مرجعه من الطائف، فنزلها، ثم قسم غنائم حنين بها، ثم اعتمر منها. 2627 - " مررت ليلة أسري بي على موسى فرأيته قائما يصلي في قبره [عند الكثيب الأحمر] ". أخرجه مسلم (7 / 102) والنسائي (1 / 242) وابن حبان (49 - الإحسان) وأحمد (3 / 120) من طرق عن سليمان التيمي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وتابعه ثابت البناني عن أنس به، والزيادة له. أخرجه مسلم والنسائي وابن حبان (50) وأحمد (3 / 148 و 248)

2628

وأبو نعيم في " الحلية " (6 / 253) وابن عساكر في " التاريخ " (17 / 197 / 2) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وسليمان التيمي عن أنس به. وخالفهم معاذ بن خالد قال: أنبأنا حماد بن سلمة عن سليمان التيمي عن ثابت عن أنس به. أخرجه النسائي وأفاد أنه خطأ من معاذ بن خالد فقال عقب الرواية السابقة: " هذا أولى بالصواب عندنا من حديث معاذ بن خالد. والله تعالى أعلم ". ثم أخرجه هو، وأحمد (5 / 59 و 362 و 365) من طرق أخرى عن سليمان عن أنس عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي رواية: سمعت أنسا يقول: أخبرني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: فالظاهر أن أنسا تلقاه عن غيره من الصحابة، فكان تارة يذكره ويسنده، وتارة يرسله ولا يذكره، ولا يضر ذلك في صحة الحديث لأن مراسيل الصحابة حجة، كما هو معلوم. 2628 - " إن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين، فود لو خرجت - يعني نفسه - والله يحب لقاءه، وإن المؤمن يصعد بروحه إلى السماء، فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفهم من أهل الأرض، فإذا قال: تركت فلانا في الدنيا أعجبهم ذلك، وإذا قال: إن فلانا قد مات، قالوا: ما جيء به إلينا. وإن المؤمن يجلس في قبره فيسأل: من ربه؟ فيقول: ربي الله. فيقال: من نبيك؟ فيقول: نبيي محمد صلى الله عليه وسلم. قال: فما دينك؟ قال:

ديني الإسلام. فيفتح له باب في قبره فيقول أو يقال: انظر إلى مجلسك. ثم يرى القبر، فكأنما كانت رقدة. فإذا كان عدوا لله نزل به الموت وعاين ما عاين، فإنه لا يحب أن تخرج روحه أبدا، والله يبغض لقاءه، فإذا جلس في قبره أو أجلس، فيقال له: من ربك ؟ فيقول: لا أدري! فيقال: لا دريت. فيفتح له باب من جهنم، ثم يضرب ضربة تسمع كل دابة إلا الثقلين، ثم يقال له: نم كما ينام المنهوش - فقلت لأبي هريرة: ما المنهوش؟ قال: الذي ينهشه الدواب والحيات - ثم يضيق عليه قبره ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 92 - زوائده) : حدثنا سعيد بن بحر القراطيسي حدثنا الوليد بن القاسم حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة - أحسبه رفعه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وقال البزار: " لا نعلم رواه عن يزيد هكذا إلا الوليد ". قلت: وهو صدوق يخطىء كما في " التقريب "، ومن فوقه من رجال الشيخين، وقال الهيثمي عقبه: " في " الصحيح " بعضه، ورجاله ثقات، خلا شيخ البزار فإني لا أعرفه ". قال الحافظ ابن حجر عقبه: " قلت: هو موثق، ولم يتفرد به ". قلت: له ترجمة في " تاريخ بغداد " (9 / 93) وقال: " وكان ثقة، مات سنة ثلاث وخمسين يعني ومائتين ".

وقال السيوطي في " شرح الصدور " (ص 38) : " سنده صحيح "! وللشطر الأول منه شاهد موقوف من طريق ثور بن يزيد عن أبي رهم السمعي عن أبي أيوب الأنصاري قال: " إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية، قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا، وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك ". أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (443) . قلت: ورجاله ثقات لكنه منقطع بين ثور بن يزيد وأبي رهم. وقد وصله ورفعه سلام الطويل فقال: عن ثور عن خالد بن معدان يعني: عن أبي رهم رفعه. أخرجه ابن صاعد في زوائد " الزهد " (444) ، لكن سلام هذا متروك، لكن ذكره ابن القيم في " الروح " (ص 20) من طريق معاوية بن يحيى عن عبد الله بن سلمة أن أبا رهم السمعي حدثه أن أبا أيوب الأنصاري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره دون تخريج، وقد عزاه في " شرح الصدور " لابن أبي الدنيا والطبراني في " الأوسط "، وسكت عنه، ومعاوية بن يحيى ضعيف. ثم ذكر السيوطي من رواية آدم بن أبي إياس في " تفسيره ": حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن مرفوعا:

2629

" إذا مات العبد تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له: ما فعل فلان؟ ما فعل فلان؟ فإذا قال: مات قبلي، قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية ". قلت: وهذا مرسل ضعيف الإسناد. ثم ذكر آثارا كثيرة بمعناه. وبالجملة فالحديث صحيح كما قال السيوطي بهذه الشواهد والله أعلم. ثم رأيت القرطبي قال في " التذكرة " (ق 40 / 2 - 41 / 1) بعد أن ذكر أثر ابن المبارك المتقدم عن أبي أيوب وغيره من الآثار: " وهذه الأخبار وإن كانت موقوفة فمثلها لا يقال من جهة الرأي، وقد خرج النسائي بسنده عن أبي هريرة ... الحديث، وفيه: " فيأتون به أرواح المؤمنين فلهم أشد فرحا به من أحدكم بغائبه، يقدم عليه فيسألونه: ماذا فعل فلان؟ ماذا فعل فلان؟ فيقولون: دعوه فإنه كان في غم الدنيا.... " الحديث ". قلت: وقد سبق تخريجه برقم (1309) وسيعاد بتوسع برقم (2758) . 2629 - " كان يخرج يهريق الماء، فيتمسح بالتراب، فأقول: يا رسول الله! إن الماء منك قريب؟ فيقول: وما يدريني لعلي لا أبلغه ". أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد " (292) : أخبرنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن حنش عن ابن عباس مرفوعا. وأخرجه أحمد (1 / 288) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 383) من طريق ابن المبارك به. ثم قال (1 / 303) : حدثنا يحيى بن إسحاق وموسى بن داود قالا: حدثنا ابن لهيعة به. وقال الهيثمي (1 / 263) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف ".

قلت: لكن رواية ابن المبارك مع سائر العبادلة عن ابن لهيعة صحيحة عند العلماء كما ذكروا في ترجمته، ولذلك فالإسناد عندي صحيح لأن سائر رجاله ثقات معروفون من رجال مسلم، وحنش هو ابن عبد الله السبائي (¬1) الصنعاني الدمشقي. ولبعضه شاهد من رواية محمد بن سنان القزاز: حدثنا عمرو بن محمد بن أبي رزين: حدثنا هشام بن حسان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم تيمم بموضع يقال له مربد الغنم، وهو يرى بيوت المدينة ". أخرجه الدارقطني (ص 68) والحاكم (1 / 180) وقال: " حديث صحيح تفرد به عمرو بن محمد بن أبي رزين، وهو صدوق، وقد أوقفه يحيى ابن سعيد الأنصاري وغيره عن نافع عن ابن عمر ". قلت: ووافقه الذهبي، وهو مردود من وجهين: الأول: أن ابن أبي رزين هذا فيه كلام من قبل حفظه، أشار إليه الحافظ في " التقريب " بقوله: " صدوق ربما أخطأ ". فإذا خالف الثقات، فلا تطمئن النفس لتصحيح حديثه. والآخر: أن القزاز هذا ضعيف، فتعصيب الخطأ به أولى من تعصيبه بشيخه كما لا يخفى على أهل المعرفة بهذا العلم. ثم أخرجه الحاكم من طريق يحيى بن سعيد عن نافع قال: ¬

(¬1) كذا بالمد، ويقال (السبئي) بالقصر، قال في " تاج العروس ": " وكلاهما صحيح ".

" تيمم ابن عمر على رأس ميل أو ميلين من المدينة فصلى العصر، فقدم والشمس مرتفعة ولم يعد الصلاة ". وأخرجه عبد الرزاق (884) عن الثوري عن محمد ويحيى بن سعيد به. وأخرجه الدارقطني (ص 68) والبيهقي ( 1 / 233) من طريق أخرى عن محمد بن عجلان عن نافع به نحوه. والدارقطني من طريق أخرى عن سفيان: أخبرنا يحيى بن سعيد به. ومالك (1 / 76) وعنه عبد الرزاق (883) عن نافع به نحوه. فهو موقوف صحيح الإسناد، كما أشار إلى ذلك الحاكم فيما تقدم. وروى البيهقي عند الوليد بن مسلم قال: قيل لأبي عمرو - يعني الأوزاعي -: حضرت الصلاة والماء حائز (¬1) عن الطريق أيجب علي أن أعدل إليه؟ قال: حدثني موسى بن يسار عن نافع به نحوه، ولفظه: " عن ابن عمر أنه كان يكون في السفر فتحضره الصلاة والماء منه على غلوة أو غلوتين ونحو ذلك، ثم لا يعدل إليه ". وعن حكيم بن رزيق عن أبيه قال: سألت سعيد بن المسيب عن راع في غنمه أو راع تصيبه جنابة وبينه وبين الماء ميلان أو ثلاثة؟ قال: " يتيمم صعيدا طيبا. وهذا صحيح أيضا. وأما ما رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 160) : حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال: " يتلوم الجنب ما بينه وبين آخر الوقت ". وأخرجه البيهقي من طريق أخرى عن أبي إسحاق به نحوه، ولفظه: ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعل الصواب (جائر) أي مائل، وإن كان (حائز) يأتي بمعناه. اهـ.

2630

" اطلب الماء حتى يكون آخر الوقت، فإن لم تجد ماء تيمم ثم صل ". قلت: فهذا على وقفه ضعيف الإسناد، علته الحارث هذا - وهو ابن عبد الله الأعور - فإنه ضعيف، ولذلك قال البيهقي عقبه: " وهذا لم يصح عن علي، وبالثابت عن ابن عمر نقول، ومعه ظاهر القرآن ". 2630 - " اطلبني أول ما تطلبني على الصراط. قال: فإن لم ألقك عند الصراط؟ قال: اطلبني عند الميزان. قال: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فاطلبني عند الحوض ، فإني لا أخطئ هذه الثلاث المواطن ". أخرجه الترمذي (2 / 70) وأحمد (3 / 178) والضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " (ق 242 / 1 - 2) من طريق حرب بن ميمون الأنصاري أبي الخطاب: حدثنا النضر بن أنس بن مالك عن أبيه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن يشفع في يوم القيامة، فقال: أنا فاعل. قال: قلت: يا رسول الله! فأين أطلبك؟ قال: اطلبني.. الحديث. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". قلت: وأقره المنذري في " الترغيب " (4 / 211) وكذا الحافظ ابن حجر في " الفتح " (11 / 405) ورجاله ثقات رجال مسلم، فإنه أخرج لحرب هذا حديثا آخر في " الأطعمة " (6 / 121) وسائر رجاله من رجال الشيخين، وهو إلى ذلك ثقة بلا خلاف، إلا ما وهم فيه بعضهم، فلابد من تحقيق القول في ذلك، فأقول: قال الذهبي في " الميزان ":

" حرب بن ميمون (م، ت) أبو الخطاب الأنصاري، بصري صدوق يخطىء، قال أبو زرعة: لين. وقال يحيى بن معين : صالح. قلت: يروي عن مولاه النضر بن أنس وعن عطاء بن أبي رباح. وعنه عبد الله بن رجاء ويونس المؤدب وجماعة، وقد وثقه علي بن المديني وغيره، وأما البخاري فذكره في " الضعفاء " وما ذكر الذي بعده صاحب الأغمية (¬1) ... ". ثم قال الذهبي عقبه: " حرب بن ميمون العبدي أبو عبد الرحمن البصري العابد المعروف بـ (صاحب الأغمية) عن عوف وحجاج بن أرطاة وخالد الحذاء ... ضعفه ابن المديني والفلاس، وقال ابن معين: صالح. قلت: توفي سنة بضع وثمانين ومائة، وهو الأصغر والأضعف، وقد خلطه البخاري وابن عدي بالذي قبله، وجعلهما واحدا، والصواب أنهما اثنان، الأول صدوق لقي عطاء، والثاني ضعيف أكبر من عنده حميد الطويل. قال عبد الغني بن سعيد: هذا مما وهم فيه البخاري، نبهني عليه الدارقطني ". قلت: ما استصوبه الذهبي رحمه الله هو الصواب، وبه جزم غير ما إمام من المتقدمين والمتأخرين، فقال الساجي: " حرب بن ميمون الأصغر ضعيف الحديث عنده مناكير، والأكبر صدوق ". وكذا قال عمرو بن علي الفلاس، وروى عبد الله بن علي عن أبيه نحوه. وقال الحافظ ابن حجر في الأكبر : " صدوق، رمي بالقدر من، السابعة ". وفي الأصغر: ¬

(¬1) جمع (الغماء) : سقف البيت. " المعجم الوسيط ".

" متروك الحديث مع عبادته، من الثامنة، ووهم من خلطه بالأول ". وجرى على التفريق بينهما الخزرجي أيضا في " الخلاصة " وغيره كما يأتي. لكن في كلام الذهبي المتقدم بعض الأوهام لابد من التنبيه عليها إتماما للتحقيق: أولا: قوله في ترجمة الأكبر: " قال أبو زرعة: لين " خطأ وحقه أن ينقل إلى ترجمة الأصغر ففيها أورده ابن أبي حاتم (1 / 2 / 251) تبعه الحافظ في " التهذيب ". ثانيا: قوله فيها وفي ترجمة الأصغر: " وقال ابن معين: صالح " خطأ أيضا، والصواب ذكره في ترجمة الأصغر فقط، كما فعل ابن أبي حاتم وابن حجر. ثالثا: قوله: وأما البخاري فذكره في " الضعفاء ". فأقول: إن كان يريد كتابه المعروف بـ " الضعفاء " كما هو المتبادر فلم أره ذكر فيه الأكبر، ولا الأصغر، من النسخة المطبوعة في الهند، فلا أدري إذا كان ذلك في نسخة أخرى منه، وإن كنت أستبعد هذا، فإن الحافظ ابن حجر لم يذكره مطلقا. ولكنه قال: " قال البخاري: قال سليمان بن حرب: هو أكذب الخلق ". ولكن الحافظ في الوقت الذي لم يعز هذا لـ " ضعفاء البخاري "، فإنه أورده في ترجمة حرب بن ميمون الأصغر، بينما البخاري نفسه إنما أورده في " التاريخ الكبير " في ترجمة الأكبر، فقال (1 / 2 / 65) : " حرب بن ميمون يقال أبو الخطاب البصري مولى النضر بن أنس الأنصاري عن أنس (!) سمع منه يونس بن محمد. قال سليمان بن حرب: هذا أكذب الخلق ". ولم يذكر البخاري في ترجمة الأصغر شيئا (1 / 2 / 64) .

وقد استظهر محقق " التاريخ " أن الحامل للحافظ وغيره على صرف قول البخاري هذا إلى ترجمة الأصغر أن ابن المديني وعمرو بن علي قد ليناه، ووثقا هذا الأنصاري. ثم أجاب عن تكذيب سليمان له بما خلاصته أنه جرح مبهم غير مفسر لأنه قائم على قصة لا تستلزم التكذيب المذكورة بصورة لا تحتمل التأويل، فراجع كلامه فإنه مفيد. وخلاصة القول: إن حرب بن ميمون الأكبر صاحب هذا الحديث، ثقة حجة، وثقه ابن المديني شيخ البخاري والفلاس والساجي، وكذا مسلم بإخراجه له في " الصحيح "، وابن حبان بذكره إياه في " الثقات "، والخطيب بقوله فيه: " كان ثقة "، ولم يضعفه أحد سوى ما تقدم من قول سليمان بن حرب فيه، وقد عرفت الجواب عنه، وأنه غير حرب بن ميمون الأصغر كما سبق عن جماعة من الأئمة. وبهذه المناسبة لابد من التنبيه على وهم أيضا وقع في ترجمة (الأصغر) هذا من " تهذيب التهذيب " لابن حجر، فقد قال (2 / 227) : " قال المزي: وقد جمع بينهما غير واحد، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ". والذي رأيته في " تهذيب الكمال " للحافظ المزي خلافه، فإنه بعد أن ترجم للأكبر أتبعه بترجمة الأصغر، وقال في آخرها: " ذكرناه للتمييز بينهما، وقد جمعهما غير واحد، وفرق بينهما غير واحد، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى ". فالظاهر أنه سقط من الناسخ أو الطابع لـ " تهذيب التهذيب " جملة " وفرق بينهما غير واحد "، فاختل المعنى. والله أعلم .

ولعله من هذا القبيل ما جاء في أول ترجمة الأكبر من " تهذيب التهذيب " قال: " روى له مسلم حديثا في تكثير الطعام عند أم سليم، والآخر في قوله صلى الله عليه وسلم لأنس: اطلبني ... ". فإنه يوهم أن الحديث الآخر - حديث الترجمة - رواه مسلم أيضا، وليس كذلك، ولولا أنه كان رمز له في رأس الترجمة بأنه أخرج له مسلم والترمذي وابن ماجه في " التفسير "، لكان يمكن حمل قوله: " والآخر " على الترمذي، ولكن ذكره لابن ماجه عقبه يمنع منه إلا بتكلف ظاهر. واعلم أن هذا الحديث أورده الشيخ السهسواني الهندي في " صيانة الإنسان من وسوسة الشيخ دحلان " (ص 353) مستدلا به على أن طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم في حياته ثابت، ثم ساق أحاديث هذا أولها، وقال بعد أن ذكر تحسين الترمذي إياه: " قلت: ورجاله رجال الصحيح، وكلهم ثقات غير حرب بن ميمون أبي الخطاب ، فقد اختلف فيه، قال الذهبي في " الميزان " ... ". ثم ساق كلامه المتقدم، ولكن ملخصا. ففهم منه مقلده صاحب كتاب " التوصل إلى حقيقة التوسل " أن الحديث ضعيف، فقال عقب الحديث (ص 320 - الطبعة الثانية) : " الحديث غير صحيح السند كما سيأتي بيانه ". والبيان الذي وعد به لا يزيد على قوله في الصفحة المقابلة بعد أن ذكر أيضا تحسين الترمذي إياه:

" وفي سنده أبو الخطاب حرب بن ميمون ضعف ووثق، وممن ضعفوه (!) شيخ المحدثين البخاري، فحديث يقول فيه الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه الحسن الغريب (!) ، والترمذي معروف لينه وتساهله في نقد الرواة والروايات. وفيه أيضا من ضعفه البخاري، وحسبك به ناقدا حجة في هذا الشأن، فكيف يحتج بهذا الحديث ... ؟! اللهم علمنا العلم الذي لا جهل معه "! قلت: فهذا الكلام مع ما فيه من الركة والعجمة وضعف البيان حتى وصف الترمذي باللين! وقال: " ضعفوه "، وهو يريد " ضعفه "، فهو يدل على عدم معرفة قائله بهذا العلم الشريف، وقلة اطلاعه على أقوال أئمة الجرح والتعديل، فضلا عن عجزه التام عن التوفيق بين أقوالهم في الراوي الواحد. فمن كان هذا حاله، فمن البدهي أن يقول ما لم يقله أحد قبله، حتى ولا مقلده وعمدته في الكلام على الأحاديث، وهو الشيخ الفاضل: السهسواني، فإن هذا تكلم على الحديث بإسلوب معروف عند أهله، وإن كان لم يفصح عن مرتبته، مع أن ظاهره أقرب إلى تأييده تحسين الترمذي إياه منه إلى رده، فجاء هذا المومى إليه فلخص كلامه تلخيصا بعيدا جدا عن الواقع أدى به إلى التصريح بأن إسناده غير صحيح، وأن راويه أبا الخطاب مختلف فيه " ضعف ووثق، وممن ضعفه البخاري " وهذا كله لعدم علمه ومعرفته، ولذلك فلم يحسن التعبير، فـ (أبو الخطاب) متفق على توثيقه، ولم يضعفه أحد غير البخاري، على ما في تضعيفه إياه من تردد العلماء ، هل أراد به أبا الخطاب هذا أم حرب بن ميمون الأصغر؟ كما تقدم بيانه، وأنه إن أراد به الأول، فهو جرح غير مفسر، كما تقدم، ولذلك لم يعتمد عليه من جاء بعده من النقاد كالذهبي والعسقلاني والخزرجي، ومن قبلهم المنذري الذي أقر الترمذي على التحسين، وكل هؤلاء يعلمون أن البخاري هو شيخ المحدثين حقا، ولكنهم يعلمون أيضا أن الحق لا يعرف بالرجال، وأنه لا عصمة لأحد منهم،

وإنما هو مشاع بينهم، فلذا فهم يبحثون عنه، فمع من كان اتبعوه، وهذا ما صنعوه هنا ، فأعرضوا على تضعيف البخاري، واعتمدوا قول الذين وثقوه كما سبق. وأزيد هنا فأقول: قال الذهبي في " ديوان الضعفاء " (مخطوط) : " حرب بن ميمون أبو الخطاب، ثقة، رماه بالكذب سليمان بن حرب ". وقال في " المغني " (1 / 153 - طبع حلب) : " ثقة، غلط من تكلم فيه، وهو صدوق ". فأنت تراه لم يعتد بمن رماه بالكذب فضلا عمن تكلم فيه. ولهذا الرجل قصة طويلة فيها عبرة لمن يعتبر، لا مجال للتحدث عنها بهذا المكان، وإنما لابد من الإشارة إليها بأوجز ما يمكن من الكلام. فهو رجل عاش نحو ربع قرن من الزمان رئيسا على إخواننا السلفيين في حلب، ومنذ بضع سنين بدأ يظهر شيئا من الشدة عليهم، وفرض الرأي، فمن استسلم له قربه إليه، ومن خالفه في رأيه أبعده عنه، وامتنع من التعاون معه، ولو كان صاحبه القديم منذ بدء الدعوة هناك، يفعل هذا، وهو ممن لا علم عنده يذكر ولا تحقيق إلا ما كان استفاده من غيره، إلى أن خرج عليهم برأي لا عهد لهم به ، وهو أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم معصومات من الزنا، وإن كان الجميع متفقين معه على أنهن متن وهن عفيفات شريفات، فكان لا يقنع إلا بأن يقولوا معه إنهن معصومات العصمة الشرعية، فلما طالبوه بالحجة، وناقشه فيها أبرز من فيهم فقها وفهما، كان جزاؤه منه أن قاطعه وهجره، وبالنار إن استمر على مخالفته أوعده، وحاول أن يبعده عن الجماعة، بعد أن أعلن عدم استعداده أن يتعاون معه ، فجلب بذلك ضررا على نفسه ودعوته، حيث تبين للجماعة هناك بأن عمله ليس على المنهج، وعلى الرغم من نصحي إياه، فلم يستجب، فكانت عاقبته أن أزالوه من

رياسته، بعد أن اجتمعوا في داره، وأنا معهم وبعض إخواننا الدمشقيين، وكلهم ينصحونه ويطلبون منه أن يكف عن فرض رأيه وإصراره وأن يتعاون مع كل إخوانه وبخاصة القدامى والفقهاء منهم، فرفض، فكان أن أقالوه عن رياسته ونصبوا عليهم غيره وهم في داره! فكان بعد ذلك ينال من صاحبه القديم كلما جاء ذكره، ويصفه بما ليس فيه! مع أنه معروف بين إخوانه بإخلاصه وتدينه وفقهه وغيرته على الدعوة، فيما نعلم والله حسيبه ولا نزكي على الله أحدا، من أجل ذلك قطعت صلتي به، فلا أزوره ولا يزورني، وإن كان يظهر مودتي وتبجيلي كلما لقيني وأنا أصد عنه، حتى يتوب إلى ربه من فعلته ويعتذر لأخيه عن إساءته إليه ، ولله عاقبة الأمور. وعلى الرغم من أنه ترك بلدته (حلب) وتركته الجماعة كما سبق، فهو لا يزال يعلن في البلاد السعودية أنه رئيس الجماعة، بل ويصرح بأنه مؤسس الدعوة السلفية، فعل ذلك في كتابه " التوصل "، فانتقدته في كتابي " التوسل أنواعه وأحكامه " (ص 91 - 93) ، فرد علي في طبعته الثانية من كتابه المذكور، بما يبدو للقارئ اللبيب أنه تبين له صواب نقدي إياه، ولكنه لم يظهر ذلك، وأكبر دليل على ذلك أنه في طبعته الثانية قيد لقبه السابق، فقال عن نفسه بنفسه (!) : " مؤسس الدعوة السلفية بحلب "، دون أن يذكر بأنه استفاد ذلك من نقدي المشار إليه، وتأول قوله: " مؤسس " بما كنت ذكرته أنا في نقدي بأنه لعله أراد به: " مجدد الدعوة السلفية "، فتكلم طويلا بكلام لا يخرج عن التأويل المذكور، فوددت لو أنه صرح بأنه: " مجدد الدعوة السلفية بحلب " إذن لما وافقه إخوانه على ذلك، لأنهم يعلمون أنه ليس أهلا لذاك، وأنه حسبه أن يكون تابعا لأحد المجددين، كما قلت هناك، وكتابه المذكور أكبر شاهد على ما أقول، فهو ممتلئ بالأخطاء العلمية، من أنواع مختلفة، على ركة وعي في التعبير ، وكلامه في هذا

2631

الحديث من أوضح الأدلة على ذلك، والله هو المسؤول أن يحفظ علينا إيماننا، ويطهر قلوبنا من الحسد والغل والكبر، إنه خير مسؤول (¬1) . 2631 - " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ". أخرجه البخاري (4 / 387) ومسلم (1 / 88 و 6 / 8) والدارمي (2 / 324) وأحمد (5 / 25) من طرق عن الحسن قال: عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه، قال معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو علمت أن لي حياة ما حدثتك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... فذكره. وفي رواية للبخاري عن الحسن قال: أتينا معقل بن يسار نعوده، فدخل علينا عبيد الله، فقال له معقل: ... فذكره نحوه. وتابعه أبو المليح أن عبيد الله بن زياد دخل على معقل بن يسار في مرضه، فقال له معقل: ... فذكره نحوه، ولفظه: " ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة " أخرجه مسلم، وقد مضى من رواية أحمد وغيره نحوه برقم (1754) . ¬

(¬1) وقد ذكرت تحت حديث عائشة المتقدم (2507) تفصيل ما أجملت هنا من الرد على قوله بالعصمة، وكان ذلك منذ نحو عشرين سنة. ثم توفي الرجل إلى رحمة الله، وغفر لنا وله، فترددت كثيرا في نشر هذا - والكتاب تحت الطبع - ثم أمضيته للتاريخ والعبرة، ودفعا للقيل والقال، ولا سيما وقد بدأ بعض ذوي الأغراض والأهواء من الناشرين والمعلقين يخوضون بعد وفاته فيما لا علم لهم به، والله يقول: * (فاسأل به خبيرا) *. اهـ.

2632

2632 - " ما من عبد أتى أخا له يزوره في الله إلا نادى مناد من السماء: أن طبت وطابت لك الجنة، وإلا قال الله في ملكوت عرشه: عبدي زار في وعلي قراه، فلم أرض له بقرى دون الجنة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 1024) والبزار (2 / 388 - 389) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 107) والضياء في " المختارة " (ق 240 / 1) من طريق يوسف بن يعقوب: أخبرنا ميمون بن عجلان عن ميمون بن سياه عن أنس مرفوعا. وقال أبو نعيم: " رواه الضحاك بن حمرة عن حماد بن جعفر عن ميمون بن سياه مثله ". قلت: وابن حمرة ضعيف، ولكن الإسناد الذي قبله رجاله رجال " الصحيح "، غير ميمون بن عجلان هذا، وقد أورده البخاري في " التاريخ " (7 / 343) وابن أبي حاتم (4 / 1 / 239) من رواية يوسف هذا عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، غير أن ابن أبي حاتم قال: " وسئل أبي عنه؟ فقال: شيخ " . واعلم أن من قيل فيه: " شيخ "، فهو في المرتبة الثالثة من مراتب التعديل، يكتب حديثه وينظر فيه كما قال ابن أبي حاتم نفسه (1 / 1 / 37) وجرى عليه العلماء كما تراه في " التدريب " (ص 232) ، ومعنى ذلك أنه ممن ينتقى من حديثه، أو أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، ولعله قد أشار إلى ذلك الحافظ الذهبي بقوله في مقدمة " الميزان ": " ولم أتعرض لذكر من قيل فيه: " محله الصدق "، ولا من قيل فيه: " لا بأس به "، ولا من قيل فيه: " هو صالح الحديث "، أو " يكتب حديثه "، أو " هو شيخ "، فإن هذا وشبهه يدل على عدم الضعف المطلق ".

قلت: وجل هؤلاء ممن يحسن العلماء حديثهم عادة، فليكن مثلهم من قيل فيه: " هو شيخ "، ويؤيده أن الحافظ المنذري جود إسناد حديث هذا الشيخ ، فقال عقبه في " الترغيب " (3 / 239) : " رواه البزار وأبو يعلى بإسناد جيد ". ووثقه الهيثمي، فقال في " المجمع " (8 / 173) : " رواه البزار وأبو يعلى، ورجال أبي يعلى رجال " الصحيح " غير ميمون بن عجلان، وهو ثقة ". ولعل تصريحه بتوثيقه إياه، إنما هو اعتماد منه على توثيق ابن حبان، فقد أورده في " الثقات " كما يستفاد من " التعجيل "، وإن لم أره في نسخة الظاهرية من " الثقات "، فإن فيها خرما. ثم طبع كتاب " الثقات " وقد أورده فيه (7 / 473) برواية محبوب بن الحسن وأهل البصرة عنه. وهذان من رجال " الميزان " و " اللسان " فراجعهما. وقد روى عن هذا الشيخ إسماعيل بن عبد الملك الزئبقي أيضا عند الضياء، وكذا محمد بن بكر، لكن سماه ميمون المرئي، لكن في " التهذيب " من هذه الطبقة: " ميمون بن سياه المرئي البصري، ويقال إنه ابن ميمون بن عبد الرحمن بن صفوان ابن قدامة ". وابن سياه هذا هو من شيوخ ميمون بن عجلان كما في ترجمتهما من " التاريخ " و " الجرح والتعديل " وهو شيخه في هذا الإسناد كما ترى، وقد فرقا بينهما، فهو غير المرئي إذن، ومن الممكن أن يكون مشاركا له في هذه النسبة. والله أعلم.

2633

وقد توبع ميمون بن عجلان من الضحاك بن حمرة في الرواية المعلقة عند أبي نعيم، لكن الضحاك هذا ضعيف. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 245) والترمذي وحسنه في نسخة، وصححه ابن حبان (712) وإسناده صالح للاستشهاد به كما بينته في التحقيق الثاني لـ " المشكاة " (5015) . ولأبي يعلى بهذا الإسناد حديث آخر عن أنس في فضل المصافحة عند اللقاء، تقدم ذكره تحت الحديث (525) . 2633 - " أرواح الشهداء في جوف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم إطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب! نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا، حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى! فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا ". أخرجه مسلم (6 / 38 - 39) والترمذي (3014) والدارمي (2 / 206) وابن ماجه (2 / 185) والبيهقي في " الشعب " (4 / 19 - 20) والطيالسي (38 / 294) وابن أبي شيبة (5 / 308) وهناد في " الزهد " (154) والطبري (8206) من طرق عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال:

سألنا عبد الله [بن مسعود] عن هذه الآية * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون) *؟ قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك؟ فقال: ... فذكره . والسياق لمسلم، والزيادة للترمذي، وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: هو مرفوع في صورة موقوف، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر فيه صراحة، لكنه في حكم المرفوع قطعا، وذلك لأمرين: الأول: أن قوله: " سألنا عن ذلك؟ فقال : " لا يمكن أن يكون المسؤول والقائل إلا الرسول صلى الله عليه وسلم، لأنه هو مرجعهم في بيان ما أشكل أو غمض عليهم والآخر: أن ما في الحديث من فضل الشهداء عند الله، ومخاطبته تعالى إياهم وجوابهم وطلبهم منه أن ترد أرواحهم إلى أجسامهم، كل ذلك مما لا يمكن أن يقال بالرأي. ولذلك قال النووي في " شرح مسلم ": " وهذا الحديث مرفوع لقوله: " إنا قد سألنا عن ذلك، فقال، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ". وأمر ثالث: أنه قد جاء طرف منه مرفوعا من حديث ابن عباس رضي الله عنه عند أحمد (1 / 266) وصححه الحاكم (2 / 297 - 298) ووافقه الذهبي، وقد تكلمت عليه في " تخريج الطحاوية " (ص 393) و " المشكاة " (3853) . وكأنه لما ذكرنا استجاز شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن يصرح برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه أورده في " مجموع الفتاوى " (4 / 224 - 225) من رواية مسلم بلفظ:

2634

" فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك [رسول الله صلى الله عليه وسلم] ؟ فقال: ... "، فزاد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن تكون هذه الزيادة في بعض النسخ القديمة من " صحيح مسلم ". والله أعلم. 2634 - " من شرب الخمر في الدنيا ولم يتب لم يشربها في الآخرة وإن أدخل الجنة ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 148 / 1) عن حفص بن عبد الله: حدثني إبراهيم ابن طهمان عن أيوب عن نافع [و] عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره.

2635

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري، وحفص بن عبد الله هو السلمي النيسابوري. وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق عن نافع به دون قوله: " وإن أدخل الجنة ". لكنها زيادة جيدة، لها شواهد ذكرتها في " الروض النضير " (561) وقد أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 182) بهذه الزيادة ساكتا عليها. 2635 - " إن الشيطان قد أيس أن يعبد بأرضكم هذه ولكنه قد رضي منكم بما تحقرون ". أخرجه أحمد (2 / 368) : حدثنا معاوية حدثنا أبو إسحاق عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وأبو إسحاق هو إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري. ومعاوية، الظاهر أنه معاوية بن عمرو، فقد ساق له الإمام أحمد حديثا آخر قبل هذا الحديث، وهو الأزدي أبو عمرو البغدادي، وهو من شيوخ البخاري، ومن الغريب أنهم لم يذكروا في ترجمته ولا في ترجمة الإمام أحمد، أن الإمام روى عنه، مع أنه من طبقة شيوخه كوكيع بن الجراح، وكان معاوية أسن منه بسنة، حتى الحافظ المزي لم يذكره مع أن من عادته استقصاء شيوخ المترجم والرواة عنه، فلما لم أره قد ذكره ذهب وهلي إلى احتمال أن يكون وقع في نسخة " المسند " سقط في اسم شيخه، وأنه مروان بن معاوية، فإنه سمع من أبي إسحاق الفزاري وسمع منه الإمام أحمد، ولكن سرعان ما زال هذا الاحتمال حينما رأيت الإمام أحمد قد روى الحديث الآخر عن معاوية بن عمرو، فالحمد لله على توفيقه. ثم تأيد ذلك بذكر ابن الجوزي إياه في شيوخ أحمد في " مناقبه " (ص 50) وبذكر الحافظ المزي أبا إسحاق الفزاري في شيوخ معاوية في " تهذيبه " (2 / 169) وقد تابعه أبو حمزة عن الأعمش به، إلا أنه زاد: وأبي سعيد ... ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 383 / 2 - 384 / 1) . وسنده صحيح أيضا، وأبو حمزة هو محمد بن ميمون السكري المروزي. 2636 - " لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (309) والترمذي (2020) والحاكم (1 / 47) وعنه البيهقي في " الشعب " (2 / 91 / 2) وابن أبي الدنيا في

" الصمت " (2 / 14 / 2 و 4 / 40 / 2) من طرق عن كثير بن زيد قال: سمعت سالما يحدث عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وقال الحاكم: " هذا حديث أسنده جماعة من الأئمة عن كثير بن زيد، ثم أوقفه عنه حماد بن زيد وحده، فأما الشيخان فإنهما لم يخرجا عن كثير بن زيد، وهو شيخ من أهل المدينة من أسلم، كنيته أبو محمد، لا أعرفه بجرح في الرواية، وإنما تركاه لقلة حديثه ". كذا قال، وقد تكلم فيه أئمة الحديث فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه ومنهم من مشاه وهو الأرجح، وترى أقوالهم فيه في " التهذيب "، ولخصها الحافظ بقوله: " صدوق يخطىء ". وهذا يعني عنده أنه حسن الحديث أو يقاربه. هذا وزاد الحاكم في روايته: " قال سالم: وما سمعت ابن عمر لعن شيئا قط ". وهي عند البخاري أيضا بزيادة: " ليس إنسانا "، ولفظ ابن أبي الدنيا: " إلا إنسانا واحدا ". وهذه عند ابن أبي الدنيا أيضا بلفظ: " إلا مرة " وقد بينتها رواية الزهري عن سالم قال: " لم أسمع ابن عمر لعن خادما قط غير مرة واحدة، غضب فيها على بعض

2637

خدمه فقال: " لعنه الله "! كلمة لم أحب أن أقولها ". كذا ولعل الصواب: " يقولها ". أخرجه ابن أبي الدنيا ( 2 / 14 / 1) وسنده صحيح. ورواه البيهقي بنحوه وزاد: " فأعتقه ". (تنبيه ) : هنا وهمان وقعا لبعضهم: الأول: عزا المنذري في " الترغيب " (3 / 287) هذا الحديث للترمذي من حديث عبد الله بن مسعود، وإنما هو من حديث ابن عمر، وحديث ابن مسعود أتم من هذا، وقد خرجته في " تخريج السنة " برقم (1014) . والآخر: وقع الإسناد عند الترمذي - طبعة دعاس -: " عن كثير عن زيد بن سالم "، وهذا تصحيف فاحش، والصواب: " عن كثير بن زيد عن سالم "، فليصححه من كان عنده نسخة منه. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ". وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (3 / 286) . 2637 - " من ترك دينارين، فقد ترك كيتين ". أخرجه البيهقي في " الشعب " (2 / 335 / 1) من طريق الربيع بن نافع عن محمد بن المهاجر عن أبيه عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون غير المهاجر - وهو ابن أبي

مسلم الشامي الأنصاري - مولى أسماء بنت يزيد، وقد ترجمه البخاري وابن أبي حاتم برواية جمع آخر من الثقات، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وأورده ابن حبان في " الثقات " (3 / 255) . قلت: فمثله يحتج به في التابعين، لاسيما ولحديثه شواهد كثيرة، منها ما أخرجه الحسن بن سفيان عن حبيب بن هرم بن الحارث السلمي عن عمه الحكم بن الحارث السلمي مرفوعا بلفظ: " من ترك دينار فكية، ومن ترك دينارين فكيتين ". هكذا ذكره في " الجامع الكبير "، وفي " أسد الغابة " (2 / 31) عن حبيب المذكور، قال: " كان عطاء عمي في ألفين، فإذا خرج عطاؤه قال لفلان: انطلق فاقض عنا ما علينا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... " فذكره. وقال: " أخرجه الثلاثة ". يعني: ابن منده وأبا نعيم وابن عبد البر، إلا أنه قد نص في " المقدمة " (1 / 5) أنه يعني الاسم، وليس الحديث! فلا يؤخذ منه أن الثلاثة أخرجوا الحديث عنده، لاسيما وابن عبد البر لم يذكره في كتابه " الاستيعاب ". وحبيب بن هرم هذا أورده ابن أبي حاتم برواية أبي جناب عون بن ذكوان الجرشي عنه عن عمه. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك أورده ابن حبان في " الثقات " (3 / 39) . ومن شواهد الحديث ما أخرجه الطيالسي (357) وغيره عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله (هو ابن مسعود) قال:

2638

" إن رجلا من أهل الصفة مات، فوجدوا في شملته دينارين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيتان ". وإسناده حسن، وصححه ابن حبان (2481 - موارد الظمآن) وبوب له فيه بـ " باب فيمن يأكل نصيب الفقراء وهو غني ". قلت: يشير إلى أن الحديث ليس على إطلاقه ، لكن المعنى الذي ترجمه له ليس بظاهر، ويبدو لي أنه محمول على من مات وعليه دين، لديه قضاؤه، وإليه يشير صنيع راوي الحديث كما تقدم في رواية " أسد الغابة ". وهنا وجه آخر من التأويل، يستفاد مما رواه البيهقي عن ابن راهويه أنه قال: " إنما ترك الصلاة عليه، لأنه كان من أهل الصفة، وهو يظهر أنه فقير ليس له شيء، وأنه من أهل الصفة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ترك كيتين "، أي: لمثله كيتان ". وفي " الفتح " (4 / 388) نحوه. قلت: وهذا لا ينافي ما ذكرته. والله الموفق. 2638 - " كان إذا كان في سفر، فأسحر يقول: سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا، وأفضل علينا، عائذا بالله من النار ". أخرجه مسلم (8 / 80) وأبو داود (5086) وابن خزيمة في " صحيحه " (2571) وابن حبان (4 / 168 / 2690) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (508) من طريق النسائي، وهذا في " السنن الكبرى " (5 / 257 / 8828) والحاكم (1 / 446) وعنه البيهقي في " الدعوات الكبير " (2 / 187) كلهم من

طرق عن ابن وهب: حدثنا سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ... فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: إنما هو صحيح فقط، لأن راويه عنده عن ابن وهب (الربيع بن سليمان) ، وليس من رجال مسلم، وقد زاد زيادتين: إحداهما: " ونعمته " بعد قوله: " بحمد الله ". وهي عند أبي داود أيضا. والأخرى في آخر الحديث: " يقول ذلك ثلاث مرات، ويرفع بها صوته ". قلت: هما شاذتان لعدم ورودهما في أكثر الطرق المشار إليها عن ابن وهب. وحسبك دليلا إعراض صاحبي " الصحيح ": مسلم وابن حبان عنهما، وكذا ابن خزيمة، فقد ساق في " صحيحه " بإسنادين، من طريق ابن وهب المذكورة، ومن طريق عبد الله بن عامر عن سهيل بن أبي صالح به. ثم بين أن الزيادتين ليستا في طريق ابن وهب وإنما في طريق عبد الله بن عامر ثم قال: " عبد الله ابن عامر ليس من شرطنا في هذا الكتاب، وإنما خرجت هذا عن سليمان بن بلال عن سهيل بن أبي صالح، فكتب هذا إلى جنبه ". قلت: يعني أنه وقع له الحديث هكذا برواية عبد الله بن عامر مقرونا برواية سليمان بن بلال، فأخرجها في " الصحيح " مقرونا، وهو ليس بحجة، وإنما الحجة سليمان. وعبد الله بن عامر هو المدني ضعيف. (تنبيهات) : لقد أعل الحديث الحافظ ابن عمار الشهيد في كتابه " علل أحاديث صحيح مسلم "، فقال (ص 128 - 129) بعد أن ضعف عبد الله بن عامر:

" فيشبه أن يكون سليمان سمعه من عبد الله بن عامر. ولا أعرفه إلا من حديث ابن وهب هكذا "! قلت: وهذا إعلال عجيب غريب، يغني حكايته عن رده، فإن سليمان بن بلال ثقة حجة متفق على الاحتجاج بحديثه عند الشيخين وغيرهما، ولم يرم بتدليس، فكيف يصح إعلال حديثه بمثل (عبد الله) هذا الضعيف ؟! ولقد أحسن الرد عليه الأخ علي الحلبي فيما علقه عليه، جزاه الله خيرا. وهذا هو الأول. الثاني: أورده الحافظ السخاوي في " الابتهاج " (ص 47) وقال : " أخرجه مسلم وأبو داود بزيادة " ونعمته "، والحاكم بزيادة أن يقوله ثلاث مرات، ويرفع به صوته ". قلت: وفاته أن زيادة أبي داود عند الحاكم أيضا. الثالث: ساقه ابن القيم في " الوابل الصيب " (ص 298) بلفظ الحاكم، وصححه على شرط مسلم، وإنما هو صحيح فقط كما سبق بيانه. وعلق عليه الشيخ إسماعيل الأنصاري بما لا يجدي، بل وبما يوهم خلاف الواقع فيما يتعلق بكلام الحافظ السخاوي من المبالغة فيه، وسكت عن بيان الخطأ المشار إليه، فضلا عن شذوذ آخر في رواية الحاكم، وهو قوله مكان " فأسحر ": فبدا له الفجر "! وكذلك لم يتنبه لهذا الأخ بدر في تعليقه على " الدعوات "، فتعقب تصحيح الحاكم على شرط مسلم بقوله: " قلت: قد أخرجه مسلم كما تقدم، فهو ليس كما قالا ". وهذا الاستدراك عليهما خطأ مضاعف، فإنه مع إقراره إياهما على تصحيحه على شرط مسلم، فإنه لا يصح عزوه إليه وفيه الشذوذ في المواضع الثلاثة التي ليست عند مسلم، فتنبه.

2639

2639 - " أفضل الصدقة إصلاح ذات البين ". رواه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (43 / 2) والبزار (2059) والطبراني في " المعجم الكبير " عن الأفريقي عن رجل عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو مرفوعا. ورواه البخاري في " التاريخ " (2 / 1 / 270) والقضاعي (104 / 2) عن عبد الرحمن بن زياد عن راشد بن عبد الله المعافري عن عبد الله بن يزيد به. قلت: وهذا إسناد ضعيف من أجل عبد الرحمن بن زياد - وهو ابن أنعم -، وهو الأفريقي في الطريق الأولى، وهو ضعيف في حفظه كما قال في " التقريب ". وراشد بن عبد الله المعافري - وهو الرجل الذي لم يسم في الطريق الأولى - ترجمه البخاري وكذا ابن أبي حاتم (1 / 2 / 485) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. (تنبيه) : قد عرفت أن صحابي الحديث هو ابن عمرو وهو ابن العاص، وكذلك وقع في " الترغيب " (3 / 292) و " المجمع " (8 / 80) و" الجامع الصغير ". لكن وقع في شرحه للمناوي (ابن عمر) ، وبينه الشارح بقوله: " بن الخطاب "، وهو خطأ موافق لـ " الجامع الكبير " (1 / 115 / 1) . والحديث، قال المنذري (3 / 292) : " رواه الطبراني والبزار، وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وحديثه هذا حسن لحديث أبي الدرداء المتقدم ". قلت: يشير إلى حديثه بلفظ:

2640

" ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى. قال: إصلاح ذات البين ". وهو شاهد قوي مخرج في " تخريج الحلال " (408) وانظر الرقم المتقدم (1448) وبه ينجو الحديث من الضعف الظاهر من إسناده الذي حملني قديما على إيراده في " ضعيف الجامع " برقم (1110) ، ثم نبهنا الحافظ المنذري إلى أنه حسن لغيره جزاه الله خيرا، فلينقل منه إلى " صحيح الجامع "، وقد فعلت، والله تعالى ولي التوفيق. 2640 - " إن عبدا قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم عرضت له التوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض ، فدل على رجل (وفي رواية راهب) ، فأتاه، فقال: إني قتلت تسعة وتسعين نفسا، فهل لي من توبة؟؟ قال: بعد قتل تسعة وتسعين نفسا؟! قال: فانتضى سيفه فقتله به، فأكمل به مائة، ثم عرضت له التوبة، فسأل عن أعلم أهل الأرض؟ فدل على رجل [عالم] ، فأتاه فقال: إني قتلت مائة نفس فهل لي من توبة؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة؟! اخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى القرية الصالحة قرية كذا وكذا، [فإن بها أناسا يعبدون الله] ، فاعبد ربك [ معهم] فيها، [ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء] ، قال: فخرج إلى القرية الصالحة، فعرض له أجله في [بعض] الطريق، [فناء بصدره نحوها] ، قال: فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، قال: فقال إبليس: أنا أولى به، إنه لم يعصني ساعة قط! قال: فقالت ملائكة الرحمة: إنه خرج تائبا [مقبلا بقلبه

إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرا قط]- فبعث الله عز وجل ملكا [في صورة آدمي] فاختصموا إليه - قال: فقال: انظروا أي القريتين كان أقرب إليه فألحقوه بأهلها، [فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى إلى هذه أن تباعدي] ، [فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد [بشبر] ، فقبضته ملائكة الرحمة] [فغفر له] . قال الحسن: لما عرف الموت احتفز بنفسه ( وفي رواية: ناء بصدره) فقرب الله عز وجل منه القرية الصالحة، وباعد منه القرية الخبيثة، فألحقوه بأهل القرية الصالحة ". أخرجه أحمد (3 / 20 و 72) من طريق همام بن يحيى: حدثنا قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: لا أحدثكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته أذناي ووعاه قلبي، فذكره بتمامه إلا الجملة التي بين الشرطتين - فقد قال همام: فحدثني حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن أبي رافع - فذكرها - ثم رجع إلى حديث قتادة قال: فقال: انظروا ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (6 / 373 - فتح) ومسلم (8 / 104) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 352 / 1) من حديث ابن أبي عدي عن شعبة عن قتادة به مختصرا، وفيه زيادة: " فأوحى الله ... "، وزيادة: " فناء بصدره نحوها ". وأخرجه مسلم، والبيهقي أيضا (2 / 352 / 1) من طريق معاذ بن هشام: حدثني أبي عن قتادة ... به أتم منه، وفيه سائر الزيادات، إلا زيادة " بشبر "، فهي عنده من طريق العنبري عن شعبة، ومن طريق ابن أبي عدي عنه. وقد يستغرب ذكر إبليس في هذه القصة، ولكن لا غرابة في ذلك بعد ثبوت

إسنادها، لاسيما وقد جاء ذكره فيها من حديث عبد الله بن مسعود موقوفا، لكن وقع فيه أنه هو الذي اختصم مع ملك الرحمة، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر برقم (5254) ثم إن زيادة الإيحاء إلى الأرض يبدو أنها مدرجة لقول قتادة عن الحسن في آخر الحديث: لما عرف الموت ... إلخ، فانظر " الفتح " و " التعليق الرغيب " . وقد جاء الحديث عن جمع آخر من " الصحابة " مطولا ومختصرا، خرجها الهيثمي ( 10 / 211 - 213) منها عن معاوية بن أبي سفيان، وفي حديثه أن العالم قال: " لئن قلت لك: إن الله عز وجل لا يتوب على من تاب لقد كذبت ". وفيه في آخره: " فغفر الله له ". أخرجه أبو يعلى (4 / 1775 - 1776) والطبراني (19 / 369 / 367) و " مسند الشاميين " (1 / 349) من طريقين عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني [عبيدة] بن أبي المهاجر - أو أبو عبد رب، الوليد شك - قال سمعت معاوية بن أبي سفيان ... فذكره. قلت: رجاله ثقات، لكن عبيدة بن أبي المهاجر لم يوثقه غير ابن حبان، ولا يعرف إلا بهذه الرواية - وأما (أبو عبد رب) فهو الدمشقي الزاهد، وهو صدوق كما قال الذهبي، وانظر " تيسير الانتفاع " - والشك المذكور إنما هو في رواية أبي ليلى، دون الطبراني، ولعل الراجح أنه من حديث (أبي عبد رب) ، فإنه المحفوظ عن الوليد بن مسلم في حديثين آخرين تقدم أحدهما برقم (1734) وقد رواهما عنه ابن ماجه وابن حبان من طريق الوليد به. وساقهما أحمد (4 / 94) سياقا واحدا من طريق عبد الله بن المبارك: أنبأنا عبد الرحمن بن يزيد به. فالسند جيد كما قال المنذري (4 / 78) . ومنها عن عبد الله بن عمرو، وفيه تسمية القرية الأولى " نصرة "، والأخرى

2641

" كفرة ". أخرجه الطبراني بإسناد لا بأس به، كما في " الترغيب "، ورجاله رجال الصحيح كما في " المجمع "، وسكت عنه الحافظ. 2641 - " لا تقاتل قوما حتى تدعوهم ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (5 / 217 / 9424) : أخبرنا عمر بن ذر عن يحيى بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث عليا بعث خلفه رجلا فقال: " اتبع عليا، ولا تدعه من ورائه، ولكن اتبعه وخذ بيده، وقل له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقم حتى يأتيك . قال: فأقام حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ... فذكره ". قال عبد الرزاق: وسمعته أنا من يحيى ابن إسحاق. قلت: وإسناده صحيح، ولكنه معضل أو مرسل، وقد وصله الطبراني في " الأوسط " من حديث أنس، فقد ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 305) مختصرا نحوه، وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح " غير عثمان بن يحيى القرقساني، وهو ثقة " . قلت: وإسناده هكذا (2 / 222 / 1 / 8430 - بترقيمي) : حدثنا موسى بن جمهور حدثنا عثمان بن يحيى القرقساني حدثنا سفيان عن عمر بن ذر عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى قوم يقاتلهم، ثم بعث إليه رجلا فقال: لا تدعه من خلفه، وقل له : لا تقاتلهم حتى تدعوهم ". وقال: " لم يروه عن إسحاق إلا عمر، تفرد به ابن عيينة ". قلت: وهو ثقة، وكذا من فوقه، وأما القرقساني فوثقه ابن حبان (8 / 455) .

وتابعه وكيع: حدثنا عمر بن ذر به. أخرجه ابن أبي شيبة (12 / 363 / 14002) . فصح الإسناد موصولا. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس قال: " ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما قط إلا دعاهم ". أخرجه الدارمي (2 / 217) والبيهقي (9 / 107) وأحمد (1 / 236) وأبو يعلى (2 / 674) والطبراني في " الكبير " (3 / 116 / 1) من طرق عن سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن ابن عباس به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، لكن أعله الدارمي بقوله: " قال عبيد الله (يعني ابن موسى) : سفيان لم يسمع من ابن أبي نجيح. يعني هذا الحديث ". قلت: وهذا إعلال غريب، فإن الثوري ثقة ثبت، رجحه كثيرون على شعبة، وهو معروف الرواية عن عبد الله بن أبي نجيح، فدعوى عدم سماعه لهذا الحديث من عبد الله ليس من السهل قبولها إلا بحجة ناهضة، لا بدعوى مجردة. وقد تابعه حجاج بن أرطاة عن ابن أبي نجيح به. أخرجه أحمد ( 1 / 231) وابن أبي شيبة (12 / 365 / 14013) . وتابعه عبد الواحد بن زياد عن ابن أبي نجيح به. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 111 / 2) . وعبد الواحد بن زياد ثقة من رجال الشيخين. (تنبيه) : هذا الحديث قاعدة هامة في دعوة الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم،

2642

فإن استجابوا فبها ونعمت، وإلا فرضت عليهم الجزية، فإن رفضوا قوتلوا، وعلى هذا جرى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا يخالف ذلك ما في " الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق، وهم غارون.. أي غافلون، أي أخذهم على غرة. فإنه ليس فيه أنه لم يكن قد بلغتهم دعوته صلى الله عليه وسلم، كيف وهي قد بلغت فارس والروم بله العرب، فمن البلاهة بمكان إنكار بعض الكتاب المعاصرين لهذا الحديث بحجة أنه مخالف للقاعدة المذكورة، فإنه ليس من الضروري أن يدعى الكفار قبل قتالهم مباشرة! وقد أشار إلى هذا الحسن البصري حين سئل عن العدو؟ هل يدعون قبل القتال؟ قال: " قد بلغهم الإسلام منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم ". أخرجه ابن أبي شيبة (12 / 365) وسعيد بن منصور (3 / 2 / 206 / 2486) وانظر الرد على البعض المشار إليه مع تخريج حديث " الصحيحين " في " صحيح أبي داود " (2367) . 2642 - " عليكم بالإثمد، فإنه منبتة للشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 412) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 178) والطبراني في " الكبير " (1 / 12 / 1) و " الأوسط " (4 / 393) من طرق عن أبي جعفر النفيلي عن يونس بن راشد: حدثنا عون بن محمد ابن الحنفية عن أبيه عن جده، وقال: " لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد، تفرد به النفيلي ". قلت: وهو ثقة من رجال البخاري، واسمه عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل الحراني.

2643

ويونس بن راشد صدوق، لم يتكلم فيه أحد بجرح قادح. وعون بن محمد ابن الحنفية، ذكره ابن أبي حاتم (3 / 386) برواية اثنين آخرين، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. فهو على شرط ابن حبان في " ثقاته " فليراجع، ثم وجدته فيه (7 / 279) وقد حسن إسناده المنذري، فقال في " الترغيب " (3 / 115) : " رواه الطبراني بإسناد حسن ". وقال الهيثمي (5 / 96) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه عون بن محمد ابن الحنفية، ذكره ابن أبي حاتم ، وروى عنه جماعة، ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله ثقات ". وفاته توثيق ابن حبان إياه. وللحديث شواهد يتقوى بها من حديث ابن عباس، وأبي هريرة، مخرجة في " الترغيب " (3 / 115) و " المشكاة " (4472) والروض النضير " (407) . 2643 - " إن من أمتي من لو جاء أحدكم يسأله دينارا لم يعطه [ولو سأله درهما لم يعطه ولو سأله فلسا لم يعطه] ، ولو سأل الله الجنة لأعطاها إياه، ذو طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 177 / 2 / 7699 - بترقيمي) : حدثنا محمد بن إبراهيم العسال: أخبرنا سهل بن عثمان: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ثوبان مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير العسال هذا، وقد وثقه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 217) لكن في سنده انقطاع، فقد قال أبو حاتم: " لم يدرك سالم بن أبي الجعد أبا الدرداء ". وغفل عن هذه العلة المنذري (4 / 94) ، ثم الهيثمي (10 / 264) ، فقالا : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح ". لكن للحديث شواهد يتقوى بها، منها عن أنس مرفوعا بلفظ: " رب أشعث أغبر ذي طمرين، مصفح عن أبواب الناس، لو أقسم على الله لأبره ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (4 / 406) من طريق عبد الله بن موسى التيمي عن أسامة بن زيد عن حفص بن عبيد الله عن أنس مرفوعا. وهذا إسناد حسن في الشواهد رواته موثقون، إلا أن التيمي هذا قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". ومنها عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " رب أشعث مدفوع على الأبواب، لو أقسم على الله لأبره ". أخرجه مسلم (8 / 36 / 154) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. وتابعه كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله عنه مرفوعا نحوه، وزاد: " تنبو عنه أعين الناس ". أخرجه الحاكم (4 / 328) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

2644

وأقول بل هو حسن فقط، فإن كثير بن زيد - وهو الأسلمي - فيه كلام من قبل حفظه. 2644 - " ألا أدلك على صدقة يحب الله موضعها؟ تصلح بين الناس، فإنها صدقة يحب الله موضعها ". أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ص 50) من طريق أبي أمية: أخبرنا كثير بن هشام عن أبي (كذا) المسعودي عن أبي جناب عن رجل عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه مرفوعا. 2 - ثم رواه من طريق ابن أبي الدنيا: حدثني محمد بن عثمان العجلي: أخبرنا خالد بن مخلد عن عبد الله بن عمر عن عمر مولى غفرة عن أبي أيوب الأنصاري به نحوه. 3 - ومن طريقه أيضا: أخبرنا إسحاق بن إسماعيل أخبرنا جرير عن يحيى بن سعيد عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره مرسلا. قلت: وهذه الأسانيد كلها ضعيفة. أما الأول، فهو مسلسل بالعلل الآتية: الأولى: جهالة الرجل الذي لم يسم. الثانية : ضعف أبي جناب، واسمه يحيى بن أبي حية، قال الحافظ: " ضعفوه لكثرة تدليسه ". الثالثة: المسعودي، واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الكوفي، قال الحافظ:

" صدوق اختلط قبل موته ". الرابعة: أبو أمية، وهو محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي الطرسوسي، وهو " صدوق يهم " كما في " التقريب ". والثاني مسلسل بالعلل أيضا: الأولى: عمر مولى غفرة، واسم أبيه عبد الله. قال الحافظ: " ضعيف كثير الإرسال ". الثانية: عبد الله بن عمر، وهو العمري المكبر، ضعيف مشهور بذلك. الثالثة: خالد بن مخلد وهو القطواني ، قال الحافظ: " صدوق يتشيع، وله أفراد ". والثالث، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير إسحاق بن إسماعيل - وهو الطالقاني - وهو ثقة، فهو إسناد صحيح، ولكنه مرسل. وله طريق رابعة، أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 196 / 1) من طريق موسى بن عبيدة عن عبادة بن عمير بن عبادة بن عوف قال: قال لي أبو أيوب : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره بلفظ: " ... يحبها الله ورسوله؟ تصلح بين الناس إذا تباغضوا وتفاسدوا ". والباقي مثله. وإسناده ضعيف أيضا، عبادة بن عمير لم أجد من ترجمه. وموسى بن عبيدة ضعيف. إلا أن الحديث عندي يرتقي إلى مرتبة الحسن على الأقل، بمجموع هذه الطرق، لاسيما وفيها ذلك المرسل الصحيح. والله أعلم.

2645

ثم وجدت لحديث أبي أيوب طريقا أخرى، فقال الطيالسي في " مسنده " (81 / 598) ومن طريقه البيهقي في " الشعب " (7 / 490 / 11094) : حدثنا أبو الصباح الشامي عن عبد العزيز الشامي عن أبيه عن أبي أيوب به نحوه. قلت: وهذا إسناد مظلم، من دون أبي أيوب لم أعرف أحدا منهم. 2645 - " إن لكل شيء سيدا، وإن سيد المجالس قبالة القبلة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (3 / 269) : حدثنا إبراهيم حدثنا عمرو بن عثمان : أخبرنا محمد بن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وقال: " لم يروه عن محمد بن خالد إلا عمرو ". قلت: وهو الوهبي، وهو ثقة، وكذا من فوقه على ضعف يسير في محمد بن عمرو، فالسند حسن على ما يأتي بيانه. وإبراهيم هو ابن محمد بن عرق الحمصي كما في ترجمة شيخه عمرو من " تاريخ ابن عساكر " (13 / 289 / 2) وأما إبراهيم نفسه فلم يترجم له هو. وقال الحافظ في " اللسان ": " هو شيخ للطبراني غير معتمد ". ثم روى الطبراني وابن عدي في " الكامل " (2 / 376) من طريق حمزة بن أبي حمزة عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " أكرم المجالس ما استقبل به القبلة "، وقالا: " لم يروه عن نافع إلا حمزة ".

2646

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، حمزة بن أبي حمزة الجزري النصيبي، متروك متهم بالوضع كما في " التقريب ". ولهذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (8 / 59) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه حمزة بن أبي حمزة، وهو متروك ". وقال في حديث الترجمة: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده حسن ". وكذا قال المنذري (4 / 61) وهو كما قالا لولا جهالة ابن عرق الحمصي، فلعلهما وقفا على توثيق له، أو متابع له، وإلى هذا يشير قول الطبراني المتقدم: " لم يروه ... إلا عمرو ". والله أعلم. وقد روى له الطبراني حديثا آخر في " المعجم الصغير " (180 / الروض النضير) . وله في " المعجم الأوسط " (17) حديثا ( 2522 - 2539) وقريب منها في " الدعاء " (انظر المجلد الأول منه ص 167) وذكره المزي فيمن روى عن (عمرو ابن عثمان الحمصي) و (محمد بن مصفى) . وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " إن لكل شيء شرفا، وإن شرف المجالس ما استقبل به القبلة ". وهو مخرج في الكتاب الآخر (1486) . 2646 - " كم من جار متعلق بجاره يقول: يا رب! سل هذا لم أغلق عني بابه، ومنعني فضله؟ ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " مكارم الأخلاق " (ص 85 رقم 345)

والأصبهاني في " الترغيب " (ص 223 - الجامعة) من طريق موسى بن خلف: حدثنا أبان عن عطاء عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا، وقال الأصبهاني: " أبان هو ابن بشير المكتب ". قلت: وهو مجهول كما قال ابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 68) (¬1) ، وقد روى عنه جمع كما في " تيسير الانتفاع ". ويتقوى حديثه برواية عبد السلام عن ليث عن نافع عن ابن عمر قال: " لقد أتى علينا زمان - أو قال: حين - وما أحد أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ثم الآن الدنيا والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه المسلم، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ... فذكره. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (111) . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير ليث وهو ابن أبي سليم على الراجح، فإنه قد شاركه في الرواية عن نافع ليث بن سعد الإمام الحجة، لكن هذا لم يذكروا في الرواة عنه عبد السلام هذا، وهو ابن حرب، وإنما ذكروه في الرواة عن ابن أبي سليم، وهو ضعيف من قبل حفظه، فيتقوى حديثه بالذي قبله. والله أعلم. (تنبيه) : لم يطلع المنذري في " الترغيب " (3 / 237) على رواية البخاري هذه لهذا الحديث، فاقتصر في عزوه على الأصبهاني وحده، وبناء عليه أشار إلى تضعيفه! ولو وقف على هذه الرواية لما فعل ذلك إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) قلت: وقع فيه " ابن كثير ". والتصحيح من " التاريخ " و " الجرح " و " اللسان ". وانظر " تيسير الانتفاع ". اهـ.

2647

2647 - " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا ". رواه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 8 / 1 / 99 - بترقيمي) قال: حدثنا أحمد ابن يحيى بن خالد بن حيان الرقي حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا عبد السلام بن حرب عن شعبة عن قتادة عن أنس قال: ... فذكره. ثم قال: " لم يروه عن شعبة إلا عبد السلام. تفرد به الجعفي ". قلت: وهو صدوق يخطىء كما في " التقريب "، وهو من شيوخ البخاري في " الصحيح "، ومن فوقه من رجال الشيخين، ولذلك قال المنذري (3 / 270) وتبعه الهيثمي (8 / 36) : " رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في (الصحيح) ". قلت: فالإسناد جيد، وإن كنت لم أجد من ترجم أحمد بن يحيى الرقي (¬1) ، فإن الظاهر من كلام الطبراني أنه لم يتفرد به. ثم هو من مشايخه المكثيرين، فقد روى له نحو ثمانين حديثا (78 - 160) . ويشهد له حديث جابر بن عبد الله أنه بلغه حديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الشام فسافر إليه فإذا عبد الله بن أنيس قال: فخرج فاعتنقني،..... الحديث. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (969) وغيره بسند حسن وعلقه البخاري في " كتاب العلم " من صحيحه "، وترجم له في " الأدب المفرد " بـ " باب المعانقة ". ثم وجدت للحديث طريقا آخر، يرويه غالب التمار قال: ¬

(¬1) وهو من تلامذة الإمام أحمد كما في " طبقات الحنابلة " (1 / 184) . اهـ.

كان محمد بن سيرين يكره المصافحة، فذكرت ذلك للشعبي، فقال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا تصافحوا، فإذا قدموا من سفر عانق بعضهم بعضا ". أخرجه البيهقي في " سننه " (7 / 100) بإسناد جيد كما قال الحافظ ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " (2 / 272) . ويشهد له ما أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (4 / 28 - تحقيق صاحبنا محمد زهري النجار) من طريق أبي غالب عن أم الدرداء قالت: " قدم علينا سلمان فقال: أين أخي؟ قلت: في المسجد، فأتاه، فلما رآه اعتنقه ". قلت: وإسناده حسن. فقه الحديث: يؤخذ من هذا الحديث فائدتان: الأولى: المصافحة عند التلاقي. والأخرى: المعانقة بعد العودة من السفر. ولكل منهما شواهد عن النبي صلى الله عليه وسلم. أما الأولى، ففيها أحاديث كثيرة معروفة من فعله صلى الله عليه وسلم وقوله، وقد مضى بعضها في هذه " السلسلة " برقم (160 و 529 و 530 و2004 و 2485) . وانظر " الترغيب " (3 / 270 - 271) و " الآداب الشرعية " لابن مفلح (2 / 277) . وأما الأخرى، ففيه حديث جابر رضي الله عنه قال: " لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي صلى الله عليه وسلم ".

وهو حديث صحيح كما سيأتي بيانه إن شاء الله في هذا المجلد برقم (2657) . قلت: وفي ذلك من الفقه تفريق الصحابة بين الحضر والسفر في أدب التلاقي، ففي الحالة الأولى: المصافحة، وفي الحالة الأخرى: المعانقة. ولهذا كنت أتحرج من المعانقة في الحضر، وبخاصة أنني كنت خرجت في المجلد الأول من هذه " السلسلة " (رقم 160) حديث نهيه صلى الله عليه وسلم عن الانحناء والالتزام والتقبيل. ثم لما جهزت المجلد لإعادة طبعه، وأعدت النظر في الحديث، تبين لي أن جملة " الالتزام " ليس لها ذكر في المتابعات أو الشواهد التي بها كنت قويت الحديث، فحذفتها منه كما سيرى في الطبعة الجديدة من المجلد إن شاء الله، وقد صدر حديثا والحمد لله. فلما تبين لي ضعفها زال الحرج والحمد لله، وبخاصة حين رأيت التزام ابن التيهان الأنصاري للنبي صلى الله عليه وسلم في حديث خروجه صلى الله عليه وسلم إلى منزله رضي الله عنه الثابت في " الشمائل المحمدية " (رقم 113 ص 79 - مختصر الشمائل) ولكن هذا إنما يدل على الجواز أحيانا، وليس على الالتزام والمداومة كما لو كان سنة، كما هو الحال في المصافحة فتنبه. وقد رأيت للإمام البغوي رحمه الله كلاما جيدا في التفريق المذكور وغيره، فرأيت من تمام الفائدة أن أذكره هنا، قال رحمه الله في " شرح السنة " (12 / 293) بعد أن ذكر حديث جعفر وغيره مما ظاهره الاختلاف: " فأما المكروه من المعانقة والتقبيل، فما كان على وجه الملق والتعظيم، وفي الحضر، فأما المأذون فيه فعند التوديع وعند القدوم من السفر، وطول العهد بالصاحب وشدة الحب في الله . ومن قبل فلا يقبل الفم، ولكن اليد والرأس والجبهة.

وإنما كره ذلك في الحضر فيما يرى لأنه يكثر ولا يستوجبه كل أحد، فإن فعله الرجل ببعض الناس دون بعض وجد عليه الذين تركهم، وظنوا أنه قصر بحقوقهم، وآثر عليهم، وتمام التحية المصافحة ". واعلم أنه قد ذهب بعض الأئمة كأبي حنيفة وصاحبه محمد إلى كراهة المعانقة، حكاه عنهما الطحاوي خلافا لأبي يوسف. ومنهم الإمام مالك، ففي " الآداب الشرعية " (2 / 278) : " وكره مالك معانقة القادم من سفر، وقال: " بدعة "، واعتذر عن فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بجعفر حين قدم، بأنه خاص له، فقال له سفيان: ما تخصه بغير دليل، فسكت مالك. قال القاضي: وسكوته دليل لتسليم قول سفيان وموافقته، وهو الصواب حتى يقوم دليل التخصيص " . هذا وقد تقدم في كلام الإمام البغوي قوله بأنه لا يقبل الفم، وبين وجه ذلك الشيخ ابن مفلح في " الآداب الشرعية "، فقال (2 / 275) : " ويكره تقبيل الفم، لأنه قل أن يقع كرامة ". ويبدو لي من وجه آخر، وهو أنه لم يرو عن السلف، ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وما أحسن ما قيل: وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. فالعجب من ذاك الدكتور الحلبي القصاص الواعظ الذي نصب نفسه للرد على علماء السلفيين وأتباعهم، وتتبع عثراتهم، وأقوالهم المخالفة لأقوال العلماء بزعمه، وينسى نفسه، فقد سمعت له شريطا ينكر فيه على أحدهم عدم شرعية تقبيل الفم، ويصرح بأنه كتقبيل الجبهة واليد وأنه لا فرق! فوقع في المخالفة التي ينكرها على السلفيين، ولو أن أحدا منهم قاس هذا القياس (البديع!) لأبرق وأرعد وصاح وتباكى، وحشد كل ما يستطيع حشده من أقوال العلماء! وأما هو فلا بأس

2648

عليه من مخالفتهم! * (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) *. أصلحه الله وهداه. 2648 - " كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر: * (والعصر إن الإنسان لفي خسر) *، ثم يسلم أحدهما على الآخر ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 11 / 2 / 5256) : حدثنا محمد بن هشام المستملي: حدثنا عبيد الله بن عائشة حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أبي مدينة الدارمي - وكانت له صحبة - قال: ... فذكره. وقال: " لا يروى عن أبي مدينة إلا بهذا الإسناد. قال ابن المديني: اسم أبي مدينة عبد الله بن حفص ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير محمد بن هشام المستملي، وهو أبو جعفر المروزي المعروف بابن أبي الدميك، مستملي الحسن بن عرفة، توفى سنة (289) ، ترجمه الخطيب (3 / 361 - 362) ووثقه. وقال الدارقطني: لا بأس به. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 307) وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح غير ابن عائشة وهو ثقة ". ثم رأيت الحديث في " شعب الإيمان " (6 / 501 / 9057) من طريق يحيى ابن أبي بكير قال: أخبرنا حماد بن سلمة به. وقال:

" ورواه غيره عن حماد عن ثابت عن عتبة بن الغافر قال: كان الرجلان ... فذكره ". قلت: لم أجد من وصله ، ولا عرفت عتبة بن الغافر، والمحفوظ رواية الثقتين يحيى بن أبي بكير وابن عائشة عن حماد. (تنبيه) : سقطت جملة التسليم في آخر الحديث من " مجمع الزوائد " و " مجمع البحرين " أيضا، وهي ثابتة في أصلهما: " المعجم الأوسط " كما ترى، وفي " شعب الإيمان " أيضا، وفي غيره من المصادر التي عزت الحديث إلى الطبراني، مثل " تفسير ابن كثير " (4 / 547) و " الدر المنثور " (6 / 392) . وأما قول المعلق على " مجمع البحرين " (8 / 272) في الحاشية، وقد ألحقها بآخر الحديث بين معقوفتين [] : " ما بين المعكوفتين من طص ". فما أراه إلا وهما، لأن هذا الرمز (طص) إنما يعني عنده " معجم الطبراني الصغير " كما نص عليه في المقدمة (ص 28) ولم يخرجه الطبراني في " الصغير "، وهو نفسه لم يعزه إليه في تخريجه إياه. والله أعلم. وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا رضي الله عنهم جميعا: إحداهما: التسليم عند الافتراق، وقد جاء النص بذلك صريحا من قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، وإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة ". وهو حديث صحيح مخرج في المجلد الأول من هذه " السلسلة " برقم

2649

(183) وهو في " صحيح الأدب المفرد " برقم (773 / 986) وقد صدر حديثا وفي " صحيح زوائد ابن حبان " ( ... / 1931) وهو تحت الطبع. وفي معناه الأحاديث الآمرة بإفشاء السلام، وقد تقدم بعضها برقم (184 و 569 و 1493) . والأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يحدثوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله، إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا، ولم لا وقد أثنى الله تبارك وتعالى عليهم أحسن الثناء، فقال: * (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم) * (¬1) . وقال ابن مسعود والحسن البصري: " من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم " (¬2) 2649 - " كنا إذا رأينا الرجل يلعن أخاه رأينا أن قد أتى بابا من الكبائر ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (3 / 276 / 1 - مجمع البحرين) : حدثنا ¬

(¬1) انظر " إعلام الموقعين " لابن القيم (4 / 159) لتتبين معنى الاتباع، وأنه واجب. (¬2) أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 97) بإسنادين عنه، وعزاه ابن القيم (4 / 179) للإمام أحمد - ولعله يعني في " الزهد " - عن ابن مسعود. وانظر " المشكاة " (193) . اهـ.

2650

محمد بن الحسن حدثنا يزيد بن موهب أخبرني عمرو بن الحارث أن بكير بن عبد الله بن الأشج حدثه أن يزيد بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع حدثه أنه سمع سلمة بن الأكوع يقول: ... فذكره، وقال: " لم يروه عن سلمة إلا يزيد، ولا عنه إلا بكير ، تفرد به عمرو ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذا من فوقه. ويزيد بن موهب، هو يزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب الهمداني الرملي، وهو ثقة مترجم في " التهذيب ". ومحمد بن الحسن هو ابن قتيبة العسقلاني، وهو ثقة أيضا، مترجم في " تاريخ ابن عساكر ". فالسند صحيح، وقد قواه الهيثمي تبعا للمنذري، فقال في " مجمع الزوائد " (8 / 73) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " بنحوه، وإسناد " الأوسط " جيد، وفي إسناد " الكبير " ابن لهيعة، وهو لين ". وقال المنذري (3 / 287) : " رواه الطبراني بإسناد جيد ". 2650 - " ليس منا من سحر (أو سحر له) أو تكهن أو تكهن له أو تطير أو تطير له ". أخرجه البزار في " مسنده " (ص 169 - زوائده) والطبراني في " الأوسط " (4 / 393) عن زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وقال البزار: " لا نعلمه إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد، وزمعة ضعيف ".

وكذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 217) . وأقول: وسلمة بن وهرام قريب منه. لكن للحديث شاهد من رواية أبي حمزة العطار إسحاق بن الربيع: عن الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا بلفظ: " ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن عقد عقدة، أو قال عقد عقدة، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ". أخرجه البزار وقال: " قد روي بعضه من غير وجه، فأما بتمامه ولفظه فلا نعلمه إلا عن عمران بهذا الطريق ، وأبو حمزة بصري لا بأس به ". وقال المنذري (4 / 52) : " رواه البزار بإسناد جيد، ورواه الطبراني من حديث ابن عباس دون قوله: " ومن أتى ... " إلخ ، بإسناد حسن ". كذا قال، وهو مردود بضعف زمعة، إلا أن يعني أنه حسن لغيره ، فنعم. وقال الهيثمي: " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح خلا إسحاق بن الربيع، وهو ثقة ". قلت: نعم، ولكن الحسن - وهو البصري - مدلس وقد عنعنه، فهو جيد بحديث الترجمة، وأما قوله: " ومن أتى ... "، فله شواهد كثيرة، وبعض أسانيدها صحيح، وهي مخرجة في " الإرواء " (2066) ، ومع ذلك فقد ضعفه الجاني على السنة في تعليقه على " إغاثة اللهفان " (1 / 359) متجاهلا إسناده الصحيح. وقد تقدم تخريج الحديث برقم (2195) ، فقدرت الإعادة لزيادة فائدة.

2651

2651 - " من قرأ * (سورة الكهف) * [كما أنزلت] كانت له نورا يوم القيامة، من مقامه إلى مكة، ومن قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره، ومن توضأ فقال : سبحانك اللهم وبحمدك [أشهد أن] لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رق، ثم جعل في طابع، فلم يكسر إلى يوم القيامة ". أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (81 و 952) والطبراني في " الأوسط " (1 / 5 / 1) من طريق يحيى بن محمد بن السكن، والحاكم (1 / 564) من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد، والزيادة له، كلاهما عن يحيى بن كثير العنبري : حدثنا شعبة عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. وقال الطبراني : " لم يروه عن شعبة إلا يحيى ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه، فهو إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول الحاكم: " صحيح على شرط مسلم " إنما هو من أوهامه، وإن تابعه الذهبي. وقد أعل بالوقف، فقال الهيثمي (1 / 239) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح "، إلا أن النسائي قال بعد تخريجه في " اليوم والليلة ": (هذا خطأ، والصواب موقوفا) ". ثم رواه من رواية الثوري، وغندر عن شعبة موقوفا. ونحوه في " الترغيب " (1 / 105) .

قلت: ورواية سفيان الموقوفة، أخرجها النسائي (954) والحاكم أيضا من طريق عبد الرحمن بن مهدي عنه عن أبي هاشم به موقوفا. وقد رواه يوسف بن أسباط عن سفيان به مرفوعا بالشطر الأخير منه. أخرجه ابن السني (رقم 30) . لكن ابن أسباط ضعيف. ورواه هشيم عن أبي هاشم به، إلا أنه اختلف عليه وقفا ورفعا، فرواه أبو النعمان عنه موقوفا بالشطر الأول نحوه. أخرجه الدارمي (2 / 454) . وخالفه نعيم بن حماد فرواه عنه مرفوعا. أخرجه الحاكم (2 / 368) وقال: " صحيح الإسناد "!! . وخالفهم جميعا قيس بن الربيع فقال: عن أبي هاشم الرماني عن أبي مجلز السدوسي عن قيس بن أبي حازم البجلي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بالفقرة الأخيرة. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (8 / 25) ووقع في سنده بعض الأخطاء المطبعية. قلت: وقيس بن الربيع سيىء الحفظ، وقد خالفهم في قوله: " قيس بن أبي حازم " مكان قولهم: " قيس بن عباد ". وخلاصة القول: إن الحديث صحيح، لأنه وإن كان الأرجح سندا الوقف، فلا يخفى أن مثله لا يقال بالرأي، فله حكم الرفع. والله أعلم.

2652

(تنبيه) : قد سبق في حديث أبي الدرداء المتقدم برقم (582) أن العصمة من الدجال قراءة عشر آيات من أول سورة (الكهف) . وفي حديث الترجمة (عشر آيات من آخرها) وهو رواية في حديث أبي الدرداء المشار إليه، ولكنها شاذة كما كنت بينته هناك، لكن حديث الترجمة شاهد قوي لها، ولذلك فإني أراني مضطرا إلى القول بصحة الروايتين، وأنها بمنزلة قراءتين لآية واحدة، يجوز العمل بكل منهما، لأن لكل منها شاهدا يدل على أنهما محفوظتان، كما يتبين ذلك للقارئ الملم بالتحقيق المذكور هنا وهناك . والله أعلم. ثم تنبهت لشيء هام حملني على التراجع عن قولي هذا الأخير، ألا وهو أن هذا الشاهد مداره على شعبة أيضا، كحديث أبي الدرداء المشهود له، وهذا لا يصلح كما هو ظاهر. ولاسيما أنه قد خالفه في هذا الحديث سفيان فقال: " سورة الكهف " في الموضعين، فلم يقل: " من آخرها "، كما قال شعبة، رواه عنهما النسائي (949 و 952) ، وبخاصة أن شعبة اضطرب فيها كما تقدم بيانه هناك. 2652 - " من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتبت له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق ". روي من حديث أنس وأبي كاهل وعمر بن الخطاب. 1 - أما حديث أنس، فله عنه أربعة طرق: الأولى: عن أبي قتيبة سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. أخرجه الترمذي (2 / 7 - شاكر) وأبو سعيد ابن الأعرابي في " المعجم " (ق 116 / 2) وابن عدي في " الكامل " (ق 103 / 2 و 116 / 1) وأبو القاسم

الهمداني في " الفوائد " (ق 197 / 1) والبيهقي في " الشعب " (3 / 61 / 2872) . قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن أعله الترمذي بالوقف، فقال: " وقد روي هذا الحديث موقوفا، ولا أعلم أحدا رفعه إلا ما روى سلم بن قتيبة عن طعمة بن عمرو عن حبيب بن أبي ثابت عن أنس. وإنما يروى هذا الحديث عن حبيب ابن أبي حبيب البجلي عن أنس بن مالك قوله ". قلت: ثم وصله هو وابن عدي من طريق وكيع عن خالد بن طهمان عن حبيب بن أبي حبيب (زاد الترمذي: البجلي) عن أنس نحوه موقوفا عليه لم يرفعه. قلت: وهذا ليس بعلة قادحة لأنه لا يقال بمجرد الرأي، فهو في حكم المرفوع، لاسيما وقد رفعه عبد الرحمن بن عفراء الدوسي: حدثنا خالد بن طهمان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره نحوه هكذا دون ذكر حبيب. أخرجه ابن عدي. والدوسي هذا صدوق، ومثله شيخه خالد بن طهمان إلا أنه كان اختلط، فلا أدري أسقط منه ذكر حبيب في السند أم من الناسخ، ولعل هذا أقرب، فقد قال ابن عدي: " وهذا الحديث قد ذكر فيه حبيب بن أبي حبيب، فروى عنه هذا الحديث طعمة بن عمرو، وخالد بن طهمان، رفعه عنه طعمة، ورواه خالد عنه مرفوعا وموقوفا، ولا أدري حبيب بن أبي حبيب هذا هو صاحب الأنماط، أو حبيب آخر؟! ".

قلت: فمن الظاهر من كلام ابن عدي هذا أن في الرواية المرفوعة عن خالد بن طهمان (حبيب بن أبي حبيب) ، فهو يرجح أن السقط من الناسخ. ثم هو قد ذكر ذلك في ترجمة حبيب بن أبي حبيب صاحب الأنماط، ولا أرى أن له علاقة بهذا الحديث، لاسيما وهو متأخر الطبقة، فإنه من أتباع التابعين، روى عن قتادة وغيره، فهو إما حبيب بن أبي حبيب البجلي كما هو مصرح به في رواية الترمذي، وإما حبيب بن أبي ثابت كما في رواية الترمذي وغيره، لكن وقع في رواية ابن عدي: " عن حبيب - قال أبو حفص: وهو الحذاء ". فلعل الحذاء لقب حبيب بن أبي ثابت عند أبي حفص، وهو عمرو بن علي الفلاس الحافظ، فتكون فائدة عزيزة لم يذكروها في ترجمة ابن أبي ثابت. والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة القول: إن الحديث يدور على حبيب بن أبي ثابت أو حبيب بن أبي حبيب، وكلاهما ثقة، لكن الأول أشهر وأوثق، إلا أنه مدلس، فإن كان الحديث حديثه فعلته التدليس، وإن كان الحديث حديث ابن أبي حبيب البجلي - وبه جزم البيهقي كما يأتي - فعلته اختلاط خالد بن طهمان الراوي عنه، لكنه يتقوى بمتابعة طعمة له، وكذلك يتقوى في حال كون الحديث محفوظا عن الحبيبين، كما هو ظاهر لا يخفى لذي عينين. الثانية: ثم قال الترمذي: " وروى إسماعيل بن عياش هذا الحديث عن عمارة بن غزية عن أنس بن مالك عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا. وهذا حديث غير محفوظ، وهو مرسل، وعمارة بن غزية لم يدرك أنس بن مالك ".

قلت: وصله ابن ماجه (798) : حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا إسماعيل بن عياش به، ولفظه: " من صلى في مسجد جماعة أربعين ليلة لا تفوته الركعة الأولى من صلاة العشاء، كتب الله له بها عتقا من النار " . وأخرجه ابن عساكر في " التاريخ " (12 / 275) من طريق آخر عن إسماعيل بلفظ : " الظهر "، مكان " العشاء ". ورواه سعيد بن منصور أيضا في " سننه " كما في " التلخيص الحبير " (2 / 27) عن إسماعيل، وهو ضعيف في غير الشاميين، وهذا من روايته عن مدني، كما قال الحافظ، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في " العلل " وضعفه، وذكر أن قيس بن الربيع وغيره روياه عن أبي العلاء عن حبيب بن أبي ثابت: قال: " وهو وهم، وإنما هو حبيب الإسكاف ". الثالثة: عن يعقوب بن تحية قال: حدثنا يزيد بن هارون عن حميد الطويل عن أنس مرفوعا بلفظ: " من صلى أربعين يوما في جماعة: صلاة الفجر، وعشاء الآخرة أعطي براءتين ... " الحديث . أخرجه أبو المظفر الجوهري في " العوالي الحسان " (ق 161 / 1 - 2) والخطيب في " التاريخ " (14 / 288) وابن عساكر (15 / 127 / 2) من طرق عن يعقوب به . أورده الخطيب في ترجمة يعقوب هذا، وسماه يعقوب بن إسحاق بن تحية أبو يوسف الواسطي، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، إلا أنه ساق له بعض الأحاديث التي تدل على حاله، وقال الذهبي:

" ليس بثقة، وقد اتهم ". ثم ساق له بسنده المذكور عن أنس مرفوعا: " إن من إجلالي توقير المشايخ من أمتي "، وقال: " قلت: هو المتهم بوضع هذا ". وأورد هذه الطريق ابن الجوزي في " العلل " من حديث بكر بن أحمد بن يحيى الواسطي عن يعقوب بن تحية به. وقال: " بكر ويعقوب مجهولان ". ذكره الحافظ وأقره، وفاته أن بكرا قد توبع عند الخطيب وغيره، كما أشرت إلى ذلك آنفا بقولي في تخريجه: " من طرق عن يعقوب ". فالعلة محصورة في يعقوب وحده. الرابعة: عن نبيط بن عمرو عن أنس مرفوعا بلفظ: " من صلى في مسجدي هذا أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة ... " الحديث. قلت: ونبيط هذا مجهول، والحديث بهذا اللفظ منكر، لتفرد نبيط به ومخالفته لكل من رواه عن أنس في متنه كما هو ظاهر، ولذلك كنت أخرجته قديما في " الضعيفة " ( رقم 364) فأغنى ذلك عن تخريجه هنا. ومن الغرائب أن بعض إخواننا من أهل الحديث تسرع فكتب مقالا نشره في " مجلة الجامعة السلفية " ذهب فيه إلى تقوية هذا الحديث المنكر، متجاهلا جهالة نبيط هذا، ومخالفة متن حديثه للطرق المتقدمة. ولقد اضطررت أن أقول: " متجاهلا " لأنه في رده على الغماري في بعض أحاديث التوسل قد صرح بأن

توثيق ابن حبان لا يوثق به عند العلماء! ثم رأيناه قد وثق هو به، فوثق نبيطا هذا تبعا له، وليس له إلا راو واحد، ومع ذلك ففيه ضعف. ولله في خلقه شؤون. ومما يؤكد نكارته الشاهد الآتي لحديث الترجمة : 2 - وأما حديث أبي كاهل، فيرويه الفضل بن عطاء عن الفضل بن شعيب عن منظور عن أبي معاذ عن أبي كاهل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... ، فذكر حديثا طويلا، وفيه: " اعلمن يا أبا كاهل أنه من صلى أربعين يوما وأربعين ليلة في جماعة يدرك التكبيرة الأولى، كان حقا على الله عز وجل أن يرويه يوم المعطش ". أخرجه الطبراني (18 / 361 - 362) والعقيلي (ص 353) في ترجمة الفضل هذا، وقال: " إسناده مجهول، وفيه نظر ". وقد ساقه المنذري بطوله في " الترغيب " (4 / 139 - 140) من رواية الطبراني، ثم قال: " وهو بجملته منكر، وتقدم في مواضع من هذا الكتاب ما يشهد لبعضه، والله أعلم بحاله ". والخلاصة: فالحديث بمجموع طرقه الأربعة عن أنس حسن على أقل الأحوال، وبقية الطرق إن لم تزده قوة. فلن تؤثر فيه ضعفا. والله تعالى أعلم. ثم رأيت البيهقي رحمه الله جزم بأن حبيبا في الطريق الأولى هو حبيب ابن أبي حبيب البجلي أبو عمير، وأن من قال في السند: " حبيب بن أبي ثابت فقد أخطأ ". ثم ساقه من طريق طعمة، ومن طريق خالد بن طهمان على الصواب. فأحدهما يقوي الآخر كما سبق . والله تعالى أعلم.

2653

3 - وأما حديث عمر بن الخطاب، فأخرجه ابن ماجه وابن عساكر كما تقدم في الطريق الثانية عن أنس مع بيان علته. (تنبيه) : تبين فيما بعد أن الحديث سبق مخرجا في المجلد الرابع برقم (1979) لكن لما رأيت أن تخريجه هنا أوسع وأنفع منه هناك رأيت الاحتفاظ به هنا. " وما قدر يكن ". 2653 - " ما ظن محمد بالله لو لقي الله عز وجل، وهذه عنده؟ أنفقيها ". ورد من حديث عائشة رضي الله عنها، وله عنها طرق: الأولى: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي مات فيه: [يا عائشة] ما فعلت الذهب؟ قالت: قلت: هي عندي. قال: ائتيني بها. فجئت بها، وهي ما بين التسع أو الخمس، فوضعها في يده، ثم قال بها - وأشار يزيد بيده -: فذكره. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2142 - موارد) وأحمد (6 / 182) وابن سعد في " الطبقات " (2 / 2 / 33) . قلت: وهذا إسناد حسن صحيح، فقد تابع محمد بن عمرو، أبو حازم عن أبي سلمة به أخرجه ابن سعد، وابن حبان (2143) . وتابعه الوازع بن نافع عند أبي الشيخ ابن حيان في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 303) لكن الوازع متروك. الثانية: عن موسى بن جبير عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال:

دخلت أنا وعروة بن الزبير يوما على عائشة، فقالت: لو رأيتما نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم في مرض مرضه، قالت: وكان له عندي ستة دنانير - قال موسى - أو سبعة، قالت: فأمرني نبي الله صلى الله عليه وسلم أن أفرقها، قالت: فشغلني وجع نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى عافاه الله، قالت: ثم سألني عنها فقال: ما فعلت الستة؟ قال: أو السبعة؟ قلت: لا والله لقد كان شغلني وجعك. قالت: فدعا بها، ثم وضعها في كفه، فقال: فذكره. دون قوله: " أنفقيها ". أخرجه ابن حبان (2141) وأحمد (6 / 104) . قلت: وإسناده صحيح بما قبله، رجاله ثقات رجال الشيخين غير موسى ابن جبير وهو الأنصاري المدني، وقد روى عنه جمع من الثقات، وأورده ابن حبان في " ثقاته " (7 / 451) وقال: " كان يخطىء ويخالف ". الثالثة: عن يعقوب بن عبد الرحمن: حدثني أبي عن أبيه أو عبيد الله بن عبد الله - شك يعقوب - عن عائشة قالت: أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية دراهم بعد أن أمسينا، فلم يزل قائما وقاعدا لا يأتيه النوم، حتى سمع سائلا يسأل، فخرج من عندي فما عدا أن دخل، فسمعت غطيطه، فلما أصبح قلت: يا رسول الله رأيتك أول الليل قائما وقاعدا لا يأتيك النوم حتى خرجت من عندي، فما عدا أن دخلت فسمعت غطيطك؟ قال: أجل، أتت رسول الله ثمانية دراهم بعد أن أمسى، فما ظن رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث، دون الزيادة. أخرجه ابن سعد. ورجاله ثقات غير والد عبد الرحمن، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 300) ، فقال:

" محمد بن عبد الله بن عبد القاري، وهو جد يعقوب بن عبد الرحمن المديني الإسكندراني، روى عن أبيه عن عمر وأبي طلحة. روى عنه الزهري وابنه عبد الرحمن ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو على شرط ابن حبان فليراجع كتابه " الثقات " (7 / 374) ، وقد تردد يعقوب هل هو الراوي له عن عائشة، أو عبيد الله بن عبد الله، وعبيد الله هذا لم أعرفه، ومحمد بن عبد الله القاري مجهول الحال فيما يظهر مما نقلته عن ابن أبي حاتم، فإن صح هذا عن عائشة، فهي قصة أخرى غير التي تقدمت. والله أعلم. ونحوها ما أخرجه ابن سعد أيضا، قال: أخبرنا سعيد بن منصور أخبرنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي أبي حازم عن سهل بن سعد قال: " كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير وضعها عند عائشة، فلما كان في مرضه قال: يا عائشة ابعثي بالذهب إلى علي. ثم أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشغل عائشة ما به، حتى قال ذلك ثلاث مرات، كل ذلك يغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشغل عائشة ما به، فبعثت - يعني به - إلى علي فتصدق به، ثم أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين في جديد الموت، فأرسلت عائشة إلى امرأة من النساء بمصباحها، فقالت: اقطري لنا في مصباحنا من عكتك السمن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جديد الموت ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقال المنذري (2 / 42) ، ثم الهيثمي (3 / 124) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورواته ثقات محتج بهم في (الصحيح) ". (جديد الموت) كذا وقع في " الطبقات " و " المجمع " و " الترغيب " أيضا

2654

(طبعة المنيرية) لكن المعلق عليه صححه بزعمه فجعله (حديد) بالحاء المهملة ثم علق عليه فقال: " في بعض النسخ " جديد الموت " بالجيم، وهو خطأ، والصواب " حديد " بالحاء المهملة، أي بسجن الموت وشدته والله أعلم ". قلت: وما خطأه هو الصواب، والمعنى ظاهر جدا: أي في وجه الموت وطريقه، فقد جاء في " النهاية ": " وفيه: " ما على جديد الأرض " أي وجهها ". ثم رأيت في " لسان العرب " ما هو صريح في ما ذكرت. قال (3 / 112 ) : " والجديد: ما لا عهد لك به، ولذلك وصف الموت بالجديد، هذلية، قال أبو ذؤيب: فقلت لقلبي يا لك الخير إنما يدليك للموت الجديد حبابها. وقال الأخفش والمغافص الباهلي: " جديد الموت: أوله ". فصح ما قلته، والحمد لله. 2654 - " من لم يدع الله يغضب عليه ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (658) والترمذي (2 / 342) وابن ماجه ( 3827) والحاكم (1 / 491) وأحمد (2 / 442 و 477) وابن أبي شيبة (10 / 200) والبيهقي في " الشعب " (1 / 35 / 1099) والطبراني في " الدعاء " (2 / 796 / 23) وفي " الأوسط " (3 / 216 / 2452 ط) وابن عدي في " الكامل " ( 7 / 295) والبغوي في " تفسيره " (7 / 310 - منار) من طرق كثيرة عن صبيح أبي المليح قال: سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد، فإن أبا صالح الخوزي، وأبا المليح الفارسي لم يذكرا بالجرح، إنما هما في عداد المجهولين، لقلة الحديث ". كذا قال، وأقره الذهبي، وفيه نظر من جهة أبي المليح، فإنه ليس مجهولا، كيف وقد روى عنه جمع من الثقات، ذكرهم في " التهذيب "، منهم: وكيع بن الجراح ومروان بن معاوية الفزاري وحاتم بن إسماعيل وأبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، وهؤلاء كلهم رووا هذا الحديث عنه، فأنى له الجهالة، لاسيما وقد قال ابن معين فيه: " ثقة "، وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 475) ووثقه الحافظ. وأما شيخه أبو صالح الخوزي، فحشره في زمرة المجهولين هو اللائق بمثله، لأنهم لم يذكروا راويا عنه سوى أبي المليح هذا، لولا أن أبا زرعة قال فيه: " لا بأس به "، كما ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 393) وأقره ولذلك قال الحافظ ابن كثير في " التفسير " (7 / 309) عقب الحديث، وقد ساقه من طريق أحمد بأحد إسناديه: " تفرد به أحمد، وهذا إسناد لا بأس به ". وهذا عين ما كنت قلته في السلسلة الأخرى تحت الحديث (21) وقد ذكرت ذلك بالمناسبة، فقلت ثم: " وهو حديث حسن ". وقد أشكل هذا على بعض الطلبة من إخواننا الكويتيين ونسب إلي أنني صححت الحديث. والواقع أنني حسنته فقط كما ذكرت آنفا، بل ورددت على الحاكم تصحيحه إياه تحت الحديث المشار إليه، كما نسب إلي غير ذلك مما لا يحسن ذكره هنا، وسأكتب إليه بذلك إن شاء الله تعالى.

(تنبيهات) : الأول: قول ابن كثير: " تفرد به أحمد " يعني: دون أصحاب الستة، وهو وهم، فقد عرفت من تخريجنا إياه أنه قد رواه بعضهم. الثاني: تصحيح الحاكم للحديث مع تصريحه بجهالة بعض رواته، دليل على أن من مذهبه تصحيح حديث المجهولين، فهو في ذلك كابن حبان، فاحفظ هذا فإنه ينفعك في البحث والتحقيق إن شاء الله تعالى. الثالث: زاد الحاكم في رواية له من طريق محمد بن محمد بن حبان الأنصاري: حدثنا محمد بن الصباح الجرجرائي حدثنا مروان بن معاوية الفزاري حدثنا أبو المليح بإسناده: " ... وإن الله ليغضب على من يفعله، ولا يفعل ذلك أحد غيره . يعني الدعاء " فظننت أن هذه الزيادة مدرجة في الحديث من الجرجرائي أو الأنصاري فإني لم أعرفه، والفزاري من شيوخ أحمد في حديث الترجمة، وأحمد جبل في الإتقان والحفظ ولم يذكرها عنه مع متابعة الثقات له كما سبق، ولذلك أوردت الحديث بهذه الزيادة في " الضعيفة " (4040) . ثم إن للحديث شاهدين من حديث أنس، والنعمان بن بشير. 1 - أما حديث أنس فيرويه حماد بن عبد الرحمن الكلبي، عن المبارك بن أبي حمزة عن الحسن عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يذكر عن ربه عز وجل: " يا ابن آدم! إنك إن سألتني أعطيتك، وإن لم تسألني أغضب عليك ". أخرجه الطبراني في " الدعاء " (رقم 24) .

2655

وحماد، وابن أبي حمزة ضعيفان. 2 - أما حديث النعمان، فهو بلفظ: " الدعاء هو العبادة "، ثم قرأ: * (وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) *. أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 246 / المعارف) ، و " صحيح أبي داود " (1329) ، و " الروض النضير " (888) . وإن مما لا شك فيه أن الاستكبار عن عبادته تعالى ودعائه يستلزم غضب الله تعالى على من لا يدعوه، فشهادة هذا الحديث لحديث الترجمة شهادة قوية لمعناه دون مبناه. وقد غفل عن هذه الأحاديث بعض جهلة الصوفية أو تجاهلوها، بزعمهم أن دعاء الله سوء أدب مع الله، متأثرين في ذلك بالأثر الإسرائيلي: " علمه بحالي يغني عن سؤاله "! فجهلوا أن دعاء العبد لربه تعالى ليس من باب إعلامه بحاجته إليه سبحانه وتعالى * (يعلم السر وأخفى) *، وإنما من باب إظهار عبوديته وحاجته إليه وفقره، كما تقدم بيانه في المجلد الأول من " الضعيفة " رقم (22) . 2655 - " من أدى زكاة ماله طيبة بها نفسه يريد وجه الله والدار الآخرة لم يغيب شيئا من ماله، وأقام الصلاة وأدى الزكاة، فتعدى عليه الحق، فأخذ سلاحه فقاتل، فقتل، فهو شهيد ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (2336) عن زكريا بن يحيى بن أبان

المصري، والحاكم (1 / 404 - 405) عن أحمد بن إبراهيم بن ملحان كلاهما قالا: حدثنا عمرو بن خالد الحراني: حدثنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف الشيباني عن علي بن الحسين قال: حدثتنا أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم بينما هو في بيتها وعنده رجال من أصحابه يتحدثون إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله كم صدقة كذا وكذا من التمر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كذا وكذا من التمر "، فقال الرجل: إن فلانا تعدى علي فأخذ مني كذا وكذا، فازداد صاعا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " فكيف إذا سعى عليكم من يتعدى عليكم أشد من هذا التعدي؟ ". فخاض الناس وبهرهم الحديث، حتى قال رجل منهم: يا رسول الله إن كان رجلا غائبا عنك في إبله وماشيته وزرعه وأدى زكاة ماله فتعدى عليه الحق، فكيف يصنع وهو غائب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وإنما هو وهم منهما، بل هو صحيح فقط، ليس على شرطهما ولا على شرط أحدهما، فإن عمرو بن خالد لم يرو له مسلم، والقاسم بن عوف الشيباني لم يخرج له البخاري. والحديث أورده في " المجمع " (3 / 82) وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال الجميع رجال الصحيح ". قلت: وأخرجه أحمد (6 / 301) : حدثنا زكريا بن عدي قال: أنبأنا عبيد الله (الأصل: عبد، وهو خطأ) ابن عمرو به مختصرا.

2656

وهو في " كبير الطبراني " (23 / 287 / 632) و " الأوسط " (3 / 29 / 1370 - مجمع البحرين) بتمامه، وكذلك رواه البيهقي في " السنن " (4 / 137) من طريق الحاكم والجملة الأخيرة من الحديث: " من قاتل دون ماله فهو شهيد " لها شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما بألفاظ متقاربة ، قد خرجت بعضها في " أحكام الجنائز " (ص 56 - 57 - طبعة المعارف) وفيما يأتي من هذه السلسلة، (المجلد السابع رقم 3247) ، وفي بعضها بيان أن الحديث ببعض القيود، مثل أن يذكره بالله ثلاثا، لعله يرعوي، فإن لم يرتدع، استعان بمن حوله من المسلمين، فإن لم يكن حوله أحد، استعان عليه بالسلطان إن أمكن، فإذا تعاطى المظلوم هذه الأسباب ونحوها فلم يندفع الظلم، قاتله، فإن قتله فهو في النار، وإن قتل فهو شهيد. 2656 - " إن الله لا ينظر إلى [أجسادكم ولا إلى] صوركم وأموالكم ولكن [إنما] ينظر إلى قلوبكم [وأشار بأصابعه إلى صدره] وأعمالكم ". أخرجه مسلم (8 / 11) وابن ماجه (4143) وأحمد (2 / 539) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 98) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 480) من طرق عن كثير بن هشام: حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة مرفوعا به. والزيادة الثانية لابن ماجه وأحمد والبيهقي. وقال أبو نعيم: " رواه الثوري عن جعفر بن برقان به مثله ". قلت: ثم وصله هو (7 / 124) والبيهقي من طريق محمد بن غالب تمتام:

حدثنا قبيصة حدثنا سفيان به، إلا أنه قال: " وأجسامكم " بدل: " وأموالكم ". وقال أبو نعيم: " غريب من حديث الثوري عن جعفر، ولا أعلم رواه عنه [إلا] قبيصة ". قلت: وتابعه غيره، فقال أحمد ( 2 / 285) : حدثنا محمد بن بكر البرساني حدثنا جعفر - يعني ابن برقان - به. وله طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا به، وقال: " أجسادكم " مكان " أموالكم "، وذكر الزيادة الأخيرة بدل " وأعمالكم ". أخرجه مسلم من طريق أبي سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز قال: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره. والزيادة الأولى له. وله شاهد صحيح معضل، فقال ابن المبارك في " الزهد " (1544) : أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. (تنبيه هام) : قال البيهقي عقب الحديث: " هذا هو الصحيح المحفوظ فيما بين الحفاظ، وأما الذي جرى على ألسنة جماعة من أهل العلم وغيرهم: " إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم "، فهذا لم يبلغنا من وجه يثبت مثله، وهو خلاف ما في الحديث الصحيح، والثابت في الرواية أولى بنا وبجميع المسلمين، وخاصة بمن صار رأسا في العلم يقتدى به. وبالله التوفيق ". قلت: ويبدو أن هذا الخطأ الذي جرى عليه من أشار إليهم البيهقي من أهل العلم، قد استمر إلى زمن الإمام النووي، فقد وقع الحديث في " رياضه " (رقم

1577 - المكتب الإسلامي) باللفظ الخطأ الذي حكاه البيهقي عن الجماعة (¬1) مع أنه أورده في أول كتابه (رقم 8) مختصرا ليس فيه هذا الوهم، ولا أدري أهو منه أم من بعض ناسخي الكتاب، ومن الغريب أن يستمر هذا الخطأ في أكثر النسخ المطبوعة منه اليوم، وأعجب منه أن شارحه ابن علان جرى على ذلك في شرحه للحديث (4 / 406) مما هو ظاهر البطلان كما كنت شرحت ذلك في مقدمتي لـ " رياض الصالحين " بتحقيقي وبهذه المناسبة لابد لي من كلمة قصيرة حول طبع المكتب الإسلامي لهذا الكتاب " الرياض " طبعة جديدة! سنة (1412) . لقد وضع لها مقدمة سوداء، ملؤها الزور والافتراء، والغمز واللمز، مما لا مجال الآن لتفصيل القول في ذلك فإنه بحاجة إلى تأليف كتاب خاص، والوقت أضيق وأعز، وبخاصة أن كل من يقرأها ويقرأ بعض تعليقاته يقطع بأن الرجل محرور، ومتناقض فيما يقول، و ... إذا كانت الحكمة القديمة تقول: " يغنيك عن المكتوب عنوانه " ، فيكفي القاريء دليلا على ما أشرت إليه قوله تحت عنوان الكتاب واسم المؤلف: " تحقيق جماعة من العلماء تخريج محمد ناصر الدين الألباني ". فغير وبدل ما كان في الطبعة الأولى: " تحقيق محمد ناصر الدين الألباني " فجعل مكان كلمة (تحقيق) كلمة (تخريج) لينسب التحقيق إلى غيره وهم (جماعة العلماء) ! وهذا أقل ما يقال فيه أنه لم يتأدب بأدب القرآن: * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) *. ثم من هم هؤلاء (العلماء) ؟ لقد أبى أن يكشف عن أسمائهم لأمر لا يخفى ¬

(¬1) ثم طبع هناك على الصواب مع التنبيه في الحاشية على خطأ الأصل. اهـ.

على كل قاريء لبيب، واعتذر هو عن ذلك بعذر أقبح من ذنب فقال في " المقدمة " (ص 6) : " اشترطوا علينا أن لا تذكر أسماؤهم.. "! وإن من السهل على القاريء أن يعرف حقيقة هؤلاء (العلماء) بالرجوع إلى تعليقاتهم، فإنه سوف لا يجد علما ولا تحقيقا إلا ما كان في الطبعة الأولى، وإلا ما ينقلونه من كتبي مثل " صحيح أبي داود " وغيره، بل إنه سيرى ما يدل على الجهل وقلة العلم! وهاكم مثالا على ذلك، ما جاء في حاشية (ص 643) تعليقا على قول الإمام النووي رحمه الله في آخر الحديث (1891) : " وفي رواية للبخاري ومسلم ". " قلت: رواها مسلم فقط، فعزوها للبخاري وهم "! فأقول: بل هذا القائل هو الواهم، فإن الحديث في " البخاري " (رقم 3245 - فتح 6 / 318) . ثم أقول: من هو القائل: " قلت ... "؟ والجواب: مجهول باعتراف الناشر الذي نقلت كلامه آنفا، فنسأله - وقد حشر نفسه في " جماعة العلماء " باشتراكه معهم في التعليق والتصحيح مصرحا باسمه تارة، هذا إن لم يكن هو المقصود بقوله: " جماعة العلماء " - فنسأله أو نسأل " جماعة العلماء " - كله واحد! -: ما قيمة قول المجهول في علم مصطلح الحديث؟ وهذا إذا لم يكن قوله في ذاته خطأ، فكيف إذا كان عين الخطأ كما رأيت؟! ومن هذا القبيل قولهم أو قوله (!) تعليقا على الحديث (1356) :

2657

" يفهم من كلام الشيخ ناصر: أن الحديث ضعيف لتدليس الوليد بن مسلم، والأمر ليس كذلك، فإن الوليد صرح بالتحديث.. ". قلت: فجهلوا أو جهل أن تدليس الوليد هو من نوع تدليس التسوية الذي لا يفيد فيه تصريحه هو بالتحديث عن شيخه، بل لابد أن يصرح كل راو فوقه بالتحديث من شيخه فما فوق! فاعتبروا يا أولي الأبصار. 2657 - " لما قدم جعفر من الحبشة عانقه النبي صلى الله عليه وسلم ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (3 / 398 / 1876) من طريق إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن عامر عن جابر قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد مرشح للتحسين، مجالد - وهو ابن سعيد - ليس بالقوي، وبه أعله الهيثمي، فقال (9 / 272) : ".. وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وأقول: ولكن إسماعيل هذا، وإن كان من رجال البخاري فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه. وقال الذهبي في " الكاشف ": " صدوق ". وكذا قال الحافظ في " التقريب "، وزاد: " يخطىء ". قلت: وهذا أصح، فمثله وسط، يدور حديثه بين أن يكون حسنا لذاته أو حسنا لغيره، فإن توبع لم يتوقف الباحث عن تحسينه، وهذا هو الواقع هنا فقد تابعه مثله أو قريب منه، وهو أسد بن عمرو عن مجالد بن سعيد به. أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (4 / 281) .

وأسد هذا اختلفوا فيه أيضا، وهو من رجال اللسان "، وتجد أقوال الأئمة فيه مفصلا، وفيه أن بعضهم تكلم فيه لأنه كان من أصحاب الرأي، وقد وثقه جمع منهم أحمد وابن معين، وعن هذا رواية أخرى من طريق أحمد بن سعيد بن أبي مريم عنه قال: " كذوب ليس بشيء ". وأشار الذهبي إلى رفض هذه الرواية، ولعل ذلك لجهالة أحمد بن سعيد هذا، فإني لم أجد له ترجمة. وهي في نقدي حرية بالرفض لمخالفتها لكل أقوال الأئمة الموثقين والمضعفين، أما الموثقين فواضح، وأما المضعفين، فلأن أكثرهم أطلق الضعف، والآخرون غمزوه بضعف الحفظ، أو أن عنده مناكير، وابن عدي الذي جاء من بعدهم، ختم ترجمته بقوله فيه: " له أحاديث كثيرة عن الكوفيين، ولم أر في أحاديثه شيئا منكرا، وأرجو أن حديثه مستقيم، وليس في أهل الرأي بعد أبي يوسف أكثر حديثا منه ". قلت: فحري بمن كان كثير الحديث مثله، وليس فيها ما ينكر أن يكون ثقة، ولئن وجد - كما ذكر بعضهم - فهو لقلته مغتفر. والله أعلم . وبالجملة فالحديث بهذه المتابعة صحيح إلى مجالد بن سعيد، ولكنه بحاجة إلى ما يدعمه، وقد وجدته، فقال الأجلح عن الشعبي: " أن النبي صلى الله عليه وسلم استقبل جعفر بن أبي طالب حين جاء من أرض الحبشة، فقبل ما بين عينيه وضمه إليه (وفي رواية: واعتنقه) ". أخرجه ابن سعد (4 / 35) وابن أبي شيبة ( 12 / 106) ومن طريقه أبو داود (5220) . قلت: وهذا إسناد جيد مرسل، الأجلح - وهو ابن عبد الله - صدوق، فيه كلام يسير لا يضر، ولذلك قال الذهبي في " المغني ": " شيعي، لا بأس بحديثه، ولينه بعضهم ".

وقال الحافظ في " التقريب ": " شيعي صدوق ". وزاد ابن أبي شيبة في أوله: " ما أدري بأيهما أفرح؟ بقدوم جعفر، أو بفتح خيبر ". وبهذه الزيادة أخرجه البيهقي في " السنن " (7 / 101) و " شعب الإيمان " (6 / 477 / 8968) وقال: " هذا مرسل ". ثم رواه من طريق زياد بن عبد الله: حدثنا مجالد بن سعيد عن عامر الشعبي عن عبد الله بن جعفر قال: فذكر حديث الترجمة (¬1) ، وقال: " والمحفوظ هو الأول، مرسل ". قلت: وهذه متابعة ثالثة من زياد بن عبد الله، وهو البكائي، وفيه لين، وقد خالف، فجعله من مسند عبد الله بن جعفر، والصحيح عن مجالد من حديث جابر كما تقدم. وقد وصله الحاكم (3 / 211) من طريق آخر عن الأجلح عن الشعبي عن جابر به لكن ليس فيه (المعانقة) . ثم رواه من طريق ثقتين عن الشعبي مرسلا ، وقال: " هذا حديث صحيح، إنما ظهر بمثل هذا الإسناد الصحيح مرسلا ". قال الذهبي عقبه: ¬

(¬1) قلت: وفي " الشعب " الزيادة المذكورة، وأخرى بلفظ: " فقبل شفتيه "، وهي منكرة جدا، والمحفوظ كما تقدم، يأتي بلفظ: " ما بين عينيه ".

" وهو الصواب ". وهكذا مرسلا ذكره الذهبي في ترجمة (جعفر) من كتابه " السير " (1 / 213) . لكنه عاد فذكر فيما بعد الزيادة المشار إليها آنفا، فقال (1 / 216) : " وروي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم جعفر قال: لأنا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر ". فأشار إلى أن للحديث أكثر من طريق واحد، ولم ينتبه لهذه الإشارة القوية المعلق عليه، فقال: " سبق تخريجه في الصفحة (213) تعليق (1) ". وإذا رجعت إلى التعليق المشار إليه، فلا تجد فيه سوى العزو لابن سعد والحاكم. ونقل كلامه المتقدم، وتعقيب الذهبي عليه بأن المرسل هو الصواب! وقد وجدت للحديث وجهين آخرين لعل الذهبي - وهو الحافظ النحرير - أشار إليهما: الأول: عن عون بن أبي جحفة عن أبيه قال: " لما قدم جعفر على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أرض الحبشة، قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عينيه، ثم قال: ما أدري أنا بقدوم جعفر أسر، أو بفتح خيبر؟ ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 100 / 244) : حدثنا أبو عقيل أنس بن سلم (الأصل: سالم) الخولاني وأحمد بن خالد بن مسرح قالا: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني حدثنا مخلد بن يزيد عن عون بن أبي جحيفة به. قلت: وهذا إسناد جيد: مخلد وعون ثقتان من رجال الشيخين. والوليد بن

عبد الملك الحراني، روى عنه جمع غير المذكورين منهم أبو زرعة - ولا يروي إلا عن ثقة - وأبو حاتم، وقال: " صدوق ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 227) وقال: " مستقيم الحديث ". وأخرج له في " صحيحه " عدة أحاديث، فانظر " التيسير ". وأبو عقيل أنس بن سلم الخولاني، هو من الشيوخ المكثرين من الرواية، فقد ترجمه الحافظ ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (3 / 140) فذكر أنه حدث بدمشق سنة (289) (¬1) عن جمع من الشيوخ سماهم، منهم هشام بن عمار قارب عددهم العشرين شيخا. وروى عنه جمع من الشيوخ جاوز عددهم العشرة، منهم الطبراني وابن عدي. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولكن رواية هؤلاء عنه تعديل له، ولاسيما وقد أكثر الطبراني عنه، فروى له في كتاب " الدعاء " فقط تسعة أحاديث (انظر المجلد الأول من " الدعاء " تحقيق الدكتور محمد سعيد البخاري) وروى له في " المعجم الأوسط " (1 / 171 / 3188 - 3190) ثلاثة أحاديث، أحدهما في " المعجم الصغير " أيضا (رقم 689 - " الروض النضير " ) . وأما قرينه (أحمد بن خالد بن مسرح) فقال الدارقطني كما في " اللسان ": " ليس بشيء ". ومن طريقه وحده أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " أيضا (2 / 107 / ¬

(¬1) وذكره الذهبي في وفيات هذه السنة تحت ترجمة (زكريا بن يحيى السجزي) من " تذكرة الحفاظ ". اهـ.

1470) و " المعجم الصغير " (ص 8 - هندية رقم 934 " الروض النضير ") وزاد في " الكبير ": " فعانقه ". والوجه الآخر من الوجهين المشار إليهما ما ذكره الإمام البغوي في " شرح السنة " (12 / 292) عقب الحديث المرسل: " وعن البياضي أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى جعفر بن أبي طالب، فالتزمه، وقبل ما بين عينيه ". والبياضي هذا لم أعرفه، وينسب إليها جمع من الصحابة فانظر " الأنساب " و " تاج العروس "، ولم أقف على إسناده إليه، وقد وهم المعلق على " شرح السنة " وهما فاحشا، فقال: " أخرجه أبو داود (5220) في الأدب: باب في قبلة ما بين العينين، ورجاله ثقات، لكنه مرسل ". وإنما عند أبي داود في الباب والرقم المشار إليهما حديث الشعبي المتقدم معزوا إلى جمع منهم أبو داود بالرقم نفسه! وثمة وجه ثالث لا يصلح للاستشهاد به، أذكره بيانا لحاله، وإلا ففيما تقدم كفاية، وهو من رواية محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت: " لما قدم جعفر وأصحابه استقبله النبي صلى الله عليه وسلم فقبله بين عينيه ". أخرجه ابن عدي ( 6 / 220) ومن طريقه البيهقي، وقال ابن عدي: " رواه أبو قتادة الحراني عن الثوري عن يحيى بن سعيد: وقال: عن عمرة عن عائشة ".

2658

قلت: فذكر الحراني (عمرة) مكان (القاسم بن محمد) في رواية محمد بن عبد الله بن عبيد، وهو متروك كالحراني. هذا وقد كنت منذ بعيد لا أرى تقبيل ما بين العينين لضعف حديث جعفر هذا بسبب الإرسال، وعدم وقوفي على شاهد معتبر له، فلما طبع " المعجم الكبير "، ووقفت فيه على إسناده من طريق (أنس بن سلم) ، وعلى ترجمته عند ابن عساكر، وتبين لي أنه شاهد قوي للحديث المرسل، رأيت أنه من الواجب علي نشره في هذه السلسلة، أداء للأمانة العلمية، ولعلمي أن الكثيرين من أمثالي لم تقع أعينهم عليه فضلا عن غيرهم، فأحببت لهم أن يكونوا على بصيرة منه. والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وللمعانقة في السفر شاهد قوي تقدم برقم (2647) . 2658 - " نهى عن الخلوة ". أخرجه الحاكم (2 / 102) والبيهقي في " الدلائل " (2 / 2 / 229 / 2) وكذا البزار في " مسنده " (رقم 2022 - كشف الأستار) من طريقين عن عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رجل من خيبر، فتبعه رجلان، ورجل يتلوهما يقول: " ارجعا " حتى أدركهما فردهما، ثم [لحق الأول فـ] قال: إن هذين شيطانان، [وإني لم أزل بهما حتى رددتهما عنك، فإذا أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم] فاقرأ على رسول الله السلام، وأعلمه أنا في جمع صدقاتنا، [و] لو كانت تصلح له بعثنا بها إليه، قال: فلما قدم [الرجل] على النبي صلى الله عليه وسلم حدثه، فنهى عند ذلك عن الخلوة. وقال الحاكم - والسياق له، والزيادات للبيهقي -:

2659

" صحيح الإسناد على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، وعبد الكريم هو ابن مالك الجزري الحراني الثقة، وليس عبد الكريم بن أبي المخارق البصري الضعيف، فإنه وإن كان يروي أيضا عن عكرمة، فليس هو من شيوخ عبيد الله الرقي . وفي هذا الحديث فائدة هامة، وهو تعليل النهي عن الوحدة بعلة غير معقولة المعنى خلافا لما كنت نقلته عن الطبري تحت الحديث (62) ، فتنبه. 2659 - " لتقاتلنه وأنت ظالم له. يعني الزبير وعليا رضي الله عنهما ". أخرجه الحاكم (3 / 366) عن منجاب بن الحارث عن عبد الله بن الأجلح: حدثني أبي عن يزيد الفقير، (قال منجاب: وسمعت فضل بن فضالة يحدث به جميعا عن أبي حرب ابن أبي الأسود قال: " شهدت عليا والزبير لما رجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله، فقال له: مالك؟ فقال: ذكر لي علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ... (فذكره) . فلا أقاتله. قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر بك. قال : قد حلفت أن لا أقاتل. قال: فأعتق غلامك جرجس، وقف حتى تصلح بين الناس. قال: فأعتق غلامه جرجس، ووقف فاختلف أمر الناس فذهب على فرسه ". قلت: وهذا إسناد حسن من الوجه الأول، وصحيح من الوجه الآخر إن ثبتت عدالة فضل بن فضالة، فإني لم أجد له ترجمة. ولا أستبعد أن يكون هو فضيل بن فضالة الهوزني الشامي، تحرف اسمه على الناسخ، وهو صدوق روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وهو من رجال " التهذيب ". أو أنه

فضيل بن فضالة القيسي البصري. روى عن أبي رجاء وعبد الرحمن بن أبي بكرة، روى عنه شعبة، وهو ثقة، وقال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 74) عن أبيه: شيخ. وهذا أقرب إلى طبقته من الأول، فإنه يروي عن التابعين كما ترى، وذاك عن الصحابة، ثم هو بصري كشيخه أبي حرب . والله أعلم. وتابعه عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن الرقاشي عن جده عبد الملك عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي قال: فذكره مختصرا. أخرجه الحاكم أيضا من طريق أبي قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي: حدثنا أبو عاصم حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الملك الرقاشي به. وقال: " هذا حديث صحيح عن أبي حرب بن أبي الأسود، فقد روى عنه يزيد بن صهيب وفضل بن فضالة في إسناد واحد ". ووافقه الذهبي. ثم ساقه من الطريق المتقدمة وقد خولف الرقاشي في إسناده، وهو ضعيف من قبل حفظه، فقال أبو يعلى في " مسنده " (1 / 191 - 192) : حدثنا أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم أخبرنا أبو عاصم عن عبد الله بن محمد بن عبد الملك بن مسلم الرقاشي عن جده عبد الملك عن أبي جرو المازني قال: شهدت عليا والزبير به مختصرا. وأبو يوسف هذا هو الدورقي الثقة. فروايته أرجح من رواية الرقاشي، وتابعه جعفر بن سليمان: حدثنا عبد الله بن محمد الرقاشي حدثني جدي عن أبي جرو المازني به. أخرجه الحاكم. فهذا مما يرجح رواية أبي يوسف الدورقي.

وعلى كل حال، فهي لا بأس بها في المتابعات. وللحديث عنده طريق أخرى يرويه عن محمد بن سليمان العابد: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: قال علي للزبير: فذكر نحوه مختصرا. وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: العابد لا يعرف، والحديث فيه نظر ". وأقره الحافظ في " اللسان " على قوله: " لا يعرف ". وقد خالفه يعلى بن عبيد فقال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عبد السلام - رجل من حيه - قال: خلا علي بالزبير يوم الجمل ... الحديث. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 283 / 19673) وأورده في ترجمة عبد السلام هذا، وقال عن البخاري: " ... عن علي والزبير، لا يثبت سماعه منهما ". وقال العقيلى: " ولا يروى هذا المتن من وجه يثبت ". وأعله الدارقطني في " العلل " (4 / 102 ) بالإرسال. وقال الذهبي في عبد السلام هذا: " مجهول ". ونحوه قول الحافظ فيه: " مقبول ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " في " أتباع التابعين " قال:

" عبد السلام البجلي، روى المراسيل. روى عنه إسماعيل بن أبي خالد ". قال الحافظ عقبه في " التهذيب ": " فكأنه لم يشهد القصة عنده ". قلت: وإليه يشير كلام البخاري السابق. ويستغرب منه - والذهبي أيضا - أن يفوتهما كلامه، فلا يذكرانه، بل ولا يشيران إليه في كتابيهما " التهذيب " و " الميزان ". وأما قول الذهبي المتقدم: " والحديث فيه نظر "، فلا أدري وجهه، لاسيما وهو قد صححه من طريق ابن أبي الأسود، وهو الجواب عن قول العقيلي: " لا يروى عن وجه يثبت ". ولو سلمنا بذلك، فوروده من وجوه ليس فيها من هو متهم أو متروك، فلا شك حينذاك بأن بعضها يقوي بعضا. كما هي القاعدة عند المحدثين. ثم داخلني شك في ثبوت القصة التي ذكرت في أول التخريج لأنها من رواية عبد الله بن محمد بن سوار الهاشمي عن منجاب. وكذلك أخرجها البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 2 / 189 / 1) إلا أنه قال: " عن يزيد الفقير عن أبيه "، فزاد: " عن أبيه ". وزاد بعد قوله: ابن أبي الأسود: " دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه " وسبب الشك أن ابن سوار هذا لم أعرفه، وقد فتشت عنه فيما لدي من كتب الرجال، فلم أعثر عليه، فأخشى أن يكون غير مشهور بالرواية، فإن الحافظ المزي لم يذكره في الرواة عن (منجاب) . وأيضا فالزيادة الأولى عند البيهقي إن كانت محفوظة، فهي علة أخرى لأن أبا يزيد الفقير - واسمه صهيب - لم أجد له ترجمة أيضا.

2660

والزيادة الأخرى عنده تحول دون معرفة كون القصة بالإسناد الأول أم الآخر. وقد قال الحافظ ابن كثير في " التاريخ " (7 / 241) بعد أن ساق القصة من طريق البيهقي: " وعندي أن الحديث الذي أوردناه إن كان صحيحا عنه فما رجعه سواه، ويبعد أن يكفر عن يمينه ثم يحضر بعد ذلك لقتال علي. والله أعلم ". قلت: ويؤيده رواية شريك عن الأسود بن قيس قال: حدثني من رأى الزبير يقعص الخيل بالرمح قعصا فثوب به علي: يا عبد الله! يا عبد الله! قال: فأقبل حتى التقت أعناق دوابهما، قال: فقال له علي: أنشدك بالله. أتذكر يوم أتانا النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أناجيك، فوالله لتقاتلنه وهو لك ظالم. قال: فضرب الزبير وجه دابته، فانصرف. أخرجه ابن أبي شيبة (19674) . وبالجملة: فحديث الترجمة صحيح عندي لطرقه كما تقدم، دون قصة عبد الله بن الزبير مع أبيه. والله أعلم. 2660 - " يعيش هذا الغلام قرنا. فعاش مائة سنة. يعني عبد الله بن بسر ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 323) وفي " الصغير " (ص 93) والحاكم (4 / 500) والبيهقي في " دلائل النبوة " (6 / 503) والطبراني في " مسند الشاميين " (836) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 4 / 2) من طريق البخاري وغيره عن إبراهيم بن محمد بن زياد الألهاني عن أبيه عن عبد الله بن بسر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد رجاله كلهم ثقات معروفون غير

إبراهيم هذا، وقد ترجمه ابن أبي حاتم (1 / 1 / 127) برواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو على شرط ابن حبان في " ثقاته "، وقد أورده في " أتباع التابعين " منه (2 / 7 - مخطوطة الظاهرية) . وتابعه أبو عبد الله الحسن بن أيوب الحضرمي قال: أراني عبد الله بن بسر شامة في قرنه، فوضعت أصبعي عليها، فقال: وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم إصبعه عليها ثم قال: " لتبلغن قرنا " . قال أبو عبد الله: وكان ذا جمة. أخرجه أحمد (4 / 189) وعنه ابن عساكر، والدولابي في " الكنى " (2 / 55) والبزار في " مسنده " (3 / 280 - كشف الأستار) . قلت: وإسناده ثلاثي جيد. وقال الهيثمي (9 / 405) : " رواه الطبراني وأحمد بنحوه، ورجال أحمد رجال " الصحيح " غير الحسن بن أيوب، وهو ثقة، ورجال الطبراني ثقات ". وأورده بنحوه من رواية الطبراني والبزار وقال: " ورجال أحد إسنادي البزار رجال " الصحيح " غير الحسن بن أيوب الحضرمي، وهو ثقة ". وتابعه سلامة بن جواس: أخبرنا محمد بن القاسم الطائي عن عبد الله بن بسر به وزاد: " قلت: بأبي وأمي يا رسول الله! وكم القرن؟ قال: مائة سنة. قال عبد الله: فلقد عشت خمسا وتسعين سنة. وبقيت خمس سنين إلى أن يتم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال محمد: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم مات ". أخرجه ابن عساكر.

ومحمد بن القاسم الطائي ترجمه ابن أبي حاتم (4 / 1 / 64 - 65) برواية جمع آخر من الثقات، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وهو على شرط ابن حبان في " ثقاته "، ولم أره في النسخة المطبوعة منه في الهند، ولا في مخطوطة الظاهرية أيضا. وسلامة بن جواس، قال ابن أبي حاتم (2 / 1 / 302) : " روى عنه أبو زرعة ومحمد بن عوف الحمصي ". قلت: فهو ثقة، لأن أبا زرعة لا يروي إلا عن ثقة، كما هو معلوم، ثم هو على شرط ابن حبان أيضا، وقد أورده في " ثقاته " (8 / 300) . وقد تابعه يحيى بن صالح: حدثنا محمد بن القاسم الطائي.. به. رواه البزار أيضا. ويحيى ثقة. وتابعه جنادة بن مروان الرقي: حدثنا محمد بن القاسم الطائي. رواه الحاكم أيضا إن كان محفوظا. وتابعه الوليد بن مروان بن عبد الله بن أخي جنادة بن مروان: حدثني محمد بن القاسم أبو القاسم الحمصي عن عبد الله بن بسر - وكان عبد الله بن بسر شريكا لأبيه في قرية يقال لها (تموينة) (¬1) يرعيان فيها خيلا لهم - قال أبو القاسم : سمعت عبد الله بن بسر يقول: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلنا مع أبي، فقام أبي إلى قطيفة لنا قليلة الخمل فجمعها بيده، ثم ألقاها للنبي صلى الله عليه وسلم فقعد عليها. ثم قال أبي لأمي: هل عندك ¬

(¬1) لم أرها في " معجم البلدان " والظاهر أنها قرية من قرى حمص، فإن في ترجمة عبد الله بن بسر أنه كان سكن حمص. والله أعلم. ثم تبين أنه محرف (تنوينة) من قرى حمص في " معجم البلدان " (2 / 50) .

شيء تطعمينا؟ فقالت: نعم، شيء من حيس. قال: فقربته إليهما، فأكلا، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم التفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا غلام، فمسح بيده على رأسي، ثم قال: فذكره ". قال أبو القاسم: فعاش مائة سنة. أخرجه تمام في " الفوائد " (ق 55 / 2) وعنه ابن عساكر (9 / 4 / 2 و 17 / 447 / 2) في موضعين أحدهما في ترجمة الوليد هذا، ولم يزد فيها على أن ساق له هذا الحديث، الأمر الذي يشعر بأنه مجهول، وأنا أظن أنه الذي في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 18) : " الوليد بن مروان، روى عن غيلان بن جرير روى عنه معتمر بن سليمان ، سمعت أبي يقول: هو مجهول ". ونحوه في " الميزان " و " اللسان ". أقول: لكن القصة التي ذكرها قد جاءت من طريق أخرى مطولة ومختصرة، وأتمها ما رواه صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الله بن بسر المازني قال: " بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أدعوه إلى الطعام، فجاء معي، فلما دنوت المنزل أسرعت فأعلمت أبوي، فخرجا فتلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحبا به، ووضعا له قطيفة كانت عند زبيرته (¬1) فقعد عليها، ثم قال أبي لأمي: هات طعامك، فجاءت بقصعة فيها دقيق قد عصدته بماء وملح، فوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " خذوا بسم الله من حواليها، وذروا ذروتها، فإن البركة فيها ". ¬

(¬1) كذا الأصل، وفي " لسان العرب " - وقد ذكر الحديث بلفظ: " ... فوضعنا له قطيفة زبيرة " -: قال ابن المظفر: كبش زبير أي ضخم ... "، لكن لا يساعد على هذا المعنى قوله في رواية أحمد: " ... كانت عند زبيرته "، فليتأمل فإنه موضع نظر. اهـ.

2661

فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلنا معه، وفضل منها فضلة، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم اغفر لهم وارحمهم وبارك عليهم، ووسع عليهم في أرزاقهم ". أخرجه أحمد (4 / 688) وإسناده ثلاثي صحيح، وأخرجه هو ومسلم (6 / 122) من طريق يزيد بن جعفر بن عبد الله بن بسر مختصرا. وله عند أحمد وغيره طرق أخرى، يزيد بعضهم على بعض. (فائدة ) : القرن: أهل كل زمان، واختلفوا في تحديده على أقوال ذكرها ابن الأثير وغيره، منها أنه مائة سنة، وهذا الحديث يشهد له، وإليه مال الحافظ في " الفتح " (7 / 4) ، فقال: " وقد وقع في حديث عبد الله بن بسر عند مسلم (!) ما يدل على أن القرن مائة، وهو المشهور ". وعزوه لمسلم وهم، سببه أن أصله فيه كما سبقت الإشارة إليه. 2661 - " أنفق بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا ". روي من حديث أبي هريرة وبلال بن رباح وعبد الله بن مسعود وعائشة. 1 - أما حديث أبي هريرة فيرويه عنه محمد بن سيرين، وله عنه طرق: الأولى: أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 101 / 1) والقطيعي في " جزء الألف دينار " (ق 40 / 1) قالا: حدثنا جعفر الفريابي قال: حدثنا بشر بن سيحان قال: حدثنا حرب بن ميمون عن هشام بن حسان بن حسان عن ابن سيرين عنه مرفوعا به.

وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 280 و 6 / 274) من طريق أخرى عن الفريابي وغيره عن بشر به. وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1437) : حدثنا بشر بن سيحان به، وزاد: " عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا، فأخرج إليه صبرا من تمر، فقال: ما هذا يا بلال! قال: تمر ادخرته يا رسول الله! قال: أما خفت أن تسمع له بخارا في جهنم؟ !! أنفق ... " إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير بشر بن سيحان، وهو أبو علي الثقفي البصري. كتب عنه أبو حاتم وقال: " ما به بأس، كان من العباد ". وكذلك روى عنه أبو زرعة، وسئل عنه فقال: " شيخ بصري صالح "، كما في " الجرح والتعديل " (1 / 1 / 358) . وفات هذا الحافظ فلم يذكره في ترجمته من " اللسان "، وإنما قال: " قال ابن حبان في " الثقات ": ربما أغرب ". الثانية: عن بكار بن محمد السيريني حدثنا عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين به وفيه القصة. أخرجه البزار (4 / 251 / 3655) والطبراني في " الكبير " (1 / 101 / 1) و " الأوسط " (4 / 486 - الجامعة الإسلامية) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 180) والبيهقي في " الدلائل " (1 / 347) . وأبو صالح الحربي في " الفوائد العوالي " (ق 175 / 2) والعقيلي في " الضعفاء " (ص 55) في ترجمة بكار هذا، وساق له حديثين آخرين، وقال:

" لا يتابع عليها "، وقال في هذا: " الرواية فيه مضطربة من غير حديث ابن عون أيضا ". قلت: وله ترجمة في " الميزان " و " اللسان "، والجمهور على تضعيفه. الثالثة: عن مبارك بن فضالة عن يونس بن عبيد عن محمد بن سيرين به. أخرجه البزار (4 / 251 / 3654) والطبراني في " الكبير " أيضا، وأبو سعيد ابن الأعرابي في " معجمه " (ق 76 / 2) وأبو محمد المخلدي في " الفوائد " (ق 245 / 1) وقال البزار : " تفرد به مبارك، وإسناده حسن ". قلت: هو كذلك لولا أن المبارك هذا كان يدلس كما في " التقريب " وغيره. نعم هو حسن، بل صحيح لغيره. والحديث قال المنذري (2 / 40) والهيثمي (10 / 241) : " رواه البزار وأبو يعلى والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وإسناده حسن ". ولم يذكر المنذري البزار. 2 - وأما حديث بلال فيرويه محمد بن الحسن الأسدي: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن مسروق عنه. أخرجه البزار (3653 - كشف) والطبراني (1 / 107 / 1) ، وقال البزار: " لم يقل: " عن بلال " إلا محمد بن الحسن، ورواه غيره عن مسروق مرسلا ". قلت: وهو محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي الكوفي، قال الحافظ: " صدوق، فيه لين ".

وقد خالفه سفيان، فقال: عن إسحاق به مرسلا لم يذكر فيه بلالا. أخرجه ابن قتيبة في " غريب الحديث " (1 / 90 / 1) . وتابعه زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق به. أخرجه ابن الأعرابي في " المعجم " (ق 14 / 1) . فهو إسناد مرسل صحيح إن كان أبو إسحاق حفظه، فإنه كان اختلط، وقد خولف في إسناده وهو الآتي. 3 - وأما حديث ابن مسعود فيرويه قيس بن الربيع عن أبي حصين عن يحيى بن وثاب عن مسروق عنه. أخرجه البزار (3653 - كشف الأستار) وابن الأعرابي (122 / 2) والطبراني (1 / 100 / 2 و 3 / 72 / 1) والقضاعي (ق 64 / 2) وقال البزار: " كذا رواه قيس، ورواه عنه جماعة هكذا، وخالفهم يحيى بن كثير عن قيس عن عائشة بدل عبد الله ". قلت: قد روي عنها من طريق أخرى، وهو التالي. 4 - وأما حديث عائشة فيرويه سفيان بن وكيع: حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن الأعمش عن طلحة عن خيثمة عن مسروق عنها. أخرجه محمد بن الحسين الحراني في " الفوائد " (ق 29 / 1) . قلت: ورجاله ثقات غير سفيان بن وكيع فهو ضعيف. وجملة القول أن الحديث صحيح بمجموع طرقه، كيف والطريق الأولى من الحديث الأول لا ينزل عن مرتبة الحسن، كما سبق.

2662

2662 - " خلق الله تبارك وتعالى الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة وملاطها المسك، فقال لها: تكلمي، فقالت: * (قد أفلح المؤمنون) *، فقالت الملائكة: طوبى لك ، منزل الملوك ". قال البزار: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا المغيرة بن سلمة حدثنا وهيب عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: فذكره موقوفا. ثم قال: وحدثنا بشر بن آدم، حدثنا يونس بن عبيد الله العمري: حدثنا عدي بن الفضل: حدثنا الجريري ... به مرفوعا. ثم قال البزار: " لا نعلم أحدا رفعه إلا عدي بن الفضل ، وليس هو بالحافظ، وهو شيخ متقدم الموت ". كذا ذكره الحافظ ابن كثير في " تفسيره " عن البزار بإسناديه الموقوف والمرفوع، وكذلك هو في " زوائد البزار " (317) إلا أنه وقع فيه " حجاج بن المنهال: حدثنا حماد بن سلمة " مكان: " المغيرة بن سلمة: حدثنا وهيب ". فلا أدري أهذا خطأ من الناسخ، أم أن للبزار فيه إسنادين إلى الجريري، أحدهما وهيب عنه، والآخر حماد بن سلمة عنه، نقل ابن كثير أحدهما، والهيثمي الآخر. وسواء كان هذا أو ذاك، فكل من الإسنادين صحيح على شرط مسلم موقوفا، لكنه في حكم المرفوع، فقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 397) : " ورجال الموقوف رجال الصحيح، وأبو سعيد لا يقول هذا إلا بتوقيف ". وعدي بن الفضل الذي رفعه هو التيمي أبو حاتم البصري، متفق على تضعيفه. لكن قال المنذري (4 / 252) : " قد تابعه على رفعه وهيب بن خالد عن الجريري به ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

2663

" إن الله عز وجل أحاط حائط الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة، ثم شقق فيها الأنهار، وغرس فيها الأشجار، فلما نظرت الملائكة إلى حسنها قالت: طوبى لك منازل الملوك ". خرجه البيهقي وغيره، لكن وقفه هو الأصح المشهور. والله أعلم ". وأقول: هذا أخرجه البيهقي في " البعث " (ص 54 - مصورة الجامعة الإسلامية) من طريق محمد بن يونس: حدثنا سهيل بن بكار حدثنا وهيب بن خالد به. ومحمد بن يونس - وهو الكديمي - متهم بوضع الحديث، فلا يفرح بما يرويه من المتابعة. وأخرجه أبو نعيم في " صفة الجنة " (1 / 173 / 140) من طريق أخرى عن عدي بن الفضل به مرفوعا. ثم رأيت العلامة ابن القيم قد أورد في " حادي الأرواح " (2 / 40) إسناد البزار الموقوف كما أورده ابن كثير، وقال عقب تضعيفه لعدي بن الفضل: " والحديث صحيح موقوف. والله أعلم ". وقد روي الحديث من طرق أخرى مرفوعا، مطولا ومختصرا، دون قول الملائكة: " طوبى لك، منازل الملوك ". وهو مخرج في الكتاب الآخر، فانظر الأرقام (1283 و 1284 و 1285) . 2663 - " ما ترك قوم الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب ". أخرجه الطبراني في الأوسط (2 / 228) حدثنا علي بن سعيد الرازي: أخبرنا عقبة بن قبيصة حدثنا أبي حدثنا مالك بن مغول عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال:

2664

" لم يروه عن إسماعيل إلا مالك بن مغول ولا عنه إلا قبيصة تفرد به ابنه ". قلت: وهو صدوق، قال النسائي: " صالح ". وذكره ابن حبان في " الثقات "، ومن فوقه ثقات رجال الشيخين. وعلي بن سعيد الرازي حسن الحديث كما كنت بينته تحت الحديث (236) . وحسنه ابن النحاس الدمياطي في " مصارع العشاق " (1 / 107) وسبقه إلى ذلك المنذري في " الترغيب " (2 / 200) . ويشهد له حديث العينة، وفيه: ".. وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم ". وهو حديث صحيح، كما سبق بيانه برقم (11) . قلت: والحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم كما يشهد بذلك واقع المسلمين في كثير من البلاد، وما حادثة مهاجمة اليهود للمسلمين وهم سجود صبح الجمعة من رمضان هذه السنة (1414) في مسجد الخليل في فلسطين ببعيد. وصدق الله: * ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) *. اسأل الله تعالى أن يلهم المسلمين الرجوع إلى فهم دينهم فهما صحيحا، والعمل به ليعزهم وينصرهم على عدوهم. 2664 - " من قال في دبر صلاة الغداة: " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت بيده الخير وهو على كل شيء قدير " مئة مرة، وهو ثان رجليه، كان يومئذ أفضل أهل الأرض عملا إلا من قال مثل ما قال أو زاد على ما قال ".

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 336 / 8075) و " الأوسط " (4 / 450) وابن السني (رقم - 142) من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا آدم بن الحكم حدثنا أبو غالب عن أبي أمامة مرفوعا، وقال الطبراني: " لم يروه عن أبي غالب إلا آدم، ولا عنه إلا عبد الصمد ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين. وأبو غالب حسن الحديث، وقد مضى مرارا. ومثله آدم بن الحكم، وهو أبو عباد صاحب الكرابيس البصري. قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 267) : " قال ابن معين: صالح. وقال أبي: ما أرى بحديثه بأسا ". وفي " اللسان ": " وقال ابن أبي حاتم: تغير حفظه. وذكره ابن حبان في (الثقات) ". قلت: فمثله حسن الحديث على أقل الأحوال، ولذلك قال المنذري (1 / 168) : " رواه الطبراني في " الأوسط " بإسناد جيد ". وقال الهيثمي (10 / 108) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجال " الأوسط " ثقات ". وفي الحديث شهادة قوية لحديث شهر بن حوشب الذي فيه هذه الجملة: " وهو ثان رجليه "، وكنت لا أعمل بها لضعف (شهر) حتى وقفت على هذا الشاهد، وفيه التهليل (مائة ) مكان (عشر) والكل جائز لثبوتهما. فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.

2665

2665 - " إذا فتحت عليكم [خزائن] فارس والروم أي قوم أنتم؟ قال عبد الرحمن بن عوف : نقول كما أمرنا الله. قال صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون، أو نحو ذلك، ثم تنطلقون في مساكن المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض ". أخرجه مسلم (8 / 212 - 213) وابن ماجه (2 / 481 - 482) والزيادة له قالا - والسياق لمسلم -: حدثنا عمر بن سواد العامري: أخبرنا عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث: أن بكر بن سوادة حدثه أن يزيد بن رباح (هو أبو فراس مولى عبد الله بن عمرو بن العاص) حدثه عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. وأخرجه الفسوي في " التاريخ " (2 / 514) من طريق شيخين آخرين قالا: حدثنا ابن وهب به. وفيه الزيادة. 2666 - " يقول الله عز وجل: وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ". رواه ابن المبارك في " الزهد " (163 / 2 من الكواكب 575 ورقم 157 - ط) : حدثنا عوف عن الحسن مرسلا. قلت: وهذا سند صحيح لولا الإرسال، لكن قال عقبه ابن صاعد: حدثنا

محمد بن يحيى بن ميمون - بالبصرة - قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال: حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. قلت: ورجاله كلهم ثقات معروفون حديثهم حسن غير محمد بن يحيى هذا فلم أجد له ترجمة. لكن تابعه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء به. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (رقم 2494 - الموارد) . ثم رأيت الهيثمي (10 / 308) قد أورد الحديث من مرسل الحسن، ومسند أبي هريرة، ثم قال: " رواهما البزار عن شيخه محمد بن يحيى بن ميمون، ولم أعرفه، وبقية رجال المرسل رجال " الصحيح "، وكذلك رجال المسند، غير محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث ". وهو عند البزار (4 / 74 / 3232 و3233 - كشف الأستار) . وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 482 - 483 ) ، من طريق أبي داود حدثنا محمد بن يحيى بن ميمون العتكي حدثنا محمد بن عبد الوهاب به. قلت: وأبو داود هو (السجستاني) صاحب " السنن " فيكون لابن ميمون هذا ثلاثة رواة عنه حفاظ: أبو داود وابن صاعد والبزار. ومن كان هذا شأنه، لا يكون مجهولا ومحله الصدق إن شاء الله تعالى، لاسيما وقد تابعه الجوزجاني - وهو ثقة حافظ - رواه ابن حبان كما تقدم، وإليه فقط عزاه المنذري في " الترغيب " (4 / 138) وأشار إلى تقويته.

2667

2667 - " حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه ". أخرجه أبو الشيخ في " التوبيخ " (188) والأصبهاني في " الترغيب " (580) والبيهقي في " الشعب " (2 / 304 - 2) والبغوي في " التفسير " (7 / 346) عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده [عن معاذ بن جبل] : أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقالوا: لا يأكل حتى يطعم، ولا يرحل حتى يرحل له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغتبتموه، فقالوا: يا رسول الله، إنما حدثنا بما فيه، قال: فذكره. والسياق للأصبهاني، والزيادة للبيهقي. قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن المثنى بن الصباح ضعيف كان اختلط بأخرة، وكان عابدا كما في " التقريب "، وقد تابعه ابن لهيعة عن عمرو به نحوه. أخرجه أبو الشيخ (189) . لكن يشهد له ما أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1460 - 1461) وأبو الشيخ (182) والبيهقي من طريق محمد بن أبي حميد عن موسى بن وردان عن أبي هريرة قال: " كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقام رجل، فقالوا: يا رسول الله! ما أعجز، أو قال: ما أضعف فلانا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اغتبتم صاحبكم وأكلتم لحمه ". وقال الهيثمي ( 8 / 94) : " رواه أبو يعلى والطبراني في " الأوسط "، ولفظه ... (فذكره نحوه وقال:) وفي إسنادهما محمد بن أبي حميد، ويقال له: حماد، وهو ضعيف جدا ". قلت: ومن طريقه أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ص 577) . ثم ذكر له الهيثمي شاهدا آخر من حديث معاذ بن جبل قال:

2668

" كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا رجلا عنده فقالوا: ما أعجزه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " اغتبتم أخاكم ". قالوا: يا رسول الله! قلنا ما فيه. قال: " إن قلتم ما ليس فيه فقد بهتموه ". وقال: " رواه الطبراني، وفيه علي بن عاصم، وهو ضعيف " . قلت: ومن طريقه أخرجه البيهقي عن المثنى بن الصباح بإسناده المتقدم. وروى مالك (3 / 150) وعنه أبو الشيخ (190) عن المطلب بن عبد الله بن حنطب المخزومي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغيبة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ". قال: يا رسول الله! وإن كان حقا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قلت باطلا فذلك البهتان ". وأصله في " صحيح مسلم " (8 / 21) وغيره من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أتدرون ما الغيبة؟ ... "، وهو مخرج في " نقد الكتاني " (36) و " تخريج الحلال " (420) وفيما تقدم (1419) . 2668 - " كان آدم نبيا مكلما، كان بينه وبين نوح عشرة قرون، وكانت الرسل ثلاثمائة وخمسة عشر ". أخرجه أبو جعفر الرزاز في " مجلس من الأمالي " (ق 178 / 1) : حدثنا

عبد الكريم ابن الهيثم الديرعاقولي: حدثنا أبو توبة - يعني الربيع بن نافع -: حدثنا معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة: " أن رجلا قال: يا رسول الله! أنبيا كان آدم؟ قال: نعم، مكلم. قال: كم كان بينه وبين نوح؟ قال: عشرة قرون. قال: يا رسول الله! كم كانت الرسل؟ قال: ثلاثمائة وخمسة عشر ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير الديرعاقولي، وهو ثقة ثبت كما قال الخطيب في " تاريخه " ( 11 / 78) وكذلك قال ابن حبان في " الثقات " (8 / 423) واعتمده السمعاني في " الأنساب "، والذهبي في " السير " (13 / 335 - 336) . والحديث أخرجه ابن حبان أيضا في " صحيحه " (2085 - موارد) وابن منده في " التوحيد " (ق 104 / 2) ومن طريقه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 325 / 2) والطبراني في " الأوسط " (1 / 24 / 2 / 398 - بترقيمي) وكذا في " الكبير " (8 / 139 - 140 ) والحاكم (2 / 262) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وكذا قال ابن عروة الحنبلي في " الكواكب الدراري " (6 / 212 / 1) وقد عزاه لابن حبان فقط، وقال ابن منده عقبه: " هذا إسناد صحيح على رسم مسلم والجماعة إلا البخاري. وروي من حديث القاسم أبي عبد الرحمن وغيره عن أبي أمامة وأبي ذر بأسانيد فيها مقال ". قلت: حديث القاسم، يرويه معان بن رفاعة : حدثني علي بن يزيد عنه عن أبي أمامة مطولا، وفيه: " قال: قلت: يا نبي الله! فأي الأنبياء كان أول؟ قال: آدم عليه السلام. قال:

قلت: يا نبي الله! أو نبي كان آدم؟ قال: نعم، نبي مكلم، خلقه الله بيده، ثم نفخ فيه من روحه، ثم قال له: يا آدم قبلا. قال: قلت: يا رسول الله! كم وفى عدد الأنبياء؟ قال: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا، الرسل من ذلك ثلاثمائة وخمسة عشر، جما غفيرا ". أخرجه أحمد (5 / 265) . وعلي بن يزيد وهو الألهاني ضعيف. ومعان بن رفاعة لين الحديث كما في " التقريب "، لكن يبدو أنه لم يتفرد به، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 159) : " رواه أحمد والطبراني في " الكبير "، ومداره على علي بن يزيد وهو ضعيف ". هذا وزاد الطبراني في حديث الترجمة كما تقدم: " قال: كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال: عشرة قرون ". وقال الهيثمي (8 / 210) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير أحمد بن خليد، وهو ثقة ". ولهذه الزيادة شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " كان بين آدم ونوح عليهما السلام عشرة قرون، وبين نوح وإبراهيم عشرة قرون، صلى الله عليهما ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 437) : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال:

حدثنا أبو عمرو عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. أورده في ترجمة نصر هذا، وقال: " لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به ". وقال الذهبي في " الميزان ". " محدث رحال، ذكره ابن حبان في (الثقات) ". وقال الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث ". (تنبيه) : ( رحال) بالراء، ووقع في المطبوعتين من " الميزان " (دجال) بالدال. وهو تصحيف فاحش، والتصحيح من مخطوطة الظاهرية. وأما حديث أبي ذر الذي أشار إليه ابن منده فله عنه طرق: الأولى: عن عبيد بن الخشخاش عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ... الحديث بطوله، وفيه حديث الترجمة، وفيه أن الرجل السائل هو أبو ذر نفسه. أخرجه الطيالسي في " مسنده " (478) : حدثنا المسعودي عن أبي عمرو الشامي عن عبيد بن الخشخاش. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد ( 5 / 178 و 179) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 1 / 10 و 26) من طرق أخرى عن المسعودي به. وقال الهيثمي (1 / 160) : " رواه أحمد والبزار والطبراني في " الأوسط "، وفيه المسعودي وهو ثقة، ولكنه اختلط ". قلت: وعبيد بن الخشخاش ضعفه الدارقطني، وأما ابن حبان فأورده في " الثقات " (3 / 170) وقال:

" روى عنه الكوفيون ". قلت: والراوي عنه هذا أبو عمرو الشامي كما ترى . الثانية: عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر به مطولا جدا، وفيه حديث الترجمة وزيادة عدد الأنبياء المتقدم في حديث علي بن يزيد. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (94 - الموارد) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 166 - 168) من طريق إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني: حدثنا أبي عن جدي عن أبي إدريس الخولاني به. قلت: وإبراهيم هذا متروك متهم بالكذب، لكنه لم يتفرد به، فقد قال أبو نعيم عقبه: " ورواه المختار بن غسان عن إسماعيل بن سلمة عن أبي إدريس ". قلت: والمختار هذا من رجال ابن ماجه، روى عنه جمع، ولم يذكروا توثيقه عن أحد، وقال الحافظ: " مقبول ". وشيخه إسماعيل بن سلمة لم أجد له ترجمة، وغالب الظن أنه محرف والصواب (إسماعيل بن مسلم) فقد ذكروه في شيوخه، وهو العبدي الثقة، وكذلك المختار هو عبدي، فإذا صح الإسناد إليه، فهو حسن لغيره . والله أعلم. وتابعه الماضي بن محمد عن أبي سليمان عن القاسم بن محمد عن أبي إدريس الخولاني به. وفيه عدد الأنبياء أيضا. أخرجه ابن جرير في " التاريخ " (1 / 150) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، لضعف الماضي بن محمد. وشيخه أبو سليمان اسمه علي بن سليمان، مجهول.

ومثله القاسم بن محمد، وليس هو المدني الثقة. فقد قال الحافظ ابن حجر: " أظن أنه شامي ". الثالثة: قال أبو نعيم: ورواه معاوية بن صالح عن أبي عبد الملك محمد بن أيوب عن ابن عائذ عن أبي ذر بطوله. قلت: وابن أيوب هذا ذكره ابن أبي حاتم (3 / 2 / 196 - 197 ) بهذه الرواية، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وابن عائذ لم أعرف اسمه الآن. الرابعة: عن يحيى بن سعيد العبشمي - من بني سعد بن تميم -: حدثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن أبي ذر به. أخرجه أبو نعيم، والبيهقي (9 / 4) ، لكن رواه من طريقه الحاكم (2 / 597) فسماه يحيى بن سعيد السعدي البصري ، وسكت عنه، وقال الذهبي: " قلت: السعدي ليس بثقة ". قلت: الذي ليس بثقة إنما هو يحيى بن سعيد المدني، وهذا بصري فهو غيره، وإليه يميل الحافظ في " اللسان "، فراجعه. قلت: والعبشمي هذا لم أعرفه، ولم يورده السمعاني في هذه النسبة. وجملة القول: إن عدد الرسل المذكورين في حديث الترجمة صحيح لذاته، وأن عدد الأنبياء المذكورين في أحد طرقه، وفي حديث أبي ذر من ثلاث طرق، فهو صحيح لغيره، ولعله لذلك لما ذكره ابن كثير في " تاريخه " (1 / 97 ) من رواية ابن حبان في " صحيحه " سكت عنه، ولم يتعقبه بشيء، فدل على ثبوته عنده. وكذلك فعل الحافظ ابن حجر في " الفتح " (6 / 257)

والعيني في " العمدة " (7 / 307) ، وغيرهم، وقال المحقق الآلوسي في " تفسيره " (5 / 449) : " وزعم ابن الجوزي أنه موضوع، وليس كذلك. نعم، قيل: في سنده ضعف جبر بالمتابعة ". وسبقه إلى ذلك والرد على ابن الجوزي الحافظ ابن حجر في " تخريج الكشاف " (4 / 114) ، وهو الذي لا يسع الباحث المحقق غيره كما تراه مبينا في تخريجنا هذا والحمد لله. وفي عدد الأنبياء أحاديث أخرى، هي في الجملة متفقة مع الأحاديث المتقدمة على أن عددهم أكثر من عدد الرسل، رويت من حديث أبي سعيد الخدري، ومن حديث أنس بن مالك من طرق عنه، عند أبي يعلى والطبراني والحاكم، لعلنا نتفرغ لتتبعها، وتخريجها في المكان المناسب لها في فرصة أخرى إن شاء الله تعالى. ثم خرجتها في " الضعيفة " برقم (6090) . واعلم أن الحديث وما ذكرنا من الأحاديث الأخرى، مما يدل على المغايرة بين الرسول والنبي، وذلك مما دل عليه القرآن أيضا في قوله عز وجل: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته) * الآية . وعلى ذلك جرى عامة المفسرين، من ابن جرير الطبري الإمام، إلى خاتمة المحققين الآلوسي، وهو ما جزم به شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من فتاويه (المجموع 10 / 290 و 18 / 7) أن كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا. وقال القرطبي في " تفسيره " (12 / 80) :

" قال المهدوي (¬1) : وهذا هو الصحيح أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا. وكذا ذكر القاضي عياض في كتاب " الشفا " ، قال: والصحيح الذي عليه الجم الغفير أن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولا واحتج بحديث أبي ذر.. ". قلت: ويؤكد المغايرة في الآية ما رواه أبو بكر الأنباري في كتاب " الرد " له بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) . وقال أبو بكر: فهذا حديث لا يؤخذ به على أن ذلك قرآن، والمحدث هو الذي يوحى إليه في نومه، لأن رؤيا الأنبياء وحي. قلت: فإن صح ذلك عن ابن عباس فهو مما يؤكد ما ذكرنا من المغايرة، وإن كان لا يثبت به قرآن، ويؤيده أن المغايرة هذه رويت عن تلميذه مجاهد رحمه الله، فقد ذكر السيوطي في " الدر " (4 / 366) برواية ابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: " النبي وحده الذي يكلم وينزل عليه، ولا يرسل ". فهذا نص من هذا الإمام في التفسير، يؤيد ما تتابع عليه العلماء من القول بالمغايرة، الموافق لظاهر القرآن وصريح السنة. وكان الدافع على تحرير هذا أنني رأيت مجموعة رسائل لأحد فضلاء العصر الحاضر، فيها رسالة بعنوان: " إتحاف الأحفياء برسالة الأنبياء " ذهب فيها إلى عدم التفريق بين الرسول والنبي. وبحثه فيها يدل المحقق المطلع على بحوث العلماء وأقوالهم، على أن المؤلف لها حفظه الله ارتجلها ارتجالا دون أن يتعب نفسه بالبحث عن أقوال العلماء في المسألة، وإلا فكيف جاز له أن يقول (ج 1 / 429) : 1 - " وأسبق من رأينا تكلم بهذا التفريق هو العلامة ابن كثير ... "! ¬

(¬1) من علماء المغرب، واسمه محمد بن إبراهيم المهدوي. توفي سنة (595) .

وقد سبقه إلى ذلك مجاهد، التابعي الجليل (ت 104) وشيخ المفسرين ابن جرير (ت 310) والبغوي (ت 516 ) والقرطبي (ت 671) والزمخشري (ت 538) ، وغيرهم ممن أشرت إليهم آنفا. 2 - كيف يقول (ص 431) : " إن ابن تيمية لم يذكر التفريق المشار إليه في كتابه (النبوات) "! وليس من اللازم أن يذكر المؤلف كل ما يعلمه في الموضوع في كتاب واحد، فقد ذكر ذلك ابن تيمية في غير ما موضع من فتاواه، فلو أنه راجع " مجموع الفتاوى " له لوجد ذلك في (10 / 290 و 18 / 7) . ومن ذلك تعلم بطلان قوله عقب ذلك: " فهذه الغلطة في التفريق بين الرسول والنبي يظهر أنها إنما دخلت على الناس من طريق حديث موضوع رواه ابن مردويه عن أبي ذر، وهو حديث طويل جدا لا يحتمل أبو ذر حفظه مع طوله.. "! أقول: ليس العمدة في التفريق المذكور على هذا الحديث الطويل الذي زعم أن أبا ذر لا يتحمل حفظه كما شرحت ذلك في هذا التخريج الفريد في بابه فيما أظن، وتالله إن هذا الزعم لبدعة في علم الجرح والتعديل ما سبق - والحمد لله - من أحد إلى مثلها! وإلا لزمه رد أحاديث كثيرة طويلة صحيحة ثابتة في الصحيحين وغيرهما، كحديث صلح الحديبية، وحديث الدجال والجساسة، وحديث عائشة: " كنت لك كأبي زرع لأم زرع "، وغيرها. ولعله لا يلتزم ذلك إن شاء الله تعالى وتقليده لابن الجوزي في حكمه على الحديث بالوضع مردود، لأن التقليد ليس بعلم، كما لا يخفى على مثله، ثم لماذا آثر تقليده على تقليد الذين ردوا عليه حكمه عليه بالوضع؟ كالحافظ العسقلاني والمحقق الآلوسي وغيرهما ممن

سبقت الإشارة إلى كلامهم، لاسيما وهو يعلم تشدد ابن الجوزي في نقده للأحاديث، كما يعلم إن شاء الله أن نقده لو سلم به، خاص في بعض طرق الحديث التي خرجتها هنا. ومن غرائبه أنه ذكر آية الأمنية: * (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى..) * وأن الواو تفيد المغايرة ، ثم رد ذلك بقوله: " والجواب أن مثل هذا يقع كثيرا في القرآن وفي السنة يعطف بالشيء على الشيء، ويراد بالتالي نفس الأول كما في قوله: * (إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات) *، فغاير بينهما بحرف العطف، ومعلوم أن المسلمين هم المؤمنون، والمؤمنين هم المسلمون ". فأقول: هذا غير معلوم، بل العكس هو الصواب، كما شرح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه، وبخاصة منها كتابه " الإيمان "، ولذلك قال في " مختصر الفتاوى المصرية " (ص 586) : " الذي عليه جمهور سلف المسلمين: أن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمنا، فالمؤمن أفضل من المسلم، قال تعالى 49: 14: * (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) * ". فالآية كما ترى حجة عليه، ويؤيد ذلك تمامها: * (القانتين والقانتات ... ) * الآية: فإن من الظاهر بداهة أنه ليس كل مسلم قانتا! ثم ذكر آية أخرى لا تصلح أيضا دليلا له، وهي قوله تعالى: * ( قل من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال..) *، قال: فعطف بجبريل وميكال على الملائكة وهما منهم ". أقول: نعم، ولكن هذا ليس من باب عطف الشيء على الشيء ويراد

بالتالي نفس الأول كما هو دعواه، وإنما هذا من باب عطف الخاص على العام. وهذا مما لا خلاف فيه، ولكنه ليس موضع البحث كما هو ظاهر للفقيه. نعم إن ما ذهب إليه المومى إليه في الرسالة السابقة من إنكار ما جاء في بعض كتب الكلام في تعريف النبي أنه من أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، فهو مما أصاب فيه كبد الحقيقة، ولطالما أنكرناه في مجالسنا ودروسنا، لأن ذلك يستلزم جواز كتمان العلم مما لا يليق بالعلماء، بله الأنبياء ، قال تعالى: * (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون) *. ولعل المشار إليه توهم أن هذا المنكر إنما تفرع من القول بالتفريق بين الرسول والنبي، فبادر إلى إنكار الأصل ليسقط معه الفرع، كما فعل بعض الفرق قديما حين بادروا إلى إنكار القدر الإلهي إبطالا للجبر، وبعض العلماء في العصر الحاضر إلى إنكار عقيدة نزول عيسى وخروج المهدي عليهما السلام، إنكارا لتواكل جمهور من المسلمين عليها. وكل ذلك خطأ، وإن كانوا أرادوا الإصلاح، فإن ذلك لا يكون ولن يكون بإنكار الحق الذي قامت عليه الأدلة. ولو أن الكاتب المشار إليه توسع في دراسة هذه المسألة قبل أن يسود رسالته، لوجد فيها أقوالا أخرى استوعبها العلامة الآلوسي (5 / 449) ، ولكان بإمكانه أن يختار منها ما لا نكارة فيه كمثل قول الزمخشري (3 / 37) : " والفرق بينهما، أن الرسول من الأنبياء: من جمع إلى المعجزة الكتاب المنزل عليه. والنبي غير الرسول: من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله ". ومثله قول البيضاوي في " تفسيره " (4 / 57) :

2669

" الرسول: من بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبي يعمه، ومن بعثه لتقرير شرع سابق، كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسى عليهم السلام، ولذلك شبه النبي صلى الله عليه وسلم علماء أمته بهم ". يشير إلى حديث " علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل " ولكنه حديث لا أصل له، كما نص على ذلك الحافظ العسقلاني والسخاوي وغيرهما . ثم إنهم قد أوردوا على تعريفه المذكور اعتراضات يتلخص منها أن الصواب حذف لفظة " مجددة " منه، ومثله لفظة " الكتاب " في تعريف الزمخشري، لأن إسماعيل عليه السلام، لم يكن له كتاب ولا شريعة مجددة، بل كان على شريعة إبراهيم عليهما السلام، وقد وصفه الله عز وجل في القرآن بقوله: * (إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا) *. ويبقى تعريف النبي بمن بعث لتقرير شرع سابق، والرسول من بعثه الله بشريعة يدعو الناس إليها، سواء كانت جديدة أو متقدمة. والله أعلم. 2669 - " ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (1 / 82 / 2) : حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي أخبرنا أبو حذيفة موسى بن مسعود أخبرنا عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن مالك بن مرثد عن أبيه قال: " قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله! ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: الإيمان بالله. قلت: يا نبي الله! إن مع الإيمان عمل ؟ قال: يرضح مما رزقه الله، قلت: يا رسول الله! أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضح به؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى

عن المنكر. قلت: يا رسول الله! أرأيت إن كان عييا لا يستطيع أن يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر؟ قال: يصنع لأخرق. قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئا؟ قال: يعين مغلوبا. قلت: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مظلوما؟! فقال: ما تريد أن تترك في صاحبك من خير؟! تمسك الأذى عن الناس. فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟! قال: فذكره.. ". قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم موثقون، وقال الهيثمي (3 / 135) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". قلت: وفيه تساهل ظاهر، فإن مرثدا والد مالك وهو ابن عبد الله الزماني لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي، ولم يرو عنه غير ابنه، ولذلك قال الحافظ فيه: " مقبول ". وحفص بن عمر الرقي، قال أبو أحمد الحاكم: " حدث بغير حديث لم يتابع عليه ". وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال: " ربما أخطأ ". وقد تابعه أبو الوليد الطيالسي: أخبرنا عكرمة بن عمار.. عند البيهقي في " الشعب " (3 / 204) . لكن للحديث طريق أخرى يتقوى بها، قال الأوزاعي: حدثني أبو كثير السحيمي عن أبيه قال: سألت أبا ذر، قلت: دلني على عمل إذا عمل العبد به دخل الجنة؟ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بنحوه.

2670

أخرجه ابن حبان (863) والحاكم (1 / 63) وعنه البيهقي في " الشعب " (3 / 203) ، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم، فقد احتج في كتابه بأبي كثير الزبيدي، واسمه يزيد بن عبد الرحمن بن أذينة، وهو تابعي معروف، يقال له: أبو كثير الأعمى ". ووافقه الذهبي. وتقدم من طريق آخر عن أبي ذر مختصرا (575) . قلت: وقيل في اسمه: يزيد بن عبد الله بن أذينة، وقيل: ابن غفيلة. وظاهر كلام الحاكم أن أباه من رجال مسلم، ولم أره في " التهذيب " لا في عبد الله بن أذينة، ولا في عبد الرحمن بن أذينة. نعم، أورد فيه عبد الرحمن بن أذينة بن سلمة العبدي الكوفي قاضي البصرة، روى عن أبيه وأبي هريرة وعنه أبو إسحاق السبيعي وو ... ولم يذكر ابنه فيهم، فهو غير المترجم. والله أعلم. 2670 - " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله ". أخرجه الترمذي (3630) والدارمي (1 / 12) وأبو نعيم في " الدلائل " (ص 138) والحاكم (2 / 620) عن الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد عن علي بن أبي طالب قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث [حسن] غريب ". قلت: إسناده ضعيف، عباد هذا قال الذهبي: " لا يدرى من هو " والوليد بن أبي ثور ضعيف، فلعل تحسين الترمذي إياه - وهو مما وقع في بعض النسخ ونقله المنذري (2 / 146) عنه - إنما هو لأن له طريقا أخرى وشواهد يتقوى

2671

بها، وكذلك صححه الحاكم، ووافقه الذهبي. أما الطريق الأخرى، فهو ما أخرجه الطبراني في " الأوسط " (3 / 315 - مصورة الجامعة) من طريق زياد بن خيثمة عن السدي عن أبي عمارة الخيواني عن علي به مختصرا بلفظ: " خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل لا يمر على حجر، ولا شجر إلا سلم عليه ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون، خلافا لقول الهيثمي: " والتابعي أبو عمارة الخيواني لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: بل هو معروف، وهو بالخاء المعجمة نسبة إلى خيوان بن زيد، جده الأعلى، وهو عبد خير بن زيد الهمداني، ثقة معروف بالرواية عن علي رضي الله عنه، فصح الحديث والحمد لله. ويشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، وإني لأعرفه الآن ". أخرجه مسلم وابن حبان وصححه البغوي في " شرح السنة " (13 / 287 / 3709) وغيرهم، وهو مخرج في " الروض النضير " (185) وقد قلبه بعض الضعفاء، فقال: " ليالي بعثت ". وقد بينت ذلك بيانا شافيا في بحث أودعته في " الضعيفة " برقم (6574) . 2671 - " من أخاف أهل المدينة أخافه الله ". أخرجه ابن حبان (1039) من طريق عبد الرحمن بن عطاء عن محمد بن جابر بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد في المتابعات والشواهد، ورجاله ثقات إلا أن ابن

عطاء هذا فيه لين كما قال الحافظ في " التقريب "، وقد صح بإسناد آخر عن جابر بلفظ: " ... فقد أخاف ما بين جنبي ". أخرجه أحمد (3 / 354 و 393) مطولا ومختصرا. لكني وجدت للفظ الترجمة شاهدا قويا من حديث السائب بن خلاد مرفوعا به وزاد: " وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل ". أخرجه النسائي في " الكبرى " (89 / 2) وأحمد (3 / 55 و 56) والطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 169 / 6631) من طريق يحيى بن سعيد عن مسلم بن أبي مريم عن عطاء بن يسار عنه. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ثم أخرجوه هم، وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 372) من طريق يزيد بن خصيفة عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة أن عطاء بن يسار أخبره به، وزاد: " ظالما لهم ". وإسناده صحيح أيضا على شرط الشيخين، ويزيد هو ابن عبد الله بن خصيفة المدني. والحديث أورده المنذري (2 / 147) برواية النسائي والطبراني عن السائب بن خلاد مرفوعا بلفظ: " اللهم من ظلم أهل المدينة، وأخافهم فأخفه ، وعليه لعنة الله ... " إلخ. قلت: وهذا اللفظ للطبراني (6636) فقط، فإنه ليس عند النسائي إلا باللفظ

2672

المتقدم، وهو حسن بما قبله، ورجاله ثقات غير عائشة بنت المنذر، والصواب (بنت الزبير) كما في ترجمة الراوي عنها ( معاوية بن عبد الله الزبيري) في كتاب ابن أبي حاتم وغيره، وقد وثقها ابن حبان (7 / 307) . 2672 - " إن السيوف مفاتيح الجنة ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 145 / 2) : حدثنا زيد بن حباب عن جعفر بن سليمان الضبعي أخبرنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري قال: سمعت أبي تجاه العدو يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. فقال له رجل رث الهيئة: أنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فسل سيفه، وكسر غمده والتفت إلى أصحابه وقال: أقرأ عليكم السلام، ثم تقدم إلى العدو فقاتل حتى قتل. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير زيد بن الحباب وشيخه الضبعي، فهما من رجال مسلم وحده، وفيهما كلام لا يضر. وله شاهد من رواية يزيد بن أبي زياد - وهو الهاشمي مولاهم - عن مجاهد عن يزيد بن شجرة في خطبة له قال في آخرها: " نبئت أن السيوف مفاتيح الجنة ". رواه الطبراني من طريقين إحداهما جيدة صحيحة كما قال المنذري (2 / 195) . وقال الهيثمي (5 / 294) : " رجالها رجال الصحيح ". قلت: أخرجه في " الكبير " (22 / 246 - 247) من طريقين، أحدهما عن عبد الرزاق، وهذا في " المصنف " (5 / 256 - 257) عن الثوري عن منصور عن مجاهد به.

2673

وهذا إسناد صحيح موقوف. لكن له طريق أخرى مرفوع، يرويه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن حمزة قال: سمعت يزيد بن شجرة بأرض الروم يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، أخرجه الحاكم (3 / 494) . وعبد العزيز بن حمزة لم أجد له ترجمة، ويحتمل أنه عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة الحمصي، فقد ذكر في شيوخ ابن عياش، فإن يكن هو فهو ضعيف. ووجدت للهاشمي متابعا قويا لو ثبت الإسناد إليه، فقال أبو بكر الشافعي في " الفوائد " (6 / 66 / 1) : أخبرنا محمد بن يونس بن موسى القرشي أخبرنا يحيى بن كثير أخبرنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد به. ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير القرشي هذا - وهو الكديمي - وهو كذاب. لكن يشهد للحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " الجنة تحت ظلال السيوف ". رواه البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى، ومسلم عن أبي موسى، وهو مخرج في " الإرواء " (5 / 6 - 7) . 2673 - " ثلاثة لا ترى أعينهم النار يوم القيامة: عين بكت من خشية الله وعين حرست في سبيل الله وعين غضت عن محارم الله ". روي من حديث معاوية بن حيدة وعبد الله بن عباس وأبي ريحانة وأبي هريرة وأنس بن مالك.

1 - أما حديث معاوية بن حيدة فيرويه أبو حبيب الغنوي عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا به. أخرجه الخلعي في " الفوائد " (ق 106 / 1) وابن عساكر في " التاريخ " (3 / 297 / 1) كلاهما من طريق أبي يعلى عن أبي حبيب الغنوي به. قلت: وهذا إسناد حسن، لولا أن أبا حبيب هذا لم أجد من ذكره، وإلى ذلك أشار الهيثمي بقوله (5 / 288) : " رواه الطبراني، وفيه أبو حبيب العنقزي، ويقال: (القنوي) ، ولم أعرفه ". ونحوه في " الترغيب " (2 / 154 و 3 / 64) . وذكره المزي في الرواة عن بهز، ووقع فيه (القنوي) ووقع في المصدرين المذكورين للحديث: (الغنوي) ، وهذا اختلاف شديد في هذه النسبة لم يتبين لي الصواب من ذلك كما شرحته في التعليق على الحديث في " صحيح الترغيب والترهيب " (رقم 1217) . 2 - وأما حديث ابن عباس، فجاء من وجهين اثنين: الأول: عن شعيب بن رزيق أبي شيبة: حدثنا عطاء الخراساني عن عطاء بن أبي رباح عنه بلفظ: " عينان لا تمسهما النار.. " الحديث دون الجملة الثالثة. أخرجه الترمذي (1639) والبيهقي (1 / 488 / 796) والمزي في " التهذيب " (12 / 525) وقال الترمذي: " حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب ". قلت: هو صدوق يخطىء كما قال الحافظ، وإنما العلة (عطاء الخراساني) فإنه يخطىء كثيرا .

الثاني: عن أبي الفرج بن المسلمة في " مجلس من الأمالي " (120 / 1 - 2) عن عبد الله بن قريش قال: وجدت في " كتاب الفرج ": حدثنا عمر بن يزيد: حدثنا معن بن خالد عن سعيد بن جبير عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف، وفيه علل: الأولى: الفرج - وهو ابن فضالة الشامي - ضعيف. الثانية: عمر بن يزيد، الظاهر أنه النضري الشامي، ذكره أبو زرعة في " ثقات الشاميين "، وقال ابن حبان (2 / 89) : " كان ممن يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به على الإطلاق، وإن اعتبر بما يوافق الثقات فلا ضير ". الثالثة: معبد بن خالد، الظاهر أنه من شيوخ بقية، مجهول. 3 - وأما حديث أبي ريحانة: عبد الرحمن بن شريح قال: سمعت محمد بن شمير الرعيني يقول: سمعت أبا عامر الجنبي يقول: سمعت أبا ريحانة يقول: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة ... " الحديث، وفيه: ثم قال صلى الله عليه وسلم: " حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله، أو قال: حرمت النار على عين أخرى ثالثة لم يسمها محمد بن بكير ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (7 / 158 / 2 - 159 / 1) وعنه ابن أبي عاصم في " الجهاد " (ق 86 / 2) وأحمد (4 / 134 - 135) والحاكم (2 / 83) وعنه البيهقي ( 9 / 149) (¬1) ، وزادا: ¬

(¬1) وللنسائي (2 / 56) جملة السهر منه. اهـ.

" قال أبو شريح - وهو عبد الرحمن بن شريح -: وسمعته بعد أن قال: حرمت النار على عين غضت عن محارم الله، أو عين فقئت في سبيل الله ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي! كذا قال مع أنه أورد محمد بن شمير في " الميزان "، وقال: " لم يرو عنه غير عبد الرحمن بن شريح ". ولم يوثقه غير ابن حبان، ولكن ابن حبان قال: " روى عنه المصريون ". وجزم ابن القطان بأن عبد الرحمن بن شريح تفرد بالرواية عنه، وأنه لا يعرف كما في " التهذيب " ولهذا قال في " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة. 4 - وأما حديث أبي هريرة، فله ثلاث طرق: الأولى: عن عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه به، إلا أنه قال مكان " عين غضت عن محارم الله ": عين فقئت في سبيل الله ". والباقي مثله . أخرجه الحاكم (2 / 82) وعنه البيهقي (1 / 488 / 795) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: عمر ضعفوه ". الثانية: عن صالح بن كيسان قال: قال أبو عبد الرحمن: سمعت أبا هريرة يقول: فذكره نحو حديث الترجمة دون الجملة الثالثة.

أخرجه البخاري في " الكنى " (50 / 436) وعبد بن حميد في " المنتخب " (3 / 208 / 1445) والحاكم (2 / 82 - 83) وعنه البيهقي (4 / 16 - 17) . قلت: بيض له الحاكم، وأعله الذهبي معقبا عليه بقوله: " قلت: فيه انقطاع ". كذا قال، ولعل الصواب أن يقال: فيه جهالة لأن عبد الرحمن هذا غير معروف إلا في هذه الرواية، ولم يوثقه غير ابن حبان ( 5 / 568) وقد صرح بالسماع، فأين الانقطاع؟! ومن المحتمل أنه يعني بالانقطاع قول (صالح بن كيسان) : " قال: قال أبو عبد الرحمن ". ولكني أستبعده جدا، لأن صالحا هذا ثقة غير مدلس، فلا فرق بين قوله: " قال " وقوله : " عن " و " ذكر " ونحوه، كما هو مقرر في علم المصطلح. الثالثة: عن عمر بن سهل المازني عن عمر بن صهبان عن صفوان بن سليم عن أبي سلمة عنه مرفوعا به نحوه ، إلا أنه قال: " وعين خرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله ". أخرجه البزار (2 / 262 / 1659) وغيره. وعمر بن سهل المازني ضعيف، لكنه قد توبع ، فالعلة من شيخه ابن صهبان، وقد تفرد بذكر هذه الزيادة: " مثل رأس الذباب " ولذلك أوردت حديثه هذا في " الضعيفة " (1562 و 5144) . 5 - وأما حديث أنس فيرويه شبيب بن بشر عنه مرفوعا مثل حديث الترمذي. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (7 / 307 - 308) ومن طريقه الضياء

2674

المقدسي في " المختارة " (ق 131 / 1) والطبراني في " الأوسط " (2 / 54 / 1 / 5908) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 119) وقالا: " تفرد به زافر بن سليمان ". قلت: هو أبو سليمان الإيادي وهو صدوق كثير الأوهام، لكنه عند أبي يعلى من طريق أخرى عن (شبيب بن بشر) وهو صدوق يخطىء، فحديثه حسن، وهو بما تقدم من الشواهد صحيح بلا ريب، وبخاصة أن له طريقين آخرين عن أنس، أحدهما في " تاريخ بغداد " (2 / 360) والآخر عند العقيلي (4 / 346) والشهاب القضاعي (1 / 212 / 321) وقال العقيلي: " والرواية في هذا الباب لينة، وفيها ما هو أصلح من هذا الإسناد ". وكأنه يعني رواية شبيب بن بشر. والله أعلم. وبالجملة فالحديث بهذه الطرق صحيح على الراجح. والله أعلم. 2674 - " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجن في الصلاة. يعني: يعتمد ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 239 / 1 - مصورة الجامعة الإسلامية رقم 419 - ط) : حدثنا علي بن سعيد الرازي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر بن أبان قال: أخبرنا يونس بن بكير قال: أخبرنا الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة عن الأزرق بن قيس قال: رأيت عبد الله بن عمر وهو يعجن في الصلاة، يعتمد على يديه إذا قام، فقلت: ما هذا يا أبا عبد الرحمن؟ قال: فذكره، وقال: " لم يرو هذا الحديث عن الأزرق إلا الهيثم، تفرد به يونس بن بكير ".

قلت: وهو صدوق حسن الحديث من رجال مسلم، وفيه كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. لكن شيخه الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة لم أعرفه، ولم أر أحدا ذكره، فأخشى أن يكون وقع في الرواية شيء من التحريف، فقد أخرج الحديث أبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " هكذا: حدثنا عبد الله بن عمر حدثنا يونس بن بكير عن الهيثم عن عطية بن قيس عن الأزرق بن قيس به. والحربي ثقة إمام حافظ، فروايته مقدمة على رواية علي بن سعيد الرازي، فإن هذا وإن وثقه مسلمة بن قاسم فقد قال الدارقطني: " ليس بذاك "، فقوله في الإسناد: " الهيثم بن علقمة بن قيس بن ثعلبة " يكون من أوهامه إن كان محفوظا عنه، والصواب قول الحربي: " الهيثم عن عطية بن قيس ". والهيثم هذا هو ابن عمران الدمشقي، وثقه ابن حبان، وقد روى عنه جمع من الثقات كما كنت حققته في " الكتاب الآخر " تحت الحديث (967) مفصلا القول هناك في مشروعية الاعتماد على اليدين عند القيام من السجدة الثانية أو التشهد الأول، وذكرت هناك متابعا قويا لعطية بن قيس فراجعه. ومن العجيب أن يخفى هذا الحديث على كل من صنف في " التخريج " كما ذكرت هناك، وأعجب منه أن لا يورده الهيثمي في " مجمع البحرين في زوائد المعجمين "، بل ولا في " مجمع الزوائد "، مع أنه أورد فيه ما يخالفه، فقال (2 / 136) : " وعن عبد الرحمن بن يزيد قال: رمقت عبد الله بن مسعود في الصلاة فرأيته ينهض ولا يجلس، قال: ينهض على صدور قدميه في الركعة الأولى والثالثة. رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال الصحيح ".

ونحوه ما صنعه الحافظ في " التلخيص الحبير "، فإنه بعد أن ذكر حديث ابن عباس بمعنى حديث الترجمة، ونقل أقوال مخرجيه في تضعيف حديث ابن عباس وإبطاله، قال (1 / 260 ) : " وفي " الطبراني الأوسط " عن الأزرق بن قيس: رأيت عبد الله بن عمر وهو يعجن في الصلاة، يعتمد على يديه إذا قام كما يفعل الذي يعجن "! فذكر الموقوف دون المرفوع منه، فأوهم القارىء خلاف الواقع، ولذلك كنت سميته في الكتاب السابق الذكر أثرا اعتمادا عليه، فلما وقفت على لفظه في " المعجم الأوسط " بادرت إلى إخراجه هنا وسقته كما رأيته فيه وتكلمت على إسناده نصحا للأمة، وتأكيدا لما كنت ذكرته هناك من ثبوت الحديث. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ولابد من التنبيه هنا على خطأ وقع لي ثمة، وذلك أنني رجحت أن عبد الله بن عمر - شيخ الحربي - الصواب فيه عبيد الله (مصغرا) ، فلما وقفت على رواية الطبراني ومطابقتها لرواية الحربي، بل زاد فسمى جده (أبان) تبين لي الخطأ، وأن الصواب كما وقع في الروايتين: (عبد الله بن عمر) وهو ابن محمد بن أبان الأموي مولاهم الكوفي، وهو ثقة أيضا من رجال مسلم. ثم رأيت ليونس بن بكير متابعا، أخرجه الطبراني في " الأوسط " أيضا (1 / 190 / 2 رقم 3371 - ط) من طريق عبد الحميد الحماني قال: أخبرنا الهيثم بن عطية البصري عن الأزرق بن قيس قال: " رأيت ابن عمر في الصلاة يعتمد إذا قام، فقلت: ما هذا؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله ". وقال: " لم يروه عن الأزرق إلا الهيثم، تفرد به الحماني ".

2675

قلت: وفيه ضعف، والهيثم بن عطية هذا لم أعرفه أيضا، ولعله ".. عن عطية " كما تقدم في رواية أبي إسحاق الحربي. والله أعلم. (تنبيه) : ألف بعض الفضلاء جزءا في كيفية النهوض في الصلاة، نشره سنة (1406) ، تأول فيه بعض الأحاديث الصحيحة على خلاف تفسير العلماء، وحشر أحاديث ضعيفة مقويا تأويله بها، وضعف حديثنا هذا الصحيح بأمور وعلل دلت على أنه كان الأولى به أن لا يدخل نفسه فيما لا يحسنه، فرددت عليه ردا مسهبا مبينا أخطاءه الحديثية والفقهية في كتابي " تمام المنة " (ص 196 - 207) ، فمن شاء التوسع رجع إليه. 2675 - " من السنة النزول بـ (الأبطح) عشية النفر ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 198 / 2 - 199 / 1) قال: حدثنا الحسين بن محمد بن حاتم العجل قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأذرمي قال: أخبرنا القاسم بن يزيد الجرمي قال: أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عمر بن الخطاب قال: فذكره. وقال: " لم يروه عن سفيان إلا القاسم الجرمي ". قلت: وهو ثقة اتفاقا، ومثله الأذرمي الراوي عنه. وأما الحسين بن محمد - وهو المعروف بعبيد العجل - فهو ثقة حافظ متقن كما قال الخطيب (8 / 94) وهو من تراجم الذهبي في " تذكرة الحفاظ ". وأما من فوقهم فثقات كلهم من رجال الشيخين لا يسأل عن مثلهم.

فالإسناد صحيح، ولقد قصر الهيثمي حين اقتصر على تحسينه في " المجمع " (3 / 282) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وإسناده حسن "! ولقد بادرت إلى تخريج هذا الحديث فور حصولي على نسخة مصورة من " المعجم الأوسط " لعزته، وقلة من أورده من المخرجين وغيرهم، ولكونه شاهدا قويا لما رواه مسلم (4 / 85) عن نافع أن ابن عمر كان يرى التحصيب سنة. قلت: فكأن ابن عمر تلقى ذلك من أبيه رضي الله عنهما، فتقوى رأيه بهذا الشاهد الصحيح عن عمر. وليس بخاف على أهل العلم أنه أقوى في الدلالة على شرعية التحصيب من رأي ابنه، لما عرف عن هذا من توسعه في الاتباع له صلى الله عليه وسلم حتى في الأمور التي وقعت منه صلى الله عليه وسلم اتفاقا لا قصدا، والأمثلة على ذلك كثيرة، وقد ذكر بعضها المنذري في أول " ترغيبه " (¬1) ، بخلاف أبيه عمر كما يدل على ذلك نهيه عن اتباع الآثار (¬2) ، فإذا هو جزم أن التحصيب سنة، اطمأن القلب إلى أنه يعني أنها سنة مقصودة أكثر من قول ابنه بذلك، لاسيما ويؤيده ما أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى: " نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر ". وذلك أن قريشا وبني كنانة تحالفت على بني هاشم وبني المطلب أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. يعني بذلك التحصيب. والسياق لمسلم. ¬

(¬1) انظر كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 22 - 23 / 43 - 46) وهو تحت الطبع. ثم طبع المجلد الأول منه سنة (1408) . ثم شرعنا في طبع الثاني منه في رجب هذه السنة (1415) يسر الله نشره. (¬2) انظر كتابي " تحذير الساجد " (ص 136 / 6) . اهـ.

قال ابن القيم في " زاد المعاد ": " فقصد النبي صلى الله عليه وسلم إظهار شعائر الإسلام في المكان الذي أظهروا فيه شعائر الكفر، والعداوة لله ورسوله. وهذه كانت عادته صلوات الله وسلامه عليه: أن يقيم شعار التوحيد في مواضع شعائر الكفر والشرك كما أمر صلى الله عليه وسلم أن يبنى مسجد الطائف موضع اللات والعزى ". وأما ما رواه مسلم عن عائشة أن نزول الأبطح ليس بسنة، وعن ابن عباس أنه ليس بشيء. فقد أجاب عنه المحققون بجوابين: الأول: أن المثبت مقدم على النافي. والآخر: أنه لا منافاة بينهما ، وذلك أن النافي أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء، والمثبت أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وسلم، لا الإلزام بذلك. قال الحافظ عقبه (3 / 471) : " ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس وابن عمر ". قلت: وهما في " مختصري لصحيح البخاري " (كتاب الحج / 83 - باب و 148 - باب) . (الأبطح ) : يعني أبطح مكة، وهو مسيل واديها، ويجمع على البطاح والأباطح، ومنه قيل: قريش البطاح، هم الذين ينزلون أباطح مكة وبطحاءها. " نهاية " و ( التحصيب) : النزول بـ (المحصب) وهو الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح بين مكة ومنى. وهو أيضا (خيف بني كنانة) .

2676

2676 - " تلك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. يعني إتمام المسافر إذا اقتدى بالمقيم، وإلا فالقصر ". هذه السنة الصحيحة يرويها قتادة عن موسى بن سلمة الهذلي عن ابن عباس رضي الله عنه. ويرويه عن قتادة جمع: الأول: أيوب عنه عن موسى قال: كنا مع ابن عباس بمكة، فقلت: إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين؟ قال: فذكره. أخرجه أحمد (1 / 216) والسراج في " مسنده " ( ق 120 / 1) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 278 / 1 - مصورة الجامعة الإسلامية) وأبو عوانة في " مسنده " (2 / 340) من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، والطبراني أيضا (2 / 92 / 2) من طريق الحارث بن عمير كلاهما عن أيوب عنه به، وزاد هو والسراج: " وإن رغمتم "، وقال: " لم يروه عن أيوب إلا الحارث بن عمير والطفاوي ". الثاني: شعبة عنه به، ولفظه: قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام؟ فقال: ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم (2 / 143 - 144) والنسائي (1 / 212) وابن خزيمة في

" صحيحه " (951) والبيهقي (3 / 153) وابن حبان (4 / 185 / 2744) وأحمد (1 / 290 و 337) وأبو عوانة والطحاوي (1 / 245) ولفظ البيهقي: " كم أصلي إذا فاتتني الصلاة في المسجد الحرام؟ ... ". والباقي مثله. الثالث: سعيد بن أبي عروبة عنه نحوه. أخرجه مسلم (3 / 144) والنسائي، وأحمد (1 / 369) . الرابع: هشام الدستوائي. قال الطيالسي في " مسنده " (2742) : حدثنا هشام عنه به. ولفظه: قلت لابن عباس: إذا لم أدرك الصلاة في المسجد الحرام كم أصلي بـ (البطحاء) ؟ قال: ركعتين.. إلخ. وأخرجه أحمد (1 / 226) : حدثنا يحيى عن هشام به. الخامس: همام: أخبرنا قتادة به مثل لفظ هشام. أخرجه أحمد (1 / 290) . وقد صرح قتادة بالتحديث عنده في رواية شعبة. قلت: وفي الحديث دلالة صريحة على أن السنة في المسافر إذا اقتدى بمقيم أنه يتم ولا يقصر، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، بل حكى الإمام الشافعي في " الأم " (1 / 159) إجماع عامة العلماء على ذلك، ونقله الحافظ ابن حجر عنه في " الفتح " (2 / 465) وأقره، وعلى ذلك جرى عمل السلف، فروى مالك في " الموطأ " (1 / 164) عن نافع: أن ابن عمر أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته.

وفي رواية عنه: أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعا، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين. ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " (954) من طريق أخرى عن ابن عمر. وأخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 244) من طريق مالك، ومن قبله الإمام محمد في " موطئه " (ص 127 - 128) وقال: " وبهذا نأخذ إذا كان الإمام مقيما والرجل مسافر، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ". وقوله: " إذا كان الإمام مقيما ... " مفهومه - ومفاهيم المشايخ معتبرة عندهم! - أن الإمام إذا كان مسافر فأتم - كما يفعل بعض الشافعية -، أن المسافر المقتدي خلفه يقصر ولا يتم، وهذا خلاف ما فعله ابن عمر رضي الله عنهما، وتبعه على ذلك غيره من الصحابة، منهم عبد الله بن مسعود - الذي يتبنى الحنفية غالب أقواله - فإنه مع كونه كان ينكر على عثمان رضي الله عنه إتمامه الصلاة في منى، ويعيب ذلك عليه كما في " الصحيحين "، فإنه مع ذلك صلى أربعا كما في " سنن أبي داود " (1960) و " البيهقي " (3 / 144) من طريق معاوية بن قرة عن أشياخه أن عبد الله صلى أربعا، قال: فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعا؟! قال: الخلاف شر. وهذا يحتمل أنه صلاها أربعا وحده، ويحتمل أنه صلاها خلف عثمان، ورواية البيهقي صريحة في ذلك، فدلالتها على المراد دلالة أولوية، كما لا يخفى على العلماء. ومنهم سلمان الفارسي، فقد روى أبو يعلى الكندي قال: " خرج سلمان في ثلاثة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة، وكان

سلمان أسنهم، فأقيمت الصلاة، فقالوا: تقدم يا أبا عبد الله! فقال: ما أنا بالذي أتقدم، أنتم العرب، ومنكم النبي صلى الله عليه وسلم، فليتقدم بعضكم، فتقدم بعض القوم، فصلى أربع ركعات، فلما قضى الصلاة، قال سلمان: ما لنا وللمربعة ، إنما يكفينا نصف المربعة ". أخرجه عبد الرزاق (4283) وابن أبي شيبة (2 / 448) والطحاوي (1 / 242) بإسناد رجاله ثقات، ولولا أن فيه عنعنة أبي إسحاق السبيعي واختلاطه لصححت إسناده، فسكوت الشيخ عبد الله الغماري عنه في رسالته " الرأي القويم " (ص 30) ليس بجيد، لاسيما وقد جزم بنسبته إلى سلمان في رسالته الأخرى " الصبح السافر " (ص 42) !! هذا ولقد شذ في هذه المسألة ابن حزم كعادته في كثير غيرها، فقد ذهب إلى وجوب قصر المسافر وراء المقيم، واحتج بالأدلة العامة القاضية بأن صلاة المسافر ركعتان، كما جاء في أحاديث كثيرة صحيحة. وليس بخاف على أهل العلم أن ذلك لا يفيد فيما نحن فيه، لأن حديث الترجمة يخصص تلك الأحاديث العامة، بمختلف رواياته، بعضها بدلالة المفهوم، وبعضها بدلالة المنطوق. ولا يجوز ضرب الدليل الخاص بالعام، أو تقديم العام على الخاص، سواء كانا في الكتاب أو في السنة، خلافا لبعض المتمذهبة. وليس ذلك من مذهب ابن حزم رحمه الله، فالذي يغلب على الظن أنه لم يستحضر هذا الحديث حين تكلم على هذه المسألة، أو على الأقل لم يطلع على الروايات الدالة على خلافه بدلالة المنطوق، وإلا لم يخالفها إن شاء الله تعالى، وأما رواية مسلم فمن الممكن أن يكون قد اطلع عليها ولكنه لم يرها حجة لدلالتها بطريق المفهوم، وليس هو حجة عنده خلافا للجمهور، ومذهبهم هو الصواب كما هو مبين في علم الأصول، فإن كان قد اطلع عليها

فكان عليه أن يذكرها مع جوابه عنها، ليكون القاريء على بينة من الأمر. وإن من غرائبه أنه استشهد لما ذهب إليه بما نقله عن عبد الرزاق - وهو في " مصنفه " (2 / 519) - من طريق داود بن أبي عاصم قال: " سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر؟ فقال: ركعتان. قلت: كيف ترى ونحن ههنا بمنى؟ قال: ويحك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنت به؟ قلت: نعم. قال: فإنه كان يصلي ركعتين. فصل ركعتين إن شئت أو دع ". قلت: وسنده صحيح، وقال عقبه: " وهذا بيان جلي بأمر ابن عمر المسافر أن يصلي خلف المقيم ركعتين فقط ". قلت: وهذا فهم عجيب، واضطراب في الفهم غريب، من مثل هذا الإمام اللبيب، فإنك ترى معي أنه ليس في هذه الرواية ذكر للإمام مطلقا، سواء كان مسافرا أم مقيما. وغاية ما فيه أن ابن أبي عاصم بعد أن سمع من ابن عمر أن الصلاة في السفر ركعتان، أراد أن يستوضح منه عن الصلاة وهم - يعني الحجاج - في منى: هل يقصرون أيضا؟ فأجابه بالإيجاب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي فيها ركعتين. هذا كل ما يمكن فهمه من هذه الرواية، وهو الذي فهمه من خرجها، فأوردها عبد الرزاق في " باب الصلاة في السفر " في جملة أحاديث وآثار في القصر، وكذلك أورده ابن أبي شيبة في باب " من كان يقصر الصلاة " من " مصنفه " (2 / 451) . وداود بن أبي عاصم هذا طائفي مكي، فمن المحتمل أنه عرضت له شبهة من جهة كونه مكيا، والمسافة بينها وبين منى قصيرة، فأجابه ابن عمر بما تقدم، وكأنه يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في منى هو ومن كان معه من المكيين الحجاج. والله أعلم.

وإن مما يؤكد خطأ ابن حزم في ذلك الفهم ما سبق ذكره بالسند الصحيح عن ابن عمر أنه كان إذا صلى في مكة ومنى لنفسه قصر، وإذا صلى وراء الإمام صلى أربعا. فلو كان سؤال داود عن صلاة المسافر وراء المقيم، لأفتاه بهذا الذي ارتضاه لنفسه من الإتمام في هذه الحالة، ضرورة أنه لا يعقل أن تخالف فتواه قوله، ويؤيد هذا أنه قد صح عنه أنه أفتى بذلك غيره، فروى عبد الرزاق (2 / 542 / 4381) بسند صحيح عن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر: أدركت ركعة من صلاة المقيمين وأنا مسافر؟ قال: صل بصلاتهم. أورده في " باب المسافر يدخل في صلاة المقيمين ". وذكر فيه آثارا أخرى عن بعض التابعين بمعناه، إلا أن بعضهم فصل، فقال في المسافر يدرك ركعة من صلاة المقيمين في الظهر: يزيد إليها ثلاثا، وإن أدركهم جلوسا صلى ركعتين. ولم يرو عن أحد منهم الاقتصار على ركعتين على كل حال كما هو قول ابن حزم! وأما ما ذكره من طريق شعبة عن المغيرة بن مقسم عن عبد الرحمن بن تميم بن حذلم قال: " كان أبي إذا أدرك من صلاة المقيم ركعة وهو مسافر صلى إليها أخرى، وإذا أدرك ركعتين اجتزأهما "، وقال ابن حزم: " تميم بن حذلم من كبار أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ". قلت: نعم، ولكنه مع شذوذه عن كل الروايات التي أشرت إليها في الباب وذكرنا بعضها، فإن ابنه عبد الرحمن ليس مشهورا بالرواية، فقد أورده البخاري في " التاريخ " (3 / 1 / 265) وابن أبي حاتم (2 / 2 / 218) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وذكر ابن أبي حاتم أنه روى عنه أبو إسحاق الهمداني أيضا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 68 ) برواية المغيرة. وهذا قال فيه الحافظ في " التقريب ":

2677

" كان يدلس ". وذكر أيضا من طريق مطر بن فيل عن الشعبي قال: " إذا كان مسافرا فأدرك من صلاة المقيم ركعتين اعتد بهما ". ومطر هذا لا يعرف. وعن شعبة قال: سمعت طاووسا وسألته عن مسافر أدرك من صلاة المقيم ركعتين؟ قال: " تجزيانه ". قلت: وهذا صحيح إن سلم إسناده إلى شعبة من علة، فإن ابن حزم لم يسقه لننظر فيه. وجملة القول أنه إن صح هذا وأمثاله عن طاووس وغيره، فالأخذ بالآثار المخالفة لهم أولى لمطابقتها لحديث الترجمة وأثر ابن عمر وغيره. والله أعلم. 2677 - " أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة: الموفون المطيبون ". أخرجه أحمد (6 / 268) والبزار (1309) عن ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب جزورا - أو جزائر - بوسق من تمر الذخرة (وتمر الذخرة: العجوة) ، فرجع به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته والتمس له التمر فلم يجده، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " يا عبد الله! إنا قد ابتعنا منك جزورا - أو جزائر - بوسق من تمر الذخرة،

فالتمسناه فلم نجده " قال : فقال الأعرابي: واغدراه! قالت: فهم الناس وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا ". ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا عبد الله! إنا ابتعنا منك جزائر ونحن نظن أن عندنا ما سمينا لك، فالتمسناه فلم نجده "، فقال الأعرابي: واغدراه! فنهمه الناس وقالوا: قاتلك الله، أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا "، فردد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله، فذهب إليه الرجل، ثم رجع فقال: قالت: نعم، هو عندي يا رسول الله! فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للرجل: اذهب به فأوفه الذي له. قال: فذهب به فأوفاه الذي له. قالت: فمر الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه. فقال: جزاك الله خيرا، فقد أوفيت وأطيبت. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق - وهو محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة - وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، فقد فعل كما ترى، فثبت الحديث والحمد لله. وقال الهيثمي (4 / 140) : " رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد صحيح "! ونقله عنه الشيخ الأعظمي في تعليقه على " الكشف " وأقره! وذلك مما يدل

القارئ على ضآلة علمه، وقلة معرفته بهذا الفن، وضيق باعه فيه، فإنه لم يبين سبب التصحيح لسند أحمد دون سند البزار، ألا وهو التحديث وعدمه، وسكت عن التصحيح، وإنما حقه التحسين كما فعلنا للخلاف المعروف في ابن إسحاق، وجل تعليقاته من هذا النوع، لا تحقيق فيها ولا علم، وإنما هو مجرد النقل مما لا يعجز عنه المبتدئون في هذا العلم كأمثاله من متعصبة الحنفية وغيرهم، ومع ذلك لم يخجل بعضهم من السعي حثيثا لترشيحه لنيل جائزة السنة لهذه السنة (1400) من الدولة السعودية تعصبا منه له، وصدق من قال: " إن الطيور على أشكالها تقع " ! وإنما حظي بها الأعظمي الآخر، ولعلها وجدت محلها. ولله في خلقه شؤون. ثم إن قوله صلى الله عليه وسلم: " دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ". قد جاء في قصة أخرى مختصرا من حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في " أحاديث البيوع ". قوله: (الذخرة) : بمعنى الذخيرة، في " اللسان ": " والذخيرة: واحدة الذخائر، وهي ما ادخر، وكذلك (الذخر) والجمع: أذخار " . ولم يعرفها الأعظمي فعلق عليها بقوله: " كذا في الأصل مضبوطا بالقلم، وفي " النهاية ": الذخيرة نوع من التمر معروف "! قلت: وهي مفسرة في رواية أحمد بـ (العجوة) كما رأيت. (الموفون المطيبون) أي الذين يؤدون ما عليهم من الحق بطيب نفس.

2678

(نهمه) أي زجره. ثم وجدت له طريقا أخرى، فقال البزار ( 1310) : حدثنا معمر بن سهل حدثنا خالد بن مخلد حدثنا يحيى بن عمير عن هشام به ، قال البزار نحوه. ثم قال: " لا نعلم أحدا رواه عن هشام إلا يحيى ". قلت: قال أبو حاتم: صالح الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 601) وقال الذهبي: " صدوق ". وهذا هو المعتمد، فقول الحافظ: " مقبول "، غير مقبول. وقد روى عنه أربعة من الثقات. وسائر الرجال ثقات، فالإسناد جيد، والحديث به صحيح. 2678 - " ألا عسى أحدكم أن يضرب امرأته ضرب الأمة! ألا خيركم خيركم لأهله ". أخرجه البزار في " مسنده " (رقم 1484 - كشف الأستار) قال: حدثنا زكريا بن يحيى الضرير حدثنا شبابة بن سوار حدثنا المغيرة بن مسلم عن هشام بن عروة عن أبيه عن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال البزار: " لا نعلم أحدا قال فيه: " عن الزبير " إلا مغيرة، ولم نسمعه إلا من زكريا عن شبابة عن مغيرة ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 303) : " رواه البزار عن شيخه زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ".

وأقره محقق " الكشف " حبيب الرحمن الأعظمي كما هي عادته التي تدل الباحثين على أنه لا تحقيق عنده في هذا العلم إلا النقل، أما النقد العلمي الحر فلا شيء عنده منه، كما يدل على ذلك تعليقاته على بعض الكتب، وبخاصة منها " مصنف عبد الرزاق " رحمه الله، فإن الواقف عليها لا يستفيد منها تصحيحا ولا تضعيفا، وهو الغاية من علم المصطلح ورجاله، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا جدا، وها هو واحد منها بين يديك، فماذا تستفيد أيها القاريء الكريم مما نقله عن الهيثمي في هذا الحديث؟ الصحة، أم الضعف؟ لا شيء من ذلك ! ومع ذلك ففيما نقله مؤاخذتان: الأولى: إطلاق القول أن رجاله رجال " الصحيح " ليس بصحيح، لأن المغيرة بن مسلم إنما أخرج له البخاري في " الأدب المفرد "، ولم يخرج له في " الصحيح " لا هو ولا مسلم! إلا أنه ثقة، ولم يضعفه أحد. والأخرى: أن زكريا بن يحيى الضرير شيخ البزار، قد ترجمه الخطيب البغدادي في " التاريخ " (8 / 457) برواية خمسة من ثقات البغداديين، بعضهم من الحفاظ المشهورين وهم: تمتام وابن صاعد والمحاملي، وفاته الحافظ البزار. وهو وإن لم يذكر الخطيب فيه جرحا ولا تعديلا، فمثله مقبول الحديث عند العلماء كما يعرف ذلك من سبر تخاريجهم وتصحيحهم للأحاديث، لاسيما وهو لم يرو منكرا، فالشطر الأول من حديث الترجمة له شواهد كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد! فلعله يضاجعها في آخر يومه ". متفق عليه . وهو مخرج في " الإرواء " (7 / 97 / 2031) وفي معناه أحاديث أخرى راجعها إن شئت في " المشكاة " (3241 و 3260 و 3261) .

2679

وأما الشطر الآخر منه فله شواهد كثيرة من حديث عائشة وابن عباس وغيرهما، وقد سبق تخريجها برقم (285 ) . 2679 - " من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن وجبت له الجنة البتة. قيل: يا رسول الله! فإن كانت اثنتين؟ قال: وإن كانت اثنتين. قال: فرأى بعض القوم أن لو قالوا له: واحدة؟ لقال: واحدة ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 303) : حدثنا هشيم أنبأنا علي بن زيد عن محمد بن المنكدر قال: حدثني جابر - يعني ابن عبد الله - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير علي بن زيد وهو ابن جدعان، وفيه ضعف من قبل حفظه، لكنه لم يتفرد به كما يأتي. والحديث قال المنذري (3 / 84 - 85) : " رواه أحمد بإسناد جيد، والبزار، والطبراني في " الأوسط "، وزاد: (ويزوجهن) ". وكذا قال الهيثمي (8 / 157) إلا أنه زاد قوله: " من طرق ". وقد فاتهما أبو يعلى، فقد أخرجه في " مسنده " (2 / 591) : حدثنا أبو خيثمة: أخبرنا يزيد بن هارون: أنبأنا سفيان بن حسين عن محمد بن المنكدر به. كذا وقع في نسختنا منه لم يذكر ابن جدعان، وغالب الظن أنه سقط من الناسخ، فإن سفيان هذا لم يذكروا له رواية عن محمد بن المنكدر، وإنما يروي عن

ابن جدعان، وهذا عن محمد كما تراه في " مسند أحمد "، وكما ذكروا في تراجم هؤلاء الثلاثة. ثم إن في تجويد إسناد أحمد نظرا لما ذكرنا من حال ابن جدعان، إلا إذا كان المراد أنه جيد لغيره فنعم، فإنه قد توبع عند البزار وغيره، فقال في " مسنده " (رقم 1908) - " كشف الأستار ": حدثنا محمد بن كثير ابن بنت يزيد بن هارون حدثنا سرور بن المغيرة أبو عامر الواسطي حدثنا سليمان التيمي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحدثنا عمرو بن علي: حدثنا حاتم بن وردان حدثنا علي بن زيد عن محمد بن المنكدر عن جابر به. وقال البزار : " لا نعلم رواه هكذا إلا سليمان وعلي بن يزيد، ولم نسمعه إلا من محمد عن سرور ". قلت: وبالإسناد الأول أخرجه بحشل في " تاريخ واسط " (ص 92) : حدثنا محمد بن كثير بن نافع الثقفي ابن بنت يزيد بن هارون قال: حدثنا سرور بن المغيرة به. أورده في ترجمة سرور هذا وكناه أبا عامر، لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، كعادته. وقال ابن سعد في " الطبقات " (7 / 315) : " كان يروي التفسير عن عباد بن منصور عن الحسن، وكان معروفا ". وذكر أنه ابن المغيرة بن زاذان ابن أخي منصور بن زاذان، وكذلك ذكر ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 325) وقال: " روى عن عباد بن منصور. روى عنه أبو سعيد أحمد بن داود الحداد، سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ ".

2680

وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال (8 / 301) : " روى عنه أبو سعيد الحداد الغرائب ". وقال في مكان آخر (6 / 437) : " ... روى عنه الواسطيون ". ونقله عنه الحافظ في " اللسان ". ومن الغريب، أنه لم يذكر في هذه الترجمة كل ما نقلته آنفا عن ابن أبي حاتم ومن قبله! وأما محمد بن كثير ابن بنت يزيد بن هارون فلم أقف الآن على ترجمة له فيما بين يدي من المصادر، وقد عرفت مما سبق أنه من شيوخ البزار وبحشل، وقد روى هذا له أحاديث أخرى (ص 160 و 205) ويبدو أنه ليس واسطيا، فقد ترجم لجماعة كثيرة من شيوخه في آخر الكتاب (ص 218 - 292) ، وليس هو فيهم ، فلعله بصري. والله أعلم. ثم رأيت في المكان الآخر من " الثقات ": " أصله من البصرة، سكن واسط ". وبالجملة فهذه الطريق تقوي رواية ابن جدعان، لاسيما وللحديث شواهد كثيرة تقدم ذكر جملة طيبة منها برقم (294 و 297) . 2680 - " ما من امرأة تقدم ثلاثا من الولد تحتسبهن إلا دخلت الجنة. فقالت امرأة منهن : أو اثنان؟ قال: أو اثنان ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 246) : حدثنا سفيان حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة:

جاء نسوة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله! ما نقدر عليك في مجلسك من الرجال، فواعدنا منك يوما نأتيك فيه. قال: " موعدكن بيت فلان ". وأتاهن في ذلك اليوم، ولذلك الموعد. قال: فكان مما قال لهن، يعني: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، و (سفيان) هو ابن عيينة، وقد أخرجه في " صحيحه " (8 / 39) من طريق أخرى عن سهيل به مختصرا، ولفظه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: " لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة ". فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: " أو اثنين ". وهو رواية لأحمد (2 / 378) . والحديث في " الصحيحين " من حديث أبي سعيد نحوه، وهو في كتابي " مختصر صحيح البخاري " (96 - كتاب / 9 - باب) وقد مضى تحت الحديث (2302) . وفيه فوائد كثيرة، أذكر بعضها: 1 - أن من مات له ولدان دخل الجنة وحجباه من النار، وليس ذلك خاصا بالإناث آباء وأولادا، لأحاديث أخرى كثيرة تعم الجنسين، وتجد جملة طيبة منها في " الترغيب والترهيب " (3 / 89 - 91) ويأتي بعد هذا أحدها .

2 - فيه فضل نساء الصحابة وما كن عليه من الحرص على تعلم أمور الدين. 3 - وفيه جواز سؤال النساء عن أمر دينهن، وجواز كلامهن مع الرجال في ذلك، وفيما لهن الحاجة إليه. 4 - جواز الوعد، وقد ترجم البخاري للحديث بقوله: " هل يجعل للنساء يوما على حدة في العلم؟ ". قلت: وأما ما شاع هنا في دمشق في الآونة الأخيرة من ارتياد النساء للمساجد في أوقات معينة ليسمعن درسا من إحداهن ، ممن يتسمون بـ (الداعيات) زعمن، فذلك من الأمور المحدثة التي لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولا في عهد السلف الصالح، وإنما المعهود أن يتولى تعليمهن العلماء الصالحون في مكان خاص كما في هذا الحديث، أو في درس الرجال حجزة عنهم في المسجد إذا أمكن، وإلا غلبهن الرجال، ولم يتمكن من العلم والسؤال عنه. فإن وجد في النساء اليوم من أوتيت شيئا من العلم والفقه السليم المستقى من الكتاب والسنة، فلا بأس من أن تعقد لهن مجلسا خاصا في بيتها أو بيت إحداهن، ذلك خير لهن، كيف لا والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة الجماعة في المسجد: " وبيوتهن خير لهن "، فإذا كان الأمر هكذا في الصلاة التي تضطر المرأة المسلمة أن تلتزم فيها من الأدب والحشمة ما لا تكثر منه خارجها فكيف لا يكون العلم في البيوت أولى لهن، لاسيما وبعضهن ترفع صوتها ، وقد يشترك معها غيرها فيكون لهن دوي في المسجد قبيح ذميم. وهذا مما سمعناه وشاهدناه مع الأسف. ثم رأيت هذه المحدثة قد تعدت إلى بعض البلاد الأخرى كعمان مثلا. نسأل الله السلامة من كل بدعة محدثة.

2681

2681 - " 1 - من ولد له ثلاثة أولاد في الإسلام فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم. 2 - ومن شاب شيبة في سبيل الله عز وجل كانت له نورا يوم القيامة. 3 - ومن رمى بسهم في سبيل الله عز وجل بلغ به العدو أصاب أو أخطأ كان له كعدل رقبة. 4 - ومن أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منها عضوا منه من النار. 5 - ومن أنفق زوجين في سبيل الله عز وجل فإن للجنة ثمانية أبواب يدخله الله عز وجل من أي باب شاء منها الجنة ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 386) من طريق الفرج: حدثنا لقمان عن أبي أمامة عن عمرو ابن عبسة السلمي قال: قلت له: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه انتقاص ولا وهم. قال: سمعته يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير الفرج - وهو ابن فضالة الحمصي وقيل: الدمشقي - ضعيف، وبعضهم مشاه في روايته عن الشاميين، وهذه منها، ولعله لذلك قال المنذري في " الترغيب " (3 / 91) : " رواه أحمد بإسناد حسن ". قلت: ومهما كان الأمر، فحديثه هذا صحيح، لا يرتاب فيه باحث محقق، لأنه قد جاء مفرقا من طرق، ولابد من البيان:

1 - أما الفقرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، فقد رواها عبد الحميد ابن بهرام: حدثنا شهر بن حوشب أخبرني أبو ظبية أن شرحبيل بن السمط دعا عمرو ابن عبسة السلمي فقال: يا ابن عبسة! هل أنت محدثي حديثا سمعته أنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس فيه تزيد ولا كذب، ولا تحدثنيه عن آخر سمعه منه غيرك؟ قال: نعم: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره مطولا ، وفيه هذه الفقرات. أخرجه أحمد، وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " ( ق 46 / 2) وإسناده حسن في الشواهد والمتابعات. وتابعه حريز بن عثمان: حدثنا سليم بن عامر أن عمرو بن عبسة كان عند شرحبيل بن السمط فقال: يا عمرو.. الحديث. بالفقرة الثانية والثالثة والرابعة. أخرجه أحمد، وعبد بن حميد ( ق 45 / 1) . وإسنادهما صحيح. وتابعه صفوان قال: حدثني سليم به. أخرجه النسائي، وقد تقدم برقم (1244) . وللفقرة الأولى والخامسة شاهد قوي من حديث أبي ذر مرفوعا. أخرجه أحمد (5 / 151 و 153 و 159 و 164) والطبراني في " الكبير " (1 / 82 / 1 - 2) من طريق الحسن: حدثني صعصعة بن معاوية عنه، وزادا: " قلنا: ما هذان الزوجان؟ قال: إن كانت رحالا فرحلان، وإن كانت خيلا ففرسان، وإن كانت إبلا فبعيران، حتى عد أصناف المال كله ". وإسناده صحيح، وللنسائي منه (2 / 66) الفقرة الخامسة.

ولهذه شاهد آخر من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة، كل خزنة باب: أي فل! هلم ". أخرجه البخاري وغيره، وله عنده ألفاظ، وهو في كتابي " مختصر البخاري " (كتاب الصوم / 4 - باب) . وأخرج البزار (1709 - كشف) الفقرة الرابعة نحوها من حديث أنس بن مالك. (فائدة) : قال الحافظ (6 / 36) : " وقوله: (زوجين) أي شيئين من أي نوع كان ينفق ". قلت: ويؤيده زيادة للبخاري بلفظ: " من شيء من الأشياء "، ثم قال: " والزوج يطلق على الواحد وعلى الاثنين، وهو هنا على الواحد جزما. وقوله: ( كل خزنة باب) كأنه من المقلوب، لأن المراد: خزنة كل باب. قال المهلب: في هذا الحديث أن الجهاد أفضل الأعمال، لأن المجاهد يعطى أجر المصلي والصائم والمتصدق، وإن لم يفعل ذلك، لأن باب الريان للصائمين، وقد ذكر في هذا الحديث أن المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بإنفاق قليل من المال في سبيل الله . انتهى. وما جرى فيه على ظاهر الحديث يرده ما قدمته في " الصيام " من زيادة في الحديث لأحمد حيث قال فيه: " لكل أهل عمل باب يدعون بذلك العمل "، وهذا يدل على أن المراد بـ (سبيل الله) ما هو أعم من الجهاد وغيره من الأعمال الصالحة ".

2682

قلت: وأما (سبيل الله) في آية مصارف الزكاة * (إنما الصدقات) * ، فهي في الجهاد وفي الحج والعمرة، ولبيان هذا مجال آخر. 2682 - " يا عمرو! إن الله عز وجل قد أحسن كل شيء خلقه. يا عمرو! - وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع أصابع من كفه اليمنى تحت ركبة عمرو فقال: - هذا موضع الإزار، ثم رفعها، [ثم ضرب بأربع أصابع تحت الأربع الأولى ثم قال: يا عمرو ! هذا موضع الإزار] ، ثم رفعها، ثم وضعها تحت الثانية، فقال: يا عمرو! هذا موضع الإزار ". أخرجه أحمد (4 / 200) : حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الوليد بن سليمان أن القاسم بن عبد الرحمن حدثهم عن عمرو بن فلان الأنصاري قال: بينا هو يمشي قد أسبل إزاره، إذ لحقه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذ بناصية نفسه ، وهو يقول: " اللهم عبدك ابن عبدك ابن أمتك ". قال عمرو: فقلت: يا رسول الله! إني رجل حمش الساقين. فقال: فذكره. وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 277 / 7909) . قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات، وفي القاسم بن عبد الرحمن - وهو صاحب أبي أمامة - كلام لا يضر، ولهذا قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 141) : " رواه أحمد، ورجاله ثقات ". قلت: وله شاهد من حديث أبي أمامة قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة،

إزار ورداء، قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه، ويتواضع لله، ويقول: " اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك ". حتى سمعها عمرو بن زرارة.. الحديث نحوه، وزاد: " يا عمرو بن زرارة إن الله لا يحب المسبل ". قال الهيثمي: " رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات ". وللزيادة شاهد في " شعب الإيمان " (2 / 222 / 2) وآخر سيأتي أول المجلد التاسع برقم (4004) وله شاهد ثالث يرويه عمرو بن الشريد يحدث عن أبيه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره، حتى أخذ بثوبه فقال: " ارفع إزارك ". فكشف الرجل عن ركبتيه. فقال: يا رسول الله! إني أحنف، وتصطك ركبتاي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل خلق الله عز وجل حسن ". قال: ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد مضى برقم (1441) . ويشهد لبعضه حديث حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فمن وراء الساق، ولا حق للكعبين في الإزار ". أخرجه النسائي (2 / 299) من طريق الأعمش، والسياق له، والترمذي

(1 / 329) وابن ماجه (3572) من طريق أبي الأحوص، وابن حبان (1447) وأحمد (5 / 382 و 400 - 401) عن سفيان عن أبي إسحاق عن مسلم بن نذير عن حذيفة به. وتابعهما زيد بن أبي أنيسة عند ابن حبان (1448) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، رواه الثوري وشعبة عن أبي إسحاق ". قلت: كأنه يشير بروايتهما الحديث عنه أنه سالم من الإعلال باختلاط أبي إسحاق - وهو عمرو بن عبد الله السبيعي - فإنهما رويا عنه قبل اختلاطه كما صرحوا بذلك، وفي حفظي عن الحافظ أن الأعمش كذلك، فإنه أقدم منهما، مات سنة (148) ومات شعبة سنة (160) وسفيان بعده بسنة، بل هو من شيوخهما، وقد أخرج له مسلم عن السبيعي كما في " تهذيب المزي ". بقي أن أبا إسحاق قد رمي بالتدليس أيضا، وقد عنعنه، والجواب من وجهين: الأول: أن شعبة لا يروي عنه ما لم يصرح بسماعه فيه. والآخر: أنه قد صرح فعلا بذلك، فقال أحمد (5 / 396) : حدثنا عفان حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت مسلم بن نذير به. وكذلك أخرجه الطيالسي في " مسنده " (445) : حدثنا شعبة به إلا أنه وقع فيه " مسلم بن قريش "، ولعله خطأ مطبعي. (تنبيه) : ما بين المعقوفتين من حديث الترجمة سقط من " المسند " وهي زيادة يقتضيها السياق، وبدونها لا يظهر المراد من قوله: " ثم وضعها تحت الثانية " كما لا يخفى، وقد استدركتها من " مجمع الزوائد " و " جامع المسانيد " لابن كثير (10 / 90) .

واعلم أن الأحاديث في موضع الإزار استحبابا وإباحة وتحريما كثيرة، وبعضها في " الصحيحين "، وقد خرج الكثير الطيب منها الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب "، وليس هذا منها، ومن الغريب أنه لم يذكره الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا في هذا الباب من كتاب اللباس من " الفتح الرباني " (17 / 234) ولا أدري إذا كان قد ذكره في مكان آخر منه، والوقت لا يتسع للتحقق من ذلك، ولكن إن كان أورده فكان عليه أن ينبه على ذلك وأن يرشد إليه، تسهيلا للمراجعة على الباحث. ثم أخبرني أحد إخواني أنه أخرجه (17 / 294) . وإنما آثرت تخريجه لأمرين: الأول: أن فيه تحديدا عمليا بديعا لموضع الإزار المشروع وغير المشروع، لم أره في غيره من الأحاديث. والآخر: أن فيه بيانا واضحا أن التفاوت الذي يرى في الناس بياضا وسوادا، وطولا وقصرا، وبدانة ونحولة، وهذا أشعر، وذاك أجرد، وهذا ألحى (عظيم اللحية) وذاك كوسج! أو زلهب (¬1) ، وغير ذلك من الفوارق الخلقية أن كل ذلك من خلق الله حسن، فلا ينبغي للمسلم أن يحاول تغيير خلق الله عز وجل، وإلا استحق اللعن كما في حديث " النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والفالجات المغيرات لخلق الله للحسن ". متفق عليه، ويأتي تخريجه بإذن الله رقم (2792) . وكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد تسلية عمرو الأنصاري الذي أطال إزاره ليغطي حمش ساقيه بقوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أحسن كل شيء خلقه ". وهذا مما يحمل المسلم ¬

(¬1) هو الخفيف اللحية. " القاموس المحيط " (122) .

على الرضا بقدر الله وقضائه في خلقه مهما بدا لبعض الناس ممن ضعف إيمانهم وتكاثف جهلهم أنه غير حسن! وهذا في الواقع مما يعطي قوة للرأي القائل بأن المرأة إذا نبت لها لحية أنه لا يجوز لها أن تحلقها أو تنتفها، لأن الله قد أحسن كل شيء خلقه. ولا شك أنها حين تنتفها إنما تفعل ذلك للحسن والتجمل كما تفعل الواصلة لشعرها، فتستحق بذلك لعنة الله، والعياذ بالله تعالى. وأما بالنسبة للإزار، فالأحاديث صريحة في تحريم جره خيلاء، وأما بدونها فقد اختلفوا، فمنهم من حرمه أيضا، وهو الذي يدل عليه تدرجه صلى الله عليه وسلم مع عمرو في بيان مواضع الإزار استحبابا وجوازا، ثم انتهاؤه به إلى ما فوق الكعبين، وقوله له: " هذا موضع الإزار "، فإنه ظاهر أنه لا جواز بعد ذلك، وإلا لم يفد التدرج مع القول المذكور شيئا كما لا يخفى. ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم " ما أسفل من الكعبين في النار ". رواه البخاري عن ابن عمر . ويزيده قوة قوله صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة المتقدم " ... ولا حق للكعبين في الإزار ". قال أبو الحسن السندي في تعليقه عليه: " والظاهر أن هذا هو التحديد، وإن لم يكن هناك خيلاء. نعم إذا انضم إلى الخيلاء اشتد الأمر، وبدونه الأمر أخف ". قلت: نعم، ولكن مع التحريم أيضا لما سبق. ويقويه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن للنساء أن يرخين ذيولهن ثم أذن لهن أن يزدن شبرا (¬1) لكي لا تنكشف أقدامهن بريح أو غيرها، لم يأذن لهن أن يزدن على ذلك، إذ لا فائدة من وراء ذلك فالرجال أولى بالمنع من الزيادة. استفدت هذا من الحافظ ابن حجر رحمه الله في " الفتح ". ¬

(¬1) تقدم تخريجه (460 و 1864) . اهـ.

وجملة القول: إن إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين لا يجوز للرجال، فإذا اقترن مع ذلك قصد الخيلاء اشتد الإثم ، فمن مصائب الشباب المسلم اليوم إطالته سرواله (البنطلون) إلى ما تحت الكعبين، لاسيما ما كان منه من جنس (الشرلستون) ! فإنه مع هذه الآفة التي فيه، فهو عريض جدا عند الكعبين، وضيق جدا عند الفخذين والأليتين، مما يصف العورة ويجسمها، وتراهم يقفون بين يدي الله يصلون وهم شبه عراة! فإنا لله وإنا إليه راجعون. ومن العجيب أن بعضهم ممن هو على شيء من الثقافة الإسلامية يحاول أن يستدل على جواز الإطالة المذكورة بقول أبي بكر لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ": يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لست ممن يصنعه خيلاء ". أخرجه البخاري وغيره كأحمد، وزاد في رواية: " يسترخي أحيانا "، وكذلك رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 221 / 2) . قلت: فالحديث صريح في أن أبا بكر رضي الله عنه لم يكن يطيل ثوبه، بل فيه أنه كان يسترخي بغير قصد منه، وأنه كان مع ذلك يتعاهده، فيسترخي على الرغم من ذلك أحيانا. قال الحافظ (10 / 217) عقب رواية أحمد: " فكأن شده كان ينحل إذا تحرك بمشي أو غيره بغير اختياره، فإذا كان محافظا عليه لا يسترخي ، لأنه كلما كاد يسترخي شده ". ثم ذكر أن في بعض الروايات أنه كان نحيفا. قلت : فهل يجوز الاستدلال بهذا والفرق ظاهر كالشمس بين ما كان يقع من أبي بكر بغير قصد، وبين من يجعل ثوبه مسبلا دائما قصدا! نسأل الله العصمة من الهوى.

2683

وإنما تكلمت عن إطالة البنطلون والسروال، لطرو هذه الشبهة على بعض الشباب، وأما إطالة بعض المشايخ أذيال جببهم خاصة في مصر، وإطالة الأمراء في بعض البلاد العربية لأعبئتهم فأمر ظاهر نكارته. نسأل الله السلامة والهداية. كتبت هذا لعل فيمن طرأت عليه الشبهة السابقة كان مخلصا، فحينما تتجلى له الحقيقة يبادر إلى الانتهاء عن تلك الآفة كما انتهى ذلك الشاب الذي كان عليه حلة صنعانية يجرها سبلا. فقال له ابن عمر رضي الله عنه: يا فتى هلم! قال: ما حاجتك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: ويحك أتحب أن ينظر الله إليك يوم القيامة؟ قال: سبحان الله! وما يمنعني أن لا أحب ذلك؟ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا ينظر الله ... ". فلم ير ذلك الشاب إلا مشمرا حتى مات. رواه البيهقي بسند صحيح، ورواه أحمد (2 / 65) من طريق أخرى عن ابن عمر نحوه دون قوله: " فلم ير.... ". 2683 - " سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمهن نساؤكم كما خدمكم نساء الأمم قبلكم ". أخرجه أحمد (2 / 223) والمخلص في " بعض الجزء الخامس من الفوائد والغرائب المنتقاة " (ق 264 / 1) والسياق له، وابن حبان في " صحيحه " (1454 - موارد) والطبراني في " الصغير " (232 - هند) و " الأوسط "

(رقم 9485 - ترقيمي) مختصرا من طريق أبي عبد الرحمن المقري - عبد الله بن يزيد -: حدثنا عبد الله بن عياش بن عباس: حدثنا أبي عياش بن عباس قال: سمعت عيسى بن هلال الصدفي وأبا عبد الرحمن الحبلي يقولان: سمعنا عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد ". وتابعه عبد الله بن وهب: أخبرني عبد الله بن عياش القتباني به نحوه، ولم يذكر في إسناده أبا عبد الرحمن الحبلي، وقال: " يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم ". رواه الحاكم (4 / 436) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: عبد الله وإن كان قد احتج به مسلم، فقد ضعفه أبو داود والنسائي، وقال أبو حاتم: هو قريب من ابن لهيعة ". قلت: قد روى عنه الليث بن سعد الإمام، وهو من أقرانه، وذكره ابن حبان في " الثقات "، فهو مع هذا واحتجاج مسلم به وسط حسن الحديث، وغلا فيه الشيخ أحمد شاكر فقال في تعليقه على هذا الحديث من " المسند " (7083) : " إسناده صحيح "! وأشار الحافظ المنذري في " الترغيب " (3 / 101) إلى تقويته بتصديره إياه بصيغة (عن) ووقع عنده أن الحاكم قال: " صحيح على شرط مسلم "، وينبغي أن يكون هذا هو أصل " المستدرك " و " تلخيصه " لأنه لو كان كما سبق نقله: " على شرط الشيخين " لم يقل الذهبي في رده إياه ما سبق، ولقال: " وإن كان قد

احتج به الشيخان ... " ، فقوله: " ... مسلم ... " دليل على أن الذي في نسخته من " المستدرك ": " صحيح على شرط مسلم "، وعلى هذا فما في المطبوعة من " المستدرك " خطأ من الناسخ أو الطابع. (تنبيه هام) : وقعت هذه اللفظة (الرحال) في " فوائد المخلص " بالحاء المهملة خلافا لـ " المسند " و " الموارد " وغيرهما، فإنها بلفظ (الرجال) بالجيم، وعلى ذلك شرحه الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا في " الفتح الرباني " (17 / 301) ، فقال: " معناه: أنهم رجال في الحس لا في المعنى، إذ الرجال الكوامل حسا ومعنى لا يتركون نساءهم يلبسن ثيابا لا تستر أجسامهن ". ولم ينتبه للإشكال الذي تنبه له الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى إذ قال في تعليقه على الحديث في " المسند " (12 / 38) : " وقوله: " سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على سروج كأشباه الرجال " إلخ مشكل المعنى قليلا، فتشبيه الرجال بالرجال فيه بعد، وتوجيه متكلف، ورواية الحاكم ليس فيها هذا التشبيه، بل لفظه: " سيكون في آخر هذه الأمة رجال يركبون على المياثر حتى يأتوا أبواب مساجدهم، نساؤهم كاسيات عاريات " إلخ.. وهو واضح المعنى مستقيمه ، ورواية الطبراني - كما حكاها الهيثمي في " الزوائد " -: " سيكون في أمتي رجال يركبون نساؤهم على سروج كأشباه الرجال ". ولفظ " يركبون " غيره طابع " مجمع الزوائد " - جرأة منه وجهلا - فجعلها " يركب "، والظاهر عندي أن صحتها " يركبون نساءهم ". وعلى كل حال فالمراد من الحديث واضح بين، وقد تحقق في عصرنا هذا، بل قبله وجود هاته النسوة الكاسيات الملعونات ".

قلت: لو أن الشيخ رحمه الله اطلع على رواية (الرحال) بالحاء المهملة، لساعدته على الإطاحة بالإشكال، وفهم الجملة فهما صحيحا، دون أي توجيه أو تكلف، وهذه الرواية هي الراجحة عندي للأسباب الآتية: أولا: ثبوتها في " الفوائد " ونسختها جيدة. ثانيا: أنها وقعت كذلك بالحاء المهملة في نسخة مخطوطة من كتاب " الترغيب والترهيب " للحافظ المنذري محفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق في مجلد ضخم فيه خرم، وهي وإن كانت نسخة مؤلفة من نسخ أو خطوط متنوعة، فإن الجزء الذي فيه هذا الحديث من نسخة جيدة مضبوطة متقنة، ومما يدلك على ذلك أنه كتب تحت الحاء من هذه الكلمة حرف حاء صغير هكذا (الرحال) ، إشارة إلى أنه حرف مهمل كما هي عادة الكتاب المتقنين قديما فيما قد يشكل من الأحرف، وكذلك فعل في الصفحة التي قبل صفحة هذا الحديث، فإنه وقع فيها اسم (زحر) فكتب تحتها ( ح) هكذا (زحر) . ثالثا: أن رواية الحاكم المتقدمة بلفظ: " يركبون على المياثر.. " تؤكد ما رجحنا، لأن (المياثر) جمع (ميثرة) و (الميثرة) بالكسر قال ابن الأثير: " مفعلة من الوثارة، يقال: وثر وثارة فهو وثير، أي وطيء لين، تعمل من حرير أو ديباج، يجعلها الراكب تحته على الرحال فوق الجمال ". فإذا عرفت هذا، فرواية الحاكم مفسرة للرواية الأولى، وبالجمع بينهما يكون المعنى أن السروج التي يركبونها تكون وطيئة لينة، وأنها (أعني السروج) هي كأشباه الرحال، أي من حيث سعتها. وعليه فجملة " كأشباه الرحال " ليست في محل صفة لـ (رجال) كما شرحه

البنا وغيره، وإنما هي صفة لـ (سروج) . وذلك يعني أن هذه السروج التي يركبها أولئك الرجال في آخر الزمان ليست سروجا حقيقية توضع على ظهور الخيل، وإنما هي أشباه الرحال. وأنت إذا تذكرت أن ( الرحال) جمع رحل، وأن تفسيره كما في " المصباح المنير " وغيره: " كل شيء يعد للرحيل من وعاء للمتاع ومركب للبعير " إذا علمت هذا يتبين لك بإذن الله أن النبي صلى الله عليه وسلم يشير بذلك إلى هذه المركوبة التي ابتكرت في هذا العصر ، ألا وهي السيارات، فإنها وثيرة وطيئة لينة كأشباه الرحال، ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم سماها (بيوتا) في حديث آخر تقدم برقم (93) ، لكن تبين فيما بعد أن فيه انقطاعا. وإذا ففي الحديث معجزة علمية غيبية أخرى غير المتعلقة بالنساء الكاسيات العاريات، ألا وهي المتعلقة برجالهن الذين يركبون السيارات ينزلون على أبواب المساجد. ولعمر الله إنها لنبوءة صادقة نشاهدها كل يوم جمعة حينما تتجمع السيارات أمام المساجد حتى ليكاد الطريق على رحبه يضيق بها، ينزل منها رجال ليحضروا صلاة الجمعة، وجمهورهم لا يصلون الصلوات الخمس ، أو على الأقل لا يصلونها في المساجد، فكأنهم قنعوا من الصلوات بصلاة الجمعة ، ولذلك يتكاثرون يوم الجمعة وينزلون بسياراتهم أمام المساجد فلا تظهر ثمرة الصلاة عليهم، وفي معاملتهم لأزواجهم وبناتهم، فهم بحق " نساؤهم كاسيات عاريات "! وثمة ظاهرة أخرى ينطبق عليها الحديث تمام الانطباق، ألا وهي التي نراها في تشييع الجنائز على السيارات في الآونة الأخيرة من هذا العصر. يركبها أقوام لا خلاق لهم من الموسرين المترفين التاركين للصلاة، حتى إذا وقفت السيارة التي تحمل الجنازة وأدخلت المسجد للصلاة عليها، مكث أولئك المترفون أمام المسجد في

سياراتهم، وقد ينزل عنها بعضهم ينتظرون الجنازة ليتابعوا تشييعها إلى قبرها (¬1) نفاقا اجتماعيا ومداهنة، وليس تعبدا وتذكرا للآخرة، والله المستعان. هذا هو الوجه في تأويل هذا الحديث عندي، فإن أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي، والله تعالى هو المسؤول أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. (تنبيه آخر) : تناقضت الآراء في مرتبة هذا الحديث كنتيجة لاختلاف أقوال الحفاظ في راويه (عبد الله بن عياش بن عباس) . أما المرتبة، فقد صححه الحاكم والشيخ أحمد شاكر، خلافا للذهبي كما رأيت، وتبعه المعلق على " الإحسان " (13 / 64 - 65) ، وبناء على ذلك ضعفه في طبعته من " الموارد " (1 / 668 - 669) بخلاف الداراني المعلق على طبعته من " الموارد " (4 / 448 - 449) ، فإنه حسن إسناده. وهذا هو الذي جريت عليه في تخريجاتي في عديد من كتبي وتعليقاتي منذ عشرات السنين، فانظر مثلا الحديث المتقدم برقم (896) وفي " تخريج مشكلة الفقر " برقم (102) والتعليق على " تحذير الساجد " (ص 7) . وأما المعلق على " الإحسان " فكان متناقضا في ذلك أشد التناقض، فبينا نراه هنا ضعف حديثه هذا إذا به يحسن له ثانيا (12 / 380) ويصحح له ثالثا (3 / 50 ) ويقول في رابع (1 / 298) : " وإسناده حسن في الشواهد "، وفي خامس (8 / 246) : " حديث صحيح "، يعني لغيره، ولم يحسن إسناده! ومثل ¬

(¬1) قلت: وأما قولهم في الإذاعات وغيرها: ".. مثواه الأخير " فكفر لفظي على الأقل، وأنا أتعجب كل العجب من استعمال المذيعين المسلمين لهذه الكلمة، فإنهم يعلمون أن القبر ليس هو المثوى الأخير، بل هو برزخ بين الدنيا والآخرة ، فهناك البعث والنشور ثم إلى المثوى الأخير، كما قال تعالى * (فريق في الجنة وفريق في السعير) *، وقال في الأخير: * (فالنار مثوى لهم) *، وما ألقى هذه الكلمة بين الناس إلا كافر ملحد، ثم تقلدت من المسلمين في غفلة شديدة غريبة! * (فهل من مدكر) *؟ . اهـ.

هذا التناقض الثلاثي في إسناد راو واحد من تضعيف إلى تحسين إلى تصحيح، لا يقع عادة إلا من معلق غير متمكن في هذا العلم، حديث عهد به، أو أن ذلك من أكثر من شخص تداولوا التعليق على " الإحسان "، مختلفي السوية في هذا العلم والتحقيق فيه، وهذا هو الذي يغلب على الظن، وكان من آثار ذلك أن تظهر هذه الأحكام المتناقضة في طبعة " الموارد " في أحاديثه، فانظر مثلا الأحاديث المرقمة بـ (96 و 472 و880 و 2551) ومن الغرائب أن حديث الرقم (472) راويه عن (عياش) كان اختلط ، ولذلك جعلته من حصة كتابي " ضعيف الموارد " وهو وقسيمه " صحيح الموارد " تحت الطبع، يسر الله نشرهما قريبا إن شاء الله تعالى. وأما الاختلاف في الراوي، فحسبك ما ذكره الذهبي في تعقيبه، ومنها قول أبي حاتم، وتمامه: " ليس بالمتين، صدوق يكتب حديثه، وهو قريب من ابن لهيعة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 51 و 8 / 334) . ومن ذلك قول الذهبي المتقدم: " احتج به مسلم " وكذا في " سيره " (7 / 334) ، فخالفه الحافظ فقال في " التقريب ": " صدوق يغلط، أخرج له مسلم في الشواهد ". وقال في " التهذيب " متعقبا المزي الذي أطلق العزو لمسلم: " قلت: حديث مسلم في الشواهد لا في الأصول ". قلت: والحديث الذي يشير إليه حديث عقبة بن عامر في النذر: " لتمش ولتركب ". وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 219) من رواية الشيخين عن يزيد بن أبي حبيب بسنده عنه. وقد تابع عبد الله بن عياش سعيد بن أبي أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عند البخاري (1866) ، ولكن هل هذا مما

2684

يسوغ القول بأن مسلما روى له في الشواهد، والمتابعة هذه ليست عنده؟ في ذلك عندي وقفة. ومن ذلك أن الذهبي قال عقب قوله المتقدم في " السير ": " قلت: حديثه في عداد الحسن ". وهذا الذي فهمناه أو استنبطناه من تلك الأقوال المختلفة، وقد وافق الذهبي الحاكم على تصحيح بعض أحاديثه، منها الحديث الذي سبق قريبا عزوه لـ " تخريج المشكلة " ( 102) . 2684 - " طوق من نار يوم القيامة. قاله لمن رأى عليه جبة مجيبة بحرير ". أخرجه البزار (ص 172 - زوائد البزار) والطبراني في " الأوسط " (رقم 8166 - مصورتي) من طريقين عن إسماعيل بن عياش: حدثنا الأزهر بن راشد: حدثنا سليم بن عامر عن جبير بن نفير عن معاذ بن جبل قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبة مجيبة بحرير فقال: فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى عن معاذ إلا بهذا الإسناد، تفرد به إسماعيل بن عياش ". قلت: وهو ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها، فإن الأزهر بن راشد هذا هو الهوزني أبو الوليد الشامي، قال الذهبي: " من شيوخ حريز بن عثمان، يروي عن عصمة بن قيس، وله صحبة، ما علمت به بأسا ". قلت: ويشير الذهبي إلى قول أبي داود: " شيوخ حريز ثقات ".

2685

وذكره ابن حبان في " الثقات " (3 / 11) وقال ابن حجر في " التقريب ": " صدوق ". قلت: وسائر رجاله ثقات، فالإسناد صحيح. واقتصر المنذري على قوله (3 / 103) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، ورواته ثقات ". وتبعه الهيثمي (5 / 142) كغالب عادته. وقوله: (مجيبة) بضم الميم وفتح الجيم بعدهما مثناة من تحت مفتوحة مشددة ثم باء موحدة، أي: لها جيب من حرير وهو المطوق. قاله المنذري. قلت: ولعل الحرير الذي رآه صلى الله عليه وسلم على الجيب كان أكثر من أربع أصابع، لأن ما دونها مستثنى من التحريم لحديث عمر رضي الله عنه قال: " نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير إلا موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع [وأشار بكفه] ". أخرجه مسلم (6 / 141) والنسائي (2 / 298) وابن حبان (5417) وأحمد (1 / 5) ، والزيادة له من طريق سويد بن غفلة عنه. وأخرجه ابن حبان (5400) مختصرا، وكذا أبو يعلى (1 / 64) من طريق أبي عثمان النهدي عنه. وأصله في " الصحيحين "، وراجع إن شئت شرحه في " فتح الباري " (10 / 141 - 142) . 2685 - " كنا نسميها شباعة (يعني: زمزم) وكنا نجدها نعم العون على العيال ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (5 / 117) وعنه الطبراني في " الكبير "

(3 / 90 / 2) عن الثوري عن ابن خثيم أو عن العلاء - شك أبو بكر - عن أبي الطفيل عن ابن عباس قال: سمعته يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم، لولا الشك في شيخ الثوري، هل هو ابن خثيم - واسمه عبد الله بن عثمان المكي، وهو صدوق من رجال الإمام مسلم - أم هو العلاء؟ فنظرنا فوجدنا الأزرقي قد أخرجه في " أخبار مكة " (ص 391) من طريق أخرى فقال: حدثني محمد بن يحيى عن سليم بن مسلم عن سفيان الثوري عن العلاء بن أبي العباس عن أبي الطفيل به. فهذا يرجح أن الشيخ هو العلاء بن أبي العباس، وهو ثقة ثقة كما قال ابن معين فيما رواه ابن أبي حاتم (3 / 1 / 356) ، لكن سليم بن مسلم - وهو الخشاب - متروك الحديث كما قال النسائي. وقال أحمد: " لا يساوي حديثه شيئا ". قلت: فمثله مما لا يرجح به، فيبقى الشك على حاله، ولكنه لا يلقي على الإسناد ضعفا، لأن الشك دار بين ثقتين، غاية ما في الأمر أنه يحول بيننا وبين إطلاق القول بأن رجاله رجال " الصحيح "، ولذلك قال الهيثمي (3 / 286) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". فإن هذا يصدق سواء كان الشيخ هو ابن خثيم، أو العلاء، وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 133) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وهو موقوف صحيح الإسناد ". (فائدة) أبو بكر الذي شك في إسناد الحديث هو عبد الرزاق نفسه صاحب " المصنف ". وغالبه من رواية أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم الدبري عنه، وذلك أني رأيت بعض كتبه من رواية غير الدبري عنه، فمثلا كتاب " أهل الكتاب " هو

2686

من رواية محمد بن علي النجار عنه، وهو في المجلد السادس (1 - 132) وكذلك كتاب " البيوع والشهادات " من رواية النجار عنه في المجلد الثامن (1 - 368) ، كما وجدت فيه كتاب " أهل الكتابين " من رواية محمد بن يوسف الحذاقي عنه، وهو في المجلد العاشر (311 - 378) ، وقد يكون هناك كتب أخرى ليست من رواية الدبري، ولقد كان من المفروض أن يوضح ذلك وغيره محققه الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في مقدمته التي وعد بنشرها، ولما يفعل، فقد نشر الكتاب بتمامه، ولم نجد لها أثرا في شيء من مجلداته، ولعله يفعل، ثم توفي رحمه الله فلعله فعل. 2686 - " من قال إذا أصبح: " رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا "، فأنا الزعيم لآخذن بيده حتى أدخله الجنة ". أورده المنذري في " الترغيب " (1 / 229) من حديث المنيذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يكون بـ (أفريقية) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " رواه الطبراني بإسناد حسن ". وكذا قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 116) . فتعقبه الحافظ ابن حجر فيما علقه عليه، فقال: " قلت: فيه رشدين، وهو ضعيف ". قلت: وكنت اتبعته على هذا في " التعليق الرغيب "، وعليه أوردته في " ضعيف الترغيب "، ثم تبين لي أن رشدين لم يتفرد به، فإنه رواه عن حيي بن

2687

عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المنيذر به. فقال الحافظ في ترجمة المنيذر من " الإصابة ": " وصله الطبراني إلى رشدين. وتابعه ابن وهب عن حيي، لكنه لم يسمه، قال: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأخرجه ابن منده ". قلت: ولا يخفى أن الصحابة كلهم عدول، فعدم تسمية ابن وهب إياه لا يضر، فبهذه المتابعة ثبت الحديث والحمد لله. ثم إن الحديث عند الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 355 / 838 ) بسند صحيح عن رشدين به. وكذلك رواه ابن قانع في " معجم الصحابة " من طريق أخرى عنه، لكنه لم يذكر فيه " إذا أصبح ". وهي ثابتة في رواية الطبراني، وكذا في رواية ابن وهب كما يدل عليه صنيع الحافظ في " الإصابة "، وزاد أنه قال : " وأخرجه ابن منده ". ولهذه الزيادة شاهد من حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا بلفظ آخر، وزيادة أخرى، وفي إسناده اضطراب وجهالة، ولذلك أخرجته في الكتاب الآخر برقم (5020) ، وفيه زيادة أخرى: " ثلاث مرات ". ولأصل الحديث شاهد جيد من رواية أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه، وقد مضى برقم (334) دون ذكر الصباح والمساء. ثم رأيت الحديث في " المعرفة " لأبي نعيم (2 / 188 / 2) من طريق الطبراني. ثم علقه على ابن وهب. 2687 - " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن نمرة من صوف تنسج له ". أخرجه البيهقي في " فصل فيمن اختار التواضع في اللباس " من " الأربعون من شعب الإيمان وهو باب الملابس والزي وما يكره منها " من كتاب " الشعب "

(2 / 227 / 1) من طرق عن محمد بن يعقوب الأصم: حدثنا بحر (الأصل: (يحيى) وهو خطأ من الناسخ) ابن نصر الخولاني: حدثنا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن عبيد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون بالضبط والحفظ غير ابن لهيعة، فإن فيه ضعفا من قبل حفظه، لكنهم قووا حديث العبادلة عنه ومنهم عبد الله بن وهب هذا، وكأن ذلك لأنهم سمعوا منه قبل أن تحترق كتبه، ويسوء حفظه وتحديثه. ولقد كان الباعث على تحرير هذا أنني رأيت الحافظ المنذري قد أشار إلى تضعيف هذا الحديث في " الترغيب " (3 / 108) بتصديره إياه بقوله: (روي) ، وعهدي به أنه يصدر أحاديث ابن لهيعة بقوله (عن) المشعر بالقوة حتى ولو كان من غير رواية العبادلة، والأمثلة على ذلك كثيرة وإليك بعضها في كتابي " ضعيف الترغيب والترهيب " مشيرا إليها بأرقامها فيه: (149 و 186 و 218 و 220) بل رأيته صرح بتحسين بعض أحاديثه منها الحديث (369) . وله شاهد من رواية زمعة بن صالح عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف (وفي رواية: حلة من أنمار من صوف أسود) في الحياكة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 219 / 5919 / 2920) من طريقين عنه. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، قال الهيثمي (5 / 131) : " رواه الطبراني، وفيه زمعة بن صالح، وهو ضعيف، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات ".

2688

2688 - " المرأة عورة وإنها إذا خرجت استشرفها الشيطان، وإنها لا تكون أقرب إلى الله منها في قعر بيتها ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " في ترجمة إبراهيم بن هاشم البغوي (رقم 3036 - مصورتي) : حدثنا إبراهيم: أنبأنا عاصم بن النضر أنبأنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن قتادة عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير شيخه البغوي، وقد وثقه الدارقطني، مات سنة (297) كما في " تاريخ بغداد " للخطيب البغدادي. وللحديث شاهد قوي من حديث ابن مسعود مخرج في " إرواء الغليل " (1 / 303 / 273) . والحديث قال المنذري في " الترغيب ": " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) ". قلت: إلا الشيخ البغوي كما ذكرنا . وهو من الأحاديث التي فاتت الحافظ الهيثمي، فلم يورده في " مجمع البحرين " ، ولا في " مجمع الزوائد " كما نبهت عليه في تعليقي على الحديث في " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 136) وقد تم طبع المجلد الأول، وسيكون في التداول قريبا إن شاء الله تعالى. ثم نشر، والآن الثاني تحت الطبع كما سبق التنبيه عليه (ص 384) . (فائدة) : يطيب لبعض المتشددين على المرأة أن يستدلوا بهذا الحديث على أن وجه المرأة عورة على الأجانب، ولا دليل فيه البتة ، لأن المعنى كما قال ابن الأثير في " النهاية ":

" جعلها نفسها عورة، لأنها إذا ظهرت يستحيا منها كما يستحيا من العورة إذا ظهرت ". ويؤكد هذا المعنى تمام الحديث: " وإذا خرجت استشرفها الشيطان ". قال الشيخ علي القاري في " المرقاة " (3 / 411) : " أي زينها في نظر الرجال. وقيل أي نظر إليها ليغويها، ويغوي بها ". وأصل (الاستشراف) أن تضع يدك على حاجبك وتنظر، كالذي يستظل من الشمس حتى يستبين الشيء وأصله من الشرف: العلو، كأنه ينظر إليه من موضع مرتفع فيكون أكثر لإدراكه. " نهاية ". وإن مما لا شك فيه أن الاستشراف المذكور يشمل المرأة ولو كانت ساترة لوجهها، فهي عورة على كل حال عند خروجها، فلا علاقة للحديث بكون وجه المرأة عورة بالمعنى الفقهي، فتأمل منصفا. وجمهور العلماء على أنه ليس بعورة، وبيان ذلك في كتابي " جلباب المرأة المسلمة "، وقد طبع حديثا بهذا الاسم " جلباب ... " بديل " حجاب ... " سابقا لنكتة ذكرتها في المقدمة. وقد رددت فيه على المتشددين بما فيه الكفاية ، وأحلت من شاء التفصيل على كتابي المفرد في الرد بإسهاب وتفصيل، تتبعت فيه شبهاتهم، وأنها قائمة على أدلة واهية رواية ودراية، واجتماعيا، وسميته اسما يلخص لك مضمونه: " الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ولم يقنع بقولهم إنه سنة ومستحب ". يسر الله لي تبيضه ونشره بفضله وكرمه.

2689

2689 - " نهي أن يشرب من كسر القدح ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (رقم - 6976 - مصورتي) من طريق موسى بن إسماعيل أبي سلمة التبوذكي: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: فذكره على البناء للمجهول، لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: " لم يروه عن جعفر بن برقان، ولا عن معمر إلا ابن المبارك، تفرد به موسى بن إسماعيل ". قلت: كلا، بل تابعه عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الله بن المبارك به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (9 / 38) . وهذا حديث صحيح، إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وقال الهيثمي (5 / 78) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات رجال الصحيح ". ثم قال: " وعن ابن عباس وابن عمر قالا: يكره أن يشرب من ثلمة القدح، وأذن القدح. رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". قلت: في إسناده (11 / 64 / 11055) نعيم بن حماد، ضعيف، وإنما أخرج له البخاري فقط مقرونا. وتقدم له شاهد من حديث أبي سعيد الخدري برقم (388) مرفوعا بلفظ: " ثلمة القدح "، وهذا الحديث مفسر له، قال ابن الأثير: " أي موضع الكسر منه، وإنما نهى عنه لأنه لا يتماسك فم الشارب عليها، وربما انصب الماء على ثوبه ويديه. وقيل: لأن موضعها لا يناله التنظيف التام إذا

2690

غسل الإناء، وقد جاء في لفظ الحديث أنه مقعد الشيطان، ولعله أراد به عدم النظافة ". قلت: ولعل هذا المعنى الأخير أولى، لأن المعنى الأول إنما يظهر إذا كانت الثلمة كبيرة، وحينئذ ففيه تحديد لمعنى (الثلمة) فيه، وهو غير مناسب لإطلاقها بخلاف المعنى الآخر، فإن الإطلاق المذكور يناسبه، فقد ثبت الآن مجهريا أن الثلمة - صغيرة كانت أم كبيرة - مجمع الجراثيم والمكروبات الضارة، وأن غسل الإناء الغسل المعتاد لا يطهرها، بل إنه قد يزيد فيها، فنهى الشارع الحكيم عن الشرب منها خشية أن يتسرب معه بعضها إلى جوف الشارب فيتأذى بها. فالنهي طبي دقيق. والله أعلم. وأما اللفظ الذي ذكره ابن الأثير: " مقعد الشيطان "، فلم أقف عليه إلا بلفظ: " فإن الشيطان يشرب من ذلك "، وهو مخرج في " الضعيفة " (654 ) . 2690 - " من جهز غازيا في سبيل الله فله مثل أجره، ومن خلف غازيا في أهله بخير، أو أنفق على أهله فله مثل أجره ". أخرجه الطبراني في ترجمة محمود بن محمد المروزي من " الأوسط " رقم (8047) : حدثنا محمود أخبرنا وهب أنبأنا خالد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن موسى بن عقبة عن محمد بن زيد عن بشر بن سعيد عن زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وقال: " لم يروه عن محمد بن زيد إلا عبد الرحمن بن إسحاق ". قلت: وهو العامري القرشي مولاهم، وهو مختلف فيه، وقد أخرج له مسلم والبخاري تعليقا، لكن قال الحاكم:

2691

" إنما أخرجا له في الشواهد ". ذكره في " التهذيب " ولم يتعقبه بشيء. وهو على كل حال حسن الحديث. وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ". وذكره الذهبي في " الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب رد حديثهم ". وسائر الرجال ثقات رجال مسلم غير محمود هذا، وله ترجمة حسنة في " تاريخ بغداد " (13 / 94) مات سنة (297) . وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 158) وتبعه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 283) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) ". وله شاهد من حديث خالد بن زيد الجهني مرفوعا مثله. أخرجه ابن حبان (1619) وأحمد (4 / 114 - 115 و 116) بسند صحيح، وابن ماجه (2 / 172 - 173) باختصار قوله: " أو أنفق.. ". 2691 - " كلوا جميعا ولا تتفرقوا، فإن طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الأربعة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 7597 / 2 - من مصورتي وترقيمي) : حدثنا محمد بن أبان حدثنا عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطي حدثنا يزيد بن

هارون حدثنا بحر السقاء عن عمرو بن دينار عن سالم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " لم يروه عن عمرو بن دينار إلا بحر السقاء، تفرد به يزيد بن هارون ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه غير بحر السقاء، وهو ضعيف كما في " التقريب ". لكن عبد الله بن محمد بن خلاد الواسطي لم أجد من ترجمه، غير أن أسلم الواسطي المعروف بـ (بحشل) قد روى عنه عدة أحاديث في كتابه " تاريخ واسط " (ص 72 و 119 و 213) وكناه بأبي أمية، وروى عنه في مكان آخر (ص 152) بواسطة عبد الله بن أبي داود السجستاني : قال: حدثني عبد الله بن محمد ابن خلاد أبو أمية.. فذكر أثرا. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا كما هي عادته، فهو مجهول العدالة. ثم رأيته في " ثقات ابن حبان " (8 / 386) . ثم إن ما ذكره الطبراني أن بحر السقاء تفرد به عن عمرو بن دينار منقوض بما أخرجه هو في " المعجم الكبير " (3 / 194 / 2 / 1) قال: حدثنا الحسن بن علي الفسوي حدثنا سعيد بن سليمان: أخبرنا أبو الربيع السمان عن عمرو بن دينار به بتقديم وتأخير، ولفظه: " طعام الاثنين يكفي الأربعة وطعام الأربعة يكفي الثمانية، فاجتمعوا عليه ولا تتفرقوا عنه ". نعم أبو الربيع السمان - واسمه أشعث بن سعيد البصري - ضعيف مثل بحر السقاء أو أشد، لكن الحديث في نفسه ثابت، فإن الجملة الأولى قد رويت في أحاديث تقدم بعضها برقم (664 و 895) وسائره في " صحيح مسلم " وغيره من حديث جابر. وقد مضى تخريجه تحت الحديث (1686) .

ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث عمر، أخرجه ابن ماجه (3255) والبزار في " مسنده " (1185 - كشف الأستار) من طريق سعيد بن زيد عن عمرو بن دينار عن سالم عن أبيه عن عمر مرفوعا به، وزاد: " وطعام الأربعة يكفي الخمسة والستة، وإن البركة في الجماعة ". وقال البزار: " لا نعلمه عن عمر إلا من هذا الوجه، تفرد به عمرو بن دينار، وهو لين، وأحاديثه لا يشاركه فيها أحد ". قلت: عمرو بن دينار هذا غير عمرو بن دينار المتقدم، ذاك مكي وهو ثقة، وهذا بصري، وهو المعروف بـ (قهرمان آل الزبير) وهو ضعيف كما في " التقريب "، ولذلك قال البزار: " وهو لين ". فلا أدري بعد هذا كيف قال المنذري في " ترغيبه " (2 / 142) : " رواه البزار بإسناد جيد "! فلعله اختلط عليه الأمر، فظن أن عمرو بن دينار هذا هو المكي الثقة، وليس البصري الضعيف. فقد جرى على هذا السنن في مكان آخر، وأفصح عن الوهم، فقال ( 3 / 306) : " رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح) "! والبصري ليس من رجال " الصحيح "، فهو يعني إذن المكي، فإنه من رجال الشيخين! نعم الحديث قوي بمجموع طرقه فهو حسن على الأقل. والله أعلم.

2692

2692 - " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 243 - مصورتي) : حدثنا أحمد بن رشدين قال: أخبرنا يحيى بن بكير قال: أخبرنا موسى بن ربيعة عن موسى بن سويد الجمحي عن الوليد بن أبي الوليد عن يعقوب الحرقي عن حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال: " لم يرو هذا الحديث عن الوليد بن أبي الوليد إلا موسى بن ربيعة ". قلت: وهو ثقة كما قال أبو زرعة كما في " الجرح والتعديل " (4 / 1 / 142 - 143) ، لكن شيخه موسى بن سويد الجمحي لم أجد من ترجمه، وظاهر كلام الهيثمي الذي كنت نقلته عنه تحت هذا الحديث (526) حين خرجته نقلا عنه وعن المنذري أنه ثقة، لأنه قال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ويعقوب بن محمد بن الطحلاء روى عنه غير واحد، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله ثقات ". قلت: فآخر كلامه هذا يشمل بعمومه موسى بن سويد الجمحي، فلعله في " ثقات ابن حبان "، أو أنه وقع في اسمه شيء من التحريف ضيع علينا شخصيته. والله أعلم. هذا، وقد كنت استغربت هناك قول الهيثمي في يعقوب هذا أنه روى عنه غير واحد لسبب ذكرته ثمة فراجعه إن شئت، فتبين لي الآن حين وقفت على إسناد الحديث في " الأوسط " أن الاستغراب كان في محله وأن الهيثمي لا يحمل مسؤوليته . وإنما ناشر كتابه السيد القدسي، فإنه لجهله بهذا الفن، وجرأته

على تصحيح الكلام بغير علم، غير كلام الهيثمي الذي نصه: " يعقوب حد العلاء " كما ذكر ذلك في الحاشية، فجعله هو: " يعقوب بن محمد بن الطحلاء "، فجاء الاستغراب المشار إليه والصواب: ما كان في الأصل: " يعقوب حد العلاء "، وهو كلام ظاهر، أشكل على مصححه المذكور لفظ (حد) ، ولا إشكال فإنه (جد) بالجيم، إلا أنه كثيرا ما يهملون الحرف ولا ينقطونه فلم يعرفه فذهب يبحث في كتب الرجال ، فوجد فيهم: " يعقوب بن محمد بن الطحلاء " فأنزله محل الذي كان في الأصل " يعقوب جد العلاء "، هكذا اعتباطا، دون حجة أو بينة! ويعقوب جد العلاء، قد ترجمه في " التهذيب " بقوله: " يعقوب المدني مولى الحرقة جد العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب. روى عن عمر وحذيفة. وعنه ابنه عبد الرحمن والوليد بن أبي الوليد "، ولم يذكر فيه توثيقا، وعموم كلام الهيثمي المتقدم يدل أيضا على أنه ثقة، فلعله في " ثقات ابن حبان ". فليراجع. ومع أن الجمحي المتقدم غير معروف عندنا فقد خالفه في إسناده عبد الله بن لهيعة فقال: عن الوليد بن أبي الوليد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه سمع حذيفة ابن اليمان ... فذكره. وابن لهيعة صحيح الحديث إذا رواه عنه أحد العبادلة، وهذا كذلك، فإنه من رواية ابن وهب عنه كما كنت خرجته هناك فلا داعي للإعادة. وإنما أعدت تخريجه هنا من الطريق الأولى لتحقيق القول في إسناده بعد أن يسر الله تبارك وتعالى الوقوف عليه، وبذلك تكشفت لنا حقائق كانت خافية عنا كما بينت آنفا. فلله الحمد والمنة.

ثم نبهني أحد إخواني جزاه الله خيرا أن الذي في " مجمع البحرين " (5 / 264) : (موسى بن ربيعة بن موسى بن سويد الجمحي) أي (ابن موسى) مكان (عن موسى) ، وكذا في " تهذيب المزي " ومطبوعة " المعجم الأوسط " أيضا ، فما في نسخة المصورة منه خطأ. وكان ينبغي أن أتنبه له من قول الطبراني عقبه : " لم يروه عن الوليد إلا موسى بن ربيعة ". فإنه ظاهر في أنه لا واسطة بينهما ، ولكن هكذا قدر، وتقدم أنه ثقة. بقي عندي النظر في صحة عموم قول الهيثمي: " وبقية رجاله ثقات "، لأن (أحمد ابن رشدين) ، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري، قال الذهبي في " المغني ": " قال ابن عدي: يكتب حديثه مع ضعفه ". قلت: وهذا ذكره ابن عدي في آخر ترجمته من " الكامل " (1 / 198) وروى في أولها قصة فيها أن أحمد بن صالح قال فيه: " كذاب "! ولم يزد على هذا . فقول الذهبي في مطلع ترجمته من " الميزان ": " قال ابن عدي: كذبوه "! لا يخلو من شيء، ولاسيما وقد قال الحافظ في " اللسان ": " وابن رشدين صاحب حديث كثير، وقال مسلمة في " الصلة ": حدثنا عنه غير واحد، وكان ثقة عالما بالحديث ". قلت: فلعل ضعفه وما أنكر عليه جاء من كثرة حديثه، وقد أشار النسائي إلى قلة خطئه بقوله: " لو رجع عن حديث الغار عن بكير لحدثت عنه ". فالظاهر أنه ما كان يتعمد الكذب، وإنما يقع منه الخطأ كما يقع من غيره، فهو مغتفر في كثرة ما روى. والله أعلم.

2693

وأما قولي عن (يعقوب المدني) : " فلعله في (ثقات ابن حبان) "، فقد طبع هذا الكتاب، ولم نجده فيه، ولا هو في " ترتيبه " للهيثمي، ولا هو في " جامع فهارس الثقات " وضع الأخ حسين إبراهيم زهران، ولا في فهرسي إياه المسمى بـ " تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان "، يسر الله نشره، وقد سبق قول الهيثمي في (يعقوب) هذا: " ولم يضعفه أحد "، فلو أنه كان في " الثقات " - وهو من أعرف الناس بما فيه - لوثقه ، لكثرة اعتماده عليه. فمن الأوهام أن المعلق على " تهذيب المزي " عزاه لـ " ثقات ابن حبان 7 / 642 " وهذا المكان الذي أشار إليه، كل من فيه من طبقة أتباع التابعين! ثم تكرر الخطأ بعد سطرين، فإنه عزا إليه الراوي عنه (الوليد بن أبي الوليد المدني) ! وهو فيه (7 / 252) ، وقد أورده في (التابعين) أيضا (5 / 494) . 2693 - " يا عائشة! إن الله إذا أنزل سطوته بأهل نقمته وفيهم الصالحون، فيصابون معهم، ثم يبعثون على نياتهم [وأعمالهم] ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (رقم - 1846 - موارد) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 441 / 1) من طريق عمرو بن عثمان الرقي قال: حدثنا زهير بن معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! إن الله إذا أنزل سطوته بأهل الأرض وفيهم الصالحون فيهلكون بهلاكهم؟ فقال: فذكره. والزيادة من " الشعب " و " الإحسان " أيضا (7270) . قلت: وهذا إسناد جيد لولا أن الرقي هذا قد ضعف من قبل حفظه، وقال ابن عدي: " له أحاديث صالحة عن زهير وغيره، وقد روى عنه ناس من الثقات، وهو ممن يكتب حديثه ".

قلت: وهذا من أحاديثه الصالحة، فإنه لم يتفرد به، وأقر الحافظ ابن حبان على تصحيحه، فإن له طرقا أخرى عن عائشة وغيرها كما سيأتي (3156) . وأخرجه مسلم (8 / 168) من طريق يونس بن محمد: حدثنا القاسم بن الفضل الحداني عن محمد ابن زياد عن عبد الله بن الزبير أن عائشة قالت: عبث (وفي رواية: ضحك) رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فقلنا: يا رسول الله! صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله؟ فقال: " العجب، إن ناسا من أمتي يؤمون بالبيت (وفي رواية: هذا البيت) برجل من قريش قد لجأ بالبيت حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ". فقلنا: يا رسول الله! إن الطريق قد يجمع الناس؟ قال: " نعم، فيهم المستبصر والمجبور وابن السبيل، يهلكون مهلكا واحدا، ويصدرون مصادر شتى، يبعثهم الله على نياتهم ". وأخرجه أحمد (6 / 105) : حدثنا أبو سعيد قال: حدثنا القاسم بن الفضل الحداني به نحوه والرواية الأخرى له، مع اختلاف في بعض الألفاظ، ورواية مسلم أصح، لأن يونس بن محمد - وهو أبو محمد المؤدب - ثقة ثبت. ومخالفه أبو سعيد - واسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد مولى بني هاشم - صدوق ربما أخطأ. وأخرجه البخاري في " البيوع " من طريق أخرى عن عائشة مختصرا. ويشهد له حديث ابن عمر في البخاري (7108) ومسلم (8 / 165) وابن حبان (7 / 210 / 7271) مختصرا أيضا. وفيه الزيادة دون: " نياتهم ".

2694

2694 - " إن بني إسرائيل لما طال الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم، استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، فقالوا: (الأصل : فقال) اعرضوا هذا الكتاب على بني إسرائيل، فإن تابعوكم عليه، فاتركوهم، وإن خالفوكم فاقتلوهم. قال: لا، بل ابعثوا إلى فلان - رجل من علمائهم - فإن تابعكم فلن يختلف عليكم بعده أحد. فأرسلوا إليه فدعوه، فأخذ ورقة فكتب فيها كتاب الله، ثم أدخلها في قرن، ثم علقها في عنقه، ثم لبس عليها الثياب، ثم أتاهم، فعرضوا عليه الكتاب فقالوا: تؤمن بهذا؟ فأشار إلى صدره - يعني الكتاب الذي في القرن - فقال: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن بهذا؟ فخلوا سبيله. قال: وكان له أصحاب يغشونه فلما حضرته الوفاة أتوه، فلما نزعوا ثيابه وجدوا القرن في جوفه الكتاب، فقالوا: ألا ترون إلى قوله: آمنت بهذا، ومالي لا أؤمن بهذا، فإنما عنى بـ (هذا) هذا الكتاب الذي في القرن قال: فاختلف بنو إسرائيل على بضع وسبعين فرقة، خير مللهم أصحاب أبي القرن ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 439 / 1 - 2) : أخبرنا أبو محمد بن يوسف الأصبهاني حدثنا أبو سعيد ابن الأعرابي حدثنا سعدان بن نصر: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة عن ربيع بن عميلة قال: حدثنا عبد الله، ما سمعنا

حديثا هو أحسن منه إلا كتاب الله عز وجل، ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، أبو محمد اسمه عبد الله بن يوسف المعروف بـ (بالأصبهاني) ، وكان من ثقات المحدثين الرحالة، مات سنة (409) كما في " الشذرات ". وأبو سعيد ابن الأعرابي حافظ ثقة مشهور، ترجمه الحافظ الذهبي في " التذكرة "، وله مصنفات منها " المعجم " ، منه نسخة خطية في المكتبة الظاهرية، ولعل هذا الحديث فيه، فليراجع فإنه الآن بعيد عن متناول يدي، لأنهم جمعوه إلى كتب أخرى للتصوير. وسعدان بن نصر ، ثقة مترجم في " الجرح والتعديل " و " تاريخ بغداد ". ومن فوقه كلهم ثقات من رجال مسلم، وعمارة هو ابن عمير التيمي. فالسند صحيح بلا ريب، ولكن عندي وقفة في رفعه، لأنه ليس صريحا فيه، ولكنه على كل حال في حكم المرفوع. والله أعلم. وله شاهد مختصر جدا من رواية أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه، وتركوا التوراة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 39 / 1 - 2 / 5678) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جندل بن والق قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة عن أبيه.. وقال: " لم يروه عن عبد الملك بن عمير إلا عبيد الله بن عمرو، تفرد به جندل بن والق ". قلت: في " التقريب ":

2695

" صدوق يغلط ويصحف ". قلت: فالإسناد حسن إن سلم ممن دونه أو توبع، فقد قال الهيثمي في " المجمع " (1 / 150) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو ثقة، وقد ضعفه غير واحد " . وقال في مكان آخر (1 / 192) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات ". ولينظر هل قوله: " الكبير " صواب أم سبق قلم أو خطأ من الناسخ، فإن المجلد الذي فيه مسند أبي موسى من " المعجم الكبير " لم يطبع بعد. وفي معنى حديث أبي موسى آثار عن بعض الصحابة. رواها ابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (1 / 64 - 65) . 2695 - " إن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلا، فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل صبيا أو يزني أو يأكل لحم الخنزير أو يقتلوه إن أبى، فاختار أن يشرب الخمر وإنه لما شربها لم يمتنع من شيء أرادوه منه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا حينئذ: ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة، ولا يموت وفي مثانته منها شيء إلا حرمت عليه الجنة، وإن مات في الأربعين مات ميتة جاهلية ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 357 - مصورتي) والحاكم (4 /

147) من طريق سعيد بن أبي مريم قال: أنبأنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: أخبرنا داود ابن صالح عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه: أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم [ ينتهون إليه] ، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أسأله عن ذلك، فأخبرني: إن أعظم الكبائر شرب الخمر. فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك، ووثبوا إليه جميعا، [حتى أتوه في داره] فأخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وقال الطبراني: " لا يروى عن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمرو إلا بهذا الإسناد، تفرد به الدراوردي ". وقال الحاكم - والزيادة له -: " صحيح على شرط مسلم "! كذا قال وفيه ما يأتي، وقال المنذري (3 / 184 ) : " رواه الطبراني بإسناد صحيح والحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم ". قلت : كلا، بل هو صحيح فقط، فإن داود بن صالح ليس من رجال مسلم مطلقا، ولذا قال الهيثمي (5 / 68) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح " ، خلا صالح بن داود التمار، وهو ثقة ". وقد رويت القصة الأولى بين امرأة وعابد خيرته بين قتل غلام أو الزنا أو شرب الخمر، فشرب الخمر وزنى وقتل الغلام. روي مرفوعا وموقوفا، وهو المحفوظ كما بينته في تعليقي على " الأحاديث المختار " (320 و 349 - 350) .

2696

ونحو ذلك قصة هاروت وماروت، وهي مشهورة في كتب التفسير وغيرها، ولا يصح رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما بينته في " السلسلة الأخرى " برقم (170) . 2696 - " يا شباب قريش! احفظوا فروجكم لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 6993 - بترقيمي) والحاكم (4 / 358) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 119 / 2) من طريق شداد بن سعيد: حدثنا سعيد ابن إياس أبو مسعود الجريري عن أبي نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن الجريري إلا شداد. تفرد به مسلم بن إبراهيم ". قلت: كلا فقد تابعه سعيد بن سليمان: حدثنا شداد بن سعيد الجريري به. أخرجه البيهقي (2 / 125 / 2) . فالصواب ما قاله أبو نعيم في " الحلية " (3 / 100 - 101) عقب إسناده إياه من طريق مسلم: " تفرد به شداد ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". قلت: بيض له الذهبي، وأما المنذري فنقل عنه في " الترغيب " (3 / 197) أنه قال: " صحيح على شرطهما "، وأقره! ولعله وهم من المنذري رحمه الله، فإن كونه على شرطهما أبعد ما يكون عن الصواب مع مخالفته لما في " المستدرك "، فإن شداد بن سعيد، وهو أبو طلحة الراسبي لم يخرج له البخاري شيئا، وإنما أخرج له مسلم فقط، وفي الشواهد كما

صرح به الحافظ في " التهذيب "، وفيه كلام من قبل حفظه، وأشار إلى ذلك في " التقريب " بقوله: " صدوق يخطىء ". وقال الذهبي في " الميزان ": " صالح الحديث ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وأما قول الحافظ في " مختصر زوائد البزار " (1 / 565) : " إسناده صحيح "! ففيه تساهل ظاهر. وقد أخرجه الطيالسي في " مسنده " (2756) ومن طريقه البيهقي ( 2 / 125 / 2) : حدثنا أبو طلحة الأعمى عن رجل قد سماه عن ابن عباس به نحوه، ولفظه: " يا فتيان قريش! لا تزنوا، فإنه من سلم الله له شبابه دخل الجنة ". وأبو طلحة الأعمى إن لم يكن هو الراسبي المتقدم فلم أعرفه، ولعل (الرجل) هو معاوية بن قرة، فقد أخرجه الدولابي في " الكنى " (2 / 18) بسند صحيح عن أبي قتيبة عن شداد أبي طلحة عن معاوية بن قرة عن ابن عباس به نحوه. وأبو قتيبة اسمه سلم بن قتيبة الشعيري ثقة من رجال البخاري، فلعل الراسبي كان له إسنادان في هذا الحديث عن ابن عباس، فحدث تارة بهذا، وتارة بهذا، وكل حدث عنه بما سمع منه، وكل ثقة. والله أعلم. وفي معناه قوله صلى الله عليه وسلم:

" من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ". أخرجه البخاري (6474) والبيهقي (8 / 166) وفي " الشعب " (4 / 235 / 4913) من حديث سهل بن سعد والبيهقي أيضا (4915) من حديث جابر بسند جيد. ولهذا شواهد أخرى حسنة، فانظر " الفتح " (11 / 309) . (تنبيه) : أخرج الحديث أبو يعلى في " مسنده " (3 / 18 - 19) : حدثنا محمد بن مرزوق: حدثنا زاجر بن الصلت عن الحارث بن عمير عن شداد عن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: الحارث بن عمير هو أبو عمير البصري ثم المكي، مختلف فيه جدا، فمن موثق، ومن متهم له بالوضع، حتى قال الذهبي في " المغني ": " أنا أتعجب كيف خرج له النسائي ". قلت: لأنه وثقه، ولم يتبين له جرحه، وقال الحافظ: " وثقه الجمهور، وفي أحاديثه مناكير، ضعفه بسببها الأزدي وابن حبان وغيرهما، فلعله تغير حفظه في الآخر ". قلت: وروايته للحديث بهذا الإسناد مخالفا في ذلك مسلم بن إبراهيم، مما يدل على ضعفه، ولذلك غم أمره على جمع ممن تكلم عليه: أولا: قال الهيثمي (4 / 253) : " رواه أبو يعلى، وإسناده منقطع، وفيه من لم أعرفه ". ثانيا: الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، نقل كلام الهيثمي المذكور

في تعليقه على " المطالب العالية " (2 / 36 / 1588) وأقره! ثالثا: المعلق على " مسند أبي يعلى "، فإنه قال (3 / 19) : " إسناده ضعيف جدا، الحارث بن عمير وشيخه مجهولان، وليس في الرواة عن أبي طلحة من اسمه شداد فيما نعلم، فهو عندنا منقطع ". ثم ذكر كلام الهيثمي، وأقره أيضا! رابعا: المعلق على " المقصد العلي " (2 / 328) ، وهو حواش قماش مقلد، نقل كلام الهيثمي، وخلاصة كلام المعلق على " أبي يعلى "! أقول: كل ذلك خطأ، فـ (الحارث بن عمير) هو أبو عمير البصري كما تقدم، فقد ذكر المزي في الرواة عنه (زاجر بن الصلت) هذا. وشداد الذي لم ينسب في رواية أبي يعلى هو ابن سعيد المنسوب في حديث الترجمة، وكنيته أبو طلحة الراسبي كما تقدم، وهو مذكور في شيوخ (الحارث بن عمير) . وقوله في " أبي يعلى ": " عن أبي طلحة "، لعله من أوهام الحارث بن عمير، والصواب (شداد أبي طلحة) بإسقاط حرف (عن) بين الاسم والكنية. وعلى الصواب وقع في رواية ابن أبي عاصم (1535) عن زاجر به . والله أعلم. وزاجر هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 269) ، وقال أبو زرعة: " لا بأس به ". ووقع لابن حبان فيه وهم فاحش، نبهت عليه في كتابي " تيسير الانتفاع " يسر الله لي إتمامه بمنه وكرمه.

2697

2697 - " يأتي المقتول متعلقا رأسه بإحدى يديه متلببا قاتله بيده الأخرى، تشخب أوداجه دما، حتى يأتي به العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني. فيقول الله للقاتل: تعست، ويذهب به إلى النار ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 95 / 2 - 96 / 1) و " الأوسط " ( رقم - 4375) : حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي قال: أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس قال: حدثني أبي عن عبد الله بن الفضل عن نافع بن جبير بن مطعم عن ابن عباس: أنه سأله سائل فقال: يا أبا العباس! هل للقاتل من توبة؟ فقال ابن عباس - كالمتعجب من شأنه -: ماذا تقول؟! فأعاد عليه مسألته، فقال له: ماذا تقول؟! مرتين أو ثلاثا. ثم قال ابن عباس: أنى له التوبة؟! سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " لم يرو هذا الحديث عن عبد الله بن الفضل إلا أبو أويس، تفرد به ابنه إسماعيل ". قلت: وهو من شيوخ الشيخين، لكن في حفظه ضعف. ونحوه أبوه، واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس، إلا أنه لم يخرج له البخاري، ومن فوقه ثقات على شرطهما، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى. بل هو صحيح، فقد جاء من طرق أخرى: 1 - فقال شبابة: حدثنا ورقاء بن عمر عن عمرو بن دينار عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره ببعض اختصار، وزاد:

2698

" قال: فذكروا لابن عباس التوبة، فتلا هذه الآية: * ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا..) *، قال: وما نسخت هذه الآية ولا بدلت، وأنى له التوبة ". أخرجه الترمذي (2 / 171) والنسائي (2 / 164) . وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. 2 - سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس به نحوه، دون قوله: " وأنى له التوبة ". أخرجه النسائي، وأحمد (1 / 240 و 294 و 364) والطبراني في " الكبير " (3 / 168 / 2) والأصبهاني في " الترغيب " (241 / 2) من طرق عنه. وإسناده صحيح أيضا . وله شاهد من حديث ابن مسعود وهو الآتي بعده. قلت: وقول ابن عباس: " وأنى له التوبة " مشهور عنه من طرق، والجمهور على خلافه، وقد صح عن ابن عباس ما يدل على تراجعه عنه إلى قول الجمهور، وقد شرحت ذلك تحت الحديث الآتي برقم (2799) ص (711) . 2698 - " يجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: يا رب! هذا قتلني. فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لك. فيقول: فإنها لي. ويجيء الرجل آخذا بيد الرجل فيقول: إن هذا قتلني. فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان! فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه ". أخرجه النسائي (2 / 164) والبيهقي في " الشعب " (2 / 114 / 1) عن

المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الأعمش عن شقيق بن سلمة عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وشقيق بن سلمة هو أبو وائل. وقد رواه وكيع عن الأعمش عن أبي وائل: قال عمرو بن شرحبيل: فذكره مقطوعا! أخرجه البيهقي. والحكم لمن رفع ووصل. وقد قال الفيض بن وثيق الثقفي: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال: أخبرنا عكرمة بن عبد الله البناني عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود مرفوعا بالشطر الثاني منه. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (رقم - 755) وقال: " لم يروه عن عاصم إلا عكرمة بن عبد الله البناني من أهل البصرة، تفرد به الفيض بن وثيق الثقفي ". قلت: وهو مقارب الحال إن شاء الله تعالى كما قال الذهبي، لكن شيخه عكرمة بن عبد الله البناني لم أجد له ترجمة. (تنبيه) : أورد المنذري الحديث في " الترغيب " (3 / 203) من رواية الطبراني هذه فقط، فأوهم أنه ليس عند أحد من أصحاب السنن، وقلده في ذلك الهيثمي - على عادته - فأورده في " المجمع " (7 / 297) وأعله بالفيض، ولو تذكر أنه عند النسائي لما أورده لأنه على خلاف شرطه فيه. وثمة خطأ آخر بالنسبة للمنذري، وهو إيراده رواية الطبراني مع ضعف إسنادها واختصار متنها، دون رواية النسائي مع صحة إسنادها، وكمال متنها. والمعصوم من عصمه الله تعالى.

2699

2699 - " يخرج عنق من النار يتكلم يقول: وكلت اليوم بثلاثة: بكل جبار عنيد وبمن جعل مع الله إلها آخر وبمن قتل نفسا بغير نفس، فينطوي عليهم، فيقذفهم في غمرات جهنم ". أخرجه أحمد (3 / 40) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 118 / 2) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 314 - 315 و 315) والطبراني في " الأوسط " (رقم - 4138) من طرق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. قلت: وعطية ضعيف، لكنه قد توبع، فقال الطبراني في " الأوسط " (رقم - 4138) من طرق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به. قلت: وعطية ضعيف، لكنه قد توبع، فقال الطبراني في " الأوسط " (رقم - 314) : حدثنا أحمد بن رشدين قال: حدثنا عبد الغفار بن داود أبو صالح الحراني قال: حدثنا موسى بن أعين عن الأعمش عن سعد بن عبيدة عن أبي سعيد الخدري به، دون قوله: " فينطوي عليهم ... ". وأخرجه البزار (ق 329 / 1 - 2) من طرق عن عطية به، وفي رواية له من طريق عبد الله بن بشر عن الأعمش عن عطية، بلفظ: " يخرج عنق من النار فيتكلم بلسان طلق ذلق، لها عينان تبصر بهما، ولها لسان تكلم به، فتقول: إني أمرت بمن جعل مع الله إلها آخر.. " الحديث، وفيه: " فتنطلق بهم قبل سائر الناس بخمسمائة عام ". قلت: وهو بهذا اللفظ منكر عندي لتفرد عبد الله بن بشر به، وهو عبد الله بن بشر بن التيهان الرقي، وهو مختلف فيه، وقد قال الساجي: عن ابن معين: " عبد الله بن بشر الذي يروي عنه معمر بن سليمان كذاب، لم يبق حديث منكر رواه أحد من المسلمين (!) إلا وقد رواه عن الأعمش ". ذكره في " التهذيب ". وقال ابن حبان في " الضعفاء ":

" يروي عن الأعمش، روى عنه معمر بن سليمان، كان ممن يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وتفرد بأشياء يشهد المستمع لها إذا كان الحديث صناعته أنها مقلوبة ". قلت: فمن قيل فيه مثل هذا الطعن الشديد، لا تطمئن النفس للاحتجاج بخبره عند التفرد، فكيف مع المخالفة؟ وإن وثقه بعضهم ومنهم ابن حبان نفسه (7 / 56) فتناقض. وأما لفظ الترجمة فهو عندي حسن إن شاء الله تعالى للمتابعة المذكورة عند الطبراني، فإن إسناده كلهم ثقات رجال البخاري غير أحمد بن رشدين، وهو أحمد ابن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري، وثق وكذب!! (¬1) وتجد ما قيل فيه في " الميزان " و" اللسان "، ومن ذلك تعلم تساهل الهيثمي في تخريج لفظ البزار بقوله (10 / 392) : " رواه البزار واللفظ له، وأحمد باختصار، وأبو يعلى بنحوه، والطبراني في " الأوسط "، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال (الصحيح) "! قلت: فسكت عن إسناد البزار، وما كان ينبغي له، وأطلق على إسناد الطبراني أن رجاله رجال " الصحيح " وقد عرفت ما فيه، وكثيرا ما يفعل ذلك هو والمنذري !! ثم إن الحديث رواه حفص بن غياث عن أشعث بن سوار عن أشعث عن أبي سعيد نحوه. أخرجه البزار، وقال: ¬

(¬1) انظر شرح ذلك تحت الحديث المتقدم (2692) . اهـ.

2700

" لا نعلم أسند أشعث بهذا الإسناد إلا هذا الحديث ". قلت: وأشعث بن سوار مختلف فيه، وأخرج له مسلم في المتابعات، فهو، ممن يستشهد به. لكن شيخه أشعث لم أعرفه. والله أعلم. هذا وقد صح الحديث من رواية أبي هريرة مرفوعا نحوه، إلا أنه قال: " وبالمصورين " مكان: " وبمن قتل نفسا.. "، وقد مضى تخريجه برقم (512) . 2700 - " يا أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فيبلغ الشاهد الغائب ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 100) والبيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 88 / 1) من طريق شيبة أبي قلابة القيسي عن الجريري عن أبي نضرة عن جابر رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق خطبة الوداع، فقال: فذكره. وقال أبو نعيم: " غريب من حديث أبي نضرة عن جابر، لم نكتبه إلا من حديث أبي قلابة عن الجريري عنه ". وقال البيهقي: " في إسناده بعض من يجهل ". قلت: كأنه يشير إلى شيبة أبي قلابة القيسي، فإني لم أجد له ترجمة، وقد

أورده الدولابي في " الكنى " (2 / 84) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، كما هي عادته على الغالب. ولكنه لم يتفرد به خلافا لما يشعر به كلام أبي نعيم المتقدم، فقد قال أحمد في " المسند " (5 / 416) : حدثنا إسماعيل: حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة: حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق، فقال: فذكره. وأخرجه المحاملي في " الأمالي " (4 / 44 / 2) عن إسماعيل بن إبراهيم به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير من سمع خطبته صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يسم ، وذلك مما لا يضر، لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول كما هو مقرر في علم " مصطلح الحديث ". ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء " (ص 69) : " إسناده صحيح ". وقد توبع إسماعيل، فقال الحارث في " مسنده - زوائده " (ق 9 / 2) : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء: حدثنا سعيد الجريري به. قلت: وهذه متابعة قوية، فإن عبد الوهاب ثقة من رجال مسلم في " صحيحه ". وخالفها أبو المنذر الوراق فقال: عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد مرفوعا به دون الآية وما بعدها. أخرجه أبو الشيخ في " التوبيخ " (259 / 245) والطبراني في " الأوسط " (1 / 292 / 1 / 4885) وقال: " لم يروه عن الجريري إلا أبو المنذر الوراق، ولا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد ".

قلت: وهو ضعيف جدا، لأن أبا المنذر الوراق - واسمه يوسف بن عطية الباهلي - متروك كما في " التقريب "، لكن قال الهيثمي في " المجمع " (8 / 84) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ، والبزار بنحوه.. ورجال البزار رجال (الصحيح) ". كذا قال، وقد وقفت على إسناد البزار ولفظه بواسطة " زوائد البزار " للعسقلاني (ص 248) أخرجه من طريق جعفر بن سليمان عن الجريري به، إلا أنه قال: " عن أبي نضرة - قال: ولا أعلمه إلا - عن أبي سعيد.. ". فذكره مرفوعا مختصرا بلفظ: قال في خطبة خطبها : " إن أباكم واحد، وإن دينكم واحد، أبوكم آدم، وآدم خلق من تراب ". وقال البزار: " لا نعلمه يروى عن أبي سعيد إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو صحيح، رجاله ثقات رجال الصحيح كما قال الهيثمي، لولا أنه شك الراوي بعض الشيء في صحابيه، وذلك مما لا يضر، لأن الصحابة كلهم عدول كما تقدم. والله أعلم . وللحديث شاهد من حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة، فقال: " يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من التراب، قال الله: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى..) * إلى قوله: * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) * ".

2701

أخرجه الترمذي (3266) والبيهقي (2 / 87 / 2) من طريق عبد الله بن جعفر: حدثنا عبد الله بن دينار عن ابن عمر به، وقال : " حديث غريب لا نعرفه من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر إلا من هذا الوجه . وعبد الله بن جعفر بن جعفر يضعف، ضعفه ابن معين وغيره، وهو والد علي بن المديني ". قلت: قد تابعه موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار به. أخرجه ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " (4 / 217) ، وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 98) لابن أبي شيبة أيضا وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في " شعب الإيمان ". قلت: وموسى بن عبيدة ضعيف أيضا، فلعل أحدهما يتقوى بالآخر. وللحديث شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه مثل حديث ابن عمر، دون الخطبة والآية، وهو مخرج في " غاية المرام " (312) بسند حسن. 2701 - " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ". أخرجه البخاري في أول كتاب " النكاح - 18 " ومسلم (رقم - 2741) والترمذي ( 2781) وصححه، وابن ماجه (3998) وأحمد (5 / 200 و 210) من طرق عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن أسامة بن زيد بن حارثة [وسعيد ابن زيد بن عمرو بن نفيل] عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح، وقد رواه غير واحد من الثقات عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكروا فيه: " عن سعيد بن عمرو بن نفيل "، ولا نعلم أحدا قال: " عن أسامة بن زيد وسعيد بن زيد " غير المعتمر ".

2702

قلت: فيه نظر، فإن مسلما بعد أن رواه من طريق المعتمر عن أبيه سليمان، أتبعه بأسانيد أخرى عن أبي خالد الأحمر، وهشيم وجرير قالوا: عن سليمان التيمي (قال مسلم) : بهذا الإسناد مثله. قلت: فقوله: " مثله " يستلزم أن تكون رواية هؤلاء الثلاثة مثل رواية المعتمر، أي عن التيمي عن النهدي عن أسامة وسعيد معا. والله أعلم. تنبيه: الزيادة التي بين المعكوفتين عند مسلم والترمذي كما يتضح من الكلام السابق، وخفي بعض هذا على صاحب " ذخائر المواريث "، فإنه لم يعزه لمسلم في " مسند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل "، وإنما عزاه للترمذي وحده! ولعله يتبع في ذلك أصله: " تحفة الأشراف "، فليراجع فإن يدي لا تطوله الآن، فإني أكتب هذا في (عمان) ، ولما أنقل مكتبتي إليها، أسأل الله أن ييسر لي ذلك بمنه وكرمه. ثم إني راجعته بحمد الله، فهو في (4 / 9) منه، رامزا لكونه عند مسلم والترمذي. وعن أسامة وحده أخرجه ابن حبان أيضا (7 / 582 - 583) . 2702 - " أعندكم ما يغنيكم؟ قال: لا. قال: فكلوها (يعني الناقة) وكانت قد ماتت ". أخرجه الطيالسي (رقم - 1653) : حدثنا شريك عن سماك عن جابر بن سمرة: أن رجلا كانت له ناقة بـ (الحرة) فدفعها إلى رجل، وقد كانت مرضت، فلما أرادت أن تموت قالت له امرأته: لو نحرتها وأكلنا منها. فأبى، وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم

2703

وذكر له ذلك، فقال: فذكره، قال: فأكلنا من ودكها ولحمها وشحمها نحوا من عشرين يوما، ثم لقي صاحبها، فقال له: ألا كنت نحرتها؟ قال: إني استحييت منك. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (5 / 87 و 88) . قلت: وهذا إسناد جيد في المتابعات، وهو على شرط مسلم إلا أنه إنما أخرج لشريك متابعة، وقد تابعه جمع: الأول: حماد بن سلمة: حدثنا سماك به، ولفظه: أن رجلا كان مع والده بـ (الحرة) فقال له رجل: إن ناقة لي ذهبت، فإن أصبتها فأمسكها. فوجدها الرجل، فلم يجيء صاحبها حتى مرضت. فقالت له امرأته: انحرها حتى نأكلها. فلم يفعل حتى نفقت، فقالت امرأته: اسلخها حتى نقدد لحمها وشحمها. قال: حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث مثله. أخرجه أحمد (5 / 96 و 104) وأبو داود (3816) وإسناده صحيح على شرط مسلم الثاني: أبو عوانة عن سماك بن حرب به مختصرا بلفظ: " بغل " مكان " ناقة ". أخرجه أحمد (5 / 89 و 97) - وقال ابنه عبد الله: الصواب: " ناقة " -، والحاكم (4 / 125 ) وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. 2703 - " كان يتوسد يمينه عند المنام، ثم يقول: رب قني عذابك يوم تبعث عبادك ". جاء من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، من طريق أبي إسحاق السبيعي، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه:

الأول: عنه عن عبد الله بن يزيد عن البراء . أخرجه الترمذي في " الشمائل " (رقم - 252) والنسائي في " عمل اليوم " ( 755) وأحمد (4 / 300) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن البراء به. أخرجه النسائي (758) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص - 167) والترمذي في " السنن " (3396) وقال : " حديث حسن غريب من هذا الوجه. وروى الثوري هذا الحديث عن أبي إسحاق عن البراء لم يذكر بينهما أحدا. ورواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء. ورواه شريك (وفي نسخة: " إسرائيل "، وهو الصواب لما تقدم) عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد عن البراء، وعن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ". الثالث: وهو رواية سفيان - وهو الثوري - عن أبي إسحاق عن البراء. وأخرجه النسائي (753) وأحمد (4 / 298) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (ص 167) من ثلاث طرق عنه. وقال الحافظ في " الفتح " (11 / 115) : " وسنده صحيح ". الرابع : رواية شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء. أخرجه أحمد (4 / 281) : حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة ...

وخالفه أبو داود الطيالسي ، فقال (1247 - ترتيبه) : حدثنا شعبة عن أبي إسحاق عن البراء. كذا قال، أسقط من الإسناد أبا عبيدة والرجل الآخر، فلا أدري أهكذا وقعت الرواية للطيالسي، أم ذلك مما سقط من ناسخ " مسنده "؟ وأيهما كان فرواية ابن جعفر أصح. الخامس: وقد تابعه يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي عبيدة بن عبد الله، إلا أنه قال: عن أبيه قال: فذكره. فجعله من مسند أبيه عبد الله بن مسعود. أخرجه أبو الشيخ من طريق أبي يعلى، وهذا في " مسنده " (1682) عن يونس بن عمرو قال: قال أبي: وحدثني البراء - فأسقط الوسائط بينه وبين البراء - مثل رواية سفيان وزائدة. وأخرجه من طريق أبي يعلى هكذا ابن حبان أيضا (2350) وسنده جيد. ثم أخرجه (2351) من طريق أبي الأحوص عن أبي إسحاق.. قلت: فهذا اختلاف شديد على أبي إسحاق، وغالب الظن أنه منه نفسه، لأنه كان اختلط، لكن سفيان وشعبة رويا عنه قبل الاختلاط، فروايتهما أصح، والراجح من روايتيهما رواية سفيان، لأنه قد تابعه عليها جمع، منهم يونس بن أبي إسحاق، وقد صرح في روايته بسماع أبيه عمرو من البراء. فاتصل الإسناد، وصح الحديث. والحمد لله . وله شاهد من حديث سواء عن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا به. أخرجه أبو داود (5045) والنسائي (761) وإسناده حسن. وكذا ابن السني ( 733 و 734 و 337) . وآخر من حديث حذيفة به.

2704

أخرجه أحمد (5 / 382) وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري (6314) دون ذكر " اليمنى "، وكذا الترمذي (3395) وقال: " حديث حسن صحيح ". وخفيت هذه الزيادة على الحافظ فلم يعزها لأحمد! 2704 - " قوله: * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) *، * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) *، * (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) *، قال: هي في الكفار كلها ". أخرجه أحمد (4 / 286) : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. والحديث دليل صريح في أن المقصود بهذه الآيات الثلاث الكفار من اليهود والنصارى وأمثالهم الذين ينكرون الشريعة الإسلامية وأحكامها، ويلحق بهم كل من شاركهم في ذلك ولو كان يتظاهر بالإسلام، حتى ولو أنكر حكما واحدا منها. ولكن مما ينبغي التنبه له، أنه ليس كذلك من لا يحكم بشيء منها مع عدم إنكاره ذلك، فلا يجوز الحكم على مثله بالكفر وخروجه عن الملة لأنه مؤمن، غاية ما في الأمر أن يكون كفره كفرا عمليا. وهذه نقطة هامة في هذه المسألة يغفل عنها كثير من الشباب المتحمس لتحكيم الإسلام، ولذلك فهم في كثير من الأحيان

2705

يقومون بالخروج على الحكام الذين لا يحكمون بالإسلام، فتقع فتن كثيرة، وسفك دماء بريئة لمجرد الحماس الذي لم تعد له عدته، والواجب عندي تصفية الإسلام مما ليس منه كالعقائد الباطلة، والأحكام العاطلة، والآراء الكاسدة المخالفة للسنة، وتربية الجيل على هذا الإسلام المصفى. والله المستعان. وقد مضى الكلام على هذه المسألة الهامة بشيء من التفصيل المفيد إن شاء الله تعالى تحت الحديث المتقدم (2552) . 2705 - " كان يصلي قبل الظهر أربعا يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود، فأما ما لم يكن يدع صحيحا ولا مريضا ولا غائبا ولا شاهدا، فركعتين قبل الفجر ". أخرجه أحمد (6 / 43) والطبراني في " الأوسط " (7610) والخطيب في " التاريخ " (6 / 284 - 285) مختصرا من طريق قابوس عن أبيه قال: أرسل أبي امرأة إلى عائشة يسألها: أي الصلاة كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يواظب عليها؟ قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير قابوس - وهو ابن أبي ظبيان - وفيه لين كما في " التقريب ". لكنه قد توبع، فقال الطيالسي في " مسنده " (رقم - 524 - ترتيبه) : حدثنا قيس بن الربيع عن أبي ظبيان عن أم جعفر قالت: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: فذكره. قلت: وقيس هذا لين مثل قابوس، فأحدهما يقوي الآخر. وأم جعفر هذه، الظاهر أنها المرأة المذكورة في الرواية الأولى ولم أعرفها، وقد جاء في كنى النساء من " التهذيب " (أم جعفر) ، ثم أحال إلى ترجمة أم عون. وقال هناك:

2706

" أم عون بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمية، ويقال: أم جعفر زوجة محمد ابن الحنفية، وأم ابنه عون. روت عن جدتها أسماء بنت عميس، وعنها ابنها عون، وأم عيسى الجزار، ويقال الخزاعية ". والحديث عندي صحيح، فإنه ثابت مفرقا من طرق عن عائشة، فصلاة الأربع في " صحيح مسلم " عنها، وقد خرجته في التعليق على " مختصر الشمائل " (رقم - 280) وأما ركعتا الفجر، فقد صح عنها أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدعهما، عند البخاري وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1179) . وزاد البخاري في رواية: " أبدا ". وأما إطالة القيام في الأربع، فقد وجدت له شاهدا من حديث علي بلفظ: " كان يصلي قبل الظهر أربعا، يصليها عند الزوال، ويمد فيها ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (289) عن مسعر بن كدام عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عنه. وهذا إسناد حسن إن كان مسعر سمعه من أبي إسحاق - وهو السبيعي - فإنه كان اختلط. وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق شعبة وغيره عن أبي إسحاق به، دون قوله: " ويمد فيها ". انظر " الشمائل " (رقم - 281 و 289) . 2706 - " بعثني إلى [قومي] (باهلة) ، [فانتهيت إليهم وأنا طاو] ، فأتيت وهم على الطعام، (وفي رواية: يأكلون دما) ، فرجعوا بي وأكرموني، [قالوا: مرحبا بالصدي بن عجلان، قالوا: بلغنا أنك صبوت إلى هذا الرجل. قلت: لا ولكن آمنت بالله وبرسوله،

وبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إليكم أعرض عليكم الإسلام وشرائعه] وقالوا: تعال كل. فقلت: [ويحكم إنما] جئت لأنهاكم عن هذا، وأنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيتكم لتؤمنوا به، [فجعلت أدعوهم إلى الإسلام] ، فكذبوني وزبروني، [فقلت لهم: ويحكم ائتوني بشيء من ماء فإني شديد العطش. قال: وعلي عمامتي، قالوا: لا ولكن ندعك تموت عطشا!] ، فانطلقت وأنا جائع ظمآن قد نزل بي جهد شديد. [قال: فاغتممت ، وضربت رأسي في العمامة] فنمت [في الرمضاء في حر شديد] فأتيت في منامي بشربة من لبن [لم ير الناس ألذ منه، فأمكنني منها] ، فشربت ورويت وعظم بطني. فقال القوم: أتاكم رجل من خياركم وأشرافكم فرددتموه، فاذهبوا إليه فأطعموه من الطعام والشراب ما يشتهي. فأتوني بطعام! قلت: لا حاجة لي في طعامكم وشرابكم، فإن الله قد أطعمني وسقاني، فانظروا إلى الحال التي أنا عليها، [فأريتهم بطني] ، فنظروا، فآمنوا بي وبما جئت به من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، [فأسلموا عن آخرهم] ". هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه يرويه عنه أبو غالب، وله عنه ثلاث طرق : الأولى: عن الحسين بن واقد عن أبي غالب عن أبي أمامة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى باهلة.. الحديث. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8099) : حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق حدثنا أبي حدثنا حسين بن واقد.

2707

قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في أبي غالب. الثانية: عن صدقة بن هرمز القسملي عن أبي غالب نحوه، وفيه الزيادة الأولى والثانية، والرواية الثانية وغيرها. أخرجه الطبراني (8073 ) وأبو يعلى أيضا كما في " الإصابة "، وسكت عليه، والحاكم (3 / 641 - 642 ) وسكت عليه أيضا، وتعقبه الذهبي بقوله: " وصدقة ضعفه ابن معين ". قلت: ووثقه ابن حبان، فمثله يستشهد به. الثالثة: عن بشير بن سريج عن أبي غالب به نحوه. وفيه الزيادة الثالثة والرابعة والخامسة وغيرها. أخرجه الطبراني ( 8074) . وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 387) : " وفيه بشير بن سريج وهو ضعيف "، وقال في الطريق الأولى والثانية: " رواه الطبراني بإسنادين، وإسناد الأول حسن ". 2707 - " من كان ذبح - أحسبه قال - قبل الصلاة فليعد ذبحته ". أخرجه البزار في " مسنده " (1205 - كشف الأستار) : حدثنا محمد بن مرداس الأنصاري: حدثنا بكر بن سليمان حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في يوم أضحى:.. فذكره، وقال: " لا نعلمه عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه، ولا رواه عن محمد بن عمرو إلا بكر، وبكر مشهور بالسيرة، سمع من ابن إسحاق المبتدأ والمبعث ".

قلت: قد روى عنه جمع من الثقات، فهو كما قال الذهبي: لا بأس به، وأقره العسقلاني، وذكر أن ابن حبان ذكره في " الثقات "، وهو فيه (8 / 148) . ومثله محمد بن مرداس الأنصاري، فقد روى عنه جماعة من الأئمة، منهم البخاري في " جزء القراءة "، وذكره أيضا ابن حبان في " الثقات " (9 / 107) ومن فوقهما معروفون، فالإسناد حسن، بل هو صحيح لأن له شواهد كثيرة، سأذكر بعضها إن شاء الله تعالى. والحديث قال الهيثمي (4 / 24) : " رواه البزار، وفيه بكر بن سليمان البصري، وثقه الذهبي، وروى عنه جماعة، وبقية رجاله موثقون ". ومن شواهده ما روى حماد بن سلمة: أنبأنا أبو الزبير عن جابر بن عبد الله أن رجلا ذبح قبل أن يصلي النبي صلى الله عليه وسلم عتودا جذعا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تجزي عن أحد بعدك "، ونهى أن يذبحوا حتى يصلوا. أخرجه أحمد (3 / 364) والطحاوي (4 / 172 - مصر) وأبو يعلى (2 / 492) وعنه ابن حبان (1051) . وهو على شرط مسلم، لكن أبو الزبير مدلس، إلا أنه قد صرح بالتحديث في غير هذه الرواية، فقال الإمام أحمد (3 / 324) : حدثنا محمد بن بكر أنبأنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بالمدينة، فتقدم رجلان فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نحر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر، ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وسلم. وتابعه عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريج به مسلسلا بالتحديث والسماع.

أخرجه عنه أحمد أيضا ( 3 / 294) . وأخرجه الطحاوي (4 / 171) من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج به . ورواه مسلم (6 / 77) من طريق ابن بكر فقال: حدثني محمد بن حاتم: حدثنا محمد ابن بكر به مسلسلا أيضا بالتحديث. وقد جاء الحديث في " الصحيحين " وغيرهما من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك وجندب بن سفيان، وهي مخرجة في " إرواء الغليل " (4 / 366 - 368) ، فليراجعها من شاء. (فائدة وتنبيه هام ) : قوله: (عتودا جذعا) : العتود هو الصغير من أولاد المعز إذا قوي ورعى وأتى عليه حول، والجمع: (أعتدة) . و (الجذع) من المعز ما دخل في السنة الثانية، ومن الضأن ما تمت له سنته، وقيل أقل منها كما في " النهاية ". ففي حديث جابر الشاهد فائدتان: الأولى: ما في حديث الترجمة أنه لا يجوز أن يضحي قبل صلاة العيد، وأن من فعل ذلك فعليه أضحية أخرى. والأخرى: أن الجذع من المعز لا يجوز في الأضحية، وهذا بخلاف الجذع من الضأن، فإنه يجزي لأحاديث صحيحة وردت في ذلك صريحة، خرجت بعضها في " الإرواء "، و " صحيح أبي داود " ( 2494) وغيرهما. ولا يعكر على ذلك حديث جابر الآخر بلفظ: " لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن

يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن "، لأنه من رواية أبي الزبير معنعنا عنه في كل الطرق، ليس في شيء منها تصريحه بالتحديث، ولا هو من رواية الليث بن سعد عنه كما كنت بينته في " الضعيفة " (65) ، ثم في " الإرواء " ( 1145) ، وأكدت ذلك أخيرا في " ضعيف أبي داود " (485) . والذي أريد أن أنبه عليه هنا بهذه المناسبة أن بعض الطلبة الطيبين من الباكستانيين في مكة، كان كتب إلي بتاريخ (3 / 12 / 1399) خلاصة نقاش جرى بينه وبين أحد الأثريين في الباكستان، دار حول تضعيفي لحديث جابر هذا في المسنة في " الأحاديث الضعيفة " تحت الحديث (65) ، فاحتج عليه الطالب بالعنعنة، وما كنت نقلته عن العلماء وموقفهم من المدلسين. فرد عليه الأثري بأنه قد صرح بالتحديث في روايته عند أبي عوانة في " مسنده " (5 / 228) فإنه قال بعد أن أسند الحديث من طرق عن زهير عن أبي الزبير عن جابر: " رواه محمد بن بكر عن ابن جريج: حدثني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول.. فذكر الحديث ". أقول: وقد أجبت عن هذه الشبهة بأن هذا الإسناد الذي فيه تصريح أبي الزبير بالتحديث معلق منقطع لا تقوم به حجة. ذكرت هذا في " ضعيف أبي داود " (485) . ثم بدا لي شيء آخر هام جدا، فوجب التنبيه عليه، ألا وهو: أن هذا الإسناد المعلق - الذي اغتر به ذلك الأثري - ليس لهذا الحديث الذي ضعفته بالعنعنة، وإنما هو لحديث آخر عن جابر، وهو المتقدم آنفا شاهدا لحديث الترجمة من رواية محمد بن بكر.. بسنده المتصل عن أبي الزبير أنه سمع جابرا.. وإليك البيان: لقد ساق مسلم في " كتاب الأضاحي " (6 / 77) حديثين على التعاقب من

2708

رواية أبي الزبير عن جابر: الأول: حديثه في المسنة، والآخر: حديثه في النحر المتقدم ومن المعلوم عند النابغين العارفين بهذا الفن أن " مسند أبي عوانة " إنما هو مستخرج على " صحيح مسلم "، يخرج فيه أحاديثه بأسانيد له إلى شيخ مسلم أو من فوقه إذا تيسر له وهو الغالب، وهذا ما فعله أبو عوانة في الحديث الأول، فإنه أخرجه بأسانيد له عن زهير عن أبي الزبير عن جابر. وأما الحديث الآخر فليس له ذكر في مسنده، والمفروض أن يكون مخرجا فيه بإسناده عن أبي الزبير، أو عن ابن جريج عنه، فالظاهر أنه سقط من الناسخ أو الطابع، وبقي إسناده المعلق. وهو قوله: " رواه محمد بن بكر.. " إلخ، فرجع ضمير " رواه " إلى الحديث الأول: حديث المسنة، فوقع الإشكال! وهو في الحقيقة ينبغي أن يعود إلى الحديث الآخر: حديث النحر، هذا هو الذي يقتضيه ما تقدم من البيان والتحقيق مما يحصل به غلبة الظن في سقوط الحديث من مطبوعة " مسند أبي عوانة "، واليقين إنما يتحقق بالرجوع إلى المجلد الثامن المخطوط المحفوظ في ظاهرية دمشق (حديث - 274) ، فإن فيه كتاب الأضاحي، ولعلنا نحصل على صورة منه، فإن يدي لا تطوله الآن، فإني أكتب هذا وأنا في داري التي بنيتها منذ نحو سنتين في (عمان - الأردن) . 2708 - " إن في ابن آدم مضغة إذا صلحت صلح سائر جسده وإذا فسدت فسد سائر جسده، ألا وهي القلب ". أخرجه أبو داود الطيالسي في " المسند " (788) : حدثنا شعبة عن مجالد عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا حديث صحيح، رجاله ثقات مشهورون من رجال الشيخين

غير مجالد - وهو ابن سعيد -، وفيه ضعف من قبل حفظه، وهو صدوق في ذات نفسه، وقد توبع كما يأتي، فدل ذلك على أنه قد حفظه، فهو من صحيح حديثه. وقد رواه الطبراني في " الصغير " (890 - الروض) من طريق أخرى عن شعبة. وقد توبع شعبة فيه، فقال أحمد (4 / 274) والحميدي (2 / 409) : حدثنا سفيان قال: حدثنا مجالد قال: سمعت الشعبي يقول: سمعت النعمان بن بشير يقول:.. فذكره بلفظ: " [إن] في الإنسان مضغة.. " الحديث نحوه، والسياق للحميدي، والزيادة لأحمد . وأما متابعة مجالد، فقال أحمد (4 / 270) : حدثنا يحيى بن سعيد عن زكريا قال: حدثنا عامر قال: سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول:.. فذكره في آخر حديث : " إن الحلال بين، والحرام بين.. " الحديث. وفيه: " ألا وإن في الإنسان مضخة إذا صلحت.. " الحديث. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه بتمامه بلفظ " الجسد " مكان " الإنسان "، وما قبله مخرج في " غاية المرام " برقم (20) . وكان الحامل على تخريج حديث الترجمة هنا أمرين: الأول: أنني رأيت الحديث في " النهاية " بلفظ الترجمة، أورده في مادة (مضغ) مفسرا إياه بقوله: " يعني القلب لأنه قطعة لحم من الجسد ".

فخشيت أن يكون غير محفوظ، لأن الثابت المعروف في الصحيحين وغيرهما إنما هو بلفظ " الجسد " كما تقدم، فتتبعت روايات الحديث في دواوين السنة حتى وجدت الحديث في " المسند " بلفظ الإنسان "، وهو شاهد قوي لحديث الترجمة، وبمعناه لفظ " الشيخين ": الجسد " ، خلافا لأحد الأطباء المعاصرين كما يأتي بيانه. والآخر: أنني اجتمعت مع أحد الأطباء هنا في (عمان) ، فأخذ يحدثني ببعض اكتشافاته الطبية - وزملاؤه من الأطباء في ريب منها كما أفاد هو - منها أن بجانب السرة من كل شخص مضغة صغيرة هي سبب الصحة والمرض، وأنه يعالج هو بها الأمراض، وأنها هي المقصودة - زعم - بقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: " إذا صلحت.. "، فلما عارضته بقوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: " ألا وهي القلب ". قال: " هذه الزيادة غير صحيحة ". قلت: كيف وهي في الحديث عند البخاري؟! قال: هل البخاري معصوم؟ قلت: لا، ولكن تخطئته لابد لها من دليل، ببيان ما يدل على ما ذكرت من ضعفها. قال: هي مدرجة! قلت: من قال ذلك من علماء الحديث، فإن لكل علم أهله المتخصصين به. قال: سمعت ذلك من أحد كبار علماء الحديث في مصر. وقد سماه يومئذ، ولم أحفظ اسمه جيدا. فقلت: إن كان قال ذلك فهو دليل على أنه ليس كما وصفته في العلم بالحديث، فإنه مجرد دعوى لم يسبق إليها، ولا دليل عليها. ثم قلت له: يبدو من كلامك أنك تفهم بالحديث أنه يعني الصلاح والفساد الماديين؟ قال: نعم. قلت له: هذا خطأ آخر، ألا تعلم أن الحديث تمام حديث أوله: " إن الحلال بين والحرام بين.. " الحديث، وفيه: " فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه " الحديث، فهذا صريح في

أنه في الصلاح والفساد المعنويين. فلم يجب عن ذلك بشيء سوى أنه قال: لو أراد ذلك لقال: " ألا وإن في الإنسان.. " مكان " الجسد "! قلت: هذا غير لازم، فإنهما بمعنى واحد، وبذلك فسره العلماء، فيجب الرجوع إليهم، وليس إلى الأطباء! ولم أكن مطلعا يومئذ على هذا اللفظ الذي أنكره، فبادرت إلى تخريجه بعيد وقوفي عليه ، لعل في ذلك ما يساعده وأمثاله على الرجوع إلى الصواب. والله الهادي. وقد جرنا الحديث إلى التحدث عن القلب وأنه مقر العقل والفهم، فأنكر ذلك، وادعى أن العقل في الدماغ، وأن القلب ليس له عمل سوى دفع الدم إلى أطراف البدن. قلت: كيف تقول هذا وقد قال الله تعالى في الكفار: * (لهم قلوب لا يفقهون بها ) *، وقال: * (أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) *؟! فحاول تأويل ذلك على طريقة بعض الفرق الضالة في تعطيل دلالات النصوص، وقلت له : هذه يا دكتور قرمطة لا تجوز، ربنا يقول: * (القلوب التي في الصدور) * لا في الرؤوس! وأقول الآن: من فوائد الحديث قول الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (1 / 128 - 129) : " وفيه تنبيه على تعظيم قدر القلب والحث على صلاحه، والإشارة إلى أن لطيب الكسب أثرا فيه، والمراد المتعلق به من الفهم الذي ركبه الله فيه. ويستدل به على أن العقل في القلب. ومنه قوله تعالى: * (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) *، وقوله تعالى: * (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب) * . قال المفسرون: أي عقل، وعبر عنه بالقلب لأنه محل استقراره ". ثم إن تلك الزيادة التي أنكرها الطبيب المشار إليه يشهد لها آيات كثيرة في

2709

القرآن الكريم ، جاء فيها وصف القلب بالإيمان والاطمئنان والسلامة، وبالإثم، والمرض والختم والزيغ والقسوة، وغير ذلك من الصفات التي تبطل دعوى أنه ليس للقلب وظيقة غير تلك الوظيفة المادية من ضخ الدم. فأسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من المرض والزيغ، واتباع جهل الجاهلين من الكفار وغيرهم. 2709 - " إني أمرت أن أغير اسم هذين، فسماهما حسنا وحسينا. قاله لما ولدا وسماهما علي: حمزة وجعفر ". أخرجه أحمد في " المسند " (1 / 159) وفي " فضائل الصحابة " (2 / 712 / 1219 ) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 147) والطبراني في " المعجم الكبير " (رقم 2780 ج1) والحاكم (4 / 277) من طرق عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي عن علي قال: لما ولد الحسن سماه حمزة، فلما ولد الحسين سماه بعمه (جعفر) قال: فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : فذكره، وقال عقب قوله: (هذين) : فقلت: الله ورسوله أعلم ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: قال أبو حاتم: العلاء منكر الحديث ". قلت: هو الراوي للحديث عن عبيد الله بن عمرو عند الحاكم، لكنه قد توبع عند الآخرين كما أشرت إلى ذلك بقولي: " من طرق "، فالسند حسن، رجاله ثقات، وفي ابن عقيل كلام لا يضر، ولذلك قال الهيثمي (8 / 52) :

2710

".. وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وأخرجه البزار (2 / 415 / 1996) من طريق أخرى عن ابن عقيل به نحوه، وقال: " لا نعلمه بلفظه ولا معناه إلا عن ابن الحنفية عن علي ". قلت: وقد خالف الطرق كلها العلاء الرقي عند الحاكم فقال: ".. ابن عقيل عن أبيه " بدل قوله: ".. عن محمد بن علي "، وهو ابن الحنفية، وذلك مما يدل على ضعف الرقي، لكن متن الحديث ثابت برواية الجمع كما ذكرنا، وصحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (4 / 351) وذلك من تساهله الذي عرف به، ثم قال: " ولكنه يعارضه ما مضى (769 و953) في تسميتهما، ولعل ما مضى أرجح ". يشير إلى حديث هانىء بن هانىء عن علي.. نحوه، وفيه: أنه سمى كلا منهما عند ولادتهما: (حربا) . وهذا الإسناد ضعيف عندي كما بينته في " الضعيفة " (3706) . فالراجح حديثنا هذا. وله شاهد من حديث سورة بنت مشرح تكلمت عليه في المصدر المذكور. 2710 - " أنت كنت أحق بالسجود من الشجرة ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1 / 298) والطبراني في " المعجم الأوسط " ( رقم 4904) من طريق الجراح بن مخلد: أخبرنا اليمان بن نصر صاحب الدقيق

قال: أخبرنا عبد الله بن سعد المدني قال: أخبرنا محمد بن المنكدر قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي سعيد الخدري قال: رأيت فيما يرى النائم كأني تحت شجرة، وكأن الشجرة تقرأ * (ص) *: فلما أتت على السجدة سجدت، فقالت في سجودها: " اللهم اكتب لي بها أجرا، وحط عني بها وزرا، وأحدث لي بها شكرا، وتقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود سجدته ". فلما أصبحت غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك، فقال: سجدت أنت يا أبا سعيد؟ فقلت: لا، قال : (فذكره) ، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة * (ص) * حتى أتى على السجدة، فقال في سجوده ما قالت الشجرة في سجودها. وقال الطبراني عقبه - والسياق له -: " لا يروى عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، تفرد به اليمان بن نصر ". قلت: أعله به الهيثمي فقال (2 / 285) : " قال الذهبي: مجهول ". قلت: هو تابع في ذلك لابن أبي حاتم (4 / 2 / 311) عن أبيه. لكن قال الحافظ في " اللسان ": " وذكره ابن حبان في " الثقات " فقال: الكعبي، من أهل البصرة، يروي عن شيخ عن محمد بن المنكدر. روى عنه يعقوب بن سفيان. وذكر ابن أبي حاتم في الرواة عنه محمد بن مرزوق والجراح بن مليح ". قلت: ليس في ابن أبي حاتم ذكر الجراح هذا. فالله أعلم. وقد روى عنه عمرو بن علي هذا الحديث مختصرا جدا في " تاريخ البخاري " (1 / 1 / 147) .

وأقول: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى لرواية ثلاثة من الثقات عنه، فإعلاله بمن فوقه أولى، كشيخه عبد الله بن سعد المدني، فإني لم أجد له ترجمة، وقد وقع اسمه في ترجمة اليمان من " الجرح والتعديل ": " عبد الله بن أبي سعيد المدني "، وقال المعلق عليه: " ك " سعد " خطأ ". ولعل ما خطأه هو الصواب لمطابقته لما في الكتابين: " مسند أبي يعلى "، و " المعجم الأوسط ". وشيخ شيخه " محمد بن عبد الرحمن بن عوف " أورده البخاري في " التاريخ "، وابن أبي حاتم في كتابه برواية ابن المنكدر وابنه عبد الواحد عنه، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " الثقات " من روايتهما عنه. قلت: فعلة هذا الإسناد عندي عبد الله. لكن للحديث طريق أخرى وشاهد يتقوى بهما إن شاء الله تعالى. أما الطريق فقال عبد الرزاق في " المصنف " (3 / 337 / 5869) : عن ابن عيينة عن عاصم بن سليمان عن بكر بن عبد الله المزني: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! رأيت كأن رجلا يكتب القرآن وشجرة حذاءه، فلما مر بموضع السجدة التي في * (ص ) * سجدت، وقالت: " اللهم أحدث لي بها شكرا، وأعظم لي بها أجرا، واحطط بها وزرا ". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فنحن أحق من الشجرة ".

وهذا إسناد صحيح مرسل، وقد جاء موصولا مختصرا من طرق عن حميد الطويل قال: حدثني بكر أنه أخبره: أن أبا سعيد الخدري رأى رؤيا أنه يكتب * (ص) *، فلما بلغ إلى سجدتها قال: رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا، قال: فقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يزل يسجد بها بعد. أخرجه أحمد (3 / 78 و84) من طريق يزيد بن زريع وابن أبي عدي، والحاكم (2 / 432) من طريق حماد بن سلمة، ثلاثتهم عن حميد به. سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي: " على شرط مسلم ". قلت: هو كذلك بل هو على شرط الشيخين لولا أن ظاهره الإرسال لقوله: أن أبا سعيد.. ويؤيد ذلك رواية هشيم: أنبأنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله قال: أخبرني مخبر عن أبي سعيد قال: فذكره، إلا أنه قال: فعدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فأمر بالسجود فيها. أخرجه البيهقي (2 / 320) . لكن يمكن أن يقال: إن هذه الرواية شاذة لمخالفتها لرواية الثقات الثلاثة، لكن هذه نفسها ليست متصلة كما ذكرنا. والله أعلم. وأما الشاهد فالدعاء فيه بلفظ : " اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عني بها وزرا، واقبلها مني كما تقبلت من عبدك داود ". أخرجه الترمذي (579 و 3420) وابن ماجه (1 / 325) وابن حبان (691) من طريق ابن خزيمة، والحاكم (1 / 219) والبيهقي (2 / 320)

والطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 149 / 11262) كلهم من طريق محمد بن يزيد بن خنيس قال: حدثني حسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال: قال لي ابن جريج: يا حسن! حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ! إني رأيت في هذه الليلة فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة، فرأيت كأني قرأت سجدة، فرأيت الشجرة كأنها تسجد بسجودي، فسمعتها وهي تقول: " اللهم اكتب ... " إلخ. قال ابن عباس: " فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ السجدة، فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما قال الرجل عن كلام الشجرة ". والسياق لابن حبان، وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح، رواته مكيون، لم يذكر واحد منهم بجرح ". ووافقه الذهبي. قلت: وهذا من عجائبه، فإنه قال في ترجمة الحسن هذا من " الميزان ": " قال العقيلي: لا يتابع عليه. وقال غيره: فيه جهالة ، ما روى عنه سوى ابن خنيس ". وقال في " الكاشف ": " غير حجة ". وأما الترمذي فقد قال في الموضعين: " حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". لكن زاد في الموضع الأول في نسخة: " حسن ".

2711

ولعلها زيادة غير ثابتة، فإن الحافظ لم ينقل في ترجمة الحسن من " التهذيب " عن الترمذي إلا أنه استغربه، وكذلك فعل التبريزي في " المشكاة " (1036) وهو اللائق بحال إسناده كما عرفت، ويؤكده قول الحافظ في " التلخيص " (4 / 114) : " وضعفه العقيلي بالحسن بن محمد.. فقال: فيه جهالة ". وقد توبع ابن جريج على بعضه، فروى عبد الرزاق ( 5868) وابن أبي شيبة (2 / 8) عن سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس سئل: في (ص) سجدة؟ قال: نعم * (أولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده) *. وسنده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (3421 و4807) والمصنفان أيضا، والبيهقي (2 / 219) من طريق مجاهد قال: سئل ابن عباس.. إلخ. وبالجملة، فحديث الترجمة حسن على أقل الدرجات بالطريق الأخرى والشاهد، لاسيما وقد صحح شاهده الحاكم وغيره كما تقدم، بل وذكر الحافظ في " التهذيب " عن الخليلي أنه قال فيه: " حديث غريب صحيح ". ولعله لذلك قال النووي في " المجموع " (4 / 64) : " رواه الترمذي وغيره بإسناد حسن ". والله سبحانه وتعالى أعلم. 2711 - " ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان ، غير مريم وابنها ". أخرجه البخاري (3431 و 4548) ومسلم (7 / 96) وأحمد (2 / 233

و 274) وابن جرير في " التفسير " (3 / 160 - 161) من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ثم يقول أبو هريرة : * (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم) *. والسياق للبخاري. وتابعه الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعيه حين يولد، غير عيسى ابن مريم، ذهب يطعن فطعن في الحجاب ". أخرجه البخاري (3286) وأحمد (2 / 523) وابن جرير (3 / 161) . وتابعه أبو يونس سليمان مولى أبي هريرة مرفوعا مختصرا نحوه. أخرجه مسلم، وابن جرير. وتابعه سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مختصرا بلفظ: " صياح المولود حين يقع نزغة من الشيطان ". رواه مسلم، وابن جرير من طريق قيس عن الأعمش عن أبي صالح به، نحو رواية سعيد وتابعه عجلان مولى المشعل عن أبي هريرة به نحو رواية الأعرج، لكنه ذكر مريم ابنة عمران وابنها عيسى عليها السلام، دون قوله: " ذهب يطعن.. ". أخرجه أحمد (2 / 288 و 292 و 319) وابن جرير. وإسناده جيد . وتابعه عبد الرحمن أبو العلاء عن أبي هريرة بلفظ: " كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان بحضنيه إلا ما كان من مريم وابنها، ألم

2712

ترو إلى الصبي حين يسقط كيف يصرخ؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فذاك حين يلكزه الشيطان بحضنيه " . أخرجه أحمد (2 / 368) . وإسناده صحيح، رجاله رجال الصحيح. وتابعه يزيد بن عبد الله بن قسيط عنه مثل رواية سعيد. أخرجه ابن جرير. ورجاله ثقات. وتابعه أبو سلمة عن أبي هريرة مثل رواية أبي يونس. أخرجه ابن جرير. 2712 - " لم آتكم إلا بخير، أتيتكم لتعبدوا الله وحده لا شريك له وتدعوا عبادة اللات والعزى، وتصلوا في الليل والنهار خمس صلوات، وتصوموا في السنة شهرا، وتحجوا هذا البيت، وتأخذوا من مال أغنيائكم، فتردوها على فقرائكم. لقد علم الله خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله، خمس لا يعلمهن إلا الله: * ( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت) * ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1084) وأحمد (5 / 368 - 369) من طريقين عن منصور عن ربعي بن حراش قال: حدثني رجل من بني عامر جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية :

" اخرجي فقولي له: قل: السلام عليكم، أأدخل، فإنه لم يحسن الاستئذان ". قال: فسمعتها قبل أن تخرج إلي الجارية، فقلت: السلام عليكم، أأدخل؟ فقال: " وعليك، ادخل ". قال: فدخلت فقلت: بأي شيء جئت؟ فقال: فذكر الحديث إلى قوله: ".. فقرائكم " قال: فقلت له: هل من العلم شيء لا تعلمه؟ قال: " لقد علم الله.. " الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين غير الرجل العامري، وهو صحابي فلا يضر الجهل باسمه، فإن الصحابة عدول كما هو مذهب أهل الحق. وروى منه أبو داود طرفه الأول دون حديث الترجمة، ولذلك خرجته هنا، وقد مضت روايته في المجلد الثاني برقم (819) بلفظ: " اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل السلام عليكم، أأدخل؟ ". وفيه دليل صريح على أن من أدب الاستئذان في الدخول البدء بالسلام قبل الاستئذان، وفي ذلك أحاديث أخرى بعضها أصرح من هذا، تقدمت هناك (816 - 818) . ويؤيده ما رواه البخاري في " أدبه " (1066) بسند صحيح عن عطاء عن أبي هريرة فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال: " لا يؤذن له حتى يبدأ بالسلام ". وفي رواية له (1067 و 1083) بإسناد أصح عن عطاء قال: سمعت أبا هريرة يقول: إذا قال: أأدخل؟ ولم يسلم، فقل: لا حتى تأتي بالمفتاح. قلت: السلام؟ قال: نعم.

2713

وما أخرجه أحمد (1 / 448) بسند صحيح عن رجل عن عمرو بن وابصة الأسدي عن أبيه قال: " إني بالكوفة في داري إذ سمعت على باب الدار: السلام عليكم، آلج؟ قلت: عليكم السلام، فلج. فلما دخل فإذا هو عبد الله بن مسعود.. ". ففي هذا تنبيه على أن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للعامري أدب الاستئذان ليس مقصودا بذاته قوله: " أألج؟ "، وإنما هو عدم ابتدائه إياه بالسلام خلافا لما سمعته من بعض الخطباء الفضلاء. ويزيده تأييدا وقوة ما رواه عبد الرزاق (10 / 382 / 19427) بسند صحيح عن ابن سيرين قال: استأذن أعرابي على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أدخل؟ ولم يسلم: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أهل البيت: مروه فليسلم. فسمعه الأعرابي، فسلم، فأذن له. 2713 - " إنكم مدعوون [يوم القيامة] مفدمة أفواهكم بالفدام، ثم إن أول ما يبين ( وقال مرة: يترجم، وفي رواية: يعرب) عن أحدكم لفخذه وكفه ". أخرجه النسائي في " الكبرى " (6 / 439) والحاكم (4 / 600) وأحمد (5 / 4 و5) والسياق له، وكذا عبد الرزاق في " المصنف " (20 / 130 / 20115) والحسن المروزي في " زوائد الزهد " (350 / 987) والطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 407 - 409) والبغوي في " التفسير " (7 / 25) من طرق عن بهز ابن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال ابن عبد البر في ترجمة حكيم بن معاوية:

" الحديث صحيح، والإسناد ثابت ". ولفظ " يترجم " لأحمد في رواية، والرواية الأخرى له أيضا (4 / 446 - 447 و 5 / 3) والحاكم (4 / 565) والطبراني في " الكبير " (19 / 424 و 426 - 428) وفي " الأوائل " (ص 47 / 20 و 21) من طرق أخرى عن حكيم بن معاوية به. والزيادة لأحمد في رواية. وكذا الطبراني. وأحد لفظيه في " الأوائل ": " أول ما يتكلم من الإنسان يوم القيامة ويشهد عليه بعمله فخذه وكفه ". لكن شيخ الطبراني فيه إدريس بن جعفر العطار، قال الدارقطني: " متروك ". وللحديث شاهد من حديث عقبة بن عامر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه - فخذه من الرجل الشمال " أخرجه أحمد (4 / 151) : حدثنا الحكم بن نافع حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم ابن زرعة عن شريح بن عبيد الحضرمي عمن حدثه عن عقبة. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات، فهو صحيح لولا شيخ الحضرمي، فإنه لم يسم، وقد أسقطه هشام بن عمار: حدثنا إسماعيل بن عياش به عن شريح عن عقبة. أخرجه الطبراني (17 / 333 / 921) والثعلبي في " تفسيره " (3 / 170 / 1) وابن عساكر (8 / 32 / 1) وكذا ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " (3 / 577) . لكن هشام بن عمار وإن كان احتج به البخاري، ففيه ضعف من جهة أنه

كان يتلقن، لاسيما وقد خالف الحكم بن نافع، وهو ثقة ثبت محتج به في " الصحيحين "، فقول الهيثمي (10 / 351) : " رواه أحمد والطبراني، وإسنادهما جيد ". فهو غير جيد. نعم، قد توبع هشام بن عمار، فقال ابن جرير في " التفسير " (23 / 17) : حدثني محمد بن عوف الطائي قال: حدثنا ابن المبارك عن ابن عياش به. دون الرجل الذي لم يسم. قلت: فهذا إسناد صحيح إن كان شريح سمعه من عقبة، فقد اختلفوا في سماعه من أحد من الصحابة كما تراه في " التهذيب " وغيره. والله أعلم. (تنبيه) لقد قصر السيوطي في تخريج الحديثين تقصيرا فاحشا في " الجامع الكبير " وبخاصة حديث معاوية بن حيدة، فإنه عزاه (1 / 339) لابن عساكر فقط! وقد عرفت أنه رواه جمع كل واحد أولى بالعزو إليه من ابن عساكر، فما بالك وهم جمع، وفيهم الحاكم في " صحيحه "؟ وأما حديث عقبة، فعزاه (1 / 231) لأحمد والطبراني فقط! على أنه لا يصح سنده لما عرفت من الاختلاف فيه، وقد أشار الحافظ ابن كثير إلى ترجيح رواية الحكم ابن نافع، فإنه قال بعد أن ساق رواية هشام بن عمار ومحمد بن عوف: " وقد جود إسناده الإمام أحمد رحمه الله فقال: حدثنا الحكم بن نافع.. " إلخ. وبالجملة فلا تصح زيادة " الشمال " في حديث عقبة للاضطراب الذي في إسناده، وعدم ورودها في حديث الترجمة، وكذلك لم ترد في حديث آخر من

2714

رواية مسلم (8 / 216) من حديث أبي هريرة، وورد خلافها من حديث أبي موسى الأشعري موقوفا بلفظ: " فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى ". رواه ابن جرير بسند صحيح عنه. والله أعلم. والفدام: ما يشد على الإبريق والكوز من خرقة لتصفية الشراب الذي فيه، أي أنهم يمنعون الكلام بأفواههم حتى تتكلم جوارحهم، فشبه ذلك بالفدام. " نهاية ابن الأثير " (3 / 421) . 2714 - " إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم، وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الإيمان إلا من أحب، فمن ضن بالمال أن ينفقه وخاف العدو أن يجاهده وهاب الليل أن يكابده، فليكثر من قول: سبحان الله، [ والحمد لله] ولا إله إلا الله، والله أكبر ". أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " (114 / 1) : حدثنا عياش بن محمد بن عيسى أبو الفضل الجوهري - ببغداد - حدثنا أحمد بن جناب: حدثنا عيسى بن يونس عن سفيان الثوري عن زبيد عن مرة عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله على شرط مسلم كلهم، إلا الجوهري هذا، وقد وثقه الخطيب في " التاريخ " (12 / 279) وتابعه جمع عند الحاكم (1 / 33 ) وصححه. ووافقه الذهبي. وقد توبع عيسى بن يونس - وهو ثقة مأمون - في رفعه، من قبل سفيان بن

عقبة - أخو قبيصة -، فرواه عن حمزة الزيات وسفيان الثوري عن زبيد به، والزيادة له، وزاد في آخره: " فإنهن مقدمات مجنبات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 348 - 349) من طريق الحاكم عن مهران بن هارون بن علي الداوودي: حدثنا سفيان بن عقبة.. وهو على شرط مسلم أيضا غير مهران هذا، فلم أجد من ترجمه. وبالرجوع إلى " المستدرك " تبين أنه سقط من " الشعب " راويان بين ابن عقبة ومهران! وحمزة الزيات هو ابن حبيب القارىء، وهو صدوق ربما وهم، من رجال مسلم، فهو متابع قوي للثوري لو صح السند إليه، فالعمدة على رواية عيسى بن يونس. نعم قد خالفه محمد بن كثير عند البخاري في " الأدب المفرد " (275) وعبد الرحمن بن مهدي عند المروزي في " زيادات الزهد " (1134) ، فروياه عن سفيان عن زبيد به موقوفا. وتابعه زهير قال: حدثنا زبيد به. أخرجه أبو داود في " الزهد " (164 / 157) . وتابعه أيضا محمد بن طلحة عن زبيد به موقوفا. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8990) وسنده صحيح. وقال الهيثمي ( 10 / 90) : " ورجاله رجال الصحيح ".

قلت: شيخ الطبراني علي بن عبد العزيز ليس منهم، ولكنه ثقة حافظ، وهو البغوي. فيظهر من هذا التخريج أن الأصح في إسناد الحديث أنه موقوف، لكن لا يخفى أنه في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي، لاسيما وطرفه الأول قد روي من طريق آخر عن مرة الهمداني به مرفوعا ، وهو مخرج في " غاية المرام " (19) ورواه أيضا الدولابي في " الكنى " (1 / 141) والبغوي في " شرح السنة " (8 / 10) . وطرفه الآخر له شاهد يرويه القاسم عن أبي أمامة مرفوعا نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (7795 و7800 و 7877) وابن شاهين في " الترغيب " (284 / 2) من طرق ثلاث عنه، وهو القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، وهو حسن الحديث. وله شاهد ثان: يرويه أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " فليكثر من ذكر الله ". أخرجه ابن شاهين أيضا. وأبو يحيى هو القتات، لين الحديث، فيصلح للاستشهاد به. وشاهد ثالث: يرويه يوسف بن العنبس اليماني: حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به، وزاد في آخره: " فإنهن الباقيات الصالحات ". أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (ق 76 / 2 - مصورة الجامعة الإسلامية) . قلت: ويوسف اليماني لم أجد له ترجمة.

2715

2715 - " أفضل العمل أن تدخل على أخيك المؤمن سرورا أو تقضي عنه دينا أو تطعمه خبزا ". أخرجه الأصبهاني في " الترغيب " (214 / 1) من طريق أحمد بن المبارك الإسماعيلي: حدثنا أبو موسى الهروي وأحمد بن جميل المروزي قالا: حدثنا عمار بن محمد الثوري عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي العمل أفضل؟ قال: أن تدخل.. إلخ. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات معروفون من رجال التهذيب غير من دون عمار، فقد ترجمهم الخطيب في " التاريخ "، ووثقهم غير الإسماعيلي، فإنه لم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، روى عنه ثقتان، ومات بالرقة سنة (263) . فهو مستور يقبل حديثه، لاسيما في الشواهد، وقد مضى أحدها من حديث ابن عمر برقم ( 906) . وأبو موسى الهروي اسمه إسحاق بن إبراهيم، وترجمته في " التاريخ " ( 6 / 337) وأرخ وفاته سنة (233) . وأرخ وفاة قرينه المروزي سنة (230) . 2716 - " كان يصلي قائما [تطوعا، والباب في القبلة] [مغلق عليه] ، فاستفتحت الباب، فمشى على يمينه أو شماله، ففتح الباب ثم رجع إلى مكانه ". أخرجه النسائي (1 / 178) وابن حبان (530) والبيهقي (2 / 265)

2717

وأحمد ( 6 / 183 و 234) وأبو يعلى (3 / 1088) وابن راهويه في " مسنده " (4 / 64 / 2 و 128 / 1) والسياق له، والزيادة الأولى للنسائي وابن حبان، والأخرى للبيهقي من طريق برد بن سنان أبي العلاء عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير برد هذا، وهو ثقة على ضعف يسير. وقد وجدت له طريقا أخرى من رواية داود بن منصور: أخبرنا الليث عن عبد الرحمن عن يونس الأيلي عن الأوزاعي عن أم كلثوم بنت أسماء عن عائشة به. أخرجه أبو الشيخ في " الأقران " (1 / 2 - المصورة المصرية) . وداود بن منصور صدوق يهم، وعبد الرحمن لم أعرفه لأن بعده في الأصل بياضا، وأم كلثوم بنت أسماء لم يذكروها. 2717 - " إنها تلهيني عن صلاتي، أو قال: تشغلني. يعني الخميصة ". أخرجه ابن راهويه في " المسند " (4 / 64 / 2) : أخبرنا أبو معاوية أخبرنا هشام عن أبيه عن عائشة قالت: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة، فأعطاها أبا جهم، فقيل: يا رسول الله إن هذه الخميصة خير من الأنبجامية. فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأخرجاه، البخاري ( 4 / 93 / 1 - 2) ومسلم (2 / 78) من طرق أخرى عن هشام نحوه، والشيخان أيضا من طرق عن عروة به. وكذلك رواه أبو داود وغيره. وعلقه البخاري عن هشام

2718

بن عروة به نحوه مختصرا. وعزاه الحافظ (1 / 483) لأبي داود أيضا، وهو إنما وصله عن طريق ابن شهاب عن عروة. وسأتولى تخريجه في " كتاب اللباس " من " صحيح أبي داود " إن شاء الله تعالى. 2718 - " ما نفعنا مال [أحد] ، ما نفعنا مال أبي بكر ". أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (4 / 80 / 1) : أخبرنا سفيان الثوري عن الزهري عن عروة - إن شاء الله - عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول الزهري: " إن شاء الله " لا يضر، لأن الراوي قد يشك أحيانا، وقد رواه غير واحد بدون شك، فأخرجه الحميدي (1 / 121 / 250) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1090) وابن أبي عاصم في " السنة " (1230) عن سفيان به. وسفيان هو ابن عيينة. وروى ابن حبان (2167) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: " أنفق أبو بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين ألفا ". وسنده صحيح. وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا به، وزاد: " قال: فبكى أبو بكر، وقال: وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني الله إلا بك؟ وهل نفعني الله إلا بك؟ ". أخرجه أحمد (2 / 366) : حدثنا معاوية قال: حدثنا أبو إسحاق - يعني الفزاري - عن الأعمش عن أبي صالح عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ومعاوية هو ابن عمرو الأزدي. وأبو إسحاق اسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث.

2719

وقد تابعه أبو معاوية: حدثنا الأعمش به، إلا أنه قال: " وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟ ". أخرجه ابن أبي شيبة (12 / 759) وأحمد (2 / 252) عنه، وكذا ابن ماجه (1 / 49) وابن أبي عاصم (1229) وابن حبان (2166) من طرق عنه. وهو صحيح أيضا كالذي قبله. وله طريق أخرى يرويه محبوب بن محرز القواريري عن داود بن يزيد الأموي عن أبيه عن أبي هريرة به . أخرجه الترمذي (3262) وقال: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: محبوب لين الحديث، وداود ضعيف، وأبوه عند ابن حجر مقبول، فقول الترمذي مقبول، لو لم يقل: " غريب.. "! لأنه ينافي أنه أراد: حسن لغيره! 2719 - " كان كاشفا عن فخذه، فاستأذن أبو بكر، فأذن له وهو على ذلك الحال، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، ثم استأذن عثمان فأرخى عليه من ثيابه ، فلما قاموا قلت: يا رسول الله! استأذن عليك أبو بكر وأنت على ذلك الحال.. (وفيه) فقال: يا عائشة ألا أستحي من رجل والله إن الملائكة لتستحي منه ". أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (108 / 1) : أخبرنا مروان بن معاوية الفزاري أخبرنا عبد الله بن سيار مولى بني طلحة بن عبيد الله القرشيين قال: سمعت عائشة ابنة طلحة تذكر عن عائشة أم المؤمنين قالت: فذكره.

2720

قلت: وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن سيار هذا أورده ابن أبي حاتم (2 / 2 / 76) من رواية مروان هذا، والقاسم بن مالك عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 17) . ورواية القاسم بن مالك أوردها البخاري في ترجمة عبد الله بن سيار بسنده المذكور بحديث آخر قد خرجته في " الضعيفة " (5272) لتفرد ابن سيار به، وعدم وجود الشاهد الذي يقويه ويأخذ بعضده. وأما هذا، فقد جاء من طريق أخرى وشاهدين كنت خرجتها كلها فيما تقدم تحت الحديث (1687) ، وكنت خرجت هذا الطريق هناك من رواية أحمد، لكن وقع فيها ابن سيار هذا (عبيد الله) مصغرا، فلم أعرفه، ولا عرفه الحسيني ولا العسقلاني، فكشفت لنا رواية ابن راهويه هذه أنه تحرف اسمه عند أحمد، وأن الصواب فيه " عبد الله " مكبرا، وأنه معروف برواية اثنين من الثقات عنه، ولذلك أعدته بهذه الرواية العزيزة حفظها لنا الإمام ابن راهويه في " مسنده " جزاه الله وسائر الأئمة خيرا. 2720 - " السنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة ". أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (4 / 109 / 2) : أخبرنا عبد الله بن إدريس: أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال: قالت امرأة عند عائشة: لو ولدت امرأة فلان نحرنا عنه جزورا، قالت عائشة: لا، ولكن السنة.. الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان عطاء - وهو ابن أبي رباح المكي - سمع ذلك من عائشة، فقد قال أحمد:

" رواية عطاء عن عائشة لا يحتج بها إلا أن يقول: سمعت ". والحديث صحيح، فإن له طرقا أخرى وشواهد مخرجة في " الإرواء " (1116) وإنما أوردته هنا لقصة المرأة مع عائشة، وقولها " لا "، فإنه صريح في أنه لا تجزي العقيقة بغير الغنم، ولهذا طريق آخر أخرجه البيهقي (9 / 301) وغيره من طريق ابن أبي مليكة قال: نفس لعبد الرحمن بن أبي بكر غلام، فقيل لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين عقي عنه جزورا. فقالت: معاذ الله، ولكن ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " شاتان مكافئتان ". وإسناده حسن كما بينته في " الإرواء " (4 / 390) . وأخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (4 / 328 / 7956) وعنه ابن حزم (1 / 317) من طريق أخرى عن حفصة بنت عبد الرحمن عن عائشة. وفيه أن حفصة ولدت للمنذر بن الزبير غلاما، فقيل لها: هلا عققت جزورا على ابنك؟ فقالت: معاذ الله! كانت عمتي عائشة تقول: على الغلام شاتان ، وعلى الجارية شاة واحدة. وإسناده صحيح، وقد أخرجه الترمذي وغيره مرفوعا دون ذكر الجزور وقولها معاذ الله. وهو مخرج هناك. ثم رأيت ابن راهويه قال في مكان آخر من " مسنده " (4 / 149 / 1) : أخبرنا يعلى بن عبيد أخبرنا عبد الملك عن عطاء عن أبي كرز عن أم كرز قالت: قالت امرأة من أهل عبد الرحمن بن أبي بكر: إن ولدت امرأة عبد الرحمن.. الحديث مثل رواية ابن إدريس. ثم ساقها أيضا عقب حديث يعلى هذا. فتبين به أنها منقطعة، بل معضلة، بين عطاء وعائشة أبو كرز عن أم كرز.

2721

وأم كرز ذكروها في الصحابيات بخلاف أبي كرز، فكأنه غير محفوظ. والله أعلم. 2721 - " كان ناس يأتون رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود، فيقولون السام عليك ! فيقول: وعليكم. ففطنت بهم عائشة فسبتهم، (وفي رواية: قالت عائشة: بل عليكم السام والذام) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة! [لا تكوني فاحشة] فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش. قالت: فقلت: يا رسول الله إنهم يقولون كذا وكذا. فقال: أليس قد رددت عليهم؟ فأنزل الله عز وجل: * ( وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله) * إلى آخر الآية ". أخرجه ابن راهويه في " مسنده " (4 / 168 / 1) : أخبرنا يعلى بن عبيد أخبرنا الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه مسلم (7 / 5) من طريق ابن راهويه، وأحمد (6 / 229) : حدثنا أبو معاوية وابن نمير قالا: حدثنا الأعمش به. وفيه الزيادة، وهي عند مسلم أيضا من طريق أخرى عن أبي معاوية وحده، وفيه الرواية الأخرى وهي عند ابن راهويه أيضا عن أبي معاوية، ومن طريقه رواه ابن ماجه (2 / 397) مختصرا. وأخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (6 / 482 / 11571) من طريق الفضل بن موسى قال: أخبرنا الأعمش به. وفيه الزيادة. (تنبيه) : عز الحديث السيوطي في " الدر المنثور " (6 / 184) لعبد الرزاق

وسعيد بن منصور وعبد بن حميد والشيخين وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في " الشعب " عن عائشة رضي الله عنها. وفي هذا نظر من وجهين: الأول: عزوه إياه لعبد الرزاق والبخاري. وهما إنما أخرجاه مختصرا من طريق أخرى عن عائشة نحوه ، فليس فيه نزول الآية. فانظر " المصنف (10 / 392 / 19460) وكذا " تفسيره " (3 / 279) ، " وصحيح البخاري " (2024) . والآخر: أنه لم يعزه لابن ماجه ولا النسائي، بل ولا أحمد، وقد رواه بتمامه كما تقدم. وكذلك قصر الحافظ ابن كثير (4 / 323) تقصيرا أفحش، فلم يعزه إلا لابن أبي حاتم فقط! وتبعه على ذلك المقلد الصابوني في " مختصره " (3 / 462) . ثم رأيت الحديث عند ابن راهويه (4 / 189 / 1) من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة بلفظ: إن اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك. فقال: وعليكم. فقالت عائشة: عليكم السام وغضب الله ولعنته أخوة القردة والخنازير! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عائشة عليك بالحلم، وإياك والجهل ". فقالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قالوا: السام عليك! فقال: " أوليس قد رددت عليهم، إنه يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا ". قلت: وهذه رواية عزيزة، وإسنادها هكذا: أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا حماد بن زيد عن أيوب [ عن] ابن أبي مليكة.

2722

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسقط من الأصل (عن ) والسياق يقتضيه، فإن ابن أبي مليكة اسمه عبد الله بن عبيد الله المدني، معروف بالرواية عن عائشة، وعنه أيوب وهو السختياني، وعنه حماد بن زيد، وليس في الرواة من اسمه أيوب بن أبي مليكة. وقد جاءت كلمة عائشة هذه التي في هذه الطريق في الرد على اليهود في مسند أحمد (3 / 134 - 135) من طريق محمد بن الأشعث عنها. وجاء قوله صلى الله عليه وسلم الذي في آخرها من حديث جابر بهذه القصة مختصرا، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " بلى قد سمعت فرددت عليهم، وإنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا ". أخرجه مسلم (7 / 5) وأحمد (3 / 383 ) . (فائدة) : روى ابن راهويه عقب الحديث بإسناده الصحيح عن حسان بن عطية قال : لا بأس أن تؤمن على دعاء الراهب إذا دعا لك، فقال: إنه يستجاب لهم فينا، ولا يستجاب لهم في أنفسهم. 2722 - " إن وجدت رجلا صالحا فتزوجي ". أخرجه ابن ماجه (1 / 625 - 626) وابن راهويه في " مسنده " (4 / 266 / 1 - 2 ) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق وعمرو بن عتبة أنهما كتبا إلى سبيعة بنت الحارث يسألانها عن أمرها؟ فكتبت إليهما: أنها وضعت بعد وفاة زوجها بخمسة وعشرين [ليلة] فتهيأت تطلب الخير، فمر بها أبو السنابل بن بعكك ، فقال: قد أسرعت، اعتدي آخر الأجلين، أربعة

أشهر وعشرا، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! استغفر لي. قال: وفيم ذاك؟ فأخبرته [الخبر] ، فقال: والزيادتان لابن راهويه. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه هو والبخاري وغيرهما من طرق أخرى عن سبيعة وغيرها من الصحابة مختصرا ومطولا، وخرجت أحدها في " الإرواء " (2113) وإنما آثرت هذه الرواية بالتخريج لأنها تفردت عن سائر الطرق بهذه الفائدة التي فوق هذا التخريج، حيث أمرها صلى الله عليه وسلم بأن تتزوج بالرجل الصالح إن وجدته. وقد وهم الحافظ رحمه الله فعزاها في " الفتح " (9 / 476) لرواية الأسود عن أبي السنابل نفسه عند ابن ماجه. وهذه رواية أخرى لابن ماجه ليس فيها هذه الفائدة ، وهي عند ابن راهويه أيضا. وسبب الوهم - فيما يبدو لي والله أعلم - أن هذه عند ابن ماجه قبيل حديث الترجمة، فكأنه انتقل بصره عند النقل عنه إليها. والله أعلم. وفي الحديث فوائد فقهية أخرى ساق الحافظ الكثير الطيب منها كقوله : " وفيه جواز تجمل المرأة بعد انقضاء عدتها لمن يخطبها، لأن في رواية الزهري عند البخاري: فقال: مالي أراك تجملت للخطاب، وفي رواية ابن إسحاق: فتهيأت للنكاح واختضبت. وفي رواية معمر عن الزهري: وقد اكتحلت، وفي رواية الأسود: فتطيبت وتصنعت ". قلت: فما رأي المتحمسين للقول بأن المرأة كلها عورة دون استثناء في هذا الحديث الصحيح، وما ذكره الحافظ من الفائدة؟! لعلهم يقولون - كما هي عادتهم في مثل هذا النص الصريح -: كان ذلك قبل نزول آية الحجاب! فنجيبهم: رويدكم! فقد كان ذلك بحجة الوداع كما في " الصحيحين " * ( فهل من مدكر) * انظر كتابي " جلباب المرأة المسلمة " (ص 69 - الطبعة الجديدة) .

2723

2723 - " نهى أن يبال بأبواب المساجد ". أخرجه ابن شبة في " تاريخ المدينة " (1 / 36) من طريق ابن جابر أنه سمع مكحولا رضي الله عنه يقول: فذكره مرفوعا. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم إلا أنه مرسل، لأن مكحولا تابعي شامي. لكن له شاهد من مرسل أبي مجلز: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن لا يدع أحدا يبول في قبلة المسجد. أخرجه ابن شبة أيضا، وإسناده صحيح أيضا. وهذان المرسلان قد أخرجهما أيضا أبو داود في " المراسيل " (3) و (14) وإليه فقط عزاهما السيوطي في " الجامع الصغير "، لكن الثاني منهما عنده بلفظ: " نهى أن يبال في قبلة المسجد ". وقد تعقبه المناوي بقوله: " لفظ أبي داود عن أبي مجلز أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن ينهى أن يبال في قبلة المسجد ". قلت: وهكذا لفظه في " المراسيل " لأبي داود المطبوع بهذا العنوان (ص 4) وهو في الحقيقة " مختصر المراسيل " لأنه محذوف الأسانيد، بل والمتون أيضا، ومنها حديث مكحول هذا، فإنه ليس فيه. هذا وبعد الوقوف على إسنادي الحديث، وتبين كونهما صحيحين مرسلا،

2724

انقدح في النفس أن أحدهما يقوي الآخر، ذلك لأن الأول من رواية مكحول وهو شامي ثقة توفي سنة بضع عشرة ومائة، والآخر من رواية أبي مجلز - واسمه لاحق بن حميد - بصري ثقة أيضا مات سنة ست، وقيل تسع ومائة، فيكون شيوخ هذا غير شيوخ ذاك، فيغلب على الظن والحالة هذه أن كلا منهما رواه عن شيخ غير شيخ الآخر، فيقوي أحدهما الآخر، كما أشار إلى ذلك الإمام الشافعي رحمه الله في " الرسالة "، ونقله عنه غير واحد منهم الحافظ ابن رجب الحنبلي في " شرح علل الترمذي " (1 / 299) ، فليراجعه من شاء. ولذلك وجب نقل الحديثين من " ضعيف الجامع الصغير " (6015 و 6018) إلى " صحيح الجامع "، لاسيما ويشهد له الأحاديث الواردة بالأمر بتطهير المساجد وتنظيفها وتجميرها، ومنها الحديث الآتي بعده. ثم رأيت الحديثين في " مراسيل أبي داود " المسندة (رقم 3 و 14) باللفظين المذكورين عن ابن شبة. 2724 - " كان يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا وأن نصلح صنعتها ونطهرها ". أخرجه أحمد (5 / 371) من طريق ابن (الأصل: أبي!) (¬1) إسحاق: حدثني عمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير عن جده عروة عمن حدثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث كما هنا، وجهالة الصحابي لا تضر، على ¬

(¬1) وهو على الصواب في " أطراف المسند " (11106) . اهـ.

2725

أنه يحتمل احتمالا قويا أنه عائشة رضي الله عنها خالة عروة بن الزبير، فقد رواه جمع عن هشام بن عروة عن أبيه عنها بلفظ: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب ". وإسناده صحيح على شرط الشيخين كما حققته في " صحيح أبي داود " (479) وله هناك شاهد من حديث سمرة بن جندب، ورواه البيهقي، وقال (2 / 440) : " والمراد بـ (الدور) قبائلهم وعشائرهم ". 2725 - " من طاف بالبيت [سبعا] وصلى ركعتين كان كعدل رقبة ". أخرجه ابن ماجه (2989 - تحقيق الأعظمي) من طريق العلاء بن المسيب عن عطاء عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير شيخ ابن ماجه علي ابن محمد - وهو الطنافسي - وهو ثقة عابد كما قال الحافظ. ولذا قال البوصيري في " زوائد ابن ماجه " (182 / 2) : " هذا إسناد رجاله ثقات ". وعطاء هو ابن أبي رباح، وقد توبع، فرواه عطاء بن السائب عن عبد الله بن عبيد بن عمير أنه سمع أباه يقول: سمعت ابن عمر يقول: فذكره مرفوعا وفيه الزيادة. أخرجه الترمذي (959) وابن خزيمة في " صحيحه " (2753) وابن حبان

(1003) وأحمد (2 / 3 و 95) وأبو يعلى (3 / 1365 و 1364) والطبراني في " الكبير " ( 13440) والبغوي في " شرح السنة " (7 / 129 / 1916) من طرق يزيد بعضهم على بعض كلهم عن ابن السائب به. وقال الترمذي: " هذا حديث حسن، وروى حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن ابن عبيد بن عمير عن ابن عمر نحوه، ولم يذكر فيه ( عن أبيه) ". قلت: وصله النسائي (2 / 36) والطبراني (13447) من طريقين عن حماد به دون ذكر الأب. ولعل هذا هو الصواب، فإن حماد بن زيد روى عن عطاء قبل الاختلاط، وتابعه على ذلك في متن آخر سفيان بن عيينة عند الإمام أحمد (2 / 11) وهو ممن سمع منه قبل الاختلاط أيضا، ولعله لذلك قال البخاري: " لم يسمع من أبيه شيئا، ولا يذكره ". ولا ينافي ذلك أن عبد الرزاق رواه في " المصنف " (5 / 29 / 8877) عن معمر والثوري عن عطاء بن السائب.. فقال: (عن أبيه) لاحتمال أن يكون سياق الإسناد لمعمر، وهو ممن سمع منه بعد الاختلاط بخلاف الثوري، فيكون عبد الرزاق أو راوي كتابه حمل روايته على رواية على معمر ! والله أعلم. وإن من غفلة المعلق عليه أنه أعل المتن المشار إليه عند أحمد باختلاط ابن السائب! وهو عنده من رواية ابن عيينة كما سبق، وإن كان خفي عليه أنه سمع منه قبل الاختلاط، فكيف خفي عليه أيضا أن الثوري روى عنه قبل الاختلاط، وروايته بين عينيه في الكتاب. ثم رأيت رواية الثوري هذه عند ابن حبان (1000) من طريق محمود بن غيلان: حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا سفيان به مثل رواية معمر. فالظاهر أن عبد الله بن عبيد كان يذكر أباه أحيانا في الإسناد . والله أعلم.

هذا وقد حسن حديث الترجمة الإمام البغوي، وتعقبه المعلق عليه باختلاط ابن السائب، وفاته طريق ابن ماجه الصحيح! كما فاته شاهد له من حديث محمد بن المنكدر عن أبيه كما سأذكره، ولا غرابة في ذلك، لأنه في بعض المصادر التي ليست من مراجعه على أقل تقدير، وإنما الغرابة أن يفوته طريق ابن ماجه! ثم إنه عزا رواية الثوري المتقدمة لأحمد رحمه الله، وهو وهم أو غفلة عن كون الإمام لم يدرك الثوري، فظن أنه حين قال: " حدثنا سفيان " ولم ينسبه ، أنه الثوري كما تقدم. (تنبيه) : لم يورد الحافظ المزي في " تحفة الأشراف " في ترجمة " عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي المكي عن ابن عمر " (5 / 474) رواية النسائي المتقدمة عنه ولا هو أشار إليها في ترجمة أبيه عبيد بن عمير (6 / 7) وفات الحافظ ابن حجر أن يستدرك ذلك عليه في " النكت الظراف على الأطراف "، فجل من أحاط بكل شيء علما. ثم وجدت للحديث شاهدا كنت أودعته في الكتاب الآخر، والآن بدا لي نقله إلى هنا لشواهده بعد أن استخرت الله تبارك وتعالى ، وهو بلفظ: " من طاف بالبيت أسبوعا لا يلغو فيه، كان له كعدل رقبة ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 35) والفسوي في " المعرفة " (2 / 115 - 116) والمخلص في " الفوائد المنتقاة " (9 / 200 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 360 / 845) عن حريث بن السائب - مؤذن لبني سلمة - عن محمد ابن المنكدر القرشي التيمي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره،

واللفظ للبخاري، وقال المخلص: " وذكر الله " بدل: " لا يلغو ". وقال المنذري (2 / 121) وتبعه الهيثمي (3 / 245) : " ورجاله ثقات "! كذا قالا ، وله عندي علتان: الأولى: الإرسال، فإن المنكدر هذا - وهو ابن عبد الله بن الهدير التميمي - وإن أورده الطبراني وغيره في الصحابة، فإنه لم يثبت ذلك ، فقال ابن أبي حاتم (4 / 1 / 406) : " روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا تثبت له صحبة، وعن عمر بن الخطاب ". وقال ابن عبد البر في " الاستيعاب " ( 4 / 1486) : " حديثه مرسل عندهم، ولا يثبت له صحبة، ولكنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ". وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (3 / 265 ) . قلت: فالعجب من الحافظ ابن حجر كيف سكت عن هذه الحقيقة، فلم يتعرض لبيانها في ترجمة المنكدر من " الإصابة " بعد ما ذكر أن الطبراني وغيره ذكره في الصحابة. والثانية: جهالة المنكدر هذا، فإن ابن أبي حاتم لم يذكر له راويا عنه غير ابن أخيه عبد الله بن ربيعة بن عبد الله بن الهدير. وابن حبان قال: " روى عنه ابنه محمد بن المنكدر "، ولم يزد. فهو تابعي مجهول الحال، فالحديث مرسل، لكن لا بأس به في الشواهد، فإن بقية الرجال ثقات على ضعف في حريث بن السائب، فقد وثقه ابن معين وابن حبان، وقال أحمد وأبو حاتم وغيرهما:

" ما به بأس ". بل قال الفلاس: " شيخ ثبت لا بأس به ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف، وقد روى حديثا منكرا خرجناه وبينا من خالفه في الكتاب الآخر (1063) . وشاهد آخر يرويه أبو حفص الجمحي: حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا القعنبي حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن الحارث الجمحي عن محمد بن حبان عن أبي سعيد الخدري قال: " من طاف بهذا البيت سبعا لا يتكلم فيه إلا بتكبير أو تهليل كان عدل رقبة ". أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5 / 85) . ورجاله ثقات غير أبي حفص - وفي نسخة: أبي جعفر - الجمحي، فلم أعرفه. ومحمد بن حبان، هو ابن يحيى بن حبان نسب لجده. ويشهد لجملة: " لا يلغو فيه " حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا: " الطواف حول البيت مثل الصلاة، إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير ". وقد صح مرفوعا، وصححه جمع، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (121) .

2726

2726 - " عق عن نفسه بعدما بعث نبيا ". روي من طريقين عن أنس رضي الله عنه: الأولى: عن عبد الله بن المحرر عن قتادة عنه. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (4 / 329 / 7960) ومن طريقه ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 33) والبزار في " مسنده " (2 / 74 / 1237 - كشف الأستار) وابن عدي في " الكامل " (ق 209 / 1) وقال: " عبد الله بن محرر رواياته غير محفوظة ". وقال البزار: " تفرد به عبد الله بن المحرر، وهو ضعيف جدا، إنما يكتب عنه ما لا يوجد عند غيره ". وأورده الذهبي في ترجمته من " الميزان " على أنه من بلاياه! وعزاه الحافظ في " التلخيص " (4 / 147) للبيهقي، وقال: " وقال: منكر، وفيه عبد الله بن محرر، وهو ضعيف جدا، وقال عبد الرزاق: إنما تكلموا فيه لأجل هذا الحديث. قال البيهقي: " وروي من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه آخر عن أنس، وليس بشيء ". قلت: أما الوجه الآخر عن قتادة فلم أره مرفوعا، وإنما ورد أنه كان يفتي به، كما حكاه ابن عبد البر، بل جزم البزار وغيره بتفرد عبد الله بن محرر عن قتادة، وأما الوجه الآخر عن أنس فأخرجه أبو الشيخ في " الأضاحي "، وابن أعين في " مصنفه " ، والخلال من طريق عبد الله بن المثنى.. ". قلت: وهي الطريق الآتية، وقد أخرجها جمع آخر أشهر ممن ذكر كما يأتي. والتفرد الذي حكاه عن قتادة سيأتي رده من كلام الحافظ نفسه.

والطريق الأخرى: عن الهيثم بن جميل: حدثنا عبد الله بن المثنى بن أنس عن ثمامة بن أنس عن أنس به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 461) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 55 / 2 رقم 976 - بترقيمي ) وابن حزم في " المحلى " (8 / 321) والضياء المقدسي في " المختارة " (ق 71 / 1) . قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ممن احتج بهم البخاري في " صحيحه " غير الهيثم ابن جميل، وهو ثقة حافظ من شيوخ الإمام أحمد، وقد حدث عنه بهذا الحديث كما رواه الخلال عن أبي داود قال: سمعت أحمد يحدث به. كما في " أحكام المولود " لابن القيم (ص 88 - دمشق) ، ومن العجيب أنه أتبع هذه الطريق بالطريق الأولى، وقال: " قال أحمد: منكر، وضعف عبد الله بن محرر ". ولم يتعرض لهذه الطريق الأخرى بتضعيف! وكذلك فعل الطحاوي وابن حزم، فيمكن اعتبار سكوتهم عنه إشارة منهم لقبولهم إياه، وهو حري بذلك فإن رجاله ثقات اتفاقا غير عبد الله بن المثنى وهو ابن عبد الله بن أنس بن مالك، فإنه وإن احتج به البخاري فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا، كما ترى في " التهذيب " وغيره، وذكره الذهبي في " المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (129 / 190) ، فهو وسط. وأفاد الحافظ ابن حجر في " مقدمة الفتح " (ص 416) أن البخاري لم يحتج به إلا في روايته عن عمه ثمامة، وأنه إنما روى له عن غيره متابعة. قلت : فلعل ذلك لصلة عبد الله بعمه، ومعرفته بحديثه، فهو به أعرف من حديث غيره، فكأن البخاري بصنيعه هذا الذي أشار إليه الحافظ يوفق بين قول من وثقه وقول من ضعفه، فهو في روايته عن عمه حجة، وفي روايته عن غيره

ضعيف. ولعل هذا هو وجه إيراد الضياء المقدسي للحديث في " المختارة "، وسكوت من سكت عليه من الأئمة، كما أشرت إليه آنفا. وأما الحافظ ابن حجر فقد تناقض كلامه في هذا الحديث تناقضا عجيبا، فهو تارة يقويه وتارة يضعفه في المكان الواحد! فقد نقل في " الفتح " (9 / 594 - 595) عن الإمام الرافعي أن الاختيار في العقيقة أن لا تؤخر عن البلوغ، وإلا سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه، لكن إن أراد أن يعق عن نفسه فعل، فقال الحافظ عقبه: " وكأنه أشار بذلك إلى أن الحديث الذي ورد: " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة " لا يثبت، وهو كذلك " . ثم أخرجه من رواية البزار الضعيفة، ثم قال: " وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين: أحدهما: من رواية إسماعيل بن مسلم عن قتادة عن أنس. وإسماعيل ضعيف أيضا، فلعله سرقه من عبد الله بن محرر. ثانيهما: من رواية أبي بكر المستملي عن الهيثم بن جميل.. والهيثم ثقة، وعبد الله من رجال البخاري. فالحديث قوي الإسناد، وقد أخرجه ابن أعين.. والطبراني في " الأوسط ".. فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال لكان هذا الحديث صحيحا ". ثم ذكر أقوال العلماء فيه ممن وثقه وضعفه، ثم قال: " فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة ". قلت: وهذا الإطلاق فيه نظر، يتبين لك من شرحنا السابق لتفريق البخاري بين رواية عبد الله بن المثنى عن عمه، فاحتج بها، وبين روايته عن غيره، فاعتبر

بها، وهو مما استفدناه من كلام الحافظ نفسه في " المقدمة "، فلعله لم يستحضره حين كتب هذا الإطلاق. على أن ابن المثنى لم يتفرد بالحديث، بدليل متابعة قتادة عند إسماعيل بن مسلم - وهو المكي البصري - وهو وإن كان ضعيفا فإنه لم يتهم، بل صرح بعضهم أنه كان يخطىء. وقال أبو حاتم فيه - وهو معدود في المتشددين -: " ليس بمتروك، يكتب حديثه ". أي للاعتبار والاستشهاد به، ولذلك قال ابن سعد: " كان له رأي وفتوى، وبصر وحفظ للحديث، فكنت أكتب عنه لنباهته ". قلت: فمثله يمكن الاستشهاد بحديثه فيقوى الحديث به. وأما قول الحافظ المتقدم فيه: " لعله سرقه من ابن المحرر ". فهو مردود بأن أحدا لم يتهمه بسرقة الحديث مع كثرة ما قيل فيه. والله أعلم. ومما سبق يظهر لك أن الوجه الآخر عن قتادة مما أشار إليه البيهقي في كلامه المتقدم نقلا عن الحافظ في " التلخيص " وقال هذا فيه: " لم أره مرفوعا "، قد رآه بعد وذكره في " الفتح "، وهو رواية إسماعيل هذه. وبالله التوفيق. وإذا تبين لك ما تقدم من التحقيق ظهر لك أن قول النووي في " المجموع شرح المهذب " (8 / 431 - 432) : " هذا حديث باطل ". أنه خرج منه دون النظر في الطريق الثاني وحال راويه ابن المثنى في الرواية، ولا وقف على المتابعة المذكورة، والله أعلم، وقد قال الهيثمي في " مجمع الزوائد ":

2727

" رواه البزار والطبراني في " الأوسط "، ورجال الطبراني رجال " الصحيح "، خلا الهيثم بن جميل، وهو ثقة، وشيخ الطبراني أحمد بن مسعود الخياط المقدسي ليس هو في الميزان ". قلت: يشير إلى تمشيته، وقد تابعه جمع من الثقات منهم الإمام أحمد كما تقدم. والحديث قواه عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام "، وقد ذهب بعض السلف إلى العمل به، فروى ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 235 - 236) عن محمد بن سيرين قال: " لو أعلم أنه لم يعق عني لعققت عن نفسي ". وإسناده صحيح إن كان أشعث الراوي له عن ابن سيرين هو ابن عبد الله الحداني أو ابن عبد الملك الحمراني، وكلاهما بصري ثقة. وأما إن كان ابن سوار الكوفي فهو ضعيف، وثلاثتهم رووا عن ابن سيرين، وعنهم حفص - وهو ابن غياث - وهو الراوي لهذا الأثر عن أشعث! وذكر ابن حزم في " المحلى " (8 / 322) من طريق الربيع بن صبيح عن الحسن البصري: " إذا لم يعق عنك، فعق عن نفسك وإن كنت رجلا ". وهذا إسناد حسن. 2727 - " من قال: أستغفر الله ... الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاثا غفرت له ذنوبه وإن كان فارا من الزحف ". جاء من حديث عبد الله بن مسعود وزيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي

بكر الصديق وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك والبراء بن عازب . 1 - أما حديث ابن مسعود فيرويه محمد بن سابق عن إسرائيل عن أبي سنان عن أبي الأحوص عنه مرفوعا به وزاد " العظيم " مكان النقط، ويأتي بيان ما فيه. أخرجه الحاكم (1 / 511) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". وأقره المنذري في " الترغيب " (2 / 269) ، ثم الذهبي في " التلخيص "، لكنه قال: " قلت: أبو سنان هو ضرار بن مرة لم يخرج له البخاري ". يعني أنه من أفراد مسلم، وهو كما قال، وهو ثقة كسائر رجاله، وهم مترجمون في " التهذيب " غير شيخ الحاكم : بكر بن محمد الصيرفي، وهو المروزي الدخمسيني، وهو لقبه، وكان فاضلا عالما، وله ترجمة جيدة في " أنساب السمعاني "، ووصفه الحافظ الذهبي في " تذكرة الحفاظ " بأنه محدث مرو، وذكر وفاته سنة (345) . وشيخه في هذا الحديث ترجمه الخطيب في " تاريخ بغداد " (4 / 250 - 251) برواية جمع من الحفاظ الثقات عنه، وقال: " وكان ثقة أمينا، توفي سنة تسع وسبعين ومائتين ". ثم رأيت الحاكم قد أخرجه في مكان آخر (2 / 117 - 118) من طريق محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا إسرائيل به دون لفظ " العظيم "، وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وأقره النووي في " الرياض " (664 / 1882) .

2 - وأما حديث زيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيرويه بلال بن يسار ابن زيد عن أبيه عن جده مرفوعا به دون قوله: " ثلاثا ". أخرجه أبو داود والترمذي وابن أبي خيثمة في " التاريخ " (250 - مصورة الجامعة الإسلامية) وابن سعد (7 / 66) واستغربه الترمذي، وجود إسناده المنذري، وفيه جهالة كما بينته في " صحيح أبي داود " (1358) ولكنه صحيح بما قبله، وما بعده. 3 - وأما حديث أبي بكر فيرويه عروة بن زهير البجلي عن ثابت البناني عن أنس ابن مالك عنه به. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 260 / 1) وقال: " عروة هذا لا أعرف له غير هذا الحديث. وقال البخاري: لا يتابع عليه ". ونقل العقيلي (3 / 364) عن البخاري أنه قال: " منكر الحديث ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (7 / 288) ! 4 - وأما حديث أبي هريرة، فيرويه بشر بن رافع عن محمد بن عبد الله عن أبيه عنه مرفوعا به. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 303) . قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف بشر بن رافع. ومحمد بن عبد الله لم أعرفه، ومن المحتمل أنه محمد بن عبيد الله مصغرا وهو محمد بن عبيد الله بن أبي رافع الهاشمي مولاهم، فإن لأبيه رواية عن أبي هريرة، فإن يكن هو فهو ضعيف أيضا.

5 - وأما حديث أبي سعيد الخدري فيرويه عثمان بن هارون القرشي: حدثنا عصام بن قدامة عن عطية العوفي عنه مرفوعا به، إلا أنه قال: " غفر له ذنوبه ولو كانت عدد رمل عالج، وغثاء البحر، وعدد نجوم السماء ". أخرجه الطبراني في " الدعاء " (1784) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (14 / 353 / 1 - 2) . قلت: وعطية العوفي ضعيف. وعثمان بن هارون القرشي لم أجد له ترجمة. وتابعه أشعث بن شعبة عند الطبراني، وهو لين. 6 - وأما حديث أنس فيرويه دينار بن عبد الله عنه به مرفوعا. أخرجه ابن عساكر (14 / 358 / 2) . قلت: وهذا إسناد ضعيف بمرة، دينار بن عبد الله، تالف متهم كما قال الذهبي، وقال ابن حبان (1 / 295) : " شيخ، كان يروي عن أنس أشياء موضوعة، لا يحل ذكره في الكتب ولا كتابة ما رواه إلا على سبيل القدح فيه ". قلت: فلا يجوز الاستشهاد به ولا كرامة. 7 - وأما حديث البراء فيرويه عمرو بن الحصين بإسناد له واه عنه به، إلا أنه زاد: " في دبر كل صلاة ". وهي زيادة باطلة تفرد بها ابن الحصين هذا، وهو وشيخه متروكان، ولذلك خرجت حديثهما في " الضعيفة " (4546 ) ، فلا داعي لإعادة تخريجه. وبالجملة فالحديث من طريق ابن مسعود صحيح، وطرقه الأخرى غالبها

واهية، وما بقي منها إن لم يزده قوة، فلا يضره. وقد عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " بلفظ الترمذي المتقدم لابن عساكر عن أنس، ش عن ابن مسعود وجابر موقوفا عليهما. ولم أقف على إسناد جابر. وأما (ابن مسعود) ، فأخرجه في " المصنف " (10 / 300 / 9499) من طريق إسماعيل عن أبي سنان بإسناده المتقدم عنه، لكن أوقفه، ولا يضر المرفوع لأنه في حكمه. وقد وجدت له شاهدا مختصرا جدا، من رواية داود بن الزبرقان عن الوراق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه: " قولوا: سبحان الله وبحمده مائة مرة، من قالها مرة كتبت له عشرا ومن قالها عشرا كتبت له مائة ومن قالها مائة كتبت له ألفا، ومن زاد زاده، ومن استغفر الله غفر له ". رواه الترمذي (3466) وقال: " حديث حسن غريب ". كذا قال، وأقره الشوكاني في " تحفة الذاكرين " (ص 237 و 254) ! وفيه نظر من وجهين: الأول: مطر الوراق، قال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". والآخر: داود بن الزبرقان، قال الحافظ: " متروك، وكذبه الأزدي ". لكن قد أفاد الحافظ المزي في " التحفة " (6 / 232) أن النسائي أخرجه في " اليوم والليلة " من طريق روح بن القاسم والمثنى بن يزيد عن مطر به نحوه.

وروح ابن القاسم ثقة من رجال الشيخين، لكن لا أدري إذا كان في روايته موضع الشاهد منه، وهو قوله في آخره : " ومن استغفر الله غفر له ". فإن الكتاب المذكور: " اليوم والليلة " للنسائي لم يتيسر لي بعد أن أحصل على نسخة منه، وقد طبع حديثا، فإن وجد فيها فهو شاهد لا بأس به على اختصاره، وإلا فلا يصلح للاستشهاد به، لشدة ضعف ابن الزبرقان به. والله أعلم. (تنبيه) : لفظة (العظيم) المشار إليها بنقط في حديث الترجمة لم ترد عند السيوطي في " الجامع الكبير "، وقد عزاه للحاكم، فينبغي التثبت منها، لاسيما ولم أرها في شيء من الروايات الأخرى على ضعفها. ثم وقفت على كتاب " عمل اليوم والليلة " للنسائي بتحقيق الدكتور فاروق حمادة، فرأيت حديث مطر فيه (212 / 160) بلفظ: " اذكروا عباد الله، فإن العبد إذا قال: سبحان الله وبحمده، كتب الله له بها عشرا ومن عشر إلى مائة، ومن مائة إلى ألف، فمن زاد زاد الله له ". وليس فيه جملة الاستغفار كما ترى. قلت: ومطر - وهو الوراق - مختلف فيه، وقال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". هذا. وأما لفظة " العظيم "، فقد بدا لي أنها مقحمة من بعض النساخ للأمور التالية: أولا: أنها لم تذكر في " الجامع الكبير " كما تقدم. ثانيا: لم تذكر أيضا في " الرياض "، وقد عزاه للحاكم كما تقدم.

2728

ثالثا: أنها لم تذكر أيضا في الموضع الثاني من " المستدرك ". والله سبحانه وتعالى أعلم. 2728 - " إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ قال: فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمار المساجد؟ ". أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " (16 / 1) : حدثنا محمد بن جعفر الوركاني: حدثنا معتمر بن سليمان عن فياض بن غزوان عن محمد بن عطية عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات من رجال " التهذيب " غير فياض بن غزوان، ترجمه ابن أبي حاتم (3 / 2 / 87) برواية جمع من الثقات عنه، وروى عن الإمام أحمد أنه قال فيه: " شيخ ثقة ". وكذا هو في كتاب " العلل ومعرفة الرجال " للإمام أحمد (1 / 351 / 2309) . ووثقه ابن حبان أيضا، فأورده في أتباع التابعين من كتابه " الثقات " . ومحمد بن عطية أورده في " ثقات التابعين "، وقال: " يروي عن أبيه - وله صحبة - عداده في أهل اليمن، روى عنه عروة ". وكذا ذكر البخاري وابن أبي حاتم أنه روى عنه عروة، فلم يذكروا له راويا غيره، وكأنه لذلك قال الذهبي في " الميزان ": " تفرد بالرواية عنه ولده الأمير عروة ".

2729

ويرده هذا الحديث، فإنه من رواية فياض عنه كما ترى، والسند إليه صحيح على شرط مسلم، وهذه فائدة هامة لا تجدها في كتب الرجال المعروفة حتى ولا في " التهذيب "، ومع ذلك قال في " التقريب ": " صدوق "! فعض عليها بالنواجذ، وقد توبع محمد بن عطية في روايته عن أنس لكن بلفظ: " إن عمار بيوت الله هم أهل الله عز وجل ". لكن في إسناده ضعف، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر برقم (1682) . 2729 - " كان لا يخيل على من رآه ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 264 / 10510) : حدثنا محمد بن عبدوس ابن كامل: حدثنا الوليد بن شجاع حدثنا المطلب بن زياد عن عبد الله بن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير ابن عبدوس، وهو ثقة، وله ترجمة جيدة عند الخطيب في " التاريخ " (2 / 381) وفي المطلب بن زياد خلاف لا يضر إن شاء الله تعالى، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله فيه في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ". ونحوه قول الهيثمي في " المجمع " (7 / 182) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". قلت: وقد صح من قوله صلى الله عليه وسلم من طريق أخرى عن ابن مسعود رضي الله عنه بلفظ: " من رآني في المنام ، فأنا الذي رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي ".

أخرجه الإمام أحمد (1 / 450) : حدثنا يحيى بن زكريا عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم به. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فهو صحيح لولا أن زكريا - وهو ابن أبي زائدة - سمع من أبي إسحاق - وهو عمرو بن عبد الله السبيعي - في حالة اختلاطه. لكن قد تابعه سفيان عن أبي إسحاق به، إلا أنه قال: ".. لا يتمثل بي ". أخرجه أحمد (1 / 375 و 400 و 440) والترمذي (2277) وابن ماجه (3946) والدارمي (2 / 123 - 124) وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: وسفيان هو والثوري، وقد سمع من أبي إسحاق قبل الاختلاط، فالحديث صحيح على شرط مسلم. ورواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 67 / 2 رقم 1244) من طريق الحجاج بن أرطأة عن أبي إسحاق به. وله شاهد من حديث عبد الله بن عباس مرفوعا بلفظ: " من رآني في المنام فإياي رأى، فإن الشيطان لا يتخيل بي. وفي لفظ: لا يتخيلني ". أخرجه أحمد (1 / 279) من طريق جابر عن عمار عن سعيد بن جبير عنه. ورجاله ثقات رجال مسلم غير جابر وهو الجعفي، وهو ضعيف. لكن جاء من طريق أخرى من رواية عوف بن أبي جميلة عن نذير الفارسي - وكان يكتب المصاحف - قال:

رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام زمن ابن عباس، فقلت له: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم، فقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " إن الشيطان لا يستطيع لا يستطيع أن يتشبه بي، فمن رآني في النوم فقد رآني " هل تستطيع أن تنعت هذا الرجل الذي رأيته في النوم؟ قال: نعم، أنعت لك رجلا بين الرجلين، جسمه ولحمه أسمر إلى البياض، أكحل العينين، حسن الضحك، جميل دوائر الوجه، قد ملأت لحيته ما بين هذه إلى هذه، قد ملأت نحره - قال عوف: ولا أدري ما كان مع هذا النعت - فقال ابن عباس: لو رأيته في اليقظة ما استطعت أن تنعته فوق هذا. أخرجه أحمد (1 / 361) والترمذي في " الشمائل " (347 - " مختصر الشمائل " بقلمي) ، وإسناده جيد في المتابعات. وشاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ: ".. فإن الشيطان لا يتمثل بي. وقال ابن فضيل مرة: يتخيل بي ". أخرجه أحمد (2 / 332) عنه عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه. وفي رواية أخرى له (2 / 342) من طريق عبد الواحد بن زياد: حدثنا عاصم بن كليب به باللفظ الأول لابن فضيل، وزاد: " قال عاصم: قال أبي: فحدثنيه ابن عباس، فأخبرته أني قد رأيته. قال: رأيته؟ قال: أي والله لقد رأيته. قال: فذكرت الحسن بن علي، قال: إني والله قد ذكرته ونعته في مشيته. قال: فقال ابن عباس: إنه كان يشبهه ".

وأخرجه الترمذي في " الشمائل " (رقم - 346) من هذا الوجه، وكذا الحاكم (4 / 393) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وكذا العسقلاني، فإنه قال في " فتح الباري " (12 / 384) بعد أن عزاه للحاكم : " وسنده جيد ". ولفظه عنده: " قال: قلت لابن عباس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. قال: صفه لي. قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به، قال : قد رأيته ". قلت: ولم أره في " مستدرك الحاكم " بهذا اللفظ. والله أعلم . وله شاهد ثالث من حديث أنس مرفوعا بلفظ: " من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتخيل بي ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (349) والطبراني في " الأوسط " (1 / 218 / 2 / 3906) وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (6994) بلفظ: ".. لا يتمثل بي "، والمعنى واحد، قال المناوي في " شرح الشمائل ": " (لا يتخيل بي) أي لا يمكنه أن يظهر لأحد بصورتي، فمعنى (التخيل) يقرب من معنى التصور ". واعلم أن الحديث قد جاء في الصحيحين وغيرهما بألفاظ أخرى مثل: " لا يتزايا بي " و " لا يتراءى بي " و " يتكونني "، وكلها متساوية المعاني،

كما بينه الحافظ في " الفتح " (12 / 386 ) وهو بالجملة حديث متواتر وقد خرجته في " الروض النضير " عن عشرة من الصحابة تحت الحديث (995) ، وفي الباب عن جمع آخر منهم خرج أحاديثهم الهيثمي في " المجمع " (7 / 181 - 182) وعن البراء بن عازب، وفي حديثه فائدة مثل ما تقدم عن ابن عباس، ولذلك فمن المفيد أن أسوقه، لاسيما وهو في مصدر عزيز من كتب السنة، وهو " مسند الروياني "، أخرجه (21 / 2) من طريق يحيى بن أبي بكير: أخبرنا علي - ويكنى أبا إسحاق - عن عامر بن سعد البجلي قال: لما قتل الحسين بن علي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال: إن رأيت البراء بن عازب فأقرئه السلام، وأخبره أن قتلة الحسين بن علي في النار، وإن كاد الله أن يسحق أهل الأرض منه بعذاب أليم. قال: فأتيت البراء فأخبرته، فقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتصور بي ". وهكذا أخرجه الدولابي في " الكنى " (1 / 101) في ترجمة علي أبي إسحاق هذا، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولا وجدت له ترجمة في شيء من كتب التراجم المعروفة، فالله أعلم به. (فائدة) : في هذه الأحاديث أنه من الممكن أن يرى الرائي النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، ولو لم يكن معاصرا له، لكن بشرط أن يراه على صورته التي كان عليها صلى الله عليه وسلم في برهة من حياته، وإلى هذا ذهب جماعة من العلماء كما في " فتح الباري " (12 / 384) ، وهو قول ابن عباس في رواية يزيد الفارسي وكليب والد عاصم، وكذا البراء كما تقدم، وعلقه البخاري عن محمد بن سيرين إمام المعبرين، وقد وصله القاضي بسنده الصحيح عن أيوب قال:

" كان ابن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره ". وبه قال العلامة ابن رشد، فقال كما في " الاعتصام " للإمام الشاطبي (1 / 355) : " وليس معنى قوله صلى الله عليه وسلم: " من رآني فقد رآني حقا " أن كل من رأى في منامه أنه رآه، فقد رآه حقيقة، بدليل أن الرائي قد يراه مرات على صور مختلفة، ويراه الرائي على صفة، وغيره على صفة أخرى، ولا يجوز أن تختلف صور النبي صلى الله عليه وسلم، ولا صفاته، وإنما معنى الحديث: من رآني على صورتي التي خلقت عليها فقد رآني، إذ لا يتمثل الشيطان بي، إذ لم يقل صلى الله عليه وسلم: من رأى أنه رآني فقد رآني، وإنما قال: " من رآني فقد رآني "، وأنى لهذا الرائي الذي رأى أنه رآه على صورته الحقيقية أنه رآه عليها، وإن ظن أنه رآه ما لم يعلم أن تلك الصورة صورته بعينها، وهذا ما لا طريق لأحد إلى معرفته ". قال الحافظ: " ومنهم من ضيق الفرض في ذلك، فقال: لابد أن يراه على صورته التي قبض عليها، حتى يعتبر عدد الشعرات البيض التي لم تبلغ عشرين شعرة. والصواب التعميم في جميع حاله بشرط أن تكون صورته الحقيقة في وقت ما، سواء كان في شبابه أو رجولته أو كهولته، أو آخر عمره.. ". وقال الشيخ علي القارىء في " شرح الشمائل " (2 / 293) : " وقيل إنه مختص بأهل زمانه صلى الله عليه وسلم ، أي من رآني في المنام يوفقه الله تعالى لرؤيتي في اليقظة. ولا يخفى بعد هذا المعنى، مع عدم ملاءمته لعموم (من) في

المبنى، على أنه يحتاج إلى قيود، منها: أنه لم يره قبل ذلك، ومنها أن الصحابي غير داخل في العموم.. ". قلت : ولا أعلم لهذا التخصيص مستندا إلا أن يكون حديث أبي هريرة عند البخاري ( 6993) مرفوعا بلفظ: " من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، ولا يتمثل الشيطان بي ". فقد ذكر العيني في " شرح البخاري " (24 / 140) أن المراد أهل عصره صلى الله عليه وسلم، أي من رآه في المنام وفقه الله للهجرة إليه والتشرف بلقائه صلى الله عليه وسلم.. ". ولكنني في شك من ثبوت قوله: " فسيراني في اليقظة "، وذلك أن الرواة اختلفوا في ضبط هذه الجملة: " فسيراني في اليقظة " ، فرواه هكذا البخاري كما ذكرنا، وزاد مسلم (7 / 54) : " أو فكأنما رآني في اليقظة ". هكذا على الشك، قال الحافظ (12 / 383) : " ووقع عند الإسماعيلي في الطريق المذكورة: " فقد رآني في اليقظة "، بدل قوله: " فسيراني ". ومثله في حديث ابن مسعود عند ابن ماجه، وصححه الترمذي وأبو عوانة. ووقع عند ابن ماجه من حديث أبي جحيفة: " فكأنما رآني في اليقظة ". فهذه ثلاثة ألفاظ: " فسيراني في اليقظة ". " فكأنما رآني في اليقظة ". (انظر ما تقدم برقم 1004 ) . " فقد رآني في اليقظة ". وجل أحاديث الباب كالثالثة إلا قوله في (اليقظة) ".

2730

وكلها في تأكيد صدق الرؤيا، فاللفظ الثاني أقرب إلى الصحة من حيث المعنى، فهو فيه كحديث ابن عباس وأنس المتقدم: " فقد رآني "، وآكد منه حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: " فقد رآني الحق ". أخرجه البخاري (6997) وأحمد (3 / 55) وهو لابن حبان (6019 و 6020) عن أبي هريرة. 2730 - " لو أنك أتيت أهل عمان ما سبوك ولا ضربوك ". أخرجه مسلم (7 / 190) وابن حبان (2314 - موارد) وأحمد (4 / 420 و 423 و424) واللفظ له، والروياني في " مسنده " (30 / 19 / 1) من طرق عن مهدي بن ميمون: حدثنا أبو الوازع [جابر بن عمرو الراسبي] قال: سمعت أبا برزة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا إلى حي من أحياء العرب في شيء - لا يدري مهدي ما هو؟ - قال: فسبوه وضربوه، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فذكره. و (عمان) بضم العين وتخفيف الميم: مدينة بالبحرين كما قال النووي. وقد روي الحديث بلفظ آخر نحوه في حي العرب في ( عمان) ، لكن بإسناد آخر فيه انقطاع، وبلفظ ثالث مغاير لهذين فيه فضل الحجة منها، وهو ضعيف أيضا، ولذلك خرجتهما في " الضعيفة " (5173 و 5174) .

2731

2731 - " يا عائشة! إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالبا ". أخرجه الدارمي (2 / 303) وابن ماجه (2 / 560 - التازية) وابن حبان في " صحيحه " (2797) وأحمد (6 / 70 و 151) والحارث في " مسنده " (ق 128 / 2 - زوائده) من طرق عن سعيد بن مسلم بن بانك قال: سمعت عامر بن عبد الله بن الزبير يقول: حدثني عوف بن الحارث عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: قال البوصيري في " زوائد ابن ماجه " (ق 262 / 1) : " هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، رواه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى في مسنده، والنسائي في (الرقاق) .. ". قلت: ورجاله رجال مسلم غير ابن بانك بفتح النون، وهو ثقة كما في " التقريب "، ولما ذكر في " الفتح " (11 / 329 ) تصحيح ابن حبان إياه، سكت عليه وأقره. وللحديث شاهدان أتم منه من حديث سهل بن سعد وعبد الله بن مسعود، حسن إسناد الأول منهما الحافظ، وقد سبق تخريجه برقم (389) ، والآخر مخرج في " الروض النضير " برقم (351) . ( تنبيه) : في مطبوعة الدارمي زيادة: " مالك " في السند، وهي خطأ. 2732 - " إن الله عز وجل (وفي لفظ: لعل الله) اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ". أخرجه أبو داود (2 / 265 - التازية) وابن حبان (2220 - موارد) والحاكم

(4 / 77 - 78) وابن أبي شيبة (12397) وأحمد (2 / 295 - 296) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: فذكره مرفوعا. وفي لفظ لأبي داود: " لعل الله.. "، وهو لفظ ابن حبان، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذا اللفظ على اليقين: " إن الله اطلع عليهم فغفر لهم "، وإنما أخرجاه على الظن: (وما يدريك لعل الله تعالى اطلع على أهل بدر ". ووافقه الذهبي. قلت: اللفظ الذي أخرجاه هو من حديث علي رضي الله عنه، وقد رواه غيرهما عنه، وصححه الترمذي، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2381) ، وقد جاء عن غيره من الصحابة، منهم ابن عباس عند أحمد (1 / 331) وابن عمر عنده (2 / 109) وجابر أيضا (3 / 350) وصححه على شرط مسلم ، ووافقه الذهبي، وكلهم ذكروه في قصة حاطب بن أبي بلتعة، خلافا لحديث أبي هريرة، فإنه ذكر فيه قصة أخرى فقال: " إن رجلا من الأنصار عمي، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن تعال فاخطط في داري مسجدا أتخذه مصلى، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتمع إليه قومه، وبقي رجل منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين فلان؟ "، فغمزه بعض القوم فقال: إنه وإنه ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أليس قد شهد بدرا؟ قالوا: بلى يا رسول الله! ولكنه كذا وكذا، فقال: لعل الله.. ". هكذا رواه ابن حبان بسنده الصحيح عن حماد بن سلمة. وكذلك رواه

الدارمي (2 / 313) دون ما قبل قوله: " أين فلان.. "، فإن كان محفوظا فهي قصة أخرى، لكني في شك من ثبوتها في هذا الحديث لأمرين: الأول: أنها لم ترد في حديث أهل بدر عند من ذكرنا من الصحابة، إلا من حديث أبي هريرة عند من ذكرنا، وفيه عاصم بن أبي النجود، وهو متكلم في حفظه، وقد قال الذهبي والعسقلاني: " صدوق يهم ". فمثله حسن الحديث إذا لم يخالف، وأما مع المخالفة - كما هنا - فلا. والآخر: أن قصة الأعمى واسمه عتبان قد جاءت في " الصحيحين " وغيرهما عن عتبان نفسه، وفيها غمز الصحابة للرجل، دون حديث البدريين، وقال بديله: " أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ .. " الحديث. انظر " صحيح مسلم " (1 / 45 - 46) . وقد خالف عاصم مخالفة أخرى، وذلك قوله: " إن الله اطلع.. "، بينما قال غيره من الثقات الذين رووا الحديث عن الجمع المشار إليهم من الصحابة: " لعل الله اطلع.. " على الظن كما تقدم عن الحاكم. لكن الخطب في هذه المخالفة سهل لأمرين أيضا: الأول: أن عاصما لم يثبت عليها، بل إنه وافق الثقات في لفظهم في بعض الطرق عنه كما تقدم، فلا شك أن هذا أصح. والآخر: أنه رواه بالمعنى، وهذا منه، فقد ذكر الحافظ في " الفتح " (7 / 305 - السلفية) عن العلماء: أن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع.

2733

2733 - " والذي نفس أبي القاسم بيده لينزلن عيسى ابن مريم إماما مقسطا وحكما عدلا، فليكسرن الصليب وليقتلن الخنزير وليصلحن ذات البين وليذهبن الشحناء وليعرضن عليه المال فلا يقبله، ثم لئن قام على قبري فقال: يا محمد لأجبته ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1552) : حدثنا أحمد بن عيسى أخبرنا ابن وهب عن أبي صخر أن سعيد المقبري أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير أبي صخر - وهو حميد ابن زياد الخراط - فمن رجال مسلم وحده، وقد تكلم فيه بعضهم، وصحح له ابن حبان والحاكم والبوصيري، ومشاه المنذري، فانظر الحديث (83) من كتابي " صحيح الترغيب والترهيب " (1 / 39) . والحديث قال الهيثمي (8 / 211) : " رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح ". وقد أخرجه البخاري (3448) ، ومسلم (1 / 93 - 94) وغيرهما من طريق سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة دون قوله: " وليصلحن ذات البين، وليذهبن الشحناء ". والفقرة الثانية منهما عند مسلم وغيره من حديث عطاء بن ميناء عن أبي هريرة والجملة الأخيرة لها طريق أخرى عنه بلفظ: ".. وليأتين قبري حتى يسلم علي، ولأردن عليه ". أخرجه الحاكم. وصححه الذهبي وغيرهما من المتأخرين، وفيه علتان بينتهما

2734

في " الضعيفة " تحت الحديث (5540) ، لكن لعله يصلح شاهدا للطريق الأولى. (تنبيه) : قوله: " لأجبته " كذا في " مسند أبي يعلى "، والنسخة سيئة، لكن كذلك وقع أيضا في نقل الهيثمي عنه، وقد ادعى الشيخ أبو غدة في تعليقه على " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " (ص 245) أنه تحريف، وأن الصواب: " لأجيبنه "، وهو محتمل (¬1) . والله أعلم. 2734 - " إن الله يجعل مكان كل شوكة (يعني من شجرة الطلح في الجنة) مثل خصية التيس الملبود - يعني المخصي - فيها سبعون لونا من الطعام لا يشبه لونه لون الآخر ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (17 / 130 / 318) وفي " مسند الشاميين " (ص 91) عن يحيى بن حمزة عن ثور بن يزيد عن حبيب بن عبيد عن عتبة بن عبد السلمي قال: كنت جالسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال: يا رسول الله! أسمعك تذكر شجرة في الجنة لا أعلم في الدنيا أكثر شوكا منها، يعني الطلح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإن الله.. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير حبيب بن عبيد، فهو من رجال مسلم. وقال الهيثمي (10 / 414) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". ¬

(¬1) ثم رأيته كذلك في " المطبوعة " (11 / 462 / 6584) وكذا في " المطالب العالية " (4 / 23) . اهـ.

2735

وللحديث شاهد من رواية سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعا نحوه. أخرجه الحاكم (2 / 476 ) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، ورواه ابن أبي الدنيا نحوه، وحسن المنذري سنده في " الترغيب والترهيب " (4 / 260) . (تنبيه) : سقط من " المعجم الكبير " طرف من الحديث، ففسد المعنى، وقريب منه في " المجمع "، فليستدرك من هنا رواية " المسند ". 2735 - " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي يرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي، عضوا عليها بالنواجذ [وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة] ". أخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 136) من طريقين، وفي " المعجم الكبير " (18 / 248 / 623) من أحدهما عن أرطاة بن المنذر عن المهاصر بن حبيب عن العرباض بن سارية قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله! كأنها موعظة مودع، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات كما بينته في " ظلال الجنة " (رقم 28 و 29) وهو في تخريج " كتاب السنة " لابن أبي عاصم، والزيادة له، وقد أخرجها هو وأصحاب السنن وغيرهم من طرق كثيرة عن العرباض رضي الله عنه، فانظرها في " الظلال " ( 26 - 34 و 1037 - 1045) ، و " مسند الشاميين " (ص 237 و 276 و 403) وإنما آثرت هذه بالتخريج هنا لعزتها، وشهرة تلك، وبعضها في " الشاميين " (ص 154) .

والحديث من الأحاديث الهامة التي تحض المسلمين على التمسك بالسنة وسنة الخلفاء الراشدين الأربعة ومن سار سيرتهم، والنهي عن كل بدعة، وأنها ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة، كما صح عن ابن عمر رضي الله عنه. والأحاديث في النهي عن ذلك كثيرة معروفة، ومع ذلك فقد انصرف عنها جماهير المسلمين اليوم، لا فرق في ذلك بين العامة والخاصة، اللهم إلا القليل منهم، بل إن الكثيرين منهم ليعدون البحث في ذلك من توافه الأمور، وأن الخوض في تمييز السنة عن البدعة، يثير الفتنة، ويفرق الكلمة، وينصحون بترك ذلك كله، وترك المناصحة في كل ما هو مختلف فيه ناسين أو متناسين أن من المختلف فيه بين أهل السنة وأهل البدعة كلمة التوحيد، فهم لا يفهمون منها وجوب توحيد الله في العبادة، وأنه لا يجوز التوجه إلى غيره تعالى بشيء منها، كالاستغاثة والاستعانة بالموتى من الأولياء والصالحين * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) * . (تنبيه) : هذا الحديث الصحيح مما ضعفه المدعو (حسان عبد المنان) مع اتفاق الحفاظ قديما وحديثا على تصحيحه، ضعفه من جميع طرقه، مع أن بعضها حسن، وبعضها صحيح كما بينته في غير ما موضع، وسائر طرقه تزيده قوة على قوة. ومع أنه أتعب نفسه كثيرا في تتبع طرقه، وتكلف تكلفا شديدا، في تضعيف مفرداته، ولكنه في نهاية مطافه هدم جل ما بناه بيده، وصحح الحديث لشواهده، مستثنيا أقل فقراته، منها: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي "، وذلك في آخر كتيبه الذي سماه " حوار مع الشيخ الألباني "، ومع أنه لم يكن فيه صادقا ومنصفا، فقد كان يدلس على القراء ويكتم الحقائق، ويطعن في الحفاظ المشهورين، ويرميهم بالتساهل والتقليد، إلى غير ذلك من المخازي التي لا مجال الآن لبيانها، ولاسيما وقد قمت بشيء من ذلك بردي الجديد عليه، متتبعا تضعيفه للأحاديث الصحيحة التي احتج بها الإمام ابن القيم رحمه الله في كتابه

" إغاثة اللهفان " الذي قام المذكور بطبعه وتخريج أحاديثه، فأفسده أيما إفساد بأكثر مما كان فعله من قبل بكتاب الإمام النووي: " الرياض "! والمقصود الآن بيان جهله وطغيانه في تضعيفه لهذه الطريق الصحيحة، فأقول: لقد أعله في " حواره " بالانقطاع بين مهاصر بن حبيب والعرباض بن سارية، مع أنه نقل (ص 57 - 58) عن أبي حاتم وابن حبان أن (مهاصرا) روى عن جماعة من الصحابة، ذكر منهم أبو حاتم (أبو ثعلبة الخشني) . وابن حبان (أسد بن كرز) ، وأما هو فلا يسلم لهذين الحافظين، ويجزم (ص 59) بأنه لم يسمع منهم، بناء على أنه تبنى قول بعض المتقدمين بشرطية ثبوت اللقاء، وليس المعاصرة فقط، ومع أن هذا الشرط غير مسلم به عند الإمام مسلم وجماهير المحدثين والفقهاء كما هو معلوم في كتب المصطلح، فهو عند التحقيق شرط كمال، وليس شرط صحة كما حققته في مقدمة الرد المشار إليه آنفا، ومع ذلك، فإن هذا الجاني على السنة لم يكتف بالتبني المذكور - إذن لهان الأمر بعض الشيء - بل زاد عليه أن يشترط ثبوت السماع من الراويين، ولو كان اللقاء ثابتا في الأصل، فهو يضعف لذلك أحاديث كثيرة صحيحة . وقد بينت تمسكه بهذا الشرط الذي لا يقول به الأئمة حتى البخاري بأمثلة ذكرتها في تلك المقدمة. والمقصود أن الرجل منحرف عن (الجماعة) تأصيلا وتفريعا، فلا قيمة لمخالفاته البتة، ولا غرابة في تباين أحكامه عن أحكام علمائنا، وهاك المثال تأصيلا وتفريعا، فقد أعل أحاديث (المهاصر) عن الأصحاب الثلاثة الذين تقدم ذكرهم، ومنهم (أسد بن كرز) بالانقطاع المنافي للصحة، وهذا هو الحافظ ابن حجر قد حسن إسناد حديث المهاصر عن (أسد بن كرز) في ترجمة هذا من " الإصابة "،

2736

وقد خرجته في " الصحيحة " (3138) ، وقد بينت هناك أنه قد تحرف اسم (مهاصر) إلى (مهاجر) في عدة من المصادر، فليعلم. 2736 - " إذا سقى الرجل امرأته الماء أجر ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 1 / 163) والطبراني في " الكبير " (18 / 358) و " الأوسط " (1 / 49 / 842) موصولا عن سعيد بن سليمان عن عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن خالد بن يزيد عن عرباض بن سارية قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، فقمت إليها فسقيتها وأخبرتها بما سمعت. وأخرجه أحمد (4 / 128) : حدثنا أبو جعفر - وهو محمد بن جعفر المدائني -: أخبرني عباد بن العوام عن سفيان بن الحسين عن خالد بن سعد عن العرباض بن سارية به. وأخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 115) من طريق سعيد بن سليمان قال: حدثنا عباد عن سفيان بن حسين عن خالد بن شريك عن عرباض بن سارية به. وقال مشيرا إلى انقطاعه وتفرد خالد هذا به: " لا يتبين سماعه منه، لا يتابع عليه ، وليس يحفظ له غيره ". قلت: فهذا اضطراب شديد في اسم هذا الرجل. وقد ترجمه الحافظ في " التهذيب " تبعا لأصله باسم خالد بن زيد. قال: " وقيل ابن يزيد - وهو وهم - أبو عبد الرحمن الشامي. أرسل عن العرباض بن سارية وشرحبيل بن السمط.. ".

وترجمه في " اللسان " باسم خالد بن شريك عن العرباض بن سارية وعنه سفيان بن حسين بحديث: إذا سقى.. وقال: " قال الأزدي: لا يتابع عليه ". وبالجملة فهذه الترجمة من المشكلات ليس من السهل الاهتداء فيها إلى الصواب ، ولكن الحديث ضعيف لانقطاعه بين خالد هذا والعرباض، مع التردد في شخصية خالد. والله أعلم. ثم وجدت للحديث طريقا أخرى موصولة يمكن تقويته بها. فقال الطبراني في " مسند الشاميين " (ص 328) : حدثنا عمرو بن إسحاق: حدثنا محمد بن إسماعيل ابن عياش: حدثني أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن العرباض بن سارية قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره مع قول العرباض: فقمت.. إلخ. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، ورجاله موثقون غير محمد بن إسماعيل بن عياش، قال أبو داود: " لم يكن بذاك ". وقال أبو حاتم: " لم يسمع من أبيه شيئا ". وقال الحافظ في " التقريب ": " عابوا عليه أنه حدث عن أبيه بغير سماع ". وقال الذهبي في " الكاشف ": " بينهما رجل ". قلت: قد صرح في هذا الإسناد بالسماع من أبيه، لكن الراوي عنه عمرو بن

2737

إسحاق - وهو ابن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي - لم أعرفه، وقد أخرج له في " المعجم الصغير " حديثا (542 - الروض) ، وأربعة أحاديث أخرى في " الأوسط " ( 2 / 304 / 2 - 305 / 1 / 5039 - 5042) ، وأكثر عنه في " مسند الشاميين " قبل هذا الحديث وبعده إلى (ص 331) (¬1) ، وفي كلها صرح محمد بن إسماعيل بالتحديث عن أبيه، وكذلك (ص 334 ثم ص 335) ، وتابعه في رواية التحديث عنه هاشم بن مرثد الطبراني عنده (ص 331 و 334) . فلعله من ثقات شيوخ الطبراني، ولعله لذلك لم يورده الذهبي في " الميزان ". والله أعلم. وإن مما يقوي الحديث ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها، حتى ما تجعل في في امرأتك ". الإرواء (899) . 2737 - " من رأى مبتلى فقال: " الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا "، لم يصبه ذلك البلاء ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 25 / 1 / 5457) : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة قال: أخبرنا زكريا بن يحيى الضرير قال: أخبرنا شبابة بن سوار، قال المغيرة ابن مسلم: عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: ¬

(¬1) قلت: ومع هذا كله فهو مما فات صديقنا الشيخ الفاضل حمادا الأنصاري، فلم يذكره في كتابه الفريد: " بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني "، ولا هو عند ابن عساكر. اهـ.

" لم يروه عن أيوب إلا مغيرة بن مسلم، ولا عن المغيرة إلا شبابة، تفرد به زكريا بن يحيى ". قلت: وهو مستور لم يعرفه الهيثمي، فقال عقب الحديث (10 / 138) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". وكذا قال في أحاديث أخرى منها الحديث الآتي بعده، وقد فاته أنه معروف عند الخطيب البغدادي، فقد ترجمه في " تاريخ بغداد " (8 / 457 - 458) برواية جمع من الثقات الحفاظ عنه، منهم يحيى بن صاعد والقاضي المحاملي، ويضم إليهم الحافظ محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، فقد روى له الطبراني في " الأوسط " أحاديث أخرى عن زكريا هذا، وهذه أرقامها فيه (5489 و 5490 و 5530 و 5536) ، فمثله قد جرى عمل العلماء على الاعتداد بحديثهم ولو في حدود الاستشهاد على أقل تقدير، إذا كان من دونه ومن فوقه من الثقات، كما هو الشأن في هذا الحديث ، فإن من فوقه كلهم ثقات من رجال " التهذيب "، والراوي عنه ابن أبي خيثمة من الحفاظ الثقات المشهورين، فهو صدوق. وقد كنت خرجت هذا الحديث من رواية أبي هريرة فيما تقدم (602) بسند فيه ضعف، فقويته بطريق أخرى عن ابن عمر من رواية الوليد ابن عتبة عن محمد بن سوقة عن نافع به. فلما وقفت على هذه المتابعة من المغيرة بن مسلم عن أيوب عن نافع بادرت إلى إخراجها هنا تأكيدا لصحة الحديث. والله ولي التوفيق والهداية. ثم رأيت ابن القطان قد أورد الحديث في كتابه " النظر في أحكام النظر " (ق 72 / 1) فقال: قال البزار: أخبرنا زكريا بن يحيى به. وقال ابن القطان: " المغيرة بن مسلم مشهور ليس به بأس، فهو إسناد حسن " .

(تنبيه) : هذا الحديث لم يعزه الهيثمي للبزار، وله حديث آخر من حديث علي في حمده صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره، وإذا رأى ما يسره، لم يذكره الهيثمي أيضا، وقد سبق ذكره تحت الحديث (265 / التحقيق الثاني) ، فتأكدت من صحة ما جاء في " الرسالة المستطرفة " للكتاني (ص 51) أن للبزار مسندين: الكبير المعلل وهو المسمى " بالبحر الزخار "، والصغير، فألقي في النفس أن الذي ينقل الهيثمي منه هو الصغير، لكن يعكر على هذا أنه ذكر في فاتحة كتابه أن مرجعه إنما هو " مسنده المسمى بالبحر الزخار "، فلست أدري هل نسخ هذا " البحر الزخار " مختلفة، فيوجد في بعضها ما لا يوجد في النسخ الأخرى، فإن الحديث الآخر المشار إليه آنفا مع عدم ذكر الهيثمي له، لم يرد في نسخة " البحر الزخار " المطبوعة حديثا، فالأمر يحتاج إلى مزيد من التحقيق. وحديث أبي هريرة - المشار إليه آنفا - قد أخرجه البزار أيضا (4 / 29 / 3118 - كشف الأستار) إلا أنه زاد في آخره: " فإنه إذا قال ذلك كان شكر تلك النعمة ". مكان قوله هناك: " لم يصبه ذلك البلاء ". كما في حديث ابن عمر هنا، وهو الصواب، لأنه شاهد قوي له، وفي إسناد البزار شيخه (عبد الله بن شبيب) ، وهو واه، مع مخالفته للثقات فيه، وإن كان طريقهم جميعا ينتهي إلى العمري كما تقدم ثمة، وقال البزار عقبه: " لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الله بن عمر قد احتمل أهل العلم حديثه ". ثم رأيته في " معجم الطبراني الصغير " (140 - هندية ) و " الأوسط " أيضا

2738

(7 / 363 / 4599 - مجمع البحرين) من طريق غير (ابن شبيب ) ، فانحصرت العلة في العمري، ومع ذلك قال الهيثمي (10 / 138) : " إسناده حسن "! 2738 - " ألا أعلمك كلمات علمني الروح الأمين؟ قل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر فتن الليل والنهار ومن كل طارق إلا طارق يطرق بخير، يا رحمن! ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 31 / 5547) بإسناد الذي قبله عن المغيرة بن مسلم عن هشام بن حسان عن جبير عن خالد بن الوليد قال: كنت أفزع بالليل ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أفزع بالليل فآخذ سيفي فلا ألقى شيئا إلا ضربته بسيفي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " لم يرو هذا الحديث عن هشام بن حسان إلا المغيرة بن مسلم، تفرد به شبابة ". قلت: وهو ثقة حافظ محتج به في " الصحيحين "، وكذا من فوقه، فإنهم ثقات من رجال " التهذيب " إن كان شيخ هشام بن حسان (جبيرا) فإن اسمه غير واضح في النسخة المصورة، ويمكن أن يقرأ (حميد) ، ولكل من الاحتمالين ما يرجحه، فـ (جبير) - وهو ابن نفير - له رواية عن خالد بن الوليد عند أبي داود، و ( حميد) - وهو ابن هلال - روى عنه هشام بن حسان عند مسلم وأبي داود كما في

" تهذيب المزي "، وسواء كان هذا أو ذاك فهو ثقة، لكن يحتمل أن (حطم) ، وهو " شيخ " كما في " ثقات ابن حبان " (4 / 193) ولعله أراده الهيثمي بقوله (10 / 126) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير المدائني، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: قد عرفه الخطيب حين ترجمه برواية جمع من الحفاظ عنه كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله، فالسند حسن على الاحتمال المذكور، لاسيما وله طريق أخرى من رواية المسيب بن واضح: حدثنا معتمر بن سليمان: حدثنا حميد الطويل عن بكر ابن عبد الله المزني عن أبي العالية عن خالد بن الوليد: أنه شكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أجد فزعا بالليل، فقال: ألا أعلمك.. الحديث بتمامه، وزاد: " ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شر فتن الليل.. " إلخ. أخرجه الطبراني في " الكبير " (4 / 135 / 3838) : وفي " الدعاء " (2 / 1307 / 1083) عن شيخين له ثقتين قالا: حدثنا المسيب بن واضح.. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير المسيب هذا، فهو ضعيف، لكن ضعفه من قبل حفظه، فيمكن الاستشهاد به، وبخاصة أنه قد توبع، فرواه البيهقي في " الدلائل " (7 / 96) من طريق حفصة بنت سيرين عن أبي العالية به. ورجاله ثقات غير شيخه وشيخ شيخه " أبو حامد أحمد بن أبي العباس الزوزني: حدثنا أبو بكر محمد بن خنب (!) " فإني لم أعرفهما. ولبعضه شاهد يرويه أيوب بن موسى عن محمد بن يحيى بن حبان: أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يورق، أو أصابه أرق، فشكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم،

فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامات من غضبه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون. أخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 746) . ورواه أحمد (4 / 57) والبيهقي في " الأسماء " (ص 185) وكذا ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 362 - 363) ، وابن عبد البر في " التمهيد " ( 24 / 109) من طريق يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان به، إلا أنه قال: عن الوليد ابن الوليد أنه قال: يا رسول الله! إني أجد وحشة. قال: إذا أخذت مضجعك فقل: فذكره. وزاد في آخره: " فإنه لا يضر، وبالحري أن لا يقربك ". فهذا خلاف رواية أيوب بن موسى لأنه قال: " الوليد بن الوليد "، وهو أصح، وهو أخو خالد بن الوليد. ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع، قال المنذري في " الترغيب " (2 / 263) : " ومحمد لم يسمع من الوليد ". وكذا قال الحافظ في " الإصابة "، ولفظه: " وهو منقطع، لأن محمد بن يحيى لم يدركه ". وهذا معنى قول البيهقي عقبه: " هذا مرسل ". (تنبيه) : ثم قال الحافظ عقب قوله المتقدم: " وقد أخرجه أبو داود من رواية ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن

جده قال: كان الوليد بن الوليد يفزع في منامه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث ". كذا قال! والحديث عند أبي داود في " كتاب الطب " (3893) من الوجه المذكور بلفظ: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع كلمات.. " فذكرها، ليس للوليد بن الوليد فيه ذكر، وكذلك أخرجه الترمذي (3519) وحسنه، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 765) ، والحاكم (1 / 548) والبيهقي (ص 185 - 186) ، و " الآداب " (993) له وابن السني (744) وأحمد (2 / 181) وابن أبي شيبة ( 10 / 364) كلهم عن ابن إسحاق به معنعنا. نعم علقه البخاري في " أفعال العباد " (ص 88 - هندية) على شيخه أحمد بن خالد - وهو الكندي أبو سعيد -: حدثنا محمد بن إسحاق به، ولفظه: " كان الوليد بن الوليد رجلا يفزع في منامه.. " إلخ. وهو رواية للنسائي وابن عبد البر. فلعل عزوه لأبي داود سبق قلم، والله أعلم. ثم وجدت لحديث الترجمة شاهدا مرسلا من رواية مصعب بن شيبة عن يحيى بن جعدة قال: " كان خالد بن الوليد يفزع من الليل حتى يخرج ومعه سيفه.. " الحديث نحوه، وزاد في آخره: " فقالهن خالد، فذهب ذلك عنه ".

أخرجه ابن أبي شيبة (8 / 60 و 10 / 363) . قلت: ومصعب هذا لين الحديث كما في " التقريب " . ورواه مالك في " الموطأ " (3 / 125 - 126) عن يحيى بن سعيد قال: بلغني أن خالد بن الوليد قال: فذكره مختصرا. وقال ابن عبد البر في " التمهيد " عقبه: " وهذا حديث مشهور مسندا وغير مسند ". ثم رواه من بعض الطرق المتقدمة، ثم قال: " وفي هذا الحديث دليل على أن كلام الله عز وجل غير مخلوق، لأنه لا يستعاذ بمخلوق ". ثم ذكر أن معنى قوله في بعض الطرق المتقدمة: " وأن يحضرون ": " وأن يصيبوني بسوء، كما في قوله تعالى: * (وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين وأعوذ بك رب أن يحضرون) * ". ثم وجدت للحديث شاهدا من حديث أبي رافع أن خالد بن الوليد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه وحشة يجدها، فقال له: فذكره بنحوه. أخرجه عبد الرزاق (11 / 35 / 19831) ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (4 / 175 / 4710) . ورجاله ثقات غير (إسحاق بن إبراهيم) وهو الدبري، وفيه كلام معروف. وقد جاءت هذه الاستعاذة في قصة تحدر الشياطين على النبي صلى الله عليه وسلم، ومحاولة أحدهم حرقة بشعلة من نار، فأمره جبريل بها فطفئت نارهم وهزمهم الله تعالى،

2739

أخرجه أحمد وغيره، وقد خرجته في هذا المجلد برقم (2995) ، ومختصرا في المجلد الثاني (840) . 2739 - " قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير [فنحن فيه] ، [ وجاء بك] ، فهل بعد هذا الخير من شر [كما كان قبله؟] . [قال: " يا حذيفة تعلم كتاب الله واتبع ما فيه، (ثلاث مرات) ". قال: قلت: يا رسول الله! أبعد هذا الشر من خير؟] . قال: " نعم. [قلت: فما العصمة منه؟ قال: " السيف "] . قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ (وفي طريق: قلت: وهل بعد السيف بقية؟) قال: " نعم، وفيه (وفي طريق: تكون إمارة (وفي لفظ: جماعة) على أقذاء، وهدنة على) دخن ".

قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم ( وفي طريق أخرى: يكون بعدي أئمة [يستنون بغير سنتي و] ، يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، [وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين، في جثمان إنس] ". (وفي أخرى: الهدنة على دخن ما هي؟ قال: " لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه ") . قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم، [فتنة عمياء صماء، عليها] دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها ". قلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: " هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا ". قلت: [ يا رسول الله!] فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: " تلتزم جماعة المسلمين وإمامهم، [تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فاسمع وأطع] ". قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ". (وفي طريق) : " فإن تمت يا حذيفة وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحدا منهم ".

(وفي أخرى) : " فإن رأيت يومئذ لله عز وجل في الأرض خليفة، فالزمه وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فإن لم تر خليفة فاهرب [في الأرض] حتى يدركك الموت وأنت عاض على جذل شجرة ". [قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: " ثم يخرج الدجال ". قال: قلت: فبم يجيء؟ قال: " بنهر - أو قال: ماء ونار - فمن دخل نهره حط أجره ووجب وزره، ومن دخل ناره وجب أجره وحط وزره ". [قلت: يا رسول الله: فما بعد الدجال؟ قال: " عيسى ابن مريم "] . قال: قلت: ثم ماذا؟ قال: " لو أنتجت فرسا لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة "] ". قلت: هذا حديث عظيم الشأن من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم ونصحه لأمته، ما أحوج المسلمين إليه للخلاص من الفرقة والحزبية التي فرقت جمعهم، وشتت شملهم، وأذهبت شوكتهم، فكان ذلك من أسباب تمكن العدو منهم، مصداق قوله تبارك وتعالى: * (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) *. وقد جاء مطولا ومختصرا من طرق، جمعت هنا فوائدها، وضممت إليه زوائدها في أماكنها المناسبة للسياق، وهو للإمام البخاري في " كتاب الفتن ".

الأولى: عن الوليد بن مسلم : حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني بسر بن عبيد الله الحضرمي أنه سمع أبا إدريس الخولاني يقول: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: فذكره. أخرجه البخاري (3606 و 7084) ومسلم (6 / 20) وأبو عوانة (5 / 574 - 576) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 109 / 1) والداني في " الفتن " (ق 4 / 1 ) وابن ماجه ببعضه (2 / 475) . ولمسلم منه الزيادة السادسة والتاسعة. ولأبي عوانة منه الزيادة الثانية والسادسة. الثانية: عن معاوية بن سلام: حدثنا زيد بن سلام عن أبي سلام قال: قال حذيفة:.. فذكره مختصرا. أخرجه مسلم ، وفيه الزيادة الأولى وما في الطريق الأخرى، والزيادة السابعة والعاشرة. وقد أعل بالانقطاع، وقد وصله الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 162 / 2 / 3039) من طريق عمر بن راشد اليمامي عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن أبيه عن جده عن حذيفة بالزيادة التي في الطريق الأخرى والسابعة والعاشرة. وذكره السيوطي في " الجامع الكبير " (4 / 361) أتم منه من رواية ابن عساكر. الثالثة: عن سبيع - ويقال: خالد - بن خالد اليشكري عن حذيفة به. أخرجه أبو عوانة (5 / 476) وأبو داود (4244 - 4247) والنسائي في " الكبرى " (5 / 17 / 8032) والطيالسي في " مسنده " (442 و 443)

وعبد الرزاق في " المصنف " (11 / 341 / 20711) وابن أبي شيبة (15 / 8 / 18960 و 18961 و 18980) وأحمد (5 / 386 - 387 و 403 و 404 و 406) والحاكم (4 / 432 - 433) من طرق عنه لكن بعضهم سماه خالد بن خالد اليشكري، وهو ثقة، وثقه ابن حبان والعجلي ، وروى عنه جمع من الثقات، فقول الحافظ فيه: " مقبول " غير مقبول، ولذلك لما قال الحاكم عقب الحديث: " صحيح الإسناد "، وافقه الذهبي. وأما قول الشيخ الكشميري في " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " بعد أن عزاه (ص 210) لابن أبي شيبة وابن عساكر: " وبعض ألفاظه يتحد مع ما عند البخاري، فهو قوي إن شاء الله تعالى ". فمما لا وزن له عند العارفين بطرق التصحيح والتضعيف، لأن اتحاد بعض ألفاظه بما عند البخاري لا يستلزم تقوية الحديث برمته، بل قد يكون العكس في كثير من الأحيان، وهو المعروف عندهم بالحديث الشاذ أو المنكر، ويأتي الإشارة إلى لفظة منها قريبا، وقد خرجت في " الضعيفة " نماذج كثيرة من ذلك، يمكن لمن يريد التحقيق أن يتطلبها في المجلدات المطبوعة منها، وفي المجلد الثاني عشر منها نماذج أخرى كثيرة برقم (5513 و 5514 و 5527 و 5542 و5543 و 5544 و 5547 و 5552 و 5553 و 5554) . ومثله قول الشيخ عبد الله الغماري في " عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام " (ص 102) ونقله الشيخ أبو غدة في تعليقه على " التصريح ": " وهو حديث صحيح "! أقول: لا قيمة لهذا أيضا لأنه مجرد دعوى يستطيعها كل أحد مهما كان جاهلا بهذا العلم الشريف، وقد رأيت الغماري هذا واسع الخطو في تصحيح ما لا

يصح من الحديث في كتابه الذي سماه: " الكنز الثمين "، وقد تعقبته في كثير من أحاديثه، وبينت ضعفها ووضع بعضها في المجلد المشار إليه من " الضعيفة " برقم (5532 و 5533 و5534 و 5535 و 5536 و 5537 و 5538 و 5539) ، وفي غيره أمثلة أخرى. والله المستعان. وقد بينت لك آنفا أن إسناد الحديث صحيح لمجيئه من طرق صحيحة عن سبيع، ولأن هذا ثقة، ولأن أبا عوانة صححه أيضا بإخراجه إياه في " صحيحه "، وهو " المستخرج على صحيح مسلم "، وتصحيح الحاكم أيضا والذهبي، وإنما رددت قول الحافظ فيه: " مقبول " لأنه يعني عند المتابعة، وإلا فهو لين الحديث عنده، كما نص عليه في مقدمة " التقريب ". وكأنه لم يستقر على ذلك، فقد رأيته في " فتح الباري " (13 / 35 - 36) ذكر جملا من هذه الطريق لم ترد في غيرها، فدل ذلك على أن سبيعا هذا ليس لين الحديث عنده، لأن القاعدة عنده أن لا يسكت على ضعيف. والله أعلم. قلت: وفي هذه الطريق الزيادات الأخرى والروايات المشار إليها بقولي: " وفي طريق.. " مما لم يذكر في الطرق المتقدمة ، موزعة على مخرجيها، وفيها أيضا الزيادة الثلاثة. وفي بعض الطرق رواية مستنكرة بلفظ: " خليفة الله في الأرض " تقدم الكلام عليها تحت حديث صخر بن بدر عن سبيع برقم (1791) . الرابعة: عن حميد بن هلال عن عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة مختصرا. أخرجه النسائي في " الكبرى " (5 / 18 / 8033) وابن ماجه (2 / 476) والحاكم (4 / 432) عن أبي عامر صالح بن رستم عن حميد بن هلال عن عبد الرحمن بن قرط عن حذيفة. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي!

وهو من أوهامهما، فإن عبد الرحمن بن قرط مجهول كما في " التقريب "، وأشار إلى ذلك الذهبي نفسه بقوله في " الميزان ": " تفرد عنه حميد بن هلال ". وصالح بن رستم صدوق كثير الخطأ، وأخرج له مسلم متابعة، وقد خالفه في إسناده من الثقات سليمان بن المغيرة فقال: عن حميد بن هلال عن نصر بن عاصم الليثي قال : أتينا اليشكري.. الحديث. فجعل نصر بن عاصم مكان عبد الرحمن بن قرط، وهو الصواب. أخرجه أبو داود وأحمد وغيرهما، وهو الطريق التي قبلها. الخامسة: عن يزيد بن عبد الرحمن أبي خالد الدالاني عن عبد الملك بن ميسرة عن زيد بن وهب عن حذيفة مختصرا، وفيه: " هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء فيها ". والزيادة الثامنة، وقوله: " ولأن تموت يا حذيفة عاضا على جذع خير من أن تستجيب إلى أحد منهم ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 202 / 2 / 3674) وقال: " لم يروه عن عبد الملك بن ميسرة إلا أبو خالد الدالاني ". قلت: وهو صدوق يخطىء كثيرا، وكان يدلس كما في " التقريب "، فمن الممكن أن يكون أخطأ في إسناده، وأما المتن فلا، لموافقته بعض ما في الطريق الثالثة. غريب الحديث: 1 - " السيف " أي تحصل العصمة باستعمال السيف. قال قتادة: المراد بهذه الطائفة هم الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في زمن خلافة الصديق رضي الله عنه. ذكره

في " المرقاة " (5 / 143) وقتادة أحد رواة حديث سبيع عند عبد الرزاق وغيره. 2 - " بقية " أي من الشر أو الخير، يعني هل يبقى الإسلام بعد محاربتنا إياهم؟ 3 - " أقذاء " قال ابن الأثير: جمع قذى و ( القذى) جمع قذاة، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تراب أو تبن أو وسخ أو غير ذلك. أراد اجتماعهم يكون على فساد في قلوبهم، فشبه بقذى العين والماء والشراب. 4 - " دخن " أي على ضغائن. قاله قتادة، وقد جاءت مفسرة في غير طريقه بلفظ: " لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه " كما ذكرته في المتن. 5 - " جذل " بكسر الجيم وسكون المعجمة بعدها لام، عود ينصب لتحتك به الإبل. كذا في " الفتح " (13 / 36) . 6 - " فلوها " قال ابن الأثير: الفلو : المهر الصغير. فائدة هامة: قال الحافظ ابن حجر عن الطبري: " وفي الحديث أنه متى لم يكن للناس إمام فافترق الناس أحزابا، فلا يتبع أحدا في الفرقة ويعتزل الجميع إن استطاع ذلك خشية من الوقوع في الشر، وعلى ذلك يتنزل ما جاء في سائر الأحاديث، وبه يجمع بين ما ظاهره الاختلاف منها ". (تنبيه) : وقع للحافظ وغيره بعض الأوهام فوجب التنبيه عليها. أولا: قال: زاد مسلم في رواية أبي الأسود عن حذيفة: " فنحن فيه ". والصواب (الأسود) فإنه يعني رواية أبي سلام عنه، وهي الطريق الثانية. وأبو سلام اسمه ممطور، ولقبه الأسود. وعلى الصواب وقع في " عمدة القاري " (24 / 194) ومن الغريب أنه تكرر هذا الخطأ في " الفتح " في صفحة أخرى أربع مرات، مما يدل أنه ليس خطأ مطبعيا.

2740

ثانيا: قال: وفي رواية أبي (!) الأسود: يكون بعدي أئمة يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ". كذا، وهو خطأ ظاهر لا أدري كيف تابعه عليه العيني! والصواب " لا يهتدون.. " كما يدل عليه السياق، وكما في " صحيح مسلم ". 2740 - " لولا أن تكون سنة، يقال: خرجت فلانة! لأذنت لك ولكن اجلسي في بيتك ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 270 / 4604) وابن منده في " المعرفة " (2 / 362 / 2) عنه، وابن حجر في " تخريج المختصر " (ق 137 / 1) من طريق عبد الله بن زيدان البجلي قال: أخبرنا محمد بن طريف البجلي قال: أخبرنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي عن الحسن بن صالح عن الأسود بن قيس قال: حدثني سعيد بن عمرو القرشي عن أم كبشة - امرأة من بني عذرة - أنها قالت: يا رسول الله! إيذن لي أن أخرج مع جيش كذا وكذا. قال: لا. قالت: يا نبي الله! إني لا أريد القتال، إنما أريد أن أداوي الجرحى وأقوم على المرضى. قال: فذكره، وليس عند الطبراني: " في بيتك "، وقال: " لا يروى عن أم كبشة إلا بهذا الإسناد، تفرد به الحسن بن صالح ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، ومثله محمد بن طريف البجلي، ولم يتفرد به كما أشار إليه الطبراني، فقد تابعه أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (12 / 526 / 15500) : حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي به. وأخرجه عنه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 308 ) وابن أبي عاصم في" الآحاد والمثاني " (3473) والطبراني في " الكبير " ( 25 / 176 / 431) وغيرهم. قلت: وهذا إسناد صحيح، وقال الحافظ عقبه:

" هذا حديث حسن غريب، أخرجه الحسن بن سفيان عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حميد بن عبد الرحمن، لكن صورة سياقه مرسل، وله شاهد من حديث أم ورقة أنها قالت: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، قلت: يا رسول الله! ائذن لي أن أغزو معك. قال: قري في بيتك.. الحديث. أخرجه أبو داود.. ". قلت: وهذا إسناده حسن كما حققته في " صحيح أبي داود " (605) ، لكن قوله: " لكن صورة سياقه مرسل " غير ظاهر عندي، لأن قول القرشي: " عن أم كبشة " في حكم قوله لو قال: " حدثتني أم كبشة " ما دام أنه غير معروف بالتدليس أو الإرسال، فلعله يعني بذلك خصوص رواية الحسن بن سفيان عن ابن أبي شيبة، ولكنه لم يسق لفظها لننظر فيها. والله أعلم. هذا ولفظ الحديث عند ابن سعد: " اجلسي، لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (5 / 323 - 324) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجالهما رجال (الصحيح ) ". فائدة: ثم قال الحافظ عقب الحديث في " الإصابة ": " ويمكن الجمع بين هذا وبين ما تقدم في ترجمة أم سنان الأسلمي، أن هذا ناسخ لذاك لأن ذلك كان بخيبر، وقد وقع قبله بأحد كما في (الصحيح) من حديث البراء بن عازب، وهذا كان بعد الفتح ". قلت: ويشير بما تقدم إلى ما أخرجه الخطيب في " المؤتلف " عن الواقدي عن عبد الله بن أبي يحيى عن ثبيتة عن أمها قالت:

" لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم الخروج إلى خيبر قلت: يا رسول الله! أخرج معك أخرز السقاء ، وأداوي الجرحى.. الحديث، وفيه: فإن لك صواحب قد أذنت لهن من قومك ومن غيرهم، فكوني مع أم سلمة ". قلت: والواقدي متروك، فلا يقام لحديثه وزن، ولاسيما عند المعارضة كما هنا. نعم ما عزاه لـ (الصحيح) يعارضه وهو من حديث أنس بن مالك - لبس البراء بن عازب - قال: " لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم سليم وأنهما لمشمرتان أرى خدم سوقهن تنقزان - وقال غيره: تنقلان - القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم ". أخرجه البخاري (2880 و 2902 و 3811 و 4064) ، وانظر " جلباب المرأة المسلمة " (ص 40) - طبعة المكتبة الإسلامية. وله شاهد من حديث عمر رضي الله عنه: " أن أم سليط - من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم - كانت تزفر (أي تحمل) لنا القرب يوم أحد ". أخرجه البخاري (2881 ) . ولكن لا ضرورة - عندي - لادعاء نسخ هذه الأحاديث ونحوها، وإنما تحمل على الضرورة أو الحاجة لقلة الرجال، وانشغالهم بمباشرة القتال، وأما تدريبهن على أساليب القتال وإنزالهن إلى المعركة يقاتلن مع الرجال كما تفعل بعض الدول

2741

الإسلامية اليوم، فهو بدعة عصرية، وقرمطة شيوعية، ومخالفة صريحة لما كان عليه سلفنا الصالح، وتكليف للنساء بما لم يخلقن له، وتعريض لهن لما لا يليق بهن إذا ما وقعن في الأسر بيد العدو. والله المستعان. 2741 - " إن الله عز وجل لما خلق الخلق قامت الرحم فأخذت بحقو الرحمن، [فقال: مه] ، قالت: هذا مقام العائذ [بك] من القطيعة، قال: [نعم] ، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ [قالت: بلى يا رب!] قال: فذاك [لك] . قال أبو هريرة: [ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:] اقرءوا إن شئتم * (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم. أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) * ". أخرجه أحمد (2 / 330) : حدثنا أبو بكر الحنفي حدثني معاوية بن أبي مزرد قال: حدثني عمي سعيد أبو الحباب قال: سمعت أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه كما يأتي. وأبو بكر الحنفي اسمه عبد الكبير بن عبد المجيد البصري. وقد خالف الإمام أحمد أبو مسعود أحمد بن الفرات فقال: أخبرنا أبو بكر الحنفي بلفظ: " لما خلق الله آدم فضل من طينه فخلق منه الرحم.. " الحديث نحوه.

أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في " الحجة في بيان المحجة " (ق 58 / 1) من طريق عبد الله بن إبراهيم المقريء: أخبرنا أبو مسعود.. إلخ. قلت: وهو بهذا اللفظ شاذ أو منكر، والخطأ فيه من أبي مسعود أحمد بن الفرات، فإنه مع كونه ثقة حافظا من شيوخ أبي داود، فقد ذكر الحافظ في " التهذيب " أن أبا عبد الله بن منده قال في " تاريخه ": " أخطأ أبو مسعود في أحاديث ولم يرجع عنها ". قلت: وهو مغتفر في جانب حفظه، لكن إذا خالف الإمام أحمد لم تطمئن النفس للاحتجاج بمخالفته، لاسيما ومع الإمام جمع من الرواة الثقات لم يذكروا في الحديث هذا اللفظ المنكر كما يأتي. ومن المحتمل احتمالا قويا أن يكون الخطأ فيه من الراوي عنه عبد الله بن إبراهيم المقريء، فإنه ليس مشهورا بالثقة والضبط، فقد أورده أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 83) وسمى جده الصباح المقريء، وساق له ثلاثة أحاديث برواية ثلاثة عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، ولا وفاة، فتعصيب الخطأ به أولى. والله أعلم. وقد توبع أبو بكر الحنفي من قبل جماعة من الثقات كلهم لم يذكروا ذاك اللفظ المنكر. الأول: عبد الله بن المبارك، وله الزيادة الأخيرة والثالثة. أخرجه البخاري (8 / 580 / 4832 و 10 / 417 / 5987) والنسائي في " الكبرى ". الثاني: حاتم بن إسماعيل ، وعنده الزيادة الأخيرة. رواه البخاري (4831) ومسلم (8 / 7) .

2742

الثالث: سليمان بن بلال، والزيادة الأولى له والثانية والرابعة والخامسة أخرجه البخاري (13 / 465 / 7502) وفي " الأدب المفرد " (23 / 50) . وتابع أبا الحباب محمد بن كعب أنه سمع أبا هريرة به مختصرا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (27 / 65) وابن حبان (2035 و 2036) وأحمد (2 / 295 و 383 و 406 و455) وفي إسناده جهالة، وقواه المنذري في " الترغيب " (3 / 226) ، فلعله لشواهده. 2742 - " لم تحل الغنائم لمن كان قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا ". أخرجه أحمد في " المسند " (2 / 317) والسلمي في " صحيفة همام " (رقم 87) ومن طريقه أبو القاسم الأصبهاني في " الحجة " (ق 43 / 2) والبيهقي (6 / 290 ) من طريق عبد الرزاق: حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر أحاديث كثيرة هذا أحدها وهو في " مصنف عبد الرزاق " (5 / 241 / 9492) بإسناده هذا مطولا، وهذا طرفه الأخير منه. وهو رواية لأحمد (2 / 318) والسلمي (123) عنه. وكذلك أخرجه مسلم (5 / 145 - 146) من طريق محمد بن رافع، وابن حبان (4788) عن إسحاق بن إبراهيم قالا: حدثنا عبد الرزاق به. وتابعه ابن المبارك عن معمر به مطولا. أخرجه البخاري (6 / 220 / 3124) ومسلم أيضا، ولم يسق لفظه. ( تنبيه) : عزاه الشيخ الأعظمي في تعليقه على " المصنف " للبخاري فقط، وهذا تقصير فاحش، لأنه يوهم أولا أن مسلما لم يخرجه.

2743

وثانيا: أن مسلما أخرجه من طريق عبد الرزاق وغيره فكان عزوه إليه أولى. وثالثا: ليس عند البخاري: " فطيبها لنا "! وللحديث طريق آخر، يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أن نبيا من الأنبياء غزا بأصحابه.. " الحديث بطوله، وفي آخره: " إن الله أطعمنا الغنائم رحمة رحمنا بها، وتخفيفا خففه عنا، لما علم من ضعفنا ". أخرجه بتمامه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 149 / 4787) وكذا النسائي في " الكبرى " (5 / 8878 و 6 / 352 / 11208) . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد مضى لفظه بتمامه، وتخريجه بأتم مما هنا في المجلد الأول (رقم 202) . 2743 - " يبايع لرجل بين الركن والمقام، ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا تسأل عن هلكة العرب، ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابا لا يعمر بعده أبدا، وهم الذين يستخرجون كنزه ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 52 - 53) والحاكم (4 / 452 - 453) والأزرقي " تاريخ مكة " (1 / 278) والبغوي في " الجعديات " (2 / 1005 / 2911) وعنه الذهبي في " سير الأعلام " (2 / 146) والطيالسي (2373) وأحمد (2 / 291 و 312 و 328 و 351) من طرق عن ابن أبي ذئب

عن سعيد بن سمعان قال: سمعت أبا هريرة يحدث أبا قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن سمعان، وهو ثقة كما في " التقريب ". والحديث عزاه في " الجامع الكبير " لابن أبي شيبة وابن عساكر فقط، واقتصر الحافظ في " الفتح " (3 / 461) على عزوه لأحمد، وسكت عليه، فهو عنده حسن أو صحيح، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين "! ورده الذهبي بقوله: " قلت: ما خرجا لابن سمعان شيئا، ولا روى عنه [غير] ابن أبي ذئب، وقد تكلم فيه ". قلت: لم يتكلم فيه غير الأزدي، ولذلك رده الحافظ في " التقريب ": " ثقة، لم يصب الأزدي في تضعيفه ". قلت: والأزدي عنده تشدد في التضعيف، نبه على ذلك الذهبي نفسه في بعض التراجم، وابن سمعان وثقه النسائي والدارقطني وابن حبان. وأما قوله: " ولا روى عنه ابن أبي ذئب " أظن سقط من قلمه أو الناسخ لفظ " غير "، فقد أثبت هو نفسه روايته عنه في " الكاشف "! وقرن معه آخر!! وقد جاء من طريقين آخرين عن أبي هريرة مختصرا مرفوعا بلفظ: " يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ". الطريق الأولى: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عنه. أخرجه البخاري (1596) ومسلم (8 / 183) وأحمد (2 / 310) والداني في " الفتن " (ق 69 / 2) وابن أبي شيبة (15 / 47) والأزرقي (1 / 276) .

2744

الثانية: عن عبد العزيز عن ثور بن يزيد عن أبي الغيث عنه. أخرجه مسلم أيضا، وأحمد (2 / 417) والبزار كما في " تاريخ ابن كثير: النهاية " (1 / 187) ، وفاته عزوه لأحمد. وله شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " كأني أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجرا حجرا. يعني الكعبة ". أخرجه البخاري (1595) وأحمد (1 / 228) والسياق له، وهو أتم، والطبراني في " الكبير " (11238) . وشاهد آخر من حديث ابن عمرو مرفوعا مثل حديث أبي هريرة عند الشيخين وزاد: " ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها، ولكأني أنظر إليه أصيلع أفيدع يضرب عليها بمسحاته ومعوله ". أخرجه أحمد (2 / 220) عن محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عنه. وقال ابن كثير: " وهذا إسناد جيد قوي "، وسكت عنه الحافظ. قلت: فيه عنعنة ابن إسحاق كما ترى، فلعل تقويته إياه بالنظر لشواهده المتقدمة. والله أعلم. 2744 - " كيف أنتم إذا مرج الدين [وسفك الدم وظهرت الزينة وشرف البنيان] وظهرت الرغبة واختلفت الإخوان وحرق البيت العتيق؟! ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 47) - وعنه الطبراني في

2745

" الكبير " (24 / 26 / 67) - وأحمد في " المسند " (6 / 333) قالا: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سعد بن أوس عن بلال العبسي عن ميمونة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: فذكره. وتابعه عبيد الله بن موسى عن سعد بن أوس به. وفيه الزيادة. أخرجه الطبراني (14) . قلت: وهذا إسناد صحيح، سعد وبلال - وهو ابن يحيى - ثقتان. وقال الهيثمي (7 / 320) بعد عزوه للطبراني وأحمد: " ورجال أحمد ثقات ". قلت: لا داعي لذكر أحمد دون الطبراني، وقد عرفت أنه عنده من طريق ابن أبي شيبة من الوجه الأول. وكذلك رجاله من الوجه الآخر الذي فيه الزيادة، وهي من معجزاته صلى الله عليه وسلم العلمية، وبخاصة منها قوله: " وظهرت الزينة "، فقد انتشرت في الأبنية والألبسة والمحلات التجارية انتشارا غريبا، حتى في قمصان الشباب ونعالهم، بل ونعال النساء! فصلى الله على الموصوف بقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى. إن هو إلا وحي يوحى) *. و (الرغبة) : قال ابن الأثير: " أي قلة العفة وكثرة السؤال ". 2745 - " لقد حكم فيهم [اليوم] بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سماوات. يعني سعد بن معاذ في حكمه على بني قريظة ". أخرجه النسائي في " مناقب الكبرى " (5 / 62 - 63 / 8223) وابن سعد في " الطبقات " (3 / 426) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 124 -

هندية) والحاكم (2 / 124) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (25 / 1 - 2) ومن طريقه العسقلاني في " تخريج المختصر " (ق 237 / 1) والبزار (2 / 301 - البحر الزخار) من طرق عن محمد بن صالح التمار عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: سمعت عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة أن يقتل من جرت عليه الموس، وأن تقسم أموالهم وذراريهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال العسقلاني: " هذا حديث حسن، ومحمد بن صالح التمار مدني صدوق، وقد خالفه عياض بن عبد الرحمن فقال: عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جده. وخالفهما شعبة - وهو أحفظ منهما - فقال: عن سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري. ومن طريق شعبة خرج في " الصحيحين " ولفظه في آخره: " لقد حكمت فيهم بحكم الملك "، ولم يذكر ما بعده ". قلت: لكن للزيادة التي أشار إليها - وفيها إثبات الفوقية لله تعالى - شاهدان مرسلان ذكرتهما في " مختصر العلو " (87 / 15) وكأنه لذلك صححه الذهبي في " تلخيص المستدرك "، وفي " العلو " أيضا، والمرسل الأول: رواه ابن إسحاق في " سيرة ابن هشام " (3 / 259) : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن عبد الرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ عن علقمة بن وقاص الليثي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد: " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة ". وهذا إسناد جيد فهو شاهد قوي للموصول، وقال الحافظ: " رجاله ثقات، و (الأرقعة) جمع (رقيع) بالقاف والعين، وهو من أسماء السماء ".

2746

2746 - " كان يكتحل وترا ". أخرجه البزار في " مسنده " (ق 280 / 2 - كشف الأستار) : حدثنا محمد بن أبي الوليد الفحام حدثنا الوضاح بن يحيى حدثنا أبو الأحوص عن عاصم عن أنس قال: فذكره مرفوعا. وقال: " لا أعلم رواه إلا أبو الأحوص عن عاصم ". قلت: وهما ثقتان من رجال الشيخين، وأبو الأحوص اسمه سلام بن سليم الحنفي الكوفي، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وعلة الحديث من الوضاح بن يحيى، وبه أعله الهيثمي، فقال في " مجمع الزوائد " (5 / 96) : " رواه البزار، وفيه وضاح بن يحيى، وهو ضعيف ". ومحمد بن أبي الوليد نسب إلى جده، فإنه محمد بن الوليد بن أبي الوليد الفحام البغدادي، وهو من شيوخ النسائي، وقال فيه: " لا بأس به ". قلت: وأنا أخشى أن يكون وهم في إسناده، فقد خالفه فيه من هو أوثق منه، فقال ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 99 / 1251) حدثني محمد ابن إسحاق قال: حدثنا وضاح بن حسان الأنباري، قال: حدثنا سلام أبو الأحوص عن عاصم بن سليمان عن حفصة بنت سيرين عن أنس بن مالك به وزاد: " وكان ابن سيرين يكتحل مرتين في كل عين، ويقسم بينهما واحدة ". ومحمد بن إسحاق هذا هو الصنعاني، وهو ثقة ثبت من شيوخ مسلم والأربعة، وقد خالف الفحام في موضعين من إسناده:

الأول: أنه زاد فيه " عن حفصة بنت سيرين " بين عاصم وأنس . والآخر: قال: وضاح بن حسان الأنباري، مكان: وضاح بن يحيى. وقد تابعه محمد بن سعد العوفي عليهما، فقال: حدثنا وضاح بن حسان الأنباري به أخرجه الخطيب في ترجمة الأنباري هذا من " تاريخ بغداد " (13 / 496) برواية جمع آخر من الثقات، وذكر عن العوفي أنه قال في الوضاح: " كان عابدا ". وعن يعقوب بن سفيان - وهو الفسوي - أنه كان مفضلا، ولم يذكر فيه ابن أبي حاتم (4 / 2 / 41) جرحا ولا تعديلا. وقال الحافظ في " اللسان ": " وأشار ابن عدي في ترجمة جارية بن هرم إلى أنه كان يسرق الحديث ". والزيادة الموقوفة على ابن سيرين، قد صحت عنه، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 599 / 5686) : أبو معاوية عن عاصم عن ابن سيرين به نحوه. وبهذا الإسناد عن عاصم عن حفصة عن أنس أنه كان يكتحل ثلاثا في كل عين. وقد روي هذا من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف جدا، وهو مخرج في " الإرواء " (76) ، وزدت لضعفه بيانا في " الصحيحة " (2 / 215 - 227) رددت فيه على تصحيح الشيخ أحمد شاكر إياه وتوثيقه لراويه عباد بن منصور بما لا تجده في كتاب آخر. والزيادة الموقوفة على ابن سيرين قد رواها بعض الضعفاء مرفوعة، ألا وهو عمر ابن حبيب قال: حدثنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال: سألت أنسا عن كحل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال:

" كان صلى الله عليه وسلم يكتحل في اليمنى ثنتين، وفي اليسرى ثنتين، وواحدة بينهما " . أخرجه ابن عدي في " الكامل " (ق 244 / 2) وقال: " لا أعلم يرويه عن ابن عون غير عمر بن حبيب، وهو حسن الحديث، يكتب حديثه مع ضعفه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعيف ". هذا، ولحديث الترجمة شاهد من حديث عقبة من فعله صلى الله عليه وسلم. وآخر من قوله، وقد مضيا في المجلد الثالث (رقم 1260) . وله بعض شواهد أخرى، فيها بيان أن الإتيان ثلاثا في اليمنى، واثنتين في اليسرى، تقدم تخريجها في المجلد الثاني برقم (633) ، وذكرت تحته كشاهد حديث الترجمة هذا من رواية البزار، فلما وجدت الاختلاف بين إسناده وإسناد ابن جرير والخطيب رأيت أنه لابد من تخريجه من جديد، وتحرير القول فيه على النحو الذي سبق بيانه. والله الموفق. وحديث عقبة المشار إليه، قد ذكرت هناك أن إسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة وسوء حفظه، وقد وجدته الآن من رواية ابن وهب عنه بإسناده المتقدم مرفوعا من قوله صلى الله عليه وسلم. أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 99 / 1249) . فصح بذلك الحديث والحمد لله، لأن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه العبادلة، وابن وهب منهم ومثلهم قتيبة بن سعيد كما سيأتي نقله عن الحافظ الذهبي تحت الحديث (2843) .

2747

ثم أخرجه ابن جرير (2 / 100 / 1253) من طريق ابن وهب أيضا قال: أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة والحارث بن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن عقبة مرفوعا من فعله صلى الله عليه وسلم. وهذا إسناد صحيح أيضا، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير ابن لهيعة، وقد عرفت أنه صحيح الحديث برواية ابن وهب عنه. وتقدم هناك من غير هذه الرواية عن ابن لهيعة، ولم يقرن الحارث بن يزيد مع ابن هبيرة. وبالجملة فهذا شاهد قوي لحديث الترجمة: فالحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله ، وأن يدخلني الجنة برحمته إنه رحيم غفور. 2747 - " إذا هاج بأحدكم الدم فليحتجم، فإن الدم إذا تبيغ بصاحبه يقتله ". أخرجه ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 106 / 1277) : حدثني موسى بن سهل الرملي قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز قال: حدثنا سليمان بن حبان قال: حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره . قلت: وأشار ابن جرير فيما بعد إلى صحته (ص 116) وهو غير بعيد عن الصواب ، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عبد العزيز - وهو الرملي - فإنه من رجال البخاري، وموسى الراوي عنه ثقة بلا خلاف، ولولا أن ابن عبد العزيز فيه كلام من قبل حفظه، لجزمت بصحته، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يهم، وكانت له معرفة ". وأشار في ترجمته في مقدمة " فتح الباري " (ص 441 - المنيرية) إلى أن

البخاري أخرج له حديثين متابعة، فأرجو أن يكون الحديث حسنا، لاسيما وقد روي من طريق أخرى عن أنس بلفظ: " إذا اشتد الحر فاستعينوا بالحجامة، لا يتبيغ دم أحدكم فيقتله ". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، لكن فيه كذاب وغيره، ولذلك أوردته في الكتاب الآخر برقم (2331) . ووجدت له شاهدا من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ: " استعينوا في شدة الحر بالحجامة، فإن الدم ربما تبيغ بالرجل فقتله ". لكن فيه كذاب آخر، ولذلك خرجته هناك أيضا برقم (2363) . والأحاديث في الحض على الحجامة كثيرة، قد تقدم تخريج بعضها في هذا الكتاب، فانظر مثلا رقم (622 و 1847) ، وإنما خرجت هذا لشطره الثاني، وقد وجدت له طريقا ثالثا عن أنس مرفوعا بلفظ: " من أراد الحجامة فليتحر سبعة عشر.. ولا يتبيغ بأحدكم الدم فيقتله ". لكن إسناده ضعيف جدا كما بينته هناك (1864) بيد أن له شاهدا لا بأس به في الشواهد خرجته هناك (1863) . فالحديث به صحيح إن شاء الله تعالى. (تنبيه) : هذا الحديث مما فات السيوطي في " الجامع الكبير " وغيره. (تبيغ) : في " القاموس المحيط ": " (البيغ) ثوران الدم، وتبيغ الدم: هاج وغلب ". وفي " الهادي إلى لغة العرب ": " باغ الدم: ثار وهاج كما يكون الحال عند من به ارتفاع في ضغط الدم ".

2748

2748 - " صنفان من أمتي لا يردان علي الحوض: القدرية والمرجئة ". أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (ص 156) والطبري في " التهذيب " (2 / 180 / 1472) وابن أبي عاصم في " السنة " (949) واللالكائي في " شرح السنن " (4 / 142 / 1157) عن بقية قال: حدثنا سليمان بن جعفر الأزدي عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن جده مرفوعا به. وقال العقيلي: " سليمان بن جعفر مجهول بنقل الحديث، ولا يتابع على حديثه ". ثم ساق له هذا الحديث، وقال: " ولا يتابع إلا ممن هو مثله أو دونه ". قلت: ولعله يشير إلى حديث أنس مرفوعا به، إلا أنه زاد: " ولا يدخلان الجنة ". أورده الهيثمي (7 / 207) وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال " الصحيح " غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة ". ومما ينبغي أن يعلم أن هذا القول من الهيثمي - وهو كثير التكرار له - لا ينفي التضعيف الذي أشار إليه العقيلي، ذلك لأن ثقة رجال الإسناد، لا يستلزم صحته كما لا يخفى على الممارس لهذا العلم الشريف، فقد يكون فيه تدليس أو انقطاع - أو يكون أحد رواته مضعفا ولو كان من رجال " الصحيح "، لاسيما إذا كان مقرونا عنده، أو معلقا، إلى غير ذلك من العلل في صحة الإسناد، فتأمل. ثم وقفت على إسناد الطبراني في " الأوسط " فقال (1 / 253 / 1) : حدثنا علي بن عبد الله الفرغاني قال: أخبرنا هارون بن موسى الفروي قال: أخبرنا أبو ضمرة أنس بن عياض عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" صنفان من أمتي لا يردان الحوض ولا يدخلان الجنة: القدرية والمرجئة ". وفي لفظ له: " القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ". وقال الطبراني: " لم يرو هذين الحديثين عن حميد الطويل إلا أنس بن عياض، تفرد بهما هارون بن موسى الفروي ". قلت: وهو ثقة كما قال الهيثمي، وقال الحافظ في " التقريب ": " لا بأس به ". ومن فوقه من رجال الشيخين. بقي أن نعرف حال الفرغاني شيخ الطبراني، أورده " الخطيب " في " تاريخ بغداد " (12 / 4 - 5) وقال: " علي بن عبد الله بن عبد البر أبو الحسن الوراق يعرف بـ (الفرغاني) . حدث عن أبي حاتم الرازي وعبد الله بن أحمد بن حنبل، روى عنه القاضي الجراحي ومحمد ابن المظفر وأبو يعلى الطوسي الوراق وابن شاهين ويوسف القواس: حدثنا البرقاني قال: قرأت على أبي يعلى الوراق - وهو عثمان بن الحسن الطوسي - حدثكم علي بن عبد الله بن عبد البر، وراق ثقة. مات سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة ". قلت : فالظاهر أنه هذا، ويؤيده أن المزي ذكره في الرواة عن شيخه هنا: هارون الفروي. وذكر الطبراني في " الصغير " (941 - الروض) أنه سمع منه بمصر فلعله

2749

كان رحل إليها ولقبه بـ (طغك) ، وكذلك وقع في الحديث الأول من أحاديثه التي ساقها عنه في " الأوسط " رقم (4353) . وعلى ذلك فالإسناد جيد وليس فيه ما يمكن أن يعل به من علة من تلك العلل التي سبقت الإشارة إليها، اللهم إلا ما قيل في حميد - وهو ابن أبي حميد الطويل - من التدليس عن أنس، لكن ذكر غير واحد من الأئمة أنه سمعه من ثابت عن أنس، فلا يضر تدليسه، كما أشار إلى ذلك الحافظ العلائي وغيره. ولعل هذا هو السر في كثرة أحاديثه في " الصحيحين " عن أنس معنعنة، وقد رأيت المنذري حسن إسناد حديث آخر رواه الطبراني بهذا الإسناد ، تقدم تخريجه برقم (1620) . وبعد تحرير القول في إسناد حديث أنس هذا، وتبين أنه قوي، وجب إيداعه في هذه السلسلة " الصحيحة "، ونقله من " ضعيف الجامع " - وهو فيه معزو إلى " الضعيفة " برقم (3785) - والذي فيه حديث آخر فيه لعن المرجئة، فاقتضى التنبيه، والله تعالى هو المسؤول أن يسدد خطانا، ويهدينا إلى ما يرضيه من القول والفعل. 2749 - " إذا ذهبتم إلى الغائط فاتقوا المجالس على الظل والطريق، خذوا النبل (¬1) واستنشبوا على سوقكم واستجمروا وترا ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 16 / 2 رقم 5331) : حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل قال: حدثنا مخلد بن خالج قال: أخبرنا إبراهيم بن خالد الصنعاني قال: أخبرنا رباح بن زيد عن معمر عن سماك بن الفضل عن أبي رشدين عن سراقة بن مالك بن جعشم: ¬

(¬1) بضم النون وفتح الباء: هي الحجارة الصغار التي يستنجى بها. اهـ.

أنه كان إذا جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث قومه وعلمهم، فقال له رجل يوما - وهو كأنه يلعب -: ما بقي لسراقة إلا أن يعلمكم كيف التغوط؟! فقال سراقة: إذا ذهبتم.. الحديث. قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الهيثمي (1 / 204 - 205) ، وبيان ذلك: أولا: أبو رشدين هذا اسمه زياد الجندي كما في " تاريخ البخاري " (2 / 1 / 353) ، و " جرح ابن أبي حاتم " (1 / 2 / 550) برواية سماك هذا والنعمان الجندي. ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في " ثقات التابعين " (4 / 454) وقال: " روى عنه النعمان [وغيره] ". ثانيا: وسائر رجاله ثقات من رجال " التهذيب " غير محمد بن عبدوس بن كامل، وهو أبو أحمد السراج، وله ترجمة جيدة في " تاريخ بغداد " (2 / 381 - 382) برواية جماعة من الحفاظ عنه. قال ابن المنادي : " كان من المعدودين في الحفظ وحسن المعرفة بالحديث، أكثر الناس عنه لثقته وضبطه، وكان كالأخ لعبد الله بن أحمد بن حنبل. توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين ". وأورده الذهبي في " تذكرة الحفاظ ". وشيخه مخلد بن خالد هو الشعيري، من شيوخ مسلم في " صحيحه ". ثالثا: وظاهر سياق المتن وإن كان موقوفا فهو في حكم المرفوع، لسببين اثنين: الأول: أن سراقة ذكره بعد أن جاء من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم متحديا لقول ذاك الرجل: " ما بقي لسراقة إلا أن يعلمكم كيف التغوط؟! ".

والآخر: أنه قد جاء مرفوعا في أحاديث متفرقة ، فهي شواهد قوية له، بل روي بتمامه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال ابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 36 - 37) : " سألت أبي عن حديث رواه أحمد بن ثابت (فرخويه) عن عبد الرزاق عن معمر عن سماك بن الفضل عن أبي رشدين الجندي عن سراقة بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أتى أحدكم الغائط ، فلا يستقبل القبلة، واتقوا مجالس اللعن والظل والماء وقارعة الطريق، واستمرخوا الريح، واستشبوا على سوقكم، وأعدوا النبل "؟ قال أبي: إن ما يروونه موقوف، وأسنده عبد الرزاق بآخرة ". قلت: كأنه يشير إلى حديث الترجمة ، وقد عرفت أنه في حكم المرفوع، ثم إنه أعله بعبد الرزاق، وأنه رفعه في آخر عمره، يعني وقد كان تغير حفظه، مع أن الراوي عنه (فرخويه) متهم، فقد قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 44) : " سمعت أبا العباس بن أبي عبد الله الطهراني يقول: كانوا لا يشكون أن (فرخويه) كذاب ". قلت: فلعل أبا حاتم لم يعله به لأنه قد توبع من غيره، فرواه عن عبد الرزاق مرفوعا كما رواه فرخويه، ولذلك عصب العلة بعبد الرزاق، وعليه فهذه متابعة قوية من عبد الرزاق لرباح بن زيد الثقة. والله أعلم. وإليك الآن بعض الشواهد المشار إليها آنفا: 1 - عن سلمان قال: قال لنا المشركون: إني أرى صاحبكم يعلمكم حتى يعلمكم الخراءة! فقال: أجل، إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القبلة.. الحديث. رواه مسلم وأبو عوانة في " صحيحيهما "، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 81 - 82) و " صحيح أبي داود " (5) وهو شاهد قوي لسبب رواية سراقة لحديث الترجمة

2 - عن أبي هريرة مرفوعا: " اتقوا اللعانين. قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس، وفي ظلهم ". أخرجه المذكوران آنفا. وهو مخرج في المصدرين المذكورين. 3 - قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا استجمر أحدكم فليستجمر وترا.. " الحديث. أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو عوانة في " صحاحهم "، وغيرهم من طرق عن أبي هريرة، وقد خرجت بعضها في " صحيح أبي داود " برقم (128) . وله شاهد من حديث جابر مرفوعا به. أخرجه مسلم (1 / 147) وأحمد (3 / 294) من طريق أبي الزبير أنه سمع جابرا به. ثم رواه أحمد (3 / 400) من طريق أبي سفيان عن جابر بلفظ: ".. فليستجمر ثلاثا ". وإسناده صحيح على شرط مسلم. وزاد ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 155) : " يعني يستنجي ". ومضى تخريجه (1295) ، ويأتي برقم (2749) . 4 - ما رواه بعضهم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " اتقوا الملاعن، وأعدوا النبل ". أخرجه أبو عبيد في " غريب الحديث " (ق 12 / 2) : حدثناه محمد بن الحسن عن عيسى ابن أبي عيسى الحناط عن الشعبي عمن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، آفته عيسى هذا الخياط، ويقال فيه (الحناط) و ( الخباط) بائع الخبط، كان قد عالج الصنائع الثلاثة، قال الذهبي في " الكاشف " : " ضعفوه ". وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". ومحمد بن الحسن - هو الشيباني صاحب أبي حنيفة -، أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " ضعفه النسائي من قبل حفظه ". لكن الآفة من شيخه المتروك، وقد رواه عنه ابن قتيبة أيضا في " إصلاح غلط أبي عبيد " (ق 52 / 2 - مخطوطة الظاهرية) . وعلقه الخطابي في " غريب الحديث " (1 / 221) ومن قبله ابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (مسند علي ص 116) ، وأشار إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله: " روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ". وقال محققه الأستاذ الأديب محمود شاكر: " لم أجد إسناده، ولم يسنده أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث 1 : 79 ". قلت: الظاهر أنه سقط إسناده من المطبوعة التي أشار الأستاذ إليها، وها أنا ذا قد قدمته إلى القراء الكرام، نقلا عن مخطوطة " غريب أبي عبيد " ومخطوطة

2750

" إصلاح خطئه " لابن قتيبة، ويؤسفني أنني لم أجد في مسودتي التي منها نقلت الحديث بإسناده من " غريبه " مصدرها من المكتبات العامة. وفي المطبوعة ما يشير إلى الإسناد، فقد عرفت أن أبا عبيد رواه من طريق شيخه محمد بن الحسن الشيباني، فقد قال بعد أن نقل عن الأصمعي ضبطه للفظة (النبل) بضم النون وفتح الباء: " قال محمد بن الحسن: يقول: النبل حجارة الاستنجاء ". ثم إن الحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " بلفظ: " أبعدوا الآثار إذا ذهبتم إلى الغائط وأعدوا النبل واتقوا الملاعن، لا يتغوط أحدكم تحت الشجرة ينزل تحتها أحد - ولا عند ما يشرب منه، فيدعون عليكم ". وعزاه لعبد الرزاق مرسلا . ولم أره في " المصنف " لعبد الرزاق، ولعله في القسم الأول الذي لم يطبع لأنه لم يعثر عليه محققه الشيخ الأعظمي. والله أعلم. وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح بلا ريب. والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من كرمه وفضله. ثم رأيت الحافظ قد عزا لعبد الرزاق جملة من حديثه عن ابن جريج عن الشعبي مرسلا. فانظر " التلخيص " (1 / 107) . 2750 - " مم تضحكون؟ قالوا: من دقة ساقيه. فقال: [والذي نفسي بيده لـ] هي أثقل في الميزان من أحد ". أخرجه أحمد (1 / 420 - 421) وكذا الطيالسي (رقم 355) وابن سعد

(3 / 155 ) من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله قال: كنت أجتني لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الأراك، قال: فضحك القوم من دقة ساقي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره، والسياق لابن سعد، والزيادة للآخرين. قلت: وهذا إسناد حسن، وهو صحيح بطرقه الكثيرة عند الطبراني ( 8453 و 8454 و 8517) ، وابن سعد، وبشواهده الآتية: الأول: عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: كان ابن مسعود على شجرة يجتني لهم منها، فهبت ريح، فكشف لهم عن ساقيه، فضحكوا.. الحديث. أخرجه ابن جرير الطبري في " التهذيب " ( مسند علي / 163 / 262 - شاكر) والطبراني في " الكبير " (19 / 28 / 59) والحاكم (3 / 317) من طريق سهل بن حماد أبي عتاب الدلال: حدثنا شعبة قال: حدثنا معاوية بن قرة به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: بل هو على شرط مسلم، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الدلال فهو من أفراد مسلم، وقد خولف كما يأتي، وقرة والد معاوية صحابي معروف، فلا يضر عدم إخراج مسلم له. وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (1078) قال: حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة أن ابن مسعود.. الحديث فأرسله. وقال يونس بن حبيب - راوي المسند -: " هكذا رواه أبو داود، وقال غير أبي داود عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه ".

قلت: وهذا أصح إن شاء الله تعالى. الثاني: عن أم موسى قالت : سمعت عليا رضي الله عنه يقول: أمر النبي صلى الله عليه وسلم ابن مسعود فصعد على شجرة أمره أن يأتيه بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله بن مسعود.. الحديث. أخرجه أحمد (1 / 114) وابن سعد وابن جرير (162 / 19 و 20) وأبو يعلى (1 / 409 و 446) ومن طريقه الضياء (2 / 421) وابن أبي عاصم في " الوحدان " (ق 21 / 2) والطبراني في " الكبير " (9 / 97 / 8516) وقال ابن جرير: " إسناده صحيح ". قلت: ولعله يعني صحيح بما قبله من الشاهدين، وإلا فقد أعله هو بعلتين اثنتين، إحداهما قادحة، فقال: " والثانية: أن أم موسى لا تعرف في نقلة العلم، ولا يعلم راو روى عنها غير مغيرة، ولا يثبت بمجهول من الرجال في الدين حجة، فكيف مجهولة من النساء؟! ". قلت: وهذه فائدة خلت منها كتب الرجال، وهي تصريح هذا الإمام بجهالة أم موسى هذه، فقد جاء في " التهذيب ": " روى عنها مغيرة بن مقسم الضبي، قال الدارقطني: حديثها مستقيم، يخرج حديثها اعتبارا. وقال العجلي: كوفية تابعية ثقة ". قلت: وهذا التوثيق غير معتمد لأنها في حكم المجهولة التي لا تعرف، فهو جار على طريقة ابن حبان في توثيقه للمجهولين، كما هو معلوم، والعجلي هو عمدة الهيثمي في توثيقه إياه في قوله في " المجمع " (9 / 288 - 289) :

2751

" رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجالهم رجال الصحيح غير أم موسى، وهي ثقة ". ولذلك لم يزد الحافظ على قوله فيها: " مقبولة ". قلت: يعني عند المتابعة، وهو ما أفاده كلام الدارقطني المتقدم، وقد توبعت كما تقدم، فهو حسن لغيره، خلافا للمعلق على " أبي يعلى " وعلى " الضياء "! والله أعلم. 2751 - " نحن يوم القيامة على كوم فوق الناس، فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد، الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: حتى ننظر إليك، فيتجلى لهم يضحك، فيتبعونه ". أخرجه أحمد (3 / 345) والدارمي في " الرد على الجهمية " (ص 58) من طريق ابن لهيعة عن أبي الزبير قال: سألت جابرا رضي الله عنه عن الورود؟ فأخبرني أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات غير ابن لهيعة، فإنه قد ضعف من قبل حفظه، ولكن هذا الحديث مما حفظه، لأنه قد تابعه عليه ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله به، إلا أنه لم يصرح برفعه، لكن له حكم الرفع كما هو ظاهر، لاسيما وقد صرح برفعه في بعض الطرق عنه، وفي غيرها كما يأتي. وقد رواه عنه ثلاثة من الثقات: الأول: أبو عاصم - وهو الضحاك بن مخلد النبيل، ثقة ثبت - قال: حدثنا ابن جريج به موقوفا، لكنه قال في آخره: " قال: فيتجلى لهم - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - يضحك ".

أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (1 / 139) . وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. الثاني: حجاج بن محمد عن ابن جريج به موقوفا. أخرجه أبو عوانة، وعبد الله بن أحمد في " السنة " (ص 48) بإسنادهما الصحيح عنه. الثالث: روح بن عبادة، ورواه عنه جمع: أولهم: الإمام أحمد، فقال: حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج به. أخرجه في " المسند " (3 / 383) وفي " السنة " (ص 47) ومن طريقه ابن منده في " الإيمان " (3 / 802 - 803) وابن أبي عاصم في " السنة " (47 - 48) واللالكائي في " الشرح " (3 / 482 / 835) . وثانيهم: إسحاق بن منصور - وهو ابن بهرام - من تلامذة الإمام أحمد، وهو ثقة من رجال الشيخين، فقال مسلم في " صحيحه " (1 / 122) : حدثني عبيد الله بن سعيد وإسحاق بن منصور كلاهما عن روح به. وثالثهم: عبيد الله بن سعيد - وهو اليشكري - ثقة مأمون. أخرجه مسلم في رواية مسلم المذكورة آنفا. وثلاثتهم اتفقوا على قوله: " فيتجلى لهم يضحك "، لكن اختلف فيه على إسحاق بن منصور، فرواه مسلم عنه هكذا وتابعه محمد بن نعيم ومحمد بن شاذان قالا: حدثنا إسحاق بن منصور به. أخرجه ابن منده (3 / 804) من طريق محمد بن يعقوب الشيباني عنهما. والشيباني هذا هو ابن الأخرم ، وهو ثقة حافظ مترجم في " تذكرة الحفاظ " وغيره.

وخالفه علي بن محمد عن محمد بن نعيم: حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه زاد: " وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حتى تبدو لهواته وأضراسه ". أخرجه ابن منده عقب رواية ابن الخرم، وقال: " ولم يذكر من تقدم هذا ". قلت: يشير إلى أن هذه الزيادة منكرة أو شاذة على الأقل لتفرد علي بن محمد بها، وهو علي بن محمد بن نصر، فإنه فيه بعض اللين كما في " تاريخ بغداد " (12 / 76) و " الميزان " لاسيما وقد زادها على الحافظ ابن الأخرم، وقد أشار صاحبنا الدكتور علي بن محمد بن ناصر الفقيهي في تعليقه على " الإيمان " إلى تفرد علي بن محمد بن نصر هذا بهذه الزيادة، وإلى ما فيه من اللين، ولكنه قد فاته أنه قد توبع، فقال أبو عوانة (1 / 139) : وحدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل وأحمد أخي قالا: حدثنا إسحاق بن منصور به، إلا أنه قال: " أو أضراسه ". قلت: أحمد أخو أبي عوانة لم أعرفه، لكن عبد الله بن أحمد بن حنبل ثقة مشهور، وبذلك تبرأ ذمة ابن نصر من مسؤولية هذه الزيادة، ويتبين أنها محفوظة عن إسحاق بن منصور، برواية عبد الله بن أحمد وقرينه عنه، لكن ذلك مما لا يجعل النفس تطمئن لكونها محفوظة في الحديث، وذلك لما يأتي: أولا: أن مسلما رواه عن إسحاق بدون الزيادة كما تقدم. ثانيا: أنه قد خالفه الإمام أحمد وعبيد الله بن سعيد فروياه عن روح بن عبادة دون الزيادة كما سبق، واثنان أحفظ من واحد، لاسيما وأحدهما أحمد، وهو جبل في الحفظ، وبخاصة أن إسحاق قد وافقهما في رواية مسلم عنه. ثالثا: أننا لو سلمنا أن إسحاق قد حفظها عن روح بن عبادة، ولم تكن وهما

2752

منه عليه، فإن مما لا شك فيه، أن رواية من رواه عن روح بدونها أرجح، لموافقتها لرواية الثقتين الأولين أبي عاصم وحجاج بن محمد الخالية من الزيادة . رابعا: أنني وجدت للحديث طريقا أخرى عن جابر فيها بيان أن هذه الزيادة موقوفة منسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم من فعله، فقد أخرج الآجري في " الشريعة " (ص 282) من طريق وهب بن منبه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الورود قال: " فيتجلى لهم ربهم عز وجل يضحك ". قال جابر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك حتى تبدو لهواته. قلت: وإسناده حسن، وفيه بيان خطأ رواية من روى عن إسحاق رفع بدو اللهوات، وأن الصواب فيه الوقف يقينا. والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة نحوه مضى تخريجه برقم (756) ولجملة تجليه تعالى ضاحكا شواهد ، منها عن أبي موسى الأشعري تقدم أيضا برقم (755) . وقد أخرجها الدارقطني في " النزول " (48 / 33) من طريق يحيى بن إسحاق أبي زكريا السيلحيني: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير بسنده المتقدم. ويحيى هذا قال الحافظ: (2 / 420) : " هو من قدماء أصحاب ابن لهيعة ". 2752 - " إن هذا الحي من مضر، لا تدع لله في الأرض عبدا صالحا إلا فتنته وأهلكته حتى يدركها الله بجنود من عباده، فيذلها حتى لا تمنع ذنب تلعة ". أخرجه أحمد (5 / 390) والبزار (4 / 127 / 3360) والحاكم (4 / 469 - 470 ) وابن عساكر (8 / 809) من طريق قتادة عن أبي الطفيل قال:

انطلقت أنا وعمرو بن صليع حتى أتينا حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وله طريقان آخران، بل ثلاثة طرق: الأول: عن عبد الرحمن بن ثروان (¬1) عن عمرو بن حنظلة قال: قال حذيفة: " والله لا تدع مضر عبدا لله مؤمنا إلا فتنوه أو قتلوه، أو يضربهم الله والملائكة والمؤمنون، حتى لا يمنعوا ذنب تلعة ". فقال له رجل: أتقول هذا يا عبد الله! وأنت رجل من مضر؟ قال: لا أقول إلا ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه أحمد (5 / 395) وابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 111 / 19249) ومن طريقه الطبراني في " الأوسط " (2 / 110 / 2 / 6727) من طريق عبد الله بن نمير: حدثنا الأعمش عن عبد الرحمن بن ثروان به. وقال الطبراني: " لم يروه عن الأعمش إلا عبد الله بن نمير ". قلت: هو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه إلا عمرو بن حنظلة، قال الحافظ في " التعجيل ": " وثقه ابن حبان، وذكره ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحا ". قلت: ولم أره في التابعين من " ثقات ابن حبان " - طبعة الهند بتحقيق الأفغاني، فقلت: لعله أورده في أتباع التابعين، لأنه لم يصرح بسماعه من حذيفة، فرجعت إلى النسخة المصورة عندي فلم أجده فيهم أيضا (¬2) . ¬

(¬1) بسكون الراء كما قيده الحافظ ابن حجر. (¬2) ثم وجدته في طبعة المعارف الهندية (5 / 173) برواية أبي قيس الأودي، وهو عبد الرحمن بن ثروان كما يأتي في الكلام على الطريق الثاني. اهـ.

ثم إن قول الطبراني المذكور آنفا غير مسلم، لأن الحاكم قد أخرجه في " المستدرك " (4 / 470) من طريق أبي عوانة عن الأعمش به. فقد تابع ابن نمير أبو عوانة، وقال الحاكم: " حديث صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وهو وهم ظاهر ، لأن عمرو بن حنظلة ليس من رجالهما على ما فيه من الجهالة التي أشار إليها الحافظ في " التعجيل ". الطريق الثاني: عن عبد الجبار بن العباس الشبامي ( الأصل: الشامي) عن أبي قيس - قال عبد الجبار: أراه - عن هزيل قال: قام حذيفة خطيبا في دار عامر بن حنظلة، فيها التميمي والمضري، فقال: ليأتين على مضر يوم لا يدعون لله عبدا يعبده إلا قتلوه، أو ليضربن ضربا لا يمنعون ذنب تلعة، أو أسفل تلعة. فقيل: يا أبا عبد الله تقول هذا لقومك، أو لقوم أنت - يعني - منهم؟ قال: لا أقول - يعني - إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. أخرجه أحمد (5 / 404) قلت: وهذا إسناد جيد، إن كان الشبامي - نسبة إلى " شبام " جبل باليمن - قد حفظه، فإنه ثقة، وكذا من فوقه وتحته، وأبو قيس هو عبد الرحمن بن ثروان المتقدم في الطريق الأولى من رواية الأعمش عنه . ولا شك أن الأعمش أحفظ من الشبامي، ولاسيما وقد شك هذا في إسناده بقوله: " أراه عن هزيل "، فأخشى أن يكون لم يحفظه. والله أعلم. الثالث: عن منصور بن المعتمر عن ربعي عن حذيفة قال:

ادنوا يا معشر مضر! فوالله لا تزالون بكل مؤمن تفتنونه وتقتلونه حتى يضربكم الله وملائكته والمؤمنون حتى لا تمنعوا بطن تلعة. قالوا: فلم تدنينا ونحن كذلك؟ قال: إن منكم سيد ولد آدم، وإن منكم سوابق كسوابق الخيل. أخرجه ابن أبي شيبة (15 / 111 / 19248) والبزار ( 3362) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وربعي هو ابن حراش. ثم وجدت لربعي شيخا آخر فقال: حدثنا سيف بن وهب قال: قال لي أبو الطفيل: كم أتى عليك ؟ ... الحديث، وفيه أن عمرو بن ضليع كانت له صحبة، وأنه دخل على حذيفة فقال له: كيف أصبحت؟ ... وفيه أن حذيفة حدثه بهذا الحديث نحوه. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 1135) ، وحسن الحافظ إسناده في " الإصابة "، ولعله يعني أنه حسن لغيره، لهذه الطرق، وإلا فسيف لين الحديث عنده في " التقريب " ، ومن هذا الوجه أخرجه ابن عساكر أيضا. وللحديث شاهد بنحوه، ولفظه: " لتضربن مضر عباد الله حتى لا يعبد لله اسم، وليضربنهم المؤمنون حتى لا يمنعوا ذنب تلعة ". أخرجه أحمد (3 / 86 - 87) : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا عباد بن عباد عن مجالد ابن سعيد عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات غير مجالد بن سعيد، وليس بالقوي كما في " التقريب " .

2753

وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 313) : " رواه أحمد، وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات ". قلت: إنما وثقه النسائي مرة، وقال مرة أخرى: ليس بالقوي، كما في " التهذيب "، وقد أورده في كتابه " الضعفاء والمتروكون "، وقال (رقم 552) : " كوفي ضعيف ". وخلف بن الوليد ثقة من رجال " التعجيل "، وقد تابعه إبراهيم بن زياد، سبلان قال: حدثنا عباد بن عباد به دون قوله: " وليضربنهم المؤمنون.. ". أخرجه اللالكائي في " أصول السنة " (1 / 210 / 342) . وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير " لأحمد وحده، ووقع فيه: ".. حتى لا يعبد الله "، فكأنه تحرف على الناسخ قوله: " حتى لا يعبد لله اسم ". واستدل به اللالكائي على أن الاسم والمسمى واحد، ونعم الدليل لو صح بهذا اللفظ. والله أعلم. 2753 - " قل: " اللهم عالم الغيب والشهادة فاطر السماوات والأرض، رب كل شيء ومليكه أشهد أن لا إله إلا أنت أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه ". قله إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك ". حديث صحيح، يرويه يعلى بن عطاء قال: سمعت عمرو بن عاصم الثقفي يقول: سمعت أبا هريرة يقول: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله! مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت. قال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح، الثقفي هذا وثقه أحمد وابن حبان. ويعلى بن عطاء ثقة من رجال مسلم، وقد رواه عنه شعبة وهشيم. أما الأول، فرواه عنه جمع من الثقات: 1 - أبو داود الطيالسي، قال في " مسنده " (2582) : حدثنا شعبة به. ومن طريق الطيالسي أخرجه الترمذي (3389) وقال: " حديث حسن صحيح ". 2 - محمد بن جعفر، غندر، قال ابن أبي شيبة (10 / 237 / 9323) وأحمد (2 / 297) قالا: حدثنا محمد جعفر حدثنا شعبة به. وأخرجه البخاري في " خلق أفعال العباد " (ص 74 و 94 - هندية) والنسائي في " الكبرى " (4 / 408 / 7714) قالا: حدثنا محمد بن بشار : حدثنا غندر به، إلا أنه وقع في الموضع الثاني من " الأفعال " زيادة يأتي الكلام عليها إن شاء الله. 3 - سعيد بن الربيع: حدثنا شعبة به. أخرجه البخاري في " الأفعال "، وفي " الأدب المفرد " (رقم 1202) . 4 - سعيد بن عامر عن شعبة به. أخرجه الدارمي (2 / 292) : أخبرنا سعيد بن عامر به. 5 - النضر بن شميل: حدثنا شعبة به. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2349 - موارد) . 6 و 7 - بهز وعفان قالا: حدثنا شعبة به. أخرجه أحمد (1 / 9 و 10) .

وأخرجه النسائي في " اليوم والليلة " (795) والطبراني في " الدعاء " (2 / 923 / 288) من طرق أخرى عن شعبة به. وأما الآخر: هشيم، فرواه عنه جمع آخر من الثقات عن يعلى به. أخرجه البخاري في " الأفعال " و " الأدب "، وأبو داود (5067) والنسائي (4 / 401 / 7691 و 403 / 7699) والحاكم (1 / 513) وأبو يعلى في " مسنده " (1 / 26) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (رقم 43) من طرق عنه، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وصرح عنده هشيم بالسماع. (تنبيه) : حديث أبي هريرة هذا أورده ابن تيمية في " الكلم الطيب " (رقم 42) برواية الترمذي فقط إلى قوله: " وشركه ". وقال ابن تيمية عقبه: " وفي رواية: " وأن أقترف على نفسي سوءا، أو أجره إلى مسلم، قله إذا أصبحت.. ". قال الترمذي: حديث حسن صحيح ". فعلقت عليه بأن هذه الرواية ليست عند الترمذي من حديث أبي هريرة، وإنما من حديث ابن عمرو. ثم رأيت ابن القيم قد زاد على شيخه وهما على وهم في " الوابل الصيب " فحذف قوله : " وفي رواية "! فصارت الزيادة صراحة في حديث الترمذي عن أبي هريرة! وهو خطأ ظاهر. ولم يتعرض الشيخ إسماعيل الأنصاري في تعليقه على " الوابل " (ص 202) كعادته لبيان هذا الوهم، وإنما قال: إنه قد جاء قوله: " أن أقترف.. " في حديث أبي هريرة عند البخاري في " خلق أفعال العباد "، ثم ساق إسناده من طريق محمد بن بشار عن غندر. وقد علمت أن هذه الزيادة لم تقع عند البخاري

في الموضع الأول. وهي بلا شك ليست في حديث غندر، لأن أحمد رواه عنه كذلك، فهي زيادة شاذة عن شعبة لمخالفتها لرواية جمع الثقات عنه، ومتابعة هشيم له كما تقدم. فلعلها مدرجة من بعض النساخ. نعم هي ثابتة في حديث ابن عمرو وأبي مالك كما ذكرت هناك في التعليق على " الكلم الطيب " (ص 33) ويأتي تخريجها (2763 ) . ووجدت لها طريقا أخرى من رواية ليث عن مجاهد قال: قال أبو بكر الصديق: .. فذكر نحوه بالزيادة. أخرجه أحمد (1 / 14) . قلت: وهو مرسل، وليث - وهو ابن أبي سليم - ضعيف. (تنبيه آخر) لقد تحرفت جملة: " ورب كل شيء ومليكه " إلى جملة شاذة بمرة " كل شيء بكفيك "، هكذا وقعت في " الأدب المفرد " في كل الطبعات التي وقفت عليها، ومنها الهندية، وهي أصحها. وكذلك وقعت في متن شرح الشيخ فضل الله الجيلاني! وهي خطأ بلا شك من بعض نساخ " الأدب "، لمخالفتها لكل مصادر الحديث المتقدمة، ومنها " أفعال العباد " للبخاري مؤلف " الأدب " مما لا يبقى أدنى ريب في خطئها. والحديث مما ضعفه (حسان الهدام) بدون حجة أو برهان، ولم يرض بتصحيح من تقدم ذكره وغيرهم مما لم نذكره هنا، وإنما اقتصر على تحسينه إياه على استحياء! مشككا فيه بقوله فيه: " حديث حسن إن شاء الله تعالى "، وقد أكثر من مثل هذا التشكيك في كثير من الأحاديث الصحيحة في تخريجه لكتاب ابن القيم " إغاثة اللهفان "، وكتم صحة حديث ابن عمرو، وقد بينت ذلك كله في ردي عليه رقم (29) .

2754

2754 - " كان إذا أراد أن ينام وضع يده تحت خده الأيمن، ويقول: اللهم قني عذابك يوم تبعث عبادك ". ورد من حديث البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وحفصة بنت عمر. 1 - أما حديث البراء فيرويه أبو إسحاق السبيعي، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه: الأول: عنه عن البراء به. رواه سفيان الثوري عنه به. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1215) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (449 / 753 - تحقيق الدكتور فاروق) وأحمد (4 / 290 و 298 و 303) وكذلك رواه زكريا - وهو ابن أبي زائدة - عنه به. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (9 / 76 / 6588 و10 / 251 / 9360) . وكذلك رواه يونس بن عمرو - وهو ابن أبي إسحاق - قال: قال أبي: حدثني البراء ابن عازب به. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (2 / 472) وعنه ابن حبان في " صحيحه " (2350 - الموارد) من طريق يونس بن بكير عنه وفي (اليونسين) كلام من جهة حفظهما، فيخشى أن يكون أحدهما أخطأ في ذكر التحديث بين أبي إسحاق والبراء، ولاسيما وقد رواه أبو يعلى بالسند نفسه عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه، يعني ابن مسعود، وقد توبع كما يأتي. وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق به.

أخرجه الطيالسي في " مسنده " (709) والنسائي ( 751) لكنه قد خولف كما يأتي. وكذلك رواه أبو الأحوص عن أبي إسحاق به. أخرجه ابن حبان (2351) . وكذلك رواه جمع آخر عنه عند النسائي فلا نطيل الكلام بذكرهم، فإن فيمن ذكرنا كفاية. الوجه الثاني: رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن يزيد الأنصاري عن البراء بن عازب به. أخرجه أحمد (4 / 300 و 301 ) والنسائي (450 / 755) . وعبد الله بن يزيد الأنصاري - وهو الخطمي - صحابي صغير. الوجه الثالث: يرويه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ورجل آخر عن البراء به. أخرجه أحمد (4 / 281) وأبو يعلى (2 / 477) والنسائي (754 ) . الوجه الرابع: رواه إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله مرفوعا به. أخرجه النسائي (756) وابن ماجه (3923 - الأعظمي) وابن أبي شيبة (9 / 76 / 6589 و 10 / 251 / 9361) . وتابعه يونس بن عمرو عن أبيه أبي إسحاق عند أبي يعلى في رواية كما تقدم في الوجه الأول.

الوجه الخامس: رواه إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن البراء به. أخرجه النسائي (758) والترمذي (3396) وقال: " هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: وإبراهيم هذا صدوق من رجال الشيخين، ولكنه يهم كما في " التقريب ". ثم أشار الترمذي إلى هذه الوجوه الخمسة من الاختلاف، ولم يذكر الراجح منها. والذي يتبين لي أن أصحها الوجه الثالث، لأن الثوري وشعبة أحفظ من أصحاب الوجوه الأخرى من جهة، ولأنهما سمعا من أبي إسحاق قبل اختلاطه من جهة أخرى. ثم إن رواية شعبة أرجح من رواية الثوري لأمرين: أحدهما: أن فيها زيادة الواسطة بين أبي إسحاق والبراء، وزيادة الثقة مقبولة، والآخر: أن أبا إسحاق كان مدلسا، وقد ذكروا أن شعبة كان لا يروي عنه ما دلسه (¬1) وعليه فالإسناد من هذا الوجه صحيح، لأن أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود ثقة ومعه الرجل الآخر الذي قرن به، فهو وإن لم يسم، فإنه ينفعه ولا يضره. والله أعلم. 2 - وأما حديث حذيفة، فرواه عنه عن ربعي بن حراش عنه مرفوعا. أخرجه الترمذي (3395) والحميدي (444) وأحمد (5 / 382) عن سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عنه. وقال الترمذي: ¬

(¬1) قال: ثلاثة كفيتكم تدليسهم: فذكر أبا إسحاق.

" حديث حسن صحيح ". قلت: وهو على شرط الشيخين، وهو عند البخاري (6312) وفي " الأدب المفرد " (1205) وابن حبان (5507) وأحمد (5 / 385 و 397 و 399 و 407) والنسائي (747) من طريق الثوري عن عبد الملك به، لكن بلفظ: " باسمك أموت وأحيا "، وزاد: " وإذا قام قال: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ". ثم رواه هو ( 6314) و (6324) وأحمد (5 / 387) والبغوي في " شرح السنة " (¬1) ، والترمذي (3413) وصححه، والنسائي (857 - 860) من طرق أخرى عن عبد الملك وغيره به. 3 - وأما حديث حفصة، فيرويه عاصم بن بهدلة [عن معبد بن خالد] عن سواء الخزاعي عنها به، وزاد: " ثلاث مرار ". أخرجه أبو داود (5045) وابن أبي شيبة (10 / 250 / 9358) وأحمد (6 / 287 و 288) وأبو يعلى (4 / 1675 و1681) وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (231 - 232) وكذا النسائي فيه (452 / 761) من طرق عن عاصم به. وما بين القوسين لأبي داود ورواية للنسائي وابن السني. وليس عند ابن أبي شيبة زيادة " ثلاث مرار "، وهو رواية لأبي يعلى. قلت: وفي النفس من ثبوت هذه الزيادة شيء، وذلك لأمور: أولا: لأن مدارها على سواء الخزاعي، ولم يوثقه غير ابن حبان، وأشار الذهبي إلى تليين توثيقه، فقال في " الكاشف ": " وثق ". وكذا الحافظ بقوله في " التقريب ": " مقبول ". ¬

(¬1) وعزاه المعلق عليه لمسلم أيضا، وهو من أوهامه، وإنما هو عنده من حديث البراء بن عازب. اهـ.

قلت: وعليه فهو مجهول، ولا يعكر عليه أنه روى عنه ثقات ثلاثة: المسيب بن رافع ومعبد بن خالد وعاصم بن بهدلة كما في " التهذيب "، لأني أقول: إن عاصما هو الراوي عن الأولين، وهو معروف بشيء من الضعف، فأخشى أنه لم يحفظ إسناده، واضطرب فيه، فمرة قال: " عن سواء "، مباشرة، وأحيانا رواه بواسطة أحدهما، وهذا أصح، لأنه من رواية الثقات عن عاصم، والأولى من رواية حماد بن سلمة عنه، وفي روايته عن غير ثابت البناني كلام معروف. وثانيا: لعدم اتفاق الرواة لحديثه عليها كما سبق. وثالثا: عدم ورودها في حديث البراء وحذيفة. والله أعلم. وأما الحافظ فقد تناقض، فإنه قال في " الفتح " (11 / 115) وقد ذكر الحديث من رواية أبي إسحاق عن البراء: " وسنده صحيح. وأخرجه النسائي أيضا بسند صحيح عن حفصة وزاد: (ويقول ذلك ثلاثا) "! قلت: ووجه التناقض أنه يعلم أن أبا إسحاق هذا مدلس مشهور بذلك كما قال هو نفسه في " طبقات المدلسين "، أورده في الطبقة الثالثة، وهي طبقة من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقا، ومنهم من قبلهم، كأبي الزبير المكي. وإذا كان الأمر كذلك فكيف يصحح إسناده وهو قد عنعنه، أضف إلى ذلك أن غيره من الثقات - وفيهم شعبة - قد أدخل بين أبي إسحاق والبراء واسطة، فلو أنه صحح إسناده من رواية شعبة عنه، لكان أصاب، لما سبق بيانه. وكذلك تصحيحه لسند حديث حفصة، وبالزيادة، وهو يعلم أن فيه سواء الخزاعي، وقد قال فيه في " التقريب ":

" مقبول "، كما تقدم. يعني عند المتابعة، كما نص عليه في المقدمة، وإن لم يتابع فلين الحديث. وهو لم يتابع كما عرفت، فتصحيح الحديث والحالة هذه خطأ أيضا. والله أعلم، أضف إلى ذلك أن الزيادة (ثلاث مرار) لم ترد في الحديثين الصحيحين: حديث البراء وحديث حذيفة، وبذلك يتبين أن قول الشيخ عبد القادر أرناؤوط في تعليقه على " الوابل الصيب " (ص 127) : " وهو حديث صحيح ". فهو غير صحيح، وهو كثيرا ما يقول هذا في بعض الأحاديث توهما أو تقليدا. والله أعلم. (تنبيه) : هذا الدعاء " اللهم قني.. " قد جاء في " صحيح مسلم " وغيره من طريق ثابت بن عبيد عن عبيد بن البراء عن البراء بلفظ: " كنا إذا صلينا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحببنا أن نكون عن يمينه يقبل علينا بوجهه. قال: فسمعته يقول: رب قني عذابك يوم تبعث (أو تجمع) عبادك ". وعبيد هذا ليس بالمشهور، حتى أن البخاري لما ذكره في " التاريخ الكبير " (3 / 1 / 443) لم يزد فيه على قوله: " عن أبيه "! ونحوه في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 402) إلا أنه قال: " روى عنه محارب بن دثار ". ولم يزد في " التهذيب " عليه سوى ثابت بن عبيد هذا، ولم ينقل توثيقه عن

2755

أحد سوى العجلي. وفاته أن ابن حبان وثقه أيضا، فذكره في " الثقات " (5 / 135) لكنه غمز من حفظه، فقال ولم يزد: " عن أبيه، لم يضبطه ". قلت: وكأنه يشير إلى هذا الحديث، فإن قوله: " فسمعته يقول.. " ظاهره أنه سمعه يقول ذلك بعد الصلاة إذا أقبل عليهم بوجهه، وهو مخالف لكل الطرق المتقدمة عن البراء - وبعضها صحيح - أنه صلى الله عليه وسلم كان يقوله عند النوم، فتكون رواية عبيد هذه شاذة في أحسن الأحوال. ولعله لذلك لم يذكر أبو داود وابن ماجه (1006) هذا الدعاء مع الحديث. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (628) . والله أعلم. (تنبيه آخر ) : عزاه ابن تيمية في " الكلم الطيب " (36 / 29) للشيخين، وتبعه ابن القيم في " الوابل " ولم يروه مسلم كما تقدم، وكما في " التحفة " (3 / 23 - 24) . 2755 - " إذا أصاب أحدكم غم أو كرب فليقل: الله، الله ربي لا أشرك به شيئا ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2369 - موارد) والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 22 / 2 / 5423) من طريق إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن البرند: حدثنا عتاب بن حرب أبو بشر حدثنا أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع أهل بيته فيقول: فذكره. وقال الطبراني : " لم يروه عن أبي عامر الخزار إلا عتاب، تفرد به إبراهيم بن محمد بن عرعرة ".

قلت: وهو ثقة حافظ من شيوخ مسلم. لكن شيخه عتاب بن حرب أبو بشر ضعفوه، وتناقض فيه ابن حبان، انظر " اللسان ". ومن فوقه من رجال مسلم، على ضعف في أبي عامر الخزار، واسمه صالح بن رستم. والحديث عزاه الهيثمي في " المجمع " (10 / 137) لأوسط الطبراني، ولم يتكلم عليه بشيء، ولعله سقط من الناسخ أو الطابع، وتبعه على ذلك الشوكاني في " تحفة الذاكرين " (ص 195) . وللحديث شاهدان من حديث ابن عباس وأسماء بنت عميس. 1 - وأما حديث ابن عباس فيرويه عبيد الله بن محمد التيمي: حدثنا صالح بن عبد الله أبو يحيى عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بعضادتي الباب ونحن في البيت، فقال: يا بني عبد المطلب هل فيكم أحد من غيركم ؟ قالوا: ابن أخت لنا. فقال: " ابن أخت القوم منهم ". ثم قال: " يا بني عبد المطلب إذا نزل بكم كرب أو جهد أو لأواء فقولوا: الله، الله ربنا لا شريك له ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (12 / 170 / 12788) و " الأوسط " (2 / 235 / 1 / 8639) و " الدعاء " (117 / 2) وقال: " لم يروه عن أبي الجوزاء إلا عمرو بن مالك، ولا عن عمرو إلا صالح بن عبد الله، تفرد به ابن أبي عائشة ". قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه غير صالح بن عبد الله، كذا وقع في المصدرين المذكورين، وفي " الميزان ":

" صالح بن عبيد الله الأزدي عن أبي الجوزاء. قال أبو الفتح الأزدي: في القلب منه شيء ". كذا فيه: " عبيد " مصغرا، وكذا في " اللسان "، وزاد: " وقال العقيلي: بصري، يكنى أبا يحيى ، عن عمرو بن مالك إسناده غير محفوظ، والمتن معروف بغير هذا الإسناد، وقال البخاري: فيه نظر ". قلت: ولم أره في " الجرح والتعديل "، ولا في " التاريخ الكبير " و " التاريخ الصغير " للبخاري. هذا ولعل العقيلي يشير بقوله : " والمتن معروف بغير هذا الإسناد " إلى حديث أسماء الآتي، وهو: 2 - وأما حديث أسماء بنت عميس، فله عنها طريقان: الأول: يرويه مجمع بن يحيى: حدثني أبو العيوف صعب أو صعيب العنزي قال: سمعت أسماء بنت عميس تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذني هاتين يقول: فذكره نحوه، ولفظه: " من أصابه هم أو غم أو سقم أو شدة فقال: " الله ربي لا شريك له " كشف ذلك عنه ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 2 / 328 / 3006) والطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 154 / 396) و " الدعاء " أيضا. قلت: ورجاله ثقات غير أن أبا العيوف لم يوثقه غير ابن حبان، لكن قد ذكر له في " الثقات " (3 / 119) راويا آخر غير مجمع بن يحيى وهو أبو الغريف الهمداني، وهو تابعي ثقة أيضا واسمه عبد الله بن خليفة، وله عنده ترجمة (3 /

147) ، فهو - أعني أبا العيوف - ممن يستشهد به، إن لم يكن حسن الحديث لذاته. والله أعلم. والطريق الآخر : يرويه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن هلال مولى عمر بن عبد العزيز، عن عمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن جعفر عن أمه أسماء بنت عميس قالت: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن عند الكرب: " الله، الله ربي، لا أشرك به شيئا ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 2 / 329) وأبو داود (1525) وابن ماجه (3928) وكذا النسائي في " عمل اليوم والليلة " ( رقم 649) وابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 196 / 9205) وأحمد (6 / 369 ) والطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 135 / 363) و " الدعاء " أيضا، وأبو نعيم في " الحلية " (5 / 360) من طرق عنه، وقال أبو نعيم: " غريب من حديث عمر، تفرد به ابنه عن هلال مولاه عنه ". قلت: وابنه عبد العزيز بن عمر ثقة من رجال الشيخين، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه ذكرها الحافظ المزي وأفاد أن المحفوظ ما ذكرنا. وعلى ذلك نستطيع أن نقول: إنه إسناد حسن أو صحيح، فإن سائر رجاله ثقات أيضا رجال الشيخين غير هلال هذا، " يكنى بـ " أبي طعمة " وهو بها أشهر، وثقه ابن عمار الموصلي، وروى عنه جمع، وأما الحافظ فقال: مقبول، ولم يثبت أن مكحولا رماه بالكذب ". هذا ما كنت قلته في تخريج الحديث في " صحيح أبي داود " (1364) اعتمادا مني على ما في " كنى التهذيب " و" التقريب "، ثم ذهلت عن هذه

الترجمة حين علقت على الحديث في حاشية " الكلم الطيب " (ص 73) ، وكان ذلك وأنا بعيد عن بلدي وكتبي، فزعمت ثمة أن هلالا لم يترجم له في " التهذيب " وغيره! فكانت هفوة مني، ليبتلي بها الله تعالى من شاء من عباده، فاستغلها بعض الحاقدين الحاسدين الذين يتتبعون عثرات المؤمنين، فطبلوا وزمروا حولها ما شاء لهم التطبيل والتزمير، وبخاصة منهم الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، والشيخ إسماعيل الأنصاري، فقد كتب هذا تعليقا حولها على " الوابل الصيب " نحو صفحتين (236 - 237) بالحرف الصغير، لا يستفيد منها القارىء شيئا يتعلق بالحديث تصحيحا أو تضعيفا، اللهم إلا النقل من بعض كتب التراجم مما يحسنه المبتدىء في هذا العلم! مع بعض الأوهام التي لا مجال الآن لبيانها لأن القصد أن تلك الهفوة دفعتني مجددا لدراسة هلال هذا، وهل هو أبو طعمة أم غيره؟ فرجعت إلى المصادر القديمة التي هي عمدة المتأخرين في التراجم كالبخاري وابن أبي حاتم وغيرهما، فوجدت هذا قد أورد (أبو طعمة) في " الكنى " من " الجرح والتعديل " وقال (4 / 2 / 398) : ".. قارىء أهل مصر ، سمع ابن عمر، روى عنه ابنا يزيد بن جابر وعبد الله بن عيسى وابن لهيعة ". فهذا النص منه يشعر أنه يفرق بين أبي طعمة، وبين هلال، وذلك من وجوه: أولا : أنه ترجم لهلال ترجمة مختصرة في " الأسماء " في نفس الجزء (ص 77) فقال: " روى عن عمر بن عبد العزيز، روى عنه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ".

وهو في ذلك تابع للبخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 209) . فلم يكنياه بأبي طعمة، ولا أشار إلى ذلك أدنى إشارة. وتابعهما في ذلك ابن حبان فذكره في " ثقات أتباع التابعين " (7 / 575) . ثانيا: أنهما لما ترجما له في " الكنى " بما تقدم لم يشيرا أيضا إلى أنه هلال المتقدمة ترجمته في (الأسماء) . ثالثا: أن الناظر المتأمل في ترجمتيهما يجد أنهما ليسا في طبقة واحدة، فمن سمع ابن عمر يكون " تابعيا "، ومن روى عن عمر بن عبد العزيز - وهو تابعي - يكون عادة من أتباع التابعين، وإن كان هذا لا يمنع أن يكون مثله في الطبقة فيكون من رواية الأقران بعضهم من بعض، أو على الأقل من رواية الأكابر عن الأصاغر سنا، كل هذا محتمل عندي، ولكن الأمر يحتاج إلى دليل، لذلك تابعت التحقيق والبحث في ذلك ، ولاسيما وقد رأيت المتأخرين من العلماء قد جعلوهما واحدا، فوجدت ما يأتي: أولا: قال الإمام أحمد في " العلل ومعرفة الرجال " (1 / 295) : " أبو طعمة ، هذا شامي، روى عنه عبد العزيز بن عمر، وروى عنه ابن جابر وابن لهيعة ". فذكر عبد العزيز بن عمر في جملة من روى عن أبي طعمة، فأفاد أنه هلال نفسه ويؤيده قولي: ثانيا: أنني رأيت الإمام أحمد قال في " المسند " (2 / 25) : حدثنا وكيع: حدثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبي طعمة مولاهم، وعن عبد الرحمن ابن عبد الله الغافقي أنهما سمعا ابن عمر يقول: قال رسول

الله صلى الله عليه وسلم: " لعنت الخمرة على عشرة وجوه.. " الحديث. وقد رواه ابن لهيعة وغيره عن أبي طعمة به. وهو مخرج في " الإرواء " (5 / 365 / 1529) وقال ابن لهيعة في رواية: " لا أعرف أيش اسمه ". أخرجه أحمد (2 / 71) . قلت : فقول ابن لهيعة هذا يدل على أن أبا طعمة غير مشهور باسمه، ولذلك كنت قلت في " صحيح أبي داود: " وهو بكنيته أشهر ". فتبين لي مما تقدم أن هلالا هو أبو طعمة كما جزم بذلك الذهبي وغيره. وإذا كان الأمر كذلك، فهو ثقة كما قال الذهبي في كنى " الكاشف "، خلافا لقول الحافظ: " مقبول " لرواية جمع من الثقات عنه وتوثيق ابن عمار الموصلي إياه، وبناء عليه يختلف حكمنا على الحديث عما قلناه سابقا في التعليق على " الكلم الطيب " أنه حسن، ويصير صحيحا لذاته، ويزداد قوة بالطريق الأولى عن أسماء، وبشاهديه عن عائشة وابن عباس ، والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله تعالى. ( تنبيه) : لفظ الحديث عند ابن حبان في " الموارد ": " الله الله ربي، لا أشرك به شيئا، الله الله ربي، لا أشرك به شيئا ". هكذا مرتين، فلا أدري إذا كانت الرواية عنده هكذا، أو أنه خطأ مطبعي، ويرجح الأول أن الجزري ذكره كذلك برواية ابن حبان في " عدة الحصن الحصين " (ص 194) خلافا لشرحه " التحفة " للشوكاني " وخلافا لـ " الإحسان " (2 / 112 / 861) .

(تنبيه ثان) : ذكر المنذري في " الترغيب " (3 / 43) عقب عزوه حديث أسماء لأبي داود والنسائي وابن ماجه قال: " ورواه الطبراني في " الدعاء " وعنده: " فليقل: الله ربي لا أشرك به شيئا ثلاث مرات "، وزاد: وكان ذلك آخر كلام عمر بن عبد العزيز عند الموت ". فنقل الشوكاني هذا العزو في شرحه المذكور، لكنه قدم وأخر فقال : " وزاد الطبراني في " الدعاء ": ثلاث مرات. وأخرجه أيضا ابن ماجه ". فأوهم أن الحديث عند ابن ماجه بالزيادة، وليس كذلك، ثم إنني لم أقف على إسنادها، لأن كتاب " الدعاء " للطبراني لم أقف عليه، وما أظنه يصح، والله أعلم. ثم حظيت بنسخة جيدة مصورة من كتاب " الدعاء "، وهبها لي مع مصورات أخرى قيمة أحد إخواننا الطيبين من طلاب الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة جزاه الله خيرا، فإذا إسناد تلك الزيادة لا تصح كما ظننت، قال الطبراني (ق 117 / 1 - 2) : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي أخبرنا إبراهيم بن بشار الرمادي حدثنا سفيان بن عيينة عن مسعر عن عبد العزيز بن عمر عن أبيه عمر بن عبد العزيز بن مروان عن أسماء بالرواية والزيادة التي ذكرها المنذري! وذلك من تساهله الذي كنت شرحته في مقدمة كتابي " صحيح الترغيب "، فإن الغلابي هذا كان يضع الحديث. وقد خولف في إسناده ومتنه، فرواه الطبراني أيضا والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (650) بسند صحيح عن جرير عن مسعر قال: عن عبد العزيز بن عمر عن أبيه قال: فذكره هكذا مرسلا وبلفظ: " سبع مرات ".

2756

وهذه أصح من الأولى، ولكنها لا تصح أيضا لإرسالها، وقد عزاها ابن تيمية في " الكلم الطيب " (رقم 121) لأبي داود، وهو وهم تبعه عليه ابن القيم في " الوابل الصيب "، ولم يتنبه لذلك محققه الشيخ عبد القادر (ص 148 - 149) على الرغم من أنني كنت نبهت عليها في تعليقي على " الكلم الطيب "، فذكرت يومئذ أنني لم أرها، وأنه لعلها محرفة أو سهو من رواية (ثلاث) ، فقد خرجها الطبراني في " الدعاء " له. والآن وقد من الله علي بالحصول على الكتاب، فقد ظهر أن كلا من الروايتين ضعيفتان، ورواية الثلاث أشد ضعفا من الأخرى. والله ولي التوفيق. 2756 - " لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما أمرت به ". حديث صحيح، يرويه حبيب بن أبي ثابت عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب مرفوعا. وقد اختلف عليه في رفعه، وفي ذكر (ذر) في إسناده. أما الرفع، فرواه الأعمش عنه به. أخرجه الترمذي (2253) والنسائي في " عمل اليوم " (521 / 934) قالا - والسياق للترمذي -: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد البصري حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت به. وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير إسحاق هذا، وهو

ثقة، وابن أبي ثابت وإن كان مدلسا، فقد صرح بالتحديث في رواية شعبة الآتية عنه، وذر هو ابن عبد الله المرهبي. وبهذا الإسناد رواه ابن السني (293) من وجه آخر عن إسحاق به إلا أنه لم يذكر ( ذرا) في إسناده، فلا أدري إذا كان ذلك من الناسخ أو الطابع، أو هكذا الرواية عنده، فإنه رواها عن شيخه محمد بن علي بن بحر عن إسحاق، وقد ترجم الخطيب لابن بحر هذا وقال: توفي سنة تسع وتسعين ومائتين، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فإن كان هو الذي أسقطه، فهو دليل على أنه لم يحفظه، فتكون روايته على كل حال شاذة، بل منكرة. ويؤكد ذلك أن إسحاق قد توبع على ذكره لذر في الإسناد من غير واحد. 1 - عياش بن الوليد الرقام - وهو ثقة من شيوخ البخاري - عن ابن فضيل به. أخرجه النسائي (251 / 934) . 2 - محمد بن يزيد الكوفي: حدثنا ابن فضيل به، وزاد: " فإنها من روح الله تبارك وتعالى ". أخرجه عبد الله بن أحمد في " المسند " (5 / 123) قال: حدثنا أبي حدثنا محمد ابن يزيد الكوفي.. قلت: هكذا وقع فيه: " حدثنا أبي، وأظنه مقحما من بعض النساخ أو الطابع، وأن الحديث من رواية عبد الله عن محمد بن يزيد، فهو من زياداته على " مسند أبيه " . ثم رأيت ابن كثير عزاه إليه في " جامع المسانيد " (1 / 115 / 86) والحافظ في " أطراف المسند " (1 / 215 / 53) وكذلك صنع السيوطي في " الجامع الكبير " .

ومحمد بن يزيد هذا هو أبو هشام الرفاعي، وهو ضعيف عند البخاري وغيره. وأما الإسناد، فقد خالفهم علي بن المديني فقال: حدثنا محمد بن فضيل: حدثنا الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن عبد الرحمن به مرفوعا. فلم يذكر في إسناده (ذرا) . أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 398) . وابن المديني ثقة ثبت من شيوخ البخاري، فالظاهر أن ابن أبي ثابت هو الذي أسقط (ذرا ) ودلسه، بدليل رواية شعبة الآتية، وقد رواه غير ابن فضيل مدلسا، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 217) : حدثنا أسباط عن الأعمش عن حبيب ابن أبي ثابت عن سعيد به إلا أنه أوقفه على أبي ولم يرفعه. وكذلك رواه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 719) عن ابن أبي شيبة. وقد خولف في وقفه، فقال عبد الله بن أحمد في " زوائده " (5 / 123) : حدثني أبو موسى محمد بن المثنى: حدثنا أسباط بن محمد القرشي به إلا أنه رفعه فقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وبهذا الإسناد رواه النسائي أيضا (520 / 933) . وأسباط ثقة من رجال الشيخين، فالسند صحيح مرفوعا وموقوفا لولا تدليس ابن أبي ثابت وإسقاطه لذر. لكن قد أثبته جرير فقال: عن الأعمش عن حبيب عن ذر عن سعيد به، إلا أنه لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه على أبي. أخرجه النسائي (521 / 936) ومن طريقه الطحاوي. وجملة القول أنه قد اختلف الرواة في حديث الأعمش هذا عن حبيب، فمنهم من رفعه، ومنهم من أوقفه، ومنهم من ذكر فيه (ذرا) ، ومنهم من لم يذكره. ولكن من تأمل في تخريجنا هذا تبين له أن أكثرهم رفعه وذكر (ذرا) ،

فيكون هذا أرجح، ولاسيما ومعهم زيادة، وزيادة الثقة مقبولة كما هو مشروح في " علم المصطلح ". ومما يرجح زيادة (ذر) في الإسناد أن شعبة قد تابع الأعمش عليها، فرواه النسائي رقم (938 و 939) من طريق ابن أبي عدي، والنضر بن شميل، وأحمد في " مسائل ابنه صالح " (ص 58) عن يحيى بن سعيد، ثلاثتهم عن شعبة عن حبيب عن ذر عن سعيد عن أبيه عن أبي، ولم يرفعاه. ومن طريق النسائي أخرجه الطحاوي، وقال: " قال النسائي: وهو الصواب ". يعني الوقف. قلت: لكن قد رواه الثقة عن شعبة به مرفوعا، فقال عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 27 / 1) : حدثنا مسلم بن إبراهيم - وتابعه سهل بن حماد عند النسائي (937) قالا -: حدثنا شعبة به عن أبي بن كعب: أن الريح هاجت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسبها رجل، فقال: " لا تسبها فإنها مأمورة، ولكن قل.. " فذكر الدعاء. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ومسلم بن إبراهيم - وهو الأزدي الفراهيدي - ثقة مأمون كما قال الحافظ في " التقريب ". ولا يضره وقف النضر وابن أبي عدي إياه لأنه لا يقال من قبل الرأي، فهو في حكم المرفوع، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فقد رفعه الأعمش في رواية الأكثرين عنه كما تقدم. أضف إلى ذلك أن له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا، من طريقين عنه صحح أحدهما ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، وهو مخرج في " الروض النضير " برقم (1107) ورواه أحمد أيضا في " المسائل " (ص 59) . وفي الحديث دلالة واضحة على أن الريح قد تأتي بالرحمة، وقد تأتي

2757

بالعذاب، وأنه لا فرق بينهما إلا بالرحمة والعذاب، وأنها ريح واحدة لا رياح، فما جاء في حديث الطبراني عن ابن عباس مرفوعا بلفظ: " اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا ". فهو باطل، وقال الطحاوي: " لا أصل له ". وقد صح عن ابن عباس خلافه، كما بينته تحت حديث الطبراني المخرج في الكتاب الآخر: " الضعيفة " (5600) . 2757 - " كان إذا هاجت ريح شديدة قال: اللهم إني أسألك من خير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شر ما أرسلت به ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (717) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 400) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 763) من طرق عن عبد الرحمن بن مهدي عن المثنى بن سعيد عن قتادة عن أنس قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وله شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا: " كان إذا رأى سحابا مقبلا من أفق من الآفاق ترك ما هو فيه وإن كان في صلاته حتى يستقبله فيقول: " اللهم إنا نعوذ بك من شر ما أرسل به "، فإن أمطر قال: " اللهم سيبا نافعا " (مرتين وثلاثا) ، فإن كشفه الله ولم يمطر حمد الله على ذلك ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 218) وعنه ابن ماجه

(3889) والبخاري في " الأدب المفرد " (177 / 686) وأبو داود (5099) باختصار، وأحمد (6 / 222 - 223) من طريق المقدام بن شريح عن أبيه عنها. قلت: وإسناده صحيح، وأخرجه ابن حبان (1002 - الإحسان) من طريق شريك عن المقدام به مختصرا، إلا أنه قال: " غبارا "، مكان " سحابا "، فهو منكر لضعف شريك، ومخالفته لرواية الجماعة، والعلة ليست منه، وإنما من الراوي عنه: يحيى بن طلحة اليربوعي، فإنه لين الحديث كما في " التقريب "، وقد خالفه حجاج - وهو ابن محمد المصيصي الثقة - فرواه عنه أحمد في الموضع الثاني المشار إليه بلفظ الجماعة، وخفي هذا التحقيق على المعلق على " الإحسان - 3 / 287 - المؤسسة "، فقال: " حديث صحيح "! ولو انتبه لقال: إلا لفظ " غبار "، فإنه منكر. وتابعه عطاء بن أبي رباح عنها قالت: كان إذا عصفت الريح قال: " اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به ". قالت: وإذا تخيلت السماء تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فعرفت ذلك في وجهه. قالت عائشة: فسألته؟ فقال: " لعله - يا عائشة - كما قال قوم عاد: * (فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به) * ". أخرجه مسلم (3 / 26) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 400) والنسائي (940 و 941) الدعاء منه، والبخاري مختصرا (1032 و 3206 و 4828 و 4829) وفي الموضع الأول منها هو مختصر جدا بلفظ: " كان إذا رأى المطر قال: صيبا نافعا ".

2758

2758 - " إذا قبضت نفس العبد تلقاه أهل الرحمة من عباد الله كما يلقون البشير في الدنيا، فيقبلون عليه ليسألوه، فيقول بعضهم لبعض: أنظروا أخاكم حتى يستريح، فإنه كان في كرب، فيقبلون عليه، فيسألونه: ما فعل فلان؟ ما فعلت فلانة؟ هل تزوجت؟ فإذا سألوا عن الرجل قد مات قبله قال لهم: إنه قد هلك، فيقولون: إنا لله وإنا إليه راجعون، ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم وبئست المربية. قال: فيعرض عليهم أعمالهم، فإذا رأوا حسنا فرحوا واستبشروا وقالوا: هذه نعمتك على عبدك فأتمها، وإن رأوا سوءا قالوا: اللهم راجع بعبدك ". أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (149 / 443) : أخبرنا ثور بن يزيد عن أبي رهم السمعي عن أبي أيوب الأنصاري قال: فذكروه موقوفا عليه. قال ابن صاعد - راوي الزهد - عقبه: " رواه سلام الطويل عن ثور فرفعه ". قلت: إسناد الموقوف صحيح، أبو رهم السمعي اسمه أحزاب بن أسيد، قال الحافظ في " التقريب ": " مختلف في صحبته، والصحيح أنه مخضرم ثقة ". وثور بن يزيد ثقة ثبت من رجال البخاري، وكونه موقوفا لا يضر، فإنه يتحدث عن أمور غيبية لا يمكن أن تقال بالرأي، فهو في حكم المرفوع يقينا (¬1) ، ولا ¬

(¬1) ولعله من أجل ذلك أورده السيوطي في " الجامع الكبير " بهذه الرواية وتقدم الحديث برقم (2628) . اهـ.

سيما وقد روي مرفوعا من طريق عبد الرحمن بن سلامة: أن أبا رهم حدثهم أن أبا أيوب حدثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بنحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 154 / 3889) ومن طريقه عبد الغني المقدسي في " السنن " (ق 93 / 2) من طريق محمد بن إسماعيل بن عياش: أخبرنا أبي عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: كان عبد الرحمن بن سلامة يحدث به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، ابن سلامة هذا لم أر له ترجمة، ومحمد بن إسماعيل بن عياش ضعيف، وقد توبعا. فقد رواه مسلمة بن علي عن زيد بن واقد وهشام بن الغاز عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة به. أخرجه الطبراني في " الكبير " (4 / 153 - 154 / 3887 و 3888) وفي " مسند الشاميين " (ص 307 و 676) و " المعجم الأوسط " (1 / 72 / 1 - مجمع البحرين) ومن طريقه المقدسي في " السنن " (ق 198 / 1) وقال الطبراني: " لم يروه عن مكحول إلا زيد وهشام، تفرد به مسلمة ". قلت: وهو الخشني متروك كما في " التقريب "، وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 327) بعدما عزاه للمعجمين: " .. وهو ضعيف ". قلت: والطريق التي قبله خير من هذه، ولم يتعرض لذكرها الهيثمي! وكنت خرجتهما في " الضعيفة " (864) ولم أكن قد وقفت على الطريق الأولى الموقوفة الصحيحة، ولذا وجب نقلهما منها إلى هنا، وكذا الحديث الذي هناك (863) من حديث أنس رضي الله عنه ينقل إلى هنا، لأن معناه في عرض الأعمال على الأموات في آخر حديث الترجمة. والله أعلم.

ثم وجدت للحديث شاهدا آخر مرسلا بلفظ: " إذا مات العبد المؤمن تلقى روحه أرواح المؤمنين فيقولون له : ما فعل فلان؟ فإذا قال: مات، قالوا: ذهب به إلى أمه الهاوية، فبئست الأم ، وبئست المربية ". أخرجه الحاكم (2 / 533) من طريق المبارك بن فضالة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " هذا حديث مرسل صحيح الإسناد ". كذا قال، وابن فضالة كان يدلس ويسوي كما في " التقريب "، فهو على إرساله ليس صحيح الإسناد، وقد أعضله وأوقفه الأشعث بن عبد الله الأعمى - وهو من الرواة عن الحسن البصري - فقال: إذا مات المؤمن.. الحديث نحوه. أخرجه ابن جرير (30 / 182) : حدثنا ابن عبد الأعلى حدثنا ابن ثور عن معمر عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، ولكنه مقطوع موقوف على الأشعث هذا . (تنبيه) : من تشبع الشيخ الصابوني في كتابه " مختصر تفسير ابن كثير " الذي كنت بينت شيئا منه في مقدمة المجلد الرابع من " الصحيحة " أنه ذكر هذا الحديث في " مختصره " (3 / 670) فقال: " روى ابن جرير.. " تبعا لأصله. ثم كرر ذلك في الحاشية فقال: " أخرجه ابن جرير "! فهل هذا التكرار في المتن والحاشية من الاختصار أم التطويل وبما لا فائدة منه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " من تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور ". أخرجه أبو داود والترمذي، وكذا البخاري في " الأدب المفرد " من حديث جابر، وأحمد من حديث عائشة، وأحدهما يقوي الآخر، وقد تكلمت على إسنادهما في " التعليق الرغيب " (2 / 55 - 56) .

2759

ثم وجدت لبعضه شاهدا آخر من طريق عبد الله بن جبير بن نفير أن أبا الدرداء كان يقول: " إن أعمالكم تعرض على موتاكم فيسرون، ويساؤون ". أخرجه نعيم بن حماد في " زوائد الزهد " (42 / 165) : أنبأنا صفوان بن عمرو قال: حدثني عبد الله بن جبير بن نفير أن أبا الدرداء كان يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن قول صفوان: حدثني عبد الله بن جبير بن نفير مشكل ، لأنني لم أجد في الرواة " عبد الله بن جبير بن نفير " لكني وجدت في شيوخ صفوان: " جبير بن نفير "، ووجدت في ترجمة هذا أنه يكنى بأبي عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله، فغلب على ظني أن في الإسناد خطأ، وأن الصواب: " أبو عبد الله: جبير بن نفير ". على أنه يحتمل أن يكون الصواب عبد الرحمن بن جبير بن نفير، لأنهم ذكروا لصفوان رواية عن عبد الرحمن هذا أيضا، فقد روى صفوان عن الوالد والولد، فعلى الأول الإسناد متصل، لأن جبيرا تابعي مخضرم، وأما ابنه عبد الرحمن فتابعي صغير، فلم يذكروا له رواية إلا عن أبيه وفراس بن مالك ، وجمع من التابعين. والله أعلم. 2759 - " كان إذا أراد دخول قرية لم يدخلها حتى يقول: اللهم رب السماوات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، ورب الشياطين وما أضلت، إني أسألك خيرها وخير ما فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 14 / 2 / 7667) : حدثنا محمد بن عبد الله ابن رستة أخبرنا إبراهيم بن المستمر العروقي حدثنا يعقوب بن محمد

الزهري حدثني إسحاق بن جعفر حدثني محمد بن عبد الله الكناني عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبي لبابة بن عبد المنذر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان.. إلخ. وقال: " لا يروى عن أبي لبابة إلا بهذا الإسناد، تفرد به إبراهيم بن المستمر العروقي ". قلت: وهو صدوق، وكذا من فوقه مثله أو أوثق منه، غير يعقوب بن محمد الزهري، فهو كثير الوهم كما في " التقريب "، والكناني لم يوثقه غير ابن حبان، أورده في " ثقات أتباع التابعين " ولم يذكر له راويا غير إسحاق بن جعفر هذا، وكذلك لم يذكر له غيره البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 2 / 127) وابن أبي حاتم (3 / 2 / 309) وقال عن أبيه: " لا أعرفه ". ومع هذا كله قال الهيثمي (10 / 134) بعدما عزاه للطبراني في " الأوسط ": " وإسناده حسن "! نعم، إن كان يريد أنه حسن لغيره فهو مقبول، لأن له شاهدا من حديث صهيب رضي الله عنه، صححه ابن خزيمة (2565) وابن حبان والحاكم والذهبي، وفيه نظر بينته في التعليق على " الكلم الطيب " (رقم التعليق 131) ولذلك كنت حسنته في تعليقي على " صحيح ابن خزيمة " (4 / 150) . ثم وجدت له شاهدا من حديث قتادة قال: " كان ابن مسعود إذا أراد أن يدخل قرية قال:.. " فذكره موقوفا.

أخرجه عبد الرزاق (11 / 456 / 20995) ومن طريقه الطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 195 / 8867) بسند رجاله ثقات لكنه منقطع . ثم وجدت لحديث صهيب طريقا أخرى، فقال الطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 215 ) : حدثنا أحمد بن شعيب قال: أخبرنا محمد بن نصر قال: حدثنا أيوب بن سليمان بن بلال عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه كان يسمع عمر بن الخطاب وهو يؤم الناس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من دار أبي جهم. قال: وقال كعب الأحبار: والذي فلق البحر لموسى إن صهيبا حدثني: إن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين رآها: " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن.. " إلخ الدعاء، وزاد: " وحلف كعب بالذي فلق البحر لموسى أنها كانت دعوات داود حين يرى العدو ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري غير محمد بن نصر وهو الفراء النيسابوري وهو ثقة. وأحمد بن شعيب هو الإمام النسائي صاحب " السنن " الصغرى المعروفة بـ " المجتبى "، وهي المطبوعة، و " السنن الكبرى "، ولما تطبع بعد، وإنما طبع منها كتاب الطهارة بهمة الشيخ عبد الصمد شرف الدين جزاه الله خيرا (¬1) . وقد رواه النسائي في " كتاب السير " منها بهذا الإسناد، كما في تحفة الأشراف " للحافظ المزي (4 / 201) وكذلك رواه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 343) . وأبو سهيل اسمه نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، وهو وأبوه من رجال الشيخين. ¬

(¬1) ثم طبع بكامله، والحمد لله. اهـ.

وأبو بكر بن أبي أوس اسمه عبد الحميد بن عبد الله الأصبحي، وهو أيضا من رجال الشيخين. هذا، ولما كنت حققت كتاب " الكلم الطيب " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأنا في المدينة المنورة، وجدته عزا حديث صهيب هذا للنسائي وغيره، ولما لم يكن عنده في " السنن الصغرى " المطبوعة، استعنت لمعرفة حال إسناده بـ " تخريج الأذكار " لابن علان، ومن المعلوم أن جل تخريجاته إنما هي نقل منه عن " نتائج الأفكار في تخريج الأذكار " للحافظ ابن حجر العسقلاني، فرأيته نقل عنه بحثا طويلا في تخريج الحديث عزاه للنسائي وغيره، فعلقت خلاصته على " الكلم الطيب "، وهي أن مدار الحديث عندهم على أبي مروان وهو غير معروف، وأشرت إلى استغرابي لقول الحافظ فيه: " حديث حسن " لأنه لا يلتقي مع جهالة أبي مروان. ومن طريقه رواه ابن قانع في ترجمة صهيب من " المعجم ". أما الآن، فقد تبين أنه كان مقصرا في تحسينه فقط إياه وادعائه أن مداره على أبي مروان، فقد تابعه - كما رأيت - مالك بن أبي عامر الأصبحي الثقة، وبالإسناد الصحيح عنه، كما فاته أن يذكر حديث الترجمة كشاهد له. فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ثم وجدت له شاهدا من أمره صلى الله عليه وسلم، يرويه أيوب بن محمد بن زياد: حدثنا سعيد حدثنا محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: " إذا خرجتم من بلادكم إلى بلاد تريدونها فقولوا إذا أشرفتم على المدينة أو القرية: اللهم رب السماوات السبع وما أظلت، ورب الأرضين السبع وما أقلت ". الحديث.

2760

أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 277) . قلت: وهذا إسناد حسن إن كان سعيد هذا هو ابن أبي أيوب المصري، وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين، وأما إن كان ابن مسلمة الجزري فهو ضعيف كما في " التقريب "، وكلاهما ذكرهما المزي في " تهذيبه " في الرواة عن ابن عجلان، وكونه الجزري أقرب. والله أعلم. ثم تأكد ذلك عندي بأمرين: الأول: أن المزي ذكره في شيوخ أيوب بن محمد بن زياد دون سعيد بن أبي أيوب المصري. والآخر: أن الحافظ ابن حجر لما ذكره في " تخريج الأذكار " شاهدا لحديث آخر بسنده إلى ابن عمر - كما في ابن علان (5 / 158 - 159) - قال : " وفي سنده ضعف ". فلو كان سعيد هذا هو المصري لم يضعف إسناده. والله أعلم. ثم تأكدت مما استقربته بعد أن طبع كتاب " الدعاء " للطبراني، فرأيته قد أخرجه فيه (2 / 1288 / 885) من طريق أخرى فقال: " حدثنا سعيد بن مسلمة.. ". 2760 - " النشرة من عمل الشيطان ". أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 294) وعنه أبو داود في " السنن " (3868) ومن طريقه البيهقي (9 / 351) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا عقيل بن معقل قال: سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبد الله قال:

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة؟ فقال: " هو من عمل الشيطان ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير عقيل بن معقل وهو ابن منبه اليماني، وهو ثقة اتفاقا، فقول الحافظ فيه: " صدوق "، وبناء عليه اقتصر في " الفتح " (10 / 233) على تحسين إسناده في هذا الحديث، فهو تقصير لا وجه له عندي، ومن المحتمل أن يكون تأثر الحافظ بأمرين: الأول: أن الحديث في " مصنف عبد الرزاق " (11 / 13 / 19762) موقوف هكذا: أخبرنا عقيل بن معقل عن همام (كذا) بن منبه قال: سئل جابر بن عبد الله عن النشر؟ فقال: من عمل الشيطان. قلت: كذا وقع فيه موقوفا، وقال (همام بن منبه) مكان (وهب بن منبه) وهما أخوان روى عنهما عقيل، وأنا أظن أن هذا خطأ كالوقف، وأظن أنه من الراوي عن عبد الرزاق ، وهو أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن عباد الدبري الراوي لقسم كبير من (كتاب الجامع) من " المصنف " (انظر (10 / 379) من " المصنف ") وهو متكلم فيه، فلا يؤثر مثله أبدا في رواية أحمد عن عبد الرزاق مرفوعا. والآخر: أن البيهقي غمز من صحته فقال عقبه: " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وهو أصح ". يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 29 / 3567) والبزار (3 / 393 - 394) من طريق شعبة عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن النشر؟ فذكر لي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " هي من عمل الشيطان ".

قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد، وقد رواه أبو داود في " المراسيل "، وإليه عزاه الحافظ ، ولعله رواه من طريق ابن أبي شيبة، فإن " المراسيل " المطبوعة محذوفة الأسانيد، وقد جاء فيها قول أبي داود عقب الحديث (ص 48) : " أسند ولا يصح ". ولست أدري والله وجه هذا النفي، وقد قدمناه برواية شيخه الإمام أحمد بإسناده الصحيح، وهو عنه (¬1) ؟ ثم روى ابن أبي شيبة، والخطابي في " معالم السنن " (5 / 353) من طريق أخرى عن الحسن قال: " النشرة من السحر ". وإسناده حسن. و " النشرة ": الرقية. قال الخطابي: " النشرة: ضرب من الرقية والعلاج، يعالج به من كان يظن به مس الجن ". قلت: يعني الرقى غير المشروعة ، وهي ما ليس من القرآن والسنة الصحيحة وهي التي جاء إطلاق لفظ الشرك عليها في غير ما حديث، وقد تقدم بعضها، فانظر مثلا: (331 و 1066) ، وقد يكون الشرك مضمرا في بعض الكلمات المجهولة المعنى، أو مرموزا له بأحرف مقطعة، كما يرى في بعض الحجب الصادرة من بعض الدجاجلة، وعلى الرقى المشروعة يحمل ما علقه البخاري عن قتادة قال: قلت لسعيد بن المسيب: رجل به طب (أي سحر) أو يؤخذ عن امرأته، أيحل ¬

(¬1) ثم طبعت " المراسيل " بأسانيدها، فإذا هو فيه (319 / 453) من طريق أخرى عن شعبة به، وليس فيه ما استشكلته من قوله: " أسند ولا يصح "، فالظاهر أنه كان حاشية من بعضهم، طبع خطأ في الصلب، كما هو خطأ في العلم. اهـ.

عنه أو ينشر؟ قال: لا بأس به، إنما يريدون به الإصلاح، فأما ما ينفع فلم ينه عنه. ووصله الحافظ في " الفتح " (10 / 233) من رواية الأثرم وغيره من طرق عن قتادة عنه. ورواية قتادة أخرجها ابن أبي شيبة (8 / 28) بسند صحيح عنه مختصرا. هذا ولا خلاف عندي بين الأثرين، فأثر الحسن يحمل على الاستعانة بالجن والشياطين والوسائل المرضية لهم كالذبح لهم ونحوه، وهو المراد بالحديث، وأثر سعيد على الاستعانة بالرقى والتعاويذ المشروعة بالكتاب والسنة. وإلى هذا مال البيهقي في " السنن "، وهو المراد بما ذكره الحافظ عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يطلق السحر عن المسحور؟ فقال: " لا بأس به ". وأما قول الحافظ: " ويختلف الحكم بالقصد، فمن قصد بها خيرا، وإلا فهو شر ". قلت: هذا لا يكفي في التفريق، لأنه قد يجتمع قصد الخير مع كون الوسيلة إليه شر، كما قيل في المرأة الفاجرة: ... ... ... ... ... ليتها لم تزن ولم تتصدق. ومن هذا القبيل معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ ( الطب الروحاني) سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينة من الجن كما كانوا عليه في الجاهلية، أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح، ونحوه عندي التنويم المغناطيسي، فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تشرع لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم: * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) * أي خوفا وإثما. وادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين

2761

منهم، دعوى كاذبة لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم ومعاشرتهم، التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم، ونحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس، يتبين لك أنهم لا يصلحون، قال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) * هذا في الإنس الظاهر، فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم: * (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) *. 2761 - " كان رجل [من اليهود] يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، [وكان يأمنه] ، فعقد له عقدا، فوضعه في بئر رجل من الأنصار، [فاشتكى لذلك أياما، (وفي حديث عائشة: ستة أشهر) ] ، فأتاه ملكان يعودانه، فقعد أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما: أتدري ما وجعه؟ قال: فلان الذي [كان] يدخل عليه عقد له عقدا، فألقاه في بئر فلان الأنصاري، فلو أرسل [إليه] رجلا، وأخذ [منه] العقد لوجد الماء قد اصفر. [فأتاه جبريل فنزل عليه بـ ( المعوذتين) ، وقال: إن رجلا من اليهود سحرك، والسحر في بئر فلان، قال:] فبعث رجلا (وفي طريق أخرى: فبعث عليا رضي الله عنه) [فوجد الماء قد اصفر] فأخذ العقد [فجاء بها] ، [فأمره أن يحل العقد ويقرأ آية] ، فحلها، [فجعل يقرأ ويحل] ، [فجعل كلما حل عقدة وجد لذلك خفة] فبرأ، (وفي الطريق الأخرى: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنما نشط من عقال) ، وكان الرجل بعد ذلك يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فلم

يذكر له شيئا منه، ولم يعاتبه [قط حتى مات] ". قلت: هذا من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه، وله عنه طريقان مدارهما على الأعمش رحمه الله تعالى. الأول: عنه عن ثمامة بن عقبة عن زيد رضي الله عنه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 201 / 5011) والسياق له، والحاكم (4 / 360 - 361) والزيادة الرابعة والخامسة والسادسة له، كلاهما من طريق جرير عن الأعمش به. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: لم يخرجا لثمامة شيئا، وهو صدوق ". قلت: بل هو ثقة كما قال الذهبي نفسه في " الكاشف "، تبعا لابن معين والنسائي، وكذا قال الحافظ في " التقريب "، فالسند صحيح. وقد تابعه شيبان عن الأعمش به. أخرجه الطبراني (5012) وقال: " خالفهما أبو معاوية في إسناده ". قلت: يشير إلى الطريق الآتي. وقد تابعهما سفيان الثوري عن الأعمش به. أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (2 / 199) والزيادة الثانية له. الطريق الثاني: يرويه أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن حبان عن زيد بن

أرقم به أخرجه النسائي في " السنن " (2 / 172) وابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 29 - 30 / 3569) وأحمد (4 / 367) وعبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 40 / 1 - 2) والطبراني أيضا (5 / 202 / 5013 و 5016) . قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (2 / 336) وهو على شرط مسلم، فإن رجاله رجال الشيخين غير يزيد بن حبان فهو من رجال مسلم. وأبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير، قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش ". قلت : وهذا مما يمنعنا من الحكم على إسناده بالشذوذ لمخالفته للثقات الثلاثة المتقدمين، فالظاهر أن للأعمش فيه شيخين عن زيد بن أرقم. والله أعلم. ثم إن سائر الزيادات لابن أبي شيبة وأحمد، إلا زيادة قراءة آية فهي لعبد بن حميد، وكذا زيادة نزول جبريل بـ (المعوذتين) ، وسندها صحيح أيضا. ولها شاهد من حديث عمرة عن عائشة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه يقال له: لبيد بن أعصم، وكانت تعجبه خدمته، فلم تزل به يهود حتى سحر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم يذوب ولا يدري ما وجعه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة نائم إذ أتاه ملكان، فجلس أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما وجعه؟ قال : مطبوب. فقال: من طبه؟ قال: لبيد بن أعصم. قال: بم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة وجف طلعة ذكر بـ (ذي أروى) ، وهي تحت راعوفة البئر.

فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا عائشة فقال: يا عائشة! أشعرت أن الله قد أفتاني بوجعي، فلما أصبح غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغدا أصحابه معه إلى البئر، وإذا ماؤها كأنه نقيع الحناء، وإذا نخلها الذي يشرب من مائها قد التوى سيفه كأنه رؤوس الشياطين، قال: فنزل رجل فاستخرج جف طلعة من تحت الراعوفة، فإذا فيها مشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن مشاطة رأسه، وإذا تمثال من شمع تمثال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وإذا فيها إبر مغروزة ، وإذا وتر فيه إحدى عشرة عقدة، فأتاه جبريل بـ (المعوذتين) فقال: يا محمد * (قل أعوذ برب الفلق) * وحل عقدة، * (من شر ما خلق) * وحل عقدة حتى فرغ منها، وحل العقد كلها، وجعل لا ينزع إبرة إلا وجد لها ألما ثم يجد بعد ذلك راحة. فقيل: يا رسول الله! لو قتلت اليهودي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد عافاني الله عز وجل، وما وراءه من عذاب الله أشد، قال: فأخرجه. رواه البيهقي في " دلائل النبوة " (2 / 2 / 226 / 1 - 2 و 7 / 92 - 94 ط) من طريق سلمة ابن حبان: حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا محمد بن عبيد الله عن أبي بكر بن محمد عن عمرة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدا، محمد بن عبيد الله هو العرزمي، وهو متروك. وسلمة بن حبان - وهو بفتح الحاء (¬1) - روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في " ثقاته " (8 / 287) فالعلة من العرزمي. وإن مما يوهن حديثه هذا أنه قد جاء مختصرا من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعا نحوه دون ذكر التمثال وما بعده. ¬

(¬1) كما في " التبصير "، وذكر أنه من شيوخ أبي يعلى وعبد الله بن أحمد ويوسف القاضي. اهـ.

أخرجه البخاري (3268 و 5763 و 5765 و5766 و 6391) ومسلم (7 / 14) وابن أبي شيبة (8 / 30 / 3570) ومن طريقه ابن ماجه (3590 - الأعظمي) وأحمد (6 / 50 و 57 و 63 و 96) والحميدي (259 ) وابن سعد (2 / 196) وأبو يعلى (3 / 194) والبيهقي (2 / 2 / 157 / 2) من طرق عن هشام به. وزيادة ستة أشهر المذكورة في حديث الترجمة، هي عند أحمد في رواية، وسندها صحيح، وصححها الحافظ في " الفتح " (10 / 226) . وبالجملة، فحديث العرزمي وما فيه من الزيادات منكر جدا، إلا ما وافق حديث هشام عن عروة، وحديث الترجمة، ومن ذلك نزول (المعوذتين) ، فقد ذكره الرافعي في كتابه، فقال الحافظ في " تلخيصه " (4 / 40) : " وهذا ذكره الثعلبي في " تفسيره " من حديث ابن عباس تعليقا، ومن حديث عائشة أيضا تعليقا ، طريق عائشة صحيح، أخرجه سفيان بن عيينة في " تفسيره " رواية أبي عبيد الله عنه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - فذكر الحديث - وفيه: ونزلت * (قل أعوذ برب الفلق) * ". وهذه فائدة هامة من الحافظ رحمه الله تعالى، لم ترد في كتابه " فتح الباري "، وهي شاهد قوي لحديث الترجمة. والله أعلم. ومن المفيد أن نذكر أن بعض المبتدعة قديما وحديثا قد أنكروا هذا الحديث الصحيح، بشبهات هي أوهى من بيت العنكبوت، وقد رد عليهم العلماء في شروحهم، فليرجع إليها من شاء. وقد أخطأ المعلق على " الدلائل " خطأ فاحشا في عزوه رواية البيهقي إلى الشيخين وغيرهما، دون أن ينبه إلى ما فيه من المنكرات المخالفة لروايتيهما!

2762

2762 - " من قال في يوم مائتي مرة [مائة إذا أصبح، ومائة إذا أمسى] : " لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير "، لم يسبقه أحد كان قبله ولا يدركه أحد كان بعده إلا من عمل أفضل من عمله ". أخرجه النسائي في " اليوم والليلة " (576 و 577) وكذا ابن السني (73) وابن الأعرابي في " المعجم " (ق 216 / 1) والحاكم (1 / 500) وقال: " مائة "! ، وأحمد (2 / 185 و 214) والخطيب في " التاريخ " (3 / 25) من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره . قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولذا قال في " الفتح " (11 / 202) : " إسناده صحيح إلى عمرو ". وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 86) : " رواه أحمد والطبراني إلا أنه قال: " كل يوم " ورجال أحمد ثقات، وفي رجال الطبراني من لم أعرفه ". قلت: وليس المراد من الحديث أن يقول المائتي مرة في وقت واحد كما تبادر لبعض المعاصرين ممن ألف في " سنية السبحة "! وإنما تقسيمهما على الصباح والمساء، فقد جاء ذلك صريحا في رواية شعبة عن عمرو بن شعيب به، ولفظه: " من قال.. مائة مرة إذا أصبح، ومائة مرة إذا أمسى.. ".

أخرجه النسائي (575) وابن دوست العلاف في " الأمالي " (ق 124 / 2) . والحكم هو ابن عتيبة الكندي مولاهم، ثقة محتج به في " الصحيحين "، ومثله شعبة، وهو ابن الحجاج الإمام. وأما اللفظ الذي أورده السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية إسماعيل بن عبد الغفار الفارسي في " الأربعين " عن عمرو بن شعيب به بلفظ: " من قال: " لا إله إلا الله.. " ألف مرة جاء يوم القيامة فوق كل عمل، إلا عمل نبي، أو رجل زاد في التهليل ". قلت : فهو منكر، بل باطل لمخالفته لهذه الطرق الصحيحة عن عمرو بن شعيب، ولعله لذلك لم يورده المناوي في كتابه " الجامع الأزهر "! (تنبيه) : إسماعيل بن عبد الغفار، كذا وقع في " الجامع " (2 / 808) وفيه (2 / 811) في حديث آخر : إسماعيل بن عبد الغافر وهو الصواب، فقد جاء هكذا في " شذرات الذهب "، أورده في وفيات سنة (504) عن إحدى وثمانين سنة، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. واعلم أن هذا العدد (المائة) هو أكثر ما وقفت عليه فيما صح من الذكر. وأما عدد (الألف) فلم أره إلا في هذه الرواية المنكرة، وفي حديث آخر في " التسبيح " بسند ضعيف خرجته في الكتاب الآخر برقم (5296) .

2763

2763 - " أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقول إذا أصبحنا وإذا أمسينا وإذا اضطجعنا على فرشنا: " اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة، أنت رب كل شيء، والملائكة يشهدون أنك لا إله إلا أنت، فإنا نعوذ بك من شر أنفسنا ومن شر الشيطان الرجيم وشركه، وأن نقترف على أنفسنا سوءا أو نجره إلى مسلم ". أخرجه أبو داود (5083) والطبراني في " الكبير " (3 / 295 / 3450) وفي " مسند الشاميين " (ص 332) من طريق محمد بن عوف: حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش حدثني أبي - زاد أبو داود: قال ابن عوف: ورأيته في أصل إسماعيل -: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا.. إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد عندي بزيادة أبي داود لولا أنه منقطع بين شريح وأبي مالك كما أفاده أبو حاتم، لكنه يتقوى بشاهدين له: أحدهما: من حديث أبي هريرة إلى قوله: " وشركه ". أخرجه أبو داود (5067) والترمذي (3389) وكذا البخاري في " الأدب المفرد " (1202) و " أفعال العباد " (ص 74) والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (رقم 11) والدارمي (2 / 292) وابن حبان (2349) والحاكم (1 / 513) وابن السني ( 43) وابن أبي شيبة (10 / 237 / 9323) والطيالسي (2582) وأحمد (2 / 297) كلهم عن شعبة عن يعلى بن عطاء قال: سمعت عمرو بن عاصم الثقفي يحدث عن أبي هريرة قال:

قال أبو بكر: يا رسول الله مرني بشيء أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت ، قال: قل:.. فذكر الدعاء، وقال في آخره: " قال: قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالوا. والآخر : من حديث ابن عمرو مثل حديث أبي هريرة، إلا أنه زاد في آخره: " وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1204 ) والترمذي (3526) والطبراني في " الدعوات " (2 / 924 / 289) وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". وقواه الحافظ في " نتائج الأفكار " (2 / 345 - 346) . قلت: وإسناده صحيح. وقد وقعت هذه الزيادة في " أفعال العباد " في رواية عند البخاري من حديث أبي هريرة، وهي خطأ كما سبق بيانه قريبا تحت حديثه المتقدم برقم (2753) ، فراجعه إن شئت.

2764

تنبيه على أوهام: أولا: حديث أبي هريرة هذا جعله الشوكاني في " تحفة الذاكرين " (ص 63) من مسند أبي بكر، وإنما هو من مسند أبي هريرة. ثانيا: أنه جعل الزيادة من حديث أبي بكر، وإنما هي من حديث ابن عمرو. ثالثا: قال الشيخ فضل الله الجيلاني في " شرح الأدب المفرد " (2 / 613) تحت حديث ابن عمرو: " أخرجه الثلاثة، وصححه الحاكم وابن حبان ". قلت: وهذا وهم محض، فلم يروه أحد من هؤلاء غير الترمذي. 2764 - " إن الله يقول: أنا خير شريك، فمن أشرك بي أحدا فهو لشريكي! يا أيها الناس ! أخلصوا الأعمال لله، فإن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما خلص له، ولا تقولوا: هذا لله وللرحم وليس لله منه شيء! ولا تقولوا: هذا لله ولوجوهكم ، فإنه لوجوهكم، وليس لله منه شيء ". أخرجه عبد الباقي بن قانع في ترجمة الضحاك بن قيس الفهري من " معجم الصحابة "، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن إسحاق: أخبرنا سعيد بن سليمان عن عبيدة بن حميد عن عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن سلمة عن الضحاك بن قيس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال " الصحيح " غير أحمد بن

محمد بن إسحاق وهو أبو جعفر البجلي الحلواني، ترجمه الخطيب (5 / 212) وروى توثيقه عن جمع من الحفاظ، توفي سنة (296) . وسعيد بن سليمان هو أبو عثمان الواسطي الحافظ الثقة. وقد تابعه إبراهيم بن محشر: حدثنا عبيدة بن حميد به، إلا أنه قال: " تميم ابن طرفة " مكان " تميم بن سلمة "، لكن إبراهيم هذا فيه ضعف، قال ابن عدي في " الكامل " (1 / 272 - الفكر) . " له منكرات من جهة الأسانيد غير محفوظة ". أخرجه البزار (4 / 217 - 218 / 3567) والبيهقي في " الشعب " (2 / 320 / 2) وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 221) : " رواه البزار عن شيخه إبراهيم بن مجشر - بالجيم - وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف. وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: ما رأيت أحدا ذكر توثيقه عن غير ابن حبان، ومع ذلك فقد قال فيه: " يخطىء ". فمثله لا يحتج به إذا تفرد، فكيف إذا خالف؟ فالعمدة على سعيد بن سليمان الواسطي في صحة الحديث، وهي فائدة عزيزة استفدتها من " معجم ابن قانع "، وكنت لما ألفت " صحيح الترغيب والترهيب " لم أورده فيه، على الرغم من قول المنذري فيه (1 / 24) : " رواه البزار بإسناد لا بأس به، لكن الضحاك بن قيس مختلف في صحبته ". لأنني عرفت بواسطة " المجمع " أن في سند البزار ذاك الشيخ الضعيف، ولم أكن وقفت على متابعة سعيد هذه القوية، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله.

2765

وأما قوله: إن الضحاك بن قيس مختلف في صحبته، فلعله سبق قلم من المنذري، فإني لم أر أحدا ذكر الخلاف في صحبته، بل قال الحافظ في " الإصابة " بعد أن نقل قول البخاري في " التاريخ " (2 / 2 / 332) " له صحبة ": " واستبعد بعضهم صحة سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بعد فيه، فإن أقل ما قيل في سنه عند موت النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان ابن ثمان سنين ". ثم وجدت لسعيد بن سليمان الواسطي متابعا ثقة، وهو (سريج بن يونس) : أخبرنا عبيدة بن حميد به. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (8 / 410) . ولهذا نقل إلى " الصحيح " في آخر طبعته الثانية (ص 530) . 2765 - " ألق [عنك] ثيابك واغتسل، واستنق ما استطعت، وما كنت صانعا في حجتك، فاصنعه في عمرتك ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 98 / 2003) وابن أبي حاتم في " تفسيره "، وابن عبد البر في " التمهيد " (2 / 251) من طرق ثلاث عن محمد بن سابق قال: أخبرنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن عطاء بن أبي رباح عن صفوان ابن أمية قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم متضمخ بالخلوق، عليه مقطعات قد أحرم بعمرة، فقال: كيف تأمرني يا رسول الله في عمرتي؟ فأنزل الله عز وجل: * (وأتموا الحج والعمرة لله) *. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين السائل عن العمرة؟! ". فقال: [ها] أنا [ذا] . فقال: فذكره. وقال ابن عبد البر:

" هكذا جاء في هذا الحديث: " صفوان بن أمية " نسبة إلى جده، وهو صفوان بن يعلى بن أمية، رجل تميمي ". قلت: وهكذا على الجادة وقع عند الطبراني، وزاد: " عن أبيه "، وأظنها زيادة من بعض النساخ لمخالفتها لرواية الآخرين، ولقول الطبراني عقب الحديث: " ورواه مجاهد عن عطاء عن صفوان بن يعلى عن أبيه ". قلت: وهذه الزيادة: " عن أبيه " ثابتة في " الصحيحين " وغيرهما من طرق عن عطاء عن صفوان عن أبيه. وبذلك اتصل الإسناد وصح الحديث، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1596 - 1599) ، لكن ليس فيها نزول الآية * (وأتموا الحج والعمرة لله) * صراحة وكأن حديث الترجمة مبين لما أجمل في تلك الطرق ولهذا قال الحافظ في " الفتح " (3 / 614) : " لم أقف في شيء من الروايات على بيان المنزل حينئذ من القرآن وقد استدل به جماعة من العلماء على أن من الوحي ما لا يتلى، لكن وقع عند الطبراني في " الأوسط " من طريق أخرى أن المنزل حينئذ قوله تعالى: * (وأتموا الحج والعمرة لله) * ووجه الدلالة على المطلوب عموم الأمر بالإتمام، فإنه يتناول الهيئات والصفات " . وكأنه سكت عن الإرسال الذي في الإسناد لاتصاله في الطرق الأخرى، ولما فيه من البيان الذي أشرت إليه، والله أعلم. (فائدة) : قال في " الفتح " (3 / 394) : " قال ابن المنير في " الحاشية ": قوله: " واصنع " معناه: اترك، لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم، فيؤخذ منه فائدة، وهي أن الترك فعل ".

2766

(تنبيه) : عزاه السيوطي في " الدر المنثور " (1 / 208) لابن أبي حاتم وأبي نعيم في " الدلائل " وابن عبد البر في " التمهيد " عن يعلى بن أمية. فاعلم أنه عند ابن عبد البر عن صفوان بن يعلى مرسلا لم يذكر عن أبيه. وكذا هو عند ابن أبي حاتم كما في " تفسير ابن كثير " واستغربه. وأما " الدلائل " لأبي نعيم، فهو عنده (ص 179) مسندا عن أبيه لكن من طريق أخرى كما هو عند الشيخين ليس فيه نزول الآية، فاقتضى التنبيه. 2766 - " تصدقوا على أهل الأديان ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 177) : حدثنا جرير بن عبد الحميد عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تصدقوا إلا على أهل دينكم "، فأنزل الله تعالى * (ليس عليك هداهم) * إلى قوله: * (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) *: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل كما في " نصب الراية " (4 / 398) ورجاله ثقات رجال الستة غير أشعث، وهو ابن إسحاق بن سعد بن مالك الأشعري القمي، وجعفر، وهو ابن أبي المغيرة الخزاعي القمي، وهو صدوق له أوهام كما في " الخلاصة "، ونحوه في " التقريب "، والذي قبله ثقة، والراوي عنه جرير بن عبد الحميد، مع كونه من رجال الستة كما ذكرنا فقد قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه ". وقد تابعه عبد الله بن سعد الدشتكي لكنه قال: حدثنا أشعث بن إسحاق عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم:

أنه كان يأمر بأن لا يتصدق إلا على أهل الإسلام حتى نزلت هذه الآية: * (ليس عليك هداهم) * إلى آخرها، فأمر بالصدقة بعدها على كل من سألك (¬1) من كل دين. فأسنده بذكر ابن عباس. أخرجه ابن أبي حاتم في " التفسير " (1 / 211 / 2) قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن عطية: حدثني أحمد بن عبد الرحمن - يعني: الدشتكي -: حدثني أبي عن أبيه به. قلت: ونقله ابن كثير في " تفسيره "، وسكت عنه، وإسناده حسن، رجاله كلهم من رجال " التهذيب " غير أحمد بن القاسم بن عطية، قال ابن أبي حاتم (1 / 67) : " هو المعروف بأبي بكر بن القاسم الحافظ. روى عن أبي الربيع الزهراني، وكتبنا عنه، وهو صدوق ثقة ". وتابع جعفر بن أبي المغيرة جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كان ناس لهم أنسباء وقرابة من بني قريظة والنضير، وكانوا يتقون أن يتصدقوا عليهم ويريدونهم على الإسلام، فنزلت * (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون) * [البقرة: 272] ". أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه " الأموال " (ص 616 / 1991) وابن جرير في " التفسير " (3 / 63) من طريق سفيان عن الأعمش ¬

(¬1) هكذا الرواية بكاف الخطاب في " ابن أبي حاتم "، و " ابن كثير "، والسيوطي. اهـ.

عنه. وكذلك رواه الحاكم (2 / 285) وعنه البيهقي (4 / 191) لكن سقط من روايته (الأعمش) ، وزاد في آخره: " قال: فرخص لهم ". وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وقال الذهبي: " (خ م) ". يعني أنه على شرط الشيخين، وهو كما قال بالنظر إلى رواية أبي عبيد وابن جرير، وإلا ففي إسناد الحاكم محمد بن غالب، فإن فيه كلاما مع كونه ليس من رجال الشيخين، ولعل السقط المشار إليه منه. ويشهد للحديث ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: قدمت علي أمي وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدهم، فاستفتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! قدمت علي أمي وهي راغبة، أفأصل أمي؟ (وفي لفظ: أفأعطيتها) . قال: " نعم، صلي أمك ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1468) واللفظ الآخر للبيهقي (4 / 191) وترجم له ولحديث الترجمة بقوله: " باب صدقة النافلة على المشرك وعلى من لا يحمد فعله ". هذا في صدقة النافلة، وأما الفريضة فلا تجوز لغير المسلم لحديث معاذ المعروف: " تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ". متفق عليه، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (1412) ، وبأوسع منه في " إرواء الغليل " (782) .

2767

2767 - " إن من أشراط الساعة أن يفيض المال ويكثر الجهل وتظهر الفتن وتفشو التجارة [ويظهر العلم] ". أخرجه النسائي في " سننه " (2 / 212) والحاكم في " مستدركه " (2 / 7) واللفظ له، والطيالسي (1171) وعنه ابن منده في " المعرفة " (2 / 59 / 2) والخطابي في " غريب الحديث " (81 / 2) من طريق وهب بن جرير: حدثنا أبي قال : سمعت يونس بن عبيد يحدث عن الحسن عن عمرو بن تغلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. والزيادة للنسائي، ولها عنده تتمة وهي: " ويبيع الرجل البيع فيقول: لا حتى أستأمر تاجر بني فلان، ويلتمس في الحي العظيم الكاتب فلا يوجد ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، إلا أن عمرو بن تغلب ليس به راو غير الحسن ". كذا قال! وكأنه لم يقف على قول ابن أبي حاتم في كتابه (3 / 1 / 222 / 1235) وتبعه ابن عبد البر في " الاستيعاب ": " ... روى عنه الحسن البصري والحكم بن الأعرج ". قلت: وقد روى البخاري في " صحيحه " (2927 و 3592) وابن ماجه (4098) وأحمد (4 / 69 - 70) حديثا في أشراط الساعة في مقاتلة الترك، من طريق الحسن عن عمرو بن تغلب، لكن صرح فيه بالتحديث، وهذا شرط مهم بالنسبة لصحة الحديث بصورة عامة، وعلى شرط البخاري بصورة خاصة، لما هو

معلوم عند المتمكنين في هذا العلم أن الحسن البصري مدلس، ففي ثبوت هذا الحديث توقف عن عمرو بن تغلب لعدم تصريحه بالسماع منه، لكن الحديث صحيح لما يأتي مما يقويه. وبالجملة، فعلة هذا الإسناد هي العنعنة ، وليس الإرسال كما توهم الدكتور فؤاد في تعليقه على " الحكم والأمثال " للماوردي (ص 100) ، فقال بعد أن صرح بضعف الحديث وذكر قول الحاكم: " ليس لعمرو بن تغلب راو غير الحسن "، وزاد عليه: " وهو البصري تابعي، وقد رفعه إلى الرسول مباشرة، فالحديث مرسل "! قلت: وهذه الزيادة موصولة عنده بكلام الحاكم، بحيث أنه لا يمكن لأحد لم يكن قد اطلع على كلام الحاكم المتقدم أولا، أن يميزه عن ما بعده الذي هو من كلام الدكتور ثانيا! إلا إذا تنبه لما فيه من الجهل بهذا العلم الذي يترفع عما دونه من كان دون الحاكم في العلم بمراحل!! والله المستعان. والحديث وقع في " الأمثال ": (الهرج) مكان (الجهل) ، و ( الظلم) مكان (العلم) ، وأظنه تصحيفا. ولم ينبه على شيء من ذلك الدكتور فؤاد، بل عزا الحديث إلى الحاكم كما تقدم - على ما بين روايته ورواية " الأمثال " من الاختلاف!! - ولم أجد للفظ (الظلم) شاهدا بخلاف (العلم) ، فقد رأيت الحديث في " الفتن " لأبي عمرو الداني (ق 15 / 2) من طريق علي بن معبد قال: حدثنا عبد الله بن عصمة عن أبي حمزة عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث دون فقرتي الجهل والفتن، وزاد: " قال ابن معبد: يعني الكتاب ". قلت: وعبد الله بن عصمة لم أعرفه. وأبو حمزة الظاهر أنه الذي في " كنى الدولابي " (1 / 156) :

" وأبو حمزة إسحاق بن الربيع، يروي عن الحسن، بصري ". وفي " المقتنى " للذهبي (26 / 1) : " أبو حمزة العطار: إسحاق بن الربيع ". وهو من رجال " التهذيب "، وفي " التقريب ": " إسحاق بن الربيع البصري الأبلي - بضم الهمزة الموحدة وتشديد اللام - أبو حمزة العطار، صدوق تكلم فيه للقدر، من السابعة ". وبالجملة، ففي هذه الرواية مع الإرسال ضعف لا يعلل به الرواية المسندة التي قبلها، وإنما علتها العنعنة كما ذكرنا، وإنما ذكرت هذه المرسلة لنرجح لفظة (العلم) على لفظة (الظلم) . وقد وجدت لها شاهدا من حديث سيار عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة وفشو التجارة حتى تعين المرأة زوجها على التجارة وقطع الأرحام وشهادة الزور وكتمان شهادة الحق وظهور القلم ". رواه البخاري في " الأدب المفرد " (1049) وأحمد (1 / 407) بإسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير سيار، وهو سيار أبو الحكم كما وقع في رواية البخاري ، وكذا الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 385) وأحمد في رواية (1 / 419) وكذا في رواية الحاكم لهذا الحديث ببعض اختصار في " المستدرك " (4 / 445) وفي حديث آخر عند أحمد (1 / 389) وهو ثقة من رجال الشيخين، لكن قيل: إنه سيار أبو حمزة، ورجحه الحافظ في " التهذيب "، ورده الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (5 / 257 - 258) وادعى أن أبا حمزة هذا لم توجد له ترجمة، مع أنه من رجال " التهذيب "، ذكره عقب

ترجمة سيار أبي الحكم، وذكر الحافظ المزي أنه ذكره ابن حبان في " الثقات "، فقال الحافظ ابن حجر: " ولم أجد لأبي حمزة ذكرا في " ثقات ابن حبان "، فينظر ". قلت: هو عنده في " أتباع التابعين " قبيل ترجمة سيار أبي الحكم (6 / 421 - هندية) . وكذلك ترجمه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 2 / 160) وابن أبي حاتم (2 / 1 / 255) . والأول ثقة من رجال الشيخين، وهذا لم يوثقه غير ابن حبان، وروى عنه جمع ، ولكن لم نجد حجة لمن ادعى أنه هو راوي هذا الحديث مع تصريح الراوي عنه - وهو بشير بن سلمان - أنه سيار أبو الحكم، إلا مجرد ادعاء أنه أخطأ في ذلك وأن الصواب أنه سيار أبو حمزة. ولو سلمنا بذلك فالإسناد لا ينزل عن مرتبة الحسن لما سبق من توثيق ابن حبان إياه مع رواية جمع عنه. والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 329) برواية أحمد بتمامه، والبزار ببعضه ثم قال: " ورجالهما رجال الصحيح ". (فائدة) : وقع في " المجمع " (العلم) مكان ( القلم) ، والظاهر أنه تحريف، والصواب ما في " المسند ": (القلم) لمطابقته لما في " جامع المسانيد " (27 / 166 - 167) عنه، ولرواية " الأدب المفرد " من الطبعة السلفية، والطبعة التازية والطبعة الهندية، خلافا للطبعة الجيلانية، ولا ينافي ذلك زيادة النسائي ورواية الداني، لأنها بمعنى (القلم) أو قريبة منه، ولاسيما وقد فسرها علي بن معبد بقوله: " يعني الكتاب " أي الكتابة.

قال العلامة أحمد شاكر: " يريد الكتابة ". قلت: ففي الحديث إشارة قوية إلى اهتمام الحكومات اليوم في أغلب البلاد بتعليم الناس القراءة والكتابة، والقضاء على الأمية حتى صارت الحكومات تتباهى بذلك، فتعلن أن نسبة الأمية قد قلت عندها حتى كادت أن تمحى! فالحديث علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي. ولا يخالف ذلك - كما قد يتوهم البعض - ما صح عنه صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث أن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويظهر الجهل لأن المقصود به العلم الشرعي الذي به يعرف الناس ربهم ويعبدونه حق عبادته، وليس بالكتابة ومحو الأمية كما يدل على ذلك المشاهدة اليوم، فإن كثيرا من الشعوب الإسلامية فضلا عن غيرها، لم تستفد من تعلمها القراءة والكتابة على المناهج العصرية إلا الجهل والبعد عن الشريعة الإسلامية ، إلا ما قل وندر، وذلك مما لا حكم له. وإن مما يدل على ما ذكرنا قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا ، فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ". رواه الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمرو وصدقته عائشة، وهو مخرج في " الروض النضير " (رقم 579) . ثم بدا لي أن الحديث صحيح من جهة أخرى، وهي أنه وقع عند الطيالسي تماما لحديث البخاري الذي صرح فيه الحسن بالسماع. والله تعالى أعلم. (تنبيه) : في حديث ابن مسعود من رواية " الأدب المفرد " زيادة هامة، يستفاد منها حكمان شرعيان هامان جدا، وقد بينتهما في كثير من مؤلفاتي من

2768

آخرها في التعليق على كتابي الجديد " صحيح الأدب المفرد " (رقم 801 / 1049) وهو وشيك الانتهاء إن شاء الله تعالى. ثم طبع وصدر هو وقسيمه " ضعيف الأدب المفرد "، والحمد لله على توفيقه. 2768 - " ستخرج نار قبل يوم القيامة من بحر حضرموت تحشر الناس، قالوا: يا رسول لله ! فما تأمرنا؟ قال: عليكم بالشام ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 78) : حدثنا أبو عامر العقدي عن علي بن المبارك عن يحيى قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني سالم بن عبد الله قال: حدثني عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه أحمد (2 / 99) : حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا أبان بن يزيد عن يحيى بن أبي كثير به، ببعض اختصار. وهذا إسناد صحيح أيضا على شرط مسلم. 2769 - " كان أخوان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: يحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ومجلسه) والآخر يحترف، فشكا المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، [فقال: يا رسول الله! [إن هذا] أخي لا يعينني بشيء] ، فقال صلى الله عليه وسلم: " لعلك ترزق له " ". أخرجه الترمذي (2346) والحاكم (1 / 93 - 94) والروياني في " مسنده " (ق 241 / 1) وابن عدي في " الكامل " (2 / 682) وابن عبد البر

2770

في " جامع بيان العلم " (1 / 59) والرواية الأخرى له وكذا الزيادة، والضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 512 - 513) كلهم من طريق أبي داود الطيالسي: حدثنا حماد ابن سلمة عن ثابت عن أنس قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب " . وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأبو داود الطيالسي هو سليمان بن داود صاحب المسند المعروف به، وليس الحديث فيه، وقد قرن به بشر بن السري في رواية الضياء، وأخرجه عنه وحده السهمي في " تاريخ جرجان " (497) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 302) وله الزيادة وما فيها من الزيادة. وبشر هذا ثقة من رجال الشيخين، فهي متابعة قوية لأبي داود الطيالسي. 2770 - " إن الله عز وجل لا يظلم المؤمن حسنة، يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيعطى بحسناته [ما عمل بها لله] في الدنيا، فإذا لقي الله عز وجل يوم القيامة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا ". أخرجه أحمد (3 / 125) والسياق له، ومسلم (8 / 135) والزيادة له، وكذا عبد ابن حميد في " المنتخب " (ق 155 / 1) من طريق همام بن يحيى عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.

2771

وفي رواية لمسلم من طريق معتمر قال: سمعت أبي: حدثنا قتادة عن أنس بلفظ: " إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها طعمة من الدنيا، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته ". ولقد تقدم حديث الترجمة في المجلد الأول برقم (53) مختصرا عما هنا تخريجا، وهناك قاعدة ينبغي الرجوع إليها. 2771 - " * (علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو) * ولكن أخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها: إن بين يديها فتنة وهرجا. قالوا: يا رسول الله! الفتنة قد عرفناها فالهرج ما هو؟ قال: بلسان الحبشة: القتل، ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد أن يعرف أحدا ". أخرجه أحمد (5 / 389) عن حذيفة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة؟ فقال: فذكره. قلت: وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 309) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". ثم ذكر له شاهدا (7 / 324) من رواية الطبراني، أي في " الكبير "، وقال: " وفيه راو لم يسم ".

2772

2772 - " لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن ويكثر الكذب وتتقارب الأسواق ويتقارب الزمان ويكثر الهرج. قيل: وما الهرج؟ قال: القتل ". أخرجه أحمد (2 / 519) عن سعيد بن سمعان عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن سمعان هذا، وهو ثقة كما قال الهيثمي في " المجمع " (7 / 327) والحافظ في " التقريب ". 2773 - " لا تقوم الساعة حتى يمطر الناس مطرا عاما، ولا تنبت الأرض شيئا ". أخرجه أحمد (3 / 140) وأبو يعلى (3 / 1072) والبخاري في " التاريخ " (4 / 1 / 362) تعليقا من طريق حسين بن واقد: حدثني معاذ بن حرملة الأزدي قال: سمعت أنسا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وإسناده حسن في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات رجال مسلم غير معاذ هذا، وقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 423) ولم يذكر هو وغيره راويا عنه غير حسين بن واقد. لكنه قد توبع، فرواه حماد عن ثابت عن أنس قال: كنا نتحدث أنه لا تقوم الساعة حتى تمطر السماء ولا تنبت الأرض..

2774

الحديث ذكره حماد هكذا، وقد ذكر حماد أيضا عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشك، وقد قال أيضا عن ثابت عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أحسب. أخرجه أحمد ( 3 / 286) وأبو يعلى (3 / 893) . وإسناده صحيح على شرط مسلم، ولا يضره شكه في رفعه، لأنه في حكم المرفوع كما هو ظاهر، ولاسيما وقد رفعه في الطريق الأولى. والله تعالى أعلم. 2774 - " أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه نارا، فلما ارتفع عنه وأفاق قال: على ما جلدتموني؟ قالوا: إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 231) : حدثنا فهد بن سليمان قال: حدثنا عمرو بن عون الواسطي قال: حدثنا جعفر بن سليمان عن عاصم عن شقيق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير فهد هذا، وهو ثقة ثبت كما قال ابن يونس في " الغرباء " كما في " رجال معاني الآثار " (85 / 1) ، وعاصم هو ابن أبي النجود وهو ابن بهدلة، قال الحافظ: " صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في الصحيحين ". والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 148) برواية أبي الشيخ ابن حيان في " كتاب التوبيخ "، وأشار إلى تضعيفه! ففاته هذا المصدر العزيز بالسند الجيد. وليس الحديث في الجزء المطبوع من " كتاب التوبيخ ".

2775

وللحديث شاهد من حديث ابن عمر نحوه مختصرا ليس فيه دعاء المضروب، وإسناده ضعيف كما هو مبين في الكتاب الآخر (2188) . من فقه الحديث : قال الطحاوي عقبه: " فيه ما قد دل أن تارك الصلاة لم يكن بذلك كافرا، لأنه لو كان كافرا لكان دعاؤه باطلا لقول الله تعالى: * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) * ". ونقله عنه ابن عبد البر في " التمهيد " (4 / 239) وأقره، بل وأيده بتأويل الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة على أن معناها: " من ترك الصلاة جاحدا لها معاندا مستكبرا غير مقر بفرضها. وألزم من قال بكفره بها وقبلها على ظاهرها فيهم أن يكفر القاتل والشاتم للمسلم، وأن يكفر الزاني و.. و.. إلى غير ذلك مما جاء في الأحاديث لا يخرج بها العلماء المؤمن من الإسلام، وإن كان بفعل ذلك فاسقا عندهم، فغير نكير أن تكون الآثار في تارك الصلاة كذلك ". قلت: وهذا هو الحق، وانظر الحديث الآتي (3054) فإنه نص قاطع. 2775 - " كان يعوذ بهذه الكلمات: " [اللهم رب الناس] أذهب الباس، واشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ". فلما ثقل في مرضه الذي مات فيه أخذت بيده فجعلت أمسحه [بها] وأقولها، فنزع يده من يدي، وقال:

" اللهم اغفر لي وألحقني بالرفيق الأعلى ". قالت: فكان هذا آخر ما سمعت من كلامه صلى الله عليه وسلم ". أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في " مصنفه " (8 / 1 / 45 - 46) قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت: ... قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه كما يأتي. وأخرجه مسلم (7 / 15) وابن ماجه (1619) من طريق ابن أبي شيبة. وتابعه عند مسلم أبو كريب. وتابعهما الإمام أحمد (6 / 45) : حدثنا أبو معاوية به، والزيادة الثانية له، ومسلم هو ابن صبيح أبو الضحى. وتابعه سفيان عن الأعمش دون قوله: فلما ثقل بلفظ: " كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول " فذكره، وفيه الزيادة الأولى أخرجه البخاري (5743 و 5750) ومسلم، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 1010) وأحمد (6 / 44 و 127) وقال في رواية: ".. ثم قال: أذهب البأس.. الحديث ". وشعبة عن الأعمش به. أخرجه مسلم والطيالسي (1404) وأحمد (6 / 45 و 126) . وتابعه جرير عنه مثل رواية سفيان الثانية عند أحمد. أخرجه مسلم . وتابعه هشيم أيضا عنه.

أخرجه مسلم، وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1100) وعنه ابن السني في " عمل اليوم " (545) به نحوه. وتابع الأعمش منصور عن أبي الضحى بلفظ: " كان إذا أتى المريض يدعو له قال:.. " فذكره. أخرجه مسلم والنسائي (1011) وابن ماجه (3520) . وتابع أبا الضحى إبراهيم عن مسروق بلفظ: " كان إذا أتى مريضا أو أتي به إليه قال:.. " فذكره. أخرجه البخاري ( 5675) ومسلم والنسائي (1012 - 1014) وأحمد (6 / 109 و 278) وأبو يعلى (1178) . وله طريق أخرى من رواية هشام بن عروة قال: أخبرني أبي عن عائشة: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرقي.. " فذكر الدعاء. أخرجه البخاري (5744) ومسلم أيضا، والنسائي (1019 و 1020) وأحمد (6 / 50) وعبد بن حميد في " مسنده " (ق 193 / 1) . قلت: وفي الحديث مشروعية ترقية المريض بهذا الدعاء الشريف، وذلك من العمل بقوله صلى الله عليه وسلم: " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ". رواه مسلم، وقد مضى تخريجه برقم (473) وقد ترجم له البخاري بقوله: " باب رقية النبي صلى الله عليه وسلم "، وقال الحافظ في " الفتح " (10 / 207) : " ويؤخذ من هذا الحديث أن الإضافة في الترجمة للفاعل، وقد ورد ما يدل على أنها للمفعول، وذلك فيما أخرجه مسلم [7 / 13] عن أبي سعيد الخدري أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! اشتكيت؟ قال: نعم. قال: بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك ".

2776

(تنبيه) : قوله في الحديث: " يعوذ " أي: غيره، وإليه أشار البخاري في ترجمته، وشرحه الحافظ. وهكذا وقع في كل المصادر التي سبق ذكرها ومنها " مصنف ابن أبي شيبة " الذي من طريقه تلقاه ابن ماجه كما تقدم ، لكن وقع فيه بلفظ: " يتعوذ "، أي هو صلى الله عليه وسلم، فاختلف المعنى، والصواب المحفوظ الأول، ويبدو أنه خطأ قديم، فإنه كذلك وقع في كل نسخ ابن ماجه التي وقفت عليها، مثل طبعة إحياء السنة - الهندية، والطبعة التازية، وعبد الباقي، والأعظمي، ولعل ذلك من بعض رواة كتاب ابن ماجه، أو من بعض النساخ. والله أعلم. ووقعت هذه اللفظة في " رياض الصالحين " في النسخ المطبوعة التي وقفت عليها، منها طبعة المكتب الإسلامي التي حققت وبينت مراتب أحاديثها (رقم 906) بلفظ " يعود " من عيادة المريض، وكذلك وقع في متن وشرح ابن علان (3 / 381) المسمى بـ " دليل الفالحين "، فتنبه ولا تكن من الغافلين. 2776 - " ما من مسلم تدرك له ابنتان فيحسن إليهما ما صحبتاه أو صحبهما إلا أدخلتاه الجنة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (ص 14) وابن ماجه (2 / 391) والحاكم ( 4 / 178) وأحمد (رقم 2104 و 3424) وابن حبان (2043) والضياء في " المختارة " (61 / 266 / 2 - 267 / 1) من طريق شرحبيل بن سعد عن ابن عباس مرفوعا به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". وتعقبه الذهبي بقوله: " قلت: شرحبيل واه ". وهو كما قال الذهبي رحمه الله، فإن شرحبيل هذا تكلم فيه من وجهين: الاتهام، والاختلاط. ففي " الميزان ":

" عن ابن أبي ذئب قال: كان شرحبيل بن سعد متهما، وقال ابن معين: ضعيف، وعن مالك: ليس بثقة، وعن سفيان قال: لم يكن أحد أعلم بالبدريين منه، أصابته حاجة وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل يطلب منه الشيء فلم يعطه أن يقول: " لم يشهد أبوك بدرا "! وقال أبو زرعة: فيه لين، وقال ابن سعد: بقي حتى اختلط واحتاج، ليس يحتج به ، وقال النسائي والدارقطني: ضعيف. زاد الثاني: يعتبر به، وذكره ابن حبان في " ثقاته "، وقال ابن عدي: عامة ما يرويه أنكار، وهو إلى الضعف أقرب ". وأورده ابن البرقي في " باب من كان الأغلب عليه الضعف " كما في " تهذيب التهذيب ". فاعجب بعد هذا لقول الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند بعد أن ساق قول سفيان المتقدم: " فهذا هو السبب عندي في تضعيف من ضعفه فالإنصاف أن تعتبر رواياته فيما يتعلق بمثل هذا الذي اتهم به، وأما أن ترد رواياته كلها فلا، إذا كان صدوقا "! وبناء على ذلك صرح بأن إسناد حديثه هذا صحيح! ولا يخفى على اللبيب أن ما ذهب إليه من السبب إنما هي دعوى لا دليل عليها، ثم لو صحت، لكان هناك السبب الآخر لا يزال قائما ومانعا من الاحتجاج بحديثه ألا وهو الاختلاط، وكأنه لذلك وقعت في أحاديثه النكارة كما أشار إلى ذلك ابن عدي، وتصحيح حديثه ورواياته لازمه رد أقوال أولئك الأئمة الجارحين بسبب بين، وذاك لا يجوز كما تقرر في مصطلح الحديث. إذا علمت هذا فلا تغتر بقول المنذري في " الترغيب " (3 / 83) : " رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، وابن حبان في صحيحه من رواية شرحبيل عنه ". ولهذا قال الحافظ الناجي في " عجالة الإملاء " (ق 169 / 2) في رده عليه: " اغتر بابن حبان والحاكم في تصحيح سنده، وفيه شرحبيل بن سعد المدني

2777

أبي سعد المدني، وهو صدوق اختلط بأخرة، وفيه كلام معروف، وقد ذكره المصنف في الرواة المختلف فيهم آخر هذا الكتاب وجرحه، وذكر أن ابن حبان ذكره في " الثقات "، وأخرج له في صحيحه " غير ما حديث، ولعل هذا هو الذي غره ". فالحق أن الرجل ضعيف لا يحتج به، ولعله ممن يستشهد به. وأنا أرى أن حديثه هذا ليس بالمنكر، بل هو جيد لأن له شواهد كثيرة تقدم ذكر بعضها في المجلد الأول (294 - 297) ، أقربها حديث مسلم " من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو، وضم أصابعه "، ومضى برقم (297) ولفظه عند البخاري في " الأدب المفرد " (894) : ".. أنا وهو في الجنة كهاتين ". 2777 - " إذا وقعت الملاحم بعث الله بعثا من الموالي [من دمشق] هم أكرم العرب فرسا وأجوده سلاحا، يؤيد الله بهم الدين ". أخرجه ابن ماجه (4090) والحاكم (4 / 548) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 1 / 258 - 260) من طريق عثمان بن أبي عاتكة: حدثنا سليمان بن حبيب المحاربي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري ". قلت: ووافقه الذهبي، لكن وقع في " تلخيصه " (م) يعني على شرط مسلم! والأول أقرب إلى الصواب، لأن مسلما لم يخرج لعثمان هذا، والبخاري إنما أخرج له في " الأدب المفرد ". ثم إن إسناده غير قابل للصحة، وأما الحسن فمحتمل لأنه - أعني عثمان -

2778

مختلف فيه كما قال البوصيري في " الزوائد " (274 / 2 - مصورة المكتب) وحسن إسناده! وقال الذهبي في " الضعفاء ": " صويلح، ضعفه النسائي وغيره ". وفي " الكاشف ": " ضعفه النسائي، ووثقه غيره ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ضعفوه في روايته عن علي بن يزيد الألهاني ". قلت: فهو حسن الحديث في غير روايته عن الألهاني. والله أعلم. 2778 - " هلاك أمتي في الكتاب واللبن. قالوا: يا رسول الله ما الكتاب واللبن؟ قال : يتعلمون القرآن فيتأولونه على غير ما أنزل الله عز وجل، ويحبون اللبن فيدعون الجماعات والجمع، ويبدون ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 155) : حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة عن أبي قبيل قال: لم أسمع من عقبة بن عامر إلا هذا الحديث، قال ابن لهيعة: وحدثنيه يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وأخرجه ابن عبد الحكم في " فتوح مصر " (293) : حدثناه المقرىء وأبو الأسود النضر بن عبد الجبار عن ابن لهيعة عن أبي قبيل وحده. قلت: وهذا الحديث من أحاديث ابن لهيعة الصحيحة، لأنه من رواية أبي عبد الرحمن عنه، واسمه عبد الله بن يزيد المقرىء المكي، وهو ثقة من رجال

الشيخين ومن كبار شيوخ البخاري، وقد ذكروا أنه من العبادلة الذين رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه وأنه صحيح الحديث فيما رووه عنه. وقد روى هذا بإسنادين: الأول: عن أبي قبيل عن عقبة. والآخر: عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة. وهذا إسناد صحيح، لأن من فوق ابن لهيعة ثقتان من رجال الشيخين أيضا، وأبو الخير اسمه مرثد بن عبد الله اليزني. وأما إسناده الأول فحسن لأن أبا قبيل واسمه حيي بن هاني المعافري وثقه جماعة منهم أحمد، وضعفه بعضهم، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ". فهو حسن الحديث على الأقل، والله أعلم. والحديث أخرجه الفسوي في " التاريخ " (2 / 507) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 284 رقم 1746 ط) والهروي في " ذم الكلام " (2 / 28 / 1) وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " (2 / 193) كلهم عن عبد الله بن يزيد به، إلا أن الهروي زاد في الإسناد بين ابن لهيعة وأبي قبيل: عقبة الحضرمي، وهي زيادة شاذة لتصريح الجماعة في روايتهم بسماع ابن لهيعة لهذا الحديث من أبي قبيل، ولو صحت لم تضر لأن عقبة هذا - وهو ابن مسلم التجيبي - ثقة بلا خلاف. ثم أخرجه أحمد (4 / 146) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 17 / 296 / 816) من طريقين آخرين عن ابن لهيعة به دون ذكر عقبة الحضرمي.

وتابعه أبو السمح عند أحمد (4 / 156) ومن طريق ابن عبد البر، والطبراني ( 818) ، ولفظه مخالف لحديث الترجمة، ولذلك خرجته في " الضعيفة " (1779) . والليث - وهو ابن سعد - عند الطبراني (815) وابن عبد البر. ومالك بن الخير الزيادي عند الطبراني (817) . فهذه المتابعات من هؤلاء لابن لهيعة تؤكد أنه قد حفظ هذا الحديث، فالحمد لله. (فائدة) : ترجم ابن عبد البر لهذا الحديث بقوله: " باب فيمن تأول القرآن أو تدبره وهو جاهل بالسنة ". ثم قال تحته: " أهل البدع أجمع أضربوا عن السنن، وتأولوا الكتاب على غير ما بينت السنة، فضلوا وأضلوا. نعوذ بالله من الخذلان، ونسأله التوفيق والعصمة ". قلت: ومن ضلالهم تغافلهم عن قوله تعالى في كتابه موجها إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: * (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) *. ثم إن الحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " لـ (حم، هب، وأبو نصر السجزي في " الإبانة " عن عقبة بن عامر) . ولم يورده في " الجامع الصغير ". (تنبيه) : وقع من بعضهم حول هذا الحديث أوهام لابد من بيانها: لقد ضعفه الهيثمي في " مجمع الزوائد " بقوله (8 / 104 - 105) : " رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة وهو لين، وبقية رجاله ثقات ".

2779

قلت: فخفي عليه أمران: الأول: أن ابن لهيعة صحيح الحديث في رواية العبادلة عنه، وهذا من رواية أحدهم، وهو أبو عبد الرحمن المقرىء كما تقدم. والآخر: أن ابن لهيعة لم يتفرد به بل تابعه الليث بن سعد وغيره كما سبق بيانه. وقلده في هذا كله المعلق على " مسند أبي يعلى " السيد حسين سليم أسد، فقال (3 / 285) : " إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، وأبو عبد الرحمن هو عبد الله بن يزيد المقرىء "!! وقوله: (يبدون) أي يخرجون إلى البادية لطلب مواضع اللبن في المراعي، كما في " النهاية ". 2779 - " احبس عليك مالك. قاله لمن أراد أن يتصدق بحلي أمه ولم توصه ". أخرجه الطبراني (17 / 281 / 773) من طريقين عن وهب بن جرير: حدثني أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني عن عقبة بن عامر قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أمي توفيت وتركت حليا ولم توص، فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ويحيى بن أيوب هو الغافقي، قال الحافظ:

" صدوق ربما أخطأ ". وقد تابعه ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب به نحوه، ولفظه: ".. أفأتصدق به عنها؟ قال: أمك أمرتك بذلك؟ قال: لا. قال : فأمسك عليك حلي أمك ". أخرجه أحمد (4 / 157) . ثم أخرجه من طريق رشدين: حدثني عمرو بن الحارث والحسن بن ثوبان عن يزيد بن أبي حبيب به مختصرا. قلت: وهذا الحديث من صحيح حديث ابن لهيعة أيضا للمتابعات المذكورة. من فقه الحديث : واعلم أن ظاهر الحديث يدل أنه ليس للولد أن يتصدق عن أمه إذا لم توص. وقد جاءت أحاديث صريحة بخلافه، منها حديث ابن عباس: أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله! إن أمي توفيت - وأنا غائب عنها - فهل ينفعها إن تصدقت بشيء عنها؟ قال: نعم. وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 172) و " صحيح أبي داود " ( 2566) وفي معناه أحاديث أخرى مذكورة هناك. أقول: فلعل الجمع بينه وبينها أن يحمل على أن الرجل السائل كان فقيرا محتاجا، ولذلك أمره بأن يمسك ماله. ويؤيده أنه صلى الله عليه وسلم لم يجبه على سؤاله: فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ بقوله مثلا: " لا "، وإنما قال له: " احبس عليك مالك "، أي لحاجته إليه. هذا ما بدا لي. والله أعلم.

2780

2780 - " كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فقلنا: زالت الشمس، أو لم تزل صلى الظهر ثم ارتحل ". أخرجه الإمام أحمد (3 / 113) : حدثنا أبو معاوية حدثنا مسحاج الضبي قال: سمعت أنس بن مالك يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح ثلاثي من ثلاثيات أحمد رحمه الله تعالى، وأخرجه أبو داود عن طريق مسدد: حدثنا أبو معاوية به. وقد أوردته في " صحيح أبي داود " برقم (1087) منذ سنين، ثم وقفت على كلام لابن حبان يصرح فيه بإنكار الحديث، فرأيت أنه لابد من تحقيق الكلام عليه، فأقول: قال ابن حبان في ترجمة مسحاج بن موسى الضبي من كتابه " الضعفاء " (3 / 32) : " روى حديثا واحدا منكرا في تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر - لا يجوز الاحتجاج به "! ثم قال: " سمعت أحمد بن محمد بن الحسين: سمعت الحسن بن عيسى: قلت لابن المبارك: حدثنا أبو نعيم بحديث حسن. قال: ما هو؟ قلت: حدثنا أبو نعيم عن مسحاج.. (فذكر الحديث) ، فقال ابن المبارك: وما حسن هذا الحديث؟! أنا أقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قبل الزوال وقبل الوقت؟! ". قلت: وهذا إن صح عن ابن المبارك، فهو عجيب من مثل هذا الإمام، فإن الحديث ليس فيه الإخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي قبل الزوال.. وإنما فيه أن الصحابة أو بعضهم كانوا إذا صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر، يشكون هل زالت الشمس أم لا، وما ذلك إلا إشارة من أنس إلى أنه إلى أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها في أول وقتها بعد تحقق

دخوله كما أفاده الشيخ السفاريني في " شرح ثلاثيات مسند أحمد " (2 / 196) ونحوه ما في " عون المعبود " (1 / 467) : " أي: لم يتيقن أنس وغيره بزوال الشمس ولا بعدمه، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فكان أعرف الناس للأوقات، فلا يصلي الظهر إلا بعد الزوال، وفيه الدليل إلى مبادرة صلاة الظهر بعد الزوال معا من غير تأخير ". وقد بوب أبو داود للحديث بقوله: " باب المسافر يصلي وهو يشك في الوقت " ، وعلق عليه صاحب " العون " فقال: " هل جاء وقت الصلاة أم لا؟ فلا اعتبار لشكه، وإنما الاعتماد في معرفة الأوقات على الإمام، فإن تيقن الإمام بمجيء الوقت، فلا يعتبر بشك بعض الأتباع ". وقوله: " على الإمام "، وأقول: أو على من أنابه الإمام من المؤذنين المؤتمنين الذين دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمغفرة، وهو الذين يؤذنون لكل صلاة في وقتها، وقد أصبح هؤلاء في هذا الزمن أندر من الكبريت الأحمر، فقل منهم من يؤذن على التوقيت الشرعي، بل جمهورهم يؤذنون على التوقيت الفلكي المسطر على التقاويم و (الروزنامات) ، وهو غير صحيح لمخالفته للواقع، وفي هذا اليوم مثلا (السبت 20 محرم سنة 1406 ) طلعت الشمس من على قمة الجبل في الساعة الخامسة وخمس وأربعين دقيقة، وفي تقويم وزارة الأوقاف أنها تطلع في الساعة الخامسة والدقيقة الثالثة والثلاثين ! هذا وأنا على (جبل هملان) ، فما بالك بالنسبة للذين هم في (وسط عمان) ؟ لا شك أنه يتأخر طلوعها عنهم أكثر من طلوعها على (هملان) . ومع الأسف فإنهم يؤذنون للفجر هنا قبل الوقت بفرق يتراوح ما بين عشرين دقيقة إلى ثلاثين، وبناء عليه ففي بعض المساجد يصلون الفجر ثم يخرجون من المسجد ولما يطلع الفجر بعد، ولقد عمت هذه المصيبة كثيرا

من البلاد الإسلامية كالكويت والمغرب والطائف وغيرها، ويؤذنون هنا للمغرب بعد غروب الشمس بفرق 5 - 10 دقائق. ولما اعتمرت في رمضان السنة الماضية صعدت في المدينة إلى الطابق الأعلى من البناية التي كنت زرت فيها أحد إخواننا لمراقبة غروب الشمس وأنا صائم، فما أذن إلا بعد غروبها بـ (13 دقيقة) ! وأما في جدة فقد صعدت بناية هناك يسكن في شقة منها صهر لي، فما كادت الشمس أن تغرب إلا وسمعت الأذان. فحمدت الله على ذلك. هذا، وإذا عرفت معنى الحديث وأنه ليس فيه ما زعمه ابن حبان من تقديم صلاة الظهر قبل الوقت للمسافر، سقط قوله: أن الحديث منكر، وأن راويه مسحاج لا يحتج به، ولاسيما وقد وثقه من هو أعلى كعبا منه في هذا الفن، فقد ذكر ابن أبي حاتم في كتابه (4 / 1 / 430) أن يحيى بن معين قال فيه: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به، وفي " الميزان " و " التهذيب " عن أبي داود أنه قال أيضا: ثقة. وإن مما يقرب لك معنى الحديث، وأنه لا نكارة فيه، علاوة على ما سبق من البيان ما رواه البخاري (1683) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن ابن يزيد عن ابن مسعود أنه قدم (جمعا) .. فصلى الفجر حين طلع الفجر، قائل يقول: طلع الفجر، وقائل يقول: لم يطلع الفجر.. الحديث. وأبو إسحاق وإن كان اختلط، فهو شاهد جيد لما نحن فيه. وبعد، فإنما قلت في إسناد ابن حبان: " إن صح.. "، لأنني لم أعرف شيخه أحمد ابن محمد بن الحسين، وقد روى له في " صحيحه "، ورأيت له في " موارد الظمآن في زوائد ابن حبان " ثلاثة أحاديث (823 و 2327 و 2360) ، ووصفه في الثاني منهما بـ " نافلة الحسين بن عيسى "، أي ولد ولده. فالله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت الذهبي قد ترجمه في " السير " (14 / 405 - 406) ووصفه بأنه " الماسرجسي، الإمام المحدث العالم الثقة.. سبط الحسن بن عيسى.. ".

2781

(تنبيه) : وقع الحديث في " الضعفاء " بلفظ: " صلاة الظهر "، مكان " صلى الظهر "، فقال محققه محمود إبراهيم زايد: " هكذا في المخطوطة، ولم أعثر عليه فيما لدي من المراجع، ويشبه أن يكون الأصل: فصلى صلاة الظهر "! قلت: هكذا فليكن التحقيق! أليس عندك " سنن أبي داود " على الأقل لتصحح عليه؟! والصواب: " صلى الظهر "، وأنا أظن أن لفظة " صلى " تحرف على الناسخ إلى " صلاة "! 2781 - " كان يسمر مع أبي بكر في الأمر من أمر المسلمين، وأنا معهما. أي عمر ". أخرجه الترمذي (رقم 169) وابن حبان (276) والبيهقي (1 / 452) وأحمد ( 1 / 25) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عمر بن الخطاب قال: فذكره. وقال الترمذي: " حديث حسن، وقد روى هذا الحديث الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم عن علقمة عن رجل من جعفي يقال له: " قيس " أو " ابن قيس " عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث في قصة طويلة ". قلت: وصله البيهقي من طريق عبد الواحد بن زياد: حدثنا الحسن بن عبيد الله به ، قال: " فذكر القصة بمعناه، إلا أنه لم يذكر قصة السمر ". وكذلك وصله أحمد (1 / 38) من هذا الوجه. لكنه رواه من طريق أبي معاوية أيضا قال - عطفا على الرواية الأولى -:

2782

وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أنه - أي عمر رضي الله عنه - قال:.. فذكر القصة، وفيها حديث الترجمة. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب ". وروى الحاكم (3 / 318) طرفا من القصة من طريق سفيان عن الأعمش مثل رواية أبي معاوية الأولى، وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! ولم يتنبها للانقطاع الذي بينته رواية الحسن بن عبيد الله. وللحديث شاهد من رواية كميل بن زياد عن علي رضي الله عنه بمعناه. أخرجه الحاكم (3 / 317) وصححه. ووافقه الذهبي. 2782 - " يخرج من (عدن أبين) اثنا عشر ألفا ينصرون الله ورسوله، هم خير من بيني وبينهم ". أخرجه أحمد في " مسنده " (1 / 333) : حدثنا عبد الرزاق عن المنذر بن النعمان الأفطس قال: سمعت وهبا يحدث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قال لي معمر: " اذهب فاسأله عن هذا الحديث ". ومن طريق أحمد أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 474 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 56 / 11029) من طريق عبد الرزاق، وكذا ابن أبي حاتم في ترجمة منذر بن النعمان (4 / 1 / 242 - 243) وروى عن ابن معين أنه قال: " ثقة "، لكن وقع الحديث عنده موقوفا ليس فيه " قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فلا أدري أسقط ذلك من بعض النساخ، أو الرواية هكذا وقعت له، وعلى كل فالحديث مرفوع يقينا للمصادر التي رفعته، ولأنه في حكم المرفوع، فإنه من الأمور الغيبية التي لا مدخل للرأي فيها. والسند صحيح لأن رجاله ثقات رجال الشيخين غير المنذر هذا، وقد وثقه ابن معين كما رأيت، وذكره ابن حبان في أتباع التابعين من " ثقاته " (7 / 481) ، وقد وثقه الإمام أحمد أيضا، وهذا من النفائس التي وقفت عليها - بفضله تعالى - في بعض المخطوطات المحفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق الشام حرسها الله تعالى، فقد ذكر الحديث ابن قدامة في " المنتخب " (10 / 194 / 2) من طريق حنبل: حدثنا أبو عبد الله حدثنا عبد الرزاق.. إلخ. قال أبو عبد الله: " المنذر بن النعمان ثقة صنعاني، ليس في حديثه مسند غير هذا ". وهذه فائدة عزيزة، فشد يديك عليها. هذا، ولم يتفرد عبد الرزاق به، فقد تابعه معتمر بن سليمان عن المنذر به. أخرجه أبو يعلى في " المسند " (2 / 636) والحسن بن علي الجوهري في " فوائد منتقاة " (ق 28 / 2) ، وزاد أبو يعلى: " قال المعتمر: أظنه قال: في الأعماق ". وتابعه أيضا محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني: حدثنا منذر بن الأفطس. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (6 / 2184) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن محمد بن زياد حدثنا علي بن بحر البري حدثنا محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني به. ومن طريق ابن عدي أورده ابن الجوزي في " الأحاديث الواهية "، وتعلق بما لا يصلح له، فقال (1 / 306 - 307) :

" هذا حديث لا يصح، فإن محمد بن الحسن بن أتش مجروح، قال: ابن حماد: هو متروك الحديث. ومحمد بن الحسن بن محمد بن زياد قال فيه طلحة بن محمد بن جعفر: كان يكذب ". فأقول: هذا التجريح لا قيمة له البتة، وذلك من وجهين: الأول: أنهما لم يتفردا بالحديث كما قدمنا، ومن العجيب الغريب أن يخفى ذلك على ابن الجوزي أو على الأقل بعضه.. وهو في " مسند أحمد " بسند صحيح كما تقدم. والآخر: أن ابن أتش لا يبلغ أمره أن يترك، فإنه قد وثقه جمع منهم أبو حاتم، ومخالفة ابن حماد - وهو الدولابي مؤلف الكنى - متكلم فيه، كما في " الميزان " و " اللسان "، فتجريحه لا ينهض لمعارضته توثيق أبي حاتم، ولاسيما وهذا معدود من المتشددين! وكذلك يقال عن قول الأزدي فيه مثل قول الدولابي فإنه مطعون فيه. نعم قد وافقهما النسائي كما في " التهذيب "، لكن رد ذلك الحافظ أحمد بن صالح فقال: " هو ثقة، وكلام النسائي فيه غير مقبول ". قال الحافظ عقبه: " لأن أحمد وعلي بن المديني لا يرويان إلا عن مقبول، مع قول أحمد بن صالح فيه ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق فيه لين " . ومثله محمد بن الحسن بن زياد، فقد قال فيه الذهبي والعسقلاني: " هو صدوق ، أخطأ في حقه من كذبه، ولكن ما هو بعمدة ".

2783

قلت: وبالجملة لو أن الحديث لم يأت إلا من طريقهما لكان ضعيفا، أما وقد جاء من طريق بعض الثقات فحديثهما يصلح في الشواهد والمتابعات. والله ولي التوفيق. 2783 - " استتروا في صلاتكم (وفي رواية: ليستتر أحدكم في صلاته) ولو بسهم ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " رقم (810) وأبو يعلى (2 / 239 / 941) والحاكم (1 / 552) والبيهقي (2 / 270) وابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 278) وأحمد (3 / 404) والطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 133 - 134) والبغوي في " شرح السنة " (2 / 403) وحسنه عن جمع من الثقات: إبراهيم بن سعد وحرملة بن عبد العزيز وزيد بن الحباب وسبرة أخي حرملة ويعقوب بن إبراهيم، خمستهم عن عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: وفيه نظر من ناحيتين: الأولى: أن عبد الملك هذا قال أبو الحسن بن القطان: " لم تثبت عدالته، وإن كان مسلم أخرج له، فغير محتج به " . قال الحافظ في " التهذيب " عقبه: " ومسلم إنما أخرج له حديثا واحدا في المتعة متابعة ". قلت: فليس هو على شرط مسلم إلا إن توبع. قال الحافظ أيضا:

" قلت: وثقه العجلي، قال أبو خيثمة: سئل ابن معين عن أحاديث عبد الملك عن أبيه عن جده؟ فقال: ضعاف ". قلت: وهذا الإطلاق غير مسلم له على إطلاقه على الأقل، فإن الإمام أحمد والطبراني ساقا له مع هذا الحديث حديثين آخرين أحدهما في أمر الصبي بالصلاة وهو ابن سبع، والآخر في النهي عن الصلاة في أعطان الإبل، وزاد الطبراني ثالثا في النهي عن متعة النساء، وهذا في صحيح مسلم من طريق آخر عن الربيع بن سبرة، وهو الذي أشار إليه الحافظ آنفا، وحديث الأعطان له شواهد مخرج بعضها في " صحيح أبي داود " (177) ، وحديث الصبي كذلك وهو مخرج في " الإرواء " (247) و " صحيح أبي داود " (508) وقد صححه جمع كالترمذي والحاكم وابن خزيمة والنووي والذهبي، فكيف يصح أن يقال: " أحاديثه ضعاف "؟! فلم يبق النظر إلا في حديث الترجمة، - وهي الناحية الأخرى - وقد يبدو - بادي الرأي - أنه ضعيف من أجل ما قيل في عبد الملك هذا، وهو الذي كنت ذهبت إليه قديما، فأوردته في الكتاب الآخر برقم (2760) ، ثم تنبهت لحقيقتين هامتين: الأولى: توثيق العجلي إياه، وهو وإن كان متساهلا في التوثيق في نقدي، فهو في ذلك كابن حبان عندي، إلا أنه قد اقترن معه تصحيح ابن خزيمة والحاكم والذهبي لهذا الحديث، وأقره على تصحيحه الإمام النووي في " المجموع " (3 / 248 - 249) وتصحيحهم جميعا ومعهم الترمذي لحديث الصبي كما تقدم، وذلك يعني أن عبد الملك ثقة عندهم كما هو ظاهر. والأخرى: تصريح الإمام الذهبي بذلك، فقال في " الميزان ": " صدوق إن شاء الله، ضعفه يحيى بن معين فقط ".

وقال في " الكاشف ": " ثقة ". فلم يعتد بتضعيف ابن معين، ولا بتجهيل ابن القطان. ووجهه عندي اعتداده برواية هؤلاء الثقات عنه، مع عدم وجود أي منكر في مروياته، فالنفس تطمئن - والحالة هذه - لقبول ما تفرد به إلا إذا خالف الثقات، وهو في هذا الحديث لم يخالف، بل وافق ما هو مشهور من صلاته صلى الله عليه وسلم إلى الحربة، وهو مخرج في كتابي " إرواء الغليل " (504) . ثم إن للحديث شاهدا، ولكنه مما لا يفرح به لشدة ضعفه، لأنه يرويه محمد بن القاسم الأسدي: حدثنا ثور بن يزيد عن يزيد بن يزيد بن جابر عن مكحول عن يزيد ابن جابر عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " يجزىء من السترة مثل مؤخرة الرحل ولو بدق شعرة ". أخرجه ابن خزيمة (808) والحاكم وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وقال ابن خزيمة: " أخاف أن يكون محمد بن القاسم وهم في رفع هذا الخبر ". قلت: يشير إلى ما رواه عبد الرزاق في " المصنف " (2290) عن الثوري عن يزيد ابن يزيد بن جابر عن أبيه عن أبي هريرة قال: فذكره. ثم رواه عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفع الحديث إلى أبي هريرة قال: فذكره موقوفا أيضا. قلت: وهذا متصل، وما قبله معضل، لكن يزيد بن جابر، كأنه مجهول، فإن البخاري وابن أبي حاتم لم يذكرا عنه راويا سوى مكحول، ومع ذلك ذكره ابن

حبان في " الثقات " (5 / 535) ! ولذا قال ابن القطان: " لا يعرف ". وأما قول الحافظ العراقي كما نقله العسقلاني في " اللسان ": " هو معروف الحال "! فهو غير واضح، ما دام أنه لا يعرف إلا بهذه الرواية المرفوعة والموقوفة وقد أخرج الأولى منها ابن عدي أيضا في " الكامل " (6 / 2253 - 2254) والطبراني في " مسند الشاميين " (ص 123 - مصورة الجامعة الإسلامية) ، ووقع في مطبوعة " الكامل ": " ولو بدق شعره "! وهذا من التحريفات الكثيرة التي وقعت في هذه المطبوعة بتحقيق لجنة من المختصين بإشراف الناشر! وصلى الله على محمد القائل : " يسمونها بغير اسمها "! (تنبيه) : سبق أن ذكرت أن الحاكم قال: " صحيح على شرط مسلم "، وقد سقطت هذه العبارة من مطبوعة " المستدرك "، فاستدركتها من " المجموع " للنووي، وقد بقي في " تلخيص المستدرك " ما يدل على أنها ثابتة في أصله: " المستدرك " وهو قوله: " على شرط "! فسقط منه لفظة " مسلم "، ومنه أخذت موافقة الذهبي على التصحيح. والله سبحانه وتعالى أعلم.

2784

2784 - " كلوه - يعني الثوم -، فإني لست كأحدكم، إني أخاف أن أوذي صاحبي. [يعني الملك] ". أخرجه أحمد (6 / 433 و 462) والحميدي (339) وابن أبي شيبة (8 / 301 / 4530) ومن طريقه ابن ماجه (3364) قالوا ثلاثتهم: حدثنا سفيان ابن عيينة: حدثنا عبيد الله بن أبي يزيد أخبره أبوه قال: نزلت على أم أيوب الذين نزل عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت عليها فحدثتني بهذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم تكلفوا طعاما فيه بعض البقول، فقربوه، فكرهه، وقال لأصحابه: فذكره. والزيادة لأحمد. وأخرجه الترمذي (6 / 107 / 1811) والدارمي (2 / 102) وابن خزيمة في " صحيحه " (1671) ومن طريقه ابن حبان ( 3 / 264 / 2090) من طرق أخرى عن سفيان به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب، وأم أيوب هي امرأة أبي أيوب الأنصاري ". قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي يزيد والد عبيد الله وهو المكي، لم يوثقه غير ابن حبان، لكنه لم يتفرد به، فقد صح عن أبي أيوب نحوه. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (رقم 2511) . ويشهد له حديث جابر مرفوعا بلفظ: " من أكل من هذه الشجرة النتنة (وفي رواية: البصل والثوم والكراث) فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنس، وفي رواية: بنو آدم ". أخرجه مسلم وغيره، وهو مخرج أيضا في المصدر السابق (547) .

2785

ثم روى مسلم نحوه من حديث أبي سعيد، وزاد فيه ابن خزيمة (1667) : " وإنه يأتيني [من أناجي] من الملائكة، فأكره أن يشموا ريحها ". وإسناده صحيح على شرط مسلم، وما بين المعقوفتين في الأصل نقط.. وعلق عليها محققه بقوله: " كلمة غير واضحة في المصورة لعلها مناجي ". وأقول: ولعل الأقرب ما أثبته. والله أعلم. ( تنبيه) الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (13 / 332) لمسلم وهو سبق ذهن أو قلم، فقد أحال بذلك إلى مكان تقدم، وهو هناك عزاه (2 / 342) لابن خزيمة وابن حبان فأصاب، ولكنه قصر لعدم عزوه للسنن! 2785 - " من فارق الروح الجسد وهو بريء من ثلاث دخل الجنة: الكبر والدين والغلول ". هو من حديث قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقد رواه عنه جمع من الثقات هكذا، فلنذكر أسانيدهم: 1 و 2 - قال أحمد (5 / 276 و 282) : حدثنا عفان حدثنا همام وأبان قالا: حدثنا قتادة به. ثم رواه (5 / 277) : حدثنا يزيد عن همام به. 3 - سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. أخرجه أحمد (5 / 281) : حدثنا محمد بن بكر وعبد الوهاب قالا: حدثنا سعيد به. وأخرجه البيهقي (5 / 355) من طريق أخرى عن عبد الوهاب بن عطاء:

أنبأنا سعيد به. وأخرجه الترمذي (1573) والدارمي (2 / 262) والنسائي في " الكبرى " (5 / 232 / 8764) وابن ماجه (2412) من طرق أخرى عن سعيد به. 4 - شعبة عن قتادة به. أخرجه ابن حبان (1676) ، - (5 / 281 - 282) وابن المظفر في " غرائب شعبة " (ق 12 / 1) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 18 / 1) من طرق عنه. 5 - أبو عوانة عن قتادة به. أخرجه الحاكم (2 / 26) من طريق أبي الوليد الطيالسي وعفان بن مسلم عنه. والبيهقي (9 / 101 - 102) من طريق أخرى عن أبي الوليد وحده، وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وخالفهما في الإسناد قتيبة بن سعيد فقال: حدثنا أبو عوانة.. فذكره، دون أن يذكر فيه معدان بن أبي طلحة. أخرجه الترمذي (1572) وقال: " ورواية سعيد أصح، يعني في الإسناد، لأنه زاد فيه رجلا وأسنده، ولم يسمع سالم من ثوبان ". قلت: ومما لا شك فيه أن رواية سعيد أصح من رواية أبي عوانة هذه لما ذكرنا لها من المتابعات، ولموافقة رواية الطيالسي وعفان عن أبي عوانة لها، وعليه فرواية قتيبة عنه شاذة.

واعلم أن كل هذه الروايات والطرق في كل المصادر التي عزوناها إليها وقعت الخصلة الأولى من الثلاث فيه بلفظ: " الكبر ". إلا في رواية الترمذي وحده عن سعيد، فهي عنده بلفظ " الكنز "، وقال الترمذي عقبها: " قال أحمد: (الكبر) تصحيف، صحفه غندر محمد بن جعفر، حديث سعيد: " من فارق الروح منه الجسد.. "، وإنما هو الكنز ". فأقول: رواية محمد بن جعفر، إنما هي عن شعبة، وهي الطريق (4) عن قتادة، فأخشى أن يكون ما في " الترمذي " (حديث سعيد) محرفا من (حديث شعبة) . وحديث محمد بن جعفر عن شعبة هو في " المسند " في المكان المشار إليه هناك، وهو فيه مقرون برواية أحمد عن بهز عن شعبة، وقال في آخرها: " قال بهز: (والكبر) ". وهذا القول إنما يقوله المحدثون حينما يكون هناك خلاف بين بعض الرواة في لفظ ما، وهذا من دقتهم في الرواية جزاهم الله خير الجزاء، وإذا كان ما ذكره الترمذي عن الإمام أحمد أن ابن جعفر تصحف عليه هذا اللفظ فقال: (الكبر) وإنما هو (الكنز) محفوظا، فأنا أتصور أن قول أحمد في آخر الحديث: " قال بهز: (والكبر) "، أتصور أن هذا اللفظ فيه خطأ، وأن الصواب فيه (والكنز) ، لأن ابن جعفر هو الذي قال: (والكبر) ، وإن لم نقل هذا تناقض ما في " المسند " مع نقل الترمذي عن أحمد . والله أعلم. وبالجملة فسواء كان هذا أو ذاك، فادعاء أن لفظة (الكبر) محرفة عن (الكنز) من محمد بن جعفر يدفعها الطرق الأخرى عن شعبة من جهة، وموافقتها للطرق الأخرى من جهة أخرى، فإنها كلها متفقة على اللفظ الأول (الكبر ) ، إلا إن قال قائل: إنها جميعها محرفة! وهذا مما لا يتصور أن يصدر من عاقل .

2786

ولعله لما ذكرنا من التحقيق تتابع العلماء على إيراد الحديث بهذا اللفظ المحفوظ (الكبر) ، فذكره البغوي في " شرح السنة " تعليقا (11 / 118) والمنذري في " الترغيب " (2 / 188 و 3 / 32 و 4 / 15) وقال: " وقد ضبطه بعض الحفاظ (الكنز) بالنون والزاي، وليس بمشهور ". وكذلك هو في " المشكاة " (2921) و " الزيادة على الجامع الصغير " (صحيح الجامع 6287) و " الجامع الكبير " وغيرهم. 2786 - " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ". أخرجه الإسماعيلي في " المعجم " (112 / 2) عن شيخه العباس بن أحمد الوشا: حدثنا محمد بن الفرج، والبيهقي في " السنن " (4 / 316) من طريق محمد بن آدم المروزي، كلاهما عن سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي شداد عن أبي وائل قال: قال حذيفة لعبد الله [يعني ابن مسعود رضي الله عنه] : [قوم] عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا تغير (وفي رواية: لا تنهاهم) ؟! وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره؟! فقال عبد الله: لعلك نسيت وحفظوا، أو أخطأت وأصابوا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقول ابن مسعود ليس نصا في تخطئته لحذيفة في روايته للفظ الحديث، بل لعله خطأه في استدلاله به على العكوف الذي أنكره حذيفة، لاحتمال أن يكون معنى الحديث عند ابن مسعود: لا اعتكاف كاملا، كقوله صلى الله عليه وسلم: " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له " والله أعلم. ثم رأيت الطحاوي قد أخرج الحديث في " المشكل " (4 / 20) من الوجه

المذكور، وادعى نسخه! وكذلك رواه عبد الرزاق في " المصنف " (4 / 348 / 8016) وعنه الطبراني (9 / 350 / 9511) عن ابن عيينة به إلا أنه لم يصرح برفعه. ورواه سعيد ابن منصور: أخبرنا سفيان بن عيينة به ، إلا أنه شك في رفعه واختصره فقال:.. عن شقيق بن سلمة قال: قال حذيفة لعبد الله بن مسعود: قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، أو قال: مسجد جماعة ". ذكره عنه ابن حزم في " المحلى " (5 / 195) ، ثم رد الحديث بهذا الشك. وهو معذور لأنه لم يقف على رواية الجماعة عن ابن عيينة مرفوعا دون أي شك، وهم: 1 - محمد بن الفرج، عند الإسماعيلي. 2 - محمود بن آدم المروزي، عند البيهقي. 3 - هشام بن عمار، عند الطحاوي. وكلهم ثقات، وهذه تراجمهم نقلا من " التقريب ": 1 - وهو القرشي مولاهم البغدادي، صدوق من شيوخ مسلم. 2 - صدوق من شيوخ البخاري فيما ذكر ابن عدي. 3 - صدوق مقرىء كبر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح، من شيوخ البخاري أيضا. قلت: فموافقته للثقتين اللذين قبله دليل على أنه قد حفظه، فلا يضرهم من تردد في رفعه أو أوقفه، لأن الرفع زيادة من ثقات يجب قبولها. ثم رأيت الفاكهي قد أخرجه في " أخبار مكة " (2 / 149 / 1334) : حدثنا

سعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عمر قالا: حدثنا سفيان به. إلا أنهما لم يشكا، وهذه فائدة هامة. وهما ثقتان أيضا. وبالجملة، فاتفاق هؤلاء الثقات الخمسة على رفع الحديث دون أي تردد فيه لبرهان قاطع على أن الحديث من قوله صلى الله عليه وسلم، وأن تردد سعيد بن منصور في رفعه لا يؤثر في صحته، ولاسيما أن سياق القصة يؤكد ذلك عند إمعان النظر فيها، ذلك لأن حذيفة رضي الله عنه ما كان لينكر بمجرد رأيه على ابن مسعود رضي الله عنه سكوته عن أولئك المعتكفين في المساجد بين الدور، وهو يعلم فضله وفقهه رضي الله عنهما، فلولا أن الحديث عنده مرفوع لما تجرأ على الإنكار عليه بما لا تقوم الحجة به عليه، حتى رواية عبد الرزاق الموقوفة تؤيد ما ذكرته، فإنها بلفظ: " قوم عكوف بين دارك ودار أبي موسى لا تنهاهم! فقال به عبد الله: فلعلهم أصابوا وأخطأت، وحفظوا ونسيت! فقال: حذيفة: لا اعتكاف إلا في هذه المساجد الثلاثة.. " فذكرها. ومثلها رواية إبراهيم قال: " جاء حذيفة إلى عبد الله فقال: ألا أعجبك من قومك عكوف بين دارك ودار الأشعري، يعني المسجد! قال عبد الله: ولعلهم أصابوا وأخطأت، فقال حذيفة: أما علمت أنه: لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد. (فذكرها ) ، وما أبالي أعتكف فيه أو في سوقكم هذه [وكان الذين اعتكفوا - وعاب عليهم حذيفة - في مسجد الكوفة الأكبر] ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (3 / 91) والسياق له، وكذا عبد الرزاق (4 / 347 - 348) والزيادة له، وعنه الطبراني (9510) ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أن إبراهيم - وهو النخعي - لم يدرك حذيفة.

فاحتجاج حذيفة على ابن مسعود بهذه الجملة " لا اعتكاف " يشعر بأنها في موضع الحجة عنده، وإلا لم يقل له: " أما علمت.. " إلخ. والله أعلم. واعلم أن العلماء اختلفوا في شرطية المسجد للاعتكاف وصفته كما تراه مبسوطا في " المصنفين " المذكورين و " المحلى " وغيرهما، وليس في ذلك ما يصح الاحتجاج به سوى قوله تعالى: * (وأنتم عاكفون في المساجد) *، وهذا الحديث الصحيح، والآية عامة، والحديث خاص، ومقتضى الأصول أن يحمل العام على الخاص، وعليه فالحديث مخصص للآية ومبين لها، وعليه يدل كلام حذيفة وحديثه ، والآثار في ذلك مختلفة أيضا، فالأولى الأخذ بما وافق الحديث منها كقول سعيد بن المسيب: لا اعتكاف إلا في مسجد نبي. أخرجه ابن أبي شيبة وابن حزم بسند صحيح عنه. ثم رأيت الذهبي قد روى الحديث في " سير أعلام النبلاء " (15 / 80) من طريق محمود بن آدم المروزي: حدثنا سفيان به مرفوعا، وقال: " صحيح غريب عال ". وعلق عليه الشيخ شعيب بعد ما عزاه للبيهقي وسعيد بن منصور بقوله: " وقد انفرد حذيفة بتخصيص الاعتكاف في المساجد الثلاثة "! وهذا يبطله قول ابن المسيب المذكور، فتنبه. على أن قوله هذا يوهم أن الحديث موقوف على حذيفة، وليس كذلك كما سبق تحقيقه، فلا تغتر بمن لا غيرة له على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخالف، والله عز وجل يقول: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *.

هذا، وقد كنت أوردت هذا الحديث في رسالتي " قيام رمضان " (36) وخرجته باختصار، مصرحا بصحة إسناده عن حذيفة رضي الله عنه، وأحلت في تفصيل ذلك إلى هذا الموضع من هذه السلسلة. ثم جاءني بعد سنين تحرير بتاريخ (13 / 7 / 1413 هـ) - وهذا المجلد تحت الطبع - من أحد إخواننا المحبين في الله وفي الغيب المشتغلين بهذا العلم الشريف كما بدا لي من خطابه، وفيه نقد منه لثلاثة أحاديث كنت صححتها في بعض مؤلفاتي منها هذا الحديث، فاهتبلتها فرصة لبيان أنه لم يصب كبد الحقيقة في إعلاله إياه من جميع طرقه، معترفا بأنه كان أديبا في كتابته، لطيفا في نقده، زد على ذلك أنه صرح في آخر رسالته أنه فعل ذلك للاستفادة مني ومن بعض إخواني فجزاه الله خيرا على تواضعه، وإحسانه الظن بإخوانه. لقد تتبع الأخ - جزاه الله خيرا - طرق الحديث من مصادر كثيرة طالتها يده، وبين عللها، وسبق أن أشرت إلى بعضها، ولذلك فلن أطيل الكلام إلا في بعض النقاط الأساسية، لم يوفق هو للصواب في معالجتها، فكانت النتيجة - مع الأسف - تضعيف الحديث الصحيح، فأقول: النقطة الأولى: ضعف طريق البيهقي بمحمود بن آدم المروزي بقوله: " لم يوثقه غير ابن حبان، وما ذكر أن البخاري أخرج له، فقد رده الحافظ في " هدي الساري " (ص 239) ". والرد على هذا من وجهين: الأول: أن رد تفرد ابن حبان بتوثيق راو ما، لا يعني أنه رد مقبول، خلافا لما يظنه أخونا هذا وغيره من الناشئين، وإنما ذلك إذا وثق مجهولا عند غيره، أو أنه لم يرو عنه إلا واحد أو اثنان، ففي هذه الحالة يتوقف عن قبول توثيقه، وإلا فهو في

كثير من الأحيان يوثق شيوخا له يعرفهم مباشرة، أو شيخا من شيوخهم، فهو في هذه الحالة أو التي قبلها إنما يوثق على معرفة منه به، أو بواسطة شيوخه كما هو ظاهر، ومحمود المروزي من هذا القبيل، فإن ابن حبان لما أورده في " الثقات " (9 / 202 - 203) قال: " حدثنا عنه المراوزة ". فقد روى عنه جمع، فإذا رجع الباحث إلى " التهذيب " وجد فيه أسماء عشرة من الذين رووا عن محمود هذا، أكثرهم من كبار الحفاظ الثقات طبعا، كالإمام البخاري كما تقدم وأحمد بن حمدون الأعمشي، ومحمد بن حمدويه، ومحمد بن عبد الرحمن الدغولي، ولما ترجمه أبو يعلى الخليلي القزويني في كتابه " الإرشاد في معرفة علماء الحديث " قال (3 / 900) : سمع منه أبو داود السجستاني وابنه عبد الله، وآخر من روى عنه محمد بن حمدويه المروزي.. ". قلت: فهو إذن من علماء الحديث، ومن شيوخ كبار الحفاظ، أفيقال في مثله: " لم يوثقه غير ابن حبان "؟! زاد على ذلك أن ابن أبي حاتم قال (4 / 1 / 291) : " كان ثقة صدوقا ". وإن مما يؤكد ما تقدم، وأنه ثقة يحتج به أمران اثنان: أحدهما : أن الحافظ الخليلي نفسه احتج لإثبات أن حديث " قبض العلم " المروي في " الصحيحين "، والمخرج عندي في " الروض " (579) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا، احتج الحافظ على أن له

أصلا محفوظا صحيحا من رواية هشام أيضا عن أبيه عن عائشة، ساقه من طريق المروزي هذا عن ابن عيينة عن هشام به. ثم قال الحافظ عقبه: " كلاهما محفوظان ". ذكره للحاكم أبي عبد الله بطلب منه، قال الخليلي: " فاستجاد الحاكم واستحسن ". وفي ذلك دليل قوي على أن المروزي عندهما ثقة يحتج به، ولولا ذلك لنسباه إلى الوهم لأنه خالف الطرق بروايته هو عن ابن عيينة بسنده عن عروة عن عائشة رضي الله عنها. وإن مما يؤكد ذلك أنه قد جاء من طرق أخرى عن عروة عنها عند مسلم (8 / 60 - 61) والطحاوي في " المشكل " (1 / 127) والبزار (1 / 123 / 233) والخطيب في " التاريخ " (5 / 313) . هذا هو الأمر الأول الدال على أن المروزي هذا ثقة حجة. وأما الأمر الآخر: فهو أنني كنت ذكرت في خاتمة هذا التخريج أن الذهبي رحمه الله صحح إسناد الحديث من طريق المروزي هذا، وأخونا الذي أنا في صدد الرد عليه على علم بذلك، لأنه عزا الحديث إلى الذهبي في " السير " في نفس المجلد والصفحة التي سبقت الإشارة إليها. فليت شعري ما الذي يحمل هؤلاء الشباب الناشئين والباحثين على عدم الاعتداد بأحكام الحفاظ المخالفة لهم، طبعا لا أريد من هذا أن يقلدوهم ، وإنما أن يقدروا جهودهم وعلمهم وتمكنهم فيه، بحيث أنهم على الأقل لا يتسرعون في إصدار الأحكام المخالفة لهم. وهذه ذكرى و * (الذكرى تنفع المؤمنين) *. وهنا سؤال يطرح نفسه - كما يقولون اليوم -: لماذا كتم الأخ الفاضل تصحيح

الذهبي المذكور؟! وهو يعلم من هو الذهبي حفظا ومعرفة بالرجال، والجرح والتعديل؟ الوجه الآخر: قوله المتقدم: " وما ذكر أن البخاري أخرج له فقد رده الحافظ.. " إلخ، ففيه نظر لأن الحافظ لم يتعرض في " هدي الساري " لذكر قول ابن عدي إطلاقا، فلا يجوز القول بأنه رده. وإنما قال الأخ ما قال لظنه التعارض بينهما ولا تعارض، لأن المثبت غير المنفي، فالذي أثبته ابن عدي يصدق على شيوخ البخاري خارج " الصحيح "، وما نفاه الحافظ إنما هو فيما يتعلق بـ " الصحيح "، فلا تعارض ولا رد. هذا آخر ما يتعلق بالنقطة الأولى، وخلاصتها أن توثيق ابن حبان راوي حديث الترجمة توثيق صحيح لا وجه لرده، وأن حديثه صحيح كما قال الحافظ النقاد: الإمام الذهبي. النقطة الثانية: أن الأخ لم يكن دقيقا في نقده للحديث وبعض رواته، فقد عرفت من النقطة الأولى أنه لم يذكر تصحيح الذهبي للحديث، وأقول الآن: وكذلك لم يذكر قول الحافظ في راويه ( المروزي) " صدوق "! وعلى خلاف ذلك تبنى قول الحافظ هذا في متابعه محمد بن الفرج وهو القرشي الهاشمي مولاهم، وهو أقل ما قيل فيه، وإلا فقد وثقه الحضرمي وابن أبي حاتم، والسراج وابن حبان، واحتج به مسلم، ولذلك قال الذهبي في " الكاشف ": " ثقة ". ومن الواضح جدا أن تجاهله لأقوال هؤلاء الأئمة، وتصحيح الذهبي لحديث المروزي، وعدم معرفته بكونه حجة عند الحافظ الخليلي وغيره، إنما هو توطئة منه

لتوهين طريق المروزي بالجهالة، وطريق محمد بن الفرج بأنها حسنة فقط، ولم يقف عند هذا فقط، بل شكك في حسنه أيضا فقال: " لكن بقي النظر في السند من الإسماعيلي إليه، فإن كان منهم من تكلم فيه، وإلا فهو صدوق، وسنده حسن في الظاهر "! فهذا منه صريح بأنه لم يقف على إسناد الإسماعيلي وإلا لنظر فيه، ولما تصور خلاف الواقع فيه، فظن أن بينه وبين محمد بن فرج جمع من الرواة، والحقيقة أنه ليس بينهما إلا شيخه العباس بن أحمد الوشاء، وهو من الشيوخ الصالحين الدارسين للقرآن، روى عنه ثلاثة من الثقات الحفاظ الإسماعيلي هذا، والخطبي، وأبو علي الصواف، كما في " تاريخ بغداد " (12 / 151) (¬1) . فالسند إذن صحيح، لأن رجاله كلهم ثقات كما هو مصرح في كتب القوم إلا الوشاء، وقد عرفت صلاحه ورواية الحفاظ عنه، ثم هو متابع فلا يتعلق به إلا من يجهل هذه الصناعة. النقطة الثالثة: وهي أغربها وأبعدها عن العلم، وذلك لأنه رجح رواية سعيد ابن منصور مع شكه وتردده بين " المساجد الثلاثة " و " مسجد جماعة "، بحجة أن سعيدا أقوى من الثلاثة الذين جزموا بـ " المساجد الثلاثة " ولم يشكوا، يعني المروزي وابن الفرج وهشام بن عمار (¬2) . ولم ينتبه أخونا المشار إليه أن الشك ليس علما، وأنه يجب أن يؤخذ من كلام الشاك ما وافق الثقات، لا أن يرد جزم الثقات بشك الأوثق، فيقال: وافق سعيد الثقات في طرف من طرفي الشك: " المساجد الثلاثة " فيؤخذ بموافقته، ويعرض عن شكه وهو قوله: " أو مسجد جماعة "، ¬

(¬1) ولم يقف عليه الدكتور زياد محمد منصور المعلق على " المعجم " (2 / 721) . (¬2) وخفي عليه الثقتان الآخران (سعيد بن عبد الرحمن) وهو المخزومي، و ( محمد بن أبي عمر) وهو الحافظ العدني. اهـ.

2787

لأنه ليس علما، ولأنه خالف الثقات الذين جزموا ولم يشكوا. وهذا أمر واضح جدا، لا يشك فيه من أوتي علما وفقها. أرأيت أيها الأخ لو أن جماعة اتفقوا على إثبات حق على أحد من الناس لآخر، ثم اتفقوا على أن هذا الحق عدده مثلا خمسة، إلا أن أحدهم شك فقال: خمسة أو ستة. أفيقول عاقل بأن الحق غير ثابت بحجة أن الشاك أوثق من الذين لم يشكوا؟! لذلك فإني - ختاما - أقول لهذا الأخ المحب ولأمثاله من الأحبة: أرجو مخلصا أن لا تشغلوا أنفسكم بالكتابة في علم لم تنضجوا فيه بعد، ولا تشغلونا بالرد عليكم حين تكتبون ردا علي، ولو بطريق السؤال والاستفادة، فإن ما أنا فيه من الاشتغال بالمشروع العظيم " تقريب السنة بين يدي الأمة " الذي يشغلني عنه في كثير من الأحيان ردود تنشر في رسائل وكتب ومجلات من بعض أعداء السنة من المتمذهبة والأشاعرة والمتصوفة وغيرهم، ففي هذا الانشغال ما يغنيني عن الرد على المحبين الناشئين، فضلا عن غيرهم. والله المستعان، وعليه التكلان. 2787 - " من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله، أوشك الله له بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى عاجل ". أخرجه الترمذي (2327) والحاكم (1 / 408) وعنه البيهقي (4 / 196) والطبري في " تهذيب الآثار " (1 / 13 / 12 و 13) والدولابي في " الكنى " (1 / 96) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 1286) والبغوي في " شرح السنة " (14 / 301 / 4109) من طرق عن بشير بن سلمان عن سيار (زاد البغوي: أبي الحكم) عن طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود مرفوعا به. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح غريب ". وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال البغوي: " حديث حسن غريب ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين إن كان سيار هو أبا الحكم كما عند البغوي، وقد قيل: إنه سيار أبو حمزة، وهو ثقة عند ابن حبان، وقد روى عنه جمع من الثقات فهو صحيح على كل حال، وقد اختلفوا في تقييد اسمه على وجوه ثلاثة: الأول: (سيار) دون كنية كما في التخريج المذكور. الثاني: (سيار أبي الحكم) ، أخرجه الطبري أيضا (1 / 11 / 11) وأبو يعلى (3 / 1308) عن محمد بن بشر العبدي، وأحمد (1 / 389 و 442) عن وكيع، و (1 / 407) عن أبي أحمد الزبيري، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 10 / 15 / 9785) وعنه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 314) عن أبي نعيم، كلهم عن بشير بن سلمان عن سيار أبي الحكم عن طارق به. الثالث: (سيار أبي حمزة) ، أخرجه أبو داود (1645) من طريق ابن المبارك عن بشير بن سلمان عن سيار أبي حمزة به. وتابعه سفيان الثوري عن بشير به. أخرجه أحمد (1 / 442) ومن طريقه الدولابي (1 / 98) : حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان به. وقال أحمد عقبه: " وهو الصواب: (سيار أبو حمزة) ، [وليس هو سيار أبو الحكم] ، وسيار أبو الحكم لم يحدث عن طارق بن شهاب بشيء ". ومثله في كتابه: " العلل " (1 / 97) والزيادة منه.

وتعقبه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " المسند " (6 / 117) فقال: " نرى أن عبد الرزاق أخطأ في قوله: " عن سيار أبي حمزة، وأن صوابه عن سيار أبي الحكم خلافا لما رجحه الإمام أحمد هنا ". وردنا لهذا التعقب من وجهين: أولا: أن عبد الرزاق لم يتفرد به، فقد قال الحافظ في " التهذيب ": " رواه عبد الرزاق وغيره ". وكأنه يشير إلى المعافى بن عمران، فقد أخرجه الدولابي (1 / 159) من طريق يحيى ابن مخلد: حدثنا معافى عن سفيان به، ولفظه: " بأجل عاجل، أو رزق حاضر ". ويحيى بن مخلد وثقه النسائي كما رواه الخطيب في " التاريخ " (14 / 207 - 208) لكن قد ساق الحافظ رواية المعافى هذه دون عزو بلفظ: " سيار أبي الحكم "، فلا أدري أهي المحرفة، أم رواية الدولابي المتقدمة؟ ولعل الأرجح الأول، لأن الحافظ عقب بها رواية عبد الرزاق. والله أعلم. ثانيا: أن الإمام أحمد ليس وحده في ترجيح أنه سيار أبو حمزة، بل وافقه على ذلك جماعة من أقرانه وغيرهم، ففي " التهذيب " عن أبي داود أنه قال عقب الحديث: " هو سيار أبو حمزة، ولكن بشير كان يقول: (سيار أبو الحكم) وهو خطأ ". وقال الدارقطني:

" قول البخاري: " (سيار أبو الحكم) سمع طارق بن شهاب " وهم، منه وممن تابعه، والذي يروي عن طارق هو سيار أبو حمزة، قال ذلك أحمد ويحيى وغيرهما ". إلا أنه قد تبع البخاري في أنه يروي عن طارق - مسلم في " الكنى " والنسائي والدولابي وغير واحد كما في " التهذيب " أيضا، وعقب عليه بقوله: " وهو وهم كما قال الدارقطني ". قلت: وهذا اختلاف شديد من هؤلاء الأئمة الفحول، لعل سببه اختلاف الرواة على الوجهين الأخيرين من الوجوه الثلاثة المتقدمة، فإن الأول منها لا يخالفهما، فإنه يحمل على أحدهما من باب حمل المطلق على المقيد، فالقولان يدوران عليهما، ومن الصعب لأمثالنا أن يرجح أحدهما، لعدم وجود دليل ظاهر يساعد على ذلك، ومع هذا فإن النفس تميل إلى ترجيح قول الإمام البخاري ومن معه، لأن رواة الوجه المؤيد له أكثر من رواة الوجه الآخر، كما هو ظاهر من تخريجهما. أقول هذا إذا كان الاختلاف من الرواة عن بشير بن سلمان، أما إذا كان الاختلاف منه نفسه كما يشير إلى ذلك أبو داود بقوله المتقدم: ".. ولكن بشير كان يقول: سيار أبو الحكم، وهو خطأ ". قلت: فإذا كان الخطأ من بشير نفسه فالأمر أشكل، لأن لقائل أن يقول: ما الدليل على أنه منه، وليس هناك راو آخر سواه رواه عن سيار، فقال فيه: (سيار أبو حمزة) ؟ وبالجملة، فالأمر بعد يحتاج إلى مزيد من البحث والتحقيق لتحديد هوية الراوي، أهو أبو حمزة هذا أم أبو الحكم؟

ولكننا نستطيع أن نقول جازمين أن ذلك لا يضر في صحة الإسناد لأنه تردد بين ثقتين كما تقدم، فلا ضير فيه سواء كان هذا أو ذاك. والله أعلم. وأما قول المعلق على " شرح السنة ": " وإسناده صحيح قوي على مذهب البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن حبان والحاكم، وضعيف على مذهب أحمد والدارقطني وغيرهما ". فأقول: هذا كلام عار عن التحقيق لوجوه: الأول: أنه لم يبد فيه رأيه الخاص في إسناد الحديث ومتنه، تصحيحا أو تضعيفا. الثاني: أنه لا يصح الجزم بصحة إسناده على مذهب البخاري، لأنه يستلزم أن يكون رواته جميعا ثقاتا عند البخاري ومنهم بشير بن سلمان، فإنه وإن كان قد وثقه جماعة، فإنهم لم يذكروا البخاري معهم، ولا يلزم من سكوته عنه في " التاريخ " (1 / 2 / 99) وإخراجه له في " الأدب المفرد " أنه ثقة عنده كما لا يخفى على أهل العلم، خلافا لبعض ذوي الأهواء من الإباضية وغيرهم. الثالث: وعلى العكس من ذلك يقال فيما نسبه من الضعف على مذهب أحمد و.. فإن ذلك إنما يستقيم لو أنهما كانا يريان ضعف أو جهالة سيار أبي حمزة، وهيهات، فإنه لم ينقل شيء من ذلك عنهما. فتأمل. وهذا وثمة اختلاف آخر بين الرواة يدور حول قوله في آخر الحديث: " إما بموت عاجل، أو غنى عاجل ". وذلك على وجوه: الأول: ما في حديث الترجمة:

" موت عاجل "، وهو رواية الحاكم ومن بعده، وكذا أبي داود، وأحمد في رواية. الثاني: بلفظ: " موت آجل "، وهو لأحمد في رواية أخرى. الثالث: بلفظ: " أجل آجل "، وهو للطبراني وأبي نعيم. الرابع: بلفظ: " برزق عاجل أو آجل " وهو للترمذي. وهذا اللفظ الأخير مع تفرد الترمذي به، فهو مخالف لما قبله من الألفاظ، مع احتمال أن يكون حرف (أو) فيه شكا من الراوي، فلا يحتج به للشك أو المخالفة. وأما اللفظ الثاني والثالث فهما وإن كانا في المعنى واحدا، إلا أن النفس لم تطمئن لهما لمخالفتهما اللفظ الأول ، لأنه هو المحفوظ في رواية الأكثرين من الرواة والمخرجين، فهو الراجح إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق. وإذا كان الأمر كذلك فما معنى قوله: " إما بموت عاجل، أو غنى عاجل "؟ فأقول: لم أقف على كلام شاف في ذلك لأحد من العلماء، وأجمع ما قيل فيه ما ذكره الشيخ محمود السبكي في " المنهل العذب " (9 / 283) قال: " إما بموت قريب له غني، فيرثه، أو بموت الشخص نفسه، فيستغني عن المال ، أو بغنى ويسار يسوقه الله إليه من أي باب شاء، فهو أعم مما قبله، ومصداقه قوله تعالى: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) * ".

2788

2788 - " * (وما كان لنبي أن يغل) * قال: ما كان لنبي أن يتهمه أصحابه ". أخرجه البزار في " مسنده " (2197 - كشف الأستار) : حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا عبد الوهاب بن عطاء حدثنا هارون القارىء عن الزبير بن الخريت عن عكرمة عن ابن عباس.. فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير عبد الوهاب بن عطاء، فهو من رجال مسلم. وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 328) : " رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وتابعه خصيف بن عبد الرحمن الحراني عن عكرمة به، ولفظه: " نزلت هذه الآية يوم بدر: * (وما كان لنبي أن يغل) *، في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر، فقال بعض الناس: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها! فأنزل الله عز وجل: * (وما كان لنبي أن يغل ) * " أخرجه الطبري في " التفسير " (4 / 102) والبزار (2198) والطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 364 / 12028 و 12029) من طرق عن خصيف به. وأخرجه أبو داود (3971) والترمذي (3012) والطبري من طريق عبد الواحد ابن زياد: حدثنا خصيف قال: حدثنا مقسم قال: حدثني ابن عباس به. وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ".

كذا قال! وخصيف فيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، سيىء الحفظ، خلط بآخره ". قلت: وروايته لهذا الحديث مما يؤكد ذلك، فإنه اضطرب في روايته، فمرة قال: " عن مقسم "، وأخرى: " عن عكرمة " كما تقدم. وقال زهير: حدثنا خصيف عن سعيد بن جبير وعكرمة في قوله تعالى: * (وما كان لنبي أن يغل) * قالا: (يغل) قال: قال عكرمة أو غيره عن ابن عباس: فذكر نحوه. أخرجه الطبري. وتابعه حميد الأعرج عن سعيد بن جبير قال: فذكره مختصرا. أخرجه الطبري أيضا من طريق قزعة بن سويد الباهلي عنه. وحميد وقزعة كلاهما ضعيف. وللحديث طريق أخرى عن ابن عباس يتقوى الحديث بها، أخرجه الطبراني في " الكبير " (11174) و " الأوسط " (5446 - بترقيمي) و " الصغير " (رقم 441 - الروض النضير) ومن طريقه الخطيب في " تاريخ بغداد " (1 / 372 ) قال: نبأنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي البغدادي قال: نبأنا أبو عمر حفص بن عمر الدوري المقرىء عن أبي محمد اليزيدي عن أبي عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس: أنه كان ينكر على من يقرأ: * (وما كان لنبي أن يغل) *، ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان له أن يقتل؟! قال الله تعالى: * (ويقتلون الأنبياء بغير حق) *، ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة، فأنزل الله: * (وما كان لنبي أن يغل) *.

وقال الطبراني: " لم يروه عن أبي عمرو إلا اليزيدي، تفرد به أبو عمر الدوري ". قلت: وهو ثقة من شيوخ أبي زرعة وغيره. وقال الحافظ في " التقريب ": " لا بأس به ". وشيخه أبو محمد اليزيدي اسمه يحيى بن المبارك له ترجمة في " تاريخ بغداد " (14 / 147 ) ووثقه، وبقية رجاله ثقات معروفون تكلمت عليهم في " الروض النضير " (441) غير النرسي هذا، فإني لم أجد له ترجمة تدل على حاله، وقد أورده الخطيب في " التاريخ " لهذا الحديث ولم يزد، الأمر الذي يشعر أنه من شيوخ الطبراني المجهولين، وهو قليل الحديث، فإن الطبراني لم يورد له في " المعجم الأوسط " إلا ثلاثة أحاديث، هذا أحدها، لكن يبدو من كلام الطبراني المتقدم أنه لم يتفرد به، وهو قوله: " تفرد به أبو عمر الدوري ". وعلى هذا فالإسناد جيد، ويزداد قوة بما قبله من الطرق، وبخاصة الطريق الأولى، فإنها صحيحة لذاتها كما تقدم. وإن كان متنها مختصرا، فهو في الطرق الأخرى أتم وأبين. (تنبيه ) : قوله في الآية: * (يغل) * بفتح أوله وضم ثانيه، وقيده الشيخ الأعظمي في " الكشف " بضم أوله وفتح ثانيه، وبه قرأ بعضهم، لكن الصواب الأول كما بينه الإمام ابن جرير الطبري في " تفسيره "، فليراجعه من شاء.

2789

2789 - " اللهم إني أحبه، فأحبه. يعني الحسن بن علي ". أخرجه البخاري (3749) ومسلم (7 / 130) وأحمد (4 / 283 - 284) وكذا الطيالسي (732) والطبراني في " المعجم الكبير " (2582) عن شعبة قال: أخبرني عدي قال: سمعت البراء رضي الله عنه قال: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه يقول: ... " فذكره. وتابعه فضيل بن مرزوق عن عدي بن ثابت به. أخرجه الطبراني أيضا (258) من طريق أبي نعيم عنه. وخالفه أبو أسامة فقال: عن فضيل بن مرزوق به، إلا أنه قال: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر حسنا وحسينا فقال: اللهم إني أحبهما فأحبهما ". فذكر حسينا فيه، وهو شاذ لمخالفته لرواية أبي نعيم عنه، ولرواية شعبة عن عدي. وتابعه أشعث بن سوار عن عدي.. به. أخرجه الطبراني (2584) . لكن يبدو أن هذا اللفظ الشاذ في حديث البراء محفوظ من حديث غيره من الأصحاب: 1 - عن عطاء أن رجلا أخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضم إليه حسنا وحسينا يقول: " اللهم إني أحبهما، فأحبهما ".

أخرجه أحمد (5 / 369) . قلت: وإسناده صحيح، وقال الهيثمي (9 / 179) : " ورجاله رجال الصحيح ". 2 - عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعا به. أخرجه البزار (2626) . قلت: وإسناده حسن كما قال الهيثمي. وأخرجه الحاكم (3 / 177) من طريق أخرى عن أبي حازم به، لكنه لم يذكر حسنا فيه، ولفظه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حامل الحسين بن علي وهو يقول: " اللهم إني أحبه فأحبه ". وقال: " صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه، وقد روي بإسناد في الحسن مثله، وكلاهما محفوظان ". فانظر الحديث الآتي (2807) . وفي الباب عن جمع آخر من الأصحاب، فليرجع من شاء إلى " كشف الأستار " و " مجمع الزوائد ". (تنبيه) : من أوهام المعلق على " سنن الترمذي " أنه قال في حديث الترجمة (9 / 340) : " تفرد به الترمذي "! وقد أخرجه الشيخان كما رأيت. وعكس ذلك، فقال في حديث الترمذي الشاذ من رواية فضيل بن مرزوق المتقدمة:

2790

" رواه البخاري في فضل الحسن، ومسلم في الفضائل "! والصواب العكس تماما. والهادي هو الله. 2790 - " عرض علي ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرني، فأنزل الله تعالى: * (وللآخرة خير لك من الأولى) * إلى قوله * (فترضى) *. أعطاه الله في الجنة ألف قصر من لؤلؤ، ترابها المسك، في كل قصر ما ينبغي له ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 34 / 1) : حدثنا أحمد بن القاسم قال: حدثنا عمي عيسى بن المساور قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال: حدثنا معاوية بن أبي العباس عن إسماعيل بن عبيد الله المخزومي عن علي بن عبد الله ابن عباس عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت : وهذا إسناد رجاله ثقات غير معاوية بن أبي العباس، قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (3 / 139) : " ولم أعرفه ". وتبعه المناوي في " الجامع الأزهر " (2 / 14 / 2) . قلت: ويحتمل عندي أنه معاوية بن أبي عياش الزرقي الأنصاري المدني المترجم في " التاريخ " (4 / 1 / 332) و " الجرح " (4 / 1 / 380) وابن حبان في أتباع التابعين من " الثقات " (7 / 467) برواية ثقتين عنه، فإنه من هذه الطبقة، فتصحف على بعض الرواة (عياش) إلى (العباس) ، ويحتمل أن ذلك من تدليس مروان الفزاري، فإنه مع كونه ثقة حافظا، فقد كان يدلس أسماء الشيوخ كما في " التقريب " وغيره، فإن كان هو ابن أبي عياش، فالإسناد حسن عندي،

بل هو صحيح، فقد وجدت له متابعا ثقة حجة، ألا وهو الإمام الأوزاعي، وجدت له عنه طرقا ثلاثا: الأولى: عن سفيان عن الأوزاعي عن إسماعيل بن عبيد الله به. إلا أنه قال: " رأيت ما هو مفتوح على أمتي.. " إلخ. أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (7 / 61) . قلت: وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات. الثانية: عمرو بن هاشم قال: سمعت الأوزاعي به نحوه، وزاد في آخره: " من الأزواج والخدم ". أخرجه ابن جرير الطبري في " التفسير " (30 / 149) والطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 337 / 10650) والسكن بن جميع في " حديثه "، وكذا ابن أبي حاتم من طريق ابن جرير كما في " تفسير ابن كثير " (4 / 523) وقال: " وهذا إسناد صحيح ". وقال الهيثمي: " وإسناده حسن ". قلت: وهذا أقرب لأن عمرو بن هاشم - وهو البيروتي - فيه كلام، ولذا قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". نعم هو صحيح بما قبله وما بعده.

2791

الثالثة: رواد بن الجراح عن الأوزاعي به. أخرجه ابن جرير، والحاكم (2 / 526) ، وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: تفرد به عصام بن رواد عن أبيه وقد ضعف ". قلت: لم يتفرد به عصام، فقد تابعه محمد بن خلف العسقلاني، وهو صدوق كما قال العسقلاني. نعم رواد ضعيف لاختلاطه، لكن المتابعات المتقدمة تدل على أنه قد حفظه، فالحديث صحيح بلا ريب. 2791 - " كانت لحفنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نلبسها ونصلي فيها ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 335 / 563) : حدثنا أحمد بن القاسم قال: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري قال: حدثنا الحسن بن حبيب بن ندبة قال: حدثنا راشد أبو محمد الحماني قال: رأيت أنس بن مالك عليه فرو أحمر فقال: فذكره، وقال الطبراني: " لم يروه عن راشد إلا الحسن بن حبيب ". قلت: وهو ثقة كما قال الذهبي في " الكاشف ". وراشد هو ابن نجيح، قال الذهبي: " قال أبو حاتم: صالح الحديث ". وقال الحافظ:

" صدوق ربما أخطأ ". قلت: وبقية رجاله ثقات، فالإسناد جيد. وأما قول الهيثمي في " الأوسط " عن أحمد بن القاسم، فإن كان هو الريان فهو ضعيف، وإن كان غيره فلم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: فهذه غفلة منه، تابعه عليها مقلده الدكتور محمود الطحان فلم يعلق عليه بشيء كعادته، فكل تعليقاته وتخريجاته نقول عنه لا تحقيق فيها، وإنما هو التقليد المحض. أقول هذا لأن أحمد بن القاسم هذا ليس هو الريان، وإنما هو أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، فإنه ساقه في جملة أحاديث ذكرها تحت ترجمته من الحديث (505) إلى (611) صرح في الأول والأخير منها بقوله: " حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري.. "، وصرح في حديث آخر (513) بأنه ابن مساور. وهو ثقة له ترجمة في " تاريخ بغداد " (3 / 349) . وفي الحديث جواز الصلاة في اللحاف الذي يتغطى به النائم. ويشهد له الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وعليه مرط، وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض، وبعضها مخرج في " صحيح أبي داود " (393 - 394) ، ولا يخالفها حديث عائشة فيه (392) : " كان لا يصلي في ملاحفنا " لأنه محمول على الورع أو الاحتياط، خشية أن يكون فيها أذى لحديث معاوية رضي الله عنه أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه؟ فقالت: " نعم، إذا لم ير فيه أذى ". أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي، وإسناده صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (390) .

2792

2792 - " لعن الله الواشمات والمستوشمات [والواصلات] والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله ". أخرجه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه. وهو مخرج في " آداب الزفاف " (ص 203 - الطبعة الجديدة) من مصادر مطبوعة ومخطوطة، فلا داعي لإعادة تخريجه هنا، وإنما أوردته لزيادة (الواصلات) ، فقد خفيت على بعض المعاصرين، فرتب على ذلك حكما يخالف حكم الوشم وغيره من المقرونات معه كما يأتي بيانه. والحديث عندهم جميعا من رواية علقمة عن ابن مسعود، والزيادة المذكورة لأبي داود (4169) بسنده الصحيح عن جرير عن منصور عن إبراهيم عنه. وله متابع قوي، أخرجه البخاري (4887) من طريق سفيان (هو الثوري) قال: ذكرت لعبد الرحمن بن عابس حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله رضي الله عنه قال: " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة "، فقال: " سمعته من امرأة يقال لها أم يعقوب عن عبد الله مثل حديث منصور ". قلت : حديث منصور هو حديث الترجمة، فهذه طريق أخرى صحيحة إلى علقمة - غير طريق أبي داود - تقويها، وترفع عنها احتمال قول بعض ذوي الأهواء بشذوذها. ويزيدها قوة رواية عبد الرحمن بن عابس عن أم يعقوب، قال الحافظ في " فتح الباري " (10 / 373) : " (تنبيه) : أم يعقوب هذه لا يعرف اسمها، وهي من بني أسد بن خزيمة، ولم أقف لها على ترجمة، ومراجعتها ابن مسعود تدل على أن لها إدراكا . والله سبحانه وتعالى أعلم ". قلت: وقصة المراجعة كما في " الصحيحين " عقب الحديث:

" قال: فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات.. ( الحديث) ؟ فقال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته! فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، قال الله عز وجل: * (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) *. فقالت المرأة: فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن، قال: اذهبي فانظري. قال: فدخلت على امراة عبد الله فلم تر شيئا، فجاءت إليه فقالت: ما رأيت شيئا، فقال: أما لو كان ذلك لم نجامعها " . ثم وجدت للزيادة طريقا ثالثا من طريق مسروق: أن امرأة أتت عبد الله بن مسعود ، فقالت: إني امراة زعراء أيصلح أن أصل في شعري؟ فقال: لا. قالت: أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تجده في كتاب الله؟ قال: لا، بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجده في كتاب الله، وساق الحديث. أخرجه النسائي (2 / 281) هكذا، وأحمد (1 / 415) والطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 337 / 9468) بتمامه نحو حديث علقمة، ومن الظاهر أن هذه المرأة هي أم يعقوب المذكورة في رواية علقمة، وكذلك هي هي في رواية قبيصة بن جابر (وهو ثقة مخضرم) قال: " كنا نشارك المرأة في السورة من القرآن نتعلمها ، فانطلقت مع عجوز من بني أسد إلى ابن مسعود في بيته في ثلاث نفر، فرأى جبينها يبرق! فقال: أتحلقينه؟ فغضبت، وقالت: التي تحلق جبينها امرأتك. قال: فادخلي عليها، فإن كانت تفعله فهي مني بريئة، فانطلقت، ثم جاءت فقالت: لا والله ما رأيتها تفعله، فقال عبد الله بن مسعود: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

رواه الهيثم بن كليب في " مسنده " بسند حسن كما في " آداب الزفاف " (ص 203 و 204 - الطبعة الجديدة) . (فائدة) : قال الحافظ في " الفتح " (10 / 372 - 373) : " قوله: " والمتفلجات للحسن " يفهم منه أن المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلا جاز. قوله : " المغيرات خلق الله " هي صفة لازمة لمن يصنع الوشم والنمص والفلج، وكذا الوصل على إحدى الروايات ". وقال العيني في " عمدة القارىء " (22 / 63) : " قوله: " المغيرات خلق الله تعالى " كالتعليل لوجوب اللعن ". فإذا عرفت ما سبق يتبين لك سقوط قول الشيخ الغماري في رسالته " تنوير البصيرة ببيان علامات الكبيرة " (ص 30) : " قلت: تغيير خلق الله يكون فيما يبقى أثره كالوشم والفلج، أو يزول ببطء كالتنميص، أما حلق اللحية فلا يكون تغييرا لخلق الله لأن الشعر يبدو ثاني يوم من حلقه.. ". أقول: فهذا كلام باطل من وجوه: الأول: أنه مجرد دعوى لا دليل عليها من كتاب أو سنة أو أثر، وقديما قالوا: والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء. الثاني: أنه خلاف ما يدل عليه زيادة " الواصلات "، فإن الوصل، ليس كالوشم وغيره مما لا يزول، أو يزول ببطء ولاسيما إذا كان من النوع الذي يعرف اليوم بـ (الباروكة) فإنه يمكن إزالتها بسرعة كالقلنسوة.

الثالث: أن ابن مسعود رضي الله عنه أنكر حلق الجبين واحتج بالحديث كما تقدم في رواية الهيثم، فدل على أنه لا فرق بين الحلق والنتف من حيث أن كلا منهما تغيير لخلق الله. وفيه دليل أيضا على أن النتف ليس خاصا بالحاجب كما زعم بعضهم. فتأمل. الرابع: أنه مخالف لما فهمه العلماء المتقدمون، وقد مر بك قول الحافظ الصريح في إلحاق الوصل بالوشم وغيره. وأصرح من ذلك وأفيد، ما نقله (10 / 377) عن الإمام الطبري قال: " لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن، لا للزوج ولا لغيره، لمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج، أو عكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله، أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله تعالى. قال: ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة، أو طويلة تعيقها في الأكل.. " إلخ. قلت: فتأمل قول الإمام: " أو عكسه "، و " أو لحية.. "، وقوله: " فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله ". فإنك ستتأكد من بطلان قول الغماري المذكور، والله تعالى هو الهادي. هذا وفي رؤية ابن مسعود جبين العجوز يبرق دليل على أن " وجه المرأة ليس بعورة "، والآثار في ذلك كثيرة قولا وفعلا، وقد سقت بعضها في " جلباب المرأة المسلمة ". وأما ما زعمه البعض بأنه لا دليل في هذه الرواية على ذلك، لأن العجوز من

2793

القواعد! فهو مما لا دليل عليه، فلا يلزم من كونها عجوزا أن تكون قاعدة كما لا يخفى، وإنما ذكرنا ذلك استشهادا، وفيما ذكر هناك من الأدلة كفاية. 2793 - " يا صفية إن أباك ألب علي العرب، وفعل وفعل، يعتذر لها ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 67 / 177) : حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: كان بعيني صفية خضرة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم " ما هذه الخضرة بعينيك؟ ". فقالت: قلت لزوجي، إني رأيت فيما يرى النائم قمرا وقع في حجري، فلطمني وقال: أتريدين ملك يثرب؟! قالت: وما كان أبغض إلي من رسول الله، قتل أبي وزوجي، فما زال يعتذر إلي، فقال: فذكره، [قالت:] حتى ذهب ذاك من نفسي. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي زرعة الدمشقي، وهو ثقة حافظ. وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 251) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". وأخرجه أبو يعلى في " مسنده " (4 / 1695 - 1697) من طريقين آخرين عن صفية مختصرا دون قصتها مع زوجها والرؤيا. وذكره ابن إسحاق في " السيرة " (3 / 388) بلاغا بتمامه، وذكره ابن حجر في " الإصابة " من رواية يونس بن بكير عنه: حدثني والدي إسحاق بن يسار قال: فذكر القصة، لكن فيه:

2794

" فذكرت ذلك لأمها، فلطمت وجهها وقالت: .. " الحديث. قلت: وما في " السيرة " هو المحفوظ لمطابقته لحديث الترجمة، وهو من الفوائد التي فاتت الحافظ في " الإصابة "، ومن قبله الحافظ ابن كثير في " السيرة " (3 / 373 - 374) . 2794 - " افترض الله على عباده صلوات خمسا، [قالها ثلاثا] ، فحلف الرجل [بالله] لا يزيد عليه شيئا ولا ينقص منه شيئا، قال صلى الله عليه وسلم: إن صدق ليدخلن الجنة ". أخرجه النسائي (1 / 228 - 229 - القلم) وابن حبان (251) والزيادة الثانية له، وأحمد (3 / 267) وله الزيادة الأولى، كلهم من طريق نوح بن قيس عن خالد ابن قيس عن قتادة عن أنس قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كم افترض الله عز وجل على عباده من الصلوات؟ قال: فذكره.. قال: يا رسول الله هل قبلهن أو بعدهن شيء؟ قال: فذكره بالزيادة الأولى، فحلف الرجل.. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وللحديث شاهد من حديث طلحة بن عبيد الله أتم منه. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (414) . (تنبيه) : في رواية لمسلم والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفلح وأبيه إن صدق.. ". فزاد: وأبيه "، وهي شاذة كما حققته في " الضعيفة " (4992) .

2795

2795 - " صلى بنا بالمدينة ثمانيا وسبعا (¬1) : الظهر والعصر، والمغرب والعشاء ". أخرجه الشيخان، وأبو عوانة في " صحاحهم " وغيرهم من طرق عديدة عن حماد ابن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: فذكره مرفوعا. وهو مخرج في " إرواء الغليل " (3 / 36) و " صحيح أبي داود " (1099) ، فليرجع إليهما من شاء. والغرض هنا التنبيه على أمرين هامين من الأوهام: الأول: أن أبا النعمان خالف الطرق كلها فزاد في آخر الحديث: " فقال أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ قال: عسى ". وهذه الزيادة شاذة عندي لتفرد أبي النعمان بها، واسمه محمد بن الفضل السدوسي شيخ البخاري فيه، وكان تغير، لكن ذكر الحافظ في " مقدمة الفتح " أن البخاري سمع منه قبل اختلاطه بمدة، ولولا ذاك لقلت: إنها زيادة منكرة. وقد أعلها الحافظ بعلة أخرى، فقال في " الفتح " (2 / 23 - 24 ) : " واحتمال المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس نحوه. وقال بعد قوله: " بالمدينة، من غير خوف ولا سفر "، قال مالك: لعله كان في مطر. لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ: " من غير خوف ولا مطر "، فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر ". قلت: ويؤكد ذلك رواية أبي الزبير عن سعيد، قال: ¬

(¬1) أي ثماني ركعات الظهر والعصر، و (سبعا) أي المغرب والعشاء. اهـ.

فسألت سعيدا: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته ". رواه مسلم، والبيهقي. ويزيده قوة رواية عمرو بن هرم عن سعيد بلفظ: " أن ابن عباس جمع بين الظهر والعصر من شغل، وزعم ابن عباس.. " فذكر الحديث نحوه. رواه النسائي بسند صحيح. فقوله: " من شغل " دليل واضح على أن جمعه صلى الله عليه وسلم لم يكن للمطر، وإلا لم يحتج به ابن عباس كما هو ظاهر. والله أعلم. ويمكن إعلال زيادة أبي النعمان بمخالفته أيضا لرواية سفيان بن عيينة، وهي الآتية: والأمر الآخر: زاد سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس..: " قلت: يا أبا الشعثاء (كنية جابر) ! أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء؟ قال: وأنا أظن ذاك ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 456) وعنه مسلم: حدثنا ابن عيينة به. وتابعه علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان به. أخرجه البخاري (1174) . وخالفهما قتيبة قال: حدثنا سفيان به، إلا أنه قال: ".. أخر الظهر.. " إلخ، أدرجه في الحديث وجعله من كلام ابن عباس، وإنما هو من كلام أبي الشعثاء ظنا منه.

2796

أخرجه النسائي (1 / 98) . (تنبيه) : من التخريج السابق يتبين خطأ ما جاء في كتاب " منهاج المسلم " للشيخ أبي بكر الجزائري (ص 248 - دار الفكر الثانية) : " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء في ليلة مطيرة. البخاري "، فهذا وهم جديد، فإنه أدرج في الحديث قول أيوب: لعله في ليلة مطيرة؟ وجواب جابر ابن يزيد: عسى!! والحقيقة أنني لا أعلم حديثا صريحا في الجمع في المطر إلا ما يستفاد من حديث مسلم المتقدم: " من غير خوف ولا مطر "، فإنه يفيد بأنه كان من المعهود في زمنه صلى الله عليه وسلم الجمع للمطر، ولذلك جرى عمل السلف بذلك، كما ورد في آثار كثيرة في " مصنف عبد الرزاق " و " ابن أبي شيبة "، منها عن نافع قال: " كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا بالمغرب، وعجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى بذلك بأسا. قال عبيد الله: ورأيت القاسم وسالما يصليان معهم في مثل تلك الليلة ". رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح على شرط الشيخين. 2796 - " لو قلت: " بسم الله " لطارت بك الملائكة والناس ينظرون إليك. قاله لطلحة حين قطعت أصابعه فقال: حس ". أورده السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية النسائي والطبراني والبيهقي في " الدلائل "، وابن عساكر عن جابر. وأبو نعيم، و [ابن] عساكر والضياء عن طلحة، والطبراني وابن عساكر عن أنس، وابن عساكر عن ابن شهاب مرسلا. وها أنا أسوق ما وقفت عليه من هذه الروايات:

أولا: حديث جابر، يرويه - أبو الزبير عنه قال: " لما كان يوم أحد وولى الناس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية في اثني عشر رجلا من الأنصار، وفيهم طلحة بن عبيد الله، فأدركهم المشركون، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: " من للقوم؟ ". فقال طلحة: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كما أنت ". فقال رجل من الأنصار: أنا يا رسول الله! فقال: " أنت ". فقاتل حتى قتل. ثم التفت فإذا المشركون، فقال: " من للقوم؟ ". فقال طلحة: أنا. قال: " كما أنت ". فقال رجل من الأنصار: أنا. فقال: " أنت. فقاتل حتى قتل. ثم لم يزل يقول ذلك ويخرج إليهم رجل من الأنصار، فيقاتل قتال من قبله حتى يقتل، حتى بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلحة بن عبيد الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من للقوم؟ ".

فقال طلحة: أنا. فقاتل طلحة قتال الأحد عشر حتى ضربت يده فقطعت أصابعه فقال: " حس "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكر الحديث) ، ثم رد الله المشركين ". أخرجه النسائي (رقم 3149) والبيهقي في " دلائل النبوة " (3 / 236 - 237) وأبو نعيم في " المعرفة " ( 24 / 2) وابن عساكر في " التاريخ " (8 / 548 و 549) عن عمارة بن غزية عنه. قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم، إلا أن فيه عنعنة أبي الزبير، وقد سكت عنه الحافظ ابن كثير في " البداية " (4 / 26) ، لكن يقويه ما بعده. ثانيا - عن طلحة، يرويه سليمان بن أيوب: حدثنا أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه مختصرا بلفظ: لما كان يوم أحد أصابني السهم، فقلت: حس.. إلخ دون قوله: " ثم رد الله المشركين ". قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (9 / 149) : " رواه الطبراني، وفيه سليمان بن أيوب الطلحي، وقد وثق، وضعفه جماعة، وفيه جماعة لم أعرفهم ". كذا قال: وليس فيه من لا يعرف سوى جد سليمان بن أيوب، واسمه سليمان بن عيسى ابن موسى بن طلحة، كما وقع في إسناد الحديث الأول فيما أسند طلحة من " المعجم الكبير " (1 / 75 / 214) ، فإني لم أعرفه أيضا. وأما ابنه أيوب بن سليمان، فأورده ابن أبي حاتم (1 / 1 / 248) برواية ابنه سليمان عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وأظنه الذي أورده ابن حبان في " تبع أتباع التابعين " من " ثقاته " (8 / 127) :

" أيوب بن سليمان القرشي، إمام مسجد سلمية، قرية بحمص، يروي عن حماد بن سلمة، روى عنه الحسن بن إسحاق التستري ". قلت: وطلحة بن عبيد الله جد هذا قرشي تيمي، فهو الذي في هذا الحديث ومن طبقته، ولم يعرفه الهيثمي. والله أعلم. وبقية الروايات التي ذكرها السيوطي لم يتيسر لي الوقوف عليها حتى الآن، لكن عزوه رواية أنس للطبراني في " الكبير " أخشى أن يكون خطأ منه أو من الناسخ، فإني لم أره فيه ولا في " المجمع "، وعلى العكس من ذلك لم يعز حديث طلحة إليه، أعني الطبراني ، وهو فيه كما رأيت، وعزاه لأبي نعيم، يعني في كتاب " الحلية " وليس فيه، فلعل الأصل عكس هذا كله، أي: ".. والطبراني وابن عساكر والضياء عن طلحة. وأبو نعيم وابن عساكر عن أنس ". والله أعلم. وبالجملة، فحديث الترجمة حسن في أقل أحواله، وقد يرتقي إلى مرتبة الصحيح لو وقفنا على حديث أنس. انظر الاستدراك رقم (1) ، والحديث (2171) . (تنبيه) : ثم بدا لي أن عدم عزوه حديث طلحة للطبراني من السيوطي نفسه، وذلك لأنني رأيت المناوي قد أورده في " الجامع الأزهر "، فإن من المفروض فيه أن لا يكرر ما في " الجامع الكبير " إلا لفائدة، فيظهر أنه لما رأى الحديث في " جامع السيوطي " غير معزو للطبراني، أورده هو معزوا إليه فقط. والله أعلم. ثم إن المناوي ذكر عقب الحديث كلام الهيثمي الذي نقلته آنفا وتعقبته، ذكره هو مسلما به دون أن يعزوه إليه!

2797

2797 - " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالما أو متعلما ". أخرجه الترمذي (2323) وابن ماجه (4112) والأصبهاني في " الترغيب " (ق 223 / 2) من طريق ابن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة السلولي قال: حدثنا أبو هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وقال الترمذي: " حديث حسن غريب ". قلت: وهو كما قال أو قريب منه، وقد أقره المنذري في " الترغيب " (1 / 56) ، فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير عطاء بن قرة، وثقه ابن حبان في " أتباع التابعين " (7 / 252) لكن قد ذكر في " التهذيب " أنه روى عنه جمع من الثقات، منهم الأوزاعي والثوري، فكأنه لذلك قال في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، ويؤيده قول الذهبي في " المغني ": " صدوق ". أخرجه الترمذي من طريق علي بن ثابت - وهو الجزري - والآخران من طريق أبي خليد عتبة بن حماد، كلاهما عن ابن ثوبان - وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان - به. وخالفهما أبو المطرف المغيرة بن المطرف قال: حدثنا ابن ثوبان عن عبدة بن أبي لبابة عن أبي وائل عن ابن مسعود مرفوعا به. أخرجه البزار (4 / 108 / 3310) والطبراني في " الأوسط " (رقم 4248 - نسختي) وقال:

" لم يروه عن ابن ثوبان عن عبدة إلا أبو المطرف.. وروى غيره عن ابن ثوبان عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة ". قلت: وهذا أصح لاتفاق الصدوقين عليه، ولأن أبا المطرف هذا غير معروف في كتب الرجال، ثم رأيت الدارقطني قد سبقني إلى هذا، فقال في " العلل " (5 / 89) : " وهو الصحيح ". وقال الهيثمي (1 / 122) : " لم أر من ذكره ". قلت: أورده بحشل في " تاريخ واسط " (181) وذكر له أثرا من رواية وهب بن بقية. وقال الذهبي في " المقتنى ": " واه ". ولفظ البزار: " إلا أمرا بمعروف أو نهيا عن المنكر ". وللحديث شاهد من حديث جابر مرفوعا به، إلا أنه قال: ".. إلا ما كان منها لله عز وجل ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 157 و 7 / 91) والأصبهاني (ق 143 / 2) والبيهقي في " الشعب " (7 / 341 / 10512) من طريقين عن عبد الله بن الجراح: حدثنا عبد الملك بن عمرو العقدي حدثنا سفيان بن سعيد عن محمد [بن المنكدر] عنه، وقال أبو نعيم: " غريب من حديث محمد والثوري تفرد به عبد الله بن الجراح ". قلت:: قال الذهبي في " الكاشف ": " ثقة ".

وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وهذا أقرب إلى مجموع أقوال المتقدمين فيه، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وذكره ابن أبي حاتم في " العلل " (2 / 124) من طريقه، وقال عن أبيه: " هذا خطأ، إنما هو محمد بن المنكدر أن النبي صلى الله عليه وسلم ". يعني أنه مرسل. ولم يبين السبب، وعلى التسليم به هو شاهد حسن مسندا ومرسلا. وشاهد آخر، يرويه محمد بن وضاح : أخبرنا عبد الملك بن حبيب المصيصي أخبرنا ابن المبارك عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: ".. إلا ما كان فيها من ذكر الله، أو آوى إلى ذكر الله، والعالم والمتعلم شريكان في الأجر، وسائر الناس همج لا خير فيه ". أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (1 / 27) وأعله بالوقف فقال: " هكذا رواه عبد الملك بن حبيب المصيصي عن ابن المبارك مسندا، ورواه عبد الله ابن عثمان عن ابن المبارك عن ثور عن خالد بن معدان من قول أبي الدرداء ". ثم ساقه بإسناده إلى عبد الله بن عثمان به موقوفا. وتابعه عبد الرزاق عند البيهقي في " الشعب " (7 / 342) . قلت: وعبد الله بن عثمان هو الحافظ الثقة الملقب بـ (عبدان) ، وقد تابعه الحسين المروزي فرواه في " الزهد " (191 / 543) : أخبرنا ابن المبارك به. وهذا أصح مما قبله، لأن المصيصي مع مخالفته لعبدان والحسين المروزي فهو

مجهول الحال لم يوثقه أحد ، على أنه مع وقفه فهو منقطع بين خالد وأبي الدرداء. وقد جاءت هذه الزيادة " والعالم والمتعلم شريكان في الأجر.. " مرفوعة من طرق أخرى عن أبي الدرداء وغيره.. ولكنها واهية كما بينته في " إرواء الغليل " (414) . (تنبيه) : عزا السيوطي الحديث في " الجامعين " لابن ماجه فقط عن أبي هريرة، و " أوسط " الطبراني عن ابن مسعود. ولم يتكلم المناوي على إسناد أبي هريرة، وإنما على إسناد ابن مسعود، ولم يزد فيه على أن نقل عن الهيثمي قوله المتقدم في راويه أبي المطرف: " لم أر من ذكره ". هذا في " الفيض "، وأما في " التيسير " فقد زاد في توضيح الإيهام، فقال: " رمز المؤلف لصحته، وليس كما قال، إذ فيه مجهول "! قلت: وفيه ما يلي وإن أقرته لجنة " الجامع الكبير " (55 - 10703 ) ! أولا: أوهم أن المجهول في إسناد حديث أبي هريرة أيضا، وليس كذلك كما سبق . ثانيا: أن رموز السيوطي في " الجامع الصغير " لا قيمة لها، كما نبهنا عليه مرارا، وشرحته في مقدمة " ضعيف الجامع " و " صحيح الجامع "، وقد نبه المناوي نفسه على شيء منه في مقدمة " الفيض ". ثالثا: أوهم أن الحديث ضعيف، وليس كذلك بالنظر إلى طريق أبي هريرة، فهو حسن كما تقدم، ويزداد قوة بحديث جابر! والله أعلم.

2798

قلت: ومن جناية (الهدام) على السنة تضعيفه لهذا الحديث، في تعليقه على " إغاثة اللهفان "، وتصدير تخريجه إياه بقوله (1 / 56) : " ضعيف: ولعله قول لبعض السلف "!! فيقال له: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب، فإن جل طرقه مرفوعة، وأولها حسن لذاته، ونحوه حديث جابر، ولكن الرجل مبتلى بالشذوذ العلمي! 2798 - " اجتنبوا الخمر، فإنها مفتاح كل شر ". أخرجه الحاكم (4 / 145) وعنه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 150 / 2) من طريق نعيم بن حماد: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: نعيم بن حماد، أورده الذهبي نفسه في " الضعفاء والمتروكين "، وقال: " وثقه أحمد وجماعة، وقال النسائي وغيره: ليس بثقة. وقال الأزدي: قالوا: كان يضع الحديث، وقال (د) : عنده نحو عشرين حديثا ليس لها أصل، وقال الدارقطني: كثير الوهم ". وأما قول المناوي أنه من رجال الصحيح، فخطأ، لأن البخاري إنما روى عنه مقرونا، ومسلما روى له في " المقدمة ". وأعله أيضا بأن فيه محمد بن إسحاق، وهذا وهم أيضا، لأن ابن إسحاق لا وجود له في هذا الإسناد كما ترى.

2799

وللحديث شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعا بلفظ: " لا تشرك بالله شيئا .. ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر ". وهو حديث صحيح خرجته في " الإرواء " (2086) . ووجدت للشطر الأول منه الشواهد التالية: الأول: عن عثمان رضي الله عنه مرفوعا بلفظ: " اجتنبوا أم الخبائث.. " الحديث. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (5324 - ترتيبه) بإسناد فيه متكلم فيه، وقد خالفه الثقة، فأوقفه كما بينته في التعليق على " الأحاديث المختارة " (رقم 320) . الثاني: عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: " اجتنبوا كل ما أسكر ". أخرجه أبو داود (3701) وعنه البيهقي (8 / 310) والدارقطني (4 / 258) وغيرهم، وقد سبق تخريجه مع شواهد أخرى في المجلد الثاني (886) ، فلا داعي للتكرار. 2799 - " لما نزلت هذه الآية التي في * (الفرقان) *: * (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) * عجبنا للينها، فلبثنا ستة أشهر، ثم نزلت التي في * (النساء) *: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه) * حتى فرغ ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 150 / 4869) من طريق سعيد

بن أبي هلال عن جهم بن أبي الجهم أن أبا الزناد أخبرهم أن خارجة بن زيد بن ثابت أخبره عن زيد بن ثابت قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير جهم بن أبي الجهم، ويقال له: ابن الجهم، مولى الحارث بن حاطب القرشي الجمحي، ذكره ابن أبي حاتم (1 / 1 / 521 ) برواية اثنين عنه، وابن حبان في " الثقات " (4 / 113) برواية أحدهما، ويستدرك سعيد بن أبي هلال، فهو ثالث. وتابعه موسى بن عقبة عن أبي الزناد به. أخرجه النسائي (رقم 4007) وابن جرير الطبري في " التفسير " (4 / 139) والطبراني أيضا (4870) من طريق محمد بن عمرو عنه به. قلت: وهذا إسناد حسن. وفي رواية للنسائي: عن محمد بن عمرو عن أبي الزناد.. به. لم يذكر بينهما موسى بن عقبة، وقال النسائي: " أدخل أبو الزناد بينه وبين خارجة مجالد بن عوف " ثم ساقه من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن مجالد بن عوف قال : سمعت خارجة بن زيد به نحوه. ومن هذا الوجه أخرجه أبو داود (4272) . قلت: وهذا إسناد حسن أيضا لولا أن مجالدا هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7 / 296) وسماه " عوف بن مجالد " على القلب، لكن قال الحافظ في " التقريب ":

" صدوق ". (انظر تعليقي على هذه الترجمة من كتابي الجديد " تيسير انتفاع الخلان بكتاب ثقات ابن حبان ") . والظاهر أن مجالدا هذا هو الرجل الذي جاء ذكره في رواية ابن عيينة عن أبي الزناد قال: سمعت رجلا يحدث خارجة بن زيد بن ثابت قال: سمعت أباك في هذا المكان بمنى يقول: فذكره نحوه. ومن الظاهر أيضا أن أبا الزناد بعد أن سمع الحديث من الرجل سمعه من خارجة مباشرة كما تدل عليه رواية الطبراني الأولى. وللحديث شاهد من حديث ابن عباس. أخرجه ابن جرير (5 / 138 - 139) من طريقين عنه يقوي أحدهما الآخر، فيرتقي الحديث بهما إلى مرتبة الصحيح. ويشهد له حديث القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ قال: لا، وقرأت عليه الآية التي في (الفرقان) .. وقال: " هذه آية مكية نسختها آية مدنية: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) * " أخرجه البخاري (4764) والنسائي (4001) والسياق له. ( تنبيهان) : الأول: كل هذه الروايات المتقدمة صريحة في تأخر نزول آية (النساء ) عن آية (الفرقان) ، إلا رواية مجالد بن عوف عند النسائي فإنها بلفظ:

" نزلت * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا..) * أشفقنا منها، فنزلت الآية التي في ( الفرقان) : * (والذين لا يدعون..) * " الآية. فهي رواية منكرة، لا أدري الخطأ ممن، فإنها عند النسائي كما عند أبي داود من طريق واحد: عن مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن إسحاق به، ولولا ذلك لكان من الواضح القول بأن الخطأ من مجالد بن عوف لما عرفت من جهالته. والله أعلم. الثاني: في رواية البخاري المتقدمة عن ابن عباس أنه قال: لا توبة للقاتل عمدا ، وهذا مشهور عنه، له طرق كثيرة كما قال ابن كثير وابن حجر، والجمهور على خلافه، وهو الصواب الذي لا ريب فيه، وآية (الفرقان) صريحة في ذلك، ولا تخالفها آية (النساء) لأن هذه في عقوبة القاتل وليست في توبته، وهذا ظاهر جدا، وكأنه لذلك رجع إليه كما وقفت عليه في بعض الروايات عنه، رأيت أنه لابد من ذكرها لعزتها، وإغفال الحافظين لها: الأولى: ما رواه عطاء بن يسار عنه: أنه أتاه رجل، فقال: إني خطبت امرأة فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري فأحبت أن تنكحه، فغرت عليها فقتلتها، فهل لي من توبة؟ قال: أمك حية؟ قال: لا. قال : " تب إلى الله عز وجل، وتقرب إليه ما استطعت ". فذهبت فسألت ابن عباس: لم سألته عن حياة أمه؟ فقال: " إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 4) بسند صحيح على شرط " الصحيحين ".

2800

الثانية: ما رواه سعيد عن ابن عباس في قوله: * (ومن يقتل مؤمنا متعمدا) *، قال: ليس لقاتل توبة، إلا أن يستغفر الله. أخرجه ابن جرير (5 / 138) بسند جيد، ولعله يعني أنه لا يغفر له، على قوله الأول، ثم استدرك على نفسه فقال: " إلا أن يستغفر الله ". والله أعلم. 2800 - " ما حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، وقولوا: آمنا بالله وكتبه ورسله، فإن كان حقا لم تكذبوهم وإن كان باطلا لم تصدقوهم ". أخرجه أبو داود (2 / 124) وعبد الرزاق في " المصنف " (20059) وابن حبان ( 110) والدولابي في " الكنى " (1 / 58) والبيهقي (2 / 10) وفي " الشعب " (2 / 99 / 1) وأحمد (4 / 136) وابن منده في " المعرفة " (2 / 266 / 2) من طريق الزهري: أخبرني ابن أبي نملة عن أبيه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد أتكلم هذه الجنازة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الله أعلم، فقال اليهودي: أنا أشهد أنها تكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وإسناده ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي نملة، قال البيهقي: هو نملة ابن أبي نملة الأنصاري. قلت: في " التقريب ": " إنه مقبول ". فهو في عداد المجهولين، فالإسناد على هذا ضعيف. ولفظ أحمد: " إذا حدثكم ".

ثم ظهر لي أنني كنت مخطئا في اعتمادي على قول الحافظ: " مقبول "، الذي يعني أنه غير مقبول عند التفرد، وذلك أنه هو نفسه قد ذكر في ترجمة (نملة بن أبي نملة) من " التهذيب " أنه: " روى عنه - غير الزهري - عاصم ويعقوب ابنا عمر بن قتادة، وضمرة بن سعيد ومروان بن أبي سعيد ، وذكره ابن حبان في (الثقات) وأخرج حديثه في (صحيحه) ". قلت: فهؤلاء جمع - أكثرهم ثقات - مع كونه تابعيا يروي عن أبيه، وعهدي بالحافظ ومن قبله الذهبي أنهم يقولون في مثله: " صدوق ". وأنهم يحسنون أو يجودون حديثه لغلبة الظن في صدقه، وسلامة حديثه من الخطأ. والله سبحانه وتعالى أعلم. وإن مما يقوي الحديث أن له شاهدا يرويه الحارث بن عبيدة: حدثنا الزهري عن سالم عن أبيه عن عامر بن ربيعة قال: " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر بجنازة ، فقال رجل من اليهود: " يا محمد! تكلم هذه الجنازة؟ "، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: اليهودي: " أنا أشهد أنها تكلم "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. " فذكره نحوه مختصرا إلى قوله: " ورسله "، ودون قوله: " فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ". أخرجه الحاكم (3 / 358) وقال: " هذا حديث يعرف بالحارث بن عبيدة الرهاوي ". قلت: وهو ضعيف كما قال الذهبي نفسه في " الضعفاء " تبعا للدارقطني، لكن يمكن أن يستشهد به لأنه ليس شديد الضعف، فقد قال أبو حاتم:

" ليس بالقوي ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 176 ) ولكنه سرعان ما تناقض فذكره في " الضعفاء " أيضا (1 / 224) وقال: " لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد ". قلت: وهذا يعني أنه ليس شديد الضعف، فيجوز الاستشهاد به والله تعالى أعلم. هذا، وقد زاد ابن حبان في آخر الحديث : " وقد زاد ابن حبان في آخر الحديث: " وقال: قاتل الله اليهود لقد أوتوا علما ". قلت: وتكلم الجنازة مما ينبغي أن يصدق به لثبوت ذلك في بعض الأحاديث الصحيحة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " إذا وضعت الجنازة، واحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها؟! يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه لصعق ". أخرجه البخاري وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 72) . فقوله صلى الله عليه وسلم جوابا عن سؤال اليهودي: " الله أعلم "، الظاهر أنه كان قبل أن يوحى إليه بهذا الحديث الصحيح الصريح في تكلم الجنازة وبصوت. والله أعلم. ثم إن الحديث في " صحيح البخاري " من حديث أبي هريرة مرفوعا دون قوله: " فإن كان حقا.. " إلخ، وقد مضى برقم (422) . وقد التبس هذا بحديث الترجمة على شيخ الإسلام ابن تيمية، فانظر التعليق على " فضائل الشام " (ص 55 - عمان) .

2801

2801 - " لا يقولن أحدكم: زرعت، ولكن ليقل: حرثت ". أخرجه ابن جرير الطبري في " التفسير " (27 / 114) والبزار (1289) وابن حبان (5693 - الإحسان) والطبراني في " الأوسط " (1 / 149 / 1 - الظاهرية) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 267) والسهمي في " تاريخ جرجان " (369) والبيهقي في " السنن " (6 / 138) وفي " شعب الإيمان " أيضا (4 / 2801) كلهم من طريق مسلم بن أبي مسلم الجرمي: حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان عن محمد ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... (فذكره) ، قال محمد: قال أبو هريرة: " ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: * ( أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) * ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير مسلم بن أبي مسلم الجرمي، أورده ابن حبان في " الثقات " (9 / 158) وقال: " حدثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة (240) ". قلت: ووثقه الخطيب أيضا في " تاريخ بغداد " (13 / 100) وذكر أنه بغدادي نزل (طرسوس) وبها كانت وفاته. قلت: وحسن له الحافظ في " الفتح " (4 / 351) حديثا في النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان، وهو مخرج في " أحاديث بيوع الموسوعة " ولم يعرفه الهيثمي، فقال في كل من الحديثين (4 / 98 - 99 و 120) : " لم أجد من ترجمه "!! وقلده في ذلك الشيخ الأعظمي في تعليقه على " كشف الأستار " (2 / 86 و 96) كما قلده في الثاني منهما المناوي في " فيض القدير "!

وأما البيهقي فقد ضعف الحديث بقوله بعد أن روى من طريق ليث عن مجاهد قال: فذكره نحوه: " هذا من قول مجاهد، وقد روي فيه حديث مرفوع غير قوي ". ثم ساقه. ونقله الحافظ في ترجمة مسلم هذا في " اللسان "، وقال عقبه: " قلت: ليس في إسناده من ينظر فيه غير مسلم هذا ". قلت: قد عرفت أنه وثقه الخطيب أيضا، وهذا مما فات الحافظ وغيره، فلا داعي للتردد في تقويته، والله الموفق. وقد يخطر في البال أن الحديث مخالف لأحاديث صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم: " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة ". أخرجه الشيخان وغيرهما كما في " الصحيحة " (رقم 7) . قال الحافظ في " الفتح " (5 / 4) : " فيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي، وقد ورد في المنع منه حديث غير قوي أخرجه ابن أبي حاتم.. " فذكره. وأقول: قد عرفت أن الحديث قوي فلابد حينئذ من التوفيق بينه وبين حديث الصحيحين بوجه من وجوه التوفيق المعروفة، كأن يحمل حديث الترجمة على أن النهي فيه للكراهة كما قالوا في التوفيق بين أحاديث النهي عن تسمية العنب كرما وبين أحاديث أخرى جاء فيها كقوله صلى الله عليه وسلم: " الخمر من هاتين الشجرتين: الكرمة والنخلة ". رواه مسلم (6 / 89) وكحديث النهي عن بيع الكرم بالزبيب (" انظر " فتح الباري " 4 / 385 - 386) .

2802

أو يقدم حديث الترجمة أنه حاظر، والحاظر مقدم على المبيح. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2802 - " إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوما مكانه، وإن كان تطوعا فإن شئت فاقضي، وإن شئت فلا تقضي ". أخرجه بهذا اللفظ أحمد (6 / 343 - 344) والدارمي (2 / 16) والطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 353 - هندية) والطيالسي أيضا (رقم 1616) والطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 407 / 990) من طريق حماد بن سلمة: حدثنا سماك بن حرب عن هارون ابن بنت أم هانىء أو ابن ابن أم هانىء عن أم هانىء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا فناولها لتشرب، فقالت: إني صائمة ولكن كرهت أن أرد سؤرك. فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، هارون هذا مجهول كما قال الحافظ في " التقريب "، وقال الذهبي في " الميزان ": " لا يعرف ولا هو في (ثقات ابن حبان) ". وقد اضطربوا في إسناده على سماك على وجوه ذكرتها وخرجتها في صحيح أبي داود " (2120) وقد انتهيت فيه إلى تحسين الحديث أو تصحيحه لطرقه، وقد حسن العراقي أحد أسانيده. إنما خرجت هذا اللفظ هنا للنظر فيما ذكره الشوكاني حوله من الفقه، فقد ذكر في " السيل الجرار " (2 / 151) عن صاحب " حدائق الأزهار " أنه قال فيمن يقضي ما عليه من الصيام فأفطر: أنه يأثم، فرد عليه الشوكاني بهذا الحديث، فقال:

" وفيه دليل على جواز إفطار القاضي ويقضي يوما مكانه وإن كان فيه المقال المتقدم ولكن الدليل على من قال : إنه لا يجوز إفطار القاضي ". وأقول: أولا: ليس في الحديث ما ادعاه من الجواز والأمر بالقضاء لا يستلزم جواز الإفطار فيه، كما لا يخفى إن شاء الله تعالى، ألا ترى أنه لا يجوز الإفطار في رمضان بالجماع اتفاقا ومع ذلك أمر صلى الله عليه وسلم الذي أفطر به أن يقضي يوما مكانه مع الكفارة وهو ثابت بمجموع طرقه كما بينته في " صحيح أبي داود " (2073) ولذلك قواه الحافظ وتبعه الشوكاني نفسه في " النيل " (4 / 184 - 185) وفي " السيل " (2 / 120 - 121 ) ، فأمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء لأم هانىء لو كانت أفطرت منه لا يعني جواز ما فعلت، فكيف وإفطارها كان من تطوع؟ ثانيا: أنها قالت في رواية للترمذي وغيره: " إني أذنبت فاستغفر لي "، فقال: " وما ذاك؟ "، قالت: كنت صائمة فأفطرت. فقال: " أمن قضاء كنت تقضينه؟ "، قالت: لا. فإذا اعترفت بخطئها في ظنها لم يبق مجال لينكر عليها إفطارها - ولو كان من القضاء - ولم يبق إلا أن يبين لها وجوب إعادته، وهذا هو ما دل عليه الحديث. وزاد أبو داود في رواية عقب ما تقدم: " قال: فلا يضرك إن كان تطوعا ". ومفهومه أنه يضرها لو كان قضاء. وهذا واضح إن شاء الله. ثالثا: الدليل هو اعتبار الأصل، فكما لا يجوز إبطال الصيام في رمضان بدون عذر، فكذلك لا يجوز إفطار قضائه ومن فرق فعليه الدليل.

2803

رابعا: لقد سلم الشوكاني في " النيل " (4 / 220) بصواب قول ابن المنير: " ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر إلا الأدلة العامة كقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) *، إلا أن الخاص يقدم على العام كحديث سلمان.. ". إذا كان الأمر كذلك فتكون الآية بعمومها دليلا واضحا لنا عليه، لعدم وجود الدليل المخصص لها فيما نحن فيه. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2803 - " أما بعد أيها الناس، فإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، الناس رجلان: بر تقي كريم على ربه، وفاجر شقي هين على ربه، ثم تلا: * (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) * حتى قرأ الآية، ثم قال: أقول هذا وأستغفر الله لي ولكم ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (3817) : أخبرنا مكحول بـ (بيروت) قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد قال: حدثنا عبد الله بن رجاء قال: حدثنا موسى بن عقبة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته القصواء يوم الفتح واستلم الركن بمحجنه وما وجد لها مناخا في المسجد حتى أخرجت إلى بطن الوادي فأنيخت، ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير مكحول وشيخه محمد بن عبد الله بن يزيد وهما ثقتان معروفان.

2804

وللحديث طريق أخرى عن ابن دينار، فقال عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 105 / 2) : أنبأنا أبو عاصم عن موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن دينار به، ورواه البغوي في " تفسيره " ( 7 / 349) . وموسى بن عبيدة ضعيف، فالعمدة على موسى بن عقبة. وقد تابعهما عبد الله بن جعفر: حدثنا عبد الله بن دينار به مختصرا وليس فيه جملة الاستغفار. وقد مضى لفظ ابن جعفر تحت الحديث (2700) . (عبية) يعني الكبر ، وتضم عينها وتكسر كما في " النهاية ". 2804 - " كل ابن آدم أصاب من الزنا لا محالة، فالعين زناها النظر، واليد زناها اللمس، والنفس تهوى وتحدث، ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج ". أخرجه الإمام أحمد (2 / 349 - 350) : حدثنا حسن: حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة في حفظه ضعف لكنه قد توبع فدل على أنه قد حفظه، فهو من صحيح حديثه، فقال ابن حبان في " صحيحه " (4405 - الإحسان) : أخبرنا محمد بن أحمد بن ثوبان الطرسوسي: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي: حدثنا شعيب بن الليث بن سعد عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن الأعرج به. قلت: فهذه متابعة قوية لابن لهيعة من جعفر بن ربيعة، فإنه ثقة من رجال الشيخين ومن دونه ثقات أيضا مترجمون في " التهذيب " غير الطرسوسي هذا،

2805

فإني لم أقف له على ترجمة ولعله في " تاريخ دمشق " لابن عساكر ، فليراجع (¬1) ، وعلى كل حال، فهو من شيوخ ابن حبان وهم في الغالب من الثقات الذين عرفهم شخصيا وليس على قاعدته المعروفة في توثيقه للمجهولين حتى عنده هو نفسه، فإن لم يكن من أولئك الثقات، فلا أقل من أن يصلح في الشواهد والمتابعات، والله أعلم. وقد جاء الحديث عن أبي هريرة بألفاظ مختلفة من طرق عدة بعضها في " الصحيحين " وقد خرجتها في " الإرواء " (1787) و " صحيح أبي داود " (1868) . وفي الحديث دليل واضح على تحريم مصافحة النساء الأجنبيات وأنها كالنظر إليهن وأن ذلك نوع من الزنا، ففيه رد على بعض الأحزاب الإسلامية الذين وزعوا على الناس نشرة يبيحون لهم فيها مصافحة النساء غير عابئين بهذا الحديث فضلا عن غيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب. وقد سبق بعضها برقم ( 226) ، ولا بقاعدة " سد الذرائع " التي دل عليها الكتاب والسنة، ومنها هذا الحديث الصحيح. والله المستعان. 2805 - " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها، فإنما رزقها على الله عز وجل ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 253 / 517) : حدثنا أبو يحيى الرازي حدثنا محمود بن غيلان حدثنا مؤمل عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (4 / 333) : ¬

(¬1) ثم راجعته، فلم يذكره. اهـ.

" رواه الطبراني عن شيخه أبي يحيى الرازي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ". وأقره المناوي في " الجامع الأزهر " ! كذا قال، وفيه أمور: أولا: أبو يحيى الرازي هو عبد الرحمن بن محمد بن سلم الرازي كما في " المقتنى في الكنى " للذهبي، وقد روى له الطبراني حديثا واحدا في " المعجم الصغير " (1197) باسمه وكنيته، لكنه نسبه إلى جده لم يذكر أباه وكذلك ذكره دون الكنية في " المعجم الأوسط "، وساق له ستة وعشرين حديثا ( 4864 - 4890 - بترقيمي) أحدها (4874) من روايته عن محمود بن غيلان شيخه في حديث الترجمة، وقد ترجمه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (339 / 459) منسوبا إلى أبيه وجده وبكنيته، وكذلك أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 112) والذهبي في " تذكرة الحفاظ " وقال: " وكان من الثقات، توفي سنة إحدى وتسعين ومائتين ". ثانيا: مؤمل هو ابن إسماعيل البصري نزيل مكة، مختلف فيه وقد وصفه غير واحد من المتقدمين بأنه كثير الخطأ مع الصدق، وإليه جنح الذهبي في " الكاشف "، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، سيىء الحفظ ". فحشر مثله في زمرة الثقات لا يخفى ما فيه من التساهل. ثالثا: أبو إسحاق - وهو السبيعي - كان يدلس، وقد عنعنه. لكن الحديث صحيح فإن له شاهدا قويا من حديث أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال: " فإن الله عز وجل رازقها ".

2806

أخرجه مسلم (4 / 136) وهو في " الصحيحين " بنحوه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1891 ) وأخرجه ابن حبان أيضا في " صحيحه " (4057 - الإحسان) بلفظ " الصحيحين ". ثم ساقه (4058) من وجه آخر بلفظ: " فإن المسلمة أخت المسلمة ". وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم غير شيخه ابن سلم، وهو (عبد الله بن محمد بن سلم المقدسي) وثقه ابن حبان والذهبي في " السير " (14 / 306) . وهنا لابد من التنبيه على أشياء وقفت عليها: 1 - وقع في " المجمع ": " إنائها " مكان " صحفتها " ولعله خطأ مطبعي، وعلى الصواب وقع في " الجامع الكبير ". 2 - ووقع في " الجامع الأزهر ": " صحيفتها " وفي " المعجم الكبير " " صفحتها "، وكل ذلك خطأ، فإن " الصحيفة " ما يكتب فيه من ورق ونحوه. و " الصفحة " جانب الشيء، وصفحة الورقة أحد جانبيها. وأما " الصحفة " فهي إناء كالقصعة المبسوطة ونحوها، قال ابن الأثير: " وهذا مثل يريد الاستكثار عليها بحظها فتكون كمن استفرغ صحفة غيره وقلب ما في إنائه إلى إناء نفسه ". 3 - وقع في " المعجم ": ".. أبو يحيى الداري [الرازي] "! كأنه يشير إلى اختلاف النسخ أو القراءة، والصواب " الرازي " وحذف " الداري " كما يتبين من ترجمته المتقدمة. 2806 - " صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر وإفطاره ". أخرجه أحمد (4 / 19 و 5 / 34 و 35) عن عفان ووكيع ووهب بن جرير

والبزار (1059 - الكشف) عن محمد بن جعفر ويحيى بن سعيد القطان، والطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 26 / 53) والدارمي أيضا (2 / 19) عن أبي الوليد الطيالسي، ستتهم عن شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال المنذري (2 / 82) ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي (3 / 196) ، وصححه ابن حبان وقد أخرجه (3645 - الإحسان) من طريق وكيع به. ثم قال (3644) : أخبرنا أبو يعلى: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه قال: " وقيامه " مكان: " وإفطاره ". وقال ابن حبان: " قال وكيع عن شعبة في هذا الخبر: " وإفطاره "، وقال يحيى القطان عن شعبة: " وقيامه "، وهما جميعا حافظان متقنان ". كذا قال: وهو يشير بذلك إلى أن اللفظين محفوظان صحيحان! وأرى أن لفظ " وقيامه " شاذ غير محفوظ، لمخالفته للفظ الذي اتفق عليه الستة وفيهم القطان: " وإفطاره "، فاتفاقهم حجة ومن شذ عنهم فليس بحجة، وليس هو القطان كما يشعر به كلام ابن حبان، بل هو راو ممن دونه كائنا من كان، فالاختلاف ليس بين القطان ووكيع وإنما بين أحد المشار إليهم في رواية ابن حبان، ومن رواه عند البزار عن القطان وفق رواية الجماعة. حتى لو فرضنا أن رواية البزار هذه خطأ على القطان، وأن المحفوظ عنه رواية ابن حبان، فهي شاذة أيضا لمخالفته لرواية الثقات الخمسة. وما الحديث الشاذ إلا مخالفة الثقة للثقات، بل هذه الرواية من أحسن الأمثلة عندي للحديث الشاذ. والله سبحانه وتعالى أعلم.

2807

ويشهد للحديث ما رواه الطبراني عن عبد الله بن عمرو مرفوعا في حديث: ".. وصام إبراهيم عليه السلام ثلاثة أيام من كل شهر، صام الدهر وأفطر الدهر ". وفيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث في الشواهد، وقد أعله المنذري والهيثمي بأبي فراس وهو من رجال مسلم، ولكنهما لم يعرفاه كما كنت بينته قديما في السلسلة الأخرى (459) . ويؤيد الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: " من صام الأبد، فلا صام ولا أفطر ". أخرجه ابن حبان وغيره بسند صحيح كما في " التعليق الرغيب " (2 / 88) . وذلك لأن الشارع الحكيم إذا جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر كما لو صام الدهر، فمن صامهن فقد صام وأفطر. والله أعلم. 2807 - " اللهم إني أحبه، فأحببه وأحب من يحبه. يعني الحسن بن علي رضي الله عنهما ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1183) وأحمد (1 / 532) وابنه عبد الله في " فضائل الصحابة " (2 / 788 / 1407) والحاكم (3 / 178) من طرق عن هشام بن سعد عن نعيم بن المجمر عن أبي هريرة قال: ما رأيت حسنا قط إلا فاضت عيناي دموعا وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فوجدني في المسجد فأخذ بيدي، فانطلقت معه فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع، فطاف به ونظر، ثم انصرف وأنا معه حتى جئنا المسجد فجلس فاحتبى ثم قال:

" أين لكاع؟ ادع لي لكاع ". فجاء حسن يشتد فوقع في حجره، ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل النبي صلى الله عليه وسلم يفتح فاه، فيدخل فاه في فيه، ثم قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو حسن فقط للكلام اليسير الذي في هشام بن سعد. (تنبيه) : وقع عند الحاكم (الحسين بن علي) مكان (حسن) ولعله وهم من الراوي عنده (أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض) ، فقد قال الذهبي: " فيه لين، قال ابن الجوزي: ضعيف ". فتعقبه الحافظ بقوله: " وثقه الدارقطني، فلا يلتفت إلى تضعيف ابن الجوزي بلا سبب. وذكره ابن حبان في " الثقات " وأخرج حديثه في " صحيحه "، وكذلك الحاكم.. ". قلت: لم أره في نسخة " الثقات " المطبوعة ولا في فهرس " صحيحه " وليس خطأ مطبعيا، فإنه ذكره في ترجمة (الحسين) رضي الله عنه. ومما يؤكد الخطأ أن الحديث أخرجه البخاري (5884) مختصرا، وكذا مسلم (7 / 130) وابن حبان (6924) وأحمد (2 / 331) من طريق أخرى عن أبي هريرة به، وفيه (الحسن) . ومن أوهام الأخ (وصي الله) في تعليقه على " الفضائل " أنه ضعف إسناده بـ (هشام بن سعد) . ثم استدرك فقال: " ولكن الحديث صحيح، فقد أخرجه البخاري.. ومسلم.. "! ولا يخفى أن هذا إنما يشهد لبعضه، فلا يتقوى الحديث كله به، لو كان

2808

إسناده ضعيفا كما قال، وإنما هو حسن كما قلنا، ويشهد هذا لبعضه، وكأنه اغتر بعزو فؤاد عبد الباقي إياه للشيخين، في تخريجه لـ " الأدب المفرد " (ص 304) ! وهذا عكس شارحه (الجيلاني) ، فإنه لم يعزه إلا للحاكم! 2808 - " إن من بعدكم الكذاب المضل، وإن رأسه من بعده حبك حبك - ثلاث مرات - وإنه سيقول: أنا ربكم، فمن قال: لست ربنا، لكن ربنا الله عليه توكلنا وإليه أنبنا، نعوذ بالله من شرك، لم يكن له عليه سلطان ". أخرجه الإمام أحمد (5 / 372) : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: رأيت رجلا بالمدينة وقد طاف الناس به، وهو يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "، فإذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فسمعته وهو يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح غاية رجاله ثقات رجال الشيخين وجهالة الصحابي لا تضر كما هو مقرر في علم المصطلح. قوله: " من بعده ": أي: من ورائه. " حبك ": أي: شعر رأسه متكسر من الجعودة مثل الماء الساكن أو الرمل إذا هبت عليهما الريح فيتجعدان ويصيران طرائق. كما في " النهاية ". والحديث دليل صريح على أن الدجال الأكبر هو شخص له رأس وشعر، وليس معنى وكناية عن الفساد كما يحلو لبعض ضعفاء الإيمان أن يتناولوا أحاديثه الكثيرة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالتواتر كما صرح به أئمة الحديث، فلا تغتر بعد

ذلك أيها القارىء بمن لا علم عنده بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كان شأنه ومقامه في غير هذا العلم الشريف. والحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " (2736 و7222) من رواية أحمد والخطيب عن رجل من الصحابة، وبيض له فلم يبين مرتبته من الثبوت كما هي عادته على الغالب، وكذلك فعلت اللجنة القائمة على نشره والتعليق عليه! وكان عليها على الأقل أن تعلق عليه بقول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 343) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح "! وإن كان هذا لا يدل القارىء على أن السند صحيح كما نبهنا عليه مرارا. وبأن الهيثمي ذكر له شاهدا من رواية أحمد أيضا والطبراني عن هشام بن عامر مرفوعا نحوه، وقال في رجال أحمد: " رجال الصحيح ". وهو عنده (4 / 20) من طريق عبد الرزاق، وهذا في " المصنف " (11 / 395 / 20828) قال: أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن هشام بن عامر به نحوه. وهذا إسناد صحيح أيضا، استنفدنا منه تسمية الصحابي الذي لم يسم في الإسناد الأول، وإذا كانت التسمية هذه محفوظة فيه، فهي تعطينا فائدة أخرى وهي أن أبا قلابة سمع من هشام بن عامر، خلافا لقيل من قال: إنه لم يسمع منه، والله أعلم. (تنبيه) : من أخطاء بعض المتهافتين على وضع الفهارس الحديثية ممن لا معرفة عندهم بهذا العلم الشريف جعله صحابي حديث الترجمة:

2809

" أبو قلاب "!! فهذا خطأ علمي مع خطأ مطبعي!! انظر " فهرس مجمع الزوائد " (1 / 272) . ثم رأيت الحديث في " تاريخ بغداد " (11 / 161) من طريق عبيد الله بن عمرو عن أيوب به. قلت: وهذا سند صحيح أيضا. 2809 - " كان يقرأ: * (إنه عمل غير صالح) * ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 286 - 287 و 1 / 2 / 252) : قال لنا مالك بن إسماعيل عن إبراهيم بن الزبرقان عن أبي روق عن محمد بن جحادة عن أبيه عن عائشة مرفوعا. وأخرجه الحاكم (2 / 241) من طريق أخرى عن إبراهيم بن الزبرقان به. وسكت عنه، وقال الذهبي: " قلت: إسناده مظلم ". قلت: علته جحادة والد محمد، فإنه في عداد المجهولين، أورده البخاري في ترجمته ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، وكذلك بيض له ابن أبي حاتم، فلم يذكر فيه شيئا، ولا راويا عنه غير ابنه محمد. وأما ابن حبان فذكره في " ثقاته " (4 / 119) ! وأبو روق اسمه عطية بن الحارث صدوق، ووقع في " المستدرك " (أبو زوقة) فقال مصححه: " هكذا في الأصول ولعله تصحيف، فإنه لم يوجد: أبو زوقة عن محمد بن جحادة "

وإبراهيم بن الزبرقان وثقه ابن معين وجمع، وقال أبو حاتم: " محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج به ". قلت: وقد خولف في إسناده، فقال الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 259 / 2 / 4460) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: أخبرنا إبراهيم بن دينار قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط عن بشر بن خالد عن عطية بن الحارث عن حميد الأزرق عن مسروق عن عائشة به. وقال: " لا يروى عن مسروق إلا بهذا الإسناد، تفرد به إبراهيم بن دينار ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم ومثله شيخه الخياط. وأما بشر بن خالد، فلا يعرف إلا برواية الخياط هذه . ومع ذلك ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 199) ووقع فيه: " بشر بن خالد بن عطية بن الحارث " تبعا لـ " تاريخ البخاري "! خلافا لما في " الجرح "، فهو موافق لهذه الرواية، فهو أرجح. وحميد الأزرق لم أعرفه، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (7 / 155) : " رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه حميد بن الأزرق ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات "! كذا وقع فيه: " ابن الأزرق "، وهو خلاف ما في " الأوسط " كما تقدم، وخلاف كتابه الآخر " مجمع البحرين " فالظاهر أن أداة النسبة " ابن " مقحمة من الناسخ أو الطابع. والله سبحانه وتعالى أعلم. وللحديث شاهد من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد مرفوعا. أخرجه أبو داود (3982 - 3983) والترمذي (3112 - 3113) وغيره، وبسط القول في تخريجه محله في " صحيح أبي داود " بإذن الله تبارك وتعالى.

وشاهد آخر من طريق سليمان بن قتة عن ابن عباس أنه قرأ: * (عمل غير صالح) *. أخرجه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (12 / 33) : حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا ابن عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير ابن وكيع واسمه سفيان وهو ضعيف كما قال الذهبي في " الكاشف "، وقال الحافظ في " التقريب " مبينا سبب ضعفه: " كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقه، فأدخل عليه ما ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه ". ولعله يصلح للشهادة أيضا ما رواه قتادة وغيره عن عكرمة قال: " في بعض الحروف أنه عمل عملا غير صالح ". وإسناده إلى عكرمة صحيح. وجملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح عندي، ولاسيما وقد قرأ بهذه القراءة التي جاءت فيه جماعة من السلف كما ذكر ابن جرير ، وإن كان رجح هو قراءة جماهير القراء: * (إنه عمل غير صالح) *، فراجعه إن شئت. (تنبيه) : حديث الترجمة عزاه السيوطي في " الدر المنثور " (3 / 336) للبخاري في " تاريخه " وابن مردويه والخطيب من طرق عن عائشة. كذا قال: " من طرق "، فإذا صح ذلك فالحديث يزداد قوة بها. والله أعلم. ثم وجدت ترجمة حميد الأزرق - بدلالة أحد الإخوة جزاه الله خيرا - في " ثقات ابن حبان " (4 / 148 - 149) أورده في (التابعين) وسمى أباه " زاذويه الأزرق "، وقال:

2810

" يروي عن أنس بن مالك. روى عنه ابن عون. وليس بحميد الطويل ". وكذا في " تاريخ البخاري " و " الجرح والتعديل ". وقال ابن ماكولا وتبعه الحافظ في " التقريب ": " مجهول ". قلت: وفاتهم رواية عطية بن الحارث عنه هذا الحديث، إن كانت محفوظة فإن عطية وإن كان صدوقا فالراوي عنه بشر بن خالد فيه جهالة كما تقدم. والله أعلم. 2810 - " ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده، وقرب غيره، فقال أبو رزين: أويضحك الرب عز وجل؟ قال: نعم. فقال: لن نعدم من رب يضحك خيرا ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1092) : حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن أبي رزين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد في " المسند " (4 / 12) وفي " السنة " (452 - دار ابن القيم) وابن أبي عاصم في " السنة " (رقم 554 - بتحقيقي) وابن ماجه في " سننه " (رقم 281) وعبد الله بن أحمد في " زوائد السنة " (453) والدارقطني في " الصفات " (46 / 30 - تحقيق الدكتور الفقيهي) والآجري في " الشريعة " (ص 279 و 279 - 280) والبيهقي في " الأسماء والصفات " (ص 473) من طريق الطيالسي - كلهم عن حماد بن سلمة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم غير وكيع بن عدس، ويقال: " حدس " بالحاء بدل العين، قال الذهبي في " الميزان ":

" لا يعرف، تفرد عنه يعلى بن عطاء ". وقال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". قلت: يعني عند المتابعة كما نص عليه في المقدمة ، وقد توبع كما يأتي. وقال الذهبي عنه في " الكاشف ": " وثق "! قلت: يشير إلى أن ابن حبان وثقه، وأن توثيقه هنا غير معتمد لأنه يوثق من لا يعرف، وهذا اصطلاح منه لطيف عرفته منه في هذا الكتاب، فلا ينبغي أن يفهم على أنه ثقة عنده كما يتوهم بعض الناشئين في هذا العلم. وابن حبان أورده في التابعين من " ثقاته " (5 / 496) من رواية يعلى عنه فقط، وحكى الخلاف المتقدم في " عدس " ، وقال: " أرجو أن يكون الصواب بالحاء ". وقد أخرج له حديثا آخر عن أبي رزين في الرؤية، وهو مخرج في " الظلال " (459) ، ولم يخرج له هذا الحديث، وهو عجيب منه خالف فيه الجماعة مع أنه على شرطه، وأخشى ما أخشاه أن يكون الصارف له عنه هو أنه صريح في إثبات صفة الضحك لله تعالى بحيث لا يمكن تأويله كما فعل بحديث " ضحك الله من رجلين قتل أحدهما صاحبه وكلاهما في الجنة "، فقد رأيته تأوله تأويلا متكلفا قبيحا (¬1) ، خالف فيه طريقة السلف في الإثبات مع التنزيه، فانظر كلامه إن شئت ¬

(¬1) وقد حكى الإمام الدارمي نحوه في رده على المريسي ثم أبطله، فراجعه فإنه مهم (ص 177 - 178) . اهـ.

في " صحيحه " (4647 - الإحسان) ، والحديث مخرج في " الصحيحة " (1074 و 2525) ، ولقد كان الأحرى به أن يخرج هذا الحديث - وهو على شرطه - من أن يخرج حديث الرؤية المشار إليه آنفا، لأن هذا قد توبع عليه وكيع بن عدس كما سبقت الإشارة إليه، والآن جاء وقت تخريج المتابع فأقول: رواه عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي - من بني عمرو بن عوف - عن دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر - قال دلهم: وحدثنيه أبي: الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث بطوله في صفحتين كبيرتين، وفيه مرفوعا: " وعلم [الله] يوم الغيث يشرف عليكم، آزلين مشفقين، فيظل يضحك قد علم أن غيركم إلى قرب ". قال لقيط: لن نعدم من رب يضحك خيرا. أخرجه عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " (4 / 13) و " السنة " (1120) هكذا، وابن خزيمة في " التوحيد " (122 - 125) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 19 / 211 - 214) وليس لابن خزيمة إسناد دلهم الثاني عن عاصم بن لقيط، وهو للطبراني دون الأول، ولذلك قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (10 / 340) : " رواه عبد الله والطبراني بنحوه، وأحد طريقي عبد الله إسنادها متصل، ورجالها ثقات، والإسناد الآخر وإسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط أن لقيطا ... ". قلت: وقوله: ".. ثقات ".

فهو من تساهله الذي عرف به، فإن كلا من عبد الرحمن السمعي ودلهم بن الأسود وأبيه ثلاثتهم لا يعرفون إلا بهذا الإسناد ، وقد صرح الذهبي في " الميزان " في ترجمة دلهم بأنه لا يعرف. وأشار فيه إلى أن الآخرين كذلك، لأنه ليس لهما إلا راو واحد. نعم نقل الحافظ في ترجمة الأسود عن الذهبي أنه قال فيه: " محله الصدق ". ولا أدري وجهه، وقد قال الحافظ فيه وفي كل من الآخرين: " مقبول ". وثلاثتهم تفرد بتوثيقهم ابن حبان (4 / 32 و 6 / 291 و 7 / 71) وهو عمدة الهيثمي في قوله السابق! من أجل ذلك كنت ضعفت هذا الإسناد في حديث الرؤية المشار إليه في الطريق الأولى، ولكنني حسنت متنه لمجموع الطريقين كما تراه مخرجا في " ظلال الجنة " (459) ، كما كنت ضعفت الإسناد نفسه في هذا الحديث في " الظلال " أيضا (554) لكنني لم أكن قد وقفت على هذا الطريق الثاني، فتركت الحديث على الضعف الذي يقتضيه إسناده لأنه لا سبيل لنا لمعرفة الصحيح والضعيف من الحديث إلا بالإسناد، ولذلك قال من قال من السلف: " الإسناد من الدين، لولا الإسناد قال من شاء ما شاء ". فلما يسر الله تعالى لي الوقوف على هذا الطريق بادرت إلى تقوية الحديث كسابقه فأخرجته هنا. والحمد لله على توفيقه. ووجدت له طريقا ثالثا، بل شاهدا ولكنه مما لا يفرح به يرويه سلم بن سالم البلخي: حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة أم المؤمنين مرفوعا بلفظ: " إن الله ليضحك من إياس العباد وقنوطهم وقرب الرحمة منهم ".

قالت عائشة: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أويضحك ربنا تعالى؟ قال: " والذي نفس محمد بيده إنه ليضحك ". فقلت: لن يعدمنا منه خيرا إن ضحك. أخرجه ابن خزيمة أيضا (ص 153) وابن عدي (3 / 924) والخطيب في " التاريخ " (13 / 44) من طريق موسى بن خاقان أبي عمران النحوي قال: حدثنا سلم بن سالم البلخي.. قلت: وهذا إسناد واه، خارجة بن مصعب متروك كما في " التقريب ". وسلم بن سالم البلخي ضعيف. له ترجمة في " اللسان ". والخلاصة أن الحديث بمجموع الطريقين حسن عندي، ولعله الذي يعنيه ابن تيمية بقوله: " حديث حسن " في " العقيدة الواسطية " بخلاف ابن القيم فقد صحح الحديث بطوله في " زاد المعاد " في (الوفود) وقال: " هذا حديث كبير جليل، تنادي جلالته وفخامته وعظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة.. "! قلت: ثم ذكر من رواه من الأئمة، ولم يعرج على الكلام على أحد من رواته المجهولين، وبمثل ذاك الكلام الخطابي لا تصحح الأحاديث! غريب الحديث: 1 - (غيره) ، في " شرح القاموس ": " الغير من تغير الحال، وهو اسم بمعنى القطع والعتب، ويجوز أن يكون جمعا واحدته غيرة ".

قال أبو الحسن السندي في " حاشية ابن ماجه ": " والضمير لله، والمعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير مأيوسا من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير ومن مرض إلى عافية ومن بلاء ومحنة إلى سرور وفرحة. لكن الضحك على هذا لا يمكن تفسيره بالرضا ". 2 - (قلت: لن نعدم) من عدم كعلم إذا فقده. قال السندي: " يريد أن الرب الذي من صفاته الضحك لا نفقد خيره بل كلما احتجنا إلى خير وجدناه، فإنا إذا أظهرنا الفاقة لديه يضحك فيعطي ". 3 - (أزلين) : " الأزل بسكون الزاي: الشدة، و (الأزل) على وزن (كتف) هو الذي قد أصابه الأزل واشتد به حتى كاد يقنط ". " زاد المعاد ". (تنبيهات) : الأول: قوله في طريق دلهم: (غيركم) هكذا وقع في " المسند " و " السنة " و " مجمع الزوائد " وقد سبق معناه، ويبدو أنه أشكل أمره على بعضهم فتصرفوا فيه، فوقع في " زاد المعاد " و " التوحيد " (غوثكم) وفي " معجم الطبراني " المطبوع: ( عودتكم) ! وقال المعلق عليه: " وفي الأصل (عوتكم) ، وفي " المجمع " ( غيركم) ، واخترت (عودتكم) لأن السياق يدل عليه "! كذا قال، وقد عرفت الصواب. الثاني: قال ابن كثير في تفسير سورة البقرة: " وفي حديث أبي رزين: " عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيثه، فينظر إليهم قنطين، فيظل يضحك يعلم أن فرجهم قريب " الحديث.

ولم أره بهذا اللفظ، فالظاهر أنه رواه بالمعنى. والله أعلم. تنبيه ثالث: قد عزا الحديث من الطريق الثاني لأحمد في " مسنده " غير ما واحد من المتقدمين والمتأخرين، وهو خطأ، والصواب أنه من زيادات ابنه عبد الله في " المسند " كما تقدم ذكره في التخريج، وكما في " جامع المسانيد " (10 / 649 / 8160) . عظة وعبرة: لقد لفت نظري تناقض موقف الشيخين الحلبيين الصابوني والرفاعي حول حديث ابن كثير الذي ذكره بلفظ: " عجب .. " فالأول لم يورده في " مختصره "، بخلاف الآخر فإنه أورده في " مختصره (1 / 173) وقد ذكر في مقدمته أنه لا يورد فيه إلا الأحاديث الصحيحة! وكذلك ذكر الأول، وقد أخلا بشرطهما هذا في عشرات الأحاديث كما بينت ذلك في " الضعيفة " ، فليراجع من شاء الوقوف عليها فهرس المواضيع والفوائد من المجلد الثالث والرابع منها. وهذا مثال جديد نذكره هنا يؤكد أن الشيخ نسيب - رحمه الله - حينما يصحح أو يضعف، فإنما هو " خباط عشوات " كما يروى عن علي، وإلا فكيف يصحح حديثا لا أصل له في شيء من كتب السنة باللفظ المذكور؟! وبهذه المناسبة أقول: إن قول صاحبنا الشيخ مقبل بن هادي في تخريجه لحديث ابن كثير هذا (1 / 445 - الكويت) : " رواه أحمد (!) ج 4 ص 13 بمعناه، وهو حديث ضعيف لأنه من طريق عبد الرحمن بن عياش السمعي عن دلهم بن الأسود وهما مجهولان ". أقول: فقوله: " بمعناه " ليس بصحيح، لأن " العجب " غير " الضحك "، فهما صفتان لله عز وجل عند أهل السنة - وهو منهم والحمد لله - خلافا للأشاعرة، فإنهم لا يعتقدونهما، بل يتأولونهما بمعنى الرضا! فلعله لم يتنبه للازم هذا القول، ولهذا قيل: لازم المذهب ليس بمذهب!

2811

وأما قوله: وهو حديث ضعيف، فهو مسلم بالنظر لطريق السمعي المذكورة، وقد فاته الطريق الأخرى التي ابتدأنا التخريج بها، وحسنا الحديث بمجموعهما. فلعله لو وقف عليها يرجع عن جزمه بضعف الحديث . والله أعلم. وأما الشيخ الصابوني، فغالب الظن أنه لم يورد الحديث لأنه لم يرق له لفظه، فإنه من الأشاعرة أو الماتريديين المؤولين، وليس لأنه عرف أنه لا أصل له بلفظ أصله! 2811 - " ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر؟ حارس الحرس في أرض خوف لعله أن لا يرجع إلى أهله ". أخرجه الروياني في " مسنده " (ق 247 / 2) : أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى بن سعيد القطان أخبرنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن عائذ عن مجاهد عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم - وربما لم يرفعه - قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الرحمن بن عائذ، وهو ثقة كما في " التقريب ". والحديث أخرجه الحاكم (2 / 80 - 81) وعنه البيهقي (9 / 149) من طريق مسدد: حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه لم يقل: " وربما لم يرفعه ". وقال الحاكم: " صحيح على شرط البخاري "! ووافقه الذهبي! وذلك من أوهامهما لما تقدم من الاستثناء، وقد أقره المنذري أيضا (2 / 154) ! ثم قال الحاكم:

2812

" وقد أوقفه وكيع بن الجراح عن ثور، وفي يحيى بن سعيد قدوة ". قلت: وهو كما قال، لكن يحيى قد ذكر أن الراوي - ولعله ابن عمر أو من دونه - كان ربما لم يرفعه، وذلك مما لا يضر لأن الراوي قد لا ينشط أحيانا فيوقفه، ولأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر. (تنبيه) : " حارس الحرس " كذا وقع في " المسند " وفي المصدرين الآخرين: " حارس حرس " ولعله الصواب، فإنه كذلك في " مصنف ابن أبي شيبة " (5 / 296) : حدثنا وكيع أخبرنا ثور به موقوفا. وكذا هو في " الترغيب ". والله أعلم. 2812 - " لا تستمتعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 302 / 1) : حدثنا هيثم بن خالد حدثنا عبد الكبير بن المعافى: حدثنا هشيم عن عبيدة عن إبراهيم عن عبد الله بن عبيد الله الهاشمي عن عبد الله بن عكيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " لم يروه عن عبيدة إلا هشيم، تفرد به عبد الكبير به المعافى ". قلت: قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 63) : " سمع منه أبي وروى عنه وقال: وكان ثقة رضا، كان يعد من الأبدال ". قلت: وإنما العلة ممن فوقه، فهشيم - وهو ابن بشير الواسطي - مع كونه ثقة ثبتا، فهو كثير التدليس كما في " التقريب ". وشيخه عبيدة - وهو ابن معتب الضبي -، قال الذهبي في " الضعفاء ": " قال أحمد: تركوا حديثه ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 218) : " وفيه عبيدة بن معتب وقد أجمعوا على ضعفه ".

وعبد الله بن عبيد الله الهاشمي هو من طبقة عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي وهو ثقة من رجال الشيخين، لكنهم لم يذكروا له رواية عن عبد الله بن عكيم ولا ذكروا إبراهيم - وهو النخعي - في الرواة عنه. وهيثم بن خالد وهو المصيصي أورده الذهبي في " الضعفاء " وقال: " قال الدارقطني: ضعيف ". وأقره الحافظ في " التهذيب " وجزم بضعفه في " التقريب ". لكن قد رواه شبيب بن سعيد عن شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال: جاءنا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في أرض جهينة: " إني كنت رخصت لكم في إهاب الميتة وعصبها، فلا تنتفعوا بعصب ولا إهاب ". أخرجه ابن عدي في ترجمة شبيب هذا من " الكامل " (4 / 1347) والطبراني أيضا كما في " التلخيص الحبير " (1 / 47) وقال: " إسناده ثقات، وتابعه فضالة بن المفضل عند الطبراني في ( الأوسط) ". قلت: فضالة لفظ حديثه يختلف عن هذا فإنه بلفظ: " إني كنت رخصت لكم في جلود الميتة، فلا تنتفعوا من الميتة بجلد ولا عصب ". فذكر الجلد في الموضعين مكان الإهاب والمحفوظ (الإهاب) وهو الجلد قبل الدبغ، هكذا رواه جماعة عن شعبة به، وهو مخرج في " الإرواء " (رقم 38) . وفضالة بن مفضل قال ابن أبي حاتم (3 / 2 / 79) عن أبيه:

" لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم، سألت عنه سعيد بن عيسى بن تليد؟ فثبطني عنه، وقال: الحديث الذي يحدث به موضوع أو نحو هذا ". واعلم أن حديث ابن عكيم هذا قد اختلف العلماء فيه رواية ودراية: وأما رواية، فقد أعله بعضهم بالإرسال والاضطراب، وهو مردود لأنه إن سلم به بالنظر لبعض الطرق، فهو غير مسلم بالنسبة للطرق الأخرى كما كنت بينته في المصدر المذكور آنفا ولذلك قواه بعض المتقدمين ومنهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى، فقال ابنه صالح في " مسائله " (ص 160) : " قال أبي: الله قد حرم الميتة، فالجلد هو من الميتة، وأذهب إلى حديث ابن عكيم، أرجو أن يكون صحيحا : لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب ". قال أحمد: " وليس عندي في دباغ الميتة حديث صحيح، وحديث ابن عكيم هو أصحها "! كذا قال رحمه الله، مع أنه قد ورد في الدباغ خمسة عشر حديثا ساقها الشوكاني في " نيل الأوطار " (1 / 54) بعضها في " الصحيحين " وهي مخرجة في " غاية المرام " (25 - 29) . وأما الدراية فقد اختلف العلماء في كون الدباغ مطهرا أم لا؟ والجمهور على الأول، واختلفوا في الجواب عن حديث الترجمة، وأصح ما قيل إن الإهاب هو الجلد الذي لم يدبغ، فهو المنهي عنه، فإذا دبغ فقد طهر. ومن شاء التفصيل فليراجع " نيل الأوطار " وغيره.

2813

2813 - " أوتي موسى عليه السلام الألواح، وأوتيت المثاني ". أخرجه الإسماعيلي في " معجم شيوخه " (ق 82 / 1) : حدثنا أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن منصور - سجادة - ببغداد: حدثنا أبو معمر حدثنا جرير عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير سجادة هذا ، ترجمه الخطيب في " التاريخ " (8 / 4) برواية جمع من الحفاظ عنه وقال: " وكان لا بأس به ". وأبو معمر اسمه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي، وقد تابعه عثمان بن أبي شيبة: حدثنا جرير به أتم منه. أخرجه أبو داود عنه، والنسائي وغيره من طريق أخرى عن جرير به مختصرا، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1312 ) . وقد زعم بعض المعاصرين ممن كتب في فضل بعض السور أن حديث أبي داود هذا موقوف، وهو من أوهامه الظاهرة. والمعصوم من عصمه الله. (تنبيه) : حديث الترجمة كنت أوردته في " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " لأنني لم أكن قد وقفت على إسناده ولذلك كنت بيضت له فيه، فلما وقفت على إسناده وتبين لي صحته بادرت إلى تخريجه هنا وقررت نقله إلى " صحيح الجامع "، والله سبحانه وتعالى هو الموفق، لا إله إلا هو.

2814

2814 - " أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى إلى كل صلاة مثلها غير المغرب، فإنها وتر النهار، وصلاة الصبح لطول قراءتها ، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى ". أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " (1 / 241) من طريق مرجى بن رجاء قال: حدثنا داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات غير مرجى بن رجاء فإنه مختلف فيه وأورده الذهبي في " المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد "، وقال (173 / 319) : " علق له البخاري، جائز الحديث ". وقد لخص كلام الأئمة فيه الحافظ، فقال في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ". قلت: قد قام الدليل على أنه قد حفظ ولم يهم، بمتابع له معتبر وشاهد. أما المتابع فهو محبوب بن الحسن: حدثنا داود به. أخرجه السراج في " مسنده " (ق 120 / 2) من طريقين عنه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في " تمام المنة " (304) ، واحتج به الحافظ كما يأتي، ومحبوب هذا اسمه محمد ومحبوب لقبه، قال ابن معين: " ليس به بأس ". وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال النسائي: " ضعيف ". وقال أبو حاتم: " ليس بالقوي ". قلت: فمثله يستشهد به على الأقل، وإلى ذلك أشار الحافظ بقوله:

" صدوق فيه لين ". وتابعهما أبو معاوية الضرير - وهو ثقة - في " مسند ابن راهويه " (3 / 933 - 934) لكنه لم يذكر فيه (مسروقا) . وبعضه في " صحيح البخاري " (3935) و " أبي عوانة " (2 / 28) وابن راهويه (2 / 107 / 31) من طريق معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة مختصرا بلفظ: " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأولى ". وهو متفق عليه دون ذكر الهجرة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1082) . وأما الشاهد، ففي " المطالب العالية المسندة " للحافظ ابن حجر (ق 25 / 2) : " إسحاق (¬1) : قلت لأبي أسامة: أحدثكم سعد بن سعيد الأنصاري قال: سمعت السائب ابن يزيد يقول: كانت الصلاة فرضت سجدتين سجدتين: الظهر والعصر، فكانوا يصلون بعد الظهر ركعتين وبعد العصر ركعتين، فكتب عليهم الظهر أربعا والعصر أربعا، فتركوا ذاك حين كتب عليهم، وأقرت صلاة السفر [ركعتين] ، وكانت الحضر أربعا؟ فأقر به، وقال: نعم ". وقال الحافظ: " هذا حديث حسن ". ¬

(¬1) هو ابن راهويه الإمام الحافظ صاحب " المسند " المعروف به. وانظر الصفحة الآتية (747) . اهـ.

قلت: وإنما لم يصححه مع أن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لأن سعدا الأنصاري مختلف فيه، قال أحمد: " ضعيف ". وكذا قال ابن معين في رواية. وقال في أخرى: " صالح ". وقال النسائي: " ليس بالقوي ". وقال ابن سعد: " كان ثقة قليل الحديث ". وقال الترمذي: " تكلموا فيه من قبل حفظه ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (4 / 298) وقال: " كان يخطىء ". قلت: ولهذا أورده الذهبي في رسالته المتقدمة " المتكلم فيهم " (111 / 141) فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى، فهو شاهد جيد. وقد أخرجه السراج في " مسنده " (ق 120 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 184 - 185) من طرق أخرى عن سعيد به مختصرا. وقال الهيثمي (2 / 155) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله رجال (الصحيح) ". وله شاهد آخر، ولكنه مما لا يفرح به لشدة ضعف راويه وهو عمرو بن

عبد الغفار، رواه عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: " فرضت الصلاة ركعتين [ ركعتين] ، فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى قدم المدينة، وصلاها في المدينة ما شاء الله، وزيد في صلاة الحضر ركعتين وتركت صلاة السفر على حالها ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 31 / 2 / 5541 - بترقيمي) وقال: " لم يروه عن عاصم إلا عمرو، ولا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد ". قلت: قال الهيثمي (2 / 156) : " وفيه عمرو بن عبد الغفار، وهو متروك ". (تنبيه) : زيادة (ركعتين) في حديث سلمان هذا استدركتها من " مجمع الزوائد " ، كما استدركتها في حديث السائب المتقدم من " المطالب العالية " المطبوعة (1 / 180) ، وقد سقط منها عزو الحديث لإسحاق! والظاهر أن محقق الكتاب الشيخ الأعظمي لم يرجع إلى النسخة المسندة من " المطالب العالية "، وإلا لتدارك هذا السقط، ولما وقع في خطأ تفسيره لقوله المتقدم في الحديث: " فأقر به "، فإنه قال: " أي فأقر به سعد بن سعيد "! وهذا خطأ محض، والصواب أن يقال: " أي فأقر به أبو أسامة " كما هو ظاهر من سياق إسناده المتقدم (ص 745) . وهو أبو أسامة حماد بن أسامة من ثقات شيوخ الأئمة الشافعي وأحمد، وإسحاق بن راهويه. (فائدة) : دلت الأحاديث المتقدمة على أن صلاة السفر أصل بنفسها، وأنها

ليست مقصورة من الرباعية كما يقول بعضهم، فهي في ذلك كصلاة العيدين ونحوها، كما قال عمر رضي الله عنه: " صلاة السفر وصلاة الفطر وصلاة الأضحى وصلاة الجمعة ، ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم ". رواه ابن خزيمة وابن حبان في " صحيحيهما "، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (638) . وذلك هو الذي رجحه الحافظ في " فتح الباري " بعد أن حكى الاختلاف في حكم القصر في السفر ، ودليل كل، فقال (1 / 464) : " والذي يظهر لي - وبه تجتمع الأدلة السابقة - أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح، (ثم ذكر حديث محبوب، وفاته متابعة المرجى ، وقال:) ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية السابقة وهي قوله تعالى: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) *، ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في " شرح المسند ": أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة.. ". وخالف ما تقدم من التحقيق حديثيا وفقهيا بعض ذوي الأهواء من المعاصرين، وهو الشيخ عبد الله الغماري المعروف بحبه للمخالفة وحب الظهور، وقديما قيل: حب الظهور يقصم الظهور! والأمثلة على ذلك كثيرة كنت ذكرت بعضها في مقدمة المجلد الثالث من السلسلة الأخرى: " الضعيفة "، وفي تضاعيف أحاديثها. وأمامنا الآن هذا المثال الجديد: لقد زعم في رسالته " الصبح السافر " (ص 12) في عنوان له: " فرضت الصلاة أربعا لا اثنتين "، واستدل لذلك - مموها على القراء - بأمور ثلاثة:

الأول: الآية السابقة * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة..) *، وذكر أنها نزلت في صلاة الخوف في العهد المدني. الثاني: أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وضع عن المسافر الصيام وشطر الصلاة ". رواه أصحاب السنن وغيرهم، وهو مخرج عندي في " صحيح أبي داود " (2083) وغيره. الثالث: أنه ساق خمسة أحاديث صريحة في أن قصر الصلاة كان في مكة حين نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، وصلى به الصلوات الخمس. والجواب على الترتيب السابق: 1 - أما الآية فقد اعترف هو (ص 20) أنها نزلت بعد الهجرة في السنة الرابعة أو الخامسة، وزاد ذلك بيانا فقال (ص 21) : " بل الذي وقع أنه كان بين زيادة صلاة الحضر وقصر صلاة السفر فترة زادت على ثلاث سنوات كما مر "! قلت: فهو قد هدم بهذا القول الصريح ذلك العنوان، وما ساقه تحته من الأدلة، وهذا أولها، فإن معنى ذلك أن صلاة الحضر فرضت اثنتين اثنتين، ثم زيدت في المدينة، وهذا يوافق تماما حديث عائشة وبخاصة حديث الترجمة، وما استظهره الحافظ كما تقدم، ويخالف زعمه أنها فرضت أربعا أربعا في مكة! 2 - الأحاديث التي ذكرها وأشرت إليها، ونقلت إلى القراء واحدا منها، لأن الجواب عنه جواب عنها، وهو في الحقيقة نفس الجواب عن الآية السابقة، لأن الوضع المذكور في الحديث يصح حمله في كل من الاحتمالين أي سواء كانت

الزيادة مكية كما يزعم الغماري، أو مدنية كما يدل عليه ما تقدم من الأحاديث، فقوله (ص 12) : " فهذه ثلاثة أحاديث تصرح بأن صلاة المسافر مقصورة من أربع ركعات، لأن معنى وضع شطر الصلاة حط نصفها بعد أن كان إتمامها واجبا عليه ". قلت: فهذا الكلام لا ينافي ما ذكرته، ولا دليل فيه يؤيد به انحرافه! 3 - أما الأحاديث الخمسة الصريحة، فهي في الحقيقة أربعة لأن الثالث والخامس منها مدارهما على الحسن البصري مرسلا، وهي كلها ضعيفة منكرة، وقد دلس فيها على القراء ما شاء له التدليس، وأوهمهم صحة بعض أسانيدها وصراحة متونها وهو في ذلك غير صادق، وإليك البيان بإيجاز وتفصيل : أما الإيجاز: فهو أن الأحاديث الخمسة منكرة كلها، لضعف أسانيدها ومخالفتها للأحاديث الصحيحة التي لم تذكر تربيع الركعات في الظهر والعصر والعشاء، وبعضها يصرح أن الصلاة فرضت ركعتين ركعتين، فأقرت في السفر وزيدت في الحضر. وأما التفصيل، فأقول مستعينا بالله عز وجل: 1 - أما الحديث الأول: فذكره (ص 13) من طريق أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي مسعود الأنصاري قال: " جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قم فصل، وذلك لدلوك الشمس حين مالت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر أربعا.. ". ثم ذكر مثله في صلاة العصر والعشاء. وقال: " رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " على شرط الشيخين ".

قلت: هذا من تدليسه فإنه يعلم أن أبا بكر بن عمرو لم يسمعه من أبي مسعود لأنه نقله من كتاب " نصب الراية " للزيلعي (1 / 223) وقد نقل عن البيهقي أنه منقطع، وهذا قد أخرجه في " سننه " (1 / 361) وكذا الباغندي في " مسند عمر ابن عبد العزيز " (رقم 62) من طريق أخرى عن أبي بكر به. وقال البيهقي: " أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري وإنما هو بلاغ بلغه ". هذا أولا. وثانيا: هو يعلم أن الحديث في " الصحيحين " وغيرهما من طريق أخرى عن أبي مسعود مختصرا ليس فيه بيان الصلوات بله الركعات، وأخرجه أبو داود ببيان الصلوات دون الركعات، وهذا كله يعني أن ذكر الركعات منكر لأنها زيادة بسند ضعيف على الرواية الصحيحة، وقد أشار إلى هذه الحقيقة الحافظ ابن حجر بقوله عقب حديث أبي بكر: " قلت: وأصله في " الصحيحين " من غير بيان " الأوقات ". وكذا في " نصب الراية ". وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (418) و " الإرواء " (1 / 269) . وثالثا: هو يعلم أيضا أن الحديث قد جاء عن جماعة من الصحابة بلغوا سبعة نفر ليس في حديثهم عدد الركعات، منهم عبد الله بن عباس وجابر بن عبد الله وأبو هريرة، وهي مخرجة في " الإرواء " (249) ، و " صحيح أبي داود " (417 و 419 و 420) وهي كلها مخرجة في " نصب الراية "، فماذا يقول الإنسان عن رجل يتجاهل كل هذه الروايات، وبعضها صحيح وحسن لذاته،

وبعضها حسن لغيره، ويتشبث برواية ضعيفة منكرة هي رواية أبي بكر هذه عند إسحاق. على أن هذا قد روى عنه رواية أخرى موافقة لرواية الجماعة، هي أصح من روايته الأولى المنقطعة، فقد روى معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو بن حزم قال: " جاء جبريل فصلى بالنبي صلى الله عليه وسلم.. " الحديث ليس فيه ذكر الركعات. رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " كما في " نصب الراية " (1 / 225) و " المطالب العالية " (ق 9 / 2) من طريق عبد الرزاق، وهذا في " المصنف " (1 / 534) لكن وقع سقط في إسناده. وقال الحافظ عقبه في " المطالب " أيضا: " هذا إسناد حسن، إلا أن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم لصغره، فإن كان الضمير في " جده " يعود إلى " أبي بكر " توقف على سماع أبي بكر من عمرو ". قلت: هو عن جده مصرح به - كما ترى - فهو منقطع لأن (محمد بن عمرو) لم يدركه، ولكنه صحيح لشواهده المتقدمة، فإنه ليس فيه شيء من النكارة بخلاف رواية أبي بكر الأولى. تدليس آخر للغماري هداه الله، قال عقب حديثه المتقدم عن أبي مسعود وفيه عدد الركعات المنكر: " ورواه البيهقي في " المعرفة " من طريق أيوب بن عتبة: حدثنا أبو بكر بن عمرو ابن حزم عن عروة بن الزبير عن ابن أبي مسعود الأنصاري عن أبيه ". قلت: وجه تدليسه على القراء من ناحيتين: الأولى: سكت عن إسناده فأوهم أن لا شيء فيه وأن البيهقي لم يتكلم

عليه، وهو خلاف الواقع، فإن الزيلعي لما عزاه للبيهقي لم يدلس كما صنع الغماري! ومنه نقله، بل أتبعه بقوله (1 / 223) : " قال البيهقي: فأيوب بن عتبة ليس بالقوي ". والأخرى - وهي أخطر -: أنه ليس في هذه الطريق تربيع الركعات، وقد أشار لذلك البيهقي في " المعرفة " بقوله (1 / 173) عقب الحديث: " ولم أر ذكر العدد إلا في حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد (يعني: حديثه عن أبي بكر المتقدم والذي أعله بالانقطاع) وقد اختلفوا فيه، وحديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة يدل على أنها فرضت بمكة ركعتين ركعتين، فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا، وهو أصح ". قلت: وهذا مما لا شك فيه لحديث الترجمة وغيره مما تقدم، ولكن الغماري لا يقيم وزنا لما صح من الحديث، بل ويضعفه بالرأي لمجرد مخالفته لهواه كحديث معمر هذا، فإنه قد ضعفه مع كونه في " صحيح البخاري " كما سيأتي بيانه، والله المستعان. ويؤيد ما أشار إليه البيهقي، أن الحديث أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 260 / 718) فقد ساقه فيه بتمامه من طريق أيوب بن عتبة، وليس فيه التربيع. وثمة تدليس ثالث للغماري في قوله عقب فقرته السابقة: " ورواه الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز "، وصرح في روايته باسم بشير ابن أبي مسعود. وبشير قال عنه الحافظ: تابعي جليل.. فالحديث بمجموع الطريقين صحيح ".

قلت: ليتأمل القارىء هذا التدليس الخبيث، كيف أنه تكلم عن بشير وأنه ثقة - وهذا حق - وانصرف عن الكلام عن علة الحديث وهي أيوب بن عتبة الذي في رواية البيهقي موهما القراء أن لا علة فيه! كما أنه ليس عند الباغندي (رقم 64) التربيع أيضا! وقوله: فالحديث صحيح بمجموع الطريقين إن كان يعني بهما رواية البيهقي والباغندي فهو واضح البطلان لأنه من باب تقوية رواية الضعيف بروايته الأخرى، وهذا لا يصدر إلا من مأفون! وإن كان يعني طريق أيوب هذه وطريق ابن راهويه، فهو قريب من الأول لأن مدارهما على أبي بكر، غاية ما في الأمر أن الطريق الأولى منقطعة كما تقدم، والأخرى متصلة ، لكن الذي وصلها - وهو أيوب - ضعيف، والأولى رجالها ثقات، وقد قال الغماري نفسه كما سبق أن إسنادها على شرط الشيخين فكيف يصح تقوية المنقطع بالمتصل وروايته مرجوحة! هذا لو كان في متن كل منهما التربيع، وليس كذلك كما سبق، ولم يكن ذكر التربيع في رواية أبي بكر منكرا، وهيهات هيهات، فقد أثبتنا نكارته بما لا قبل لأحد برده مهما كان مكابرا كالغماري. وبهذا ينتهي الكلام على حديثه الأول. 2 - وأما حديثه الثاني وهو عن أنس، فقد كفانا مؤنة رده اعتراف الغماري بأن في إسناده مجهولين، لكن هذا ليس بعلة قادحة عندي لأنهما قد توبعا وإنما هي المخالفة، بل النكارة في المتن، والمخالفة في السند والمتن! أما الأولى: فهي قولهما في حديثهما: أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤذن للناس بالصلاة. ومعلوم أن الأذان إنما شرع في المدينة !

والأخرى: أن البيهقي أخرج الحديث بسند صحيح عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي عن قتادة: حدثنا أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهم فذكر حديث المعراج بطوله وفيه فرض الصلوات الخمس. قال قتادة: وحدثنا الحسن يعني البصري أن النبي صلى الله عليه وسلم.. قلت: فذكر الحديث نحو رواية المجهولين، لكن دون الأمر بالأذان، وفيه تربيع الصلوات الثلاث، وقال البيهقي عقبه: " ففي هذا الحديث ، وما روي في معناه دليل على أن ذلك كان بمكة بعد المعراج، وأن الصلوات الخمس فرضت حينئذ بأعدادهن، وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها خلاف ذلك ". ثم ساق البيهقي حديث معمر المتقدم برواية البخاري، وحديث داود بن أبي هند من طريق ثالث عنه، استغنيت عن ذكره هناك بالطريقين السابقين. قلت: ووجه المخالفة أن شيبان النحوي بين في روايته عن قتادة عن أنس أنه ليس فيها ذكر التربيع الذي رواه قتادة عن الحسن مرسلا. ومعنى ذلك أن الحسن زادها على أنس، فكانت منكرة بهذا الاعتبار، فكيف إذا ضم إلى ذلك مخالفته أيضا للأحاديث الصحيحة التي سبقت الإشارة إليها؟ 3 - وأما حديثه الثالث، وقد ساقه من طريق سعيد عن قتادة عن الحسن. فقد عرفت الجواب عنه آنفا، ولذلك فمن التدليس الخبيث قوله: " مرسل صحيح الإسناد، وهو مع حديث أنس حجة، كما تقرر في علم الحديث والأصول "! قلت: يشير إلى قولهم - واللفظ للنووي في " تقريبه " (1 / 198 - بشرح " التدريب ") :

" فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندا أو مرسلا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحا ". وراجع " فتح المغيث " (1 / 138) . وجوابنا عن قوله المذكور من وجهين: الأول: أن هذا في غير المرسل الذي ثبتت نكارته ومخالفته للأحاديث الصحيحة، ومثله أقول في المسند الشاهد له أنه لا يصلح للشهادة لأنه منكر أيضا كما سبق تحقيقه، فكيف يقوي منكر منكرا ؟! والآخر: أن مراسيل الحسن عند العلماء شبه الريح كما قال الحافظ العراقي فيما نقله السيوطي في " شرحه " (1 / 204) ، وذلك لأنه كان ممن يصدق كل من يحدثه، ولذلك قال ابن سيرين: حدثوا عمن شئتم من المراسيل إلا عن الحسن وأبي العالية، فإنهما لا يباليان عمن أخذا الحديث. وقال أحمد: ليس في المرسلات شيء أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح، فإنهما يأخذان عن كل أحد. نقلتهما من " جامع التحصيل " للعلائي (ص 44 و 86 و 87 و 97) . وإن مما يؤكد ما ذكر العلماء أن الحسن نفسه قد يروي حديثا عن صحابي دون أن يسمي من حدثه عنه ، ثم هو يفتي بخلافه! الأمر الذي يشعرنا بأنه هو نفسه كان لا يثق بما يرسله، فانظر " الضعيفة " الحديث (342) . 4 - وأما حديثه الرابع، فقد ذكره من رواية عبد الرزاق في " المصنف " عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره: ... فذكر الحديث. وقال عقبه: " إسناده صحيح "!

قلت: وهذا كذب صريح، وتدليس على القراء خبيث، فإن نافع بن جبير تابعي معروف ثقة، فلو أنه قال: إسناده مرسل صحيح، لكان كذابا أيضا، فإن في الطريق إليه علتين تحولان دون التصحيح: الأولى: وهي ظاهرة لكل ذي معرفة بهذا العلم، وما أظن ذلك مما يخفى على الغماري، ولكنه الهوى! وهي قول ابن جريج: قال: قال نافع. فإن ابن جريج كان من المدلسين المعروفين بذلك والمكثرين منه كما في " التحصيل " ( ص 123) للعلائي، فمثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث، وبخاصة أنه كما قال الدارقطني: " تدليسه قبيح، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة "! والعلة الأخرى: أن عبد الرزاق أخرجه في " كتاب الصلاة " من " مصنفه " (1 / 532 / 2030) ، وهذا الكتاب يرويه عنه إسحاق بن إبراهيم الدبري (انظر ص 349 منه) وفي سماعه منه كلام معروف، قال النسائي في " الضعفاء " (ص 297 / 379) في ترجمة عبد الرزاق: " فيه نظر لمن كتب عنه بأخرة ". زاد في " التهذيب " عنه: " كتب عنه أحاديث مناكير ". وقال الذهبي في " الميزان " في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الدبري: " سمع من عبد الرزاق تصانيفه، وهو ابن سبع سنين أو نحوها، لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة، فوقع التردد فيها هل هي منه فانفرد بها، أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق ".

وفي " اللسان ": " ذكر أحمد أن عبد الرزاق عمي فكان يلقن فيتلقن، فسماع من سمع منه بعدما عمي لا شيء. قال ابن الصلاح: وقد وجدت فيما روى الدبري عن عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا، فأحلت أمرها على الدبري، لأن سماعه منه متأخر جدا ". قلت: وبالجملة فالحديث ضعيف لإرساله، وانقطاعه بين مرسله والراوي عنه، وضعف السند إليه، ظلمات بعضها فوق بعض، ومع هذا كله يقول فيه هذا الهالك في عجبه وغروره: إسناده صحيح!! أضف إلى ذلك العلة العامة الشاملة لأحاديثه الخمسة، وهي مخالفة الأحاديث الصحيحة! 5 - وأما حديثه الخامس، فهو عن الحسن البصري أيضا كما تقدمت الإشارة إليه وتقدم الجواب عنه في حديثه الثالث بما فيه كفاية وأنه منكر مثل كل أحاديثه! هذا، ومن ضلال هذا المأفون أنه بعد أن ساق هذه الأحاديث الضعيفة وبنى عليها أن الصلوات الثلاث فرضت أربعا أربعا، انبرى ليضعف ما صح من الأحاديث المخالفة لها، وهي ثلاثة: الأول: حديث عائشة المتقدم: فرضت الصلاة ركعتين ... الحديث. وهو مما أخرجه الشيخان وغيرهما من أصحاب الصحاح، حتى قال ابن رشد في " البداية " (3 / 395 - بتخريج الهداية) : " إنه حديث ثابت باتفاق ". وأقره مخرجه الشيخ أحمد الغماري أخو عبد الله هذا، وخرجه ولم يعلق عليه

بشيء، وأما هذا المأفون، فزعم (ص 16 و18) : أنه شاذ، والشاذ من قبيل الضعيف. بعد أن ادعى أنه موقوف عليها. وهذه الدعوى وإن كان مسبوقا إليها من بعض فقهاء الشافعية، فقد ردها الحافظ - وهو شافعي أيضا - بقوله في " الفتح " (1 / 464) ردا على المخالفين: " فهو مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع ". قلت: وإني - والله - لأتعجب كل العجب من أولئك الفقهاء وكيف يجيزون على السيدة عائشة أن تقول من نفسها: " فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر.. " الحديث، وهو متفق عليه - كما تقدم - ولو أنها قالت من نفسها: " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " كما قال ذلك ابن عمر في صدقة الفطر، لو أن ذلك قاله قائل دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتبر القائل من الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون حاله لو قال: " فرض الله.. "؟! تالله إنها لإحدى الكبر أن يقال في عائشة الصديقة رضي الله عنها أنها قالت ذلك من نفسها دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم! ولا يقال: لعلهم لم يقفوا على هذا اللفظ الصريح في الرفع، وإنما على اللفظ الآخر: " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين .. ". لأننا نقول: هب أن الأمر كذلك بالنسبة لغير الغماري، فإنه في معنى الأول، ألا ترى أن العلماء ذكروا في " مصطلح الحديث ": " وقول الصحابي: " أمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " مرفوع مسند عند أصحاب الحديث ". كذا في " اختصار علوم الحديث " (ص 50) وغيره. وليس بخاف على أحد أنه لا فرق بين قول الصحابي: " أمر " وقوله " فرض "، وبخاصة إذا صرح بالفاعل كما في هذه الرواية الصحيحة عن عائشة

رضي الله عنها، فالحكم على الحديث والحالة هذه بالوقف مخالف لقواعد علم الحديث، هذه القواعد التي يتبجح الغماري بالإحالة إليها كثيرا دون ما فائدة كما فعل في الحديث الثالث المتقدم. وإنما قلت آنفا : " لغير العماري "، لأن أولئك الفقهاء قد يمكن أن يلتمس لهم العذر من باب إحسان الظن بهم، وأما هذا الغماري فقد أغلق هذا الباب بينه وبين مخالفيه، لكثرة طعنه فيهم بغير حق، كما كنت شرحت ذلك في مقدمة المجلد الثالث المشار إليه فيما سبق، ولمكابرته في رد النصوص إما بردها وتضعيفها، أو بتأويلها وإخراجها عن معانيها الظاهرة. وهذا هو المثال بين يديك حديث عائشة يرده بعلة الوقف، وقد عرفت بطلانها مما بينت آنفا. وهناك شيء ثان وثالث يدل على مكابرته وجحوده. أما الأمر الثاني، فهو مخالفته لأئمة الحديث الذين أوردوا الحديث في " مسانيدهم " كالطيالسي (1535) وحديثه صريح في الرفع كما يأتي في الذي بعده، وأحمد (6 / 234 و 241 و 265 و 272) وأبي يعلى (5 / 48 و 8 / 107) وغيرهم، ومعلوم أن " المسانيد " وضعها مؤلفوها للأحاديث المرفوعة، ولا يذكرون فيها شيئا من الموقوفات إلا نادرا. أما الأمر الثالث، فهو تقصده الإعراض عن ذكر الأحاديث المرفوعة صراحة كحديث الترجمة وما في معناه مما تقدم تخريجه، لمخالفتها ما ذهب إليه من أن أصل الصلاة التربيع، وهذا مما يؤكد أنه من أهل الأهواء، لأنهم يذكرون ما لهم، ولا يذكرون ما عليهم بخلاف أهل السنة فإنهم يذكرون ما لهم وما عليهم ولا يصح أن يقال: أنه لعله لم يطلع على تلك الأحاديث، ذلك لأن بعضها في " فتح الباري "، وهو من مراجعه يقينا، وقد رآه فيه معزوا لصحيح ابن خزيمة وابن حبان،

فلماذا أعرض عنه؟! ولقد زاد في المكابرة فقال في الوجه العاشر (ص 18) : " ولم يأت في شيء من الطرق التي استندوا إليها صحيحها وضعيفها أن الصلاة كانت اثنتين ثم فرضت بعد الهجرة أربعا ". قلت: يأبى الله بحكمته إلا أن يكشف مكابرة هذا المدبر وضلاله - بقلمه - فإنه ينفي ذلك في كل الطرق حتى الضعيفة منها، فكيف يقول هذا وهو في صدد تضعيف حديث عائشة، ومن ألفاظه في رواية معمر المتقدمة بلفظ: " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي ففرضت أربعا.. ". وهذا اللفظ قد ذكره هذا المدبر نفسه في رسالته (ص 20) ، فهذا نص صريح ينافي ما نفاه، فهل كان ذلك عن غفلة منه أو تغافل؟ أحلاهما مر، فهذا الحديث صريح في الرفع، فهو يبطل ادعاءه بأنه موقوف ، وحسبك أنه في صحيح البخاري مع وروده من طرق أخرى كما تقدم. وأما زعمه بأنه شاذ ضعيف، فهو أبطل من سابقه، لأنه لم يقله مسلم من قبله، وقد ذكرت آنفا عن ابن رشد أنه ثابت باتفاق. بل إنني أقول: إنه صحيح يقينا لأنه من أحاديث الصحيحين التي تلقتها الأمة بالقبول، لا فرق بين من حمله على الوجوب، ومن حمله على الاستحباب، وما كان كذلك من أحاديثهما فهو يفيد العلم كما هو مقرر في " المصطلح "، وراجع لذلك " شرح اختصار علوم الحديث " لابن كثير. ولهذا فإني أخشى أن يشمله وعيد قوله تعالى * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) * ( 115: النساء) . ولو علم القارىء الأسباب التي حملته على مخالفته للمسلمين لازداد تعجبا معي من جرأته في المخالفة، ويمكن تلخيصها بما يأتي:

أولا: مخالفته بزعمه للقرآن وحديث وضع شطر الصلاة، وقد سبق بيان بطلان هذه المخالفة، وأنه موافق لهما، فلا داعي للإعادة. ثانيا: أنه مخالف بزعمه أيضا لأحاديثه الخمسة، وقد عرفت أنها ضعيفة الأسانيد منكرة مخالفة للأحاديث الصحيحة، ومنها حديث الترجمة. ولذلك لم يصححها أحد! ثالثا: أنه يجوز أن يكون شرعت الركعتان حين فرض عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء خمسون صلاة، ثم خففت إلى خمس وكملها أربعا أربعا! وهذا تجويز عقلي - ومن عقله هو! - يغني حكايته عن رده لمعارضته للنصوص الصحيحة. رابعا: لما تواتر من بيان ركعاتها من جبريل صبيحة ليلة الإسراء! وهذا كذب وزور لم يقله أيضا مسلم قبله ، وهو تكرار للمخالفة الثانية. والمتواتر إنما هو صلاة جبريل عليه السلام بالنبي صلى الله عليه وسلم دون بيان الركعات. بل لو قيل بأن المتواتر أنها فرضت ركعتين ركعتين لما كان بعيدا عن الصواب، لتلقي الأمة لحديثها بالقبول كما تقدم آنفا. وبالجملة فالرجل مغرم بالمخالفة للعلماء بسوء فهمه الذي يصور له الصحيح ضعيفا والضعيف صحيحا، ومما ضعفه أيضا من الحديث الصحيح حديث عمر المتقدم (ص 748) : " صلاة السفر.. ركعتان تمام غير قصر.. على لسان نبيكم " (ص 23) وحديث ابن عباس: " إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر ركعتين.. " حكم عليه أيضا بالشذوذ! (ص 22 - 23) . وإن من خبثه ومكره بقرائه، أن هذه الأحاديث الصحيحة والتي هو يضعفها، لا يخرجها حتى لا يتنبه القراء أنها صحيحة فيشكون على الأقل بتضعيفه إياها! فحديث ابن عباس رواه مسلم وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان في

" صحاحهم "، وحديث عائشة أخرجه الشيخان كما تقدم، وكذا المذكورون مع مسلم آنفا، وحديث ابن عباس مخرج عندي في " صحيح أبي داود " (1134) و " الروض النضير " (393) وحديث عمر سبق تخريجه. ومن الأحاديث الضعيفة التي صححها هذا الغماري المأفون حديث عائشة: " كان يسافر فيتم الصلاة ويقصر " (ص 26 - 28) ولا أريد إطالة الكلام في الرد عليه فإنني قد بينت ضعفه وكشفت عن علته في " إرواء الغليل " (3 / 6 - 9) وإنما أريد أن ألفت نظر القراء إلى أمرين هامين: الأول: أن الغماري لم يبين صحة الحديث على طريقة المحدثين، وبخاصة وهو بصدد الرد على المضعفين له كابن تيمية وابن القيم وابن حجر وإنما اقتصر على تقليد الدارقطني في قوله: " إسناده صحيح " وقد بينت هناك أن فيه مجهول الحال، وأما الغماري فقال (ص 30 ) : " رجال إسناده ثقات "! دون أي بيان أو تحقيق! والآخر: أن من المضعفين لهذا الحديث الذي صححه هذا الغماري الصغير أخاه الكبير أحمد الغماري رحمه الله ، فإنه قال معلقا على قول ابن رشد: " لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الصلاة قط ". فقال الشيخ أحمد: " قلت: هذا معلوم من سيرته لمن تتبع الأحاديث والأخبار في أسفاره صلى الله عليه وسلم، وقد نص الحفاظ على ذلك، قال ابن القيم في " الهدي النبوي " ... " ثم ساق كلام ابن القيم، وارتضاه. وأما الغماري الصغير، فإنه حكاه ورده بتصحيح الدارقطني لإسناده وتقليده إياه كما تقدم، فتأمل كم هو مغرور بنفسه، هالك في مخالفاته! نسأل الله العافية والسلامة.

وخلاصة ما تقدم أن حديث الترجمة صحيح بمتابعه وشاهده، وبعضه في " صحيح البخاري "، وبشاهده الذي حسنه الحافظ. وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن عائشة، وهو الآتي بعده. والحمد لله تعالى وحده. ثم رأيت المسمى حسن السقاف الهالك في تقليد شيخه عبد الله الغماري، قد نقل عن كتابه " الصبح " بعض أقواله في أحكام السفر، نقلها في كتاب له أسماه " صحيح صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها "، وهو كتاب مزور مسروق من كتابي المعروف كما يشعرك به عنوانه، ويؤكد ذلك لكل باحث بصير مضمونه، فإنه جرى فيه على نهج شيخه في التدليس على القراء وتضعيف الأحاديث الصحيحة وتصحيح الأحاديث الضعيفة مؤكدا بذلك أنه - على الأقل - من أهل الأهواء بما لا مجال لبيان ذلك الآن، فحسبي من ذلك هنا الإشارة إلى أنه في كتابه المذكور عقد فصلا في آخره في قصر الصلاة في السفر، جرى فيه على الإعراض عن دلالة حديث عائشة وغيره في وجوب قصر الصلاة في السفر، مصرحا بأنه رخصة فقط! وأتى برواية باطلة عن عائشة، أن قصره صلى الله عليه وسلم إنما كان في حرب، وأنه كان يخاف!! ومن المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين أنهم داوموا على القصر في السفر في حجة الوداع وغيرها، فهل خفي هذا على هذا المقلد، أم هي المكابرة والجحد للحقائق؟! ثم لم يكتف بذلك بل زاد في الطين بلة أنه زعم (ص 276) أن سنده حسن ، وهو في ذلك غير صادق، وقد بينت ذلك في " الضعيفة " رقم (4141) . والله المستعان. وإليك الآن بالطريق الآخر الموعود لحديث عائشة الصحيح رضي الله تبارك وتعالى عنها: " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض، فلما قدم المدينة، وفرضت عليه الصلاة أربعا، وثلاثا، صلى وترك الركعتين كان يصليهما بمكة تماما للمسافر ".

2815

2815 - " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض، فلما قدم المدينة، وفرضت عليه الصلاة أربعا، وثلاثا، صلى وترك الركعتين كان يصليهما بمكة تماما للمسافر ". أخرجه الطيالسي في " مسنده " (1535) : حدثنا حبيب بن يزيد الأنماطي قال: حدثنا عمرو بن هرم عن جابر بن زيد قال: قالت عائشة:.. فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير الأنماطي هذا فقد اختلفوا فيه، فقال الذهبي في " الكاشف ": " فيه لين ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". قلت: فمثله يحسن حديثه وبخاصة إذا توبع، وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن عائشة بنحوه، وهو المذكور قبله. وله طريق ثالث عنها قالت: " كان أول ما افترض على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتان ركعتان.. " الحديث مثله، وفيه: " ثم أتم الله الظهر والعصر.. " الحديث. أخرجه أحمد (6 / 272) بسند جيد. وهو من جملة الأدلة على بطلان قول من أعل حديث عائشة في " الصحيحين " بالوقف ومنهم الشيخ عبد الله الغماري كما تقدم الرد عليه في الحديث الذي قبله مفصلا بما تقر أعين القراء المحبين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

2816

2816 - " كان لا يسبح في السفر قبلها ولا بعدها. يعني الفريضة ". أخرجه السراج في " مسنده " (ق 120 / 2) من طريق وكيع: أخبرنا ابن أبي ذئب عن عثمان ابن عبد الله بن سراقة عن ابن عمر قال: فذكره مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. ثم رواه من طريق ابن أبي فديك: حدثنا ابن أبي ذئب عن عثمان.. قال: كنا مع ابن عمر في سفر، فرأى حفص بن عاصم يسبح، فقلت: إن خالك - يعني - عمر يكره هذا، فأتيت ابن عمر فسألته، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسبح.. إلخ. قلت: وإسناده جيد، رجاله رجال الصحيح، وقد أخرجه هو والشيخان وغيرهم من طريق أخرى عن حفص بن عاصم عن ابن عمر نحوه أتم منه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1108) . هذا وفي الأحاديث الأخرى الصحيحة ما يدل أن هذا ليس على إطلاقه وشموله، فإنه قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع سنة الفجر حضرا ولا سفرا، وكذلك الوتر. انظر " فتح الباري " (2 / 578 - 579) . 2817 - " كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة، ثم لا ينظر الله إليكم؟! ". أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 572) عن ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن ميسرة، عن أبي هانىء الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية: * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) *، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال:

" هذا حديث صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات معروفون غير عبد الرحمن بن ميسرة، وهو الحضرمي المصري، ولم يوثقه غير الحاكم، وهو متساهل في التوثيق كابن حبان والعجلي، وقد وثقه أيضا (835) ، فلا تطمئن النفس لما تفردوا به من التوثيق، لاسيما والحافظ قال في عبد الرحمن هذا: " مقبول ". يعني عند المتابعة. وإلا فلين الحديث كما نبه عليه في المقدمة. وقد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 285) ولم يزد فيه على قوله: " روى عن عقيل بن خالد. روى عنه عبد الله بن وهب ". قلت: فأحسن أحواله أنه مجهول الحال. ثم بدا لي أنه ينبغي أن يسلك به مسلك الثقات، لأنه قد روى عنه جمع آخر من الثقات غير ابن وهب، منهم سعيد بن عفير ويحيى بن بكير، وغيرهم كما في " التهذيب "، ولعله من أجل ذلك أشار إلى توثيقه الهيثمي، فقال في " المجمع " (7 / 135) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". وهو غير (عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي أبي سلمة الحمصي) الذي وثقه الذهبي في " الكاشف ". فاقتضى التنبيه. والحديث عزاه في " الدر المنثور " ( 6 / 324) لأبي الشيخ أيضا وابن مردويه والبيهقي في " البعث "، ولم أره في الجزء المصور عندي، والذي قام على تكبيره الشيخ حماد الأنصاري، ولا في المطبوع منه، فالظاهر أنه في الجزء الأخير منه والله أعلم.

ثم إن السيوطي ساق له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه من رواية ابن مردويه، وفي سنده ضعف، وفي متنه نكارة بلفظ: " * (يوم يقوم الناس لرب العالمين) * مقدار ثلاثمائة سنة ". ولذلك خرجته في " الضعيفة " (4149) . ولهذا الجزء منه شاهد صحيح عن أبي هريرة في حديث: " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم. " الحديث، وفيه: " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار.. " الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1462) . وشاهد آخر من حديث أبي سعيد الخدري نحوه بسند ضعيف كما في " تخريج المشكاة " (5563) . وحديث أبي هريرة (¬1) روي بلفظ: " ينصب للكافر يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة، وإن الكافر ليرى جهنم ويظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة ". أخرجه ابن حبان (2581 - موارد) وأحمد (3 / 75) والحاكم (4 / 597) وأبو يعلى (1385) وفيه أبو السمح، وهو ذو مناكير. ثم أخرجه ابن حبان (2578) بسند صحيح عنه بسياق آخر مختصرا بلفظ: ¬

(¬1) قلت: كذا وقع في " الموارد " من حديث أبي هريرة، والصواب أنه من حديث أبي سعيد الخدري كما حققته في " الضعيفة " (6490) . اهـ.

2818

" * (يقوم الناس لرب العالمين) * مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة يهون ذلك على المؤمن، كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب ". لكن قوله: " نصف يوم "، غريب مخالف لما تقدم. والله أعلم. 2818 - " كان إذا أتي بالشيء يقول: اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (232) والبزار في " مسنده " (1904 - الكشف) والدولابي في " الذرية الطاهرة " (ق 9 / 1) والحاكم (4 / 175) من طريق مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: فذكره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! كذا قالا! وابن فضالة هذا أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " ضعفه أحمد والنسائي، وقال أبو زرعة : يدلس. وقال أبو داود وأبو حاتم: إذا قال: " حدثنا " فهو ثقة ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، يدلس ويسوي " (¬1) . قلت: ولم يصرح بالتحديث كما ترى، فالسند ضعيف، ومع ذلك سكت عنه الحافظ في " الفتح " (10 / 435) وقد عزاه لـ " الأدب المفرد "! فلعل ذلك لأن له شاهدا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ¬

(¬1) قلت: وقوله: " ويسوي " فيه نظر بينته في مكان آخر. اهـ.

2819

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول : أرسلوا إلى أصدقاء خديجة ". أخرجه البخاري (3816 و 3818 و 6004) ومسلم ( 7 / 134) واللفظ له، والترمذي (2018 و 3885) وأحمد (6 / 58 و 202 و 279 ) والطبراني في " الكبير " (23 / 11 / 15) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها. واستدركه الحاكم على مسلم فوهم، وصححه الترمذي. (تنبيه) : حديث عائشة عزاه الحافظ في ترجمة خديجة من " الإصابة " لـ (الصحيح) بهذا اللفظ، وزاد: " قال: فذكرت له يوما، فقال: إني لأحب حبيبها ". ولم أجد هذه الزيادة في (الصحيح) ولا في المصادر الأخرى، اللهم إلا رواية لمسلم من طريق حفص بن غياث عن هشام بن عروة بهذا الحديث، وزاد: قالت: فأغضبته يوما، فقلت : خديجة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني قد رزقت حبها ". 2819 - " يا أيها الناس إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه، ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 296 / 2 / 4958) قال: حدثنا عبد الله بن يحيى ابن بكير قال: حدثني أبي قال: أخبرنا ابن لهيعة قال: أخبرنا موسى بن جبير عن عراك بن مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة : أن زينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها، فقدمت عليه، ثم

إن أبا العاص لحق بالمدينة، فأرسل إليها : أن خذي لي أمانا من أبيك، فخرجت فأطلت برأسها من باب حجرتها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصبح يصلي بالناس، فقالت: يا أيها الناس أنا زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني قد أجرت أبا العاص. فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال: فذكره. وقال: " لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن لهيعة ". وأخرجه في " المعجم الكبير " (23 / 425 / 1047) من طريق أخرى عن ابن لهيعة به. قلت: قال الهيثمي بعد أن عزاه بهذا السياق لـ " الأوسط " و " الكبير " باختصار (5 / 330) : " وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وبقية رجاله ثقات ". قلت: المتقرر فيه عند أكثر العلماء أنه حسن الحديث في الشواهد والمتابعات، إلا في رواية أحد العبادلة عنه، فهو صحيح الحديث، وقد رواه عنه عبد الله بن وهب، فقال الدولابي في " الذرية الطاهرة " (ق 12 / 1) : حدثني يونس بن عبد الأعلى: أنبأ عبد الله بن وهب أخبرني ابن لهيعة به. وأخرجه الحاكم (4 / 45) من طريق آخر عن ابن وهب به. قلت: فصح الحديث والحمد لله، وموسى بن جبير الأنصاري روى عنه جمع من الثقات منهم الليث بن سعد وبكر بن مضر وعمرو بن الحارث ويحيى بن أيوب، ولذلك قال الذهبي في " الكاشف ": " ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 451) وقال:

2820

" يخطىء ويخالف ". وقال الحافظ: " مستور ". قلت: والصواب قول الذهبي المتقدم: " ثقة " لرواية الجماعة عنه، وقد يكون له أخطاء كما يشير إليه قول ابن حبان المتقدم. وللحديث شاهد عن يزيد بن رومان مرسلا. أخرجه ابن هشام في " السيرة " (2 / 202 - 203) . وآخر من حديث أنس بن مالك نحوه مختصرا . أخرجه الدولابي (ق 12 / 2) : حدثنا النضر بن سلمة بسند صحيح له عنه. لكن النضر هذا - وهو شاذان المروزي - متهم بالوضع، وهو مترجم في " اللسان ". لكن رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " أخصر منه، قال الهيثمي: " وفيه عباد بن كثير الثقفي، وهو متروك ". وللشطر الثاني من حديث الترجمة شاهد من حديث ابن عمرو عند أبي داود وغيره بسند حسن، وهو مخرج في " الإرواء " ( 2208) وشواهد أخرى في " مجمع الزوائد " و " المستدرك " (4 / 45) . 2820 - " توضأ يا أبا جبير! لا تبدأ بفيك، فإن الكافر يبدأ بفيه ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (148) والدولابي في " الأسماء والكنى " (1 / 23) وأبو أحمد الحاكم في " الكنى " (ق 61 / 2) والبيهقي

في " السنن الكبرى " (1 / 46) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (17 / 315 / 1) من طرق عن معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه: أن أبا جبير قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنته التي كان تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء، فقال: " توضأ يا أبا جبير "، فبدأ أبو جبير بفيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تبدأ بفيك.. " (الحديث) ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء فغسل كفيه حتى أنقاهما، ثم تمضمض واستنشق ثلاثا، وغسل وجهه ثلاثا، وغسل يده اليمنى إلى المرفق (¬1) [ثلاثا] واليسرى ثلاثا ومسح برأسه وغسل رجليه، والسياق للدولابي. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وفيه شبهة الإرسال، لأن جبير بن نفير ليست له صحبة، وإن كان أدرك الجاهلية لكن الظاهر أنه تلقاه عن أبيه نفير، وله صحبة معروفة، وقد أخرج النسائي في " الكنى " من طريق صفوان ابن عمرو: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده. وكذلك قال غيره عن عبد الرحمن به. فانظر " الإصابة "، والحديث الآتي (2823) . (تنبيه) : وقع في (السنن) ".. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه جبير أنه قدم.. ". فجعله من مسند جبير، وأنه الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، وهو خطأ مطبعي بلا ريب لمخالفته للمصادر الأخرى، والطريق واحدة. ¬

(¬1) الأصل " المرفقين ". اهـ.

2821

2821 - " من اقتراب (وفي رواية: أشراط) الساعة أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار ويفتح القول ويخزن العمل ويقرأ بالقوم المثناة، ليس فيهم أحد ينكرها. قيل: وما المثناة؟ قال: ما استكتب (¬1) سوى كتاب الله عز وجل ". وهو من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، يرويه عنه عمرو ابن قيس الكندي، رواه عنه جمع رفعه بعضهم وأوقفه بعضهم، وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال بمجرد الرأي، وهم: أولا: يحيى بن حمزة: حدثني عمرو بن قيس الكندي قال: كنت مع أبي الفوارس وأنا غلام شاب، فرأيت الناس مجتمعين على رجل ، قلت: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن عمرو بن العاص، فسمعته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. أخرجه الحاكم (4 / 554) وأورده الهيثمي في " المجمع " (7 / 326) مرفوعا عن عبد الله بن عمرو، وقال: " رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ". قلت: لعله عند الطبراني من طريق أخرى غير طريق الكندي هذا، وإلا فالهيثمي واهم في حشره إياه في جملة (رجال الصحيح ) ! ثانيا: الأوزاعي عن عمرو بن قيس السكوني قال: خرجت مع أبي في الوفد إلى معاوية، فسمعت رجلا يحدث الناس يقول: " إن من أشراط الساعة.. " الحديث. ¬

(¬1) الأصل: " اكتتب "، والتصويب من " النهاية " لابن الأثير وغيره. اهـ.

قال : فحدثت بهذا الحديث قوما وفيهم إسماعيل بن عبيد الله، فقال: أنا معك في ذلك المجلس، تدري من الرجل؟ قلت: لا، قال: عبد الله بن عمرو. أخرجه الحاكم أيضا، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (13 / 593 - المدينة) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. ثالثا: معاوية بن صالح قال: أخبرني عمرو بن قيس الكندي قال: سمعت عبد الله ابن عمرو بن العاص قال: فذكره موقوفا بلفظ : ".. كل كتاب سوى كتاب الله ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 165 / 19395) : زيد بن الحباب قال: أخبرنا معاوية بن صالح ... رابعا: إسماعيل بن عياش عن عمرو بن قيس به إلى قوله: " ويخزن العمل ". أخرجه أبو عمرو الداني في " الفتن " (ق 53 / 1 - 2) والبيهقي في " الشعب " (4 / 306 / 5199) بتمامه. خامسا: بشر: حدثني عمرو بن قيس به. أخرجه ابن عساكر. (فائدة) : هذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء ، وبخاصة منها ما يتعلق بـ (المثناة) وهي كل ما كتب سوى كتاب الله كما فسره الراوي، وما يتعلق به من الأحاديث النبوية والآثار السلفية، فكأن المقصود بـ (المثناة) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين. التي صرفتهم مع تطاول الزمن

عن كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما هو مشاهد اليوم مع الأسف من جماهير المتمذهبين، وفيهم كثير من الدكاترة والمتخرجين من كليات الشريعة، فإنهم جميعا يتدينون بالتمذهب، ويوجبونه على الناس حتى العلماء منهم، فهذا كبيرهم أبو الحسن الكرخي الحنفي يقول كلمته المشهورة: " كل آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ " (¬1) . فقد جعلوا المذهب أصلا، والقرآن الكريم تبعا، فذلك هو (المثناة) دون ما شك أو ريب. وأما ما جاء في " النهاية " عقب الحديث وفيه تفسير ( المثناة) : " وقيل: إن المثناة هي أخبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو (المثناة) ، فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كان عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم. فقال هذا لمعرفته بما فيها ". قلت: وهذا التفسير بعيد كل البعد عن ظاهر الحديث، وأن (المثناة) من علامات اقتراب الساعة، فلا علاقة لها بما فعل اليهود قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فلا جرم أن ابن الأثير أشار إلى تضعيف هذا التفسير بتصديره إياه بصيغة " قيل " وأشد ضعفا منه ما ذكره عقبه : " قال الجوهري: (المثناة) هي التي تسمى بالفارسية (دوبيتي) . وهو الغناء "! ¬

(¬1) " تاريخ التشريع الإسلامي " للشيخ محمد الخضري. اهـ.

2822

2822 - " من كان عليه دين ينوي أداءه كان معه من الله عون وسبب الله له رزقا ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 181 / 1 / 7758) : حدثنا محمد بن إسحاق بن إبراهيم حدثنا أبي: حدثنا سعد بن الصلت عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. وقال: " لم يروه عن هشام إلا سعد بن الصلت، ولا رواه عن سعد إلا شاذان ". قلت: يعني به إسحاق بن إبراهيم، فإنه يعرف بـ " شاذان الفارسي قاضي فارس " كما في " الجرح والتعديل " في ترجمة سعد بن الصلت، ومثله في ترجمة إسحاق نفسه، وقال (1 / 1 / 211) : " كتب إلى أبي وإلي، وهو صدوق ". وترجم لشيخه سعد بن الصلت بروايته عن جمع آخر من الثقات غير هشام بن عروة، وعنه محمد بن عبد الله الأنصاري ويحيى الحماني وابن ابنته إسحاق بن إبراهيم المعروف بشاذان الفارسي قاضي فارس. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وأورده ابن حبان في " الثقات " (6 / 378) برواية شاذان عنه، وقال: " ربما أغرب ". وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 132 - 133) بعد أن عزاه لأحمد: " وإسناد الطبراني متصل، إلا أن فيه سعيد بن الصلت عن هشام بن عروة، ولم أجد إلا واحدا يروي عن الصحابة، فليس به. والله أعلم ". قلت: إنما هو سعد، وكأنه وقع في نسخة الهيثمي من الطبراني " سعيد "،

وهو كذلك في بعض المواضع من هذا الحديث وغيره من نسختنا ، والصواب قد عرف من ترجمته. وإسناد أحمد الذي أشار إليه الهيثمي، إنما يرويه القاسم بن الفضل عن محمد بن علي أبي جعفر عن عائشة أنها كانت تدان، فقيل لها: ما لك وللدين؟ فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان له من الله عز وجل عون "، فأنا ألتمس ذلك العون. أخرجه أحمد (6 / 72 و 99 و 131 و 234 - 235 و 250) وكذا الطيالسي (1524) والحاكم (2 / 22) ومن طريقهما البيهقي (5 / 354) . ورجاله ثقات رجال مسلم، إلا أنه منقطع بين أبي جعفر وعائشة، لكن قد روي موصولا وسبق تخريجه برقم (1000) . ووصله الحاكم من طريق محمد بن عبد الرحمن بن مجبر: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها. لكن ابن مجبر ضعيف. وشذت ورقاء عن الجماعة فروت أن عائشة قالت: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان عليه دين همه قضاؤه - أو هم بقضائه - لم يزل معه من الله حارس ". أخرجه أحمد (6 / 255) والطبراني في " الأوسط " (1 / 219 / 2 / 3913) .

2823

وورقاء هذه - هي بنت هداب كما في " الأوسط " - لم أعرفها. (تنبيه) : ذكر المنذري في " الترغيب " (3 / 43) هذه الرواية عقب رواية عائشة المنقطعة، وقال عقبهما: " رواه أحمد، ورواته محتج بهم في الصحيح إلا أن فيه انقطاعا ". وليس الأمر كذلك كما يتبين لك من هذا التخريج، وخلاصته أن حديث الترجمة حسن ، وحديث عائشة بطرقه صحيح، إلا رواية ورقاء فضعيفة. 2823 - " والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها فيه نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية، ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل وفرق بين الوالد وولده حتى إن كان الرجل ليرى والده وولده أو أخاه كافرا، وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان، يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه وهو يعلم أن حبيبه في النار، وإنها للتي قال الله عز وجل: * (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ) * ". أخرجه أحمد (6 / 2 - 3) : حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله - يعني ابن المبارك -: أنبأنا صفوان بن عمرو: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما، فمر به رجل فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله إنا لوددنا أن رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت، فاستغضب، فجعلت أعجب ما قال إلا خيرا، ثم أقبل إليه فقال:

ما يحمل الرجل أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه؟! والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام أكبهم الله على مناخرهم في جهنم، لم يجيبوه ولم يصدقوه، أولا تحمدون الله إذ أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم، مصدقين لما جاء به نبيكم، قد كفيتم البلاء بغيركم ؟ والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم.. إلخ. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير يعمر بن بشر، وهو المروزي، قال الخطيب في " تاريخ بغداد " (14 / 357) : " من كبار أصحاب عبد الله بن المبارك، قال أحمد : ما أرى كان به بأس. وقال علي بن المديني: ثقة. وقال أبو رجاء محمد بن حمدويه: " من ثقات أهل مرو ومتقيهم ". وقال الدارقطني: ثقة ثقة ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 291) . قلت: كأن الهيثمي فاته ما ذكرناه من النقول الموثقة ليعمر هذا، فقال في حديث آخر له (5 / 122) : " رواه أحمد عن شيخه يعمر بن بشر، ويقال: مشايخ أحمد كلهم ثقات "! وقد تابعه بشر بن محمد عند البخاري في " الأدب المفرد " (87) ، وحبان بن موسى عند ابن حبان (1684 - موارد) قالا: أنبأنا عبد الله به. وقال الحافظ ابن كثير في " تفسير سورة الفرقان " بعد أن عزاه لأحمد بسنده: " وهذا إسناد صحيح، ولم يخرجوه ". ( تنبيه) : التفريق المذكور في هذا الحديث له أصل في " صحيح البخاري " (رقم 7281) من حديث جابر بن عبد الله قال:

2824

" جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان.. " الحديث، وفيه: " فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد أطاع الله، ومن عصى محمدا فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس ". قلت: ففي الحديث دليل صريح أن التفريق ليس مذموما لذاته، فتنفير بعض الناس من الدعوة إلى الكتاب والسنة، والتحذير مما يخالفهما من محدثات الأمور، أو الزعم بأنه ما جاء وقتها بعد! بدعوى أنها تنفر الناس وتفرقهم - جهل عظيم بدعوة الحق وما يقترن بها من الخلاف والتعادي حولها كما هو مشاهد في كل زمان ومكان، سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا، * (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك) *. 2824 - " شاهت الوجوه [شاهت الوجوه] ". أخرجه أحمد (1 / 303) حدثنا إسحاق بن عيسى: حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله ابن عثمان عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر، فتعاقدوا باللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ونائلة وإساف، لو قد رأينا محمدا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله عنها تبكي حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك، لقد قاموا إليك فقتلوك فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك. فقال يا بنية: أريني وضوءا، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا، وخفضوا

أبصارهم وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصرا، ولم يقم إليه منهم رجل! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من التراب فقال: " شاهت الوجوه "، ثم حصبهم بها، فما أصاب رجلا منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا ". قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الصحيح إلا أن يحيى بن سليم، وهو الطائفي، فيه كلام من جهة حفظه، لكنه قد توبع من جمع فأمنا بذلك سوء حفظه، وصح الحديث والحمد لله. أولا: قال سعيد بن منصور في " سننه " (3 / 2 / 354) : إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خثيم. ثانيا: تابعه معمر عن ابن خثيم به. أخرجه أحمد (1 / 368 ) : حدثنا عبد الرزاق: حدثنا معمر ... قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم. ثالثا: أبو بكر بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به. أخرجه الحاكم (3 / 157) مختصرا، والبيهقي في " الدلائل " (2 / 277 - 278) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. والحديث قال الهيثمي (8 / 228) : " رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح ".

قلت: بل كلاهما من رجال الصحيح . رابعا: مسلم بن خالد الزنجي: حدثني ابن خثيم به. أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (8 / 148 / 6468 - الإحسان) . ولحديث الترجمة شاهد من حديث سلمة بن الأكوع في قصة غزوة حنين، وفيه: " فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم، فقال: " شاهت الوجوه "، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين.. ". أخرجه مسلم (5 / 169) وابن حبان (6486) بسند حسن. وشاهد آخر من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في القصة ذاتها. أخرجه أحمد (5 / 286 ) والبزار (2 / 350 / 1833) وكذا الطيالسي (195 / 1371) والدارمي (2 / 219 - 220) والدولابي (1 / 42) من طريق حماد بن سلمة: أخبرني يعلى بن عطاء عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه. وأبو همام هذا مجهول كما في " التقريب "، وشذ ابن حبان فذكره في " الثقات " (5 / 51) . ومن طريق الطيالسي البيهقي في " الدلائل " (5 / 141) والطبراني في " الكبير " (22 / 288 - 289) . وهو حديث حسن لغيره كما حققته في " صحيح زوائد البزار "، ورواه أبو داود أيضا ( 5233) ولكنه لم يسقه بتمامه، فليس فيه موضع الشاهد منه، وقال: " وهو حديث نبيل، جاء به حماد بن سلمة ".

2825

2825 - " مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب وإنكم ستفتحونها ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1709) وابن أبي عاصم في " الوحدان " (ق 269 / 1) من طريق محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني: حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) . فقام رجل فقال: هب لي يا رسول الله ابنة بقيلة، فقال: " هي لك "، فأعطوها إياه، فجاء أبوها فقال: أتبعنيها؟ فقال: نعم: قال: بكم؟ قال: احتكم ما شئت. قال: بألف درهم. قال: قد أخذتها. فقيل: لو قلت ثلاثين ألفا. قال: وهل عدد أكثر من ألف؟ قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط مسلم. وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 81 / 183) والبيهقي في " السنن " (9 / 136) و " الدلائل " (6 / 326) من طرق أخرى عن العدني به، إلا أن الطبراني قال: " أخوها " مكان " أبوها ". وقال الهيثمي ( 6 / 212) : " رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". وقال عقب رواية ابن حبان من " موارد الظمآن ": " قلت: هكذا وقع في هذه الرواية: أن الذي اشتراها أبوها، والمشهور أن الذي اشتراها: عبد المسيح أخوها. والله أعلم ".

2826

2826 - " كان إذا غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلوات وتهب الأرواح ويطيب القتال ". أخرجه ابن جرير الطبري في " التاريخ " (2 / 233 - 235) وابن حبان (1712 - الموارد) والسياق له من طريق: مبارك بن فضالة: حدثنا زياد بن جبير بن حية قال: (أخبرني أبي أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال للهرمزان: أما إذ فتني (¬1) بنفسك فانصح لي. وذلك أنه قال له: " تكلم لا بأس "، فأمنه، فقال الهرمزان: نعم، إن فارس اليوم رأس وجناحان. قال: فأين الرأس؟ قال: نهاوند مع بندار (¬2) ، قال: فإنه معه أساورة كسرى وأهل أصفهان. قال: فأين الجناحان؟ فذكر الهرمزان مكانا نسيته، فقال الهرمزان: اقطع الجناحين توهن الرأس. فقال له عمر رضوان الله عليه: كذبت يا عدو الله، بل أعمد إلى الرأس فيقطعه الله، فإذا قطعه الله عني انقطع عني الجناحان. فأراد عمر أن يسير إليه بنفسه، فقالوا: نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى العجم، فإن أصبت بها لم يكن للمسلمين نظام، ولكن ابعث الجنود. قال: فبعث أهل المدينة وبعث فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب، وبعث المهاجرين والأنصار، وكتب إلى أبي موسى الأشعري أن سر بأهل البصرة، وكتب إلى حذيفة بن اليمان أن سر بأهل الكوفة حتى تجتمعوا بنهاوند جميعا، فإذا اجتمعتم فأميركم النعمان بن مقرن المزني. فلما اجتمعوا ¬

(¬1) الأصل (أمتني) ، والتصحيح من " الإحسان " (4736) . (¬2) الأصل (بيداد) ، والتصحيح من " الإحسان " و " تاريخ الطبري "، ومنهما صححت بعض الأخطاء الأخرى.

بنهاوند أرسل إليهم بندار [العلج] أن أرسلوا إلينا يا معشر العرب رجلا منكم نكلمه، فاختار الناس المغيرة بن شعبة، قال أبي: فكأني أنظر إليه: رجل طويل أشعر أعور، فأتاه، فلما رجع إلينا سألناه؟ فقال لنا: وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي؟ أبشارتنا وبهجتنا وملكنا؟ أو نتقشف له فنزهده عما في أيدينا؟ فقالوا: بل نأذن له بأفضل ما يكون من الشارة والعدة. فلما رأيتهم رأيت تلك الحراب والدرق يلمع منها البصر ، ورأيتهم قياما على رأسه، فإذا هو على سرير من ذهب، وعلى رأسه التاج، فمضيت كما أنا، ونكست رأسي لأقعد معه على السرير، فقال: فدفعت ونهرت، فقلت: إن الرسل لا يفعل بهم هذا. فقالوا لي: إنما أنت كلب، أتقعد مع الملك ؟! فقلت: لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم، قال: فانتهرني وقال: اجلس. فجلست. فترجم لي قوله، فقال: يا معشر العرب، إنكم كنتم أطول الناس جوعا، وأعظم الناس شقاء، وأقذر الناس قذرا، وأبعد الناس دارا، وأبعده من كل خير، وما كان منعني أن آمر هذه الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا لجيفكم لأنكم أرجاس، فإن تذهبوا يخلى عنكم، وإن تأبوا نبوئكم مصارعكم. قال المغيرة: فحمدت الله وأثنيت عليه وقلت: والله ما أخطأت من صفتنا ونعتنا شيئا، إن كنا لأبعد الناس دارا، وأشد الناس جوعا، وأعظم الناس شقاء، وأبعد الناس من كل خير، حتى بعث الله إلينا رسولا فوعدنا بالنصر في الدنيا، والجنة في الآخرة، فلم نزل نتعرف من ربنا - مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم - الفلاح والنصر، حتى أتيناكم، وإنا والله نرى لكم ملكا وعيشا لا نرجع إلى ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل في أرضكم. فقال: أما الأعور فقد صدقكم الذي في نفسه. فقمت من عنده وقد والله أرعبت العلج جهدي، فأرسل إلينا العلج: إما أن تعبروا إلينا بنهاوند وإما أن نعبر إليكم. فقال النعمان: اعبروا

فعبرنا. فقال أبي: فلم أر كاليوم قط، إن العلوج يجيئون كأنهم جبال الحديد، وقد تواثقوا أن لا يفروا من العرب، وقد قرن بعضهم إلى بعض حتى كان سبعة في قران، وألقوا حسك الحديد خلفهم وقالوا: من فر منا عقره حسك الحديد. فقال: المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم: لم أر كاليوم قتيلا (¬1) ، إن عدونا يتركون أن يتناموا، فلا يعجلوا. أما والله لو أن الأمر إلي لقد أعجلتهم به. قال: وكان النعمان رجلا بكاء، فقال: قد كان الله جل وعز يشهدك أمثالها فلا يحزنك ولا يعيبك موقفك. وإني والله ما يمنعني أن أناجزهم إلا لشيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (فذكر الحديث) . ثم قال النعمان: اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام وأهله، وذل الكفر وأهله. ثم اختم لي على أثر ذلك بالشهادة. ثم قال: أمنوا رحمكم الله. فأمنا وبكى فبكينا. فقال النعمان: إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح، ثم هازها الثانية، فكونوا متيسرين لقتال عدوكم بإزائكم، فإذا هززتها الثالثة فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوهم على بركة الله، قال: فلما حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر وكبرنا. وقال: ريح الفتح والله إن شاء الله، وإني لأرجو أن يستجيب الله لي، وأن يفتح علينا. فهز اللواء فتيسروا، ثم هزها الثانية، ثم هزها الثالثة، فحملنا جميعا كل قوم على من يليهم. وقال النعمان: إن أنا أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان، فإن أصيب حذيفة ففلان، فإن أصيب فلان [ففلان] حتى عد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة. قال أبي: فوالله ما علمت من المسلمين أحدا يحب أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو يظفر. فثبتوا لنا، فلم نسمع إلا وقع الحديد على الحديد، حتى أصيب في ¬

(¬1) وكذا في " الإحسان "، وفي " التاريخ " (فشلا) . اهـ.

المسلمين عصابة عظيمة. فلما رأوا صبرنا ورأونا لا نريد أن نرجع انهزموا، فجعل يقع الرجل فيقع عليه سبعة في قران فيقتلون جميعا، وجعل يعقرهم حسك الحديد خلفهم. فقال النعمان: قدموا اللواء، فجعلنا نقدم اللواء فنقتلهم ونهزمهم، فلما رأى النعمان قد استجاب الله له ورأى الفتح، جاءته نشابة فأصابت خاصرته، فقتلته. فجاء أخوه معقل بن مقرن فسجى عليه ثوبا، وأخذ اللواء، فتقدم ثم قال: تقدموا رحمكم الله، فجعلنا نتقدم فنهزمهم ونقتلهم، فلما فرغنا واجتمع الناس قالوا: أين الأمير؟ فقال معقل: هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح، وختم له بالشهادة. فبايع الناس حذيفة بن اليمان. قال: وكان عمر بن الخطاب رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله، وينتظر مثل صيحة الحبلى، فكتب حذيفة إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين، فلما قدم عليه قال: أبشر يا أمير المؤمنين بفتح أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل فيه الشرك وأهله. وقال: النعمان بعثك؟ قال: احتسب النعمان يا أمير المؤمنين، فبكى عمر واسترجع، فقال: ومن ويحك؟ قال: فلان وفلان - حتى عد ناسا - ثم قال: وآخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم. فقال عمر رضوان الله عليه - وهو يبكي -: لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر، لكن الله يعرفهم) . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، قد صرح مبارك بن فضالة بالتحديث، وقد تابعه سعيد بن عبيد الله الثقفي : حدثنا بكر بن عبد الله المزني وزياد بن جبير عن جبير بن حية به إلى قوله: " وتحضر الصلوات ". أخرجه البخاري (3159 و 3160) ، وفيه زيادة: " والجناح قيصر "، وأشار الحافظ (6 / 264) إلى شذوذها، لمخالفتها لطريق مبارك بن فضالة هذه، وطريق معقل بن يسار الآتية، وفيها: " أصبهان الرأس، وفارس وأذربيجان الجناحان ".

2827

وهذا أولى كما قال الحافظ فراجعه. قلت: ولعل الوهم في هذه الزيادة الشاذة من سعيد بن عبيد الله الثقفي، فقد تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وقال الحافظ نفسه في " التقريب ": " صدوق ربما وهم ". وللحديث طريق أخرى من رواية حماد بن سلمة قال: أخبرني أبو عمران الجوني عن علقمة بن عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان في فارس وأصبهان وأذربيجان الحديث بطوله مع اختصار بعض الجمل. أخرجه ابن أبي شيبة (13 / 8 - 13) . قلت: وإسناده جيد، رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني، وهو ثقة ". وقال الحافظ في " مقدمة الفتح " (ص 405) : " سنده قوي ". وعزاه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 215 - 217) للطبراني، وقال: " ورجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني، وهو ثقة ". وروى منه أحمد وغيره حديث الترجمة، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2385) . 2827 - " استعد للفاقة. قاله لرجل قال له: إني أحبك ". أخرجه البزار في " مسنده " (4 / 229 / 3595) والشجري في " الأمالي " (2 / 202) من طريق إبراهيم بن المنذر: حدثنا بكر بن سليم عن أبي طوالة عن أنس قال:

أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال: إني أحبك، قال: فذكره. قلت : وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير بكر بن سليم، ذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 149) ، وقد روى عنه خمسة من الثقات، فهو صدوق كما قال في " الكاشف "، ووثقه الهيثمي بقوله عقب الحديث (10 / 274) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير بكر بن سليم، وهو ثقة ". قلت: وأبو طوالة اسمه عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري. وله شاهد من حديث أبي ذر رضي الله عنه: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أحبكم أهل البيت، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: الله؟ قال: الله. قال: " فأعد للفقر تجفافا، فإن الفقر أسرع إلى من يحبنا من السيل من أعلى الأكمة إلى أسفلها ". أخرجه الحاكم (4 / 331) وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول إنما هو صحيح فقط، فإنه من طريق محمد بن غالب: حدثنا عفان.. إلخ، فإن غالبا ليس من رجال الشيخين، وإنما عفان، لكن هذا ليس من شيوخهما، وإنما يرويان عنه بالواسطة. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن مغفل كنت خرجته في " الضعيفة " (1681) قبل الوقوف على هذين الحديثين، ويعود الفضل في ذلك إلى أحد طلاب

2828

العلم السعوديين جزاه الله خيرا في كتيب له كان أرسله إلي. ثم بلغني أنه توفى فجأة رحمه الله تعالى. وللشطر الثاني من حديث أبي ذر شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، وهو الآتي: " اصبر أبا سعيد! فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي ومن أعلى الجبل إلى أسفله ". 2828 - " اصبر أبا سعيد! فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي ومن أعلى الجبل إلى أسفله ". أخرجه أحمد (3 / 42) من طريق عمرو عن سعيد بن أبي سعيد الخدري عن أبيه. أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن أبي سعيد الخدري، فلم يوثقه غير ابن حبان (4 / 278) وذكر أنه روى عنه عمران بن أبي أنس وأهل المدينة. لكن حقق الحافظ أن عمران هذا إنما روى عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري، وأن من قال عن عمران عن سعيد بن أبي سعيد الخدري فهو غير محفوظ، كما بينته في ترجمة سعيد هذا من " تيسير الانتفاع "، وعليه فليس له راو غير عمرو هذا، وهو ابن الحارث المصري، وعلى ذلك فسعيد هذا في عداد المجهولين، حتى أن البخاري وابن أبي حاتم لم يذكرا له في ترجمته راويا مطلقا ! فهو علة هذا الإسناد. وقد اختلط هذا الراوي على الهيثمي بغيره، فظنه سعيد بن أبي سعيد المقبري الثقة! فأورد الحديث في " المجمع " (10 / 374) هكذا: " عن سعيد بن أبي سعيد الخدري شكا.." الحديث، وقال:

2829

" رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، إلا أنه شبه المرسل ". قلت: وهذا خطأ بناء على نقله خطأ طرف الحديث، وهو قوله: " أن أبا سعيد " ولذلك قال: " إنه شبه المرسل "، وبناء عليه توهم أن سعيد بن أبي سعيد هو المقبري فقال: رجاله رجال الصحيح! وأساس الخطأ أنه سقط من قلمه قوله: " عن أبيه ". وأبو سعيد الخدري ليس أبا المقبري الثقة، وقلده في ذلك بعض الناشئين ممن لا تحقيق عندهم. لكن للحديث شاهد من حديث عبد الله بن مغفل أوله: " إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا ". كنت خرجته في " الضعيفة " برقم (1681) ، فيمكن تقوية هذا به، وبحديث أبي ذر المخرج تحت الحديث الذي قبله. والله أعلم. 2829 - " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه: هل تعرفني؟ أنا الذي كنت أسهر ليلك وأظمئ هواجرك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر، فيعطى الملك بيمينه والخلد بشماله ويوضع على رأسه تاج الوقار ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهم الدنيا وما فيها، فيقولان: يا رب! أنى لنا هذا؟ فيقال: بتعليم ولدكما القرآن. وإن صاحب القرآن يقال له يوم القيامة: اقرأ وارق في الدرجات ورتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلك عند آخر آية معك ".

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 53 / 1 - 2 / 5894 - بترقيمي) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال: أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: أخبرنا شريك بن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا به. وقال: " لم يروه عن عبد الله بن عيسى إلا شريك، ولا رواه عن شريك إلا يزيد بن هارون، ويحيى الحماني ". قلت: وبالحماني أعله الهيثمي، فقال في " المجمع " (7 / 160) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه يحيى بن عبد العزيز الحماني، وهو ضعيف ". قلت: وفيه نظر من وجهين: الأول: قوله: ابن عبد العزيز، وإنما هو ابن عبد الحميد كما في كتب الرجال، ولعله سبق قلم من المؤلف، أو خطأ من الناسخ. والآخر: أن الطبراني قد صرح بأن الحماني قد تابعه يزيد بن هارون، وهو ثقة من رجال الشيخين، فإعلال الحديث بالحماني خطأ واضح، والصواب تضعيفه بشريك، وهو ابن عبد الله القاضي ، وهو ضعيف لسوء حفظه. لكن الحديث حسن أو صحيح، لأن له شاهدا من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بتمامه. أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 492 - 493 ) وأبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب "، وغيره ممن كنت ذكرتهم في تخريجي إياه قديما في " تخريج الطحاوية " (ص 126 - الطبعة الرابعة) وبينت أن فيه بشير بن المهاجر، وهو صدوق لين الحديث كما في " التقريب "، وقلت:

2830

" فمثله يحتمل حديثه التحسين، أما التصحيح - كما فعل الحاكم - فهو بعيد ". وقلدني في ذلك الشيخ شعيب في تعليقه على " شرح العقيدة الطحاوية " (1 / 94) ! وأما في تعليقه على " شرح السنة " (4 / 454) ، فأقر المؤلف البغوي على قوله: " حديث حسن غريب "! وكذلك حسن إسناده الحافظ ابن كثير في " تفسير سورة البقرة " (1 / 33) ، وتكلم على راويه (بشير) بكلام حسن، ثم قال: " لكن لبعضه شواهد.. ". قلت: وكلها تدور حول فضيلة سورة البقرة وآل عمران التي جاءت في أول حديث بريدة، وأما سائر الحديث الذي هو في حديث الترجمة، فلم يذكر له أي شاهد وكذلك فعل مخرج أحاديثه صاحبنا الفاضل الشيخ مقبل بن هادي فلم يزد عليه شيئا مع أن الشطر الأخير من الحديث معروف من حديث ابن عمرو عند الترمذي وحسنه، وابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقد سبق تخريجه برقم (2240) . والحديث بتمامه له شاهد آخر من رواية يحيى بن أبي كثير بلاغا. أخرجه عبد الرزاق (3 / 374 / 6014) عن معمر عنه. فهو بلاغ صحيح. 2830 - " أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا، إلا ما لا، يعني: ما لابد منه ". هو من حديث أنس، وله عنه طرق:

الأولى: عن أبي طلحة الأسدي عنه قال: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج، فرأى قبة مشرفة، فقال: " ما هذه؟! "، قال له أصحابه: هذه لفلان، رجل من الأنصار، قال: فسكت وحملها في نفسه، حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عليه في الناس، أعرض عنه، صنع ذلك مرارا، حتى عرف الرجل الغضب فيه والإعراض عنه، فشكا ذلك إلى أصحابه، فقال: والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خرج فرأى قبتك. قال: فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فلم يرها، قال: " ما فعلت القبة؟ "، قالوا: شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه، فأخبرناه فهدمها، فقال: فذكره. أخرجه أبو داود (2 / 347 - 348 - تازية) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 416) وأبو يعلى في " مسنده " (7 / 308 / 1592) والبيهقي في " شعب الإيمان " (7 / 390 / 10704) من طريق إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي عن أبي طلحة.. قلت: وهذا إسناد جيد كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (4 / 236 - المعرفة - لبنان) وكنت خالفته في ذلك في " الضعيفة " (رقم 176) اعتمادا مني على أن الحافظ قال في ترجمة أبي طلحة الأسدي من " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث، يضاف إلى ذلك أنه لم يحك في " التهذيب " توثيقه عن أحد. ثم إن أحد إخواننا المشتغلين بهذا العلم جزاه الله خيرا لفت نظري - و " الضعيفة " تحت الطبع مجددا - إلى أن ابن حبان وثقه (3 / 166 / ب) من " ترتيب الهيثمي "، فرجعت إلى " ثقات ابن حبان "، فوجدته قد أورده في " ثقات التابعين " منه (5 / 574) برواية أبي العميس عنه.

وقد روى عنه ثقتان آخران كما ذكرت في كتابي الجديد " تيسير انتفاع الخلان بكتاب ثقات ابن حبان " يسر الله إتمامه، أحدهما إبراهيم القرشي هذا، وكأنه لذلك قال الذهبي في ترجمته من " الكاشف ": " صدوق ". من أجل ذلك رجعت إلى قول العراقي المذكور، واعتمدته، وبخاصة أنه روي من طرق أخرى كما يأتي بيانه. وأخرجه أحمد (3 / 220) وكذا البخاري في " الكنى " (45 / 385) والبيهقي أيضا (10705) من طريق شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي طلحة عن أنس به مختصرا بلفظ: ".. هد على صاحبه يوم القيامة، إلا ما كان في مسجد - أو في بناء مسجد، شك أسود ( يعني ابن عامر) - أو، أو ". ثم مر فلم يلقها، فقال: ما فعلت القبة؟ قلت: بلغ صاحبها ما قلت، فهدمها، فقال: " رحمه الله ". قلت: وشريك هو ابن عبد الله القاضي، وهو سيىء الحفظ. وقد خالف في سياق لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كما ترى، وزاد: " رحمه الله ". لكن هذه الزيادة رويت في بعض الطرق الآتية. ثم رأيت الحافظ في " الفتح " (11 / 93) ساق حديث الترجمة برواية أبي داود، وقال عقبه:

" ورواته موثقون إلا الراوي عن أنس، وهو أبو طلحة الأسدي، فليس بمعروف ". فهذا يتلقي مع قوله المتقدم فيه: " مقبول "، وقد عرفت السبب، وهو - والله أعلم - أنه لم يقف على توثيق ابن حبان وقول الذهبي المتقدم فيه: " صدوق ". الطريق الثانية: عن ابن أبي خالد عمن حدثه عن الربيع بن أنس مرفوعا بلفظ: " كل بناء وبال على أهله يوم القيامة إلا مسجدا يذكر فيه ، أو بيت، وقال بيديه ". وفيه القصة باختصار مع زيادة " رحمه الله ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " قصر الأمل " (3 / 25 / 2) : حدثنا عبد الرحمن بن صالح العتكي قال: حدثنا المحاربي عن ابن أبي خالد.. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير الذي لم يسم، وابن أبي خالد هو إسماعيل، والمحاربي اسمه عبد الرحمن بن محمد، وقد رمي بالتدليس. وأخرجه البيهقي (10707) من طريق قيس بن الربيع عن أبي حمزة عن أنس. وأبو حمزة لم أعرفه، ويحتمل أنه جار شعبة فقد ذكره المزي في الرواة عن أنس، وهو ثقة. الثالثة: عن عطاء بن جبلة: حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن أنس قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة فإذا قبة ... الحديث نحو لفظ الطريق الأولى، وفيه زيادة: " يرحمه الله " (مرتين) . أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (1 / 139) . وعطاء هذا قال ابن أبي حاتم (3 / 1 / 331) عن أبيه: " ليس بالقوي، يكتب حديثه ". ونقله الذهبي في " الميزان "، وزاد عليه في " اللسان ": " وقال البرذعي عن أبي زرعة: منكر الحديث ". وهذا في " سؤالاته " (ص 350) المطبوع. وأزيد أنا فأقول: قال الخطيب في ترجمته من " التاريخ " (12 / 295 ) : " وبلغني عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أنه قال ليحيى بن معين: ما تقول في عطاء بن جبلة الفزاري؟ قال: ليس بشيء ". الرابعة: عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس به مختصرا، وفيه زيادة: " يرحمه الله " (مرتين) .

أخرجه ابن ماجه (4161) : حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة: حدثني إسحاق بن أبي طلحة.. كذا قال: " عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة ". وقد ذكر الذهبي وغيره أنه لا يعرف، وقد جاء هكذا مسمى في حديث آخر في صلاة العيد في المسجد يوم المطر، وهو من رواية الوليد أيضا عنه، وهو مخرج في " ضعيف أبي داود " (212) ، فلا أدري ممن الخطأ؟ أهو من الوليد نفسه، أم من العباس بن عثمان الراوي عنه. فقد قال ابن حبان في " ثقاته " (8 / 511) : " ربما خالف "، وقد خالفه محمد بن جعفر الرملي فقال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا عبد الأعلى بن عبد الله ابن أبي فروة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به مختصرا.

2831

أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 174 / 2 / 3233) ومن طريقه الضياء المقدسي في " المختارة " ( 1 / 484) : حدثنا بكر بن سهل قال: حدثنا مهدي بن جعفر الرملي ... ، وقال الطبراني: " لم يروه عن إسحاق بن عبد الله إلا عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة، تفرد به الوليد ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، ولكن يخشى منه تدليس التسوية، وقد صرح بالتحديث في كل السند في رواية العباس الدمشقي المتقدمة، فلا أدري إذا كان ذلك محفوظا. وتسمية الرملي لشيخ الوليد (عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة) أرجح عندي من تسمية العباس إياه بـ (عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة) ، لأنه هو المعروف بروايته عن إسحاق بن عبد الله، وعنه الوليد بن مسلم، ولعله لذلك أخرجه الضياء في " المختارة "، لكن بكر بن سهل أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: " متوسط، ضعفه النسائي ". وهذا ملخص من قوله في " الميزان ": " حمل الناس عنه، وهو مقارب الحال، قال النسائي: ضعيف ". قلت: فإن كان هو عيسى، فهو مجهول. وإن كان عبد الأعلى، فهو ثقة، وعلى الأول، فهو إن لم يزد الحديث قوة فلا يضره، وعلى الآخر، يكون الإسناد صحيحا إن سلم من تدليس الوليد بن مسلم. والله أعلم. 2831 - " إن الرجل يؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب ". أخرجه هناد بن السري في " الزهد " (2 / 374 / 722) : حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس عن خباب قال:

اكتوى سبع كيات، فأتيناه نعوده ، فقال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تتمنوا الموت " لتمنيته، وإذا هو يصلح حائطا له فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (5 / 99 - 100) دون التمني. قلت: وهذا إسناد صحيح عزيز، وهو على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري في " صحيحه " (5672) و " الأدب المفرد " (455) وأحمد (5 / 110) والحميدي ( 154) وعنه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 70 / 3633) وكذا أبو نعيم في " الحلية " (1 / 146) والطبراني أيضا (3635) من طرق عن إسماعيل به موقوفا على خباب. قلت: وهو أصح، ولكني أرى أنه في حكم المرفوع، وبخاصة أنه قد جاء مرفوعا صراحة في بعض الطرق والمتابعات والشواهد، فأذكر ما تيسر لي منها: أولا: عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن أبي خالد به عن خباب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها إلا البنيان ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 73 / 3641) بسند صحيح عن ابن عياش، وسائره ثقات إلا ابن عياش، فقد ضعفوه في روايته عن غير الشاميين وهذه منها، فإن ابن أبي خالد كوفي، فمثله تقبل روايته في المتابعات والشواهد. ثانيا: عن عمر بن إسماعيل بن مجالد: حدثنا أبي عن بيان بن بشر وابن أبي مجلد به، ولفظه: " إن المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا ما يجعله في التراب ". أخرجه الطبراني أيضا (3645) .

ورجاله كلهم ثقات غير عمر بن إسماعيل، فهو متروك لا يستشهد به ولا كرامة، وبه أعله الحافظ في " الفتح " (10 / 129) فقال: " وعمر كذبه يحيى بن معين ". ومن الغريب أن الحافظ ذكر هذه الطريق تقوية لكون الموقوف المتقدم في رواية البخاري قد روي مرفوعا، ففاته الطريق الأولى وهي خير من هذه بكثير، كما فاته إسناد هناد الصحيح، وغيره مما يأتي، مصداقا للمثل السائر: " كم ترك الأول للآخر؟! ". ثالثا: عن شريك عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال: دخلنا على خباب، وفي داره حائط يبنى، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بلفظ عمر بن إسماعيل، ففيه إشارة إلى أن الكذوب قد يصدق، بله المتهم بالكذب، كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه: " صدقك وهو كذوب ". وهذه الطريق شاهد قوي لحديث الترجمة، ذلك لأن رجاله ثقات غير شريك، وهو ابن عبد الله القاضي، فإنه ضعيف لسوء حفظه، فيصلح للاحتجاج في المتابعات والشواهد، بل إن بعضهم صحح حديثه، كالترمذي والحاكم وغيرهما، بل الأول منهما قد قوى هذا الحديث بالذات، فقد أخرجه هو (2485) وابن ماجه ( 4163) والطبراني (3675) ، فقال الترمذي عقبه: " حديث حسن صحيح ". وأقره الحافظ (11 / 92) . رابعا: عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن خباب قال: سمعت رسول الله يقول:

" ما أنفق المؤمن من نفقة إلا أجر فيها، إلا النفقة في هذا التراب ". أخرجه الطبراني (4 / 64 / 3620) . قلت: وإسناده ضعيف، عبيد الله بن زحر صدوق يخطىء، وشيخه علي بن يزيد - وهو الألهاني - ضعيف. وفي الباب عن أنس مرفوعا بلفظ: " النفقة كلها في سبيل الله، إلا البناء فلا خير فيه ". أخرجه الترمذي (2484) واستغربه، وذكره الحافظ (11 / 92) شاهدا لحديث خباب المتقدم من رواية الترمذي، ولكني لاحظت أن الشطر الأول منه يختلف عن الطرق المتقدمة، ولا يلتقي معها إلا في الشطر الثاني منه، هذا مع ضعف إسناده الذي أشار إليه الترمذي، وقد خرجته وبينت علته في " الضعيفة " (1061) . واعلم أن المراد من هذا الحديث والذي قبله - والله أعلم - إنما هو صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء وتشييده فوق حاجته، وإن مما لا شك فيه أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني قلة وكثرة، ومن يكون مضيافا، ومن ليس كذلك، فهو من هذه الحيثية يلتقي تماما مع الحديث الصحيح: " فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان ". رواه مسلم (6 / 146) وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود ". ولذلك قال الحافظ بعد أن ساق حديث الترجمة وغيره: " وهذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه ، مما لابد منه للتوطن وما يقي البرد والحر ".

2832

ثم حكى عن بعضهم ما يوهم أن في البناء كله الإثم! فعقب عليه الحافظ بقوله: " وليس كذلك، بل فيه التفصيل ، وليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الإثم.. فإن في بعض البناء ما يحصل به الأجر، مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني، فإنه يحصل للباني به الثواب، والله سبحانه وتعالى أعلم ". 2832 - " إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه وتركوا التوراة ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 39 / 1 / 5876) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جندل بن والق قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك ابن عمير عن أبي بردة عن أبيه مرفوعا. وقال: " تفرد به جندل بن والق ". قلت: وهو مختلف فيه، فوثقه ابن حبان (8 / 167) وأبو زرعة بروايته عنه، وقال أبو حاتم: " صدوق "، وضعفه آخرون، فراجع " التهذيب " إن شئت، فهو إذن وسط حسن الحديث. والله أعلم. والحديث عزاه الهيثمي (1 / 192) للطبراني في " الكبير "، وتبعه السيوطي - رمزا - كما هي عادته في " الجامع الصغير " و " الجامع الكبير " (رقم 6405) ، فلا أدري إذا كان هذا العزو صحيحا، أو هو سبق قلم، أو خطأ من الناسخ، فإن الجزء الذي فيه مسند أبي موسى الأشعري، واسمه عبد الله بن قيس والد أبي بردة، لم يطبع بعد لنرجع إليه ونتحقق من وجوده فيه أو لا.

2833

ويشهد للحديث قوله تعالى في اليهود وغيرهم: * ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون، فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون) * (البقرة: 78 و 79) . وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " يا معشر المسلمين! كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث الأخبار بالله محضا لم يشب. وقد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب الله وغيروا، فكتبوا بأيديهم [فـ] قالوا: * (هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا) *؟! أولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟! فلا والله ما رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم! ". أخرجه البخاري (2685 و 7363 و7522 و 7523) وعبد الرزاق في " المصنف " (11 / 110 / 20060) ومن طريقه الحاكم (2 / 262 - 263) وعنه البيهقي في " الشعب " (4 / 308 / 5204) وعن غيره فيه، وفي السنن (10 / 162) وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". ووافقه الذهبي، واستدراكه على البخاري وهم، فقد أخرجه كما ترى. 2833 - " إن بني إسرائيل استخلفوا خليفة عليهم بعد موسى صلى الله عليه وسلم، فقام يصلي ليلة فوق بيت المقدس في القمر فذكر أمورا كان صنعها فخرج، فتدلى بسبب، فأصبح السبب معلقا في المسجد وقد ذهب. قال: فانطلق حتى أتى قوما على شط البحر فوجدهم يضربون لبنا أو يصنعون لبنا، فسألهم: كيف تأخذون على هذا

اللبن ؟ قال: فأخبروه، فلبن معهم، فكان يأكل من عمل يده، فإذا كان حين الصلاة قام يصلي، فرفع ذلك العمال إلى دهقانهم، أن فينا رجلا يفعل كذا وكذا، فأرسل إليه فأبى أن يأتيه، ثلاث مرات، ثم إنه جاء يسير على دابته فلما رآه فر فاتبعه فسبقه، فقال: أنظرني أكلمك، قال: فقام حتى كلمه، فأخبره خبره فلما أخبره أنه كان ملكا وأنه فر من رهبة ربه، قال: إني لأظنني لاحق بك، قال: فاتبعه، فعبدا الله حتى ماتا برميلة مصر، قال عبد الله: لو أني كنت ثم لاهتديت إلى قبرهما بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وصف لنا ". أخرجه البزار في " مسنده " (4 / 267 / 3689) من طريق عمرو بن أبي قيس عن سماك - يعني ابن حرب - عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم ... وقال: " لا نعلم رواه عن سماك عن القاسم إلا عمرو، ورواه المسعودي عن سماك عن عبد الرحمن عن أبيه، ولم يذكر القاسم ". قلت: رواية المسعودي أخرجها أحمد (1 / 451) وأبو يعلى (9 / 261 / 5383) من طريق يزيد بن هارون: أنبأنا المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد الله عن ابن مسعود قال: فذكره. وتابعهما قيس بن الربيع عن سماك بن حرب به، لم يذكر القاسم أيضا في إسناده. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 216 / 10370) و " الأوسط " أيضا (2 / 112 / 1 / 6743) وقال: " لم يروه عن سماك إلا قيس بن الربيع "!

2834

كذا قال! وقد تابعه المسعودي، وكذا عمرو بن أبي قيس - كما تقدم - وإن كان خالفهما بذكر القاسم بن عبد الرحمن في السند، وروايتهما أرجح، وإن كان في حفظهما شيء فأحدهما يقوي الآخر، وعمرو بن أبي قيس - وهو الرازي - صدوق له أوهام كما في " التقريب "، فإن كان حفظه، فيمكن القول بأن سماكا سمعه عن القاسم عن أبيه، ثم سمعه من أبيه مباشرة. ولعل صنيع الهيثمي يشير إلى ذلك بقوله (10 / 219) : " رواه البزار والطبراني في " الأوسط " و " الكبير "، وإسناده حسن ". قلت: فجمع بين رواية البزار والطبراني مع اختلاف روايتهما عن سماك، كأنه يشير أنه لا اختلاف بينهما يضر. وأورد قبل ذلك رواية أحمد وأبي يعلى، وقال عقبها: " وفي إسنادهما المسعودي ، وقد اختلط ". وقصر السيوطي في " الجامع الكبير " (6404) فعزاه لـ " الطبراني " فقط في " المعجم الكبير "!! 2834 - " إنهم يوفرون سبالهم ويحلقون لحاهم فخالفوهم. يعني المجوس ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (5452 - الإحسان) والبيهقي في " سننه " (1 / 151) وأبو حامد الحضرمي في " حديثه " (ق 2 / 2) وأبو عروبة الحراني في " حديث الجزريين " (ق 146 / 1) من طرق عن معقل بن عبيد الله عن ميمون بن مهران عن ابن عمر قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال: فذكره، وزاد:

" فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي معقل بن عبيد الله كلام يسير لا يضر، وقد أخرج له مسلم، ولذلك سكت عنه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 141 - بيروت) والحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (10 / 347 - 348) وعزاه للطبراني والبيهقي. وللحديث شواهد خرجت بعضها في " جلباب المرأة المسلمة " ( ص 185 - 187 / طبعة المكتبة الإسلامية) و " آداب الزفاف " (ص 209 و 210 / طبعة المكتبة الإسلامية) . (السبال) جمع (السبلة) بالتحريك: (الشارب) كما في " النهاية ". هذا، ولقد كان الباعث على تخريج الحديث أنني لم أجده في " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " للهيثمي، فظننت أنه تعمد ذلك لورود أصله في " الصحيحين " كما تراه في " جلباب المرأة "، أو أنه سها عنه، كما سها عن كثير غيره، وكما سها عنه الحافظ في اقتصاره على عزوه إياه للطبري والبيهقي! واعلم أن في هذا الحديث توجيها نبويا كريما طالما غفل عنه كثير من خاصة المسلمين فضلا عن عامتهم، ألا وهو مخالفة الكفار المجوس وغيرهم كما في الحديث المتفق عليه: " إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم ". والأحاديث بهذا المعنى كثيرة جدا معروفة. فالذي أريد بيانه إنما هو التنبيه على أن المخالفة المأمور بها هي أعم من التشبه المنهي عنه، ذلك أن التشبه أن يفعل المسلم فعل الكافر، ولو لم يقصد التشبه، وبإمكانه أن لا يفعله. فهو مأمور بأن يتركه. وحكمه يختلف باختلاف ظاهرة التشبه قوة وضعفا. وأما المخالفة فهي على العكس من ذلك تماما فإنها تعني أن يفعل المسلم فعلا لا يفعله الكافر، إذا لم يكن في فعله

2835

مخالفة للشرع، كمثل الصلاة في النعال، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها مخالفة لليهود، وقد تكون المخالفة لهم فيما هو من خلق الله في كل البشر لا فرق في ذلك بين مسلم وكافر، ورجل وامرأة، كالشيب مثلا ، ومع ذلك أمر بصبغه مخالفة لهم كما تقدم، وهذا أبلغ ما يكون من الأمر بالمخالفة، فعلى المسلم الحريص على دينه أن يراعي ذلك في كل شؤون حياته، فإنه بذلك ينجو من أن يقع في مخالفة الأمر بالمخالفة، فضلا عن نجاته من التشبه بالكفار، الذي هو الداء العضال في عصرنا هذا. والله المستعان. 2835 - " استو يا سواد! ". أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " (2 / 266 - سيرة ابن هشام) ومن طريقه أبو نعيم في " معرفة الصحابة " (ق 303 / 1) وابن الأثير في " أسد الغابة " (2 / 332) قال ابن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزية - حليف بني عدي بن النجار - وهو مستنتل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح، وقال: " استو يا سواد "، فقال: يا رسول الله! أوجعتني وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: " استقد "، قال: فاعتنقه فقبل بطنه، فقال : " ما حملك على هذا يا سواد؟ " قال: يا رسول الله! حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك: أن يمس جلدي جلدك! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقال له: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى لأن الأشياخ من قوم حبان من الأنصار، فإن كانوا من الصحابة فلا إشكال، وإن كانوا من التابعين فهم من

2836

كبارهم، لأن حبان تابعي من الخامسة عند الحافظ، وهم جمع لا يضر جهالتهم كما هو معروف عند أهل العلم. وروايتهم لهذه القصة تدل على أنها كانت مشهورة عندهم، متداولة بينهم. وقد ذكر لها الحافظ في " الإصابة " شاهدا من مرسل جعفر بن محمد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخطى بعرجون ، فأصاب به سواد بن غزية الأنصاري.. فذكر القصة. قلت: وأخرجها ابن سعد في ترجمة سواد بن غزية (3 / 516 - 517) بسند صحيح عن الحسن مرسلا بلفظ: " رأى سواد بن عمرو.. " قال ابن سعد: هكذا قال إسماعيل. يعني ابن علية. ومال الحافظ إلى تعدد القصة. والله أعلم. 2836 - " ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة. قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: أرأيت لو دخلت صيرة فيها خيل دهم بهم وفيها فرس أغر محجل، أما كنت تعرفه منها؟ قال: بلى. قال: فإن أمتي يومئذ غر من السجود، محجلون من الوضوء ". أخرجه أحمد (4 / 189) والضياء المقدسي في " المختارة " (55 / 114 / 1 - 2) من طرق عن صفوان بن عمرو: حدثنا يزيد بن خمير الرحبي عن عبد الله بن بسر المازني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو على شرط مسلم كما قال الضياء، وأخرج الترمذي (607) الجملة الأخيرة منه، وقال: " حسن صحيح غريب من هذا الوجه ".

والحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " للطبراني في " الكبير " والبيهقي في " الشعب ". وللجملة المشار إليها شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. رواه البخاري وغيره. وفي آخره زيادة: " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل "، ولكنها مدرجة في الحديث لا تصح، كما تراه مفصلا في " الضعيفة " (1030) . غريب الحديث: ( الصيرة) : حظيرة تتخذ للدواب من الحجارة وأغصان الشجر، جمعها (صير) . ( دهم) : جمع أدهم، وهو الأسود. (بهم) : جمع بهيم، وهو في الأصل: الذي لا يخالط لونه لون سواه كما في " النهاية "، أي أن لون هذه الخيل أسود خالص لا يخالطه لون آخر. (محجل) : هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين لأنهما موضع الأحجال، وهي الخلاخيل والقيود، ولا يكون التحجيل باليد أو اليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان. ( تنبيه) : وقعت لفظة (صيرة) في " المسند " (صبرة) ، وهو خطأ مطبعي كنت نقلته هكذا مع الحديث في كتابي " صفة الصلاة / فضل السجود "، وقيدته في الحاشية بالضم، وفسرت بـ (الكومة) ، وهذا - والله - منتهى الغفلة، لأن هذا المعنى لا صلة له بسياق الحديث كما هو ظاهر، ولا غرابة في ذلك، لأنه يؤكد أنني ألباني حقا! وقد استمر هذا الخطأ في كل طبعات الكتاب حتى

2837

العاشرة منها، فالمرجو تصحيح هذا الخطأ ممن كان عنده نسخة من الكتاب، كما أرجو أن يتاح لي إعادة طبع الكتاب هنا في عمان مصححا ومزيدا بإذنه تعالى. ويعود الفضل في تنبيهي لهذا الخطأ إلى فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في خطاب تفضل بإرساله إلي بتاريخ 20 / 2 / 1409 هـ. جزاه الله تبارك وتعالى خيرا. ثم طبع الكتاب طبعة جديدة في عمان - 1411 هـ، منقحة مزيدة، وقد صحح فيها اللفظ المذكور، والحمد لله، مع الإشادة بصاحب الفضل فيه. 2837 - " صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي. يعني الجمع بين الصلاتين ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 269 / 10525) : حدثنا إدريس بن عبد الكريم الحداد حدثنا أحمد بن حاتم الطويل حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ثروان عن زاذان قال: قال عبد الله بن مسعود: قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأولى والعصر، وبين المغرب والعشاء، فقيل له، فقال: فذكره. ورواه في " الأوسط " (1 / 46 / 1) من طريق أخرى عن ابن القدوس به. ثم أشار إلى رواية (أحمد الطويل) المذكورة. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات غير عبد الله بن عبد القدوس ذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 48) ، وحكى الحافظ عنه أنه قال: " ربما أغرب ". وليس هذا في النسخة المطبوعة منه، فلعلها في بعض النسخ، فإنه قد

تكون في نفسي أثناء عملي لفهرسته التي أنا في صدد إتمامها أن نسخه مختلفة، فيراجع لهذا " ترتيب الثقات " للهيثمي، فإن فيه زيادات أحيانا على المطبوعة، وأحيانا فيه نقص عنها. ثم حكى الحافظ عن البخاري أنه قال فيه: " هو في الأصل صدوق، إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف ". لكنه ذكر عن أبي داود تضعيفه، وكذا عن ابن معين وغيره، فلا تطمئن النفس للاحتجاج بحديثه، إلا إذا وافق الثقات، وهذا الحديث من هذا القبيل، فإن له شاهدا من حديث ابن عباس في صحيح مسلم وغيره (¬1) ، وهو مخرج في " الإرواء " (3 / 34 / 579 / 2) ، فالحديث صحيح بلا ريب، ولكن هل رواه ابن مسعود؟ فهو موضع نظر لما عرفت من حال ابن عبد القدوس. وقال الهيثمي (2 / 161) بعد أن عزاه لـ (المعجمين) : " وفيه عبد الله بن عبد القدوس، ضعفه ابن معين والنسائي، ووثقه ابن حبان، وقال البخاري: " صدوق إلا أنه يروي عن أقوام ضعفاء ". قلت: وقد روى هذا عن الأعمش وهو ثقة ". وقد مال الشوكاني إلى تقوية الحديث، ومن قبله الحافظ في " الفتح " (2 / 24) ، فإنه جزم به، وأجاب الشوكاني (3 / 183) عن التضعيف المتقدم بقوله: " لم يتكلم فيه إلا بسبب روايته عن الضعفاء ". ثم ذكر كلام البخاري في ذلك، وزاد: ¬

(¬1) ولفظه " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: لم فعل ذلك؟ قال: كي لا يحرج أمته ". وهو مخرج في " الإرواء "، والتعليق على " صحيح ابن خزيمة " (2 / 86) . اهـ.

" وقال أبو حاتم: لا بأس به ". وهذه الزيادة وهم منه، فإنما قال أبو حاتم ذلك في الراوي الذي عقب المترجم (2 / 2 / 105) وأما هذا فلم يحك ابنه فيه إلا تضعيفه. وأما قوله: " لم يتكلم فيه إلا.. ". فهو تعليل مردود بالنسبة للمضعفين لأنه ليس في كلام أحدهم ما يشعر بذلك، بل فيه بخلافه، فراجعه إن شئت في " التهذيب "، ولذلك قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق رمي بالرفض، وكان أيضا يخطىء ". قلت: فالتعليل بروايته عن الضعفاء، هو بالنسبة للبخاري، وأما الآخرون، فالتعليل عندهم سوء الحفظ. والله أعلم. وقد خولف ابن عبد القدوس، فأخرجه الطبراني أيضا (10 / 47 / 9880) من طريق أبي مالك النخعي - واسمه عبد الملك بن الحسين - عن حجاج عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل عن عبد الله قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء، يؤخر هذه في آخر وقتها، ويعجل هذه في أول وقتها ". وأبو مالك هذا ضعفه الهيثمي (2 / 159) وقال الحافظ في " التقريب ": " متروك ". وحجاج، الظاهر أنه ابن أرطاة، وهو مدلس. ثم أخرجه الطبراني (9881) من طريق ابن أبي ليلى عن أبي قيس عن هزيل به مختصرا بلفظ:

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر ". قال الهيثمي: " رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في " الكبير "، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". وأقول: هذا وهم مرتين لأن أبا يعلى أخرجه أيضا (9 / 284 / 5413) من طريق ابن أبي شيبة، وهذا في " المصنف " (2 / 458) من طريق ابن أبي ليلى، وكذا البزار (1 / 330 / 685) وقال: " لا يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد ". قلت: هذا هو الوهم الأول: أنه غاير بين إسناد أبي يعلى وغيره، وإسنادهم واحد. والآخر : أنه قال: " رجاله رجال الصحيح "! وابن أبي ليلى - وهو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى - ليس من رجال الصحيح، ثم هو إلى ذلك سيىء الحفظ جدا كما في " التقريب ". وبالجملة، فحديث الترجمة صحيح، من حديث ابن عباس بلا شك رواية ولكنه صحيح دراية، دون رواية أبي مالك النخعي التي فيها بيان أن الجمع كان جمعا صوريا. فإنه شديد الضعف كما تقدم. واعلم أن الشوكاني رحمه الله ذهب إلى أن المقصود بالحديث إنما هو الجمع الصوري، وأطال البحث في ذلك جدا، وتكلف في تأويل الحديث وصرف معناه

عن الجمع الحقيقي الثابت صراحة في بعض أحاديث الجمع في السفر. واحتج لذلك بأمور يطول الكلام عليها جدا، والذي أريد أن ألفت النظر إليه إنما هو أنه لم يتنبه إلى أن قوله: " كي لا يحرج أمته " نص في الجمع الحقيقي، لأن رفع الحرج إنما يعني في الاصطلاح الشرعي رفع الإثم والحرام (راجع النهاية) كما في أحاديث أخرى، الأصل فيها المؤاخذة لولا الحرج ، كمثل ترك صلاة الجمعة والجماعة من أجل المطر والبرد، كما في حديث ابن عباس لما أمر المؤذن يوم الجمعة أن يقول: " الصلاة في الرحال "، فأنكر ذلك بعضهم، فقال: " كأنكم أنكرتم هذا، إن هذا فعله من هو خير مني. يعني النبي صلى الله عليه وسلم، إنها عزمة، إني كرهت أن أحرجكم ". رواه البخاري (616 و 668 و901) وابن أبي شيبة (2 / 153) نحوه، ثم روى (2 / 234) الموقوف منه. وحديث نعيم بن النحام قال: " نودي بالصبح في يوم بارد وهو في مرط امرأته، فقال: ليت المنادي نادى: " ومن قعد فلا حرج "، فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه: " ومن قعد فلا حرج ". رواه عبد الرزاق في " المصنف " (1 / 501 / 1926) وأحمد (4 / 320) والبيهقي (1 / 398 و 323) وأحد إسناديه صحيح، وصحح الحافظ (2 / 98 - 99) إسناد عبد الرزاق! وقد مضى تخريجه وما يستفاد منه في هذا المجلد برقم (2605) . ومن المعلوم وجوب الحضور لصلاة الجمعة والجماعة، فإذا ثبت في الشرع أنه

لا حرج على على من لم يحضر في المطر. كان ذلك حكما جديدا لولاه بقي الحكم السابق على ما كان عليه من العموم والشمول. فكذلك نقول: لما كان من المعلوم أيضا وجوب أداء كل صلاة في وقتها المحدد شرعا بفعله صلى الله عليه وسلم، وإمامة جبريل عليه السلام إياه ، وقوله: " الوقت بين هذين "، ثم ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين، لرفع الحرج عن أمته صلى الله عليه وسلم، كان ذلك دليلا واضحا على أن جمعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت، كان جمعا حقيقيا، فحمله على الجمع الصوري والحالة هذه تعطيل للحديث كما هو ظاهر للمنصف المتأمل، إذ إنه لا حرج في الجمع الصوري أصلا، ولذلك فلم يبالغ الإمام النووي رحمه الله حين قال في حمل الحديث على الجمع الصوري: " إنه باطل، لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل ". وإن مما يؤكد ذلك أمران: الأول: إن في حديث ابن عباس أن الجمع كان في غير خوف ولا مطر، ففيه إشارة قوية إلى أن جمعه صلى الله عليه وسلم في المطر كان معروفا لدى الحاضرين، فهل كان الجمع في المطر صوريا أيضا؟! اللهم لا. يخبرنا بذلك نافع مولى ابن عمر قال: كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا بالمغرب، وعجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى بذلك بأسا، قال عبيد الله (هو الراوي عن نافع) : ورأيت القاسم وسالما يصليان معهم في مثل تلك الليلة. أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (2 / 234) بسند صحيح غاية. قلت: فقوله: " قبل أن يغيب الشفق " صريح في أن جمعهم كان جمعا حقيقيا، لأن مغيب الشفق آخر وقت المغرب كما في حديث ابن عمرو عند مسلم ( 2 / 104 - 105) وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (425) .

والأمر الآخر: أن التعليل المتقدم برفع الحرج قد ثبت أيضا في الجمع في السفر من حديث معاذ: جمع رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء. قال أبو الطفيل: فقلت: ما حمله على ذلك؟ قال: فقال: أراد أن لا يحرج أمته. أخرجه مسلم، وابن خزيمة (2 / 81 / 966) وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (3 / 31) وفي رواية لأبي داود وغيره : أن الجمع كان تقديما تارة، وتأخيرا تارة. وهو مخرج في المصدر المذكور برقم (578) وثبت نحوه من حديث أنس وغيره، وهو مخرج هناك (579) . قلت : وإذا عرفت ما تقدم تأكدت إن شاء الله أن الصحيح في الجمع المعلل برفع الحرج إنما هو الجمع الحقيقي، لأن الجمع الصوري في أصله لا حرج فيه مطلقا لا في السفر ولا في الحضر ولذلك كان من أدلة الجمهور على الحنفية الذين لا يجيزون الجمع الحقيقي في السفر أيضا أنه ثبت فيه جمع التقديم أيضا، وهو يبطل تأويلهم الجمع بالجمع الصوري كما ثبت في بعض الأحاديث المشار إليها آنفا جمع التأخير بلفظ صريح يبطل أيضا تأويلهم، كحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق. متفق عليه. وبهذه المناسبة أقول: يبدو لي من تعليل الجمع في حديث ابن عباس برفع الحرج - أنه إنما يجوز الجمع حيث كان الحرج، وإلا فلا، وهذا يختلف باختلاف الأفراد وظروفهم، ولعل القائلين بجوازه مطلقا من السلف أشاروا إلى ما ذكرته حين اشترطوا أن لا يتخذ ذلك عادة كما تفعل الشيعة. ولا أتصور ذلك إلا لمن كان

2838

حريصا على أداء الصلوات في أوقاتها الخمسة، وفي المساجد مع الجماعة. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2838 - " أصبت وأحسنت اللهم وفقه. قاله لعبد الله بن الأرقم ". أخرجه الحاكم في " المستدرك " (3 / 335) قال: حدثنا محمد بن صالح بن هانىء حدثنا الفضل بن محمد البيهقي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب رجل، فقال لعبد الله بن الأرقم: " أجب عني "، فكتب جوابه، ثم قرأه عليه، فقال: (فذكر الحديث) . فلما ولي عمر كان يشاوره. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: فيه نظر، فإن الفضل بن محمد البيهقي، وهو الشعراني، أورده المؤلف الذهبي في " المغني " وقال: " قال [ابن] (¬1) أبي حاتم: تكلموا فيه ". وقد ترجم له الذهبي في " سيره " (13 / 317 / - 319) ترجمة جيدة نقل فيها قول ابن أبي حاتم المذكور، ثم أتبعه بقول ابن الأخرم فيه: " صدوق غال في التشيع ". وقول الحاكم: " لم أر خلافا بين الأئمة الذين سمعوا منه في ثقته وصدقه رضوان الله عليه، وكان أديبا فقيها عالما عابدا.. ". ¬

(¬1) سقطت من " المغني " وغيره، واستدركتها من " الجرح ".

وختم ترجمته بقوله: " وأما الحسين القباني فرماه بالكذب، فبالغ ". ثم إن محمد بن صالح بن هانىء لم أجد له ترجمة (¬1) . لكني وجدت للحديث طريقا أخرى لا بأس بإسنادها، فقال البزار في مسنده " البحر الزخار - 267 "، و (1 / 104 / 185 - كشف الأستار) : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا إبراهيم بن المنذر حدثنا محمد بن صدقة الفدكي حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال: " كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب، فقال لعبد الله بن أرقم: " أجب هؤلاء "، فأخذه عبد الله بن أرقم فكتبه، ثم جاء بالكتاب فعرضه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " أحسنت "، فما زال ذلك في نفسي حتى وليت، فجعلته على بيت المال ". وقال البزار: " لا نعلم رواه هكذا إلا مالك ". قلت: لكن أعله الدارقطني في كتابه " العلل " (2 / 143 - 144) بقوله: " هو حديث تفرد به محمد بن صدقة الفدكي - وليس بالمشهور، ولكن ليس به بأس - عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر، وغيره يرويه عن مالك مرسلا، وهو الصحيح ". قلت: والفدكي هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (9 / 67) وقال: " يعتبر حديثه إذا بين السماع، فإنه كان يدلس ". قلت: قد صرح بالتحديث هنا والسند إليه صحيح، فالإسناد جيد إن كان ¬

(¬1) ثم وجدت في بعض كتاباتي على " المستدرك " أنه مترجم في " الطبقات الكبرى " للسبكي (2 / 164) ، وأن ابن كثير وثقه في " تاريخه " (11 / 225) . اهـ.

2839

الفدكي قد حفظ وصله عن عمر، فإن الدارقطني وإن أعله بالإرسال بقوله المتقدم، فإنا لم ندر من هو المخالف، فإذا كان أوثق من الفدكي كما يظهر من إعلال الدارقطني فهو مرسل، فيصلح شاهدا بل هو - أعني المرسل - حجة عند بعض العلماء فلا أقل من أن يصلح شاهدا لحديث الترجمة، وأما قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 153) : " رواه البزار، وفيه محمد بن صدقة الفدكي، قال في " الميزان ": حديثه منكر ". قلت: يعني حديثا آخر ذكره في " الميزان "، وأما هذا فليس منكرا لما عرفت أنه رواه الحاكم من غير طريق الفدكي بسنده المتقدم عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن ابن عمر، لكن أورده في " مجمع الزوائد " (9 / 370) برواية الطبراني (يعني في " الكبير " 13 / 192) عن عبد الله بن أبي عون معضلا، وقال: " وإسناده حسن ". وذكره الحافظ في ترجمة ابن الأرقم من " الإصابة " من رواية البغوي من طريق الفدكي به موصولا نحوه، وسكت عنه. وبالجملة فالحديث جيد بمجموع طريقيه. والله أعلم. 2839 - " اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته ، وصل صلاة رجل لا يظن أن يصلي صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه ". أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " (1 / 26 / 2) من طريق أبي الشيخ ابن حيان : حدثنا ابن أبي عاصم: حدثنا أبي: حدثنا شبيب بن بشر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

2840

قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ عقبه في " الغرائب الملتقطة "، وأقره الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " ( ص 138) ، وللجملة الأخيرة منه شواهد كثيرة مذكورة في " المقاصد "، وسبق تخريج بعضها مع الجملة التي قبلها بنحوها برقم (401) . (تنبيه) : لقد اعتاد بعض الأئمة أن يأمروا المصلين عند اصطفافهم للصلاة ببعض ما جاء في هذا الحديث كقوله: " صلوا صلاة مودع "، فأرى أنه لا بأس في ذلك أحيانا، وأما اتخاذه عادة فمحدثة وبدعة. 2840 - " كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء ". أخرجه الإمام أحمد، وغيره من أصحاب السنن بإسناد حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي والضياء في " المختارة " . وقد خرجته مفصلا في " الإرواء " (4 / 45 - 51) و " صحيح أبي داود " (2040 ) . والغرض من ذكري للحديث مع الإيجاز في التخريج إنما هو التذكير بهذه السنة التي أهملها أكثر الصائمين، وبخاصة في الدعوات العامة التي يهيأ فيها ما لذ وطاب من الطعام والشراب، أما الرطب أو التمر على الأقل فليس له ذكر. وأنكر من ذلك، إهمالهم الإفطار على حسوات من ماء! فطوبى لمن كان من * (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) * (الزمر: 18) .

2841

2841 - " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه ". أخرجه أحمد (3 / 198) وابن أبي الدنيا في " الصمت " (رقم 9) والخرائطي في " المكارم " (رقم 442) والقضاعي في " مسند الشهاب " (ق 75 / 1) من طريق علي بن مسعدة الباهلي: قال: حدثنا قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير الباهلي هذا، وهو مختلف فيه، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". قلت : فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، إذ لا يخلو أحد من أوهام، فما لم يثبت أنه وهم فهو حجة. وقال العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 94) : " رواه ابن أبي الدنيا في " الصمت "، والخرائطي في " مكارم الأخلاق " بسند فيه ضعف ". وقال السيوطي في " الجامع الكبير ": " رواه أحمد وعبد الرزاق، وحسن ". وله طريقان آخران ضعيفان عن أنس مرفوعا بلفظ: " لا يستكمل أحدكم حقيقة الإيمان حتى يخزن من لسانه ". أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (2 / 73 / 2 - خط) . وله عنده (1 / 41 / 8 - ط) شاهد برجال ثقات عن الحسن البصري عن بعض أصحابه رفعه دون جملة الجار. ومضى تخريجها برقم (549) .

2842

(تنبيه) : هذا الحديث وقع في " أمثال الماوردي " (103) تماما لحديث أوله: " لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له، والذي نفسي بيده، لا يستقيم دين رجل حتى ... " إلخ. أورده من طريق حصين بن مذعور عن يونس عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وهذا إسناد مظلم، من دون ابن مسعود لم أعرفهما، ولم يتكلم عليه الدكتور فؤاد بشيء كعادته، وقال في تعليقه عليه: " صحيح، أخرجه أحمد (3 / 135..) والبيهقي في " سننه " (6 / 288) وابن حبان عن أنس. صحيح الجامع 6: (الأصل: 3 / 123 الحديث 7056) " . قلت: وهذا يوهم أنهم أخرجوه بهذا التمام، وأنه كذلك هو في " صحيح الجامع " وليس كذلك، وإنما هو عندهم جميعا بالطرف الأول منه، دون حديث الترجمة!! 2842 - " إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (3 / 123) وفي " الأدب المفرد " (29) من حديث أبي ذر. وقد ورد بلفظ: " هو إخوانكم.. ". وهو مخرج في " الإرواء " ( 2176) . والمراد بـ (الإخوان) هنا المماليك، قال ابن الأثير في " النهاية ": " الخول: حشم الرجل وأتباعه، وأحدهم (خائل) ، وقد يكون واحدا، ويقع على العبد والأمة، وهو مأخوذ من التخويل: التمليك، وقيل: من الرعاية ".

2843

2843 - " إن ربك ليعجب للشاب لا صبوة له ". رواه الروياني في " مسنده " (9 / 50 / 2) عن عبد الله بن وهب، أخبرنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة مرفوعا. ثم رواه (51 / 1) بهذا السند إلا أنه جعل أبا عشانة مكان مشرح. وهكذا رواه أبو سعيد ابن الأعرابي في " معجمه " (86 / 2) عن سعيد بن شرحبيل عن ابن لهيعة. قلت: وهذا إسناد جيد، لأن رواية ابن وهب عن ابن لهيعة صحيحة كما هو معلوم. ثم إن كلا من مشرح بن هاعان أو أبي عشانة - واسمه حي بن يومن - صالح الحديث، فلا يضره أنه مرة جاء عن هذا، ومرة عن هذا، لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة، والثاني أوثق من الأول ، ولعل كونه الثاني أرجح لرواية سعيد بن شرحبيل عن ابن لهيعة عنه، فإن ابن شرحبيل هذا صدوق من رجال البخاري. ويؤيده رواية قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة عن أبي عشانة به. أخرجه أحمد (4 / 151) بلفظ: " إن الله ليعجب.. ". وكذلك رواه الطبراني في " الكبير " (17 / 309 / 853) من طريقين عن ابن لهيعة ، أحدهما عن قتيبة. وكذلك رواه كامل: حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو عشانة به. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (1749) . وقال ابن أبي عاصم في " السنة " (1 / 250 / 571 - الظلال) : حدثنا هشام بن عمار قال: كتب إلينا ابن لهيعة به.

وكذلك رواه رشدين بن سعد قال: حدثني عمرو بن الحارث عن أبي عشانة به. أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (349) . والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (10 / 270) : " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وإسناده حسن ". ورده أخونا حمدي السلفي في تعليقه على " المعجم " بقوله: " قلت: كلا، ليس أحد من الرواة عن ابن لهيعة من العبادلة، فهو ضعيف ". ولذلك ضعفه أيضا المعلق على " أبي يعلى ". قلت: والتضعيف هو الجادة في حديث ابن لهيعة، لكن فاتهما رواية الروياني إياه من طريق ابن وهب، وهو أحد العبادلة الذين أشار إليهم الأخ السلفي، فصح الحديث والحمد لله. ويمكن أن يلحق بالعبادلة قتيبة بن سعيد، فقد رواه عن ابن لهيعة كما رأيت، وذلك لما ذكره الذهبي في ترجمة قتيبة من " سير أعلام النبلاء " (8 / 15) من رواية جعفر الفريابي: سمعت بعض أصحابنا يذكر أنه سمع قتيبة يقول: قال لي أحمد ابن حنبل: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح. فقلت: لأننا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة ". قلت: ولا يناقض هذا ما رواه الأثرم عن أحمد - كما في " التهذيب " - أنه ذكر قتيبة فأثنى عليه، وقال: هو آخر من سمع من ابن لهيعة ". قلت: وذلك لأنه كان يعتمد على كتاب ابن وهب، وليس على ما يسمعه من ابن لهيعة. والله أعلم.

2844

ويؤيد هذه الرواية ما ذكره الذهبي أيضا من طريق الآجري عن أبي داود قال: " سمعت قتيبة يقول: كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه، أو كتب ابن وهب إلا ما كان من حديث الأعرج ". (صبوة) أي ميل إلى الهوى، وهي المرة منه. " نهاية ". 2844 - " إن رجلا كان يبيع الخمر في سفينة وكان يشوب الخمر بالماء ومعه قرد، فأخذ الكيس فصعد الدقل فجعل يلقي دينارا في البحر ودينارا في السفينة حتى جعله نصفين ". رواه الحربي في " الغريب " (5 / 155 / 2) : حدثنا موسى حدثنا حماد عن إسحاق بن أبي طلحة عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح، ورواه أحمد (2 / 306 و 335 و 407) والحارث في " مسنده " (50 / 2 - زوائده) والبيهقي في " شعب الإيمان " (4 / 332 / 5307) من طرق عن حماد بن سلمة به. وللحديث طريقان آخران عن أبي هريرة: أحدهما يرويه عامر بن سيار: حدثنا سليمان بن أرقم عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا: " لا تشوبوا اللبن للبيع.. ". ثم ذكر حديث (المحفلة) ، ثم ذكر حديث الترجمة. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (3 / 253) ومن طريقه البيهقي (5308) وقال:

" سليمان بن أرقم ضعيف ". والآخر يرويه أحمد بن ملاعب بن حيان: حدثنا صالح بن إسحاق حدثنا يحيى بن كثير الكاهلي - قال صالح: وكان ثقة، وكان لا بأس به - حدثنا هشام عن ابن سيرين عنه به. إلا أنه قال: " ثعلب " مكان " قرد ". أخرجه البيهقي أيضا (5309) . قلت: وهذا إسناد حسن، أو حسن في الشواهد والمتابعات، فإن رجاله ثقات غير يحيى بن كثير الكاهلي، فهو مختلف فيه، فقال أبو حاتم: " شيخ ". وقال النسائي: " ضعيف ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 527) وكذا ابن شاهين (354 / 1525) وذكر قول صالح بن إسحاق المذكور في إسناد هذا الحديث. وتعقبه الحافظ في " التهذيب " بقوله: " كذا قال! وإنما روى صالح المذكور عن يحيى بن كثير صاحب البصري، فإن كان ما قاله محفوظا، فيشبه أن يكون روى عنهما جميعا. لكن لم يذكر ابن أبي حاتم وابن حبان وغيرهم للكاهلي راويا إلا مروان ". فأقول: لا أدري ما هو مستند الحافظ فيما ادعاه من حصر رواية صالح المذكور عن يحيى صاحب البصري - وهو ضعيف اتفاقا، بل تركه بعضهم - إلا أن يكون المستند أن أصله " تهذيب المزي " ذكر روايته عنه. وجوابي عليه من وجهين. الأول: أن ذلك لا ينفي أن يكون روى عن الكاهلي أيضا كما أشار هو في آخر كلامه. والآخر: أن القاعدة العلمية تقول: المثبت مقدم على النافي، فإذا أثبت شيئا حافظ كابن شاهين، فلا يصح التعقيب عليه بمثل النفي الذي في كلام الحافظ، وما أثبته ابن شاهين هو في رواية البيهقي هذه، وهي صحيحة الإسناد، رجاله كلهم ثقات من شيخه فمن فوقه إلى يحيى، فإنه قال: أخبرنا أبو عبد الله

الحسين بن الحسن بن محمد الغضائري حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز حدثنا أحمد بن ملاعب بن حيان، فهؤلاء الثلاثة كلهم ثقات: 1 - الغضائري، قال الخطيب (8 / 34) : " كتبنا عنه، وكان ثقة فاضلا ". وترجمه الحافظ الذهبي في " السير " (17 / 327) ووصفه بـ " الإمام الصالح الثقة ". 2 - أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز، له ترجمة جيدة في " تاريخ الخطيب " (3 / 132) برواية جمع من الحفاظ عنه، وقال : " كان ثقة ثبتا، كتب الناس عنه بانتخاب عمر البصري ". ووصفه الذهبي في ترجمة (الأردبيلي) بـ " مسند بغداد ". 3 - وأما أحمد بن ملاعب بن حيان، فهو من الحفاظ المعروفين، ترجمه الخطيب (5 / 168 - 170) ترجمة ضافية، روى فيها توثيقه عن جمع من الحفاظ منهم عبد الله ابن أحمد والدارقطني، ووصفه الذهبي في " تذكرة الحفاظ " وغيره بـ " الحافظ الثقة ". وجملة القول: أن هذا الإسناد يستشهد به على الأقل، فإنه مؤيد لما قبله، فيؤخذ منه ما وافقه، ويترك ما خالفه وتفرد به كقوله: " الثعلب " مكان " القرد " والله أعلم. والحديث أورده المنذري في " الترغيب " (3 / 23) وقال: " رواه الطبراني في " معجمه الكبير "، ورواه البيهقي أيضا، ولا أعلم في رواته مجروحا، وروي عن الحسن مرسلا ".

2845

ثم ذكر الروايتين بالإسنادين الآخرين، ولم يتكلم عليهما! ( الدقل) : خشبة يمد عليها شراع السفينة، وتسميها البحرية: " الصاري ". ( المحفلة) : الشاة، أو البقرة، أو الناقة، لا يحلبها صاحبها أياما حتى يجتمع لبنها في ضرعها، فإذا احتلبها المشتري حسبها غزيرة فيزيد في ثمنها! 2845 - " إن رجلا من بني إسرائيل سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار، فقال له: ائتني بشهداء أشهدهم عليك، فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت. قال: فدفع إليه ألف دينار إلى أجل مسمى فخرج في البحر وقضى حاجته وجاء الأجل الذي أجل له، فطلب مركبا فلم يجده فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار، وكتب صحيفة إلى صاحبها ثم زجج موضعها، ثم أتى بها البحر فقال: اللهم إنك قد علمت أني استسلفت من فلان ألف دينار فسألني شهودا وسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا فرضي بك وقد جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه بحقه فلم أجد وإني استودعتكها، فرمى بها في البحر! فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يقدم بماله فإذا هو بالخشبة التي فيها المال، فأخذها حطبا فلما كسرها وجد المال والصحيفة فأخذها، فلما قدم الرجل قال له: إني لم أجد مركبا يخرج، فقال: إن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة، فانصرف بالألف راشدا ". أخرجه أحمد (2 / 348) ومن طريقه الأصفهاني في " الترغيب " (ص

610 - مصورة الجامعة الإسلامية) عن يونس بن محمد عن الليث: حدثنا جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وقد علقه البخاري في أماكن من " صحيحه " (1498 و 2063 و 2291 و 2404 و 2430 و2734 و 6261) بصيغة الجزم: " وقال الليث.. "، وقد وصله في رواية أبي ذر وأبي الوقت فقال: حدثنا عبد الله بن صالح: حدثني الليث.. كما في " الفتح " ( 4 / 470) وعلق طرفا منه في المكان الأخير المشار إليه، فقال: وقال عمر بن أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة. ووصله في " الأدب المفرد " (1128) وابن حبان (6453 - الإحسان) وهذا ضعيف، عمر بن أبي سلمة هو الزهري القاضي، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". وقال الذهبي في " المغني ": " ضعفه ابن معين، وقال النسائي وغيره: ليس بالقوي ". قلت: فمثله لا يحتج به، وإنما في المتابعات والشواهد، وقد خالف هنا الرواية الأولى الصحيحة في مواضع منها قوله: " ستمائة دينار " مكان الألف. وزاد في آخره، فقال: " قال أبو هريرة: فلقد رأيتنا يكثر مراؤنا ولغطنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا أيهما آمن ". وغفل عن هذا كله المعلق على " الإحسان / المؤسسة " (14 / 409) ، فزعم أن إسناده حسن! وهو إلى ذلك لم يتنبه إلى النكارات التي وقعت فيه! ولعله لذلك لم يورده الهيثمي في " الموارد "، وقد استدركته عليه في " ضعيف الموارد ".

2846

وعلى عكس هذا فقد ضعف بعضهم رواية البخاري الموصولة بعبد الله بن صالح، ويعرف الجواب من تخريج أحمد من طريق غيره. وانظر تعليقي على " مختصر البخاري " (2 / 20) . 2846 - " إن " عليك السلام " تحية الميت، إن " عليك السلام " تحية الميت (ثلاثا) إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل: السلام عليكم ورحمة الله ". أخرجه الترمذي (2 / 120) من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال: طلبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقدر عليه، فجلست، فإذا نفر هو فيهم ولا أعرفه، وهو يصلح بينهم، فلما فرغ قام معه بعضهم فقالوا: يا رسول الله! فلما رأيت ذلك قلت: عليك السلام يا رسول الله، عليك السلام يا رسول الله، عليك السلام يا رسول الله، قال: فذكر الحديث، ثم رد علي النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وعليك ورحمة الله، وعليك ورحمة الله، وعليك ورحمة الله ". وقال: " حديث حسن صحيح ". ورواه الحاكم (4 / 186) من طريق أبي السليل عن أبي تميمة عن جابر بن سليم الهجيمي قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا محمد، أو يا رسول الله! فقال: " عليك السلام تحية الميت، عليك السلام تحية الميت، عليك السلام تحية الميت، سلام عليكم، سلام عليكم، سلام عليكم "، أي هكذا فقل، قال: فسألته عن الإزار فأقنع ظهره وأخذ بمعظم ساقه فقال: ههنا، فإن أبيت فههنا فوق

2847

الكعبين، فإن أبيت فإن الله لا يحب كل مختال فخور ". وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وللحديث شاهد مرسل من رواية قتادة: أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عليك السلام يا رسول الله! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وقال : " تيك تحية الموتى ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 617) بإسناد صحيح عنه. 2847 - " إن عليك من الحق أن تعدل بين ولدك كما عليهم من الحق أن يبروك ". أخرجه الطيالسي (ص 107 رقم 789) : حدثنا شعبة عن مجالد عن الشعبي عن النعمان بن بشير: أن أباه نحله نحلا، فأراد أن يشهد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " كل ولدك نحلت كما نحلته؟ "، فقال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ورجاله ثقات رجال الشيخين غير مجالد، وهو ابن سعيد وليس بالقوي، وقد تغير في آخر عمره، وروى له مسلم مقرونا، إلا أنه قد توبع على هذا الحديث في المعنى، فرواه مسلم (5 / 66) والبخاري في " الأدب المفرد " (16) وابن ماجه (2 / 67) وأحمد (4 / 269 و 270) عن داود بن أبي هند عن الشعبي به بلفظ: انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أشهد أني قد نحلت النعمان كذا وكذا من مالي، فقال : " أكل بنيك قد نحلت ما نحلت النعمان؟ ".

2848

قال: لا، قال: " فأشهد على هذا غيري! ". ثم قال: " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ ". قال: بلى، قال: " فلا إذن ". وقد ورد في هذه القصة ألفاظ أخرى منها: " اتقوا الله، واعدلوا في أولادكم ". أخرجه البخاري (3 / 134) ومسلم، وغيرهما بزيادة: " فرجع أبي فرد تلك الصدقة ". وقد خرجت بعض ألفاظه في " غاية المرام " (272 - 273) و " الإرواء " (1547) . 2848 - " إن خير عباد الله من هذه الأمة الموفون المطيبون ". رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " (4 / 241 / 2) عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين المصري: حدثني خالد بن عبد السلام أخبرنا ابن وهب قال: حدثني قرة بن عبد الرحمن وعبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن أبي حميد الساعدي مرفوعا. وفيه قصة. قلت: وهذا إسناد لا بأس به لولا أن ابن رشدين فيه كلام، وشيخه خالد بن عبد السلام لم أجده (¬1) ، وقد تابعه غير واحد لكنهم لم يذكروا ابن لهيعة في إسناده. ¬

(¬1) هذا قبل وقوفي على كتاب ابن أبي حاتم منذ نحو أربعين سنة، فقد ذكره فيه ( 3 / 342) وقال: " روى عنه الربيع بن سليمان الجيزي وأبي وقال: صالح الحديث ". اهـ.

أخرجه البزار (1308) والطبراني في " المعجم الصغير " وقد تكلمت عليه في " الروض النضير " (رقم 937) . وله شاهد من حديث عائشة أخرجه أحمد (6 / 268) والعقيلي في " الضعفاء " (432) عن مرجى بن رجاء عن هشام بن عروة عن أبيه عنها ، وقال: " مرجى بن يحيى قال ابن معين: " ضعيف "، وهذا يروى بغير هذا الإسناد من طريق صالح ". قلت: يشير إلى رواية أحمد في " المسند " (6 / 268 - 269) قال: حدثنا يعقوب قال: حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال: حدثني هشام بن عروة به عنها قالت: ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة وتمر الذخرة العجوة فرجع به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته، والتمس له التمر، فلم يجده، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " يا عبد الله! إنا قد ابتعنا منك جزورا - أو جزائر - بوسق من تمر الذخرة، فالتمسناه، فلم نجده "، قال فقال الأعرابي: واغدراه! قالت: فنهمه الناس، وقالوا: قاتلك الله أيغدر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوه، فإن لصاحب الحق مقالا ". فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: " اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية، فقل لها: إن رسول الله يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه إليك إن شاء الله..

2849

الحديث، وفي آخره حديث الترجمة، وقد مضى برقم (2677) برواية أحمد هذه فقط، مع الإشارة إلى أن بعضه في " الصحيحين "، وهنا فوائد لم تذكر هناك. وهذا إسناد حسن كما بينت هناك، وقواه المنذري (3 / 40) . وله شاهد من حديث أبي سعيد بنحوه. أخرجه ابن ماجه (2426) بسند جيد، وصححه البوصيري، وآخر من حديث عبد الله ابن أبي سفيان عند الطبراني، ووقع في " الترغيب ": " عبد الله ابن مسعود "، وهو خطأ من الطابع أو الناسخ. (فنهمه الناس) : أي زجروه، يقال: نهم الإبل إذا زجرها وصاح بها لتمضي. 2849 - " إن خيار عباد الله من هذه الأمة الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى، وإن شرار عباد الله من هذه الأمة المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء العنت ". رواه الخرائطي في " مساوىء الأخلاق " (ج 2 / 6 / 1) : حدثنا أحمد بن موسى المعدل البزار حدثنا داود بن مهران حدثنا مروان بن معاوية عن محمد بن أبي موسى : أخبرني هبيرة بن عبد الرحمن: أخبرني عبد الرحمن بن غنم: حدثنا أبو مالك الأشعري مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، هبيرة بن عبد الرحمن لم يوثقه غير ابن حبان (5 / 511) . ومحمد بن أبي موسى لم أعرفه. وانظر " الجرح " (4 / 1 / 84) . وله شاهد من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد مرفوعا نحوه. رواه، البخاري في " الأدب المفرد " (323) وأبو الشيخ في " التوبيخ "

(217) والخرائطي أيضا، وأحمد (6 / 459) والأصبهاني في " الترغيب " (1 / 107 / 189) . وفي رواية أخرى لأحمد (4 / 227) عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم مرفوعا. رواه البيهقي في " الشعب " (300 / 2) من حديث ابن عمر مرفوعا. وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. شاهد ثان، أخرجه الهيثم بن كليب في مسنده (159 / 2) عن يزيد بن ربيعة عن يزيد ابن أبي مالك عن الأزهر عن عبادة بن الصامت به. قلت: وهذا إسناد ضعيف. يزيد بن ربيعة متروك، ومن طريقه رواه الطبراني كما في " المجمع "، فهو مما لا يفرح ولا يستشهد بروايته. لكن للشطر الأول شاهد من حديث ابن عباس وغيره، تقدم تخريجه برقم (1646) . وللشطر الآخر شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " و " الأوسط "، وهو مخرج في " الروض النضير " (1084) . ثم وجدت للشطر الأول شاهدا آخر، أخرجه ابن المبارك في " الزهد " (ق 201 / 2) : أبنا المبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله عبادا إذا رؤوا ذكر الله ". وهذا إسناد مرسل حسن.

2850

وانظر " الصحيحة " (1646 و 1733) . 2850 - " إن للإسلام شرة وإن لكل شرة فترة، فإن [كان] صاحبهما سدد وقارب فارجوه، وإن أشير إليه بالأصابع فلا ترجوه ". رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 89) وتمام (163 / 1) عن بكار بن قتيبة: حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات على الخلاف المعروف في ابن عجلان. وبكار بن قتيبة من شيوخ ابن خزيمة، وثقه ابن حبان (8 / 152) وله ترجمة جيدة في " تاريخ ابن عساكر " (3 / 411 - 415) وكان قاضيا حنفي المذهب. وصفوان بن عيسى، ثقة من رجال مسلم. وتابعه حاتم بن إسماعيل عن محمد بن عجلان به. أخرجه الترمذي (2455) وابن حبان (652) . وقال الترمذي: " حسن صحيح غريب ". وللحديث شاهد من رواية ابن إسحاق: حدثني أبو الزبير المكي عن أبي العباس مولى بني الديل عن عبد الله بن عمرو قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجال ينصبون في العبادة من أصحابه نصبا شديدا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تلك ضراوة الإسلام وشرته، ولكل ضراوة شرة، ولكل شرة فترة، فمن

2851

كانت فترته إلى الكتاب والسنة فلأم (¬1) ما هو، ومن كانت فترته إلى معاصي الله، فذلك الهالك ". أخرجه أحمد (2 / 165) . قلت: وهذا إسناد حسن، صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وللحديث طريق أخرى من رواية مجاهد عن مجاهد نحوه. أخرجه أحمد وصححه ابن حبان، وهو مخرج في " ظلال الجنة " (51) . وأخرجه البزار (1 / 347 / 724) من طريق جرير عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل فقيل له: إنها تصوم النهار وتقوم الليل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل عمل شرة.. " الحديث، وقال البزار: " تفرد به مسلم ". قلت: وهو في نقدي: مسلم بن كيسان الملائي الأعور: وهو ضعيف. وقد خالف فجعل ابن عباس مكان ابن عمرو، لكنه في الشواهد لا بأس به. 2851 - " إن من الشعر حكمة ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (7 / 107) وفي " الأدب المفرد " (124 و 125) وأبو داود (2 / 315) والدارمي (2 / 296 - 297) وابن ماجه (2 / ¬

(¬1) أي قصد الطريق المستقيم. انظر " النهاية ". اهـ.

410) والطيالسي (ص 76 رقم 556) وأحمد (3 / 456 و 5 / 125) عن عبد الله بن الأسود ابن عبد يغوث عن أبي بن كعب مرفوعا. وله طريق أخرى عند الطيالسي رقم ( 557) : حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي مرفوعا . وهذا إسناد صحيح على شرط الستة. وله شاهد عن ابن مسعود بهذا اللفظ. رواه الترمذي (2 / 138) وقال: " غريب ". قلت: وسنده حسن. ثم قال: " وروي من غير هذا الوجه عن ابن مسعود مرفوعا ". وله شاهد ثان أقوى منه، يرويه سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا به. أخرجه البزار (3 / 3 / 2301 - كشف الأستار) : حدثنا نهشل بن كثير الباهلي حدثنا سفيان بن عيينة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير (نهشل) هذا، وقد وثقه ابن حبان كما يأتي، وأخرجه في " الثقات " فقال: حدثنا محمد بن المسيب: حدثنا نهشل بن كثير به، ذكره في ترجمة (نهشل) هذا، وقال: (9 / 221) : " شيخ. حدثنا عنه ابن خزيمة، لم أر في حديثه شيئا ينكر إلا حديثا واحدا ... " ثم ساق هذا الحديث. وأتبعه بقوله:

2852

" وقد وافقه عليه الهيثم بن جميل عن ابن عيينة ". قلت: والهيثم ثقة من رجال البخاري، فليس الحديث بمنكر إذن، ولاسيما وقد أتبعه في " الكشف " (1202) بطريق آخر من رواية زمعة عن الزهري به . ثم (1203) من طريق هشام بن عروة عن أبيه به. وإسناده صحيح. وله شاهد ثالث وهو: " إن من الشعر حكما.. وإن من البيان سحرا ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (125 - 126) وأبو داود (2 / 315) والترمذي (2 / 138) وابن ماجه (2 / 410) والطيالسي (ص 348 رقم 2670) وأحمد (1 / 269 و 303 و309 و 313 و 327 و 332) من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا. وليس عند ابن ماجه الجملة الثانية وكذلك الترمذي وقال: " حديث حسن صحيح ". وسببه أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بين، فذكره. ( تنبيه) حديث أبي وقع في " صحيح الجامع وزيادته " معزوا لمسلم أيضا. وكذا وقع في نسخة الظاهرية المخطوطة من " الزيادة " على " الجامع الصغير "، وهو خطأ، وعلى الصواب وقع في " الجامع الكبير " (7136) ، ولم يعزه المزي في " تحفته " لمسلم، ولا جاء ذكره في " فهرسته " الذي وضعه عبد الباقي في آخر المجلد الخامس من " مسلم ". 2852 - " إن للموت فزعا ". رواه ابن خزيمة في " حديث علي بن حجر " (ج 3 رقم 35) والحاكم (1 /

356) عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه شهد جنازة صلى عليها مروان بن الحكم، فذهب أبو هريرة مع مروان حتى جلسا في المقبرة، فجاء أبو سعيد الخدري فقال لمروان: أرني يدك، فأعطاه يده، فقال: قم، فقام، ثم قال مروان لأبي سعيد: لم أقمتني؟ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى جنازة قام حتى يمر بها، وقال: (فذكره) ، فقال مروان: أصدق يا أبا هريرة؟ قال: نعم، قال: فقال: ما منعك أن تحدثني؟ وقال: كنت إماما فجلست فجلست. قلت: وسنده صحيح على شرط مسلم. وكذا قال الحاكم. ووافقه الذهبي. وإنما آثرت تخريج الحديث هنا مع أنه تقدم تخريجه مختصرا برقم (2017) من رواية ابن ماجه وأحمد، لما في هذه الرواية من تصديق أبي هريرة لأبي سعيد، وتقدم هناك تخريجه من حديث جابر برواية مسلم وغيره، وأزيد هنا فأقول: رواه عبد بن حميد أيضا في " المنتخب من مسنده " (ق 151 / 2) وابن حبان (3939 - الإحسان) وابن عدي (ق 188 / 2) . وقد روي الحديث بزيادة في متنه بلفظ: " إن للموت فزعا، فإذا أتى أحدكم وفاة أخيه فليقل: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) *، * (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) *، اللهم اكتبه في المحسنين، واجعل كتابه في عليين، واخلف عقبه في الآخرين، اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده ". رواه الطبراني (3 / 163 / 1) من طريقين عن قيس بن الربيع عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد ضعيف، قيس بن الربيع، قال في " التقريب ":

2853

" صدوق، تغير لما كبر، أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به ". لكن حديثه هذا لا بأس به كشاهد لحديث الترجمة، وسائره غالبه له شاهد في مسلم (3 / 37 - 38 و 39) وغيره. وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 12 و 23) . وجملة: " اللهم لا تحرمنا أجره.. " إلخ ثبتت في حديث أبي هريرة فيما كان يقول صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة عند أبي داود، وابن حبان (756 - موارد ) وهو مخرج في " الأحكام " (ص 124) . 2853 - " إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام ". أخرجه النسائي (1 / 189) وابن حبان (1392) والحاكم (2 / 421) وكذا الدارمي (2 / 317) وأحمد (1 / 441 و 452) وابن المبارك في " الزهد " (ق / 204 / 2) والقاضي إسماعيل في " فضل الصلاة على النبي " (رقم 21) وعنه ابن النجار في " تاريخ المدينة " صفحة (398) وابن أبي شيبة في " المصنف " ( 2 / 135 / 2) وابن الديباجي في " الفوائد المنتقاة " (2 / 80 / 2) والطبراني في " الكبير " (3 / 81 / 2) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (5 / 205) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (9 / 189 / 2) من طرق عن سفيان الثوري وقرن به بعضهم الأعمش، كلاهما عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وصححه أيضا ابن القيم في " جلاء الأفهام " (صفحة 27) . وهو كما قالوا.

2854

وله شاهد يرويه أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي: فلان سلم عليك ويصلي عليك ، فلان يصلي عليك وسلم عليك ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (3 / 238) في ترجمة أبي يحيى هذا، وهو القتات، وختم ترجمته بقوله: " في حديثه بعض ما فيه، إلا أنه يكتب حديثه ". يشير إلى أنه صالح للاستشهاد به. ونحوه قول الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث ". 2854 - " إن مثل الذي يعمل السيآت ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج إلى الأرض ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 145) من طريق عبد الله بن المبارك قال: أنبأنا ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: حدثنا أبو الخير أنه سمع عقب بن عامر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ... قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة سيىء الحفظ، لكنه من رواية ابن المبارك عنه، وهي صحيحة كما تقدم مرارا.

2855

ومن هذا الوجه أخرجه البغوي في " شرح السنة " (14 / 339 / 4149) وقد توبع فيما يظهر، فقد قال الهيثمي (10 / 201 - 202) : " رواه أحمد والطبراني، وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح ". وسبقه إلى ذلك المنذري فقال (4 / 79) : " رواه أحمد والطبراني بإسنادين، رواة أحدهما رواة الصحيح ". ثم رأيته في " معجم الطبراني الكبير " (17 / 284 / 783 ) من طريق سعيد ابن عفير: حدثنا ابن لهيعة به. ثم رواه (رقم 784) من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به. قلت: فهذه متابعة قوية من يحيى بن أيوب ، وهو الغافقي، وهو ثقة من رجال الشيخين. 2855 - " إنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك ونفهت نفسك. يعني صوم الدهر وقيام الليل ". ذكره أبو عبيد في " الغريب " (4 - 5) معلقا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص وذكر قيام الليل وصيام النهار، فقال: فذكره قلت: وهو قطعة من حديث صحيح، يرويه أبو العباس المكي سمع عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا عبد الله بن عمرو! إنك لتصوم الدهر، وتقوم الليل، وإنك إذا فعلت ذلك

2856

هجمت له العين ، ونهكت (وفي رواية: ونفهت له النفس) ، لا صام من صام الأبد، صوم ثلاثة أيام من الشهر صوم الشهر كله ". قلت: فإني أطيق أكثر من ذلك. قال: " فصم صوم داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى ". أخرجه البخاري ( 1979) ومسلم (3 / 164 - 165) والنسائي (1 / 326) وأحمد (2 / 188 - 189 ) . (هجمت) أي: غارت أو ضعفت لكثرة السهر. (نهكت) أي: هزلت وضعفت. ( نفهت) أي: تعبت وكلت " فتح ". 2856 - " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين ". أخرجه البخاري (6 / 416 و 13 / 99) والدارمي (2 / 242) وابن أبي عاصم في " السنة " (1112) وأحمد (4 / 94) والطبراني (19 / 337 و 779 - 81 / 3) من طريق الزهري قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية - وهم عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان، فغضب فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله، ولا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأولئك جهالكم، فإياكم والأماني التي تضل أهلها، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر الحديث.

قوله: (ما أقاموا الدين) أي: مدة إقامتهم أمور الدين، ومفهومه أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم، وفي ذلك أحاديث أخرى تقدم أحدها (1552) وانظر الآتي بعده. وإليها أشار الحافظ في شرحه لهذا الحديث بقوله (13 / 117) : " ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من الله أولا، وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير، وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية، ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم، ووجد ذلك في غلبة مواليهم حيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه ، يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره، ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم، فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة، واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم، ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة، حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار، ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار ". قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة، بل الأمر أسوأ، فإنه لا خليفة اليوم لهم، لا اسما ولا رسما، وقد تغلبت اليهود والشيوعيون والمنافقون على كثير من البلاد الإسلامية. فالله تعالى هو المسؤول أن يوفق المسلمين أن يأتمروا بأمره في كل ما شرع لهم، وأن يلهم الحكام منهم أن يتحدوا في دولة واحدة تحكم بشريعته، حتى يعزهم الله في الدنيا، ويسعدهم في الآخرة، وإلا فالأمر كما قال تعالى: * (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) *، وتفسيرها في الحديث الصحيح: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " (¬1) ، فإلى دينكم أيها المسلمون حكاما ومحكومين. ¬

(¬1) وقد سبق تخريجه في هذا الكتاب برقم (11) . اهـ.

2857

2857 - " إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وفارقتم المشركين وأعطيتم من الغنائم الخمس وسهم النبي صلى الله عليه وسلم، والصفي - وربما قال: وصفيه - فأنتم آمنون بأمان الله وأمان رسوله ". أخرجه البيهقي (6 / 303 و 9 / 13) وأحمد (5 / 78) والخطابي في " غريب الحديث " (4 / 236) من طريق مرة بن خالد: حدثنا يزيد بن عبد الله بن الخير قال: بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس، معه قطعة أديم أو قطعة جراب، فقلنا: كأن هذا ليس من أهل البلد، فقال: أجل، هذا كتاب كتبه لي رسول الله عليه وسلم، فقال القوم: هات، فأخذته فقرأته فإذا فيه: بسم الله الرحمن الرحيم: هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش - قال أبو العلاء : وهم حي من عكل -: إنكم إن شهدتم ... الحديث. واللفظ للبيهقي. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين وجهالة الصحابي لا تضر كما تقرر. ورواه أحمد (5 / 77) من طريق عبد الرزاق (4 / 300 / 7877) عن الجريري عن أبي العلاء ابن الشخير به نحوه. (الصفي) : ما كان صلى الله عليه وسلم يصطفيه ويختاره من عرض المغنم من فرس أو غلام أو سيف، أو ما أحب من شيء، وذلك من رأس المغنم قبل أن يخمس، كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بهذه الثلاث (يعني المذكورة في الحديث: الخمس والسهم والصفي) عقبة وعوضا عن الصدقة التي حرمت عليه. قاله الخطابي.

قلت: في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى الإسلام، من ذلك: أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم، ومنها: أن يفارقوا المشركين ويهاجروا إلى بلاد المسلمين. وفي هذا أحاديث كثيرة، يلتقي كلها على حض من أسلم على المفارقة، كقوله صلى الله عليه وسلم: " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين، لا تتراءى نارهما "، وفي بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك. وفي بعضها قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا، أو يفارق المشركين إلى المسلمين ". إلى غير ذلك من الأحاديث، وقد خرجت بعضها في " الإرواء " (5 / 29 - 33) وفيما تقدم برقم (636) . وإن مما يؤسف له أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر - مع كثرتهم والحمد لله - لا يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة، وهجرتهم إلى بلاد الإسلام، إلا القليل منهم، وأنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين: الأول: تكالبهم على الدنيا، وتيسر وسائل العيش والرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة، لا روح فيها، كما هو معلوم، فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا تتوفر لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم. والآخر - وهو الأهم -: جهلهم بهذا الحكم، وهم في ذلك معذورون، لأنهم لم يسمعوا به من أحد من الدعاة الذين تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية، أو من الذين يذهبون إليهم باسم الدعوة لأن أكثرهم ليسوا فقهاء وبخاصة منهم جماعة التبليغ، بل إنهم ليزدادون لصوقا ببلادهم، حينما يرون

كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم إلى بلاد الكفار! فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل هذا الحكم والمسلمون أنفسهم مخالفون له؟! ألا فليعلم هؤلاء وهؤلاء أن الهجرة ماضيه كالجهاد، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل "، وفي حديث آخر: " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " وهو مخرج في " الإرواء " (1208) . ومما ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع ولأسباب عدة، ولبيانها مجال آخر، والمهم هنا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن الإسلام، أو مقصرين في تطبيق أحكامه، فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد الكفر أخلاقا وتدينا وسلوكا، وليس الأمر - بداهة - كما زعم أحد الجهلة الحمقى الهوج من الخطباء: " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود وبين أن أعيش في أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود " ! وزاد على ذلك فقال ما نصه: " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى ( تل أبيب) "!! كذا قال فض فوه، فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا! ولتقريب ما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على معرفته واتباعه، الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين، وصراخ الممثلين، واضطراب الموتورين من الحاسدين والحاقدين من الخطباء والكاتبين: أقول لأولئك المحبين: تذكروا على الأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم:

أحدهما: " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها ". أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما. والآخر: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون "، وهو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة، وتقدم تخريجه عن جمع منهم برقم (270 و 1108 و 1955 و 1956) ، و " صحيح أبي داود " (1245) ، وفي بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام، وجاء ذلك مفسرا عند البخاري وغيره عن معاذ، وعند الترمذي وغيره مرفوعا بلفظ: " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، ولا تزال طائفة من أمتي.. " الحديث. وفي هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان وليس بالحيطان. وقد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه حين كتب أبو الدرداء إليه: أن هلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا، وإنما يقدس الإنسان عمله. (موطأ مالك 2 / 235) . ولذلك فمن الجهل المميت والحماقة المتناهية - إن لم أقل وقلة الدين - أن يختار خطيب أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي، ويوجب على الجزائريين المضطهدين أن يهاجروا إلى (تل أبيب) ، دون بلده المسلم (عمان) مثلا، بل ودون مكة والمدينة، متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة، و (تل أبيب) و (حيفا) و (يافا) بخاصة من الفسق والفجور والخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من المسلمين والمسلمات بحكم المجاورة والعدوى، مما لا يخفى على من ساكنهم ثم نجاه الله منهم، أو يتردد على أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان. وليس بخاف على أحد أوتي شيئا من العلم ما في ذاك الاختيار من المخالفة

لصريح قوله تعالى * (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض، قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟! فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا، ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما (أي تحولا) كثيرا وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما) * (النساء 97 - 100) . قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (1 / 542) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين، وهو قادر على الهجرة، وليس متمكنا من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، مرتكب حراما بالإجماع، وبنص هذه الآية ". وإن مما لا يشك فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر، وقد صرح بذلك الإمام القرطبي، فقال في " تفسيره " (5 / 346) : " وفي هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي، وقال سعيد ابن جبير: إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها، وتلا: * (ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟) * ". وهذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " (2 / 174 / 1) بسند صحيح عن سعيد. وأشار إليه الحافظ في " الفتح " فقال (8 / 263) : " واستنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية ".

وقد يظن بعض الجهلة من الخطباء والدكاترة والأساتذة، أن قوله صلى الله عليه وسلم: " لا هجرة بعد الفتح " (¬1) ناسخ للهجرة مطلقا، وهو جهل فاضح بالكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وقد سمعت ذلك من بعض مدعي العلم من الأساتذة في مناقشة جرت بيني وبينه بمناسبة الفتنة التي أثارها علي ذلك الخطيب المشار إليه آنفا، فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبة المتقدم بلفظ: " لا تنقطع الهجرة.. " إلخ.. لم يحر جوابا! وبهذه المناسبة أنقل إلى القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين، وأنه لا تعارض بينهما، فقال في " مجموع الفتاوى " (18 / 281) : " وكلاهما حق، فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه، وهي الهجرة إلى المدينة من مكة وغيرها من أرض العرب، فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة وغيرها دار كفر وحرب، وكان الإيمان بالمدينة، فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها، فلما فتحت مكة وصارت دار الإسلام ودخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام، فقال: " لا هجرة بعد الفتح "، وكون الأرض دار كفر ودار إيمان، أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها: بل هي صفة عارضة بحسب سكانها، فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت، وكل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت، فإن سكنها غير ما ذكرنا وتبدلت بغيرهم فهي دارهم وكذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو كنيسة يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه، وكذلك دار الخمر والفسوق ونحوها إذا جعلت ¬

(¬1) متفق عليه، وهو مخرج في" الإرواء " (1057)

مسجدا يعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك، وكذلك الرجل الصالح يصير فاسقا والكافر يصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك، كل بحسب انتقال الأحوال من حال إلى حال وقد قال تعالى: * (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة) * الآية نزلت في مكة لما كانت دار كفر وهي ما زالت في نفسها خير أرض الله، وأحب أرض الله إليه، وإنما أراد سكانها. فقد روى الترمذي مرفوعا أنه قال لمكة وهو واقف بالحزورة: " والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا قومي أخرجوني منك لما خرجت " (¬1) ، وفي رواية: " خير أرض الله وأحب أرض الله إلي "، فبين أنها أحب أرض الله إلى الله ورسوله، وكان مقامه بالمدينة ومقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم ، ولهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة والمدينة، كما ثبت في الصحيح : " رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ومن مات مرابطا مات مجاهدا، وجرى عليه عمله، وأجرى رزقه من الجنة، وأمن الفتان " (¬2) . وفي السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: " رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل " (¬3) . وقال أبو هريرة (¬4) : لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود. ولهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله ورسوله، وهذا يختلف باختلاف الأحوال، ولا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل، وإنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى والطاعة والخشوع والخضوع والحضور، ¬

(¬1) إسناده صحيح، وهو مخرج في " المشكاة " (2725) . (¬2) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1200) . (¬3) قلت: وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي، وهو مخرج في تعليقي على " المختارة " (رقم 307) . (¬4) بل هو مرفوع، كذلك رواه ابن حبان وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " الصحيحة " (1068) .

وقد كتب أبو الدرداء إلى سلمان: هلم إلى الأرض المقدسة! فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحدا وإنما يقدس العبد عمله. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء. وكان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا. وقد قال الله تعالى لموسى عليه السلام: * (سأريكم دار الفاسقين) * وهي الدار التي كان بها أولئك العمالقة، ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين، وهي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة، وأرض مصر التي أورثها الله بني إسرائيل، فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما وتارة كافرا، وتارة مؤمنا وتارة منافقا، وتارة برا تقيا وتارة فاسقا، وتارة فاجرا شقيا. وهكذا المساكن بحسب سكانها، فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان والطاعة كتوبته وانتقاله من الكفر والمعصية إلى الإيمان والطاعة، وهذا أمر باق إلى يوم القيامة، والله تعالى قال: * ( والذين آمنوا [من بعد] وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم) * [الأنفال: 75 ] . قالت طائفة من السلف: هذا يدخل فيه من آمن وهاجر وجاهد إلى يوم القيامة ، وهكذا قوله تعالى: * (ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم) * [النحل: 110] (¬1) يدخل في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية ثم هجر السيئات وجاهد نفسه وغيرها من العدو، وجاهد المنافقين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغير ذلك، وصبر على ما أصابه من قول أو فعل. والله سبحانه وتعالى أعلم ". ¬

(¬1) وقع في هذه الآية خطأ مطبعي في الأصل، كما سقط منه ما بين المعقوفتين في الآية الأولى. اهـ.

فأقول: هذه الحقائق والدرر الفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، يجهلها جهلا تاما أولئك الخطباء والكتاب والدكاترة المنكرون لشرع الله * (وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا) *، فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم وحرموا عليهم الهجرة منها، وهم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم ودنياهم، وهلاك رجالهم وفضيحة نسائهم، وانحراف فتيانهم وفتياتهم، كما تواترت الأخبار بذلك عنهم بسبب تجبر اليهود عليهم، وكبسهم لدورهم والنساء في فروشهن، إلى غير ذلك من المآسي والمخازي التي يعرفونها، ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد ! فيا أسفي عليهم إنهم يجهلون، ويجهلون أنهم يجهلون، كيف لا وهم في القرآن يقرؤون: * (ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم) *! وليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا خرجوا من بلادهم تارة باسم لاجئين، وتارة باسم نازحين، أيقولون فيهم: إنهم كانوا من الآثمين، بزعم أنهم فرغوا أرضهم لليهود؟! بلى. وماذا يقولون في ملايين الأفغانيين الذين هاجروا من بلدهم إلى (بشاور) مع أن أرضهم لم تكن محتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين؟! وأخيرا.. ماذا يقولون في البوسنيين الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلاد الإسلامية ومنها الأردن، هل يحرمون عليهم أيضا خروجهم، ويقول فيهم أيضا رأس الفتنة: " يأتون إلينا؟ شو بساووا هون؟! ". إنه يجهل أيضا قوله تعالى: * (والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) *، أم هم كما قال تعالى في بعضهم: * (يحلونه عاما ويحرمونه عاما) *؟! ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأنباء من لم تزود

2858

2858 - " إن هذا الأمر في قريش ما داموا إذا استرحموا رحموا وإذا حكموا عدلوا وإذا قسموا أقسطوا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منهم صرف ولا عدل ". أخرجه الإمام أحمد (4 / 396) والبزار (2 / 229 / 1582) من طريق عوف عن زياد بن مخراق عن أبي كنانة عن أبي موسى قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب بيت فيه نفر من قريش، فقام وأخذ بعضاة الباب ثم قال: " هل في البيت إلا قرشي؟ "، قال: فقيل: يا رسول الله غير فلان ابن أختنا، فقال: " ابن أخت القوم منهم "، ثم قال: فذكره. وأبو كنانة هذا مجهول، ويقال هو معاوية بن قرة، ولم يثبت كما قال الحافظ في " التقريب ". والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (5 / 193) وقال: " رواه أحمد والبزار والطبراني، ورجال أحمد ثقات ". كذا قال، وقد علمت ما فيه من الجهالة، وإسناد البزار كإسناد أحمد. ولأبي داود منه: " ابن أخت القوم منهم " وقد سبق (776) . وللحديث شواهد يصح بها ويقوى، منها عن أبي سعيد الخدري مثله. أخرجه الطبراني في " الصغير " (ص 43) ، وكذا في " الأوسط " (1 / 142 / 2 / 2736) ، قال في " المجمع " (5 / 194) : " ورجاله ثقات ".

2859

قلت: هو من رواية معاذ بن عوذ الله القرشي: حدثنا عوف عن أبي الصديق الناجي عنه. وقال الطبراني: " تفرد به معاذ بن عوذ الله ". قلت: ولم أجد له ترجمة فيما عندي من الكتب، ولعله في " ثقات ابن حبان ". ثم رأيته فيه (9 / 178) وقال: " مستقيم الحديث ". وبقية رجاله ثقات رجال الستة غير شيخ الطبراني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي، وهو ثقة إمام. وله شاهد من حديث ابن مسعود وغيره. وقد مضى الكلام عليه برقم (1552) . 2859 - " إنما النذر ما ابتغي به وجه الله ". أخرجه البيهقي (10 / 67) من طريق عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا سند حسن إن شاء الله تعالى، فإن عبد الرحمن بن الحارث هذا صدوق له أوهام كما في " التقريب ". وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده محتج به كما تقرر عند المحققين ، وقد أوضحت ذلك في " صحيح سنن أبي داود " / الأم (رقم 124) . والحديث رواه البيهقي أيضا (10 / 75) وأحمد (2 / 183) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن الحارث به، وفيه سبب ورود الحديث. وتابعه أبو الزناد عن عمرو بن شعيب به عند الطبراني في " الأوسط " (1 / 77 / 1 / 1412 - بترقيمي) بنحوه، وفيه عبد الله بن نافع المدني، وهو ضعيف كما في " المجمع " (4 / 187) .

2860

2860 - " إنما النذر يمين كفارتها كفارة يمين ". أخرجه أحمد (4 / 149 و 156) من طريق ابن لهيعة قال: حدثنا كعب بن علقمة قال : سمعت عبد الرحمن بن شماسة يقول: أتينا أبا الخير فقال: سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: ورجاله ثقات غير ابن لهيعة، وهو سيىء الحفظ، ولكني وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستدلا به على أن كل نذر يمين ، فقال في " الفتاوى " (3 / 358) : " والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: النذر حلف ". فإن كان شيخ الإسلام وقف للحديث على طريق أخرى غير هذه فهو قوي، وإلا فلا، والاحتمال الأول أقرب لأن اللفظ الذي رواه هو غير هذا، والله أعلم. نعم جاء الحديث في صحيح مسلم وغيره عن عقبة مختصرا بلفظ: " كفارة النذر كفارة يمين "، فهو شاهد قوي للحديث، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (2586) . ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " (17 / 313 / 866) و " مسند الروياني " (ق 54 / 1) من طريق ابن لهيعة أيضا بلفظ قريب من لفظ ابن تيمية: " النذر يمين، وكفارته كفارة يمين ". لكنه قال: (ابن شماسة عن عقبة) ، لم يذكر بينهما (أبا الخير) ، ولعله من ابن لهيعة، فإنه متكلم فيه من قبل حفظه، والأرجح عنه إثباته، كما تقدم في رواية أحمد، فقد وجدت له متابعا قويا، فقال الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 74 - 75) : حدثنا يونس قال: حدثنا ابن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث عن

2861

كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن أبي الخير عن عقبة باللفظ المختصر الذي عند مسلم: " كفارة النذر كفارة يمين ". 2861 - " يا عقبة بن عامر ألا أعلمك سورا ما أنزلت في التوارة ولا في الزبور ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلهن، لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها، * (قل هو الله أحد) * و * (قل أعوذ برب الفلق) * و * (قل أعوذ برب الناس) * ". أخرجه أحمد (4 / 158) من طريق ابن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن فروة ابن مجاهد اللخمي عن عقبة بن عامر قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " يا عقبة بن عامر! صل من قطعك، وأعط من حرمك، واعف عمن ظلمك ". قال: ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " يا عقبة بن عامر! املك لسانك، وابك على خطيئتك، وليسعك بيتك ". قال: ثم لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: فذكر الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح لأن ابن عياش ثقة في الشاميين، وروايته هذه عن الشاميين فإن أسيد بن عبد الرحمن رملي، وهو ثقة وكذا شيخه فروة بن مجاهد كما تقدم بيانه تحت الحديث (891) .

2862

2862 - " تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت وإنه مكتوب بين عينيه [ك ف ر] ، يقرؤه من كره عمله ". أخرجه مسلم (8 / 193) والترمذي (2236) وابن منده في " المعرفة " (2 / 287 / 2) من طريق الزهري قال: وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي أن النبي قال يومئذ وهو يحذرهم فتنته (يعني الدجال) : فذكره. وقال الترمذي والسياق له: " حسن صحيح ". وعزاه المعلق على " سنن الترمذي " لأبي داود عن أنس برقم (4318) . وهو خطأ منه لأنه حديث آخر ليس فيه من حديث الترجمة إلا جملة الكتابة بين عينيه. (تنبيه) : جاء الحديث في " الفتح الكبير بضم الزيادة إلى الجامع الصغير " بلفظ الترمذي إلى قوله: حتى يموت، معزوا لـ (م، ن) والنون إشارة إلى " سنن النسائي "، وهو خطأ، والصواب ( ت) أي الترمذي، وعلى الصواب جاء في " الزيادة على الجامع الصغير " نسخة الظاهرية. 2863 - " إنما النساء شقائق الرجال ". قال في " الكشف " (1 / 214) تبعا لأصله: " رواه أحمد وأبو داود والترمذي عن عائشة، ورواه البزار عن أنس، قال ابن القطان: هو من طريق عائشة ضعيف، ومن طريق أنس صحيح ". قلت: أما حديث عائشة فهو من طريق حماد بن خالد الخياط: حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عنها. قالت:

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما؟ قال: " يغتسل "، وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يرى بللا؟ قال: " لا غسل عليه "، فقالت أم سليم: هل على المرأة ترى ذلك شيء؟ قال: " نعم، إنما النساء.. " الحديث. أخرجه أبو داود (1 / 37) والترمذي (1 / 189 - 190) وأحمد (6 / 256) وقال الترمذي: " وعبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في الحديث ". قلت: فإنما يخشى من سوء حفظه، فإذا توبع في روايته فذلك يدل على أنه قد حفظ، والأمر كذلك هنا، فقد روى هذه القصة غيره من حديث أنس، وإسناده صحيح كما سبق عن ابن القطان، وقد أخرجه الدارمي (1 / 195) : أخبرنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سليم، وعنده أم سلمة، فقالت: المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم فضحت النساء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم منتصرا لأم سليم: " بل أنت تربت يداك ، إن خيركن التي تسأل عما يعنيها، إذا رأت الماء فلتغتسل "، قالت أم سلمة: وللنساء ماء يا رسول الله؟ قال: " نعم، فأين يشبههن الولد؟ إنما هن شقائق الرجال ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الستة غير محمد بن كثير، وهو أبو يوسف

الصنعاني المصيصي، وهو صدوق كثير الغلط كما في " التقريب "، ولعل البزار رواه من غير طريقه، وإلا فكيف يصححه ابن القطان إذا كان من طريقه؟ (¬1) . على أنه لم يتفرد به وإن كان خولف في سنده، فقال الإمام أحمد (6 / 377 ) : حدثنا [أبو] المغيرة (ما بين المربعين ساقط من المسند) قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن جدته أم سليم قالت: كانت مجاورة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت تدخل عليها، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أم سليم: يا رسول الله! أرأيت إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في المنام، أتغتسل؟ فقالت أم سلمة: تربت يداك يا أم سليم، فضحت النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقالت أم سليم: إن الله لا يستحي من الحق، وإنا أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل علينا خير من أن نكون منه على عمياء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة : " بل أنت تربت يداك، نعم يا أم سليم عليها الغسل إذا وجدت الماء "، فقالت أم سلمة: يا رسول الله! وهل للمرأة ماء؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فأني يشبهها ولدها؟ هن شقائق الرجال ". وهذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الستة، لكن أعله الهيثمي بالانقطاع، فقال (1 / 268) : " وإسحاق لم يسمع من أم سليم ". لكن دلت الرواية الأولى على أن إسحاق أخذها عن أنس، وهو عن أمه أم سليم، وكذلك رواه مسلم (1 / 171) وغيره عن عكرمة بن عمار قال: قال إسحاق بن طلحة: حدثني أنس بن مالك قال: جاءت أم سليم ... الحديث دون ¬

(¬1) ولم يذكره الهيثمي في " كشف الأستار "، ولا في " المجمع "، وإنما فيه (1 / 268) بلفظ آخر وأعله بالانقطاع كما سيأتي. اهـ.

2864

قوله: إنما النساء.. إلخ. فزالت بذلك شبهة الانقطاع، وثبتت بذلك صحة الحديث. ( تنبيه) : عزا المناوي حديث عائشة إلى الدارقطني أيضا في الطهارة ولم أجده في " سننه "، فلينظر. 2864 - " إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة ويحدثون بدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. قال ابن مسعود: كيف بي إذا أدركتهم؟ قال: ليس - يا ابن أم عبد - طاعة لمن عصى الله. قالها ثلاثا ". رواه ابن ماجه (2865) والبيهقي (3 / 127) وفي " الدلائل " (6 / 396 - 397) وأحمد، وابنه في " الزوائد " (رقم 3790) والسياق له، وعنه ابن عساكر (14 / 165 / 2) والطبراني في " معجمه " (10 / 213 / 10361) عن القاسم ابن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد الله مرفوعا. قلت: وهذا سند صحيح ، رجاله رجال الصحيح، وقد مضى تحت الحديث (590) . 2865 - " إني ممسك بحجزكم عن النار وتقاحمون فيها تقاحم الفراش والجنادب ويوشك أن أرسل حجزكم، وأنا فرط لكم على الحوض، فتردون علي معا وأشتاتا، يقول جميعا ، فأعرفكم بأسمائكم وبسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله، فيذهب بكم

ذات الشمال، وأناشد فيكم رب العالمين، فأقول: يا رب أمتي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم كانوا يمشون القهقرى بعدك. فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي: يا محمد، يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء ينادي: يا محمد، يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت ، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي: يا محمد، يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت، ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل قشعا من أدم ينادي: يا محمد، يا محمد! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت ". أخرجه البزار (1 / 426 / 900) والرامهرمزي في " الأمثال " (21 - 22) من طريقين عن مالك بن إسماعيل: حدثنا يعقوب بن عبد الله القمي عن حفص بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضوان الله عليهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، قال البزار عقبه: " لا نعلمه عن عمر إلا بهذا الإسناد، وحفص لا نعلم روى عنه إلا القمي ". قلت: قد روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق، كما في " الجرح والتعديل " (1 / 2 / 171) وروى عن ابن معين أنه قال فيه: " صالح ".

2866

ووثقه النسائي أيضا، وابن حبان ( 6 / 196) وقال المنذري في " الترغيب " (2 / 277 - 278) : " رواه أبو يعلى والبزار، وإسنادهما جيد ". وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 85) : " رواه أبو يعلى في " الكبير "، والبزار، ورجال الجميع ثقات ". قلت: وأشار بقوله: " الكبير " إلى أن لأبي يعلى مسندين: كبيرا، وصغيرا، و " الصغير " هو المعروف اليوم، وهو الذي يطبع الآن في دمشق، وصدر منه أكثر من عشرة أجزاء (¬1) ، ومسند عمر في الأول منها، وليس الحديث فيه. وكأن الشيخ الأعظمي في تعليقه على " البزار " لا علم عنده بـ " المسند الكبير " كما يشير إلى ذلك قوله عقب قول الهيثمي المتقدم: ".. في الكبير "، قال الأعظمي: " ( كذا) "! 2866 - " إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه، إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته ". رواه أبو بكر الحداد في " المنتخب من فوائد ابن علويه القطان " (168 / 1) ¬

(¬1) ثم طبع فيما بعد كاملا، بتحقيق الأخ (حسين سليم الديراني) ، ولي عليه انتقادات كثيرة سبق ذكر بعضها. اهـ.

وابن مردويه في " ثلاثة مجالس " (188 / 1 - 2) من طرق عن يعلى بن عبيد: أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن [عبد الملك بن عمير] وزبيد الأيامي عن عبد الله بن مسعود مرفوعا، والزيادة لابن مردويه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه منقطع من الوجهين، أما زبيد فإنه لم يدرك ابن مسعود يقينا، فإنه مات سنة (122) ومات ابن مسعود سنة (32) ، وأما عبد الملك فإنه ولد في السنة التي مات ابن مسعود فيها، أو بعدها بسنة. ورواه الحاكم ( 2 / 4) من طريق سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن أبي أمية الثقفي عن يونس بن بكير عن ابن مسعود مرفوعا به. وهذا إسناد مظلم، سعيد بن أبي أمية، أورده ابن أبي حاتم (2 / 1 / 5) فقال: " سعيد بن أبي أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص، روى عن أبي أمامة الباهلي، روى عنه عنبسة بن أبان القرشي ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وعلق عليه محققه بقوله: " لم أجد سعيد بن أبي أمية هذا، وستأتي ترجمة سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، وكنيته عمرو بن سعيد أبو أمية، وله ابن اسمه أمية. فالله أعلم ". وشيخه يونس بن بكير، أظن أنه مقحم هنا من بعض النساخ، فإنه متأخر عن طبقة التابعين، مات سنة (199) . وللحديث شاهد، فقال الشافعي (1 / 13 - " ترتيب المسند والسنن ") :

2867

أخبرنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره دون قوله: " ولا يحملنكم.. ". سكت عنه مرتبه البنا كعادته، وهو مرسل جيد الإسناد، والمطلب بن حنطب، نسب إلى جده الأعلى، فإنه المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب.. المخزومي، وقيل بإسقاط ( المطلب) في نسبه، وقيل: هما اثنان كما في " التهذيب "، وهو تابعي ثقة، يرسل كثيرا. وللقول المذكور آنفا شاهد من حديث جابر بنحوه. أخرجه ابن حبان وغيره، وهو مخرج في " الظلال " (420) و " التعليق الرغيب " (3 / 7) . وبالجملة فالحديث حسن على أقل الأحوال. 2867 - " إنه ليهون علي الموت أن أريتك زوجتي في الجنة. يعني عائشة ". رواه الحسين المروزي في " زوائد الزهد " (207 / 2) : حدثنا أبو معاوية حدثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ومن هذا الوجه رواه الخلعي في " الفوائد " (2 / 59 / 1) ، ثم من طريق سعيد بن عنبسة قال: حدثنا أبو معاوية عن مسعر عن حماد به. قلت: وهذا إسناد ضعيف رجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن عنبسة، وأظنه أبا عثمان الخراز الرازي، فقد ذكر ابن أبي حاتم (2 / 1 / 52) أنه روى عن جمع سماهم من هذه الطبقة، منهم أبو معاوية الضرير، وقال: " سمع منه أبي، ولم يحدث عنه، وقال: فيه نظر، وقال مرة: كان لا يصدق "

ومن هذه الطبقة ما أورده ابن حبان في الطبقة الرابعة من " الثقات " (8 / 268) : " سعيد بن عنبسة ، يروي عن ابن إدريس والكوفيين، روى عنه محمد بن إبراهيم البوشنجي، ربما خالف ". قلت: فيحتمل أن يكون هو الرازي، ويحتمل أن يكون غيره، وهو ظاهر صنيع الحافظ في " اللسان "، فإذا كان غيره فالسند حسن. والله أعلم. ويقويه أن له طريقا أخرى، فقال أحمد (6 / 138) : حدثنا وكيع عن إسماعيل عن مصعب بن إسحاق بن طلحة عن عائشة به مختصرا بلفظ: " إنه ليهون علي أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة ". وهذا إسناد جيد لولا جهالة في مصعب هذا، فقد ذكره ابن أبي حاتم، وابن حبان في " الثقات " في (التابعين) (5 / 412) و (أتباع التابعين) (7 / 478) من رواية إسماعيل هذا فقط عنه، وهو إسماعيل بن أبي خالد، وكذلك أورده الحافظ في " التعجيل "، وزاد في الحديث بعد أن عزاه لـ " المسند ": " يعني الموت "، تفسيرا منه لقوله: " ليهون علي ". ويحتمل أن يكون ذلك في نسخته من " المسند " وهو بعيد، لأنه ليس في " جامع المسانيد " ( 37 / 104 / 3004) . والله أعلم. والحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " ( 2 / 375) من طريق المعلى بن عبد الرحمن بإسناده عن عائشة بلفظ الترجمة، وقال : " موضوع بهذا الإسناد، والمعلى متروك الحديث ". وقوله: " بهذا الإسناد " كأنه يشير إلى الأسانيد المتقدمة، وأنا أرى أن الحديث حسن بمجموع إسنادي أبي حنيفة وأحمد، والله أعلم.

2868

2868 - " إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك ". رواه الضياء في " المختارة (41 / 1) من طريق أبي داود صاحب " السنن "، وهذا في " اللباس " منه (4106) عن أبي جميع سالم بن دينار عن ثابت عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى، قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفي سالم بن دينار كلام لين لا يضر، وقد وثقه ابن معين وابن حبان (6 / 411) وغيرهما. وفي الحديث دليل واضح على جواز كشف البنت عن رأسها ورجليها أمام أبيها، بل وغلامها أيضا، ففيه رد صريح على الأستاذ أبي الأعلى المودودي - رحمه الله - حيث صرح في كتابه " الحجاب " (ص 289 - 290 - مؤسسة الرسالة) أنه لا يحل للمرأة كشف عورتها - إلا الوجه والكفين - حتى لأبيها أو عمها أو أخيها أو ابنها! قال: " وحتى للمرأة مثلها " ! وأكد ذلك في مكان آخر (ص 272 - 273) ! وقد كنت رددت عليه في هذه المسألة في تعقيب نشر في آخر كتابه من الطبعة الأولى بطلب - بل وإلحاح - من القائمين عليها، لأنني استبعدت موافقة المؤلف على ذلك دون أن يطلع على التعقيب، فقال وسيطهم: لا عليك، نحن متفقون مع الأستاذ المودودي على موافقته على ما قد يبدو لنا من تعليق. ولكن ما كاد الكتاب يصل إلى المؤلف حتى سارع بالكتابة إليهم بأن لا ينشروا الكتاب حتى يأتيهم برده على " التعقيب "، فطبعوا رده في رسالة صغيرة. وفيها أخطاء

2869

جديدة فقهية وحديثية، بينت بعضها في كتابي " جلباب المرأة المسلمة " (ص 42 - 50 - الطبعة الجديدة) ، وهو كثير التناقض في كتابه المذكور في وجه المرأة تناقضا يدل على أنه كان غير مطمئن لرأي خاص فيه، وهذا واضح جدا لمن تتبع كلامه فيه، ولا مجال الآن لبيانه. 2869 - " أهل الجنة أمشاطهم الذهب ومجامرهم الألوة ". رواه الحميدي في " مسنده " (180 / 1) : حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو قطعة من حديث لأبي هريرة رضي الله عنه، أخرجه البخاري (3246) من طريق أخرى عن أبي الزناد به. وتابعه همام بن منبه عن أبي هريرة به. أخرجه البخاري (3245) ومسلم (8 / 147) والترمذي (2540) وابن حبان (7393) وأحمد ( 2 / 312) وقال الترمذي: " حديث صحيح ". وأنكر هذه الرواية المتعالم المعلق على الطبعة الثانية من " رياض الصالحين " (643 / 1891 - المكتب الإسلامي) وفيها زيادة: " لكل واحد منهم زوجتان.. "، فزعم أنها لمسلم دون البخاري! وتابعه أبو زرعة به. أخرجه البخاري (3327) ومسلم أيضا، وابن حبان (7394) . وكذا تابعه أبو صالح عنه. رواه مسلم، وأحمد (2 / 231 - 232 و 253) .

2870

وعبد الرحمن بن أبي عمرة عنه. رواه البخاري (3254) . وكل هؤلاء رووه عنه بتمامه. ورواه ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره مختصرا بلفظ: " أهل الجنة رشحهم المسك، ووقودهم الألوة ". قال ابن لهيعة: (الألوة) : العود الهندي الجيد. أخرجه أحمد (2 / 357) . قلت: وابن لهيعة ضعيف، لكن حديثه هذا صحيح، لأن جملة: " رشحهم المسك " ثابتة في بعض الطرق المتقدمة. 2870 - " أوتيت الكتاب وما يعدله (يعني: ومثله) ، يوشك شبعان على أريكته يقول: بيننا وبينكم هذا الكتاب، فما كان فيه من حلال أحللناه وما كان [فيه] من حرام حرمناه، ألا وإنه ليس كذلك. ألا لا يحل ذو ناب من السباع ولا الحمار الأهلي، ولا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها، وأيما رجل أضاف قوما فلم يقروه فإن له أن يعقبهم بمثل قراه ". رواه عباس الترقفي في " حديثه " (46 / 1) : حدثنا محمد بن المبارك قال: حدثني يحيى بن حمزة قال: حدثني محمد بن الوليد الزبيدي عن مروان بن رؤبة أنه حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن المقدام بن معدي كرب الكندي مرفوعا.

وتابعه هشام بن عمار عند الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 283 / 669) وأبو مسهر عند الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 321) كلاهما عن يحيى بن حمزة به، ولم يذكر الطحاوي: " ولا اللقطة.. " إلخ. وتابع يحيى بن حمزة محمد بن حرب عن الزبيدي بشطره الثاني: " ألا لا يحل ذو ناب.. ". أخرجه أبو داود (3804) . قلت: وهذا إسناد حسن بما بعده، رجاله ثقات، إلا أن مروان بن رؤبة لم يوثقه غير ابن حبان (5 / 425) ، فقال: " كنيته أبو الحصين ، يروي عن واثلة بن الأسقع، عداده في أهل الشام، روى عنه أهلها ". ذكره في ( الطبقة الثانية) يعني التابعين، وأنا في شك كبير في كونه تابعيا، والراجح أنه من أتباعهم كما حققته في " تيسير الانتفاع " يسر الله لي إتمامه بمنه وكرمه. وقد تابعه حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف به. أخرجه أبو داود (4604) وأحمد (4 / 130) والطبراني (20 / 283 / 270) . قلت: وحريز ثقة ثبت من رجال البخاري، فالسند صحيح. وللنصف الأول منه طريق آخر من رواية الحسن بن جابر قال: سمعت المقدام بن معدي كرب يقول: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر أشياء ثم قال:

2871

" يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته.. " الحديث نحوه. أخرجه أحمد (4 / 132) . وإسناده حسن في المتابعات . وللشطر الثاني شاهد من حديث خالد بن الوليد دون جملة الضيافة. أخرجه أبو داود (3806) وغيره، وفيه لفظ " البغال "، وهو منكر، ولذلك خرجته في " الضعيفة " (1149) . 2871 - " إن الله يوصيكم بالنساء خيرا، إن الله يوصيكم بالنساء خيرا فإنهن أمهاتكم وبناتكم وخالاتكم، إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة وما يعلق يداها الخيط فما يرغب واحد منهما عن صاحبه [حتى يموتا هرما] ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (20 / 374 / 648) من طريقين عن محمد بن حرب عن سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن المقدام بن معدي كرب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: فذكر الحديث. وهكذا رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (18 / 45 / 1 - 2) من طريق داود بن رشيد: أخبرنا محمد بن حرب به، والزيادة له. وزاد أيضا عقبها: قال أبو سلمة (يعني: سليمان بن سليم) : وحدثت بهذا الحديث العلاء بن سفيان الغساني، فقال: لقد بلغني: أن من الفواحش التي حرم الله مما بطن، مما لم يتبين ذكرها في القرآن: أن

2872

يتزوج الرجل المرأة، فإذا تقادم صحبتها، وطال عهدها، ونفضت ما في بطنها، طلقها من غير ريبة. قلت: وهذا إسناد صحيح متصل عندي كما كنت حققته في " إرواء الغليل " (7 / 42) ، فليراجعه من شاء. وللجملة الأولى منه طريق أخرى تقدمت برقم (1666) . قوله: (وما يعلق يداها الخيط) كناية عن صغر سنها وفقرها. في " النهاية ": " قال الحربي: يقول من صغرها وقلة رفقها، فيصبر عليها حتى يموتا هرما. والمراد حث أصحابه على الوصية بالنساء، والصبر عليهن. أي أن أهل الكتاب يفعلون ذلك بنسائهم ". قلت : كان ذلك منهم حين كانوا على خلق وتدين ولو بدين مبدل، أما اليوم فهم يحرمون ما أحل الله من الطلاق، ويبيحون الزنى بل واللواط علنا!! 2872 - " أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا في قطيعة رحم ولا فيما لا يملك ابن آدم " (¬1) . رواه أبو داود (3313) والطبراني (1 / 134 / 1) عن يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو قلابة قال: حدثني ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحر بـ " بوانة "، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر بـ " بوانة "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ "، قال: لا، قال: " فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ "، قال: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ¬

(¬1) من أجل الجملة الأخيرة انظر الحديث المتقدم برقم (2184) والآتي برقم ( 3309) ، و " الضعيفة " الحديث رقم (6549) . اهـ.

2873

قلت: وإسناده صحيح رجاله رجال الشيخين، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " (ص 186) : " أصل هذا الحديث في " الصحيحين "، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة ". وفي " الصحيحين " الجملة الأخيرة منه، بزيادات أخرى هامة، وهو مخرج في " الإرواء " (2575) . ولقصة (بوانة) شاهد من حديث ميمونة بنت كردم بن سفيان عن أبيها نحوه. أخرجه أبو داود (3315) وابن ماجه (2131) وأحمد (3 / 419) ولم يذكر ابن ماجه أباها. وإسناده حسن في الشواهد، والحديث صحيح بلا ريب. وفيه من الفقه تحريم الوفاء بنذر المعصية، وأن من ذلك الوفاء بنذر الطاعة في مكان كان يشرك فيه بالله، أو كان عيدا للكفار، فضلا عن مكان يتعاطى الناس الشرك فيه، أو المعاصي، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية القول فيه تفصيلا رائعا لا تجده عند غيره، فراجعه في " الاقتضاء "، فإنه هام جدا. 2873 - " ألا تدعو له طبيبا ". رواه ابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " (35 / 1) عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله أن رسول الله عاد مريضا فقال: " ألا تدعو له طبيبا؟ ". قالوا: يا رسول الله وأنت تأمرنا بهذا؟ قال: فقال:

" إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء ". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله رجال الشيخين، على ضعف يسير في الكرماني أشار إليه الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". ولذلك أورده الذهبي في " معرفة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (ص 88) . وللحديث طريق أخرى، فقال أحمد (5 / 371) : حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن يساف عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به جرح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ادعوا له طبيب بني فلان ". قال: فدعوه، فجاء، فقال: يا رسول الله! ويغني الدواء شيئا؟ فقال: " سبحان الله! وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء؟ ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل الأنصاري، فلم يسم، لكن الظاهر أنه صحابي، ولذلك أورد أحمد الحديث تحت عنوان " أحاديث رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "، والصحابة كلهم عدول عندنا، ولا أستبعد أن يكون هو جابر بن عبد الله الذي في الإسناد الأول، فإنه من الأنصار. والله أعلم. والحديث قال الهيثمي في " المجمع " (5 / 84) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ".

2874

ورواه أبو نعيم في " الطب " (ق 10 / 2) من طريق أخرى عن سفيان به ، لكنه أرسله. وروى له في الباب شاهدا من طريقين عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به نحوه. وإسناده صحيح. 2874 - " ألا تسألوني مما ضحكت؟ قلنا: يا رسول الله مما ضحكت؟ قال: رأيت ناسا من أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل، ما أكرهها (¬1) إليهم! قلنا: من هم؟ قال : قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام ". رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 298) قال: حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد ابن الفضل: حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم: حدثنا يزيد بن سنان بمصر وعباد بن الوليد قالا: حدثنا حبان بن هلال حدثنا مبارك بن فضالة: حدثني كثير أبو محمد: حدثني أبو الطفيل قال: ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استغرق (¬2) ضحكا ثم قال: (الحديث) . قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، إما لذاته، وإما لغيره لما يأتي له من المتابعة والشواهد، فإن رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " على جهالة في كثير أبي محمد، فقد وثقه ابن حبان (5 / 332) . وأما عبد الرحمن بن أبي حاتم فثقة حافظ، وهو مؤلف الكتاب العظيم: " الجرح والتعديل ". ¬

(¬1) الأصل (يكرهها) ، ولعل الصواب ما أثبته. اهـ. (¬2) الأصل: " استغرب ". اهـ.

وأما أبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل، شيخ أبي نعيم، وقال فيه: " توفي سنة سبع وثمانين " يعني بعد الثلاثمائة. ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. ولكنه لم يتفرد به كما يأتي. والحديث أخرجه البزار في " مسنده " (2 / 289 / 1730) : حدثنا بشر بن سهل حدثنا حبان بن هلال به. وقال في " المجمع " (5 / 333) : " رواه البزار والطبراني، وفيه بشر بن سهل كتب عنه أبو حاتم، ثم ضرب على حديثه، وبقية رجاله وثقوا ". وله شاهد من حديث أبي غالب عن أبي أمامة: استضحك النبي صلى الله عليه وسلم [يوما فقيل له : يا رسول الله! ما أضحكك؟] قال: " عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون ". أخرجه أحمد (5 / 249 و 256) والزيادة له، وليس عنده: " وهم كارهون ". والسياق للطبراني، وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وأبو غالب ليس من رجال الصحيح، وهو صاحب أبي أمامة، وهو صدوق يخطىء، وقد سقط من إسناد أحمد الآخر، كما لم يسم الراوي عنه، فإسناده الأول حسن. شاهد آخر: يرويه الفضيل بن سليمان: حدثنا محمد بن أبي يحيى عن العباس بن سهل ابن سعد الساعدي عن أبيه قال:

كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالخندق، فأخذ الكرزين فحفر به، فصادف حجرا، فضحك، قيل: ما يضحكك يا رسول الله؟ قال: " ضحكت من ناس يؤتى بهم من قبل المشرق في النكول يساقون إلى الجنة ". أخرجه أحمد (5 / 338) والسياق له ، والطبراني في " الكبير " (6 / 157 / 5733) وزاد: " وهم كارهون ". وقال الهيثمي: " رواه أحمد والطبراني، إلا أنه قال: " يؤتى بهم إلى الجنة في كبول الحديد "، وفي رواية: " يساقون إلى الجنة وهم كارهون "، ورجاله رجال (الصحيح) غير محمد بن [أبي] يحيى الأسلمي، وهو ثقة ". قلت: وفيه شيئان : الأول: أن الفضيل بن سليمان وإن كان من رجال الشيخين، صدوقا، فله خطأ كثير كما في " التقريب ". والآخر: أن رواية " الكبول " عند الطبراني ليس فيها الأسلمي الثقة، فإنها عنده (6 / 232 / 5955) من طريق أخرى عن الفضيل بن سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد به نحوه. فأسقط الفضيل من الإسناد محمد بن أبي يحيى عن العباس بن سهل، وأحل محلهما " أبي حازم "، ولعل ذلك مما يدل على خطئه وقلة ضبطه، وقوله: " يؤتى بهم من قبل المشرق "، زيادة منكرة لم تأت في الأحاديث الأخرى، ولذلك خرجتها في " الضعيفة " (4034) .

شاهد ثالث: يرويه عبد الحميد بن صالح: حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: استضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: " عجبت لأقوام يقادون إلى الجنة في السلاسل وهم كارهون ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (8 / 307) . قلت: وإسناده جيد. وتابعه كامل أبو العلاء قال: سمعت أبا صالح به مختصرا بلفظ: " عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل ". أخرجه أحمد (2 / 448) . وتابعه محمد بن زياد عن أبي هريرة به. أخرجه البخاري وغيره، وهو مخرج في " ظلال الجنة " (573) و " صحيح أبي داود " ( 2401) . وأخرجه البخاري (4557) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه : * (كنتم خير أمة أخرجت للناس) * قال: " خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام ". قلت: وهذا موقوف في حكم المرفوع، كما يشهد بذلك الطرق السابقة. (تنبيه) : علق الأخ حمدي السلفي على حديث الفضيل بن سليمان الذي فيه بلفظ الطبراني:

2875

" يأتونكم من قبل المشرق ". فقال: " ورواه أحمد بدون ذكر " كارهون "، وقد أورده شيخنا محمد ناصر الدين الألباني في " ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (3588) لهذه الزيادة، وقال: هو صحيح بغير هذا اللفظ ". قلت: وإنما أوردته في " الضعيف " لزيادة جملة " المشرق "، وليس لزيادة " وهم كارهون "، بل هذه زيادة صحيحة كما يتبين من الطرق المتقدمة، وقد نبهت على ذلك في " الضعيفة " (4034) ، وهو المصدر الذي أحلت عليه في بيان الضعف المذكور في تعليقي على " ضعيف الجامع "، لكن عبارتي فيه كانت موهمة لما قال السلفي، ولذلك عدلتها تعديلا يبين الذي ذكرته آنفا. على أن الحديث بلفظ: " وهم كارهون " مذكور في " صحيح الجامع " برقم ( 3878) بمرتبة (حسن) ، وبعد هذا التخريج عدلته إلى (صحيح) كما هو ظاهر من مجموع طرقه. 2875 - " إذا أنت بايعت فقل: لا خلابة، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال فإن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها ". أخرجه ابن ماجه (2355) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان قال: هو جدي منقذ بن عمرو، وكان رجلا قد أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه، وكان لا يدع على ذلك التجارة، وكان لا يزال يغبن، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال له: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات على الخلاف المعروف في ابن إسحاق،

والراجح أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، وقد ثبت تصريحه به كما يأتي في غير ما رواية عنه. ومحمد بن يحيى بن حبان تابعي ثقة من رجال الشيخين، وظاهره أنه أرسله، لكنه قد ثبت موصولا، بذكر ابن عمر فيه، فقد أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (14 / 228 / 18177) : حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان قال: إنما جعل ابن الزبير عهدة الرفيق ثلاثة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن عمرو: " لا خلابة، إذا بعت بيعا فأنت بالخيار ثلاثا ". وأخرجه الدارقطني في " سننه " (3 / 55 / 220) من طريق محمد بن عمرو بن العباس الباهلي أخبرنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق أخبرنا نافع أن عبد الله بن عمر حدثه: " أن رجلا من الأنصار كان بلسانه لوثة، وكان لا يزال يغبن في البيع، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال : " إذا بعت فقل: لا خلابة (مرتين) ". قال محمد: وحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: هو جدي.. ". قلت: فذكره مثل رواية ابن ماجه، وزاد: " وقد كان عمر عمرا طويلا، عاش ثلاثين ومائة سنة، وكان في زمن عثمان رضي الله عنه حين فشا الناس وكثروا، يتبايع البيع في السوق، ويرجع به إلى أهله وقد غبن غبنا قبيحا، فيلومونه، ويقولون: لم تبتاع؟! فيقول: أنا بالخيار إن رضيت أخذت، وإن سخطت ترددت، قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا، فيرد السلعة على صاحبها من الغد، وبعد الغد، فيقول (¬1) : والله لا أقبلها، قد أخذت سلعتي وأعطيتني دراهم، قال: يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعلني بالخيار ثلاثا، ¬

(¬1) أي: صاحب السلعة. اهـ.

فكان يمر الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول للتاجر: ويحك إنه قد صدق، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان جعله بالخيار ثلاثا. قال: وأخبرنا محمد بن إسحاق أخبرنا محمد بن يحيى بن حبان قال: ما علمت ابن الزبير ... ". قلت: فذكر الحديث كما تقدم نقلي إياه عن " المصنف ". وأخرجه البيهقي في " سننه " (5 / 273) من طريق يونس: حدثنا محمد بن إسحاق: حدثني نافع عن ابن عمر قال: سمعت رجلا من الأنصار كانت بلسانه لوثة.. الحديث مثل رواية الدارقطني دون ما في آخرها من الرواية عن ابن الزبير ، لكن فيه ما في حديث الترجمة من التخيير ثلاث ليال، وفيه: " فيرجع إلى بيعه فيقول: خذ سلعتك ورد دراهمي، فيقول: لا أفعل، قد رضيت فذهبت به، حتى يمر به الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ". ورواه سفيان: حدثني ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر به مختصرا دون الزيادة، وفيه قول ابن عمر: " فكنت أسمعه يقول: لا خذابة لا خذابة! وكان يشتري الشيء فيجيء به أهله فيقولون: هذا غال، فيقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرني في بيعي " أخرجه الدارقطني، والحاكم (2 / 22) والبيهقي، وابن الجارود (567) . وقال أحمد (2 / 129) : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني نافع به دون قوله: " وكان يشتري الشيء.. ". وبالجملة، فالحديث حسن لتصريح ابن إسحاق بالتحديث في كثير من هذه

2876

الروايات الثابتة عنه. وإعلال البوصيري إياه بعنعنة ابن إسحاق، إنما كان منه وقوفا عند رواية ابن ماجه، مع كونها مرسلة، وقد أورده السيوطي في " الزيادة " من رواية ابن ماجه والبيهقي مرسلا. وقد انجبر الإرسال بمجيئه موصولا من طريق نافع عن ابن عمر كما تقدم. والله أعلم. وللحديث شاهدان مختصران: أحدهما من حديث ابن عمر، عند الشيخين وغيرهما. والآخر: من حديث أنس. رواه أصحاب السنن وغيرهم، وصححه ابن حبان (5027 و5028 - الإحسان) وابن الجارود (568) وهما مخرجان في " أحاديث البيوع "، وليس فيهما التخيير ثلاثة، فالعمدة فيه على مرسل ابن حبان، ومسند ابن عمر، فهو بهما صحيح، ولعل هذا هو ملحظ الحافظ في سكوته عليه، بل واحتجاجه به في " الفتح " (4 / 337) وفي تثبيت صديق حسن خان للحديث في " الروضة الندية " ( 2 / 121) وهو الحق الذي لا ريب فيه، ومن ضعفه أو أعله، فلم يتتبع طرقه وألفاظه. وفي الحديث إثبات الخيار ثلاثة أيام لمن يخدع، وفي المسألة خلاف بين العلماء وتفصيل يراجع في " الفتح " وغيره من المطولات. 2876 - " في كل ركعتين تشهد وتسليم على المرسلين وعلى من تبعهم من عباد الله الصالحين ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 367 / 869) من طريق أبي همام الخاركي: حدثني عدي بن أبي عدي عن علي بن زيد عن الحسن عن أمه عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا حديث حسن، رجاله ثقات على ضعف في علي بن زيد، وهو

2877

ابن جدعان، وقال الهيثمي في " المجمع " (2 / 139) : " واختلف في الاحتجاج به، وقد وثق ". قلت: فمثله يستشهد بحديثه، ولذلك حسنت حديثه هذا لأن له شاهدا من حديث علي رضي الله عنه، سبق تخريجه برقم (237) . وأم الحسن - وهو البصري - اسمها (خيرة) ، وهي ثقة كما في " ثقات ابن حبان " (4 / 216) وقول الحافظ فيها: " مقبولة " تقصير منه غير مقبول، فقد روى عنها جمع من الثقات، مع كونها تابعية. وعدي بن أبي عدي هو الكندي. قال ابن حبان في " ثقات التابعين " (5 / 270) : " واسم أبي عدي: فروة، يروي عن أبيه، ويقال: إن له صحبة. روى عنه عيسى ابن عاصم. مات سنة ست وعشرين ومائة ". وهو مترجم في " التهذيب ". وأبو همام الخاركي (الأصل : الخارجي، وهو تصحيف) اسمه الصلت بن محمد، وهو ثقة من رجال البخاري، وقد صرح بسماعه من عدي، فلا أدري إذا كان ذلك محفوظا أم لا، فإن صنيعهم في ترجمته يشعر بأنه متأخر عن هذه الطبقة، فأورده ابن حبان (8 / 324) فيمن روى عن (أتباع التابعين) وليس في (أتباعهم) ! والله أعلم. 2877 - " كن مع صاحب البلاء تواضعا لربك وإيمانا ". أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " (2 / 379) : حدثنا علي بن زيد قال: حدثنا موسى بن داود قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن أبي

مسلم الخولاني عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت : وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد، وهو ابن عبد الله أبو الحسن الفرائضي، قال الخطيب في " تاريخ بغداد " (11 / 427) : " من أهل ( طرسوس) ، قدم (سر من رأى) وحدث بها عن موسى بن داود الضبي و.. و.. قال ابن يونس المصري: تكلموا فيه ". وكذا في " اللسان "، إلا أنه وقع فيه: " قدم مصر.. "، وزاد: " وقال مسلمة بن قاسم: ثقة. توفي سنة ثلاث وستين ومائتين ". (تنبيه) : كذا وقع الحديث في " الشرح " (كن) ، ووقع في " الجامع الصغير " و " الكبير " أيضا (16760) : (كل) ، فلا أدري أيهما الصواب ، والثاني في المعنى أخص من الأول، وقد روي ذلك في حديث آخر من مسند جابر بلفظ: " كل باسم الله، ثقة بالله، وتوكلا على الله ". وإسناده ضعيف كما كنت بينته في " الضعيفة " (1144) ، فإن صح حديث الترجمة باللفظ الثاني، فهو شاهد قوي لحديث جابر، فينقل حينئذ إلى " سلسلة الأحاديث الصحيحة " من جهة، وإلى " صحيح الجامع " من جهة أخرى، فإنه حتى الآن في " ضعيف الجامع " (4200) ، كما كنت أوردت فيه (4203) حديث أبي ذر باللفظ الثاني لعدم وقوفي يومئذ على إسناده حسب الشرط الذي كنت ذكرته في المقدمة، فإن صح نقل أيضا إلى " الصحيح " في الطبعة القادمة منه إن شاء الله تعالى. (تنبيه آخر) : لم يتكلم المناوي على إسناد هذا الحديث بشيء، والظاهر أنه لم يقف عليه، ويؤيده أنه فسر عزو السيوطي إياه لـ (الطحاوي) بقوله: " في

2878

مسنده "، وقلدته اللجنة القائمة على نشر " الجامع الكبير " كما هي عادتهم، وكل ذلك خطأ، لأن الطحاوي رحمه الله ليس له كتاب يعرف بهذا الاسم " المسند ". والله أعلم. 2878 - " سموه بأحب الأسماء إلي حمزة بن عبد المطلب ". أخرجه الحاكم (3 / 196) من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: ولد لرجل منا غلام، فقالوا: ما نسميه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: " قلت: يعقوب ضعيف ". كذا قال، والرجل مختلف فيه كما تراه في " تهذيب التهذيب "، ولخص ذلك في " التقريب "، فقال: " صدوق ربما وهم ". وحكى الذهبي نفسه في " الكاشف " شيئا من ذلك الاختلاف، وقال: " وقال البخاري: لم نر إلا خيرا (وفي " التهذيب ": لم يزل خيرا) ، هو في الأصل صدوق ". ولذلك أورده الذهبي في كتابه: " معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (ص 191) ورمز له فيه بـ (م) ، وأظنه خطأ مطبعيا لمخالفته لجميع المصادر التي ترجمت له، ومنها " الكاشف "، فإنه لم يرمز له فيها إلا بـ (عخ، ق) . ثم إنه قد توبع، فأخرجه الحاكم أيضا من طريق يوسف بن سلمان المازني: حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، سمع رجلا بالمدينة يقول:

جاء جدي بأبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا ولدي فما أسميه؟ قال: " سمه بأحب الناس إلي حمزة بن عبد المطلب ". وأعله الحاكم بقوله: " قد قصر هذا الراوي المجهول برواية الحديث عن ابن عيينة، والقول فيه قول يعقوب بن حميد، وقد كان أبو أحمد الحافظ يناظرني: أن البخاري قد روى عنه في " الجامع الصحيح "، وكنت آبى عليه ". قلت: قد ذكر الحافظ في " التهذيب " منشأ الخلاف الذي أشار إليه الحاكم، ومال إلى موافقة أبي أحمد الحافظ (وهو الحاكم صاحب كتاب الكنى) وسبقه إلى ذلك الذهبي في " الكاشف ". وسواء صح هذا أو ذاك فالرجل وسط، يحتج بحديثه. لكن يبقى النظر في يوسف بن سلمان الذي خالفه في إسناده ومتنه. أما السند فهو أنه قال مكان (جابر) : ".. رجلا.. جاء جدي بأبي "، وأما المتن فقوله: (الناس) مكان (الأسماء) . ولعل هذا هو الأرجح، لأنه جاء في " الصحيحين ": " أحب الناس إلي عائشة، ومن الرجال أبوها "، وما خالفه من الأحاديث فيه ضعف كما بينته في " الضعيفة " (1844 و1843) . ويوسف هذا قد روى عنه جماعة من الحفاظ كالترمذي والنسائي وابن خزيمة وغيرهم، ووثقه ابن حبان ومسلمة، وقال النسائي: لا بأس به، فلا وجه لتجهيل الحاكم إياه، ولاسيما وهو يوثق من دونه شهرة بكثير! هذا، وقوله: " بأحب الأسماء إلي " كان قبل أن يوحى إليه بحديث " أحب الأسماء إلى الله عبد الله، وعبد الرحمن ". وتقدم (904 و 1040) و " الإرواء " (1176) .

2879

2879 - " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة: يا عبد الله! هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان. قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله! ما على أحد يدعى من تلك الأبواب من ضرورة، فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم ". أخرجه البخاري (1897 و 2841 و 3216 و 3666) ومسلم (3 / 91) والترمذي ( 3675) وصححه، والنسائي (1 / 312 و 332 - 333 و 2 / 58) وابن حبان (1 / 263 / 308) ومالك في " الموطأ " (2 / 24 - 25) من طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. وأخرجه مسلم من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأحمد (2 / 366) من طريق أبي صالح، كلاهما عن أبي هريرة به مختصرا بلفظ: " من أنفق زوجين في سبيل الله، دعاه خزنة الجنة كل خزنة باب: أي فل! هلم ". فقال أبو بكر: " يا رسول الله! ذلك الذي لا توى عليه ". زاد أبو سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إني لأرجو أن تكون منهم ". وله شاهد مختصر من حديث أبي ذر مرفوعا بالشطر الأول منه دون قوله: " يا عبد الله ... " إلخ.

2880

أخرجه الدارمي (2 / 204) وأحمد ( 5 / 151 و 153 و 159 و 164) وزاد في رواية: قلنا: ما هذان الزوجان؟ قال: إن كانت رجالا، فرجلان، وإن كانت خيلا ففرسان، وإن كانت إبلا فبعيران، حتى عد أصناف المال. وإسناده صحيح. وقال الدارمي عقبه: " هو درهمين، أو أمتين، أو عبدين، أو دابتين ". قوله: (لا توى عليه) : أي لا ضياع ولا خسارة، وهو من التوى: الهلاك. 2880 - " من قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غرس الله بكل واحدة منهن شجرة في الجنة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 235 / 1 / 8640) وفي " الدعاء " (3 / 1558 / 1676) من طريق علي بن عثمان اللاحقي قال: حدثنا عمران بن عبيد الله مولى عبيد الصيد قال: سمعت الحكم بن أبان يحدث عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال: " تفرد به علي بن عثمان " . قلت: وهو ثقة كما في " اللسان "، والعلة من شيخه عمران، ضعفه ابن معين والبخاري كما يأتي، ووثقه ابن حبان (8 / 497) ولذا قال الهيثمي (10 / 91) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله وثقوا ". يشير بقوله: " وثقوا " إلى ضعف توثيق أحد رجاله، وهو عمران هذا، وكذلك فعل المنذري، فإنه قال في " الترغيب " (2 / 245) :

" رواه الطبراني، وإسناده حسن لا بأس به في المتابعات ". وهو كما قال أو أعلى، فإن له شواهد حسن أحدها المنذري، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، كما في تعليقي على " الترغيب " (2 / 244) وهو عن أبي هريرة والحديث رواه إسحاق بن أبي إسرائيل أيضا عن عمران، علقه البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 427) في ترجمة عمران بن عبيد الله هذا، وقال: " فيه نظر ". ثم إن للحديث شاهدا آخر من حديث جابر مختصرا، وقد سبق تخريجه برقم ( 64) . ولحديث أبي هريرة طريق آخر، رواه البزار (3078 - كشف الأستار) من طريق حميد مولى علقمة: حدثنا عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مثله. وقال: " لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وحميد لا نعلم روى عنه إلا زيد بن الحباب "! قلت: ولذلك قال الحافظ فيه: " مجهول ". قلت: ومع ذلك فقد حسن له الترمذي حديث: " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا.. ". وقد مضى تخريجه (2562) . (تنبيه) : وقع في " دعاء الطبراني ": (عمران بن عبيد مولى عبيد الصيد) فلم يعرفه المعلق عليه، فقال: " لم أقف على ترجمته، وبقية رجاله حسن "!

2881

2881 - " من تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاء ". أخرجه أبو نعيم في " الطب " (ق 14 / 2) عن إبراهيم بن أيوب عن النعمان عن عبد الحكم قال: سمعت ابن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، إبراهيم بن أيوب هو الفرساني الأصبهاني، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: " لا أعرفه ". وذكره أبو العرب في " الضعفاء " كما في " الميزان ". والنعمان هو ابن عبد السلام الأصبهاني، وهو ثقة فقيه. لكن شيخه عبد الحكم لم أعرفه. لكن ذكر له أبو نعيم شاهدا من رواية يونس بن محمد: حدثنا الهياج أو الصباح بن عبد الله حدثنا غالب القطان عن ابن سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أصابه شيء من الأدواء فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله، فإن الله لم يجعل في شيء مما حرم شفاء ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير الهياج - هكذا ظهر لي من النسخة المصورة ولم أعرفه، أما إن كان: الصباح بن عبد الله، فالظاهر أنه العبدي المترجم في " التهذيب " برواية موسى بن إسماعيل التبوذكي عنه. قال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: مجهول. وذكره ابن حبان في " الثقات " - لكن من دونه أحمد بن إسحاق شيخ أبي نعيم لم أعرفه، واثنان فوقه لم أعرفهما لغموض صورة أسمائهما.

2882

وله شاهد ثان من حديث أم سلمة مرفوعا، ثالث موقوف على ابن مسعود سبق تخريجهما تحت الحديث (1633) ، والموقوف صحيح الإسناد، والذي قبله يحتمل التحسين، فإنه ليس في رجاله إلا ثقة، إلا أن حسان بن مخارق لم يوثقه غير ابن حبان (4 / 163 و 6 / 223) وقد روى عنه ثقتان مع تابعيته، على ما ترجح عندي في " تيسير الانتفاع ". ولما تقدم فقد ترجح لدي أن الحديث بمجموع هذه الطرق حسن على أقل تقدير، ولاسيما وقد ثبت النهي عن التداوي بالحرام والدواء الخبيث كما بينته في المكان المشار إليه آنفا. والله أعلم. (تنبيه) حديث ابن سيرين عن أبي هريرة المتقدم من رواية أبي نعيم، قد عزاه إليه السيوطي في " الجامع الكبير " عن ابن سيرين مرسلا لم يذكر أبا هريرة، فلا أدري إذا كان وصله عنه سقط من نسخة " الطب " التي نقل عنها السيوطي، أم هو زيادة من بعض النساخ في نسختنا. والله أعلم. 2882 - " من ضم يتيما له أو لغيره حتى يغنيه الله عنه وجبت له الجنة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 26 / 1 / 5477) : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة قال: حدثنا القاسم بن سعيد عن المسيب بن شريك قال: حدثنا الهيثم أبو (الأصل: ابن) سعيد قال: حدثنا عبد الله بن تميم بن طرفة عن أبيه عن عدي بن حاتم مرفوعا. وقال: " لم يسند عبد الله بن تميم بن طرفة حديثا غير هذا، ولا يروى عن عدي إلا بهذا الإسناد، تفرد به القاسم بن سعيد عن المسيب بن شريك ".

قلت: وهذا متروك، وبه أعله الهيثمي (8 / 162) . والراوي عنه القاسم بن سعيد لم أجد له ترجمة، ومثله عبد الله بن تميم، وقد ذكره المزي في الرواة عن أبيه مصغرا: " عبيد الله "، وأشار إلى عدم صحة السند بذلك إليه بقوله: " إن كان محفوظا ". وأما الهيثم أبو سعيد فقد ذكره البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما بروايته عن غالب القطان، ولم يذكرا عنه راويا، وأفادا أنه بصري. فالإسناد مع ذاك المتروك مجهول. وقد روى طرفه الأول سفيان عن أبي الحويرث عن رجل من جهينة مرفوعا به، وتمامه: " فاتقى الله فيه وأصلح كان كالمجاهد في سبيل الله القائم ليله لا يرقد، والصائم نهاره لا يفطر ". أخرجه ابن منده في " المعرفة " (2 / 278 / 2) . قلت: وأبو الحويرث هذا اسمه عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري، وهو ضعيف لسوء حفظه. وأخرج ابن المبارك في " الزهد " (185 / 2 - الكواكب 575) : حدثنا سفيان عن علي ابن زيد عن زرارة بن أبي أوفى عن مالك بن عمرو، أو عمرو بن مالك مرفوعا بلفظ: " من ضم يتيما بين أبوين مسلمين حتى يستغني، فقد وجبت له الجنة البتة ".

وأخرجه أحمد (4 / 344) من طريق أخرى عن سفيان، وعن هشيم عن علي بن زيد به، وكذلك أخرجه أحمد في مكان آخر (5 / 29) والطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 667 - 670) من طرق أخرى عن علي بن زيد به. وعلي بن زيد هو ابن جدعان، وهو ضعيف ، ويقول الهيثمي فيه هنا في هذا الحديث (8 / 161) : " وهو حسن الحديث ". وقال في رواية الطبراني: " وهو حسن الإسناد ". وأقول: إن وجد له شاهد معتبر بهذه الزيادة " البتة " فهو حسن، وإلا فلا. نعم هو حسن أو أعلى بالشاهد الذي رواه محمد بن عمرو عن صفوان بن سليم عن أم سعد بنت عمرو الجمحية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كفل يتيما له أو لغيره من الناس كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (25 / 98 / 255 - 256) ورجاله ثقات كما قال الهيثمي (8 / 163) ، فهو حسن لولا أن في إسناده اختلافا بينه الحافظ في ترجمة مرة بن عمرو من " الإصابة "، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد به، وقد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (133) مختصرا، وكذلك رواه في " صحيحه "، وقد مضى تخريجه برقم (800) . لكن للحديث شاهد قوي رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: " كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة ". وأشار مالك بالسبابة والوسطى.

وقد سبق تخريجه أيضا برقم (962) . وجملة القول أن الحديث صحيح بمجموع شواهده، وبخاصة هذا الأخير منها. والله تعالى أعلم. ويشهد له أيضا حديث ليث عن محمد بن المنكدر عن أم درة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " أنا وكافل اليتيم له أو لغيره في الجنة، والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 291 / 2 / 4878) عن سهل بن عثمان قال: حدثنا حفص بن غياث عنه. وقال: " لم يروه عن محمد بن المنكدر إلا ليث، ولا عن ليث إلا حفص، تفرد به سهل بن عثمان "! كذا قال! ويرده قول أبي يعلى في " مسنده " (8 / 280 / 4866) : حدثنا عبد الرحمن ابن صالح الأزدي حدثنا حفص بن غياث به، إلا أنه لم يذكر: " له أو لغيره ". فقد تابع سهلا عبد الرحمن بن صالح. ولا يقال: لعله - أعني الطبراني - أراد بالنفي المذكور الحديث بهذه الزيادة، لأن ذلك ليس من عادتهم، كما يعلم ذلك من يقف على كلامهم. ثم إن أبا يعلى زاد في آخر الحديث: ".. والصائم القائم لا يفتر ". ويشهد لهذه الزيادة حديث أبي هريرة المذكور آنفا عند مسلم في رواية له بلفظ:

2883

" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وأحسبه قال : وكالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر ". ورواه البخاري أيضا (5353 و6006 و 6007) ولم يقل: " وأحسبه " في رواية. ورواه ابن حبان في " صحيحه " (2431) بالرواية الأولى، وذكره الهيثمي في " زوائد ابن حبان " (2047) ، فوهم. 2883 - " ألا عدلت بينهما. يعني ابنه وبنته في تقبيلهما ". أخرجه البزار في " مسنده " (2 / 378 / 1893) عن عبد الله بن موسى، وابن الأعرابي في " معجمه " (ق 182 / 1) وأبو القاسم الهمداني في " الفوائد " (1 / 3 / 2) كلاهما من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن أنس قال: كان رجل جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءه ابن له فأخذه فقبله ثم أجلسه في حجره، وجاءت ابنة له، فأخذها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال البزار: " لا نعلم رواه عن معمر إلا عبد الله ، وكان صنعانيا تحول إلى مكة ". قلت: وقع في " كشف الأستار " (عبد الله بن موسى) ، وأنا أظن أن (موسى) محرف (معاذ) ، وهذا هو الصواب، كما وقع في المصدرين الآخرين، وهو ثقة، ومن فوقه ثقات كذلك، فالسند صحيح. وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 156) : " رواه البزار فقال: حدثنا بعض أصحابنا - ولم يسمه - وبقية رجاله ثقات ". قلت: هو متابع في المصدرين الآخرين من راويين اثنين:

2884

أحدهما: محمد بن عباد المكي، وهو صدوق يهم من رجال الشيخين، بل من شيوخهما والآخر: سويد بن سكين، ولم أعرفه. 2884 - " أي ذلك عليك أيسر فافعل. يعني إفطار رمضان أو صيامه في السفر ". أخرجه تمام في " الفوائد " (ق 161 / 1) : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن فضالة ابن غيلان بن الحسين السوسي الحمصي الصفار: حدثنا أبو عبد الله بحر بن نصر حدثنا ابن وهب حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمران ابن أبي أنس حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن حمزة بن عمرو: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصيام في السفر؟ فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات من رجال " التهذيب " غير السوسي هذا، ترجمه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (2 / 213) برواية جمع عنه، وروى عن أبي سعيد بن يونس أنه قال فيه: " توفي سنة (339) وكان ثقة، وكانت كتبه جيادا ". وابن لهيعة في حفظه ضعف إلا في رواية العبادلة عنه، فإنها صحيحة، وهذه منها كما ترى. وللحديث طرق أخرى عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه بألفاظ أخرى. أحدها في " صحيح مسلم " وهي مخرجة في " الإرواء " (926) . وإنما آثرت تخريج هذا اللفظ هنا لعزة مصدره أولا، ولتضمنه سبب ترخيصه صلى الله عليه وسلم وتخييره للمسافر بالصوم أو الإفطار ثانيا، وهو التيسير، والناس يختلفون في

2885

ذلك كل الاختلاف كما هو مشاهد ومعلوم من تباين قدراتهم وطبائعهم، فبعضهم الأيسر له أن يصوم مع الناس ، ولا يقضي حين يكونون مفطرين، وبعضهم لا يهمه ذلك فيفطر ترخصا ثم يقضي، فصلى الله على النبي الأمي الذي أنزل عليه: * (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) *. 2885 - " إن شر الرعاء الحطمة ". أخرجه مسلم (6 / 9 - 10) وأبو عوانة (4 / 424) وابن حبان (7 / 22 / 4494 ) والبيهقي في " السنن الكبرى " (8 / 161) وأحمد (5 / 64) والروياني في " مسنده " (ق 153 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (18 / 17 / 26) والدولابي في " الكنى " (1 / 93) من طرق عن جرير بن حازم: حدثنا الحسن أن عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد فقال: أي بني! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( فذكره) فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم! فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم! وتابعه شعبة عن يونس عن الحسن: أن عائذ بن عمرو قال لزياد: كان يقال لنا: " شر الرعاء الحطمة ".. إلخ. قلت: لكن الحسن - وهو البصري - كثير الإرسال والتدليس، وقوله: " أن عائذ ابن عمرو.. " صورته صورة المرسل ، وما وجدت له سماعا منه ولو في غير هذا الحديث، ولو ثبت له ذلك، فذلك مما لا يستلزم ثبوت اتصال هذا لكون الحسن مدلسا، ومثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث، وهذا ما لم نجده كما تقدم.

بل رأيت علي بن المديني - شيخ البخاري - ينفي في رسالته " علل الحديث ومعرفة الرجال " (ص 69) سماعه منه، فقال: " ما أراه سمع منه شيئا ". ونقله عنه العلائي في " مراسيله " (ص 197) وأقره. لكني وجدت للحديث شاهدا من رواية إسحاق بن سعيد: حدثنا عبد الكريم عن الحسن عن أنس مرفوعا بلفظ: " إن شر الولاة الحطمة ". أخرجه البزار (2 / 238 / 1604) وقال: " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا عبد الكريم، وهو بصري، وروي عن غير أنس، رواه أبو برزة وعائذ بن عمرو ". قلت: وعبد الكريم هذا يحتمل أنه ابن أبي أمية، وبه جزم الهيثمي (5 / 239 - 240) وقال: " وهو ضعيف ". ويحتمل أنه غيره، فإن ابن أبي حاتم في " الجرح " بعد أن ذكر في ترجمة ابن أبي أمية الحسن البصري قال (3 / 1 / 61) : " عبد الكريم، روى عن الحسن، سمع منه محمد بن سلام. قال أبي: مجهول "، وكذا في " الميزان " و " اللسان ". فالله أعلم أيهما هو؟ فإنه لم يذكر في ترجمتهما راوي الحديث عنه هنا: إسحاق ابن سعيد، وهو القرشي الأموي الكوفي، يحتمل أنهما واحد.

وأي ذلك كان، فالحسن هو البصري المذكور في حديث عائذ، وقد عرفت آنفا أنه يرسل ويدلس، لكنهم قد صرحوا بصحة سماعه من أنس بن مالك، لو أنه صرح هنا بالتحديث، وصح السند إليه. لكن يبدو أن الحديث كان معروفا عند السلف، فقد جزم البزار - كما رأيت آنفا - أنه رواه أبو برزة أيضا. ويؤيده أن الإمام الأوزاعي جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سلامه على أبي جعفر العباسي بالخلافة، ووعظه إياه، في قصة طويلة رواها محمد بن مصعب القرقساني عنه. أخرجها أبو نعيم في " الحلية " (6 / 136 - 140) . وبالجملة، فالحديث بهذه الشواهد اطمأنت النفس لثبوته، مع تصحيح الأئمة الثلاثة إياه: مسلم، وأبو عوانة، وابن حبان. واعلم أن الحديث أورده النووي في " رياض الصالحين " في موضعين منه، ذكره في الأول منهما (رقم 197) بتمامه معزوا لمسلم، وفي الآخر (661) دون قول ابن زياد: " اجلس.. " إلخ، وقال: " متفق عليه ". وهو وهم لا ندري من الناسخ هو أو من المؤلف. وقد نبه عليه صاحب المكتب الإسلامي في طبعته الجديدة لـ " الرياض " لسنة (1412) التي زينها بتصديرها بصفحتين مصورتين من مخطوطتين للكتاب زعم أنه رجع إليهما، يعني للتحقيق، ولا أثر لذلك في طبعته هذه، وإلا فهذا هو المكان المناسب ليثبت للقراء زعمه المذكور بأن يبين ما في المخطوطتين حول هذا الوهم. وتلك شنشنة نعرفها من أخزم فهو كثيرا ما يزين مطبوعاته ببعض الصفحات المصورة من مخطوطات يدعي أنها في مكتبته 0 وقد تكون مصورات - يوهم القراء بأنه رجع إليها في التحقيق، وليس الأمر كذلك، وأوضح مثال على ذلك طبعه أخيرا السنن الأربعة التي كنت ميزت صحيحها من ضعيفها فقدمت إليه فطبعها طبعات تجارية ظاهرة، وقسم كل كتاب

2886

منها إلى قسمين: " الصحيح " و " الضعيف "، فخلط في ذلك خلطا عجيبا لأن ذلك ليس من علمه، ولا أقول من اختصاصه، فجعل في " الصحيح " ما ينبغي أن يكون في " الضعيف "، وعلى العكس، ولبيان هذا مجال آخر، والشاهد هنا أنه زين هذه الكتب بصور صفحات من مخطوطات السنن، كأنه كلف أن يقوم بطباعتها من جديد محققة على المخطوطات، وإنما كلف بطبع التصحيح والتضعيف الذي قمت به على السنن! ولكنه التشبع بما لم يعط! ثم إن المحقق الجديد المدعو بـ (حسان عبد المنان) لكتاب " رياض الصالحين " قد حذف الحديث من المكان الأول منه - وهو الأتم فائدة - واقتصر على إيراده إياه في الموضع الآخر منه، وحذف منه قوله: " متفق عليه ". دون أي بيان منه هل كان الحذف عن رأي منه، أم عن تحقيق وقع له برجوعه إلى بعض المخطوطات، وهذا مما لم يعن به، ولم يدعه - والحمد لله - كما فعل غيره. ثم إن الظاهر أنه لم ينتبه للإرسال الذي فيه أو الانقطاع، وإلا لسارع إلى التشبث به لتضعيف الحديث كما فعل بغيره مما رواه البخاري ومسلم، فضلا عما رواه غيرهما من أصحاب السنن، وقدمت نماذج كثيرة منها في الاستدراكات التي ألحقتها بالمجلد الثاني من " الصحيحة " الطبعة الجديدة. والله المستعان. ( الرعاء) : جمع (راع) . (الحطمة) : هو العنيف برعاية الإبل في السوق والإيراد والإصدار، ويلقي بعضها على بعض، ويعسفها، ضربه مثلا لوالي السوء . كما في " النهاية ". 2886 - " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2427) وابن السني (351) والضياء

2887

في " المختارة " (1683 و 1684) وأبو نعيم في " أخبار أصفهان " (2 / 305) والأصبهاني في " الترغيب " (131 / 1) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. 2887 - " اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة ". أخرجه ابن سعد (8 / 225 - 226) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواس عن حسن بن صالح عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو عن أم كبشة امرأة من قضاعة: أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تغزو معه؟ فقال: لا، فقالت: يا رسول الله إني أداوي الجريح، وأقوم على المريض ، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم إلى أم كبشة، لكن أم كبشة هذه ذكرها ابن أبي عاصم " في الوحدان " (6 / 242) والطبراني من طريق ابن أبي شيبة كما تقدم برقم (2740) ، متعقبا الحافظ في إعلاله إياه بالإرسال، وذكرت له شاهدا يزداد به قوة. ولقد قدر إعادة تخريجه باللفظ المذكور أعلاه للفائدة الآتية: قلت: وفي قبول خبر " الوحدان " من الصحابة - وهم الذين لم يرو عنهم غير واحد من التابعين - خلاف عند المحدثين، قال الحافظ في " الإصابة " (1 / 15) : " ثم من لم يعرف حاله إلا من جهة نفسه فمقتضى كلام الآمدي الذي سبق ومن تبعه أنه لا تثبت صحبته ، ونقل أبو الحسن بن القطان فيه الخلاف، ورجح عدم الثبوت، وأما ابن عبد البر فجزم بالقبول بناء على أن الظاهر سلامته

2888

من الجرح، وقوى ذلك بتصرف أئمة الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم، ولا ريب في انحطاط رتبة من هذا سبيله عن من مضى، ومن صور هذا الضرب أن يقول التابعي: " أخبرني فلان مثلا أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "، سواء أسماه أم لا ". وقد رجح الحافظ ثبوت الصحبة بذلك فقد قال قبيل ذلك: " الفصل الثاني: في الطريق إلى معرفة كون الشخص صحابيا ": " وذلك بأشياء أولها أن يثبت بطريق التواتر أنه صحابي، ثم بالاستفاضة والشهرة، ثم بأن يروي عن أحد من الصحابة أن فلانا له صحبة مثلا، وكذا عن آحاد التابعين بناء على قبول التزكية من واحد وهو الراجح ". والله أعلم. قلت: وعلى هذا جرى إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله في " مسنده "، فإن فيه عشرات الأحاديث عن جماعة من الصحابة لم يسموا، يقول التابعي فيهم: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أو بعض من شهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتارة: " خادم النبي صلى الله عليه وسلم "، وأحيانا كثيرة: " رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "، ونحوه كثير وكثير جدا، يتبين ذلك بوضوح لمن يراجع كتابي " فهرس رواة المسند " المطبوع في أول " المسند "، بحيث لو جمع ذلك في كتاب لكان في مجلد كبير. وفي كتب " التخريج " من ذلك الشيء الكثير، ومنها هذه " السلسلة ". 2888 - " وددت أني لقيت إخواني، فقال أصحابه: أوليس نحن إخوانك؟ قال: أنتم أصحابي ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني ". أخرجه أحمد (3 / 155) : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا جسر (الأصل: حسن) عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير جسر، وهو ابن فرقد، وهو ضعيف لسوء حفظه، واختلفت أقوال الأئمة في تضعيفه، ولعل أعدل ما قيل فيه قول أبي حاتم: " ليس بالقوي، كان رجلا صالحا ". ومثله قول البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 246 ) : " ليس بذاك ". وقد أشار إلى هذا الذي ذكرته الذهبي في " الميزان "، فقد ساق له حديثا في اسم الله الأعظم، فعقب عليه بقوله: " هذا شبه موضوع، وما يحتمله جسر ". وأقره الحافظ. قلت: فمثله يستشهد به، ويتقوى بغيره، خلافا لمن نفى ذلك من بعض المعاصرين الذين لم يتقنوا هذه الصناعة، فإنه قد توبع، فقال أبو عبيدة الحداد: حدثنا محتسب بن عبد الرحمن عن ثابت البناني به، ولفظه: " متى ألقى إخواني؟ ". قالوا: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟ قال: فذكره. أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6 / 118) وعنه ابن عدي (6 / 2457) والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 39 / 5624) وقال: " لم يروه عن ثابت إلا المحتسب ".

كذا قال، ورواية أحمد عن جسر ترده، وهذه متابعة لا بأس بها ، فإن المحتسب هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 528) برواية أبي شهاب الحناط عنه. وزاد في " الجرح ": " وعبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد " . يعني راوي هذا الحديث عنه. فحديثه يحتمل التحسين، ولم يضعفه أحد سوى ابن عدي، ولم يزد في ذلك على قوله: " يروي عن ثابت أحاديث ليس محفوظة ". وهذا معناه أنه يتقى من حديثه ما تفرد به، أو خالف الثقات فيه، وليس الأمر كذلك هنا، فإنه لم يتفرد به كما عرفت. ثم إن له شاهدا من حديث أبي هريرة نحوه في حديث السلام على المقبرة بلفظ: " وددت أنا قد رأينا إخواننا ". قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال: " أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد " الحديث. أخرجه مسلم (1 / 150) وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (3 / 235 / 776) و " أحكام الجنائز " (ص 190) و " التعليق الرغيب " (1 / 93) . والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 66) وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى، وفي رجال أبي يعلى (محتسب أبو عائذ) ، وثقه ابن حبان، وضعفه ابن عدي، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير الفضل بن الصباح، وهو ثقة، وفي إسناد أحمد جسر، وهو ضعيف، ورواه الطبراني في

2889

" الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح غير (محتسب) ، وبسند أبي يعلى إلى أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يراني سبع مرات ". رواه أحمد، وإسناد أبي يعلى - كما تقدم - حسن، وإسناد أحمد فيه جسر وهو ضعيف ". قلت: تقدم تخريجه بهذا اللفظ، مع شواهد له، بعضها صحيحة برقم ( 1241) ، فراجع إن شئت. 2889 - " كان إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك ووجهت وجهي إليك وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت ونبيك الذي أرسلت، وقال صلى الله عليه وسلم: " من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (11 / 115 / 6315) وفي " الأدب المفرد " (1213 ) ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " (5 / 102 / 1316) : حدثنا مسدد حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا العلاء بن المسيب قال: حدثني أبي عن البراء بن عازب قال: فذكره. وقال البغوي: " متفق على صحته ". كذا قال، وفيه نظر لأنه يعني عادة أنه أخرجه الشيخان! ولم يخرجه مسلم

من هذه الطريق، وإنما من طريقين آخرين عن البراء من أمره صلى الله عليه وسلم، وليس من فعله، وقد خفي هذا على بعض الكاتبين من المعاصرين كما يأتي. وأخرجه الطبراني في " الدعاء " (2 / 905 / 246) من طريق مسدد به. ثم أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1211) من طريق عبد الله بن سعيد بن حازم أبي بكر النخعي قال: أخبرنا العلاء بن المسيب به. قلت: وعبد الله بن سعيد هذا، لا بأس به في المتابعات، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات، ولهذا قال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". وللحديث طريق أخرى، يرويه خلف بن خليفة عن حصين عن سعد بن عبيدة عن البراء به أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (461 / 785) . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير خلف بن خليفة، فمن رجال مسلم، لكن كان اختلط. وقد خولف في متنه، فرواه منصور عن سعد بن عبيدة به مرفوعا بلفظ: " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل.. " فذكره، وزاد في آخره: " واجعلهن آخر ما تتكلم به ". قال: فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بلغت: " اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت ". قلت: ورسولك! قال: " لا، ونبيك الذي أرسلت ".

أخرجه البخاري (1 / 357 / 247) ومسلم (8 / 77) وأبو داود (5046 - 5047) والترمذي (3569) وصححه، والنسائي (781 و 782) وابن حبان (5511) والطبراني في " الدعاء " (2 / 905 / 245) وكذا أحمد ( 4 / 293) والبيهقي في " شعب الإيمان " (4 / 173 / 4704) من طرق عن منصور به . وأخرجه مسلم، والنسائي (783 - 785) ، وابن أبي شيبة (9 / 73 / 6577 و10 / 246 / 9345) وأحمد (4 / 246) من طرق عن سعد بن عبيدة به نحوه. طريق ثالثة: قال الحميدي في " مسنده " (316 / 723) : حدثنا سفيان قال: حدثنا أبو إسحاق الهمداني قال: سمعت البراء بن عازب يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند مضجعه، أو أمر أن يقال عند المضجع، أو أمرني أن أقول عند مضجعي - شك فيه سفيان لا يدري أيتهن - قال: اللهم.. الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح متصل بالسماع من سفيان - وهو ابن عيينة - لأبي إسحاق - وهو السبيعي - قبل اختلاطه، مصرحا بسماعه من البراء، فأمنا بذلك تدليسه واختلاطه، لكن فيه شك سفيان في متن الحديث هل هو من فعله صلى الله عليه وسلم كان يقوله عند مضجعه ، أو أمر غيره به، وبكل من الأمرين جاءت به الروايات عن أبي إسحاق من رواية سفيان وغيره عنه، وعن غيره، وإليك البيان: أولا: عن سفيان بن عيينة عنه . أخرجه الترمذي (3391) والروياني في " مسنده " (ق 84 / 2 - 85 / 1) والطبراني في " الدعاء " (2 / 903 / 241) من طرق عنه بلفظ الأمر، الأول بلفظ :

" أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى فراشك.. " وقال: " حسن صحيح غريب ". والآخر بلفظ: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر رجلا إذا أخذ مضجعه من الليل أن يقول.. " فذكره. ورواه النسائي (778) من طريق قتيبة بن سعيد عنه بلفظ الفعل: " كان إذا أوى.. ". ثانيا: سفيان الثوري عنه بلفظ: " إذا أويت.. ". أخرجه النسائي (457 / 770 ) وأحمد (4 / 301) من طريق علي بن حفص: أخبرنا الثوري به. ثالثا: شعبة عنه أنه سمع البراء بن عازب يقول: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به. أخرجه البخاري (11 / 113 / 6313) ومسلم والنسائي (775) والطيالسي (97 / 708) وأحمد (4 / 300) والروياني (ق 84 / 2) والطبراني (2 / 902 / 241 ) من طرق عنه به. وخالف أبو الوليد الطيالسي فقال عن شعبة ... بلفظ الفعل: " كان إذا أخذ مضجعه قال:.. " فذكره. أخرجه البيهقي في " الشعب " (4 / 173 / 4706) وقال: " أخرجاه في " الصحيح " من حديث شعبة ".

كذا قال! وقد عرفت أنهما إنما أخرجاه من أمره صلى الله عليه وسلم، وليس من فعله، فكأنه يرى أن أمره صلى الله عليه وسلم به يستلزم فعله إياه، لقاعدة * (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم) * إلا لدليل، وهنا مع أنه لا دليل، فاختلاف الروايات عن البراء ما بين أمر وفعل يدل على ثبوت الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم، وقد جمع بينهما العلاء بن المسيب في حديث الترجمة، فإنه بعد أن ساقه من فعله صلى الله عليه وسلم ختمه بقوله صلى الله عليه وسلم: " من قالهن ثم مات.. " الحديث ، وهذا مذكور في أكثر روايات الأمر. وكذلك وقع الجمع في رواية خلف بن خليفة المتقدمة على ما فيه من ضعف، لكن يقويه رواية العلاء وما نحن في صدد ذكره من الطرق، وإلى هذا مال الحافظ في " الفتح " (11 / 110) . ثم استدركت فقلت: لعل رواية أبي الوليد عند البيهقي غير محفوظة، أو أن أحد الرواة اختصره فروى الفعل دون الأمر، فقد قال الدارمي في " سننه " (2 / 290) : أخبرنا أبو الوليد: حدثنا شعبة ... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا أخذ مضجعه أن يقول: فذكره. وقد استوعب الطبراني في " الدعاء " طرقه عن أبي إسحاق استيعابا واسعا لم أره لغيره، ومنها طريق أبي الوليد هذه، ولكنه لم يذكر معها إلا لفظا واحدا وهو لفظ الأمر، وكذلك هو في " المعجم الصغير " بإحدى تلك الطرق (رقم 145 - الروض) وأخرى في " المعجم الأوسط " (1 / 159 / 2975) لكن قد أخرجه ابن حبان (5502 و 5517) بإسناد واحد عن شيخه أبي خليفة الفضل بن الحباب قال: حدثنا أبو الوليد بالمتنين قوله وفعله، مفرقا في موضعين، فهذا يؤيد ما ذهبنا إليه من الجمع. والله الموفق. رابعا: أبو الأحوص: حدثنا أبو إسحاق الهمداني به بلفظ الأمر:

" يا فلان إذا أويت.. " الحديث. أخرجه البخاري (13 / 462 / 7488) ومسلم، وابن أبي شيبة (9 / 75 / 6583 و 10 / 246 / 9344) والطبراني (2 / 903 / 241) . خامسا: معمر عن أبي إسحاق به من أمره صلى الله عليه وسلم. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (11 / 34 / 19829) والطبراني (2 / 902 و 903) من طريقين عنه. سادسا وسابعا: عبد الله بن المختار وحبيب بن الشهيد عن أبي إسحاق به بلفظ: " كان إذا أوى إلى فراشه قال : " فذكره. أخرجه النسائي (774) : أخبرنا الحسن بن أحمد بن حبيب قال: حدثنا إبراهيم - وهو ابن الحجاج - قال: حدثنا حماد عن عبد الله بن المختار وحبيب بن الشهيد به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون غير الحسن بن أحمد هذا شيخ النسائي، وقد قال فيه: " لا بأس به ". قلت: لكن قد خالفه في متنه إبراهيم بن هاشم البغوي، فقال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي به.. أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا أخذ مضجعه.. الحديث. أخرجه الطبراني في " الدعاء " (2 / 902 / 241) وفي " الأوسط " (1 / 159 / 2975) وقال فيه : " لم يروه عن عبد الله بن المختار وحبيب إلا حماد ".

قلت: والبغوي هذا قال الدارقطني: " ثقة "، فالجمع بين روايتهما أن كلتيهما صحيح ثابت، روى أحدهما هذا، والآخر هذا كما يشعر بذلك حديث الترجمة وغيره كما تقدم، ويؤيد ذلك ما يأتي. ولحماد - وهو ابن سلمة - إسناد آخر، إن صح عنه، يرويه محمد بن السكن الأيلي قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: " فذكره. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 68 / 2 / 1258 و 2 / 72 / 6188) من طريق شيخين له قالا: حدثنا محمد بن السكن الأيلي به. وقال: " تفرد به مؤمل بن إسماعيل ". قلت: وهو صدوق سيىء الحفظ، كما في " التقريب ". ومحمد بن السكن الأيلي لا أدري إذا كان هو الذي في " الميزان ": " محمد بن السكن عن عبد الله بن بكير. لا يعرف، وخبره منكر، قال البخاري: في إسناد حديثه نظر.. ". لكن الذي في " تاريخ البخاري " (1 / 1 / 111) : " محمد بن سكين.. ". وكذا في " الجرح "، و" الثقات " (9 / 67) . وروي الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال: فذكره من فعله صلى الله عليه وسلم. أخرجه الطبراني (2 / 901 / 239) من طريق علي بن عابس عنه.

وعلي بن عابس ضعيف. وقد خالفه إسرائيل فرواه عن أبي إسحاق به عن علي موقوفا عليه. وهو أصح. أخرجه النسائي (454 / 708) . ورجاله ثقات. وبالجملة، فالحديث صحيح من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره، وهو على الاستحباب كما ذكر الحافظ في " الفتح ". هذا، وقد امتحن بحديث الترجمة بعض المتعلقين بهذا العلم الشريف، والمتاجرين به، من الناشرين المدعين للعلم، والكاتبين، ولا أقول المؤلفين فيه، يجمعهم في ذلك أنهم جميعا أنكروا رواية البخاري من فعله صلى الله عليه وسلم، بعضهم صراحة، وبعضهم ضمنا. الأول: محمد فؤاد عبد الباقي، فإنه قال تحت حديث العلاء بن المسيب في " الأدب المفرد " (ص 312 / 1211) : " البخاري في: 4 - كتاب الوضوء ، 75 - باب فضل من بات على وضوء. مسلم في: 48 - كتاب الذكر والدعاء والتوبة .. ح 56 و 57 و 58 ". وهذا خطأ من ناحيتين: الأولى: أن البخاري إنما روى الحديث في المكان الذي أشار إليه من " الوضوء " من طريق منصور التي هي من أمره صلى الله عليه وسلم، وليس من فعله كما تقدم بيانه، فكان حقه - لو كان يعلم - أن يعزوه لكتاب " الدعوات "، فإن الحديث فيه كما تقدم مشارا إليه برقمه. والأخرى: أن مسلما لم يرو الحديث مطلقا من فعله صلى الله عليه وسلم لا من طريق العلاء بن المسيب، ولا من غيره، كما تبين لك من هذا التخريج. والثاني: الشيخ الجيلاني في شرحه على " الأدب المفرد " (2 / 619) ، فقد

بالغ في الوهم أنه قرن مع مسلم أبا داود والترمذي! وأضاف إلى البخاري كتاب التوحيد أيضا. يشير بذلك إلى رواية أبي الأحوص التي هي من أمره صلى الله عليه وسلم كما تقدم في (رابعا) ، وإنما يقع هذا الشيخ الفاضل في مثل هذا الخطأ في التخريج لعدم ممارسته هذا العلم، وانتباهه للفرق بين القول والفعل، مع أن هذا ضروري جدا من الناحية الفقهية كما لا يخفى على العلماء، وقد وقع له وللمذكور الأول مثل هذا الخطأ في تخريجهما لأحاديث " الأدب المفرد " الشيء الكثير، كما ستراه منبها عليه في كتابي الجديد " صحيح الأدب المفرد " الذي أرجو أن أنتهي منه قريبا بإذن الله تبارك وتعالى. ثم انتهيت منه، وطبع وصدر هو وقسيمه " ضعيف الأدب المفرد "، والحمد لله على توفيقه. الثالث: جماعة من العلماء بإشراف زهير شاويش! كذا قال في الوجه الأول من طبعته الأولى بالترتيب الجديد! لكتاب " رياض الصالحين " الذي كنت حققته من قبل، وطبعه سنة (1979 - 1399) الطبعة الأولى، ثم أعادها ثانية سنة (1404) ، والثالثة سنة (1406) . ثم قام بطبعه هذه السنة (1412) بالترتيب الجديد، وقدم لها بمقدمة ملؤها الكذب والزور وقلب الحقائق بما لا مجال لبيان ذلك الآن، فحسب القراء دليلا على ذلك زعمه أنه " تحقيق جماعة من العلماء "، فانظروا الآن في المثال الآتي: لقد علقت " جماعة العلماء " على هذا الحديث، وقد قال النووي في تخريجه إياه (رقم 817 - الطبعة الأولى بتحقيقي) و (رقم 818 - تحقيق جماعة من العلماء) ، قال النووي: " رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه ". علقت عليه الجماعة بقولها (ص 337) :

" تقدم هذا الحديث برقم (81) وسيأتي برقم (1470 ) ورواه الإمام البخاري في الوضوء والدعوات والتوحيد. بزيادة عما هنا، ولم أجده في كتاب الأدب. وانظر " فتح الباري " (1 / 357 و 11 / 109، 113، 115، 13 / 462) . ولعل المؤلف وهم إذ إن الحديث في كتاب الأدب المفرد للبخاري ". فتأمل أيها القارىء الكريم في هذا التخريج، هل هو أولا من عمل " جماعة من العلماء " أم الجهلة، أم هو عمل فرد واحد لا يدري ما ينطق به لسانه، وما يجري به قلمه، ألا وهو الذي أعلن أن التحقيق المذكور هو بإشرافه، بدليل قوله: " ولم أجده.. "؟! هذا أولا. وثانيا: هل كان عزوه تحقيق الطبعة الجديدة لـ " جماعة من العلماء " من باب تغيير شكل من أجل الأكل الذي تمثل جليا في حشره نفسه وغيره معي في تحقيق كتاب " التنكيل " كما شرحت ذلك في مقدمة طبعته الجديدة؟ أم هو الإعجاب والغرور بالتحقيق المزعوم هنا فعزاه لنفسه هنا دونهم؟ (أحلاهما مر) . وسواء كان هذا أو ذاك، فهذا التخريج وحده أكبر دليل على أن كاتبه ليس طالب علم، فضلا عن أنه ليس عالما، فكيف " جماعة من العلماء "؟! وذلك للوجوه الآتية: أولا: أن الحديث في " صحيح البخاري " كما علمت، فإنكار وجوده فيه مع توفر الفهارس الميسرة للاطلاع عليه يؤكد ما ذكرت. ثانيا: أن الأرقام التي عزاها لـ " فتح الباري " هي ليست من كده وبحثه وتنقيبه، وإنما هي من سرقاته الكثيرة التي فشت في كتاباته وتعليقاته، فهو استفادها من الطبعة السلفية التي استقصى أطراف أحاديثها محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله، فقد أشار في الموضع الأول لحديث البراء (1 / 357) إلى أرقام أطرافه، فجاء هذا المتشبع بما لم يعط! فحول أرقامها إلى أرقام الصفحات

والمجلدات!! تبجحا وتدليسا على القراء، وإيهاما أن ذلك من تتبعه للحديث الذي لم يجده. ثالثا: يا لله! ما أجمل ما قيل: ومهما تكن عند امرىء من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم. كما روي في الحديث الضعيف: " ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر "، فما أجمله من حديث لو صح (¬1) . لقد كشف الله عن سرقة هذا المدعي وعن جهله وعجبه وغروره، بأن ألهمه أن يحول أرقام أطراف الأحاديث إلى أرقام صفحاتها تدليسا وتمويها - كما سبق - وفيها صفحة (115) من المجلد (11) ، والحديث الذي نفى وجوده فيها! وبالرقم الذي رقمه محمد فؤاد (6315) ! فحوله هو إلى رقم الصفحة كما رأيت، ليعمي عنه، وقد جمعت أنا بين ذكر المجلد والصفحة ورقم الحديث في أول هذا التخريج. وله من مثل هذا النوع من الخلط والعدوان على العلم الشيء الكثير في تعليقاته التي يعتدي بها علي وعلى كتبي، وقد سبق له مثال تحت الحديث (2840) فراجعه. والرابع والأخير إن شاء الله من الممتحنين في هذا الحديث، ألا وهو المدعو حسان عبد المنان، فقد قام هذا الرجل في هذه السنة بطبع " رياض الصالحين " طبعة جديدة مسخها مسخا وتصرف فيه تصرفا سيئا بحيث صار نسبة الكتاب إلى الإمام النووي كذبا وزورا مكشوفا لأسباب كثيرة قد ذكرت شيئا منها في موضع آخر (¬2) ، منها أنه حذف منه نحو أربعمائة حديث كما حذف كلام النووي عليه شرحا، أو تحسينا وتصحيحا. وهذا الحديث من تلك الأحاديث التي حذفها ¬

(¬1) انظر تخريجه في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم (237) . (¬2) انظر الهامش الآتي (ص 920) . وراجع ما جاء تحت الحديث (2914) . اهـ.

2890

تحت بابه رقم (127 - باب آداب النوم..) ، وقد ذكر النووي فيه حديث الترجمة هذا، وحديثه من رواية منصور المتقدم، فاحتفظ بطرفه الأول من هذا مشيرا إلى أنه يأتي بتمامه، وحذف الأول دون أن يشير إلى ذلك، والسبب واضح لأنه فيما بدا لي من صنيعه في هذا الكتاب أنه لا معرفة عنده بما في الأصول من الأحاديث، وإنما هو يستفيد من الكتب الجامعة للأحاديث، ومن بعض الكتب التي تعني بتخريج الأحاديث والكلام عليها، فإذا وجد فائدة أو نقدا تبناه وذكره دون أن ينسبه إلى صاحبه، فيظهر لي أنه ما حذفه إلا وقد شك على الأقل في وجوده في " صحيح البخاري "، ولم يساعده الوقت للبحث عنه مستعينا بالفهارس، وليس بالعلم الذي في صدره - إن كان فيه -، وإلا لم يكن لحذفه معنى معقول لو كان واجدا له، لأن فيه فائدة لا توجد في رواية منصور وهي مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على النوم على شقه الأيمن، والدعاء فيه، والنووي رحمه الله ما أوردها إلا لذلك. 2890 - " من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في نار جهنم ". أخرجه مسلم (2 / 125) وأبو عوانة (2 / 11 - 12) والبيهقي في " السنن " ( 1 / 464) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 179 / 1683 و 1684) وكذا الروياني في " مسنده " (164 / 2) من طريق خالد الحذاء عن أنس بن سيرين قال: سمعت جندبا القسري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وتابعه الحسن عن جندب به مختصرا دون قوله: " فإنه من يطلبه.. " إلخ. أخرجه مسلم وأبو عوانة والترمذي (222) وابن حبان (3 / 120 /

1740) وأحمد (4 / 312 / 313) والروياني أيضا (165 / 2) وأبو يعلى (3 / 95 / 1526) والطبراني أيضا (2 / 169 / 1654 - 1661) وفي " الأوسط " (1 / 135 / 2 / 2611 ) والبيهقي أيضا من طرق عنه، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". قلت: هو كذلك لو أن الحسن - وهو البصري - صرح بالتحديث، فإنه معروف بالتدليس، بل قال أبو حاتم: " لم يصح له السماع منه ". لكن أشار الحافظ المزي في " تهذيبه " إلى رد ذلك بتصريحه بسماعه منه في إسناد صحيح ذكره، وهو يشير بذلك إلى حديث رواه الشيخان، وسيأتي تخريجه برقم (3013) ، فالعلة إذن عنعنته في حديث الترجمة عند كل من ذكرنا ممن خرجه. ولعله من أجل ذلك أخرجه مسلم عقب حديث أنس بن سيرين، كأنه ذكره استشهادا به. والله أعلم. وقد زاد بعضهم في متنه من روايته عن الحسن: " فانظر يا ابن آدم! لا يطلبنك.. ". وهي عند أبي عوانة وابن حبان والبيهقي وأحمد والطبراني دون مسلم، ولعله - رحمه الله - تعمد أن لا يذكرها إشارة منه إلى ما ذكرته آنفا من العلة، مع عدم ورودها في الطريق الأولى الصحيحة، فهي شاذة إن لم نقل منكرة، فقد جاء الحديث عن جمع من الصحابة دون هذه الزيادة، منهم: أبو هريرة عند الترمذي (2165) والدارمي (1 / 332 ) . وسمرة بن جندب عند ابن ماجه (3946) وأحمد (5 / 10) .

وأبو بكر الصديق عند ابن ماجه (3945) . وعبد الله بن عمر، في " المسند " (2 / 111) والبزار (2 / 120 / 3342) عن نافع، والطبراني في " الأوسط " (1 / 197 / 2 / 3608) عن سالم كلاهما عنه. وأنس بن مالك، عند البزار أيضا (3343) وأبي يعلى (7 / 141 / 4107 و 151 / 4120) والطبراني أيضا (1 / 158 / 2 / 2962) وابن عدي (2 / 276) . (تنبيه على أمور) : أولا: أورد النووي الحديث في " رياض الصالحين " (1055) من رواية مسلم دون قوله: " فإنه من يطلبه.. " إلخ، وبالزيادة المنكرة التي في رواية الحسن البصري عند غير مسلم! وفي ظني أنه نقلها من سنن " البيهقي " لأنه عزاها لمسلم أيضا! ثانيا: لم يتنبه لهذا الذي ذكرته حسان عبد المنان في طبعته الجديدة لـ " الرياض "، التي لم يعد من الجائز نسبتها إلى مؤلفه الإمام النووي لمسخه إياه مسخا غير معالمه بالحذف والتقديم والتأخير بما يطول ذكره، وقد بينت شيئا من ذلك في غير ما موضع (¬1) ، والمقصود هنا أن الرجل ادعى من العلم في تحقيقه لهذا الكتاب ما يدل واقعه على أنه ليس كما يدعي، إنما هو ناقل لا تحقيق عنده وهذا هو المثال أمامك، فإنه على رغم أنه رجع إلى الحديث في " مسلم "، ووضع بجانبه رقمه فيه (632) ، فإنه لم ينبه على الاختلاف الذي بينه وبين نصه في " مسلم "، كأنه لا يعنيه من تعقيبه أحاديث " رياضه " بأرقامها في " البخاري " ¬

(¬1) انظر مثلا (ص 945 - 947) من " الصحيحة " المجلد الأول / الطبعة الجديدة. و (ص 717 - 724) من المجلد الثاني / الطبعة الجديدة، وتقدم شيء منه قريبا ( 917) . اهـ.

و " مسلم " إلا إيهام القراء أنه راجع ألفاظها، وقابلها بأحاديث " الرياض "، وهو لم يصنع من ذلك شيئا ( كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد) ! ثالثا: وأما صاحب (المكتب الإسلامي) ، فإنه أيضا أعاد طبع " الرياض " في هذه السنة (1412) ، وهي نفسها التي صدرت فيها طبعة المذكور قبله، ولا أدري أيهما غار من الآخر فطبع طبعته منافسا له! والشاهد أن الصاحب المشار إليه علق على الحديث بقوله: " سكت الشيخ ناصر عن هذا الحديث، وليس في روايات مسلم 1 / 454: " فانظر يا ابن آدم "، وفي روايات مسلم زيادة مفادها: فيدركه فيكبه في نار جهنم ". قلت: وفيه ملاحظات عديدة: الأولى: السكوت الذي نسبه إلي - وقد كرره مرارا! فيه غمز خبيث ما أظنه إلا منه، وليس من " جماعة العلماء " الذين ادعى في مقدمة طبعته الجديدة أنها من تحقيقهم، فهل يقع العلماء في مثل هذا الغمز الذي لا فائدة منه إلا التشفي، وبغير حق! لأنه يريد أن يشعر القراء بإخلالي في تحقيقي السابق للكتاب: " الرياض " الذي لم يكن هو قد أراد له كل جوانب التحقيق، وإنما على ما تيسر، فضلا عن أنه لم يكن فيه التزام مقابلة أحاديثه بأصولها، ولا الصاحب المذكور يرضى بذلك، ولو فعل لأفلس، لأن تأليف الكتاب من جديد أيسر من ذلك التحقيق. وعلى الباغي تدور الدوائر، ويؤكد ذلك ما يلي: الثانية: لقد انتبه لتلك الزيادة أنها ليست في مسلم، ولكنه لم يعزها لمصدر، ولا بين ضعفها، مع أنه زعم في مقدمة طبعته الجديدة أنها من " تحقيق جماعة من العلماء " !

2891

الثالثة: قوله: " مفادها.. " تعبير غير علمي لأنه يساوي قوله: " معناها " ، فالصواب أن يقال: نصها. كما هو ظاهر لا يخفى إلا على جاهل غبي. الرابعة: هذا النص هو في رواية لمسلم مختصرة جدا، فكان عليه أو على " جماعة العلماء " - إن كان صادقا - أن يذكروا رواية مسلم الأخرى التي اعتمدتها في حديث الترجمة، لأنها أتم كما ترى. الخامسة: كان عليه أو عليهم! أن ينبهوا أن هناك في متن حديث " الرياض " مخالفة أخرى لما في " مسلم "، ففيه: " فلا يطالبنكم "، وفي " الرياض ": " لا يطالبنك "! لقد ذكرني هذا الغماز اللماز بالمثل العامي: من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة! رابعا: عزا المنذري الحديث في " الترغيب " (1 / 141) لأبي داود أيضا، وهو وهم. فاقتضى التنبيه. 2891 - " أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه (وفي رواية: " على الآخر ") ". أخرجه مسلم (1 / 57) وأبو عوانة (1 / 23) وابن حبان (1 / 234 / 250) وأحمد (2 / 44) من طرق عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وأخرجه البخاري (6104) وأبو عوانة ، وابن حبان (249) والترمذي (7 / 293 / 2639) ، وأحمد (2 / 18 و 47 و60 و 112 و 113) من طرق أخرى عن ابن دينار به دون قوله: " إن كان.. " إلخ، وكذا هو في " موطأ مالك " (3 / 148) ومن طريقه

أخرجه البخاري وغيره. وكذلك رواه في " الأدب المفرد " (439) من طرق عن مالك. وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وخالف الطرق المشار إليها عن مالك أحد الضعفاء، فقال البخاري في " الأدب المفرد " (440) : حدثنا سعيد بن داود، قال: حدثنا مالك أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره بمعنى حديث الترجمة. وسعيد هذا هو الزنبري، قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق له مناكير عن مالك، ويقال: اختلط عليه بعض حديثه، وكذبه عبد الله ابن نافع في دعواه أنه سمع من لفظ مالك ". قلت: وهذا من مناكيره، فإنه خالف الجماعة في شيخ مالك، فجعله نافعا، وإنما هو عبد الله بن دينار. لكن له أصل من حديث نافع عن ابن عمر مختصرا دون الزيادة. أخرجه مسلم (1 / 56) وأبو عوانة (1 / 21 - 22) . وله شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ: " لا يرمي رجل رجلا بالفسق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ". أخرجه البخاري في " صحيحه " (6045) و " الأدب المفرد " (432) ومسلم بنحوه ، وأبو عوانة (1 / 23) وأحمد (5 / 181) والبزار (4 / 431 / 2034) وقال:

2892

" لا نعلمه بهذا اللفظ عن أحد من الصحابة إلا بهذا الإسناد ". (تنبيه) : وهم في حديث " الأدب المفرد " من طريق سعيد بن داود الزنبري رجلان: أحدهما: الشيخ الجيلاني شارح " الأدب "، فقال في تخريجه (1 / 529) : " أخرجه المصنف في " صحيح الأدب " وأحمد ". وهذا خطأ، لأن البخاري إنما رواه في " صحيحه " مختصرا كما تقدم. وكان الأولى به أن يعزوه لمسلم لأنه عنده أتم بنحوه. والآخر: محمد فؤاد عبد الباقي، فإنه لم يخرجه، وإنما قال: " هو معنى الحديث السابق ". يعني حديث صحيح البخاري المختصر الذي آخره: " فقد باء به أحدهما " . وكان حقه أن يعزوه لمسلم لما تقدم آنفا. 2892 - " أرأيت هذا الليل الذي قد كان ألبس عليك كل شيء أين جعل؟ فقال: الله أعلم. قال: فإن الله يفعل ما يشاء ". أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسند أبي هريرة " (1 / 399 / 437) : أخبرنا المخزومي: أخبرنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا عبد الله بن عبد الله الأصم أخبرنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! أرأيت * (جنة عرضها السماوات والأرض) * فأين النار ؟ قال: فذكره. وأخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1 / 158 / 103) من طريق ابن راهويه وفيه بعض الأحرف قد حرفت فتصحح من هنا.

وتوبع إسحاق، فقال البزار في " مسنده " (3 / 43 / 2196) : حدثنا محمد بن معمر حدثنا مغيرة بن سلمة أبو هشام حدثنا عبد الواحد بن زياد به. إلا أنه قال: " قال: حيث شاء الله، قال : فكذلك النار حيث شاء الله ". وتوبع البزار، فقال الحاكم (1 / 36) : أخبرني محمد بن عبد الله الجوهري - واللفظ له -: حدثنا محمد بن إسحاق: أنبأ محمد بن معمر بن ربعي القيسي: حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي به، إلا أنه قال: " قال: كذلك الله يفعل ما يشاء ". وقد توبع المخزومي، فأخرجه الحاكم أيضا من طريق أبي النعمان محمد بن الفضل: حدثنا عبد الواحد بن زياد به . وقال: " حديث صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو على شرط مسلم فقط، لأن عبد الله بن عبد الله الأصم لم يرو عنه البخاري، وهو ثقة كما قال ابن معين وغيره، وهو أخو عبيد الله بن عبد الله الأصم، وكلاهما ذكرهما ابن حبان في " الثقات " (7 / 36 و 142) ، أكبرهما عبد الله، وكلاهما يروي عن عمهما يزيد بن الأصم، وعن كل منهما عبد الواحد بن زياد كما في " الجرح والتعديل " وغيره، فكأنه لذلك اختلف الرواة أو المخرجون في راوي هذا الحديث هل هو عبد الله المكبر، أم عبيد الله المصغر؟ فوقع في " مسند إسحاق " و" مستدرك الحاكم " مكبرا، ووقع في " الإحسان " وفي " مسند البزار " مصغرا ، وكذا وقع في " صحيح مسلم " (2 / 59) وقد ساق له حديثا آخر فيما يقطع الصلاة، ساقه عن شيخه إسحاق بن راهويه بإسناده المذكور أعلاه، لكنه قال: " عبيد الله.. "، ومن الغريب أن الحافظ ذكر القطع هذا في ترجمة عبد الله المكبر، وهو تابع في ذلك لأصله " تهذيب المزي " فإنه ساقه في

ترجمته (15 / 164 - 165) بإسناده المذكور أعلاه! وعزاه لمسلم! وقد رأيته في " مسند السراج " (ق 43 / 1) بإسناده هذا لكن وقع فيه: " عبيد الله " مصغرا! وهي نسخة جيدة، وكذلك هو في " مسنده " المطبوع (1 / 328 / 314) ولكني أعتقد أنه خطأ من الناسخ لأن صورته في الأصل المخطوط هكذا: " عبد " هكذا بسن واحد للباء الموحدة بين العين والدال، وبجانب نقطة الباء ظهرت وسخة في المصورة نقطة أخرى عن يسار الأولى، ودونها وأكبر منها قليلا توهمها المحقق نقطتين! ولو كان صوابا لجعل لها ناسخ الأصل سنا أيضا هكذا " عبيد "، ويؤيد الوهم أن في " مسند ابن راهويه " قبل هذا وبعده حديثين آخرين بسندين آخرين عن عبد الله هذا عن عمه يزيد بن الأصم به. لكن أحدهما - وهو في أمر الأعمى أن يحضر صلاة الجماعة إذا سمع النداء - لكن الحديث في " صحيح مسلم " (2 / 124) من طريق إسحاق وغيره، وفيه: " عبيد الله " مصغرا! وكذلك وقع في " أبي عوانة " (2 / 7) من طريق أخرى عن شيخ إسحاق مروان بن معاوية الفزاري عنه وبالجملة، فهذا اختلاف شديد في الراوي لهذه الأحاديث ومنها حديث الترجمة عن يزيد بن الأصم، حتى إنه ليلقى في البال لعله شخص واحد، اختلف الرواة في اسمه، فمنهم من يكبره ، ومنهم من يصغره، وسواء كان هذا أو ذاك، فالمهم أنه ثقة من رجال مسلم، وقد صححه من سبق ذكرهم، ولاسيما وله شواهد كثيرة وهي وإن كانت جلها موقوفة ، أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (4 / 60) من حديث عمر بن الخطاب، وابن عباس ، بسندين صحيحين عنهما - فإنها تدل على أن هذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم كان معروفا لديهم، على أنه قد روي

2893

مرفوعا في حديث التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " سبحان الله أين الليل إذا جاء النهار؟ ". أخرجه أحمد (4 / 441 - 442) وابن جرير بسند ضعيف ، وقد تكلم عليه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " تفسير ابن جرير " (7 / 209 - 210) وأطال النفس وأجاد، جزاه الله خيرا. وإن من فقه الحديث ما ترجم له ابن حبان بقوله: " ذكر الخبر الدال على إجابة العالم السائل بالأجوبة على سبيل التشبيه والمقايسة دون الفصل في القصة ". 2893 - " اركع ركعتين ولا تعودن لمثل هذا. يعني: التأخير في المجيء إلى الجمعة ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (4 / 92 / 2495) والدارقطني في " سننه " (2 / 16 / 11) من طريق ابن إسحاق: حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال: دخل سليك الغطفاني المسجد يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، قال: فركعهما ثم جلس. قلت: وهذا إسناد حسن لأن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث، فأمنا بذلك شر تدليسه، وسائر رجاله ثقات، ولعله لذلك أشار الحافظ لتقوية الحديث بقوله في " الفتح " (2 / 408) : " أخرجه ابن حبان "، وسكت عليه.

2894

وقال ابن حبان عقبه. " قوله: " لا تعودن لمثل هذا "، أراد الإبطاء في المجيء إلى الجمعة لا الركعتين اللتين أمر بهما، والدليل على صحة هذا خبر ابن عجلان الذي تقدم ذكرنا له أنه أمره في الجمعة الثانية أن يركع ركعتين مثلهما ". قلت: حديث ابن عجلان الذي أشار إليه ابن حبان، أخرجه ابن حبان قبيل هذا، وإسناده حسن أيضا، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1470) . 2894 - " لا وصال في الصيام ". أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " (1765) : حدثنا اليمان أبو حذيفة عن أبي عيسى عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، اليمان هذا ضعيف اتفاقا. وأبو عيسى لم أعرفه. ورواه حرام بن عثمان عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر عن أبيهما به. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (4 / 269 / 7758) والبيهقي في " السنن " (7 / 319) من طريقين عنه . لكن حرام هذا متروك، حتى قال الشافعي فيه: " الرواية عن حرام حرام "! وأخرجه الطيالسي أيضا (1764) : حدثنا خارجة بن مصعب عن حرام بن عثمان عن أبي عتيق عن جابر به. وأبو عتيق هو عبد الرحمن بن جابر المتقدم في رواية عبد الرزاق.

وخارجة بن مصعب متروك أيضا. لكن للحديث شاهد خير مما تقدم، فقال أحمد في " المسند " (3 / 62) : حدثنا عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن قزعة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن الوليد هذا، وهو العدني، وهو مختلف فيه، وقد قال أحمد فيه: " حديثه صحيح ". وقال الذهبي في " المغني ": " صدوق ". وكذا قال الحافظ، وزاد: " ربما أخطأ ". قلت: وقد توبع، فقد أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (5 / 236 / 3570) من طريق أخرى عن أحمد قال: حدثنا مؤمل بن إسماعيل وعبد الله بن الوليد عن سفيان به. ومؤمل هذا قريب حاله من حال العدني، قال الحافظ: " صدوق سيىء الحفظ ". فهو متابع قوي، والحديث صحيح، فقد جاء من طريق أخرى عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ : " لا تواصلوا.. " الحديث.

رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2044) . والحديث لم يعزه السيوطي في " الجامع الصغير " إلا للطيالسي ، وأما في " الجامع الكبير " فزاد عليه: " عم، سمويه، حب ". ولعل " عم " محرف من " حم "، فإن عبد الله بن الوليد هو من شيوخ أحمد. ثم إنني أتعجب من الهيثمي كيف فات عليه هذا الحديث فلم يورده في " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه، وكذلك لم يورده في " موارد الظمآن "! ولعل ملحظه في ذلك أنه بمعنى رواية البخاري المتقدمة، فهو على ذلك ليس على شرطه. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم إن للحديث طريقا ثالثة عن جابر، وشاهدا آخر من حديث علي رضي الله عنهما، أخرجهما ابن الجوزي في " الواهيات " (2 / 152 - 153) وبين عللهما، وفيما تقدم غنية عنهما، فمن شاء رجع إليه. وله شاهد ثالث فيه زيادة منكرة، فلابد من ذكره وبيان علته يرويه جعفر بن سعد ابن سمرة: حدثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة قال: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نواصل في شهر الصوم وكرهه، وليس بعزمة ". أخرجه البزار (1 / 482 / 1024) والطبراني في " الكبير " (7 / 300 / 7011 و 7012) وقال الهيثمي (3 / 158) : " وإسناده ضعيف ".

2895

قلت: وهذا إسناد مظلم، مسلسل بالعلل: 1 - جعفر بن سعد بن سمرة، قال الحافظ في " التقريب ": " ليس بالقوي ". 2 - خبيب بن سليمان، مجهول. 3 - أبوه سليمان بن سمرة، مقبول. قلت: وعلى هذا فالزيادة منكرة. 2895 - " من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني. يعني الحسن والحسين رضي الله عنهما ". أخرجه أحمد في " المسند " (2 / 440) وفي " الفضائل " (2 / 777 / 1376) ومن طريقه الحاكم (3 / 166) والبزار (3 / 227 / 2627) عن جعفر بن إياس عن عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن وحسين، هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة ، ويلثم هذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله! إنك تحبهما . فقال: فذكره. وقال البزار: " لا نعلم روى عبد الرحمن بن مسعود عن أبي هريرة إلا هذا ". قلت: بلى له عنه حديث آخر تقدم برقم (360) ، لكن وقع هناك " عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود " نقلا عن " موارد الظمآن "، وبعد طبع أصله " صحيح ابن حبان "، وطبع كتاب شيخه فيه " مسند أبي يعلى " تبين أن زيادة " عبد الله " بين " عبد الرحمن " و " مسعود " خطأ من الناسخ أو الطابع

فليصحح. وقال الحاكم عقب حديث الترجمة: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهذا منهما ذهاب إلى أن عبد الرحمن بن مسعود هذا ثقة، وقد وثقه ابن حبان (5 / 106 ) ولم يذكر له راويا غير جعفر هذا، وكذلك فعل ابن أبي حاتم، لكن لما ترجمه الحافظ في " التعجيل " قال: " وعنه جعفر بن إياس وغيره ". وخفي هذا على المعلق على " الإحسان " (10 / 447 - طبع المؤسسة) ، فقال: " ولم يرو عنه غير جعفر بن إياس "! ولم يقله قبله غيره! مع أنه قال عقبه: " مترجم عند ابن أبي حاتم (5 / 285) ، و " التعجيل " (ص 258) "، وفيه تدليس لا يخفى على اللبيب، أما بالنسبة لـ " التعجيل " فظاهر لأنه نفى ما أثبته، وأما بالنسبة لـ " الجرح " فلأنه لم ينف نفيه، وإنما ذكر أنه روى عنه جعفر! وشتان ما بينهما!! على أنه لم يتفرد بهذا الحديث، فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (3 / 40 - 42) وابن عساكر في " التاريخ " (4 / 501 - 503) من طرق عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكر حديث الترجمة. وبعض هذه الطرق عند أحمد (2 / 288) وعبد الرزاق (3 / 471 / 6369 ) وفيه عنده قصة ذكرتها في " أحكام الجنائز " (ص 100 - 101) ، وصححه الحاكم . ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.

2896

2896 - " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع ". أخرجه مالك في " الموطأ " (2 / 2) وعنه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 68 / 4602 - الإحسان) وأحمد (2 / 465) عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق مالك أيضا أخرجه البغوي في " شرح السنة " (10 / 349 - 350) وقال: " متفق على صحته، أخرجاه من رواية أبي الزناد وغيره، ومن طرق عن أبي هريرة ". ومن طرقه: عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: " لا تستطيعونه ". قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقول: " لا تستطيعونه ". وقال في الثالثة: فذكره. أخرجه مسلم (6 / 35) وأبو بكر بن أبي شيبة (5 / 287) ومن طريقه ابن حبان (4608) والترمذي (1619) وصححه، وأحمد أيضا (2 / 424) وكذا البغوي (رقم 2612) وقال: " حديث متفق على صحته، أخرجاه من أوجه عن أبي هريرة ".

ثم رواه أحمد (2 / 459) من طريق شعبة عن سهيل به دون السؤال والجواب. ورواه النسائي (2 / 57) من طريق أخرى عن أبي صالح مختصرا، وكذلك رواه ابن أبي شيبة (5 / 333) . ومنها: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه مرفوعا مثل حديث مالك، وزاد: ".. بما رجع من غنيمة [أو أجر] ، أو يتوفاه الله فيدخله الجنة ". أخرجه ابن حبان (4603) وأحمد (2 / 438) وإسناده حسن. ومنها: عن الزهري: أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال:.. فذكره نحوه، وفيه الزيادة بتمامها. أخرجه البخاري (2787) والنسائي (2 / 56) . (تنبيهان) : الأول: حديث مالك رواه ابن حبان عن شيخه عمر بن سعيد بن سنان بسنده عن مالك به. وحديث محمد بن عمرو رواه عن شيخه محمد بن أحمد بن عون بسنده عنه. فاختلط الأمر على الهيثمي في " موارد الظمآن " (رقم 1584) أو على الناسخ - فجعل متن حديث هذا الشيخ الثاني لشيخه الأول، ولم يسق متن هذا الشيخ لأنه في متن الآخر كما هو ظاهر لك من هذا التخريج. ومن الغريب أن هذا الخطأ وقع فيه المنذري أيضا في " الترغيب " (2 / 179) ، فعزا متن هذا لذاك الشيخ الأول!! والآخر: أن السيوطي أورد الحديث في جامعيه: " الصغير " و " الكبير "

بلفظ كامل ملفق من لفظ مالك في شطره الأول، ومن لفظ البخاري في شطره الآخر ! وعزاه للشيخين والترمذي والنسائي! وليس هذا فقط، بل وقال في الشطر الأول: " ولا صدقة "! وهذا مما لا أصل له عند المذكورين من المخرجين، ولا عند غيرهم ممن سبق ذكره في تخريجنا هذا، وإنما هو عندهما بلفظ: ".. صلاة ولا صيام ". اللهم إلا ابن أبي شيبة فهو باللفظ الذي عند السيوطي! وهو شاذ، لما سبق، ولأحاديث أخرى في الباب، مثل حديث أبي سعيد الخدري بلفظ: " كمثل الصائم، القائم الذي لا يفتر حتى يرجع ". أخرجه ابن ماجه (2754) وابن أبي شيبة (5 / 319) من طريق عطية عنه. وحديث النعمان بن بشير مرفوعا مختصرا بلفظ: " كمثل الصائم نهاره، والقائم ليله حتى يرجع متى رجع ". أخرجه عبد الرزاق (5 / 256 / 9537) موقوفا، وأحمد (4 / 271) مرفوعا، وكذا البزار (2 / 256 / 1645) بسند جيد. ثم روى البزار (1648) : حدثنا محمد بن يحيى أبو الصباح: حدثنا عاصم بن علي بسنده عن الأعرج عن أبي هند مرفوعا به مثل حديث الترجمة، إلا أنه قال: " ولا صدقة "، مكان " حتى يرجع ". وقال:

2897

" هكذا رواه لنا هذا الرجل، وإنما يعرف من حديث الأعرج عن أبي هريرة ". قلت: والرجل المشار إليه هو شيخه أبو الصباح، ولم أعرفه. 2897 - " وأنا أشهد، وأشهد: أن لا يشهد بها أحد إلا برئ من الشرك. يعني الشهادتين ". أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (155 / 39) والطبراني في " الأوسط " (2 / 266 / 2 / 9059) من طريق أصبغ بن الفرج قال: أخبرني ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أن يحيى بن عبد الرحمن حدثه عن عون بن عبد الله عن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال: بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في الوادي يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره، واللفظ للنسائي، وزاد الطبراني في أوله: ".. إذ سمع القوم وهم يقولون: أي الأعمال أفضل يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إيمان بالله ورسوله، وجهاد في سبيل الله، وحج مبرور، ثم سمع.. " الحديث. وقال الطبراني: " لا يروى عن عبد الله بن سلام إلا بهذا الإسناد، تفرد به عمرو بن الحارث ". قلت: وهو ثقة، وكذلك من فوقه، غير يحيى بن عبد الرحمن، وهو الثقفي، ذكره ابن أبي حاتم (4 / 2 / 166) بهذه الرواية، وكذا ابن حبان في " الثقات " (5 / 524 و 527) ولهذا قال الذهبي في " الميزان " مشيرا إلى جهالته:

" تفرد عنه سعيد بن أبي هلال ". والحديث أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " (3 / 2 / 141 / 2338) قال: أخبرنا عبد الله ابن وهب به إسنادا ومتنا مع زيادة الطبراني. وكذا أخرجه أحمد وابنه عبد الله (5 / 451) : حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب به. وكذلك أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة " (58 / 8 / 1) من طرق قالوا: أخبرنا ابن وهب به. وخالفهم جميعا في إسناده حرملة بن يحيى فقال: حدثنا ابن وهب به، إلا أنه قال: " يحيى بن عبد الله بن سالم " مكان " يحيى بن عبد الرحمن ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 58 / 4576) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم: حدثنا حرملة بن يحيى به. وابن سالم هذا ثقة. وأنا أظن أن هذا وهم من حرملة، فإنه وإن كان ثقة ومن شيوخ مسلم، فقد تكلم فيه بعضهم كما ترى في " التهذيب "، ولذا قال الذهبي في " الكاشف ": " صدوق يغرب ". وأما ابن سلم - وهو الحمصي - فهو ثقة إمام محدث، ووثقه ابن حبان، كما ذكر الذهبي في " سير النبلاء " (14 / 306) . وقد جهل هذا التحقيق أو تجاهله المعلق على " الإحسان " (10 / 456 / 4596) - وأظنه غير الشيخ شعيب من الذين يعملون تحت يده - فقال: " إسناده قوي على شرط مسلم غير يوسف بن عبد الله بن سلام، فقد روى عنه أصحاب السنن، وهو صحابي صغير ". ثم خرجه من رواية سعيد وأحمد، ولم يعرج على المخالفة التي وقعت من حرملة لروايتهما، كما أنه لم يعزه للنسائي وعبد الله بن أحمد والطبراني!

وبالجملة، فهذا الإسناد ضعيف لجهالة يحيى بن عبد الرحمن الثقفي، إلا أن حديثه بشطريه ثابت صحيح بشواهده. أما حديث الترجمة، فيشهد له حديث عائشة رضي الله عنها: " كان إذا سمع المؤذن قال: وأنا، وأنا ". أخرجه أبو داود وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم (538) ، ورواه ابن حبان، وهو مما سقط من كتاب الهيثمي " الموارد "! ويشهد لجملة البراءة من الشرك حديث رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ: * (قل يا أيها الكافرون) *، قال: " أما هذا فقد برىء من الشرك ". وسمع آخر يقرأ: * (قل هو الله أحد) *، فقال: " أما هذا فقد غفر له ". أخرجه أحمد (4 / 65 و 5 / 376 و 378) من طريقين عن مهاجر الصائغ عنه. فهو إسناد صحيح. ولهذا شاهد من حديث نوفل أبي فروة بلفظ: " اقرأ * (قل يا أيها الكافرون) *، ثم نم على خاتمتها، فإنها براءة من الشرك ". صححه ابن حبان (786 و 787 و 5500 و5520 و [..] ص 429 ج 7) ، والحاكم والذهبي، وهو في " التعليق الرغيب " ( 1 / 209) . وأما الزيادة التي فيها السؤال عن أفضل الأعمال، فلها شواهد في

2898

" الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة وأبي ذر، وهذا أخرجه ابن حبان (4577 ) . فراجع " الترغيب " (2 / 172 - 173) إن شئت. 2898 - " من أطرق فرسه مسلما كان له كأجر سبعين فرسا حمل عليه في سبيل الله فإن لم تعقب كان له كأجر فرس يحمل عليها في سبيل الله ". أخرجه ابن حبان (1637 - الموارد) وأحمد (4 / 231) وأبو إسحاق الحربي في " غريب الحديث " (5 / 9 / 1) والطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 341 / 853 ) من طرق عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن أبي كبشة الأنماري أنه أتى رجلا فقال: أطرقني من فرسك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد شامي صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب "، وأبو كبشة الأنماري صحابي معروف نزل الشام، اختلف في اسمه، وجزم الترمذي بأن اسمه عمر بن سعد. وأبو عامر الهوزني اسمه عبد الله بن لحي. والزبيدي اسمه محمد بن الوليد. وللحديث شاهد موقوف يرويه طيسلة بن علي عن ابن عمر قال: ما تعاطى الناس بينهم شيئا قط أفضل من الطرق، يطرق الرجل فرسه فيجري له أجره، ويطرق الرجل فحله فيجري له أجره، ويطرق الرجل كبشه فيجري له أجره. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12 / 264 / 13061) من طريق زياد بن مخراق عنه.

قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات، ولولا أن في (عارم) ، واسمه محمد بن الفضل السدوسي - شيخ شيخ الطبراني علي بن عبد العزيز البغوي - كلاما في حفظه لجزمت بصحته، قال الحافظ فيه: " ثقة ثبت، تغير في آخر عمره ". وأما قوله في (طيسلة) : " مقبول ". فإنه غير مقبول منه، بل هو ثقة كما قال ابن معين فيما رواه ابن أبي حاتم عنه (2 / 1 / 501) وهو مما ذكره ابن شاهين في " ثقاته " عن يحيى، يعني ابن معين، وحكاه المزي في " تهذيبه " (13 / 467) عنه. ومع ذلك كله لم يذكره الحافظ في " تهذيب التهذيب "، كأنه صرفه عنه اشتغاله بالرد على المزي في تفريقه بين طيسلة بن علي الهذلي هذا، وعنه جمع من الثقات ليس فيهم زياد بن مخراق، وبين طيسلة بن مياس السلمي، ويقال: الهذلي. روى عنه زياد المذكور، وكذا يحيى ابن أبي كثير، وهو من الرواة عن الأول. فاستدل الحافظ بهذا وبغيره على أن الصواب أنهما واحد، ونقله عن غير واحد من الحفاظ، وأيد ذلك بأثر أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (رقم 8) من طريق زياد بن مخراق المتقدم قال: حدثني طيسلة بن مياس عن ابن عمر. وتابعه أيوب بن عتبة قال: حدثني طيسلة بن علي قال: أتيت ابن عمر.. فذكره. لكنه صرح برفع الكبائر التسع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. أخرجه البغوي في " مسند ابن الجعد " (2 / 1150 / 3426) والخرائطي في " مساوىء الأخلاق " (118 / 247) والخطيب في " الكفاية " (ص 105) والبيهقي في " السنن " (3 / 409) من طرقه عنه.

2899

فأقول: أيوب بن عتبة وإن كان ضعيفا، فإن المقصود إنما هو الاستشهاد بروايته عن طيسلة بن علي أن هذا هو طيسلة بن مياس الذي روى عنه زياد بن مخراق هذا الحديث نفسه، إلا أنه أوقفه، وهو أصح، فدل ذلك على أن طيسلة بن علي هو نفسه طيسلة بن مياس، ولاسيما وقد ذكر البرديجي في " الأفراد ": " طيسلة بن مياس، ومياس لقب، واسمه علي ". ولذلك قال الحافظ في " التقريب " عقب ترجمة (طيسلة بن علي) في ترجمة ابن مياس هذا: " هو الذي قبله، فرقهما المزي فوهم، وقد بينت ذلك في الأصل ". فأقول : نعم، ولكن هذا التحقيق والتوحيد يباينه قولك فيه: " مقبول "، ما دام أنه روى عنه جمع من الثقات: يحيى بن أبي كثير، وعكرمة بن عمار، وأبو معشر البراء، وزياد بن مخراق. زد على ذلك توثيق ابن معين الذي فاته، وابن حبان (4 / 398 و 399) ، وقد ذكره هو، وأشار شيخه الهيثمي إلى اعتماده، فقال عقب الشاهد المتقدم (5 / 266) : " رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". 2899 - " كان يخمر وجهه وهو محرم ". أخرجه الدارقطني في " العلل " (3 / 13) قال: حدثنا أبو بكر الشافعي قال: حدثنا موسى بن الحسن قال: حدثنا القعنبي: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبان بن عثمان عن عثمان بن عفان: فذكره. وقال: " هكذا كان في كتاب أبي بكر مرفوعا، والصواب موقوف "! كذا قال! ثم ساق عقبه بسنده الصحيح عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أنه

رأى عثمان بن عفان بـ (العرج) مخمرا وجهه بقطيفة أرجوان في يوم صائف وهو محرم. وأقول: لا تعارض بين المرفوع، وهذا الموقوف ، ولاسيما وإسنادهما مختلف، والأول صحيح أيضا رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير شيخ أبي بكر الشافعي موسى بن الحسن، ولم يعرفه المعلق على كتاب " العلل " ، وهو محدث ثقة يعرف بـ (الجلاجلي) لحسن صوته، وثقه محمد بن أبي الفوارس، وتبعه الخطيب، وروى عن الدارقطني أنه قال: " لا بأس به ". وهو مترجم في " تاريخ بغداد " (13 / 49) و " تاريخ دمشق " (17 / 264 - 265) و " سير النبلاء " (13 / 378) . فالإسناد على شرط الضياء في " الأحاديث المختارة "، ولم يخرجه! وهو أقوى بكثير من بعض أحاديثه، فالظاهر أنه لم يقع له مرويا بسنده إلى الشافعي أو الدارقطني. وإذا عرفت صحة إسناده، فلا تعارض بينه وبين الموقوف على عثمان كما هو ظاهر، إذ لا شيء يمنع من القول بجواز أن عثمان فعل ما يمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم فعله. هذا خير من نسبة الخطأ إلى الثقة لمجرد فعل عثمان بما رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام. ألا ترى معي أنه لا فرق بين تصويب الدارقطني رحمه الله للموقوف على المرفوع، وبين من لو عكس عليه الأمر، فصوب المرفوع على الموقوف. فالحق أن كلا منهما صحيح، فلا يعارض أحدهما بالآخر. وقد جاءت آثار كثيرة عن الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين بجواز تغطية المحرم لوجهه للحاجة، وبها استدل ابن حزم في " المحلى " (7 / 91 - 93) مؤيدا بها الأصل، وخرج بعضها للبيهقي (5 / 54) . ولا يخالف ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيمن مات محرما: " اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا وجهه ورأسه ".

2900

رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (4 / 198 - 199) . فإن هذا حكم خاص فيمن مات محرما، وحديث الترجمة في الأحياء، فاختلفا. انظر لتمام البحث " المحلى ". 2900 - " يا أبا بكر! ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (319 / 1314 - موارد) و (6 / 191 / 4173 - الإحسان) من طريق ابن أبي السري: حدثنا عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري عن يحيى ابن سعيد بن العاص عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم استعذر أبا بكر من عائشة، ولم يظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينال منها بالذي نال منها، فرفع أبو بكر يده فلطمها، وصك في صدرها، فوجد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن أبي السري، وهو حافظ صدوق إلا أن له أوهاما كثيرة، واسمه محمد بن المتوكل، وقد قال الذهبي في " الكاشف ": " حافظ وثق، ولينه أبو حاتم ". قلت: فمثله يستشهد به على الأقل، ويتقوى حديثه بالمتابعة، وهذا هو الواقع ، فالحديث في " الجامع " من " مصنف عبد الرزاق " (11 / 431 / 20923) وهو من رواية إسحاق الدبري عن عبد الرزاق، فهي متابعة قوية، وبها صح الحديث والحمد لله. ثم روى عبد الرزاق عن معمر: وأخبرني رجل من عبد القيس أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا بكر فاستعذره من عائشة، فبينا هما عنده قالت: إنك لتقول: إنك لنبي! فقام إليها أبو بكر، فضرب خدها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

2901

" مه يا أبا بكر! ما لهذا دعوناك ". وهذا إسناد معضل، والرجل القيسي مجهول لا يعرف ". وفي " طبقات ابن سعد " (8 / 80 - 81) بإسناد واه عن الزهري عن ابن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:.. فذكر حديث الترجمة بنحوه. والحديث صححه المعلق على طبعة المؤسسة لـ " الإحسان " (9 / 491 / 4185) مع أنه ضعفه بابن أبي السري، لكنه قال: " وقد توبع ". لكنه لم يذكر المتابع! قوله: (بمستعذرك) يعني: كن عذيري منها إن أدبتها، أي قم بعذري في ذلك. نهاية. 2901 - " ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك. يعني أبا بكر الصديق وابنته عائشة ". أخرجه أحمد (4 / 271 - 272) قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال: جاء أبو بكر يستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأذن له، فدخل، فقال: يا ابنة أم رومان - وتناولها - أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قال: فحال النبي بينه وبينها. قال: فلما خرج أبو بكر جعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها - يترضاها -: فذكر الحديث. قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه، فوجده يضاحكها، فأذن له، فدخل ، فقال له أبو بكر: يا رسول الله! أشركاني في سلمكما، كما أشركتماني في حربكما.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير العيزار، فإنه من رجال مسلم وحده، ولولا أن أبا إسحاق كان اختلط، وهو إلى ذلك مدلس، وقد عنعنه لجزمت بصحته، لكنه قد توبع كما يأتي، فهو بذلك صحيح، واسمه عمرو بن عبد الله السبيعي. وأخرجه أبو داود (4999) من طريق حجاج بن محمد: حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق به نحوه، وزاد في آخره: " فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا، قد فعلنا ". قلت: ورجاله ثقات أيضا، لكن حجاج بن محمد - وهو الأعور المصيصي - كان اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته ، كما قال الحافظ في " التقريب ". فأقول: فأخشى أن يكون هذا مما حدث به في بغداد، فإنه من رواية يحيى بن معين عنه، ويحيى بغدادي، لكن يحتمل أن يكون سمعه منه قبل اختلاطه، فقد قيل: إنه كتب عنه نحوا من خمسين ألف حديث! وإنما قلت: " أخشى "، لأن ثقتين اتفاقا قد خالفاه في إسناده: أحدهما: عمرو بن محمد العنقزي، فقال: أنبأنا يونس بن أبي إسحاق عن عيزار بن حريث به. لم يذكر أبا إسحاق فيه. أخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (5 / 365 / 9155) : أخبرني عبدة بن عبد الرحيم المروزي قال: أخبرنا عمرو.. والمروزي هذا وثقه النسائي وغيره، فالسند صحيح. والآخر: أبو نعيم الفضل بن دكين، قال أحمد (4 / 275) : حدثنا أبو نعيم: حدثنا يونس به مختصرا، وفيه:

2902

" فسمع صوت عائشة عاليا وهي تقول: والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك من أبي ومني (مرتين أو ثلاثا) ". فقد ثبت برواية هذين الثقتين رواية يونس عن العيزار مباشرة دون واسطة أبيه السبيعي، وبذلك صح السند كما قلنا، والحمد لله تعالى. فإن كان الحجاج المصيصي قد حفظ عن يونس روايته عن أبيه عن العيزار، فيكون يونس رواه على الوجهين، تارة بواسطة أبيه، وتارة عن العيزار مباشرة. وإن مما يؤيد ذلك أنه قد شارك أباه في كثير من شيوخه، ومنهم العيزار كما جاء في ترجمة هذا من " التهذيب "، وقد قال ابن سعد في ترجمة يونس (6 / 363) : " كانت له سن (¬1) عالية، وقد روى عن عامة رجال أبيه ". ثم هو لم يرم بالتدليس، غاية ما قيل فيه ما أجمله الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق، يهم قليلا ". 2902 - " صلاة هاهنا - يريد المدينة - خير من ألف صلاة هاهنا - يريد إيلياء - ". أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 247) والحاكم (3 / 504) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 285 / 907) ومن طريقه أبو نعيم في " المعرفة " ( 2 / 381 / 1006) من طريق عطاف بن خالد عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم [عن جده الأرقم] أنه قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: أين تريد؟ فقلت: إلى بيت المقدس، ¬

(¬1) كذا وقع فيه، وفي " التهذيب " (11 / 434) : " سنن "! ولعل الصواب الأول. اهـ.

فقال: إلى تجارة؟ فقلت: لا، ولكن أردت أن أصلي فيه. فقال: فذكره، والسياق للطحاوي، والزيادة من الآخرين، ولفظهما : " صلاة ههنا، خير من ألف صلاة ثم ". وأورده الهيثمي في " المجمع " (4 / 5 ) بلفظ: " فالصلاة ههنا - وأومأ إلى مكة - خير من ألف صلاة - وأومأ بيده إلى الشام - ". وقال الهيثمي: " رواه أحمد، والطبراني في " الكبير " فقال:.. ". قلت: فساق لفظ الطبراني المتقدم، وليس فيه الإيماء الذي عزاه لرواية أحمد، وقد بحثت عنها كثيرا في " مسنده "، وقد استعنت على ذلك بكل الفهارس الموضوعة لـ " المسند " والمعروفة اليوم فلم أهتد إليه، ولقد افترضت أنه أورده - لمناسبة ما في غير مسند صحابيه (الأرقم) ، فراجعت كل أحاديث فضل الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم في مسانيد الصحابة الذين رووها مثل أبي هريرة، وابن عمر، وغيرهما، فلم أعثر عليه، فمن المحتمل أن يكون في بعض نسخ " المسند "، فقد بلغني عن بعض إخواننا المشتغلين بهذا العلم الشريف أنه عثر على قطعة منه غير مطبوعة، فلعل الحديث فيها، فإن وجد فغالب الظن أنه من طريق عطاف هذا. ثم صدق ظني هذا، فقد أفادني هاتفيا الأخ علي الحلبي - جزاه الله خيرا - أن الحديث أورده الحافظ ابن حجر في " أطراف المسند " (1 / 48 / 84 - تحقيق الأخ سمير) : حدثنا عصام بن خالد عن العطاف بن خالد عن يحيى بن عمران عن

عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم به. وعن علي بن عياش عن عطاف عن يحيى بن عمران عن عبد الله بن عثمان به (¬1) . قلت: وفي هذا دلالة على أمرين: الأول: أن الحديث فعلا مما سقط من " المسند " المطبوع. والآخر: أنه سقط من إسناد الأولين يحيى بن عمران بين العطاف وعبد الله بن عمران. ومن الظاهر أن ذلك من العطاف نفسه - وليس من الرواة عنه لأنهم ثقات -، وقد تكلموا فيه من قبل حفظه، كما أشار إلى ذلك الحافظ بقوله: " صدوق يهم ". وقد تابعه على إثباته غير واحد، فقد أخرجه أبو نعيم (رقم 1007) من طريق أبي مصعب عن يحيى بن عمران بن عثمان بن الأرقم عن عمه عبد الله بن عثمان، وعن أهل بيته ، عن جده عثمان بن الأرقم عن الأرقم. وقال أبو نعيم: " ورواه محمد بن أبي بكر المقدمي عن يحيى بن عمران مثله سواء ". ومن وجوه الاختلاف على العطاف ما رواه ابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (2 / 19 / 688) من طريق عبد الله بن صالح: أخبرنا عطاف بن خالد المخزومي أخبرنا عبد الله ابن عثمان بن الأرقم عن أبيه عثمان بن الأرقم قال: " جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. " الحديث ، فجعله من مسند عثمان بن الأرقم، قال الحافظ في " الإصابة " بعد أن أورده في القسم الرابع، يعني الذين لم تثبت صحبتهم: " هكذا أورده، وهو خطأ من أبي صالح أو غيره، والصواب ما رواه أبو اليمان ¬

(¬1) ثم رأيت الهيثمي قد ساقه في " زوائد المسند " (ق 51 / 2) وانظر الاستدراك (2) .

عن عطاف عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن أبيه، عن جده. أخرجه ابن منده وغيره، وهو الصواب ". قلت: كذا وقع فيه: " عن أبيه "، وأظنه سبق قلم من الحافظ، أو مقحما من بعض النساخ، فإنه لم يذكر في كل المصادر المتقدمة، وإنما هو " عن عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جده ". وهكذا هو في " التعجيل " قال: " روى عن جده، وله صحبة. وعنه يحيى بن عمران، فيه نظر ". ويتلخص من هذا التخريج أن سند الحديث يدور : أولا: على عبد الله بن عثمان بن الأرقم عن جده الأرقم. وثانيا: أن العطاف بن خالد رواه عنه تارة مباشرة بدون واسطة، ولكن معنعنا لم يذكر السماع، وتارة رواه بواسطة يحيى بن عمران عنه. وقد توبع على هذه. وعليه فنستطيع أن نقول: إن الحديث إنما هو من رواية يحيى بن عمران عن عبد الله ابن عثمان عن جده الأرقم. وحينئذ يتحرر معنا أن في هذا الإسناد علتين: الأولى: عبد الله بن عثمان هذا، لا يعرف إلا في هذه الرواية، وقد أورده البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما من رواية عطاف، ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، لكن البخاري ذكره على القلب: " عثمان بن عبد الله بن الأرقم "! وهكذا وقع في رواية الطبراني والحاكم المتقدمة، وكذلك أعاده ابن أبي حاتم! وهذا مما يؤكد أن الرجل غير معروف، فمن المستغرب عدم ذكره في " الميزان "، ولا في " اللسان " . وأغرب منه ذكر ابن حبان

إياه في " الثقات " (7 / 198) كما ذكره البخاري، أي مقلوبا! ولم يذكره في العبادلة كما فعل ابن أبي حاتم، وهو هو!! والعلة الأخرى: يحيى بن عمران، وهو ابن عثمان بن الأرقم كما تقدم في إحدى روايتي أبي نعيم، وهكذا أورده الشيخان في كتابيهما، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: " شيخ مدني مجهول ". وأما ابن حبان فذكره أيضا في " الثقات " (9 / 253) . إذا عرفت هذا يتبين لنا به أوهام بعض الحفاظ: الأول: قول الحاكم: " صحيح الإسناد "! ووافقه الذهبي! الثاني: قول الهيثمي بعدما عزاه لأحمد والطبراني: " ورجال الطبراني ثقات "! ذلك لأنه لا فرق بين رواية الطبراني والحاكم من جهة، ورواية أحمد من جهة أخرى، إذ إن رواية الجميع تدور على عطاف بن خالد، وفيه الضعف الذي سبق ذكره، وشيخه عندهم جميعا واحد، وهو عبد الله بن عثمان، في رواية أحمد، وعثمان ابن عبد الله على القلب عند الآخرين، وهو هو كما سبق تحقيقه، وأنه غير معروف. ثم إن عطافا قد اضطرب في إسناده، فأدخل بينه وبين عبد الله بن عثمان يحيى بن عمران، وهو مجهول، فلا وجه إذن لتصحيح إسناده، ولا للتفريق بين إسناد أحمد والطبراني. الثالث: خلط الحافظ ابن حجر في " التعجيل " في ترجمة عبد الله بن عثمان هذا وترجمة أبيه عثمان، وعزوه لعطاف من الحديث ما لم يروه، فقال فيها (ص 228) :

" وله في " المسند " حديث آخر من طريق عطاف بن خالد عن عثمان المذكور (!) عن أبيه عن جده (!) في الذي يتخطى الرقاب يوم الجمعة ". فأقول: ليس لعطاف علاقة بهذا الحديث، وإنما هو عند أحمد (3 / 417) وغيره من حديث هشام بن زياد - وهو متروك - عن عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي عن أبيه - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره، وهو مخرج في " الضعيفة " برقم (2811) . فأنت ترى أن عثمان المذكور ليس هو المترجم، وإنما ابنه، وأن قوله: " عن جده " مقحم لا علاقة له بالحديث، فهو من هذه الحيثية كعطاف!! وكعبد الله بن عثمان! فلعل مثل هذا الخلط (!) من النساخ، فإنه بعيد جدا عما نعرف من علم الحافظ ودقته. وقد ذكره في " الإصابة " من رواية أحمد عن عثمان بن الأرقم عن أبيه لم يجاوزه، وأعله بتفرد هشام بن زياد وقال: " ضعفوه ". هذا وبعد أن انتهينا من تحقيق الكلام على إسناد حديث الترجمة، وبيان ضعفه لجهالة بعض رواته، وبيان بعض أوهام العلماء التي وقعت حوله، بما قد لا تراه في مكان آخر، بقي علي أن أحرر القول في متنه بعد أن عرفت مما سبق أن الروايات اختلفت في تعيين المسجد المراد بتفضيل الصلاة فيه بألف، أهو مسجد (المدينة) كما في رواية الطحاوي، أم هو مسجد مكة كما في رواية أحمد، وكلتا الروايتين مدارهما على العطاف. فوجدت للرواية الأولى ما يقويها من رواية يحيى بن عمران عند أبي نعيم المخرجة آنفا، فإنها بلفظ: " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام ". وزاد:

" قال: فجلس الأرقم ولم يخرج ". قلت: فهذا مما يرجح أن المقصود إنما هو مسجد المدينة لا مكة. فإن قيل: ما فائدة هذا التحقيق، سواء ما كان منه متعلقا بالإسناد أو المتن ما دام أن السند ضعيف عندك؟ وجوابا عليه أقول: لا تلازم بين الأمرين، فقد يكون المتن صحيحا مع ضعف إسناده لوجود طريق آخر له، أو شاهد، وهو ما يعرف بالحديث الحسن أو الصحيح لغيره، وهذا هو واقع هذا الحديث. فقد وجدت له شاهدا قويا من حديث أبي سعيد الخدري قال: ودع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا فقال له: " أين تريد؟ ". قال: أريد بيت المقدس. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث بلفظ يحيى بن عمران. أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في " زوائد المسند " (3 / 77) قال: حدثني أبي: حدثنا عثمان بن محمد - وسمعته أنا من عثمان بن محمد بن أبي شيبة -: حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن سهم عن قزعة عن أبي سعيد الخدري به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير سهم، وهو منجاب، وهو ثقة من رجال مسلم، ووقع في " المسند " (إبراهيم بن سهل) ! وهو خطأ مطبعي. وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي. ومغيرة هو ابن مقسم الضبي. وجرير هو ابن عبد الحميد.

ثم استدركت فقلت: لكن المغيرة مدلس، ولذلك أورده الذهبي في " المغني " وقال: " إمام ثقة، لكن لين أحمد بن حنبل روايته عن إبراهيم فقط ". قلت: فحديثه والحالة هذه حسن يصلح للشهادة فقط. والحديث أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (3 / 73 / 1622) : أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع: حدثنا عثمان بن أبي شيبة به، إلا أنه قال: " مائة " مكان " ألف " . وهو شاذ لمخالفته لرواية أحمد وابنه عبد الله المتقدمة من جهة، ولأحاديث أخرى عن جمع آخر من الصحابة من جهة أخرى، وهي مخرجة في " الإرواء " (4 / 143 - 146) . ثم أخرجه ابن حبان (1621) ، وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 393 / 1165) وكذا البزار (1 / 215 / 429 - كشف الأستار) من طرق أخرى عن جرير به، بلفظ " مائة ". إلا أن الهيثمي لم يسق لفظه في " الكشف " وإنما أحال به على لفظ طريق أخرى قبل هذه بلفظ " ألف " قائلا: " قلت: فذكره نحوه ". فكأنه يعني أنه بلفظ: " ألف "، وهذا ما صرح به في " مجمع الزوائد "، فإنه قال (4 / 6 ) بعد أن ساقه بلفظ أبي يعلى: " رواه أبو يعلى والبزار بنحوه، إلا أنه قال: " أفضل من ألف صلاة "، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح ". فأقول: لا داعي لتخصيص أبي يعلى بما ذكره، فإن البزار شيخه فيه يوسف

بن موسى عن جرير، ويوسف هذا هو أبو يعقوب الكوفي، وهو من شيوخ البخاري، فالصواب أن يقال: " ورجالهما رجال الصحيح ". ثم إنه قد فاته عزوه لأحمد، وهو من شرطه! وكذلك فاته أن يذكره في كتابه الآخر: " غاية المقصد في زوائد المسند " (ق 51 / 2) . وكذلك فات المعلق على مسند أبي يعلى أن يعزوه إلى أحمد، ولم يتنبه هو ولا المعلق على " الإحسان " (4 / 504 / 1623 - 1624) لعلة التدليس التي تمنع من التصحيح، ولا لشذوذ متنه المخالف لرواية أحمد وابنه والبزار، ولسائر الأحاديث، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. بقي الكلام على فضل الصلاة في مسجد (إيلياء) : المسجد الأقصى، أعاده الله إلى المسلمين مع سائر بلاد فلسطين، فإنه لم يرد له ذكر إلا في الطريق الأولى، وأصح ما جاء في فضل الصلاة فيه حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مسجد بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى.. " الحديث. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 248) والحاكم (4 / 509) والبيهقي في " الشعب " (3 / 486 / 4145) والطبراني في " الأوسط " (2 / 220 / 1 / 8395 - بترقيمي) وقال: " لم يروه عن قتادة إلا الحجاج وسعيد بن بشير، تفرد به عن الحجاج إبراهيم

2903

بن طهمان، وتفرد به عن سعيد محمد بن سليمان بن أبي داود ". قلت: قد تابعه آخران، أحدهما : الوليد بن مسلم عند الطحاوي، والآخر: محمد ابن بكار بن بلال عند البيهقي. والحجاج هو ابن الحجاج الباهلي، وهو ثقة من رجال الشيخين، ومثله إبراهيم ابن طهمان، ولذلك قال الحاكم عقبه: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 7) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال الصحيح ". ولم يقف المنذري على رواية الطبراني هذه، وكذا رواية الحاكم، فقال في " الترغيب " (2 / 138) : " رواه البيهقي بإسناد لا بأس به، وفي متنه غرابة "! كذا قال! وكذلك لم يقف على رواية الحاكم هذه الصحيحة المعلق على " مشكل الآثار " (2 / 68 - طبع المؤسسة) ، فصدر تخريجه بتضعيف إسناده بسعيد بن بشير، ونقل قول الهيثمي المذكور، دون أن يدري أن إسناده - كإسناد الحاكم - صحيح. 2903 - " ضعوا ما كان معكم من الأنفال ". أخرجه الحاكم (3 / 504) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 285 - 286 / 909) و " الأوسط " (2 / 71 / 1 / 6173) وأبو نعيم في " المعرفة " (1 / 79 / 1) من طريق أبي مصعب: حدثنا يحيى بن عمران بن عثمان عن جده

عثمان بن الأرقم بن أبي الأرقم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: فذكره، فرفع أبو أسيد الساعدي سيف ابن عائذ المرزبان، فعرفه الأرقم بن أبي الأرقم، فقال: هبه لي يا رسول الله! فأعطاه إياه. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وقال الطبراني: " لا يروى عن الأرقم بن أبي الأرقم إلا بهذا الإسناد، تفرد به أبو مصعب ". قلت: واسمه أحمد بن أبي بكر الزهري المدني، وهو ثقة من رجال الشيخين. ومن فوقه على شرط ابن حبان، فيحيى بن عمران بن عثمان ذكره في " ثقاته "، لكن صرح أبو حاتم بجهالته كما تقدم في الحديث الذي قبله. وجده عثمان بن الأرقم، ذكره البخاري في " التاريخ " (3 / 2 / 214) برواية حفيده يحيى عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وكذلك فعل ابن أبي حاتم (3 / 1 / 144) ولكنه ذكره من رواية عطاف بن خالد وعمار بن سعد عنه. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (5 / 157) وقال: " روى عنه أهل الحجاز وابن ابنه يحيى بن عمران بن عثمان ". قلت : فهو صدوق إن شاء الله تعالى. وقال الهيثمي بعد أن عزاه لمعجمي الطبراني (6 / 52) : " ورجاله ثقات ". فأقول: فمثل هذا الإسناد يتقوى بالشواهد، وقد وجدت لحديث الترجمة شاهدا في قصة تشبه هذه وقعت لسعد بن أبي وقاص، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم:

2904

" ضعه من حيث أخذته ". رواه مسلم، وأبو عوانة، وابن حبان، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2446) . 2904 - " تفل صلى الله عليه وسلم في رجل عمرو بن معاذ حين قطعت رجله، فبرأت ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (8 / 151 / 6475 - الإحسان) وأبو نعيم في " المعرفة " (2 / 94 / 1) من طريق الحسين بن حريث قال: حدثنا علي بن الحسين بن واقد قال: حدثني أبي قال: حدثني عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح أو حسن على الأقل وهو على شرط مسلم، وفي بعضهم كلام لا يضر. وهو من الأحاديث الكثيرة التي صرح عبد الله بن بريدة بسماعه من أبيه، فلا جرم أن احتج الشيخان بروايته عن أبيه فأخرجا له في " الصحيحين "، ففيه رد صريح على من زعم من المعاصرين أنه لم يسمع هو وأخوه سليمان من أبيهما، وقد ذكرت تفصيل القول في الرد عليه وإبطال زعمه في الحديث الآتي برقم (2914) بما لا تراه في مكان آخر. فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. والحديث عزاه الحافظ في " الإصابة " للضياء المقدسي أيضا في " الأحاديث المختارة ".

2905

2905 - " نهى عن مجلسين وملبسين، فأما المجلسان: فجلوس بين الظل والشمس، والمجلس الآخر: أن تحتبي في ثوب يفضي إلى عورتك، والملبسان: أحدهما: أن تصلي في ثوب ولا توشح به. والآخر: أن تصلي في سراويل ليس عليك رداء ". أخرجه الحاكم في " المستدرك " (4 / 272) وابن عدي في " الكامل " (4 / 329 - 330) من طريق أبي ثميلة: حدثني أبو المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي حدثني عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه قال: فذكره مرفوعا. أورده ابن عدي في ترجمة أبي المنيب هذا، وذكر الخلاف فيه، وساق له أحاديث ثم قال : " وله غير ما ذكرت، وهو عندي لا بأس به ". قلت: وهذا هو الذي يتخلص من خلافهم فيه، أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، صحيح الحديث إذا وافق الثقات، وهو الذي يشير إليه قول الذهبي في " الكاشف ": " وثقه ابن معين وغيره، وقال البخاري: عنده مناكير ". وزاد في " المغني ": " وأنكر أبو حاتم على البخاري إدخاله في الضعفاء ". وقال الحافظ: " صدوق يخطىء ". وأما الحاكم فسكت عنه، ولا أدري لم؟

وأما الذهبي فقال عقبه: " قلت: أبو المنيب عبيد الله قواه أبو حاتم، واحتج به النسائي ". والحديث صحيح، فقد جاء مفرقا في أحاديث: 1 - الجلوس بين الظل والشمس. فيه أحاديث عن أبي هريرة وغيره خرجت بعضها فيما تقدم (837 و 838) و (3110) . 2 - الاحتباء في ثوب.. فيه أحاديث عن أبي سعيد وأبي هريرة، في " الصحيحين "، وعائشة عند ابن ماجه وغيره. 3 - الصلاة في ثوب لا يتوشح فيه. 4 - الصلاة في السراويل دون رداء. فيهما حديث بريدة: " نهى أن يصلي في لحاف لا يتوشح به، وأن يصلي في سراويل ليس عليه رداء ". وهذا القدر رواه أبو داود وغيره في حديث بريدة أيضا، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (646) . وروى الخطيب (5 / 138) من طريق الحسين بن واقد - الأصل: وردان! - عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في السراويل. وهو مخرج في " الضعيفة " (4721) . وروى الخطيب عن أبي بكر النيسابوري أنه قال: " فقه هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في السروال وحده ".

2906

قلت: فهو بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان لأحدكم ثوبان فليصل فيهما، فإن لم يكن إلا ثوب واحد فليتزر به، ولا يشتمل اشتمال اليهود ". أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (645) . 2906 - " لا يأتي على الناس مائة سنة، وعلى الأرض عين تطرف ممن هو حي اليوم ". أخرجه أحمد (1 / 93) وابنه عبد الله (1 / 140) ومن طريقه الضياء في " الأحاديث المختارة " (2 / 378 / 760) وأبو يعلى (1 / 438 / 584) والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 59 / 1 / 5988) من طرق عن منصور عن المنهال بن عمرو عن نعيم ابن دجاجة أنه قال: دخل أبو مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري على علي بن أبي طالب، فقال له علي: أنت الذي تقول: لا يأتي على الناس مائة سنة وعلى الأرض عين تطرف؟! إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :.. (فذكر الحديث) ، والله إن رجاء هذه الأمة بعد مائة عام. وتابعه مطرف بن طريف عن المنهال بن عمرو به. أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 161) وأبو يعلى أيضا (1 / 360 / 467) ومن طريقه الضياء أيضا (761) والطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 248 / 693) .

2907

قلت: وهذا إسناد صحيح، المنهال بن عمرو ثقة من رجال البخاري، وفيه كلام لا يضر. ونعيم بن دجاجة، ذكره ابن أبي حاتم (4 / 1 / 461) برواية ثقتين آخرين عنه، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وذكره ابن حبان في كتابه في " ثقات التابعين " (5 / 478) والظاهر أنه كان حيا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ألزم الحافظ من صنف في الصحابة أن يذكروه فيهم. راجع كتابه " التهذيب ". وللحديث شواهد كثيرة في " الصحيحين " وغيرهما، وخرجت طائفة منها في " الروض النضير " تحت حديث أبي سعيد الخدري بمعناه (1100) ، وهو في " صحيح مسلم " و " صحيح ابن حبان ". والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1 / 198) وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، ورجاله ثقات ". ومعنى الحديث أنه لا يعيش أحد ممن كان يؤمئذ حيا على وجه الأرض بعد مائة سنة. وليس فيه نفي حياة أحد يولد بعد ذلك. انظر " فتح الباري " (1 / 211 - 212) . 2907 - " لو كان لابن آدم واديان من مال (وفي رواية: من ذهب) لابتغى [واديا] ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". أقول: هذا حديث صحيح متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عنه جماعة من أصحابه بألفاظ متقاربة، وقد خرجته عن جماعة منهم في " تخريج أحاديث

مشكلة الفقر " (18 / 14) منهم أنس عند الشيخين، وقد أخرجاه عن ابن عباس أيضا، ومنهم ابن الزبير عند البخاري، وأبو موسى عند مسلم وغيره، ويأتي لفظه، وغيرهم، وعددهم نحو عشرة، وفي الباب عن غيرهم تجد تخريجها في " مجمع الزوائد " (7 / 140 - 141 و 10 / 243 - 245) ويأتي تخريج بعضها مع سوق ألفاظها المناسبة لما أنا متوجه إليه الآن، وهو تحرير القول في الروايات المختلفة في حديث الترجمة: هل هو حديث نبوي، أو حديث قدسي، أو قرآن منسوخ التلاوة؟ فأول ما يواجه الباحث ويلفت نظره للتحري ثلاثة أخبار عن الصحابة: الأول: قول ابن عباس في رواية عنه عقب حديثه المشار؟ إليه آنفا: " فلا أدري من القرآن هو أم لا؟ ". الثاني: قول أنس نحوه في رواية لمسلم وأحمد. الثالث: قول أبي بن كعب من رواية أنس عنه قال: " كنا نرى هذا من القرآن حتى نزلت * (ألهاكم التكاثر) * ". أخرجه البخاري (6440) والطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 420) . ولا يخفى على البصير أن القولين الأولين لا يدلان على شيء مما سبقت الإشارة إليه، لأنه اعتراف صريح بعدم العلم، ولكنه مع ذلك فيه إشعار قوي بأنه كان من المعلوم لدى الصحابة أن هناك شيئا من القرآن رفع ونسخ، ولذلك لم يكتب في المصحف المحفوظ، فتأمل هذا، فإنه يساعدك على فهم الحقيقة الآتي بيانها. وأما قول أبي: " كنا نرى.. "، فهو يختلف عن القولين الأولين ، من جهة أنه كان الحديث المذكور أعلاه من القرآن، إما ظنا غالبا راجحا، وإما اعتقادا جازما،

2908

ذلك ما يدل عليه قوله: " نرى "، قال الحافظ (11 / 257) : " بضم النون - أوله - أي نظن، ويجوز فتحها، من (الرأي) أي نعتقد ". قلت : والثاني هو الراجح عندي، بل الصواب الذي لا يجوز سواه لما سيأتي عنه وعن غيره من الصحابة الجزم به. ولا ينافيه قوله: " حتى نزلت * (ألهاكم التكاثر ) * "، لأنه يعني: فنسخت هذه تلك. إذا عرفت هذا فإليك الآن الأحاديث المؤكدة لما دل عليه حديث أبي هذا: أن قوله: " لو كان لابن آدم واديان.. " إلخ كان قرآنا يتلى، ثم رفع ونسخ. الحديث الأول: عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. فقرأ عليه: * ( لمن يكن الذين كفروا) *، وقرأ فيها: " إن ذات الدين الحنيفية المسلمة، لا اليهودية، ولا النصرانية، ولا المجوسية، من يعمل خيرا فلن يكفره ". وقرأ عليه: " لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا، ولو كان له ثانيا لابتغى إليه ثالثا.. " إلخ [قال: ثم ختمها بما بقي منها] ". 2908 - " إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن. فقرأ عليه: * (لم يكن الذين كفروا) * ، وقرأ فيها: " إن ذات الدين الحنيفية المسلمة، لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية، من يعمل خيرا فلن يكفره ". وقرأ عليه: " لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا، ولو كان له ثانيا لابتغى إليه ثالثا.. " إلخ [قال: ثم ختمها بما بقي منها] ". أخرجه الترمذي (9 / 400 / 3894) والحاكم (2 / 224) والطيالسي (رقم (539 ) وأحمد (5 / 131 - 132) وعبد الله بن أحمد (5 / 132) وأبو نعيم في " الحلية " (4 / 187) كلهم من طريق شعبة عن عاصم قال: سمعت زر بن حبيش يحدث عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: فذكره. والزيادة لعبد الله، وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ". وأقره ابن كثير في " التفسير ". وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في عدة مواضع من " الفتح " (7 / 127 و 8 / 725) وقال (11 / 257) : " وسنده جيد " . وأقول: الأصل في هذا الإسناد التحسين فقط للخلاف المعروف في عاصم - وهو ابن أبي النجود - في الحديث، ولكن لما كان صدوقا في نفسه، وثقة وإماما في القراءة، وقرأ على شيخه في هذا الحديث - زر بن حبيش - وكان الحديث في القراءة، فهو إذن يتعلق باختصاصه، فالنفس تطمئن لحفظه إياه جيدا أكثر من حفظه للأحاديث الأخرى التي لا تتعلق بالقراءة، وهذا ظاهر جدا، ولذا أخرجه الضياء في " المختارة " (3 / 368 - 369) . ولحديث الترجمة منه طريق أخرى عند الطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 170 / 542) بسند ضعيف عن الشعبي عن ابن عباس عن أبي مرفوعا بلفظ: " لو كان للإنسان واديان من المال.. ". لكن له إسناد صحيح عن ابن عباس، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " أحاديث المشكلة " (18 / 14) ويأتي برواية أخرى بالرقم التالي. وجملة القراءة عليه رضي الله عنه لها طريق آخر، يرويه عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبزى عن أبيه عن أبي مرفوعا بلفظ: " إن الله تعالى أمرني أن أعرض القرآن عليك ". قال: وسماني لك ربي تبارك وتعالى؟ قال: * (بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا) *، هكذا قرأها أبي، وفي رواية زاد: " فقلت له: يا أبا المنذر! ففرحت بذلك؟ قال: وما يمنعني؟ والله تبارك وتعالى يقول: * (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فلتفرحوا هو خير مما يجمعون) *.

2909

قال مؤمل: قلت لسفيان: هذه القراءة في الحديث؟ قال: نعم ". وأخرجه أبو داود (3981) وابن جرير في " التفسير " ( 15 / 108 / 17687 و 17688) والحاكم (2 / 240 - 241) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا إلا أنه وقع عنده فعل (فليفرحوا) و ( يجمعون) بالمثناة التحتية فيهما. وكذا وقع الفعل الثاني في " المسند "، وأظن ذلك كله خطأ من الناسخ أو الطابع، والصواب فيهما بالتاء المثناة، فهي قراءة أبي، والأولى قراءة عامة القراء، كما قال ابن جرير. وللجملة المذكورة شاهد من حديث أنس رضي الله عنه أخرجه الشيخان، وابن حبان (9 / 139 / 7100) وأحمد (3 / 130 و 185 و 218 و 233 و 273 و 284) وغيرهم. الحديث الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنه قال: " جاء رجل إلى عمر يسأله، فجعل ينظر إلى رأسه مرة، وإلى رجليه أخرى، هل يرى من البؤس شيئا؟ ثم قال له عمر: كم مالك؟ قال: أربعون من الإبل! قال ابن عباس: صدق الله ورسوله: " لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. " الحديث. فقال عمر: ما هذا؟ فقلت: هكذا أقرأنيها أبي. قال: فمر بنا إليه. قال: فجاء إلى أبي، فقال: ما يقول هذا ؟ قال أبي: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ". 2909 - " جاء رجل إلى عمر يسأله، فجعل ينظر إلى رأسه مرة، وإلى رجليه أخرى هل يرى من البؤس شيئا؟ ثم قال له عمر: كم مالك؟ قال: أربعون من الإبل! قال ابن عباس: صدق الله ورسوله: " لو كان لابن آدم واديان من ذهب.. " الحديث. فقال عمر: ما هذا؟ فقلت: هكذا أقرأنيها أبي. قال: فمر بنا إليه. قال: فجاء إلى أبي، فقال: ما يقول هذا؟ قال أبي: هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه أحمد (5 / 117) وابن حبان في " صحيحه " (5 / 97 / 3226)

2910

من طريق أبي معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. هذا هو الحديث الثاني الدال على قوله: " لو كان لابن آدم.. " كان قرآنا يتلى، ثم رفع. الحديث الثالث: عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: " لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". 2910 - " لقد كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كان لابن آدم واديان من ذهب وفضة لابتغى إليهما آخر، ولا يملأ بطن ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب ". أخرجه أحمد (4 / 368) والسياق له، والبزار (4 / 246 / 3639) والطبراني في " المعجم الكبير " (5 / 207 / 5032) من طرق عن يوسف بن صهيب قال: حدثني حبيب بن يسار عن زيد بن أرقم به. قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 243) : " رواه أحمد والطبراني، والبزار بنحوه، ورجالهم ثقات ". الحديث الرابع: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: لو أن لابن آدم واديا من ذهب لابتغى إليه ثانيا، ولو أعطي ثانيا لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم.. " الحديث. 2911 - " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة: لو أن لابن آدم واديا من ذهب لابتغى إليه ثانيا، ولو أعطي ثانيا لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم.. " الحديث ".

أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " (2 / 419) والبزار (4 / 244 / 3634) من طريقين عن عبد العزيز بن مسلم: حدثنا صبيح أبو العلاء عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله عند البزار كلهم رجال البخاري غير صبيح أبي العلاء، وقد وثقه ابن حبان، ذكره في " ثقات التابعين " (4 / 385) بروايته عن أنس، وعنه حماد بن سلمة وعبد العزيز بن المختار هذا ، وفي " ثقات أتباع التابعين " (6 / 478) بروايته عن شريح، وعنه مروان بن معاوية الفزاري. قلت: فهؤلاء ثقات ثلاثة رووا عنه: عبد العزيز هذا، ومروان بن معاوية، وحماد بن سلمة، وروايته في " تاريخ البخاري ". وذكر له ابن أبي حاتم راويا رابعا، وهو محمد بن جابر، وهو اليمامي، وهو صدوق سيىء الحفظ. وعند البخاري خامس: عدي بن الفضل، ولكنه متروك. وقد فات هذا التحقيق المعلق على " مشكل الآثار " (5 / 276 - 277) ، فأعله بجهالة (صبيح) هذا، غافلا عن رواية هؤلاء الثقات الأربعة عنه، وعن توثيق ابن حبان إياه. وأعله أيضا بالانقطاع بين ابن بريدة وأبيه! ويأتي الجواب عنه. والحديث قال الهيثمي (10 / 244) : " رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح غير صبيح أبي العلاء، وهو ثقة ". قلت: وعبد الله بن بريدة ثقة احتج به الشيخان عن أبيه وغيره، وقد سمع منه أحاديث كثيرة خلافا لأحد الجهلة، المتعدين على هذا العلم فزعم أنه لم يسمع من أبيه، وسيأتي الرد عليه بتفصيل لا تجده في مكان آخر، فراجع الحديث الآتي برقم (2914) ، ولا أدري - والله - إذا كان هذا الزاعم قلد المعلق المشار إليه آنفا في هذا الإعلال المرفوض، أم هو كما قيل: (وافق شن طبقه) ، أم هو تلميذه فيه؟!

2912

وفي الحديث شاهد قوي يؤيد أن الحديث كان آية تتلى، وزاد عليها أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بها في الصلاة ويؤيده: الحديث الخامس عن أبي موسى الأشعري قال: " نزلت سورة فرفعت، وحفظت منها: " لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالثا،.. " الحديث ". 2912 - " نزلت سورة فرفعت وحفظت منها: " لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما ثالثا،.. " الحديث ". أخرجه الطحاوي (2 / 418 - 419) : حدثنا أبو أمية حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي حدثنا حماد بن سلمة حدثنا داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي عن أبيه عن أبي موسى الأشعري قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي أمية، واسمه محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي الطرسوسي، وهو صدوق حافظ له أوهام، لكنه قد توبع. فقال الطحاوي: حدثنا إبراهيم بن مرزوق حدثنا عفان بن مسلم حدثنا حماد بن سلمة حدثنا علي بن زيد عن أبي حرب بن أبي الأسود به. وكذا رواه حجاج بن منهال، فقال أبو عبيدة في " فضائل القرآن " (ص 192) : حدثنا حجاج عن حماد بن سلمة به. وعلي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف، لكنه قد توبع من حماد بن سلمة كما تقدم من رواية أبي أمية، وقد توبع من علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه قال: بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل، قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البصرة وقراؤهم، فاتلوه، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا

قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة، فأنسيتها غير أني قد حفظت منها: " لو كان لابن آدم واديان من مال.. " الحديث. أخرجه مسلم (3 / 100) والطحاوي (2 / 419) والبيهقي في " دلائل النبوة " (7 / 156) من طريقين عن علي بن مسهر. وأعله المعلق على " الطحاوي " (5 / 276) ببعض العلل التي لا أعرفها منه، وإنما تمثل أسلوب ذاك الهدام للسنة المشار إليه آنفا في آخر الكلام على حديث بريدة المتقدم (2911) ، وذكرت قبله إعلال المعلق لحديث بريدة بعلة الهدام! وكدت أن أقول إنه إعلال الهدام نفسه، ولكني دندنت حوله. وأما الآن فإني أجزم بأن العلل المشار إليها إنما هي من (الهدام) ، فإنها مما لا يخفى بطلانها على المعلق إن شاء الله. فإن منها قوله: " وأبو حرب بن أبي الأسود ليس له في صحيح مسلم غير هذا الحديث، ولم يوثقه غير ابن حبان "!! ووجه بطلان هذا الإعلال ظاهر، فهب أن مسلما لم يخرج له مطلقا فهل يكون ذلك علة في الراوي إذا كان ثقة؟! وقوله: " ولم يوثقه غير ابن حبان " كذب بلوناه منه مرارا وتكرارا، فقد صرح بتوثيقه إمام النقاد الحافظ الذهبي، ثم الحافظ العسقلاني، ودل عليه صنيع مسلم بإخراجه لحديثه، وقول ابن سعد من قبله: " كان معروفا ". وقد روى عنه جماعة من الثقات، هذا إلى كونه تابعيا. ولذلك فقد غلب على ظني أن هذا التعليق هو بقلم الهدام، وأن المعلق المشار إليه لا علم عنده به، وإنما نسبت إليه تعليقات الكتاب لمشاركته في بعضها ولأسباب أخرى يعرفها أهل العلم، ولسان الحال يقول: (له الاسم ولغيره الرسم) !! ويستفاد من حديث أبي موسى هذا فائدة جديدة غير ما في الأحاديث

المتقدمة، وهي أن هذا النص كان من جملة ما يتلى في زمنه صلى الله عليه وسلم، ثم رفع ونسخ، وبه أيد الحافظ الاحتمال الذي سبق أن رجحته في تفسير قول أبي المتقدم تحت الحديث (2907) : " نرى "، فقال: (11 / 258) : " فهو مما نسخت تلاوته جزما ، وإن كان حكمه مستمرا ". قال: " ويؤيد هذا الاحتمال ما أخرج أبو عبيد في " فضائل القرآن " من حديث أبي موسى قال: قرأت سورة نحو * (براءة) *، وحفظت منها: " لو أن لابن آدم.. " (الحديث) ، ومن حديث جابر: " كنا نقرأ: لو أن لابن آدم ملء واد مالا، لأحب إليه مثله " الحديث ". قلت: ولم أر حديث جابر هذا في نسخة " الفضائل " المطبوعة في لبنان عن نسخة مخطوطة سيئة بتحقيق وهبي الغاوجي، وهو خال من أي تحقيق علمي يذكر! فإذا ثبت حديث جابر هذا فليضم إلى الأحاديث الخمسة المتقدمة. وجملة القول: أن هذه الأحاديث عن هؤلاء الصحابة الخمسة تلقي اليقين في النفس أن النص المذكور فيها كان قرآنا يتلى، حتى في الصلاة، ثم رفع. وقد جهل هذه الحقيقة ذاك المعلق في " مسند أبي يعلى " (4 / 448) على قول ابن عباس الذي تردد فيه بين أن يكون قرآنا أو لا؟ فقال : " أقول: وقول ابن عباس وحديث أبي دفعا عشاق الناسخ والمنسوخ إلى أن يقولوا: إن هذا الحديث كان قرآنا، ثم نسخ بسورة التكاثر، يقولون هذا مع علمهم أن القرآن لا يثبت إلا بطريق التواتر.. " إلخ كلامه. ومن الواضح أنه لا يفرق بين القرآن المثبت بين الدفتين الذي يشترط فيه التواتر الذي ذكر، وبين منسوخ التلاوة كهذا الذي نحن في صدد الكلام حوله،

بل حكمه حكم الأحاديث النبوية والأحاديث القدسية، فإنه لا يشترط فيها التواتر، وإن كان فيها ما هو متواتر، كهذا، فإنه رواه خمسة من الأصحاب أو أكثر كما سبق. ثم قال المومى إليه: " و " نرى "، في الحديث - بضم النون - معناها نظن، والظن عكس اليقين ، وقد يكون إياه بقرينة، وليست موجودة هنا ". فأقول: هذا مبني على الشرط الذي ذكره في منسوخ التلاوة، وهو باطل كما عرفت، وما بني على باطل فهو باطل . ومما سلف تعلم أن تأييده ما ذهب إليه بما نقله عن الحافظ من توجيهه لظنهم المذكور - لا يفيده شيئا، لأن الحافظ ذكره في جملة ما ذكره من الاحتمالات في توجيه بعض الأحاديث، ولم يعتمد عليه، بل اعتمد على الآخر الذي سبق نقله عنه ، وحط عليه بقوله: " فهو مما نسخت تلاوته جزما، وإن كان حكمه مستمرا ". وأيده بحديث أبي موسى، وحديث جابر، فلا أدري كيف تجاهله هذا المومى إليه، فكيف وهناك الأحاديث الأخرى المتقدمة التي تلقي اليقين في النفس أن الحديث كان من القرآن ثم نسخت تلاوته، وفي ظني أنه لم يعلم بها، وإنه لو علم بها ما قال ما قال، وإلا دل قوله على سوء الحال. نسأل الله السلامة. وهذا البحث مما ساقني إلى تخريج حديث " الشيخ والشيخة إذا زنيا "، لأنه من مشاهير منسوخ التلاوة عند العلماء، وأتبع ذلك بما ذكره الحافظ عن الصحابة في منسوخ التلاوة ، ليعلم المومى إليه وغيره من المخرجين أن العلم والفقه في الكتاب والسنة شيء، ومهنة تخريج الأحاديث شيء آخر. والله المستعان.

2913

2913 - " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ". ورد من حديث عمر وزيد بن ثابت وأبي بن كعب والعجماء خالة أبي أمامة بن سهل . 1 - أما حديث عمر، فقال أبو بكر بن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 75 - 76 ) : حدثنا ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس قال: قال عمر: قد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول القائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، ألا وإن الرجم حق إذا أحصن، أو قامت البينة، أو كان حمل، أو اعتراف. وقد قرأتها: " الشيخ والشيخة.. " الحديث، رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده. وأخرجه ابن ماجه (2553) من طريق أبي بكر، وكذا مسلم (5 / 116) ولكنه لم يسق لفظه، والنسائي في " الكبرى " (4 / 273 / 7156) والبيهقي (8 / 211) من طريقين آخرين عن سفيان بن عيينة به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه، البخاري (رقم 6829) من طريق علي بن عبد الله، ومسلم من طريق أبي بكر - كما تقدم - كلاهما عن سفيان به، إلا أنهما لم يقولا: " وقد قرأتها.. " إلخ، ومع ذلك فقد عزاه البيهقي إليهما عقب روايته إياه، وكذلك فعل السيوطي في " الدر المنثور " (5 / 179 - 180) وإلى ذلك أشار الضياء المقدسي بعدم إيراده إياه في " مسند عمر " من " الأحاديث المختارة "، وكنت تبعتهم في ذلك في كتابي " الإرواء " (8 / 3 - 4 / 2338) حين عزوته

فيه لجمع منهم الشيخان، وهذا مقبول بالنسبة لمسلم، لأنه رواه من طريق ابن أبي شيبة كما تقدم وفيها الزيادة، وإن كان لم يسق لفظه، بل أحال به على لفظ رواية يونس عن ابن شهاب قبله، وليس فيه قوله المذكور: " وقد قرأتها.. ". وأما بالنسبة للبخاري فرواه من طريق شيخه علي بن المديني، وقد ذكر الحافظ في " الفتح " (12 / 143) أن الإسماعيلي أخرجه، يعني في " مستخرجه على البخاري " من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني، وفيه القول المذكور، وقال الحافظ عقبه: " ولعل البخاري هو الذي حذف ذلك عمدا ". ثم استشهد على ذلك بقول النسائي عقب الحديث: " لا أعلم أحدا ذكر في هذا الحديث: " الشيخ والشيخة.. " غير سفيان، وينبغي أنه وهم في ذلك ". قال الحافظ: " وقد أخرج الأئمة هذا الحديث من رواية مالك ويونس ومعمر وصالح بن كيسان، وعقيل، وغيرهم من الحفاظ عن الزهري، فلم يذكروها، وقد وقعت هذه الزيادة في هذا الحديث من رواية الموطأ عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : لما صدر عمر من الحج وقدم المدينة خطب الناس فقال:.. "، فذكر الخطبة وفيها الزيادة، وهي في " حدود الموطأ " (3 / 42 - 43) . وأخرجها ابن سعد في " الطبقات " (3 / 334) من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا يحيى بن سعيد به. وبهذا الإسناد روى أحمد (1 / 43) طرفا منه. ورواه (1 / 36) من طريق أخرى عن يحيى.

قلت: وهذا إسناد صحيح على الخلاف المعروف في سماع سعيد من عمر. فهو شاهد قوي للزيادة التي تفرد بها ابن عيينة، ثم ذكر الحافظ لها شواهد أخرى ، ويأتي تخريجها إن شاء الله قريبا. 2 - وأما حديث زيد بن ثابت، فيرويه شعبة عن قتادة، عن يونس بن جبير عن كثير ابن الصلت قال: كان ابن العاص وزيد بن ثابت يكتبان المصاحف، فمروا على هذه الآية، فقال زيد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الشيخ والشيخة.. " الحديث. فقال عمر: لما أنزلت هذه أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أكتبنيها، - قال شعبة - فكأنه كره ذلك. فقال عمر: ألا ترى أن الشيخ إذا لم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم؟ أخرجه أحمد (5 / 183) والنسائي في " السنن الكبرى " (4 / 270 / 7145) والدارمي (2 / 179) المرفوع منه، والحاكم (4 / 360) والبيهقي (8 / 211) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا . وفي رواية للنسائي رقم (7148) من طريق أخرى عن ابن عون عن محمد - هو ابن سيرين - نبئت عن ابن أخي كثير بن الصلت قال: كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت قال زيد: كنا نقرأ: " والشيخ والشيخة.. "، فقال مروان: أفلا نجعله في المصحف؟ قال: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ قال: وقال:

ذكروا ذلك وفينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أنا أشفيكم من ذاك. قال: قلنا : كيف؟ قال: آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذكر كذا وكذا، فإذا ذكر الرجم أقول: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: فأتيته فذكرته، قال: فذكر آية الرجم. قال: فقال: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: " لا أستطيع ذاك ". قلت: ورجاله ثقات غير شيخ محمد، فإنه لم يسم، وقد أشار إلى صحته البيهقي بقوله عقبه: " في هذا وما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت، وتلاوتها منسوخة، وهذا مما لا أعلم فيه خلافا ". وأورده السيوطي في " الدر المنثور " من رواية النسائي وأبي يعلى نحوه ببعض اختصار بلفظ: " لا أستطيع الآن ". 3 - وأما حديث أبي، فيرويه عاصم بن بهدلة عن زر قال: قال لي أبي بن كعب: كائن تقرأ سورة (الأحزاب) ، أو كائن تعدها؟ قال: قلت: ثلاثا وسبعين آية. قال: قط، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة (البقرة) ، ولقد قرأنا فيها : " الشيخ والشيخة.. "، وزاد: " نكالا من الله، والله عليم حكيم ". أخرجه النسائي (7141) وابن حبان (6 / 301 / 4411 و 4412) والحاكم (2 / 415 و 4 / 359) والبيهقي أيضا، وعبد الرزاق في " المصنف " (3 /

365 / 5990 ) والطيالسي (540) وعبد الله بن أحمد (5 / 132) والضياء في " المختارة " (3 / 370 - 371) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، على ما سبق بيانه تحت الحديث الأول رقم (2908) . وزاد الطيالسي في آخر الحديث: " فرفع فيما رفع ". وفي سندها ابن فضالة، واسمه مبارك، وهو مدلس، وقد عنعن. وقد توبع عاصم على أصل الحديث من يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش به. أخرجه عبد الله بن أحمد أيضا. ويزيد هو الهاشمي مولاهم، ولا بأس به في المتابعات. 4 - وأما حديث العجماء، فيرويه الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته (وقال الطبراني: العجماء) أخبرته قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم: " الشيخ والشيخة فارجموهما البتة، بما قضيا من اللذة ". أخرجه النسائي (7146) والحاكم (4 / 359) والطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 350 / 867) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وأقول: رجاله ثقات رجال الشيخين غير مروان بن عثمان، وهو ابن أبي

سعيد بن المعلى الأنصاري الزرقي، غمزه النسائي، وقال أبو حاتم: ضعيف. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (7 / 482) ! وقال الذهبي في " الكاشف ": " مختلف في توثيقه "! قلت: فلم يصنع شيئا. وقد أورده في " المغني "، وذكر تضعيف أبي حاتم إياه، وغمز النسائي له، ولم يتعرض لذكر توثيق ابن حبان، وهو الصواب هنا، ولذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه " ضعيف ". وقال في " الإصابة " : " متروك ". انظر " الضعيفة " (6371) . إذا علمت ما تقدم، فاتفاق هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم على رواية هذه الأحاديث الصريحة في رفع تلاوة بعض الآيات القرآنية، هو من أكبر الأدلة على عدالتهم وأدائهم للأمانة العلمية، وتجردهم عن الهوى، خلافا لأهل الأهواء الذين لا يستسلمون للنصوص الشرعية، ويسلطون عليها تأويلاتهم العقلية، كما تقدم عن بعض المعلقين! ولا ينافي تلك الأحاديث قول ابن عباس لما سئل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ فقال: " ما ترك إلا ما بين الدفتين ". رواه البخاري (5019) . فإنه إنما أراد من القرآن الذي يتلى، كما في " الفتح "، ومن الدليل على ذلك أن ابن عباس من جملة من روى شيئا من ذلك كما يدل عليه قوله في الحديث المتقدم (2909) : " صدق الله ورسوله: لو كان.. ". ثم قال الحافظ (9 / 65) في آخر شرحه لحديث ابن عباس:

2914

" ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها، وبقي أمر حكمها أو لم يبق مثل حديث عمر: " الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة ". وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة، قال : فأنزل الله فيهم قرآنا: " بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا "، وحديث أبي بن كعب: " كانت الأحزاب قدر البقرة ". وحديث حذيفة: " ما يقرؤون ربعها . يعني براءة ". وكلها أحاديث صحيحة. وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر أنه " كان يكره أن يقول الرجل: قرأت القرآن كله، ويقول: إن منه قرآنا قد رفع، وليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ". 2914 - " خمس لا يعلمهن إلا الله: * (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) * ". أخرجه أحمد (5 / 353) والبزار (3 / 65 / 2249) عن زيد بن الحباب: حدثنا حسين بن واقد حدثني عبد الله قال: سمعت أبي بريدة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، مسلسل بالتحديث والسماع، ولذلك قال الحافظ ابن كثير في " التفسير " ( 3 / 453 - 454) بعد أن ذكره بإسناد أحمد هذا: " صحيح إسناد، ولم يخرجوه ". وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (5 / 169) لابن مردويه أيضا والروياني والضياء، قال السيوطي: " بسند صحيح ".

وأما عزو الحافظ إياه في " الفتح " ( 8 / 514) لابن حبان والحاكم، فما أظنه إلا وهما. وقال الهيثمي في " المجمع " (7 / 89) : " رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح ". وللحديث شاهد صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه في قصة مجيء جبريل عليه السلام وسؤاله عن الإيمان والإسلام والإحسان والساعة. رواه الشيخان، وابن حبان ( 1 / 188 / 159) وغيرهم، وهو مخرج في " الإرواء " (1 / 32 / 3) . وشاهد آخر من حديث عبد الله بن عمر بلفظ: " مفاتيح الغيب خمس.. " الحديث. أخرجه البخاري (1039) وابن حبان (1 / 144 / 70 و 7 / 647 / 6101) وأحمد (2 / 24 و 52 و 58) من طريق عبد الله بن دينار عنه. وتابعه سالم بن عبد الله عن عبد الله به. أخرجه أحمد (2 / 122) . وسنده صحيح على شرط الشيخين. وهذا الحديث عن ابن عمر، أورده الهيثمي في " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " ( 434 / 1754 و 1755) ، وليس من شرطه كما ترى. (تنبيه) : في إسناد حديث الترجمة الصحيح بشهادة أولئك الحفاظ: الضياء المقدسي والسيوطي وكذا ابن كثير - رد صريح قوي على ذاك المتعالم الذي عاث في كتاب " رياض الصالحين " للنووي فسادا، فغير فيه وبدل، وأخرج منه عشرات الأحاديث الصحيحة زاعما أنها ضعيفة جعلها ذيلا لـ " رياضه " متشبثا بتعليلات هي أوهى من بيت العنكبوت، ومن ذلك أنه ضعف (ص 560) حديثين صحيحين من رواية أحمد أيضا عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، بدعوى

أنها منقطعة وأن عبد الله لم يسمع من أبيه شيئا! ودعم ذلك - بزعمه - بقول أحمد: " لا أدري أسمع من أبيه أم لا؟ "، وبكلمة نقلها عن البخاري في " تاريخه " (3 / 1 / 51) ليست صريحة في نفي السماع (¬1) ، ولذلك لم نر أحدا من الحفاظ المتأخرين، عرج على هذا النفي كالذهبي في " السير " (5 / 50) وقال: " الحافظ الإمام.. حدث عن أبيه فأكثر.. ". وفي " الكاشف " جزم بروايته عن أبيه وغيره، وقال: " ثقة ". وكذلك قال الحافظ في " التقريب ". والحافظ العلائي لما أورده في كتابه " المراسيل " (252 / 338) لم يزد على قوله: " عن عمر رضي الله عنه. قال أبو زرعة: مرسل ". لقد ثبت لدي يقينا أن هذا الرجل من أهل الأهواء في تضعيفه الأحاديث الصحيحة، خلافا للعلماء المتخصصين في هذا المجال، هذا إذا كان على علم بأن ما تمسك به في نفي السماع لا ينهض في إثبات الانقطاع الذي ادعاه، وبموقف الحفاظ المذكور منه، وبحقائق أخرى تؤيدهم، وإلا فهو جاهل متعالم! وإليك الآن ما تيسر لدي من الحقائق: الأولى: أن إمام المحدثين البخاري الذي نسب إليه المتعالم نفيه لسماع ¬

(¬1) نعم، ما نقله عن إبراهيم الحربي صريح في النفي، لكنه معارض بما سيأتي من الحقائق، ولاسيما أنه تفرد بقرن سلمان مع أخيه عبد الله في نفي سماعهما من أبيهما!! . اهـ.

عبد الله من أبيه قد أخرج له في " صحيحه " محتجا به، وقد وقفت له فيه على حديثين أخرجهما في " المغازي ": الأول: (8 / 66 / 4350) من طريق علي بن سويد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى خالد ليقبض الخمس.. الحديث. وأخرجه أحمد (5 / 350) من طريق أخرى عن عبد الله بن بريدة: حدثني أبي بريدة. فصرح بسماعه من أبيه، وهذا منه كثير كما يأتي، وإسناد هذا حسن. والآخر: (8 / 153 / 4473) من طريق كهمس عن ابن بريدة عن أبيه قال: غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة. وشاركه في هذا مسلم (5 / 200) من هذا الوجه. ثم رواه من طريق حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة نحوه. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " ( 5 / 459) مصرحا بتحديث ابن بريدة عن أبيه. إذا عرفت هذا فقول الحافظ في " مقدمة الفتح " (413) أن عبد الله بن بريدة ليس له في البخاري من روايته عن أبيه سوى حديث واحد، ووافقه مسلم على إخراجه! فهو سهو عن الحديث الأول، وقد عزوته آنفا إلى الجزء والصفحة والرقم من شرحه - الطبعة السلفية. الحقيقة الثانية: أن الإمام مسلما قد صحح جملة من أحاديث عبد الله بن بريدة عن أبيه في مختلف أنواع أبواب الفقه، أخرجها في " صحيحه "، فمن شاء راجعها مستعينا على ذلك بكتاب المزي: " تحفة الأشراف "، وهذه أرقامها: (1947 و 1963 و 1980 و1989 و 1999 و 2001) .

والرقم الأول يشير إلى قصة ماعز ورجمه، وهو مخرج في " إرواء الغليل " (7 / 356 - 357) وصححه الدارقطني أيضا. والرقم الثاني يشير إلى غزو بريدة معه صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة أخرجها بإسناد حديث الترجمة، وصرح عبد الله بسماعه من أبيه في " الدلائل " كما تقدم. والرقم الثالث يشير إلى حديث المرأة التي تصدقت على أمها بجارية، وهو مخرج في " الإرواء " (3 / 262) و " صحيح أبي داود " (1460) واستدركه الحاكم كما يأتي ، فوهم. والرقم الرابع في النهي عن زيارة القبور، ولحوم الأضاحي وغيرها. وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 178 - 179) ، و " الصحيحة " (2048 - المجلد الخامس) ، وصححه الترمذي وابن حبان. والرقم الخامس في قوله صلى الله عليه وسلم: أوتي مزمارا من مزامير آل داود. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1341) ، وصححه ابن حبان أيضا. الثالثة: أن أحاديث مسلم التي أخرجها من طريق سليمان بن بريدة عن أبيه أكثر وأطيب، وهذه أرقامها في " التحفة " تيسيرا لمن أراد استخراجها منه: (1928 و 1929 و 1930 و 1931 - 1937 ) . والأول منها مخرج في " صحيح أبي داود " (164) وصححه أيضا أبو عوانة والترمذي وابن حبان. والحديث الثاني مخرج في " الإرواء " (5 / 86 / 1247) وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان وابن الجارود. والثالث مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 189 - 190) ، وصححه ابن حبان أيضا.

والرابع في " صحيح أبي داود " (423) ، وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان والترمذي. والخامس في " أحكام الجنائز " (ص 178) ، وصححه الترمذي أيضا وابن حبان. والسادس: " حرمة نساء المجاهدين.. "، مخرج في " صحيح أبي داود " (2255) وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان. والسابع: في قصة ماعز المتقدمة، فقد رواها مسلم وغيره من حديث سليمان بن بريدة أيضا. والثامن: " من لعب بالنردشير.. "، وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 286 - 287) ، وصححه ابن حبان أيضا والبغوي. والتاسع: " من دعا إلى الجمل الأحمر.. "، وصححه أيضا أبو عوانة وابن حبان وكذا ابن خزيمة (1301) . والعاشر: حديث المرأة التي تصدقت على أمها بجارية، المتقدم في ترجمة عبد الله بن بريدة، فقد رواه بعضهم عن أخيه سليمان. وتقدم تخريجه. قلت: هذه الأحاديث الصحيحة كلها وغيرها كثير وكثير جدا، مما يعنيه الرجل المتعالم بالإعلال الذي نقله عن الإمام البخاري وغيره بعدم سماع عبد الله بن بريدة وأخيه سليمان من أبيهما! ولم يتنبه الرجل لجهله بهذا العلم، وبالغ غفلته بعواقب ما ينقله عن بعض الأئمة من تضعيف لأحاديثهم التي صححها الأئمة أنفسهم، ووافقهم جماهير العلماء والحفاظ الذين جاؤوا من بعدهم. ومن تلك الغفلة أنه أورد في " رياضه " أربعة أحاديث رقم (434 و 436 و 1250 و 1296) من تلك الأحاديث الصحيحة المتقدمة من رواية مسلم، مشيرا

إلى أرقامها في " مسلم "، وذلك يعني - إن كان واعيا لما يشير - أنها من رواية سليمان بن بريدة عن أبيه، والأولى من الأربعة في الإذن بزيارة القبور، والثاني في السلام عليها، والثالث في حرمة نساء المجاهدين، والرابع: " من دعا إلى الجمل الأحمر ". وقد يقال: لعله أوردها مع تسليمه بضعف إسنادها في قرارة نفسه، لشواهد لها عنده تقويها! فأقول: هذا أولا غير معروف عنه، فكم من أحاديث صحيحة بمجموع طرقها أوردها في " ضعيفته " متباهيا! وثانيا: لا يعرف لكثير من تلك الأحاديث ما يقويها، مثل حديث: " حرمة نساء المجاهدين ". وثالثا: كان عليه أن ينبه القراء على أنه لا تلازم بين إعلال الحديث بالانقطاع - لو صح - وبين ضعفه، لما ذكرته، لكي لا يدعهم في حيرة من أحاديث الابنين عن أبيهما بريدة رضي الله عنه، وليقطع بذلك دابر سوء ظنهم به، ولو بكلمة قصيرة عندما ضعف الحديثين الصحيحين المشار إليهما فيما سبق بعلة الانقطاع، وإذ لم يفعل فهو متهم بتضعيفه لكل الأحاديث الواردة من طريقهما عن أبيهما حتى يعلن رأيه الصريح في كل الأحاديث التي صح السند بها إليهما عن أبيهما. فإن كان الجواب: إنها صحيحة، فقد اهتدى وبطلت العلة المذكورة، وهذا هو المراد، وإن ظل متشبثا بها، لزمه ما ألزمناه من تضعيفه لعشرات الأحاديث الصحيحة، مخالفا بذلك (سبيل المؤمنين) . ولتزداد يقينا - أيها القارىء الكريم - ببالغ خطورة التشبث المذكور، ينبغي أن تعلم أن إعلاله المذكور يشمل عشرات الأحاديث الأخرى المبثوثة في مختلف كتب السنن والمسانيد والمعاجم والفوائد وغيرها مما يصعب إحصاؤه وحصره، ولذلك فإني سأكتفي بذكر مواضع أحاديثهما

عن أبيهما في كتابين فقط من تلك الكتب التي التزم مؤلفوها الصحة، وهما " صحيح ابن حبان " و " مستدرك الحاكم ". أولا: أحاديث بريدة من رواية ابنيه عنه بأرقامها في " الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان " طبع دار الكتب العلمية، ذات السبعة مجلدات: 1 - " ليلة أسري بي.. " (1 / 1 / 12 / 47) وهو مخرج في " المشكاة " (5921 / التحقيق الثاني) وهو مما حسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي. 2 - " أحساب أهل الدنيا.. " (2 / 42 / 697 و 698) وهو مخرج في " الإرواء " (6 / 271 - 272) وصححه الحاكم والذهبي، وصرح عبد الله بن بريدة بالسماع من أبيه! 3 - " لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سئل به أعطى.. " (2 / 125 / 888 و 889) وهو مخرج في " صفة الصلاة "، و " صحيح أبي داود " (1341) ، وصححه الحاكم والذهبي، وحسنه الترمذي. 4 - حديث السؤال عن المواقيت (3 / 24 / 1490 و 35 / 1523) وهو مخرج في الحديث الرابع المشار إليه (ص 983) من أحاديث مسلم المتقدمة. 5 - " في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصل.. " (3 / 79 / 1640 و 3 / 106) وهو مخرج في " الإرواء " (2 / 213) من رواية جمع منهم أحمد والطحاوي وصرحا فيه بسماع عبد الله من أبيه بريدة وهي رواية ابن خزيمة في " صحيحه " (1226) . 6 - صلى الصلوات كلها بوضوء واحد (3 / 105 / 1703 و 1704 و 1705) رواه مسلم أيضا، وصححه جمع، وهو الحديث الأول المشار إليه (ص 982) .

7 - كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم (4 / 206 / 2801) وهو مخرج في " المشكاة " (1440) وصححه الحاكم أيضا وابن القطان والذهبي، وكذا ابن خزيمة (1426 ) . 8 - " المؤمن يموت بعرق جبينه " (5 / 6 / 3000) ، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (35) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم والذهبي. 9 - النهي عن زيارة القبور (5 / 67 / 3158 / 7 / 385 / 5376) وتقدم من رواية مسلم، وهو الحديث الثالث. 10 - السلام على أهل القبور (4 / 69 / 3163) وهو الخامس عند مسلم. 11 - " من خبب زوجته.. " (6 / 279 / 4348) وهو مخرج في " الصحيحة " (94 و325) ، وصححه جمع منهم المنذري. 12 - حديث ضرب الجارية على الدف.. (6 / 286 - 287) وهو مخرج في " الصحيحة " (2261) ، وصححه الترمذي أيضا. 13 - " حرمة نساء المجاهدين.. " (7 / 72 / 4615) وصححه جمع تقدم ذكرهم في حديث مسلم السادس. 14 - " صاحب الدابة أحق.. " (7 / 114 / 4715) وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (2318) ، وحسنه الترمذي، وصححه أيضا الحاكم والذهبي، وصرح عبد الله بن بريدة بسماعه من أبيه عند أحمد وغيره. 15 - " اغزوا بسم الله.. " (7 / 116 / 4719) وصححه جمع منهم مسلم، ذكروا في حديثه الثاني. 16 - " مالي أجد منك ريح الأصنام.. " (7 / 411 / 5464) وهو مخرج

في " المشكاة " (4396) و " آداب الزفاف " (128) وسنده إلى عبد الله بن بريدة ضعيف. 17 - كان لا يتطير من شيء.. (7 / 530 / 5797) وهو مخرج في " الصحيحة " ( 762) ، وصححه ابن القطان. 18 - إقبال الحسن والحسين عليه وهو يخطب (7 / 612 و 613) ، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1016) ، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة أيضا والحاكم والذهبي، وصرح عبد الله بالسماع من أبيه عنده، أعني ابن حبان في روايته، وكذا أحمد. 19 - تفله في رجل عمرو بن معاذ فبرأ (8 / 151 / 6475) وفيه تصريح عبد الله بالسماع، ومضى تخريجه برقم (2904) . 20 - " من كنت وليه فعلي وليه " (9 / 42 / 6891) وهو مخرج في " الصحيحة " ( 1750) و " الروض النضير " (171) ، وقواه الحافظ في " الفتح " (8 / 67) وصححه الحاكم والذهبي، وصرح عنده عبد الله بلقائه لأبيه! 21 - " إنها صغيرة.. ". يعني فاطمة (9 / 51 / 6909) وصححه الحاكم أيضا، ووافقه الذهبي. 22 - في فضل بلال وعمر رضي الله عنهما (9 / 108 / 7044 و 7045) وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (1 / 99) وصححه أيضا الترمذي والحاكم والذهبي، وصرح عبد الله بسماعه من أبيه عند أحمد (5 / 354) . 23 - " أهل الجنة عشرون ومائة صف.. " (9 / 274 - 275) وهو مخرج في " المشكاة " (5644) وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم (1 / 82) .

ثانيا: أحاديث بريدة من رواية ابنيه عنه في " مستدرك الحاكم " مشيرا إلى أرقام صفحاتها فيه ومجلداتها من الطبعة الهندية التي لم يصدر غيرها حتى الآن فيما علمت، وسأخرج ما تيسر لي منها. 1 - " أهل الجنة.. " الحديث المذكور آنفا (1 / 82) وأقره الذهبي. 2 - " كنا لا نرفع رؤوسنا إعظاما له " (1 / 120 - 121) وصححه وأقره الذهبي . 3 - إقبال الحسن والحسين.. المتقدم آنفا برقم (18) (1 / 287 / 4 / 189) ، وأقره الذهبي. 4 - الخروج يوم الفطر المتقدم برقم (7) (1 / 294) وصححه هو والذهبي. 5 - " الوتر حق.. " (1 / 305) وصححه، وتعقبه الذهبي بمن دون عبد الله، وهو مخرج في " الإرواء " (417) وغيره. 6 - لما أخذوا في غسله صلى الله عليه وسلم (1 / 354) وصححه ووافقه الذهبي. 7 - " المؤمن يموت بعرق الجبين " (1 / 361) وصححه هو والذهبي، وتقدم. 8 - زيارته صلى الله عليه وسلم لقبر أمه (1 / 375 و 2 / 605) وصححاه. 9 - " إني استأذنت ربي في الاستغفار لأمي.. " (1 / 376) وصححاه. 10 - " كان يتعهد الأنصار ويعودهم.. " (1 / 384) وصححاه، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (164 - 165) . 11 - " من استعملناه على عمل.. " (1 / 406) وصححاه، وهو مخرج في " غاية المرام " (460) .

12 - حديث التوسل باسم الله الأعظم (1 / 504) وقد تقدم، وصححاه. 13 - " اللهم أنت ربي.. " (1 / 564 - 565) وصححاه، ورواه ابن حبان أيضا ( 1032) وهو مما فاتنا ذكره في أحاديثه المتقدمة، وهو مخرج في " الصحيحة " ( 4 / 328) . 14 - " بسم الله، اللهم إني أسألك خير هذه السوق.. " (1 / 539) ، وضعفه الذهبي بمن دون سليمان بن بريدة. وهو مخرج في " الكلم الطيب " (حديث رقم 231 ) . 15 - " يجيء يوم القيامة القرآن كالرجل.. " (1 / 556) وصححه، وسكت عنه الذهبي، وفي الطريق إلى عبد الله بن بريدة كلام، لكن له شاهد تقدم تخريجه برقم (2829) . 16 - " تعلموا سورة البقرة وآل عمران.. " (1 / 560) وصححاه، وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (2 / 219) . 17 - " من قرأ القرآن وتعلمه.. " (1 / 567 - 568) وصححاه، وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (2 / 210) وانظر الحديث المتقدم (2829) . 18 - مجيء سلمان إليه صلى الله عليه وسلم بصدقة ثم بهدية.. (2 / 16) وصححاه ، وهو مخرج في " مختصر الشمائل " (رقم 18) وصرح عبد الله بسماعه من أبيه عند أحمد (5 / 354) . 19 - " من أنظر معسرا.. " (2 / 29) وصححاه، وهو مخرج في " الصحيحة " (86 ) و " الإرواء " (5 / 263 / 1438) . 20 - " صاحب الدابة أحق.. " (2 / 64) وتقدم، وصححاه.

21 - " من كنت وليه.. " (2 / 129 - 130) وتقدم، وفيه أن عبد الله بن بريدة كان يمشي مع أبيه، وصححاه. 22 - " أحساب أهل الدنيا.. " (2 / 163) وتقدم، وصححاه. 23 - ".. إنها صغيرة.. " (2 / 167 - 168) وتقدم، وصححاه. 24 - " يا علي لا تتبع النظرة.. " (2 / 194) وصححاه وفيه نظر، وهو مخرج في " الجلباب " (ص 77 / الطبعة الجديدة) . 25 - " لما انتهينا إلى بيت المقدس.. " (رقم 1) (2 / 360) وتقدم، وصححاه. 26 - قول عمر: " لا تباع أم حر "، وفيه قصة (2 / 458) وصححاه. 27 - بعثه صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص في غزوة السلاسل (3 / 42 - 43) وصححاه. 28 - في إسلام أبي ذر وابن عمر.. (3 / 112) وصححاه. 29 - في فضل بلال وعمر.. (3 / 285) وتقدم (22) وصححاه. 30 - " القضاة ثلاثة.. " (4 / 90) وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 235 / 2614) وصححاه، وفيه نظر بينته هناك. 31 - " ادع تلك الشجرة.. " (4 / 172) . صححه الحاكم، ووهاه الذهبي بمن دون عبد الله بن بريدة. لكن القصة لها شواهد. 32 - " كنا في الجاهلية إذا ولد لنا غلام.. " (4 / 238) وصححاه. وهو مخرج في " الإرواء " (4 / 388 - 389) وصرح عبد الله بن بريدة بسماعه من أبيه عند البيهقي.

33 - " نهى عن مجلسين وملبسين.. " (4 / 272) وسكت عنه، وقواه الذهبي كما تقدم بيانه برقم (2905) . 34 - " ليس منا من حلف بالأمانة.. " (4 / 298) وصححاه، وهو مخرج في " الصحيحة " (94) وصححه ابن حبان أيضا، وهو في الحديث المتقدم برقم (11) ، وهو أحد الحديثين اللذين جنى عليهما المردود عليه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أول هذا البحث. 35 - " من قال: أنا بريء من الإسلام.. " (4 / 298 أيضا) وصححه هو والذهبي ، وهو مخرج في " الإرواء " (2576) وهو الحديث الآخر من الحديثين اللذين ضعفهما المومى إليه، ولم يعزه في " ضعيفته " (560 / 120) لأحمد لأنه صرح في روايته بسماع عبد الله بن بريدة من أبيه! 36 - " إذا قال الرجل للمنافق.. " (4 / 311) وصححه الحاكم، وضعفه الذهبي بمن دون عبد الله، ولكنه متابع، وهو مخرج في " الصحيحة " (371 و 1389) . 37 - حديث المرأة التي تصدقت على أمها بجارية (4 / 347) وقال: " صحيح الإسناد ولم يخرجاه "! وقد وهم في استدراكه إياه على مسلم كما تقدم التنبيه عليه (ص 982) . 38 - قصة ماعز والغامدية (4 / 363) وسكت عنه هو والذهبي، وهو المتقدم عند مسلم (ص 982) . 39 - " إن لله ريحا يبعثها على رأس مائة سنة.. " (4 / 457) وصححاه وفيه ضعف ومخالفة ممن دون عبد الله بن بريدة. وقد بينت ذلك في " الضعيفة " (2576) .

2915

40 - يجيء قوم صغار العيون.. " الحديث (4 / 474) وصححاه، ودون عبد الله ممن تكلم فيه. هذا ما تيسر لي ذكره من أحاديث عبد الله وسليمان ابني بريدة بن الحصيب رضي الله عنه من صحيح البخاري ومسلم وابن حبان والحاكم، ولابد أنه قد ذهب عني بعض أحاديث الأخيرين، ولكن فيما ذكر كفاية للدلالة على ما قصدت إليه من بيان جهل هذا الرجل أو تجاهله، لاتفاق العلماء على تصحيح أحاديث الابنين الكريمين، فصدق فيه قول ربنا تبارك وتعالى: * (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) *، لأنه إن كان جاهلا فقد خالف نصوصا كثيرة تأمره وأمثاله بسؤال العلماء، وإن كان جاهلا فقد خالف نصوصا كثيرة تأمره وأمثاله بسؤال العلماء، وإن كان متجاهلا فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان بعد هذه العشرات من الأحاديث التي صححها الشيخان وغيرهما، وفي بعضها تصريح عبد الله بسماعه من أبيه وبلقائه إياه كما تقدم، مع تصحيح أولئك الأئمة لأحاديثهما، وما أحسن ما قيل: وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل. 2915 - " المسلمون عند شروطهم ". حديث صحيح بمجموع طرقه، كنت خرجته في " إرواء الغليل " (5 / 142 - 146) من حديث جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لا تجدها مجموعة في كتاب، من حديث أبي هريرة وعائشة وأنس بن مالك وعمرو بن عوف ورافع بن خديج وعبد الله بن عمر، فأغنى ذلك عن إعادة تخريجه هنا. ولكني وقفت على فوائد جديدة حوله، فأحببت أن أزفها إلى القراء الكرام، تقوية للحديث علاوة على ما هناك، وردا لتضعيف بعض أهل الأهواء إياه. فأقول:

لقد وقفت على شاهده المرسل القوي في " مصنف ابن أبي شيبة " قال (6 / 568 / 2064) : حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن عبد الملك عن عطاء قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت : وهذا بلاغ مرسل صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، عبد الملك هو ابن أبي سليمان العرزمي أحد الأئمة، وعطاء هو ابن أبي رباح التابعي الجليل، من المكثرين عن ابن عباس وجابر وابن عمر وغيرهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو من أقوى المراسيل التي يستشهد بها كل العلماء محدثين وفقهاء، كما هو مبسوط في محله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إبطال التحليل " (ص 30) : " والمرسل صالح للاعتضاد باتفاق الفقهاء ". ولذلك علق الحديث الإمام البخاري في " صحيحه " بصيغة الجزم، فقال (4 / 451) : " وقال النبي صلى الله عليه وسلم: المسلمون عند شروطهم ". وخرجه الحافظ في " الفتح " عن بعض المذكورين، وكذلك جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد البر في " التمهيد " (7 / 117) وابن القيم أيضا في " الإغاثة " (2 / 21 و 55) وحسن إسناد أبي هريرة النووي في " المجموع " (9 / 376) وقواه ابن دقيق العيد في " الإلمام " (906 و 907) ، وحسنه الشوكاني في " نيل الأوطار " (5 / 216) . إذا عرفت هذا، فقد شذ عن هؤلاء الأئمة جميعا، وعن القوة التي يأخذها الحديث من مجموع طرقه - وبخاصة المرسل الصحيح منها - المدعو (حسان عبد المنان) في تعليقه على " إغاثة اللهفان " لابن القيم، فجزم بضعفه، غير مبال بمخالفته سبيل المؤمنين، فقال (2 / 21) : " حديث ضعيف علقه البخاري في " صحيحه " (4 / 451) !

2916

هكذا قال! ثم خرج بعض الطرق المشار إليها، وكاتما أقوال الأئمة الذين قووه واحتجوا به، بل إنه أوهم القراء أن البخاري ضعفه بتعليقه إياه، وكتم عنهم أنه جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما حكم من يفعل ذلك معشر القراء الكرام؟! 2916 - " لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من صلاة الغداة حتى تطلع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربعة من ولد إسماعيل. ولأن أقعد مع قوم يذكرون الله من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس أحب إلي من أعتق أربعة ". أخرجه أبو داود (3667) والطبراني في " الدعاء " (3 / 1638 / 1878) والبيهقي في " شعب الإيمان " (1 / 409 / 561 و 562) من طريق موسى بن خلف عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 32) ورجاله ثقات، وفي موسى بن خلف كلام، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق عابد له أوهام ". ويشهد له حديث علي بن زيد عن أبي طالب الضبعي عن أبي أمامة مرفوعا به. أخرجه أحمد (5 / 254) والطبراني في " الدعاء " (1882) وفي " المعجم الكبير " (8 / 317 / 8028) وأبو نعيم في " الحلية " (2 / 284) وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد و " المعجم " (10 / 104) : " وأسانيده حسنة "!

كذا قال، ولعله يعني في الشواهد، فإن علي بن زيد - وهو ابن جدعان - ضعيف يستشهد به. وحديث الترجمة أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6 / 119 / 3392) من طريق أبي عبيدة [الحداد] عن محتسب عن ثابت عن أنس به، وزاد في الشطرين: " دية كل رجل منهم اثنا عشر ألفا ". ومن طريق أبي يعلى وغيره أخرجه ابن عدي في " الكامل " (6 / 466) في ترجمة (محتسب) هذا، وهو ابن عبد الرحمن البصري أبو عائذ، وقال: " يروي عن ثابت أحاديث ليس محفوظة ". وقال الذهبي في " المغني ": " له مناكير ". قلت: كهذه الزيادة، فإنها منكرة. وزادها أيضا يزيد الرقاشي في الشطر الأول منه من طريق (معلى بن زياد) عنه. رواه أبو يعلى (7 / 128 - 129 و 154) وعنه ابن السني وعن غيره (216 / 664) والطبراني في " الدعاء " (1879) والبيهقي (563) ، وتحرف (المعلى) في الموضع الأول من " أبي يعلى " إلى (الهقل) ، وهو خطأ ظنه المعلق عليه صوابا! ويزيد هو ابن أبان، ضعيف. وللشطر الأول منه طريق أخرى، يرويها عبد المؤمن بن سالم: حدثنا سليمان التيمي عن أنس به. أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (3 / 35) ، و" أخبار أصبهان " (1 / 200) .

لكن عبد المؤمن هذا قال العقيلي (3 / 93) : " لا يتابع على حديثه ". لكن له شاهد يرويه شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت كردوسا يقول: سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بدر يقول: إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لأن أجلس في هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب ". قال: قلت: أي مجلس تعني؟ قال: مجلس الذكر . أخرجه الدارمي (2 / 319) والبيهقي في " الشعب " (564) والسياق له، وفي " السنن " (10 / 88 - 89) وأحمد (3 / 474) وقال في رواية هاشم عن شعبة : " قال شعبة: فقلت أي مجلس تعني؟ قال: كان قاصا ". وقال في الإسناد: " سمعت كردوس بن قيس، وكان قاص العامة بالكوفة ". قلت: ومن هذا الوجه هو في " السنن " لكن وقع في الموضعين منه: " قاضي العامة "، " كان قاضيا ". وذكره في " كتاب آداب القاضي "! وأنا أظنه محرفا، بدليل روايته الصريحة أنه يعني " مجلس الذكر "، ونحوه رواية أحمد. وكذلك وقع في " تاريخ البخاري " (4 / 1 / 243) : عن ابن عون قال: " رأيت (كردوسا التغلبي) وكان قاص الجماعة ". وعن أبي وائل عن " كردوس بن عمرو، وكان يقرأ الكتب ". وكذا في " ثقات ابن حبان " (5 / 342) ، وزاد:

2917

" ويحكي عن الإنجيل والتوراة ". فهذا كله يؤكد أنه كان قاصا واعظا. فمثله لا يصلح أن يكون قاضيا، ولذلك لم يورده (وكيع) في كتابه " أخبار القضاة "، وترجم الدارمي بقوله: " باب في الرخصة في القصص "، وقال عقبه: " قال أبو محمد - هو الدارمي -: الرجل من أصحاب بدر هو علي " . قلت: وكذا وقع في رواية البزار في " البحر الزخار " (3 / 130) من طريق روح بن عبادة قال: أخبرنا شعبة قال: أخبرنا عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت كردوس بن عمرو قال: سمعت رجلا من أهل بدر - قال شعبة: أراه علي بن أبي طالب - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لأن تفصل المفصل أحب إلي من كذا بابا ". قال شعبة: فقلت لعبد الملك: أي مفصل؟ قال: القصص. وقال البزار: " ولا نعلم روى كردوس بن عمرو عن علي إلا هذا الحديث ". وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 161) : " رواه البزار وفيه (كردوس) وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: " فيه نظر ". وبقية رجاله رجال الصحيح ". كذا قال، وأقره الحافظ في " مختصر الزوائد " (1 / 134) ! 2917 - " إنا كنا نرد السلام في صلاتنا، فنهينا عن ذلك ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 263) والبزار في " مسنده " (1 / 268 / 554 - كشف الأستار) والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 246 / 1 /

8795) من طرق عن عبد الله بن صالح: حدثني الليث حدثني محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: أن رجلا سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فرد النبي صلى الله عليه وسلم بإشارة، فلما سلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الطبراني: " لم يروه عن ابن عجلان إلا الليث ". قلت: وهو ابن سعد الإمام المصري الحجة، فالسند حسن للخلاف المعروف في محمد ابن عجلان. وأعله الهيثمي بـ (عبد الله بن صالح) فقال (2 / 81) : " رواه البزار، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وثقه عبد الملك بن شعيب ابن الليث، فقال: " ثقة مأمون "، وضعفه أحمد وغيره ". وتوسط الحافظ فيه فذهب إلى أنه ثقة في رواية الأئمة الكبار عنه كالبخاري وأبي حاتم ونحوهما. انظر ترجمته في " مقدمة الفتح ". ومن الظاهر أنه لم يعزه للطبراني - وهو على شرطه -، فإما أن يكون سقط منه - وله أمثلة - وإما من الناسخ، ويرجح الأول أنه لم يورده أيضا في " مجمع البحرين " (2 / 176) وهو من أصوله كما هو معلوم عند العارفين بـ " المجمعين ". ثم إن الرجل الذي سلم على النبي صلى الله عليه وسلم هو عبد الله بن مسعود كما روى أبو هريرة عنه قال : " مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يصلي، فسلمت عليه فأشار إلي " . أخرجه الطبراني بسند صحيح عنه، وهو مخرج في " الروض النضير " (637) وكان ذلك عند قدومه من هجرته رضي الله عنه من الحبشة، صح ذلك عنه من غير ما طريق، وتقدم تخريجه في المجلد الخامس رقم (2380) وفي " الروض " أيضا (605) .

2918

من فقه الحديث: وفي الحديث دلالة صريحة على أن رد السلام من المصلي لفظا كان مشروعا في أول الإسلام في مكة، ثم نسخ إلى رده بالإشارة في المدينة. وإذا كان ذلك كذلك، ففيه استحباب إلقاء السلام على المصلي، لإقراره صلى الله عليه وسلم ابن مسعود على " إلقائه "، كما أقر على ذلك غيره ممن كانوا يسلمون عليه وهو يصلي، وفي ذلك أحاديث كثيرة معروفة من طرق مختلفة، وهي مخرجة في غير ما موضع. وعلى ذلك فعلى أنصار السنة التمسك بها، والتلطف في تبليغها وتطبيقها ، فإن الناس أعداء لما جهلوا، ولاسيما أهل الأهواء والبدع منهم. 2918 - " يا شيطان اخرج من صدر عثمان! [فعل ذلك ثلاث مرات] ". هو من حديث عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه، وله عنه طرق أربعة: الأولى: عن عبد الأعلى: حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي عن عبد الله بن الحكم عن عثمان بن بشر قال: سمعت عثمان بن أبي العاص يقول: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نسيان القرآن، فضرب صدري بيده فقال: فذكره. قال عثمان: " فما نسيت منه شيئا بعد، أحببت أن أذكره ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 37 / 8347) وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 3) : " رواه الطبراني وفيه عثمان بن بشر، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ".

فأقول: بلى هو معروف، فقد ترجمه البحاري في " التاريخ "، وابن أبي حاتم، وروى عن ابن معين أنه قال: " عثمان بن بشر الثقفي - ثقة ". وبقية رجال الإسناد ثقات رجال مسلم على ضعف يسير في الطائفي، وغير عبد الله بن الحكم، والظاهر أنه البلوي المترجم في " التاريخ "، و " ثقات ابن حبان " (7 / 30) ، فإنه من هذه الطبقة، فالإسناد حسن. ولعبد الله الطائفي هذا إسناد آخر أصح من هذا، وهو الطريق: الثانية: يرويه معتمر بن سليمان قال: سمعت عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي يحدث عن عمه عمرو بن أويس عن عثمان بن أبي العاص قال: استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصغر الستة الذين وفدوا عليه من ثقيف، وذلك أني كنت قرأت سورة * (البقرة) *، فقلت: يا رسول الله! إن القرآن ينفلت مني، فوضع يده على صدري وقال: " يا شيطان! اخرج من صدر عثمان ". فما نسيت شيئا أريد حفظه. أخرجه البيهقي في " دلائل النبوة " (5 / 308) . وإسناده صحيح. الثالثة: يرويه الحسن عنه، قال: شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء حفظي للقرآن، فقال: " ذاك شيطان يقال له: (خنزب) ، ادن مني يا عثمان! ". ثم وضع يده على صدري، فوجدت بردها بين كتفي، ثم قال: (فذكره) . فما سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظته.

أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " (ص 400 - 401) ، وكذا البيهقي من طريق عثمان بن عبد الوهاب الثقفي: حدثنا أبي عن يونس وعنبسة عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا عنعنة (الحسن) ، وهو البصري، فإنه كان يدلس، ورجاله ثقات رجال الشيخين غير عثمان بن عبد الوهاب، وثقه ابن حبان (8 / 453) . وأصل الحديث في " صحيح مسلم " بلفظ آخر، وهو في " صفة الصلاة ". الرابعة: يرويه عيينة بن عبد الرحمن: حدثني أبي عن عثمان بن أبي العاص قال: لما استعملني رسول الله صلى الله عليه وسلم على الطائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي! فلما رأيت ذلك رحلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ابن العاص؟ ". قلت: نعم يا رسول الله! قال: " ما جاء بك؟ ". قلت: يا رسول الله! عرض لي شيء في صلاتي حتى ما أدري ما أصلي! قال : " ذاك الشيطان، ادنه ". فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي وقال: " اخرج عدو الله! ".

ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: " الحق بعملك ". أخرجه ابن ماجه (3548) والروياني في " مسنده " (ق 148 / 1 - 2) كلاهما بإسناد واحد عنه. وهو إسناد صحيح. وفي الحديث دلالة صريحة على أن الشيطان قد يتلبس الإنسان ويدخل فيه ولو كان مؤمنا صالحا، وفي ذلك أحاديث كثيرة، وقد كنت خرجت أحدها فيما تقدم برقم (485) من حديث يعلى بن مرة قال: " سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا.. " وفيه: " وأتته امرأة فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين، يأخذه كل يوم مرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أدنيه "، فأدنته منه، فتفل في فيه، وقال: اخرج عدو الله! أنا رسول الله ". رواه الحاكم وصححه. ووافقه الذهبي، وهو منقطع. ثم خرجته من طرق أخرى عن يعلى، جود المنذري أحدها! ثم ختمت التخريج بقولي: " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد (¬1) . والله أعلم ". ثم وقفت على كتاب عجيب من غرائب ما طبع في العصر الحاضر بعنوان (طليعة " استحالة دخول الجان بدن الإنسان ") ! لمؤلفه (أبو عبد الرحمن إيهاب بن حسين الأثري) - كذا الأثري موضة العصر! - وهذا العنوان وحده يغني القارئ اللبيب عن الاطلاع على ما في الكتاب من الجهل والضلال، والانحراف عن ¬

(¬1) وله شواهد كثيرة يزداد بها قوة، قد ساقها المؤلف الآتي ذكره، وسلم بصحته في الجملة، ولكنه ناقش في دلالته، ويأتي الرد عليه.

الكتاب والسنة، باسم الكتاب والسنة ووجوب الرجوع إليهما، فقد عقد فصلا في ذلك، وفصلا آخر في البدعة وذمها وأنها على عمومها، بحيث يظن من لم يتتبع كلامه وما ينقله عن العلماء في تأييد ما ذهب إليه من الاستحالة أنه سلفي أو أثري - كما انتسب - مائة في المائة! والواقع الذي يشهد به كتابه أنه خلفي معتزلي من أهل الأهواء، يضاف إلى ذلك أنه جاهل بالسنة والأحاديث، إلى ضعف شديد باللغة العربية وآدابها، حتى كأنه شبه عامي، ومع ذلك فهو مغرور بعلمه، معجب بنفسه ، لا يقيم وزنا لأئمة السلف الذين قالوا بخلاف عنوانه كالإمام أحمد وابن تيمية وابن القيم، والطبري وابن كثير والقرطبي، والإمام الشوكاني وصديق حسن خان القنوجي، ويرميهم بالتقليد! على قاعدة (رمتني بدائها وانسلت) ، الأمر الذي أكد لي أننا في زمان تجلت فيه بعض أشراط الساعة التي منها قوله صلى الله عليه وسلم: " وينطق فيها الرويبضة. قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة " (¬1) . ونحوه قول عمر رضي الله عنه: " فساد الدين إذا جاء العلم من الصغير، استعصى عليه الكبير، وصلاح الناس إذا جاء العلم من قبل الكبير، تابعه عليه الصغير " (¬2) . وما أكثر هؤلاء (الصغار) الذين يتكلمون في أمر المسلمين بجهل بالغ، وما العهد عنا ببعيد ذاك المصري الآخر الذي ألف في تحريم النقاب على المسلمة! وثالث أردني ألف في تضعيف قوله صلى الله عليه وسلم: " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء ¬

(¬1) حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم (1887 و 2238 و 2253) . (¬2) رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما في " الفتح " (13 / 301) .

الراشدين "، وفي حديث تحريم المعازف، المجمع على صحتهما عند المحدثين، وغيرهم وغيرهم كثير وكثير !! وإن من جهل هذا (الأثري) المزعوم وغباوته أنه رغم تقريره (ص 71 و 138) أن: " منهج أهل السنة والجماعة التوقف في المسائل الغيبية عندما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه ليس لأحد مهما كان شأنه أن يضيف تفصيلا، أو أن ينقص ما ثبت بالدليل، أو أن يفسر ظاهر الآيات وفق هواه، أو بلا دليل ". أقول: إنه رغم تقريره لهذا المنهج الحق الأبلج، فإنه لم يقف في هذه المسألة الغيبية عند حديث الترجمة الصحيح. بل خالفه مخالفة صريحة لا تحتاج إلى بيان، وكنت أظن أنه على جهل به، حتى رأيته قد ذكره نقلا عن غيره (ص 4) من الملحق بآخر كتابه، فعرفت أنه تجاهله، ولم يخرجه مع حديث يعلى وغيره مما سبقت الإشارة إليه (ص 1002) . وكذلك لم يقدم أي دليل من الكتاب والسنة على ما زعمه من الاستحالة، بل توجه بكليته إلى تأويل قوله تعالى المؤيد للدخول الذي نفاه: * (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) * تأويلا ينتهي به إلى إنكار (المس) - الذي فسره العلماء بالجنون - وإلى موافقة بعض الأشاعرة والمعتزلة! الذين فسروا (المس) بوسوسة الشيطان المؤذية! وهذا تفسير بالمجاز، وهو خلاف الأصل، ولذلك أنكره أهل السنة كما سيأتي، وهو ما صرح به نقلا عن الفخر الرازي الأشعري (ص 76 و 78) : " كأن الشيطان يمس الإنسان فيجن "! ونقل (ص 89) عن غيره أنه قال:

" كأن الجن مسه "! وعليه خص المس هذا بمن خالف شرع الله، فقال (ص 22) : " وما كان ليمس أحد (كذا غير منصوب!) (¬1) إلا بالابتعاد عن النهج المرسوم "! ولو سلمنا جدلا أن الأمر كما قال، فلا يلزم منه عند العلماء ثبوت دعوى النفي، لإمكان وجود دليل آخر على الدخول كما في هذا الحديث الصحيح، بينما توهم الرجل أنه برده دلالة الآية على الدخول ثبت نفيه إياه، وليس الأمر كذلك لو سلمنا برده، فكيف وهو مردود عليه بهذا الحديث الصحيح، وبحديث يعلى المتقدم وبهما تفسر الآية، ويبطل تفسيره إياها بالمجاز. ومن جهل الرجل وتناقضه أنه بعد أن فسر الآية بالمجاز الذي يعني أنه لا (مس) حقيقة، عاد ليقول (ص 93) : " واللغة أجمعت على أن المس: الجنون ". ولكنه فسره على هواه فقال: أي من الخارج لا من الداخل، قال: " ألا ترى مثلا إلى الكهرباء وكيف تصعق المماس لها من الخارج ... " إلخ هرائه. فإنه دخل في تفاصيل تتعلق بأمر غيبي قياسا على أمور مشاهدة مادية، وهذا خلاف المنهج السلفي الذي تقدم نقله عنه، ومع ذلك فقد تعامى عما هو معروف في علم الطب أن هناك جراثيم تفتك من الداخل كجرثومة (كوخ) في مرحلته الثالثة! فلا مانع عقلا أن تدخل الجان من الخارج إلى بدن الإنسان، وتعمل عملها وأذاها فيه من الداخل، كما لا مانع من خروجها منه بسبب أو ¬

(¬1) قلت: ومثله كثير، انظر بعض الأمثلة في آخرها هذا التخريج.

آخر، وقد ثبت كل من الأمرين في الحديث فآمنا به، ولم نضربه كما فعل المعتزلة وأمثالهم من أهل الأهواء، وهذا المؤلف (الأثري) - زعم - منهم. كيف لا وقد تعامى عن حديث الترجمة، فلم يخرجه البتة في جملة الأحاديث الأخرى التي خرجها وساق ألفاظها من (ص 111) إلى (ص 126) - وهو صحيح جدا - كما رأيت، وهو إلى ذلك لم يأخذ من مجموع تلك الأحاديث ما دل عليه هذا الحديث من إخراجه صلى الله عليه وسلم للشيطان - من ذاك المجنون -، وهي معجزة عظيمة من معجزاته صلى الله عليه وسلم، بل نصب خلافا بين رواية " اخرج عدو الله " ورواية " اخسأ عدو الله "، فقد أورد على نفسه (ص 124) قول بعضهم: " إن الإمام الألباني قد صحح الحديث "، فعقب بقوله: " فهذا كذب مفترى، انظر إلى ما قاله الشيخ الألباني لتعلم الكذب: المجلد الأول من سلسلته الصحيحة ص 795 ح 485 ". ثم ساق كلامي فيه، ونص ما في آخره كما تقدم: " وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد. والله أعلم ". قلت: فتكذيبه المذكور غير وارد إذن، ولعل العكس هو الصواب! وقد صرح هو بأنه ضعيف دون أي تفصيل (ص 22) ، واغتر به البعض! نعم، لقد شكك في دلالة الحديث على الدخول بإشارته إلى الخلاف الواقع في الروايات، وقد ذكرت لفظين منها آنفا. ولكن ليس يخفى على طلاب هذا العلم المخلصين أنه ليس من العلم في شيء أن تضرب الروايات المختلفة بعضها ببعض، وإنما علينا أن نأخذ منها ما اتفق عليه الأكثر، وإن مما لا شك فيه أن اللفظ الأول: " اخرج " أصح من الآخر " اخسأ "، لأنه جاء في خمس روايات من الأحاديث التي ساقها، واللفظ الآخر جاء في روايتين منها فقط! على أني لا أرى

بينهما خلافا كبيرا في المعنى ، فكلاهما يخاطب بهما شخص، أحدهما صريح في أن المخاطب داخل المجنون، والآخر يدل عليه ضمنا. وإن مما يؤكد أن الأول هو الأصح صراحة حديث الترجمة الذي سيكون القاضي بإذن الله على كتاب " الاستحالة " المزعومة، مع ما تقدم من البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره. ولابد لي قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام ولو مثالا واحد على الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم، ولو أنه فيما سلف كفاية للدلالة على ذلك! لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له رواية ولا دراية، فقال (ص 27) : " وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: " لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم. قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟ قال: فمن؟ ". أو كما قال صلى الله عليه وسلم "! ومجال نقده في سياقه للحديث هكذا واسع جدا، وإنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله (حذاء) ، فإن هذا تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة، والصواب (حذو) . وليس هو خطأ مطبعيا كما قد يتبادر لأذهان البعض، فقد أعاده في مكان آخر. فقال (ص 34 ) مقرونا بخطأ آخر: " حذاء القذة بالقذة "! كذا ضبطه بفتح القاف! وإنما هو بالضم (¬1) . ¬

(¬1) وهو مخرج في " الصحيحة " من طرق بألفاظ متقاربة (3312) .

ونحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله (ص 240) : " يقول السلف : ليس الخبر كالمعاينة ". وهذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن ابن عباس مرفوعا، وفيه قصة. وهو مخرج في " صحيح الجامع الصغير " (5250) . ومن أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر (ص 74) في زمرة التفاسير المعتبرة " تفسير الكشاف "، و " تفسير الفخر الرازي "، فهل رأيت أو سمعت أثريا يقول مثل هذا، فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة، متأثرا بهما ويفسر آية الربا تفسيرا مجازيا! وأما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه (شبه أمي) فلا تكاد تحصى، فهو يقول في أكثر من موضع: " تعالى معي "! وقال (ص 131) : " ثم تعالى لقوله تعالى "، وذكر آية. وفي (ص 129) : " فمن المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان "! و (ص 130) . " أضف إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان "! فهو يرفع المنصوب مرارا وتكرارا. وفي الختام أقول:

ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية، والرد على من ينكرها. ولكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة، ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين والمصابين بالصرع، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزل الله به سلطانا، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا قتل المصاب، كما وقع هنا في عمان، وفي مصر، مما صار حديث الجرائد والمجالس . لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى، فصاروا اليوم بالمئات، وفيهم بعض النسوة المتبرجات، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة، إلى أمور ووسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معا، فهي - عندي - نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان * (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) *، وهو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى: * (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) *. فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا - أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى؟ مسلم أم كافر؟ وصدقه المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده، فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله عليه وسلم: " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد "، وفي حديث آخر: ".. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " (¬1) . ¬

(¬1) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " غاية المرام " (رقم 284) ورواه الطبراني من طريق أخرى بقيد: " غير مصدق لم تقبل ... "، وهو منكر بهذه الزيادة، ولذلك خرجته في " الضعيفة " (6555) . والحديث الذي قبله صحيح أيضا، وهو مخرج في " الإرواء " برقم (2006) وفي غيره. اهـ.

2919

فينبغي الانتباه لهذا، فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن هذه الحقيقة، فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اخرج عدو الله "، مذكرا لهم بقوله تعالى * ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *. والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. 2919 - " خفف الصلاة على الناس، حتى وقت * (سبح اسم ربك الأعلى) * و * (اقرأ باسم ربك الذي خلق) *، وأشباهها من القرآن ". أخرجه أحمد (4 / 218) والطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 38 - 39) من طريق ابن خثيم: أنبأنا داود بن أبي عاصم الثقفي عن عثمان بن أبي العاص قال : آخر كلام كلمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ استعملني على الطائف، قال: فذكره. قلت: وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. وإنما أخرجته لتوقيت السور المذكورة، وإلا فأصل الحديث في " صحيح مسلم " وغيره، وبأتم منه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " تحت الحديث (541) . 2920 - " كان لا يدع ركعتين قبل الفجر، وركعتين بعد العصر ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 352) : حدثنا عفان قال: أخبرنا أبو عوانة قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه: أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، فقيل له؟ فقال: لو لم أصلهما إلا أني رأيت مسروقا يصليهما لكان ثقة، ولكني سألت عائشة؟ فقالت: فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح غاية على شرط الشيخين، وأبو عوانة اسمه الوضاح اليشكري، وهو ثقة ثبت كما قال الحافظ في " التقريب ". وقد خالفه شعبة في متنه فرواه عن إبراهيم به، إلا أنه قال: ".. أربعا قبل الظهر "، مكان الركعتين بعد العصر. أخرجه البخاري وغيره، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم (1139) . ويظهر لي - والله أعلم - أن كلا من الروايتين محفوظ لثقة رواتهما وحفظهما، ولأن للركعتين طرقا كثيرة عن عائشة يأتي ذكر بعضها بإذن الله تعالى. وقد أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 177) من طريق هلال بن يحيى قال: حدثنا أبو عوانة به، إلا أنه أدخل بين محمد بن المنتشر وعائشة - مسروقا. وهلال هذا ضعيف. قال ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 88) : " كان يخطىء كثيرا على قلة روايته ". نعم لحديث مسروق أصل صحيح برواية أخرى، فكأنها اختلطت عليه بهذه، فقال الإمام أحمد (6 / 241) : حدثنا إسحاق بن يوسف قال: حدثنا مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي الضحى عن مسروق قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ركعتين بعد العصر. وهذا إسناد صحيح أيضا على شرط الشيخين، وقد أخرجاه من طريق أخرى عن مسروق مقرونا مع الأسود بلفظ: " ما من يوم يأتي علي النبي صلى الله عليه وسلم إلا صلى بعد العصر ركعتين ". وفي رواية بلفظ:

" ركعتان لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا علانية: ركعتان قبل صلاة الصبح، وركعتان بعد العصر ". وهو مخرج في " الإرواء " (2 / 188 - 189) والذي قبله في " صحيح أبي داود " ( 1160) وقد تابع إسحاق بن يوسف - وهو الأزرق - جعفر بن عون، إلا أنه خالفه في إسناده فقال: عن مسعر عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الضحى به. أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 353) وأبو العباس السراج في " مسنده " (ق 132 / 1) وجعفر بن عون صدوق من رجال الشيخين، فإن كان حفظه فيكون لمسعر فيه شيخان، وإلا فرواية الأزرق أصح. هذا وقد روى ابن أبي شيبة عن جماعة من السلف أنهم كانوا يصلون هاتين الركعتين بعد العصر، منهم أبو بردة بن أبي موسى وأبو الشعثاء وعمرو بن ميمون والأسود ابن يزيد وأبو وائل، رواه بالسند الصحيح عنهم، ومنهم محمد بن المنتشر ومسروق كما تقدم آنفا. وأما ضرب عمر من يصليهما، فهو من اجتهاداته القائمة على باب سد الذريعة، كما يشعر بذلك روايتان ذكرهما الحافظ في " الفتح " (2 / 65) : إحداهما في " مصنف عبد الرزاق " (2 / 431 - 432) و" مسند أحمد " (4 / 155) والطبراني (5 / 260) وحسنه الهيثمي (2 / 223) . والأخرى عند أحمد (4 / 102) أيضا، والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 58 - 59) ، و " الأوسط " (8848 - بترقيمي) .

وقد وقفت على رواية ثالثة تشد من عضدهما، وهي من رواية إسرائيل عن المقدام ابن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يصلي؟ [قالت:] " كان يصلي الهجير ثم يصلي بعدها ركعتين، ثم يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين. فقلت : فقد كان [عمر] يضرب عليهما وينهى عنهما؟ فقالت: قد كان عمر يصليهما، وقد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم [كان] يصليهما، ولكن قومك أهل الدين قوم طغام، يصلون الظهر، ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر ثم يصلون ما بين العصر والمغرب، فضربهم عمر، وقد أحسن ". أخرجه أبو العباس السراج في " مسنده " (ق 132 / 1) . قلت: وإسناده صحيح، وهو شاهد قوي للأثرين المشار إليهما آنفا، وهو نص صريح أن نهي عمر رضي الله عنه عن الركعتين ليس لذاتهما كما يتوهم الكثيرون، وإنما هو خشية الاستمرار في الصلاة بعدهما، أو تأخيرهما إلى وقت الكراهة وهو اصفرار الشمس، وهذا الوقت هو المراد بالنهي عن الصلاة بعد العصر الذي صح في أحاديث كما سبق بيانه تحت الحديثين المتقدمين برقم (200 و 314) . ويتلخص مما سبق أن الركعتين بعد العصر سنة إذا صليت العصر معها قبل اصفرار الشمس، وأن ضرب عمر عليها إنما هو اجتهاد منه وافقه عليه بعض الصحابة، وخالفه آخرون، وعلى رأسهم أم المؤمنين رضي الله عنها، ولكل من الفريقين موافقون، فوجب الرجوع إلى السنة، وهي ثابتة صحيحة برواية أم المؤمنين، دون دليل يعارضه إلا العموم المخصص بحديث علي وأنس المشار إلى أرقامهما آنفا. ويبدو أن هذا هو مذهب ابن عمر أيضا، فقد روى البخاري (589) عنه قال:

2921

" أصلي كما رأيت أصحابي يصلون، لا أنهى أحدا يصلي بليل ولا نهار ما شاء، غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها ". وهذا مذهب أبي أيوب الأنصاري أيضا، فقد روى عبد الرزاق عنه (2 / 433) بسند صحيح عن ابن طاووس عن أبيه: أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي ركعهما، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إن عمر كان يضرب الناس عليهما. قال ابن طاووس: وكان أبي لا يدعهما. وهنا ينبغي أن نذكر أهل السنة الحريصين على إحياء السنن وإماتة البدع أن يصلوا هاتين الركعتين كلما صلوا العصر في وقتها المشروع، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من سن في الإسلام سنة حسنة.. ". وبالله التوفيق. 2921 - " إذا زنت الأمة فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، فإن زنت فاجلدوها، ثم بيعوها ولو بضفير ". أخرجه ابن ماجه (2 / 119) وأحمد (6 / 65) من طريق عمار بن أبي فروة أن محمد ابن مسلم حدثه أن عروة حدثه أن عمرة بنت عبد الرحمن حدثته أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فذكره) . قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير عمار - ويقال: عمارة - ابن أبي فروة، قال البوصيري في " الزوائد " (159 / 1) : " قال البخاري: لا يتابع في حديثه. وذكره العقيلي وابن الجارود في " الضعفاء "، وذكره ابن حبان في " الثقات " فما أجاد ". قلت: وذلك لأنه لم يرو عنه غير يزيد بن أبي حبيب، وقد انفرد به هكذا. وخالفه مالك وسفيان وغيرهما فقالوا: عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن

2922

أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني مرفوعا به نحوه. أخرجاه في " الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجته في " الإرواء " (2326) ، فالحديث متنه صحيح . والله أعلم. (تنبيه) : ليس في رواية أحمد: " فإن زنت فاجلدوها " في المرة الرابعة، والظاهر أنها زيادة صحيحة، ففي حديث " الصحيحين " المشار إليه آنفا: " قال ابن شهاب: لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة ". لكن في رواية لأحمد (2 / 376 و 422) من طريق سعيد بن أبي سعيد (زاد في رواية: عن أبيه) عن أبي هريرة، وزاد: " فإن عادت في الرابعة فليبعها ولو بحبل من شعر ، أو ضفير من شعر ". وسنده صحيح على شرط الشيخين، وهو في " مسلم " (5 / 123 - 124) دون الزيادة. والله أعلم. 2922 - " لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن، ولا تعلموهن، ولا خير في تجارة فيهن، وثمنهن حرام، وفي مثل هذا أنزلت هذه الآية: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله) * إلى آخر الآية ". أخرجه الترمذي (1282 و 3193) وابن جرير الطبري في " التفسير " (21 / 39) وأحمد (5 / 252 و 264) والحميدي (910) وابن أبي الدنيا في " ذم الملاهي " (ق 5 / 1) والبيهقي في " السنن " (6 / 14) والثعلبي في " تفسيره " (3 / 75 / 1) وعنه البغوي في " تفسيره " (6 / 284) والواحدي في

" الوسيط " (3 / 190 / 2) من طرق عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به. وكذا رواه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 7805 و 7825 و 7855 و 7861 و 7862) وقال الترمذي: " حديث غريب، إنما يروى من حديث القاسم عن أبي أمامة، والقاسم ثقة ، وعلي ابن يزيد يضعف في الحديث، قاله محمد بن إسماعيل ". ونقل البيهقي عن الترمذي أنه قال: " سألت البخاري عن إسناد هذا الحديث؟ فقال: علي بن يزيد ذاهب الحديث، ووثق عبيد الله بن زحر، والقاسم بن عبد الرحمن ". قلت: وقد تابعه الفرج بن فضالة الحمصي عن علي بن يزيد به دون ذكر الآية. أخرجه أحمد (5 / 257 و 268) والطيالسي أيضا (1134) . وأخرجه ابن ماجه (2168) وابن عساكر (2 / 425 / 1) عن أبي المهلب عن عبيد الله الأفريقي عن أبي أمامة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع المغنيات وعن شرائهن وعن كسبهن وعن أكل أثمانهن ". وأبو المهلب هذا اسمه مطرح بن يزيد الكوفي، وهو ضعيف. والأفريقي هو عبيد الله بن زحر نفسه، فكأن أبا المهلب أسقط شيخه علي بن يزيد الألهاني، وهذا يدل على ضعفه.

ووجدت للألهاني متابعا قويا، فقال الوليد بن الوليد: حدثنا ابن ثوبان عن يحيى بن الحارث عن القاسم به. أخرجه الطبراني (8 / 212 / 7749) من طريقين عنه. قلت: وهذا إسناد حسن، الوليد بن الوليد هو العنسي القلانسي الدمشقي، قال ابن أبي حاتم (4 / 2 / 19) عن أبيه: " صدوق، ما بحديثه بأس، حديثه صحيح ". ومن فوقه معروفون من رجال التهذيب على كلام في بعضهم. ولنزول الآية شاهد من حديث ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية: * (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم) *؟ فقال: " هو الغناء والذي لا إله إلا هو، يرددها ثلاث مرات ". أخرجه ابن جرير، وابن أبي شيبة في " المصنف " (6 / 309) والحاكم (2 / 411) والبيهقي (10 / 223) وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. ومثله ما عند ابن أبي شيبة (6 / 310) والبخاري في " الأدب المفرد " (1265) وابن جرير ( 21 / 4) وابن أبي الدنيا (ق 4 / 1 - 2) والبيهقي (10 / 221) من طريق منصور بن أبي الأسود عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في هذه الآية: * (من يشتري لهو الحديث) *. قال: " نزلت في الغناء وأشباهه ". قلت : ورجاله ثقات، فهو صحيح الإسناد لولا أن ابن السائب كان اختلط، فهو شاهد جيد على الأقل.

وفي الباب عن جمع آخر من الصحابة، لكن أسانيد بعضها شديد الضعف، فمن شاء الوقوف عليها فليرجع إلى " مجمع الزوائد " (4 / 91) و " تخريج الكشاف " للحافظ العسقلاني (4 / 129 - 130) . ثم وقفت على ترجمة الوليد بن الوليد العنسي في " الميزان " و " اللسان "، فوجدت فيه جرحا شديدا من غير واحد من الحفاظ، فقال الدارقطني وغيره: " متروك "، وقال ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 81) : " يروي عن ابن ثوبان وثابت بن يزيد العجائب ". ثم ساق له حديث " مكارم الأخلاق عشرة ... " (¬1) ، وقال عقبه: " وهذا ما لا أصل له من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ". وجرح هؤلاء مقدم على تعديل أبي حاتم إياه، لأنه جرح مفسر كما هو ظاهر، ويستغرب خفاء ذلك على أبي حاتم الإمام الحافظ النقاد المعروف بأنه من المتشددين في الجرح، والمعصوم من عصمه الله. ولذلك فقد رجعت عن الاستشهاد بحديث الوليد هذا، وبقي الحديث على ضعفه، إلا ما يتعلق منه بنزول الآية في الغناء، للشواهد الصحيحة المذكورة عن ابن مسعود وغيره، فإنها في حكم المرفوع عند الحاكم وغيره، لاسيما وقد حلف ابن مسعود ثلاث مرات على نزولها في الغناء، وقد صححه ابن القيم في " إغاثة اللهفان " ( 1 / 240) عن ابن عباس وابن مسعود، ثم تتابعت الآثار بذلك عن التابعين وغيرهم، ومنهم الحسن البصري، فقد جزم بأنها نزلت في الغناء والمزامير. كما أخرجه ابن أبي حاتم عنه كما في " الدر المنثور " (5 / 159) . ¬

(¬1) تقدم تخريجه في " الضعيفة " (720) . اهـ.

ولا ينافي ذلك ما استصوبه ابن جرير (21 / 4) أن الآية عامة تعني كل ما كان من الحديث ملهيا عن سبيل الله مما نهى الله عن استماعه ورسوله. قال: " والغناء والشرك من ذلك ". ومال إلى هذا ابن كثير في " تفسيره "، وابن القيم في " الإغاثة " ( 1 / 240 - 241) . وفيما تقدم رد قوي على ابن حزم في قوله في " رسالة الملاهي " (ص 97) : أنه لم يثبت عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الآية بأنه الغناء! قال: " وإنما هو قول بعض المفسرين ممن لا تقوم بقوله حجة "! ومع سقوط كلامه هذا بما سبق، فيخالفه صنيعه في " المحلى "، فقد ساق فيه الروايات المتقدمة عن ابن مسعود وابن عباس، وعن غيرهما من التابعين، ولم يضعفها، وإنما قال: " لا حجة لأحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم "! فنقول: كلمة حق أريد بها باطل، لأنه لم يذكر عنه صلى الله عليه وسلم ما يخالف تفسيرهم. ثم زعم أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين! وهذا كالذي قبله، فإنه لم يذكر ولا رواية واحدة مخالفة، ولو كان لديه لسارع إلى بيانها . ثم احتج بأن الآية فيها صفة من فعلها كان كافرا. فنقول: هذا حق، ولكن ذلك لا ينفي أن يؤاخذ المسلم بقدر ما قام فيه من تلك الصفة، كالالتهاء بالأغاني عن القرآن. وتفصيل هذا في " إغاثة اللهفان ".

2923

2923 - " من لقي الله لا يشرك به شيئا لم يتند بدم حرام، دخل الجنة ". أخرجه أحمد (4 / 152) : حدثنا وكيع عن ابن أبي خالد عن عبد الرحمن بن عائذ عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. وبهذا الإسناد رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " كما في " زوائد ابن ماجه " (ق 162 / 2) للبوصيري، وابن ماجه (2618) والحاكم (4 / 351) من طريقين آخرين عن وكيع به. وصححه الحاكم. ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن عائذ هذا، وقد وثقه النسائي وابن حبان . وأعله البوصيري بالانقطاع فقال: " هذا إسناد صحيح إن كان عبد الرحمن بن عائذ الأزدي سمع من عقبة بن عامر فقد قيل: إن روايته عنه مرسلة ". كذا قال، وما علمت ذكر ذلك أحد قبله، وظني أنه شبه له، فقد ذكر الحافظ أنه روى عن جمع من الصحابة منهم عمر وعلي ومعاذ وعقبة وغيرهم، ثم قال: " وقد قيل: إنه أدرك عليا. وقال أبو زرعة: حديثه عن علي مرسل، ولم يدرك معاذا، وقال ابن أبي حاتم: روى عن عمر مرسلا ". فهذا كل ما ذكروه في ترجمته من الانقطاع، فالظاهر أنه التبس عليه عقبة بمعاذ، وشتان ما بين وفاتيهما، فإن معاذا توفي سنة (18) ، وعقبة سنة (60) ! فقد أدركه يقينا، وقد أشار إلى هذا الحافظ بقوله في " التقريب ": " ثقة، من الثالثة، ووهم من ذكره في الصحابة، قال أبو زرعة: لم يدرك معاذا ". ثم إن وكيعا قد توبع، فقال أحمد (4 / 148) : حدثنا يزيد بن هارون: أنبأنا

إسماعيل - يعني ابن أبي خالد - عن عبد الرحمن بن عائذ - رجل من أهل الشام - قال: انطلق عقبة بن عامر الجهني إلى المسجد الأقصى ليصلي فيه، فاتبعه ناس، فقال: ما جاء بكم؟ قالوا: صحبتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحببنا أن نسير معك ونسلم عليك، قال: انزلوا فصلوا، فنزلوا، فصلى، وصلوا معه، فقال حين سلم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ليس من عبد يلقى الله عز وجل لا يشرك به شيئا، لم يتند بدم حرام ، إلا دخل من أي أبواب الجنة شاء ". وهذه متابعة قوية من يزيد بن هارون الثقة الحافظ لوكيع بن الجراح، وقد خالفهما القاسم بن الوليد الهمداني في إسناده فقال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه مرفوعا بنحو لفظ يزيد. أخرجه الحاكم، وأشار إلى أن الراجح الأول، وتبعه الذهبي فقال: " قلت: الأول أصح ". وذلك لمخالفة القاسم بن الوليد لوكيع ويزيد، وهو دونهما حفظا وضبطا، وقد قال الحافظ فيه: " صدوق يغرب " . والحديث عند البخاري في " العلم " من حديث أنس مرفوعا به دون قوله: " لم يتند بدم حرام "، انظر " مختصر البخاري " (85) . وكذلك رواه أحمد (2 / 361 - 362 و 421 - 422) من حديث أبي هريرة بزيادة، وأحمد أيضا (4 / 260 و 5 / 285) من حديث سلمة بن نعيم، وزاد:

2924

" وإن زنى وإن سرق ". وهي صحيحة. والأحاديث بهذا المعنى كثيرة صحيحة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما، وإنما خرجت هذا لما فيه من الزيادة عليها، وللتنبيه على وهم البوصيري في إعلاله إياه بالانقطاع. والله أعلم. 2924 - " إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة، والذي نفسي بيده لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها، ولمقام أحدكم في الصف خير من صلاته ستين سنة ". أخرجه أحمد (5 / 266) والطبراني في " الكبير " (7868) وابن عساكر في " الأربعين في الجهاد " (الحديث 15) من طريق معان بن رفاعة: حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية من سراياه، قال: فمر رجل بغار فيه شيء من ماء، قال: فحدث نفسه بأن يقيم في ذلك الغار فيقوته ما كان فيه من ماء، ويصيب ما حوله من البقل، ويتخلى من الدنيا! ثم قال: لو أني أتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فإن أذن لي فعلت، وإلا لم أفعل. فأتاه فقال: يا نبي الله! إني مررت بغار فيه ما يقوتني من الماء والبقل، فحدثتني نفسي بأن أقيم فيه وأتخلى من الدنيا. قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف :

1 - القاسم - وهو ابن عبد الرحمن صاحب أبي أمامة - مختلف فيه، والمتقرر فيه أنه حسن الحديث إذا لم يخالف. 2 - علي بن يزيد - وهو الألهاني - ضعيف كما في " التقريب "، ولكنه لم يترك كما قال الذهبي في " الكاشف ". 3 - معان بن رفاعة، لين الحديث كما قال الحافظ. ويبدو من هذه التراجم الموجزة أن السند ليس شديد الضعف، فيمكن الاستشهاد به، فقد جاء الحديث مفرقا عن جمع من الصحابة إلا الفقرة الأولى، فلم أجد ما يشهد لها في السنة فيما يحضرني الآن. ولكن حسبك القرآن شهادة. ألا وهو قوله تعالى: * (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير) * (البقرة: 120) . وقوله: * (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا، ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين) * (آل عمران: 67) . وقوله: * (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين) * (آل عمران: 68) . وأما الفقرة الثانية، فقد رويت من حديث عائشة، وجابر، وحبيب بن أبي ثابت ، وابن عباس. أما حديث عائشة، فيرويه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال : قال لي عروة: إن عائشة قالت يومئذ - يعني يوم لعب الحبشة في المسجد، ونظرت عائشة إليهم -: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة ". أخرجه أحمد (6 / 116 / 233) والديلمي في " مسند الفردوس " (2 / 1 / 4) .

قلت: وهذا إسناد حسن في المتابعات والشواهد على الأقل، فإن عبد الرحمن بن أبي الزناد مختلف فيه، والمتقرر أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، وقد جاءت قصة الحبشة هذه من طرق عن عائشة في " الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجتها في " آداب الزفاف "، وجمعت فيه الزيادات وجعلتها بين المعقوفات [] ، وليس منها: " إني أرسلت بحنيفية سمحة "، لأنه صار في نفسي يومئذ شك في ثبوتها لمخالفتها لكل الطرق المشار إليها. بل ولعدم ورودها في طريق أخرى عنها عند الحميدي (رقم 254) ، مع أنه ورد فيها الزيادة التي قبلها: " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة " ، فهذا كله جعلني يومئذ أعرض عنها ولا أعتمدها، فلما وقفت على حديث الترجمة وشواهده اطمأننت لثبوتها، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. أما حديثا جابر وحبيب بن أبي ثابت، فهما ضعيفان، وكنت خرجتهما وكشفت عن علتهما في " غاية المرام " (رقم 8) تحت الحديث " بعثت بالحنيفية السمحة "، وكنت ضعفته للسبب الذي ذكرته آنفا. وأما حديث ابن عباس، فلفظه يخالف هذا، قال ابن عباس : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: " الحنيفية السمحة ". وقد خرجته هناك وبينت أن فيه عنعنة ابن إسحاق وغيرها، وأنكرت على الحافظ ابن حجر تحسينه لإسناده! ولكني حسنت متنه لبعض الشواهد ذكرتها له في " تمام المنة في التعليق على فقه السنة "، ولذلك أوردته في " الصحيحة " برقم (881) وأشرت إلى شواهده محيلا بها على " تمام المنة "، ثم أوردته في " صحيح الجامع " (158) . ولقد كنت ذكرت في تخريج حديث حبيب بن أبي ثابت أن فيه بردا الحريري، وأني لم أعرفه.

فأقول الآن: بأني وجدته في " التاريخ الكبير " للبخاري (1 / 2 / 134) و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (1 / 1 / 422) و " الثقات " لابن حبان (6 / 114 - 115) كلهم ذكروه من رواية محمد بن عبيد الطنافسي عنه. لكن ابن أبي حاتم قرن معه أخاه يعلى بن عبيد، فخرج بذلك عن الجهالة العينية، ولاسيما وقد ذكر له عنه راويا ثالثا، ولكنه شك أن يكون هو بردا هذا أو غيره. والله أعلم. ويعود السبب في كتابة هذا التخريج إلى أخينا الفاضل الأستاذ محمد شقرة، فقد لفت نظري - جزاه الله خيرا - إلى أن الشيخ شعيب الأرناؤط قد قوى حديث " بعثت بالحنيفية السمحة " في تعليقه على " العواصم " (ص 175) ، ورد فيه عليك تضعيفك إياه في " غاية المرام "، وبعد الاطلاع على التعليق المشار إليه وجدت الحق معه، فأخبرت الأستاذ بذلك، فشكر وأثنى خيرا. ولكن المومى إليه لم يكن منصفا في سائر كتابته حول هذا الحديث - كما هي عادته كلما سنحت له الفرصة لانتقادي - فإنه هداني الله تعالى وإياه أخذ تخريج أكثر الأحاديث التي ذكرها شاهدا للحديث هذا من كتابي المذكور: " غاية المرام " دون أن يشير إلى ذلك أدنى إشارة! هذا أولا. وثانيا: فإنه حذف من تخريجي المذكور ما فيه من البيان لعلل تلك الشواهد، ومنها حديث ابن عباس، بل إنه نقل تحسين الحافظ لإسناده وأقره، وهو يعلم أن فيه عنعنة ابن إسحاق! وأنها علة الحديث، فلم سكت عنه؟! وثالثا: أنه أوهم القراء بأنني ضعفت حديث ابن عباس المشار إليه، وليس كذلك، فإني قد حسنته لشواهد خرجتها في " تمام المنة في التعليق على فقه السنة "، وقد أشرت إليها في " الصحيحة " رقم (881) ولذلك أوردته

في " صحيح الجامع " (158) كما تقدم، فكان على الشيخ شعيب أن يشير إلى ذلك كما تقتضيه الأمانة العلمية. ولكن.. ولا يقال: لعله لا يعلم ذلك! فنقول: ذلك بعيد جدا عن مثله، وكتبي من مراجعه الأولى في مكتبته التي في المؤسسة التي يعمل فيها، كما أخبرني أحد الإخوان الذين كانوا ابتلوا بالعمل معه!! ثم رأيت ابن كثير قد أشار إلى تقوية هذه الفقرة لورودها من طرق، فانظر تفسير آية * (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي..) * (2 / 252 ) . وأما الفقرة الثالثة: فقرة الغدوة، فلها شواهد كثيرة من حديث أنس وسهل وأبي أيوب في " الصحيحين " وغيرهما، وهي مخرجة في " الترغيب " (2 / 164 - 165) . وأما الفقرة الرابعة والأخيرة، فلها شاهد من حديث أبي هريرة، وآخر من حديث عمران بن حصين، وقد سبق تخريجهما برقم (902) . ثم وجدت للفقرة الثانية شاهدا من حديث أحمد بن يحيى الحلواني: حدثنا محرز بن عون حدثنا حسان بن إبراهيم عن عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: " إن دين الله الحنيفية السمحة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 45 / 2 / 783 - بترقيمي) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 203) والقضاعي في " مسند الشهاب " (2 / 104 / 977) من طريقين عن الحلواني به. وقال أبو نعيم: " غريب تفرد به حسان بن إبراهيم، لم نكتبه إلا من حديث محرز ".

2925

قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، وكذا من فوقه، على ضعف في حسان من قبل حفظه، والحلواني من شيوخ الطبراني الثقات له ترجمة في " تاريخ بغداد "، فالإسناد حسن. 2925 - " كان ينام وهو ساجد، فما يعرف نومه إلا بنفخه، ثم يقوم فيمضي في صلاته ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 133) ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " (1 / 338) : حدثنا إسحاق بن منصور عن منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: فذكره مرفوعا. ورواه الطبراني في " الكبير " (9995) من طريق آخر عن ابن أبي الأسود. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير منصور بن أبي الأسود، وهو ثقة على تشيع فيه. وقد أرسله بعضهم، فقال ابن أبي شيبة: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم: أن النبي صلى الله عليه وسلم نام في المسجد حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ، كان النبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه. ثم قال ابن أبي شيبة ، وأحمد أيضا (6 / 135) : حدثنا وكيع عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: " كان النبي صلى الله عليه وسلم ينام حتى ينفخ، ثم يقوم فيصلي ولا يتوضأ ". وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

2926

وللحديث شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا نحوه. أخرجه أبو داود وغيره بإسناد ضعيف، وفيه زيادة منكرة بلفظ: " إنما الوضوء على من نام مضطجعا.. ". ولذلك خرجته في " ضعيف أبي داود " (25) وهو في " الصحيحين " بغير هذه الزيادة نحوه، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1224 - 1229) . وأما زيادة مرسل إبراهيم: " كان تنام عيناه ولا ينام قلبه ". فهي صحيحة جاءت موصولة في " الصحيحين " وغيرهما، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1212) ، ومن حديث أبي هريرة وغيره. انظر " صحيح الجامع الصغير " (2997) . قلت: وهذه الزيادة صريحة في أن النوم لا ينقض وضوءه صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك من خصوصياته. وقد اختلف العلماء في نوم الجالس المتمكن في جلوسه، والراجح أنه ناقض كما بينته في " تمام المنة " ، فليراجعه من شاء. 2926 - " حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، فإنه كانت فيهم الأعاجيب ". ثم أنشأ يحدث قال: " خرجت طائفة من بني إسرائيل حتى أتوا مقبرة لهم من مقابرهم، فقالوا: لو صلينا ركعتين، ودعونا الله عز وجل أن يخرج لنا رجلا ممن قد مات نسأله عن الموت، قال: ففعلوا.

فبينما هم كذلك إذ أطلع رجل رأسه من قبر من تلك المقابر ، خلاسي، بين عينيه أثر السجود، فقال: يا هؤلاء ما أردتم إلي؟ فقد مت منذ مائة سنة، فما سكنت عني حرارة الموت حتى كان الآن فادعوا الله عز وجل لي يعيدني كما كنت ". أخرجه أحمد في " الزهد " (16 - 17) وابن أبي شيبة في " المصنف " (9 / 62) دون القصة، وكذا البزار في " مسنده " (1 / 108 / 192 - كشف الأستار) عن الربيع ابن سعد الجعفي سمعه من عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:.. فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات على خلاف في سماع ابن سابط من جابر، فقد سئل ابن معين: سمع عبد الرحمن بن سابط من جابر؟ فقال: لا. لكن أثبت سماعه منه ابن أبي حاتم، فقال في " الجرح والتعديل " (2 / 2 / 240) : " روى عن عمر، مرسل، وعن جابر، متصل ". وهذا خلاف ما حكاه في " المراسيل " (ص 84) ، وهذا أرجح لما يأتي. والحديث أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (ق 152 / 1) بتمامه، وكذا وكيع في " الزهد " (1 / 280 / 56) وابن أبي داود في " البعث " (30 / 5) وفيه تصريح ابن سابط بالتحديث، فصح الحديث واتصل الإسناد والحمد لله. وللجملة الأولى منه شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا. أخرجه أبو داود (2 / 126) والطحاوي في " مشكل الآثار " (1 / 40 - 41) وابن حبان (109 - موارد) وزاد :

2927

" وحدثوا عني، ولا تكذبوا علي ". وإسناده جيد. وله شاهد آخر من حديث ابن عمرو، رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في " الروض النضير " (582) . ( تنبيه) : لقد أعل الحديث المعلق على " البعث "، والمعلق على " زهد وكيع " بقول الذهبي في راويه الربيع بن سعد الجعفي: " لا يكاد يعرف ". كذا قال، وخفي عليه قول أبي حاتم فيه: " لا بأس به ". ووثقه غيره كما ذكرت في " تيسير الانتفاع "، وقد روى عنه خمسة من الثقات، فمثله يحتج به، وتطمئن النفس لحديثه، وبخاصة أنه من أتباع التابعين. قوله: (خلاسي) : أي أسمر اللون، يقال ولد خلاسي، ولد بين أبوين أبيض وأسود. 2927 - " لا، إنه كان يعطي للدنيا وذكرها وحمدها، ولم يقل يوما قط: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". أخرجه أبو يعلى في " مسنده " (6965) والطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 279 / 606 و 391 / 932) من طرق عن منصور عن مجاهد عن أم سلمة قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: هشام بن المغيرة كان يصل الرحم ويقري الضيف ويفك العناة ويطعم الطعام، ولو أدرك أسلم، هل ذلك نافعه؟ قال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين. وقال الهيثمي في " المجمع " (1 / 118 ) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح ". قلت : له طريق أخرى، يرويه عمرو بن ثابت عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة: أن الحارث بن هشام أتى النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فقال: يا رسول الله! إنك تحث على صلة الرحم، والإحسان إلى الجار، وإيواء اليتيم وإطعام الضيف وإطعام المساكين، وكل هذا كان هشام بن المغيرة يفعله، فما ظنك به يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل قبر لا يشهد صاحبه أن لا إله إلا الله فهو جذوة من النار ، وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار، فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه إلي، فجعله في ضحضاح من النار ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (23 / 405 / 972) وفي " المعجم الأوسط " (2 / 165 / 2 / 7523) وقال: لا يروى عن أم سلمة إلا بهذا الإسناد ". قلت: الظاهر أنه يعني بهذا التمام، وإلا فالطريق التي قبلها بغير هذا الإسناد كما رأيت. ثم إن الهيثمي أعله بقوله: " وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو منكر الحديث لا يحتجون بحديثه، وقد وثق ".

قلت: هو إلى التوثيق أقرب، والحق أنه وسط حسن الحديث، فقد كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق في حديثه لين ، ويقال: تغير بأخرة ". قلت: فالأولى إعلاله بالراوي عنه: عمرو بن ثابت، فإنه ضعيف باتفاقهم، وإن كان أبو داود قال فيه: " أحاديثه مستقيمة ". والحديث له شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها، وله طرق: الأولى: عن مسروق عنها قالت: قلت: يا رسول الله! ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: " لا ينفعه، إنه لم يقل يوما: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين ". أخرجه مسلم (1 / 136) وأبو عوانة (1 / 99 - 100) وأحمد (6 / 63) . الثانية: عن عبيد بن عمير عنها به أتم منه. أخرجه أبو عوانة، وابن حبان في " صحيحه " (رقم 330 - الإحسان / الرسالة) وأحمد (6 / 120) وأبو يعلى (4672) وأبو نعيم في " الحلية " (3 / 278) وقال أحمد والأول في رواية له: " عبد الله بن جدعان ". الثالثة: عن أبي سلمة عنها. أخرجه الحاكم (2 / 405) وسماه " عبد الله بن جدعان "، وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي.

2928

2928 - " من استطاع منكم أن لا يموت إلا بالمدينة فليمت بها، فإنه من يمت بها يشفع له ، أو يشهد له ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (1032 - موارد) والطبراني في " المعجم الكبير " (24 / 331 / 824) والبيهقي في " الشعب " (2 / 1 / 83 / 1) من طريق يونس عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن الصميتة - امرأة من بني ليث - سمعها تحدث صفية بنت أبي عبيد أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وفي إسناده اختلاف يسير لا يضر إن شاء الله تعالى، ذكره البيهقي والحافظ في " الإصابة / ترجمة الصميتة ". ومن ذلك ما رواه الطبراني (24 / 294 / 747) والبيهقي من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن أسامة بن زيد عن عبد الله بن عكرمة عن عبد الله بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب عن أبيه عن سبيعة الأسلمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. إلا أنه قال: " إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ". وقال البيهقي: " هذا خطأ، إنما هو عن صميتة ". وأقره المنذري في " الترغيب " (2 / 143) . وفي رواية للطبراني (825) من طريق ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر (!) عن امرأة يتيمة كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره نحو لفظ رواية أسامة.

كذا وقع فيه (ابن عمر) ، وفي " تحفة الأشراف " للحافظ المزي (11 / 346) من هذه الطريق: (ابن عتبة) ، ولعله أصح. ثم إنه لا منافاة بين هذه الرواية والرواية الأولى، لأنه وقع عند النسائي في " الكبرى / الحج " من طريق القاسم بن مبرور عن يونس بسنده المتقدم قال: " أن الصميتة - امرأة من بني ليث بن بكر كانت في حجر النبي صلى الله عليه وسلم.. ". فقد بينت هذه الرواية أن اليتيمة هي الصميتة نفسها. والله أعلم. وقد حسن المنذري إسناد الطبراني عن اليتيمة ، وهي صحيحة بما قبلها. ويزيده قوة أن له شاهدا من حديث ابن عمرو مرفوعا بلفظ: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل، فإني أشفع لمن مات بها ". أخرجه أحمد (2 / 74) وغيره، وسنده صحيح على شرط الشيخين، وقد صححه الترمذي وابن حبان. (تنبيه) : أورد البيهقي هنا في " الشعب " (2 / 1 / 82 / 2) بإسناده عن أبي يزيد الرقاشي عن محمد بن روح بن يزيد البصري: حدثني أيوب الهلالي قال: " حج أعرابي، فلما جاء إلى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها، ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! جئتك مثقلا بالذنوب والخطايا، أستشفع بك على ربك لأنه قال في محكم كتابه: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما) *.. ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول: يا خير من دفنت في الترب أعظمه ... فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه ... فيه العفاف وفيه الجود والكرم

قلت: وهذا إسناد ضعيف مظلم، لم أعرف أيوب الهلالي ولا من دونه. وأبو يزيد الرقاشي، أورده الذهبي في " المقتنى في سرد الكنى " (2 / 155) ولم يسمه، وأشار إلى أنه لا يعرف بقوله: " حكى شيئا ". وأرى أنه يشير إلى هذه الحكاية. وهي منكرة ظاهرة النكارة، وحسبك أنها تعود إلى أعرابي مجهول الهوية! وقد ذكرها - مع الأسف - الحافظ ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم..) * وتلقفها منه كثير من أهل الأهواء والمبتدعة، مثل الشيخ الصابوني، فذكرها برمتها في " مختصره "! (1 / 410) وفيها زيادة في آخرها: " ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ، فقال: يا عتبي! الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له ". وهي في " ابن كثير " غير معزوة لأحد من المعروفين من أهل الحديث، بل علقها على " العتبي "، وهو غير معروف إلا في هذه الحكاية، ويمكن أن يكون هو أيوب الهلالي في إسناد البيهقي. وهي حكاية مستنكرة، بل باطلة، لمخالفتها الكتاب والسنة، ولذلك يلهج بها المبتدعة، لأنها تجيز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وطلب الشفاعة منه بعد وفاته، وهذا من أبطل الباطل، كما هو معلوم، وقد تولى بيان ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه وبخاصة في " التوسل والوسيلة "، وقد تعرض لحكاية العتبي هذه بالإنكار، فليراجعه من شاء المزيد من المعرفة والعلم.

2929

2929 - " لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا إلى بصرى، لم يمنع أبا بكر الضن برسول الله صلى الله عليه وسلم شحه على نصيبه من الشخوص للتجارة، وذلك كان لإعجابهم كسب التجارة، وحبهم للتجارة، ولم يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر من الشخوص في تجارته لحبه صحبته وضنه بأبي بكر، - فقد كان بصحبته معجبا - لاستحسان (وفي رواية: لاستحباب) رسول الله صلى الله عليه وسلم للتجارة وإعجابه بها ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 300 / 674) : حدثنا الحسين بن إسحاق: حدثنا أبو المعافى الحراني حدثنا محمد بن سلمة عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن الزهري عن عبد الله أخي أم سلمة قال: سمعت أم سلمة تقول فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير الحسين ابن إسحاق، وهو التستري، قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " ( 14 / 57) : " كان من الحفاظ الرحلة، أكثر عنه أبو القاسم الطبراني ". قلت: له حديث واحد في " المعجم الصغير "، وخمسة أحاديث في " المعجم الأوسط " (1 / 198 / 1 - 2 / 2617 - 2621) . وللحديث إسناد آخر، فقال الطبراني في " الأوسط " (2 / 95 / 2 / 6524) : حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبي عن موسى بن أعين عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن عبد الله بن زمعة قال: سمعت أم سلمة تقول: فذكره ، وقال:

2930

" لم يروه عن الزهري إلا إسحاق بن راشد، تفرد به موسى بن أعين ". قلت: هو ثقة من رجال الشيخين. وكذا شيخه إسحاق ثقة من رجال البخاري، لكن قال الحافظ في " التقريب ": " في حديثه عن الزهري بعض الوهم ". قلت: فيخشى أن يكون وهم في قوله: " عبد الله بن زمعة " مكان: " عبد الله أخي أم سلمة "، وكلاهما صحابي، فهو وهم غير ضار إن شاء الله تبارك وتعالى. ولعله من أجله فاوت الهيثمي بين إسنادي الطبراني، فوثق رجال الأول دون الثاني فقال (3 / 63 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه، ورجال " الكبير " ثقات ". 2930 - " مروها فلتركب ولتختمر [ولتحج] ، [ولتهد هديا] ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 74) والطبراني في " المعجم الكبير " (17 / 320 / 886) والزيادة له من طرق عن عبد العزيز بن مسلم قال: حدثنا يزيد بن أبي منصور عن دخين الحجري عن عقبة بن عامر الجهني قال: نذرت أختي أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة، فأتى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " ما بال هذه؟ ". قالوا: نذرت أن تمشي إلى الكعبة حافية حاسرة! فقال : فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات كما تقدم بيانه تحت حديث آخر برقم (492) . وتابعه الحسن عن عقبة أنه قال: يا رسول الله! إن أختي نذرت أن تحج

ماشية وتنشر شعرها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله لغني عن نذر أختك، مروها فلتركب ولتهد هديا، وأحسبه قال: وتغطي شعرها ". أخرجه الروياني في " مسنده " (19 / 6 / 1 - 2) ورجاله ثقات. وتابعه ابن عباس رضي الله عنهما عن عقبة بن عامر به نحوه، وقال: " ولتهد هديا " مكان الزيادة. أخرجه الطحاوي (2 / 75) بإسناد صحيح، وقد رواه غيره بنحوه، وصححه الحافظ ، وهو مخرج في " الإرواء " (8 / 219) . وتابعه أبو عبد الرحمن الحبلي عن عقبة بن عامر به، إلا أنه قال: " ولتصم ثلاثة أيام " مكان الزيادة. أخرجه الطحاوي أيضا، وفي " مشكل الآثار " (3 / 38) والروياني في " مسنده " (19 / 5 / 1) من طريق حيي (الأصل: يحيى) بن عبد الله المعافري عنه. قلت: وإسناده بما قبله جيد. وتابعه عبد الله بن مالك عن عقبة مثل الذي قبله. وفي سنده ضعف بينته في المصدر المذكور آنفا مع تخريجه، وقد حسنه الترمذي. وأخرجه أيضا عبد الرزاق في " المصنف " (8 / 450 / 15871) وأبو يعلى في " مسنده " (3 / 291 / 1753) والروياني في " مسنده " (19 / 55 / 1 - 2) والطبراني في " الكبير " (17 / 323 / 893 و 894) . ورواه الشيخان، وغيرهما من طريق أخرى: عن أبي الخير عن عقبة به مختصرا جدا بلفظ:

2931

" لتمش ولتركب ". وهو مخرج هناك أيضا، ليس فيه الاختمار ولا الصيام الذي في رواية أبي يعلى هذه، ولذلك فقد وهم المعلق عليه وهما فاحشا في تخريجها، إذ لم ينبه على هذا الذي ذكرته من الاختصار، فأوهم القراء أن الحديث بتمامه عند الشيخين حين عزاه إليهما! وفي الحديث فوائد هامة منها: أن نذر المعصية لا يجوز الوفاء به. وفيه أحاديث كثيرة صحيحة معروفة. ومنها: أن إحرام المرأة في وجهها، فلا يجوز لها أن تضرب بخمارها عليه، وإنما على الرأس والصدر، فهو كحديث: " لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين ". أخرجه الشيخان. ومنها: أن (الخمار ) إذا أطلق، فهو غطاء الرأس وأنه لا يدخل في مسماه تغطية الوجه، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة وآثار السلف كما كنت بينته في كتابي " جلباب المرأة المسلمة "، وقد طبع مرات، وزدت ذلك بيانا في ردي على بعض العلماء النجديين الذين ادعوا أن الخمار غطاء الوجه أيضا في مقدمتي الضافية للطبعة الجديدة من كتابي المذكور، نشر المكتبة الإسلامية / عمان. 2931 - " إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها [فرارا منه] . وفي رواية:

" إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم، [أو طائفة من بني إسرائيل] ، ثم بقي بعد بالأرض، فيذهب المرة، ويأتي الأخرى، فمن سمع به في أرض فلا يقدمن عليه، ومن وقع بأرض وهو بها فلا يخرجنه الفرار منه ". حديث صحيح غاية، جاء من حديث أسامة بن زيد وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف، وغيرهم. 1 - أما حديث أسامة، فله عنه طرق: الأولى: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عنه بالرواية الثانية. أخرجه البخاري (6974) ومسلم (7 / 26 - 30) وسياقها مع الزيادة له، ومالك أيضا (3 / 91) وعنه الشيخان، وكذا أبو عمرو الداني في " الفتن " (ق 43 / 1) والنسائي في " السنن الكبرى " (4 / 362 / 7524) وعبد الرزاق في " المصنف " (11 / 146 / 20158) وعنه أحمد (5 / 207) والحميدي في " مسنده " (249 / 544) وأحمد أيضا (5 / 200 - 201 و 202 و 208) وكذا الداني (ق 42 / 2) والطبراني في " المعجم الكبير " (1 / 92 - 94 و 124) من طرق عنه. وزاد الحميدي: " قال عمرو بن دينار: فلعله لقوم عذاب أو رجز، ولقوم شهادة. قال سفيان: فأعجبني قول عمرو هذا ". الثانية: عن إبراهيم بن سعد قال: سمعت أسامة بن زيد به. أخرجه البخاري ( 5728) - والسياق له بالرواية الأولى - ومسلم (7 / 28) وأحمد (1 / 178 و5 / 206 و 209 و 210) والداني (42 / 1 - 2) من طرق عنه.

وزاد حبيب بن أبي ثابت سماعا من إبراهيم عن سعد بن مالك، وخزيمة بن ثابت، وأسامة بن زيد، قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه. أخرجه مسلم، والنسائي (7523) وأحمد (1 / 182) . 2 - وأما حديث سعد بن أبي وقاص، فتقدم آنفا في رواية حبيب من طريق إبراهيم ابن سعد عنه. وأخرجه أحمد أيضا (1 / 173 و175 و 180 و 186) والطبراني (1 / 109 / 330) من طرق أخرى عن سعد وحده. 3 - وأما حديث عبد الرحمن بن عوف، فيرويه عنه عبد الله بن عباس وغيره: أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بـ (سرغ) لقيه أمراء الأجناد: أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه: أن الوباء قد وقع بأرض الشام. قال ابن عباس: فقال عمر بن الخطاب: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعاهم، فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشام، فاختلفوا، فقال بعضهم: قد خرجت لأمر، ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء. فقال عمر: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي الأنصار. فدعوهم، فاستشارهم، فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح. فلم يختلف عليه منهم رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر، فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟! فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نعم، نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل فهبطت واديا له عدوتان، إحداهما

2932

مخصبة، والأخرى جدبة، أليس إن رعيت المخصبة رعيتها بقدر الله، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ فجاء عبد الرحمن بن عوف - وكان غائبا في بعض حاجته - فقال: إن عندي من هذا علما، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره بالرواية الأولى. أخرجه مالك في " الموطأ " ( 3 / 89 - 91) وعنه وعن غيره البخاري مطولا ومختصرا (2729 و 2730 و 6973) ومسلم (7 / 29 - 30) والنسائي (7521 - 7523) وعبد الرزاق (20159) وأحمد (1 / 193 - 194) وأبو يعلى (837 و 848) وأبو عمرو الداني (ق 42 / 2 - 43 / 1) والطبراني (1 / 90 - 94) من طرق عنه، والسياق لمالك. وقد قال ابن عبد البر في " التمهيد " (10 / 65) مشيرا إلى هذه الأحاديث والطرق: " والحديث ثابت متصل، صحيح من وجوه من حديث مالك وغيره ". (فائدة) : قول عمرو بن دينار المتقدم في الطاعون: " ... ولقوم شهادة "، إنما يعني به المؤمنين الصابرين عليه، وقد جاءت فيه أحاديث صحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: " الطاعون شهادة لكل مسلم ". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 52 / 1) وفي الباب أحاديث أخرى، فراجعها إن شئت هناك (ص 52 - 55) و " الصحيحة " (1928) و " الإرواء " (1637) . 2932 - " عمل هذا قليلا، وأجر كثيرا ". أخرجه البخاري (2808) ، وأحمد (4 / 291 و 293) من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء رضي الله عنه يقول:

أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل [من الأنصار] مقنع بالحديد، فقال: يا رسول الله! أقاتل أو أسلم؟ قال : " [لا، بل] أسلم ثم قاتل "، فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. والسياق للبخاري، وليس عنده: " هذا "، وهي لأحمد مع الزيادتين الأخريين، والأولى منهما عند مسلم (6 / 43 - 44) من طريق زكريا عن أبي إسحاق بلفظ: " جاء رجل من بني النبيت - قبيل من الأنصار - فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك عبده ورسوله، ثم تقدم، فقاتل حتى قتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره إلا أنه قال: " يسيرا " مكان " قليلا ". وأخرجه الطيالسي في " مسنده " (724) ومن طريقه الروياني في " مسنده " (21 / 2 / 1 - 2) : حدثنا أبو وكيع [الجراح بن مليح] عن أبي إسحاق بلفظ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقاتل العدو، فجاء رجل مقنع في الحديد، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام، فأسلم. فقال: أي عمل أفضل كي أعمله؟ فقال: " تقاتل قوما جئت من عندهم ". فقاتل حتى قتل، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. ثم أخرجه الروياني (20 / 13 / 1 - 2) وكذا سعيد بن منصور في " السنن " (3 / 2 / 230) من طريق حديج بن معاوية: حدثنا أبو إسحاق عن البراء بن عازب نحوه، إلا أنه زاد: " قال: وإن لم أصل لله صلاة؟ قال: نعم. قال: فحمل فقاتل فقتل.. ". قلت: وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، ومدار الطرق الأربعة - كما ترى - عليه. وقد كان اختلط، وإسرائيل - وهو ابن يونس بن أبي إسحاق

2933

السبيعي -، وزكريا - وهو ابن أبي زائدة -، كلاهما سمعا منه في اختلاطه، والآخران: الجراح بن مليح ، وحديج بن معاوية في حكم الأولين، وذلك لأنهما لا يعلم أسمعا منه قبل الاختلاط أو بعده، مع ضعف فيهما. فلعل الشيخين ثبت لديهما من طرق أخرى أنه حدث به قبل الاختلاط، أو أنهما كانا لا يريان أنه اختلط اختلاطا شديدا يضعف به حديثه. والله أعلم. 2933 - " * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) * ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 29 / 1 - 2) ، و " الصغير " (ص 12 - هندية) : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي أبو عبد الله: حدثنا عبد الله بن عمران العابدي: حدثنا فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنك لأحب إلي من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك؟ فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئا حتى نزل جبريل عليه السلام بهذه الآية. فذكرها. وقال: " لم يروه عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة إلا فضيل، تفرد به عبد الله ابن عمران ".

قلت: وهو صدوق كما قال أبو حاتم، وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 363) وقال: " يخطىء ويخالف ". قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وإلى هذا يشير الحافظ المقدسي بقوله عقبه في " صفة الجنة " - وقد رواه من طريق الطبراني -: " لا أرى بإسناده بأسا ". كما في " تفسير ابن كثير " (1 / 523) . وفيه أنه رواه ابن مردويه من طريق أخرى عن عبد الله بن عمران به. وقال الهيثمي في " المجمع " (7 / 7) : " رواه الطبراني في " الصغير " و " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) غير عبد الله بن عمران العابدي، وهو ثقة ". قلت: ويقويه أن له شواهد مرسلة في " تفسير ابن جرير " (5 / 104) عن جماعة منهم قتادة، وإسناده صحيح. وآخر من رواية عطاء بن السائب عن الشعبي عن ابن عباس أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: فذكره. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (12 / 86 / 12559) من طريق ثابت بن عباس أبي بكر الأحدب: حدثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب.. وعطاء كان اختلط، وبه أعله الهيثمي. لكن ثابت بن عباس هذا لم أجد له ترجمة فيما عندي من المصادر، ولا ذكره أصحاب " الكنى ".

2934

2934 - " أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، أنذركم الدجال، فإنه لم يكن نبي إلا وقد أنذره أمته، وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه جعد آدم، ممسوح العين اليسرى، وإن معه جنة ونارا، فناره جنة وجنته نار، وإن معه نهر ماء وجبل خبز، وإنه يسلط على نفس فيقتلها ثم يحييها، لا يسلط على غيرها، وإنه يمطر السماء ولا تنبت الأرض، وإنه يلبث في الأرض أربعين صباحا حتى يبلغ منها كل منهل، وإنه لا يقرب أربعة مساجد: مسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد المقدس والطور، وما شبه عليكم من الأشياء، فإن الله ليس بأعور (مرتين) ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (15 / 147 - 148) من طريق زائدة عن منصور، وأحمد (5 / 435) وفي " السنة " (رقم 1016) من طريق سفيان عن الأعمش ومنصور، كلاهما عن مجاهد قال: حدثنا جنادة بن أبي أمية الدوسي قال: دخلت أنا وصاحب لي على رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تحدثنا عن غيره وإن كان عندك مصدقا. قال: نعم، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: فذكره. والسياق لابن أبي شيبة. وقال أحمد: " الأزدي " مكان " الدوسي ". وتابعه شعبة عن سليمان وحده، وهو الأعمش. أخرجه أحمد أيضا (5 / 434) وفي " السنة " (1232) ، وتابعه ابن عون عن مجاهد به نحوه.

2935

أخرجه أحمد أيضا. قلت : وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات مشهورون من رجال " التهذيب "، وجنادة بن أبي أمية الأزدي الدوسي تابعي كبير ثقة، وثقه ابن حبان (4 / 103) وغيره، وروى عنه جمع منهم مجاهد كما في هذا الحديث، وكما ذكر ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 28) وقد قيل بصحبته، فلا أدري لماذا لم يصححه الحافظ، فقال في " الفتح " (13 / 105) : " أخرجه أحمد، ورجاله ثقات ". ونحوه قول شيخه الهيثمي في " المجمع " (7 / 343) : " رواه أحمد، ورجاله رجال (الصحيح) " . وهذا أقرب، وإن كان لا يفيد الصحة! انظر الاستدراك رقم (3) . 2935 - " إن امرأة كانت فيه (يعني بيتا في المدينة) ، فخرجت في سرية من المسلمين، وتركت ثنتي عشرة عنزا لها وصيصتها، كانت تنسج بها، قال: ففقدت عنزا من غنمها وصيصتها، فقالت: يا رب! إنك قد ضمنت لمن خرج في سبيلك أن تحفظ عليه، وإني قد فقدت عنزا من غنمي وصيصتي، وإني أنشدك عنزي وصيصتي، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شدة مناشدتها لربها تبارك وتعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأصبحت عنزها ومثلها، وصيصتها ومثلها، وهاتيك فائتها فاسألها إن شئت ". أخرجه أحمد في " مسنده " (5 / 67) قال: حدثنا عبد الصمد بن

2936

عبد الوارث أخبرنا سليمان (يعني ابن المغيرة) عن حميد (يعني ابن هلال) قال: كان رجل من الطفاوة طريقه علينا، فأتى على الحي فحدثهم قال: قدمت المدينة في عير لنا ، فبعنا بضاعتنا (الأصل: بياعتنا) (¬1) ثم قلت: لأنطلقن إلى هذا الرجل، فلآتين من بعدي بخبره، قال: فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يريني بيتا. قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الرجل الطفاوي، فإنه لم يسم، ولا يضر لأنه صحابي، والصحابة كلهم عدول. وقال الهيثمي (5 / 277) : " رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح " . قوله: (صيصتها) هي الصنارة التي يغزل بها وينسج كما في " النهاية ". 2936 - " [يا أبا هريرة] خذهن (يعني تمرات دعا فيهن صلى الله عليه وسلم بالبركة) فاجمعهن في مزودك هذا، أو في هذا المزود، كلما أردت أن تأخذ منه شيئا، فأدخل يدك فيه فخذه ولا تنثره نثرا ". أخرجه الترمذي (3838) وابن حبان (2150) والبيهقي في " الدلائل " (6 / 109) وأحمد (2 / 352) من طرق عن حماد بن زيد: حدثنا المهاجر عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بتمرات فقلت: يا رسول الله! ادع الله فيهن بالبركة، فضمهن (وفي رواية: فصفهن بين يديه) ، ثم دعا لي فيهن بالبركة، فقال لي: (فذكر الحديث) ، فقد حملت من هذا التمر كذا وكذا من وسق (وفي طريق: خمسين وسقا) في سبيل الله، وكنا نأكل منه ونطعم، وكان لا يفارق حقوي ¬

(¬1) والتصحيح من " المجمع "، والمعنى قريب. اهـ.

حتى كان يوم قتل عثمان، فإنه انقطع [ عن حقوي فسقط] . وقال الترمذي - والسياق له -: " حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: وسقط التحسين من بعض نسخ " الترمذي "، فحملني ذلك لما علقت على " المشكاة " (5933) على تفسير قوله: " غريب " بالتضعيف. ولم يتنبه لذلك بعض من انتقدني من المعاصرين النجديين - وقد بلغني وفاته رحمه الله - فقال: " لم يضعفه الترمذي بل قال: حسن غريب من هذا الوجه ". والآن وقد تيسر لي تخريج الحديث تخريجا علميا، فقد ترجح عندي أمران: الأول: أن تحسين الترمذي ثابت عنه لأنه نقله حافظان جليلان: ابن كثير في " تاريخه " (6 / 117 ) والحافظ ابن حجر في " فتحه " (11 / 281) . والآخر: أن الحديث صحيح بمجموع طرقه، وهي ثلاث: الأولى: هذه المتقدمة عن أبي العالية عن أبي هريرة ، وقلت: إن السياق للترمذي، والرواية الأولى والزيادة الأخيرة لأحمد. والسند رجاله ثقات رجال الشيخين غير المهاجر، وهو ابن مخلد أبو مخلد، قال الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". أي عند المتابعة، وقد توبع كما يأتي. الثانية: عن سهل بن زياد أبي زياد: حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة به نحوه، ولفظه أتم، وفيه الزيادة الأولى.

أخرجه البيهقي. وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون غير سهل بن زياد، أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " ما ضعفوه، وله ترجمة في (تاريخ الإسلام) ". قلت: وقد وثقه ابن حبان (8 / 291) ، وروى عنه جمع من الثقات كما بينته في " تيسير انتفاع الخلان "، فهو صدوق يحتج به، ولعله لذلك سكت الحافظان ابن كثير وابن حجر عن إسناده، فلا يلتفت إذن إلى ما ذكر في " اللسان " أن الأزدي قال فيه: " منكر الحديث ". ومن الغريب أن الشيخ النجدي المشار إليه آنفا مع تصريحه بأن إسناده صحيح، وترجمته للرواة الذين دون سهل بن زياد إلى شيخ البيهقي، فإنه لم يتعرض لترجمته البتة، مع أنه أولى بها من الآخرين الذين ترجم لهم، لما ذكرته آنفا في ترجمة سهل، وأنه لم يوثقه غير ابن حبان، والغالب أن من تفرد هو بتوثيقه يكون مجهولا، لكني قد بينت أنه خرج عن الجهالة برواية أولئك الثقات عنه. فلهذا كان أولى بترجمته وبيان حاله من الرواة الذين ترجم لهم! ثم وقفت على توثيق البزار وغيره إياه، وألحقت ذلك بـ " التيسير " فالسند صحيح. الثالثة: عن سهل بن أسلم العدوي عن يزيد (الأصل: زيد) بن أبي منصور عن أبيه عن أبي هريرة نحوه. قلت: أخرجه أبو نعيم في " الدلائل " (ص 372) والبيهقي من طريقين عن سهل ابن أسلم، وهو ثقة كما قال أبو داود الطيالسي، ومثله يزيد بن أبي منصور.

2937

وأما أبوه: أبو منصور، وهو الأزدي، فلم أجد له ترجمة إلا في " المقتنى في سرد الكنى " للذهبي، فإنه قال: " أبو يزيد الأزدي عن أبي هريرة، وعنه سلام بن مسكين ". فيحتمل أنه هو، ومع ذلك فلا أعرف حاله. 2937 - " لو تركها لدارت أو طحنت إلى يوم القيامة ". أخرجه الطبراني في " الأوسط " (2 / 41 / 2) والبيهقي في " الدلائل " (6 / 105) من طريق أحمد بن عبد الله بن يونس: حدثنا أبو بكر بن عياش عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: أصاب رجلا حاجة فخرج إلى البرية ، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما نعتجن وما نختبز، فجاء الرجل والجفنة ملأى عجينا، وفي التنور حبوب الشواء، والرحى تطحن، فقال: من أين هذا؟ قالت: من رزق الله، فكنس ما حول الرحى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره ، والسياق للطبراني، وقال: " لم يروه عن محمد بن سيرين إلا هشام، ولا عنه إلا أبو بكر، تفرد به أحمد ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه، سوى أبي بكر بن عياش، فمن رجال البخاري، وفيه كلام يسير لا يسقط حديثه عن مرتبة الحسن، ولاسيما وله طريق أخرى كما يأتي. ومن هذا الوجه أخرجه البزار في " مسنده " (4 / 267 / 3687) وقال: " لا نعلم رواه عن هشام إلا أبو بكر بن عياش ".

2938

قلت: وهذا أدق تعبيرا من قول الطبراني المتقدم لأنه لا يرد عليه ما يرد على قول الطبراني: أنه تفرد به أحمد بن يونس، فقال الإمام أحمد في " المسند " (2 / 513) : حدثنا ابن عامر: أنبأنا أبو بكر عن هشام به نحوه. وابن عامر هو (أسود بن عامر) كما في أحاديث قبله، وهو ثقة من رجال الشيخين أيضا. وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 257) بعد أن ساقه برواية أحمد: " رواه أحمد والبزار والطبراني في " الأوسط " بنحوه، ورجالهم رجال الصحيح غير شيخ البزار، وشيخ الطبراني، وهما ثقتان ". وللحديث طريق ثان يرويه أبو صالح عبد الله بن صالح: حدثنا الليث بن سعد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أن رجلا من الأنصار كان ذا حاجة.. الحديث نحوه أتم منه. أخرجه البيهقي. وأبو صالح فيه ضعف. وله طريق ثالث عن شهر بن حوشب قال: قال أبو هريرة: بينما رجل وامرأته في السلف الخالي لا يقدران على شيء، فجاء الرجل من سفره فدخل على امرأته جائعا قد أصابته مسغبة شديدة، فقال لامرأته: أعندك؟ قالت: نعم.. الحديث نحوه. أخرجه أحمد (2 / 421) وشهر بن حوشب ضعيف، وفي حديثه زيادات منكرة، والله أعلم. 2938 - " لا يحل لأحد يحمل فيها السلاح لقتال. يعني المدينة ". أخرجه أحمد في " المسند " (3 / 347) : حدثنا موسى: حدثنا ابن لهيعة عن

أبي الزبير أن جابرا أخبره أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وزاد في آخره: " فقال قتيبة: يعني المدينة ". قلت: وقد توبع على هذه الزيادة، فقال أحمد (3 / 393) : حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة أنبأنا أبو الزبير قال: وأخبرني جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل المدينة كالكير، وحرم إبراهيم مكة، وأنا أحرم المدينة، وهي كمكة، حرام ما بين حرتيها وحماها كلها، لا يقطع منها شجرة، إلا أن يعلف رجل منها، ولا يقربها إن شاء الله الطاعون، ولا الدجال، والملائكة يحرسونها على أنقابها وأبوابها ". قال: وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ولا يحل لأحد يحمل فيها سلاحا لقتال ". قلت: ورجال إسناده ثقات رجال مسلم غير ابن لهيعة، وهو ثقة، لكنه سيىء الحفظ، وقال الهيثمي في " المجمع " (3 / 304) : " رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه كلام ". قلت: ولحديث الترجمة متابع بسند صحيح عنه، وهو معقل بن عبيد الله الجزري عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا بلفظ: " لا يحل لأحد أن يحمل بمكة السلاح ". أخرجه مسلم (4 / 111) ومن طريقه البغوي في " شرح السنة " (7 / 302) وابن حبان (3706 - الإحسان) .

ومعقل هذا فيه كلام من قبل حفظه، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يخطىء ". فقد خالف ابن لهيعة في قوله: " عن أبي الزبير أخبره جابر "، وقوله: " المدينة " مكان " مكة ". ومن الصعب ترجيح أحد القولين على الآخر، ولعل الراجح الجمع بينهما، أما قول ابن لهيعة: " المدينة "، فلأن له شاهدين: أحدهما: من حديث أنس بن مالك بلفظ: " المدينة حرم من كذا إلى كذا، من أحدث فيها حدثا، أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، لا يحمل فيها سلاح لقتال ". أخرجه أحمد (3 / 242) ورجاله ثقات رجال مسلم غير مؤمل، وهو ابن إسماعيل، قال الهيثمي (3 / 302) : " وهو موثق، وفيه كلام ". والآخر: من حديث علي نحو حديث حسن عن ابن لهيعة، وفيه: ".. ولا يحمل فيها السلاح لقتال ". أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في " الإرواء " (4 / 250 - 251) وقواه الحافظ في " الفتح " (4 / 85) . وأما قول معقل، فيشهد له حديث ابن عباس مرفوعا: " إن الله عز وجل حرم مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي.. " الحديث. رواه البخاري وغيره، وهو مخرج هناك (4 / 248 - 249) ومثله حديث

2939

أبي هريرة عند الشيخين. ولكن من الظاهر أن هذه الشواهد إنما تنهى عن حمل السلاح في مكة لقتال، فعلى ضوئها يجب أن يفسر حديث جابر إن ثبت، فإنه مطلق فليتقيد بها، ولعل هذا هو المراد بقول البخاري في " الصحيح " (13 / العيدين 9 - باب ما يكره من حمل السلاح في العيد والحرم) ، وقال الحسن: " نهوا أن يحملوا السلاح يوم عيد إلا أن يخافوا عدوا ". وقد ساق الحافظ تحته في " الفتح " (2 / 455) حديث مسلم عن معقل.. ولكنه ذكره بالمعنى، فقال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحمل السلاح في مكة ". وحاصل ما تقدم من الروايات أن يحرم حمل السلاح في مكة والمدينة لقتال، ومفهومه أنه يجوز حمله لخوف عدو أو فتنة. والله أعلم. 2939 - " إن أحب الكلام إلى الله أن يقول العبد: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، وإن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك نفسك ". أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (488 / 849) وابن منده في " التوحيد " (ق 123 / 2 - الظاهرية) والبيهقي في " الشعب " (1 / 359 - هندية ) و " الدعوات الكبير " (102 / 136) من طريق محمد بن سعيد بن الأصبهاني قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن الأصبهاني وهو ثقة ثبت من شيوخ البخاري. وقد خالفه ابن أبي شيبة فرواه في " المصنف " (1 / 232) عن أبي معاوية وابن فضيل عن الأعمش به موقوفا. وتابعه محمد بن العلاء عن أبي معاوية وحده به. أخرجه النسائي (489 / 850) . وتابعه عنده (851 و 852) داود وأبو الأحوص عن الأعمش به موقوفا أيضا. وإن مما لا شك فيه أن الوقف أصح من حيث الرواية، لكنه من حيث المعنى في حكم المرفوع، لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر. ومن الغريب أن تخفى على الحافظ ابن حجر هذه المصادر، وبخاصة منها كتاب النسائي الذي رواه مرفوعا وموقوفا، فإنه عزاه في تخريج " الكشاف " (7 / 43) لابن أبي شيبة وحده موقوفا! ولطرفه الأخير طريق آخر، يرويه سفيان عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب عن عبد الله قال: " إن من أكبر الذنب أن يقول الرجل لأخيه: (اتق الله) ، فيقول: عليك نفسك، أنت تأمرني؟! ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 119 / 8587) . قلت: ورجاله ثقات إن كان سعيد ( الأصل: سعد) بن وهب هو الهمداني الخيواني الذي أخرج له مسلم، فقد فرقوا بين هذا وبين الهمداني الثوري، ولم

2940

يذكروا في هذا الثاني توثيقا، خلافا لابن حبان، فإنه لم يذكر في " ثقاته " (4 / 291) سوى الأول. وكلاهما روى عنه أبو إسحاق السبيعي. والله أعلم. على أن السبيعي مدلس، وقد عنعنه. وسفيان هو الثوري، وقد خالفه في إسناده شعبة، فقال: عن أبي إسحاق عن زيد ابن وهب عن عبد الله قال: " كفى بالمرء إثما إذا قيل له: (اتق الله) غضب "! أخرجه الطبراني (8588) . وقال الهيثمي في كل من الروايتين (7 / 271) : " ورجاله رجال الصحيح ". فأنت ترى أن شعبة قال: " زيد بن وهب "، مكان " سعيد بن وهب " ، فلا أدري الراجح منهما. (تنبيه) : تقدم هذا الحديث برقم (2598) من رواية ابن منده والأصبهاني في " الترغيب "، ووقع هنا بزيادة كبيرة في التخريج والتحقيق فاحتفظت به، والله ولي التوفيق. 2940 - " لا بأس بذلك. يعني المسح على الخفين ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (172 - موارد) من طريق فضيل بن سليمان: حدثنا موسى بن عقبة عن أبي حازم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل فقيل: يا رسول الله! أرأيت الرجل يحدث فيتوضأ ويمسح على خفيه، أيصلي؟ قال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الشيخين، لولا ضعف في الفضيل هذا من قبل حفظه، وقد أورده الحافظ في " مقدمة الفتح " (ص 435) ، وقال ما خلاصته: " كان صدوقا، وعنده مناكير، روى له الجماعة، وليس له في " البخاري " سوى أحاديث توبع عليها ". فأقول: ولحديثه شاهد يدل على أنه حديث محفوظ غير منكر، يرويه أبو سلمة عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين أنه لا بأس به. أخرجه النسائي (1 / 31) وأحمد (1 / 169 و 169 - 170) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (7 / 168) من طريق موسى بن عقبة عن أبي النضر عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ، وأخرجه البيهقي (1 / 269 - 270) ولكنه أدخل عبد الله بن عمر بين أبي سلمة وسعد، وزاد في متنه قصة ابن عمر مع أبيه وسعد، وهي عند البخاري (202) من طريق عمرو (وهو ابن الحارث) : حدثني أبو النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمر عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الخفين، وأن عبد الله بن عمر سأل عمر عن ذلك؟ فقال: نعم، إذا حدثك شيئا سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا تسأل عنه غيره. وقال موسى بن عقبة : أخبرني أبو النضر أن أبا سلمة أخبره أن سعدا.. فقال عمر لعبد الله.. نحوه. كذا علقه البخاري عن موسى ولم يسق لفظه، وكذلك فعل الحافظ في " شرحه " (1 / 305) ولم يوصله خلافا لعادته! ولما وصله وخرجه في " تغليق التعليق "

(2 / 132 - 133) وعزاه للنسائي لم يسق لفظه!! وكذلك فعل المعلق على " الإحسان " (4 / 163 - طبع المؤسسة) بحديث الترجمة، فإنه لم يزد فيه على تضعيفه لفضيل ابن سليمان وقوله: " وهو صحيح بشواهده "! ويعني غير حديث سعد مما صح عنه صلى الله عليه وسلم فعلا وقولا في المسح على الخفين! وكان عليه أن يخرجه وأن يتوسع في تخريجه كما هي عادته، ولكن الفهارس لم تساعده على ذلك!! واعلم أن الأحاديث في المسح على الخفين متواترة، كما صرح بذلك غير ما واحد من أئمة الحديث والسنة، والآثار بعمل الصحابة والسلف بها كثيرة جدا مشهورة، وما روي عن بعضهم من الإنكار، فذلك قبل أن تصل بذلك إليهم الأخبار، كما هو شأن كثير من المسائل الفقهية، ولذلك عادوا إلى القول والعمل بها لما وصلتهم، وذلك مطابق لقراءة الجر في قوله تعالى في آية الوضوء: * (وأرجلكم إلى الكعبين ) *. فبقاء بعض الفرق الإسلامية على إنكار هذه السنة كالرافضة والخوارج ومنهم الإباضية مما يؤكد أنهم من أهل الأهواء المتوعدين بقوله تعالى: * (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا) *. وإن تعجب فالعجب من الشيخ عبد الله بن حميد السالمي الإباضي أن يصر إصرار هؤلاء على المشاققة للرسول واتباع غير سبيل المؤمنين، ويتمسك في ذلك بالآثار الواهية رواية ودراية التي ذكرها إمامهم المزعوم الربيع بن حبيب في " المسند " المنسوب إليه! (1 / 35 - 36) ومدارها على شيخه أبي عبيدة المجهول عنده، وغير معروف عندهم في الرواية بالضبط والحفظ والإتقان! ثم يعرض في شرحه إياه (1 / 177 - 179) عن تلك الأحاديث الصحيحة المتواترة، والآثار الكثيرة الثابتة المشهورة، ويضعفها تعصبا لإباضيته بشطبة قلم، فيقول :

" وقد عرفت أن السنة لم تثبت في ذلك "!! وهو غير صادق فيما قال لوجهين: الأول: أنه جحد التواتر، فصدق في مثله قوله تعالى: * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) *. والآخر: قوله: " قد عرفت.. "، إذ لا يمكن معرفة صحة الدعوى إلا بتقديم الحجة والبرهان كما هو مستقر بداهة في الأذهان، وهو لم يفعل شيئا من ذلك مطلقا إلا مجرد الدعوى، وهذا شأن عالمهم الذي زعم بعض الكتاب أنه معتدل غير متعصب، وايم الحق إن من بلغ به التعصب من أهل الأهواء إلى رد أخبار التواتر التي عني بها أهل الحديث عناية لا قبل لأهل الأهواء بمثلها، لحري به أن يعجز عن إقامة البرهان على صحة مذهبهم الذي شذوا فيه عن أهل السنة والحديث. فهذا الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق. وقبل أن أمسك القلم أقول: لقد اعتاد الرجل السالمي أن يسوق كلامه على عواهنه مؤيدا به مذهبه وهواه، من ذلك أنه قرن مع الشيعة والخوارج بعض علماء السنة من الظاهرية، فقال (ص 178) عطفا على المذكورين: " وأبو بكر بن داود الظاهري " . فأقول: أبو بكر هذا هو محمد بن داود بن علي الظاهري، ترجمه الحافظ الذهبي في " السير " (13 / 109) : " حدث عن أبيه، وعباس الدوري.. وله بصر تام بالحديث وبأقوال الصحابة، وكان يجتهد ولا يقلد أحدا ".

2941

فأقول: فيستبعد جدا من مثله أن يخالف الحديث والصحابة، وأن يوافق الخوارج في إنكار سنة المسح على الخفين، لاسيما وهو قد تفقه على أبيه داود، وهذا مع أئمة الفقه والحديث في القول بالمسح على الخفين كما ذكر ذلك الإمام ابن حزم في " المحلى " ( 2 / 89) فمن أين جاء السالمي بما عزاه لأبي بكر الظاهري؟! وما أحسن ما قيل: والدعاوي ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء! 2941 - " جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدنا بـ (قباء) ، فجئت وأنا غلام [حدث] حتى جلست عن يمينه، [وجلس أبو بكر عن يساره] ثم دعا بشراب فشرب منه ، ثم أعطانيه، وأنا عن يمينه، فشربت منه، ثم قام يصلي، فرأيته يصلي في نعليه ". أخرجه أحمد (4 / 221) وابن أبي عاصم في " الوحدان " (4 / 167 / 2148) من طريق مجمع بن يعقوب: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: قيل لعبد الله بن أبي حبيبة رضي الله عنه: هل أدركت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، محمد بن إسماعيل هذا روى عنه أيضا عاصم بن سويد إمام مسجد قباء كما في " الجرح والتعديل "، وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 394) في أتباع التابعين، وكذلك ذكر فيهم الراويين المذكورين عنه: مجمع بن يعقوب وعاصم بن سويد، وهذا مستغرب منه، لأن الظاهر أن محمد بن إسماعيل تابعي أدرك جده من قبل أم عبد الله بن أبي حبيبة هذا. ولذلك قال ابن السكن في ترجمته، أعني عبد الله هذا كما في " الإصابة ":

" إسناد حديثه صالح ". ثم ساق له هذا الحديث، وعزاه لابن أبي شيبة أيضا والبغوي والطبراني. ويؤيد ما ذكرت إخراج الضياء المقدسي للحديث في " المختارة " (ج 56 / 136 / 2 - 137 / 1) من طريق أحمد والطبراني - ومنه استفدت الزيادتين بين المعقوفتين. وهذا كله يدل على أن محمدا هذا تابعي، وأن الإسناد متصل. ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " (191 / 449) قطعة من الجزء (13) طبع حديثا بتحقيق الأخ حمدي السلفي جزاه الله خيرا. وللحديث شاهد مختصر يرويه الصلت بن غالب الهجيمي عن مسلم به بديل عن أبي هريرة قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشرب على راحلته، ثم ناول الذي عن يمينه. ذكره ابن حبان في ترجمة مسلم هذا من " ثقاته " (5 / 400) وأفاد أنه روى عنه غير الصلت هذا، فقال: " وهو الذي روى عنه عبد الله بن عون حديث الطفيل بن عمرو الدوسي ". وحديث ابن عون هذا أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2 / 162 / 976) بسنده الصحيح عن ابن عون عن مسلم بن بديل عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر دوسا، فقال: إنهم ... (بياض في الأصل) فذكر رجالهم ونساءهم، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، فقال الرجل: * (إنا لله وإنا إليه راجعون) * هلكت دوس ورب الكعبة، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال: " اللهم اهد دوسا ". وقد تابع مسلما على هذا أبو سلمة عن أبي هريرة بأتم منه قال:

قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله! إن دوسا قد عصت وأبت، فادع الله عليها، قال أبو هريرة: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه، فقلت: هلكت دوس، فقال: " اللهم اهد دوسا، وائت بها ". أخرجه أحمد (2 / 502) : حدثنا يزيد أنبأنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة به. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال الشيخين، إلا أنهما أخرجا لمحمد بن عمرو - وهو ابن علقمة - في الشواهد والمتابعات لضعف فيه يسير . وقد توبع، فقال سفيان - وهو ابن عيينة -: حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة به، إلا أنه قال مكان الرفع: " فظن الناس أنه يدعو عليهم ". أخرجه البخاري (6397) : حدثنا علي: حدثنا سفيان به. وبهذا الإسناد أخرجه في " الأدب المفرد " (611) ، لكنه زاد قبيل جملة الظن هذه: " فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة ورفع يديه ". وهذه الزيادة قد توبع عليها علي - شيخ البخاري وهو ابن المديني -، فقال أحمد (2 / 243) والحميدي في " مسنده " (1050) : حدثنا سفيان به. وأخرجها البيهقي في " دلائل النبوة " (5 / 359 ) من طريق سعدان بن نصر: حدثنا سفيان به. وقال: " رواه البخاري في " الصحيح " عن علي بن عبد الله عن سفيان "! كذا قال، وهو يعني أصل الحديث - وهي عادة له في كتبه ومنها " السنن "،

فقد عرفت أن هذه الزيادة ليست في " الصحيح "، وقد صرح بذلك الحافظ في " الفتح " (11 / 142) . وقد تابع سفيان بن عيينة سفيان الثوري فرواه البخاري (4392) : حدثنا أبو نعيم حدثنا سفيان عن ابن ذكوان به مختصرا. وابن ذكوان اسمه عبد الله، وهو أبو الزناد. وكذلك أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (2 / 162 / 975) من طريق أخرى عن أبي نعيم، وأحمد (2 / 448) : حدثنا وكيع عن سفيان به. وتابعه المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به، إلا أنه زاد بعد قوله: " فادع الله عليها ": " فقيل: هلكت دوس " . أخرجه مسلم (7 / 180) . لقد ابتعدت كثيرا عن حديث الترجمة في صدد الكلام على راوي شاهده المختصر، لأقول الآن: إن له شاهدا آخر أصح منه وأتم من حديث أنس. وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " الأيمن فالأيمن ". رواه الشيخان وغيرهما، وقد سبق تخريجه برقم (1771) . ففي هذا نص على أن الساقي يبدأ بمن عن يمينه، وليس بكبير القوم، أو أعلمهم، أو أفضلهم، وعلى ذلك جرى السلف الصالح كما تراه في " مصنف ابن أبي شيبة " (8 / 223) . وقد روى هو ومسلم وعبد الرزاق والحميدي في حديث أنس المشار إليه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شرب: كان عن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر، وعمر

تجاهه، فقال: يا رسول الله! أعط أبا بكر، وخشي أن يعطي الأعرابي، فأبى صلى الله عليه وسلم وأعطى الأعرابي، وقال: الحديث. وفي رواية لمسلم: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الأيمنون، الأيمنون، الأيمنون ". قال أنس: فهي سنة، فهي سنة ، وهي سنة. فأقول: فمن الغرائب أن يصر كثير من الأفاضل على مخالفة هذه السنة ، بل هذا الأدب الاجتماعي الذي تفرد الإسلام به - في مجالسهم الخاصة -، حيث لا يخشى أن يقع أي محظور في العمل بها سوى مخالفة عادة الآباء والأجداد! ولقد كان إعراضهم عن هذه السنة الصحيحة اعتمادا منهم على تلك الفلسفة التي نفيتها آنفا - سببا لمخالفتهم هم أنفسهم إياها، حين لم يلتزموها عمليا، فصار الساقي يبدأ - على علم منهم - بأكابرهم وأمرائهم، ولو كانت فلسفتهم لا تنطبق عليهم ! وأنا حين أقول هذا - أعلم أنهم إنما يصرون على هذه المخالفة من باب الحكمة والسياسة والمداراة، وأنهم لا يملكون غير ذلك لفساد النفوس والأخلاق. ولكني أقول: لو أنهم التزموا العمل بهذه السنة في مجالسهم الخاصة، وحضرها أحد أولئك الأمراء لانقلب الأمر ولاضطر هؤلاء إلى أن يسايسوا أهل المجلس، ولاسيما وهم من الساسة! ولما طمعوا أن يعاملوا بخلاف السنة، ثم لانتشرت هذه إلى مجالس الساسة الخاصة! ويشبه هذه المسألة إيجابا وسلبا مسألة القيام للداخل، فلما تركت هذه السنة بدعوى الاحترام والإكرام لأهل العلم والفضل، تحول ذلك مع الزمن إلى القيام لمن ليس في العير ولا النفير كما يقال، بل إلى القيام للفساق والفجار. بل ولأعداء الله! فهل من معتبر؟!

2942

أما صلاته صلى الله عليه وسلم في نعليه الوارد في آخر حديث الترجمة فله شواهد كثيرة تبلغ مبلغ التواتر في " الصحيحين "، وغيرهما، وبعضها مخرج في " صحيح أبي داود " (657 و658 و 659 و 660) . 2942 - " قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي، وأنا معه إذا دعاني ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (616) : حدثنا خليفة بن خياط قال: حدثنا كثير بن هشام: حدثنا جعفر عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم رجال الصحيح ، وقد أخرجه مسلم (8 / 66) من طريق وكيع عن جعفر بن برقان به. وله طريق أخرى بزيادة في متنه بلفظ: ".. عبدي عند ظنه بي، وأنا معه إذا دعاني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وأطيب ، وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ". أخرجه أحمد (2 / 480) : حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي هريرة به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ومن هذا الوجه أخرجه ابن حبان (2 / 91 / 809) إلى قوله: " وأطيب ". وهو في " الصحيحين " من طريق أخرى عن سليمان - وهو الأعمش - بلفظ:

2943

".. وأنا معه إذا ذكرني.. "، وهو رواية لابن حبان (808) ، وهو مما تقدم تخريجه تحت الرقم (2011) ، وذكرت هناك لحديث الترجمة شاهدا من حديث أنس رضي الله عنه بسند صحيح. 2943 - " ذهبت بي أمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم [وأنا غلام] فمسح على رأسي، ودعا لي بالرزق، [وفي رواية: بالبركة] ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (164 / 632) قال: حدثنا أبو نمير حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد قال: سمعت عمرو بن حريث يقول : فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير أبي نمير هذا فلم أعرفه، وليس في الرواة من يكنى بهذه الكنية سوى واحد فوق هذه الطبقة، ولم يذكر الحافظ الذهبي سواه في " كناه ". وفي الإسناد إشكال ثان، وهو أن أبا اليمان - واسمه الحكم بن نافع البهراني - وهو من شيوخ المؤلف هنا، وفي " الصحيح "، روى عنه مباشرة هنا نحو خمسة عشر حديثا، ولم يذكروا أنه يروي عنه بالواسطة، وبخاصة لأبي نمير هذا المجهول. وثمة إشكال ثالث، وهو تصريح أبي اليمان بتحديث إسماعيل بن أبي خالد إياه، فإن هذا مستبعد جدا بالنظر إلى تاريخ الولادة والوفاة، فقد ذكروا في ترجمة أبي اليمان أنه ولد سنة (138) ، وفي ترجمة إسماعيل أنه مات سنة (146) ، فيكون عمر أبي اليمان (8) سنوات حين وفاة إسماعيل، ولذلك لم يذكروا له

رواية عنه. ولعله لما ذكرت من الإشكال ذهب الشيخ الجيلاني في شرحه على " الأدب "، إلى أن الصواب في اسم شيخ المؤلف: " ابن نمير "، ثم قال (2 / 89) : " لعله انقلب السند، والصحيح: حدثنا أبو اليمان حدثنا ابن نمير، أي: عبد الله بن نمير، وكان في المطبوعة: حدثنا أبو نمير ". فأقول: هذا احتمال قوي، فقد ذكروا لابن نمير هذا رواية عن إسماعيل بن أبي خالد، ووجدت تصريحه بتحديث إسماعيل إياه في " سنن ابن ماجه " (رقم 817) بحديث القراءة في صلاة الفجر، لكنه أدخل بينه وبين عمرو بن حريث (أصبغ مولى عمرو بن حريث) ، فإذا صح هذا الاحتمال، فالإسناد صحيح لتصريح إسماعيل فيه بسماعه إياه من عمرو بن حريث. وإن مما يؤكد ذلك أنني وجدت تصريح إسماعيل بالسماع في هذا الحديث نفسه من طريق أخرى عنه، فقال أبو يعلى في " مسنده " (3 / 41 / 1456) : حدثنا محمد بن عبد الله ابن نمير: حدثنا يحيى بن يمان حدثنا إسماعيل قال: سمعت عمرو بن حريث به. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات والشواهد، رجاله ثقات رجال الشيخين غير يحيى هذا، وهو صدوق يخطىء كثيرا، وكان تغير كما في " التقريب "، وأما قول المعلق على " مسند أبي يعلى ": " وقد صحح مسلم حديثه في الزهد رقم (2972) ". ففيه تدليس لعله غير مقصود، لأن مسلما لم يحتج به وإنما قرنه بـ " عبدة بن سليمان " وهو الكلابي ثقة ثبت، فتصحيح مسلم لحديثه، وليس لحديث يحيى

كما زعم، فكان الحق أن يقال روى له مقرونا. ومن الغريب أن فؤاد عبد الباقي قد لفت نظر القراء في الحاشية إلى هذا المعنى، ومع ذلك لم يتنبه له المعلق المشار إليه، أو أنه لم يأخذ به، لأنه رأى المترجمين له قد رمزوا له بأنه من رجال مسلم كالحافظ في كتابيه، وكأبي نصر الكلاباذي في " الجمع بين رجال الصحيحين " أطلقوا ولم يقيدوا بأنه مقرون عنده، ولكن هذا إن صح، فما كان ينبغي للمومى إليه أن يقول ما قال، لأن ذلك لا يصدق على الحديث الذي أشار إليه، لما ذكرت أنه مقرون، والكلاباذي قد أشار إليه أيضا ولم يزد! فتنبه، فإنه من خفايا هذا العلم الشريف. ومع الضعف المشار إليه، فقد خالفه في إسناده محمد بن يزيد - وهو الواسطي الثقة - فقال: عن إسماعيل بن أبي خالد عن مولى عمرو بن حريث عن عمرو بن حريث.. فذكر حديث القراءة المشار إليه آنفا، وزاد عقبه: " وقال: ذهبت بي أمي أو أبي إليه، فدعا لي بالرزق ". أخرجه أبو يعلى (1469) . قلت: فزاد الواسطي في الإسناد مولى عمرو بن حريث، فزيادته مقبولة لثقته وحفظه. والظاهر أن هذا المولى هو (أصبغ) المذكور في إسناد حديث ابن ماجه المتقدم، وهو ثقة، إلا أنه كان تغير كما في " التقريب "، ويحتمل عندي أن يكون هو الوليد بن سريع، فإنه مولى عمرو بن حريث أيضا، وشارك (أصبغ) في رواية حديث القراءة عن مولاه عمرو عند مسلم وغيره كأبي يعلى (1457) وهو مخرج في " الإرواء " (2 / 63) ، فيحتمل عندي أيضا أن يكون هو (أصبغ) نفسه، ويكون هذا لقبا له. والله سبحانه وتعالى أعلم.

وحديث عمرو هذا أورده الهيثمي في " المجمع " (9 / 405) بروايتيه، أعني عن أصبغ وعن الوليد، وقال: " رواهما أبو يعلى والطبراني بأسانيد، ورجال أبي يعلى وبعض أسانيد الطبراني رجال الصحيح ". ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن عمرو بن حريث يزداد بها قوة، فقال البخاري في " التاريخ الكبير " (1 / 2 / 190) : قال أبو نعيم: حدثنا فطر عن أبيه: سمع عمرو ابن حريث قال: انطلق بي أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا غلام، فدعا لي بالبركة، ومسح على رأسي. وهذا إسناد حسن في الشواهد والمتابعات، رجاله رجال البخاري غير والد فطر، وهو خليفة مولى عمرو بن حريث، أورده ابن حبان في " الثقات " (4 / 209) برواية أبيه هذه، وقال ابن القطان: " مجهول الحال ". وقال الحافظ في " التقريب ": " لين الحديث " . أي عند التفرد، وإلا فهو مقبول الحديث عند المتابعة كما هنا. ولعله لذلك جزم ابن عبد البر بالحديث، فقال في ترجمة عمرو بن حريث من " الاستيعاب ": " رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسمع منه، ومسح برأسه ودعا له بالبركة، وخط له بالمدينة دارا بقوس ".

2944

وذكر هذا بتمامه الذهبي في " السير " (3 / 418 - 419) من طريق فطر بن خليفة عن أبيه، دون أن يعزوه لأحد. أما المعلق عليه فعزاه لأبي داود برقم (3060) ! وهذا العزو خطأ، لأنه يوهم القراء أن الحديث بتمامه عند أبي داود، وليس كذلك، وإنما عنده وبالرقم الذي أشار إليه جملة الدار منه، وللضعف الذي في خليفة ولعدم وجود المتابع له أو الشاهد لهذه الجملة، أوردتها في " ضعيف أبي داود " برقم (545) . والله الموفق لا رب غيره، ولا معبود بحق سواه. 2944 - " كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، إنك أنت المقدم والمؤخر، لا إله إلا أنت ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (174 / 673) وأحمد (2 / 291 و 514 و 526 ) من طرق عن عبد الرحمن المسعودي عن علقمة بن مرثد عن أبي الربيع عن أبي هريرة قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون، وأبو الربيع هو المدني، روى عنه أيضا سماك بن حرب ويزيد بن أبي زياد، وقال أبو حاتم: " صالح الحديث ". وذكره ابن حبان في " الثقات " (5 / 582) ، وحسن له الترمذي، وقال الذهبي: " صدوق ". وأما اقتصار الحافظ فيه على قوله:

" مقبول ". فهو غير مقبول. والحق في أمثاله ما قاله الذهبي: " صدوق "، وكثيرا ما أرى الحافظ يوافقه. والله الهادي. وأما المسعودي فهو وإن كان قد اختلط، فهو صحيح الحديث إذا حدث قبل الاختلاط، وطريق معرفة ذلك النظر في الراوي عنه، فإذا كان بصريا أو كوفيا، كان صحيحا حديثه لأنهم حدثوا عنه قبل الاختلاط، ومنهم خالد بن الحارث كما في كتاب " ابن الكيال " مع كون خالد هذا ثقة ثبتا، وهو بصري. وللحديث شواهد كثيرة أقربها إليه حديث أبي موسى الأشعري عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء: " اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي.. " الحديث بطوله، وفيه هذا، وزاد في آخره: " وأنت على كل شيء قدير ". أخرجه البخاري (6398 و 6399) ومسلم (8 / 81) والبخاري في " الأدب المفرد " أيضا (177 / 688) والزيادة في " المستدرك " (1 / 511) من طريق أخرى عنه نحوه. وصححه على شرطهما، ووافقه الذهبي، ومن شواهده حديث علي الطويل في دعاء الاستفتاح، وفي آخره: " ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم.. " فذكره بتمامه. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (738) برواية مسلم وغيره.

2945

وله شاهد آخر عن ابن عباس فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل، فذكره في آخره، ولكن ليس فيه: " وما أنت أعلم به مني ". اللهم إلا في رواية للبخاري برقم (7442) وكذا ابن أبي شيبة في " المصنف " (10 / 259 - 260) . 2945 - " لا تصم يوم الجمعة إلا في أيام هو أحدها، وأما أن لا تكلم أحدا، فلعمري لأن تكلم بمعروف، وتنهى عن منكر خير من أن تسكت ". أخرجه أحمد (5 / 224 - 225) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 31 / 1232 ) والبيهقي في " السنن " (10 / 75 - 76) من طرق عن عبيد الله بن إياد بن لقيط قال: سمعت ليلى - امرأة بشير - قالت: أخبرني بشير أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أصوم يوم الجمعة، ولا أكلم ذلك اليوم أحدا؟ قال: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في " الشعب " أيضا (6 / 92 / 7578) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (3 / 382) . قلت: وهذا إسناد صحيح، ورجاله ثقات، وليلى هذه صحابية على الراجح. وبشير هو ابن الخصاصية، وفي مسنده أورده الإمام أحمد. ثم روى هو والطبراني (1230) ، وكذا البخاري في " الأدب " (830) بالسند نفسه عنه قال: " وكان قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: اسمه " زحم "، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم: بشيرا ".

2946

ولهذا طريق آخر مخرج في " الجنائز " (136 - 137) و " الإرواء " (رقم 760) . والشطر الأول من الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " (4 / 234) لأحمد، وسكت عنه مشيرا إلى تقويته إياه. وله شواهد تقدم بعضها برقم (980 و 981 و 1014) وهو صريح الدلالة أنه لا يجوز صيامه وحده ولو صادف يوم فضيلة كعاشوراء وعرفة خلافا للحافظ، وقد بسطت القول في ذلك فيما تقدم، وانظر الحديث (2398) . 2946 - " لا تجمعوا بين اسمي وكنيتي، [أنا أبو القاسم، والله يعطي، وأنا أقسم] ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " والترمذي (2843) وابن حبان (5784 - الإحسان) وأحمد (2 / 433) وابن سعد في " الطبقات " (1 / 106 و 107) والدولابي في " الكنى " (1 / 5) وأبو نعيم في " الحلية " (7 / 91) والبيهقي في " الدلائل " (1 / 163) كلهم من طريق ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا. والزيادة للبخاري، وابن حبان في رواية (5787) وأحمد والبيهقي، وكذا ابن حبان في رواية (5785) والترمذي، لكن مختصرا بلفظ: " ويسمي: محمدا أبا القاسم ". وقال: " حديث حسن صحيح ". قلت: وهو كما قال، فإن إسناده حسن، وله شاهد من حديث سفيان عن عبد الكريم الجزري عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن عمه مرفوعا به. دون الزيادة.

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 672 / 5979) وأحمد (3 / 450 و 5 / 363 - 364) وابن سعد أيضا، لكن سقط منه أو من أحد رواته قوله: " عن عمه "، فصار مرسلا! وإسنادهم صحيح. فهو شاهد قوي للحديث. وهو بمعنى اللفظ الآخر عن أبي هريرة: " تسموا (أو سموا) باسمي، ولا تكنوا بكنيتي ". أخرجه البخاري (6188) وفي " الأدب المفرد " (836) ومسلم (6 / 171) وأبو داود (4965) وابن ماجه (3735) وابن حبان (5782) وأحمد (2 / 457 و 461) والبيهقي (9 / 308) وفي " الدلائل " (1 / 162) من طرق عنه وأخرجه الشيخان وغيرهما من حديث سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله مرفوعا به. وخالفه أبو الزبير فقال: عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تسمى باسمي فلا يكتني بكنيتي، ومن تكنى بكنيتي فلا يتسمى باسمي ". أخرجه أبو داود (4966) والترمذي (2845) وابن حبان (5786) والبيهقي (9 / 309) وفي " الشعب " (6 / 393 / 8634) وأحمد (3 / 313) واللفظ لهما ولأبي داود، ولفظ ابن حبان: " إذا كنيتم فلا تسموا بي، وإذا سميتم بي فلا تكنوا بي ". وكذا لفظ الترمذي إلا أنه لم يسق الشطر الأول منه، وكأنه فعل ذلك عمدا لمخالفته الطرق الصحيحة عن أبي هريرة كما تقدم، وقال عقبه:

" حديث حسن غريب من هذا الوجه ". ولعله لم يصححه لعنعنة أبي الزبير، فإنه كان مدلسا، ولذلك فلم يصب البيهقي في قوله عقبه في " الشعب ": " هذا إسناد صحيح "! وكذلك أخطأ المعلق على " الإحسان " (13 / 133 - المؤسسة) في قوله: " حديث صحيح على شرط مسلم ". فإنه تجاهل تفريق الحفاظ النقاد بين ما أخرجه مسلم من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر، فهو صحيح لأنه لم يرو عنه إلا ما صرح بسماعه من جابر، وبين ما رواه عنه غيره بالعنعنة. كما أنه تجاهل أو أنه لم يتنبه لكونه زاد على سالم بن أبي الجعد وغيره أيضا تلك الزيادة المخالفة للأحاديث الصحيحة: ".. وإذا سميتم فلا تكنوا بكنيتي ". وعلى إنكارها يفسر حديث الترجمة الناهي عن الجمع بين الاسم والكنية، ويؤيد ذلك تلك الزيادة الصحيحة: " أنا أبو القاسم.. "، فإنها تشعر باختصاصه صلى الله عليه وسلم بهذه الكنية مطلقا كما هو ظاهر. هذا، وقد أصاب حديث أبي هريرة من بعض رواته المعروفين بسوء الحفظ ما أصاب حديث جابر من الزيادة المنكرة، فقال شريك عن سلم بن عبد الرحمن النخعي عن أبي زرعة عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ أبي الزبير عن جابر. أخرجه أحمد (2 / 312 و 454 - 455 و457 و 461) . وشريك هو ابن عبد الله النخعي القاضي صدوق يخطىء كثيرا، وقد خالفه شعبة فرواه عن عبد الله بن يزيد النخعي قال: سمعت أبا زرعة يحدث عن أبي هريرة به مختصرا بلفظ: " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ".

أخرجه أحمد (2 / 457 و 461) . وهو لفظ الجماعة عن أبي هريرة كما تقدم، وهو المحفوظ عنه في هذا الحديث وعن جابر وغيره. وقد أشار إلى هذا البيهقي بقوله عقب حديث أبي الزبير عن جابر المتقدم، قال في " السنن ": " وروي ذلك أيضا من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه، واختلف عليه فيها، وأحاديث النهي على الإطلاق أكثر وأصح ". وإن مما يؤكد خطأ رواية شريك عن.. أبي هريرة، ورواية أبي الزبير عن جابر سبب ورود الحديث، من رواية محمد بن المنكدر عنه. فقال ابن أبي شيبة ( 8 / 672 / 5980) وأحمد (3 / 307) والحميدي (1232) ، قالوا: حدثنا سفيان عن ابن المنكدر سمع جابر بن عبد الله يقول: ولد لرجل منا غلام، فأسماه القاسم ، فقلنا: لا نكنيك أبا القاسم، ولا ننعمك عينا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: " أسم ابنك عبد الرحمن ". وإسناده ثلاثي صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه البخاري (6186 و 6189) ومسلم (6 / 171) وغيرهما من طرق عن سفيان بن عيينة به. وتابعه سالم بن أبي الجعد عن جابر به، إلا أنه قال: " تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي ". أخرجه البخاري (3114 و6187) و " الأدب المفرد " (842) . وزاد: " أحسنت الأنصار، تسموا.. " الحديث.

وهي عند مسلم أيضا (6 / 170 - 171) إلا أنه قال: " فسماه محمدا، فقلنا: لا نكنيك برسول الله صلى الله عليه وسلم.. ". ورواية البخاري أرجح عندي لموافقتها لرواية ابن المنكدر المتفق عليها أولا، ولأنه لو كان سماه محمدا لم يأمره صلى الله عليه وسلم بأن يسميه عبد الرحمن كما هو ظاهر والمقصود أن حديث جابر هذا صريح الدلالة في أنه صلى الله عليه وسلم لم يرض للأنصاري أن يكتني بكنيته صلى الله عليه وسلم، واستحسن إنكار الأنصار عليه، فبطل ما أفاده حديث أبي الزبير وشريك من جواز الاكتناء بكنيته صلى الله عليه وسلم وحدها غير مقرون باسمه. وقد وقفت على حديث آخر، لكن في إسناده نظر أسوقه لبيان حاله، فقال يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا إدريس بن محمد بن يونس بن محمد بن أنس بن فضالة الأنصاري ثم الظفري قال: حدثني جدي عن أبيه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وأنا ابن أسبوعين، فأتي بي إليه، فمسح على رأسي وقال: " سموه باسمي ولا تكنوه بكنيتي ". قال: وحج بي معه حجة الوداع، وأنا ابن عشر سنين ولي ذؤابة. قال يونس بن محمد: فلقد عمر أبي حتى شاب رأسه كله وما شاب موضع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم من رأسه. أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 16) والدولابي في " الكنى " (1 / 5) والطبراني في " المعجم الكبير " (19 / 244 / 547) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، يعقوب هذا قال الحافظ: " صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء ".

وشيخه إدريس بن محمد ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح " بهذه الرواية، وبرواية ابن أبي فديك عنه. وأما ابن حبان فذكره في " ثقاته " (8 / 132) بهذه الرواية فقط! وأما جده يونس بن محمد، فذكره في " الجرح " بهذه الرواية فقط، أي برواية حفيده إدريس بن محمد. وكذلك البخاري في " التاريخ "، وتبعهما ابن حبان في " الثقات " ( 5 / 555) ذكره في التابعين هكذا: " يونس بن محمد بن فضالة الظفري الأنصاري " . وهكذا هو في " الجرح "، لكنه زاد في النسب فقال: ".. فضالة بن أنس الظفري " وهذا على القلب مما في إسناد الحديث - وسياقه للدولابي - فإنه فيه " يونس بن محمد بن أنس بن فضالة الأنصاري " كما تقدم. ولعل هذا هو الصواب، فإنه المثبت في " الإصابة ". وإن من غرائب ابن حبان أنه ذكره قبل الترجمة السابقة بترجمة على الصواب، لكنه لم يذكر: " ابن فضالة "، وقال: " وعنه فضيل بن سليمان " (¬1) . وكذلك ذكره البخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 410) لكنه لم يذكر له راويا غير إدريس بن محمد كما تقدم، وهو الصواب. ثم زاد ابن حبان إغرابا فذكره في " أتباع التابعين " أيضا! فقال (7 / 647) : " يونس بن محمد بن فضالة بن أنس الظفري أبو محمد المدني. روى عن ¬

(¬1) قد خرجت رواية فضيل هذا عن يونس في " الضعيفة " (6356) .

جماعة من التابعين. وعنه أهل المدينة. مات سنة ست (¬1) وخمسين ومائة، وهو ابن خمس وثمانين سنة ". فهذا خلاف كل ما تقدم، فإنه سمى جد يونس الأعلى (أنسا) ، وهو جده الأدنى عكس ما في " الإصابة "! وهذا الاختلاف في نسب يونس هذا إنما يدل على أنه غير مشهور، ومع ذلك مشى ابن حبان على ما وقع له من الاختلاف وجعلها ثلاث تراجم وهي لراو واحد! وكذلك ذكرها الهيثمي في " ترتيب الثقات " على نسق واحد. والله أعلم. وجملة القول أن إسناد هذا الحديث ضعيف لجهالة بعض رواته، وأما الهيثمي فقال في " مجمع الزوائد ": " رواه الطبراني، وفيه يعقوب بن محمد الزهري، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات "! ومثله ما رواه محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده قال: كنت أتكنى بأبي القاسم، فجئت أخوالي من بني ساعدة، فسمعوني وأنا أتكنى بها، فنهوني وقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من تسمى باسمي فلا يتكن بكنيتي ". فحولت كنيتي، فتكنيت بأبي عبد الملك. ¬

(¬1) الأصل " خمس "، وأفاد محققه أن النسخ مختلفة، وأن في بعضها ما أثبت أعلاه، ولما كان هو المطابق لكتاب " ترتيب الثقات " رجحته. اهـ.

أخرجه الدولابي بإسناد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال " التهذيب "، فهو حسن لولا عنعنة ابن إسحاق. بعد هذا التخريج والتحقيق، وتمييز الصحيح من الضعيف من أحاديث الباب، يحق لي أن أنتقل إلى الثمرة المقصودة من ذلك وهي الناحية الفقهية فأقول: لقد اختلف العلماء في مسألة التكني بأبي القاسم على مذاهب ثلاثة، حكاها الحافظ في " الفتح "، واستدل لها، وناقشها، وبين ما لها وما عليها، ولست أشك بعد ذلك أن الصواب إنما هو المنع مطلقا، وسواء كان اسمه محمدا أم لا، لسلامة الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي عن المعارض الناهض كما تقدم، وهو الثابت عن الإمام الشافعي رحمه الله، فقد روى البيهقي (9 / 309) بالسند الصحيح عنه أنه قال: " لا يحل لأحد أن يكتني بأبي القاسم كان اسمه محمدا أو غيره ". قال البيهقي: " وروينا معنى هذا عن طاووس اليماني رحمه الله ". ويؤكد ما تقدم حديث علي رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله! أرأيت إن ولد لي بعدك، أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك؟ قال: " نعم ". قال: فكانت رخصة لي. أخرجه الترمذي (2846) وقال:

2947

" حديث صحيح ". وقواه الحافظ في " الفتح " (10 / 573) وهو مخرج في " المشكاة " (4772 / التحقيق الثاني) . 2947 - " من بنى بناء فليدعمه حائط جاره. وفي لفظ: من سأله جاره أن يدعم على حائطه فليدعه ". أخرجه ابن ماجه (2337) وابن جرير الطبري في " تهذيب الآثار " (2 / 1 / 772 - 774 و 777) والطحاوي في " مشكل الآثار " (3 / 150) والبيهقي (6 / 69) وأحمد (1 / 235 و 255 و 303 و 317) والطبراني (11 / 11736) من طرق عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بألفاظ متقاربة، واللفظان لأحمد، ولابن جرير والطبراني الثاني، وله شاهد من حديث أبي هريرة، رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (5 / 255) وأصله متفق عليه، ونحوه لفظ ابن ماجه، ورواية لأحمد بلفظ: " لا يمنع أحدكم جاؤه أن يغرز خشبة على جداره ". ولفظ أحمد: ".. أخاه مرفقه أن يضعه على جداره ". وإسنادهما صحيح. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني (11502) وقال الهيثمي (4 / 160) : " رواه الطبراني في " الكبير "، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح ".

وخفي عليه أنه ليس من شرط " زوائده " لأنه عند ابن ماجه كما تقدم، كما أنه قصر في عدم عزوه إياه لأحمد. وكذلك وهم البوصيري في " زوائده " حيث قال: " في إسناده ابن لهيعة، وهو ضعيف ". فلم يتنبه أنه عند ابن ماجه من رواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة، وحديث ابن وهب عنه صحيح كما تقدم التنبيه عليه مرارا، وتابعه قتيبة بن سعيد عنه، وهو صحيح الحديث أيضا عنه، كما كنت نقلته عن الذهبي. وقال ابن جرير بعد ما رواه من طرق عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس: " وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيما غير صحيح، لعلل.. ". ثم ذكرها. وهي مما لا قيمة لها إلا الأخيرة منها، وهي أن بعض الثقات خالفوا سماكا فرووه عن عكرمة عن أبي هريرة، وهذا لا يقدح في رواية تلك الطرق المشار إليها في أول التخريج عن عكرمة، لاحتمال أن يكون هذا رواه عن كل من ابن عباس وأبي هريرة، فالحديث صحيح عنهما كليهما، وهو عن أبي هريرة أصح لاتفاق الشيخين عليه كما تقدم. هذا، وقد اختلف العلماء في الأمر المذكور في الحديث هل هو للوجوب أو الندب، وقد أطال الكلام فيه كثير من العلماء كأبي جعفر الطحاوي وابن جرير الطبري وابن حجر العسقلاني وغيرهم، وذهب إلى الوجوب الإمام أحمد وغيره، ومذهب الجمهور الاستحباب وإلى هذا مال الطبري في أول بحثه، وأطال النفس

والمناقشة فيه. ولكنه انتهى في آخره إلى أنه ليس للجار أن يمنع جاره من الوضع، قال (ص 796 - 797) : " فهو بتقدمه على ما نهاه عنه عليه السلام من ذلك لله عاص، ولنهي نبيه صلى الله عليه وسلم مخالف، من غير أن يكون ذلك لجاره الممنوع منه حقا يلزم الحكام الحكم به على المانع، أحب المانع ذلك أو سخط ". فأقول: وهذا الذي انتهى إليه الإمام الطبري هو الصواب إن شاء الله تعالى، إلا ما ذكره في الحكام، فأرى أن يترك ذلك للقضاء الشرعي يحكم بما يناسب الحال والزمان، فقد وصل الحال ببعض الناس إلى وضع لا يطاق من الأنانية والاستبداد ومنع الارتفاق ، بسبب القوانين الوضعية القائمة على المصالح المادية دون المبادىء الخلقية، فقد حدثني ثقة أنه لما استعد لبناء داره في أرضه رمى مواد البناء في أرض بوار بجانبه، فمنعه من ذلك صاحبها، وساعده القانون على ذلك ولم يتمكن من متابعة البناء إلا بعد أن دفع لهذا الظالم الجشع من الدنانير ما أسكته، وأسقط الدعوى التي كان أقامها على الباني! مع أنه من كبار الأغنياء، وصدق الله: * (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) *، ولا ينفع في مثل هذا الطاغي إلا مثل ما فعل الأنصار في مثله، وهو ما رواه البيهقي في " سننه " (6 / 69) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحنظلي بإسناده الصحيح إلى يحيى بن جعدة - وهو تابعي ثقة - قال: أراد رجل بالمدينة أن يضع خشبة على جدار صاحبه بغير إذنه فمنعه، فإذا من شئت من الأنصار يحدثون عن رسول الله أنه نهاه أن يمنعه، فجبر على ذلك. وفي الطريق إلى إسحاق - وهو ابن راهويه - شيخ البيهقي أبو عبد الرحمن السلمي، وفيه كلام كثير، فإن كان قد توبع فالأثر صحيح، وهو الظاهر من صنيع

2948

الحافظ، فقد عزاه في " الفتح " (5 / 111) لإسحاق في " مسنده "، والبيهقي، وسكت عنه. فإن " مسند إسحاق " الذي طبع حديثا بعض مجلداته ليس من رواية السلمي هذا . والله أعلم. 2948 - " يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة ". أخرجه البخاري (6286) ومسلم (7 / 142 - 144) والنسائي في " الكبرى " (5 / 96) وابن ماجه (1621) والطحاوي في " مشكل الآثار " (48 - 49) وابن سعد (8 / 26 - 27) وأحمد (6 / 282) من طرق عن فراس عن عامر عن مسروق: حدثتني عائشة أم المؤمنين قالت: إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده جميعا لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة عليها السلام تمشي، ولا والله ما تخفى مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحب بها، قال: " مرحبا بابنتي ". ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم سارها، فبكت بكاء شديدا، فلما رأى حزنها سارها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها - أنا من بين نسائه -: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسر من بيننا ثم أنت تبكين! فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سره. فلما توفي قلت لها: عزمت عليك - بما لي عليك من الحق - لما أخبرتني. قالت: أما الآن فنعم، فأخبرتني، قالت: أما حين سارني في الأمر الأول، فإنه

أخبرني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة، وإنه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قلت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية قال: (فذكر الحديث) [فضحكت ضحكي الذي رأيت] . والسياق للبخاري، والزيادة لمسلم، ولمن دونه نحوه. وزاد مسلم في رواية بعد قولها: " فإذا هي تضحك ": " فقلت: ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن ". وهو رواية للبخاري (3623) وفي " الأدب المفرد " (1030) بعضه. ثم أخرجه هو، ومسلم، وابن حبان (6915) والنسائي وغيرهم من طرق أخرى مختصرا ليس فيها ذكر للكلمتين ولا لفضل فاطمة، إلا في رواية للنسائي، وابن حبان (6913 ) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنها مختصرا وفي آخره: " فأخبرني أني أول أهله لحوقا به، وأني سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران، فضحكت ". وإسناده حسن، ولهذه الزيادة شاهد من حديث أبي سعيد الخدري تقدم تخريجه برقم ( 796) . ولكلمة " السلف " من قوله صلى الله عليه وسلم شاهد من رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن رافع عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا المنبر يقول: " إني لكم سلف على الكوثر ".

ورجاله ثقات، إلا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه، ومع هذا فقد خالفه القاسم ابن عباس الهاشمي عن عبد الله بن رافع به، فقال: " فرط " مكان " سلف ". أخرجه مسلم (7 / 67) وللحديث عنده تتمة. أخرجه هو وغيره من حديث أبي هريرة بتمامه وبأتم منه فيه السلام على قبور المؤمنين، وهو مخرج في " الإرواء " (776) و " أحكام الجنائز " (190) . ثم رأيت حديث ابن إسحاق في " معجم الطبراني الكبير " (23 / 413 / 996) بلفظ: " إني سابقكم على الكوثر، فبينما أنا عليه.. " الحديث. أخرجه من طريق ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، فلا أدري إذا كان محفوظا هو والذي قبله عن ابن أبي شيبة، أو أحدهما خطأ عليه، كما يبدو أن كلمة " السلف " في حديث ابن إسحاق - إن كانت هي المحفوظة في رواية ابن أبي شيبة - فليست محفوظة في رواية شيخ ابن إسحاق عبد الله بن رافع، لمخالفة القاسم بن عباس إياه كما تقدم ، وقد أخرجها الطبراني أيضا (رقم 661) . وإن مما يؤيد هذه المخالفة، ويؤكد شذوذ لفظ ابن إسحاق أن الحديث جاء عن جمع من الصحابة بلفظ: " أنا فرطكم على الحوض ". وقد أخرج ابن أبي عاصم في " السنة " روايات الكثيرين منهم بأسانيد كثيرة خرجتها في " ظلال الجنة " (2 / 242 - 246) .

2949

2949 - " لا شيء في الهام، والعين حق، وأصدق الطير الفأل ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (914) و " التاريخ " (2 / 1 / 107 - 108 ) والترمذي (2 / 6) وأحمد (4 / 67 و 5 / 70 و 379) وابن سعد (7 / 66) وأبو يعلى في " مسنده " (582) وفي " المفاريد " (2 / 13 / 2) والطبراني (1 / 175 / 2) من طرق عن يحيى بن أبي كثير: حدثني حية بن حابس التميمي: حدثني أبي مرفوعا. وقال الترمذي: " حديث غريب. وروى شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن حية بن حابس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعلي بن المبارك وحرب بن شداد لا يذكران فيه: عن أبي هريرة ". قلت: وإنما استغربه الترمذي لأن حية بن حابس غير مشهور بالعدالة، بل لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير كما في " الميزان ". وفي " التقريب ": " مقبول ". يعني عند المتابعة، وإلا فلين الحديث. ثم قال: " ووهم من زعم أن له صحبة ". لكن لغالب الحديث شاهد، يرويه أبو معشر عن محمد بن قيس عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " أصدق الطيرة الفأل، والعين حق ". أخرجه أحمد (2 / 289) . وإسناده حسن في الشواهد، أبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي،

وهو ضعيف من قبل حفظه . والشطر الأول منه رواه عبد الرزاق (10 / 406) عن الأعمش مرفوعا. ورجاله ثقات إلا أنه معضل. وجملة " العين حق " متفق عليها من حديث أبي هريرة، وقد سبق تخريجها (1248) وصحت من حديث ابن عباس أيضا، وقد مضى (1250 و 1251) . ثم وقفت على شاهد للجملة الأولى، ولكنه مما لا يفرح به، لأنه يرويه عفير بن معدان عن سليم بن عامر عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ حديث الترجمة. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (8 / 192 / 7686) . قلت: ورجاله ثقات غير عفير بن معدان، فهو متروك، وقد تقدمت له عدة أحاديث موضوعة تدل على حاله، فراجع فهارس المجلدات الأربعة المطبوعة. ثم استدركت فقلت: إن قوله: " لا شيء في الهام ". هو في المعنى مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " لا هامة "، وهذا قد ثبت في جملة من الأحاديث الصحيحة عند الشيخين وغيرهما من حديث أبي هريرة وغيره، وقد سبق تخريجها بالأرقام التالية (780 و 782 و 783 و 785 و 789) وفي بعضها بلفظ: ".. ولا هام ". وإذا كان الأمر كذلك، فقد قررت إيراد الحديث في هذه السلسلة الصحيحة لمجموع هذه الشواهد بعد أن كنت أوردته في " ضعيف الجامع الصغير " (6309 - الطبعة الأولى الشرعية) . ولذلك حولته إلى " صحيح الجامع "، كما أوردته في كتابي الجديد من مشروع تقريب السنة بين يدي الأمة: " صحيح الأدب المفرد " تحت (355 - باب الفأل - 411) ، وأنا على وشك الانتهاء منه إن شاء الله تعالى. ثم انتهيت منه،

وصدر هو وقسيمه " ضعيف الأدب المفرد ". والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. واعلم أن (هام) هو جمع (هامة) ، قال ابن الأثير في " النهاية ": " الهامة: الرأس، واسم طائر، وهو المراد في الحديث. وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها، وهي من طير الليل. وقيل : هي البومة. وقيل: كانت العرب تزعم أن روح القتيل الذي لا يدرك بثأره تصير هامة، فتقول: اسقوني، فإذا أدرك بثأره طارت.. ". وبهذه المناسبة لابد لي من التنبيه على خطأين فاحشين وقعا في هذه اللفظة (هام) من بعض الناس أحدهم من أهل العلم، وهو الشيخ فضل الله الجيلاني في شرحه لكتاب " الأدب المفرد " للإمام البخاري، فقد تحرفت في متنه إلى (الهوام) ! وهو في ذلك تبع لنسخة الطبعة الهندية سنة (1306 هـ) (ص 131) ، ثم اشتط الشيخ الجيلاني في الخطأ حين فسره بقوله (2 / 367) : " (الهوام) جمع هام اسم طير من طير الليل.. " !! والصواب: أن (هام) هو الجمع، مفرده (هامة) كما في " القاموس " وغيره . وأما (الهوام) فهو جمع (الهامة) وهي الدابة، وكل ذي سم يقتل سمه كما في كتب اللغة. وأما الخطأ الآخر، فهو ما صدر من زهير الشاويش صاحب المكتب الإسلامي، فإنه أعاد طبع كتابي المذكور آنفا " ضعيف الجامع الصغير " طبعة ثانية دون إذني وعلمي، فوقعت له فيه أمور عجيبة، وتصرفات غريبة، وتعليقات وحواش تنبئ عن اعتداء صارخ على مؤلفه وادعاء للعلم مهلك، وحسبي الآن

2950

مثال واحد، وهو ما أنا في صدده، فقد وقع الحديث في طبعته هذه المتوجة بإشرافه كعادته: " لا شيء في البهائم "! نعم هكذا تحرف عليه لفظ (الهام) في الحديث إلى (البهائم) ! وليس هذا خطأ مطبعيا حتى يغتفر كما زعم بعض الجهلة، لأن الطابع أعاده على عجره وبجره في تعليق له على طبعته الجديدة أيضا - ودون إذني أيضا - لكتابي " صحيح الجامع " (2 / 1248) على هذا الحديث قال: " أوله: لا شيء في البهائم ".. "! فهذا إن دل على شيء فهو يدل - كما يقال اليوم - على أن الرجل يهرف بما لا يعرف، وينقل الخطأ الذي وقع فيه أولا، ينقله بأمانة ثانيا ! والله المستعان. 2950 - " السلام عليكم يا صبيان! ". أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 633 / 5826) وأحمد (3 / 183) قالا : حدثنا وكيع عن حبيب بن حجر العبسي عن ثابت عن أنس قال: مر علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن صبيان، فقال: فذكره. وأخرجه ابن السني في " عمل اليوم والليلة " (77 / 223) وأبو نعيم في " الحلية " (8 / 378) من طريقين آخرين عن وكيع به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير حبيب هذا، روى عنه جمع آخر من الثقات غير وكيع، وقد ذكره ابن حبان في موضعين من " أتباع التابعين " من " الثقات "، قال في الأول منهما (6 / 179) : " حبيب بن حجر، شيخ يروي عن ثابت البناني. روى عنه روح بن عبادة ". وقال في الموضع الآخر (6 / 249) :

" حبيب بن حجر أبو يحيى العبسي البصري، يروي عن الأزرق بن قيس عن ابن عمر. روى عنه موسى بن إسماعيل ". فأقول: فرق ابن حبان بينهما وهو واحد، كما يدل عليه صنيع المتقدمين كالبخاري (1 / 2 / 316) وابن أبي حاتم (1 / 2 / 308) والمتأخرين كالحسيني، والعسقلاني في " التعجيل " (5 / 180) . ثم إنهم اختلفوا في ضبط (حبيب) هل هو على الجادة بالتخفيف، أم هو (حبيب) بالتشديد، حكى الحافظ القولين دون أن يرجح. لكنه قال: " وذكره البخاري في آخر من اسمه (حبيب) بالتخفيف ". قلت: وفاته أن يذكر أن ابن أبي حاتم ذكره بالتشديد. ثم انتبهت لأمر كنت غافلا عنه تبعا للحافظ، ألا وهو أن البخاري هو سلف ابن أبي حاتم، فقد أورده - أعني البخاري - في آخر حرف (الحاء) في " باب حبيب " بالتشديد، فهو سلف ابن حبان أيضا في التفريق بين هذا وبين الذي قبله (حبيب) بالتخفيف، لكن ابن حبان لم يقيد، وإنما أشار إلى ذلك إشارة لم أتنبه لها، ولا نبه المحقق عليه، وهو أنه أورده فريدا بين أمثاله من الأسماء المفردة! وبالجملة، فالتفريق المذكور بين الترجمتين للاختلاف في ضبط الاسم غير ظاهر، شأنه في ذلك شأن نسبته: (العبسي) ، فإنه هكذا وقع في إسناد الحديث - والسياق لابن أبي شيبة -، وكذلك وقع في ترجمة ( حبيب) من " الثقات "، خلافا لكتاب ابن السني، ولـ (الكتابين) ، أعني " التاريخ " و " الجرح " وتوابعهما، مثل " التعجيل " وغيره، فقالوا: " القيسي " وهو الراجح. والله أعلم. وقد تحرفت هذه النسبة في " المسند "، فصار شيخا لـ " حبيب " هكذا: " حبيب عن قيس عن ثابت "!

2951

(تنبيه) لقد وهم الحافظ في هذا الحديث حين قال في " الفتح " (10 / 33) : " ووقع لابن السني وأبي نعيم في " عمل اليوم والليلة " من طريق عثمان بن مطر عن ثابت بلفظ: ( فذكر الحديث، وقال:) وعثمان واه ". ذكره عقب حديث جعفر بن سليمان عن ثابت - يعني عن أنس - بسياق أتم من هذا، لكن ليس فيه لفظ السلام. وهو مخرج فيما تقدم تحت الحديث (1278) ، ثم قال الحافظ عقب ما نقلته عنه: " وعثمان واه " . قلت: ووهم الحافظ من ناحيتين: الأولى: أن عثمان هذا ليس في إسناد ابن السني. والأخرى: نزوله في تخريج الحديث إلى هذا وأبي نعيم! وإهماله عزوه إياه إلى ابن أبي شيبة وأحمد مع سلامة إسنادهما من الضعف، الأمر الذي لا يليق بـ (الحافظ) ! ثم إن الحديث من شرط " مجمع الزوائد " للهيثمي، ولكنه لم يورده، ولعل السبب أن أصله في " الصحيحين " من طريق أخرى عن ثابت عن أنس، وما أظن هذا يشفع له في تركه إياه. والله أعلم. 2951 - " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نبيذ الجر ". أخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (4 / 189 / 6836) وأحمد (3 / 66) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 112 / 1 / 2246) من طرق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي العالية قال: سئل أبو (وفي رواية: سألت أبا) سعيد الخدري عن نبيذ الجر؟ قال: فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والرواية الأخرى لأحمد، وزاد: " قال: قلت: فالجف؟ قال: ذاك أشر وأشر " . وخالف الطرق المشار إليها في تابعي الحديث عاصم - وهو الأحول - فقال: حدثنا محمد عن أبي العلانية قال: " أتيت أبا سعيد الخدري، فسلمت، فلم يؤذن لي.. " الحديث، فذكر قصة وفيه: " فسألته عن الأوعية؟ فلم أسأله عن شيء إلا قال: حرام، حتى سألته عن الجف؟ فقال: حرام. قال محمد: يتخذ على رأسه أدم فيوكأ ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1077) . قلت: ورجاله رجال الشيخين، لكن قوله في الإسناد المتقدم: " أبو العلانية ". خطأ أشار إليه النسائي بقوله عقب الإسناد المتقدم: " أبو العالية: الصواب، والذي قبله خطأ ". قلت: وفيه إشارة إلى أن قبل هذا الإسناد إسنادا آخر فيه الخطأ، وهو غير موجود في مطبوعة " كبرى النسائي " ولا في المصورة، ولعلها أصل المطبوعة، وقد وقفت على الساقط بواسطة " تحفة المزي " في موضعين منه (3 / 353 / 451) ، فقال في الموضع الثاني: " س في الوليمة عن عمرو بن علي عن يحيى عن هشام عن محمد عن أبي العلانية. تابعه يزيد بن هارون عن هشام. ورواه مخلد بن يزيد عن هشام عن

محمد بن سيرين فقال: عن أبي العالية، وقد مضى. قال (س) في حديث يحيى (!) هذا الصواب والذي قبله خطأ. والله أعلم ". قلت: ورواية عمرو بن علي.. عن أبي العلانية.. ومتابعة يزيد بن هارون لم أرها في " وليمة النسائي الكبرى "، ولا في غيره من مظان وجودها، بخلاف رواية مخلد فهي في " الأشربة " منه، من المطبوعة، والمصورة التي عندي، لكن وقع فيها " أبو العالية "، ولذلك قال النسائي عقبها: " أبو العالية الصواب، والذي قبله خطأ ". قلت: ولم يتقدم في المطبوعة ما يخالف الصواب المذكور، فالظاهر أن فيها سقطا يدل عليه ما تقدم. ثم إنه يبدو أن قوله في المطبوعة " أبو العالية " خطأ من الطابع أو الناسخ في السند وتعقيب النسائي عليه، وأن الصواب في الموضعين: أبو العلانية "، وبذلك يلتقي مع كلام المزي المتقدم، ويتفق مع كلام الحافظ العسقلاني في ترجمة أبي العلانية: " وقيل عن محمد عن أبي العالية عن أبي سعيد. قال النسائي: وهو خطأ ". ويبدو أيضا أن الخطأ المذكور قديم، فقد قال المزي عقب كلامه السابق: " وقع في بعض النسخ: " عن أبي العالية " في الحديثين جميعا، وكذلك ذكرهما أبو القاسم (يعني ابن عساكر) ، وهو وهم، فإن النسائي قد نبه على الخلاف في موضعين. والله أعلم ". وعلى هذا، فما في المصدرين المقرونين في أول التخريج مع النسائي: أحمد والطبراني خطأ أيضا، ويؤيده بالنسبة لرواية أحمد أن المزي رواه بإسناده عن أحمد

بسنده في " المسند " فقال: " أبو العلانية "، وبالنسبة للطبراني الذي رواه من طريق فهد بن عوف أبي ربيعة قال: أخبرنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني، وعاصم الأحول، وهشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي العالية.. فالجواب سهل، وهو أن فهدا هذا غير ثقة فلا يعتد بروايته فكيف بمخالفته؟! فقد تركه مسلم وغيره، وكذبه ابن المديني. أما بالنسبة لهشام، فقد تبين مما تقدم. وأما بالنسبة لعاصم الأحول، فقد خالفه عبد الواحد بن زياد، فقال البخاري في " الأدب المفرد " ( 1077) : حدثنا موسى بن إسماعيل: قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا عاصم حدثنا محمد عن أبي العلانية قال: فذكره بنحوه. وفيه قصة وهذا إسناد صحيح كما تقدم. وأما بالنسبة لروايته عن حماد عن أيوب، فالأمر مختلف، فقد وجدت له متابعا قويا، فقال عبد الرزاق في " المصنف " (9 / 206 / 16947) : عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي العالية، فهل هذا أيضا من بعض النساخ، ذلك مما يصعب القطع به إلا بعد الوقوف على نسخة أخرى عتيقة من " المصنف " غير التي طبع عليها، أو ما يؤيد ذلك من طرق أخرى عن أيوب. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم إن الحديث قد توبع عليه أبو العالية أو أبو العلانية، فقال قتادة: حدثني أربعة رجال عن أبي سعيد الخدري: فذكره. أخرجه أحمد (3 / 78) بسند صحيح، ومن هؤلاء الأربعة أبو نضرة. رواه مسلم (6 / 94) وأحمد (3 / 3) . وله شاهد من حديث عبد الله بن أبي أوفى. رواه البخاري (5596) وابن

2952

حبان (5378 ) ومن حديث ابن عمر من طرق عند مسلم (6 / 95 - 97) وابن حبان (5379 و 5387 ) وعنده عن أبي هريرة (5380) ومن طريق أخرى عنه نحوه (5377) . والحديث ظاهر في تحريم نبيذ الجر، وقد صرح بالتحريم ابن عمر في رواية لمسلم عنه، وفيه تصديق ابن عباس إياه، وقال: " الجر: كل شيء يصنع من المدر ". و ( المدر) : التراب. وقال ابن الأثير في " النهاية ": " وهو الإناء المعروف من الفخار، وأراد بالنهي: عن الجرار المدهونة لأنها أسرع في الشدة والتخمير ". وقد اختلف العلماء في حكم الانتباذ في الجرار على مذاهب ذكرها الحافظ في " الفتح " (10 / 58 - 62) ، فمن شاء الوقوف عليها رجع إليه. والذي يبدو لي - والله أعلم - أن النهي معلل بخشية تحول النبيذ في الجرار إلى مسكر دون أن يشعر المنتبذ، فإذا وجدت الخشية بالنسبة لبعض الناس، أو في بعض البلاد وجد المنع، وإلا جاز، وفي هذه الحالة يأتي قوله صلى الله عليه وسلم: ".. ونهيتكم عن الأشربة ألا تشربوا إلا في ظروف الأدم، فاشربوا في كل وعاء، غير أن لا تشربوا مسكرا ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص 178 - 179) وغيره. 2952 - " كيف أصبحت يا فلان؟ قال: أحمد الله إليك يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا الذي أردت منك ". أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 265 / 1 / 4538) من طريق

محمد بن أبي السري العسقلاني قال: أخبرنا رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل.. فذكره، وقال: " لا يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن أبي السري ". قلت: هو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبي السري، قال الحافظ الذهبي: " حافظ وثق، ولينه أبو حاتم ". وقال الحافظ العسقلاني في " التقريب ": " صدوق عارف، له أوهام كثيرة ". قلت: فمثله يستشهد به. ومثله شيخه رشدين بن سعد، وبه أعله الحافظ العراقي، فقال في " تخريج الإحياء " (4 / 84) : " ضعفه الجمهور لسوء حفظه ". وتبعه تلميذه الهيثمي، فقال في " المجمع " (8 / 46) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه رشدين بن سعد، وهو ضعيف ". وقال في موضع آخر (10 / 140) : " رواه الطبراني، وإسناده حسن "! كذا قال: وفيه نظر من وجهين: الأول: أنه أطلق العزو للطبراني، وهو يعني أنه في " المعجم الكبير "، وفي

الموضع الأول عزاه إلى " الأوسط "، وكذلك أطلق العزو للطبراني شيخه العراقي، ومن المؤسف أن مسند عبد الله بن عمرو من " المعجم الكبير " لم يطبع بعد حتى نتمكن من الجزم بأن عزوه إليه وهم. والله أعلم (¬1) . والوجه الآخر: تحسينه لإسناده، مع تضعيفه لراويه رشدين في الموضع الأول. نعم هو حسن ببعض الشواهد التي سأذكرها. فروى الفضيل بن عمرو قال: لقي النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من أصحابه فقال: كيف أنت؟ قال: صالح. قال: كيف أنت؟ قال: بخير أحمد الله تعالى. قال: " هذا الذي أردت منك ". أخرجه الطبراني في " الدعاء " (3 / 1668 / 1939) بإسناد رجاله كلهم ثقات، فهو صحيح لولا أن الفضيل هذا من أتباع التابعين، وفي " ثقاتهم " أورده ابن حبان (7 / 314) وقال: " يروي المقاطيع ". وهو من رجال مسلم. وقد صح موقوفا على عمر ، فالظاهر أنه تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال مالك في " الموطأ " ( 3 / 133) عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه سمع عمر بن الخطاب، وسلم عليه رجل فرد عليه السلام، ثم سأل عمر ¬

(¬1) ثم طبع جزء من " معجم عبد الله بن عمرو "، وإذا الحديث فيه (21 / 37) بإسناده في " الأوسط "، فصح العزو إلى " المعجم الكبير " أيضا، ولم يصح تحسينه لإسناده! . اهـ.

الرجل: كيف أنت؟ فقال : أحمد الله إليك. فقال عمر: ذلك الذي أردت منك. وإسناده صحيح، وكذلك قال الحافظ العراقي. ومن طريق مالك أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1132) والبيهقي في " الشعب " (4 / 109 / 4450) . وقد روي مرفوعا من طريق همام بن يحيى وحماد بن سلمة كلاهما عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: أن رجلا كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم عليه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كيف أصبحت؟ ". فيقول: أحمد إليك الله، وأحمد الله إليك. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له. فجاء يوما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " كيف أنت يا فلان؟ ". قال: بخير إن شكرت! فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: يا نبي الله! كنت تسألني فتدعو لي، وإنك سألتني اليوم فلم تدع لي؟ قال: " إني كنت أسألك فتشكر الله، وإني سألتك اليوم فشككت في الشكر ". أخرجه ابن أبي الدنيا في " الشكر " (28 / 38) ومن طريقه البيهقي في " الشعب " (4 / 109 / 4449) عن همام، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " (65 / 184) عن حماد. وقد روي مسندا، فقال أحمد (3 / 241) : أخبرنا مؤمل حدثنا حماد يعني ابن سلمة: حدثنا إسحاق بن عبد الله عن أنس بن مالك:

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلقى رجلا.. الحديث نحوه، وزاد في آخره: ".. فسكت عنك ". وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير مؤمل، وفيه ضعف ولاسيما إذا خالف الثقات، قال الحافظ: " صدوق سيىء الحفظ ". وقال الهيثمي في " المجمع " (8 / 183) : " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير مؤمل بن إسماعيل، وهو ثقة، وفيه ضعف ". هذا، وقد رويت أحاديث كثيرة عن جمع من الصحابة، وفي مناسبات عديدة في قوله صلى الله عليه وسلم: " كيف أصبحت ". من طرق مختلفة لا تخلو من مقال، لا داعي لإخراجها، ففي ما تقدم كفاية، ولكن من المفيد أن أشير إلى مصادرها: " مصنف ابن أبي شيبة " (11 / 42 و 43) ، " السنة " لابن أبي عاصم ( 1 / 180 / 415) ، " عمل اليوم والليلة " (180 - 183) ، " المعجم الكبير " ( 5 / 156 / 4887) ، " الحلية " (1 / 242) ، وغيرهم. وعمل بذلك السلف كما يدل على ذلك توارد الآثار بذلك، وقد أخرج طائفة منها الإمام البخاري في " الأدب المفرد " (1134 و 1135) وفيه (1133) حديث مرفوع في إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لمن قال له: " كيف أصبحت؟ " من رواية جابر رضي الله عنه، كنت أوردته فيما ضعفته من " سنن ابن ماجه "، ثم وجدت له شاهدا من حديث أبي هريرة فحسنته به، وبناء عليه جعلته في " صحيح الأدب المفرد " (878 / 1133) الذي أنا وشيك الانتهاء منه إن شاء الله تعالى. ثم صدر والحمد لله تعالى كما تقدم.

2953

2953 - " كان إذا أعجبه نحو الرجل أمره بالصلاة ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1 / 1 / 180) والبزار (1 / 453 / 716) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 343) والخطيب (4 / 360) من طريق يحيى بن عباد أبي عباد: حدثنا محمد بن عثمان عن ثابت عن أنس مرفوعا. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن عثمان وهو الواسطي، وفي ترجمته أورده البخاري، وقال: " سمع ثابتا البناني عن أنس بن مالك، قاله عبد الملك الجدي عن سعيد بن خالد عن محمد ". قلت: ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. وفي " الميزان ": " قال الأزدي: ضعيف ". وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (7 / 438) وقال: " يروي عن ثابت البناني. روى عنه أبو عوانة ". قلت: فقد روى عنه ثلاثة: يحيى بن عباد، وأبو عوانة، واسمه الوضاح اليشكري، وكلاهما ثقة من رجال الشيخين، وسعيد بن خالد وهو الخزاعي، وهو ضعيف. ومن طبقته محمد بن عثمان بن سيار القرشي البصري، سكن واسط، فقد ذكروا أنه روى عن ثابت البناني وذيال بن عبيد بن حنظلة وغيرهما. وعنه جماعة منهم محمد بن أبي بكر المقدمي كما يأتي في الحديث بعده، وأبو عباد يحيى بن عباد المذكور في إسناد هذا الحديث. فيحتمل عندي أن يكون هو هذا، فإن كان كذلك فالحديث صحيح، وإلا فهو حسن. والله سبحانه وتعالى أعلم.

والحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2 / 251 - 252) : " رواه البزار، وفيه يحيى بن عثمان القرشي البصري ولم أعرفه، روى عن أنس ن وبقية رجاله رجال الصحيح. قلت: ذكر ابن حبان في " الثقات " يحيى بن عثمان القرشي، ولكنه ذكره في الطبقة الثالثة ". وأقول: هذه لخبطة عجيبة - كما يقال في دمشق - من الهيثمي، فقد عرفت من إسناد الحديث أنه ليس فيه يحيى بن عثمان، لأنه من رواية يحيى بن [عباد أبو عباد: حدثنا محمد بن] عثمان [عن ثابت] عن أنس، كما تقدم. هكذا أورده هو نفسه في الموضع المشار إليه من " كشف الأستار "، فلما نقل الحديث إلى " المجمع " سقط من بصره كل ما حصرته بين الأقواس فنتج منه أن قام في ذهنه ما لا وجود له في الإسناد " يحيى بن عثمان القرشي البصري "! وهذا أعجب ما مر بي من السقط من مثل هذا الحافظ! وإن من تمام (اللخبطة!) وصفه ليحيى بن عثمان بـ " القرشي البصري "، فإن هذا الوصف لم يذكر في إسناد البزار أو غيره، وإنما هو وصف " محمد بن عثمان بن سيار القرشي البصري " الذي هو من طبقة محمد بن عثمان الواسطي كما ذكرته احتمالا آنفا. فكأنه دار في ذهن الهيثمي هذا الاحتمال، فسجله في كتابه على أنه حقيقة واقعة في هذا الإسناد، وهو خيال في خيال. وسبحان الله. ومن ذلك قوله بعد أن صرح بأنه لم يعرفه: " قلت: ذكره ابن حبان في " الثقات ".. " إلخ، فإن هذا لا يلتقي مع ما قبله. وأنا أظن أنه استدراك عليه من بعض العلماء - ولعله ابن حجر - كتبه على الحاشية، فظن الطابع أنه من كلام الهيثمي فطبعه فيه غير ملاحظ تدافعه مع

2954

الذي قبله، وكذلك لم يلاحظ ذلك الشيخ الأعظمي في تعليقه على هذا المكان من " الكشف "! (تنبيه) : قوله: " نحو الرجل "، الذي أفهمه من هذه الكلمة أنه يعني قصده واتجاهه، أي إلى الخير والعبادة (أمره بالصلاة) أي النافلة. وقد أشار إلى ذلك الهيثمي بإيراده الحديث في " باب في صلاة الليل "، وخفي ذلك على بعض المعلقين والكاتبين، فجاء في حاشية " تاريخ بغداد ": " كذا الأصل "! وقارب الصواب المعلق على " الحلية "، فقال: " كذا في الأصلين، ولعله يريد قصد الرجل ". وكان أبعدهم عن الصواب مؤلف " موسوعة أطراف الحديث النبوي "، فإنه طبعه في مكانين مختلفين (6 / 38) هكذا " بخور " بباء ثم خاء! معزوا لأربعة مصادر مما تقدم: البخاري والحلية والمجمع والخطيب، وهو فيها على الصواب! فحرفه هو إلى " بخور " مشعرا بأنه الصواب!! ثم إنني لم أر الحديث في " مختصر زوائد البزار " للحافظ الذي طبع حديثا، ولا في المصورة التي عندي، لنرى إذا ما استدرك شيئا على كلام شيخه الهيثمي المتقدم ، فلا أدري أهو مما فاته، أو أنه سقط من الناسخ أو الطابع. 2954 - " كان إذا صلى الفجر تربع في مجلسه حتى تطلع الشمس ". أخرجه أبو داود (4850) من طريق أبي داود الحضري: حدثنا سفيان الثوري عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال: فذكره.

2955

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، وأبو داود الحضري اسمه عمر بن سعد. وقد تابعه أبو نعيم عن سفيان به، إلا أنه لم يذكر التربع. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 249 / 1885) . وأخرجه مسلم وغيره من طرق أخرى عن سماك بألفاظ وزيادات متعددة دون التربع ، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1171) ، وهذه " السلسلة " (434) . وللتربع شاهد من حديث حنظلة بن حذيم قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيته جالسا متربعا. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1179) ومن طريقه المزي في " التهذيب " (7 / 435) والطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 15 / 3498) من طريق محمد بن أبي بكر قال: حدثنا محمد بن عثمان القرشي قال: حدثنا ذيال بن عبيد بن حنظلة: حدثني جدي حنظلة بن حذيم. قلت: وهذا إسناد حسن لذاته على الأقل لما عرفت في الحديث الذي قبله من حال محمد بن عثمان هذا، وبقية رجاله ثقات. 2955 - " لا، لا، لا، الصدقة خمس، وإلا فعشر، وإلا فخمس عشرة، وإلا فعشرون، وإلا فخمس وعشرون، وإلا فثلاثون، وإلا فخمس وثلاثون، فإن كثرت فأربعون ". أخرجه أحمد (5 / 67 - 68) : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم: حدثنا ذيال بن

عتبة ابن حنظلة قال: سمعت حنظلة بن حذيم (¬1) - جدي - أن جده حنيفة قال لحذيم: اجمع لي بني فإني أريد أن أوصي، فجمعهم، فقال: إن أول ما أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل التي كنا نسميها في الجاهلية (المطيبة) . فقال حذيم، يا أبت إني سمعت بنيك يقولون: إنما نقر بهذا عند (في المجمع: عين) أبينا، فإذا مات رجعنا فيه! قال: فبيني وبينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال حذيم: رضينا. فارتفع حذيم وحنيفة، وحنظلة معهم غلام، وهو رديف لحذيم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم سلموا عليه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وما رفعك يا أبا حذيم؟ ". قال: هذا. وضرب بيده على فخذ حذيم، فقال: إني خشيت أن يفجأني الكبر أو الموت، فأردت أن أوصي أن ليتيمي هذا الذي في حجري مائة من الإبل كنا نسميها في الجاهلية (المطيبة) ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأينا الغضب في وجهه، وكان قاعدا فجثا على ركبتيه، وقال: (فذكر الحديث) قال: فودعوه، ومع اليتيم عصا، وهو يضرب جملا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عظمت! هذه هراوة يتيم! ". قال حنظلة: فدنا أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن لي بنين ذوي لحى ودون ذلك، وإن ذا أصغرهم فادع الله له، فمسح رأسه وقال: " بارك الله فيك ، أو بورك فيك ". ¬

(¬1) الأصل هنا وفيما يأتي (جذيم) بالجيم، خطأ، والتصحيح من " المجمع " و" التقريب " وكتب الرجال. اهـ.

2956

قال ذيال: فلقد رأيت حنظلة يؤتى بالإنسان الوارم وجهه، أو البهيمة الوارمة الضرع فيتفل على يديه ويقول: بسم الله، ويضع يده على رأسه ، ويقول: على موضع كف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمسحه عليه. قال ذيال: فيذهب الورم. قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح، وقال الهيثمي (4 / 210 - 211) : " رواه أحمد، ورجاله ثقات ". فأقول حنظلة صحابي صغير دعا له الرسول صلى الله عليه وسلم كما ترى، وذيال وثقه ابن معين وابن حبان، وقول الأزدي: " فيه نظر "، مما لا يجوز الالتفات إليه هنا على الأقل. وأبو سعيد مولى بني هاشم اسمه عبد الرحمن بن عبد البصري، ثقة من رجال البخاري وقد تابعه محمد بن عثمان: حدثنا ذيال بن عبيد به مع اختصار الطرف الأول من القصة. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (4 / 15 / 3499 و 3500) . ورجاله ثقات أيضا غير محمد بن عثمان وهو القرشي، وقد عرفت حاله مما سبق بيانه في الحديث الذي قبله. 2956 - " من بات وفي يده غمر (¬1) ، فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه ". هو من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وله عنه طريقان: ¬

(¬1) في " القاموس ": " بالتحريك: زنخ اللحم ". اهـ.

أحدهما: من رواية الليث عن محمد بن عمرو بن عطاء عنه. أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (1219 ) والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 185 / 2 / 3407) من طريق محمد بن فضيل عنه. وقال الطبراني: " لم يروه عن محمد بن عمرو إلا ليث، تفرد به محمد ". قلت: وهو ثقة، وكذلك سائر رواته غير ليث، وهو ابن أبي سليم الحمصي، وهو ضعيف. والطريق الآخر: يرويه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس به. ويرويه عن الزهري جمع: الأول: سفيان بن عيينة. أخرجه الطبراني في " الأوسط " (1 / 30 / 2 / 494 - بترقيمي) من طريق الزبير بن بكار ، وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 348) من طريق أبي إسحاق عبد الوهاب بن فليح المقرىء ومحمد بن ميمون الخياط، ثلاثتهم عن سفيان به. وقال الطبراني: " لم يروه عن سفيان عن الزهري عن عبيد الله، إلا الزبير بن بكار "! كذا قال ّ وطريقا أبي نعيم يبطلانه، وخفي ذلك على المنذري، فقال في " الترغيب " (3 / 130) : " رواه البزار والطبراني بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح، إلا الزبير بن

بكار، وقد تفرد به كما قال الطبراني، ولا يضر تفرده، فإنه ثقة إمام ". ونحوه في " المجمع " (5 / 30) ! قلت: فقد عرفت أنه قد توبع من ابن فليح، وابن ميمون، وهما ثقتان أيضا، فالإسناد صحيح غاية.. وقد وهم المنذري في إطلاقه العزو للطبراني، فإنه لم يروه إلا في " الأوسط "، وإليه عزاه الهيثمي . الثاني: صالح بن أبي الأخضر عن الزهري به. أخرجه البزار (3 / 337 / 2886) وقال: " قد اختلف فيه عن الزهري، فقال ابن عيينة: عن الزهري عن عبيد الله مرسلا. وقال عقيل: عن الزهري عن عبيد الله عن أبي سعيد الخدري (الأصل: أبي سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) . وقال سفيان بن حسين: عن الزهري عن عروة عن عائشة ". قلت: ومرسل عبيد الله لم أقف عليه (¬1) ، فإن صح السند به إليه فيكون الصحيح عنه عن ابن عباس لرواية الثقات الثلاثة عنه، ومن الظاهر أن البزار لم يصل ذلك إليه. وصالح بن أبي الأخضر ضعيف، يعتبر به إذا لم يخالف. الثالث: عقيل عن ابن شهاب عن عبيد الله عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ: " من بات وفي يده ريح غمر، فأصابه وضح فلا يلومن إلا نفسه ". علقه البزار كما تقدم، ووصله الطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 43 / 5435) ¬

(¬1) ثم رأيته في " شعب الإيمان " (5 / 70 / 5811) بسند صحيح عنه. اهـ.

والبيهقي (5 / 70 / 5812) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني نافع بن يزيد عن عقيل به. قلت : عبد الله بن صالح فيه ضعف معروف. فلا تحتمل مخالفته في الإسناد وفي المتن أيضا، فإنه ذكر فيه " الريح " و " الوضح " وهو " البرص "، ومع ذلك قال المنذري (3 / 130) وتبعه الهيثمي: " رواه الطبراني بإسناد حسن "! الرابع: سفيان بن حسين عن الزهري عن عروة عن عائشة به، إلا أنه قال: " ريح غمر ". علقه البزار كما سبق، ووصله الطبراني في " المعجم الصغير " (ص 168 - هندية) من طريق عمر بن علي المقدمي عن سفيان بن حسين به. قلت: وهذه مخالفة واهية لأمرين: أحدهما: أن سفيان بن حسين ضعفوه في روايته عن الزهري خاصة. والآخر : أن عمر بن علي المقدمي كان يدلس تدليسا غريبا بحيث أنه لو صرح بالتحديث شك في سماعه كما هو مبين في ترجمته من " التهذيب ". وحديث عائشة هذا من شرط الهيثمي في " مجمعه "، ومع ذلك، فهو مما فاته، فلم يورده فيه. وجملة القول أن أصح هذه الطرق: طريق ابن عيينة عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس. والطريق الأولى عنه شاهد لا بأس به. وله شاهد من حديث أبي هريرة في السنن وغيرها مثل " الأدب المفرد " (1220) و " صحيح ابن حبان " (5496) وسنده صحيح على شرط مسلم

2957

كما قال الحافظ في " الفتح " (9 / 579) وقد خرجته قديما في " الروض النضير " (823) تحت حديث عائشة. ثم وقفت له على طريقين آخرين: الأول: يرويه أبو جعفر محمد بن جعفر المدني: حدثنا منصور بن أبي الأسود عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به. أخرجه الحاكم (4 / 137) وصححه، ووافقه الذهبي . قلت: وإسناده جيد، ورجاله ثقات رجال مسلم غير منصور هذا، وهو صدوق. والآخر: يرويه معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به. أخرجه البيهقي (7 / 276) ، وفي " الشعب " (5 / 70 / 5813 و 5814) . قلت: وهذا إسناد آخر للزهري صحيح. 2957 - " [وراءك] يا بني! إنه قد حدث أمر، فلا تدخل علي إلا بإذن. قاله لخادمه أنس بن مالك ". أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (807) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 393) وأحمد (3 / 199 و 209) ومن طريقه الحافظ المزي في " تهذيب الكمال " ( 11 / 239) والبيهقي في " الشعب " (6 / 164 - 165) من رواية جرير بن حازم عن سلم العلوي عن أنس بن مالك قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكنت أدخل عليه بغير إذن، فجئت ذات يوم فدخلت عليه، فقال: فذكره دون الزيادة . لكن تابعه حماد بن زيد: حدثنا سلم العلوي.. بلفظ:

لما نزلت آية الحجاب ذهبت أدخل كما كنت أدخل، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " وراءك يا بني! ". أخرجه أحمد (3 / 227 و 238) وأبو يعلى (4276) وعنه ابن السني (317) ، والطحاوي أيضا، وابن عدي في " الكامل " (3 / 329) . قلت: وإسناده ضعيف ، رجاله ثقات، غير سلم العلوي، فإنه ضعيف عند النسائي وغيره، وليس لتهمة في صدقه، وإنما لقلة حديثه، فإنها لا تساعد على الحكم عليه بتوثيق أو تضعيف كما أفصح عن ذلك ابن عدي في آخر ترجمته، ثم روى بسنده الصحيح عن ابن معين أنه سئل عنه؟ فقال: " ثقة ". وقد خرجت له حديثا في " الضعيفة " (4255) ، وإنما أوردت حديثه هذا هنا في " الصحيحة "، لأنه قد تبين لي أنه حفظه، بمجيئه من غير طريقه. فقد روى أبو عوانة عن الجعد أبي عثمان عن أنس بن مالك قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا بني! ". أخرجه مسلم (6 / 177) وأبو داود (4964) والترمذي (2833) وابن أبي شيبة في " المصنف " (9 / 83 / 6608) وابن سعد في " الطبقات " (7 / 20) وأحمد (3 / 285) والبيهقي (10 / 200) . وقد روى الجعد هذا عن أنس قصة بنائه صلى الله عليه وسلم، ونزول آية الحجاب: * (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم.. ) * الآية، وفي آخرها: " قال الجعد: قال أنس بن مالك: أنا أحدث الناس عهدا بهذه الآيات، وحجبن نساء النبي صلى الله عليه وسلم ".

2958

أخرجه مسلم (4 / 151 ) . قلت: فهذا مع ما قبله من حديث الجعد: " يا بني "، يشهد لحديث سلم العلوي ، ويبين أن (الحدث) الذي فيه إنما هو نزول آية الحجاب المصرح به في بعض الطرق عن سلم كما تقدم، وأنه بهذه المناسبة قيل له: " لا تدخل إلا بإذن ". ويؤكد ذلك ما جاء في رواية أخرى لمسلم (4 / 149) عن ثابت وغيره في هذه القصة، قال: " فانطلق حتى دخل البيت، فذهبت أدخل معه، فألقى الستر بيني وبينه، ونزل الحجاب ". ثم وجدت له طريقا أخرى، يرويه صالح بن كيسان عن الزهري عن أنس مختصرا بلفظ: أنا أول الناس علم بآية الحجاب، لما نزلت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تدخل على النساء ". فما مر علي يوم كان أشد منه. (انظر الاستدراك 4) . 2958 - " كأني أنظر إلى موسى بن عمران منهبطا من ثنية هرشى ماشيا ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 27 / 3747) : أخبرنا المفضل (¬1) بن محمد الجندي - بمكة - حدثنا علي بن زياد اللحجي (¬2) : حدثنا أبو قرة عن ابن جريج قال : حدثني يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ¬

(¬1) و (¬2) الأصل " الفضل " و " اللخمي "، والتصحيح من كتب الرجال. اهـ.

2959

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، من ابن جريج فصاعدا من رجال الشيخين. وأما أبو قرة - واسمه موسى بن طارق اليماني - فهو ثقة من رجال النسائي. وعلي بن زياد اللحجي، وثقه ابن حبان (8 / 470) وقال: " مستقيم الحديث ". وروى عنه جمع من الثقات كما في كتاب " تيسير الانتفاع "، يسر الله لي إكماله بفضله وكرمه. والمفضل بن محمد الجندي، فهو محدث مكة، وثقه الحافظ أبو علي النيسابوري كما في " سير أعلام النبلاء " (14 / 258) . وللحديث شواهد بعضها في " صحيح مسلم " وابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن ابن عباس، وقد سبق تخريجها (2023) ، وإنما خرجته هنا من حديث أبي هريرة لعزته. 2959 - " أنت سفينة ". أخرجه الحاكم (3 / 606) وأحمد (5 / 220 و 221 و 222) والبزار (3 / 270 - 271) والروياني (ق 126 / 2) وابن عدي (3 / 401) والطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 96 - 97) وأبو نعيم في " الحلية " (1 / 369) وفي " المعرفة " (1 / 300 / 2) من طرق عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: كنا [مع رسول الله صلى الله عليه وسلم] في سفر، قال: فكان كلما أعيا رجل ألقى علي ثيابه، ترسا أو سيفا، حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا أو قريبا منه، فإن سعيدا هذا فيه كلام يسير، لكنه قد توبع، فقال شريك: عن عمران النخلي عن مولى لأم سلمة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فانتهينا إلى واد، قال: فجعلت أعبر الناس أو أحملهم، قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما كنت اليوم إلا سفينة، أو ما أنت إلا سفينة ". قيل لشريك: هو سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنها؟ هكذا هو في " المسند " لم يقع فيه جواب شريك، وهو سؤال تقرير. أخرجه أحمد (5 / 221) والروياني (128 / 1) . وشريك هو ابن عبد الله القاضي، وهو حسن الحديث في الشواهد. وعمران النخلي، وثقه ابن حبان (5 / 223) وروى عنه أيضا ابنه حماد بن عمران، وأبو نعيم كما في " الجرح " (3 / 1 / 300) ، وسمى أباه عبد الله بن كيسان. وفي ذكره أبا نعيم في الرواة عنه وقفة عندي، لأن البخاري لم يشاركه في هذا أولا، ثم هو إنما ذكره راويا عن ابنه حماد ثانيا. ووافقه ابن أبي حاتم على هذا ثالثا. والله أعلم. (تنبيه) : (النخلي) نسبة إلى ( النخلة) ، ووقع في المسند: (البجلي) ، وفي " الروياني ": (النخعي) ، والتصحيح من " تاريخ البخاري " و " جرح الرازي " و " أنساب السمعاني ". وما في " المسند " كأنه خطأ قديم فقد وقع كذلك في " مجمع الزوائد " (9 / 366) وقال عقب حديثه: " رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ".

2960

كذا قال: " بإسنادين "، ولم يظهر لي صوابه. والله أعلم. والحديث رواه المزي في ترجمة " سفينة " من " تهذيبه " (11 / 205 - 206) والذهبي في " سيره " (13 / 179) ، في ترجمة أبي قلابة الرقاشي بسنده عن سعيد بن جمهان به. وقال الذهبي: " هذا حديث حسن من العوالي، بل هو أعلى ما وقع لأبي قلابة ". وأقول: بل هو صحيح بمتابعة عمران النخلي لسعيد. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2960 - " انزل عن القبر، لا تؤذ صاحب هذا القبر ". أخرجه أحمد (ق 222 / 2 - أطراف " المسند ") وأبو نعيم في " معرفة الصحابة " (2 / 81 / 1) وابن الأثير في " أسد الغابة " (3 / 712) وابن عساكر في " التاريخ " (13 / 422) من طرق عن عبد الله بن وهب: حدثني عمرو بن الحارث عن بكر ابن سوادة أن زياد بن نعيم حدثه أن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير زياد - وهو ابن ربيعة بن نعيم الحضرمي - وهو ثقة بلا خلاف. وتابعه ابن لهيعة عن بكر بن سوادة به. أخرجه أحمد، وأبو نعيم. لكن ابن لهيعة فيه ضعف من قبل حفظه، وقد اضطرب في إسناده، فرواه مرة هكذا وفق الرواية الصحيحة هذه، ومرة قال: عن بكر بن سوادة عن زياد بن

نعيم عن عمارة بن حزم قال: فذكره، فقال: " عمارة " مكان " عمرو "، وزاد: " ولا يؤذيك ". أخرجه أحمد (ق 212 / 1) وأبو نعيم (102 / 2) وابن منده في " المعرفة " ( 2 / 75 / 1) والحاكم (3 / 590) ، وسكت عنه هو والذهبي، ولعل ذلك لحال ابن لهيعة. وقال في موضع آخر: عن زياد بن نعيم أن ابن حزم - إما عمرو، وإما عمارة - قال: فذكره. أخرجه أحمد. وثمة اختلاف آخر، بسند مخالف لكل ما تقدم، فقال يحيى بن عبد الله بن بكير عنه عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن النضر بن عبد الله السلمي ثم الأنصاري عن عمرو بن حزم قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم على قبر فقال: فذكره مع الزيادة. أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (1 / 296) . لكنه قد توبع على هذا الإسناد من عمرو بن الحارث عن ابن أبي هلال عن أبي بكر بن حزم به مختصرا بلفظ: " لا تقعدوا على القبور ". أخرجه ابن عساكر أيضا. وتابعه ابن وهب أيضا عن سعيد بن أبي هلال به. أخرجه أحمد أيضا.

وتابعه خالد - وهو ابن يزيد المصري - عن ابن أبي هلال به. أخرجه النسائي (1 / 287) وفي " الكبرى " (1 / 658) . قلت: فهو بهذه المتابعات صحيح، لولا أن النضر هذا مجهول لا يعرف كما قال الذهبي، وكذا العسقلاني في " التقريب "، وإن كان تعقبه في " التهذيب " بما لا طائل تحته! لكن الحديث صحيح بالطريق الأولى، ومتنه أصرح في الدلالة على تحريم الجلوس من هذا صراحة لا تقبل التأويل، بخلاف هذا، فقد تأوله الطحاوي وغيره بالجلوس للغائط أو البول! وحكايته تغني عن الرد عليه، وهذا المتن يبطله، وانظر " أحكام الجنائز " (ص 210) . (تنبيه) : يرى القراء الكرام أنني عزوت الحديث لأحمد بواسطة " أطراف المسند " للحافظ ابن حجر العسقلاني، وهذا خلاف ما جريت عليه دائما من العزو للمسند مباشرة مع ذكر الجزء والصفحة من الطبعة القديمة، أو الرقم أحيانا من الطبعة الجديدة بتحقيق أحمد شاكر رحمه الله تعالى ، فقد يقول قائل: فما عدا عما بدا؟ والجواب: أن الحديث ليس في " المسند " المطبوع بأي رواية من الروايات المنقولة عن " الأطراف "، مع أنه قد عزاه إليه جمع من الحفاظ، منهم المجد ابن تيمية في " المنتقي "، والخطيب التبريزي في " المشكاة " (1721) ، والحافظ في " الإصابة "، وفي " الفتح " أيضا (3 / 224 - 225) باللفظ، وقال: " إسناده صحيح "، وباللفظ الآخر أيضا الذي عند النسائي، ولم يعزه إليه! ولذلك كنت علقت على " المشكاة " بقولي: " لم أجده في " المسند "، بل أجزم أنه ليس فيه، فإن الهيثمي لم يورده في

" المجمع "، وكذا المنذري في " الترغيب "، ثم الشيخ البنا في " الفتح الرباني "، بل إن عمرو بن حزم ليس له في " مسند أحمد " شيء مطلقا. نعم أورد المنذري (4 / 190) ، ثم الهيثمي (3 / 61) نحوه من حديث عمارة بن حزم برواية الطبراني في " الكبير "، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف ". قلت: وبهذا التتبع والتخريج تبينت لي حقيقتان هامتان: الأولى: أن الحديث صحيح بمتابعة عمرو بن الحارث لابن لهيعة. والأخرى: أن " مسند أحمد " المطبوع فيه خرم، بدليل عزو الحافظ وغيره لهذا الحديث إليه، مما يجعلني أظن أن له رواية أخرى أوسع مادة من رواية المطبوع، فيكون أمره من هذه الحيثية كأمر " مسند أبي يعلى " المطبوع، فإن له رواية أخرى أوسع منه، وهي التي يعتمد عليها الحافظ في " المطالب العالية " خلافا لشيخه الهيثمي، فإنه اقتصر على الرواية المختصرة كما نص عليه هو في المقدمة. والله أعلم. (تنبيه ثان) : لقد ذكر الحافظ الحديث بلفظ النسائي: (القعود) في ترجمة راويه نضر بن عبد الله السلمي من " التهذيب "، ثم قال: " قلت: قرأت بخط الذهبي: " لا يعرف ". وهذا كلام مستروح، إذا لم يجد المزي قد ذكر للرجل إلا راويا واحدا جعله مجهولا، وليس هذا بمطرد "! فأقول: هذه قعقعة لا مفعول لها! لأنه يوهم أن له راويا آخر غير أبي بكر بن أبي حزم، فهو غير مجهول، وليس كذلك، لأنه لم يذكر له غيره كما يأتي، غاية ما في الأمر أنه اختلف عليه في اسمه، فقال بعضهم عنه: عبد الله بن النضر " فقلبه! ولذلك لم يسع الحافظ حين اختصر ترجمته من " التهذيب " إلا أن يقول في " التقريب ": " مجهول "!

وهذا هو الصواب. ولكن ليس هذا هو المقصود بالتنبيه هنا، وإنما هو قوله عقب ما نقلته عنه آنفا: " لكن هذه الترجمة من حقها أن يعتنى بها، فالظاهر أنها من قسم المقلوب، فإن الحديث رواه مالك عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن النضر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعض رواة مالك: عن أبي النضر.. ". ويؤسفني أن أقول: (أسمع جعجعة ولا أرى طحنا) ، فإن الحافظ رحمه الله لم يذكر في عنايته هذه ما يستفاد منه زيادة تعريف بالنضر بن عبد الله ردا على تجهيل الذهبي إياه سوى أنه اختلف على مالك في اسمه، فأي عناية في هذا؟! ولو أنه تنبه لما ذكرته فيما تقدم من اتفاق يزيد بن أبي حبيب وسعيد بن أبي هلال - وهما ثقتان - على تسميته بالنضر بن عبد الله في رواية أبي بكر بن حزم عنه، لأفاد أن هذا هو الراجح على اضطراب الرواة على مالك في اسمه، وإلا فأي فائدة في حكاية الاضطراب دون ترجيح للصواب؟! ولاسيما وهو في صدد الرد على الذهبي تجهيله إياه، وبخاصة أنه ختمها بقوله: " قال ابن عبد البر: لا أعرف في رواة الموطأ مجهولا غيره "! والخلاصة أن الحافظ - عفا الله عنا وعنه - لم يصنع شيئا في هذه العناية التي ادعاها سوى أنه انتهى إلى أن النضر هذا مجهول، لتفرد أبي بكر بن حزم بالرواية عنه، وإن اختلف الرواة عن مالك في اسمه. ومما يحسن ذكره أن ما ذكره من الاختلاف استفاده من كتاب " التمهيد " للحافظ ابن عبد البر، وهو في المجلد (13 / 86 - 87) . هذا كله استطراد جرنا إليه ادعاء الحافظ المشار إليه، ورده على الذهبي تجهيله للنضر الذي وافقه عليه، وإلا فالتنبيه الذي هو بيت القصيد - كما يقال - إنما هو قوله المتقدم:

" فإن الحديث رواه مالك عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم.. " إلخ. لا يمكن أن يفهم منه إلا أنه عنى الحديث الذي كان ذكره قبل سطور في ترجمة راويه النضر، وهو حديث القعود على القبر كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وهذا لم يروه مالك البتة، وإنما روى بسنده الذي ذكره الحافظ عن أبي النضر السلمي مرفوعا حديثا آخر بلفظ: " لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد.. " الحديث. انظر " الموطأ " آخر " الجنائز " (1 / 235) وهو في " صحيح مسلم " وغيره من حديث أبي هريرة ونحوه، وقد مضى برقم (2302) . وتنبيه أخير: جاء في فهرس " المسند " لأخينا الفاضل حمدي السلفي (3 / 336) ما نصه: " ... - لا تقعدوا على القبور. عن أبي مرثد (4 / 135 مرتين) ". فأقول : الحديث في المكان المشار إليه بلفظ: " لا تجلسوا "، وليس له ذكر في " المسند " المطبوع باللفظ الذي ذكره، كما تقدم التنبيه عليه. ثم قال في التعليق: ".. وانظر التعليق على حديث: لا تؤذ صاحب القبر ". فطلبته في محله فإذا هو تعليق على حديث آخر! وفيه يشير إلى خطأ من عزاه لمسند أحمد، وينفي أن يكون فيه!! على نحو ما كنت ذكرت في " المشكاة "، وقد تجلت الحقيقة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

2961

2961 - " أوتر صلى الله عليه وسلم بخمس، وأوتر بسبع ". أخرجه ابن نصر المروزي في " قيام الليل " (ص 121 - هند) : حدثنا إسحاق ومحمد ابن بشار قالا: حدثنا وهب بن جرير حدثنا شعبة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر.. وهكذا أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (4 / 71 / 2429) من طريق شيخه عبد الله بن محمد الأزدي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم: أخبرنا وهب بن جرير حدثنا سعيد عن هشام به. كذا وقع فيه " سعيد " مكان " شعبة ". فلا أدري أهكذا وقعت الرواية له، أم هو تحريف من بعض النساخ، كما يغلب على الظن، لأنهم لم يذكروا في ترجمته - وهو سعيد بن عبد الرحمن الجمحي - أنه روى عنه جرير - وهو ابن حازم - وإنما ذكروه في الرواة عن شعبة. وعلى هذا فالإسناد صحيح على شرط الشيخين. وأما على احتمال أنه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي، فهو إسناد حسن لأن الجمحي هذا وإن كان من رجال مسلم فقد تكلم فيه من قبل حفظه، قال الحافظ: " صدوق له أوهام، وأفرط ابن حبان في تضعيفه " . وللحديث شاهد من حديث أم سلمة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بخمس أو سبع، لا يفصل بينهن بكلام، ولا بتسليم ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (3 / 27 / 4668) عن الثوري عن منصور عن الحكم عن مقسم عنها.

2962

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير مقسم، فهو من رجال البخاري، ولكنه لم يسمع من أم سلمة، كما قال هو وغيره من الأئمة. لكن صح حديثها من حديث عائشة من طريق آخر عن هشام بن عروة عن أبيه عنها أتم منه، لكن ليس فيه: " أو سبع " . وكذلك رواه مسلم (2 / 166) مختصرا. انظر " صلاة التراويح " (ص 104) . (تنبيه) : علق محقق " الإحسان " طبع الرسالة (6 / 193) على قوله في إسناد الحديث: " سعيد " بقوله: " كذا الأصل، ولم أتبينه، ويغلب على ظني أنه محرف عن " شعبة ". ولم أجد الحديث بهذا السند عند غير المؤلف ". قلت: فقد أوجدناكه - والفضل لله وحده -، وبه ترجح لدي صواب الظن الذي ذكره. والله الموفق. 2962 - " كان يوتر بركعة، وكان يتكلم بين الركعتين والركعة ". أخرجه ابن أبي شيبة (2 / 291) : حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا. قلت: وهذا إسناد عزيز صحيح على شرط الشيخين، وأصله في " صحيح مسلم " (2 / 165) من طريق أخرى عن الزهري به أتم منه دون قوله: " وكان يتكلم.. ". وكذلك رواه ابن حبان (4 / 69 / 2422) ، وغيره، وهو مخرج في

2963

" صلاة التراويح " (ص 106) . وروى ابن حبان (4 / 66 و67 و 668) من طريق ابن أبي ذئب وغيره الطرف الأول منه. والحديث شاهد قوي لما رواه نافع: أن عبد الله بن عمر كان يسلم بين الركعة والركعتين في الوتر حتى يأمر ببعض حاجته. أخرجه البخاري (991) . 2963 - " صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (2 / 216 / 3118) وإسماعيل القاضي (18 / 45 ) والبيهقي في " الشعب " (1 / 148 / 131) والخطيب في " التاريخ " (8 / 105 ) وكذا أبو الحسن الهاشمي في " الفوائد المنتقاة " (ق 104 / 1) والديباجي أيضا (2 / 81 / 1) وأبو القاسم الشهرزوري في " الأمالي " (ق 179 / 1) وابن المظفر في " المنتقى من حديث هشام بن عمار " (4 / 2) وأبو إسحاق الطرسوسي في " مشيخته " (35 - 36) ، وكذا علي بن حرب في " حديث ابن عيينة " (2 / 100 / 2) من طرق عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة مرفوعا. وقال الطرسوسي: " حديث غريب، وموسى ضعفوه، وشيخه محمد مجهول ". قلت: تقدم الكلام على موسى وضعفه في ما سبق. وأما محمد بن ثابت هذا فلم ينسب، وهو من رجال الترمذي وابن ماجه، وهو مجهول كما قال الطرسوسي تبعا لابن معين وغيره، وتبعهم الذهبي

والعسقلاني، ولذلك لما عزاه في " الفتح " (11 / 169) لإسماعيل القاضي جزم بضعف سنده. والحديث أورده الحافظ في " المطالب العالية " (3 / 225) من رواية ابن أبي عمر، وسكت عنه، وأعله البوصيري بضعف موسى بن عبيدة. وله شاهد واه من رواية الحسن بن علي المعروف بـ (الطوابيقي) : حدثنا علي بن أحمد البصري - جار حميد الطويل - قال: حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك مرفوعا. أخرجه الخطيب في " التاريخ " (7 / 380 - 381) في ترجمة الطوابيقي هذا، وقال: " حدث عن علي بن أحمد البصري شيخ له مجهول. روى عنه يوسف القواس ". ثم ساق له هذا الحديث ولم يزد، وذلك يعني أنه مجهول أيضا، وهو مما يستدرك على " الميزان " و " اللسان "، وكذلك شيخه ! وله شاهد آخر بمعناه في قصة، يرويه محمد بن حجر بن عبد الجبار بن وائل بن حجر قال: حدثني سعيد بن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أمه عن وائل بن حجر قال : بلغنا ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ملك عظيم وطائفة، فنهضت راغبا في الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورفضت ما كنت فيه حتى قدمت المدينة.. الحديث، وفيه القصة. أخرجه العقيلي في " الضعفاء " (4 / 59 / 1610) في ترجمة محمد بن حجر هذا، وروي عن البخاري أنه قال:

" فيه بعض النظر " (¬1) . ثم ساق له هذا الحديث، وقال: " لا يعرف إلا به ". وقد رواه الطبراني من هذا الوجه في " المعجم الكبير " (22 / 46 - 49) وأيضا في " المعجم الصغير " (رقم 895 - الروض) أخرجه مطولا جدا، وليس فيه موضع الشاهد ، وروى البزار في " مسنده " (3 / 277 - الكشف) طرفا منه، وفيه: " فرفع صلى الله عليه وسلم يديه فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبيين، واجتمع الناس إليه.. " الحديث. وقال الهيثمي في " المجمع " (9 / 373) : " رواه البزار، وفيه محمد بن حجر، وهو ضعيف ". وكذا قال (9 / 376) في رواية المعجمين الطويلة جدا: " وفيه محمد بن حجر، وهو ضعيف ". ثم وقفت على طريق أخرى للحديث عن أنس هي خير من طريق الخطيب، رواه إبراهيم بن أيوب قال: حدثنا النعمان عن أبي العوام عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين ". أخرجه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (1 / 167) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 335) من طريقين عن إبراهيم بن أيوب به. ¬

(¬1) كذا فيه، وفي " تاريخ البخاري (1 / 1 / 69) : " فيه نظر " دون لفظ " بعض ". اهـ.

قلت: وهذا إسناد حسن لولا أن إبراهيم هذا ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح " (1 / 1 / 89) وقال: " سألت أبي عنه؟ فقال: لا أعرفه ". وذكر أنه روى عنه النضر بن هشام الأصبهاني وعبد الرزاق بن بكر الأصبهاني. قلت: فهو على شرط ابن حبان في " الثقات "، لأنه يورد عادة له فيه من روى عنه ولو واحد، فكيف وقد روى عنه اثنان كما رأيت، كيف وقد روى عنه ثالث هو: عبد الله بن داود بن الهذيل، كما ذكر الحافظ في " اللسان "، وإن كنت لم أعرفه الآن، بخلاف الأولين فهما صدوقان، مترجمان في " الجرح ". ثم هو مترجم في " الطبقات " (1 / 190 - 191) وفي " الأخبار " (1 / 172 - 173) بما يدل على صلاحه، فذكرا - وتبعهما الحافظ -: " كان صاحب تهجد وعبادة، لم يعرف له فراش أربعين سنة، كان يخضب رأسه ولحيته ". على أنه قد توبع، فقال أحمد بن سليمان بن يوسف العقيلي: حدثنا أبي حدثنا النعمان بن عبد السلام: حدثنا أبو العوام به. أخرجه أبو نعيم أيضا (1 / 113) في ترجمة أحمد بن سليمان العقيلي، ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، لكنه ساق له ثلاثة أحاديث من رواية ثلاثة شيوخ عنه، وكلهم ثقات: 1 - محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو أحمد القاضي العسال راوي الحديث عنه. 2 - سليمان بن أحمد الطبراني الحافظ صاحب المعاجم الثلاثة.

3 - عبد الله بن محمد بن جعفر، وهو أبو الشيخ مؤلف " الطبقات "، وقد ترجم فيه للعسال ترجمة حسنة (2 / 355) . فرواية هؤلاء الحفاظ عنه يلقي الاطمئنان في النفس أنه صدوق إن شاء الله تعالى. وأما أبوه سليمان بن يوسف العقيلي، فقد ترجمه أبو نعيم في " الأخبار " (1 / 334) برواية ابنه عنه عن النعمان بن عبد السلام بسند آخر له عن ابن مسعود مرفوعا: " خير أمتي قرني.. " الحديث. وقال: " توفي سنة إحدى وأربعين ومائتين ". ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا. فهو على الستر، فيمكن الاستشهاد به. والله سبحانه وتعالى أعلم. وعلى هذا فالحديث بهذه المتابعة من سليمان بن يوسف العقيلي لإبراهيم بن أيوب، يرتقي إلى مرتبة الحسن، فإن أبا العوام وهو عمران بن داود القطان قال الحافظ: " صدوق يهم ". ثم هو بمجموع حديث أبي هريرة، وحديث حميد الطويل عن أنس، وحديث وائل بن حجر يرتقي إلى مرتبة الصحيح، لأنه ليس فيها متهم. ثم رأيت الحافظ السخاوي في" القول البديع " قال عقب حديث أنس من الطريق الأولى (ص 39 - 40) : " وذكر المجد اللغوي أن إسناده صحيح محتج برجاله في " الصحيحين "، والله أعلم، ورواه أبو نعيم في (الأحمدين) من " تاريخ أصبهان " (يعني طريق العقيلي) ، وعن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

" إذا صليتم على المرسلين فصلوا علي معهم، فإني رسول من المرسلين ". رواه ابن أبي عاصم، وإسناده حسن جيد، لكنه مرسل ". اهـ. ثم ذكره من حديث أبي هريرة وأعله بـ (موسى بن عبيدة الربذي) ، لكنه قال: " وهو وإن كان ضعيفا فحديثه يستأنس به ". قلت: وفيه إشعار إلى أنه يميل إلى تقوية الحديث. والله أعلم. (تنبيهان) : الأول: علق محققا " طبقات المحدثين " على ترجمة إبراهيم بن أيوب الفرساني (1 / 190) بقولهما: " ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 50) قال: سألت أبي عنه، فقال: صالح محله الصدق "! فأقول: لا أدري ما هي الطبعة التي يشير إلى جزئها وصفحتها بالرقمين المذكورين، فإن الطبعة الأصلية التي أنقل منها ليس المترجم في المكان المشار إليه بالرقمين المذكورين، وإنما فيه: " الحسين بن حفص الأصبهاني.. سألت أبي عنه؟ فقال: صالح محله الصدق ". فهذا وهم عجيب لا أذكر أنه مر علي مثله، فالذي يقع من بعض الكاتبين أو المؤلفين عادة أن ينتقل بصره من ترجمة إلى أخرى فوقها أو تحتها في نفس الصحيفة أو في التي تقابلها، أما أن ينتقل من جزء وصفحة إلى جزء آخر وصفحة أخرى فهذا غريب جدا. وقد عرفت مما نقلته (ص 1127) عن ابن أبي حاتم أنه قال عن أبيه: " لا أعرفه "! والآخر: أن في " اللسان " قبل ترجمة إبراهيم بن أيوب الفرساني هذا

ترجمة (إبراهيم بن أيوب الجرجاني..) اختلطت بترجمة الفرساني هذا، جاء في أول هذه وآخر تلك لفظ : " حدثنا "، فصارت هذه عقب تلك هكذا: " حدثنا إبراهيم بن أيوب الفرساني.. " إلخ. وإن مما لا شك فيه أن اللفظ المذكور زيادة مقحمة من بعض النساخ لم يتنبه لها المعلق أو المصحح، فألحق هذه بتلك طباعة، وأعطاهما رقما واحدا هو (70) ، ونتج من وراء ذلك أن التضعيف الوارد في الترجمة الأولى تعدى إلى الأخرى، فيرجى الانتباه لهذا. ثم رأيت الحديث باللفظ الذي رواه ابن أبي عاصم الذي نقلته آنفا عن السخاوي - في " مسند الديلمي " (1 / 32 / 1) من طريق ابن أبي عاصم عن محمد بن أزهر عن سليمان ابن عبد الرحمن عن شعيب بن إسحاق عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا. كذا وقع فيه " عن أنس " مسندا، وفي نقل السخاوي المشار إليه: " عن قتادة " مرسلا. ولعل هذا هو المحفوظ عن ابن أبي عاصم، فإن في الطريق إليه عند الديلمي عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المعدل وهو الأصبهاني الذكواني، أورده الذهبي في " الميزان " وقال: " قال يحيى بن منده : تكلموا في سماعه لأنه ألحق سماعه بسماع جماعة، وعامة سماعه بخط والده ". وكذا في " سير أعلام النبلاء " (17 / 608 - 609) . وشيخه فيه عبد الله بن محمد بن فورك الراوي عن ابن أبي عاصم لم أجد له ترجمة، وهو غير محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني الأشعري المتكلم المترجم في " السير " (17 / 214 - 216) .

2964

فألقي في نفسي أن هذا الإسناد لعله الذي قال فيه المجد اللغوي: " إسناده صحيح ، محتج برجاله في الصحيحين ". لكن شيخ ابن أبي عاصم فيه " محمد بن أزهر " ليس من رجالهما، وهو الجوزجاني. قال ابن حبان في " الثقات " (9 / 123) : " شيخ .. روى عنه أحمد بن سيار (وفي " اللسان ": سنان) ، كثير الحديث، يتعاطى الحفظ، من جلساء أحمد بن حنبل ". ثم رأيت الحديث في " الجامع الكبير " بلفظ ابن أبي عاصم، وقال: " رواه الديلمي عن أنس، ورواه ابن أبي عاصم عن قتادة مرسلا، وسنده حسن ". انظر الاستدراك رقم (5) . 2964 - " كم من عذق دواح لأبي الدحداح في الجنة - مرارا ". أخرجه أحمد (3 / 146) وابن حبان (2271 - موارد) والطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 300 / 763) والحاكم (2 / 20) ومن طريقه البيهقي (3 / 249 / 3451) والضياء المقدسي في " المختارة " (1 / 515) من طرق عن حماد بن سلمة : حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك: أن رجلا قال: يا رسول الله! إن لفلان نخلة، وأنا أقيم نخلي بها، فمره أن يعطيني [إياها] [حتى] أقيم حائطي بها. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أعطها إياه بنخلة في الجنة " .

فأبى، وأتاه أبو الدحداح فقال: بعني نخلك بحائطي. قال: ففعل. قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني قد ابتعت النخلة بحائطي، فاجعلها له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره. فأتى امرأته فقال: يا أم الدحداح! اخرجي من الحائط، فإني بعته بنخلة في الجنة. فقالت: قد ربحت البيع. أو كلمة نحوها. وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. ولحديث الترجمة شاهد من حديث جابر بن سمرة مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم، وابن حبان (9 / 144 / 7113 و 7114) وغيرهما، وصححه الترمذي، وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (75) . وشاهد آخر من رواية عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم قال: " لما نزلت * (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا..) * جاء ابن (!) الدحداح.. " الحديث نحوه ليس فيه قصة الرجل، وشراء أبي الدحداح منه النخلة، وفيه حديث الترجمة. أخرجه ابن جرير في " التفسير "، وإسناده مرسل صحيح. وقد روي موصولا من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عمر بن الخطاب. وعبد الرحمن هذا ضعيف جدا متهم. أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 101 / 1 / 2052 - بترقيمي) . وروي من حديث عبد الله بن مسعود، وفيه ضعيفان، وهو مخرج في " تخريج مشكلة الفقر " (76 - 120) ووقع مصدرا فيه بـ " صحيح "، وهو خطأ

مطبعي، أو سبق قلم، فإنه مناقض لحال إسناده وليس له شاهد معتبر يقويه مطولا، بخلاف حديث الترجمة فهو صحيح كما تقدم. غريب الحديث: (دواح) : الدواح: العظيم الشديد العلو، وكل شجرة عظيمة: دوحة. و (العذق) بالفتح: النخلة. نهاية. (تنبيه) : حديث عبد الرزاق الذي عند ابن جرير، قد أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (5 / 406 - 407) عن معمر، لكن وقع فيه: أخبرني الزهري قال: أخبرني كعب بن مالك قال: أول أمر عتب على أبي لبابة أنه كان بينه وبين يتيم عذق، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم لأبي لبابة، فبكى اليتيم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " دعه له "، فأبى ، قال: " فأعطه إياه ولك مثله في الجنة "، فأبى فانطلق ابن الدحداحة فقال لأبي لبابة: بعني العذق بحديقتين. قال: نعم. ثم انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أرأيت إن أعطيت هذا اليتيم هذا العذق، ألي مثله في الجنة؟ قال: نعم، فأعطاه إياه، قال: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: فذكر حديث الترجمة نحوه. قلت: كعب بن مالك صحابي معروف ولم يدركه الزهري، ولذلك قال الشيخ الأعظمي - رحمه الله - في التعليق عليه: " ولعل الصواب: عبد الرحمن بن كعب بن مالك ". أي فهو مرسل أيضا. والله أعلم.

2965

وحديث الترجمة قال فيه الهيثمي (9 / 324) : " رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح ". ثم ذكر له شاهدا من حديث عبد الرحمن بن أبزى باختصار القصة، لكن سقط من الناسخ أو الطابع تخريج الحديث والكلام عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم. 2965 - " خرج صلى الله عليه وسلم [إلى خيبر] حين استخلف سباع بن عرفطة على المدينة، قال أبو هريرة: قدمت المدينة مهاجرا فصليت الصبح وراء سباع، [فقرأ في الركعة الأولى * (كهيعص) *] ، وقرأ في الركعة الثانية * (ويل للمطففين) *، قال أبو هريرة: فأقول في الصلاة: ويل لأبي فلان! له مكيالان، إذا اكتال اكتال بالوافي، وإذا كال كال بالناقص، فلما فرغنا من صلاتنا أتينا سباعا فزودنا شيئا حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افتتح خيبر، فكلم المسلمين، فأشركونا في سهمانهم ". أخرجه البخاري في " التاريخ الصغير " (ص 11 - 12) وابن حبان (467) وابن سعد (4 / 327 - 328) وأحمد (2 / 345 - 346) والبزار (3 / 79 / 2281) والفسوي في " المعرفة " (3 / 160) والحاكم (3 / 36) والبيهقي في " دلائل النبوة " (4 / 198 - 199) ، من طريق عراك بن مالك عن أبي هريرة قال: فذكره. والسياق للفسوي، وهو للبخاري والبزار والحاكم مختصر، والزيادة لأحمد وابن سعد والبيهقي، وقال الحاكم:

2966

" صحيح ". ووافقه الذهبي، وعزاه الحافظ (7 / 489) لابن خزيمة أيضا وأقره. 2966 - " كان يسجد على أليتي الكف ". أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 323 / 639) ومن طريقه ابن حبان (490 - موارد) والحاكم (1 / 227) وعنه البيهقي (2 / 107) وأحمد (4 / 295) من طرق عن الحسين بن واقد: حدثني أبو إسحاق قال: سمعت البراء بن عازب قال: فذكره مرفوعا. وقال الحاكم: " صحيح على شرطهما "! ووافقه الذهبي! كذا قالا، والحسين بن واقد إنما أخرج له البخاري تعليقا، فهو على شرط مسلم وحده ، وأبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السبيعي، ويخشى جانبه - مع ثقته - من جهة تدليسه واختلاطه. أما تدليسه، فقد أمناه بتصريحه بالسماع. وأما الاختلاط، فلا أدري إذا كان الحسين سمع منه قبل الاختلاط أم لا، إلا أن البيهقي قد روى بسنده عن جمع قالوا: حدثنا شعبة قال: أنبأني أبو إسحاق عن البراء قال: " إذا سجد أحدكم فليسجد على ألية الكف ". وقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 261) : حدثنا وكيع عن شعبة به. وشعبة سمع من أبي إسحاق قبل الاختلاط، فصح الإسناد والحمد لله. لا يقال: هذا موقوف، لأننا نقول: هو في حكم المرفوع، لأن مثله لا يقال بالرأي كسائر هيئات الصلاة، فإنها عبادة محضة، ولاسيما وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بوضع الكفين في السجود والادعام عليهما، وهو مخرج في " صفة

2967

الصلاة "، وذلك يستلزم السجود على أليتي الكف كما هو ظاهر. قال ابن الأثير في " النهاية ": " أرد ألية الإبهام وضرة الخنصر فغلب، كالعمرين والقمرين ". 2967 - " لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين ". أخرجه مسلم (3 / 10) والطحاوي في " مشكل الآثار " (4 / 232) والبيهقي في " السنن الكبرى " (3 / 171) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (5 / 229) من طرق عن أبي توبة: حدثنا معاوية - وهو ابن سلام - عن زيد - يعني أخاه - أنه سمع أبا سلام قال: حدثني الحكم بن ميناء أن عبد الله بن عمرو وأبا هريرة أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه ابن خزيمة في " صحيحه " (3 / 175 / 1855) ومن طريقه ابن عساكر أيضا، لكن وقع عندهما مخالفتان في السند: إحداهما: حدثنا الربيع بن نافع عن أبي توبة! والربيع هذا هو نفسه أبو توبة! فالظاهر أن حرف (عن) مقحم من بعض النساخ، ومن الظاهر أنه قديم حتى وصل إلى ابن عساكر هكذا بالإقحام! والأخرى: أنهما ذكرا (أبا سعيد) مكان (ابن عمر) ، ولا أدري ممن الوهم؟ وقد تابعه يحيى بن حسان عند الدارمي (1 / 368) وابن شعيب عند ابن عساكر كلاهما عن معاوية بن سلام به مثل رواية مسلم والجماعة. وابن حسان من رجال الشيخين. وابن شعيب اسمه محمد بن شعيب بن شابور، وهو ثقة، فهي متابعة قوية.

وخالفهم الوليد فقال: أخبرنا معاوية بن سلام عن أبي سلام الأسود به. فلم يذكر بينهما زيد بن سلام. أخرجه ابن عساكر أيضا. ولا ضير من هذه المخالفة لأن الوليد - وهو ابن مسلم - معروف بأنه كان يدلس تدليس التسوية ، فمن المحتمل أن يكون إسقاطه إياه من بينهما من تدليسه. ويحتمل أنه لم يحفظه ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ولاسيما والمخالفون له ثلاثة ثقات. وقد توبع معاوية بن سلام، فقال الطيالسي في " مسنده " (263 / 1952 و 357 / 2735) : حدثنا هشام عن يحيى بن أبي كثير، أن أبا سلام حدث أن الحكم بن ميناء حدث أن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس حدثا أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على أعواد منبره: فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " (2 / 154) وأحمد (1 / 239 و 335 و 2 / 84) وابن عساكر (5 / 230 ) وكذا أبو يعلى (10 / 110 - 111) وعنه ابن حبان (4 / 197 - 198) . وهذا إسناد رجاله ثقات، رجال مسلم، لكن ظاهره الانقطاع بين يحيى بن أبي كثير وأبي سلام، واسمه ممطور. وقد أدخل بعضهم بينهما زيد بن سلام، فقال أحمد (1 / 254) : حدثنا عفان حدثنا أبان العطار حدثنا يحيى بن أبي كثير عن زيد عن أبي سلام عن الحكم بن ميناء به. وهذا إسناد ظاهره الاتصال، لكن أخرجه ابن عساكر من طريق أحمد بإسناده المذكور، لكنه قال: ".. عن زيد بن سلام عن الحكم.. " ، فانقطع بين زيد والحكم!

وكذلك أخرجه ابن عساكر من طريق أبي يعلى بسنده عن عفان به. وهكذا هو في " مسند أبي يعلى " (10 / 143 - 144) ، لكن وقع فيه: " زيد أبي سلام "! وهذا خطأ بلا شك، لأن زيدا لا يعرف بهذه الكنية: " أبي سلام "، وإنما هي كنية جده ممطور كما تقدم، فلا أدري إذا كان الصواب ما في رواية ابن عساكر عن أبي يعلى: " زيد بن سلام "، أم ما في " مسند أحمد ": " زيد عن أبي سلام "؟ والكل محتمل. والله أعلم بالصواب، فالإسناد جد مضطرب من رواية هشام - وهو الدستوائي -، وقد بين ذلك الحافظ ابن عساكر، والمعتمد رواية معاوية بن سلام كما يأتي. ومن ذلك ما رواه النسائي (1 / 202) والطحاوي أيضا، والبيهقي (3 / 171 - 172) من طرق أخرى عن أبان العطار عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن الحضرمي بن لاحق عن الحكم بن ميناء به. وثمة بعض الوجوه الأخرى من الاختلاف على يحيى بن أبي كثير، من الصعب المراجحة بينها، ومن شاء الوقوف عليها رجع إلى ابن عساكر، و " مصنف عبد الرزاق " (3 / 166 / 5168) وهي مع ذلك تدل على أن للحديث أصلا أصيلا عن الحكم بن ميناء تقوي رواية معاوية بن سلام المذكورة في أول التخريج، وعليها اعتمد مسلم، ورجحها البيهقي، فقال عقب رواية أبان وهشام المتقدمتين: " ورواية معاوية بن سلام عن أخيه زيد أولى أن تكون محفوظة. والله أعلم ". وقد وجدت لحديث ابن عمر طريقا أخرى، يرويه فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على هذا المنبر وهو يقول: فذكره. أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 213) . وفرج بن فضالة ضعيف.

2968

وشاهدا يرويه إسماعيل بن عياش عن عبد العزيز بن عبيد الله عن محمد بن عمرو بن عطاء عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه مرفوعا. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 19 / 99 / 197) . وعبد العزيز بن عبيد الله، وهو الحمصي، قال الحافظ: " ضعيف لم يرو عنه غير إسماعيل بن عياش ". 2968 - " كان يخرج يوم الأضحى ويوم الفطر فيبدأ بالصلاة، فإذا صلى صلاته وسلم قام [ قائما] [على رجليه] ، فأقبل على الناس [بوجهه] وهم جلوس في مصلاهم، فإن كان له حاجة ببعث ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك أمرهم بها، وكان يقول: " تصدقوا تصدقوا تصدقوا ". وكان أكثر من يتصدق النساء، ثم ينصرف ". أخرجه مسلم (3 / 20) - والسياق له -، والنسائي في " الصغرى " و " الكبرى " أيضا (1 / 549 / 1785) - والزيادة الثالثة له -، وابن ماجه (1288) والزيادة الثانية له، وابن خزيمة في " صحيحه " (1449) والزيادة الثالثة له أيضا، وابن حبان (3311) والبيهقي (3 / 297) ولهما الزيادة الأولى، وعبد الرزاق في " المصنف " (3 / 280 / 5634) وعنه أحمد (3 / 54) وابن أبي شيبة في " مصنفه " (2 / 188 و 3 / 110 - 111) وأحمد أيضا (3 / 36 و 42 و 54 ) وأبو يعلى في " مسنده " (2 / 498 / 1343) من طرق عن داود بن قيس عن عياض بن عبد الله بن سعد عن أبي سعيد الخدري مرفوعا.

وتابعه زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله به مع بعض الاختصار. أخرجه البخاري (956) والبيهقي (3 / 280) ، وقد سقت لفظه في " الإرواء " (3 / 98 / 630) وللحديث تتمة من الوجهين تراها هناك. هذا، واعلم أن زيادة " على رجليه " مع صحة سندها عند ابن ماجه من روايته عن أبي أسامة عن داود بن قيس - واسمه حماد بن أسامة - وهو ثقة ثبت، وصرح بالتحديث، فإن سياق الحديث يؤكدها ويدل عليها كما هو ظاهر ظهورا جليا، ومع ذلك فقد توبع أبو أسامة عليها، فقال الإمام أحمد (3 / 31) : حدثنا وكيع: حدثنا داود بن قيس به مختصر جدا بلفظ: " خطب قائما على رجليه " . وبهذا الإسناد والاختصار أخرجه ابن أبي شيبة أيضا في " المصنف " (2 / 189 ) لكن بلفظ: " خطب يوم عيد على راحلته ". كذا وقع فيه: " راحلته "، وترجم له بقوله: " الخطبة يوم العيد على البعير "! ولست أدري - والله - كيف وقع له هذا، ولكني أعلم أن مثل هذا التحريف أو التصحيف وقع فيه كثير من الحفاظ، وفي ذلك ألف أبو أحمد العسكري كتابه القيم: " تصحيفات المحدثين "، فراجعه لتتيقن أنه " ما يسلم أحد من زلة ولا خطأ إلا من عصم الله " كما قال العسكري في خطبة كتابه. ومن الغرائب أن هذا التصحيف تسرب إلى مصادر حديثية أخرى تلي " المصنف " في الطبقة بدرجة أو أكثر، مثل " مسند أبي يعلى " (2 / 402 /

1182) و" صحيح ابن خزيمة " (2 / 348 / 1445) و " صحيح ابن حبان - الإحسان " (4 / 210 / 2814) وكذا في " موارد الظمآن " (151 / 575) و " أحكام العيدين " للفريابي (139 / 101) و " مجمع الزوائد " (2 / 205) برواية أبي يعلى. ولم يتنبه لهذا المعلقون على بعض هذه المصادر، مثل المعلق على " الإحسان " طبع المؤسسة (7 / 65) والمعلق على " مسند أبي يعلى " (2 / 402) مع أنهما عزياه لـ " صحيح ابن خزيمة " بالرقم المذكور، وفيه ما ينبه المتيقظ على أنه خطأ من الناسخ، وأن اللفظ عنده وقع على الصواب: " رجليه "، لأنه ترجم له بما يدل عليه بخلاف ما تقدم عن ابن أبي شيبة، فقال ابن خزيمة: " باب الخطبة قائما على الأرض إذا لم يكن بالمصلى منبر ". ثم قال عقب الحديث: " هذه اللفظة (يعني " رجليه " ولابد) تحتمل معنيين: أحدهما: أنه خطب قائما لا جالسا. والثاني: أنه خطب على الأرض ". وأقول: بل هو يحتملهما معا، كما يدل عليه سياق الحديث . ولذلك قال الحافظ في شرح قول أبي سعيد في سياق البخاري المشار إليه آنفا: " .. ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس " (2 / 449) : " في رواية ابن حبان من طريق داود بن قيس عن عياض: " فينصرف إلى الناس قائما في مصلاه "، ولابن خزيمة في رواية مختصرة: " خطب يوم عيد على رجليه ". وهذا مشعر بأنه لم يكن بالمصلى في زمانه صلى الله عليه وسلم منبر ".

تنبيه على أوهام: أولا: ساق ابن القيم رحمه الله في " هديه صلى الله عليه وسلم في العيدين " من كتابه القيم: " زاد المعاد " حديث الترجمة بتمامه، لكن بلفظ: " فيقف على راحلته "! ولم يعزه لأحد، ومع ذلك زعم المعلقان عليه (1 / 445) : " إسناده صحيح، وسيذكر المصنف رجال السند بعد قليل "! كذا قالا! وليس فيه ذكر للفظ الراحلة كما يأتي. وأنا أرى - والله أعلم - أن السياق الذي في " الزاد " هو لابن ماجه، لا يختلف عنه إلا في أحرف يسيرة، لأن لفظه في النسخ المطبوعة هو باللفظ المذكور إلا " الراحلة "، فهو فيها " رجليه "، فالظاهر أن نسخة ابن ماجه عند ابن القيم وقع فيها بلفظ " راحلته "! ولذلك عقب عليه ابن القيم رحمه الله بقوله: " وقد كان يقع لي أن هذا وهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يخرج إلى العيد ماشيا والعنزة بين يديه، وإنما خطب عل راحلته يوم النحر بمنى ، إلى أن رأيت بقي ابن مخلد الحافظ قد ذكر هذا الحديث في " مسنده " عن أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا عبد الله بن نمير: حدثنا داود بن قيس.. ". قلت: فساق الحديث بتمامه، ولقد أبعد النجعة، فالحديث عند ابن أبي شيبة في " المصنف " كما تقدم في تخريجه، وهو من رواية بقي بن مخلد عنه. ثم ساق من رواية أبي بكر بن خلاد: حدثنا أبو عامر: حدثنا داود.. وهذا في " مسند أحمد " (3 / 36) وليس فيه كسابقه ذكر الراحلة، والسياق يباينها كما تقدم مني بيانه، ولذلك ختم ابن القيم كلامه بقوله:

" ولعله: " يقوم على رجليه " كما قال جابر: " قام متوكئا على بلال "، فتصحف على الكاتب: " براحلته ". والله أعلم ". فمن غرائب المعلقين المشار إليهما، أنهما لما خرجا حديث داود هذا عزياه لبعض من تقدم ذكرهم في التخريج، ومنهم ابن ماجه بالرقم المذكور ثمة دون أن يذكرا أن الحديث فيه باللفظ المحفوظ: " رجليه "، ولا هما عزياه لأحمد بهذا اللفظ المؤيد لما دندن حوله ابن القيم استنباطا منه من سياق الروايتين عنده، فكأن المقصود هو تزيين الكتاب بالتخريج دون التحقيق. والله المستعان. ثانيا: من التحقيق المتقدم يتبين خطأ الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " (2 / 86) في عزوه لرواية ابن حبان المختصرة الشاذة - للنسائي وابن ماجه وأحمد، كما أنه لم ينبه على شذوذها ومخالفتها لرواية ابن خزيمة التي اعتمدها في " الفتح "، ولرواية مسلم والجماعة المبينة أنه صلى الله عليه وسلم خطب قائما. وقد قلده في ذلك كله الشوكاني في " نيل الأوطار " (3 / 260) والصنعاني في " سبل السلام " (2 / 79) في سكوته عن رواية ابن حبان الشاذة! ثالثا: استدل الشيرازي في " المهذب بهذا الحديث الشاذ على أنه يجوز أن يخطب من قعود! وإذا عرفت أن الحديث ضعيف لشذوذه لم يجز الاستدلال به، وبخاصة أن الأحاديث الأخرى صريحة في خطبته صلى الله عليه وسلم قائما في المصلى. ومن الغريب أن النووي سكت عن الحديث فلم يخرجه في " المجموع " (5 / 22 - 23) خلافا لعادته! كما أنه وافقه على القول بالجواز! مع أنه مخالف للدليل الذي استدل به على رد القول بالاعتداد بالخطبة قبل صلاة العيد، فقال عقبه (5 / 25) : " والصحيح بل الصواب أنه لا يعتد بها لقوله صلى الله عليه وسلم: وصلوا كما رأيتموني أصلي " .

2969

فيا سبحان الله! ما الفرق بين الخطبة قبل الصلاة، وبين القعود فيها، وكلاهما مخالف للسنة؟! رابعا: أورد الشيخ أحمد البنا رحمه الله حديث أحمد المختصر: " خطب قائما على رجليه " في " أبواب صلاة الجمعة " من كتابه الكبير " الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني " (6 / 88) لأنه قال في تخريجه: " لم أقف عليه لغير الإمام أحمد، وسنده جيد ". ولقد كان حقه أن يورده في " العيدين " لو أنه استحضر بعض الروايات المتقدمة، وبخاصة ما كان منها في " مسند الإمام أحمد " الذي رتبه على الأبواب الفقهية، فإن من المفروض أن يكون مستحضرا لها، ولكن صدق الله: * (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) *. 2969 - " كان قد نهانا عن أن نأكل لحوم نسكنا فوق ثلاث، (قال) : فخرجت في سفر، ثم قدمت على أهلي، وذلك بعد الأضحى بأيام، (قال) : فأتتني صاحبتي بسلق قد جعلت فيه قديدا، فقلت لها: أنى لك هذا القديد؟ فقالت: من ضحايانا، (قال: ) فقلت: لها: أو لم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن نأكلها فوق ثلاث، قال: فقالت: إنه قد رخص للناس بعد ذلك، قال: فلم أصدقها حتى بعثت إلى أخي قتادة بن النعمان - وكان بدريا - أسأله عن ذلك؟ قال: فبعث إلي: أن كل طعامك فقد صدقت، قد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في ذلك ". أخرجه أحمد (4 / 15) عن محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن علي

بن حسين بن ( !) جعفر، وأبي إسحاق بن يسار عن عبد الله بن خباب - مولى بني عدي بن النجار - عن أبي سعيد الخدري فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، رواه عن شيخيه أحدهما أبوه إسحاق بن يسار، والآخر محمد بن علي بن حسين، وهو ابن علي بن أبي طالب، وهو ثقة فاضل يكنى بأبي جعفر، فالظاهر أن أداة الكنية (أبو) تحرفت في السند إلى (ابن) ! (¬1) . والحديث سكت عنه الحافظ في " الفتح " (10 / 25) ، ففيه إشارة إلى تقويته إياه. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 26) : " رواه أحمد، ورجاله ثقات ". وقد توبع أبو جعفر وقرينه إسحاق بن يسار، فقال يحيى بن سعيد - وهو الأنصاري القاضي - عن القاسم بن محمد عن ابن خباب - هو عبد الله بن خباب - أن أبا سعيد بن مالك الخدري رضي الله عنه قدم من سفر، وفي رواية: عن القاسم أن ابن خباب أخبره أنه سمع أبا سعيد يحدث أنه كان غائبا فقدم.. الحديث نحوه مختصرا دون قصة المرأة. أخرجه البخاري (3997 و 5568) والرواية الأخرى له، والنسائي (2 / 208 - 209) والبيهقي (9 / 292) . وليحيى بن سعيد (¬2) فيه إسناد آخر، فقال: حدثنا سعد بن إسحاق قال: حدثتني زينب بنت كعب عن أبي سعيد: ¬

(¬1) ثم رأيت البيهقي قد روى الحديث (9 / 292) مثل رواية أحمد لكن قال: " أبو جعفر ". (¬2) لكن يحتمل أنه ليس هو الأنصاري، وإنما القطان التميمي، وبه جزم المزي في " التحفة " (8 / 278) .

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام، ثم رخص أن نأكل وندخر. قال: فقدم قتادة بن النعمان - أخو أبي سعيد - فقدموا إليه من قديد الأضاحي. الحديث نحو روايته السابقة ودون قصة المرأة، لكنه قلب المتن جعل راوي الرخصة أبا سعيد، والممتنع قتادة بن النعمان! والمحفوظ الأول كما قال المزي. أخرجه النسائي أيضا، وأحمد (3 / 23) وأبو يعلى (2 / 281 / 997) وعنه ابن حبان (7 / 567 / 8596) من طرق عن يحيى به. وخالفهم في المتن أنيس بن عمران عن سعد بن إسحاق.. بسنده المذكور عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم.. فذكره مختصرا دون قصة قتادة! أخرجه الطحاوي (2 / 308) . لكن أنيس هذا ليس بالمشهور، قال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 335) : " سألت أبي عنه؟ فقال : هو شيخ ". وقال: " مصري، روى عنه أبو عبد الرحمن المقرىء ". قلت: وروى عنه أيضا يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري، شيخ الطحاوي في هذا الحديث. وقد وقع في اسم والد أنيس خطأ مطبعي في كتاب الطحاوي: " عياض " (¬1) ، فصححته من " الجرح " و " الثقات " (8 / 134) ، ووقع في هذا أخطاء مطبعية وعلمية أخرى نبهت عليها في كتابي " تيسير الانتفاع "، كما أن اسمه " أنيس " وقع في ترجمة يونس المترجم في " تهذيب المزي " (أنس) مكبرا، وهو خطأ لعله مطبعي. ¬

(¬1) ولم يتنبه لذلك المعلق على " مسند أبي يعلى " فنقله (2 / 282) كما هو! وكذلك فعل المعلق على " الإحسان " (13 / 249) ، بل زاد - ضغثا على إبالة - فقال: " وقد تحرف (أنس) إلى (أنيس) " اغترارا منه بخطئه في " تهذيب المزي "!! . اهـ.

هذا ولعل القلب الواقع في رواية يحيى القطان إنما هو من زينب بنت كعب، فإنها ليست بالمشهورة، ولم يوثقها غير ابن حبان، فلا شك أن رواية عبد الله بن خباب هي التي ينبغي الاعتماد عليها كما أشار إلى ذلك الحافظ المزي فيما تقدم، ونحوه قول الحافظ في " الفتح " (10 / 25) : " وما في " الصحيحين " أصح ". لكن قوله: " الصحيحين "، لعله سبق قلم أو خطأ مطبعي، لأن مسلما لم يخرجه إلا من طريق أخرى ليس فيها قصة قتادة، يرويه الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا أهل المدينة! لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ". قال: فشكوا إليه أن لهم عيالا وخدما، فقال: " كلوا، وأطعموا، واحبسوا ". أخرجه مسلم (6 / 81) وأحمد (3 / 85) وأبو يعلى (1196) وعنه ابن حبان (5898) . وتابعه ابن سيرين عن أبي سعيد به مختصرا. أخرجه النسائي (2 / 209) . وربيعة بن أبي عبد الرحمن عنه مثل رواية عبد الله بن خباب، إلا أنه لم يسم قتادة بن النعمان. أخرجه مالك (2 / 36 - 37) عنه.

والسند صحيح إن كان ربيعة سمعه من أبي سعيد، فقد صرح ابن عبد البر في " التمهيد " (3 / 214) أنه لم يسمع منه. وتابعه زبيد أيضا أن أبا سعيد الخدري أخبره أنه أتى أهله فوجد عندهم قصعة ثريد ولحم من لحم الأضاحي.. الحديث، مثل رواية عبد الله بن خباب.. أخرجه الطحاوي (2 / 307) من طريق عمرو بن خالد قال: أخبرنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن زبيد.. ورجاله ثقات، لكن ابن لهيعة سيىء الحفظ، لكنه قد توبع، فقال ابن جريج: قال سليمان بن موسى : أخبرني زبيد أن أبا سعيد أتى أهله.. الحديث. أخرجه أحمد (4 / 15) . وابن جريج مدلس، وقد رواه بصيغة التعليق (قال) ! لكنه قال في رواية أخرى عند أحمد: أخبرني أبو الزبير عن جابر نحو حديث زبيد هذا عن أبي سعيد، لم يبلغ كل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. (تنبيه) : هذه الروايات كلها ما صح منها وما ضعف تدل على أن أبا سعيد رضي الله عنه لم يسمع الرخصة بالادخار من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما تلقاها من أخيه قتادة بن النعمان كما في حديث الترجمة، فهو من مراسيل الصحابة. فما في " المسند " (3 / 63 و 66) من رواية فليح عن محمد بن عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي سعيد أنه سمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منكر، وعلته محمد بن عمرو هذا - وهو العتواري - لا يعرف إلا بهذه الرواية. وأما ابن حبان فذكره في " الثقات " (7 / 374 و 422) ، فمثله لا يحتج به، وبخاصة عند المخالفة.

2970

2970 - " إن أمة من بني إسرائيل مسخت، وأنا أخشى أن تكون هذه. يعني الضباب ". أخرجه ابن حبان (1070 - موارد) والطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 314) و " مشكل الآثار " (4 / 278) والبيهقي (9 / 325) وابن أبي شيبة في " المصنف " (8 / 266) وأحمد (4 / 196) وأبو يعلى (2 / 231 / 931) والبزار (2 / 66 / 1217) من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فأصبنا ضبابا، فكانت القدور تغلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. قال: " فأكفأناها وإنا لجياع ". والسياق لابن أبي شيبة. وزاد أحمد في رواية: " فأكفئوها. فأكفأناها ". ولفظ أبي يعلى، ومن طريقه ابن حبان: " فأمر فكفأناها وإنا لجياع ". وقال البزار: " لا نعلم روى ابن حسنة إلا هذا وآخر، وقد خالف حصين الأعمش، فقال: عن زيد ابن وهب عن حذيفة ". وقال في حديث حذيفة: " هكذا رواه حصين عن زيد، وخالفه الأعمش والحكم بن عتيبة وعدي بن ثابت، خالف كل واحد منهم صاحبه ".

قلت: وبيان هذا الذي أجمله البزار فيما يلي: أولا: حديث الأعمش بسنده المذكور عن عبد الرحمن بن حسنة هذا، قد صرح الأعمش بالتحديث في رواية للطحاوي، فالسند صحيح. وأما حديثه الآخر الذي أشار إليه البزار، فهو في " سنن أبي داود " وغيره بإسناد الأعمش هذا عنه في الاحتراز من البول، وقد صححه ابن حبان أيضا، والحاكم والذهبي. وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (16) وغيره. ثانيا: حديث عدي بن ثابت، يرويه شعبة عنه عن زيد بن وهب عن ثابت بن وداعة عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصرا ليس في الإكفاء. رواه النسائي (2 / 199) وأحمد (4 / 320) والطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 74 / 1365) نحوه. وتابعه حصين - وهو ابن عبد الرحمن السلمي - عن زيد بن وهب به. أخرجه النسائي (2 / 198 - 199) وكذا أبو داود (3795) والبخاري في " التاريخ " (1 / 2 / 170 - 171) وابن ماجه (3238) والطحاوي كلاهما من طريق ابن أبي شيبة، وهذا في " المصنف " (8 / 273 / 4415) وأحمد أيضا، والطبراني (1366 و 1367) من طرق عنه، وزاد النسائي وغيره: " قلت: يا رسول الله! إن الناس قد أكلوا منها؟ قال: فما أمر بأكلها، ولا نهى ". وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " (9 / 663) بعد أن عزاه لأبي داود والنسائي. وتابعه أيضا يزيد بن أبي زياد: سمعت زيد بن وهب الجهني به مختصرا.

أخرجه الطيالسي (1222) : حدثنا شعبة قال: أخبرني زياد بن أبي زياد به. قلت : وزياد هذا هو الهاشمي مولاهم، لا بأس به في المتابعات والشواهد. ثالثا: وخالفهم الحكم بن عتيبة، فقال: عن زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت بن وديعة، فزاد في السند البراء بلفظ: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم بضب ، فقال: " إن أمة مسخت، والله أعلم ". أخرجه النسائي والبخاري أيضا، والدارمي (2 / 92) وابن أبي شيبة (8 / 267) والبيهقي والطيالسي (1220) وأحمد أيضا كلهم من طرق عن شعبة عنه. وخالفهم عبيد الله بن موسى، فقال: حدثنا شعبة عن حصين عن زيد بن وهب عن حذيفة مرفوعا بلفظ: " إن الضب أمة مسخت دواب في الأرض ". أخرجه البزار (1215) : حدثنا أحمد بن يحيى حدثنا عبيد الله بن موسى. وقد تبين لنا من هذه الروايات أن مدارها على زيد بن وهب رحمه الله، وأن الرواة اختلفوا عليه في إسناده، وفي بعض ألفاظه. أما الاختلاف في الإسناد فيتلخص في الوجوه الأربعة التالية: 1 - الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة رضي الله عنه. 2 - عدي بن ثابت عن زيد بن وهب عن ثابت بن وداعة أو وديعة رضي الله عنه. 3 - الحكم عن زيد بن وهب عن البراء بن عازب عن ثابت.

4 - الحكم عن حصين عن زيد بن وهب عن حذيفة. ويبدو لي - والله أعلم - أن هذا الاختلاف هو من باب اختلاف التنوع لا التضاد، وأن هذه كلها صحيحة ثابتة عن زيد بن وهب، وذلك لأن كل رواته من الثقات الحفاظ لا مطعن فيهم ولا مغمز، ولأن زيدا هذا من كبار التابعين المخضرمين، وقد ذكروا أنه رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقبض وهو في الطريق، وهو إلى ذلك ثقة جليل، حتى قال الأعمش راوي الوجه الأول عنه: " إذا حدثك زيد بن وهب عن أحد فكأنك سمعته من الذي حدثك عنه ". وقد لقي جماعة من كبار الصحابة وروى عنهم مثل عمر رضي الله عنه، فلا يستبعد عن مثله أن يكون سمع الحديث من الصحابة الثلاثة المذكورين في تلك الوجوه: عبد الرحمن بن حسنة. ثابت بن وداعة. تارة عنه مباشرة، وتارة بواسطة البراء. حذيفة بن اليمان. وكثيرا ما يحدث الراوي الحافظ بالواسطة عن شيخ له، ثم يتيسر له الاتصال بشيخه، والسماع منه مباشرة لما كان سمعه من قبل بالواسطة عنه. وهذا أمر معروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف. والقول بصحة هذه الوجوه أولى عندي من ترجيح وجه منها على وجه، لعدم وجود المرجح على افتراض التعارض، مثل قول البخاري رحمه الله عقب الحديث: " وحديث ثابت أصح، وفي نفس الحديث نظر، قال ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لا آكله ولا أحرمه ". وأقول: حديث ابن عمر هذا صحيح متفق عليه بين الشيخين، ورواه مسلم

من حديث أبي سعيد كما يأتي، ولكنه يتعارض مع حديث الترجمة، وبخاصة مع الوجه المذكور عن ثابت بن وداعة الذي رجحه البخاري رحمه الله، فإن فيه قوله عن النبي صلى الله عليه وسلم: " فما أمرنا بأكلها، ولا نهى "، بل مطابق لحديث ابن عمر تمام المطابقة. نعم، هو يتعارض - فيما يبدو - مع الأمر بإكفاء القدور، المروي في بعض الطرق عن الأعمش كما تقدم، فإنه يستلزم النهي عن أكله، ولاسيما وفيه أنهم كانوا جياعا. وقد أجاب عنه ابن حبان بقوله عقب الحديث (7 / 340 - الإحسان) : " أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد به الزجر عن أكل الضباب ، والعلة المضمرة هي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعافها، لا أن أكلها محرم ". هذا تفصيل الإجمال المتعلق بالإسناد. وأما الاختلاف في الألفاظ، فهو ظاهر مما سبق ذكره من بعض الروايات طولا وقصرا، والخطب في مثل هذا سهل ومغتفر، لقاعدة زيادة الثقة مقبولة. لكن المهم من ذلك ما سبق الإشارة إليه آنفا من الأمر بإكفاء القدور، فإنه يبدو أنه لا مجال لإدخالها في القاعدة المذكورة للأسباب الآتية: الأول: عدم اتفاق الرواة لحديث الأعمش عليه. الثاني: أنه لم يذكر مطلقا في الطرق الأخرى عن زيد بن وهب، بل في بعضها ما هو معارض له، أعني طريق حصين بن عبد الرحمن السلمي التي رجحها البخاري، وصرح الحافظ بصحتها ففيها: " فما أمر بأكلها، ولا نهى ".

الثالث: الأحاديث الأخرى التي ساقها الهيثمي في " المجمع " (4 / 36 - 37) مثل حديث الترجمة، ليس فيها الأمر المذكور، وهي وإن كانت لا تخلو من ضعف، فبعضها يقوي بعضا، فيستشهد بها. ويزيدها قوة حديث أبي سعيد الخدري: أن أعرابيا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني في غائط مضبة، وإنه عامة طعام أهلي؟ قال: فلم يجبه. فقلنا: عاوده، فعاوده، فلم يجبه (ثلاثا) . ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الثالثة فقال: " يا أعرابي! إن الله لعن أو غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض، فلا أدري لعل هذا منها، فلست آكلها، ولا أنهى عنها ". أخرجه مسلم (6 / 70) والطحاوي (4 / 279) من طريق أبي عقيل بشير بن عقبة: حدثنا أبو نضرة عنه. وتابعه داود بن أبي هند عن أبي نضرة به نحوه، وقال: " فلم يأمر، ولم ينه، قال أبو سعيد: فلما كان بعد ذلك قال عمر: إن الله عز وجل لينفع به غير واحد، وإنه لطعام عامة هذه الرعاء، ولو كان عندي لطعمته! إنما عافه رسول الله صلى الله عليه وسلم ". أخرجه مسلم أيضا، واللفظ له، وابن ماجه (3240) وأحمد (3 / 5 و 19 و 66 ) . وتابعه بشر بن حرب عن أبي سعيد مختصرا. أخرجه أحمد (3 / 41 و 42) .

2971

2971 - " نهى عن ثمن الكلب والسنور ". هو من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، وله عنه ثلاث طرق: الأولى: أبو الزبير، ورواه عنه أربعة من الثقات على ضعف في حفظهم: الأول: معقل بن عبيد الله الجزري عنه قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور؟ قال: " زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ". أخرجه مسلم (5 / 35) والبيهقي (6 / 10 ) . الثاني: ابن لهيعة: حدثنا أبو الزبير قال: سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور .. الحديث مثله. أخرجه أحمد (3 / 386) وهذا لفظه، وابن ماجه (2161) مختصرا، ولم يذكر الكلب. لكن ذكره أحمد في رواية أخرى (3 / 339) وكذا الطحاوي في " شرحه " (2 / 226) . الثالث: حماد بن سلمة عنه بلفظ: " نهى عن ثمن السنور والكلب، إلا كلب الصيد ". أخرجه النسائي (2 / 196) وقال عقبه : " ليس هو بصحيح ". قلت: كأن النسائي يعني زيادة " كلب الصيد "، لتفرد حماد بن سلمة، ومخالفته للطرق المتقدمة ولغيرها مما يأتي، وللأحاديث الأخرى المحرمة لثمن الكلب تحريما مطلقا، مثل حديث أبي مسعود البدري، وهو مخرج في " الإرواء "

(1291) . لكن معنى الاستثناء صحيح دراية، للأحاديث الصحيحة التي تبيح اقتناء كلب الصيد، وما كان كذلك حل بيعه، وحل ثمنه كسائر الأشياء المباحة كما حققه الإمام أبو جعفر الطحاوي في " شرح المعاني " (2 / 225 - 229 ) ، فراجعه فإنه مهم، ولعله من أجل ذلك سكت - أعني الطحاوي - عن حديث حماد هذا، وقد رواه بإسناده عنه، ولا أراه جيدا، لأنه لا تلازم بين ثبوت الحديث دراية وثبوته رواية، فقد ينفك أحدهما عن الآخر، كمثل هذا، فإنه لم يثبت مبناه، ولكنه ثبت معناه بدليل خارج عنه، وعلى العكس من ذلك، فقد يكون الحديث صحيحا إسناده لا شك في ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن يكون منسوخا كحديث: " إنما الماء من الماء ". وما في معناه. فتنبه لهذا فإنه هام جدا. وإن مما يؤيد قول النسائي في زيادة حماد هذه، أن حمادا مع جلالة قدره وإمامته في السنة، فقد تكلم بعضهم فيما يرويه عن غير ثابت، هذا مع أن أبا الزبير مدلس، وقد عنعن الحديث في رواية حماد عنه كما رأيت، والله أعلم. على أنه قد تابعه على هذه الزيادة الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير به. أخرجه أحمد (3 / 317) وأبو يعلى (3 / 427) والدارقطني (3 / 73) لكن الحسن هذا ضعيف (¬1) . الرابع: عمر بن زيد الصنعاني أنه سمع أبا الزبير المكي عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهر. وفي رواية: أكل الهر وثمنه. هكذا مختصرا رواه عبد الرزاق: حدثنا عمر.. به. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد، وابنه عبد الله في " زوائد المسند " (3 / 297) وأبو داود ¬

(¬1) ثم وجدت له بعض الشواهد الأخرى فخرجته فيما يأتي برقم (2990) ، فثبت الاستثناء رواية أيضا. والحمد لله.

(3480) والترمذي (1280) والحاكم (2 / 34) والبيهقي أيضا، وقال الترمذي: " حديث غريب، وعمر بن زيد، لا نعرف كبير أحد روى عنه غير عبد الرزاق ". وأما الحاكم فسكت عنه، وتعقبه الذهبي بقوله: " عمر واه ". وقال ابن حبان في " الضعفاء " (2 / 82) : " ينفرد بالمناكير عن المشاهير على قلة روايته، حتى خرج بها عن حد الاحتجاج به فيما لم يوافق الثقات ". ثم ساق له حديثين منكرين هذا أحدهما، والآخر مخرج في " الضعيفة " (4379) ، و " الإرواء " (1257) . وبكلام الترمذي وابن حبان أعله ابن الجوزي في " العلل " (2 / 106) ولم يزد . الطريق الثانية: يرويه الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسنور ". أخرجه أبو داود (3479) وابن الجارود في " المنتقى " (201 / 580) والطحاوي أيضا في " الشرح "، و " مشكل الآثار " (3 / 273) والحاكم أيضا، والبيهقي، وقال الحاكم: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ولا يلتفت إلى قول ابن عبد البر في " التمهيد " (8 / 403) :

" وحديث أبي سفيان عن جابر لا يصح لأنها صحيفة، ورواية الأعمش في ذلك عندهم ضعيفة ". ولذلك قال البيهقي عقب الحديث : " وهذا حديث صحيح على شرط مسلم دون البخاري، فإن البخاري لا يحتج برواية أبي الزبير (يعني من رواية معقل المتقدمة) ، ولا برواية أبي سفيان [هذه] ، ولعل مسلما إنما لم يخرجه في " الصحيح " لأن وكيع بن الجراح رواه عن الأعمش قال: قال جابر بن عبد الله، فذكره. ثم قال: قال الأعمش: أرى أبا سفيان ذكره (¬1) . فالأعمش كان يشك في وصل الحديث، فصارت بذلك رواية أبي سفيان ضعيفة . وقد حمله بعض أهل العلم على الهر إذا توحش فلم يقدر على تسليمه، ومنهم من زعم أن ذلك كان في ابتداء الإسلام حين كان محكوما بنجاسته، ثم حين صار محكوما بطهارة سؤره حل ثمنه، وليس على هذين القولين دلالة بينة. والله أعلم ". الطريق الثالثة: يرويه ابن لهيعة أيضا عن خير بن نعيم عن عطاء عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ونهى عن ثمن السنور. أخرجه أحمد (3 / 339) : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا ابن لهيعة. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم غير ابن لهيعة، وهو سيىء الحفظ، يستشهد به. لكن ذكر عبد الله بن أحمد عن أبيه في " العلل " (1 / 237 / 1490) أن إسحاق بن عيسى لقي ابن لهيعة قبل احتراق كتبه. وعليه فالسند جيد. وقد تابعه حيوة بن شريح: أخبرنا خير بن نعيم الحضرمي. ¬

(¬1) كذا في " مصنف ابن أبي شيبة " (6 / 414 / 1550) . اهـ.

أخرجه الدارقطني (3 / 72 / 272) . وحيوة ثقة، لكن الراوي عنه وهب الله أبو زرعة الحجري متكلم فيه. وعطاء هو ابن أبي رباح، وقد رواه عنه قيس بن سعد عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ: " إن مهر البغي، وثمن الكلب والسنور، وكسب الحجام من السحت ". أخرجه ابن حبان (1118) من طريق حماد بن سلمة عن قيس بن سلمة به. وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات كلهم رجال مسلم غير شيخ ابن حبان طبعا. فهو شاهد قوي لحديث ابن لهيعة أنه قد حفظه. ثم وجدت له طريقا رابعا، يرويه أبو أويس: حدثني شرحبيل عن جابر مرفوعا بلفظ: " نهى عن ثمن الكلب، وقال: طعمة جاهلية ". أخرجه أحمد. وقال الهيثمي (4 / 91) : " ورجاله ثقات ". قلت: وشرحبيل - وهو ابن سعد - كان اختلط. وله شاهدان من حديث ميمونة بنت سعد، وعبادة بن الصامت. أما حديث ميمونة، فترويه آمنة بنت عمر بن عبد العزيز عنها أنها قالت: يا رسول الله! أفتنا عن الكلب؟ فقال: " طعمة جاهلية، وقد أغنى الله عنها ". أخرجه الطبراني في " الكبير " (25 / 36 / 63) من طريق إسحاق بن زريق

الرسعني (الأصل: الراسبي) : حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن عبد الحميد بن يزيد عنها. قال الهيثمي: " وإسناده ضعيف، وفيه من لا يعرف ". قلت: كلهم معرفون عندي غير آمنة بنت عمر بن عبد العزيز، فإني لم أجد لها ترجمة، وما أظن أن لها رواية أو لقاء مع أحد الأصحاب، فإن أباها عمر رضي الله عنه لم يذكروا له رواية عنهم إلا عن أنس لتأخر وفاته رضي الله عنه وعن سائر الصحابة، ففي السند انقطاع أيضا. وأما عبد الحميد بن يزيد، فهو مجهول، وهو عبد الحميد بن سلمة بن يزيد الأنصاري كما في " التقريب ". وعثمان بن عبد الرحمن الراوي عنه، فهو الطرائفي. قال الحافظ: " صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك، حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين ". وأما إسحاق بن زريق الرسعني، فذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 121) وقال: " يروي عن أبي نعيم، وكان راويا لإبراهيم بن خالد، حدثنا عنه أبو عروبة. مات سنة (259) ". وأما حديث عبادة فهو نحو حديث ميمونة. قال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الكبير " من رواية إسحاق بن يحيى عن عبادة، وإسحاق لم يدركه ".

2972

2972 - " إن الرقى والتمائم والتولة شرك ". أخرجه الحاكم (4 / 217) قال: حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني حدثنا أحمد بن مهران حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا إسرائيل عن ميسرة بن حبيب عن المنهال بن عمرو عن قيس بن السكن الأسدي قال: دخل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على امرأته فرأى عليها حرزا من الحمرة، فقطعه قطعا عنيفا ، ثم قال: إن آل عبد الله عن الشرك أغنياء. وقال: كان مما حفظنا عن النبي صلى الله عليه وسلم: فذكر الحديث. وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي . قلت: وهو كما قالا إن شاء الله تعالى، فإن رجاله إلى عبيد الله بن موسى رجال الصحيح غير ميسرة بن حبيب، وهو ثقة. وقد خولف في إسناده ومتنه ممن لا تضر مخالفته كما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وأما أحمد بن مهران، فهو أبو جعفر اليزدي، وثقه ابن حبان (8 / 48 و 52) وروى عنه جمع، غير أبي عبد الله الزاهد هذا، وله ترجمة في " أنساب السمعاني " (3 / 599) و " اللسان " (1 / 316) . وأما أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد، فله ترجمة جيدة في " سير أعلام النبلاء " (17 / 437 - 438) ووصفه بـ " الشيخ الإمام المحدث القدوة.. "، وذكر عن الحاكم أنه قال فيه: " هو محدث عصره، كان مجاب الدعوة ".

وقد ذكرت آنفا أن ميسرة قد خولف، فأقول: خالفه المسعودي برواية عاصم بن علي: حدثنا المسعودي عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة عن عبد الله: أنه رأى في عنق امرأة من أهله سيرا فيه تمائم.. الحديث نحوه أتم منه موقوفا كله، وزاد: " إن الشيطان يأتي إحداكن (¬1) فيخش في رأسها، فإذا استرقت خنس، وإذا لم تسترق نخس! فلو أن إحداكن تدعو بماء فتنضحه في رأسها ووجهها ثم تقول: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم تقرأ * (قل هو الله أحد) *، و * (قل أعوذ برب الفلق) * و* (قل أعوذ برب الناس) * نفعها ذلك إن شاء الله ". أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (9 / 193 - 194) . والمسعودي كان اختلط، فلا قيمة لمخالفته لميسرة الثقة في إسناده ومتنه. على أن أحد الضعفاء قد رواه عن ميسرة عن المنهال بن عمرو عن أبي عبيدة به مختصرا مثل حديث الترجمة، لكنه أوقفه. أخرجه الطبراني ( 8862) من طريق أبي إسرائيل الملائي عن ميسرة به. قلت: واسم أبي إسرائيل إسماعيل بن خليفة العبسي، وهو سيىء الحفظ، فلا يعارض بمثله رواية إسرائيل بإسناده المتقدم عن ابن مسعود مرفوعا. وهو إسرائيل ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، وهو ثقة كما تقدم. على أنه من المحتمل أن يكون أبو عبيدة قد روى أيضا الحديث أو شيئا من قصة أبيه ابن مسعود، ففي رواية للطبراني (8861) من طريق معمر عن عبد الكريم الجزري عن زياد بن أبي مريم أو عن أبي عبيدة - شك معمر - قال: ¬

(¬1) الأصل: " أحدكم ". اهـ.

رأى ابن مسعود في عنق امرأته خرزا - كذا، ولعل الصواب: حرزا - قد تعلقته من الحمرة فقطعه، وقال: " إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك ". هكذا رواه مختصرا. وللحديث طريقان آخران عن ابن مسعود، أحدهما أوهى من الآخر: الأول: يرويه السري بن إسماعيل عن أبي الضحى عن أم ناجية قالت: دخلت على زينب امرأة عبد الله أعودها من حمرة ظهرت في وجهها وهي معلقة بحرز، فإني لجالسة دخل عبد الله.. الحديث نحوه، وفيه المرفوع، وزاد: " فقالت أم ناجية: يا أبا عبد الرحمن! أما الرقى والتمائم فقد عرفنا، فما (التولة) ؟ قال: التولة ما يهيج النساء ". أخرجه الحاكم (4 / 216 - 217) ساكتا عنه هو والذهبي! ولعل ذلك لظهور ضعفه، فإن السري بن إسماعيل قال الذهبي نفسه في " الكاشف ": " تركوه ". وفصل أقوال الأئمة حوله في " المغني ". والطريق الآخر، كنت قد خرجته في " الصحيحة " (331) مع طريق قيس بن السكن المتقدمة، برواية أبي داود وابن ماجه وابن حبان وأحمد بلفظ حديث الترجمة دون القصة والروايات الأخرى، والآن حدث ما يقتضي تفصيل القول فيه هنا، فأقول: مدار هذا الطريق على يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب امرأة عبد الله عن زينب امرأة عبد الله عن عبد الله.. وقد اختلفوا عليه في إسناده ومتنه.

أما الإسناد، فقال أبو معاوية: حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار به. هكذا أخرجه أحمد، وأبو داود، ومن طريقه البيهقي (9 / 350) وكذا البغوي في " شرح السنة " (12 / 156 - 157) من طريق أخرى عن أبي معاوية به. وخالفه عبد الله بن بشر، فقال في إسناده: عن ابن أخت زينب. مكان " ابن أخي زينب "! وهي رواية ابن ماجه. وخالفهما محمد بن مسلمة الكوفي، فجعل عبد الله بن عتبة بن مسعود، مكان ابن أخي أو أخت زينب. أخرجه الحاكم (4 / 417 - 418) وقال: " صحيح الإسناد على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وهذا من أوهامهما، فإن يحيى بن الجزار ليس من رجال البخاري مطلقا، ومحمد بن مسلمة الكوفي لم نجد له ذكرا في كتب الرجال، بل ولم يذكره المزي في الرواة عن الأعمش، ولا في شيوخ الراوي عنه: موسى بن أعين، فكيف يكون إسناده على شرط الشيخين، بل كيف يكون صحيحا؟! بل إن إسناده منكر لمخالفته لأبي معاوية وعبد الله بن بشر، وهما ثقتان على خلاف في ابن بشر يأتي بيانه إن شاء الله تعالى. وثمة اختلاف آخر في الإسناد، فضيل بن عمرو عن يحيى بن الجزار قال: دخل عبد الله على امرأة وفي عنقها شيء معقود، فجذبه فقطعه ثم قال.. فذكر القصة مختصرة وحديث الترجمة.

وهو رواية ابن حبان من طريق ابن فضيل عن العلاء بن المسيب عنه. وهذا مرسل كما ترى، فإن ابن الجزار تابعي أسقط الراوي الواسطة بينه وبين ابن مسعود التي اتفقت الروايات السابقة على إثباتها على ما بينها من الاختلاف. وكنت خشيت في " الصحيحة " أن تكون الواسطة سقطت من الناسخ، فتساءلت هناك قائلا: " قلت: وسقط ذكره من كتاب ابن حبان، فلا أدري أكذلك الرواية عنده أم سقط من الناسخ؟ " . والآن تبين لي أن لا سقط من الناسخ، وأن الرواية هكذا وقعت لابن حبان، فإنها كذلك هي في " الإحسان "، وبخاصة أن ابن فضيل قد تابعه النضر بن محمد عن العلاء بن المسيب به. أخرجه الطبراني (10 / 262 / 10503) . والخلاصة: أن الرواة قد اختلفوا على يحيى بن الجزار على ثلاثة وجوه: الأول: عنه عن ابن أخي زينب. الثاني: عنه عن ابن أخت زينب. الثالث: عنه مرسلا دون ذكر الابن. والأكثر على إثباته كما رأيت، فهو علة الإسناد، لأنه مجهول كما قال المنذري في " الترغيب " (4 / 158) و " مختصر السنن " (5 / 363) . فمن الغرائب قول الحافظ في " التقريب ": " كأنه صحابي، ولم أره مسمى "! كذا قال، وكنت نقلته عنه قديما في " الصحيحة "، دون أن يفتح لي بشيء عليه، والآن أقول:

إنه مجرد ظن منه لا دليل عليه، فإني أقول: ألا يحتمل أن يكون ابن صحابي؟ بل لعل هذا أولى. ذاك هو وجه الاختلاف في الإسناد على يحيى بن الجزار. وأما الاختلاف عليه في متنه فهو واسع، ولكني اقتصر الآن على ما لابد لي من بيانه، فأقول: هي في الجملة تختلف طولا وقصرا، فأطولها رواية أبي معاوية عند أحمد والبغوي، واختصر بعضها أبو داود، ونحوها في الطول رواية عبد الله بن بشر عند ابن ماجه. وفي الروايتين أن زينب امرأة ابن مسعود رضي الله عنهما كانت تختلف إلى رجل يهودي فيرقيها! وهذا مستنكر جدا عندي أن تذهب صحابية جليلة كزينب هذه إلى يهودي تطلب منه أن يرقيها!! إنها والله لإحدى الكبر. فالحمد لله الذي لم يصح السند بذلك إليها. ونحوها في النكارة: ما جاء في آخر رواية ابن بشر أن ابن مسعود رضي الله عنه قال لزينب: " لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيرا لك وأجدر أن تشفين: تنضحين في عينيك الماء، وتقولين: أذهب البأس رب الناس.. " إلخ الدعاء المعروف. فذكر النضح، إنما تفرد به عبد الله بن بشر دون أبي معاوية، وهذا أوثق منه وأحفظ، ولاسيما وهو مختلف فيه، فقال الحافظ في " التقريب ": " اختلف فيه قول ابن معين وابن حبان، وقال أبو زرعة: لا بأس به.. وحكى البزار أنه ضعيف في الزهري خاصة ". قلت: فمثله إنما يكون حديثه حسنا فقط إذا لم يخالف، أما مع المخالفة فلا،

فكيف وفوقه ذاك المجهول الذي لم يعرف حتى في اسمه، وعليه دارت أكثر طرق الحديث، وبعضهم أسقطه سهوا أو عمدا لجهالته. وأخيرا أقول: العمدة في تصحيح حديث الترجمة إنما هو طريق قيس بن السكن الأسدي الذي صدرنا به هذا التخريج. والله الموفق. (تنبيه) : على ضوء هذا البيان والتحقيق والتفصيل أرجو من إخواني الكرام الذين قد يجدون في بعض مؤلفاتي القديمة ما قد يخالف ما هنا أن يعدلوه ويصوبوه على وفق ما هنا كمثل ما في " غاية المرام " من تصحيح حديث ابن ماجه الذي فيه ما سبق بيانه من تلكم الزيادتين المنكرتين. وشكرا. ثم وقفت على ما هو أنكر عندي من استرقاء امرأة ابن مسعود باليهودي، وهو ما روى يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أن أبا بكر الصديق دخل على عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها، فقال أبو بكر: " ارقيها بكتاب الله ". أخرجه مالك في " الموطأ " (3 / 121) وابن أبي شيبة (8 / 50 / 3663) والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (2 / 977 / 1105) والبيهقي (9 / 349) من طرق عنه. قلت: وهذا إسناد رواته ثقات لكنه منقطع، فإن عمرة هذه لم تدرك أبا بكر رضي الله عنه، فإنها ولدت بعد وفاته بثلاث عشرة سنة. نعم في رواية للبيهقي من طريق محمد بن يوسف قال: ذكر سفيان عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل أبو بكر وعندها يهودية.. إلخ.

2973

كذا قال: " عن عائشة "، فوصله عنها، وأظن أنه من محمد بن يوسف، وهو الفريابي. وهو ثقة فاضل ملازم لسفيان، وهو الثوري، ومع ذلك فقد تكلم ابن عدي وغيره في بعض حديثه عنه، فأخشى أن يكون وصله لهذا الإسناد مما تكلموا فيه، فيكون شاذا لمخالفته لتلك الطرق التي أرسلته، أو يكون الخطأ ممن دونه، فإنهم دونه في الرواية. بعد هذا البيان والتحقيق لا أرى من الصواب قول ابن عبد البر في " التمهيد " (5 / 278) جازما بنسبته إلى الصديق: " وقد جاء عن أبي بكر الصديق كراهية الرقية بغير كتاب الله، وعلى ذلك العلماء، وأباح لليهودية أن ترقي عائشة بكتاب الله "! ثم إنه من غير المعقول أن يطلب الصديق من يهودية أن ترقي عائشة، كما لا يعقل أن يطلب منها الدعاء لها، والرقية من الدعاء بلا شك، فإن الله عز وجل يقول: * (وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) *. ويزداد الأمر نكارة إذا لوحظ أن المقصود بـ " كتاب الله " القرآن الكريم، فإنها لا تؤمن به ولا بأدعيته. وإن كان المقصود التوراة، فذلك مما لا يصدر من الصديق، لأنه يعلم يقينا أن اليهود قد حرفوا فيه، وغيروا وبدلوا. 2973 - " كان إذا أراد أن يزوج بنتا من بناته جلس إلى خدرها، فقال: إن فلانا يذكر فلانة - يسميها، ويسمي الرجل الذي يذكرها - فإن هي سكتت، زوجها، أو كرهت نقرت الستر، فإذا نقرته لم يزوجها ". روي من حديث عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك.

1 - أما حديث عائشة، فله عنها طريقان: الأول: عن أيوب بن عتبة عن يحيى عن أبي سلمة عنها قالت: فذكره . أخرجه أحمد (6 / 78) . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين غير أيوب بن عتبة، فإنه ضعيف كما في " التقريب ". والآخر: يرويه فضيل أبو معاذ عن أبي حريز عن الشعبي عن عائشة به مختصرا دون قوله: " فإن هي سكتت.. " إلخ. أخرجه ابن عدي في " الكامل " (4 / 160) وأبي يعلى (8 / 4883) وعلقه البيهقي (7 / 123) . قلت: وإسناده حسن ولاسيما في المتابعات، رجاله كلهم ثقات غير أن أبا حريز ، واسمه عبد الله بن حسين البصري كان يخطىء كما في " التقريب ". 2 - وأما حديث أبي هريرة، فله طريقان أيضا: الأولى: عن أبي الأسباط عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، وعن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قالا: فذكره نحو حديث الترجمة أخرجه البيهقي في " السنن " (7 / 123) وقال: " كذا رواه أبو الأسباط الحارثي، وليس بمحفوظ، والمحفوظ من حديث يحيى مرسل ". ثم ساقه هو وعبد الرزاق في " المصنف " (6 / 141 - 142) من طريقين عن يحيى بن أبي كثير عن المهاجر بن عكرمة المخزومي قال: فذكره.

وهذا بلا شك أصح مرسلا، والمهاجر مجهول الحال. لكن قد جاء مسندا عن أبي هريرة بطريق أخرى خير من هذه، فإن أبا الأسباط الحارثي - واسمه بشر بن رافع - ضعيف. ومن طريقه أخرجه الطبراني أيضا كما سيأتي قريبا بإذن الله تعالى. والأخرى: قال البزار في " مسنده " (2 / 160 / 1421 - كشف الأستار) : حدثنا زكريا بن يحيى حدثنا شبابة حدثنا المغيرة بن مسلم عن هشام عن محمد بن سيرين عنه به مثل حديث الترجمة دون جملة النقر. وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " غير زكريا بن يحيى، وهو ابن أيوب، أبو علي الضرير، له ترجمة في " تاريخ بغداد " (8 / 457) برواية جمع من الثقات الحفاظ غير البزار، فمثله يمشي الحفاظ النقاد حديثه، وبخاصة في الشواهد والمتابعات، ولعله لذلك قال الهيثمي في " المجمع " (4 / 278) : " رواه البزار، ورجاله ثقات ". وأقره الحافظ في " مختصر زوائد مسند البزار " (1 / 575 / 1019) . 3 - وأما حديث ابن عباس، فله أيضا طريقان: أما الأول، فيرويه أبو الأسباط عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عنه. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (11 / 355 / 11999) من طريق يحيى الحماني: حدثنا حاتم بن إسماعيل عنه. وقال الهيثمي (4 / 278) : " رواه الطبراني، وفيه يحيى بن عبد الحميد الحماني، وقد وثق، وفيه ضعف ". قلت: قد تابعه هشام بن بهرام، وهو ثقة عند البيهقي في حديث أبي هريرة المتقدم / الطريق الأول، وإنما علة هذا الإسناد ضعف أبي الأسباط هذا كما تقدم هناك.

والطريق الآخر، يرويه بقية بن الوليد: أخبرنا إبراهيم بن أدهم حدثني أبي أدهم ابن منصور عن سعيد بن جبير عنه به مختصرا نحوه دون قوله: " يسميها.. " إلخ. أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (4 / 574) . وأدهم بن منصور لم أجد من ترجمه، وسائر رواته موثقون. 4 - وأما حديث أنس، فيرويه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي عن عبد العزيز بن الحصين عن ثابت البناني عنه نحوه. أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 146 / 1 / 7255) وقال: " لم يروه عن ثابت إلا عبد العزيز بن الحصين، تفرد به عثمان بن عبد الرحمن ". قلت: قال الحافظ: " صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك، حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين ". وعبد العزيز بن الحصين من أولئك الضعفاء المشار إليهم، وقد أجمعوا على تضعيفه. وخالف الحاكم فأخرج له في " المستدرك "، وقال: " إنه ثقة "، وكذلك تعجب منه الحافظ في " اللسان " . وقال الهيثمي: " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه عبد العزيز بن الحصين ، وهو ضعيف ". والخلاصة: إن الحديث صحيح بمجموع طرقه، وبخاصة أن الطريق الثاني لحديث أبي هريرة حسن لذاته كما تقدم فهو بها صحيح. والله أعلم.

2974

وفي الباب عن عمر، لكن في متنه نكارة، فإن فيه: " يا بنية إن فلانا قد خطبك، فإن كرهته فقولي: " لا "، فإنه لا يستحي أحد أن يقول: " لا "، وإن أحببت فإن سكوتك، إقرار ". ولذلك خرجته في الكتاب الآخر " الضعيفة " (4166) . 2974 - " أمرنا بأربع، ونهانا عن خمس: 1 - إذا رقدت فأغلق بابك، 2 - وأوك سقاءك، 3 - وخمر إناءك، 4 - وأطف مصباحك، فإن الشيطان لا يفتح بابا، ولا يحل وكاء، ولا يكشف غطاء، وإن الفأرة الفويسقة تحرق على أهل البيت بيتهم. 1 - ولا تأكل بشمالك، 2 - ولا تشرب بشمالك، 3 - ولا تمش في نعل واحدة، 4 - ولا تشتمل الصماء، 5 - ولا تحتب في الإزار مفضيا ". أخرجه بهذا التمام ابن حبان (1342 - موارد) : أخبرنا عبد الله بن أحمد بن موسى - عبدان -: حدثنا محمد بن معمر حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال: فذكره مرفوعا.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم، وقد صرح ابن جريج وأبو الزبير بالتحديث كما يأتي، غير شيخ ابن حبان: عبدان، وهو الأهوازي، وهو حافظ حجة، له ترجمة جيدة في " تذكرة الحفاظ " و " السير " (14 / 168 - 172) . وأخرجه أبو عوانة في " صحيحه " (5 / 508) وأحمد (3 / 297 - 298 و 322) وكذا مسلم (6 / 154) من طرق عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله.. فذكر المناهي الخمس دون النهي عن الشرب، وذكر مكانها: " ولا تضع إحدى رجليك على الأخرى إذا استلقيت ". وزاد أحمد: " قلت لأبي الزبير: أوضعه رجله على الركبة مستلقيا؟ قال: نعم. قال: أما (الصماء) - فهي إحدى اللبستين -: تجعل داخلة إزارك وخارجته على إحدى عاتقيك. قلت لأبي الزبير: فإنهم يقولون " لا يحتبي في إزار واحد مفضيا؟ قال: كذلك سمعت جابرا يقول: لا يحتبي في إزار واحد. قال حجاج عن ابن جريج: قال: عمر ولى (¬1) مفضيا ". ثم روى مسلم وأبو عوانة وغيرهما من طرق أخرى عن أبي الزبير النواهي الأربع، وفي رواية لهما: " وأن يحتبي في ثوب واحد كاشفا عن فرجه ". زاد أبو عوانة في رواية له: ¬

(¬1) كذا الأصل ولم أفهمه. ولعل الصواب " قال (عمرو) لي: "، وعمرو هو ابن دينار. اهـ.

" مفضيا إلى السماء ". وأخرجه أحمد (3 / 362) من طريق حماد: أنبأنا أبو الزبير به، فذكر الحديث بتمامه بأوامره ونواهيه، مع اختصار بعض الخصال، وزاد: " وأن نكف فواشينا حتى تذهب فحمة العشاء ". وتابعه الليث بن سعد عن أبي الزبير بالشطر الأول من الحديث دون النواهي ودون الكف. أخرجه مسلم (6 / 105) وغيره. وهو مخرج في " الإرواء " (39) ورواه عطاء بن أبي رباح عن جابر عند الشيخين، وقد سقت لفظه وخرجته هناك. بقي شيء واحد، وهو أنني في كل الطرق المتقدمة ومن المصادر المختلفة، لم أجد الخصلة الثانية من النواهي الخمس: " ولا تشرب بشمالك "، فأخشى أن تكون وهما من بعض الرواة، دخل عليه حديث في حديث كما يقع ذلك من بعضهم أحيانا، فإن هذه الخصلة ثابتة في أحاديث أخرى منها حديث ابن عمر بلفظ: " لا يأكلن أحد منكم بشماله، ولا يشربن بها، فإن الشيطان يأكل بشماله ، ويشرب بها ". وهو مخرج فيما تقدم مع غيره مما هو بمعناه (1236) . ( تنبيه على أمور) : الأول: وقعت الجملة الأخيرة من النواهي في " الموارد " هكذا: " ولا تحتب والإزار مفضي ". وفي " الإحسان " (4 / 89 / 1273 / المؤسسة) :

" ولا تحتب في الدار مفضيا ". وزاد تحريفا في الطبعة الأخرى ( رقم 1270) : " ولا تخبب في الدار مفضيا "!! وشرحه الجاهل في التعليق عليه بقوله: " الخبب ضرب من العدو. النهاية 2 / 3 "! فأقول: نعم هذا هو معنى " الخبب "، ولكن ما علاقته بهذه الفقرة هنا، وما معناها؟! أهكذا يكون ضبط النص من القائم على " مركز الخدمات والأبحاث العامة "؟! أم الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم: " من تشبع بما لم يعط فهو كلابس ثوبي زور "؟! الثاني: لقد أطال المعلق على طبعة المؤسسة من " الإحسان " في تخريج الحديث، وعزاه لجمع من المؤلفين منهم مسلم دون أن ينبه على الفرق بين رواية ابن حبان، ورواية مسلم وغيره التي ليس فيها جملة: " ولا تشرب بشمالك "، ولا لفظة " الإفضاء "، فضلا عن قوله في أول الحديث: " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع، ونهانا عن خمس "، فأوهم القراء أن الحديث عند مسلم والآخرين بهذا التمام، أفهكذا يكون التحقيق؟! الثالث: تفسير أبي الزبير للفظ " الصماء " بأن يجعل داخلة إزاره وخارجته على عاتقه. أقول: لعل هذا يرجح تفسير الفقهاء لـ " الصماء "، وهو قولهم: أن يتغطى بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على منكبه فتنكشف عورته، وذلك لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره، ولاسيما إذا كان تابعيا كأبي الزبير، لأنه في هذه الحالة يغلب على الظن أنه تلقاه من صحابي الحديث، وهو جابر رضي الله عنه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

2975

2975 - " لا ألبسه أبدا. يعني خاتم الذهب ". أخرجه ابن حبان في " صحيحه " (7 / 412 / 5468 - الإحسان) : أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الله بن الحارث المخزومي قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثني زياد بن سعد، أن ابن شهاب أخبره أن أنس بن مالك أخبره: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده يوما خاتما من ذهب، فاضطرب الناس الخواتيم (¬1) ، فرمى به وقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير المخزومي فهو من رجال مسلم، وغير الأزدي شيخ ابن حبان، وهو حافظ ثقة مترجم في " السير " (14 / 166) و" الشذرات " (2 / 246) وغيرهما. ولهذا الإسناد علتان غريبتان، إحداهما الاختلاف على عبد الله بن الحارث المخزومي. والأخرى شذوذ ابن شهاب الزهري عن الأحاديث الأخرى. أما العلة الأولى، فقال أحمد (3 / 206) : حدثنا روح حدثنا ابن جريج، وعبد الله بن الحارث عن ابن جريج قال: أخبرني زياد بن سعد به إلى قوله: " فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه فطرح الناس خواتيمهم ". لم يذكر حديث الترجمة: " لا ألبسه أبدا "، وقال: " من ورق ". فهذا اختلاف ظاهر بين إسحاق بن إبراهيم - وهو ابن راهويه -، وبين أحمد بن حنبل، على المخزومي شيخهما، فالأول ذكر حديث الترجمة بخلاف الآخر، وكلاهما إمام ثقة حافظ حجة. ¬

(¬1) أي: اصطنعوها، في " النهاية ": اضطرب خاتما من ذهب "، أي أمر أن يضرب أو يصاغ، وهو افتعل من (الضرب) : الصياغة، والطاء بدل التاء ". اهـ.

والعلة الأخرى - وهي أهم من الأولى - أن في حديث ابن راهويه: " خاتما من ذهب "، وفي حديث أحمد: " خاتما من ورق "، أي فضة، ويبدو جليا لكل باحث أن هذا هو الأرجح المحفوظ عن ابن جريج لمتابعة روح - وهو ابن عبادة، شيخ أحمد أيضا - للمخزومي عنده. وقد أخرج هذه الرواية مسلم أيضا (6 / 152) من طريق ابن نمير : حدثنا روح به. وتابعه عنده أبو عاصم عن ابن جريج به. وهشام بن سليمان عند أبي الشيخ في " أخلاقه " (114) . وتابع ابن جريج إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب به. أخرجه مسلم، وأبو داود (4221) وأحمد (3 / 160 و 223) وعلقه البخاري - كما يأتي -، وابن حبان (5466) وأبو يعلى (3538) . ويونس بن يزيد الأيلي عن ابن شهاب به. أخرجه البخاري (5868) وقال: " تابعه إبراهيم بن سعد وزياد وشعيب، عن الزهري، وقال ابن مسافر: عن الزهري: أرى خاتما من ورق ". ورواية شعيب وصلها الإسماعيلي كما قال الحافظ في " الفتح " (10 / 321) وفاته أنه وصلها أحمد أيضا (3 / 225) . ورواية ابن مسافر - وهو عبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وهو ثقة من رجال الشيخين - وصلها الإسماعيلي أيضا من طريق سعيد بن عفير عن الليث عنه، قال الحافظ: " وليس فيه لفظ: " أرى "، فكأنها من البخاري ". قلت: أستبعد جدا أن تكون زيادة منه، بل هي الرواية وقعت هكذا لابن

مسافر أو من دونه، لأنه لا يجوز الزيادة في الرواية بالرأي دون بيانها، وإلا كان ذلك سببا لإسقاط الثقة بأحاديث الثقات كما لا يخفى. وهناك متابعات أخرى نكتفي منها بما قدمنا، وكلها متفقة على أن المحفوظ عن الزهري في حديثه عن أنس إنما هو بلفظ: " خاتم من ورق "، وهذا مشكل، لأن المحفوظ في هذه القصة من حديث ابن عمر، من رواية نافع وعبد الله بن دينار عنه أن الخاتم المطروح من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الناس إنما هو خاتم الذهب، وهو الذي قال فيه: " لا ألبسه أبدا ". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " مختصر الشمائل " (63 / 84) . ولذلك قال ابن عبد البر في " التمهيد " (17 / 100) عقب حديث الزهري هذا: " وهذا غلط عند أهل العلم، والمعروف أنه إنما نبذ خاتما من ذهب لا من ورق "، ثم قال: " المحفوظ في هذا الباب عن أنس غير ما قال ابن شهاب من رواية جماعة من أصحابه عنه، قد ذكرنا بعضهم ". وذكر الحافظ نحوه في " الفتح " (10 / 320) وقال: " قال النووي تبعا لعياض: قال جميع أهل الحديث: هذا وهم من ابن شهاب، لأن المطروح ما كان إلا خاتم الذهب، ومنهم من تأوله كما سيأتي ". ثم ذكر بعض التأويلات التكلف فيها ظاهر، ولا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما دام أن أهل الحديث حكموا بوهم ابن شهاب، فلا مسوغ للتأويل.

2976

والخلاصة: أن حديث الترجمة شاذ عن الزهري عن أنس، والمحفوظ عنه حديث آخر، وفيه أن الخاتم " من ورق "، ولذلك لم يخرجه مسلم، وإنما أخرجه هو والبخاري من حديث ابن عمر. ولهذا فقد أخطأ المعلق على " الإحسان " (12 / 305) بعزوه إياه لمسلم. 2976 - " إذا صلى أحدكم فأحدث، فليمسك على أنفه، ثم لينصرف ". أخرجه ابن ماجه (1222) عن عمر بن علي المقدمي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره. ومن طريق عمر بن قيس عن هشام بن عروة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف من الوجهين، ورجال الأول ثقات كلهم ، إلا أن المقدمي يدلس تدليسا سيئا، قال الذهبي: " ثقة شهير، لكنه رجل مدلس ، قال ابن سعد: ثقة يدلس تدليسا شديدا، يقول: " سمعت " و " حدثنا " ثم يسكت ، ثم يقول: " هشام بن عروة "، و " الأعمش "، وقال ابن معين: ما به بأس، وقال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال: لولا تدليسه لحكمنا له إذا جاء بزيادة، غير أنا نخاف أن يكون أخذها عن غير ثقة ". ورجال الوجه الآخر ثقات أيضا غير عمر بن قيس، وهو المكي المعروف بـ (سندل) ، وهو متروك كما في " التقريب " ، فأخشى أن يكون مدار الحديث عليه، وأن يكون المقدمي تلقاه عنه، ثم دلسه. والله أعلم. ثم وقفت على متابعين له ثقات، فصح الحديث بذلك والحمد لله، وخرجتهم في " صحيح أبي داود " (1020) .

2977

2977 - " ألق عنك شعر الكفر، واختتن. قاله لرجل أسلم ". أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (6 / 10 / 9835) ومن طريقه أحمد (3 / 415) وأبو داود (356) ومن طريقه البيهقي (1 / 172) والطبراني في " المعجم الكبير " (22 / 395 - 396) كلهم من طريق عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرت عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده: أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " قد أسلمت "، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ألق عنك شعر الكفر، يقول: احلق ". قال: وأخبرني آخر عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لآخر : فذكره. قلت: وهذا إسناد مجهول، لجهالة شيخ ابن جريج الذي لم يسم، وكذا عثيم ومن فوقه، وفي إسناده خلاف ذكرته في " صحيح أبي داود " (382) . وأريد أن أنبه هنا أن ابن حبان أورد عثيما هذا في " ثقاته " (7 / 303) ، مع أنه ذكر أنه روى عنه ابن جريج عن رجل عنه يشير إلى هذه الرواية، فهذا ينافي بعض الشروط التي وضعها لرواة كتابه هذا في مقدمته (1 / 11 - 13) وشروط رواة أحاديث كتابه " الصحيح " التي ذكرها في مقدمته أيضا (1 / 83 - 84) . فراجع إن شئت. لكن هذا الحديث حسن المتن عندي تبعا لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما كنت ذكرت في " صحيح أبي داود "، لحديث قتادة أبي هشام قال: " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: " يا قتادة اغتسل بماء وسدر، واحلق عنك شعر الكفر ". وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر من أسلم أن يختتن، وإن كان ابن ثمانين ". وقلت هناك:

" قال الهيثمي (1 / 283) : " رواه الطبراني في " الكبير "، ورجاله ثقات " كذا قال، وأما الحافظ فقال في " التلخيص " (4 / 618) : " وإسناده ضعيف ". قلت: وعلى كل حال يعطي الحديث قوة، ولعله من أجل ذلك جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " الفتاوى " (1 / 44) .. ". ثم طبع المعجم الذي فيه هذا الحديث، فرأيته فيه (19 / 14 / 20) من طريق قتادة بن الفضل بن قتادة الرهاوي عن أبيه: حدثني عم أبي هاشم بن قتادة الرهاوي عن أبيه. فتبين لي صواب تضعيف الحافظ لإسناده، وخطأ توثيق شيخه الهيثمي لرجاله، لأن عمدته في ذلك على ابن حبان، فقد أورد كلا من (هاشم بن قتادة الرهاوي) و (الفضل بن قتادة الرهاوي) في " ثقاته " (5 / 503) و (7 / 317) ، من المعروف تساهل ابن حبان في التوثيق، ولاسيما والرجلان لا يعرفان إلا بهذا الإسناد، وله حديث آخر كنت خرجته في " الضعيفة " (5941) لتجرده عن شاهد، بخلاف هذا، فشاهده حديث الترجمة. وله شاهد مختصر جدا في الختان من رواية الزهري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أسلم فليختتن ولو كان كبيرا ". رواه حرب بن إسماعيل كما قال الحافظ في " التلخيص " (4 / 82 / 1806 - تعليق اليماني المدني ) وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (1 / 114) للبيهقي، أطلقه، وذلك يعني " السنن الكبرى " له، ولم أره فيه، وقد أبعد النجعة، فقد أخرجه الإمام البخاري في " الأدب المفرد " (322 / 1252) : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي قال: حدثني سليمان بن بلال عن يونس عن ابن شهاب قال:

" كان الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان وإن كان كبيرا ". وهذا إسناد صحيح مقطوع أو موقوف، فإن الظاهر أن الإمام الزهري لا يعني أن ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولصحة إسناده عنه أوردته في كتابي الجديد " صحيح الأدب المفرد " ( 484 / 948 / 1252) . والله سبحانه وتعالى أعلم. وترجم له البخاري فيه بـ " باب اختتان الكبير "، وساق تحته حديث أبي هريرة: " اختتن إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهو ابن عشرين ومئة "، وهو موقوف، والصحيح مرفوع بلفظ: ".. بعد ثمانين سنة "، وقد رواه فيه قبل أبواب برقم (1244) وهو مخرج في " الإرواء " (78) وقد احتج به أحمد لختان الكبير، فروى الخلال في " الوقوف والترجل " (146 / 183) عن حنبل أنه سأل أبا عبد الله عن الذمي إذا أسلم؟ قلت له: ترى أن يطهر بالختانة؟ قال: " لابد له من ذلك ". قلت: فإن كان كبيرا أو كبيرة؟ قال: أحب إلي أن يتطهر، لأن الحديث: " اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة "، قال الله: * (ملة أبيكم إبراهيم) *. قيل له: فإن كان يخاف عليه؟ قال: وإن كان يخاف عليه، كذلك يرجى له السلامة. وفي رواية: لابد له من الطهارة، هذه نجاسة يعني: الأقلف. ثم روى الخلال عن الإمام أحمد أنه سئل عن حج الأقلف؟ فقال: ابن عباس كان يشدد في أمره، روي عنه أنه لا حج ولا صلاة له. قيل له: فما تقول؟ قال:

2978

يختتن ثم يحج. ثم ذكر عنه رواية أخرى فيها التسهيل في أمر الأقلف. والظاهر أن ذلك إذا خاف على نفسه. والله أعلم . (تنبيه) : انقلب على الشوكاني حديث الزهري المتقدم (ص 1181) ، فجعله في كتابه " نيل الأوطار " (1 / 98) من حديث أبي هريرة، وقال عقبه: " وقد ذكره الحافظ في " التلخيص " ولم يضعفه "! وقلده على هذا الوهم المعلق على " كتاب الوقوف والترجل " (ص 148) والحافظ إنما ذكره من حديث الزهري كما سبق. وتنبيه آخر: وهو أن أخانا الفاضل حمدي السلفي قال بعد أن بين ضعف إسناد حديث الترجمة: " لكن للحديث شاهدان من حديث واثلة بن الأسقع، وقتادة أبي هشام ". فأقول: حديث قتادة هذا تقدم. وأما حديث واثلة، فهو شاهد قاصر لأنه ليس فيه : " واختتن "، وهو مخرج عندي في " صحيح أبي داود " تحت حديث الترجمة، وفي " الروض النضير " برقم (893) . 2978 - " يا فاطمة! (هي بنت قيس) إن الحق [عز وجل] لم يبق لك شيئا. قاله صلى الله عليه وسلم لها حين قالت: خذ من طوقي الذهبي ما فرض الله ". أخرجه أبو الشيخ في جزئه " انتقاء ابن مردويه " (83 / 30 - طبع الرشد) ،

قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث حدثنا محمد بن المغيرة حدثنا النعمان حدثنا أبو بكر: أخبرني شعيب بن الحباب عن الشعبي قال: سمعت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها تقول: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بطوق فيه سبعون مثقالا من ذهب ، فقلت: يا رسول الله! خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه. قالت: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم مثقالا وثلاثة أرباع مثقال، فوجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله! خذ منه الذي جعل الله فيه. قالت: فقسم رسول الله على هذه الأصناف الستة، وعلى غيرهم، فقال: فذكره. [قالت:] قلت: يا رسول الله! رضيت لنفسي ما رضي الله عز وجل به ورسوله. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال " التهذيب " إلى (النعمان) وهو ابن عبد السلام الأصبهاني . وأما الراوي عنه محمد بن المغيرة فهو الأصبهاني صاحب النعمان، ترجمه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " (1 / 243 - 244) وأبو نعيم في " أخبار أصبهان " (2 / 185 - 186) برواية جمع من الثقات عنه، وذكرا أنه كان صاحب عبادة وتهجد، صحب النعمان، وسمع عامة أصوله، توفي سنة (231) ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 105) . وأما شيخ أبي الشيخ (إبراهيم بن محمد بن الحارث) ، فقد ترجمه أبو الشيخ في " الطبقات " أيضا (2 / 136) وكذا أبو نعيم (1 / 188 - 189) ، حدث عنه أبو بكر البرذعي ومحمد بن يحيى بن منده، سمع من سعيد بن منصور وذهب سماعه، وكان عنده كتب النعمان عن محمد بن المغيرة . قال أبو الشيخ: " وحضرت مجلسه فجاء أبو بكر البزار، فأخرج إليه كتب النعمان، فانتخب

عليه، وكتب عنه عن أبيه ". قال: " وكتبنا عنه من الغرائب ما لم نكتب إلا عنه ". ثم ساق له حديثا واحدا، وهو أبو إسحاق، يعرف بـ ( ابن نائلة) ، من أهل المدينة، و (نائلة) أمه، وساق له أبو نعيم أحاديث أخرى، عن شيوخ سبعة له عنه، منهم الطبراني، وله في " المعجم الأوسط " أربعة أحاديث (3081 - 3084 - بترقيمي) وآخر في " المعجم الصغير " رقم (275 - الروض النضير) . توفي سنة (291) . قلت: وفي الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة على حلي النساء، وذلك بعد أن أمر صلى الله عليه وسلم بها في غير ما حديث صحيح كنت ذكرت بعضها في " آداب الزفاف "، ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ زكاتها منه، فليضم هذا الحديث إلى تلك، لعل في ذلك ما يقنع الذين لا يزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء! وقد يحتج به بعضهم على جواز الذهب المحلق للنساء، والجواب هو الجواب المذكور في الأحاديث المشار إليها آنفا، فراجعه إن شئت في " الآداب ". على أن هذا ليس فيه أنها تطوق به، بخلاف بعض تلك الأحاديث، فيحتمل أن فاطمة رضي الله عنها كان قد بلغها الحكمان: النهي عن طوق الذهب، فانتهت منه، ووجوب الزكاة، فبادرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليأخذ منه الزكاة، وهذا هو اللائق بها وبدينها رضي الله عنها.

2979

2979 - " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه، فقعد له بطريق الإسلام، فقال: تسلم وتذر دينك ودين آبائك وآباء أبيك؟! فعصاه فأسلم، ثم قعد له بطريق الهجرة، فقال : تهاجر وتدع أرضك وسماءك، وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول؟! فعصاه فهاجر، ثم قعد له بطريق الجهاد، فقال: تجاهد فهو جهد النفس والمال، فتقاتل فتقتل، فتنكح المرأة، ويقسم المال؟! فعصاه فجاهد. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك كان حقا على الله عز وجل أن يدخله الجنة. ومن قتل كان حقا على الله أن يدخله الجنة. وإن غرق كان حقا على الله أن يدخله الجنة، أو وقصته دابته كان حقا على الله أن يدخله الجنة ". أخرجه البخاري في " التاريخ الكبير " (2 / 2 / 187 - 188) والنسائي (2 / 58 ) وابن حبان (385 / 1601 - الموارد) والبيهقي في " شعب الإيمان " (4 / 21 / 4246) وابن أبي شيبة في " المصنف " (5 / 293) ومن طريقه الطبراني في " المعجم الكبير " (7 / 138) وأحمد (3 / 483) من طريق أبي عقيل عبد الله بن عقيل قال: حدثنا موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات، وفي بعضهم كلام لا يضر، ولذلك قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3 / 29) : " أخرجه النسائي من حديث سبرة بن أبي فاكه بإسناد صحيح ".

وأقره الزبيدي في شرحه على " الإحياء " (7 / 270) كما أقر المنذري في " الترغيب " (2 / 173) ابن حبان على تصحيحه، وكذلك قواه الحافظ، ولكنه أشار إلى أن فيه علة، ولكنها غير قادحة، فقال في ترجمة (سبرة) من " الإصابة ": " له حديث عند النسائي بإسناد حسن، إلا أن في إسناده اختلافا ". قلت: هو اختلاف مرجوح لا يؤثر، وقد أشار إليه الحافظ المزي في ترجمة (سبرة ) من " التهذيب "، فإنه ساقه من طريق أحمد، وقال عقبه: " تابعه محمد بن فضيل عن موسى بن المسيب. ورواه طارق بن عبد العزيز عن محمد ابن عجلان عن موسى بن المسيب عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن أبي سبرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ". وذكر مثله في " تحفة الأشراف " (3 / 264) . قلت آنفا: إن هذا الخلاف لا يؤثر، وذلك لأن محمد بن عجلان لا يعارض به الثقتان عبد الله بن عقيل ومتابعة محمد بن فضيل، لاسيما وابن عجلان فيه كلام معروف، وهذا يقال لو صحت المخالفة عنه، فإن الراوي عنه طارق بن عبد العزيز فيه كلام أيضا، وهو طارق بن عبد العزيز بن طارق الربعي، هكذا نسبه في " الجرح "، وقال عن أبيه: " ما رأيت بحديثه بأسا في مقدار ما رأيت من حديثه ". ونسبه في " الثقات " (8 / 327) إلى جده، فقال: " طارق بن طارق المكي "، وقال: " ربما خالف الأثبات في الروايات ". وكذا في " ترتيب الثقات " لابن قطلوبغا (1 / 303 / 2 ) وفي " لسان

الميزان " أيضا، لكن تحرف فيه اسم الأب إلى (بارق) وهو من الطابع فيما أظن. والله أعلم. وقد وصله عنه البيهقي في " الشعب " (رقم 4247) من طريق أبي عبد الله، وهو الحاكم، وليس هو في " المستدرك "، فالظاهر أنه في كتابه: " التاريخ "، وقال البيهقي عقبه: " هكذا في كتابي ( جابر بن [أبي] سبرة) ، وكذلك رواه أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري عن أبيه عن ابن عجلان ... وهو في الثاني والسبعين من (التاريخ) ". وكأنه يعني تاريخ شيخه الحاكم. ووالد أحمد بن أبي بكر اسمه (القاسم بن الحارث بن زرارة ..) كما في ترجمة (أحمد) ، ولم أجد له ترجمة، ولا ذكروه في ترجمة ابنه. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت أبا نعيم قد وصله أيضا في " معرفة الصحابة " (1 / 125 / 1) من طرق عن طارق بن عبد العزيز بن طارق به. وقال: " وهذا مما وهم فيه طارق، تفرد بذكر جابر. ورواه ابن فضيل عن موسى أبي جعفر عن سالم عن سبرة بن أبي فاكه، و [هو] المشهور ". ورواية ابن فضيل هذه وصلها أبو نعيم في ترجمة (سبرة بن الفاكه) من طرق عنه. وذكر الحافظ في ترجمة (جابر) حديثه هذا، وقال: " قال ابن منده: غريب تفرد به (طارق) ، والمحفوظ في هذا عن سالم بن أبي الجعد عن سبرة بن أبي فاكه ".

وجملة القول أن الحديث صحيح من رواية سالم عن سبرة رضي الله عنه، وقد صححه من تقدم ذكرهم ، واحتج به ابن كثير في " التفسير " (2 / 204) وساقه ابن القيم في " إغاثة اللهفان " مساق المسلمات. وأما المعلق عليه (ابن عبد المنان) ، المتخصص في تضعيف الأحاديث الصحيحة، فقد جزم في تعليقه عليه (1 / 134) بأن إسناده ضعيف مخالفا في ذلك كل من ذكرنا من المصححين له والمحتجين به، معللا إياه بأن سالم بن أبي الجعد لم يصرح بالسماع من سبرة. متشبثا في ذلك بما ذهب إليه البخاري وغيره أنه لا يكفي في الحديث أو الإسناد المعنعن لإثبات اتصاله المعاصرة، بل لابد من ثبوت اللقاء ولو مرة، خلافا لمسلم وغيره ممن يكتفي بالمعاصرة. والحقيقة أن هذه المسألة من المعضلات، ولذلك تضاربت فيها أقوال العلماء، بل العالم الواحد، فبعضهم مع البخاري، وبعضهم مع مسلم. وقد أبان هذا عن وجهة نظره، وبسط الكلام بسطا وافيا مع الرد على مخالفه، بحيث لا يدع مجالا للشك في صحة مذهبه، وذلك في مقدمة كتابه " الصحيح "، وكما اختلف هو مع شيخه في المسألة، اختلف العلماء فيها من بعدهما، فمن مؤيد ومعارض، كما تراه مشروحا في كتب علم المصطلح، في بحث (الإسناد المعنعن) . ولدقة المسألة رأيت الإمام النووي الذي انتصر في مقدمة شرحه على " مسلم " لرأي الإمام البخاري، قد تبنى مذهب الإمام مسلم في بعض كتبه في " المصطلح "، فقال في بيان الإسناد المعنعن في كتابه " التقريب ": ".. وهو فلان عن فلان، قيل: إنه مرسل. والصحيح الذي عليه العمل، وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول أنه متصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسا، وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضا، وفي اشتراط ثبوت اللقاء، وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عنه خلاف.. ".

ونحوه في كتابه " إرشاد طلاب الحقائق " (1 / 185 - 189) . 1 - وهذا الذي صححه النووي في كتابيه المذكورين، هو الذي تبناه جمع من الحفاظ والمؤلفين في الأصول والمصطلح، فمنهم: الطيبي في كتابه " الخلاصة في أصول الحديث " (ص 47) ، والعلائي في " التحصيل " (ص 210) . 2 - والذهبي في رسالته اللطيفة المفيدة: " الموقظة "، فإنه وإن كان ذكر فيها القولين: اللقاء والمعاصرة، فإنه أقر مسلما على رده على مخالفه، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فقد أشار في ترجمته في " سير النبلاء " (12 / 573) إلى صواب مذهبه وقوته، في الوقت الذي صرح بأن مذهب البخاري أقوى، فهذا شيء، وكونه شرط صحة شيء آخر كما هو ظاهر بأدنى نظر . 3 - والحافظ ابن كثير في " اختصار علوم الحديث ". 4 - وابن الملقن في " المقنع في علم الحديث " (1 / 148) وفي رسالته اللطيفة " التذكرة " (16 / 11 ) . 5 - والحافظ ابن حجر، فإنه رجح شرط البخاري على نحو ما تقدم عن الذهبي، فإنه سلم بصحة مذهب مسلم، فقال في " النكت على ابن الصلاح " (1 / 289) مدللا على الترجيح: " لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم من الحكم بالاتصال، فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال ". وكذا قال في " مقدمة فتح الباري " (ص 12) ونحوه في رسالته " نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر " (ص 171 / 61 - بنكت الأخ الحلبي عليه) . قلت: وكونه أوضح مما لا شك فيه، وكذلك كونه أقوى، كما نص على ذلك

الإمام الذهبي كما تقدم، فهو كسائر الصفات التي تميز بها " صحيح البخاري " على " صحيح مسلم " كما هو مسلم به عند جمهور العلماء، فهو شرط كمال وليس شرط صحة عندهم. 6 - الإمام الصنعاني، فإنه ناقش الحافظ ابن حجر فيما استدل به لشرط البخاري في بحوث ثلاثة ذكرها في كتابه " توضيح الأفكار "، وألزمه القول بصحة مذهب مسلم، وإن كان شرط البخاري أقوى. وقد كنت ألزمته بذلك في تعليق لي موجز، كنت علقته على " نزهته "، نقله عني الأخ الحلبي في " النكت عليه " (ص 88) ، فليراجعه من شاء. ولقوة الإلزام المذكور، فقد التزمه الحافظ رحمه الله كما تقدم نقله عنه آنفا، والحمد لله. ثم قال الصنعاني رحمه الله تعالى (1 / 234) : " وإذا عرفت هذا فمذهب مسلم لا يخلو عن القوة لمن أنصف، وقد قال أبو محمد بن حزم في " كتاب " الإحكام ": (¬1) 7 - اعلم أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول فهو على اللقاء والسماع سواء قال: " أخبرنا " أو " حدثنا "، أو " عن فلان " أو " قال فلان "، فكل ذلك محمول على السماع منه. انتهى. قلت: ولا يخفى أنا قد قدمنا عنه خلاف هذا في حديث (المعازف) فتذكره ". ¬

(¬1) قلت: ذكر ذلك في بحث له في المدلس (1 / 141 - 142) وهو من حجتنا على ابن حزم ومن قلده من الغابرين والمعاصرين في إعلال حديث (المعازف) الذي رواه البخاري معلقا على هشام بن عمار بالانقطاع بينهما. وقد فصلت القول في الرد عليه تفصيلا في كتاب خاص سيصدر قريبا إن شاء الله تعالى.

هذا وإن مما يسترعي الانتباه ويلفت النظر - أن المذكورين من الحفاظ والعلماء جروا فيما كتبوا في " علم المصطلح " على نحو مما جرى عليه سلفهم في التأليف، أعني به ابن الصلاح في " مقدمته "، وقلما يخالفونه، وإنما هم ما بين مختصر وملخص ومقيد وشارح، كما يعلم ذلك الدارس لمؤلفاتهم فيه، وهذه المسألة مما خالفوه فيها، فإن عبارة النووي المتقدمة في الاكتفاء بالمعاصرة وإمكانية اللقاء هي منه تعديل لعبارة ابن الصلاح المصرحة بشرطية ثبوت اللقاء، وعلى هذا التعديل جرى المذكورون آنفا، وأكدوا ذلك علميا في تصحيحهم للأحاديث المروية بأسانيد لا يمكن التحقق من ثبوت التلاقي بين الرواة في كل الطبقات، هذا يكاد يكون مستحيلا، يعرف ذلك من مارس فن التخريج، ولم يكن من أهل الأهواء، وها هو المثال بين يديك، فهذا الحديث من رواية سالم بن أبي الجعد عن سبرة رضي الله عنه، فقد صححه من تقدم ذكرهم، ومنهم الحافظ العراقي الذي أقر في شرحه على " المقدمة " ابن الصلاح على شرطية اللقاء ، ولم أجد له قولا يوافق الذين اكتفوا بالمعاصرة، ومع ذلك فقد وافقهم عمليا حين صحح إسناد هذا الحديث، فإن سالما هذا لم نر من صرح بلقائه لسبرة، ولكنه مقطوع بتابعيته ومعاصرته للصحابة، بل وروايته عن جمع منهم، ونصوا أنه لم سمع من بعضهم، وليس منهم (سبرة) ، هذا، ومع ذلك فقد تشبث مضعف الأحاديث الصحيحة، ومخرب كتب الأئمة بالتعليق عليها - بشرطية اللقاء، فقال في تعليقه على كتاب ابن القيم " إغاثة اللهفان " (1 / 134) : " إسناده ضعيف، فإن سالما لم يرو عن سبرة غير هذا الحديث، ولم يصرح بالسماع منه، وهو معروف بالإرسال عن جمع من الصحابة، فلا يثبت له الحديث إلا إذا صرح بالسماع منه.. "! فيقال له: أثبت العرش ثم انقش! فإن الشرط المذكور ليس لك عليه دليل إلا

التقليد، وأنت تتظاهر بأنك لا تقلد، وهذا أمر واجب لو كنت من أهل العلم بالكتاب والسنة ، وأصول الحديث والفقه، ولا نرى أثرا لذلك في كل ما تكتب، إلا التحويش دون أي تحقيق أو تفتيش، ولذلك فالواجب عليك إنما هو الاتباع، فهو خير لك بلا شك من التخريب والتضعيف لمئات الأحاديث الصحيحة عند العلماء، وقد تبلغ الألوف إذا مضيت في مخالفتك لـ * (سبيل المؤمنين) *. وأنا على مثل اليقين أن الرجل صاحب هوى وغرض - الله أعلم به - دلنا على ذلك أسلوبه في تخريج الأحاديث، فإنه ينشط جدا، ويتوسع ما وسعه التوسع في التضعيف المذكور، ويتتبع الأقوال المرجوحة التي تساعده على ذلك، مع التمويه على القراء بإعراضه عن ذكر الأقوال المعارضة له، وبالإحالة إلى بعض البحوث التي تخالف قوله!! وأما إذا كان الحديث قويا، ولا يجد سبيلا إلى تضعيفه ونسفه، انقلب ذلك النشاط إلى فتور وخمول، واختصر الكلام عليه في بيان مرتبته اختصارا مخلا دون بيان السبب، كقوله مثلا (1 / 130) : " حديث حسن إن شاء الله "! ثم يسود خمسة أسطر في تخريجه دون فائدة تذكر، موهما قراءه بأنه بحاثة محقق! مع أنهم لا يدرون ما مقصوده من تعليق التحسين بالمشيئة الإلهية، أهو للتشكيك أم التحقيق؟! والأول هو اللائق بالمضعف للصحيحة! وله أحاديث أخرى من هذا النوع (ص 220 و 292 و294) وانظر (ص 183 و 212 و 224 و 272 و 277 و 297) ثم إن قوله عن سالم بن أبي الجعد أنه أرسل عن جمع من الصحابة، فهو لا يفيد انقطاعا هنا، لأنهم نصوا على أنه لم يدركهم، أو لم يسمع منهم، وليس سالم منهم، وحينئذ وجب حمله على الاتصال على مذهب الجمهور، وهو الراجح كما سبق تحقيقه.

ومثال ثان لما ذكرت آنفا، كان الإمام مسلم قد ضربه مثلا في أنواع أخرى لما نحن فيه، واحتج بها أهل العلم وصححوها، حديثان من رواية ربعي بن حراش عن عمران، أحدهما في إسلام حصين والد عمران، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له قبل أن يسلم وبعد أن أسلم: " قل: اللهم قني شر نفسي، واعزم لي على أرشد أمري ". قال النووي عقبه في شرحه لمقدمة مسلم: " إسناده صحيح ". وكذا قال الحافظ في " الإصابة / ترجمة (حصين) ". ويبدو للناظر المنصف أهمية هذا المثال، وخاصة بالنسبة للنووي، فإنه كان قبل هذا التصحيح بصفحات قد رد على الإمام مسلم مذهبه، فإذا به يجد نفسه لا يسعه إلا أن يوافقه، وما ذلك إلا لقوته في واقع الأمر. وهذا عين ما أصاب مضعف الأحاديث الصحيحة، فإنه لما جاء إلى هذا الحديث (1 / 107) وخرجه، جود إسناده! فلا أدري أهو من الغفلة وقلة التحقيق، أم هو اللعب على الحبلين، أو الهوى، وإلا لزمه أن يضعفه كما فعل بحديث الترجمة لاشتراكهما في العلة عنده، وهي عدم تحقق شرط اللقاء، أو أن يصححهما معا، اكتفاء بالمعاصرة ، وهو الصواب. وقد أشار الحافظ إلى هذا الاكتفاء في آخر ترجمة (ربعي) ، فإنه لما نقل عن ابن عساكر أن ربعيا لم يسمع من أبي ذر تعقبه بقوله: " وإذا ثبت سماعه من عمر، فلا يمتنع سماعه من أبي ذر ". فهذا مما يؤكد أنه يتبنى الاكتفاء بالمعاصرة. ويحضرني مثال ثالث، وهو حديث محمد بن عبد الله بن الحسن العلوي، المعروف بـ (النفس الزكية) ، رواه عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعا:

" إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه " (¬1) . لقد صحح هذا الحديث جمع من الحفاظ، منهم عبد الحق الإشبيلي ، والشيخ النووي، وقواه الحافظ في " الفتح " (2 / 291) وفي " بلوغ المرام "، وهم يعلمون أن اللقاء بين النفس الزكية وأبي الزناد غير معروف، كما أشار إلى ذلك الإمام البخاري بقوله في ترجمة (النفس الزكية) من " التاريخ الكبير " (1 / 1 / 139) : " لا أدري سمع من أبي الزناد أم لا؟ ". قلت: وهكذا يجد الباحث في كتب تخريج الأحاديث عشرات بل مئات الأحاديث قد صححها الحفاظ والعلماء مكتفين في ذلك بالمعاصرة، غير ملتزمين فيها شرط اللقاء، وما ذاك إلا عن قناعة منهم بأن هذا الشرط إنما هو شرط الكمال، وليس شرط صحة، فإن تحقق فبها ونعمت، وإلا ففي المعاصرة بركة وكفاية، على هذا جرى السلف، كما شرح ذلك الإمام مسلم في " مقدمته "، وتبعهم على ذلك الخلف من الحفاظ الذين سمينا بعضهم، واشتد إنكار مسلم على مخالفيهم غيرة منه على السنة المطهرة، وخوفا منه أن يهدر منها شيء، وما قدمنا من الأمثلة يؤيد ما ذهب إليه رحمه الله. وبالله التوفيق. ¬

(¬1) تنبيه: لقد وقفت على رسالة لأحد متعصبة الحنابلة المعاصرين في تضعيف هذا الحديث الصحيح، جاء فيها تجاهلات ومكابرات عجيبة، أذكر ما تيسر منها: 1 - جعل قول البخاري الآتي معارضا لمن وثق النفس الزكية! 2 - تجاهل بروك الجمل على ركبتيه اللتين في مقدمتيه كما هو الثابت في كتب اللغة، وفي أثر عمر الذي ذكره (ص 42) محتجا به وهو عليه: أنه كان يخر في صلاته بعد الركوع على ركبتيه كما يخر البعير: يضع ركبتيه قبل يديه! هذا هو بروك البعير أن يضع ركبتيه قبل يديه. وبذلك يكون قد هدم كل ما بنى، على أنه كان على شفا جرف هار ! . اهـ.

2980

2980 - " هكذا الوضوء، فمن زاد على هذا، فقد أساء وتعدى وظلم. يعني الوضوء ثلاثا ثلاثا ". أخرجه النسائي (1 / 33) وابن ماجه (1 / 163 - 164) من طريق يعلى قال: حدثنا سفيان عن موسى بن أبي عائشة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؟ فأراه الوضوء ثلاثا ثلاثا، ثم قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن على الخلاف المعروف في الاحتجاج برواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، والذي استقر عليه عمل الحفاظ المتقدمين والمتأخرين الاحتجاج بها، وحسب القارىء أن يعلم قول الحافظ الذهبي فيه في كتابه " المغني ": " مختلف فيه، وحديثه حسن، وفوق الحسن، قال يحيى القطان: إذا روى عنه ثقة فهو حجة، وقال أحمد: ربما احتججنا به. وقال البخاري: رأيت أحمد وإسحاق وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون به، فمن الناس بعدهم؟! ". وقد بسط الكلام في الخلاف المشار إليه الحافظ ابن حجر، وذكر أقوال الأئمة فيه، وهي جد متعارضة تعارضا لا يستطيع الخروج منه بخلاصة صحيحة إلا من كان مثله في المعرفة بهذا العلم الشريف والتحقيق فيه، ثم ختم ذلك بقوله (8 / 48 - 55) : " فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها، أو صح سماعه لبعضها، فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة، وهو أحد وجوه التحمل. والله أعلم ".

وقد كنت ذكرت شيئا من هذا الخلاف والترجيح في تخريجي لهذا الحديث في " صحيح أبي داود " (رقم 124) ونقلت عن ابن القيم أنه قال: " وقد احتج الأئمة الأربعة الفقهاء قاطبة بصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ولا يعرف في أئمة الفتوى إلا من احتاج إليها واحتج بها، وإنما طعن فيها من لم يتحمل أعباء الفقه كأبي حاتم البستي وابن حزم وغيرهما ". وعلى ذلك حسنت الحديث هناك، وصححته بشاهد له من حديث ابن عباس، مرجحا به رواية سفيان لحديث الترجمة على رواية أبي عوانة التي فيها زيادة بلفظ: " فمن زاد أو نقص "، فزاد على سفيان: " أو نقص "، وسفيان - وهو الثوري - أحفظ من أبي عوانة. ثم وقفت بعد سنين على رواية أخرى لسفيان، فيها الزيادة المذكورة، فكان هذا من البواعث على إعادة النظر في الترجيح المذكور، والنظر فيها، فقال ابن أبي شيبة في " المصنف " (1 / 8 - 9) : حدثنا أبو أسامة عن سفيان به. قلت : وهذا إسناد ظاهره الصحة، ولكن له علة، وهي عنعنة أبي أسامة - وهو حماد بن أسامة - فإنه مع ثقته قال الحافظ فيه: " ربما دلس، وكان بأخرة يحدث من كتب غيره ". وإذا كان الأمر كذلك، فلا تترجح روايته على رواية (يعلى) لحديث الترجمة، وإن كان يعلى (وهو ابن عبيد الطنافسي) تكلم فيه بعضهم في روايته عن سفيان خاصة، إلا أنه قد توبع من ثقة لا خلاف فيه، فقال ابن خزيمة في " صحيحه " (1 / 89 / 174) وابن الجارود في " المنتقى " (35 / 75) : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي: حدثنا الأشجعي عن سفيان به. وهذا إسناد صحيح غاية، فإن الدورقي ثقة حافظ.

والأشجعي - واسمه عبيد الله بن عبيد الرحمن - ثقة مأمون، أثبت الناس كتابا في الثوري كما في " التقريب "، وقال الذهبي في " الكاشف ": " إمام ثبت كتب عن الثوري ثلاثين ألفا ". وعلى هذا فرواية (يعلى) أرجح من رواية أبي أسامة كما هو ظاهر. وقد يخدج على هذا الترجيح، ما رواه أبو عبيد في كتابه " الطهور " عن الحكم بن بشير بن سليمان عن موسى بن أبي موسى بلفظ: " الوضوء ثلاث، فمن زاد أو نقص.. " الحديث. فأقول: لا، وإن سكت عنه ابن الملقن في " البدر المنير " (3 / 336) وما ينبغي له، فإن الحكم هذا لا يقاوم الثوري في الثقة والحفظ، فإنه لم يوثقه غير ابن حبان ، وقال أبو حاتم: " صدوق ". ثم هو إلى ذلك قد خالفه في موضع آخر كما خالف فيه أبا عوانة أيضا، وهو جعله وضوءه صلى الله عليه وسلم ثلاثا من قوله صلى الله عليه وسلم، فدل على أنه لم يحفظ، فروايته مرجوحة أيضا، فبقي حديث الترجمة هو المحفوظ دون الزيادة، وهو الذي جزم بصحته ابن القيم في " إغاثة اللهفان ". هذا، وثمة باعث آخر على تخريج الحديث هنا، وهو الرد على عدو السنة ومضعف الأحاديث الصحيحة، فقد رأيته شرع في توجيه ضربات تخريبية أخرى، متظاهرا بتعليق وتحقيق بعض الكتب لأئمة مشهورين، وتضعيف أحاديثهم التي أقاموا عليها بحوثهم، فقد خرب من قبل كتاب النووي " رياض الصالحين " كما هو معروف، والآن طلع على الناس بطبعة جديدة لكتاب " الإغاثة " المذكور، فعلق عليه بتعليقات سيئة جدا، أفسد بها كثيرا من بحوثه القيمة بتضعيفه - بجهله أو تجاهله البالغ - لأحاديثها الصحيحة، منها هذا الحديث، فإن ابن القيم ساقه ردا

على الموسوسين في الطهارة، المخالفين لما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ مرة مرة، ولم يزد على ثلاث، وقال ابن القيم: " بل أخبر أن من زاد عليها فقد أساء وتعدى وظلم ". فعلق المأفون عليه بعد تخريجه بقوله (1 / 180) : " ولفظ أبي داود: " فمن زاد على هذا أو نقص.. ". قلت: وقد اختلف في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وأميل إلى تضعيفها، ولم يرها من باب الصحيح البخاري ومسلم وابن حبان "! . قلت: هكذا يضلل الرجل قراءه بمثل هذا الكلام الواهي الذي يعرف جوابه المبتدئون في هذا العلم، وهو أنه لا يلزم من عدم إخراج هؤلاء أو أحدهم للحديث أن يكون ضعيفا، فكم من حديث صحيح لم يخرجه هؤلاء البتة، وكم من حديث أخرجه الشيخان ولم يخرجه ابن حبان، فضلا عن أحاديث أخرجها هو دون الشيخين، بل كم من حديث رواه البخاري لم يروه مسلم، وعلى العكس، هذا أولا. وثانيا: لقد ذكر هو اختلاف العلماء في رواية عمرو هذه، فما فائدة تعقيبه عليه بذكر الذين لم يصححوها - وهم طرف في الخلاف - سوى التضليل؟! هذا مع أن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن كما هو معروف عند أهل العلم. وثالثا: لقد غش القراء بذكر البخاري معهم، فإنه لابد أنه رأى بعينه في ترجمة (عمرو) من " التهذيب " قول البخاري: " رأيت أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وإسحاق بن راهويه، وأبا عبيد، وعامة أصحابنا يحتجون بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ما تركه أحد من المسلمين. قال البخاري: من الناس بعدهم؟! ".

2981

وهذا مما يؤكد لكل قارىء لبيب منصف أن الرجل من أهل الأهواء، فإن من علاماتهم أنهم يذكرون ما لهم، ويكتمون ما عليهم. ورابعا: مما يؤكد أنه منهم، أنه إذا كان الحديث لا يخالف هواه قواه ولو كان من هذه الرواية، فقد خرج حديثا آخر من هذا الوجه، ثم قال: (1 / 93) : " وقال الترمذي: " حسن غريب ". وهو كما قال "! ولقد كان الأولى به - لو كان عنده شيء من هذا العلم بعيدا عن الغرضية والمخالفة والهوى - أن يبادر إلى بيان شذوذ زيادة: " أو نقص " لمباينتها لرواية سفيان المحفوظة، ولشاهدها من حديث ابن عباس، وللسنة العملية التي جرى عليها النبي صلى الله عليه وسلم من الاقتصار أحيانا على دون الثلاث كما تقدم، ولكن أنى له ذلك وقد أوقف نفسه لهدم السنة وتضعيفها؟! والله المستعان. 2981 - " تخصر بهذه حتى تلقاني، وأقل الناس المتخصرون. قاله لعبد الله بن أنيس الجهني ". أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (2 / 5 - 6) و " أخبار أصبهان " (1 / 189 - 190) : حدثنا القاضي أبو أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عمر حدثنا عبد العزيز بن محمد عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن كعب عن عبد الله بن أنيس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لي بخالد بن نبيح؟ ". رجل من هذيل، وهو يومئذ قبل (عرفة) بـ (عرنة) ، قال عبد الله بن أنيس: أنا يا رسول الله! انعته لي، قال:

" إذا رأيته هبته ". قال: يا رسول الله! والذي بعثك بالحق ما هبت شيئا قط. قال: فخرج عبد الله بن أنيس حتى أتى جبال (عرفة) قبل أن تغيب الشمس، قال عبد الله: فلقيت رجلا، فرعبت منه حين رأيته، فعرفت حين رعبت منه أنه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لي: من الرجل؟ فقلت : باغي حاجة، هل من مبيت؟ قال: نعم، فالحق، فرحت في أثره فصليت العصر ركعتين خفيفتين، وأشفقت أن يراني، ثم لحقته، فضربته بالسيف، ثم خرجت، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته. قال محمد بن كعب: فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصرة، فقال: (فذكره) . قال محمد بن كعب: فلما توفي عبد الله بن أنيس أمر بها فوضعت على بطنه وكفن، ودفن ودفنت معه. قلت : وهذا إسناد جيد، ذكره أبو نعيم في ترجمة (إبراهيم بن محمد بن الحسن) من " الأخبار "، وقال: " يعرف بـ (ابن متويه) ... كان من العباد والفضلاء، يصوم الدهر ". وأورده الذهبي في " تذكرة الحفاظ " (2 / 740) ووصفه بـ: " الحافظ القدوة.. وقال أبو الشيخ: كان من معادن الصدق ". وله ترجمة في " السير " أيضا (14 / 142 - 143) . والقاضي أبو أحمد محمد بن أحمد بن إبراهيم هو الحافظ العسال، ترجمه أبو نعيم في " الأخبار " بقوله (2 / 283) :

2982

" مقبول القول، من كبار الناس في المعرفة والإتقان والحفظ، صنف الشيوخ والتاريخ والتفسير وعامة المسند ". وله ترجمة حافلة في " التذكرة " (3 / 886 - 889) ووصفه بـ " الحافظ العلامة.. قال ابن مردويه: وهو أحد الأئمة في علم الحديث فهما وإتقانا وأمانة ". وتوسع في ترجمته في " السير " (16 / 6 - 15) وذكر فيها عن أبي بكر بن أبي علي الذكواني القاضي أنه قال فيه: " الثقة المأمون الكبير في الحفظ والإتقان ". والحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " (6 / 203 - 204) وقال: " رواه الطبراني ورجاله ثقات ". 2982 - " إن من أصحابي من لا يراني بعد أن أفارقه ". أخرجه أحمد (6 / 290) والبزار (3 / 172 / 2496) والطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 319 / 724 و 394 / 941) من طريق أبي معاوية قال: حدثنا الأعمش عن شقيق عن أم سلمة قالت: دخل عليها عبد الرحمن بن عوف فقال: يا أمة! قد خفت أن يهلكني كثرة مالي، أنا أكثر قريش مالا؟ قالت: يا بني! فأنفق، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكر الحديث) ، فخرج فلقي عمر، فأخبره، فجاء عمر فدخل عليها، فقال: بالله منهم أنا؟ فقالت: لا ، ولن أبلي أحدا بعدك. وقال البزار: " رواه الأعمش وغيره عن أبي وائل عن أم سلمة، وأبو وائل روى عنها ثلاثة أحاديث، وأدخل بعض الناس بينه وبينها مسروقا ".

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، والمتابع الذي أشار إليه البزار للأعمش، لم أعرفه، وإنما توبع أبو معاوية، فأخرجه أحمد ( 6 / 307 و 317) وإسحاق بن راهويه في " مسنده " (4 / 215 / 1) وأبو يعلى ( 12 / 436 / 7003) وإبراهيم بن طهمان في " مشيخته " (189 / 143) والطبراني أيضا (23 / 319 / 724) من طرق عن الأعمش به. ورواية مسروق، يرويها شريك عن عاصم عن أبي وائل عنه قال: " دخل عبد الرحمن على أم سلمة، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. " الحديث، ليس فيه قصة عبد الرحمن مع المال. أخرجه أحمد (6 / 312) والطبراني (23 / 317 - 318) . قلت: وعاصم - وهو ابن بهدلة - وهو حسن الحديث إذا لم يخالف، وقد خالفه الأعمش، وهو أوثق منه ، لكن فيه تدليس، وقد عنعنه، وقد ذكروا عاصما هذا في شيوخه، فإن كان سمعه منه فالحديث حسن، وإلا فهو صحيح كما تقدم. وشريك - وهو ابن عبد الله القاضي - سيىء الحفظ، لكن تابعه عند الطبراني عمرو بن أبي قيس، وهو صدوق له أوهام كما في " التقريب ". والحديث أورده الهيثمي في موضعين من " المجمع " ( 1 / 112 و 9 / 72) ، ساقه أولا بالرواية المختصرة - رواية شريك - وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في " الكبير "، وفي رواية أخرى لأبي يعلى وأحمد عنها. (فذكر الرواية التامة - رواية الأعمش) وفيه عاصم بن بهدلة، وهو ثقة يخطىء "! ثم ساقه ثانيا - أعني في الموضع الآخر - بلفظ الرواية التامة ، وقال:

2983

" رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح "! وفي هذا السياق والتخريج أوهام في العزو لا تخفى على اللبيب، منها مثلا اقتصاره أخيرا في العزو على البزار، وسياقه عند أحمد أيضا والطبراني كما رأيت. وقال الحافظ في " مختصر زوائد مسند البزار " (2 / 294) عقب قول البزار المتقدم: " صحيح ". والظاهر أنه يعني صحيح الإسناد. والله أعلم. 2983 - " هلم إلى الغداء المبارك. يعني السحور ". أخرجه النسائي في " السنن الصغرى " (1 / 304) وفي " الكبرى " (2 / 80 / 2475) من طريق خالد بن معدان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، وله شواهد كثيرة مسندة في " السنن " وغيرها، وصحح بعضها ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما، وقد كنت ذكرت بعضها في " صحيح أبي داود " برقم (2030) ، ومنها عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فوقفت الآن على إسناده في " المعجم الأوسط " للطبراني، فأحببت أن أخرجه هنا، قال رحمه الله (1 / 30 / 2 / 497 - بترقيمي) : حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم - أخو أبي معمر - قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب يدعوني إلى السحور، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه الغداء المبارك. وقال الطبراني:

" لا يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولا نعلم رواه عن ابن عيينة إلا محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر ". قلت: ترجم له الخطيب في " التاريخ " (1 / 387) وساق له هذا الحديث من طريق الطبراني، وروى عن يحيى بن معين أنه سئل عن أبي معمر؟ فقال: " مثل أبي معمر لا يسأل عنه، هو وأخوه من أهل الحديث ". ثم روى عن الحافظ موسى بن هارون قال: " محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر صدوق لا بأس به ". قلت: ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين . وابن مساور الجوهري من شيوخ الطبراني الثقات، عند الخطيب (4 / 349) والذهبي في " السير " (13 / 59 - 60) ، فالإسناد صحيح. ومع كثرة شواهد هذا الحديث وتصحيح جمع من الأئمة له، فقد أقدم المغرور المعجب بنفسه المعروف بـ ( حسان بن عبد المنان) على تضعيفه من طرقه الثلاثة التي خرجها في تعليقه على كتاب ابن القيم: " إغاثة اللهفان " (1 / 528) عن ثلاثة من الصحابة، وكتم شواهد أخرى كهذين الشاهدين القويين، فضلا عن مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " تسحروا فإن في السحور بركة ". متفق عليه، وهو مخرج في " الروض النضير " (49 و1089) . وله من مثل هذا التضعيف الجائر الخاطئ في تعليقه على هذا الكتاب وغيره مئات الأحاديث الصحيحة يضعفها هو بجرأة عجيبة وقد صححها العلماء! وأنا الآن في صدد تتبعها في هذا الكتاب وغيره - إن تيسر لي ذلك -. وقد فرغت من أحاديث الجزء الأول منه، فبلغت المائة تزيد قليلا أو تنقص. والله المستعان.

2984

2984 - " ما من أحد من ولد آدم إلا قد أخطأ، أو هم بخطيئة، ليس يحيى بن زكريا ". روي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص أو عن أبيه عمرو وأبي هريرة والحسن البصري مرسلا ويحيى بن جعدة مرسلا. 1 - أما حديث ابن عباس، فله عنه طريقان: الأولى: عن حماد بن سلمة قال: أنبأنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عنه مرفوعا به. أخرجه الحاكم (2 / 591) والبيهقي (10 / 186) وابن أبي شيبة في " المصنف " (11 / 562) وأحمد (1 / 254 و 292 و 295 و 301 و 320 ) وأبو يعلى (4 / 418 / 2544) والطبراني في " المعجم الكبير " (12 / 216 / 12933) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (18 / 93) . قلت: وهذا إسناد ضعيف، وقد بينه الهيثمي في " مجمع الزوائد "، فقال (8 / 209) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، وفيه علي بن زيد، وضعفه الجمهور، وقد وثق، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح ". قلت: كذا قال. وقد سئل النووي عن الحديث: " هل هو صحيح، ومن رواه من أصحاب الكتب؟ ". فأجاب: " هذا حديث ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، رواه أبو يعلى في " مسنده " عن زهير عن عفان عن حماد بن سلمة.. وهذا الإسناد ضعيف، لأن علي بن

زيد بن جدعان فيه ضعف، ويوسف بن مهران مختلف في جرحه. والله أعلم ". كذا في " الفتاوى " له (ص 120 - 121) . قلت: وفي هذين النقلين نظر، بيانه فيما يأتي: أولا: لا يلزم من ضعف إسناد الحديث ضعف متنه، لشواهده التي أشرت إليها أعلاه، والآتي تخريجها، وهي خالية عن الضعف الشديد بل إن أسانيد بعضها صحيح كما يأتي. ثانيا: لقد قصر النووي جدا في عزوه إياه لأبي يعلى وحده، وقد رواه من هو أعلى طبقة منه كابن أبي شيبة وأحمد. ثالثا: تخصيص الهيثمي أحمد بالذكر بكون رجاله رجال الصحيح، مع أن رجال أبي يعلى كذلك. رابعا: قوله: " رجاله رجال الصحيح " وهم، أو أنه ظن أن (يوسف بن مهران) هذا هو (يوسف بن ماهك بن مهران) المخرج له في " الصحيحين "، وهو قول لبعضهم، لكن الصحيح أنه ليس به كما جزم به الحافظ المزي والذهبي والعسقلاني، وقد وثقه أبو زرعة وغيره. خامسا: حشره البزار مع أحمد وأبي يعلى يشعر بأنه عنده من هذا الوجه، وليس كذلك، وإنما رواه من الطريق التالية، ولم يتنبه لذلك المعلق أو المعلقان على " مسند أبي يعلى "! مغترين بتعليق الشيخ الأعظمي الآتي! الطريق الثانية: عن محمد بن عون الخراساني عن عكرمة عن ابن عباس. أخرجه البزار (3 / 109 / 2359) وابن عساكر (18 / 93) . قلت: والخراساني هذا متروك الحديث، فيخشى أن يكون وهم في إسناده.

وقد ظن الشيخ الأعظمي أنه سقط من إسناده ابن جدعان متأثرا بحشر الهيثمي المذكور آنفا، فقال في تعليقه على " كشف الأستار " عقب عبارته المتقدمة: " قلت: ليس في الأصل (علي بن زيد) في إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس ". قلت: ولا ينبغي أن يكون، فإنه ليس له رواية عن عكرمة، بخلاف محمد بن عون الخراساني، فقد ذكروه في الرواة عنه. الطريق الثالثة: عن موسى بن إبراهيم بن جعفر بن مهران السباك : أخبرنا أبي إبراهيم ابن جعفر بن مهران أخبرنا سليمان بن حرب أخبرنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد ابن جبير عنه به. أخرجه ابن عساكر أيضا. قلت: وموسى بن إبراهيم السباك وأبوه لم أعرفهما، ومن فوقه من رجال الشيخين، غير أن ابن أبي ثابت مدلس. 2 - عبد الله بن عمرو بن العاص أو أبوه عمرو، يرويه يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عنه. أخرجه الطبري في " التفسير " (3 / 174) والبزار (2360) وابن عساكر (18 / 82) من طرق عن يحيى به. بعضهم قال: عن ابن عمرو، وبعضهم: عن عمرو، وأحدهم: عن ابن العاص، وبعضهم أوقفه، وكل ذلك لا يضر، فإنه في حكم المرفوع، لاسيما وزيادة الثقة مقبولة، وسواء كان المسند ابن عمرو أو أباه، فهو انتقال من صحابي إلى صحابي، وكلهم عدول، والأرجح أنه عن ابن عمرو، فإن سعيدا معروف بالرواية عنه. وزاد الطبري وابن عساكر: قال: ثم دلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يده إلى الأرض، وأخذ عودا صغيرا ثم قال:

" وذلك أنه لم يكن له ما للرجل إلا مثل هذا العود، ولذلك سماه الله * (سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) *. وإسنادها حسن، وأخرجها ابن أبي حاتم في " تفسيره " (2 / 2 / 1) من طريق أخرى عن يحيى بن سعيد به، إلا أنه قال: " عن ابن العاص، لا يدرى: عبد الله بن عمرو، أو عمرو ". وإسناده صحيح، واستغربه ابن كثير (1 / 361) ولا أرى له وجها، فإنه لم يقف على الطريق الأخرى عند الطبري وابن عساكر. وقال الهيثمي في رواية البزار: " ورجاله ثقات ". وأقول: إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير شيخه محمد بن الوليد - وهو البغدادي - قال الذهبي: " ثقة ". وقال الحافظ: " صدوق ". ولفظ حديثه: " لا ينبغي لأحد [أن] يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا، ما هم بخطيئة، أحسبه قال: ولا عملها ". 3 - أبو هريرة، يرويه أبو الأزهر حجاج بن سليمان عن الليث بن سعد عن محمد بن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عنه مرفوعا بلفظ: " كل ابن آدم يلقى الله بذنب قد أذنبه يعذبه عليه إن شاء أو يرحمه، إلا يحيى ابن زكريا كان * (سيدا وحصورا ونبيا من الصالحين) * ". ثم أهوى النبي صلى الله عليه وسلم إلى قذاة من الأرض، وقال: " كان ذكره مثل هذه القذاة ".

أخرجه ابن أبي حاتم (2 / 23 / 2) وابن عدي (2 / 234) والطبراني في " المعجم الأوسط " (2 / 8 - 1 / 6700 - بترقيمي) وابن عساكر ( 18 / 93 - 94) من طريقين عن الحجاج به. وقال ابن أبي حاتم: " قال أبي: لم يكن هذا الحديث عند أحد غير الحجاج، ولم يكن في كتاب (الليث) ، وحجاج هذا شيخ معروف ". وكذا قال في " الجرح والتعديل "، وذكره ابن حبان في " الثقات " (8 / 202) وقال: " يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات ". ونحوه قول ابن عدي في آخر ترجمته: " إذا روى عن غير ابن لهيعة، فهو مستقيم إن شاء الله تعالى " . وفي " الميزان " و " اللسان ": " قال ابن يونس: في حديثه مناكير، وقال أبو زرعة: منكر الحديث. ومشاه ابن عدي ". 4 - الحسن البصري مرفوعا مثل حديث ابن مهران عن ابن عباس. رواه حماد بن سلمة أيضا عن حبيب بن الشهيد ويونس بن عبيد وحميد عنه. أخرجه الحاكم أيضا، وكذا البيهقي، وابن عساكر، ثلاثتهم مع حديث يوسف بن مهران عن ابن عباس، وبيض له الحاكم، وقال الذهبي في " التلخيص ": " قلت: إسناده جيد ". كذا قال، والنقد العلمي - فيما أعلم - لا يساعد على ذلك، أما بالنسبة لحديث ابن عباس فلما عرفت من حال ابن مهران وابن جدعان، وأما بالنسبة لحديث الحسن فلإرساله، فلعله يريد أنه جيد بمجموع الإسنادين. والله أعلم.

5 - يحيى بن جعدة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا ينبغي لأحد أن يقول: أنا خير من يحيى بن زكريا، ما هم بخطيئة، ولا حاكت في صدره امرأة ". أخرجه ابن عساكر (18 / 92) من طريق أبي الموجه محمد بن عمرو بن الموجه بن إبراهيم بن غزوان: صدقة بن الفضل: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو عن يحيى بن جعدة به. وعزاه السيوطي في " الدر المنثور " (4 / 262) لأحمد أيضا في " الزهد "، وليس هو في القطعة المطبوعة منه. والله أعلم. والسند الصحيح، ولكنه مرسل أيضا، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري، غير أبي الموجه محمد بن عمرو وهو من الحفاظ الثقات المترجمين في " تذكرة الحفاظ "، وفي " السير " (13 / 347 - 348) وقد ذكر السمعاني في ترجمة الراوي عنه (أبو محمد الحسن بن محمد بن حليم الحليمي) أنه حدث بـ " مسند أبي الموجه.. "، وهذه فائدة لم يذكرها الذهبي أن له (مسندا) ، ولا يبعد أن يكون هذا الحديث فيه مع غيره مما في معناه. وهناك حديث آخر عند ابن عساكر ( 18 / 94) من حديث معاذ بن جبل أعرضت عن ذكره، لأن فيه (إسحاق بن بشر) ، وكنيته أبو حذيفة، متهم بالكذب. وبعد، فإني أستدرك وأقول: لقد أخرج البزار أيضا حديث ابن عباس من الطريق الأولى أيضا، لكن مطولا، وجاء هذا المتن في آخره رقم (2358) وهو رواية للطبراني (12 / 218 / 12938) وقال البزار: " لا نعلم حدث به بهذا اللفظ إلا يوسف، ولا عنه إلا علي بن زيد وحده ". قلت: وهو ضعيف كما تقدم. وعزاه السيوطي في " الدر " لابن المنذر أيضا،

وابن أبي حاتم وابن مردويه وابن خزيمة، والدارقطني في " الأفراد "، وأبي نصر السجزي، وسكت عنه كغالب عادته، وما أظنه إلا من هذا الوجه، ويؤيده أن الحافظ ابن كثير ذكره في " التاريخ " (2 / 51) برواية ابن خزيمة والدارقطني من هذا الوجه، وقال: " ثم قال ابن خزيمة: وليس على شرطنا ". قلت: وقال في ابن جدعان: " لا أحتج به لسوء حفظه ". وخلاصة القول في هذا الحديث أنه صحيح بلا ريب، على الأقل بمجموع طرقه، لأن أكثرها ليست شديدة الضعف، بل إن بعضها صحيح لذاته عند البزار وغيره عن ابن عمرو، فتضعيف النووي إياه مردود، وكذا إعلال ابن كثير لبعض طرقه في " التاريخ " و " التفسير " (1 / 361 و 3 / 113 - 114) ، فإنه لم يقف على أكثر الطرق التي ذكرتها، وبخاصة طريق البزار. ولذلك فلا ينبغي أن يلتفت إلى ما ذكره عن القاضي عياض في تفسير قوله تعالى في يحيى عليه السلام: * (وحصورا) *، مما يشعر رده لهذا الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم. وزيادة في الفائدة أقول: وأما حديث أبي أمامة مرفوعا بلفظ: " أربعة لعنوا في الدنيا والآخرة.. "، فذكرهم، ورابعهم: " ورجل حصور، ولم يجعل الله له حصورا إلا يحيى بن زكريا ". فهو حديث منكر ضعيف الإسناد جدا، وقد خرجته في " غاية المرام " برقم (89) ، وسكت عنه الآلوسي في " تفسيره " (2 / 148) ، فما أحسن.

2985

2985 - " نهى أن نأكل طعام (وفي رواية: هدية) الأعراب ". أخرجه الحاكم (4 / 128) وأحمد (6 / 133) والبزار (2 / 395) من طرق عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي قال: سمعت عبد الله بن دينار الأسلمي يحدث عن عروة عن عائشة قالت: أهدت أم سنبلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لبنا، فدخلت علي به، فلم تجده، فقلت لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن نأكل طعام الأعراب، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أم سنبلة! ما هذا معك؟ ". قالت: لبن يا رسول الله، أهديته لك، قال: " اسكبي أم سنبلة، ناولي أبا بكر ". ثم قال: " اسكبي أم سنبلة، ناولي عائشة ". ثم قال: " اسكبي أم سنبلة ". فناولته النبي صلى الله عليه وسلم فشرب، قالت: فقلت: يا بردها على الكبد! يا رسول الله! قد كنت نهيت عن طعام الأعراب؟ قال: " يا عائشة! إنهم ليسوا بأعراب، هم أهل باديتنا، ونحن أهل حاضرتهم، وإذا دعوا أجابوا، فليسوا بأعراب ". والسياق للبزار، وقال الحاكم:

" صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقال الهيثمي في " المجمع " (4 / 149) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وكذلك رجال البزار في إحدى روايتيه (1941) وهو عنده في الرواية الأولى من طريق بشر بن معاذ العقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر: حدثنا عبد الرحمن بن حرملة.. وقد أخرجه ابن سعد في " الطبقات " (8 / 294) : أخبرنا محمد بن عمر: حدثني عبد الله بن جعفر به أتم منه بلفظ: " نهانا أن نقبل هدية من أعرابي "، فقال: " هدية " مكان " الطعام ". لكن محمد بن عمر - وهو الواقدي - متروك، وسكت عنه الحافظ في " الإصابة "، ولعل ذلك لرواية ابن منده من طريق أبي أويس عن عبد الرحمن بن حرملة بلفظ: " نهى أن نأكل ما تهديه الأعراب ". وأبو أويس اسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس الأصبحي المدني، وهو صدوق يهم، روى له مسلم في الشواهد. ويشهد له رواية أبي يعلى في " مسنده " (8 / 209 / 4773) من طريق محمد بن إسحاق عن صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا أقبل هدية من أعرابي ". فجاءته أم سنبلة الأسلمية بوطب لبن أهدته له.. الحديث نحوه. وعزاه الحافظ لأبي نعيم، وسكت عنه. وابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه.

2986

وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (25 / 163 - 164) من طريق أخرى عن أم سنبلة نفسها بزيادة ونقص. وفي إسناده من لا يعرف. 2986 - " اجلدوه ضرب مائة سوط، قالوا: يا نبي الله! هو أضعف من ذلك، لو ضربناه مائة سوط مات؟ قال: فخذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه ضربة واحدة ". أخرجه النسائي في " السنن الكبرى " (4 / 313 / 7309) وابن ماجه (2574) والبيهقي (8 / 230) والبغوي في " شرح السنة " (10 / 303 / 2591) وأحمد (5 / 222) والطبراني في " المعجم الكبير " (6 / 77 / 5521 و 5522) (¬1) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف، فلم يرع إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، فرفع شأنه سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن ابن إسحاق مدلس، وقد عنعنه عندهم جميعا، وعلى ضعف يسير في حفظه، وقد خالفه ابن عجلان فقال: حدثني يعقوب بن عبد الله بن الأشج عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن امرأة حملت.. الحديث. نحوه، لم يذكر في إسناده (سعيد بن سعد بن عبادة) ، فأرسله، وهذا هو الصحيح أو الأصح، فقد أخرجه النسائي (7301 - 7308) والبيهقي أيضا، وكذا البغوي، والطبراني في " المعجم الأوسط " (1 / 38 / 2 / 652) من طرق كثيرة عن أبي أمامة بن سهل به مرسلا. وخالفهم جماعة، فرواه ¬

(¬1) ثم رأيته في " غريب الحديث " لأبي عبيد (1 / 291) من هذا الوجه.

يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار أنه.. فذكر الحديث بنحوه. أخرجه أبو داود (4472) وابن الجارود في " المنتقى " (277 / 817) من طريقين عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين لولا المخالفة. وأما قول الحافظ في " بلوغ المرام " (4 / 16 - 17 - سبل السلام) : " رواه أحمد والنسائي وابن ماجه، وإسناده حسن، لكن اختلفوا في وصله وإرساله ". فهو يعني الطريق الأولى، وحينئذ ففي تحسينه نظر لعنعنة ابن إسحاق عند الثلاثة الذين ذكرهم، والثلاثة الآخرين الذين ذكرتهم كما سبق. وأما إسناد أبي داود فهو صحيح مع التحفظ المذكور، وأما جهالة اسم الصحابة فلا تضر، على أنه قد جاء مسمى على وجوه ثلاثة: الأول: سهل بن حنيف، يرويه أبو الزناد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه قال: فذكره. أخرجه الدارقطني (3 / 100 رقم 67 ) ، والطبراني (رقم 5565) بسندين ضعيفين عنه وتابعه الزهري عن أبي أمامة به . أخرجه النسائي (رقم 7308) (¬1) ، والطبراني (5568 و 5587) من طريق إسحاق بن راشد عن الزهري. لكن إسحاق هذا قال الدارقطني: ¬

(¬1) سقط منه " عن أبيه "، فصححته من " تحفة المزي " (4 / 98 / 4659) ، ويؤيده أنه عنده كالطبراني من طريق أحمد بن أبي شبيب عن موسى بن أعين عن إسحاق . اهـ.

" تكلموا في سماعه من الزهري ". الثاني: أبو سعيد الخدري، يرويه سفيان بن عيينة عن أبي الزناد ويحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عنه به مختصرا. أخرجه الطبراني (5446) ، والدارقطني (65 / 66) بإسنادين صحيحين عن سفيان به، وهما عمرو بن عون الواسطي، وداود بن مهران. لكن قد رواه النسائي (7302 - 7304) والبيهقي، والبغوي من طرق أخرى وجمع ثقات أيضا عن سفيان به مرسلا دون (أبي سعيد) ، وتابعه هشيم وابن أبي هلال عن يحيى بن سعيد وحده عن أبي أمامة مرسلا. وقال البيهقي عقبه: " هذا هو المحفوظ عن سفيان مرسلا ". ثم أشار إلى الموصولات المتقدمة. الثالث: سهل بن سعد، يرويه فليح عن أبي حازم عنه. أخرجه المحاملي في " الأمالي " (1 / 117 / 77) ومن طريقه الدارقطني رقم (64) ، والبيهقي ، وقالا: " كذا قال، والصواب: عن أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل عن النبي صلى الله عليه وسلم ". قلت: فليح هو ابن سليمان أبو يحيى المدني، مع كونه من رجال الشيخين ففيه كلام من قبل حفظه، وقال الحافظ: " صدوق كثير الخطأ ". لكنه لم يتفرد به، فقد تابعه أبو بكر بن أبي سبرة قال: حدثني أبو حازم به مختصرا.

أخرجه الطبراني (6 / 188 / 5820) ، لكن ابن أبي سبرة هذا متروك كما قال الهيثمي (6 / 252) إلا أنه قد تابعه الثقة المحتج به في " الصحيحين " زيد بن أبي أنيسة، إلا أنه قد اختلف عليه، فقال عبيد الله بن عمرو عنه عن أبي حازم عن سهل به. أخرجه النسائي في " الكبرى " (رقم 7299) من طريقين عنه، وإسناده صحيح. وقال أبو عبد الرحيم: حدثني زيد به، إلا أنه لم يذكر سهلا فأرسله. أخرجه النسائي رقم (7301) ، وإسناده صحيح أيضا، فإن (أبا عبد الرحيم) - واسمه خالد بن أبي يزيد بن سماك الحراني - ثقة من رجال مسلم، وكذلك مخالفه عبيد الله بن عمرو - وهو الرقي - ثقة من رجال الشيخين، وروايته أرجح عندي لأسباب وجيهة: الأول: لأن البخاري احتج به، ولم يحتج بأبي عبد الرحيم كما سبق. الثاني: ولأنه ألصق وأحفظ لحديث شيخه زيد بن أبي أنيسة، كما يشعر بذلك قول ابن حبان في ترجمته في " الثقات " (7 / 149) : " كان راويا لزيد بن أبي أنيسة ". الثالث: أن له متابعا، وهو فليح بن سليمان كما تقدم. ولا يعكر على ترجيحي هذا رواية الطبراني في " الأوسط " برقم (652) من طريق معلل بن نفيل الحراني قال: أخبرنا عبيد الله بن عمرو الرقي عن زيد به، إلا أنه أرسله فلم يذكر فيه (سهلا) . فأقول: لا يعكر هذا على ما ذكرت، لأن ( معللا) غير مشهور، ولم يترجم له

أحد فيما علمت، غير أن ابن حبان ذكره في " الثقات " (9 / 201) ، أضف إلى ذلك أنه خالف الطريقين المشار إليهما في رواية النسائي المتقدمة. وختاما أقول: إن هذا الاختلاف الواقع في أسانيد الحديث عن أبي أمامة بن سهل ابن حنيف هو من أغرب ما وقفت عليه من الاختلاف، فإنه ما يكاد الباحث يقف على رواية ثقة ويقول في نفسه هذه هي المرجحة، حتى يقف على رواية أخرى، فإذا هي تحول بينه وبين الترجيح، وهذا واضح جدا - والحمد لله - في هذا التخريج دون سواه، ولتجلي ذلك في ذهن الحافظ ابن حجر رحمه الله، لم يجزم بترجيح رواية على أخرى، فإنه لما خرج الحديث في " التلخيص " (4 / 50 - 51) تخريجا مجملا ليس فيه التفصيل المتقدم، فقال في عقبه وبعد ما أقر تصويب الدارقطني والبيهقي لإرساله: " فإن كانت الطرق كلها محفوظة فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة، وأرسله مرة ". وأقول: أما أن تكون الطرق كلها محفوظة، فهو بعيد جدا، كما يتبين من هذا التحقيق الذي أجريته، ففي رواية أبي أمامة عن سعيد بن سعد بن عبادة عنعنة ابن إسحاق، والطرق عنه عن أبيه ضعيفة، ولا يبقى لدينا مما يمكن القول بأنه محفوظ عنه إلا روايته عن أبي سعيد الخدري، لكثرة الطرق عنه به، لكن الطرق عنه مرسلا أكثر، ولذلك جزم البيهقي بأنه المحفوظ، ووافقه الحافظ، ويليها في الصحة عندي رواية ابن شهاب عنه عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنه لذلك صححها وانتقاها ابن الجارود كما تقدم، ويكون هذا (البعض) سهل بن سعد، كما في رواية أبي حازم عنه، وعليه يكون أبو حازم متابعا قويا لأبي أمامة في إسناده كما ترجح عندي بمتابعة زيد بن أبي أنيسة لفليح. ولقد لفت نظري أن الحافظ رحمه الله لم يقف على هذه المتابعة، وإلا لتعقب

بها توهيم الدارقطني لفليح، ولترجح عنده أن الحديث مسند صحيح، ولجزم دون ما تردد بأن أبا أمامة كان يسنده أحيانا كما في رواية " المنتقى "، ولم يذكرها أيضا. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . (تنبيهات) . الأول: حديث أبي أمامة عن أبيه ذكر الشيخ أبو الطيب في تعليقه على " الدارقطني " (3 / 100) أن في إسناده عند النسائي عبد الأعلى بن عامر.. وهذا وهم محض، فإنه ليس عنده إلا طريق إسحاق بن راشد المتقدمة. ولم يذكر المزي في " التحفة " غيرها. الثاني: عزا أبو الطيب في التعليق المذكور قول الحافظ المتقدم: " إن كانت الطرق كلها محفوظة.. " للطبراني! وهذا وهم أيضا ، أو سوء حفظ، وهو الراجح عند التأمل. الثالث: لقد لخص المتعالم المدعو ( حسان عبد المنان) في تعليقه على كتاب ابن القيم " إغاثة اللهفان " (2 / 114 - 115) تخريج الحافظ ابن حجر للحديث الذي أخذ من كتابه المطبوع أربعة عشر سطرا، لخص ذلك كله في أربعة أسطر! ثلاثة منها في سرد أرقام مواضع الحديث في المصادر السبعة التي عزاه إليها!! الأمر الذي لا يعجز عنه كاتب! وأتبعها بقوله: " .. بأسانيد وطرق مختلفة عن أبي أمامة بن سهل، يرسله ويوصله إلى غير واحد. ويغلب عليه الصحة. انظر " تلخيص الحبير " (4 / 59) ". وفيه على إيجازه جهالات: الأولى: إحالته إلى " التلخيص " موهما أنه صححه، أو أنه يمكن أن يؤخذ منه الصحة، وليس كذلك، وقد نقلت لك آنفا كلامه الذي يصوب الإرسال، والذي يشك فيه أن تكون الطرق كلها محفوظة، وبينت ما يرد عليه.

2987

الثانية: أن قوله المذكور ليس فيه إلا حكاية واقع تلك الأسانيد، وما هو الراجح منها وما هو المرجوح. الثالثة: قوله: " ويغلب عليه الصحة " كلام عشوائي مرتجل، ليس عليه أثارة من علم، ولا هو من عبارات أهل العلم. الرابعة: لم يذكر متابعة أبي حازم القوية لرواية أبي أمامة عن سهل بن سعد، التي بها رجحنا رواية أبي أمامة هذه، وبها صح الحديث كما ذكرنا، وكل هذا يدل على أن الرجل (يهرف بما لا يعرف) . والله المستعان. والحديث احتج به الإمام أحمد كما ذكر ذلك ابن القيم في " الإغاثة ". 2987 - " إن الجنة لا تدخلها عجوز ". أخرجه الترمذي في " الشمائل " (2 / 39 - بشرحه) وعنه البغوي في " التفسير " (8 / 14) وأبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " (78 / 182 - بترقيمي) (¬1) ، والبيهقي في " البعث " (2 / 68 / 1) والبغوي في " الأنوار " (1 / 258 / 220) من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن قال: أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة. فقال: " يا أم فلان! إن الجنة لا تدخلها عجوز ". قال: فولت تبكي. فقال: ¬

(¬1) لكن سقط منه إسناده، وأدرج في آخر حديث أنس الصحيح في قوله صلى الله عليه وسلم: " وهل تلد الإبل إلا النوق؟ ". وهو مخرج في " مختصر الشمائل " (رقم 205) .

" أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: * (إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارا، عربا أترابا) * ". قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل، الحسن هو البصري، والمبارك بن فضالة ثقة، ولكنه مدلس وقد عنعنه. وبالإرسال أعله الحافظ العراقي في " تخريج الأحياء " (3 / 129) ولكنه عقب عليه فقال: " وأسنده ابن الجوزي في " الوفاء " من حديث أنس بسند ضعيف ". وأقول: هو في النسخة المطبوعة من " الوفاء " (2 / 445 - تحقيق مصطفى عبد الواحد) بدون إسناد، وقد جاء في مقدمته قول المؤلف: " ولا أطرق الأحاديث خوفا على السامع من ملالته "، ولذلك قال المحقق في مقدمته (صفحة ص) : " وقد آثر ابن الجوزي حذف الأسانيد من أخباره رغبة في الإيجاز ". قلت: وليته لم يفعل، لأن قيمة الكتاب بأسانيده كما لا يخفى على المحققين حقا، ولكني في شك كبير من كون ابن الجوزي هو الذي حذف الأسانيد، لتخريج الحافظ العراقي المذكور ، لكن عبارة ابن الجوزي في مقدمته تشعر بأن ذلك من عمله، فإن صح ذلك، فيكون له كتابان بالاسم المذكور، أحدهما مسند، وهو الذي عزا إليه العراقي، والآخر هذا المختصر. والله أعلم. وكنت أود منه أن يمدنا من حفظه ما يأخذ بعضد هذا الإسناد المرسل ما نقوي به متنه علاوة على حديث أنس الذي ضعف إسناده، ولا ندري ما نسبة الضعف فيه، لنعلم هل يصلح للاعتضاد به أم لا؟ وقد وقفت على شاهد له من حديث

عائشة رضي الله عنها، من طريقين عنها، أحدهما يصلح للاستشهاد والتقوي به، يرويه ليث عن مجاهد عنها قالت: فذكره، وفيه: أن العجوز إحدى خالات عائشة رضي الله عنها. أخرجه البيهقي في " البعث " (¬1) أيضا (2 / 67 / 2) وكذا أبو الشيخ في " الأخلاق " (رقم 184) ، لكن سقط من الراوي أو الطابع أو الناسخ ذكر عائشة فصار مرسلا. وأما الطريق الأخرى، فيرويها الطبراني في " المعجم الأوسط " قال (2 / 39 / 5675) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا أحمد بن طارق الواشي قال: حدثنا مسعدة بن اليسع ، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة به. وقال: " لم يروه عن قتادة إلا سعيد بن أبي عروبة ". قلت: وهؤلاء ثقات، ولكن النظر إنما هو فيمن هم دونهم، وهم: أولا: مسعدة ابن اليسع، وبه أعله الهيثمي، فقال في " المجمع " (10 / 419) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه مسعدة بن اليسع، وهو ضعيف "! كذا قال! وفيه تساهل ظاهر، فإن هذا التضعيف إنما يقوله الحفاظ المتأخرون الذين يعتمدون في الجرح والتعديل على أقوال الحفاظ المتقدمين، إذا كانوا مسبوقين بالتضعيف من أحد هؤلاء المتقدمين، ولو كان قوله مرجوحا بالنسبة لأقوال الآخرين منهم، أقول: لا بأس أن يذكره المتأخر لرأي رآه خطأ كان أو صوابا، أما أن يقتصر عليه وليس له سلف من الحفاظ المتقدمين، فلا شك أنه في ¬

(¬1) وقع في " الدر المنثور " (6 / 158) : " الشعب "، وكذلك وقع في بعض تأليفي نقلا عنه، ويبدو لي أنه خطأ مطبعي. اهـ.

هذه الحالة يكون تساهلا مردودا كما هو الشأن هنا، فإن مسعدة هذا قال الذهبي في " الميزان "، ووافقه العسقلاني في " اللسان ": " هالك، كذبه أبو داود، وقال أحمد: حرقنا حديثه منذ دهر ". فمثل هذا بالكاد أن يقال فيه: " متروك "، وأما أن يقال فيه: " ضعيف " فلا. ثانيا: أحمد بن طارق الواشي لم أعرفه، وهذه النسبة لم يذكرها السمعاني وابن الأثير . ثالثا: محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال الحافظ في " المغني ": " وثقه جزرة ، وكذبه عبد الله بن أحمد ". هذا ويشهد لمعنى حديث الترجمة عموم قوله صلى الله عليه وسلم: " يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين، بني ثلاث وثلاثين ". حسنه الترمذي، وهو صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وقد بينت ذلك في " التعليق الرغيب " (4 / 245) وتقدم بعضها برقم (2512) . (تنبيه) : كنت خرجت الحديث في بعض مؤلفاتي مثل " غاية المرام " (ص 215 - 216 ) محسنا إياه، والآن فقد ازداد قوة بهذا الحديث الصحيح، مع ما جاء في تفسير * (إنا أنشأناهن إنشاء) *. ورغم ذلك كله، فقد أقدم (هدام السنة) المشهور على تجاهل رواية البيهقي لحديث عائشة السالمة من مسعدة (الهالك) ، وإنما قلت : " تجاهل " - ولم أقل " جهل " كما تقتضيه قاعدة حسن الظن بالمسلم، ولو أنه لم يبق مجالا لحسن الظن به لكثرة تجاوزاته ومخالفاته - لم أقل " جهل "، وإنما " تجاهل " لأنه على علم برواية البيهقي، لأنه لم ينقل رواية الطبراني مباشرة من " معجمه "، وإنما بواسطة الدر " المنثور " كما ذكر ذلك بالجزء والصفحة، وهو فيه معزو للبيهقي أيضا، فتعامى عنها، وهكذا فليكن التدليس والإخلال بالأمانة العلمية.

2988

وقد يقال: إنه لم يعزه للبيهقي لأنه لم يقف على إسناده، وأنه مغاير لإسناد الطبراني. قلت: هذا ممكن، فإن كان كذلك فهو عذر أقبح من ذنب، لأن من كان ناصحا لنفسه أولا، ثم لقرائه ثانيا لا يتجرأ على تضعيف حديث رواه بعض الأئمة ولم يقف المضعف على إسناده، لاحتمال أن يتغير الحكم على الحديث كما هو الشأن هنا، حتى ولو كان هو قد لا يرى ذلك، ولكن لا غرابة في كتمانه لهذا الشاهد، فقد كتم ما هو أقوى منه في عشرات الأحاديث، كما سبق بيانه في مناسبات كثيرة، وبخاصة فيما أنا فيه الآن من تتبعي لتضعيفاته الكثيرة جدا لأحاديث " الإغاثة " الصحيحة. والله المستعان. 2988 - " يا جد! هل لك في جلاد بني الأصفر؟ ". أخرجه ابن أبي حاتم في " التفسير " (4 / 51 / 1) من طريق محمد بن إسحاق: أخبرني سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، قال جد: أو تأذن لي يا رسول الله ، فإني رجل أحب النساء، وإني أخشى إن أنا رأيت بنات بني الأصفر أن أفتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو معرض عنه -: " قد أذنت لك ". فعند ذلك أنزل الله: * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا) * . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات معروفون من رجال " التهذيب " غير سعيد بن عبد الرحمن هذا، فأورده ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " (2 / 1 / 39) برواية ابن إسحاق هذا، وبيض له، وذكره ابن حبان في " الثقات " (6 / 249) وقال:

" روى عنه أهل المدينة، وكان شاعرا ". قلت: فهو إذن معروف وتابعي ، ولذلك حسنته، وقد ذكره ابن إسحاق في " السيرة " (4 / 169 - 170) بأتم منه من تحديثه عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من العلماء، الأمر الذي يشعر بأن الحديث كان مشهورا عندهم. ومن طريق ابن إسحاق أخرجه الطبري في " التفسير " (10 / 104) والبيهقي في " دلائل النبوة " (5 / 213 - 214) . وله شاهد من حديث ابن عباس، ومرسل مجاهد . أما حديث ابن عباس، فله طريقان: أحدهما: يرويه بشر بن عمارة عن أبي ورق عن الضحاك بن مزاحم عنه قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة (تبوك ) ، قال لجد بن قيس: " هل لك في بنات الأصفر؟ ". فقال: ائذن لي ولا تفتني ! فأنزل الله عز وجل: * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) *. أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (2 / 308 / 2154 و 12 / 122 / 12954) و " الأوسط " (2 / 42 / 2 / 5734 - بترقيمي) من طريق يحيى بن عبد الحميد: حدثنا بشر بن عمارة به. وقال: " لم يروه عن أبي روق إلا بشر بن عمارة ".

قلت: وهو ضعيف كما في " التقريب "، ونحوه الراوي عنه يحيى بن عبد الحميد، وهو الحماني، وبه فقط أعله الهيثمي فقال في " المجمع " (7 / 30) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "، وفيه يحيى الحماني، وهو ضعيف ". وقلده مضعف الأحاديث الصحيحة في تعليقه على " إغاثة اللهفان " (2 / 195) ولا وجه لإعلاله به، لأنه لم يتفرد به، كما أشار إلى ذلك الطبراني في قوله المذكور، فقد تابعه محمد بن عمران عند أبي نعيم في " المعرفة " (1 / 142 / 1 ) . وابن عمران هو ابن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري، وهو ثقة. وفيه علة أخرى وهي الانقطاع بين الضحاك وابن عباس، فإنه لم يلقه. لكن يشهد له الطريق الآتية، ولاسيما وقد قال فيه الذهبي في " المغني ": " وهو قوي في التفسير ". والطريق الآخر: يرويه جبارة بن المغلس: حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعا: " اغزوا تغنموا بنات الأصفر ". فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء! فأنزل الله عز وجل * (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني) *. أخرجه الطبراني أيضا في " الكبير " (11 / 63 / 11052) ، وأعله الهيثمي بقوله: " وفيه أبو شيبة إبراهيم بن عثمان، وهو ضعيف ".

قلت: وقلده الهدام، وهذا منه على خلاف عادته وهدمه ، فإنه ينطلق فيه إلى تبني أسوأ ما قيل في الراوي، ولو كان مرجوحا، وما هنا على العكس تماما، فإن الراجح في أبي شيبة هذا أنه متروك، كما في " الكاشف " و" التقريب " وغيرهما، فما هو السبب يا ترى؟ والجواب: هو التقليد حين لا يهمه الأمر، وإلا اجتهد، ولو خالف الأئمة الأوتاد! وإن مما يؤكد ما ذكرت أنه فاته أن الراوي عنه جبارة بن المغلس ضعيف أيضا كما قال الذهبي والعسقلاني ، بل كذبه بعضهم. فالإسناد شديد الضعف لا يستشهد به. وإن مما يؤكد ذلك أن المحفوظ عن مجاهد مرسل، أخرجه ابن جرير في " تفسيره " (10 / 104) من طريق عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله: * (ائذن لي ولا تفتني) *. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغزوا تبوك تغنموا بنات الأصفر ونساء الروم ". فقال الجد: ائذن لنا، ولا تفتنا بالنساء. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل عن مجاهد، وهو شاهد قوي لحديث ابن عباس، فإنه من تلامذته، ممن تلقوا التفسير عنه، وابن أبي نجيح اسمه عبد الله، قال الذهبي في " الميزان ": " صاحب التفسير، أخذ عن مجاهد وعطاء، وهو من الأئمة الأثبات. وقال يحيى القطان: لم يسمع التفسير كله من مجاهد، بل كله عن القاسم بن أبي بزة ". قلت : والقاسم هذا ثقة احتج به الشيخان. وذكر المزي في ترجمة ابن أبي نجيح أن الشيخين أخرجا له عن مجاهد.

وتابعه ابن جريج عن مجاهد. أخرجه ابن جرير أيضا . وهو في " تفسير مجاهد " المطبوع على نفقة الشيخ خليفة أمير دولة قطر (ص 281 ) من الطريق الأولى عن مجاهد، لكن في السند إليه متهم فهو - ككتاب - بحاجة إلى دعم، لكن هذا الحديث منه مدعم برواية ابن جرير هذه، فتنبه. (تنبيه) : أخرج عبد الرزاق في " تفسيره " (1 / 2 / 277) من طريق الكلبي في تفسير الآية المتقدمة * (ائذن لي..) * نحو حديث الضحاك عن ابن عباس، والكلبي متهم بالكذب ، وما كنت لأذكره هنا إلا لأنبه على مصيبة من المصائب التي لا يعرفها المسلمون ، وبخاصة المثقفين منهم، وذلك لغلبة المادة عليهم سمعة أو مالا أو نحو ذلك، فقد علق على هذا الحديث محققه الدكتور (مصطفى مسلم محمد) ، فقال، وبئس ما قال: " رواه أحمد ج6 ص 22، ج5 ص 25، وابن ماجه في الفتن 25 "! وهذا التخريج لا يصلح لهذا الحديث البتة، وإنما هو لحديث آخر من رواية عوف ابن مالك رضي الله عنه في أشراط الساعة، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم يأتيكم بنو الأصفر.. "! فكيف وقع هذا الخلط من مثل هذا الدكتور؟ وليس هذا خطأ مطبعيا كما يقع أحيانا، وإنما هو - والله أعلم - أن الدكتور رجع إلى بعض الفهارس الحديثة، فوجد فيه لفظ " الأصفر " معزوا إلى أحمد وابن ماجه، فعزاه إليهما! وهذه والله مصيبة الدهر، ومما زاد في الطين بلة أن الرقم الثاني ( 5 / 25) ليس فيه حتى هذا اللفظ! وهذا مما يؤكد أنه نقله من (الفهرس) كما وجده، ولم يكلف نفسه أن يرجع إلى

2989

مكان الحديث المشار إليه بالرقم: هل هو الحديث الذي أشير إليه بالرقم الأول، أم غيره؟ والله المستعان، وإنا لله وإنا إليه راجعون. ثم رأيت الحافظ في " الإصابة " عزا حديث الضحاك لأبي نعيم وابن مردويه، ثم قال: " ورواه ابن مردويه من حديث عائشة بسند ضعيف أيضا، ومن حديث جابر بسند فيه مبهم ". قلت: فالظاهر أن إسناده عن جابر غير إسناده عند ابن أبي حاتم، لأنه ليس فيه - كما رأيت - المبهم. والله أعلم. 2989 - " كان [يعلمنا] إذا أصبح [أحدنا أن] يقول: أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وملة أبينا إبراهيم حنيفا [مسلما] وما كان من المشركين ". أخرجه النسائي في " عمل اليوم والليلة " (133 / 1) وكذا ابن السني (12 / 32) والدارمي (2 / 292) والطبراني في " الدعاء " (2 / 926 / 294) وابن أبي شيبة في " المصنف " (9 / 71 / 6591) وأحمد (3 / 407) من طرق كثيرة صحيحة عن يحيى بن سعيد عن سفيان قال: حدثني سلمة بن كهيل عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبزي عن أبيه قال: فذكره. والزيادتان الأوليان للطبراني، والأخيرة للجميع إلا أحمد. وفي رواية له قال: حدثنا وكيع عن سفيان.. بلفظ: " كان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: أصبحنا.. " الحديث، فزاد: " وإذا

أمسى " . وعندي وقفة في ثبوت هذه الزيادة لمخالفة وكيع ليحيى بن سعيد، وهو القطان الحافظ الكبير، ووكيع أيضا حافظ مثله أو قريب منه، وقد أثنى عليه الإمام أحمد ثناء بالغا، كما ترى في ترجمته من " التهذيب "، ولكنه قال في ترجمة يحيى بن سعيد: " إنه أثبت من هؤلاء. يعني ابن مهدي ووكيعا وغيرهما ". يضاف إلى ذلك أن الزيادة المذكورة لم ترد في رواية شعبة الآتية، ولا في رواية ثقات آخرين عن سفيان عند النسائي (290 / 343 و 344) والبيهقي في " الدعوات الكبير " (19 / 26) . وقد خالف تلك الطرق الكثيرة عن يحيى ومعه وكيع محمد بن بشار فقال: حدثنا يحيى عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزي عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أصبحنا.. الحديث. فأبهم التابعي ولم يسمه، وأدخل بينه وبين سلمة (ذرا) . أخرجه النسائي (134 / 2) ولا أشك في شذوذها لمخالفتها الجماعة. وهكذا رواه شعبة عن سلمة بالزيادة والإبهام. أخرجه النسائي رقم (3 و 345) وأحمد (3 / 406 و 407) لكنه سمى المبهم (سعيد بن عبد الرحمن) ، والبيهقي (رقم 27) . قلت: ومخالفة شعبة لسفيان - وهو الثوري - تعتبر شاذة، لأنه أحفظ منه باعتراف شعبة نفسه كما يأتي . ولكن من الممكن أن يقال: إن سلمة ثقة ثبت، وكان يرويه على الوجهين: مرة عن عبد الله بن عبد الرحمن، فحفظه سفيان، ومرة عن ذر عن سعيد بن عبد الرحمن ، فحفظه شعبة.

وإن مما يقرب ذلك أن (عبد الله) و (سعيدا) أخوان. قال الأثرم: قلت لأحمد: سعيد وعبد الله أخوان؟ قال: نعم. قلت: فأيهما أحب إليك؟ قال: " كلاهما عندي حسن الحديث ". قلت: فلا يبعد أن يكون كل منهما سمع الحديث من أبيهما عبد الرحمن، فرواه سلمة عن عبد الله مباشرة، وعن سعيد بواسطة (ذر) ، فروى عنه كل من سفيان وشعبة ما سمع، وكلاهما ثقة حافظ، ولعل هذا الجمع أولى من تخطئة شعبة. والله أعلم وعلى كل حال فالحديث صحيح، فإن الأخوين ثقتان، وإن كان سعيد أوثق، فقد احتج به الشيخان. وأما عبد الله، فقد ذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 9) ، وكذا ابن خلفون، وصحح له الحاكم (2 / 240 - 241) والذهبي، وروى عنه جمع من الثقات، فقول الحافظ في " التقريب ": " مقبول ". فهو غير مقبول، والأقرب قوله في " نتائج الأفكار " (2 / 380) : " وهو حسن الحديث كما قاله الإمام أحمد ". فالإسناد جيد، وبخاصة على الجمع المذكور بين روايتي سفيان وشعبة. وقد تابعه من لا يفرح بمتابعته، وهو يحيى بن سلمة بن كهيل، ولكنه خالفه في صحابي الحديث، فقال: عن أبيه عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه عن أبي بن كعب. هكذا أخرجه الطبراني (رقم 293) من طريقين عنه.

وخالفهما إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، فقال: عن أبيه عن سلمة عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى به، زاد في آخره: " وإذا أمسينا مثل ذلك ". أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد " المسند " (5 / 123) قال: حدثني إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل : حدثني أبي. قلت: هذا إسناد ضعيف بمرة، إبراهيم هذا ضعيف، وأبوه إسماعيل بن يحيى وجده متروكان، كما في " التقريب "، لكن الأب قد توبع كما تقدم، فالآفة يحيى بن سلمة. والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " (10 / 116) بزيادة وكيع، وقال: " رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح ". وعزاه النووي في " الأذكار " لابن السني فقط، وقال: " إسناده صحيح "، فما أبعد، وتبعه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (1 / 327) وعزاه للنسائي . وخالفه الحافظ في " تخريج الأذكار "، قال (2 / 379) : " حديث حسن "! ثم ذكر الخلاف بين سفيان وشعبة، ثم قال: " ومع هذا الاختلاف لا يتأتى الحكم بصحته. والله المستعان ". وأقول: ليس كل اختلاف له حظ من النظر، فإن الراجح يقينا رواية سفيان على رواية شعبة، ومثل هذا لا يخفى على مثل الحافظ، فالظاهر أنه لم يتيسر له

إمعان النظر في روايتيهما، كيف لا، وهو الذي ذكر في ترجمة (سفيان) عن شعبة أنه قال: " سفيان أحفظ مني ". وبذلك جزم جماعة من الحفاظ كأبي حاتم وأبي زرعة وابن معين وصالح جزرة وغيرهم. وقال يحيى القطان: " ليس أحد أحب إلي من شعبة، ولا يعدله أحد عندي، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان "، انظر " السير " (7 / 237) . وهنا تنبيهات على أوهام: أولا: لقد ذكر الحديث ابن القيم رحمه الله في " إغاثة اللهفان " بلفظ: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: أصبحنا.. ". فلما أخرجه (الهدام) في تعليقه عليه (2 / 239) تخريجا مجملا، لبيان الخلاف المتقدم في إسناده بين سفيان وشعبة ليختمه بقوله: " والذي يظهر أن رواية شعبة أقرب إلى الصواب، وإسناده صحيح ". فأقول: عليه مؤاخذات: الأولى: أنه لم يبين للقراء وجه ما استظهره! وهذا شأن العاجز أو الجاهل. وكثيرا ما يفعل ذلك. الثانية: أن استظهاره باطل ما دام أنه سلك طريق الترجيح، لأنه خلاف قول شعبة نفسه وأقوال الحفاظ الذين جاؤوا من بعده وشهدوا بشهادته أن رواية سفيان عند الاختلاف أرجح من روايته كما تقدم، وهذا من الأدلة الكثيرة على أنه يركب رأسه، ويخالف أئمته، ولا يبالي بهم أية مبالاة!

وقد يكون الذي حمله على مخالفتهم أنه رأى رواية ابن بشار عن يحيى عن سفيان موافقة لرواية شعبة، فاعتبرها مرجحة لها، جاهلا أو متجاهلا أنها خطأ لمخالفتها لرواية الجماعة عن يحيى عن سفيان، ولرواية الثقات الآخرين عن سفيان! الثالثة: على ترجيحه لرواية شعبة، فهو لم يخرج الحديث باللفظ الذي ذكره ابن القيم، لأنه ليس فيها الوصية المذكورة فيه! والتي هي معنى الزيادة التي أودعتها في حديث الترجمة، وقد أورده ابن أبي العز في " شرح الطحاوية " (ص 96 - 97 / التاسعة) بلفظ أقرب إليها: " كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا.. " . فهذا اللفظ إنما هو في حديث سفيان، وفي رواية الطبراني كما تقدم، وعليه يكون عنده مرجوحا لا يصح! فيتأمل القراء نتيجة من يتكلم في علم لا يحسنه، ومع ذلك فهو يخالف ويرد على كبار العلماء سلفا وخلفا! نعوذ بالله من العجب والغرور والخذلان. واعلم أخي القارىء أن هذه الزيادة تتفق تماما مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: " ودين نبينا محمد "، فإنه من المستبعد جدا أن يذكر صلى الله عليه وسلم لفظا " نبينا " في دعائه لنفسه بهذا الورد، وإنما تعليما لأمته صلى الله عليه وسلم، ولذلك لما لم يطلع الإمام النووي على هذه الزيادة أجاب بجواب غير مقنع، فقال عقب الحديث: " قلت: كذا وقع في كتابه: " ودين نبينا محمد، وهو غير ممتنع، ولعله صلى الله عليه وسلم قال ذلك جهرا ليسمعه غيره فيتعلمه. والله أعلم ". ومن الغرائب أن يمر عليه ابن علان في شرحه (3 / 126) فلا يعلق عليه بشيء، وكذلك الشوكاني في " تحفة الذاكرين " ( ص 66) ! المؤاخذة الرابعة على (الهدام) : أنه عزاه لأحمد. والصواب: عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " كما تقدم، ولعله لا يعلم أن في " المسند " مئات

الأحاديث هي من رواية عبد الله عن شيوخه كما هو معروف عند العلماء بهذا الفن الشريف، بخلاف عبيد الفهارس! وقد شاركه في هذا الجهل الدكتور المعلق على كتاب " الدعاء "، فقال (2 / 926) تعليقا على حديث يحيى بن سلمة المتقدم : " وقال في " المجمع " (10 / 166) : رواه عبد الله (كذا) وفيه إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو متروك ". فقوله: " كذا " فيه إشارة قوية إلى استنكاره عزوه لـ (عبد الله) ، وأكدها في الصفحة المقابلة، فعزاه لأحمد (5 / 123) كما فعل الهدام تماما، ولعل هذا سرق هذا العزو منه، فإنه متأخر في التأليف عنه، وهو مشهور - عند العارفين به - بالسرقة، ولاسيما من كتبي! ثانيا: إعلال الهيثمي لرواية عبد الله بن أحمد بإسماعيل بن يحيى بن سلمة فقط، كما نقله الدكتور المشار إليه آنفا وأقره عليه، تقصير واضح أو غفلة، لأن أباه يحيى بن سلمة متروك أيضا مثل ابنه كما تقدم بيانه في (ص 1233) ، ويظهر أهمية هذه الغفلة إذا تذكرت أن إسماعيل قد توبع من طريقين كما تقدم من رواية الطبراني. ثالثا: وبمناسبة طريقي الطبراني، فلابد الآن من بيانهما للفت النظر إلى خطأ آخر وقع فيه الدكتور المشار إليه آنفا، فإنه عند الطبراني من طريق محمد بن عبد الوهاب الحارثي ويحيى بن عبد الحميد الحماني قالا: حدثنا يحيى بن سلمة.. فأعله الدكتور بيحيى بن سلمة، وقال: " ويحيى الحماني متكلم فيه "! فغفل عن متابعة محمد بن عبد الوهاب الحارثي، أو أنه لم يعرفه فسكت

عنه ، وهو ثقة، ترجمه الخطيب (2 / 390) ، وروى عن صالح جزرة أنه قال: ثقة. مات سنة (229) ، ووثقه ابن حبان أيضا، والبزار، انظر " الصحيحة " (3038 و3040) . رابعا: غفل الأخ بدر البدر في تعليقه على " الزهد " عن شذوذ رواية محمد بن بشار، ومخالفته لرواية الجماعة عن يحيى عن سفيان، فاعتبر رواية سفيان الشاذة متابعة لرواية شعبة الشاذة!! فقال (2 / 19 و 20) : " والإسنادان ثابتان لا علة فيهما.. وتابع شعبة عليه سفيان الثوري عند النسائي ( 2) "! وهذا كله غفلة عن التحقيق السابق، وعن تسمية رواية أحمد (¬1) عن شعبة لابن عبد الرحمن بن أبزى بـ (سعيد) الأمر الذي يؤكد أن الخلاف لا يزال قائما بين الحافظين، فهذا يسميه بخلاف تسمية ذاك بـ (عبد الله) كما تقدم، فالمتابعة غير ثابتة حتى لو سلمنا بثبوت رواية ابن بشار كما هو ظاهر. فالصواب ترجيح رواية سفيان على رواية شعبة، أو الجمع بينهما بأن كلا منهما حفظ ما سمع كما تقدم بيانه. وقد كنت أشرت (ص 1235) حين الرد على الهدام ترجيحه لرواية شعبة على رواية سفيان، وتضعيفه لهذه أنه لعله اعتمد في ذلك على رواية ابن بشار، فقد التقى مع الأخ بدر في الاعتماد، ولكن خالفه في التضعيف المذكور، فكان أبعد منه عن الصواب، وهذا كله - فيما أظن - من باب خالف تعرف، ولكي لا يقال: إنه مقلد!! خامسا: وقع الحديث في عدة نسخ من " أذكار النووي " من مسند (عبد الله بن أبزى) ، وكذلك هو في " شرح ابن علان " إياه (3 / 126) وهو خطأ ¬

(¬1) لما عزاه الأخ بدر إليه عزاه برقم (2: 407 *) هكذا بنجمة فلم أفهم أي طبعة عنى، أو ماذا أراد! . اهـ.

2990

فاحش، والصواب - كما عرفت - (عبد الرحمن بن أبزى) ، وهو صحابي صغير، مثل (محمود بن لبيد) الذي ضعف حديثه (الهدام) (2 / 214) بحجة أنه مرسل! بينما تراه هنا صحح حديث عبد الرحمن هذا! وهكذا تراه يكيل بكيلين، ويزن بميزانين. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. 2990 - " ثلاثة كلهن سحت: كسب الحجام، ومهر البغي، وثمن الكلب، إلا الكلب الضاري ". أخرجه الدارقطني (3 / 72) من طريق محمد بن مصعب القرقساني: أخبرنا نافع بن عمر عن الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح عن عمه عطاء عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.. وقال: " الوليد بن عبيد الله ضعيف ". قلت: وكذا قال البيهقي في " السنن " (6 / 6) بعد أن ذكره معلقا. ومحمد بن مصعب القرقساني صدوق كثير الغلط، كما في " التقريب "، لكني أرى - والعلم عند الله - أن الحديث صحيح لطرقه وشواهده، إلا جملة الاستثناء، فهي حسنة، وقد تصح للسبب نفسه، فلننظر. أما الأول، فله طريق آخر، يرويه قيس بن سعد عن عطاء به نحوه دون الاستثناء، وتقدم لفظه تحت الحديث (2971) . أخرجه ابن حبان (1118) بسند جيد. وتابعه الحجاج عن عطاء به نحوه. أخرجه أحمد (2 / 500) بسند رجاله ثقات رجال الشيخين غير الحجاج، وهو ابن أرطاة، وهو ثقة، لكنه مدلس، وقد عنعنه.

وله شاهد من حديث رافع بن خديج مرفوعا نحوه. أخرجه مسلم (5 / 35) والترمذي (1275) (¬1) ، وقال: " حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم، كرهوا ثمن الكلب، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق. وقد رخص بعض أهل العلم في ثمن كلب الصيد ". قلت: ولهذا البعض هذا الحديث وما يشهد له: فأقول: له طريق أخرى، أو للوليد بن عبيد الله بن أبي رباح متابع على جملة الاستثناء، فقال محمد بن سلمة: عن المثنى عن عطاء به. أخرجه الدارقطني (3 / 73 / 275) وقال: " المثنى ضعيف ". قلت: هو ابن الصباح اليماني، وليس شديد الضعف، وقد وثقه ابن معين في رواية، وضعفه الجمهور، وأبو حاتم الرازي مع تشدده المعروف في جرح الرواة ألان القول فيه، فقال: " لين الحديث ". واعتمده الذهبي في " الكاشف "، وقال في " المغني ": " ومشاه بعضهم ". فكأنه يشير إلى ما تقدم، وقال الحافظ: " ضعيف اختلط بأخرة، وكان عابدا ". فكأنه يشير إلى أنه أدركته غفلة الصالحين، فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى. ¬

(¬1) واستدركه الحاكم (2 / 42) ، وقال: " صحيح على شرط الشيخين ". فوهم على مسلم. اهـ.

وللاستثناء عن أبي هريرة طريق أخرى، يرويها حماد بن سلمة عن أبي المهزم عنه قال: " نهي عن ثمن الكلب، إلا كلب الصيد ". أخرجه الترمذي ( 1281) وقال: " لا يصح من هذا الوجه، وأبو المهزم اسمه يزيد بن سفيان، وتكلم فيه شعبة وضعفه. وقد روي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا ، ولا يصح إسناده أيضا ". وأبو المهزم متروك كما في " التقريب "، فلا يستشهد به، واقتصر في " التلخيص " على قوله فيه (3 / 4) : " وهو ضعيف ". قلت: ولحماد بن سلمة إسناد آخر يرويه عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا مثله. وهو الذي أشار إليه الترمذي وضعفه. وهو مخرج تحت الحديث الصحيح المتقدم برقم (2971) برواية النسائي، وضعفه أيضا. وهو كما قال الحافظ: " رجاله ثقات " ، وفيه عنعنة أبي الزبير كما ترى. وقد اختلف في إسناده على حماد رفعا ووقفا وإرسالا، وقال الدارقطني: " والموقوف أصح ". ولم أجد ما يؤيده، لاسيما وقد رواه الحسن بن أبي جعفر عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا. أخرجه الدارقطني ( 274) ، وعلقه البيهقي، وقال: " الحسن بن أبي جعفر ليس بالقوي ".

وقال الذهبي في " الكاشف ": " صالح، خير، ضعفوه ". وقال الحافظ: " ضعيف الحديث مع عبادته وفضله ". قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى. فالراجح - والله أعلم - أن المرفوع المسند صحيح، لولا عنعنة أبي الزبير، ولذلك فما استظهره ابن التركماني في " الجوهر النقي " (6 / 7) أن الحديث بهذا الاستثناء صحيح، غير بعيد، قال: " والاستثناء زيادة على أحاديث النهي عن ثمن الكلب، فوجب قبولها. والله أعلم ". قلت: وقد جاءت آثار عن إبراهيم وعطاء وغيرهما أنه لا بأس بثمن كلب الصيد، عند ابن أبي شيبة (6 / 246 - 248) . وأما حديث " نهى عن ثمن الكلب، وإن كان ضاريا "، فهو منكر، تفرد به ابن لهيعة، ولذلك كنت أوردته في " الضعيفة " (5790) . وجملة القول: أنني بعدما وقفت على حديث الترجمة وبعض طرقه وشواهده وجب الرجوع عما كنت ذكرته تحت الحديث (2971) مما ينافي ما جاء هنا من التحقيق، والله ولي التوفيق. ( تنبيه) : تقدم في أول هذا التخريج أن راوي الحديث (الوليد بن عبيد الله بن أبي رباح) ضعفه الدارقطني. وقد نقله الذهبي عنه في " الميزان " وسكت واستدرك عليه في " اللسان "، فقال:

" وذكره ابن حبان في " الثقات "، وأخرج له ابن خزيمة في (صحيحه) ". قلت: أورده في طبقة (أتباع التابعين) (7 / 549) ، برواية حفص بن غياث عنه، وقد روى عنه معقل بن عبيد الله أيضا كما في " الجرح والتعديل " (4 / 2 / 9) وروى توثيقه عن ابن معين، وقد وقعت هذه الرواية نفسها في الترجمة التي قبلها (الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث مولى بني عبد الدار) ، وكذلك هي في " تاريخ الدارمي " (ص 140) عن ابن معين، لكنه لم يقل (ابن أبي مغيث..) ، فالظاهر أنها مقحمة في ترجمة (الوليد بن عبيد الله) في طبقة " الجرح والتعديل ". وروى عنه أيضا (نافع بن عمر) كما تقدم في حديث الترجمة. فهؤلاء ثلاثة من الثقات رووا عنه، فهو صدوق لولا أن الدارقطني ضعفه، وأقره الذهبي كما تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم. وبهذه المناسبة أقول: أخرج له ابن حبان في " صحيحه " (201 - الموارد) حديث صاحب الشجة الذي أجنب في شتاء بارد فأفتوه أنه لابد له من الغسل، فاغتسل فمات ، فقال صلى الله عليه وسلم: " قتلوه قتلهم الله.. " الحديث. أخرجه من طريق ابن خزيمة، وهذا في " صحيحه " كما تقدم عن الحافظ، وأخرجه ابن الجارود والحاكم، وصححه هو والذهبي، وقواه جمع منهم ابن القيم في " إغاثة اللهفان "، أما المعلق عليه (الهدام) ابن عبد المنان، فضعفه كعادته في معاكسته لأئمة السنة، ولما خرجه كتم عن قرائه هذا الإسناد الذي أقل ما يقال فيه - مع تصحيح المذكورين إياه - أنه يستشهد به، كما كتم تصحيحهم، وكم له من مثل هذا الجور في التضعيف والكتمان، عليه من الله ما يستحق. انظر التفصيل في ردي عليه رقم (3) يسر الله لي إتمامه.

2991

2991 - " سبحان الله! لا من الله استحيوا، ولا من رسول الله استتروا. قاله في فئة عراة ". أخرجه أحمد وابنه عبد الله (4 / 191) وأبو يعلى (3 / 109 - 110) والبزار (2 / 429 - 430) من طريقين عن سليمان بن زياد الحضرمي أن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي حدثه: أنه مر وصاحب له بـ (أيمن) وفئة من قريش قد حلوا أزرهم فجعلوها مخاريق يجتلدون بها وهم عراة، قال عبد الله: فلما مررنا بهم قالوا: إن هؤلاء قسيسون فدعوهم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عليهم، فلما أبصروه تبددوا، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا حتى دخل ، وكنت وراء الحجرة فسمعته يقول: (فذكره) ، وأم أيمن عنده تقول: استغفر لهم يا رسول الله! قال عبد الله: فبلأي ما استغفر لهم. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وقال الهيثمي (8 / 27) : " رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني، وأحد إسنادي الطبراني ثقات ". قلت: وفاته عزوه لعبد الله بن أحمد، وقلده المعلق على " مسند أبي يعلى "، والمعلق على " المقصد العلي " ( 3 / 50) مع أنهما عزواه لأحمد بنفس الجزء والصفحة، ولكنهما لم ينتبها لما في آخر الحديث: " قال عبد الله: وسمعته أنا من هارون ". قلت: وهارون هو شيخ أبيه أحمد فيه، وهو هارون بن معروف المروزي، ثقة من رجال الشيخين.

غريب الحديث. 1 - قوله: (بأيمن) كذا في " المسند " و " جامع المسانيد " (7 / 409 - 410) و " أطراف المسند " (2 / 699) وفي " مسند أبي يعلى ": " بأم أيمن "! وفي " البزار " " بناس "! وهما محرفان - والله أعلم - من الأول، والثلاثة سقطوا من " مجمع الزوائد " و " المعجم الكبير " الذي فيه مسند (عبد الله بن الحارث) لم يطبع بعد لنستعين به على التحقيق. و (أيمن) هو ابن (أم أيمن) ، له ذكر في الصحابة. 2 - (مخاريق) جمع (مخراق) : ثوب يلف، ويضرب به الصبيان بعضهم بعضا. 3 - (قسيسون) . قلت: هو جمع (قسيس) ، وهو العالم العابد من رؤوس النصارى، كما في " المفردات " للراغب الأصبهاني وغيره. فكأنهم يعنون أنهم متعبدون متشددون، كما يسمي اليهود وأذنابهم المتمسكين بدينهم من المسلمين بـ (المتطرفين) ! * (تشابهت قلوبهم) *! 4 - (فبلأي) كذا في " المسند ". وفي " أبي يعلى ": " فبأبي "، وكذا عزاه إليه الهيثمي ، لكن وقع فيه (فتابي) ، وهو خطأ مطبعي ظاهر، والصواب ما في " المسند "، فقد أورده ابن الأثير (لأي) ، وقال: " أي بعد مشقة وجهد وإبطاء ". يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك ما استغفر لهم. (تنبيه على وهم نبيه) : لما ساق الحافظ ابن حجر في " أطرافه " الطرف الأول من رواية أحمد، أتبعه

2992

بطرفه الآخر: ".. ولا من رسوله استتروا "، مشيرا بذلك إلى انتهاء روايته إلى هنا لما يأتي، وقال عقبه: " حدثنا هارون.. عنه به. ورواه أبو يعلى عن هارون به، وزاد: وأم أيمن عنده.. ما استغفر له ". كذا قال! ولم يتنبه لكون هذه الزيادة عند أحمد أيضا - والسياق الذي سقته هو له -، فالظاهر أنه التبس عليه سياقه بسياق البزار فهو الذي ليس عنده الزيادة المذكورة. ونحو ذلك ما وقع للدكتور المعلق عليه، فقال تعليقا على قول الحافظ " وزاد ": " وهذه الزيادة وردت أيضا في رواية هارون "! أراد أن يقول: " ... أحمد "، فقال: " هارون "! 2992 - " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون. قاله لأم سلمة ". أخرجه البخاري (1626) من طريق أبي مروان يحيى بن أبي زكريا الغساني عن هشام عن عروة عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت بالبيت وأرادت الخروج - فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فذكره) ، ففعلت ذلك، فلم تصل حتى خرجت. قلت: يحيى هذا مع إخراج البخاري إياه لم يوثقه كثير أحد، بل قال أبو داود: " ضعيف ". وقال ابن حبان في " الضعفاء " (3 / 126) : " لا يجوز الرواية عنه لما أكثر من مخالفة الثقات، فيما يروي عن الأثبات ". لكني رأيت البزار قال (4 / 23 - كشف الأستار) :

" ليس به بأس، روى عنه الناس ". وذكر ابن طاهر المقدسي في " رجال الصحيحين " (2 / 568 / 2209) أن البخاري روى له في آخر " الاعتصام " مفردا، وفي سائر المواضع مقرونا ". وأشار الحافظ في ترجمته من " التهذيب " أن هذا الحديث عند البخاري متابعة. وكذلك ذكر في " التقريب "، لكن نصه فيه يخالف ما تقدم عن ابن طاهر، فإنه قال: " ضعيف، ما له في البخاري سوى موضع واحد متابعة ". وهذا يخالف أيضا قوله في ترجمته في " مقدمة فتح الباري " (ص 451) : " أخرج له البخاري حديثا واحدا عن هشام عن أبيه عن عائشة في (الهدية) ، وقد توبع عليه عنده ". وحديث (الهدية) هذا لم أعرفه، لكنه داخل في " سائر المواضيع " التي أشار إليها، ومناف للواقع، فقد رأيت الحديث في آخر " الاعتصام " برقم (717) بإسناده المتقدم، لكن قال: " عن عائشة " مكان " عن أم سلمة "، وهو قطعة من حديث الإفك، ولم يتكلم الحافظ في " الفتح " (13 / 343) إلا على شيخ البخاري فيه الراوي له عن يحيى، وكان الأولى به أن يبين حال يحيى هذا! ولكنه لم يفعل لا هنا، ولا في الموضع الأول، وكأنه لكونه متابعا. ولعله من أجل ذلك أورده الذهبي في " الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " (187 / 365) ، مع أنه لم يزد على الإشارة إلى أنه من رجال البخاري مع قوله: " ضعفه أبو داود ". والحافظ يشير بالمتابعة إلى قوله في " الفتح " (3 / 487) : " وقد أخرج الإسماعيلي من طريق حسان بن إبراهيم، وعلي بن هاشم

ومحاضر بن المودع، وهو والنسائي عن عبدة بن سليمان كلهم عن هشام عن أبيه عن أم سلمة. وهذا هو المحفوظ، وسماع عروة من أم سلمة ممكن، فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة، وهو معها في بلد واحد ". وفي هذا إشارة قوية إلى الانتصار لمذهب الإمام مسلم في الاكتفاء بالمعاصرة مع إمكان اللقاء، وأنه يكفي في إثبات الاتصال، وإن كان اشتراط البخاري ثبوت اللقاء ولو مرة واحدة أقوى، ولكنه شرط كمال وليس شرط صحة كما حققته في غير موضع واحد، منها ما تقدم تحت الحديث (2979) . هذا، ولفظ عبدة عند النسائي (2 / 37) : عن أم سلمة قالت: يا رسول الله! ما طفت طواف الخروج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا أقيمت الصلاة (وفي رواية: صلى الناس الصبح) فطوفي على بعيرك من وراء الناس ". وأخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (23 / 266 / 571 و 408 / 981) من طرق أخرى عن هشام بن عروة به، والرواية الأخرى رواية له رحمه الله. وقد ظن بعض المتقدمين أن هذا الحديث مخالف سندا ومتنا لرواية مالك بسنده عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: شكوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أشتكي، فقال: " طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ". فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ يصلي إلى جنب البيت، وهو يقرأ * (والطور وكتاب مسطور) *. متفق عليه (¬1) . ¬

(¬1) وهو مخرج في " صحيح أبي داود " (1644) .

2993

قلت: فمن الملاحظ أن في هذا المتن ما ليس في الأول، وأن في إسناده زيادة (زينب بنت أبي سلمة) بين عروة وأم سلمة مما ليس في الأول، الأمر الذي حمل الدارقطني على إعلال هذا بالانقطاع وقوله: " لم يسمعه عروة من أم سلمة " (¬1) ولكن الحافظ رده بأمور، منها ما تقدم ذكره عنه أنه متصل، ومنها اختلاف المتنين، مما يدل على أنهما حديثان، الأول في طواف الوداع، والآخر في طواف الإفاضة يوم النحر. وغير ذلك. فراجعه إن شئت المزيد. 2993 - " يذهب الصالحون، الأول فالأول، ويبقى حفالة كحفالة الشعير والتمر، لا يباليهم الله بالة ". أخرجه البخاري (6434) وفي " التاريخ " (4 / 1 / 434) والدارمي (2 / 301 ) والبيهقي (10 / 122) و " الزهد " (رقم 210) وأحمد (4 / 193) عن قيس ابن أبي حازم عن مرداس الأسلمي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره . وصرح قيس بسماعه من مرداس في رواية لأحمد، لكنه أوقفه. وكذا هو في رواية للبخاري (4156) ، وهو الأصح، ولاسيما أنه في حكم المرفوع، وله شواهد تقدم ذكرها برقم (1781) . (فائدة) : مرداس هذا هو ابن مالك الأسلمي، وكان من أصحاب الشجرة كما صرح قيس في الرواية الموقوفة، وتفرد بالرواية عنه قيس، وقرن معه المزي (زياد ابن علاقة) ، وتبعه الذهبي في " الكاشف "، لكنهما خولفا في ذلك، فذكره ابن الصلاح فيمن تفرد بروايته عنه قيس عند البخاري، وتبعه الحافظ ابن كثير في " اختصار علوم الحديث " (ص 109) ، ولذلك قال الحافظ ابن حجر تعقيبا على الحافظ المزي (10 / 86) : ¬

(¬1) وكذلك قال النسائي عقب رواية عبدة المتقدمة. اهـ.

2994

" قلت: مرداس الذي روى عنه زياد بن علاقة، إنما هو (مرداس بن عروة) صحابي آخر، ذكره البخاري وأبو حاتم وابن حبان وابن منده وغير واحد، وصرح مسلم وأبو الفتح الأزدي وجماعة أن (قيس بن أبي حازم) تفرد بالرواية عن مرداس بن مالك الأسلمي، وهو الصواب ". قلت: وقد صرح بذلك الإمام الدارقطني أيضا، كما قال للحاكم، وكتبه له بخطه كما في " المستدرك " (4 / 401) في آخرين انفردوا بالرواية عن بعض الصحابة سماهم. 2994 - " فما عدلت بينهما. أي بين الابن والبنت في التقبيل ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (4 / 239) ومن طريقه البيهقي في " الشعب " (6 / 410 / 8700) - قال: القاسم بن مهدي: حدثنا يعقوب بن كاسب: حدثنا عبد الله ابن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس: أن رجلا كان جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بني له فأخذه فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت بنية له فأخذها فأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فذكره، وقال ابن عدي: " لا أعلم يرويه عن معمر بهذا الإسناد غير عبد الله بن معاذ، حدثنا محمد بن سعيد بن مهران الأيلي (¬1) : حدثنا عباس العنبري: حدثنا يعقوب بن كاسب بهذا الحديث بعينه ". أورده في ترجمة (عبد الله بن معاذ) هذا الصنعاني، وروى عن البخاري أنه قال: ¬

(¬1) الأصل (الأبلي) بالباء الموحدة. وفي الطبعة الأولى (4 / 1553) ( الأيلي) بالمثناة التحتية، ولعله الصواب لموافقته للمصورة التي عندي. ولم أجد له الآن ترجمة. اهـ.

2995

" غمزه عبد الرزاق، وقال هشام بن يوسف: هو صدوق ". وعن ابن معين أنه ثقة. ثم ساق له أحاديث أخرى، وقال: " وله أحاديث حسان غير ما ذكرت، وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: ووثقه مسلم أيضا، ولما حكى أبو زرعة تكذيب عبد الرزاق إياه تعقبه بقوله: " وأنا أقول هو أوثق من عبد الرزاق ". ولذلك قال الذهبي والحافظ فيه: " صدوق ". زاد الحافظ: " تحامل عليه عبد الرزاق ". قلت: ومن فوقه ثقات على ضعف يسير في (يعقوب) ، وهو ابن حميد بن كاسب، فالإسناد حسن كما أشار إلى ذلك ابن عدي، بل هو صحيح فقد توبع كما تقدم برقم (2883) ، وقدر إعادة تخريجه هنا لفائدة ظاهرة. 2995 - " جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية، وتحدرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فرعب، قال جعفر: أحسبه قال: جعل يتأخر. قال: وجاء جبريل عليه السلام فقال: يا محمد قل. قال: ما أقول؟ قال: قل: " أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، من شر ما خلق وذرأ وبرأ ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج

فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض ، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقا يطرق بخير يا رحمن! " فطفئت نار الشياطين، وهزمهم الله عز وجل ". أخرجه أحمد (3 / 419) وأبو يعلى (12 / 237) وعنه ابن السني (631) وأبو نعيم في " الدلائل " (ص 148) و " المعرفة " (2 / 49 / 2) والبيهقي في " دلائل النبوة " (7 / 95) من طرق عن جعفر بن سليمان: حدثنا أبو التياح قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كادته الشياطين؟ قال: فذكره. وفي رواية لأحمد، ومن طريقه أبو نعيم في " المعرفة ": حدثنا سيار بن حاتم أبو سلمة العنزي قال: حدثنا جعفر: قال: حدثنا أبو التياح قال: قلت لعبد الرحمن بن خنبش التميمي - وكان كبيرا -: أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. قال: قلت: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. الحديث. قلت: وهذا إسناد حسن من هذا الوجه، سيار هذا صدوق كما قال الذهبي، وفيه كلام يسير، أشار إليه الحافظ بقوله: " صدوق له أوهام " (¬1) . والحديث من الطرق الأخرى عن جعفر صحيح، لولا أن قول أبي التياح فيها: " سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش.. "، فهذا صورته في نقدي صورة المرسل، بخلاف قول سيار، فهو متصل، ولعله لذلك قال البخاري بعد أن ذكره في " الصحابة ": ¬

(¬1) وأما قول الهدام: " متهم بالكذب "! فمن اختلاقه في تعليقه على " الإغاثة "، وبينته في " الرد عليه " رقم (27) . اهـ.

" في إسناده نظر ". كما في " الإصابة " لابن حجر، ولذلك فإنه لم يحسن حين ساق إسناد (سيار) قارنا إليه (جعفرا) موهما أن إسنادهما واحد، والواقع خلافه، ذاك إسناده مسند، وهذا إسناده مرسل، كما بينت. ومن هنا يتضح خطأ قول المعلق على " مسند أبي يعلى " (12 / 238) : " إسناده صحيح إلى عبد الرحمن بن خنبش، وهو موقوف عليه "! والصواب في إسناد أبي التياح أنه مرسل كما سبق بيانه. وقوله: " وهو موقوف عليه ". من أدلة حداثته في هذا العلم، فالقضية من أولها إلى آخرها تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم، من محاولة الشيطان حرقه صلى الله عليه وسلم، وصرف الله ذلك عنه، بعد أن أصابه شيء من الرعب، وجعل يتأخر، وقوله لجبريل: " ما أقول؟ ". كيف يقال في مثل هذا: " موقوف "؟!! وقلده في التصحيح المعلق على " المقصد العلي " (4 / 338 - 339) ، وهو ممن لا علم عنده، بل هو له في الغالب إمعة! ولذلك فقد أعجبني منه أنه لم يقلده في الوقف! وكذلك صحح إسناده المعلق على " مجمع البحرين " (8 / 55) وزاد في الدلالة على الحداثة أن أتبع ذلك بقوله: " وعزاه الهيثمي في " المجمع " (10 / 127) إلى " الكبير " أيضا، وصححه "! والواقع أنه لم يصححه لأنه لم يقل كما قال هؤلاء المحدثون: إسناده صحيح، وإنما قال: " رجاله رجال الصحيح ". وشتان ما بينهما، كما لا يخفى على أهل العلم، وقد نبهت على ذلك مرارا. وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود، فقال الطبراني: حدثنا أحمد بن

محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي: حدثني أبي عن أبيه عن أبي عمرو الأوزاعي عن إبراهيم بن طريف عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبي يعلى عنه به نحوه. أخرجه الطبراني في " الدعاء " (2 / 1293 / 1058) ، وفي " المعجم الأوسط " (1 / 4 / 1 / 43) وعنه أبو نعيم في " دلائل النبوة " (ص 149) وقال الطبراني: " لم يروه عن الأوزاعي إلا يحيى بن حمزة، تفرد به ولده عنه ". وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 128) : " رواه الطبراني في " الصغير "، وفيه من لم أعرفه "! كذا وقع فيه " الصغير " وهو خطأ مطبعي، صوابه " الأوسط "، وقد تجاهل هذا الخطأ أحد الأحداث المشار إليهم، فأوهم أن لا خطأ في المطبوعة، لأنه لم يذكر إلا قوله: " وفيه من لم أعرفه "! وأقره ! والظاهر أن الهيثمي يعني شيخ الطبراني (أحمد بن محمد بن يحيى الدمشقي) وأباه. وهذه غفلة عجيبة منه، فإن أباه (محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي) قد ترجمه ابن حبان في " الثقات " (9 / 74) ، وغمز فيها ابنه أحمد هذا، فقال فيها: " يروي عن أبيه، روى عنه أهل الشام، ثقة في نفسه يتقى ما روى عنه ( أحمد بن محمد بن حمزة) وأخوه (عبيد) ، فإنهما كان يدخلان عليه كل شيء ". ومن المعروف عند المشتغلين بهذا العلم أن الهيثمي كان له الفضل الأول في

تيسير الانتفاع بـ " ثقات ابن حبان " بترتيبه على الحروف، وهذه الترجمة فيه، فسبحان الله * (لا يضل ربي ولا ينسى) *. وقد نقلها الحافظ في " اللسان " (5 / 422 - 423) ، لكنه قال عقبها: " وقد تقدم في ترجمة (أحمد) أن (محمدا) هذا كان قد اختلط "! والذي في ترجمة (أحمد) قوله: " وقال الحاكم أبو أحمد : الغالب علي أنني سمعت أبا الجهم، وسألته عن حال (أحمد بن محمد) ؟ فقال: قد كان كبر فكان يلقن ما ليس من حديثه فيتلقن. مات سنة تسع وثمانين ومائتين ". قلت: فالظاهر أن الحافظ سبقه القلم، فكتب (محمد) مكان (أحمد) . والله أعلم. ثم إن (أحمد) هذا مترجم في " الميزان " للذهبي، فقال: " له مناكير، قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر، وحدث عنه أبو الجهم الشعراني ببواطيل.. ". ثم ذكر له حديثين. فالعجب أيضا كيف خفي هذا على الهيثمي؟! وسائر الرواة ثقات رجال الشيخين غير (إبراهيم بن طريف) ، فهو مجهول كما قال الحافظ، وانظر " تيسير الانتفاع ". (تنبيه) : تقدم هذا الحديث في المجلد الثاني برقم (840) باختصار في التخريج والتحقيق، ودون الفوائد المذكورة هنا، وهذا هو المعتمد.

2996

2996 - " كان إذا استفتح الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك ". أخرجه الطبراني في " الدعاء " (2 / 1034 / 506) : حدثنا محمود بن محمد الواسطي: حدثنا زكريا بن يحيى، زحمويه: حدثنا الفضل بن موسى السيناني، عن حميد الطويل عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات معروفون غير محمود بن محمد الواسطي، وهو (ابن منويه - بنون -) الحافظ المفيد العالم، كما في " سير الذهبي " (14 / 242) وهو من شيوخ الطبراني المعروفين، فقد روى له في " المعجم الأوسط " (2 / 192 / 2 - 198 / 2) أكثر من مائة حديث، وهذه أرقامها من نسختي المصورة والمرقمة بترقيمي (7945 - 8047) ، على أنه لم يتفرد به كما يأتي. وشيخه زكريا بن يحيى، و (زحمويه) لقبه كما في " التبصير " (2 / 595) للحافظ، وذكر في " اللسان " أنه ثقة، روى عنه أبو زرعة وأبو يعلى.. وأخرج له ابن حبان في " صحيحه ". قلت: وفاته أنه ذكره في " الثقات " (8 / 253) وقال: " كان من المتقنين ". وقد أكثر عنه في " صحيحه "، فانظر أرقام أحاديثه في " فهرس المؤسسة " (18 / 132) . وكذلك أكثر عنه بحشل في " تاريخ واسط "، وترجم له ترجمة مختصرة، وكناه بأبي محمد، وقال (ص 197) : " كان أبيض الرأس واللحية ". وقال عنه:

" ولد سنة (185) ". وتوفي سنة (235) . ومن فوقه من رجال الشيخين. وقد تابع الفضل بن موسى أبو خالد، أخرجه الدارقطني في " سننه " (1 / 300 / 12) ، وابن أبي حاتم في " العلل " (1 / 135 / 374) معلقا من طريق محمد بن الصلت: حدثنا أبو خالد به. وذكر الزيلعي في " نصب الراية " (1 / 320) عن الدارقطني أنه قال: " إسناده كلهم ثقات ". قلت: محمد بن الصلت هذا هو أبو جعفر الكوفي الأصم، ثقة بلا خلاف ومن شيوخ البخاري ، ولولا أن الراوي عنه (الحسين بن علي بن الأسود العجلي) في رواية الدارقطني فيه ضعف لقويت إسناده، فلعله هو الذي حمل أبا حاتم أن يقول عقب الحديث: " هذا كذب لا أصل له، ومحمد بن الصلت، لا بأس به، كتبت عنه ". وقال فيه فيما رواه عنه ابنه في " الجرح " (2 / 1 / 56) : " صدوق ". ولكن لم يتبين لي وجه تكذيبه الحديث مع سلامة إسناده من كذاب، أنا أدري أنه كما أن الكذوب قد يصدق، كما في الحديث المعروف، فكذلك الصدوق قد يكذب كما في حديث أبي السنابل، بمعنى أنه قد يقول خطأ الكذب المخالف للواقع، ولكني والله لا أدري - ولا أحسب أنه يمكنني يوما أن أدري - أنه يمكن أن يقال في حديث الصدوق: " كذب لا أصل له "، وليس في متنه ما يستنكر

فضلا عن أن يكذب، وله من الطرق والشواهد وجريان عمل السلف عليه، ما يقطع الواقف على ذلك أن الحديث صحيح له أصل أصيل، ولذلك قال الترمذي في " سننه " (1 / 325) بعد أن ساق بعض شواهده: " وهكذا روي عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن مسعود، والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من التابعين وغيرهم ". فالذي يبدو لي - والله أعلم - أن ذلك زلة من زلات العلماء - إن لم يكن سبق قلم - فيجب أن يتقى. ولقد بلغ اهتمام عمر الفاروق بإذاعة هذا الحديث وتبليغه إلى الناس إلى درجة أنه كان يرفع صوته بما فيه ليتعلمه الناس، كما رواه الأئمة الحفاظ وصححوه كما تراه مخرجا في " إرواء الغليل " (2 / 52) ، وهو يعلم أن السنة الإسرار بدعاء الاستفتاح حرصا منه على تعليمهم، وعملا بالسنة الأخرى الثابتة في " الصحيح " أنه كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر والعصر. ومن طرق الحديث عن أنس ما رواه مخلد بن يزيد عن عائذ بن شريح عنه بلفظ: " كان إذا استفتح الصلاة يكبر ثم يقول.. " فذكره. أخرجه الطبراني في " الدعاء " (505) وفي " الأوسط " (1 / 171 / 3190) ، وقال في " الأوسط ": " لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد، تفرد به مخلد بن يزيد ". كذا قال: ولم يتذكر الطريق الأولى، وقال الهيثمي في هذه ( 2 / 107) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله موثوقون ".

كذا قال! ( عائذ بن شريح) وما علمت أحدا وثقه، حتى ولا ابن حبان، وقد قال الذهبي في " المغني ": " لم أر لهم تضعيفا ولا توثيقا، إلا قول أبي حاتم: " في حديثه ضعف ". قلت: وما هو بحجة ". قلت: وقد روى عنه جماعة كما في " الجرح " (3 / 2 / 16) ، فمن الممكن الاستشهاد به، على أن الحجة قائمة برواية الثقتين أبي خالد - وهو الأحمر - سليمان الأحمر، والفضل بن موسى المتابع له عن حميد عن أنس. وقد قال الحافظ في " الدراية " (2 / 129) : " وهذه متابعة جيدة لرواية أبي خالد الأحمر. والله أعلم ". وفيه إشارة قوية إلى رد قول أبي حاتم المتقدم، وهو حري بذلك لما سبق بيانه، وقد أشار إشارة لطيفة إلى رفضه إياه، بقوله في " التلخيص " فيه (1 / 230) : " وضعفها ". فلم ينشرح لنقل نص قوله المذكور، لشدته وبعده عن الصواب، ولكنه مع ذلك فقد خلط بين طريق وطريق، فقال بعد أن خرج الحديث من رواية أصحاب السنن وغيرهم عن أبي سعيد وغيره: " وعن أنس نحوه. رواه الدارقطني، وفيه الحسين بن علي بن الأسود وفيه مقال. وله طريق أخرى ذكرها ابن أبي حاتم في " العلل " عن أبيه وضعفها " . قلت: وقد عرفت من تخريجنا هذا أن طريق أبي حاتم هي طريق الدارقطني كلاهما أخرجه من طريق محمد بن الصلت، فتنبه.

2997

وبمناسبة ذكر حديث أبي سعيد الخدري أقول: قد عزاه الحافظ في " الفتح " (2 / 230) لـ " صحيح ابن حبان "، وهو وهم، وإنما أخرجه من حديث جبير بن مطعم نحوه برقم (443 - موارد) ، ولذلك لم يعزه في " بلوغ المرام " إلا للخمسة، يعني أصحاب السنن الأربعة وأحمد، وهو وحديث جبير بن مطعم، من الشواهد التي سبقت الإشارة إليها، وهي مخرجة في " الإرواء " مع حديث عمر الفاروق في الموضع الذي سبقت الإشارة إليه، ومع هذه الطرق والشواهد فقد تجاسر المدعو (حسان بن عبد المنان) على تضعيف الحديث، فتكلم على بعض طرقه معللا إياها في تعليقه على " إغاثة اللهفان " لابن قيم الجوزية، ودلس على القراء فكتم عنهم حديث عمر هذا وحديث أنس بطريقيه، وقد كنت صرحت هناك في " الإرواء " بصحة إسناده، فلم يتعرض له بذكر، ولا لحديث عمر! فجحد واستكبر، فمن شاء فليعتبر. 2997 - " لا تنسوا، كتكبير الجنائز. وأشار بأصابعه، وقبض إبهامه. يعني في صلاة العيد ". أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " (4 / 345 - طبع مصر) من طريقين عن عبد الله ابن يوسف عن يحيى بن حمزة قال: حدثني الوضين بن عطاء أن القاسم أبا عبد الرحمن حدثه قال: حدثني بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم عيد، فكبر أربعا أربعا، ثم أقبل علينا بوجهه حين انصرف، قال.. " فذكره. وقال: " هذا حديث حسن الإسناد، وعبد الله بن يوسف ويحيى بن حمزة والوضين والقاسم كلهم أهل رواية، معروفون بصحة الرواية ".

قلت: وهو كما قال رحمه الله تعالى، فإن القاسم هذا هو ابن عبد الرحمن الدمشقي أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة، وهو صدوق حسن الحديث. والوضين بن عطاء، أورده ابن أبي حاتم برواية جمع من الثقات عنه، وروى عن ابن معين أنه قال فيه: " لا بأس به ". وعن أحمد: " ثقة ليس به بأس ". وعن أبي حاتم: " نعرف وننكر ". قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن. وسكت عنه البخاري في " التاريخ الكبير "، ومن دونه ثقتان مشهوران من رجال البخاري. فالحديث شاهد قوي بهذا الإسناد لما أخرجه أبو داود وغيره بإسناد حسن عن أبي عائشة جليس لأبي هريرة: أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في الأضحى والفطر؟ فقال أبو موسى: كان يكبر أربعا تكبيره على الجنائز. فقال حذيفة: صدق. فقال أبو موسى: كذلك كنت أكبر في البصرة حيث كنت عليهم. فقال أبو عائشة: وأنا حاضر سعيد بن العاص . لكن أبو عائشة هذا غير معروف كما قال الذهبي، وقال الحافظ: " مقبول ". يعني عند المتابعة. وعلى هذا ينبغي أن يكون هذا الحديث مقبولا عند الحافظ، لأنه قد تابعه القاسم أبو عبد الرحمن في رواية الطحاوي، وهو وإن لم يسم الصحابي فإنه لا يضر عند أهل السنة، لأن الصحابة كلهم عدول مع احتمال أن يكون هو أبا موسى الذي في هذه الطريق الأخرى، ثم كيف لا يكون الحديث مقبولا وهو حسن الإسناد من الرواية الأولى. وهي في الحقيقة رواية عزيزة جيدة،

مما حفظه لنا الإمام الطحاوي رحمه الله، ولست أدري لم لم يتعرض لها بذكر كل الذين أخرجوه من الطريق الأخرى من الذين تكلموا عليه بالتضعيف كالنووي والعسقلاني، بل والزيلعي، هو أحوج ما يكون إليه لدعم مذهبه الحنفي! وقد استدركه عليه المحشي الفاضل، ونقل عن الحافظ في " الفتح " أنه قال: " إسناده قوي ". ولم أقف عليه الآن في مظانه من " الفتح ". والله أعلم. ويزداد قوة بما رواه عبد الرزاق (5686) عن الثوري عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود بن يزيد: أن ابن مسعود كان يكبر في العيدين تسعا، تسعا، أربعا قبل القراءة ثم كبر فركع، وفي الثانية يقرأ فإذا فرغ كبر أربعا ثم ركع. وإسناده صحيح كما قال ابن حزم وغيره. وأخرجه ابن أبي شيبة (2 / 173) والطحاوي في " شرح المعاني " (4 / 348) عن سفيان عن أبي إسحاق عن عبد الله بن أبي موسى، وعن حماد عن إبراهيم: أن أميرا من أمراء الكوفة - قال سفيان: أحدهما سعيد بن العاصي، وقال الآخر: الوليد بن عقبة - بعث إلى عبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وعبد الله بن قيس (يعني أبا موسى) فقال: إن هذا العيد قد حضر فما ترون؟ فأسندوا أمرهم إلى عبد الله، فقال: يكبر تسعا: تكبيرة يفتتح بها الصلاة، ثم يكبر ثلاثا، ثم يقرأ سورة، ثم يكبر، ثم يركع. ثم يقوم فيقرأ سورة، ثم يكبر أربعا يركع بإحداهن. وهو من طريق عبد الله بن أبي موسى صحيح، وهو حمصي مخضرم ثقة. وكذلك هو من طريق إبراهيم، وهو ابن يزيد النخعي، وهو وإن كان لم يسمع من ابن مسعود فمن المعروف من ترجمته أن ما أرسله عنه فهو صحيح.

ورواه الطحاوي من طريق زهير بن معاوية عن أبي إسحاق عن إبراهيم بن عبد الله بن قيس عن أبيه أن سعيد بن العاص دعاهم يوم عيد.. الحديث نحوه، فأدخل بين أبي إسحاق وعبد الله بن قيس - إبراهيم بن عبد الله هذا، ومن الظاهر أنه ابن عبد الله بن أبي موسى الذي في الإسناد الذي قبله، فإنه يقال: عبد الله بن أبي موسى، وعبد الله بن قيس، وعبد الله بن أبي قيس كما في " التقريب "، فإن كان كذلك فإني لم أعرف إبراهيم هذا. ومن طبقته إبراهيم بن أبي موسى الأشعري وثقه العجلي، فيحتمل على بعد أنه هو. والله أعلم. وله طريق أخرى عند ابن أبي شيبة (2 / 174) ، والبيهقي (3 / 291) عن معبد بن خالد عن كردوس قال: قدم سعيد بن العاص قبل الأضحى فأرسل إلى عبد الله بن مسعود وإلى أبي موسى وإلى أبي مسعود الأنصاري، فسألهم عن التكبير؟ قال: فقذفوا بالمقاليد إلى عبد الله، فقال عبد الله: تقوم فتكبر أربع تكبيرات ثم تقرأ، ثم تركع في الخامسة، ثم تقوم فتقرأ ثم تكبر أربع تكبيرات، فتركع بالرابعة. وإسناده صحيح إلى كردوس، وأما هذا، فقد وثقه ابن حبان (3 / 228) ، وروى عنه جمع من الثقات كما في " الجرح والتعديل " (7 / 175) و " التهذيب " لكن اختلفوا في اسم أبيه، وهل هو واحد أو أكثر، فمثله إن لم يحتج به، فلا أقل من أن يستشهد به، وقد أشار إلى هذا الحافظ بقوله في " التهذيب ": " مقبول ". ويشهد له ما روى عبد الله بن الحارث قال: " صلى بنا ابن عباس يوم عيد فكبر تسع تكبيرات، خمسا في الأولى، وأربعا في الأخرى، والى بين القراءتين ".

أخرجه ابن أبي شيبة. وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وعبد الله بن الحارث هو الأنصاري أبو الوليد البصري نسيب ابن سيرين وختنه. قلت: فهذه آثار كثيرة قوية تشهد لحديث الترجمة، وهي وإن كانت موقوفة، فهي في حكم المرفوع، لأنه يبعد عادة أن يتفق جماعة منهم على مثله دون توقيف، ولو جاء مثله غير مرفوع لكان حجة، فكيف وقد جاء مرفوعا من وجهين أحدهما حديث الترجمة، والآخر شاهده المذكور عن أبي عائشة، وأما إعلال البيهقي إياه بمخالفته للذين رووه عن ابن مسعود موقوفا، فكان يمكن الاعتداد به ، لولا الطريق الأولى، وهي مما فات البيهقي فلم يتعرض لها بذكر، ولهذا قال عقب أثر كردوس المتقدم وغيره: " وهذا رأي من جهة عبد الله رضي الله عنه، والحديث المسند مع ما عليه عمل المسلمين أولى ". وقد تعقبه ابن التركماني بقوله: " قلت: هذا لا يثبت بالرأي. قال أبو عمر في " التمهيد ": مثل هذا لا يكون رأيا، ولا يكون إلا توقيفا، لأنه لا فرق بين سبع وأقل وأكثر من جهة الرأي والقياس، وقال ابن رشد في " القواعد ": معلوم أن فعل الصحابة في ذلك توقيف، إذ لا يدخل القياس في ذلك، وقد وافق ابن مسعود على ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، أما الصحابة فقد قدمنا ذكرهم، وأما التابعون فقد ذكرهم ابن أبي شيبة في (مصنفه) ". قلت: أفليس هؤلاء من المسلمين؟! والحق أن الأمر واسع في تكبيرات

2998

العيدين، فمن شاء كبر أربعا أربعا بناء على هذا الحديث والآثار التي معه، ومن شاء كبر سبعا في الأولى، وخمسا في الثانية بناء على الحديث المسند الذي أشار إليه البيهقي، وقد جاء عن جمع من الصحابة، يرتقي بمجموعها إلى درجة الصحة، كما حققته في " إرواء الغليل " رقم (639) . فتضعيف الطحاوي لها مما لا وجه له، كتضعيف مخالفيه لأدلته هذه، والحق أن كل ذلك جائز، فبأيهما فعل فقد أدى السنة، ولا داعي للتعصب والفرقة، وإن كان السبع والخمس أحب إلي لأنه أكثر. 2998 - " إن كنتم تحبون أن يحبكم الله ورسوله فحافظوا على ثلاث خصال: صدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الجوار ". رواه الخلعي في " الفوائد " (18 / 73 / 1) عن أبي الدرداء هاشم بن محمد الأنصاري قال: أخبرنا عمرو بن بكر السكسكي عن ابن جابر عن أنس بن مالك قال : نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم أضياف من البحرين فدعا النبي بوضوئه، فتوضأ، فبادروا إلى وضوئه فشربوا ما أدركوه منه. وما انصب منه في الأرض فمسحوا به وجوههم ورءوسهم وصدورهم، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم ما دعاكم إلى ذلك؟ قالوا: حبا لك، لعل الله يحبنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وزاد في آخره: " فإن أذى الجار يمحو الحسنات كما تمحو الشمس الجليد ". قلت: وهذا سند ضعيف جدا، عمروا بن بكر السكسكي متروك كما في " التقريب ". لكن الحديث قد روي جله من وجوه أخرى يدل مجموعها على أن له أصلا ثابتا. أولا: خرج ابن وهب في جماعة من حديث يونس بن يزيد عن ابن شهاب

قال: حدثني رجل من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أو تنخم ابتدر من حوله من المسلمين وضوءه ونخامته، فشربوه، ومسحوا به جلودهم، فلما رآهم يصنعون ذلك سألهم: لم تفعلون هذا؟ قالوا: نلتمس الطهور والبركة بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كان منكم يحب أن يحبه الله ورسوله فليصدق الحديث، وليؤد الأمانة ولا يؤذ جاره ". ذكره الإمام الشاطبي في كتابه القيم " الاعتصام " (2 / 139 - المنار) ، ورواه عبد الرزاق في " المصنف " (11 / 7 / 19748) عن معمر عن الزهري به. قلت: وهذا الإسناد رجاله ثقات غير الرجل الأنصاري، فإن كان تابعيا، فهو مرسل، ولا بأس به في الشواهد ، وإن كان صحابيا، فهو مسند صحيح لأن جهالة اسم الصحابي لا تضر، كما هو مقرر في علم الحديث، ويغلب على الظن أنه أنس بن مالك رضي الله عنه الذي في الطريق الأولى فإنه أنصاري، ويروي عنه الإمام الزهري كثيرا. ويشهد له ما قبله على ضعفه. والله أعلم. ثانيا: ما رواه الطبراني في " الأوسط " (1 / 152 / 1) : حدثنا محمد بن زريق: حدثنا محمد بن هشام السدوسي حدثنا عبيد بن واقد القيسي : حدثنا يحيى بن أبي عطاء عن عمير بن يزيد عن عبد الرحمن بن الحارث عن أبي قراد السلمي قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بطهور قمس (¬1) يده فيه ، ثم توضأ، فتتبعناه فحسوناه، فقال صلى الله عليه وسلم: " ما حملكم على ما صنعتم؟ قلنا: حب الله ورسوله، قال: فإن أحببتم أن يحبكم الله ورسوله، فأدوا إذ ائتمنتم، واصدقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار من جاوركم ". وقال: ¬

(¬1) وفي " المجمع ": " غمس "، والمعنى واحد. اهـ.

" لا يروى عن أبي قراد إلا بهذا الإسناد. تفرد به عبيد ". قلت: وهو ضعيف كما قال الهيثمي (4 / 145) ، والحافظ في " التقريب ". ومن هذا الوجه أخرجه في " المعجم الكبير " أيضا (ق 47 / 1 - مجموع 6) ، وعنه ابن منده في " المعرفة " (2 / 259 / 2) . وخالفه في إسناده الحسن بن أبي جعفر، فقال: عن أبي جعفر الأنصاري (وهو عمير بن يزيد) عن الحارث بن فضيل عن عبد الرحمن بن أبي قراد أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ يوما.. الحديث. أخرجه ابن منده ( 2 / 21 / 1) وكذا أبو نعيم في " فوائد ميمونة " كما في " الإصابة ". قلت: فاختلف عبيد بن واقد والحسن بن أبي جعفر في إسناده، فالأول سمى الصحابي أبا قراد، والراوي عنه عبد الرحمن بن الحارث، والآخر عن الحارث بن فضيل عن عبد الرحمن بن أبي قراد، فسماه عبد الرحمن بن أبي قراد، وهو ضعيف أيضا أعني الحسن بن أبي جعفر، ولذلك لا يمكن ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى. وبالجملة، فالحديث عندي حسن على الأقل بمجموع هذه الطرق. والله أعلم. ( تنبيه) : أورده المنذري في " الترغيب " (4 / 26) من رواية الطبراني عن عبد الرحمن بن الحارث بن أبي قراد السلمي رضي الله عنه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ... الحديث، هكذا وقع فيه " ابن أبي قراد "، والظاهر أنه تحرف عليه لفظة " ابن " والصواب " عن " كما تقدم. ثم إن فيه إشارة إلى أن الحديث عنده حسن أو قريب منه كما نص عليه في المقدمة.

2999

2999 - " تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله ، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه ". هذا من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وله عنه ثلاث طرق: الأولى: وهي الأشهر: عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني أن عبادة ابن الصامت - من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه ليلة العقبة - أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - وحوله عصابة من أصحابه -: (فذكر الحديث) قال: فبايعته على ذلك. أخرجه البخاري (1 / 54 - 58 و 7 / 176 و 8 / 518 و 12 / 69 - 70 و 13 / 173) والسياق له في رواية، ومسلم (5 / 127) والترمذي (1439) والنسائي (2 / 182 و 183) والدارمي ( 2 / 220) وأحمد (5 / 314 و 340) وزاد في رواية بعد قوله: ولا تقتلوا أولادكم: " قرأ الآية التي أخذت على النساء: * (إذا جاءك المؤمنات) * ". وهي رواية لمسلم. الطريق الثانية: عن الصنابحي عن عبادة به مختصرا، وزاد فيه : " ولا تنتهب ".

أخرجه البخاري (7 / 176 - 178) ومسلم، وأحمد (5 / 321 ) . الثالثة: عن أبي الأشعث الصنعاني عنه قال: " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء: أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا يعضه بعضنا بعضا، [ولا نعصيه في معروف] فمن وفي منكم.. " الحديث. أخرجه مسلم، وأحمد (5 / 320) وابن ماجه (2 / 129) طرفه الأخير. وفي الحديث رد كما قال العلماء على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، وعلى المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة، ولم يقل لابد أن يعذبه. قلت: ومثله قوله تعالى: * (إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) *. فقد فرق تعالى بين الشرك وبين غيره من الذنوب، فأخبر أن الشرك لا يغفره، وأن غيره تحت مشيئته، فإن شاء عذبه وإن شاء غفر له، ولابد من حمل الآية والحديث على من لم يتب، وإلا فالتائب من الشرك مغفور له، فغيره أولى، والآية قد فرقت بينهما، وبهذا احتججت على نابتة نبتت في العصر الحاضر ، يرون تكفير المسلمين بالكبائر تارة، وتارة يجزمون بأنها ليست تحت مشيئة الله تعالى وأنها لا تغفر إلا بالتوبة، فسووا بينها وبين الشرك فخالفوا الكتاب والسنة، ولما أقمت عليهم الحجة بذلك في ساعات، بل جلسات عديدة، رجع بعضهم إلى الصواب، وصاروا من خيار الشباب السلفيين، هدى الله الباقين. قوله : (ولا يعضه) : أي لا يرميه بـ (العضيهة) ، وهي البهتان والكذب.

3000

3000 - " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم وهو مؤمن ". أخرجه البخاري ومسلم، وغيرهما من حديث أبي هريرة، وله عنه طرق: الأولى: عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عنه. أخرجه البخاري (5 / 90 و 12 / 48) ومسلم (1 / 54) والنسائي (2 / 330) وابن ماجه (2 / 460 - 461) من طرق عن الزهري عنه به. وإسناد البخاري في الموضع الأول: حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث: حدثنا عقيل عن ابن شهاب ... وإسناده في الموضع الآخر: حدثني يحيى بن بكير: حدثنا الليث به. وهو عند الآخرين من طرق أخرى عن الليث به. وتابعه يونس عن ابن شهاب الزهري به. أخرجه مسلم، وكذا البخاري. الثانية والثالثة: قال ابن شهاب: وعن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، إلا النهبة. أخرجه البخاري (5 / 91 و10 / 28) ومسلم من طريق يونس عنه به. وتابعه الأوزاعي عن الزهري به، إلا أنه قرن معهما أبا بكر بن عبد الرحمن. أخرجه مسلم، والنسائي. وأخرجه الدارمي (2 / 115) عن أبي سلمة وحده، وكذا رواه ابن أبي شيبة في " الإيمان " رقم (38 - بتحقيقي) . الرابعة: عن ذكوان عن أبي هريرة به، دون النهبة، وزاد:

" والتوبة معروضة بعد ". أخرجه البخاري (12 / 67 و 95) ومسلم والنسائي (2 / 254) وكذا أبو داود (2 / 270) والترمذي (2627) وأحمد (2 / 376 - 377 و 479) كلهم عن الأعمش عنه به. وتابعه القعقاع ويزيد بن أبي زياد عن أبي صالح به دون الزيادة، إلا أن الأول منهما ذكر النهبة، وأشار الأول إليها بقوله: " وذكر رابعة فنسيتها "، وزاد: " فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه ". وهذه زيادة منكرة تفرد بها يزيد هذا، وهو الهاشمي مولاهم، وفيه ضعف لسوء حفظه. الخامسة: عن همام عنه به نحوه، إلا أنه قال: " ولا ينتهب أحدكم نهبة ذات شرف يرفع إليه المؤمنون أعينهم فيها وهو حين ينتهبها مؤمن، ولا يغل أحدكم حين يغل وهو مؤمن، فإياكم إياكم ". أخرجه مسلم، وأحمد (2 / 317) . السادسة والسابعة: يرويهما صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار - مولى ميمونة - وحميد بن عبد الرحمن عنه. أخرجه مسلم، وأحمد من طريق آخر عن عطاء وحده كما يأتي قريبا. الثامنة : عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. أخرجه مسلم. التاسعة: عن قتادة عن الحسن وعطاء عنه.

أخرجه أحمد (2 / 386) ، وأخرجه مسلم من طريق آخر عن عطاء كما سبق قريبا. العاشرة: عن الأعرج عنه. دون الزيادات. أخرجه أحمد (2 / 243) ، وسنده صحيح على شرط الشيخين، وقال الترمذي عقب الحديث: " وفي الباب عن ابن عباس وعائشة وعبد الله بن أبي أوفى، (وقال:) حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". قلت: أما حديث ابن عباس، فأخرجه البخاري (12 / 67 و 65) والنسائي (2 / 254) من طريق الفضيل بن غزوان عن عكرمة عنه دون الزيادات المتقدمة، إلا أنه زاد في آخره: " ولا يقتل وهو مؤمن ". زاد البخاري في إحدى روايتيه: " قال عكرمة: قلت لابن عباس: كيف ينزع الإيمان منه؟! قال: هكذا - وشبك بين أصابعه ثم أخرجها - فإن تاب عاد إليه هكذا. وشبك بين أصابعه ". وأما حديث عائشة، فأخرجه أحمد (6 / 139) وابن أبي شيبة (رقم 39) ، بإسناد رجاله ثقات، لولا عنعنة ابن إسحاق. وأما حديث ابن أبي أوفى، فأخرجه ابن أبي شيبة (40 و 41) بسند حسن كما بينته في التعليق عليه، وأخرجه أحمد (4 / 352 - 353) أيضا. وروي من حديث ابن عمر أيضا، فقال ابن لهيعة: عن أبي الزبير قال: سألت جابرا: أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (فذكر فقرة الزنى والسرقة فقط) ؟ قال جابر: لم أسمعه . قال جابر: وأخبرني ابن عمر، وأنه قد سمعه.

أخرجه أحمد (3 / 3446) ، ورجاله ثقات لولا ضعف ابن لهيعة، وقد أورده الهيثمي في " المجمع " (1 / 100) عن ابن عمر مرفوعا بالفقرات الأربع، وقال: " رواه الطبراني في " الكبير " بطوله، والبزار، وروى أحمد منه: لا يزني الزاني ولا يسرق فقط، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة، وفي إسناد الطبراني معلى ابن مهدي، قال أبو حاتم: يحدث أحيانا بالحديث المنكر، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". ثم ذكر لهما شاهدين آخرين من رواية الطبراني من حديث عبد الله بن مغفل وأبي سعيد الخدري، فليراجعهما من شاء. واعلم أن الداعي إلى تخريج هذا الحديث المجمع على صحته عند أئمة الحديث من الشيخين وغيرهما أنني رأيت الشيخ زاهد الكوثري المعروف بعدائه الشديد لأهل السنة والحديث، قد علق عليه في حاشيته على كتاب " التنبيه " بما يشعر القارىء العادي أنه حديث ضعيف لا تقوم به حجة، فرأيت من الضروري القيام بهذا التخريج الذي يمكن به لكل قارىء أن يكشف ما في تعليقه عليه من تضليل القراء، بإفهامه إياهم خلاف الحقيقة من نواح يأتي بيانها، فقد قال في التعليق المشار إليه (ص 154) بعد أن ذكر حديثين آخرين صحيحين أحدهما حديث عبادة المتقدم آنفا، والآخر حديث أبي ذر المتقدم برقم (826) : " وإن سرق وإن زنى "، قال: " وأما حديث " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فأحط منهما في الصحة (!) بل أنكر بعض أهل العلم صحته بالمرة كما حكى ابن جرير، وفي سنده يحيى بن عبد الله بن بكير، وهو ممن لا يحتج به أبو حاتم، وقد ضعفه النسائي، لكن مشاه الجمهور وأولوا الحديث لمخالفة ظاهر معناه الكتاب والسنة والإجماع - راجع فتح الباري (12 - 47) ".

والرد عليه من وجوه: الأول: أنه ليس أحط منهما في الصحة، بل هو أعلى منهما فيها، كيف لا وهو قد رواه سبعة من الصحابة وهم أبو هريرة ولحديثه وحده عشرة طرق عنه كما تقدم بيانه! وابن عباس، وعائشة، وابن أبي أوفى، وابن عمر، وعبد الله بن مغفل، وأبو سعيد الخدري. وأما حديث أبي ذر، فله عنه ثلاث طرق فقط، وله شاهد من حديث أبي الدرداء ضعفه البخاري، وآخر من حديث سلمة بن نعيم عند الإمام أحمد. وأما حديث عبادة، فله عنه ثلاث طرق أيضا، ولم أجد له شاهدا في المصادر المتوفرة لدي الآن. إذا عرفت هذا أيها القارىء الكريم يتبين لك بجلاء لا غموض فيه بطلان قول الكوثري إن حديث الترجمة أحط من الحديثين المشار إليهما في الصحة ! إذ كيف يعقل ذلك وقد عرفت أنه أكثر منهما طرقا وشواهد؟ وهذا القول منه في الحقيقة مما يؤكد أن الرجل - مع علمه - لا يوثق بأقواله، لأنه يتبع هواه فيدفعه إلى أن يهرف بما لا يعرف، أو إلى أن ينحرف عما يعرف، فيجعل المرجوح راجحا، أو المفضول فاضلا، وبالعكس، نسأل الله العافية. الثاني: هب أنه أحط منهما في الصحة، فذلك مما لا يقدح فيه عند أهل المعرفة بهذا العلم الشريف ، ألا ترى أن الحديث الحسن لغيره أحط في الثبوت من الحسن لذاته، وهذا أحط في الصحة من الصحيح لغيره، وهذا أحط من الصحيح لذاته، وهكذا يقال في المشهور والمستفيض مع المتواتر كما هو ظاهر، والكوثري لا يخفى عليه هذا، ولكنها المكابرة واتباع الهوى الذي يحمله على الغمز في الحديث الصحيح لمخالفته لمذهبه ، بل لهواه، كما يأتي بيانه!

الثالث: قوله: بل أنكر بعض أهل العلم صحته بالمرة كما حكى ابن جرير. فأقول: فيه تحريف خبيث لغاية في نفسه من المبالغة في تعظيم المنكر لصحة هذا الحديث، فإن نص كلام ابن جرير كما حكاه الحافظ عنه في المكان الذي أشار إليه الكوثري نفسه: " وأنكر بعضهم أن يكون صلى الله عليه وسلم قاله ". فقوله: " بعضهم " شرحه الكوثري بقوله: " بعض أهل العلم ". وهذا مما لا دليل عليه، فقد يكون المنكر الذي أشار إليه ابن جرير ليس عنده من أهل العلم الذين يستحقون أن يحشروا في زمرتهم، بل هو عنده من أهل الأهواء والبدع كالمرجئة ونحوهم، كما هو شأن الكوثري عندي، فتأمل كيف حرف هذا النقل عن ابن جرير لتضخيم شأن المنكر، مما يؤكد أنه لا يوثق بنقله عن العلماء، وكم له من مثله مما لا مجال الآن للإفاضة فيه. الرابع: قوله: وفي سنده يحيى بن عبد الله بن بكير، وهو ممن لا يحتج به أبو حاتم ... إلخ. قلت: وهذا أسوأ ما في هذا التعليق من الجور والطعن في الراوي الثقة، وفي حديثه بدون حجة ولا بينه، وإليك البيان: أولا: لقد اعتمد في الطعن في ابن بكير على كلام أبي حاتم والنسائي، وهو يعلم أنه طعن غير مفسر، وأن مثله لا يقبل، لاسيما إذا كان وثقه الجمهور، واحتج به الشيخان، ولذلك قال الذهبي: " ثقة صاحب حديث ومعرفة، يحتج به في " الصحيحين " (ثم ذكر كلام أبي حاتم والنسائي فيه ثم قال :) ووثقه غير واحد ". ثانيا: هب أن جرح من جرحه مقدم على توثيق من وثقه، فلا يلزم أن يكون

مجروحا في كل من روى عنهم، كما أن العكس غير لازم أيضا، أي لا يلزم من كون الراوي ثقة أن يكون ثقة في كل من روى عنهم، كما هو معلوم عند المشتغلين بهذا العلم، فقد يكون المجروح له نوع اختصاص ببعض الرواة والحفظ لحديثهم فيكون ثقة في مثلهم، وهذا الحديث قد رواه ابن بكير عن الليث كما تقدم في أول هذا التخريج، وقد قال ابن عدي فيه: " كان جار الليث بن سعد، وهو أثبت الناس فيه، وعنده عن الليث ما ليس عند أحد ". وقد لاحظ الحافظ ابن حجر اختصاصه المذكور بالليث، فقال في " التقريب ": " ثقة في الليث، وتكلموا في سماعه من مالك ". فتأمل أيها القارىء الكريم كيف كتم الكوثري الاختصاص المذكور الذي لا يسمح مطلقا بجرح ابن بكير في روايته عن الليث خاصة، فما أجرأه على كتمان الحق، والتدليس على الناس. ثالثا: هب أنه مجروح مطلقا حتى في روايته عن الليث، فجرحه ليس لتهمة في نفسه، وإنما لضعف في حفظه يخشى أن يعرض له في بعض حديثه، وهذه الخشية منفية هنا، لأنه قد تابعه سعيد بن عفير قال: حدثني الليث به كما تقدم أيضا من رواية البخاري. وتابعه آخرون عند مسلم وغيره كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مطلع هذا التخريج، فماذا يقال عن هذا الكوثري الذي تجاهل هذه المتابعات كلها وهي بين يديه وعلى مرأى منه، ثم كيف تجاهل الطرق الأخرى عن سائر الصحابة الذين تابعوا أبا هريرة رضي الله عنهم جميعا، لقد تجاهل الكوثري كل هذه الحقائق، ليوهم القارىء أن الحديث تفرد به ابن بكير وأنه متكلم فيه، وأن الحديث ضعيف، وهو صحيح مستفيض، إن لم نقل إنه متواتر. فالله تعالى يعامله بما يستحق، فما رأيت له شبها في قلب الحقائق وكتمانها إلا السقاف والهدام!

رابعا: ولا يفيده شيء قوله: " لكن مشاه الجمهور "، لأنه من قبيل التضليل والتغطية لعورته! لأنه إن كان معهم في تمشية حاله والاحتجاج بحديثه، فلماذا نقل تضعيفه عن أبي حاتم والنسائي؟! وما المراد من التعليق كله حينئذ؟! ولكن الحقيقة أن الكوثري يماري ويداري، ويتخذ لنفسه خط الرجعة إذا ما رد عليه أحد من أهل العلم! خامسا: قوله: وأولوا الحديث ... إلخ. قلت: وماذا في التأويل إذا كان المقصود منه التوفيق بين نصوص الشريعة، وهل هو أول حديث صحيح يؤول؟! فماذا يفعل الكوثري بقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه "؟ متفق عليه. وقد مضى تخريجه رقم ( 73) وقوله: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، الذي لا يأمن جاره بوائقه ". رواه البخاري. والحقيقة أن الحديث وإن كان مؤولا، فهو حجة على الحنفية الذين لا يزالون مصرين على مخالفة السلف في قولهم بأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فالإيمان عندهم مرتبة واحدة، فهم لا يتصورون إيمانا ناقصا، ولذلك يحاول الكوثري رد هذا الحديث، لأنه بعد تأويله على الوجه الصحيح يصير حجة عليهم، فإن معناه: " وهو مؤمن إيمانا كاملا ". قال ابن بطال: " وحمل أهل السنة الإيمان هنا على الكامل، لأن العاصي يصير أنقص حالا في الإيمان ممن لا يعصي ". ذكره الحافظ (10 / 28) . ومثله ما نقله (12 / 49) عن الإمام النووي قال: " والصحيح الذي قاله المحققون أن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل

الإيمان، هذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء، والمراد نفي كماله، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا ما نيل، ولا عيش إلا عيش الآخرة ". ثم أيده الحافظ في بحث طويل ممتع، فراجعه. ومن الغرائب أن الشيخ القارىء مع كونه حنفيا متعصبا فسر الحديث بمثل ما تقدم عن ابن بطال والنووي، فقال في " المرقاة " (1 / 105) : " وأصحابنا تأولوه بأن المراد المؤمن الكامل.. "، ثم قال: " على أن الإيمان هو التصديق، والأعمال خارجة عنه "! فهذا يناقض ذاك التأويل. فتأمل.

الاستدراكات 1- صفحة 702، تحت الحديث (2796) : ثم استدركت فقلت: أولًا: حديث طلحة من رواية سليمان بن أيوب، قد أخرجه من طريقه الضياء في "المختارة" (3/43/848) . ثانيًا: حديث أنس أخرجه ابن عساكر (8/548) من طريق أبي نعيم عند الطبراني بسنده الضعيف عمن سمع أنس بن مالك: يعني طلحة يوم أحد. أقول: فلعل عزو السيوطي حديث أنس هذا للطبراني إنما هو تسليم منه لرواية ابن عساكر إياه عنه، ومثل هذا يفعله هو وغيره كثيرًا، والله أعلم. ثالثًا: حديث الزهري أخرجه ابن عساكر أيضًا (549) من طريق الوليد بن مسلم: حدتني الليث عن (الأصل: بن) عقيل عن ابن شهاب الزهري به. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، فهو شاهد قوي لما تقدم. وللحديث طريق أخرى عن طلحة، أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (2/745/1294) : ثنا هشيم قال: أنا إبراهيم بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عن موسى بن طلحة: أن طلحة ضربت كفه يوم أحد ... وهذا صورته صورة المرسل. وتابعه أبان بن سفيان: نا هشيم به، إلا أنه قال: عن أبيه ... فوصله. أخرجه ابن عساكر (8/247-548) من طريق الدارقطني، وقال: "قال الدارقطني: تفرد به هشيم، وهو قديم حديثه". ثم رواه ابن عساكر من طريق الحافظ عبد الله بن سليمان بن الأشعث من

طريق أبان بن سفيان، إلا أنه قال: (إبراهيم بن محمد بن طلحة) مكان (إبراهيم ابن عبد الرحمن مولى آل طلحة) . قلت: وهذا لم أعرفه، فقول المعلق على "الفضائل": "إسناده صحيح"؛ لا أدري وجهه! والذي قبله تابعي من رجال مسلم، مات سنة (110) ، وهشيم لم يدركه؛ مات سنة (183) ، وكان يدلس. وله إسناد آخر يرويه عن أبي حمزة عمران بن أبي عطاء، وتابعه صفوان بن عمرو قال: حدثني أبو حمزة مولى أبي مريم الغساني قال: كان طلحة.. أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/2577) ، وهو مرسل أيضًا؛ أبو حمزة هذا تابعي ثقة. 2- صفحة 948، تحت الحديث (2902 - هامش) : ثم رأيته في "جامع المسانيد" للحافظ ابن كثير، ذكره (1/196/173) من طريق علي بن عياش فقط. وقد عزاه المعلق عليه الدكتور قلعجي لأحمد في "مسنده" (3: 417) ! هكذا بالجزء والصفحة! ولست أدري -والله- أهذا من أوهامه، أم من تشبعه بما لم يعط؛ كما يفعل بلديه الشيخ الصابوني؟ فإنه لا يوجد في المكان المشار إليه من "المسند" إلا حديث تخطي الرقاب الآتي ذكره (ص 951) ، وذكره ابن كثير قبيل هذا! 3- صفحة 1047، تحت الحديث (2934) : قوله في حديث الدجال: "وإنه يمطر السماء، وتنبت الأرض". كذا وقع في "مصنف ابن أبي شيبة"، وفي "الدر النثور" (5/355) معزوًا إليه: " ... وتنبت الأرض"، بحذف (لا) النافية: وفي "المسند" و"السنة": " ... ولا ينبت الشجر"، فأثبت (لا) ، وذكر "الشجر" مكان "الأرض"، وكذا في "كنز العمال" (14/605) برواية البغوي.

ولعل الصواب هذا الأخير: إثبات (لا) ؛ لاتفاق المصادر المذكورة عليها، إلا "الدر"، فيكون قد سقط منه؛ من الناسخ أو الطابع، وإثبات "الشجر" مكان "الأرض"، وأما رواية "المصنف": "ولا تنبت الأرض"، فهي شاذة لمخالفتها لحديث النواس الطويل: "فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت..". رواه مسلم وغيره، ومضى تخريج طرف منه (1/869 و4/383) ، وهو بتمامه في "صحيح الجامع" (4042) . ومثله في حديث أبي أمامة الطويل عند ابن ماجه وغيره، ومضى تخريجه برقم (2457) ، وهو في "صحيح الجامع"، برقم (7752) محذوف ما لم أجد له شاهدًا. ثم أفرزته في رسالة خاصة بعنوان (قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه في آخر الزمان) ، وضممت إليه ما صح فيها عن غيره من الصحابة. وأما رواية: "ولا ينبت الشجر"، فلا تخالف رواية "وتنبت الأرض"، لأنها أخص منها، فيكون المراد: ما تنبته الأرض من العشب لا الشجر، وهذا المعنى يكاد أن يكون صريحًا في تمام حديث النواس: "فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرًا، وأسبغه ضروعًا، وأمده خواصر ... ". 4- صفحة 1113، تحت الحديث (2957) : أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (134 و135/الروض النضير) بإسنادين أحدهما ضعيف، وهو مخرج في "الضعيفة" (5765) لزيادة في متنه، والآخر -وهذا متنه-، ورجاله ثقات رجال البخاري؛ غير شيخ الطبراني (كوشاذ ابن شهردان) ، ولم أجد له ترجمة، وقد ذكره أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/167) ، لروايته هذا الحديث عن شيخه الطبراني، ولم يذكر فيه شيئًا آخر، فهو في عداد المجهولين، وقد فات هذا الإسناد الحافظ الهيثمي، فلم يذكره في "المجمع" إلا بالإسناد الأول!

وأصله في "صحيح البخاري" مطولًا (5466) عن الوجه الثاني بنحوه، وله طرق كثيرة عن أنس في "الصحيحين" وغيرهما، وقد مضى تخريج أحدها تحت الحديث (3148) . 5- الصفحة 1131، تحت الحديث (2963) : ثم طبع كتاب "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" لابن أبي عاصم، في سنة (1415) تحقيق أخينا حمدي السلفي، فرأيت الحديث فيه كما تقدم برواية الديلمي عنه، إلا أنه وقع فيه مكان (.. ابن أزهر) ( ... ابن زاهر) ، فلم أعرفه، لكن يحتمل أنه (محمد بن زاهر ابن أخي خيثمة زهير بن حرب) ، فإنه من هذه الطبقة، وقد ترجمه ابن أبي حاتم، والخطيب (5/289) ، وابن عساكر (15/ 327) فإن يكن هو فالإسناد جيد، فإن سائر رجاله ثقات على ضعف في بعضهم. ثم قال ابن أبي عاصم (54/70) : حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم: حدثنا الحسين بن محمد: حدثنا شيبان عن قتادة عن أنس بن مالك عن أبي طلحة مرفوعًا بلفظ حديث (أبي العوام) المتقدم (ص 1126) ؛ دون قوله: "فإنما أنا رسول من المرسلين". ورواه ابن أبي حاتم عن شيخه علي بن الحسين بن الجنيد: حدثنا أبو بكر الأعين ومحمد بن عبد الرحيم -صاعقة- قالا: حدثنا حسين بن محمد به. كما في "تفسير ابن كثير" (4/25) . قلت: فهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، والحسين بن محمد هو ابن بهرام التميمي المرُّوزي، وشيبان هو ابن عبد الرحمن النحوي، فصح الحديث والحمد لله.

سلسة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها تأليف محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله المجلد السابع القسم الأول مكتبة المعارف للنشر والتوزيع لصاحبها سعد بن عبد الرحمن الراشد الرياض

الطبعة الأولى 1422هجري -2002م

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الناشر الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد؛ فإنه كان من توفيق الله لي أن شرفني بالمشاركة في خدمة سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فكنت ناشراً لهذه السلسلة الذهبية، والدراري المضية، من الأحاديث الصحيحة النبوية، للشيخ المجدد الإمام، المحدث الفذ الهمام، محمد ناصر الدين الألباني، أبي عبد الرحمن، رحمه الله وأسكنه فسيح الجنان. وها هو بين يديك- أخي القارئ- آخر ما كتب الشيخ من "السلسلة الصحيحة"، وهو يضم المجلد السابع (3001- 3500) ، والمجلد الثامن (3501- 4000) ، وبداية المجلد التاسع (4001- 4035) ، وننبه هنا أننا وجدنا قفزاً في الترقيم في المجلد الثامن بعد الحديث (3624) إلى (3937) ، وقفزاً آخر في المجلد التاسع (4006- 4033) - لم نعلم سببهما- فسقط بذلك (340) حديثاً، وقد رأينا الإبقاء على هذا الوضع لأهمية الترقيم الذي كان يعتمده الشيخ رحمه الله، حيث إنه يحيل في كتبه على أرقام الأحاديث التي يحققها ويرقمها بترقيمه الخاص. ونظرأ لكثافة مادة هذا الكم من الأحاديث رأينا تقسيمها إلى ثلاثة مجلدات. ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا المجلد يمثل- بطبيعة الحال- خاتمة ما توصل إليه الشيخ من أسس وقواعد منهجه في البحث والتحقيق في مجال هذا العلم

الشريف، وعصارة فكره وفقهه، وكل هذا يجده القارئ في هذا الكتاب- بأقسامه الثلاثة- الزاخر بالأبحاث الحديثية والفقهية القيمة، والردود العلمية، مما فتح الله به على الشيخ رحمه الله تعالى وأجزل له المثوبة. ويحسن التنبيه هنا إلى أن الشيخ رحمه الله قد ذكر حديثين برقمي (3106، 3528) ، ثم عَدَلَ عن تصحيحهما ونَقَلَهُمَا إلى "الضعيفة" (6720، 5848) ، وقد أشار الشيخ إلى نقل الأول منهما، وأشرنا إلى نقل الآخر في مكانه. وأخيراً؛ فقد قمنا بطباعة الكتاب كما هو في أصل الشيخ، مع تصويب ما لا ينجو منه بشر من خطأ ظاهر، وقمنا بصنع فهارسه العلمية على نحو ما كانت تصنع في حياة الشيخ- على قدر الإمكان- وذلك بالتعاون مع بعض إخواننا من طلبة العلم، جزاهم الله خيراً. والله نسأل أن ينفع بهذا المجلد- كما نفع بما سبقه- المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وأن يجزل للشيخ المثوبة، وينعم عليه بالمغفرة، إنه سميع مجيب. وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين. الناشر 8 جمادى الآخرة 1421هـ *

3001

3001- (إنْ أُدْخِلْتَ الجنَّةَ أُتِيتَ بفَرسٍ من ياقُوتَة لهُ جناحانِ، فَحُمِلْتَ عليهِ ثُمَّ طار بِكَ حيثُ شِئْتَ) . أخرجه الترمذي (2547) ، والطبراني (4/215/4075) ، وعنه أبو نعيم في "صفة الجنة" (261/423) من طريق واصل بن السائب عن أبي سَوْرة عن أبي أيوب قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي، فقال: يا رسول الله! إني أحب الخيل، أفي الجنة خيل؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن، ليس إسناده بالقوي، ولا نعرفه من حديث أبي أيوب إلا من هذا الوجه، وأبو سورة- هو ابن أخي أيوب- يُضعَّف في الحديث، ضعّفه يحيى بن معين جداً، قال: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: أبو سورة هذا منكر الحديث؛ يروي مناكير عن أبي أيوب لا يتابع عليها ". قلت: وواصل أيضاً ضعيف كما في "التقريب ". فإن قيل: كيف يحسن الترمذي الحديث مع تضعيفه لإسناده؟! والجواب: أنه لا غرابة في ذلك؛ لأن التحسين المذكور إنما هو بالنظر لشواهده، وقد ساق الترمذي أحدها في الباب من طريق عاصم بن علي: حدثنا المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه: أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هل في الجنة من خيل؟ قال: "إن الله أدخلك الجنة؛ فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت ".

قال: وسأله رجل فقال: يا رسول الله! هل في الجنة من إبل؟ قال: فلم يقل له مثلما قال لصاحبه، قال: "إن يدخلك الله الجنة؛ يكن لك فيها ما اشتهت نفسك، ولذّت عينك ". حدثنا سويد بن نصر: أخبرنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه. وهذا أصح من حديث المسعودي. قلت: واسناد الموصول ضعيف؛ لضعف المسعودي، ونحوه عاصم بن علي، إلا أن هذا قد توبع؛ فقال أحمد (5/352) : ثنا يزيد: ثنا المسعودي به. وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة (13/107/15838) ، وأخرجه الطيالسي (108/806) ، وأبو نعيم (425) ، والبيهقي في "البعث " (435- 437) . وأما المرسل فإسناده صحيح، فهو شاهد قوي لحديث الباب. وللحديث شاهد آخر موصول من حديث عبد الرحمن بن ساعدة رضي الله عنه مرفوعاً. قال المنذري (4/269) ، ثم الهيثمي (10/413) : "رواه الطبراني؛ ورواته ثقات ". وقد أخرجه أبو نعيم (424) ، وفي "معرفة الصحابة " (2/48/ 1) ، والبيهقي (439) من طرق عن حَنَش بن الحارث عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن ساعدة. ولم يذكر أبو نعيم في رواية له (عبد الرحمن بن ساعدة) . وقال البيهقي: "ورواه الثوري عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ".

3002

وأشار إلى ترجيحها، وهو ما رجحه الترمذي أنفاً. وقال الحافظ في ترجمة (عبد الرحمن بن ساعدة) من "الإصابة ": " وهو المحفوظ ". وهكذا رواه ابن المبارك في "الزهد" (77/ 271- نعيم) ، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (78/244) من طريق سفيان به مرسلأ. والخلاصة: أنه إذا ضم إلى هذا المرسل الصحيح حديث المسعودي المسند عن بريدة رضي الله عنه؛ ارتقى الحديث إلى درجة الحسن على أقل تقدير. والله سبحانه وتعالى أعلم. وللجملة الأخيرة من حديث بريدة شاهد من حديث المغيرة بن شعبة في حديثه المرفوع في أدنى أهل الجنة منزلة بلفظ: "فقال في الخامسة: رضيت رب! فيقول: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك.. " الحديث. أخرجه مسلم (1/ 121) . * 3002- (إنَّ الحُورَ في الجنَّةِ يَتَغَنَّينَ يَقُلْنَ: نَحْنُ الحُورُالحِسَان هدِينا لأزواجٍ كرام) . أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/1/16) ، وابن أبي داود في "البعث والنشور" (رقم: 75) ، والطبراني في "الأوسط " (6642) من طرق عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن عون بن الخطاب بن عبد الله بن رافع عن ابنٍ لأنس

ابن مالك: أنَّ أنس بن مالكٍ ... مرفوعاً. وعون هذا لم يذكر فيه البخاري جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك صنع ابن أبي حاتم (3/1/386) ، ولعله في "ثقات ابن حبان "، فإن يدي لا تطوله الآن (¬1) . وظني أن الهيثمي أشار إلى توثيق ابن حبان إياه بقوله في "المجمع " (10/419) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، ورجاله وثقوا ". وابنُ أنسٍ- رضي الله عنه-: لم يُسَمَّ (تنبيه) : قد ذكر الطبراني أن الحسن بن داود المنكدري تفرد به عن ابن أبي فديك، وهذا إنما هو بالنسبة لما أحاط علمه، وإلا فهو عند غيره من غير طريقه عنه كما أشرت إلى ذلك بقولي المتقدم: "من طرق ". وكذلك رواه أبو نعيم، ومن طريقه: الضياء المقدسي في "صفة الجنة" (3/182) ، وابن أبي الدنيا كما في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح" (2/4) . ثم إن الحديث قد روي من حديث عبد الله بن عمر، وعلي بن أبي طالب، وأبي أمامة الباهلي، وعبد الله بن أبي أوفى، وقد خرجتها وتكلمت على أسانيدها في "الروض النضير" برقم (496) ، وأقواها حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات، ما سمعها أحد قط، إن مما يغنين: نحن الخَيْرات الحسان أزواج قوم كرام ينظرن بِقُرّة أعيان. ¬

(¬1) ثم رأيته فيه (7/279) .

3003

وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا يَمُتْنَهْ نحن الآمنات فلا يَخَفْنَهْ نحن المقيمات فلا يَظْعَنَّهْ". رواه الطبراني في "الصغير" و"الأوسط " (رقم 5049) ، ومن طريقه أبو نعيم في "صفة الجنة " (ق 59/ 1- 2) ، وكذا الواحدي في "الوسيط " (1/11/1) ، ورجاله ثقات رجال الستة؛ غير شيخ الطبراني أبي رفاعة عُمارة بن وَثِيمة المصري؛ فإني لم أجد له ترجمة كما كنت ذكرت في "الروض "؛ خلافاً لما يوهمه إطلاق المنذري والهيثمي. * من آداب الاستئذان 3003- (كانَ إذا جاءَ البابَ يستأذِنُ لم يستقبِلْهُ، يقولُ: يمشي مع الحائطِ حتى يستأذِنَ فَيُؤذنُ لهُ أو ينصرِفُ) . أخرجه الإمام أحمد (4/189- 190) وابنه عبد الله (4/189- 190) قال: حدثني أبي: ثنا الحكم بن موسى- قال عبد الله: وسمعته أنا من الحكم-: ثنا بقية قال: وحدثني محمد بن عبد الرحمن اليَحْصَبي قال: سمعت عبد الله بن بُسْر صاحب النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... فذكره. وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1078) ، وأبو داود (5186) من طرق أخرى عن بقية به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات قد صرح فيه بقية بالتحديث، ولا يضره قول ابن حبان في "الثقات " عن اليحصبي هذا:

"لا يعتد بحديثه ما كان من حديث بقية، ويحيى بن سعيد دونه؛ بل يعتبر بحديثه من رواية الثقات عنه ". قلت: وذلك لأمرين: الأول: أن بقية قد صرح بالتحديث كما عرفت، وإنما يخشى من عنعنته، وقد زالت. والآخر: أنه قد تابعه إسماعيل بن عياش قال: ثنا محمد بن عبد الرحمن الحميري به، ولفظه: " كان إذا أتى بيت قوم أتاه مما يلي جداره، ولا يأتيه مستقبل بابه " أخرجه أحمد أيضاً، وكذا ابنه عبد الله بإسنادهما السابق: ثنا الحكم: ثنا إسماعيل بن عياش به. وهذا إسناد صحيح؛ فإن ابن عياش ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها؛ فإن محمد بن عبد الرحمن هذا- وهو ابن عِرْق، شامي حمصي- قال دُحيم: "ما أعلمه إلا ثقة". ووثقه ابن حبان أيضاً كما تقدم. وقد رواه من طريقه الطبراني في "الكبير" بلفظ: عن عبد الله بن بسر: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تأتوا البيوت من أبوابها، ولكن ائتوها من جوانبها فاستأذنوا، فإن أذن لكم فادخلوا؛ وإلا فارجعوا ".

3004

قال الهيثمي (8/44) : "رواه الطبراني من طرق، ورجال هذا رجال "الصحيح "؛ غير محمد بن عبد الرحمن بن عرق، وهو ثقة". وقال المنذري (3/273) "رواه الطبراني في "الكبير" من طرق أحدها جيد". قلت: وأنا أخشى أن يكون شاذاً بهذا اللفظ؛ لأنه مخالف للفظ الأول؛ فإنه من قوله صلى الله عليه وسلم، وذاك من فعله، وقد اتفق عليه ثقتان، فلينظر. ولعل من هذا القبيل زيادة أبي داود في اللفظ الأول: "يقول: السلام عليكم، السلام عليكم. وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذٍ ستور". وظني أنها مدرجة. والله أعلم. * 3004- (كانَ في [مَفْرِقِ] رَأْسِهِ شَعَرَاتٌ إذا دَهَنَ رأسَهُ لم تَتَبيَّنْ، وإذا لم يَدهنْهُ تَبيَّنَ) . أخرجه الطيالسي في "مسنده " (2417- ترتيبه) : حدثنا شعبة عن سماك ابن حرب قال: سمعت جابر بن سمرة، وذكر شيب النبي صلى الله عليه وسلم قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه في "صحيحه " (2344) ، والترمذي في " الشمائل " رقم (37- طبع سوريا) ، والنسائي في " الزينة " (8/150) ، وابن سعد في "الطبقات " (11/433) ؛ كلهم عن الطيالسي به.

3005

وتابعه حماد بن سلمة عن سماك به نحوه، والزيادة له. أخرجه الترمذي (43) ، والحا كم (2/607) ، وأحمد (5/ 90 و 92 و95 و100 و 103 و104) من طرق عنه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وحقه أن يقولا: "على شرط مسلم ". * 3005- (كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد شَمِطَ مُقدَّمُ رأسِهِ ولحيتِهِ، فإذا ادَّهَنَ ومشَطَ لم يتبيَّنْ، وإذا شَعِثَ رأسُهُ تَبَيَّنَ، وكانَ كَثِيرَ الشَّعرِ واللّحيةِ، فقالَ رجُلٌ: وَجهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ؟ قال: لا، بلْ كانَ مِثْلَ الشَّمسِ والقَمَرِ مُسْتدِيراً؛ قال: ورأيتُ خَاتمهُ عِندَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الحمامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ) . أخرجه مسلم (2344) ، وأحمد (5/104) من طرق عن إسرائيل عن سماك: أنه سمع جابر بن سمرة يقول ... فذكره. وعزاه النابلسي في "الذخائر" للنسائي في "الزينة "، ولعله من أوهامه؛ فإنه ليس فيه، وكان من الممكن أن يكون فيه من "الكبرى" له، ولكن الحافظ المزي في "تحفة الأشراف " لم يعزه إلا لمسلم! ثم رأيته فيه (8/50) بالقطعة الأولى منه. * 3006- (كانَ أحَبَّ الشَّرَابِ إليهِ صلى الله عليه وسلم الحُلوُ البارِدُ) . أخرجه أحمد (6/38، 40) : ثنا سفيان عن معمر عن الزهري عن عائشة قالت: ... فذكرته.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وسفيان هو ابن عيينة، ومن طريقه أخرجه الترمذي في "الشمائل " (رقم- 205) ، وأبو الشيخ في "أخلاقه صلى الله عليه وسلم " (ص 227 و 228) ، والحاكم (4/137) وصححه، والترمذي أيضاً في "السنن " (رقم- 1896) ، وأعلّه بالإرسال فقال: "هكذا روى غير واحد عن ابن عيينة عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة، والصحيح ما روي عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً". ثم ساقه من طريق عبد الله بن المبارك: أخبرنا معمر ويونس عن الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل: أي الشراب أطيب؟ قال: "الحلو البارد". وقال: "وهكذا روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهذا أصح من حديث ابن عيينة رحمه الله ". وما ذكره عن عبد الرزاق هو كذلك في "مصنفه " (10/426) مرسلاً، وهو الأرجح من الروايتين عن الزهري. وقد ذكر الحاكم للرواية الموصولة شاهداً من طريق عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة بن الزبير: ثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة به. وكذلك أخرجه أبو الشيخ. قلت: ولكنه لا يصلح شاهداً لشدة ضعفه، ولذلك تعقبه الذهبي بقوله عقبه: "قلت: عبد الله هالك ". وقال ابن حبان في "المجروحين " (2/11) : "يروي عن هشام بن عروة، روى عنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، ويأتي عن هشام بن عروة ما لم يحدِّث به هشام قط، لا يحل كتابة حديثه ولا الرواية عنه ".

3007

قلت: فهو بهذا اللفظ منكر عن هشام بن عروة، والمحفوظ ما رواه أبو أسامة وغيره عن هشام به بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل ". أخرجه أحمد (6/59) ، والشيخان وغيرهما، وهو مخرج في كتابي الجديد " مختصر الشمائل النبوية" (164) . لكني وجدت لحديث الترجمة شاهداً من رواية إسماعيل بن أمية عن رجل عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الشراب أطيب؟ قال: "الحلو البارد". أخرجه أحمد (1/338) . قلت: ورجاله إسناده رجال "الصحيحين "؛ غير الرجل الذي لم يُسمَّ، وهو تابعي، فمثله يستشهد به. والله أعلم. وقد تقدَّم الحديث مخرجاً - في المجلد الخامس برقم (2134) -؛ فاقتضى التنبيه. * 3007- (سيكونُ بعدي خلفاءُ يَعملونَ بما يَعلمونَ، ويَفعلون ما يُؤمرُونَ، وسيكونُ بعدي خلفاءُ يَعملونَ بما لا يَعلمون، ويَفعَلون ما لا يُؤمرونَ، فمن أنكرَ عليهم برئَ، ومن أمسك بيده سلم، ولكنْ من رضِيَ وتابع) . أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (4/1413) : حدثنا أبو بكر بن زنجويه: نا أبو المغيرة عبد القدوس: نا الأوزاعي: حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وأخرجه البيهقي في "السنن " (8/157- 158) من طريق أبي المغيرة وغيره عن الأوزاعي به. وكذا أخرجه ابن حبان (8/229/6624و6625) . قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي بكر هذا، واسمه محمد بن عبد الملك بن زنجويه البغدادي، وهو ثقة اتفاقاً. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمر، رواه الطبراني في "الأوسط "؛ لكن فيه مسلمة بن علي، وهومتروك كما في "المجمع " (7/270) . ولآخره شاهد آخر من حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعاً بلفظ: " ستكون أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن عرف (وفي رواية: كره) برئَ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع ". قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا؛ ما صلوا". رواه مسلم (6/23) ، وأبو عوانة (4/ 471- 473) ، والبيهقي أيضاً، وأبو داود (4760) ، والترمذي (2266) وقال: "حديث حسن صحيح "، وأحمد (6/295 و 302 و305 و 306 و 321) ، ومن طريقه: المزي في "تهذيبه "، والطبراني في "الكبير" (23/331) من طريق ضَبَّة بن محصن عنها. (تنبيه) : وقع في آخر حديث أم سلمة هذا في "صحيح الجامع " (3618) زيادة: "لم يبرأ"، ولا أصل لها عند أحد ممن ذكرنا، فلتُحذفْ. ثم بعد سنين من هذا التخريج، وقفت على طعن في إسناد حديث أم سلمة هذا من محقق "رياض الصالحين " المدعو حسان عبد المنان، فقد علق على الحديث بقوله (ص 89/129) :

"في صحته نظر؛ فإن في إسناده ضبة بن محصن، وفيه جهالة حال، ولم أر له غير هذا الحديث مما اتصل إليه بإسناد صحيح "! فأقول- والله المستعان-: لقد كنت أسمع عن هذا الرجل ومجازفاته في الطعن في الأحاديث الصحيحة، وأنه وضع لنفسه قواعد- بزعمه- ينطلق منها في تضعيفها، وأحيانأ يتساهل فيقويها- اتباعاً للهوى- غير ملتزم في ذلك القواعد العلمية التي وضعها العلماء، فكنت أتريث حتى نجد من آثاره ما ندينه به؛ حتى صدر كتابه، فتأكدت من ذلك، وصدَّق الخُبر الخَبر، ولا أريد الإفاضة في ضرب الأمثلة، فالمجال ضيق الآن، فحسبنا الآن قوله المذكور أعلاه؛ فإنه يكفي للدلالة على ما تقدم، وذلك من وجوه: الأول: زعمه أن ضَبة بن محصن مجهول الحال؛ فإنه مما لم يقله قبله أحد، ولا هو مما يساعد عليه قواعد هذا العلم وصنيع الحفاظ العارفين به. الثاني: أن ضبة هذا قد وثقه ابن حبان، وقال الحافظ ابن خلفون الأندلسي: "ثقة مشهور"، وكذلك وثقه كل من صحّح حديثه؛ إما بإخراجه إياه في "الصحيح" كمسلم وأبي عوانة؛ أو بالنص على صحته كالترمذي. الثالث: أنه قد روى عنه جمع من الثقات مثل عبد الرحمن بن أبي ليلى، والحسن البصري، وقتادة، وميمون بن مهران، فلو أنه لم يوثقه من سبق ذكرهم لكانت رواية هؤلاء الثقات عنه كافيةً في إثبات عدالته، والاحتجاج بحديثه؛ ما دام أنه لم يرو منكراً، ولا سيما وهو من التابعين إن لم يكن من كبارهم؛ كما يدل على ذلك صنيع الحفاظ المتأخرين في أمثالهم، ولذلك صرح الذهبي في

" الكاشف " بأنه: "ثقة "، والحافظ في " التقريب " بأنه: "صدوق ". الرابع: لو سلمنا جدلاً بأنه مجهول الحال- كما زعم مدعي التحقيق- فمثله يصحح حديثه؛ أو على الأقل يحسن بالشواهد والمتابعات التي منها حديث الترجمة، وإن كان ليس فيه جملة الصلاة، فإنه يشهد لها حديث عوف ابن مالك عند مسلم من طريق مسلم بن قَرَظَة عنه، وفيه: أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: "لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة". وقد مضى تخريجه برقم (907) ؛ إلا أن المحقق المزعوم أعلّه أيضاً بمثل ما أعلّ حديث أم سلمة، فقال في تعليقه عليه (218/501) : "في إسناده مسلم بن قرظة، وهو مجهول الحال. وانظر الحديث المتقدم برقم (129) ". يعني: حديث أم سلمة. وهذا مما يدل الباحث على أنه قد وضع لنفسه قاعدة تضعيف أحاديث الثقات الذين تفرد ابن حبان بتوثيقهم- في حد علمه- ولو كان أحدهم من رجال "الصحيح"، وروى عنه جمع من الثقات، ووثقه بعض الحفاظ المتأخرين! فالمحقق المزعوم- بجهله وعجبه وغروره- يضرب بكل ذلك عرض الحائط! فإن القول في ابن قرظة هذا وحديثه كالقول في ضبة بن محصن وحديثه، فقد روى عنه ثلاثة من الثقات: رزيق بن حيان، وربيعة بن يزيد، ويزيد بن يزيد بن جابر؛ كما في "تاريخ البخاري " (4/1/270 - 271) وساق له هذا الحديث، و"جرح ابن أبي حاتم " (4/1/192) ، و"ثقات ابن حبان " (5/396) ، و"تاريخ ابن عساكر" (16/482) ، ولذلك جزم الذهبي في "الكاشف " بأنه "ثقة "، وصحح حديثه هذا مسلم وأبو عوانة وابن حبان، وكذلك البيهقي بإقراره لتصحيح مسلم، ثم هو إلى ذلك من كبار التابعين المشهورين؛ كما يدل على

ذلك أقوال مؤلفي "الطبقات "؛ فقد روى ابن عساكر عن ابن سعد أنه أورده في (الطبقة الثانية) من تابعي الشام. وعن أبي زرعة الدمشقي أنه ذكره في الطبقة التي تلي أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهي العليا. وهكذا قال يعقوب الفسوي في "المعرفة" (2/333) . وقد احتج أحمد في عدم جواز الخروج على الأئمة بهذا الحديث، وذكر أنه جاء من غير وجه كما رواه عنه الخلال في "السنة" (1- 3/129- تحقيق الزهراني) . وجملة القول؛ أن الرجل واسع الخطو جداً في تضعيف الأحاديث الصحيحة دون الاعتماد على القواعد العلمية، وفي كثير من الأحيان يتشبث في التضعيف ببعض الأقوال المرجوحة، كما فعل في إعلاله لحديث أبي قتادة مرفوعأ (رقم 957) : "صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والباقية " بأن الراوي عن أبي قتادة- وهو عبد الله بن معبد الزماني- لا يعرف له سماع من أبي قتادة! وهو تابعي ثقة، والمعاصرة كافية في الاتصال، ولم يُرْمَ بالتدليس، فلا أدري هل هو يجهل هذا؛ أم هو التجاهل؟! كما تجاهل الشواهد التي تؤكد صحته، وقد خرجته مع شواهده في "إرواء الغليل " (4/108- 110) . وقد وصل به التجاهل والطغيان في التضعيف للأحاديث الصحيحة إلى أن ضعف حديث العرباض بن سارية: "أوصيكم بتقوى الله.. " الحديث، وفيه: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، عَضّوا عليها بالنواجذ.. " الحديث. قال (ص 79) : " صححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وضعفه ابن القطان لجهالة حال عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وإليه أميل "!

كذا قال- هداه الله- وقد تجاهل الحقائق التالية: الأولى: أن عبد الرحمن هذا روى عنه أيضأ جمع من الثقات، ووثقه ابن حبان، وذكره مسلمة في (الطبقة الأولى) من التابعين، ووثقه أيضأ كل الحفاظ الذين صرحوا بصحة حديثه- وهم جمع سيأتي تسميتهم- غير الثلاثة الذين سماهم هذا المكابر، وصرح الذهبي في "الكاشف " بأنه "صدوق ". الثانية: أنه لم يتفرد به؛ فقال الحاكم (1/97) : "وقد تابع عبد الرحمن بن عمرو على روايته عن العرباض اثنان من الثقات الأثبات من أئمة أهل الشام: حجر بن حجر الكلاعي ويحيى بن أبي المطاع القرشي ". ثم ساق إسناده إليهما، وقال عقب ذلك: "وقد صح هذا الحديث والحمد الله ". ووافقه الذهبي. قلت: وإسناده صحيح إلى يحيى القرشي، وهو ثقة، وقد صرح بالسماع من العرباض عند الحاكم وابن ماجه أيضاً وابن أبي عاصم. الثالثة: أنه صحح الحديث- غير الذين تقدم ذكرهم- جمع من الحفاظ مثل البزار، فقال: "حديث ثابت صحيح ". والهروي في "ذم الكلام "، فقال: "هذا من أجود حديث أهل الشام ".

وابن عبد البر حافظ المغرب؛ قال: "حديث ثابت ". ومنهم الضياء المقدسي في "جزء اتباع السنن واجتناب البدع ". وقد ذكرت أقوالهم بعد أن خرجت الحديث في "الإرواء" كما تقدم، وهو على علم بذلك؛ فإنه كثير الرجوع إلى هذا الكتاب وغيره من تأليفي والاستفادة منها كشيخه؛ كما يعلم ذلك كل من وقف على تخاريجهما، ثم "لا حمداً ولا شكوراً" كما يقال في بعض البلاد، وإنما هو الغمز واللمز وتتبع العثرات مقروناً بالحسد والحقد الدفين؛ كما ينبئك به عن ذلك اطلاقه على السلسلتين "الصحيحة" و"الضعيفة" كلما عزا إليهما قال: "صحيحته "، "ضعيفته "؛ تقليداً منه للمتعصب الحاقد الشيخ حبيب الأعظمي ثم الغماري الصغير: السقاف! "فيا عجباً لوبْر تدلى علينا من قَدوم ضال " (¬1) يتعالى على هؤلاء الحفاظ، ويخطئهم وهو كما قيل: "ليس في العير، ولا في النفير"، وما ذلك منه إلا تشوفاً وحباً للظهور، متجاهلاً قول العلماء: "حب الظهور يقصم الظهور". وذاك- والله- منتهى العجب والغرور! كيف ل؛ وهذا أستاذه ومعلمه- الذي يسبح بحمده! ويتمسح به ويداهنه، ويتفاخر بموافقته إياه في عشرات الأحاديث (¬2) - لم يسعه إلا أن يصرح بصحة الحديث في تعليقه على "صحيح ابن حبان/ الإحسان " (1/178- 179) ، و"السير" (3/420 و 17/283) ، ولو وجد سبيلاً- هو الآخر- للمخالفة لم يقصر!! فما أشبهه بذلك الضال السقاف الذي يضلل أئمة السلف، ويخالف الحفاظ؛ ¬

(¬1) من كلام أبان بن سعيد القرشي في قصته عند البخاري (4237- فتح) وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2434- 2435) . (¬2) انظر الاستدراك (11- ص 711) في آخر المجلد الثاني من "الصحيحة" الطبعة الجديدة.

فيضعّف ما صححوه من الأحاديث كحديث: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء"! ولا يكتفي بذلك؛ بل يخالف شيوخه الغماريين الذين صححوه أيضاً! كما تراه محققاً في الاستدراك رقم (12) في آخر المجلد الثاني من "الصحيحة" الطبعة الجديدة بفضل الله تعالى ومنته. (تنبيه) : ثم وقفت على حديث يخالف ظاهره حديث عوف بن مالك الناهي عن منابذة الأئمة والحكام بالسيف، فرأيت أن أبين حاله خشية أن يتشبث به بعض الجهلة من خوارج هذا الزمان، أو ممن لا علم عنده بهذا العلم الشريف وفقه الحديث، ألا وهو ما أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/39- 40) من طريق الهياج بن بسطام عن ليث عن طاوس عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: "سيكون أمراء تعرفون وتنكرون، فمن نابذهم نجا، ومن اعتزلهم سلم، ومن خالطهم هلك ". وهذا إسناد ضعيف بمرة؛ ليث- وهو ابن أبي سليم- ضعيف مختلط، والهياج ابن بسطام- وهو الخراساني- متفق على ضعفه؛ بل اتهمه ابن حبان؛ فقال: "يروي الموضوعات عن الثقات ". وبه أعله الهيثمي (5/228) . أقول: وهذا الحديث قد عزاه السيوطي لابن أبي شيبة أيضاً؛ يعني في "المصنف "، ولم أره فيه بعد البحث الشديد، فإن صح إسناده عنده أو غيره كان لا بد من تأويل قوله: "نابذهم " أي: بالقول والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لا بالسيف؛ توفيقاً بينه وبين حديث عوف كما تقتضيه الأصول العلمية والقواعد الشرعية، وان لم يصح نبذناه لشدة ضعف إسناده. والله سبحانه وتعالى أعلم. *

3008

3008- (يُؤْتَى بالرجلِ مِن أهلِ الجنةِ، فيقول [الله] له: يا ابنَ آدمَ! كيف وجدتَ مَنزلَكَ؟ فيقول: أيْ ربِّ! خيرَ منزلِ، فيقول: سَلْ وتمنَّ، فيقولُ: ما أسألُ وأتمنى؟ إلا أن تَرُدَّني إلى الدنيا فَأُقتَلَ في سبيلكَ عشرَ مراتٍ، لما يرى من فضل الشهادة (وفي طريق بلفظ: من الكرامة) . وُيؤتَى بالرجل من أهلِ النارِ، فيقول [الله] له: يا ابن آدم! كيف وجدت منزلكَ؟ فيقول: أي ربِّ! شرَّ منزلٍ، فيقول [الربُّ عز وجل] له: أَتَفْتَدِي منه بِطِلاعِ الأرضِ ذهباً؟ فيقولُ: أي ربِّ! نعم. فيقولُ: كَذَبْتَ؟ قدْ سألتُكَ أقَلْ من ذلكَ وأَيْسَرَ فلم تفعل. فَيُرَدُّ إلى النار) . أخرجه أحمد (3/207- 208 و 239) ، وابن حبان (9/224/7306) ، والحاكم (2/75) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي، وأقره المنذري في "الترغيب " (2/189) ، وهو كما قالوا، والزيادات الثلاث للحاكم. وللنسائي في أول (الجهاد) الشطر الأول منه فقط، وهو رواية لأحمد (3/126 و 131 و 153 و 284) من هذا الوجه. ورواه البخاري (2817) ، ومسلم (6/ 35) ، وابن حبان (7307) وأحمد أيضاً (3/103 و 173 و 251 و 276 و 278) من طريق قتادة عن (وفي رواية: سمعت) أنس بن مالك يقول ... فذكره. وفيها اللفظ الآخر. وفي رواية أخرى عن قتادة بأتم مما هنا، وقد تقدمت برقم (172) مقرونة برواية أبي عمران الجوني عن أنس.

3009

وذكرت له هناك طريقاً ثالثاً من رواية مسلم والنسائي عن ثابت عن أنس- نقلاً عن "الفتح "- ونفيت ثمة وجودها في "مسلم "، واستظهرت أن تكون رواية النسائي في "الكبرى"، وقد تأكدت الآن من النفي المذكور، وتَبَيَّنْتُ أن رواية النسائي هي بالشطر الأول من حديث الترجمة، وليس له علاقة بالحديث المتقدم، كما أن لمسلم بإسناد حديث الترجمة حديثاً آخر تقدم برقم (1167) ؛ أظنه اشتبه على الحافظ بذاك. والله أعلم. (طِلاع الأرض) ؟ أي: ما يملؤها حتى يطلع عنها ويسيل؛ كما في "النهاية". وقال الحافظ في "الفتح " (7/52) : "أي: ملؤها، وأصل (الطلاع) : ما طلعت عليه الشمس، والمراد هنا ما يطلع عليها ويشرف فوقها من المال ". * 3009- (كان يُنتَبذُ له في سِقَاءٍ، فإذا لم يَكُنْ سِقَاءٌ فَتَوْرٌ من حجارةٍ) . أخرجه أحمد (3/307) : ثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزبير: سمعه من جابر ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين؛ إلا أن البخاري قرن أبا الزبير بغيره- واسمه محمد بن مسلم بن تَدْرُس المكي- وهو ثقة حافظ مدلس، لكن قد صرح سفيان عنه بأنه سمعه من جابر، وهذه فائدة هامة خلا منها "صحيح مسلم " وغيره من "السنن " وغيرها، ولذلك خرجته، ولعلو إسناده. وقد تابعه زكريا بن إسحاق: ثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله به نحوه.

3010

أخرجه أحمد أيضاً (3/384) : ثنا روح: ثنا زكريا به. وهذا صحيح أيضاً. ثم أخرجه هو (3/ 304 و 326 و 379) ، ومسلم (6/98) ، وأبو داود (2/132 - التازية) ، والنسائي (2/227 و 229) ، والدارمي (2/116) ، وابن ماجه (2400) ، وأبو يعلى (1769) بالشطر الثاني، والطيالسي في "مسنده " (1751) بالشطر الأول، وابن أبي شيبة في "المصنف " (8/140/ 3921) بتمامه، وزاد: "قال أشعث: و (التور) : من لحاء الشجر". قلت: وهذا تفسير غريب هنا على الأقل! فإن المعروف في كتب اللغة مثل "النهاية " وغيره أنه: "إناءٌ مِنْ ُصْفرٍ أو حجارةٍ) . فالظاهر أن ذلك من أوهام أشعث هذا، وهو ابن سوار الكوفي. * 3010- (كان يصومُ، فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنعتُهُ في دُبَّاءٍ، ثم أَتَيْتُهُ به، فإذا هو يَنِشُّ، فقال: اضْرِبْ بهذا الحائطِ، فإنَّ هذا شرابُ مَنْ لا يؤمنُ بالله واليوم الآخر) . أخرجه أبو داود (2/ 134) ، ومن طريقه: البيهقي (8/303) ، والنسائي (2/327) عن هشام بن عمار: ثنا صدقة بن خالد: ثنا زيد بن واقد عن خالد بن عبد الله بن حسين عن أبي هريرة قال: علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ... الحديث. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أن هشاماً فيه ضعف، وقد خالفه الوليد

ابن مسلم فقال: عن صدقة أبي معاوية عن زيد بن واقد به دون الصيام والفطر. أخرجه ابن ماجه (3409) وصدقة أبو معاوية- وهو ابن عبد الله السمين- ضعيف، بخلاف صدقة بن خالد- وهو الأموي أبو العباس-؛ فهو ثقة، فإن كان هشام قد حفظه فالإسناد جيد؛ لأن شيخه زيد بن واقد ثقة من رجال البخاري. وأما خالد بن عبد الله بن حسين فقد ذكره ابن حبان في "الثقات "، وروى عنه ثقتان آخران، وقال البخاري: "سمع أبا هريرة"؛ كما في "التهذيب ". قلت: ذكره في "التاريخ الكبير" (2/1/157) ، ثم رواه معلقاً، ووصله أحمد في "الأشربة" (68/153) : حدثنا الهيثم بن خارجة قال: حدثنا ابن علاق- وهو عثمان بن حصن (¬1) - عن زيد بن واقد قال: حدثني خالد بن حسين مولى عثمان ابن عفان قال: سمعت أبا هريرة يقول: علمت.. الحديث. ووصله البيهقي من طريق أخرى عن الهيثم. وتابعه علي بن حجر: حدثنا عثمان بن حصن. أخرجه النسائي (2/334) وهذا إسناد جيد أيضاً؛ فإن الهيثم وابن علاق ثقتان. ولزيد بن واقد إسناد آخر أصح من هذا؛ فقال منصور بن أبي مزاحم: نا يحيى بن حمزة عن زيد بن واقد قال: حدثني قزعة: حدثني أبو هريرة به. ¬

(¬1) في "التاريخ ": (عثمان بن عبد الرحمن) .

أخرجه الدارقطني (4/252/32) من طريقين عن منصور به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وقزعة هو ابن يحيى البصري. وله شاهد مرسل يرويه الأوزاعي: حدثني محمد بن أبي موسى أنه سمع القاسم بن مخيمرة يخبر: أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بنبيذ جَرٍّ ينِشُّ فقال: "اضرب به الحائط.. " الحديث مثله. أخرجه أبو يعلى (13/ 7259) ، وأحمد (89/239) ، والبيهقي، وقال: "ولو كان إلى إحلاله- بصب الماء عليه- سبيل؛ لما أمر بإراقته. والله أعلم ". قلت: وهو مرسل قوي الإسناد، فيزداد به الحديث قوة على قوة، وقد أشار النسائي إلى أنه صحيح عنده؛ فقال عقبه: "وفي هذا دليل على تحريم السكر قليله وكثيره، وليس كما يقول المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشربة، وتحليلهم ما تقدمها الذي يشرب في الفَرَق قبلها. ولا خلاف بين أهل العلم أن السكر بكليته لا يحدث على الشربة الأخيرة دون الأولى والثانية بعدها، وبالله التوفيق ". ووافقه أبو الحسن السندي الحنفي في "حاشيته " عليه، فقال: "وهو المعتمد عند علمائنا الحنفية، والاعتماد على القول بأن المحرم هو الشربة المسكرة، وما كان قبلها فحلال قد ردّه المحققون؛ كما رده المصنف رحمه الله تعالى". *

3011

عائشة زوجته صلى الله عليه وسلم في الجنة 3011- (أما ترضَيْنَ أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة؟ قلت: بلى والله! قال: فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة) . أخرجه ابن حبان (7053- الإحسان) ، والحاكم (4/ 10) من طريق سعيد ابن يحيى الأموي: حدثني أبي: حدثني أبو العنبس سعيد بن كثير عن أبيه قال: حدثتنا عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة، قالت: فتكلمت أنا، فقال ... فذكره. وقال الحاكم: "أبو العنبس هذا ثقة، والحديث صحيح ". ووافقه الذهبي. وعزاه الحافظ في "الفتح " (7/108) لا بن حبان وحده، وسكت عنه. وللجملة الأخيرة منه طريق أخرى عن عائشة. أخرجه الترمذي (3875) ، وابن حبان أيضاً (7052) من طريق ابن أبي مليكة عنها. وقال الترمذي: "حديث غريب ". طريق ثالث: عن يوسف بن يعقوب الماجشون: حدثني أبي عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك عنها. أخرجه ابن حبان (7054) ، والحاكم (4/13) ، وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي.

3012

طريق رابع: عن أبي سلمة الماجشون عن أبي محمد مولى الغفاريين عنها نحوه. أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (8/65) . وله شواهد من حديث ابن عباس وعمار عند البخاري (3771 و 3772) . وقد تقدم حديث الترجمة برقم (2255) - مختصراً-. * 3012- (نهى عنِ اتِّباعِ النساءِ الجنائزَ، وقال: ليسَ لَهُنَّ في ذلك أجرٌ) . أخرجه ابن حبان في "الثقات " (6/493) : ثنا السِّختياني: ثنا شيبان بن فَرُّوخ: ثنا طيب بن سلمان، قال: سمعت عمرة تقول: سمعت عائشة تقول ... فذكره. قلت: أورده في ترجمة الطيب هذا ولم يزد. وقال في "الميزان ": "قال الدارقطني: بصري ضعيف ". وتعقبه الحافظ في "اللسان " بتوثيق ابن حبان، وبقول الطبراني في "الأوسط ": "بصري ثقة". قلت: وأنا أرى- والله أعلم- أن الحديث صحيح؛ لأن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير السختياني- وهو عمران بن موسى بن مجاشع الجرجاني- وهو ثقة حافظ مترجم في "التذكرة"، فليس في السند من ينظر فيه سوى الطيب هذا، وقد روى عنه أيضاً بشر بن محمد أبو أحمد السكري؛ كما في "الجرح ". وهو صدوق كما في "الميزان "، فمثله تطمئن النفس لحديثه إذا وافق الثقات. وأرى أن حديثه هذا بمعنى حديث أم عطية رضي الله عنها قالت:

"كنا نُنْهَى (وفي رواية: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم) عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا". أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 90- المعارف) . فهذا شاهد قوي للحديث؛ فإن قولها: "ولم يعزم علينا". كأنه بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لهن في ذلك أجر". على أن هذا القدر منه وجدت له شاهداً آخر يرويه صهيب بن محمد بن عباد بن صهيب: ثنا عباد بن صهيب عن الحسن بن ذكوان عن سليمان بن الربيع عن عطاء عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس للنساء أجر في اتباع الجنائز". أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/ 231/ 1/8575) وقال: "تفرد به الحسن بن ذكوان ". قلت: وهو كما في "التقريب ": "صدوق يخطئ، وكان يدلس ". وأعله الهيثمي بقوله (3/28) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه مجاهيل ". قلت: كأنه يشير إلى صهيب بن محمد بن عباد بن صهيب والراوي عنه

موسى بن عيسى الجزري- وهو شيخ الطبراني فيه-؛ فإني لم أجد لهما ترجمة؛ إلا أن صهيباً قد غمزه عبدان بالتلقين؛ كما يأتي قريباً. وعباد بن صهيب مختلف فيه، فوثقه بعضهم، واتهمه ابن حبان، وجزم الذهبي في "الميزان " بأنه أحد المتروكين، وذكر الخلاف فيه عند الأئمة، وزاد عليه الحافظ في "اللسان "، وذكر عن عبدان أنه قال: "لم يكذبه الناس، وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر". وسليمان بن الربيع يحتمل أنه العدوي البصري الذي روى عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن بريدة. وفي "تاريخ البخاري " (2/ 2/ 12) : "سليمان أبو الربيع الهمداني أو الهمذاني، سمع سعيد بن جبير وأبا عبد الرحمن السلمي. روى عنه ابن المبارك، منقطع ". فيحتمل أن يكون هو هذا ويكون أداة النسبة (ابن) محرفاً من أداة الكنية (أبي) . والله أعلم. وهذا أورده ابن حبان في (أتباع التابعين) من "ثقاته " (6/389) . وأورد الذي قبله في (التابعين) (4/309) . وأورد قبله (4/304) (سليمان بن أبي هند مولى زيد بن الخطاب القرشي، كنيته أبو الربيع، يروي عن عمر بن الخطاب وخَبَّاب بن الأرت. روى عنه محمد بن جحادة، وإسماعيل بن سميع) . قلت: فيحتمل أن يكون هؤلاء الثلاثة واحداً. والله أعلم.

وقد وجدت له متابعاً ضعيفاً- بل متروكاً-؛ يرويه أبو عتبة أحمد بن الفرج: ثنا بقية بن الوليد: ثنا أبو عائذ- وهو عُفَيْر بن مَعْدان-: ثنا عطاء بن أبي رباح به. أخرجه البيهقي (4/63) ساكتاً عنه، ولعل ذلك من أجل عُفير بن معدان؛ فإنه متفق على تضعيفه. ونحوه أحمد بن الفرج، وراجع لترجمتيهما "الضعيفة" المجلد الأول. ولعل بمعنى الحديث ما رواه الصباح أبو عبد الله عن جابر عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: "ليس للنساء في الجنازة نصيب ". أخرجه البزار (1/376/793) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/145/ 11309) . وجابر هذا هو ابن يزيد الجعفي؛ وهو ضعيف. والصباح أبو عبد الله لم أعرفه، وبه أعله الهيثمي فقال (3/13) : " لم أجد من ذكره" وأما الحافظ فقال في "مختصر الزوائد" (1/348) : "الصباح ضعيف" وختاماً أقول: هذه الشواهد إن لم تُفِدْ؛ فالعمدة في ذلك حديث أم عطية. والله أعلم. *

3013

3013- (كانَ فيمن كان قبلكم رجلٌ به جَرحٌ فَجَزِعَ، فأخذ سِكِّيناً فحَزَّ بها يَدَهُ، فما رَقَأَ الدَمُ حتى مات، قال الله تعالى: بادَرَني عَبْدي بنفسِهِ، حَرَّمْتُ عليه الجنة) . أخرجه البخاري في "صحيحه " (3463- فتح) : حدثنا محمد قال: حدثنا حجاج: حدثنا جرير عن الحسن: حدثنا جندب بن عبد الله في هذا المسجد، وما نسينا منذ حدثنا، وما نخشى أن يكون جندب كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وعلّقه في "كتاب الجنائز" (1364) فقال: وقال حجاج بن مِنْهال: حدثنا جرير بن حازم به مختصراً. والحجاج هذا من رجال الشيخين؛ بل هو من شيوخ البخاري، وقد علقه عليه، ووصله في الموضع المشار إليه آنفاً، ولذلك قال الحافظ تعليقاً منه على هذا المعلَّق: "وهو أحد المواضع التي يستدل بها على أنه ربما علق عن بعض شيوخه ما بينه وبينه فيه واسطة". وشيخ البخاري (محمد) هو ابن معمر، وقيل: هو الذهلي؛ كما قال الحافظ. قلت: وقد توبع؛ فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (2/ 161/1664) : حدثنا علي بن عبد العزيز: ثنا حجاج بن المنهال به. وتابعه وهب بن جرير: حدثنا أبي.. فذكره. أخرجه مسلم، وأبو يعلى في "مسنده " (3/96/1527) .

3014

ثم أخرجه مسلم (1/75) ، وأحمد (4/312) من طريقين آخرين عن الحسن به نحوه. (تنبيه) : في هذا الإسناد فائدة هامة لم أر من نبّه عليها، بل وقع في بعض الكتب ما ينافيها، فقد قال ابن أبي حاتم في ترجمة الحسن البصري بعد أن ذكر عن أبيه: أنه سمع من جمع من الصحابة، ولم يسمع من جمع آخر منهم، قال أبو حاتم: "ولم يصح له السماع من جندب ". وحكاه الحافظ عنه في "التهذيب " وأقره! بينما تعقبه المزي في أصله "تهذيب الكمال " بتصريحه بالتحديث في هذا الإسناد! وكأنه لم يقع لهم؛ أو على الأقل لم يستحضروا هذا الإسناد؛ بل هذه الأسانيد التي صحت عن الحسن بتصريحه بسماعه من جندب، ومؤكداً ذلك بقوله: " في هذا المسجد.........". وهناك أحاديث أخرى صرح فيها الحسن رحمه الله بسماعه من جندب رضي الله عنه؛ كالحديث الذي في "معجم الطبراني " (رقم 1660) . وقد تقدم حديث الترجمة برقم: (1485) . * 3014- (1- إذا اقتربَ الزمانُ لم تَكَدْ رُؤيا المسلم تَكذبُ. 2- وأَصْدَقُهُم رؤيا أصدقهم حديثاً. 3 - ورؤيا المسلمِ جُزءٌ من ستةٍ وأربعينَ جزءاً من النبوة. قال: وقال:

4- الرؤيا ثلاثةٌ: فالرؤيا الصالحةُ بُشْرَى من الله عز وجل، والرؤيا تَحزِينٌ من الشيطان، والرؤيا من الشيء يُحَدِّثُ به الإنسانُ نفسَهُ. 5- فإذا رأى أحدُكُم ما يَكرَهُ فلا يُحَدِّثهُ أحداً، وَلْيَقُمْ فَلْيصلِّ. قال: 6 - وأُحِبُّ القَيْدَ في النومِ، وأكرهُ الغُلَّ، القَيدُ: ثباتٌ في الدِّين) . أخرجه الإمام أحمد (2/507) : ثنا يزيد: أنا هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وروى الدارمي (2/145) من طريق مخلد بن حسين عن هشام به الفقرة (1 و 2 و 4 و5) فقط. وتابعه أيوب عن محمد بن سيرين به، ليس فيه: "قال: وقال ". أخرجه الترمذي (2271) : حدثنا نصر بن علي: حدثنا عبد الوهاب الثقفي: حدثنا أيوب به. وقال: "حديث حسن صحيح ". وتابعه قتيبة بن سعيد: حدثنا عبد الوهاب به؛ إلا أنه لم يذكر الجملة (3) ، أخرجه أبو داود (5019) وتابعه محمد بن أبي عمر المكي: حدثنا عبد الوهاب الثقفي بتمامه؛ إلا أنه

شك في رفع الجملة الأخيرة فقال: "فلا أدري هو في الحديث أم قاله ابن سيرين؟ ". أخرجه مسلم (7/52) . وتابعه معمر عن أيوب به مع الشك المذكور؛ إلا أنه قدَّم وأخَّر؛ فجعل الجملة الثالثة مكان السادسة. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (11/ 211- 212) ، ومن طريقه: مسلم، والحاكم (4/ 390) ، وأحمد (2/369) ، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "! كذا قال! وقد وهم في استدراكه على الشيخين، أما بالنسبة لمسلم فظاهر، وأما بالنسبة للبخاري فلما يأتي. وكأنه لذلك عزاه الذهبي في "التلخيص " للشيخين فأصاب. وتابعه سفيان بن عيينة عن أيوب ببعضه، فرواه إبراهيم بن بشار الرمادي عنه بالجمل الثلاث الأولى والسادسة موقوفاً. أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (7/614/6008- الإحسان) . وقال الحميدي في "مسنده " (484/1145) : ثنا سفيان بالجملة الخامسة فقط، وقال: "فليصل ركعتين "! فزاد: "ركعتين "، وهي شاذة- إن لم تكن مقحمة من بعض النساخ؛ لأنها لم ترد في شيء من طرق الحديث حسب علمي، ومن ذلك الطريق الآتية.

3015

وتابع أيوب عوف قال: حدثنا محمد بن سيرين به نحوه، وزاد ونقص، وأوقف حديث النفس؛ مما يدل أن الراوي لم يضبط ولم يحفظ نص الحديث، وقد رفع منه الجملة الأولى والثالثة. أخرجه البخاري (12/404/4017) عن معتمر عنه. وقد تكلم عليه الحافظ إسناداً ومتناً بكلام طويل، فليرجع إليه من شاء الاطلاع عليه، وقد ذكر عن الخطيب أنه قال: "والمتن كله مرفوع إلا ذكر القيد والغل؛ فإنه قول أبي هريرة، أُدْرِجَ في الخبر". وتابعه هوذة بن خليفة عن عوف بالجملة الرابعة والخامسة، وزاد: "فإذا رأى أحدكم رؤيا تعجبه؛ فليقصها إن شاء". وقد سبق تخريجه برقم (1341) . وتابعه الأوزاعي عن ابن سيرين بالجملة الأولى والثانية. أخرجه ابن ماجه (3917) . وتابعه قتادة عنه بالجملة الرابعة والخامسة. أخرجه مسلم، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (511/ 910) . وتابع ابن سيرين أبو سلمة عن أبي هريرة بالجملة الرابعة. أخرجه النسائي أيضأ (509/903) . وإسناده صحيح. * 3015- (فُتِحَ اليومَ منْ رَدمِ يأجوجَ ومأجوجَ مِثْلُ هذه. وعَقَدَ وُهَيْبٌ تِسْعِينَ [وَضَمَّها] ) . أخرجه البخاري (7136) ، ومسلم (8/166) من طريق ابن أبي شيبة في

"المصنف " (15/62/19117) ، وأحمد (2/ 351 و 529- 530) - والزيادة له- من طرق عن وهيب: حدثنا عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ... فذكره. ووُهَيب هذا هو ابن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم، أبو بكر البصري: ثقة ثبت، وكان تغير قليلاً بِأَخَرَةٍ، ولا يضره ذلك لا كثيراً ولا قليلاً؛ وبخاصة في هذا الحديث؟ فإن له شاهداً صحيحاً من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها عند الشيخين وغيرهما، وفيه بيان صفة عقد وهيب بلفظ: "وحَلَّق بإصبعه الإبهام والتي تليها". وقد مضى تخريجه برقم (987) . وفي الحد يث إشارة قوية إلى أن السد سيفتح من يأجوج ومأجوج يوم يأذن الله لهم بذلك؛ كما في قوله تعالى: (فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا) ، وقد جاء التصريح بالفتح المذكور في حديث صحيح مضى تخريجه برقم (1735) ، وفيه تفصيل الفتح المشار إليه، وأنهم يحفرونه ويخرجون على الناس. ومع أن إسناده صحيح، وقد صححه جمع من الحفاظ كما تقدم بيانه هناك ومنهم الحافظ ابن كثير، فإن هذا قد ادعى أنه متن منكر مخالف لقوله تعالى: (فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً) وهو وهم غريب منه رحمه الله؛ لأن النفي فيه هو فيما مضى، والمثبت في الحديث إنما هو فيما يأتي؛ كما، كنت بينت في ردي عليه هناك، وهو ظاهر لا يخفى على كل ذي عقل ولُبّ، فلا جرم أن الحافظ ابن كثير نفسه رجع عن دعواه تلك، وأجاب بنحو الجواب الذي أجبت به آنفاً، ومع هذا كله؛ فقد كابر الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه

3016

على هذا الحديث الصحيح في "الإحسان " (15/243- 244) ، فإنه مع تصريحه بأن إسناده صحيح على شرط البخاري؛ زعم- تقليداً منه لابن كثير- أن في رفعه نكارة! ثم نقل كلام ابن كثير في إنكاره وتبنّاه؛ متجاهلاً رجوع ابن كثير عنه! ثم إنه لم يكتفِ بذلك، فغلبته شهوته في الرد والنقد، فختم تعليقه بنسبة الوهم إليَّ في تصحيحي لهذا الحديث وردي على ابن كثير! دون أن يجيب عن الرد ولو بكلمة؛ سوى مجرد ادعاء الوهم؛ مما لا يعجز عنه أحد مهما بلغ به الجهل. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله. * 3016- (لا تقومُ الساعةُ على أحدٍ يقولُ: الله، الله. وفي طريقٍ: لا إله إلا الله) . أخرجه مسلم (1/ 91) ، وأبو عوانة (1/ 101) ، وابن حبان (1911) ، وأحمد (3/162) ، وعنه البيهقي في "شعب الإيمان " (1/396/524) ، وعن غيره أيضاً؛ كلهم من طريق عبد الرزاق، وهذا في "المصنف " (11/402/20847) قال: عن معمر عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره. وتابعه حماد بن سلمة عن ثابت به. أخرجه مسلم أيضاً، وأبو عوانة، وابن حبان (8/299/6810 - الإحسان) ، وأحمد (3/259 و 268) ، وأبو يعلى (6/ 234/3526) ، والبيهقي أيضاً (525) ، والحاكم (4/ 495) . وتابعه حميد عن أنس به. أخرجه الترمذي (2207) ، والحاكم (4/494) ، وأحمد (3/107 و 201) من طرق عنه، وإسناده ثلاثي، وقال الحاكم:

"صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وتابعه سنان بن سعد عن أنس به، وزاد: "ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر". أخرجه الحاكم أيضاً، والخطيب في "التاريخ " (3/82) من طريق ابن لهيعة - زاد الأول: وعمرو بن الحارث- عن يزيد بن أبي حبيب عنه. وقال: "صحيح على شرط مسلم ". وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: سنان لم يرو له مسلم ". وأقول: هذا نقد قاصر؛ فإن الرجل مختلف فيه، فقد قال في "الكاشف ": "ليس بحجة، وعن ابن معين: ثقة". وقال في "المغني ": "ضعفوه، ولم يترك ". وقال الحافظ: "صدوق له أفراد". وقد وجدت للحديث شواهد: الأول: عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً به. أخرجه الحاكم من طريق محمد بن أبي صفوان الثقفي: ثنا بهز بن أسد: ثنا شعبة: أنبأ علي بن الأقمر قال: سمعت أبا الأحوص يحدث عن عبد الله به. وقال:

"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وأقول: الثقفي ليس على شرطهما، وبهز بن أسد ليس من شيوخهما، فهو صحيح فقط إن سلم من الشذوذ أو المخالفة. الثاني: عن عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص مجموعاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... فذكره. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (3/305) من طريق عثمان بن عبد الله بن عمر الأموي: ثنا يحيى بن أيوب الثقة: حدثني هشام بن حسان وليث بن أبي سليم، وآخران سماهما، كل واحد منهما يقول: سمعت أبا الحجاج- يعني: مجاهداً- يقول: عن عبد الله بن عباس.. إلخ. وقال: "هذا حديث صحيح ثابت من حديث أنس بن مالك، غريب عن مجاهد مجموعاً عنهم، تفرد به يحيى بن أيوب ". قلت: هو الغافقي المصري، وهو ثقة، فإن كان محفوظاً عنه كما يشعر به تعصيبُ أبي نعيم التفرد به؛ فالسند صحيح؛ لكني في شك كبير من ذلك لغرابته، ولأن الأموي الراوي عنه متهم بالوضع، وله ترجمة سيئة في "الميزان " و"لسانه ". والله أعلم. الثالث: عن أبي هريرة مرفوعاً مثل حديث سنان بن سعد عن أنس المتقدم. أخرجه الخطيب (8/262) من طريق حكيم بن نافع الرقي عن عطاء الخراساني عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عطاء- هو ابن أبي مسلم الخراساني- قال الحافظ: "صدوق يهم كثيراً، ويرسل ويدلس ".

والرقي ضعيف مترجم في "الميزان " و"اللسان ". وجملة القول في هذه الشواهد؛ أنه ليس فيها ما تطمئن النفس لصحته، ولكنها إن لم تنفع وتعطي الحديث قوة على قوة؛ فلن تضر. ثم إن اللفظ الآخر: "لا إله إلا الله " هو لابن حبان من طريق عبد الرزاق، وأحمد من طريق حماد بن سلمة في رواية، والحاكم من طريق حميد. وقد عزاه الشيخ شعيب في تعليقه على "الإحسان " (15/262) لمسلم فوهم! كما وهم فيه المعتدي على حقوقي وكتبي ومشاريعي؛ ألا وهو صاحب المكتب الإسلامي، وقد نَبَّّّهْتُ مضطراً على بعض اعتداءاته في بعض كتاباتي؛ لعله يؤوب إلى رشده ويتوب إلى ربه، ومن ذلك أنه اختصر "السنن الأربعة " اختصاراً مخلاً- بل فاضحاً-، ونقل إليها مراتب أحاديثها التي كنت وضعتها عليها من صحة وضعف، وقدمتها- أعني: هذه "السنن " المحققة- إلى مدير مكتب التربية العربي الخليجي بطلب رسمي منه، ثم لا أدري كيف وقع ما يأتي بيانه؟! أكان ذلك باتفاق بين المكتبين؟! أم هو أمر دبر بليل؟! المهم أني فوجئت بأن (الصاحب) المشار إليه استغل مشروعي المقدم إلى مكتب التربية، وأصدر ما أسماه بـ "صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند"! وكذلك فعل ببقية "السنن " بقسميها "الصحيح " و"الضعيف "، قائلاً في ذلك كله: "ضعيف محمد ناصر الدين الألباني "! وهو كذب ومتاجرة غير شريفة باسم الألباني، وله سابقة أخرى من مثلها! فإن الاختصار منه وليس مني، وفيه أوهام وتخليطات وجهالات كثيرة جداً لا يمكن إحصاؤها، وإنما نذكر شيئاً منها- بالمناسبة تعرض- للتعريف والعبرة كمثل هذا الحديث؛ فإن (الصاحب) أورده في "صحيح الترمذي " (2/242/1798) ؛ وقال تحته مختصراً كلام الترمذي:

3017

"للحديث سند آخر نحوه "! قلت: وهذا خلاف الواقع عند الترمذي؛ فإنه ليس للحديث فيه إلا طريق واحدة عن حميد عن أنس كما تقدم. والأخرى: أن الترمذي إنما رواه من طريق أخرى عن حميد عن أنس؛ وليس عن أنس كما أوهم! وقال الترمذي عقبها: "نحوه ولم يرفعه، وهذا أصح من الأول ". فليتأمل القارئ الفرق بين كلام الترمذي وكلام ذاك المختصر! فإنه نسب - بجهله- إلى الترمذي ما ليس عنده: "سند آخر"! واحتفظ من كلامه ما لا قيمة له تذكر: "نحوه "! وأعرض عن قوله: "ولم يرفعه، وهذا أصح ". ولو كان على شيء من العلم لما وقع في هذه التخليطات، ولعلق على هذا القول الأخير منه بما يناسب الطرق المتقدمة عن أنس، وهي كلها مرفوعة، ثم هو مع هذه الجهالات- وغيرها كثير كما سبقت الإشارة إلى ذلك- نسبها إلى الألباني. فإلى الله المشتكى، وبه العياذ من الحَوْر بعد الكَوْر! * 3017- (مَنْ حَمَلَ مِنْ أُمَّتي دَيْناً؛ ثُمَّ جَهَدَ في قضائِهِ فماتَ ولم يَقْضِهِ فأنا وَلِيَّهُ) . أخرجه أحمد في "المسند" (6/74 و154) ، وأبو يعلى (8/252/4838) ، والطبراني في "الأوسط " (10/157- 158) ، والبيهقي في "السنن " (7/22) و"الشعب " (4/403) من طريق عبد الله بن يزيد المقرئ: ثنا سعيد بن أبي أيوب: ثنا عقيل بن خالد الأيلي- زاد البيهقي: ويونس بن يزيد الأيلي- عن

3018

ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة: أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين لا علة فيه، فالعجب من ابن حبان كيف لم يورده في "صحيحه "؟! ومن الحاكم كيف لم يستدركه على الشيخين؟! وقال المنذري في "الترغيب " (3/33) : "رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى، والطبراني في (الأ وسط) ". وتبعه الهيثمي (4/132) في العزو إلى هؤلاء الثلاثة، لكنه قال: "ورجال أحمد رجال الصحيح ". وفي تخصيصه الإمام أحمد بالذكر دون أبي يعلى فيه نظر عندي؛ فإن إسناده كذلك. قال: "حدثنا هارون بن معروف: حدثنا أبو عبد الرحمن: حدثنا سعيد به "، فهذا أيضاً على شرط "الصحيحين "؛ لأن سعيداً هذا هو سعيد بن أبي أيوب المصرَّح به في الإسناد المتقدم، وهارون بن معروف من رجال الشيخين أيضاً. * 3018- (يا ضَمْرَةُ! أَتَرَى ثَوْبَيْكَ مَدْخلَيْكَ الجنةَ؟ فقال: لَئِنِ استغفرتَ لي يا رسول الله! لا أَقْعُدُ حتى أَنْزِعَهُما عَنّي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ! اغفر لضَمْرةّ بنِ ثَعْلَبَةَ) . أخرجه البخاري في " التاريخ " (4/236- 337) ، وأحمد (4/238- 339) ، والبزار (3/275/ 2740) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/369/8158) من طرق عن بقية بن الوليد عن سليمان بن سليم الكناني عن يحيى بن جابر عن ضمرة بن ثعلبة:

3019

أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حُلّتان من حُلَل اليمن، فقال ... فذكره، والسياق لأحمد، وفي آخره: "فانطلق سريعاً حتى نزعهما عنه ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وإنما يُخشى من عنعنة بقية، وقد صرّح بالتحديث عند البخاري والبزار والطبراني، ويحيى بن جابر تابعي معروف، وقد صرّح بالتحديث عند البخاري، فاتصل الإسناد وصح الحديث، والحمد الله. ومن هذا التحقيق يتبين، أن قول المنذري في الحديث (3/ 111) : "رواه أحمد، ورواته ثقات إلا بقية ". إعلال خاص بـ "مسند أحمد"؛ مع ما فيه من الإجمال في الإشارة إلى علته، وقد أوضحها الهيثمي في قوله (5/136) : "رواه أحمد، ورجاله ثقات إلا أن بقية مدلس ". لكنه في مكان آخر سكت عنها بمرة، فقال (9/379) : "رواه أحمد والطبراني "! * 3019- (لا يَبلُغُ عَبدٌ حَقيقةَ الإيمانِ حتى يَعْلَمَ أنَّ ما أصابَهُ لم يَكُنْ لِيُخْطِئهُ، وما أَخْطَأَهُ لم يَكُنْ لِيُصيبَهُ) . أخرجه البزار (1/27/ 1/33 كشف الأستار) : حدثنا عمرو: ثنا سليمان بن عبد الرحمن: ثنا سليمان بن عتبة قال: سمعت يونس بن ميسرة بن حلبس يحدث عن أبي إدريس عن أبي الدرداء-، فذكر حديثاً بهذا الإسناد، ثم قال:

3020

وبإسناده- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ... فذكره. وقال البزار: "وإسناده حسن ". وأقره الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/76) ، وهو كما قال أو أعلى؛ فإن رجاله ثقات كلهم؛ على ضعف يسير في ابن عبد الرحمن، وهو ابن بنت شرحبيل؛ من رجال البخاري. وعمرو- شيخ البزار- الظاهر أنه ابن علي المتقدم عند البزار قبل أحاديث (ص 12 و15) ، وهو الفلاس الحافظ. وقد توبع؛ فأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (رقم 246- بتحقيقي) ، وكذا ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (4/ 660) من طريق هشام بن عمار: حدثنا سليمان بن عتبة السلمي به. وللحديث شواهد؛ تُنظر فيما تقدم من هذه "السلسلة" (2439) ، وفي "ظلال الجنَّة" (111) و (245-247) . * 3020- (لَيْسَ ذاكُمُ النِّفَاقَ) . أخرجه البزار (1/34/52) ، وأبو يعلى (6/105/3369) من طريقين عن الحارث بن عبيد عن ثابت عن أنس قال: قالوا: يا رسول الله! إنا نكون عندك على حال؛ فإذا فارقناك كنا على غيره! فقال: "كيف أنتم وربِّكم؟ ". وقال أبو يعلى: "ونبيكم؟ ".

قالوا: الله ربنا (وفي أبي يعلى: أنت نبينا! في السر والعلانية. قال ... فذكره. قلت: ورجاله ثقات؛ غير الحارث بن عبيد، وهو أبو قدامة الإيادي المؤذن، وهو ضعيف، قال أحمد: "مضطرب الحديث ". قلت: وذلك ظاهر في روايته لهذا الحديث، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ": "ليس بالقوي، وضعفه ابن معين ". ولكن قد تابعه غسان بن بُرْزِين الطَّهَوي: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: غدا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقالوا: يا رسول الله! هلكنا وربِّ الكعبة! فقال: "وما ذاك؟ ". قالوا: النفاق! النفاق! قال: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله؟ ". قالوا: بلى. قال: " ليس ذاك النفاق " ثم عادوا الثانية، فقالوا: يا رسول الله! هلكنا وربِّ الكعبة! قال: " وماذاك؟ ". قالوا: النفاق! النفاق! قال: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؟ ". قا لوا: بلى. قال: "ليس ذاك النفاق ". قال: ثم عادوا الثالثة، فقالوا: يا رسوله الله! هلكنا ورب الكعبة! قال: "وما ذاك؟ ".

قالوا: النفاق! قال: "ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله؟ ". قالوا: بلى. قال: "ليس ذاك النفاق ". قالوا: إنا إذا كنا عندك كنا على حالة، وإذا خرجنا من عندك همتنا الدنيا وأهلونا! قال: "لو أنكم إذا خرجتم من عندي تكونون على الحال الذي تكونون عليه! لصافحتكم الملائكة بطرق المدينة". أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (6/58/3304) : حدثنا عبد الواحد: حدثنا غسان بن بُرزين به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم، وعبد الواحد هو ابن غياث، وثابت هو البناني. وقد تابعه قتادة عن أنس مختصراً، وقد مضى برقم (1965) *

3021

3021- (لَمَّا كان ليلة أُسْرِي بِي، وأصبحتُ بمكةَ فَظِعْتُ بِأمْري، وعَرَفتُ أنَّ الناسَ مُكَذِّبِّي. فَقَعَدَ معتزلاً حزيناً. قال: فَمَرَّ عدوُّ اللهِ أبو جَهْلٍ، فجاء حتى جلس إليه، فقالَ له- كالمستهزئِ-: هل كانَ من شيءٍ؟ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: نعم. قال: ما هو؟ قال: إنه أُسْريَ بي الليلةَ. قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس. قال: ثم أصبحتَ بين ظَهْرانَيْنَا؟ قال: نعم. فلم يَرَ أنه يُكَذِّبُهًُ مخافة أن يجْحَدَهُ الحديثَ إذا دعا قومَهُ إليه، قال: أرأيت إن دعوتُ قومَكَ تُحَدِّثُهُم ما حَدَّثْتَنِي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: نعم فقال: هَيَّا مَعشَرَ بني كعبِ بن لُؤيٍّ! فانتفضت إليه المجالس؛ وجاءوا حتى جَلَسُوا إليهما، قال: حَدِّثْ قومَكَ بما حَدِّثْتَنِي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

إني أُسْرِيَ بي الليلة. قالوا: إلى أين؟ قال: إلى بيتِ المقدس. قالوا: ثم أصبحتَ بين ظَهْرَانَيْنا؟ قال: نعم. قال: فَمِنْ بين مُصَفِّقٍ، ومن بين واضعٍ يَدَهُ على رأسِهِ متعجباً للكذبِ؛ زعم! قالوا: وهل تستطيعُ أن تَنْعَتَ لنا المسجد- وفي القومِ مَنْ قَد سافَرَ إلى ذلك البلد ورأى المسجد-؟! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: فذهبتُ أنعتُ، فما زلتُ أَنْعَتُ حتى الْتَبَسَ عليَّ بعضُ النَّعْتِ. قال: فَجِيءَ بالمسجد وأنا أنظُرُ حتى وُضِعَ دُونَ دار عقالٍ- أوعقيلٍ -، فنعتُّه وأنا أنظرُ إليه- قال: وكان مع هذا نعتُ لم أحفظه-قال: فقال القوم: أما النعت؛ فوالله! لقد أصاب) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (6/377/11285) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (11/ 461/11746) ، وأحمد (1/309) ومن طريقه الضياء المقدسي في "المختارة" (1/309) ، والحربي في "غريب الحديث " (5/115/2) ، والبزار (1/45- 46) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (12/167/12782) و"الأوسط " (1/136/2/2623) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/363) من

3022

طرق عن عوف عن زرارة بن أوفى عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال البزار والطبراني: "لا يروى عن عبد الله بن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به عوف ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين؛ بل قال ابن كثير في "التفسير" (3/15) : "أحد الأئمة الثقات ". ومثله زرارة بن أوفى، فالسند صحيح كما قال السيوطي في "الدر المنثور" (4/155) ، وسكت عنه الحافظ في "الفتح " (8/392) ، واقتصر في مكان آخر (7/199) على تحسين إسناده! * 3022- (ذاكَ رجلٌ أرادَ أمراً فَأَدْرَكَهُ. يعني: حاتِماً الطائيُّ) . أخرجه البزار (1/64/92- الكشف) ، وابن عدي في "الكامل " (5/352) ، وتمام في "الفوائد" (ق 238/ 1) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (4/ 64) من طريق عبيد بن واقد القيسي: حدثنا أبو مُضَرَ الناجي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: ذكر حاتم عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال ... فذكره. وقال ابن عدي والدارقطني: "لا يرويه غير عبيد بن واقد". قلت: ضعفه أبو حاتم، وتبعه الذهبي والعسقلاني. وقال الدارقطني- كما نقله ابن عساكر-:

"حديث غريب، تفرد به أبو مضر الناجي، ويقال: اسمه (حماد) ، ولم يروه عنه غيرعبيد". قال ابن عساكر: "سماه غير الدارقطني (شيبة) ، وفرق الحاكم أبو أحمد بين (أبي مضر الناجي) ، وبين (أبي مضر حماد) ، ولم يذكر (الناجي) ، وإنما أسماه ". ثم ساق ابن عساكر من طريق أخرى عن عبيد بن واقد فقال: (أبي مضر شيبة الناجي) . وهكذا ذكره الحافظ المزي في شيوخ عبيد بن واقد، ولم أجد لشيبة هذا ترجمة؛ بخلاف حماد أبي مضر؛ فقد ترجمه البخاري ترجمة مختصرة، وتبعه ابن أبي حاتم والدولابي (2/116) ؛ ثلاثتهم برواية عبد الوهاب الخفاف فقط عنه، ولم يذكروا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وترجم الأولان في "الكنى" لـ (أبي مضر) دون أن يسمياه بروايته عن الحسن وابن سيرين، وعنه سليمان الجرمي القافلاني، ولم يذكرا فيه أيضاً جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/665) ، فيحتمل أن يكون هو الناجي هذا. والله أعلم. وبالجملة، فلم يتبين لي اسم (أبي مضر) هذا، ولا تحرر عندي حاله، وعلة الحديث الظاهرة إنما هي (عبيد) الراوي عنه. والله أعلم. لكن للحديث شاهد من حديث عدي بن حاتم: أخرجه أحمد (4/258) ، وابن حبان (45/68) ، وغيرهما، وهو مخرج في حديث له في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 182) ، فهو به حسن- على الأقل- إن شاء الله تعالى. *

3023

تَغَيُّرُ النَّاسِ والنِّفاقُ 3023- (إنَّكم لتعملونَ أعمالاً هي أَدَقُّ في أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشِّعَرِ؛ كُنَّا نَعُدُّها على عَهْدِ رسولِ اللِه - صلى الله عليه وسلم - من المُوبقات) . أخرجه أحمد (3/3) ، والبزار (1/72/108) من طريق عباد بن راشد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله رجال "الصحيح "، ولولا بعض الكلام في حفظ عباد بن راشد؛ لحكمت عليه بالصحة، فالإسناد حسن، وقد أشار إلى هذا الهيثمي بقوله (1/106) : "رواه البزار، وفيه عباد بن راشد؛ وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أبو داود وغيره ". وأشار إلى ذلك أيضاً الحافظ بقوله فيه: "صدوق له أوهام ". وقد فات الهيثمي في الموضع المشار إليه أن يعزوه لأحمد، ولكنه استدرك ذلك في مكان آخر؛ إلا أنه هناك لم يعزه للبزار! فقال (10/ 190) : "رواه أحمد، ورجاله رجال (الصحيح) ". وقد جاء الحديث بإسنادين صحيحين عن صحابيين آخرين: أحدهما: أنس بن مالك، وله عنه طريقان: الأولى: عن مهدي عن غيلان عنه.

أخرجه البخاري (11/329/6492) ، وأحمد (3/157) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (5/454/7258) . والأخرى: عن سعيد بن زيد: ثنا علي بن زيد قال: أنس بن مالك يقول ... فذكره نحوه؛ لكنه قال: "من الكبائر" مكان: "الموبقات" لكن علي بن زيد- وهو ابن جدعان- فيه ضعف. وبهذا اللفظ رواه الإسماعيلي في "المستخرج " من طريق أخرى عن مهدي، وهو ابن ميمون. لكن قال الحافظ: "وكأنه ذكره بالمعنى". والآخر: قال أبو داود الطيالسي في "مسنده " (193/1353) : حدثنا قرة وسليمان بن المغيرة عن حميد بن هلال عن أبي قتادة العدوي عن عبادة- بن قرص (¬1) - أو قال سليمان: ابن قرط- وكانت له صحبة- قال: "والله إنكم لتعملون.. " إلخ. وأخرجه البيهقي في "الشعب " (7260) من طريق الطيالسي، وأحمد (5/79) من طريقين آخرين عن سليمان بن المغيرة به، وزاد في رواية: "فقلت لأبي قتادة: كيف لو أدرك زماننا هذا؟ فقال أبو قتادة: لكان لذلك أَقْوَلَ ". ¬

(¬1) الأصل: (قرط) ، وهو خطأ مطبعي ظاهر، والتصويب من "مسند أحمد" و"شعب البيهقي " وغيرهما.

3024

قلت: كذا هو في "المسند"، وكذلك هو في نقل الهيثمي (10/190) عنه؛ ولم يظهر لي المعنى، فأخشى أن يكون في أصله سَقْطٌ؛ ثم قال في تخريجه: "رواه أحمد وقال: (عبادة) ، والطبراني وقال: (عباد) - والله أعلم- وبعض أسانيد أحمد والطبراني رجاله رجال (الصحيح) ". قلت: وهو إسناد متصل صحيح. وقد أخرجه أحمد قبيل هذا الإسناد، وفي مكان آخر (3/ 470) ، وكذا الدارمي (2/315) ، والبخاري في " التاريخ " (3/ 2/94) ، والبيهقي (6141) من طريق أيوب عن حميد بن هلال قال: قال عبادة بن قرص به، وزاد: "قال: فذكر ذلك لمحمد بن سيرين، فقال: صدق، وأرى جر الإزار منها". قلت: وقوله: "قال: قال عبادة" صورته صورة تعليق، فالظاهر أنه لم يسمعه من عبادة، ويؤيده الطريق الأولى؟ فإن بينهما (أبا قتادة العدوي) كما رأيت. * 3024- (مُعَلِّمُ الخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لهُ كُلُّ شيءٍ حتى الحيتانُ في البحارِ) . أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/85/ 1/6355) : حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: ثنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره، وقال: " لم يروه عن الأعمش إلا أبو إسحاق الفزاري ". قلت: وهو ثقة حافظ من رجال الشيخين، واسمه إبراهيم بن محمد بن الحارث، ومثله الأعمش، واسمه سليمان بن مهران. وأبو سفيان من رجالهما أيضاً، واسمه طلحة بن نافع الواسطي.

وأما ابن زرارة الرقي؛ فروى عنه جمع من الثقات، وذكره غير واحد من الحفاظ في شيوخ البخاري، وقال الحافظ: "صدوق، تكلم فيه الأزدي بغير حجة". وأورده ابن حبان في "الثقات " (8/ 100) وقال: "مات سنة (230) ". وهذا مما يستدرك على "تهذيب الحافظ "؛ فإنه لم يعزه إلى "الثقات " مطلقاً. وأما محمد بن علي الصائغ، فهو ممن أكثر الطبراني من الرواية عنهم من شيوخه، فروى عنه في "الأوسط " فقط نحو مئة وخمسين حديثاً. وترجمه الحافظ الذهبي في "السير" (13/428) بـ "المحدث الإمام الثقة ... ". ومما سبق من بيان حال رواة إسناد هذا الحديث يتبين أنه إسناد صحيح والحمد الله. وقال الهيثمي في "المجمع " (1/124) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه إسماعيل بن عبد الله بن زرارة، وثقه ابن حبان، وقال الأزدي: منكر الحديث. ولا يلتفت إلى قول الأزدي في مثله، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ". قلت: وقد فات هذا الحديث الصحيح على الحافظ المنذري، فذكر مكانه في "الترغيب (1/ 60) حديث البزار عن عائشة بهذا اللفظ، وفاته أيضاً أن في إسناده عند البزار (1/82/133) محمد بن عبد الملك عن الزهري عن عروة عنها. ومحمد هذا- هو ابن عبد الملك الأنصاري- كذاب كما قال الهيثمي

وذكره ابن حبان في "الضعفاء" وقال (2/269) : "يروي عن ابن المنكدر ونافع والزهري، كان ممن يروي الموضوعات عن الأثبات، لا يحل ذكره في الكتب إلا على جهة القدح فيه ". وقد أحسن السيوطي حين أورد الحديث في "الجامع الصغير" من رواية الطبراني عن جابر، والبزار عن عائشة. وأصاب المناوي في إعلاله إسناد البزار بذاك الكذاب. وأخطأ في إعلاله حديث جابر بقوله في "الفيض ": "إسماعيل.. قال الأزدي: منكر الحديث، وإن وثقه ابن حبان "! وظني أنه لو وقف على ترجمة إسماعيل في "التهذيب " وكثرة من روى عنه، وفيهم بعض الحفاظ، وتصديق الحافظ إياه، وإنكاره على الأزدي قوله المذكور- لو أنه وقف على هذا كله؛ لما وقع في هذا الخطأ الذي اغتر به- فيما يبدو- الشيخ الغماري؛ فلم يورد الحديث فيما سماه بـ "الكنز الثمين "، وفيه أحاديث كثيرة ضعيفة، وبعضها موضوعة؛ كما بينت كثيراً منها في "الضعيفة" وغيرها، ويتعامى عن ذلك كله من يدعي التتلمذ عليه، وهو الملقب بـ (السقاف) ، فلا يذكر له ولا عثرة واحدة عقدية أو حديثية أو فقهية مع كثرتها! بينما يراه المنصفون قد تفرغ للرد على الألباني بالبهت والافتراء؛ مما أشعرهم أن وراء الأَكَمة ما وراءها، هداه الله إن كان ضالاً يطلب الهداية من الله، وقصم الله ظهره إن كان منافقاً يريد الكيد والمكر بالإسلام والمسلمين؛ وصدق الله: ((ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين)) . ثم إن المناوي كأنه ظهر له فيما بعدُ خطؤه؛ فقال في "التيسير" الذي ألفه بعد "الفيض ": "إسناده حسن ". والله سبحانه وتعالى أعلم.

3025

وله شاهد من حديث مكحول مرسلاً. أخرجه الدارمي في "سننه " (1/88) بسند حسن عنه. ووصله الترمذي (2686) ، والبيهقي في "الشعب " (2/262/1696) ، وابن عبد البر في "الجامع " (1/35- 38) من حديث أبي الدرداء وأبي أمامة، وفي سنده ضعف، وانظر التعليق على "المشكاة" (213) . * جَوازُ السَّمَرِ في العِلْمِ 3025- (كانَ يُحَدِّثُنا عامَّةَ ليلِهِ عن بني إسرائيل؛ لا يقومُ إلا لعُظمِ صلاةٍ) . أخرجه الحاكم (2/379) ، وأحمد (4/437 و 444) ، والبزار (1/119- 120) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/207/ 510) من طريق أبي هلال: ثنا قتادة عن أبي حسان عن عمران بن حصين قال ... فذكره. وقال البزار: "خالف هشام أبا هلال في هذا الحديث، وهشام أحفظ ". وهو كما قال؛ فإن أبا هلال- واسمه محمد بن سليم الراسبي- فيه ضعف من قبل حفظه؛ خرّج له البخاري تعليقاً، وأما هشام- وهو ابن أبي عبد الله الدَّستثوائي- فهو ثقة ثبت احتج به الشيخان، وقد خالف أبا هلال في إسناده؛ فجعل (عبد الله بن عمرو) مكان (عمران بن حصين) . أخرجه أبو داود (3663) ، وأحمد (4/437) من طريق معاذ بن هشام: حدثني أبي به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، رجاله كلهم ثقات رجال

الشيخين؛ غير أن البخاري إنما روى لأبي حسان- وهو الأعرج- تعليقاً، واسمه مسلم ابن عبد الله، وقد صححه ابن خزيمة؛ كما قال الحافظ في "الفتح " (1/213) وأقره. ومما ذكرنا من التخريج تعلم خطأ الحاكم في قوله في حديث أبي هلال: "صحيح الإسناد"! وإن وافقه الذهبي! ومثله الهيثمي؛ فإنه قال (1/191) : "رواه البزار وأحمد، والطبراني في "الكبير"، وإسناده صحيح ". فهذا خطأ لما سبق بيانه؛ إلا أن يقصد إسناد أحمد عن هشام، وهذا بعيد جداً عن المعروف من أسلوبه، لا سيما وقد أخرجه أبو داود، فهو ليس من شرط "المجمع "! وأن قوله في مكان آخر (8/264) : "رواه أحمد، وإسناده حسن ". قد يكون صواباً؛ لولا مخالفة أبي هلال لهشام الدستوائي. واعلم أن السمر- وهو التحدث في الليل- منهي عنه في غير ما حديث عنه - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك ترجمت لجوازه في العلم بهذا الحديث، ولذلك فما عليه جماهير الناس اليوم من السمر وراء التلفاز وأمثاله؛ هو من الفتن التي أصابت العالم الإسلامي في العصر الحاضر، نسأل الله السلامة من كل الفتن؛ ما ظهر منها وما بطن؛ إنه سميع مجيب. ومن تلك الأحاديث التي أشرت إليها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا سمر إلا لمُصلٍّ أو مسافرٍ".

3026

وهو حديث صحيح لطرقه وشواهده، وقد أعله الحافظ في "الفتح " بجهالة راوٍ في سند أحمد، وهو كذلك، ولكن كان عليه أن يقويه بالشواهد كما هي عادته، ولذلك بدا لي أنه لا بد من التنبيه عليه؛ خشية أن يغتر به من لا علم عنده، وقد خرجته في (المجلد الخامس) من "الصحيحة" برقم (2435) ، يسر الله طبع ما وراءه بمنه وكرمه، ثم طبع المجلد السادس منه، والحمد الله. * 3026- (يأتي الشيطانُ أحَدَكُم فَيَنْقُرًُ عِنْدَ عِجانِهِ (¬1) ، فلا ينصرِفُ حتى يَسْمَعَ صوتاً؛ [أو يَجِدَ ريحاً] ) . أخرجه أبو إسحاق الحربي في "غريب الحديث " (5/98/ 1) : حدثني أبو مصعب عن عبد العزيز بن محمد عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله رجال "الصحيح "، وأبو مصعب اسمه أحمد ابن أبي بكر الزهري المدني. وتابع عبد العزيز بن محمد- وهو الدراوردي- أبو أويس- واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس- عن ثور بن زيد به نحوه مطولاً، وفيه الزيادة. أخرجه البزار في " مسنده " (1/147/281) من طريق إسماعيل بن صبيح: ثنا أبو أويس به. وتابع إسماعيل بن صبيح إسماعيل بن أبي أويس: حدثني أبي به؛ إلا أنه زاد فيه: عن ثور بن زيد عن داود بن الحصين عن عكرمة. ¬

(¬1) (العجان) : ما بين الدبر والأنثيين؛ قاله الحربي. وذكره في "النهاية " بصيغة التمريض: "قيل "، وجزم بأنه الدبر.

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/222/11556) . ثم أخرجه (11/341/11948) من طريق عمرو بن مخلد: ثنا بشر بن المفضل: ثنا خالد عن عكرمة به مختصراً، وفيه الزيادة. وهذه متابعة قوية من خالد، وهو ابن ذكوان، أو ابن مهران الحذاء، وكلاهما ثقة من رجال الشيخين؛ غير أن عمرو بن مخلد لم أعرفه. وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً نحوه. أخرجه أحمد (3/96) ، وأبو يعلى (2/443/1249) من طريق عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب عنه. وعلي بن زيد- وهو ابن جدعان- ضعيف؛ لكن لا بأس به في الشواهد، وتابعه الزهري على الجملة الأخيرة منه: "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً ". أخرجه ابن ماجه (514) بإسناد رجاله ثقات؛ لكنهم أعلوه. ولهذه الجملة شاهدان من حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة مخرجان في " الإرواء " (1/ 144- 145) . وشاهد ثالث من حديث عبد الله بن مسعود موقوفاً نحوه، وهو في حكم المرفوع. أخرجه عبد الرزاق (1/ 141/ 536) ، وا بن أبي شيبة (1/429) ، وإسناده صحيح. *

3027

3027- (خَطَبَنا ابنُ مسعودٍ فقالَ: كيف تَأْمُرُونِّي أقرأ على قراءةِ زيد بنِ ثابتٍ بعَد ما قرأتُ مِنْ في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بِضْعاً وسَبْعين سُورَةً، وإنَّ زيداً مع الغِلمانِ له ذُؤابَتان؟!) . أخرجه النسائي (2/277) : حدثنا سعيد بن سليمان قال: حدثنا أبو شهاب قال: حدثنا الأعمش عن أبي وائل قال.... فذكره قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، وأبو شهاب اسمه عبد ربه بن نافع الكناني الخياط، وسعيد بن سليمان هو الواسطي الحافظ. وتابعه عبد الواحد: ثنا سليمان الأعمش به دون الطرف الأول منه. أخرجه أحمد (1/ 411) . قلت: ورجاله ثقات أيضاً رجال الشيخين؛ لكنهم تكلموا في رواية عبد الواحد- وهو ابن زياد- عن الأعمش خاصة؛ لكن موافقته لما رواه غيره عن الأعمش تدل على أنه قد حفظه. وللأعمش إسناد آخر؛ فقال عبدة بن سليمان: عنه عن أبي إسحاق عن هبيرة بن يريم قال: قال عبد الله بن مسعود: " على قراءة من تأمروني أقرأ؟ لقد قرأت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما بضعاً وسبعين.." الحديث أخرجه النسائي، وابن حبان (7024- الإحسان) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/71/8437) . ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير هبيرة بن يريم؛ فإنه لا بأس به كما في

"التقريب "؛ إلا أن أبا إسحاق- وهو عمرو بن عبد الله السبيعي- مدلس، وقد عنعنه. وله فيه شيخ آخر، فقال سفيان: عن أبي إسحاق عن خُمير بن مالك قال: قال عبد الله: "قرأت من في رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.. " الحديث. أخرجه ابن أبي شيبة (10/500/10112) ، وأحمد (1/389و405) ، والطبراني (8435) ، والحاكم (2/228) ، وصححه والذهبي. ورجاله ثقات؛ إلا أن خُميراً لم يوثقه غير ابن حبان (4/214) ، وذكر له راوياً آخر غير أبي إسحاق. وتابع سفيان جمع عند الطبراني، والطيالسي (54/405) . وله طرق أخرى عن ابن مسعود؛ منها: عن زر بن حبيش قال: قال عبد الله ابن مسعود.. فذكره مثل لفظ خمير. أخرجه الطبراني (8441) من طريق محمد بن أبي عبيدة: ثنا أبي عن الأعمش عن أبي رزين عنه. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم، وأبو رزين اسمه مسعود بن مالك، وأبو عبيدة والد محمد اسمه عبد الملك بن مسعود الهذلي المسعودي. وتابع أبا رزين عاصم بن بهدلة مختصراً بلفظ: "أخذت من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبعين سورة، ولا ينازعني فيها أحد". أخرجه الطيالسي (47/353) ، وأحمد (1/453 و 457) ، والطبراني (8442) من طريق حماد بن سلمة عنه.

3028

وهذا إسناد حسن. ورواه أبو يعلى (4985) من طريق آخرعنه. وبقية الطرق عند الطبراني؛ وأبي يعلى (5052) وأصله من الطريق الأولى من طرق أخرى عن الأعمش عند البخاري (5000) ؛ومسلم (7/148) بلفظ: " والله! لقد أخذت من في رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بضعاً وسبعين سورة؛ والله لقد علم أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم ". والسياق للبخاري. * 3028- (كانَ يَمُرُّ بالقِدْرِ فَيَأْخُذُ العَرْقَ فيصيبُ منه، ثم يصلي ولم يتوضَّأُ ولم يَمَسَّ ماءً. وفي روايةٍ: فما توضَّأ ولا تَمَضْمَضَ) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (1/50) وعنه أبو يعلى (7/427/ 4449) ، وأحمد (6/ 161) قالا: ثنا حسين بن علي عن زائدة عن عبد العزيز بن رفيع عن عكرمة وابن أبي مليكة عن عائشة قالت: كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره، والسياق لأحمد. قلت: وهذا إسناد صحيح غاية، وعلى شرط الشيخين، والعجب كيف لم يخرجه الحاكم مستدركاً إياه على الشيخين؟! والرواية الأخرى: أخرجها البزار في "مسنده " (1/153/298) : حدثنا أحمد ابن منصور بن سيار: ثنا يحيى بن يعلى: ثنا زائدة به. وهذا صحيح أيضاً، ابن سيار- وهو الرمادي- ثقة اتفاقاً، ويحيى بن يعلى ـ وهو المحاربي- ثقة ومن رجال الشيخين أيضاً.

3029

وللحديث بهذه الرواية شاهد من حديث ابن عباس قال: " رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأكل عرقاً من شاة، ثم صلى ولم يتمضمض ولم يمس ماءً ". أخرجه ابن حبان (2/236/115) ، وأحمد (1/253 و 281) من طريقين عن محمد بن عمرو بن عطاء عنه. ومحمد هذا- وهو العامري القرشي- ثقة من رجال الشيخين، وكذلك سائر الرواة، فالسند صحيح، والحمد الله. وهو في "الصحيحين " وغيرهما من طرق أخرى عن ابن عباس مختصراً دون ذكر المضمضة، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (182 و 184 و5 18) . ثم وجدت للحديث طريقاً آخر يرويه أبو مروان العثماني قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه به. أخرجه ابن حبان أيضاً (1139) . ورجاله ثقات؛ غير أبي مروان العثماني، واسمه محمد بن عثمان بن خالد الأموي، وهو صدوق يخطئ، فمثله يستشهد به. * 3029- (يا أبا ذر..! يُجْزِئُكَ الصَّعِيدُ وَلَوْ لَم تَجِدِ الماءَ عِشْرِينَ سَنَةً (وفي روايةٍ: عَشْرَ سِنِينَ) ؛ فإذا وَجَدْتَهُ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/198/1355- ط) : حدثنا أحمد قال: حدثنا مقدم قال: حدثنا القاسم عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال:

كان أبو ذر في غُنَيمة له بـ (الربذة) ، فلما جاء؛ قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا أبا ذر! " فسكت، فرددها عليه، فسكت، فقال: "يا أبا ذر! ثكلتك أمك ". قال: إني جنب. فدعا له الجارية بماء، فجاءته، فاستتر براحلته واغتسل، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يجزئك.. " الحديث. وأخرج المرفوع منه البزار في "مسنده " (1/157/ 310- كشف الأستار) : حدثنا مقدم بن محمد بن علي بن مقدم المقدمي: حدثني عمي القاسم بن يحيى ابن عطاء بن مقدم: ثنا هشام بن حسان به. ولفظه: "الصعيد وَضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء؛ فليتق الله وليَمِسَّه بَشَرَهُ؛ فإن ذلك خير". وقال: " لا يروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه؛ ومقدم ثقة معروف النسب". وقال الطبراني: "تفرد به مقدم ". قلت: وهو ثقة كما قال البزار وغيره، وهو من شيوخ البخاري في "الصحيح"؛ وكذا عمه ثقة من رجاله، ومن فوقه من رجال الشيخين، فالإسناد صحيح، وصححه ابن القطان كما في "التلخيص الحبير" (1/154) ، وعقب عليه بقوله: "لكن قال الدارقطني في "العلل ": إن إرساله أصح ".

3030

ويشهد له حديث أبي ذر نفسه مطولاً عند أبي داود وغيره، وصححه ابن حبان والدارقطني وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء " (1/ 181/153) ، و"صحيح أبي داود" (358- 360) . * 3030- (كان إذا أَسْلَمَ الرَّجُلُ، كان أَوَّلُ ما يُعَلِّمُنَا الصلاة، أو قال: عَلِّمَهُ الصلاة) . أخرجه البزار في "مسنده " (1/ 171/338) : حدثنا أبو كريب: ثنا أبو معاوية: [ثنا] أبو مالك الأشجعي عن أبيه قال ... فذكره قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات: أبو كريب- هو محمد بن العلاء الكوفي - ثقة حافظ من رجال الشيخين. أبو معاوية - هو محمد بن خازم الكوفي - من رجال الشيخين؛ قال الحافظ في " التقريب ": " ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش؛ وقد يهم في حديث غيره " قلت: وقد توبع كما يأتي أبو مالك الأشجعي- اسمه سعد بن طارق بن أشيم- ثقة من رجال مسلم، وأبوه صحابي معروف، أخرج له مسلم في "صحيحه " حديثين، والطبراني سبعة عشر حديثآ بحذف المكرر، ولأحمد ستة منها، وبعضها في "السنن "، وفي الكثير منها تصريحه بسماعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. والحديث أخرجه الطبراني في" المعجم الكبير " مختصراً فقال: (8/380/8186) : حدثنا محمد بن هشام بن أبي الدميك: ثنا الحسن بن حماد

3031

الحضرمي: ثنا مروان بن معاوية: ثنا أبو مالك الأشجعي به. ولفظه: "كان الرجل إذا أسلم على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - علموه الصلاة". قلت: وهذا إسناد صحيح أيضاً: ا- ابن أبي الدميك هذا بغدادي ثقة، ترجمه الخطيب في "تاريخه ". 2- والحسن بن حماد الحضرمي بغدادي أيضاً، وثقه ابن حبان والخطيب والذهبي 3- مروان بن معاوية- هو الفزاري الكوفي- ثقة من رجال الشيخين. وقال الهيثمي في "المجمع " (1/293) : "رواه الطبراني والبزار في " الكبير"، ورجاله رجال (الصحيح) ". كذا وقع فيه على القلب، ولعل الأصل: "الطبراني في (الكبير) ". ثم إن زيادة [ثنا] في إسناد البزار قد سقطت من "كشف الأستار"؛ فاستدركتها من "مختصر الزوائد" (ص 40) من مصورة عندي، وكذلك أثبتها محقق المطبوعة منه (1/188) ، وذكر في التعليق أنها سقطت من (س) . وانظر- لمزيد من الفائدة- ما تقدم من هذه "السلسلة" (2953) . * 3031- (صلى على مَيِّتٍ بعد موتِهِ بثلاثٍ) . أخرجه الدارقطني في "السنن " (2/78/7) ، ومن طريقه: البيهقي في "سننه " (4/46) ، والخطيب في "تاريخه " (7/455) عن الحسن بن يونس الزيات: ثنا إسحاق بن منصور: ثنا هريم بن سفيان عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى ... الحديث.

قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الحسن بن يونس الزيات، وكان ثقة كما قال الخطيب، وذكر أنه روى عنه جمع من الثقات مثل: ابن خزيمة وابن صاعد والمحاملي. قلت: ومنهم البزار في "مسنده " (1/209/415) . لكن أشار الدارقطني والبيهقي إلى أن لفظة "بثلاث " شاذة؛ خالف هريم فيها جمعاً من الثقات لم يذكروها، وصرح بذلك الحافظ فقال في "الفتح " بعد أن ذكر لفظين آخرين: "بليلتين "، و: "بعد شهر" (3/305) : "وهذه روايات شاذة، وسياق الطرق الصحيحة يدل على أنه صلى عليه في صبيحة دفنه ". وهو كما قال رحمه الله، وقد كنت خرجت بعض الطرق المشار إليها في "الإرواء" (3/183/736/2) ، وبعضها صريحة الدلالة على ما قال. لكني أقول: إن حديث الترجمة يشهد له أحاديث؛ أقواها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن امرأة سوداء كانت تَقُمُّ المسجد، فماتت، ففقدها النبي- صلى الله عليه وسلم -، فسأل عنها بعد أيام؟ فقيل: إنها ماتت. فقال: "هلا كنتم آذنتموني؟ ". فأتى قبرها وصلى عليها. رواه الشيخان، وغيرهما كابن ماجه والبيهقي والسياق لهما، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (113- المعارف) .

3032

ففيه أنه صلى عليها بعد أيام من موتها، فهي ثلاثة أو أكثر؛ ففيه جواز الصلاة على الميت وهو في قبره، وأن ذلك لا يشمله النهي عن الصلاة إلى القبور؛ كما هو مبين في غير هذا الموضع، وأن الجواز لا يقيد بيوم أو ليلة، وإنما بعلمه الحادث بالوفاة والدفن. وقد أفاض الحافظ المغربي ابن عبد البر في كتابه "التمهيد" (6/279) في ذكر الأحاديث الواردة في الباب بأسانيدها- كما هي عادته- وبيان مذاهب الأئمة الفقهاء حولها، ووجهة نظرهم فيها، ثم ختم ذلك بخلاصة ما انتهى إليه من فقهها، فقال: "من صلى على قبر، أو على جنازة قد صلي عليها؛ فمباح له ذلك؛ لأنه قد فعل خيراً لم يحظره الله ولا رسوله، ولا اتفق الجميع على المنع منه، وقد قال الله تعالى: ((وافعلوا الخير)) [الحج: 77] ، وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر، ولم يأت عنه نسخه، ولا اتفق الجميع على المنع منه، فمن فعل فغير حرج، ولا معنَّف، بل هو في حل وسعة وأجر جزيل إن شاء الله، إلا أنه ما قدم عَهْدُه فمكروه الصلاة عليه؛ لأنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه أنهم صلوا على القبر إلا بحدثان ذلك، وأكثر ما روي فيه شهر". * 3032- (كان إذا كان راكعاً أو ساجداً قال: سبحانك وبحمدك، أَسْتَغْفِرُكَ وأَتُوبُ إليك) . أخرجه البزار في "مسنده " (1/263/542- كشف الأستار) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/192/10302) ، و"الأوسط " أيضاً (1/129/ 831) ، وكذا في "الدعاء" (2/1066/593) ؛ لكنه لم يذكر (راكعاً) عن زيد بن أبي أنيسة عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال:

كان نبيكم.. الحديث، وقال البزار والطبراني- واللفظ له-: "لا يروى عن ابن مسعود إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبد الله بن جعفر". قلت: وهو الرقي، وهو ثقة من شيوخ البخاري ومسلم، وكذلك من فوقه؛ غير أن حماد بن أبي سليمان إنما روى له البخاري في "الأدب المفرد"، فالحديث حسن الإسناد، صحيح بشاهده المذكور- آنفاً-. (تنبيه) : وقع (حماد) هكذا غير منسوب عند الطبراني، فلما أراد الهيثمي أن ينسبه وقع منه أخطاء، فلزم بيانها؛ فإنه قال (2/127) : "ورجال الطبراني رجال "الصحيح "؛ خلا حماد بن سليمان، وهو ثقة، ولكنه اختلط ". فأقول: أولاً: ليس في الرواة مطلقاً- بله من وصف بالاختلاط- من يسمى (حماد ابن سليمان) ، وقد يخطر في البال أنه أراد (حماد بن سلمة) ، وهو بعيد جداً؛ لأن الهيثمي استثناه من رجال "الصحيح "، وهو منهم، روى له مسلم محتجاً، واستشهد به البخاري، ثم إنه لم يرمه أحد بالاختلاط، وهو إمام من أئمة السنة رحمه الله تعالى. ومن الغريب أن هذا الخطأ انطلى على المعلق على "مسند أبي يعلى" (9/149) ، فنقله عن الهيثمي دون أي تعليق عليه! بخلاف المعلق على "دعاء الطبراني "؛ فإنه لحظ أن فيه شيئاً؛ فطبع جنب الاسم علامة التعجب هكذا: ".. حماد بن سليمان، (كذا) .. ". وقد عرفت أنه (حماد بن أبي سليمان) ؛ وقع هكذا في "مسند البزار"، وهو

3033

أبو إسماعيل الأشعري الكوفي الفقيه، ومن الرواة عن زيد بن أبي أنيسة، كما في "تهذيب المزي ". ثانياً: عزاه الهيثمي لـ "أوسط الطبراني " دون "معجمه الكبير"، وهو تقصير؛ فقد أخرجه فيه- كما سبقت الإشارة إليه- بإسناده ومتنه. هذا؛ وقد تنبهنا بعد تخريج الحديث أنه كان مخرجاً ومطبوعاً في (المجلد الخامس) من هذه "السلسلة " برقم (2084) ، وفي الإعادة إفادة إن شاء الله؛ وبخاصة أن هنا زيادة لم ترد هناك. * 3033- (صلاةُ القاعِدِ على النِّصْفِ مِنْ صلاةِ القائمِ) . قلت: قد صح هذا عن جمع من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في "الصحيحين " و"السنن " وغيرهما، وقد خرجت الكثير منها قديماً في "الروض النضير" (585 و 776) ، و"صحيح أبي داود" (876- 878) ، و" الإرواء " (2/206/ 455) ، ولكني وقفت على رواية عزيزة عن صحابي آخر- هو عبد الله بن عمر رضي الله عنهما- لنكتة سيأتي بيانها، وقد عزاه السيوطي للطبراني وحده فقصر. وبعد هذا فإني أقول: لقد وجدت للحديث عدة طرق: الأولى: الزهري أن عبد الله بن عمر قال: قدمنا المدينة؛ فأصابنا وباء من وعك المدينة شديد، وكان الناس يكثرون أن يصلوا في سبحتهم جلوساً، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم عند الهاجرة وهم يصلون في سبحتهم جلوساً، فقال ... فذكره. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (2/471/4120) عن معمر؛ وابن أبي

شيبة (2/52) عن عبيد الله بن عمر؛ كلاهما عنه به. قلت: وهذا إسناد صحيح لولا الانقطاع بين الزهري وابن عمر؛ فإنه لم يدركه، وقد وصله بعض الضعفاء كما يأتي. الثانية: قال البزار في "مسنده " (1/274/567) : حدثنا يوسف بن محمد ابن سابق: ثنا الحسين بن علي: ثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين؛ غير ابن سابق هذا؛ وقد أورده ابن حبان في (الطبقة الرابعة) من "الثقات " (9/282) ، وكناه بـ "أبي بكر القرشي الكوفي "، وقال: "يروي عن وكيع، حدثنا عنه شيوخنا". فهو معروف غير مجهول. الثالثة: يرويه أبو صالح الحراني: ثنا عبد الرزاق بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال ... فذكره. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/282/13122) . قلت: وهذا ضعيف جداً؛ عبد الرزاق بن عمر- هو أبو بكر الثقفي الدمشقي- قال الحافظ في "التقريب ": "متروك الحديث عن الزهري، لين في غيره ". فالعمدة على الطريق التي قبله. وأبو صالح الحراني- هو عبد الغفار بن داود- ثقة من رجال البخاري

3034

وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/149) : "رواه البزار والطبراني في "الكبير"، وإسناده حسن "! قلت: وهذا التخريج والتحسين يدل ظاهرهما على أمرين منكرين: أحد هما: أن إسناد البزار والطبراني واحد، وهذا خلاف الواقع. والآخر: أن إسناد الطبراني هو الحسن، والصواب العكس تماماً كما تقدم. وقد انطلى الأمر على الشيخ الأعظمي؛ فنقله عن الهيثمي في تعليقه على "مسند البزار" دون أي تعقيب! ثم جاء من بعده الأخ حمدي السلفي وأخذ منه ما يتعلق بالطبراني فقال في تعليقه عليه: "قال في "المجمع " (2/149) : وإسناده حسن "!! ولا لوم عليه من حيث فهمه لعبارة الهيثمي؛ لكن كان عليه أن يدرس الإسناد وهو بين يديه! فهذه الأوهام والتنبيه عليها كان من أقوى الأسباب التي حملتني على تخريج حديث ابن عمر هذا؛ مع صحته واستفاضته عن الصحابة الآخرين، رضي الله عنهم أجمعين. * 3034- (يكونُ خَلْفٌ مِنْ بَعْدِ ستينَ سنةً (أضاعُوا الصلاةَ واتبعوا الشَّهَوَات فسوفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً) . ثم يكونُ خلفٌ يَقْرَأُون القرآنَ لا يَعْدُو تَرَاقِيَهُم. ويَقْرَأُ القرآنَ ثلاثةٌ: مؤمنٌ، ومنافقٌ، وفاجرٌ) . أخرجه ابن حبان (2/67/752-الإحسان) ؛والحاكم (2/374و4/547) ؛

3035

وعنه البيهقي في كتابيه "الشعب " (2/533) ، و"الدلائل " (6/465) ، وأحمد (3/38- 39) من طريق بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس حدثه أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. وقال: قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ فقال: "المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به ". وقال الحاكم: "صحيح، رواته حجازيون وشاميون أثبات ". ووافقه الذهبي. (تنبيه) : لم يورد الهيثمي هذا الحديث في كتابه "مجمع الزوائد" بعد أن بحثت عنه في مظانه منه، ولم يورده زغلول في "فهارس مجمع الزوائد"، وكذلك لم يورده الهيثمي في كتابه الآخر: "موارد الظمآن "، فاستدركته عليه فيه، ومثله عشرات، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات. * 3035- (كُتِبتْ عنده سورةُ (النجم) ، فلمَّا بَلغَ السَّجْدَة سَجَدَ، وسَجَدْنا معه، وسَجَدَتِ الدَّوَاةُ والقَلَمُ) . أخرجه بهذا التمام البزار في " مسنده " (1/360/753- كشف الأستار) : حدثنا محمد بن عبد الرحيم: ثنا مسلم الجرمي: ثنا مخلد بن حسين عن هشام عن محمد عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتبت عنده.. الحديث. وقال البزار: " لانعلم رواه بهذا اللفظ إلا أبو هريرة؛ ولانعلمه إلا من هذا الوجه؛ تفرد به مخلد عن هشام ". قلت: وهما ثقتان من رجال مسلم. ومسلم الجرمي هو ابن أبي مسلم الجرمي؛ واسم أبيه (عبد الرحمن) ؛بيض

له ابن أبي حاتم (4/ 1/188) ، وترجمه الخطيب في "التاريخ " (13/ 100) برواية جمع من الحفاظ عنه؛ منهم أبو يحيى صاعقة- وهو محمد بن عبد الرحيم الراوي عنه هنا-، ومنهم موسى بن هارون الحافظ، وقال: "مات سنة أربعين (يعني ومئتين) ، وكتبت عنه ببغداد". وقال الخطيب: "وكان ثقة ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/198) وقال: "ربما أخطأ". وأخرج له في "صحيحه " عدة أحاديث، وهذه أرقامها (441 و 4434 و 5693 و7340- الإحسان) ، وأحدها تقدم برقم (2801) ، وله حديث آخر عند البزار (2/86/1265) حسن إسناده الحافظ، ولم يعرفه الهيثمي فيهما، وأما هنا فقال (2/285) : "رواه البزار، ورجاله ثقات "! وكذا قال الحافظ في "الفتح " (2/554) . وعلى هذا فالإسناد جيد. وكذا قال المنذري (2/212/37) . وقد توبع؛ فأخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/208) ، والدارقطني في "سننه " (1/409/11) من طريقين آخرين عن مخلد بن الحسين به مختصراً بلفظ:

" سجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بآخر (النجم) ، و [سجد معه من حضره من] الجن والإنس والشجر". وعزاه السيوطي في ((الدر)) (6/ 121) لابن مردويه فقط! وفي سجوده- صلى الله عليه وسلم - في (النجم) أحاديث أخرى بعضها في "الصحيحين "؛ كحديث ابن مسعود، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1267) . لكن في سجود أبي هريرة معه - صلى الله عليه وسلم - فائدة عزيزة تبطل قول من زعم أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لم يسجد وهو في المدينة؛ لتأخر إسلام أبي هريرة رضي الله عنه، ولذلك؛ ذكر الحافظ هذا الحديث، وأتبعه بقوله- بعد أن وثق رجاله كما تقدم-: "وروى ابن مردويه " في التفسير" بإسناد حسن عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن: أنه رأى أبا هريرة سجد في خاتمة (النجم) ؛ فسأله؟ فقال: إنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها. وأبو هريرة إنما أسلم بالمدينة. وروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن الأسود بن يزيد عن عمر: أنه سجد في (إذا السماء انشقت) . ومن طريق نافع عن ابن عمر: أنه سجد فيها. وفي هذا رد على من زعم أن عمل أهل المدينة استمر على ترك السجود في المفصل ". واعلم أنه قد روي سجود الدواة والقلم في رؤيا رآها أبو سعيد الخدري رضي الله عنه حين قرأ فيها سورة (ص) في حديث رواه أحمد وغيره، وهو مخرج في "الصحيحة" (2710) و"صحيح أبي داود" تحت الحديث (1271) ، فقد يقال: لعل ذكر سجود الدواة والقلم في حديث الترجمة وهم من بعض رواته؛ دخل عليه حديث في حديث. والله سبحانه وتعالى أعلم. *

3036

3036- (إنَّ الشيطانَ قَدْ خَلَفَكَ في أهلكَ؛ فاذهب بهذا العُرْجُونِ؛ فَأَمْسِكْ به حتى تأتِيَ بَيْتَكَ؛ فَخُذْهُ مِن وراءِ البيتِ فاضْرِبْهُ بالعُرْجُونِ (¬1)) أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (19/5-6) من طريق عاصم بن عمر ابن قتادة عن أبيه عن جده قتادة بن النعمان قال: كانت ليلة شديدة الظلمة والمطر، فقلت: لو أني اغتنمت هذه الليلة شهود العتمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -! ففعلت، فلما انصرف النبي- صلى الله عليه وسلم - أبصرني ومعه عرجون يمشي عليه، فقال: " ما لك يا قتادة! ههنا هذه الساعة؟ ". قلت: اغتنمت شهود الصلاة معك يا رسول الله! فأعطاني العرجون، فقال ... فذكره، فخرجت من المسجد، فأضاء العرجون مثل الشمعة نوراً، فاتضأت به، فأتيت أهلي فوجدتهم رقوداً، فنظرت في الزاوية فإذا فيها قنفذ، فلم أزل أضربه بالعرجون حتى خرج. قلت: ورجاله كلهم ثقات مترجمون في "التهذيب "؛ غير أن عمر بن قتادة أورده البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما من رواية ابنه عاصم هذا، ولم يذكروا فيه جرحاً، وكذلك ذكره ابن حبان في "الثقات " (5/146) ، وابنه عاصم تابعي معروف مات سنة (119) ، فيكون أبو عمر من كبار التابعين، فمثله يستشهد به. وقد توبع، فأخرجه الطبراني أيضاً (19/13- 14) من طريق سويد بن عبد العزيز عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن قتادة بن النعمان به نحوه. ¬

(¬1) العرجون: وهو العود الأصفر الذي فيه شماريخ العذق؛ كما في النهاية ".

وهذا وإن كان إسناده واهياً لحال ابن أبي فروة والراوي عنه؛ فإن للحديث شاهداً قوياً يرويه فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث عن أبي سلمة عن أبي سعيد بهذا الحديث نحوه دون ذكر (القنفذ) ، وفيه: ((خذ هذا فسيضيء أمامك عشراً وخلفك عشراً)) . أخرجه أحمد (3/65) ، والبزار (1/296- 297) مطولاً؛ فيه قصة العراجين، والنهي عن البصق أمامه، ونسيان ساعة الجمعة، وقد أخرج شيئاً منه ابن خزيمة (881 و1741) ، والحاكم (1/ 279) ، وقال: ((صحيح على شرط الشيخين)) ! ووافقه الذهبي. وهو كما قالا؛ لولا أن فليحاً هذا فيه كلام من جهة حفظه، ولذلك لم يزد الذهبي في ((الكاشف)) على قوله فيه: ((قال ابن معين وأبو حاتم والنسائي: ليس بالقوي)) . وقال الحافظ: ((صدوق كثير الخطأ)) وقد تفرد- فيما علمت- بجملة نسيانه - صلى الله عليه وسلم - لساعة الإجابة يوم الجمعة، ولذلك كنت خرجتها في "الضعيفة" (1177) . وأما روايته لقصة قتادة هذه، فإني لما وجدت لها هذه الطريق من رواية عاصم ابن عمر عن أبيه؛ انشرح الصدر واطمأنت النفس لصحتها، فبادرت إلى إخراجها هنا؛ كمعجزة من معجزاته عليه الصلاة والسلام. وقد قال الهيثمي في حديث الترجمة (2/ 41) :

3037

((رواه الطبراني في ((الكبير)) ، ورجاله موثقون)) . ثم قال في حديث أبي سعيد (2/167) : ((رواه أحمد والبزار.. ورجالهما رجال (الصحيح)) ) . * 3037- (كانَ يَخْطُبُ بِمِخْصَرَةٍ في يَدِهِ) . أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (1/377) : أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي وقتيبة بن سعيد قالا: أخبرنا عبد الله بن لهيعة عن أبي الأسود عن عامر ابن عبد الله بن الزبير عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات على ضعف في حفظ ابن لهيعة معروف؛ لكن قتيبة بن سعيد من الثقات الذين صحح العلماء حديثهم عن ابن لهيعة؛ لأنه كان يروي عنه من كتابه وليس من حفظه؛ كما تقدم تحقيق ذلك عن الذهبي في غيرما موضع، فلا داعي للإعادة. والحديث أخرجه البزار في "مسنده " (1/306- 307) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (128) ، والبغوي في "شرح السنة " (4/243) من طرق أخرى عن ابن لهيعة به. وقال البزار: ((لا نعلمه عن ابن الزبير إلا من هذا الطريق)) . قلت: ولفظ البغوي: ((كان يخطب بمخصرة)) . وبهذا اللفظ أورده الهيثمي في "المجمع " (2/187) ، وقال: ((رواه الطبراني في ((الكبير)) ، والبزار، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام)) .

3038

وأقول: وهكذا وقع لفظه في ((مختصر زوائد البزار)) للحافظ (1/294/448) ، بخلاف لفظه في ((كشف الأستار)) ، فإنه بلفظ: ((كان يشير بمخصرة إذا خطب)) . وهذا منكر عندي بلفظ "يشير"، فلا أدري هذه الزيادة ثابتة عند البزار- فيكون من أوهامه- أو هي خطأ من بعض النساخ؛ أو لعل أصله: "يمسك " فتحرف على الناسخ؟! والله أعلم. هذا؛ وللحديث شواهد كثيرة تزيده قوة على قوة؛ قد ذكرت بعضها في ((الإرواء)) (3/78 و 99) ، وخرجت الكثير الطيب منها في ((الضعيفة)) (2/380 ـ 383) ، وبينت فيها أن اعتماده على العصا لم يكن وهو - صلى الله عليه وسلم - على المنبر. فراجعه؛ فإنه مهم. * 3038- (مِنَ السُّنَّةِ أنْ يَطْعَمَ [يومَ الفِطْرِ] قَبْلَ أنْ يَخْرُجَ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ) . أخرجه البزار في ((مسنده)) (1/312/ 651) : حدثنا إبراهيم بن هانىء: ثنا محمد بن عبد الواهب عن أبي شهاب عبد ربه بن نافع- كوفي مشهور- عن الأعمش عن مسلم بن صبيح عن ابن عباس قال ... فذكره. وقال: ((لا نعلمه إلا بهذا الإسناد)) . قلت: وهو إسناد صحيح، خفي حال بعض رجاله على الهيثمي؛ فقال (2/199) - بعد أن ذكره بهذا اللفظ وبلفظ ((أوسط الطبراني)) الآتي-: ((وفي إسناد البزار من لم أعرفه)) . فتعقبه الحافظ في ((مختصر الزوائد)) ، فقال عقبه (1/299) :

((قلت: لا أدري من غَنَى بهذا؟! فكلهم ثقات معروفون، والإسناد متصل!)) . وأقول: من الظاهر عندي أنه يعني شيخ البزار إبراهيم بن هانئ، أو شيخ شيخه محمد بن عبد الواهب، أو كليهما معاً؛ فإن من فوقهما من رجال ((التهذيب)) ، فيستبعد جداً ًأن يخفى عليه حال أحدهم، ومع ذلك فإني أستغرب خفاء حالهما عليه! فإنه ممن رتب كتاب "الثقات " لابن حبان على الحروف، وهما في "ترتيبه ": الأول منهما في الجزء الأول، والثاني في الجزء الثالث، فالمتوقع أن يكون على علم بهما، أو على الأقل أن يراجع "ترتيبه "! فسبحان الله! (لايضل ربي ولا ينسى) أما إبراهيم بن هانىء؛ فهو أبو إسحاق النيسابوري، أورده ابن حبان في (الطبقة الرابعة) من "الثقات " (8/83) ، وقال: ((روى عنه البغداديون؛ كان من إخوان أحمد ممن يجالسه على الحديث والدين)) . وله ترجمة جيدة في "تاريخ بغداد" (2/204- 206) ، وروى توثيقه عن أحمد والدارقطني، توفي سنة (265) . وأما شيخه محمد بن عبد الواهب؛ فهو أبو جعفر الحارثي، وهو بغدادي أيضاً، ذكره ابن حبان أيضاً في "الثقات " (9/83) برواية الحافظ البغوي عنه، ثم قال: ((ربما أخطأ)) . وترجمه الخطيب أيضاً (2/ 390- 392) برواية جمع آخر عنه من الحفاظ، وروى توثيقه عن صالح جزرة، مات سنة (229) ، ووثقه البزار أيضاً. وللحديث طرق أخرى؛ فرواه الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس قال:

((من السُّنة أن لا تخرج يوم الفطر حتى تُخْرِجَ الصدقة وتَطْعَمَ شيئاً قبل أن تخرج)) . أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 160) ، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/ 141-142) . قلت: ورجاله ثقات؛ لكن الحجاج مدلس، وقد عنعن. وتابعه ابن جريج عن عطاء به؛ إلا أنه قال: (( ... حتى تطعم، ولا يوم النحر حتى ترجع)) . أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/238/1006- مجمع البحرين) من طريق إسحاق بن عبد الله التميمي الأذني: ثنا إسماعيل ابن علية عن ابن جريج به. وقال: ((تفرد به إسحاق)) . قلت: ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 120) من رواية بلال بن العلاء عنه. وبلال هذا لم أجده لا عنده ولا عند غيره، فهو وشيخه إسحاق من المجهولين. فقول الهيثمي: ((وإسناد الطبراني حسن)) غير حسن؛ لا سيما وابن جريج قد عنعن. لكنه قد صح عنه التصريح بالتحديث، فقال عبد الرزاق (3/305/5734) ، وعنه أحمد (1/313) : أنا ابن جريج: أنبأنا عطاء: أنه سمع ابن عباس يقول: إن استطعتم أن لا يغدو أحدكم يوم الفطر حتى يطعم فليفعل. قال: فلم أدع أن آكل قبل أن أغدو منذ سمعت ذلك من ابن عباس، فآكل من طرف الصريقة الأُكلة، أو أشرب اللبن أو الماء.

قلت: فعلام يؤوَّل هذا؟ قال: سمعه- أظن- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: كانوا لا يخرجون حتى يمتد الضَّحاء، فيقولون: نطعم لئلا نعجل عن صلاتنا. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وروى ابن أبي شيبة (2/ 161) من طريق عبد الله بن الحارث عن ابن عباس قال: إذا خرجت يوم العيد- يعني: الفطر، فكُلْ ولو تمرة. وإسناده صحيح، وعبد الله هذا هو الأنصاري أبو الوليد. وفي معنى حديث الترجمة ما رواه البيهقي (3/283) بسند صحيح عن سعيد بن المسيب قال: كان المسلمون يأكلون يوم الفطر قبل الصلاة؛ ولا يفعلون ذلك يوم النحر. فإن (المسلمون) في هذا الأثر إنما هم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - الذين تلقوا هذه السنة من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهي المقصودة بقول ابن عباس: ((من السنة)) ؛ كما هو مقرر في علم مصطلح الحديث. على أن للحديث شواهد كثيرة صريحة الرفع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -؛ كحديث أنس: ((كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات)) . رواه البخاري وغيره. وزاد بعض الضعفاء ((سبع تمرات)) ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (4248)

3039

(تنبيه) : قوله: (عبد الواهب) هكذا وقع في "كشف الأستار"، وكذا في أثناء ترجمته في "تاريخ بغداد"، وفي ترجمة (عبد ربه) من "تهذيب الحافظ المزي " (16/ 486) ، وهو الصواب. ووقع في "ثقات ابن حبان "، و"ترتيبه " للهيثمي، وفي أول ترجمته من " التاريخ "، و"مختصر الزوائد ": (عبد الوهاب) ، وهو تصحيف، ومن الدليل على ذلك أن الخطيب كان قد ترجم قبله لجمع؛ منهم ثلاثة يسمون بـ (محمد بن عبد الوهاب) ، ثم عقد فصلاً خاصاً فقال: "ذكر مفاريد الأسماء على التعبد". فذكر تحته- أول ما ذكر- (محمد بن عبد الواهب) هذا، فلو كان الصواب كما وقع فيه تحته مباشرة (ابن عبد الوهاب) لم يذكره هنا؛ وإنما مع الثلاثة المشار إليهم هناك، فهذا دليل قاطع على أنه تحرف على الطابع أو الناسخ، ويؤيده أنه جاء على الصواب في أثناء الترجمة كما تقدم: (ابن عبد الواهب) ، وإن كنت لا أعلم أن من أسماء الله (الواهب) إلا اشتقاقاً، فهذا شيء آخر، وفيه نظر لا يخفى على أهل العلم. ثم وقفت على حديث آخر لمحمد بن عبد الواهب هذا، فبادرت إلى إخراجه لعزته، ولتأكيد الصواب المذكور في اسمه، فانظره برقم (3040) . * 3039- (ما أَنعَمَ اللهُ على قومٍ نِعْمَةُ إلا أصبحُوا بها كافرِينَ) . أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين " (2/157/1102) : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة: ثنا أبو اليمان: ثنا إسماعيل بن عياش. ح

وحدثنا أبو زرعة الدمشقي: ثنا علي بن عياش: ثنا عبد الرحمن بن سليمان ابن أبي الجون، قالا: ثنا راشد بن داود الصنعاني عن أبي عثمان الصنعاني عن أبي الدرداء قال: قحط المطر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فسألناه أن يستقي لنا، [فاستقى] ، فغدا النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا هو بقوم يتحدثون يقولون: سقينا بنجم كذا وكذا! فقال: النبي - صلى الله عليه وسلم -..... فذكره وأخرجه البزار في "مسنده " (1/316/658- كشف الأستار) : حدثنا إبراهيم [هو] (¬1) ابن [هانىء: ثنا] أ (2) محمد بن إسماعيل بن عياش: حدثني أبي: حدثني راشد بن داود الصنعاني به. وزيادة: [فاستسقى] منه. قلت: فهذان طريقان إلى راشد بن داود الصنعاني- وهو صدوق له أوهام- عن أبي عثمان الصنعاني- واسمه شراحيل بن مرثد- وهو ثقة مخضرم، فهو من الطريق الأولى عنه جيد؛ لأن رجاله كلهم ثقات؛ لأن إسماعيل بن عياش ثقة صحيح الحديث في روايته عن الشاميين، وهذه منها. وهو من الطريق الأخرى عنه حسن لذاته، أو على الأقل حسن لغيره؛ لأن ابن أبي الجون صدوق يخطئ؛ كما في ((التقريب)) ، فهو قوي بمتابعة إسماعيل بن عياش له. وللحديث شواهد يزداد بها قوة على قوة: الأ ول: عن زيد بن خالد الجهني مرفوعاً نحوه، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في ((الإرواء)) (3/ 144/ 681) . ¬

(¬1) و (2) سقطتا من ((الكشف)) ؛واستدركتهما من ((مختصر الزوائد)) (1/307) .

وفي رواية عنه قال: مُطر الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة، فلما أصبح رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ((ألم تسمعوا ما قال ربكم الليلة؟ قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرين، فأما من آمن بي وحمدني على سقياي؛ فذلك الذي آمن بي وكفر بالكواكب، وأما الذي قال: مُطرنا بنوء كذا؛ فذلك الذي آمن بالكواكب وكفر بي- أو كفر نعمتي-)) . أخرجه أبوعوانة (1/26ـ 27) ؛ والنسائي (1/227) ؛ والحميدي في ((مسنده)) (356/813) الثاني: عن أبي هريرة نحو حديث زيد مختصراً. أخرجه مسلم (1/59- 60) من طريقين عنه، والنسائي، والبيهقي (3/358) ، وأحمد (2/362 و 368) من أحدهما عنه. الثالث: عن ابن عباس قال: مُطر الناس على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم -؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أصبح من الناس شاكر، ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة الله، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا. قال: فنزلت هذه الآية: (فلا أقسم بمواقع النجوم) حتى بلغ (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) [الواقعة/75ـ82] )) أخرجه مسلم (1/ 60) ، وأبو عوانة، والبيهقي من طريق عكرمة بن عمار: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس.. وهذا إسناد حسن؛ فإن عكرمة هذا مع كونه من رجال مسلم ففي حفظه

كلام، ولذلك قال الحافظ: ((صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب)) (تنبيه) : أعل الهيثمي الطريق الأولى عن أبي الدرداء بابن عياش؛ فقال (2/212) : ((رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، وفيه إسماعيل بن عياش، وفيه كلام)) . فأقول: هذا الإعلال ليس بشيء؛ لما تقدم ذكره أنه صحيح الحديث عن الشاميين، فالكلام فيه إنما هو إذا روى عن غيرهم؛ كما صرح به كبار الأئمة كأحمد والبخاري وغيرهم. وأما الشيخ الأعظمي فتعقبه في تعليقه على ((كشف الأستار)) بقوله: ((قلت: الذي بين أيدينا فيه محمد بن إسماعيل لا إسماعيل)) ! فأقول: بل فيه إسماعيل أيضاً؛ والشيخ إنما أتي من وقوفه مع ظاهر السند الذي بين يديه، ولم يتنبه للسقط الذي وقع فيه، ولست أدري هل هو كذلك في الأصل الذي طبع عليه، أم قدم كذلك مطبوعاً إليه فعلق بما تقدم عليه؟! وأيهما كان فأحلاهما مر؛ إذ كان عليه أن يدرك أن محمد بن إسماعيل لم يدرك راشد بن داود الصنعاني، أو على الأقل لم يذكروا رواية له عنه، وإنما لأبيه إسماعيل، ولم يذكروا لمحمد رواية عن أحد إلا عن أبيه، فهذا وحده كان يكفيه منبهاً لو كان مُحَقِّقاً حقاً! وإنما لم يعله الهيثمي بمحمد هذا؛ لأنه- والله أعلم- متابع من أبي اليمان عند الطبراني في ((المعجم الكبير)) أيضاً. ومن المؤسف أن المجلد الذي فيه أحاديث أبي الدرداء لم يطبع بعد حتى نتحقق مما ذكرته. والله أعلم. *

3040

3040- (كان يجمع بين الصلاتين في السفر) . أخرجه البزار في ((مسنده)) (1/ 330- 331) : حدثنا إبراهيم بن هانىء: ثنا محمد بن عبد الواهب: ثنا أبو شهاب عن عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره، وقال: ((لا نعلمه عن أبي سعيد إلا من هذا الوجه، ومحمد ثقة مشهور بالعبادة)) . قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، وأبو شهاب اسمه عبد ربه بن نافع، وهو ومن فوقه من رجال ((الصحيح)) ، واللذان دونه ثقتان كما تقدم بيانه قريباً عند الحديث (3038) . وقد استفدنا هنا فائدة مهمة؛ وهي توثيق البزار لمحمد ابن عبد الواهب، فلتُضم إلى توثيق ابن حبان وغيره ممن ذكرت هناك. كما أن تكرر هذا الاسم هنا يؤكد ما رجّحته هناك أن الصواب فيه (عبد الواهب) وليس (عبد الوهاب) ، فتنبه. وقد كنت ذكرت هناك أنه خفي حاله وحال إبراهيم الراوي عنه على الهيثمي، فلعله تبين له الحال فيما بعد؛ فقد عقب على قول البزار الموثق لمحمد هذا بقوله (2/199) : ((قلت: وبقية رجاله ثقات)) . ومن طريقه: أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) بلفظ أتم؛ فقال (2/205/ 1) : حدثنا موسى بن هارون: نا محمد بن عبد الواهب الحارثي به، ولفظه: "جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، أخر المغرب وعجل العشاء، فصلاهما جميعاً ". وقال:

((لم يروه عن عوف إلا أبو شهاب، تفرد به محمد بن عبد الواهب)) . قلت: وهذه متابعة قوية لإبراهيم بن هانىء من موسى بن هارون، وهو حافظ ثقة، فإسناد الطبراني صحيح أيضاً، فالعجب من الهيثمي كيف خص إسناد البزار بالتوثيق وإسناد الطبراني أولى به؟! لأن موسى بن هارون أوثق وأحفظ وأشهر من إبراهيم بن هانىء إلى درجة أن هذا لم يعرفه الهيثمي كما تقدمت الإشارة إليه. هذا؛ وللحديث شواهد كثيرة؛ منها: عن أبي هريرة مثل حديث الترجمة. أخرجه البزار (رقم 687) بإسنادين عن محمد بن أبان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه؛ وقال: ((تفرد به محمد بن أبان)) . قلت: وهو ابن صالح القرشي الجعفي الكوفي، ضعفه ابن معين وغيره ومنها: عن عبد الله بن مسعود به. أخرجه البزار أيضاً (685) وغيره، وتقدم تخريجه تحت الحديث (2837) . ومنها: عن معاذ بن جبل نحو حديث موسى بن هارون، وتقدم تخريجه في (المجلد الأول) رقم (164) ، وهو مخرج في "الإرواء " أيضاً (578) . واعلم أن الجمع المذكور في هذا الحديث ونحوه إنما هو الجمع الحقيقي، وهو تأخير الصلاة الأولى إلى وقت الصلاة الأخرى " كالظهر والعصر مثلاً، يصليان معاً في وقت العصر، وكذلك القول في صلاة المغرب مع العشاء، وفي ذلك أحاديث صحيحة صريحة، وأصرح من ذلك أحاديث جمع التقديم الذي يعني تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر وصلاتهما فيه معاً، وكذلك القول في صلاة

3041

العشاء مع المغرب، فإن هذا الجمع لا يتصور فيه الجمع الصُّوري، ومن أَجْلَى أمثلته الجمع في المطر الثابت في السنة؛ فإنه لا يتصور إلا بجمع التقديم، وفي ذلك كله أحاديث كثيرة صحيحة؛ قد خرجت بعضها في غير موضع من تآليفي، ومنها تحت حديث ابن مسعود المشار إليه آنفاً (2837) ، ومنها حديث أنس في ((الإرواء)) (3/32/579) . * 3041- (لا تُصَلُّوا حتى تَرْتَفعَ الشمسُ؛ فإنَّها تَطْلُعُ بينَ قَرْنَيِ الشَّيطانِ) . أخرجه أحمد (5/ 216) وابنه أيضاً، والبخاري في "كنى التاريخ " (15/107) ، والبزار في "مسنده " (1/336- 337) ، وكذا أبو يعلى (3/143/ 1572) ، والطبراني في "الأوسط " (2/ 106/1/6668) من طرق عن هارون بن معروف: ثنا عبد الله [بن وهب] : أخبرني مخرمة [بن بكير] عن أبيه عن سعيد ابن نافع قال: رآني أبو بشير الأنصاري صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وأنا أصلي صلاة الضحى حين طلعت الشمس؛ فعاب علي ذلك ونهاني، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فذكره ... وقال البزار: ((لا نعلمه إلا من هذا الوجه، وسعيد لا نعلمه حدث عنه إلا بكير)) . قلت: يشير إلى أنه مجهول لا يعرف، ويؤيده أن البخاري وابن أبي حاتم لما ترجماه لم يذكرا راوياً عنه سواه، ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات " (4/291) !

وسائر رواته ثقات رجال مسلم. لكن الحديث صحيح؛ له شواهد كثيرة من حديث علي وعمرو بن عتبة وغيرهما، وهي مخرجة في " الصحيحة " (314) ، و ((الإرواء)) (2/237) ، و"صحيح أبي داود" (1158) ، وإنما خرجته من الوجه المذكور للكشف عن هوية صحابيه الأنصاري، فأقول: اختلفت المصادر المذكورة في ضبط كنيته، فهي عند أحمد وابنه والبخاري والطبراني كما تقدم (أبوبشير) . وعند أبي يعلى (أبو هبيرة) ! وأما البزار؛ فلا أدري الذي وقع فيه؛ فإن أصله ليس تحت يدي، بل ولا وقفت عليه (¬1) ، وإنما عمدتي فيما أعزو إليه مطبوعة مؤسسة الرسالة، ولا أثق بها كثيراً لقلة التحقيق فيها، وكثرة أوهام المعلق عليها، ومن ذلك هذه الكنية، فقد وقعت فيها مخالفة لما تقدم هكذا (أبو اليسر) . وعلق عليها الشيخ الأعظمي فيما قيل: ((بفتح المثناة التحتية والسين المهملة، نبهت عليه لأنه في الأصل بسكون السين)) . كذا قال! وأنا أظن أن الشيخ أو المعلق لم يحسن قراءة الأصل، وأنه ربما كان هكذا (أبو النسر) هكذا بالإهمال، وكذا هو في "مجمع الزوائد" (2/226) بزيادة نقطة من تحت مع إهمال السين، وهذا عندي أقرب، فهو (أبو البشر) ؛ أي بإعجام السين؛ على قاعدة بعض النساخ قد يماً؛ حيث كانوا يهملون المعجم اعتماداً منهم ¬

(¬1) وإنما عندي نسخة مصورة ناقصة يبدأ الموجود منها من كتاب البيوع، ويغلب عليها إهمال التنقيط، فمثلأ (يحى بن أىوب) هكذا هو فيها دون النقط.

3042

على التلقي والحفظ، وإنما قلت: "أقرب "؛ لأنني وجدت هذا الحديث في ترجمة (أبي بشر الأنصاري) من "الإصابة "؛ قال: "ذكره ابن أبي خيثمة، وأخرج له.. (فساق الحديث، ثم قال:) ، وغاير ابن أبي خيثمة بينه وبين (أبي بشير) الأنصاري الآتي المخرج حديثه في "الصحيحين "، فهذا أوله كسرة ثم سكون، والآتي فتحة ثم كسرة، ووحّد بينهما ابن عبد البر". ونحوه في "تهذيب التهذيب ". وحديث "الصحيحين " الذي أشار إليه هو بلفظ: ((لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر، أو قلادة إلا قطعت)) ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2300) . والخلاصة؛ أن صحابي هذا الحديث هو (أبو بشير الأنصاري) ؛ كما في رواية الجماعة، وأن رواية من كناه بـ (أبي بشر) أو (أبي هبيرة) شاذة، وأما تكنيته فيه بـ (أبي اليسر) فلم يروه أحد، وإنما هو من أوهام المعلق. والله الموفق، لا إله إلا هو. * مَنْعُ المرأةِ أنْ َتُمَّر بَيْنَ يَدَيِ المصَلِّي بالإشارةِ إليها 3042- (كانَ يُصلي بهم ذاتَ يومٍ، فمَرَّتِ امرأةُ بالبطحاءِ، فأشارَ إليها أنْ تَأَخَّرِي، فَرَجَعَتْ حتى صَلَّى، ثُمَّ مَرَّتْ) . أخرجه أحمد (5/216) من طريق عبد الله، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/294/751) من طريق يحيى بن بكير: ثنا ابن لهيعة: حدثنى حبان بن واسع عن أبيه عن عبد الله بن زيد وأبي بشير الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أنه روى لابن

3043

لهيعة مقروناً؛ لكنه ثقة في نفسه، صحيح الحديث إذا روى العبادلة عنه، وهذا قد رواه عنه أحدهم: عبد الله- وهو ابن المبارك- وغفل عن هذا الهيثمي فأعله بقوله (2/60) : " وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام "! * مِنْ تَوَاضُعهِ - صلى الله عليه وسلم - وَجُودِهِ 3043- (إنَّكَ وَطِئْت بنَعْلِكَ على رِجْلي بالأمسِ فَأَوْجَعْتَنِي، فَنَفحْتُكَ بالسَّوْطِ؛ فهَذِهِ ثَمَانُونَ نَعْجَة ًفَخُذْها بِها) . أخرجه الدارمي (1/34- 35) من طريق محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله ابن أبي بكر عن رجل من العرب قال: زحمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين، وفي رجلي نعل كثيفة، فوطئت على رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنفحني نفحة بسوط في يده، وقال: ((بسم الله، أوجعتني)) . قال: فبت لنفسي لائماً أقول: أوجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبت بليلة كما يعلم الله، فلما أصبحنا إذا رجل يقول: أين فلان؟ قال: قلت: هذا والله الذي كان مني بالأمس. قال: فانطلقت وأنا متخوف، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه إنما أخرج لابن إسحاق متابعة، ولكنه قد صرح بالتحديث؛ فأمنا بذلك تدليسه، فهو حجة؛ ولا سيما في السيرة النبوية. *

3044

3044- (لمَّا جاءَ نَعْيُ النَّجَاشِيُّ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: صَلُّوا عليه. قالوا: يا رسول الله! نُصَلِّي على عَبْدٍ حَبَشِيٍّ [ليس بمسلم] ؟ فأنزل الله عز وجل: ((وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لايشترون بآيات الله ثمناً قليلاً)) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (6/319/11088) من طريق أبي بكر ابن عياش، والبزار في "مسنده " (1/392/ 832) ، والواحدي في "أسباب النزول " (ص 104) ، والدارقطني في " الأ فراد" (ج 3 رقم 36- منسوختي) من طريق المعتمر ابن سليمان؛ كلاهما عن حميد عن أنس. قلت: وهذا إسناد صحيح. وله طريق أخرى عن أنس، وشاهد من مرسل قتادة. أما الطريق؛ فهي من رواية مؤمل بن إسماعيل: نا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عنه قال: لما مات النجاشي قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "استغفروا لأخيكم ". فقال بعض الناس: يأمرنا أن نستغفر له وقد مات بأرض الحبشة؟! فنزلت.. أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (2/ 100/ 1) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (1/ 150/ 1/2826) ، وقال: ((لم يروه عن حماد إلا مؤمل)) . قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، بذلك وصفه غير واحد من الحفاظ

المتقدمين والمتأخرين. وأما قول الهيثمي (3/38) - بعد أن ساقه بلفظ البزار، وهو بنحو المذكور أعلاه-: "رواه البزار، والطبراني في " الأوسط "، ورجال الطبراني ثقات ". فهو منتقد من وجوه: الأول: أنه أطلق توثيق مؤمل هذا، وليس بجيد لما ذكرت آنفاً، بل ولا هو من عادته؛ فقد جرى على حكاية الخلاف فيه، واذا ذكر عن أحد أنه وثقه أتبعه بقوله: "وضعفه الجمهور"، أو ذكر من خالفه، وتجد جملة أقواله- أو من أقواله- في ذلك في (المجلد الثالث) من فهرس الأخ الفاضل أبي هاجر لـ "مجمع الزوائد" (3/404-405) . الثاني: أن توثيقه لرجال الطبراني دون رجال البزار يشعر إشعاراً قوياً أن إسناد البزار لايستحق التوثيق، والواقع خلاف ذلك تماماً، ولعل السبب أن البزار ساقه بسندين له عن حميد؛ الأول فيه كلام كما يأتي دون الآخر، ولم يتنبه لهذا! فقال البزار (1/392/832) : حدثنا محمد (!) بن عبد الرحمن بن المفضل (!) الحراني: ثنا عثمان بن عبد الرحمن: ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حميد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ح وحدثنا أحمد بن بكار الباهلي: ثنا المعتمر بن سليمان: ثنا حميد الطويل.. إلخ. قلت: فهذا الإسناد الثاني رجاله ثقات، أما حميد والمعتمر؛ فمن رجال الشيخين المشهورين. وأما أحمد بن بكار الباهلي؛ فذكره ابن حبان في "الثقات " (8/23) ، وقال: "مستقيم الحديث ".

قلت: وهذا توثيق منه معتبر قائم على سبر حديث الرجل، وليس على أصله الشاذ القائم على توثيق المجهولين، فانتبه، فالإسناد صحيح لا غبار عليه، ولذلك قلت: لعل الهيثمي لم يتنبه له ولم نره عيَّنه كما ذكرت آنفاً. ثم بدا لي شيء أخر، وهو أنه لعله لم يقف على توثيق ابن حبان المذكور؛ فقد مر بي كثير من الرواة لم يعرفهم الهيثمي، مع أنهم مترجمون في كتاب "ثقات ابن حبان " الذي عني هو به عناية خاصة، فرتبه على الحروف تسهيلاً للمراجعة! ثم قوي عندي هذا الاحتمال حينما وجدته قال في حديث آخر للبزار (1445) أورده في " المجمع " (4/262) : "رواه البزار عن أحمد بن بكار الباهلي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ". فتعقبه الحافظ في "مختصر الزوائد" فقال (1/568) : "قلت: هو ثقة، ولكن قد بين البزار علة هذا الإسناد؛ فقال: أخطأ فيه عثمان بن عثمان؛ إنما يرويه هشام عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن أبيه ". قلت: وحجاج بن حجاج هذا مجهول، لم يرو عنه غير عروة، وقد أخطأ بعض المتأخرين فصحح حديثه، وقد شرحت ذلك في "ضعيف أبي داود" (351) . وخلاصة هذا الوجه الثاني؛ أن إسناد البزار صحيح، ما كان ينبغي للهيثمي أن يسكت عنه. والوجه الثالث: أنه لم ينبه على اختلاف متن الطبراني عن متن البزار، وأنه كان ينبغي أن يسوق متن الأول لثقة رجاله عنده دون متن الآخر، والله الهادي.

وبهذا ينتهي الكلام على الطريق الأخرى عن أنس. وأما الشاهد؛ فهو الذي يرويه الطبري في "التفسير" (4/146) من طريقين عن قتادة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أخاكم النجاشي قد مات، فصلوا عليه ". قالوا: نصلي على رجل ليس بمسلم؟ فنزلت.. ". وهو مرسل صحيح كما تقدم. وبمعناه حديث وحشي بن حرب في "كبير الطبراني " (22/136/361) ، وإسناده ضعيف. ونحوه حديث أبي سعيد الخدري في "أوسط الطبراني " (1/284/2/4782) ، وإسناده ضعيف جداً وفيما تقدم كفاية. (تنبيه) : حديث الطبراني في "الأوسط " لم يذكره الهيثمي في "مجمع البحرين "، وله أمثال. وقد بقي الكلام على إسناد البزار الأول لننظر فيه؛ هل للهيثمي في عدم كلامه عنه وجه من النظر؟ فأقول: أولاً: عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان الراوي عن حميد؛ قال الذهبي في "المغني ": "صدوق، وقال أحمد: ليس بالقوي ". وقال الحافظ: ((صدوق يخطىء))

قلت: فمثله حسن الحديث، وبخاصة إذا توبع كما هنا. ثانياً: عثمان بن عبد الرحمن- وهو الطرائفي-؛ وقد وثقه ابن معين وغيره، ومن تكلم فيه لم يذكر جرحاً يقدم على التعديل، بل إن بعضهم ذكر ما يدل على الضعف من بعض شيوخه؛ كمثل قول البخاري: ((يروي عن قوم ضعاف)) ولذلك لم يضعفه الحافظ؛ فقال في "التقريب " ملخصاً به ما يؤخذ من مجموع أقوال المحدثين فيه: "صدوق، أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل، فضعَّف بسبب ذلك حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين ". قلت: فهو حسن الحديث أيضاً إذا كان من فوقه حجة كما هو الشأن هنا. ثالثاً: محمد بن عبد الرحمن بن المُفَضَّل الحراني. هكذا وقع الأصل، وكذلك هو في "مختصر الزوائد" (1/ 360/589) ، فالظاهر أنه من البزار، أو الهيثمي تبعه عليه الحافظ، والصواب (أحمد بن عبد الرحمن بن الفضل) ، هكذا ذكره الحافظ المزي في ترجمة (الطرائفي) من "تهذيبه "، وترجمه الخطيب البغدادي في "التاريخ " (4/243) برواية جمع من الثقات الحفاظ عنه- كابن صاعد وغيره- ثم قال: "وما علمت من حاله إلا خيراً". ونقله السمعاني في نسبة (الكُزبُراني) ، وقد تحرفت في "التاريخ " إلى " الكريزاني "؛ فلتصحح.

3045

وبعد الاطلاع على حال هؤلاء الرواة الثلاثة؛ نستطيع أن نتوصل إلى القول بأن هذا الإسناد حسن لذاته؛ صحيح بغيره. والله ولي التوفيق. * 3045- (رَشَّ على قَبْرِ ابنِهِ إبراهيمَ [الماء] ) . أخرجه أبو داود في "المراسيل " (304/ 424) ، ومن طريقه: البيهقي في "السنن " (3/311) من طريقين عن عبد العزيز بن محمد عن عبد الله بن محمد - يعني ابن عمر- عن أبيه مرسلاً. وأبوه- هو محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب- صدوق من أتباع التابعين. لكن قد جاء موصولاً بإسناد آخر لعبد العزيز بن محمد، فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/ 80/ 1/6282) : حدثنا محمد بن زهير الأبلي؛ قال: نا أحمد بن عبدة الضبي قال: نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً به. وقال: ((لم يروه عن هشام بن عروة إلا الدراوردي؛ تفرد به أحمد بن عبدة)) . قلت: وهو ثقة من شيوخ مسلم، وكذلك من فوقه كلهم ثقات من رجاله، فالإسناد صحيح إذا كان محمد بن زهير الأبلي قد توبع كما يشعر بذلك قول الطبراني المذكور، وإلا فهو حسن؛ لأن الأبلي هذا فيه كلام؛ قال الذهبي في ((الميزان)) : "قال الدارقطني: أخطأ في أحاديث، ما به بأس. وقال ابن غلام الزهري: اختلط قبل موته بسنتين، مات سنة ثمان عشرة وثلاث مئة، أدخل عليه شخص حراني حديثاً)) .

3046

وأما قول المعلق على "مجمع البحرين " (2/138) بعد أن ذكر قول الدارقطني: "وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال: "يخطئ ويهم "، توفي سنة (318) . اللسان (5/ 170) والميزان (3/ 551) "! فهو من عجائب الأوهام، وإليك البيان: أولاً: ليس لمحمد بن زهير الأبلي هذا ذكر في "ثقات ابن حبان " مطلقاً، بل ليس فيه بهذا الاسم (محمد بن زهير) ؛ إلا مترجم واحد لم ينسب، ومن التابعين؛ كما حققته في "تيسير الانتفاع "؛ فلا أدري كيف وقع له هذا؟! ثانياً: إذا رجعت إلى المصدرين اللذين أحال عليهما؛ لم تجد فيهما ذكراً لابن حبان وقوله! ثالثاً: ليس من أسلوب العلماء تقديم المتأخر طبقة على المتقدم فيها، فالصواب تقديم "الميزان " على "اللسان " كما لا يخفى. ثم إن في رش النبي - صلى الله عليه وسلم - الماء على قبر ابنه وغيره أحاديث أخرى كنت خرجتها في "الإرواء" (3/205- 206) ، وكلها معلولة؛ لم أجد فيها يومئذ ما يقويها، فلما وجدت هذا الحديث في "أوسط الطبراني " بادرت إلى تخريجه تقوية لها. والله هو الموفق، لا رب سواه. * 3046- (الراعي يَرْمِي بالليلِ، ويَرْعَى بالنهارِ) . أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/415) ، وابن عدي في "الكامل " (5/8) ، والبيهقي في "السنن " (5/ 151) من طريق ابن وهب: أخبرني عمر بن قيس عن عطاء بن أبي رباح قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ عمر بن قيس هو المعروف بـ (سندل) ؛ وهو متروك وقد رواه ابن وهب عن شيخين آخرين مرسلاً. 1- فقال: أخبرني ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخَّص لرعاء الإبل أن يرموا الجمار بالليل. أخرجه البيهقي. وهذا إسناد صحيح مرسل إن كان ابن جريج سمعه من عطاء- كما هو الظن الراجح-. 2- وقال أيضاً: أخبرني يحيى بن أيوب عن عمارة بن غزيّة عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. أخرجه البيهقي أيضاً. وهذا إسناد صحيح مرسل رجاله رجال "الصحيح ". ويشهد له مسند مسلم بن خالد: ثنا عبيد الله بن عمرعن نافع عن ابن عمر؛ مثل حديث ابن جريج. أخرجه البزار في "مسنده " (2/32/1139) ، والبيهقي أيضاً. قلت: وهذا إسناد جيد عندي في الشواهد، رجاله كلهم رجال مسلم؛ غير مسلم بن خالد وهو الزنجي، وهو فقيه صدوق كثير الأوهام؛ كما قال الحافظ، ونحوه قول الذهبي: " صدوق يهم ". وأما قول ابن التركماني في " الجوهر النقي " متعقباً البيهقي بقوله:

3047

" قلت: ذكر في هذا الباب أربعة أحاديث وسكت عنها، ولا يحتج بشيء منها ... " ثم أعل المسندين بعمر ومسلم، والمرسلين بالإرسال، وهذا تعقب مخالف الأصول؛ فإن قوله: "ولا يحتج بشيء منها" يصدق على كل حديث قوي بمجموع طرقه؛ مفرداتها ضعيفة ضعفاً يسيراً كما هنا؛ باستثناء طريق عمر بن قيس، فالتضعيف والحالة هذه مخالف لما عليه العلماء قاطبة من تقوية الأحاديث بالمتابعات والشواهد، وهذا أمر واضح جداً عند كل من شم رائحة هذا العلم الشريف، وبخاصة على قواعد الحنفية الذين يرون الاحتجاج بالحديث المرسل مطلقاً؛ سواء جاء مسنداً من طريق أخرى أو لا؛ خلافاً لمذهب الشافعي الذي يحتج بالحديث المرسل إذا جاء موصولاً من طريق آخر كما هنا، فالحديث صحيح على المذهبين؛ لولا التعصب وحب التعقب! وقد تقدم الحديث في هذه "السلسلة" (2477) . * 3047- (أرأيتَ لو كانَ على أبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قاضِيَهُ؟ قال: نعم. قال: حُجَّ عَنْ أَبِيكَ) . أخرجه ابن حبان (6/121/3971- الإحسان) من طريق حكيم بن سيف، والطحاوي في "المشكل " (3/ 221) ، والطبراني في "الكبير" (12/15/12332) من طريقين آخرين؛ ثلاثتهم عن عبيد الله بن عمرو عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبيرعن ابن عباس: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ قال ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. ثم أخرجه ابن حبان (3983 و 3986) من طريقين عن أبي الأحوص عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال ... فذكره نحوه؛ إلا أنه قال: "إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج؛ أفأحج عنه؟ قال: "نعم؛ فحج عنه ". ورجاله ثقات؛ لكن سماك مضطرب الحديث عن عكرمة، فلا يحتج به إلا في المتابعات والشواهد، وقد توبع في الطريق الأولى؛ إلا في قوله: "لا يستطيع الحج "، وقد جاء من طريق أخرى؛ فقال محمد بن كريب عن أبيه عن ابن عباس قال: أخبرني حصين بن عوف قال: قلت: يا رسول الله! إن أبي أدركه الحج ولا يستطيع أن يحج ... الحديث. أخرجه ابن ماجه (08 29) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد" (4/468/ 2521) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4/ 31/3548 و 3549) . ومحمد بن كريب ضعيف. وله عند الطبراني (3550) طريق أخرى عن الحصين. وسنده ضعيف أيضاً. لكن له شاهد صحيح من حديث أبي رزين، انظره في "المشكاة" (2528) . ويغني عن ذاك الضعيف حديث ابن عباس عن أخيه الفضل- المتفق عليه-، وإن كان فيه أن السائل المرأة الخثعمية، فالخطب في ذلك سهل، ولا سيما وفي بعض الروايات أن السائل رجل، وجمع الحافظ بينهما بما تراه في "الفتح " (4/68) ،

وفي بعض ما ذكره نظر عندي؛ لا مجال لذكره الآن، والمهم أن جوابه- صلى الله عليه وسلم - واحد في كل هذه الروايات، وسواء بعد ذلك أكان السائل رجلاً أو امرأة، والمسؤول عنه أباً أو أماً؛ فلا يلحق بهما غيرهما؛ إلا إذا كان معذوراً وأوصى كما هو مذهب مالك، وعليه يحمل حديث شبرمة، وتفصيل هذا لا مجال له الآن. ثم رأيت للحديث طريقاً آخر، يرويه ابن إسحاق: حدثني خالد بن كثير أن عطاء بن أبي رباح حدثه أن عبد الله بن عباس حدثه: أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحج عن أبيه؟ قال: "احجج عنه؛ ألا ترى أنه لو كان عليه دين.. " الحديث. أخرجه الدارقطني (2/ 260/114) . قلت: إسناده حسن. ويزيده قوة أنه رواه من طريق شريك عن ابن أبي ليلى عن عطاء. ثم أخرج له شاهداً من حديث عبَّاد بن راشد: نا ثابت عن أنس بن مالك: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هلك أبي ولم يحج؟ قال: " أرأيت.. " الحديث. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في "الكبير" (1/ 231/748) و"الأوسط " (1/8/ 1/98) وقال: " لم يروه عن ثابت إلا عباد ". كذا قال! وقد توبع كما يأتي، وهو صدوق له أوهام من رجال البخاري، فهو

3048

إسناد حسن، ويرتقي إلى الصحة بمتابعة صدقة بن موسى عن ثابت به. أخرجه البزار في "مسنده " (2/36/1144) ، وقال: "لا نعلم رواه عن ثابت إلا صدقة، وهو بصري، ليس به بأس، ولم يتابع على هذا، واحتمل حديثه ". كذا قال! فهو في جانب، وقول الطبراني في جانب، وصدق الله: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) [الإسراء/85] . وقد تعقبه الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/ 1/468/79) بقوله: "قلت: بل هو ضعيف؛ لكن توبع ". كذا جزم هنا بضعفه- وهو صدقة الدقيقي-. ونحوه قول الذهبي في "الكاشف ": "ضُعّف ". وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق له أوهام ". * 3048- (كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله: انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، [ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين] ، فلما مات فعلوا ذلك به، [فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه] ، فإذا هو [قائم] في قبضة الله،

فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم) ، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد) . أخرجه أحمد (2/304) : ثنا أبو كامل: ثنا حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -. وغير واحد عن الحسن وابن سيرين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قلت: وهذا إسناد صحيح متصل عن أبي هريرة، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أبي كامل، وهو مظفر بن مدرك الخراساني، وهو حافظ ثقة اتفاقاً. وحماد هو ابن سلمة، وله في هذا الحديث إسنادان آخران: أحدهما: عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن وائل عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: أن رجلاً لم يعمل من الخير شيئاً قط إلا التوحيد.. الحديث. أخرجه أحمد (1/398) هكذا موقوفاً (¬1) . وهو في حكم المرفوع كما لايخفى وكأنَّ أحمد رحمه الله أشار إلى ذلك بأن عقب عليه بإسناده إياه من طريق حماد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال بمثله. والآخر: عن أبي قزعة عن حكيم بن معاوية عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن رجلاً كان فيمن كان قبلكم رَغَسَهُ الله تبارك وتعالى مالاً وولداً حتى ¬

(¬1) وكذلك رواه أبو يعلى (5105) من طريق آخر عن ابن مسعود موقوفأ. وسنده حسن في الشواهد.

ذهب عصر وجاء عصر، فلما حضرته الوفاة قال: أي بني! أي أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب. قال: فهل أنتم مطيعي؟ قالوا: نعم. قال: انظروا: إذا مت أن تحرقوني حتى تدعوني فحماً، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ففعلوا ذلك. ثم اهرسوني بالمهراس- يومئ بيده-، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ففعلوا- والله! - ذلك. ثم اذروني في البحر في يوم ريح؛ لعلي أَضِلُّ الله تبارك وتعالى. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ففعلوا - والله! - ذلك، فإذا هو في قبضة الله تبارك وتعالى، فقال: يا ابن آدم! ما حملك على ما صنعت؟ فال: أي رب! مخافتك. قال: فتلافاه الله تبارك وتعالى بها". أخرجه أحمد (4/447و5/3) ؛ والطبراني في " المعجم الكبير" (19/427/1073) قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وأقول: إن رواية حماد بن سلمة لهذا الحديث بأسانيد ثلاثة عن ثلاثة من الصحابة مما يدل على أنه كان من كبار الحفاظ؛ كما يدل على أن الحديث كان مشهوراً بين الأصحاب. ويؤكد هذا أنه جاء عن أبي هريرة من طرق أخرى، وعن صحابة آخرين. أما الطرق عن أبي هريرة: 1- فرواه أبو الزناد عن الأعرج عنه مرفوعاً نحوه. أخرجه مالك (1/238) ، ومن طريقه: البخاري (7506) ، ومسلم (8/97) ، والخطيب في "التاريخ " (4/389) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (18/38) ، كلهم عن مالك به. والزيادات والطريق لمسلم.

2- الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة به. أخرجه البخاري (3481) ، ومسلم (8/97- 98) ، والنسائي (1/ 294) ، وا بن ماجه (4255) ، وعبد الرزاق في "المصنف " (11/283/20548) ، وأحمد (2/269) ، وابن صاعد في "زوائد الزهد" (372/1056) . وأما الصحابة: 1 و 2- حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: سمعته - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكر نحوه. قال عقبة بن عمرو: وأنا سمعته يقول ذاك، وكان نباشاً. أخرجه البخاري (3452) ؛ وأحمد (5/395) ؛ والبيهقي في " الشعب " (5/430/ 7160) ، وا لطبراني (17/231- 235) . ورواه النسائي، وابن حبان (2/22/ 650) عن حذيفة وحده، وهو رواية للبخاري (6480) . 3- أبو سعيد الخدري عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: أنه ذكر رجلاً فيمن سلف.. الحديث نحوه، وفيه: "وإن يقدِرِ الله عليه يعذِّبه ". وفيه: "فأخذ مواثيقهم على ذلك ". أخرجه البخاري (6481 و 7508) ، ومسلم، وابن حبان (649) ، وأحمد (3/69- 70 و 77- 78) ، وابن عبد البر (11/39) ، والطبراني (6/306) .

وأخرجه أبو يعلى في "مسنده " (2/284/1001 و 8/469/5055) من طريق أخرى ضعيفة عن أبي سعيد به مختصراً. 4- سلمان رضي الله عنه: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/306/6123) عقب حديث أبي سعيد الخدري، وأحال في لفظه عليه، فقال: "نحوه، وقال: اذروا نصفي في البر، ونصفي في البحر". وكذلك رواه البخاري (6481) في آخر حديث أبي سعيد أيضاً، ولكنه لم يذكر هذه الزيادة بتمامها، وهي ثابتة في حديث أبي هريرة- كما تقدم- من الطريق المتفق عليه، فلا ريب في صحتها. واعلم أن قوله في حديث الترجمة: "إلا التوحيد" مع كونها صحيحة الإسناد، فقد شكك فيها الحافظ ابن عبد البر من حيث الرواية، وإن كان قد جزم بصحتها من حيث الدراية، فكأنه لم يقف على إسنادها، لأنه علقها على أبي رافع عن أبي هريرة، فقال رحمه الله (18/ 40) : "وهذه اللفظة- إن صحت- رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل؛ فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه (لا يغفر أن يشرك به) لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة. والدليل على أن الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له " لم فعلت هذا؟ " فقال: " من خشيتك يارب! ". والخشية لاتكون إلا لمؤمن مصدق؛ بل ما تكاد تكون إلا

لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء) ، قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده. وأما قوله: "لئن قدر الله علي "؛ فقد اختلف العلماء في معناه؛ فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عزوجل، وآمن بسائر صفاته وعرفها؛ لم يكن بجهله بعض صفات الله كافراً. قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله. وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين. وقال آخرون: أراد بقوله: "لئن قدر الله علي " من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء. قالوا: وهو مثل قول الله عز وجل في ذي النون: (إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه) . وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان: أحدهما: أنها من التقدير والقضاء. والآخر: أنها من التقتير والتضييق. وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله: "لئن قدر الله علي "، فأحد الوجهين تقديره: كأن الرجل قال: لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه؛ ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري. والوجه الآخر: تقديره: والله! لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك. ثم أمر بأن يحرق بعد موته من إفراط خوفه.

وأما جهل هذا الرجل بصفة من صفات الله في علمه وقدره؛ فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمران بن حصين وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القدر. ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا حين سؤالهم عنه غير مؤمنين. وروى الليث عن أبي قبيل عن شُفَيٍّ الأصبحي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- فذكر حديثاً في القدر، وفيه: فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه؟ (¬1) -، فهؤلاء أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وهم العلماء الفضلاء- سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل؛ لا سؤال متعنت معاند، فعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جهلوا من ذلك، ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه، ولو كان لا يسعهم جهله وقتاً من الأوقات؟ لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم، ولجعله عموداً سادساً للإسلام، فتدبر واستعن بالله. فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته، وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آلُ، وما أبرئ نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. وبالله التوفيق ". هذا كله كلام الحافظ ابن عبد البر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماماً في العلم والمعرفة بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً. ¬

(¬1) رواه أحمد والترمذي وصححه، وهو مخرج في "الصحيحة " (848) ، و"المشكاة" (96) ، وحديث عمران الذي أشار إليه متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (412 و 413) ، وفيه حديث عمر (170) .

وخلاصته؛ أن الرجل النباش كان مؤمناً موحداً، وأن أمره أولاده بحرقه ... إنما كان إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته- وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه؛ كما قال ابن الملقن فيما ذكره الحافظ (11/314) ، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته، والله سبحانه وتعالى أعلم. وسواء كان هذا أو ذاك؛ فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛ لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له؛ كما تقدم تحقيقه من ابن عبد البر. ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به. ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه: "اللهم! أنت عبدي وأنا ربك " (¬1) ! وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل: الفئة الأولى: الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقا؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك! والصواب الذي تقتضيه الأصول ¬

(¬1) رواه مسلم (8/93) ، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (5/87) وصححه من حديث أنس، وعزاه الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (4/5) لمسلم من حديث النعمان بن بشير أيضاً بزيادة " اللهم! أنت.. "، وهو وهم؛ فإنه عنده دون الزيادة، وكذلك أخرجه أحمد (4/273 و275) عن النعمان، والبخاري، ومسلم أيضاً من طريق أخرى عن أنس مختصراً، وأخرجاه من حديث ابن مسعود مطولاً؛ غير أن البخاري أوقفه. ومسلم، وابن حبان (2/9/ 620 - الإحسان) ، وأحمد (2/316 و500) عن أبي هريرة مختصراً نحو روايتهما عن أنس.

والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة. وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي عليه بعض تلك الأحكام لحداثة عهده بالإسلام، أو لعدم وجود من يبلغه ذلك من أهل العلم بالكتاب والسنة؛ فمثل هذا يكون معذوراً. ومثله- عندي- أولئك الذين يعيشون في بعض البلاد الإسلامية التي انتشر فيها الشرك والبدعة والخرافة، وغلب عليها الجهل، ولم يوجد فيهم عالم يبين لهم ما هم فيه من الضلال، أو وجد ولكن بعضهم لم يسمع بدعوته وإنذاره؛ فهؤلاء أيضاً معذورون بجامع اشتراكهم مع الأولين في عدم بلوغ دعوة الحق إليهم؛ لقوله تعالى: (لأنذركم به ومن بلغ) وقوله: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ، ونحو ذلك من الأدلة التي تفرع منها تبني العلماء عدم مؤاخذة أهل الفترة؛ سواء كانوا أفراداً أو قبائل أو شعوباً؛ لاشتراكهم في العلة؛ كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم والنُّهى. ومن هنا يتجلى لكل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف الأحزاب والجماعات الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم للدعوة للإسلام، ثم هم مع ذلك يدعون المسلمين على جهلهم وغفلتهم عن الفهم الصحيح للإسلام، ولسان حالهم يقول- كما قال لي بعض الجهلة بهذه المناسبة-: "دعوا الناس في غفلاتهم "! بل وزعم أنه حديث شريف!! أو يقولون- كما تقول العوام في بعض البلاد-: "كل مين على دينه، الله يعينه "! وهذا خطأ جسيم لو كانوا يعلمون، ولكن صدق من قال: "فاقد الشيء لا يعطيه "!

والفئة الثانية: نابتة نبتت في هذا العصر؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلا نزراً يسيراً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالأصول الفقهية، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومع ذلك؛ اغتروا بعلمهم فانطلقوا يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء، وربما كفروهم لسوء فهم أو زلة وقعت منهم، لا يرقبون فيهم (إلاً ولا ذمة) ، فلم يشفع عندهم ما عرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الكفر الذي يخرج به صاحبه من الإيمان؛ ألا وهو الجحد والإنكار لما بلغه من الحجة والعلم؛ كما قال تعالى في قوم فرعون: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين. وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم) [النمل /13-14] . وقال في الذين كفروا بالقرآن: (ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون) [فصلت/28] ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434- مجموع الفتاوى) : " لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة ". يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند. وهذا هو المثال بين أيدينا: الرجل النباش؟ فإنه مع شكه في قدرة الله على بعثه غفر الله له؛ لأنه لم يكن جاحداً معانداً؛ بل كان مؤمناً بالله وبالبعث على الجملة دون تفصيل لجهله. قال شيخ الإسلام بعد أن ساق الحديث برواية

" الصحيح " وذكر أنه حديث متواتر (12/491) : " وهنا أصلان عظيمان: أحدهما: متعلق بالله تعالى؛ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير. والثاني: متعلق باليوم الآخر؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله. ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً- وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه-؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح ". ولهذا؛ فإني أنصح أولئك الشباب أن يتورعوا عن تبديع العلماء وتكفيرهم، وأن يستمروا في طلب العلم حتى ينبغوا فيه، وأن لا يغتروا بأنفسهم، ويعرفوا حق العلماء وأسبقيتهم فيه، وبخاصة من كان منهم على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وأَلْفِتُ نظرهم إلى " مجموع الفتاوى " فإنه " كُنَيْف مُلِىءَ علماً "، وبخاصة إلى فصول خاصة في هذه المسالة الهامة (التكفير) ، حيث فرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وقال في أمثال أولئك الشباب: "ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ". يعني الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق. ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة؛ وأمثالهم.

فأقول: وملاحظة هذا الفرق هو الفيصل في هذا الموضوع الهام، ولذلك فإني أحث الشباب على قراءته وتفهمه من "المجموع " (12/464- 501) الذي ختمه بقوله: "وإذا عُرف هذا؛ فتكفير (المعين) من هؤلاء الجهال وأمثالهم- بحيث يحكم عليه أنه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت مقالتهم لا ريب أنها كفر. (يعني: الدعاة إلى البدعة) . وهكذا الكلام في تكفير جميع (المعينين) ؛ مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض. فليس لأحد أن يكفر أحدآ من المسلمين- وإن أخطأ وغلط- حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة ". هذا؛ وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط. ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054) . *

3049

3049- (رُدُّوهُ على صاحبِهِ (يعني: التمر الريان) ، فَبِيعُوهُ (يعني: التمر الرديء) بعينٍ، ثم ابتاعوا التمر) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/75/2/1393) : حدثنا أحمد قال: نا محمد بن الحسن بن تسنيم قال: نا روح بن عبادة؛ قال: نا أبو الفضل كثير بن يسار قال: نا ثابت البناني قال: نا أنس بن ماللك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بتمر ريان؛ فقال: " أنى لكم هذا؟ " فقالوا: كان عندنا تمر بعل؛ فبعنا صاعين بصاع؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وأخرجه البزار في "مسنده " (2/108/1317) : حدثنا محمد بن معمر: ثنا روح بن عبادة به، دون قوله: "بعين، ثم.. ". وقال الطبراني: "لم يروه عن ثابت إلا كثير أبو الفضل، تفرد به روح ". قلت: هو ثقة من رجال الشيخين، وكذا ثابت. وأما كثير بن يسار أبو الفضل، فقد روى عنه جمع من الثقات؛ كما في "تهذيب الحافظ "، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/ 331 و 7/ 350) ، فالسند صحيح. ثم رأيت الحديث قد أخرجه البخاري في ترجمة كثير هذا من "التاريخ " (4/1/214) من طريق عبد الله بن أبي الأسود: نا روح بن عبادة قال: ثنا كثير بن يسار أبو الفضل- قال عبد الله: وأثنى عليه سعيد بن عامر خيراً- قال: أخبرنا ثابت به.

قلت: وهذه فائدة من عبد الله- وهو ابن محمد بن أبي الأسود البصري، من شيوخ البخاري-، وهو ثقة حافظ. وللحديث شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مثله. أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (2/234) ، وأحمد (3/45) من طريق سعيد بن المسيب عنه. وإسناده صحيح. وأخرجه مسلم (5/ 48) ، والبيهقي (5/296) من طريق أبي نضرة عنه نحوه. وأخرجه الشيخان وغيرهما من طريق أخرى عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً نحوه أتم منه؛ وهو مخرج في " إرواء الغليل " (5/190/1340) ؛ و" أحاديث البيوع ". (تنبيهات) : الأول: (أحمد) شيخ الطبراني الراوي عن (محمد بن الحسن بن تسنيم) هر (أحمد بن محمد بن صدقة أبو بكر البغدادي) ، وهو ثقة حافظ، وشيخه (محمد ابن الحسن بن تسنيم) صدوق، ولذلك حسن إسناده الهيثمي كما يأتي. وتداخل اسمه في اسم شيخه فصار ابناً له في مصورة "مجمع البحرين " هكذا: (أحمد بن محمد بن الحسن بن تسنيم) ! ولم يتنبه لذلك محققه، فوقع كذلك في مطبوعته (4/20/2027) ! وترتب عليه أنه لم يجد ترجمته، ولا وجد الحديث في " المعجم الأوسط "!! وأيضاً فقد وقع في تعليقه هو عليه تحريف وسقط لما ترجم لـ (كثير بن يسار) ؛

فقال: "وقال ابن حجر: أثنى عليه كثيراً "! الثاني: أورد الحديث الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/113) برواية البزار المختصرة، وقال عقبها: "رواه الطبراني في "الأوسط "؛ إلا أنه قال: "ردوه على صاحبه فبيعوه بعين، ثم ابتاعوا التمر". وإسناده حسن ". فسقط من الطابع ذكر البزار، فالصواب: "رواه [البزار، و] الطبراني.. ". ولم يتنبه لهذا السقط الدكتور الطحان في تعليقه على "المعجم الأوسط " (2/231) ، فنقله كما رآه في "المجمع " دون أي تعليق عليه! وكذلك فعل من قبله الشيخ الأعظمي في تعليقه على "زوائد البزار" للهيثمي، ولكنه عقب عليه- ضِغْثآ على إبالة- فقال (2/108) : "لم يعزه الهيثمي للبزار وعنده حرفاً بحرف "! وهذا مما يدل على بالغ غفلته، وإلا لما قال: ".. حرفاً بحرف " ورواية البزار أمامه مختصرة عن رواية الطبراني، وقد ذكرهما الهيثمي معاً؛ إلا أن الأولى لم تقع معزوة للبزار خطأ مطبعياً، فلو أنه تنبه لصنيع الهيثمي هذا لنجا من الوقوع في هذين الخطأين: "حرفاً بحرف "، و"لم يعزه الهيثمي "!! ثالثاً: سقط من "كشف الأستار" قول البزار عقب الحديث: "لا نعلم رواه عن ثابت إلا كثير". وهو ثابت في "مختصر الزوائد" للحافظ (1/517) . *

3050

كراهةُ النُّخاعة في المسجد وتَخْلِيقُهًُ 3050- (ما أحسن هذا!) أخرجه النسائي (1/119) ، وابن ماجه (762) من طريق عائذ بن حبيب عن حميد عن أنس: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - رأى نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتى احمر وجهه، فجاءته امرأة من الأنصار فحكتها، وجعلت مكانها خلوقاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وحميد- وهو الطويل- وإن كان رمي بالتدليس؛ فقد ذكروا أن ما يرويه عن أنس بالعنعنة فإنما تلقاه عنه بواسطة ثابت البناني الثقة. * 3051- (حَضْرَمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ بني الحارثِ) . أخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص 124- 125) من طريق ابن لهيعة عن عتبة بن أبي حكيم عن ابن شهاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره قلت: وهذا إسناد ضغيف مرسل؛ ولكنه قد جاء موصولاً من حديث عمرو ابن عبسة مرفوعاً به في حديث له في مدح بعض القبائل وذم أخرى. أخرجه أحمد (4/387) : ثنا أبو المغيرة: ثنا صفوان بن عمرو: حدثني شريح ابن عبيد عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن عمرو بن عبسة السلمي. وأخرجه الطبراني في " مسند الشاميين " (ص193) قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.

3052

وقد تابعه معاوية بن صالح عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي بتمامه. أخرجه الحاكم (4/ 81) وقال: "غريب المتن، صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. ثم رواه الإمام أحمد من طريق يزيد بن يزيد بن جابر عن رجل عن عمرو بن عبسة به. ورجاله ثقات؛ غير الرجل الذي لم يسم. والحديث قال الهيثمي (5/43) : "رواه أحمد متصلاً ومرسلاً والطبراني، ورجال الجميع ثقات ". ثم ساقه بتمامه وفيه موضع الشاهد منه، ثم قال: "رواه الطبراني عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي؛ قال الذهبي: "حمل عنه الناس وهو مقارب الحال "، وقال النسائي: "ضعيف ". وبقية رجاله رجال "الصحيح "، وقد رواه بنحوه بإسناد جيد عن شيخين آخرين ". (تنبيه هام) : وقع حديث الترجمة سهواً في "ضعيف الجامع " (7225) ، وهو من حق "صحيح الجامع "، فلينقل إليه، وأستغفر الله وأتوب إليه. * 3052- (يُؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُقالُ: اعرِضوا عليه صغارَ ذُنُوبِهِ. فتُعرضُ عليه، ويُخَبَّأُ عنه كبارُها، فيُقالُ: عملت يوم كذا وكذا؛ كذا وكذا، وهو مُقرٌّ لا يُنكرُ، وهو مُشفِقٌ من الكبارِ، فيُقالُ: أعطُوهُ مكان كلِّ سيئةٍ عَمِلَها حسنةً. قال: فيقول: إنَّ لي ذنوباً ما أراها هَهُنا.

قال أبو ذرٍّ: فلقد رأيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ضَحِكَ حتى بَدَتْ نَواجِذُهُ) . أخرجه وكيع في " الزهد " (2/651/367) : حدثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره ومن طريق وكيع أخرجه أحمد (5/157) ، وهناد في "الزهد" (2/155/ 211) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/170) ، ومسلم أيضاً (1/122) ، إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما أحال به على لفظ عبد الله بن نمير الآتي، وفيه زيادة في أوله. وشذ الحسين بن حريث؛ فقال: حدثنا وكيع به، وزاد الزيادة بلفظ: "إني لأعلم آخر رجل يدخل الجنة، وآخر رجل يخرج من النار؛ يؤتى بالرجل.. " الحديث. أخرجه الترمذي في "الشمائل " (2/ 20 بشرح الشيخ القاري) ، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (15/192- 193) . والحسين بن حريث ثقة من رجال الشيخين، لكن النفس لم تطمئن لمخالفته لرواية الجماعة عن وكيع. أقول هذا بالنسبة لروايته إياها عن وكيع، وإلا فقد رواه غيره عن الأعمش. أولاً: عبد الله بن نمير: حدثنا الأعمش به، ولفظه: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها؛ رجل يؤتى به.. " الحديث. أخرجه مسلم، وأبو عوانة، والبيهقي في "السنن " (10/190) ، وفي "الأسماء والصفات " (ص 54) .

ثانياً: أبو معاوية محمد بن خازم: ثنا الأعمش به؛ إلا أنه قال: ".. يؤتى برجل.. " الحديث. أخرجه أحمد (5/ 170) ، ومسلم أيضاً- ولم يسق لفظه-، والترمذي في "السنن " (8/ 261/2599) ، وابن حبان (9/233/ 7331- الإحسان) ، وابن جرير في "تفسيره " (19/ 30) ؛ إلا أنه قال: ".. قال: يؤتى برجل.. ". وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح " ثالثاً: أبو يحيى الحماني قال: ثنا الأعمش به مثل لفظ ابن نمير. أخرجه أبو عوانة. واسم أبي يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني، وهو صدوق يخطئ من رجال الشيخين. فقد اختلف على الأعمش في متن هذا الحديث؛ فابن نمير والحماني قالا: ".... آخر أهل النار خروجاً منها رجل يؤتى.. ". وظاهره أن الرجل الذي يؤتى به هو الأول الذي ذكر قبله، وهذا مشكل جداً كما سيأتي بيانه. وقال أبو معاوية: ".. يؤتى برجل ".

فظاهره أنه غير الرجل الأول؛ وأكد ذلك بقوله في رواية ابن جرير: ".... قال: يؤتى برجل ". فهذا صريح في أنه رجل آخر غير الأول؛ لأنه استأنف الحديث عنه، وفصله عن الذي قبله، وأكد ذلك وكيع في حديث الترجمة؛ فإنه ابتدأ الحديث عنه دون الرجل الأول. وأما أن رواية ابن نمير والحماني مشكلة؛ فمما لا يخفى على المتأمل؛ فإنها تدل على أن الرجل مع كونه قد بدلت سيئاته حسنات؛ فهو آخر من يخرج من النار، وآخر من يدخل الجنة! وهذا مما لا يستقيم في العقل. وقد تكلم العلامة ابن القيم رحمه الله في كتابه "طريق الهجرتين " (ص 247- 250) ، ورد على من احتج بالحديث (حديث مسلم) أن التبديل المذكور في آية الفرقان: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) ، إنما هو يوم القيامة، ورجح أن ذلك في الدنيا بتحول التائب من أعماله القبيحة إلى أضدادها وهي حسنات، فأصاب في ذلك وأجاد، ولكنه لم يتعرض لإزالة الإشكال؛ بل إنه قال في صدد الرد المذكور (ص 248) : "وهو صريح في أن هذا الذي قد بدلت سيئاته حسنات قد عذب عليها في النار؛ حتى كان آخر أهلها خروجاً منها، فهذا قد عوقب على سيئاته، فزال أثرها بالعقوبة، فبدل مكان كل سيئة بحسنة"! فهذا إشكال جديد في كلامه، فإنه يؤكد أن التبديل كان بعد العقوبة!! وقد أكد الإشكال ابن جرير رحمه الله؛ فإنه قال بعد أن رجح تفسير الآية بما تقدم عن ابن القيم:

" وإنما قلنا: ذلك أولى بتأويل الآية؛ لأن الأعمال السيئة قد كانت مضت على ما كانت عليه من القبح، وغير جائز تحويل عين قد مضت بصفة إلى خلاف ما كانت عليه؛ إلا بتغييرها عما كانت عليه من صفتها في حال أخرى، فيجب إن فعل ذلك كذلك أن يصير شرك الكافر الذي كان شركاً في الكفر بعينه إيماناً يوم القيامة بالإسلام، ومعاصيه كلها بأعيانها طاعة، وذلك ما لا يقوله ذو حجى ". وقد أشار الشيخ علي القاري رحمه الله إلى الإشكال في "المرقاة" (5/272) ، وأجاب عنه بقوله: "ويمكن أن يقال: فعل بعد التوبة ذنوباً استحق بها العقاب (!) وإما وقع التبديل له من باب الفضل من رب الأرباب، والثاني أظهر"! قلت: لو كان كذلك لم يعذب ولم يكن أخر من يخرج من النار! وكأنه أخذ الجواب الثاني من ترجمة ابن حبان للحديث، فإنه قال: "ذكر إبدال سيئات من أحب من عباده في القيامة بالحسنات ". فأقول: وهذا إنما يصح على رواية أبي معاوية التي فصلت، وجعلت الرجل الذي بدلت سيئاته حسنات غير الرجل الأول الذي هو آخر من يخرج من النار. وبذلك يزول الإشكال من أصله، والحمد الله الذي بنعمته تتم الصالحات. (تنبيه) : زاد أبو عوانة في رواية في آخر الحديث: " ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) ". وإسناده هكذا: حدثنا ابن أبي رجاء المصيصي قال: ثنا وكيع بسنده المتقدم.

3053

وابن أبي رجاء هذا اسمه أحمد بن محمد بن عبيد الله الطرسوسي، وقد وثقه النسائي؛ وقال مرة: " لا بأس به " قلت: فمثله تقبل زيادته؛ لولا أنه خالف كل الذين رووه عن وكيع- وعلى رأسهم الإمام أحمد كما تقدم- " فإنهم لم يذكروها، فكانت زيادة شاذة إسناداً ومنكرة متناً؛ لمخالفتها للمعنى الصحيح للآية أولاً؛ ولأنها تؤكد الإشكال ثانياً. والله أعلم. * 3053- (لَيَتَمَنَّيَنَّ أقوامٌ لو أَكثَرُوا مِنَ السَّيِّئاتِ. قالوا: بم يا رسول الله؟ قال: الذِينَ بَدَّلَ اللهُ سَيِّئاتِهم حَسَناتٍ) . أخرجه الحاكم (4/252) من طريق الفضل بن موسى عن أبي العنبس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال: "أبو العنبس هذا: سعيد بن كثير، وإسناده صحيح ". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، وتقدم لسعيد وأبيه حديث آخر برقم (3011) ، وصححاه أيضاً. وكثير هو ابن عبيد التيمي مولى أبي بكر الصديق، رضيع عائشة، وقد روى عنه جمع من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات "، فهو صدوق، ولم يعرفه ابن القيم ولا عرف ابنه سعيداً؛ فقد ساق الحديث في "طريق الهجرتين " (ص 248) من طريق أبي حفص المستملي عن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة: حدثنا الفضل بن موسى القطيعي به. ثم قال: "لا يثبت مثله، ومن أبو العنبس؟ ومن أبوه؟! ".

3054

قلت: وهذا منه عجيب! فإنهما من رجال البخاري في "الأدب المفرد" ورجال أبي داود، والأول وثقه جمع، منهم ابن معين، والآخر عرفت من وثقه وأنه صدوق. والحديث عزاه في "الدر المنثور" (5/79) لابن أبي حاتم وابن مردويه. وفيه إشارة إلى فضل الله عز وجل ورحمته بمن يشاء من عباده الذين يبدل يوم القيامة سيئاتهم حسنات؛ كما في الحديث الذي قبله. والله أعلم. * حديثُ الشفاعة وأنَّها تشملُ تاركي الصلاةِ منَ المسلمين 3054- (إذا خَلصَ المؤمنونَ من النار وأَمِنُوا؛ فـ[والذي نفسي بيده!] ما مُجَادَلَةُ أحَدِكُم لصاحبِهِ في الحقِّ يكون له في الدنيا بأشدِّ من مجادلة المؤمنين لربِّهم في إخوانِهِمُ الذين أُدْخِلُوا النار. قال: يقولون: ربَّنا:! إخوانُنَا كانوا يصلُّون معنا؛ ويصومون , معنا؛ ويحُجُّون معنا؛ [ويُجاهدون معنا] ؛ فأدخلتَهم النار. قال: فيقولُ: اذهَبُوا فأخرِجُوا من عَرَفْتُم منهم؛ فيأتُونهم؛ فَيَعْرفونَهُم بِصُورِهم؛ لا تأكلُ النار صُوَرَهُم؛ [لم تَغْشَ الوَجْهَ] ؛ فَمِنْهم من أَخَذتْهُ النارُ إلى أنصافِ ساقَيْهِ؛ ومنهم من أخذته إلى كَعْبَيْه (¬1) [فَيُخرِجُونَ مِنْها بشراً كثيراً] ؛ فيقولون: ربَّنا! قد أَخْرَجنا مَنْ أَمَرتنا. قال: ثم [يَعُودون فيتكلمون فـ] يقولُ: أَخْرِجُوا من كان في قلبهِ مِثقالُ دينارٍ من الإيمانِ. [فيُخرِجُون] ¬

(¬1) الأصل: ((كفيه)) وعلى الهامش: ((في ((مسلم)) : ركبتيه)) . قلت: والتصويب من ((المسند)) ؛ و ((النسائي)) ؛و ((ابن ماجة)) . وفي ((البخاري)) : ((قدميه)) وفي رواية مسلم سويد بن سعيد؛ وهو متكلم فيه.

خلقاً كثيراً] ، ثم [يقولون: ربَّنا! لم نَذَرْ فيها أحداً ممن أَمَرتَنا. ثم يقول: ارجعوا، فـ] من كان في قلبه وزنُ نصف دينارٍ [فأًخْرِجُوهُ. فيُخرِجونَ خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربَّنا! لم نَذَرْ فيها ممن أمرتنا ... ] ؛ حتى يقول: أخرِجُوا من كان في قلبه مثقال ذَرَّةٍ. [فيخرجون خلقاً كثيراً] ، قال أبو سعيد: فمن لم يُصّدِّقْ بهذا الحديث فليَقْرَأْ هذه الآية: (إن الله لايظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لَدُنْهُ أجراً عظيماً) [النساء /40] ؛ قال: فيقولون: ربنا! قد أَخْرَجْنا من أمرتنا؛ فلم يَبْقَ في النار أحدٌ فيه خيرٌ. قال: ثم يقول الله: شفعَتِ الملائكة؛ وشَفَعَتِ الأنبياء؛ وشَفَعَ المؤمنون؛ وبَقِيَ أرحم الراحمين قال: فَيَقْبضُ قبضةً من النار- أو قال: قَبْضَتَينِ - ناساً لم يعملوا خيراً قََطُّ؛ قد احتَرَقُوا حتى صاروا حُمَماً. قال: فَيُؤْتَى بهم إلى ماء يُقالُ له: (الحياةُ) ؛ فَيُصَبُّ عليهم؛ فَيَنْبُتُونَ كما تَنْبُتُ الحبَّةُ في حَمِيلِ السَّيلِ؛ [قد رَأَيْتُمُوها إلى جانب الصخرة؛ وإلى جانب الشجرة؛ فما كان إلى الشمس منها كان أخضر؛ وما كان منها إلى الظلِّ كان أبيض] ؛ قال: فَيَخْرُجُونَ من أجسادِهِم مِثلَ اللؤلؤِ؛ وفي أعناقهم الخاتمُ؛ (وفي رواية: الخواتِمُ) : عُتَقاءُ الله. قال: فيُقالُ لَهُمُ: ادخلوا الجنة؛ فما تمنَّيتمُ وَرَأيتُم من شيءٍ فهو لكُم [ومِثلُهُ مَعَهُ] . [فيقول أهل الجنة: هؤلاء عُتقاءُ الرحمن أَدْخَلَهُمُ الجنة بغيرِ عملٍ عَمِلُوهُ؛ ولا خيرٍ َقدَّمُوهُ] . قال: فيقولون: ربَّنا! أَعَطَيْتَنا ما لم تُعطِ أحداً من العالمين. قال: فيقول: فإن لكم عندي أفْضَلَ منه. فيقولون: ربَّنا! وما أَفْضَلُ

من ذلكَ؟ [قال:] فيقولُ: رِضائي عَنْكُم؛ فلا أَسْخَطُ عليكم أبداً) . أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (11/409- 411) : أخبرنا معمر عن زيد ابن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد (3/ 94) ، والنسائي (2/ 270) ، وابن ماجة (رقم 60) ، والترمذي (2598) - مختصراً-، وابن خزيمة في " التوحيد " (ص 184و201و212) ؛ وابن نصر المروزي في (تعظيم قدرالصلاة رقم: 276) وتابعه محمد بن ثور عن معمر به؛ لم يسق لفظه؛ وإنما قال: بنحوه. يعني: حديث هشام بن سعد الآتي تخريجه. أخرجه أبوعوانة. وتابعه سعيد بن هلال عن زيد بن أسلم به أتم منه؛ وأوله: " هل تضارُّون في رؤية الشمس والقمر.." الحديث بطوله. أخرجه البخاري (7439) ، ومسلم (1/114- 117) ، وابن خزيمة أيضاً (ص201) ؛ وابن حبان (7333- الإحسان) . وحفص بن ميسرة عن زيد أخرجه مسلم (1/114- 117) ، وكذا البخاري (4581) ؛ لكنه لم يسقه بتمامه؛ وكذا أبو عوانة (1/168- 169) . وهشام بن سعد عنه أخرجه أبو عوانة (1/181-183) بتمامه؛ وابن خزيمة (ص 200) ؛والحاكم

(4/582- 584) وصححه، وكذا مسلم (1/117) ؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما أحال به على لفظ حديث حفص بن ميسرة نحوه. وتابع عطاء (¬1) : سليمان بن عمرو بن عبيد العتواري- أحد بني ليث، وكان في حجر أبي سعيد- قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره نحوه مختصراً، وفيه الزيادة الثالثة. أخرجه أحمد (3/ 11- 12) ، وابن خزيمة (ص 211) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/176/16039) ، وعنه ابن ماجه (4280) ، وابن جرير في "التفسير" (16/85) ، ويحيى بن صاعد في "زوائد الزهد" (ص 448/1268) ، والحا كم (4/ 585) وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم "! وبيض له الذهبي، وإنما هو حسن فقط؛ لأن فيه محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث. أقول- بعد تخريج الحديث هذا التخريج الذي قد لا تراه في مكان آخر، وبيان أنه متفق عليه بين الشيخين وغيرهما من أهل" الصحاح " و" السنن" و" المسانيد"-: فيه فوائد جمة عظيمة؛ منها شفاعة المؤمنين الصالحين في إخوانهم المصلين الذين أدخلوا النار بذنوبهم، ثم في غيرهم ممن هم دونهم على اختلاف قوة إيمانهم. ثم يتفضل الله تبارك وتعالى على من بقي في النار من المؤمنين، فيخرجهم من النار بغير عمل عملوه؛ ولا خير قدموه. ولقد توهم بعضهم أن المراد بالخير المنفي تجويز إخراج غير الموحدين من النار! قال الحافظ في الفتح (13/429) : ¬

(¬1) ووقع في رسالتي، حكم تارك الصلاة" (ص 31- المطبوعة) : ((وتابع زيداً)) وهو سهو وسبقُ قَلَم.

"ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين؛ كما تدل عليه بقية الأحاديث ". قلت: منها قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس الطويل في الشفاعة أيضاً: "فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع. فأقول: يا رب! ائذن لي فيمن قال: لا إله إلا الله. فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله ". متفق عليه، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (2/296/ رقم: 828) . وفي طريق أخرى عن أنس رضي الله عنه: ".. وفرغ الله من حساب الناس، وأدخل من بقي من أمتي النار، فيقول أهل النار: ما أغنى عنكم أنكم كنتم تعبدون الله عز وجل لا تشركون بالله شيئاً؟ فيقول الجبار عز وجل: فبعزتي لأعتقنهم من النار. فيرسل إليهم فيخرجون وقد امتحشوا، فيدخلون في نهر الحياة، فينبتون.. " الحديث. أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في "الظلال " تحت الحديث (844) ، وله فيه شواهد (842- 843) ، وفي "الفتح " (11/455) شواهد أخرى. وفي الحديث رد على استنباط ابن أبي جمرة من قوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: "لم تغش الوجه "، ونحوه الحديث الآتي بعده: "إلا دارات الوجوه ": أن من كان مسلماً ولكنه كان لايصلي لايخرج؛ إذ لا علامة له! ولذلك تعقبه الحافظ

بقوله (11/457) : " لكن يحمل على أنه يخرج في القبضة؛ لعموم قوله: " لم يعملوا خيراً قط "؛ وهو مذكور في حديث أبي سعيد الآتي في (التوحيد) ". يعني هذا. وقد فات الحافظ رحمه الله أن في الحديث نَفْسِهِ تعقباً على ابن أبي جمرة من وجه آخر؛ وهو أن المؤمنين كما شفعهم الله في إخوانهم المصلين والصائمين وغيرهم في المرة الأولى، فأخرجوهم من النار بالعلامة، فلما شُفِّعوا في المرات الأخرى، وأخرجوا بشراً كثيراً؛ لم يكن فيهم مصلون بداهة، وإنما فيهم من الخير كل حسب إيمانه. وهذا ظاهر جداً لا يخفى على أحد إن شاء الله تعالى. وعلى ذلك؛ فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة- إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله- لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة الله تعالى في قوله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء/48؛116] ، وقد روى الإمام أحمد في "مسنده " (6/240) حديثاً صريحاً في هذا من رواية عائشة رضي الله عنها مرفوعاً بلفظ: " الدواوين عند الله عز وجل ثلاثة.. " الحديث، وفيه: " فأما الديوان الذي لا يغفره الله؛ فالشرك بالله، قال الله عز وجل: (ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة) [المائدة/72] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً؛ فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه؛ من صوم يوم تركه؛ أو صلاة تركها؛ فإن الله عز وجل يغفر ذلك ويتجاوز إن شاء.." الحديث. وقد صححه الحاكم (4/576) ، وهذا وإن كان غير مُسَلْمٍ عندي - لما بينته في "تخريج شرح الطحاوية" (رقم: 384) -؛ فإنه يشهد له هذا الحديث الصحيح: حديث الترجمة. فتنبه. إذا عرفت ما سلف يا أخي المسلم! فإن عجبي حقاً لا يكاد ينتهي من إغفال

جماهير المؤلفين الذين توسعوا في الكتابة في هذه المسألة الهامة؛ ألا وهي: هل يكفر تارك الصلاة كسلاً أم لا؟ لقد غفلوا جميعاً- فيما اطلعت- عن إيراد هذا الحديث الصحيح مع اتفاق الشيخين وغيرهما على صحته، لم يذكره من هو حجة له، ولم يجب عنه من هو حجة عليه، وبخاصة منهم الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، فإنه مع توسعه في سوق أدلة المختلفين في كتابه القيم: "الصلاة"، وجواب كل منهم عن أدلة مخالفه؛ فإنه لم يذكر هذا الحديث في أدلة المانعين من التكفير؛ إلا مختصراً اختصاراً مخلاً لا يظهر دلالته الصريحة على أن الشفاعة تشمل تارك الصلاة أيضاً، فقد قال رحمه الله: "وفي حديث الشفاعة: "يقول الله عز وجل: وعزتي وجلالي لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله ". وفيه: "فيخرج من النار من لم يعمل خيراً قط ... ". قلت: وهذا السياق ملفق من حديثين؛ فالشطر الأول هو في آخر حديث أنس المتفق عليه؛ وقد سبق أن ذكرت (ص 131) الطرف الأخير منه؛ والشطر الآخر هو في حديث الترجمة: " فيقبض قبضة من النار ناساً لم يعملوا لله خيراً قط ... ". وأما أن اختصاره اختصار مخل؛ فهو واضح جداً إذا تذكرت أيها القارىء الكريم ما سبق أن استدركته على الحافظ (ص132) متمماً به تعقيبه على ابن أبي جمرة؛ مما يدل على أن شفاعة المؤمنين كانت لغير المصلين في المرة الثانية وما بعدها؛ وأنهم أخرجوهم من النار؛ فهذا نص قاطع في المسألة؛ ينبغي أن يزول به النزاع في هذه المسألة بين أهل العلم الذين تجمعهم العقيدة الواحدة؛ التي منها: عدم تكفير أهل الكبائر من الأمة المحمدية؛ وبخاصة في هذا الزمان الذي توسع

فيهم بعض المنتمين إلى العلم في تكفير المسلمين؛ لإهمالهم القيام بما يجب عليهم عمله مع سلامة عقيدتهم؛ خلافاً للكفار الذين لا يصلون تديناً وعقيدة؛ والله سبحانه وتعالى يقول: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. ما لكم كيف تحكمون) ؟! [القلم/35-36] لما تقدم كنت أحب لابن القيم رحمه الله أن لا يغفل ذكر هذا الحديث الصحيح كدليل صريح للمانعين من التكفير؛ وأن يجيب عنه إن كان لديه جواب؛ وبذلك يكون قد أعطى البحث والإنصاف للفريقين دون تحيز لفئة. نعم؛ إنه لممّا يجب علي أنوه به أنه عقد فصلاً خاصاً " في الحكم بين الفريقين؛ وفصل الخطاب بين الطائفتين "؛ يساعد الباحث على تفهم نصوص الفريقين؛ فهماً صحيحاً؛ فإنه حقق فيه تحقيقاً رائعاً ما هو مسلم به عند العلماء؛ أنه ليس كل كفر يقع فيه المسلم يخرج به من الملة. فمن المفيد أن أقدم إلى القارىء فقرات أو خلاصات من كلامه تدل على مرامه؛ ثم أعقب عليه بما يلزم مما يلتقي مع هذا الحديث الصحيح؛ ويؤيد المذهب الرجيح. لقد أفاد رحمه الله أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود واعتقاد. وأن كفر العمل ينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده، فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه؛ يضاد الإيمان. وأما الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة؛ فهو من الكفر العملي قطعاً. (قلت: قد يكون ذلك من الكفر الاعتقادي أحياناً، وذلك إذا اقترن به ما يدل على فساد عقيدته؛ كاستهزائه بالصلاة والمصلين، وكإيثاره القتل على أن يصلي إذا دعاه الحاكم إليها، كما سيأتي، فتذكر هذا؛ فإنه مهم. ثم قال:)

ولا يمكن أن يُنفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه؛ ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد. وقد نفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان عن الزاني، والسارق، وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه، وإذا نفى عنه اسم الإيمان؛ فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد. (قلت: لكني أرى أنه لا يصح أن يطلق على أمثال هؤلاء لفظة الكفر؛ فيقال مثلاً: من زنى فقد كفر، فضلاً عن أنه لا يجوز أن يقال: فهو كافر، حتى على تارك الصلاة وعلى غيره ممن وصف في الحديث بالكفر، وقوفاً مع النص- ودفعاً لإيهام الوصف بالكفر الاعتقادي-، ومن باب أولى أن لا يقال: كافر حلال الدم! قال بعد أن ذكر الحديث الصحيح: "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر") : ومعلوم أنه إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية؛ كما لا يخرج الزاني والشارب من الملة، وإن زال عنه اسم الإيمان. وهذا التفصيل هو قول الصحابة الذين هم أعلم الأمة بكتاب الله، وبالإسلام والكفر ولوازمهما. ثم ذكر الأثر المعروف عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) : ليس بالكفر الذي تذهبون إليه. (قلت: زاد الحاكم: إنه ليس كفراً ينقل عن الملة، كفر دون كفر. وصححه هو (2/313) والذهبي. وهذا قاصمة ظهر جماعة التكفير وأمثالهم من الغلاة. ثم قال ابن القيم رحمه الله:)

والمقصود أن سلب الإيمان عن تارك الصلاة أولى من سلبه عن مرتكب الكبائر، وسلب اسم الإسلام عنه أولى من سلبه عمن لم يسلم المسلمون من لسانه ويده، فلا يسمى تارك الصلاة مسلماً ولا مؤمناً؛ وإن كان معه شعبة من شعب الإسلام والإيمان. (قلت: نفي التسمية المذكورة عن تارك الصلاة فيه نظر؛ فقد سمى الله تعالى الفئة الباغية بالمؤمنة في الآية المعروفة: (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما..) مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم: "وقتاله كفر"، فكما لم يلزم من وصف المسلم الباغي بالكفر نفي اسم المؤمن عنه فضلاً عن اسم المسلم، فكذلك تارك الصلاة؛ إلا إن كان يقصد بذلك أنه مسلم كامل، وذلك بعيد. قال:) نعم، يبقى أن يقال: فهل ينفعه ما معه من الإيمان في عدم الخلود في النار؟ فيقال: ينفعه إن لم يكن المتروك شرطاً في صحة الباقي واعتباره، وإن كان المتروك شرطاً في اعتبار الباقي لم ينفعه. فهل الصلاة شرط لصحة الإيمان؟ هذا سر المسألة. (قلت: ثم أشار إلى الأدلة التي كان ذكرها للفريق الأول المكفر، ثم قال:) وهي تدل على أنه لا يقبل من العبد شيء من أعماله إلا بفعل الصلاة. (فأقول: يبدو لي جلياً أن ابن القيم رحمه الله بعد بحثه القيم في التفريق بين الكفر العملي والكفر الاعتقادي، وأن المسلم لا يخرج من الملة بكفر عملي؛ لم يستطع أن يحكم للفريق المكفر بترك الصلاة؛ مع الأدلة الكثيرة التي ساقها لهم؛ لأنها كلها لا تدل إلا على الكفر العملي. ولذلك لجأ أخيراً إلى أن يتساءل: هل ينفعه إيمانه؟ وهل الصلاة شرط لصحة الإيمان؟

وإن كل من تأمل في جوابه على هذا التساؤل يلاحظ أنه حاد عنه إلى القول بأن الأعمال الصالحة لا تقبل إلا بالصلاة، فأين الجواب عن كون الصلاة شرطاً لصحة الإيمان؟ أي: ليس فقط شرط كمال؛ فإن الأعمال الصالحة كلها شرط كمال عند أهل السنة؛ خلافاً للخوارج والمعتزلة القائلين بتخليد أهل الكبائر في النار؛ مع تصريح الخوارج بتكفيرهم، فلو قال قائل بأن الصلاة شرط لصحة الإيمان، وأن تاركها مخلد في النار؛ فقد التقى مع الخوارج في بعض قولهم هذا، وأخطر من ذلك أنه خالف حديث الشفاعة هذا كما تقدم بيانه. ولعل ابن القيم رحمه الله بحيدته عن ذاك الجواب أراد أن يشعر القارئ بأهمية الصلاة في الإسلام من جهة؛ وأنه لا دليل على أنها شرط لصحة الإيمان من جهة أخرى. وعليه؛ فتارك الصلاة كسلاً لا يكفر عنده إلا إذا اقترن مع تركه إياها ما يدل على أن كفره كفر اعتقادي، فهو في هذه الحالة فقط يكفر كفراً يخرج به من الملة؛ كما تقدمت الإشارة بذلك مني. وهو ما يشعر به كلام ابن القيم في آخر هذا الفصل) ؛ فإنه قال: " ومن العجب أن يقع الشك في كفر من أصر على تركها ودعي إلى فعلها على رؤوس الملأ، وهو يرى بارقة السيف على رأسه، ويشد للقتل، وعصبت عيناه، وقيل له: تصلي وإلا قتلناك؟ فيقول: اقتلوني ولا أصلي أبداً! ".. قلت: وعلى مثل هذا المصر على الترك والامتناع عن الصلاة- مع تهديد الحاكم له بالقتل- يجب أن تحمل كل أدلة الفريق المكفر للتارك، وبذلك تجتمع أدلتهم مع أدلة المخالفين؛ ويلتقون على كلمة سواء: أن مجرد الترك لا يكفر؛ لأنه

كفر عملي لا اعتقادي؛ كما تقدم عن ابن القيم، وهذا ما فعله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله- أعني أنه حمل تلك الأدلة هذا الحمل-، فقال في "مجموع الفتاوى" (22/48) - وقد سئل عن تارك الصلاة من غير عذر هل هو مسلم في تلك الحال؟ فأجاب رحمه الله ببحث طويل ملىء علماً؛ لكن المهم منه الآن ما يتعلق منه بحديثنا هذا؛ فإنه بعد أن حكى أن تارك الصلاة يقتل عند جمهور العلماء: مالك والشافعي وأحمد؛ قال-: "وإذا صبر حتى يقتل؛ فهل يقتل كافراً مرتداً؛ أو فاسقاً كفساق المسلمين؟ على قولين مشهورين حُكيا روايتين عن أحمد؛ فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن معتقداً لوجوبها؛ يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل ولا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم، ولهذا لم يقع هذا قط في الإسلام، ولا يعرف أن أحداً يعتقد وجوبها، ويقال له: إن لم تصل وإلا قتلناك. وهو يصر على تركها مع إقراره بالوجوب، فهذا لم يقع قط في الإسلام. ومتى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها ولا ملتزماً بفعلها، فهذا كافر باتفاق المسلمين؛ كما استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة؛ كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة ". رواه مسلم ... فمن كان مصراً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط فهذا لا يكون قط؛ مسلماً مقراً بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل؛ هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإن كان قادراً ولم يصل قط؛ علم أن الداعي في حقه لم يوجد، والاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل. لكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور

توجب تأخيرها، وترك بعض واجباتها، وتفويتها أحياناً. فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك؛ فهذا لا يكون مسلماً. لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في "السنن "، حديث عبادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ أنه قال: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة؛ من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله؛ إن شاء عذبه؛ وإن شاء غفر له " (¬1) . فالمحافظ عليها: الذي يصليها في مواقيتها كما أمر الله تعالى. والذي يؤخرها (الأصل: ليس يؤخرها) أحياناً عن وقتها، أو يترك واجباتها؛ فهذا تحت مشيئة الله تعالى. وقد يكون لهذا نوافل يكمل بها فرائضه كما جاء في الحديث " (¬2) . وعلى هذا المحمل يدل كلام الإمام أحمد أيضاً؛ الذي شهر عنه بعض أتباعه المتأخرين القول بتكفير تارك الصلاة دون تفصيل، وكلامه يدل على خلاف ذلك " بحيث لا يخالف هذا الحديث الصحيح، كيف وهو قد أخرجه في "مسنده " كما أخرج حديث عائشة بمعناه كما تقدم؟! فقد ذكر ابنه عبد الله في "مسائله (55) قال: ¬

(¬1) حديث صحيح مخرج في "صحيح أبي داود" (451 و 1276) . (¬2) يشير- رحمه الله- إلى قوله له: "أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة؛ يقول ربنا عز وجل لملائكته- وهو أعلم-: انظروا؛ في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا؛ هل لعبدي من تطوع؛ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته، ثم تؤخذ الأعمال على ذاكم " وهو حديث صحيح، مخرج في "صحيح أبي داود" (810) . (الناشر) .

" سألت أبي رحمه الله عن ترك الصلاة متعمداً؟ قال: والذي يتركها لا يصليها، والذي يصليها في غير وقتها؛ أدعوه ثلاثاً؛ فإن صلى وإلا ضربت عنقه، هو عندي بمنزلة المرتد.. ". قلت: فهذا نص من الإمام أحمد بأنه لم يكفر بمجرد تركه للصلاة، وإنما بامتناعه من الصلاة مع علمه بأنه سيقتل إن لم يصل، فالسبب هو إيثاره القتل على الصلاة، فهو الذي دل على أن كفره كفر اعتقادي، فاستحق القتل. ونحوه ما ذكره المجد ابن تيمية- جد شيخ الإسلام ابن تيمية- في كتابه " المحرر في الفقه الحنبلي " (ص 62) : " ومن أخر صلاة تكاسلاً لا جحوداً أمر بها؛ فإن أصر حتى ضاق وقت الأخرى؛ وجب قتله ". قلت: فلم يكفر بالتأخير، وإنما بالإصرار المنبئ عن الجحود. ولذلك قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في "مشكل الآثار" في باب عقده في هذه المسألة، وحكى شيئاً من أدلة الفريقين، ثم اختار أنه لا يكفر؛ قال (4/228) : " والدليل على ذلك أنا نأمره أن يصلي، ولا نأمر كافراً أن يصلي، ولو كان بما كان منه كافراً لأمرناه بالإسلام؛ فإذا أسلم أمرناه بالصلاة؛ وفي تركنا لذلك وأمرنا إياه بالصلاة؛ ماقد دل على أنه من أهل الصلاة؛ ومن ذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أفطر في رمضان يوماً متعمداً بالكفارة التي أمره بها وفيها الصيام؛ لايكون الصيام إلا من المسلمين. ولما كان الرجل يكون مسلماً إذا أقر بالإسلام قبل أن يأتي بما يوجبه الإسلام من الصلوات الخمس؛ ومن صيام رمضان كان كذلك؛ ويكون كافراً بجحوده لذلك؛ ولا يكون كافراً بتركه إياه بغير جحود منه له؛ ولا يكون

كافراً إلا من حيث كان مسلماً، وإسلامه كان بإقراره بالإسلام؛ فكذلك ردته لا تكون إلا بجحوده الإسلام ". قلت: وهذا فقه جيد، وكلام متين لا مرد له، وهو يلتقي تماماً ما تقدم من كلام الإمام أحمد رحمه الله الدال على أنه لا يكفر بمجرد الترك؛ بل بامتناعه من الصلاة بعد دعائه إليها، وإن مما يؤكد ما حملت عليه كلام الإمام أحمد؛ ما جاء في كتاب " الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام المبجل أحمد بن حنبل " للشيخ علاء الدين المرداوي؛ قال رحمه الله (1/402) - كالشارح لقول أحمد المتقدم آنفاً: " أدعوه ثلاثاً " -: " الداعي له هو الإمام أو نائبه، فلو ترك صلوات كثيرة قبل الدعاء لم يجب قتله، ولا يكفر على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، وقطع به كثير منهم ". وممن اختار هذا المذهب أبو عبد الله بن بطة، كما ذكر ذلك الشيخ أبو الفرج عبد الرحمن بن قدامة المقدسي في كتابه " الشرح الكبير على المقنع " للإمام موفق الدين المقدسي (1/385) ، وزاد أنه أنكر قول من قال بكفره. قال أبو الفرج: " وهو قول أكثر الفقهاء؛ منهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي.. ". ثم استدل على ذلك بأحاديث كثيرة أكثرها عند ابن القيم، ومنها حديث عبادة المتقدم في كلام شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال عقبه: " ولو كان كافراً لم يدخله في المشيئة ". قلت: ويؤكد ذلك حديث الترجمة وحديث عائشة تأكيداً لا يدع لأحد شكاً أو شبهة، فلا تنسى. ثم قال أبو الفرج:

" ولأن ذلك إجماع المسلمين؛ فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه، ولا مُنع ميراث مورِّثه، ولا فُرِّقَ بين زوجين لِتَرْكِ الصلاة من أحدهما- مع كثرة تاركي الصلاة-! ولوكفر لثبتت هذه الأحكام، ولا نعلم خلافاً بين المسلمين أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها مع اختلافهم في المرتد (¬1) . وأما الأحاديث المتقدمة (يعني: التي احتج بها المكفرون كحديث: " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة "؛ فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة؛ كقوله- صلى الله عليه وسلم -: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".. وأشباه هذه مما أريد به التشديد في الوعيد. قال شيخنا رحمه الله (يعني: الموفق المقدسي) : وهذا أصوب القولين. والله أعلم ". قلت: ونقله الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله في حاشيته على "المقنع " لابن قدامة (1/95- 96) مقراً له. ومع تصريح الإمام الشوكاني في "السيل الجرار" (1/292) بتكفير تارك الصلاة عمداً، وأنه يستحق القتل، ويجب على إمام المسلمين قتله؛ فقد بين في "نيل الأوطار" أنه لا يعني كفراً لا يغفر، فقال بعد أن حكى أقوال العلماء واختلافهم، وذكر شيئاً من أدلتهم (1/ 254- 255) : " والحق أنه كافر يقتل، أما كفره؛ فلأن الأحاديث صحت أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم (!) وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق. ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون؛ لأنا نقول: لايمنع أن ¬

(¬1) قلت: الراجح أنه لا يقضي؛ كما حققه ابن تيمية رحمه الله (22/46) .

يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة؛ ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفراً. فلا مُلْجِئَ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها ". ولقد صدق رحمه الله. لكن ذهابه إلى جواز إطلاق اسم (الكافر) على تارك الصلاة؛ هو توسع غير محمود عندي، لأن الأحاديث التي أشار إليها ليس فيها الإطلاق المدعى، وإنما فيها: "فقد كفر"، وما أظن أن أحداً يستجيز له أن يشتق منه اسم فاعل فيقول فيه: (كافر) ، إذن؛ لزمه أن يطلقه أيضاً على كل من قيل فيه: "كَفَر"؛ كالذي يحلف بغير الله، ومن قاتل مسلماً، أو تبرأ من نسب، ونحو ذلك مما جاء في الأحاديث. نعم؛ لو صح ما رواه أبو يعلى وغيره عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: " عُرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة؛ عليهن أسس الإسلام؛ من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان ". أقول: لو صح هذا؛ لكان دليلاً واضحاً على جواز إطلاقه على تارك الصلاة، ولكنه لم يصح كما كنت بينته في " السلسلة الضعيفة " (94) . والخلاصة؛ أن مجرد الترك لا يمكن أن يكون حجة لتكفير المسلم، وإنما هو فاسق، أمره إلى الله، إن شاء عذبه؛ وإن شاء غفر له، وحديث الترجمة نص صريح في ذلك لا يسع مسلماً أن يرفضه. وأن من دعي إلى الصلاة، وأنذر بالقتل؛ إن لم يستجب فقتل؛ فهو كافر يقيناً حلال الدم، لا يُصَلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، فمن أطلق

التكفير فهو مخطئ، ومن أطلق عدم التكفير فهو مخطئ , والصواب التفصيل. فهذا الحق ليس به خفاءُ فدعني عن بنيات الطريق وبعد؛ فإن أخشى ما أخشاه أن يبادر بعض المتعصبين الجهلة إلى رد هذا الحديث الصحيح؛ لدلالته الصريحة على أن تارك الصلاة كسلاً مع الإيمان بوجوبها داخل في عموم قوله تعالى: (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) ؛كما فعل بعضهم أخيراً بتاريخ (1407 هـ) ، فقد تعاون اثنان من طلاب العلم: أحدهما سعودي، والآخر مصري، فتعقباني في بعض الأحاديث من المئة الأولى من " سلسلة الأحاديث الصحيحة "؛ منها حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه المتقدم برقم (87) ولفظه: " يَدْرُسُ الإسلام كما يَدْرُسُ وشْيُ الثوب حتى لا يُدرى ما صيام؛ ولا صلاة ولا نسك، ولا صدقة، ولَيُسْرَى على كتاب الله عز وجل في ليلة؛ فلا يبقى منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير، والعجوز؛ يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: " لا إله إلا الله "، فنحن نقولها ". قال صلة بن زفر لحذيفة: ما تغني عنهم " لا إله إلا الله " وهم لا يدرون ما صلاة، ولا صيام، ولا نسك، ولا صدقة؟! فأعرض عنه حذيفة، ثم رددها عليه ثلاثاً، كل ذلك يعرض عنه حذيفة. ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة! تنجيهم من النار (ثلاثاً) . قلت: فسوّدا في تضعيف هذا الحديث ثلاث صفحات كبار في الرد عليَّ لتصحيحي إياه، لم يجدا ما يتعلقان به لتضعيفه؛ إلا أنه من رواية أبي معاوية محمد بن خازم الضرير؛ بحجة أنه كان يرى الإرجاء! وأن الحديث موافق لبدعة الإرجاء!!

وهذا من الجهل البالغ، ولا مجال الآن لبيانه إلا مختصراً، فإن أبا معاوية مع كونه ثقة محتجاً به عند الشيخين؛ فإنه قد توبع من ثقة مثله، ثم إن الحديث لا صلة له بالإرجاء مطلقاً، وهما إنما ادعيا ذلك لجهلهما بالعلم، وكيف يكون كذلك وقد صححه الحاكم والذهبي، وكذا ابن تيمية والعسقلاني والبوصيري؟! ولئن جاز في عقلهما أنهم كانوا في تصحيحهم إياه جميعاً مخطئين فهل وصل الأمر بهما أن يعتقدا بأنهم يصححون ما يؤيد الإرجاء؟! تالله إنها لإحدى الكبر؛ أن يتسلط على هذا العلم من لا يحسنه، وأن يضعف ما يصححه أهل العلم! وهذا الحديث الصحيح يستفاد منه؛ أن الجهل قد يبلغ ببعض الناس أنهم لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادة، وهذا لا يعني أنهم يعرفون وجوب الصلاة وسائر الأركان ثم هم لا يقومون بها؛ كلا، ليس في الحديث شيء من ذلك، بل هم في ذلك ككثير من أهل البوادي والمسلمين حديثاً في بلاد الكفر لا يعرفون من الإسلام إلا الشهادتين، وقد يقع شيء من ذلك في بعض العواصم، فقد سألني أحدهم هاتفياً عن امرأة تزوجها، وكانت تصلي دون أن تغتسل من الجماع! وقريباً سألني إمام مسجد ينظر إلى نفسه أنه على شيء من العلم يسوغ له أن يخالف العلماء! سألني عن ابنه أنه كان يصلي جنباً بعد أن بلغ مبلغ الرجال واحتلم؛ لأنه كان لا يعلم وجوب الغسل من الجنابة! وقد قال ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (22/ 41) : " ومن علم أن محمداً رسول الله فآمن بذلك، ولم يعلم كثيراً مما جاء به؛ لم يعذبه الله على ما لم يبلغه؛ فإنه إذا لم يعذر على ترك الإيمان بعد البلوغ، فإنه [أن] لا يعذبه على بعض شرائطه إلا بعد البلوغ أولى وأحرى، وهذه سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المستفيضة عنه في أمثال ذلك ".

ثم ذكر أمثلة طيبة؛ منها: المستحاضة؛ قالت: إني أستحاض حيضة شديدة تمنعني الصلاة والصوم؟ فأمرها بالصلاة زمن دوام الاستحاضة، ولم يأمرها بالقضاء. قلت: وهذه المستحاضة هي فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها، وحديثها في "الصحيحين " وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (281) . ومثلها: أم حبيبة بنت جحش زوجة عبد الرحمن بن عوف، واستحيضت سبع سنين، وحديثها عند الشيخين أيضاً، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " أيضاً (283) . وثمة ثالثة؛ وهي حمنة بنت جحش، وهي التي أشار إليها ابن تيمية؛ فإن في حديثها: "إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة؛ فما ترى فيها؛ قد منعتني الصلاة والصوم.. " الحديث. أخرجه أبو داود وغيره من أصحاب "السنن " بإسناد حسن، وصححه جمع، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (293) ، و"الإرواء" (88 1) . هذا؛ وهناك نص آخر للإمام أحمد كان ينبغي أن يضم إلى ما سبق نقله عنه؛ لشديد ارتباطه به ودلالته أيضاً على أن تارك الصلاة لا يكفر بمجرد الترك، ولكن هكذا قُدِّر؛ قال عبد الله بن أحمد في "مسائله " (ص 56/195) : " سألت أبي عن رجل فرط في صلوات شهرين؟ فقال: يصلي ما كان في وقت يحضره ذكر تلك الصلوات؛ فلا يزال يصلي حتى يكون آخر وقت الصلاة التي ذكر فيها هذه الصلوات التي فرط فيها؛ فإنه يصلي هذه التي يخاف فوتها؛ ولا يضيع مرتين؛ ثم يعود فيصلي أيضاً حتى يخاف فوت الصلاة التي بعدها؛ إلا إن كثر عليه؛ ويكون ممن يطلب المعاش؛ ولا يقوى أن يأتي بها؛ فإنه يصلي حتى يحتاج إلى أن يطلب ما يقيمه من معاشه؛ ثم يعود إلى

الصلاة؛ لا تجزئه صلاة وهو ذاكر الفرض المتقدم قبلها، فهو يعيدها أيضاً إذا ذكرها وهو في صلاة ". فانظر أيها القارئ الكريم! هل ترى في كلام الإمام أحمد هذا إلا ما يدل على ما سبق تحقيقه؛ أن المسلم لا يخرج من الإسلام بمجرد ترك الصلاة؛ بل صلوات شهرين متتابعين! بل وأذن له أن يؤجل قضاء بعضها لطلب المعاش. وهذا عندي يدل على شيئين: أحدهما - وهو ما سبق -: أنه يبقى على إسلامه، ولو لم تبرأ ذمته بقضاء كل ما عليه من الفوائت. والآخر: أن حكم القضاء دون حكم الأداء؛ لأنني لا أعتقد أن الإمام أحمد - بل ولا من هو دونه في العلم- يأذن بترك الصلاة حتى يخرج وقتها لعذر طلب المعاش. والله سبحانه وتعالى أعلم. واعلم أخي المسلم! أن هذه الرواية عن الإمام أحمد- وما في معناها- هو الذي ينبغي أن يعتمد عليه كل مسلم لذات نفسه أولاً؛ ولخصوص الإمام أحمد ثانياً؛ لقوله رحمه الله: " إذا صح الحديث فهو مذهبي "؛ وبخاصة أن الأقوال الأخرى المروية عنه على خلاف ما تقدم مضطربة جداً؛ كما تراها في كتاب " الإنصاف " (10/327-328) وغيره من الكتب المعتمدة؛ ومع اضطرابها؛ فليس في شيء منها التصريح بأن المسلم يكفر بمجرد ترك الصلاة؛ وإذ الأمر كذلك؛ فيجب حمل الروايات المطلقة عنه على الروايات المقيدة والمبنية لمراده رحمه الله؛ وهي ما تقدم نقله عن ابنه عبد الله. ولو فرضنا أن هناك رواية صريحة عنه في التكفير بمجرد الترك؛ وجب تركها والتمسك بالروايات الأخرى؛ لموافقتها لهذا الحديث الصحيح الصريح في خروج

تارك الصلاة من النار بإيمانه ولو مقدار ذرة. وبهذا صرح كثير من كبار علماء الحنابلة المحققين؛ كابن قدامة المقدسي - كما تقدم في نقل أبي الفرج عنه -، ونص كلام ابن قدامة: " وإن ترك شيئاً من العبادات الخمس تهاوناً؛ لم يكفر". كذا في كتابه "المقنع "، ونحوه في "المغني " (2/298- 302) في بحث طويل له؛ ذكر الخلاف فيه وأدلة كل فريق؛ ثم انتهى إلى هذا الذي في " المقنع"؛ وهو الحق الذي لاريب فيه؛ وعليه مؤلف " الشرح الكبير" و" الإنصاف " كما تقدم وإذا عرفت الصحيح من قول أحمد؛ فلا يرد عليه ما ذكره السبكي في ترجمة الإمام الشافعي؛ من " طبقات الشافعية الكبرى " (1/ 220) ، قال: " حكي أن أحمد ناظر الشافعي في تارك الصلاة؛ فقال له الشافعي: يا أحمد! تقول: إنه يكفر؟ قال: نعم. قال: إذا كان كافراً فبم يسلم؟ قال: يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه!! قال: يسلم بأن يصلي. قال: صلاة الكافر لا تصح ولا يحكم بالإسلام بها. فانقطع أحمد وسكت ". فأقول: لايرد هذا على أحمد رحمه الله لأمرين: أحد هما: أن الحكاية لا تثبت، وقد أشار إلى ذلك السبكي رحمه الله بتصديره إياها بقوله: " حُكي"، فهي منقطعة. والآخر: أنه ذكر بناءً على القول بأن أحمد يكفر المسلم بمجرد ترك الصلاة؛ وهذا لم يثبت عنه كما تقدم بيانه؛ وإنما يرد هذا على بعض المشايخ الذين لا يزالون يقولون بالتكفير بمجرد الترك! وأملي أنهم سيرجعون عنه بعد أن يقفوا على هذا الحديث الصحيح؛ وعلى قول أحمد وغيره من كبار أئمة الحنابلة الموافق له؛

فإنه لا يجوز تكفير المسلم الموحد بعمل يصدر منه؛ حتى يتبين منه أنه جاحد ولو بعض ما شرع الله؛ كالذي يدعى إلى الصلاة فإن استجاب وإلا قتل كما تقدم. ويعجبني بهذه المناسبة ما نقله الحافظ في "الفتح " (12/300) عن الغزالي أنه قال: " والذي ينبغي الاحتراز منه: التكفير؛ ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة دماء المسلمين المقرِّين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد ". هذا؛ وقد بلغني أن بعضهم لما أُوِقف على هذا الحديث؛ شك في دلالته على نجاة المسلم التارك للصلاة من الخلود في النار مع الكفار، وزعم أنه ليس له ذكر في كل الدفعات التي أخرجت من النار. وهذه مكابرة عجيبة تذكرنا بمكابرة متعصبة المذاهب في رد دلالات النصوص انتصاراً للمذهب، فإن الحديث صريح في أن الدفعة الأولى شملت المصلين بعلامة أن النار لم تأكل وجوههم، فما بعدها من الدفعات ليس فيها مصلون بداهة، فإن لم ينفع مثل هذا بعض المقلدين الجامدين؛ فليس لنا إلا أن نقول: (سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) . (تنبيه) : ابن قدامة رحمه الله من جملة الذين فاتهم الاستدلال بهذا الحديث الصحيح للمذهب الصحيح في عدم تكفير تارك الصلاة كسلاً. لكن العجيب أنه ذكر حديثاً آخر لو صح لكان قاطعاً للخلاف؛ لأن فيه أن مولى للأنصار مات وكان يصلي ويدع، ومع ذلك أمر - صلى الله عليه وسلم - بغسله والصلاة عليه ودفنه، وهو وإن كان قد سكت عنه؛ فإنه قد أحسن بذكره مع إسناده من رواية الخلال، الأمر الذي مكنني من دراسته والحكم عليه بما يستحق من الضعف والنكارة، ولذلك أودعته في الكتاب الآخر: " الضعيفة " (6036) .

بعد كتابة ما تقدم بأيام أطلعني بعض إخواني على كتاب بعنوان هام: "فتح من العزيز الغفار بإثبات أن تارك الصلاة ليس من الكفار" تأليف عطاء بن عبد اللطيف بن أحمد، ففرحت به فرحاً كبيراً، وازداد سروري حينما قرأته، وتصفحت بعض فصوله، وتبين لي أسلوبه العلمي وطريقته في معالجة الأدلة المختلفة التي منها- بل هي أهمها- تخريج الأحاديث وتتبع طرقها وشواهدها، وتمييز صحيحها من ضعيفها؛ ليتسنى له بعد ذلك إسقاط ما لا يجوز الاشتغال به لضعفه، والاعتماد على ما ثبت منها، ثم الاستدلال به أو الجواب عنه، وهذا ما صنعه الأخ المؤلف جزاه الله خيراً؛ خلافاً لبعض المؤلفين الذي يحشرون كل ما يؤيدهم دون أن يتحروا الصحيح فقط؛ كما فعل الذين ردوا علي في مسألة وجه المرأة من المؤلفين في ذلك من السعوديين والمصريين وغيرهم. أما هذا الأخ (عطاء) ؛ فقد سلك المنهج العلمي في الرد على المكفرين؛ فتتبع أدلتهم، وذكر ما لها وما عليها، ثم ذكر الأدلة المخالفة لها على المنهج نفسه، ووفق بينها وبين ما يخالفها بأسلوب رصين متين، وإن كان يصحبه أحياناً شيء من التساهل في التصحيح باعتبار الشواهد، ثم التكلف في التوفيق بينه وبين الأحاديث الصحيحة الدالة على عدم كفر تارك الصلاة؛ كما فعل في حديث أبي الدرداء في الصلاة: " فمن تركها فقد خرج من الملة ". فإنه بعد أن تكلم عليه وبين ضعف إسناده؛ عاد فقواه بشواهده، وهي في الحقيقة شواهد قاصرة لا تنهض لتقوية هذا الحديث، ثم أغرب فتأول الخروج المذكور فيه بأنه خروج دون الخروج!! وله غير ذلك من التساهل والتأويل؛ كالحديث المخرج في " الضعيفة " (6037) . والحق؛ أن كتابه نافع جداً في بابه؛ فقد جمع كل ما يتعلق به سلباً أو إيجاباً، قبولاً أو رفضاً؛ دون تعصب ظاهر منه لأحد أو على أحد، وأحسن ما فيه

الفصل الأول من الباب الثاني؛ وهو كما قال: " في ذكر أدلة خاصة تدل على أن تارك الصلاة لا يخرج من الملة "! وعدد أدلته المشار إليها (12) دليلاً، ولقد ظننت حين قرأت هذا العنوان في مقدمة كتابه أن منها حديث الشفاعة هذا؛ لأنه قاطع للنزاع كما سبق بيانه، ولكنه- مع الأسف- قد فاته كما فات غيره من المتقدمين على ما سلف ذكره. غير أنه لابد لي من التنويه بدليل من أدلته لأهميته وغفلة المكفرين عنه؛ ألا وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: " إن للإسلام صُوىً ومناراً كمنار الطريق.. " الحديث، وفيه ذكر التوحيد، والصلاة وغيرها من الأركان الخمسة المعروفة والواجبات، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: " فمن انتقص مِنْهُنَّ شيئاً؛ فهو سهم من الإسلام تركه؛ ومن تركهن؛ فقد نبذ الإسلام وراءه ". وقد خرجه المومى إليه تخريجاً جيداً، وتتبع طرقه؛ وبين أن بعضه صحيح الإسناد، ثم بين دلالته الصريحة على عدم خروج تارك الصلاة من الملة. فراجعه وراجع الكتاب كله؛ إن كان عندك شك في المسألة. وقد كنت خرجته قديماً برقم (333) منذ أكثر من ثلاثين سنة، واستفاد هو منه- كما هو شأن المتأخر مع المتقدم- ولكنه لم يشر إلى ذلك أدنى إشارة، ولقد كان يحسن به ذلك؛ ولا سيما أنه خصني بالنقد في بعض الأحاديث، وذلك مما لا يضرني البتة؛ بل إنه لينفعني أصاب أم أخطأ، وليس الآن مجال تفصيل القول في ذلك. والخلاصة؛ أن حديثنا هذا حديث الشفاعة حديث عظيم، ومن ذلك دلالته

القاطعة على أن تارك الصلاة- مع إيمانه بوجوبها- لا يخرج من الملة، وأنه لا يخلد في النار مع الكفرة الفجرة. ولذلك؛ فإني أرجو مخلصاً كل من وقف على هذا الحديث وغيره مما في معناه أن يتراجع عن تكفير المسلمين التاركين للصلاة مع إيمانهم بها، والموحدين لله تبارك وتعالى؛ فإن تكفير المسلم أمر خطير جداً كما تقدم. وعليهم فقط أن يذكروا بعظمة منزلة الصلاة في الإسلام بما جاء في ذلك في الكتاب والأحاديث النبوية، والآثار السلفية الصحيحة، فإن الحكم قد خرج- مع الأسف- من أيدي العلماء، فهم لذلك لا يستطيعون أن ينفذوا حكم الكفر والقتل في تارك واحد الصلاة؛ بله جمع من التاركين؛ ولو في دولتهم فضلاً عن الدول الإسلامية الأخرى! فإن قتل التارك للصلاة بعد دعوته إليها إنما كان لحكمة ظاهرة، وهو لعله يتوب إذا كان مؤمناً بها، فإذا آثر القتل عليها؛ دل ذلك على أن تركه كان عن جحد، فيموت- والحالة هذه- كافراً؛ كما تقدم عن ابن تيمية، فامتناعه منها في هذه الحالة دليل عملي على خروجه من الملة. وهذا مما لا سبيل إلى تحقيقه اليوم مع الأسف، فليقنع العلماء- إذن من الوجهة النظرية- على ما عليه جمهور أئمة المسلمين؛ بعدم تكفير تارك الصلاة مع إيمانه بها، وقد قدمنا الدليل القاطع على ذلك من السنة الصحيحة؛ فلا عذر لأحد بعد ذلك (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [النور/63] . ثم طَبَعْتُ هذا البحث في رسالة خاصة بعنوان " حكم تارك الصلاة " فنفع الله بها من شاء من عباده، واستنكر بعض المؤلفين ما فيه من الحكم: أن تارك الصلاة كسلاً- مع إيمانه بها- ليس بكافر؛ لمخالفته إياه عقيدة، فهو بهذا الاعتبار مخالف له؛ وهو عمل قلبي؛ والله عز وجل ضمن أن لا يضيعه؛ كما قال أبو سعيد في

الحديث هذا: " فمن لم يصدق بهذا الحديث؛ فليقرأ هذه الآية: (إن الله لا يظلم مثقال ذرة..) ". وبالنظر إلى تركه الصلاة فهو مشابه للكفار عملاً؛ الذين يتحسرون يوم القيامة؛ فيقولون وهم في سقر: (لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين) ؛ فكفره كفر عملي؛ لأنه عمل عمل الكفار؛ فهو كالتارك للزكاة؛ وقد صح الحديث أيضاً أن مانع الزكاة يعذب يوم القيامة بماله الذي كان منعه، ثم يساق إما إلى الجنة وإما إلى النار، ولكن المؤلف المشار إليه- هدانا الله وإياه-تأول هذا الحديث كما تأول حديث المانع للزكاة تأويلاً عطل دلالته الصريحة على ما ذهبنا إليه من الفرق بين الكفر الاعتقادي والكفر العملي؛ مع أنه قد صح هذا عن ابن عباس وبعض تلامذته، وجرى عليه من بعدهم من أتباع السلف؛ كابن القيم وشيخه؛ كما تقدم في هذا البحث؛ ومع ذلك لم يعرج عليه المومى إليه مطلقاً ولو لرده؛ ولا سبيل له إليه! والله عز وجل يقول: (أفنجعل المسلمين كالمجرمين. مالكم كيف تحكمون) ؟ وكذلك صرف المؤلف المذكور نظره عن حديث: " إن للإسلام صوى.." الصريح في التفريق بين: " من ترك سهماً؛ فهو سهم من الإسلام تركه "؛ وبين " من ترك الأسهم كلها؛ فقد نبذ الإسلام كله "؛ فلم يتعرض له بجواب. ولا أستبعد أن يحاول تأويله أو تضعيفه؛ كما فعل بغيره من الأحاديث الصحيحة. وبالجملة؛ فمجال الرد عليه واسع جداً، ولا أدري متى تسنح لي الفرصة للرد عليه، وبيان ما يؤخذ عليها فقهاً وحديثاً؟ وإن كنت أشكر له أدبه ولطفه وتبجيله لكاتب هذه الأحرف، ودفاعه عن عقيدة أهل الحديث في أن الإيمان يزيد وينقص؛ وإن كان قد اقترن به أحياناً شيء من الغلو والمخالفة؛ والاتهام بالإرجاء؛ مع أنه يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية؛ فأقول: الإيمان يزيد وينقص؛ وإن

3055

الأعمال الصالحة من الإيمان، وإنه يجوز الاستثناء فيه؛ خلافاً للمرجئة، ومع ذلك رماني أكثر من مرة بالإرجاء! فقلب بذلك وصية النبي - صلى الله عليه وسلم -: " وأتبع السيئة الحسنة تمحها.. "! فقلت: ما أشبه اليوم بالبارحة! فقد قال رجل لابن المبارك: " ما تقول فيمن يزني ويشرب الخمر؛ أمؤمن هو؟ قال: لا أخرجه من الإيمان. فقال الرجل: على كبر السن صرت مرجئاً! فقال له ابن المبارك: إن المرجئة لا تقبلني! أنا أقول: الإيمان يزيد وينقص. والمرجئة لا تقول ذلك. والمرجئة تقول: حسناتنا متقبلة. وأنا لا أعلم تُقبلت مني حسنة؟ وما أحوجك إلى أن تأخذ سبورة فتجالس العلماء ". رواه ابن راهويه في "مسنده " (3/670- 671) . قلت: ووجه المشابهة بين الاتهامين الظالمين هو الإشراك بالقول مع المرجئة في بعض ما يقوله المرجئة؛ أنا بقولي بعدم تكفير تارك الصلاة كسلاً؛ وابن المبارك في عدم تكفير مرتكب الكبيرة ولو أردت أن أقابله بالمثل لرميته بالخروج؛ لأن الخوارج يكفرون تارك الصلاة وبقية الأركان الأربعة! و (أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين) . * 3055- (إن قوماً يَخرجونَ مِنَ النارِ؛ يَحترقونَ فيها إلا داراتِ وجوهِهِم، حتى يَدْخلوا الجنة) . أخرجه أحمد (3/355) : ثنا أبو أحمد الزبيري: حدثنا قيس بن سُلَيْمٍ العنبري حدثني يزيد الفقير: حدثنا جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذ كره. ومن هذا الوجه أخرجه مسلم (1/122-123) ؛ وأبو عوانة (1/180) ؛ وفيه قصة.

3056

ورواه الآجري (ص 333) من طريق أخرى عن يزيد نحوه، وأحمد (3/330) من طريق سعيد بن المهلب عن طلق بن حبيب عن جابر به ,والبخاري في " الأدب المفرد " (818) مختصراً، وسعيد هذا مجهول. وأخرجه مسلم والطيالسي في "مسنده " (1703) من طريق حماد بن زيد قال: قلت لعمرو بن دينار: أسمعت جابر بن عبد الله يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الله يخرج قوماً من النار بالشفاعة "؟ قال: نعم. وهذا الحديث والذي قبله لم يوردهما السيوطي في "الجامع الصغير"، ولا في " الزيادة عليه "، وأورد هذا في " الجامع الكبير"، وعزاه للطيالسي فقط! وأخرجه الحميدي في "مسنده " (1245) ، وابن حبان (9/283/ 7440) من طريق سفيان- وهو ابن عيينة-: ثنا عمرو بن دينار به نحوه. وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة " (839 و840) ، والآجري في "الشريعة " (ص 334) من الطريقين. وأخرجه البخاري (6558) من طريق حماد مختصراً. * 3056- (ما أَشْخَصَ أبصاركم عني؟ قالوا: نَظرْنا إلى القمرِ، قال: فكيف بكم إذا رأيتم الله جَهْرَةً؟ !) . أخرجه الآجري في "الشريعة" (ص 263- 264) : حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري قال: حدثني أبي يحيى بن كثير قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أسلم العجلي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:

بينما هو يعلمهم من أمر دينهم إذْ شَخَصَتْ أبصارهم، فقال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد؛ أبو بكر بن أبي داود- وهو السجستاني- حافظ ابن حافظ. وسائرهم ثقات من رجال " التهذيب ". وهذا شاهد قوي لحديث البخاري (7435) عن جرير بن عبد الله قال: قال: النبي - صلى الله عليه وسلم -: " إنكم سترون ربكم عِياناً ". ولمَّا أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/296/2233) من طريق أبي شهاب الحناط (الأصل: الخياط) بسنده الصحيح عن جرير؛ قال الطبراني: " لفظة: "عياناً " تفرد بها أبو شهاب، وهو حافظ متقن من ثقات المسلمين ". قلت: وقد تابعه جمع على أصل الحديث دون الزيادة، ولذلك فقد كنت حكمت عليها في "ظلال الجنة" (1/ 201/ 461) بالشذوذ، والآن فقد رجعت عن ذلك لهذا الشاهد القوي، ولعله لذلك احتج به الحافظ في " الفتح " (13/426) ، ولم يعله بالشذوذ. والله أعلم. والحديث أورده السيوطي بلفظ البخاري في "الجامع الكبير"، ولم يعزه إلا للطبراني! وقد رواه غيرهما كما تراه في " الظلال ". وفيه رد على المعتزلة والإباضية المنكرين لهذه النعمة العظيمة: رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وعلى المثبتين لها الذين تأولوها بمعنى العلم. انظر " الفتح ". *

3057

3057- (اقرأُوا القرآنَ، ولا تَغْلُوا فيه، ولا تَجْفُوا عنه، ولا تأكلُوا به، ولا تستكثرُوا به) . أخرجه أحمد (3/428) : ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن هشام- يعني: الدَّستُوائي- قال: حدثني يحيى بن أبي كثير (الأصل: نمير!) عن أبي راشد الحُبْراني قال: قال عبد الرحمن بن شبل: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح إن كان يحيى سمعه من أبي راشد الحبراني؛ فإنه موصوف بشيء من التدليس؛ لكن قد صح في بعض الروايات عنه أنه تلقاه عن زيد بن سلام بن أبي سلام (ممطور الحبشي) عن أبي سلام عن أبي راشد الحبراني كما يأتي. ثم أخرجه أحمد، وابن أبي شيبة (2/400- 401) قالا: ثنا وكيع عن الدستوائي به. وتابعه أيوب عن يحيى عن أبي راشد به. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/ 143/ 1/ 2741) . وأخرجه أحمد (3/444) ، والطحاوي في "شرح المعا ني " (2/ 10) ، وأبو يعلى في "مسنده " (3/88/1518) ، وعنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (9/9707) من طريق أبان: حدثنا يحيى بن أبي كثير: حدثني زيد عن أبي سلام عن الحبراني به. قلت: وهذا إسناد صحيح متصل، وقال الحافظ (9/ 101) - بعدما عزاه لأحمد وأبي يعلى -: " وسنده قوي ".

3058

وتابعه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به. وقد تقدم تخريج هذا الحديث برقم (260) بنحو آخر، وفي تخريجه هنا زيادة بيان ومصادر أخرى اقتضاه التمهيد لتخريج الحديث التالي. وثمة حديث آخر ساقه الإمام أحمد وغيره بهذا السند أيضاً؛ تقدم تخريجه برقم (366) . * 3058- (نَّ الفُسَّاقَ هم أهلُ النارِ. قيل: يا رسول الله! ومَنِ الفساقُ؟ قال: النساءُ. قال رجلٌ: يا رسول الله! أَوَلَسْنَ أُمَّهاتِنا وأخواتِنا وأزواجَنا؟ قال: بلى؛ ولكنّهنّ إذا أُعْطِينَ لم يَشْكُرْنَ، وإذا ابْتُلِينَ لم يَصْبِرْنَ) . أخرجه أحمد بإسناد الحديث الذي قبله. وكذلك أخرجه الحاكم (4/604) من طريق مسلم بن إبراهيم: ثنا هشام به. وقال: " صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! قلت: وهو من أوهامهما؛ فإن أبا راشد الحبراني- الراوي له عن عبد الرحمن ابن شبل- ليس من رجالهما وإن كان ثقة. ونحوه في "المجمع " (10/394) . ثم إن فيه عنعنة يحيى بن أبي كثير؛ لكن قد تبين في تخريج الحديث الذي قبله أنه سمعه من زيد بن سلام عن أبي سلام عن أبي راشد. وكذلك وقع له في هذا الحديث، فقد أخرجه الحاكم (2/190- 191) من طريق معمر عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده (هو أبو سلام: ممطور) قال:

3059

كتب معاوية إلى عبد الرحمن بن شبل: أنْ علِّم الناس ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. وقال: " صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. قلت: كذا في رواية معمر لم يذكر فيها: " أبا راشد الحبراني ". وكذلك رواه عنه أحمد (3/ 444) ، وابن عساكر في "التاريخ " (9/977) وقال: "رواه أبان بن يزيد العطار مختصراً عن يحيى بن أبي كثير، وزاد في إسناده أبا راشد الحبراني ". ثم ساق إسناده بالحديث الذي قبله من طريق أبي يعلى، وليس فيه قصة معاوية: ثم قال: " وكذا رواه معاوية بن سلام عن أخيه زيد ". ثم ساق إسناده من طريق محمد بن شعيب: حدثني معاوية بن سلام عن أخيه عن جده عن أبي سلام عن أبي راشد قال: كنا مع معاوية ... فذكر الحديث مختصراً. ثم رواه من طريق الربيع بن نافع: نا معاوية بن سلام به. * 3059- (إنّ الله عز وجل إذا أرادَ رحمةَ أُمَّةٍ من عبادِهِ قَبَضَ نبيَِّها قبلها؛ فجعله لها فَرَطاً وسََلَفاً بين يديها؛ وإذا أراد هلكةَ أُمَّةٍ عَذَّبَها ونبيُّها حَيٌِّ؛ فَأَهْلَكَها وهو يَنظرُ؛ فَأَقَرَّ عَيْنَهُ بِهَلَكَتِها حينَ كَذَّبُوهُ وعَصَوْا أمرَهُ) . أخرجه مسلم (7/65) معلقاً؛ فقال: وحدثت عن أبي أسامة- وممن روى

ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا أبو أسامة-: حدثني بُريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ فإنهما أخرجا أحاديث كثيرة عن أبي أسامة بإسناده هذا؛ لولا أنه منقطع بين مسلم وأبي أسامة؛ فإنه لم يذكر من الذي حدثه عنه؛ لكنه قد جزم بأنه رواه عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري، وقد وصله جمع عنه. فأخرجه ابن حبان في "صحيحه " (8/223/6613 و 9/172/7171- الإحسان) ، وابن عدي في "الكامل " (2/496) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/77) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (15/518/2) من طرق عن الجوهري به. ذكره ابن عدي في ترجمة (بريد بن عبد الله بن أبي بردة الأشعري) ، وقال: " وبريد بن عبد الله قد اعتبرت حديثه؛ فلم أر فيه حديثاً منكراً، وأنكر ما روى هذا الحديث، وهذا طريق حسن رواه ثقات، وقد أدخله قوم في "صحاحهم"؛ وأرجو أن لا يكون ببريد هذا بأس". قلت: قد أخرج له الشيخان كما ذكرت آنفاً، وقال الذهبي في " الكاشف ": " صدوق ". وقال الحافظ في " التقريب ": " ثقة يخطئ قليلاً ". ثم إن أبا أسامة- واسمه حماد بن أسامة- قد تابعه يحيى بن بريد بن أبي بردة عن أبيه. أخرجه ابن عدي (7/2681) من طريق القواريري عنه.

3060

ويحيى هذا مختلف فيه، وترجمته مبسوطة في "اللسان "، ووقع فيه: " يحيى ابن بردة.. " خطأ، فالعمدة على رواية أبي أسامة، فإنه ثقة ثبت. * 3060 - (أَتَعَلَّمُ بها قبرَ أخي، وأَدْفِنُ إليه مَنْ مات من أهلي. يعني: عثمانَ بنَ مَظْعُونٍ رضي الله عنه) . أخرجه أبو داود (3206) ، ومن طريقه: البيهقي (3/412) ، وابن شبَّة في " تاريخ المدينة " (1/102) عن كثير بن زيد المدني عن المطلب قال: لما مات عثمان بن مظعون أُخرج بجنازته، فدُفن، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسوله الله- صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه، قال كثير: قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك عن رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -: كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد متصل حسن؛ للخلاف المعروف في كثير بن زيد المدني هذا، ولخص ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ": " صدوق يخطئ ". ولذلك قال في " التلخيص الحبير " (5/229- المنيرية) : " وإسناده حسن، ليس فيه إلا كثير بن زيد راويه عن المطلب، وهو صدوق، وقد بين المطلب أن مخبِراً أخبره، ولم يسمِّه، ولا يضر إبهام الصحابي. ورواه ابن ماجه، وابن عدي مختصراً؛ من طريق كثير بن زيد أيضاً عن زينب بنت نبيط عن أنس. قال أبو زرعة: هذا خطأ. وأشار إلى أن الصواب رواية من رواه عن كثير عن المطلب. ورواه الطبراني في" الأوسط " من حديث أنس بإسناد آخر فيه ضعف ".

وقال النووي في " شرح المهذب " (5/282) بعد أن ساق الحديث: " فهو مسند لا مرسل؛ لأنه رواه عن صحابي، والصحابة رضي الله عنهم كلهم لا تضر الجهالة بأعيانهم، ورواه ابن ماجه رحمه الله عن أنس رضي الله عنه ". قلت: قد عرفت أن الرواية عن أنس غير محفوظة، وأن الصحيح أنه من رواية كثير بن زيد عن المطلب، هكذا ذكر ابن أبي حاتم في "العلل " (1/348-349) عن أبي زرعة، ونقلته آنفاً، وهو عن أنس عند ابن ماجه (1561) ، و" الكامل " لابن عدي (6/2089) ؛ وقال عقبه وفي آخر ترجمة (كثير) : " ولم أر بحديثه بأساً، وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: وإذا عرفت ما تقدم من التحقيق؛ تبين لك أنه أخطأ في هذا الحديث رجلان: الأول: الحافظ الذهبي؛ بإعلاله إياه بالإرسال، فقال في " سير أعلام النبلاء " (1/154) : " هذا مرسل "! وسبب وهمه أنه ذكر الحديث مختصراً دون قول كثير بن زيد: " قال المطلب: قال الذي يخبرني ذلك…. "! والظاهر أنه ذكره من ذاكرته، فهذا عذره، ولكن ما عذر المعلق عليه حين قال: " وسنده حسن؛ لكنه مرسل كما قال المؤلف؛ فإن المطلب هو ابن عبد الله بن المطلب.. تابعي، وقد أخطأ من ظنه المطلب بن أبي وداعة الصحابي.. "؟! فأقول: نعم لقد أخطأ من ظن ما ذكرت، ولكن ما بالك تبصر القذاة في عين

أخيك؛ ولا ترى الجذع في عينيك؟! فها أنت تتابع الذهبي في وهمه , بدل أن تنبه عليه، وأنت لا عذر لك؛ لأنك تشير إلى الحديث برقمه في "السنن "؛ مشعراً بذلك أنك رجعت إلى الحديث فيه مباشرة! ومع ذلك لم تر قول المطلب فيه: " قال الذي يخبرني.. "! فلا عذر لك والحالة هذه! اللهم! إلا إذا كان الواقع خلاف ما أشعرت به القارىء! وكان ذكرك للرقم تزييناً منك للتخريج! كما تفعل أنت وغيرك من المتشبعين الموهمين للقراء بطول الباع في التحقيق! ولا تحقيق سوى التحويش والتقميش!! وحينئذ فلك عذر كالذهبي! ولكن شتان ما بين عذريكما؛ فإن عذره عذر العارفين بالتأليف- وبخاصة إذا كان مثل "السير"- يكون مقبولاً عندهم، وأما عذرك؛ فهو مثل ما يقال: "عذر أقبح من ذنب "!! والرجل الآخر: البوصيري؛ فإنه قال في " زوائد ابن ماجه " (2/ 40) تحت حديث أنس المشار إليه آنفاً: " هذا إسناد حسن، كثير بن زيد مختلف فيه، وله شاهد من حديث المطلب ابن أبي وداعة، رواه أبو داود في (سننه) ". قلت: ووجه الخطأ ظاهر جداً لمن عرف أن حديث المطلب وحديث أنس حديثٌ واحدٌ، رواهما راوٍ واحد هو كثير بن زيد، وأنه أخطأ حين قال مرة: "عن أنس " فكيف يصح أن يجعل خطؤه شاهداً لصوابه؟! هذا مما لا يعقل! ومن الغريب حقاً أن يخفى هذا الخطأ على المعلق المشار إليه آنفاً، فينقل عن البوصيري تحسينه لسند ابن ماجه؛ وهو يرى في السطور التي كتبها بيده- فيما أظن- أن سنده وسند أبي داود مدارهما على الراوي الواحد، الذي اضطرب هو فيه! فلو أنه كان يعي ما يكتب، ويعرف الفرق بين الحديث المعلول وغير المعلول؛ لما وقع في هذا الخطأ المجسد المجسم!!

وأما قول البوصيري: ".. حديث المطلب بن أبي وداعة "؛ فهو خطأ تقدم التنبيه عليه في كلام المعلق المذكور، وقد كنت وقعت أنا أيضاً فيه حين ألفت كتابي "أحكام الجنائز وبدعها " منذ نحو خمس وعشرين سنة، ثم نبهني عليه الدكتور الفاضل عبد العليم عبد العظيم جزاه الله خيراً، بناء على ما في "تحفة الأشراف " للحافظ المزي. ثم لما أعدت النظر في السند وفي ترجمة (كثير بن زيد) تبين لي الخطأ، وازددت تبصراً حين رأيت ابن سعد قد أخرج الحديث (3/399) مختصراً من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حَنْطَب.. وإن كان رواه عن شيخه محمد بن عمر، وهو الواقدي، وهو متروك، فإنه في مثل ما نحن فيه إن كان لا ينفع؛ فإنه لا يضر. وقد أشار غير واحد إلى ثبوت الحديث في الجملة؛ فقال ابن عبد البر في ترجمة (عثمان بن مظعون) من "الاستيعاب ": " وأَعْلَمَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قبرَه بحجر، وكان يزوره ". وكذا قال ابن الأثير في " أسد الغابة ". ووجدت له شاهداً مختصراً أيضاً من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: رأيت قبر عثمان بن مظعون وعنده شيء مرتفع. يعني: كأنه علم. أخرجه ابن سعد (3/397) بسند حسن عنه. وفيه إشارة إلى أن الحجر الذي وضعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده كان باقياً على قبر ابن مظعون رضي الله عنه إلى القرن الثاني الهجري؛ فإن أبا بكر بن محمد بن حزم هذا مات سنة عشرين ومئة، ويظهر من قوله: " شيء " أن الحجر لم يكن ظاهراً، فلعل ذلك من تراكم الأتربة عليه. والله أعلم.

ثم إنه قد ذكر غير واحد: أن عثمان بن مظعون كان أول من دفن في البقيع، ولم أر ذلك متصلاً من وجه يحتج به، وأعلى ما وقفت عليه ما أخرجه ابن سعد (3/397) من طريق الواقدي نفسه قال: أخبرنا محمد بن عبد الله عن الزهري عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال: " أول من دفن بالبقيع من المسلمين عثمان بن مظعون.. ". وابن ربيعة هذا ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لكن السند إليه هالك؛ لأن الواقدي متروك كما تقدم، وشيخه محمد بن عبد الله- هو ابن أبي سبرة أبو بكر المدني- قال الذهبي في " الميزان ": " قال أحمد: كان يضع الحديث ". وذكر ابن عبد البر من طريق الواقدي عن [ابن] أبي سبرة عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد الله بن أبي رافع قال ... فذكره. وابن أبي رافع هذا تابعي ثقة. ثم أخرج ابن سعد (3/612) من طريق الواقدي أيضاً قال: أخبرنا عبد الجبار ابن عمارة عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: أول من دفن بالبقيع أسعد بن زرارة. قال الواقدي: هذا قول الأنصار. والمهاجرون يقولون: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون. وعلقه ابن شبة في "تاريخه " (1/96) على الواقدي بإسناد آخر له نحوه مختصراً لم يذكر دفن عثمان.

3061

ثم روى (1/101) بسند فيه متروكان عن شيخ مخزومي يقال له: عمر قال: كان عثمان بن مظعون رضي الله عنه من أول من مات من المهاجرين، فقالوا: يارسول الله! أين ندفنه؟ قال: " بالبقيع ". قال: فَلَحَدَ له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وفضل حجر من حجارة لحده، فحمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه عند رجليه، فلما ولي مروان ابن الحكم المدينة مر على ذلك الحجر؛ فأمر به فرمي.. إلخ. وبالجملة؛ فلا يدرى من هو الصحابي الذي دفن في البقيع أولاً؛ أهو عثمان ابن مظعون؛ أم أسعد بن زرارة؟ على أن ذلك كله مدار روايته على الواقدي المتروك وبأسانيده المختلفة الواهية. وقد استدل الشافعية وغيرهم بهذا الحديث على أنه يستحب أن يجعل عند رأسه علامة من حجر أو غيره؛ قالوا: ولأنه يعرف به فَيُزار. وأقول: ولأنه إذا عرف لم يجلس عليه ولم يدس بالنعال. وقد ترجم له أبو داود بقوله: " باب في جمع الموتى في قبر، والقبر يُعَلَّمُ ". والبيهقي فقال: " باب إعلام القبر بصخرة أو علامة ما كانت ". * 3061- (لا تقومُ الساعةُ حتى تزولَ الجبالُ عن أماكِنها؛ وترونَ الأمورَ العِظامَ التي لم تكونوا ترونَها) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/250/6857) من طريق عُفير بن مَعْدان عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

قلت: ورجاله ثقات؛ غير عفير بن معدان، وهو ضعيف كما في "التقريب ". وبه أعله الهيثمي في "المجمع " (7/326) . وأقول: قد رواه معمر عن قتادة عن الحسن- مرسلاً -. أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (11/374/20780) ؛فالعلة عنعنة الحسن - وهو البصري-؛ فإنه مع اختلاف العلماء في سماعه من سمرة؛ فإنه قد رماه بعضهم بالتدليس، وقد عنعنه كما ترى، فمن المحتمل أنه تلقاه عن ثعلبة بن عِبَادٍ العبدي البصري؛ فإنه قد رواه الأسود بن قيس عن ثعلبة قال: " شهدت يوماً خطبة لسمرة بن جندب، فذكر في خطبته حديثاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: قلت: فذكر صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الكسوف، ثم خطبته بعدها، وفيها: " والله! لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً؛ آخرهم الأعور الدجال ... ولن يكون ذلك كذلك حتى تروا أموراً يتفاقم شأنها في أنفسكم وتساءلون بينكم: هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً؟ وحتى تزول جبال عن مراتبها، ثم على إثْرِ ذلك يكون القبض ". أخرجه أحمد، والطبراني (7/225- 231) ، وبعض أصحاب "السنن "، وصححه ابن خزيمة (2/325/1397) ، وابن حبان (2852 و 2856الإحسان) ، والحاكم (1/ 329) . ورجاله ثقات؛ غير ثعلبة هذا؛ لم يوثقه غير ابن حبان (4/98) ، ولم يرو عنه غير الأسود هذا؛ وهو مخرج في " ضعيف أبي داود " (216) .

3062

لكن له طريق أخرى يتقوى بها من رواية جعفر بن سعد بن سمرة عن خُبيب ابن سليمان بن سمرة عن أبيه عن سمرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: " سوف ترون قبل أن تقوم الساعة أشياء تستنكرونها عظاماً؛ يقولون: هل كنا حدثنا بهذا؛ فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله تعالى، واعلموا أنها أوائل الساعة ... " حتى قال: " سوف ترون جبالاً تزول قبل حق الصيحة ". أخرجه البزار (4/143/3397) ، والطبراني في "الكبير" (7/319/7083) من طريقين عن جعفربن سعد.. قلت: وهو إسناد ضعيف؛ خبيب هذا مجهول، وأبوه ضعيف، وجعفر ليس بالقوي. والحديث سكت عليه الحافظ في " الفتح " (13/84) ؛ لكنه قال: " أموراً عظاماً لم تحدثوا بها أنفسكم "! وله شاهد صحيح مختصر جداً من حديث الزهري: حدثني أنس بن مالك أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - خرج حين زاغت الشمس، فصلى الظهر، فقام على المنبر، فذكر الساعة، فذكر أن فيها أموراً عظاماً، ثم قال.. الحديث. أخرجه البخاري (540 و 7294- فتح) ، وأحمد (3/162) . * 3062- (لأنْ يُمسكَ أحدُكم يَدَهُ عَنِ الحَصى [في الصلاة] خيرٌ له من مئةِ ناقةٍ؛ كلُّها سُودُ الحَدَقِ؛ فإن غَلَبَ أحدَكم الشيطانُ فَلْيَمسحْ مَسحةً واحدةً) . أخرجه أحمد (3/328 و 384) ، وعبد بن حميد في " المنتخب " (رقم 1143) ،

والطحاوي في " مشكل الآثار " (2/184) من طرق عن ابن أبي ذئب عن شُرَحْبِيلَ ابن سعد عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.... فذكره. وأخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (2/52/897) ، وأحمد أيضاً (3/300) ، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف " (2/411- 412) ؛ قالوا: ثنا وكيع عن ابن أبي ذئب به عنه، قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسح الحصى في الصلاة، فقال: " واحدة، ولو تمسك عنها خير لك من مئة ناقة سود الحدق ". قلت: وشرحبيل بن سعد- وهو الأنصاري- ضعفه الجمهور، ووثقه ابن معين في رواية وابن حبان، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق، اختلط بأخرة ". وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " (2/86) : " رواه أحمد، وفيه شرحبيل بن سعد، وهو ضعيف ". لكن له شاهد من حديث أبي ذر يتقوى به، فقال الطيالسي في " مسنده " (63/469) : حدثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن أبي بصرة الغفاري عن أبي ذر قال: " مسح الحصى واحدة، وأن لا تفعلها أحب إلي من مئة ناقة سود الحدق ". ومن طريق الطيالسي أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/285) وقال: " ورواه مجاهد عن أبي ذر عن النبي- صلى الله عليه وسلم - في مسح الحصا واحدة. وقيل: عن مجاهد عن أبي وائل عن أبي ذر

" قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم. وقد توبع حماد؛ فقال عبد الرزاق (2/39/ 2402) : عن معمر وابن عيينة عن عمرو بن دينار عن رجل من بني غفار عن أبي بصرة به. وفي رواية له (2400) عن معمر عن ابن دينار عن رجل سماه عن أبي ذر به. لم يذكر: "عن أبي بصرة"، ولعله الصواب؛ فإن الرجل هو أبو بصرة كما في رواية حماد بن سلمة. والله أعلم. ثم إن الحديث وإن كان موقوفاً، فهو في حكم المرفوع، فإن الأجر الذي فيه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر- والله أعلم-، وبخاصة أن أصله قد صح مرفوعاً؛ فقال الطيالسي (470) : حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي ذر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كل شيء؛ حتى عن مسح الحصى؟ فقال: " واحدة ". وكذا رواه عبد الرزاق (2404) . وإسناده صحيح إن كان مجاهد سمعه من أبي ذر، فقد قال الطيالسي عقبه: " وقال سفيان: عن الأعمش عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ". وقد وصله عبد الرزاق (2403) ، وابن أبي شيبة، والبزار (1/ 275/570) من طريقين عن ابن أبي ليلى عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عن أبي ذر به، وزاد في آخره: ".... وإلا فدع ". وكذا رواه الطحاوي (2/183) ، وأحمد (5/163) .

3063

وابن أبي ليلى هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وهو ضعيف من قبل حفظه، وقد رواه مرة بإسناد آخر؛ فقال أحمد (5/402) : ثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن شيخ يقال له: هلال عن حذيفة قال: سألت.. الحديث. وكذا قال ابن أبي شيبة. والصواب روايته الأولى عن أبي ذر بشهادة رواية أبي بصرة الغفاري ومجاهد عنه. والله أعلم. وقد رواه أبو الأحوص عن أبي ذر مرفوعاً بلفظ: " إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى؛ فإن الرحمة تواجهه ". وهو بهذا اللفظ ضعيف كما حققته في " الإرواء " (2/97/377) . وفي "صحيح البخاري " (1207) ، و"صحيح مسلم " (546) ما يشهد له من حديث مُعَيقيب- رضي الله عنه -. * 3063- (إنّ من أَفْرَى الفِرَى أنْ يُرِيَ عَينيهِ في المنامِ ما لم تَرَيَا) . أخرجه أحمد (2/96) - واللفظ له-، والبخاري (7043) من طريق عبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار- مولى ابن عمر- عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال ... فذ كره. قلت: وعبد الرحمن هذا مع كونه من رجال البخاري؛ ففيه ضعف من قبل حفظه؛ وقد مشاه الحافظ في " الفتح "؛ فقال تحت هذا الحديث (12/420) : " مختلف فيه؛ قال ابن المديني: صدوق. وقال ابن معين: في حديثه عندي ضعف. وقال الدارقطني: خالف فيه البخاري الناس؛ وليس بمتروك. قلت (الحافظ) :

عمدة البخاري فيه كلام شيخه علي، وأما قول ابن معين فلم يفسره، ولعله عنى حديثاً معيناً، ومع ذلك فما أخرج له البخاري شيئاً إلا وله فيه متابع أو شاهد.. ". ثم ذكر له متابعاً وشاهداً كما يأتي، وبذلك يقوى الحديث؛ وإلا فدفاعه عنه غير مقنع؛ بل تحيزه فيه للبخاري ظاهر؛ فقد أغمض نظره عن أقوال أئمة آخرين فيه ذكرهم في " التهذيب "؛ فقال أبو حاتم: " فيه لين، يكتب حديثه ولا يحتج به ". وعليه اعتمد الذهبي في " الكاشف "؛ فلم يذكر غيره. وقال ابن عدي: " وبعض ما يرويه منكر لا يتابع عليه، وهو في جملة من يكتب حديثه من الضعفاء " (¬1) . ولخص ذلك الحافظ نفسه في " التقريب " فقال: " صدوق يخطئ ". وذلك يعني أنه من المرتبة الخامسة عنده؛ كما شرحه في المقدمة، وهي فيمن يكون حديثه مرشحاً للتحسين بغيره، فالأرجح من كلامه المتقدم في " الفتح " أن البخاري ما أخرج له إلا في المتابعات والشواهد. علماً أن في هذا الإطلاق نظراً عندي. والله أعلم. أما المتابع؛ فهو أبو عثمان عن عبد الله بن دينار به. ¬

(¬1) انظر ((الكامل)) لابن عدي (4/1607/1608) .

أخرجه أحمد (2/118- 119) من طريق حيوة: أخبرني أبو عثمان به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ فإن أبا عثمان هذا هو الوليد بن أبي الوليد؛ كما في حديث آخر عند أحمد (2/97) أخرجه عن حيوة أيضا: حدثنا أبو عثمان الوليد عن عبد الله بن دينار مرفوعاً بلفظ: " إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه ". وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 41) بإسناد أحمد نفسه، وقال فيه: "حدثني أبو عثمان الوليد بن أبي الوليد.. "، وكذا رواه ابن حبان (431) . وأخرجه مسلم (8/6) من طريق سعيد بن أبي أيوب فقال: عن الوليد بن أبي الوليد عن عبد الله بن دينار به. وفيه قصة لابن عمر. ووهم الهيثمي؛ فجزم في "المجمع " (7/174) أن أبا عثمان هذا هو العباس ابن الفضل البصري المتروك! ورد ذلك عليه الحافظ في "التعجيل " (ص504) ، وتبعه العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " (8/243- 244) - جزاهما الله خيراً-، ولكنهما غفلا عن حجة أخرى- كما غفل عنها الهيثمي أيضاً-، وهي أن البزار قد أخرج الحديث أيضاً من طريق أبي عثمان باسمه لا بكنيته؛ فقال في "مسنده " (1/115/211- كشف الأستار) : حدثنا محمد بن مسكين: ثنا سعيد ابن أبي مريم: ثنا نافع بن يزيد عن الوليد بن أبي الوليد عن يزيد بن الهاد عن عبد الله بن دينار به أتم منه، ولفظه: " من أفرى الفرى من ادعى إلى غير والده، ومن أفرى الفرى من أرى عينيه ما لم تر، ومن أفرى الفرى من قال علي ما لم أقل ".

وقال الهيثمي في " المجمع" (1/144) : " رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح) ". ولم تقع عنده الجملة الأولى منه. وإسناده صحيح على شرط مسلم؛ لكن زاد في إسناده يزيد بن الهاد بين الوليد وعبد الله بن دينار، وذكر يزيد بن الهاد فيه محفوظ؛ فقد رواه حيوة بن شريح عن ابن الهاد عن عبد الله بن دينار بفقرة البر فقط. أخرجه مسلم أيضاً. فمن الممكن أن يكون الوليد تلقاه أولاً عن ابن الهاد عن ابن دينار؛ كما في رواية نافع بن يزيد هذه، ثم تلقاه عن ابن دينار مباشرة؛ كما في رواية حيوة عند أحمد، وسعيد بن أبي أيوب عند مسلم. والله أعلم. والمقصود؛ أن هذه الروايات الصحيحة تدل على أن الحديث حديث الوليد الثقة؛ وليس حديث العباس بن الفضل المتروك. وأما الشاهد؛ فهو من حديث واثلة بن الأسقع، وله عنه طرق: الأولى: عن عبد الواحد بن عبد الله النصري قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره مثل حديث البزار عن ابن عمر. أخرجه البخاري (3509) ، وأحمد (4/106) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (22/70/171- 180) . الثانية: عن ربيعة بن يزيد قال: سمعت واثلة بن الأسقع به. أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (1/118/32- الإحسان) ، والحاكم (4/398) من طريق أحمد- وهذا في "المسند" (3/490 و 491) -، والطبراني (164) ؛ كلهم من طريق معاوية بن صالح عنه. وقال الحاكم:

" صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي. وأقول: إنما هو على شرط مسلم فقط؛ معاوية لم يخرج له البخاري في "الصحيح ". الثالثة: عن النضر بن عبد الرحمن بن عبد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول ... فذ كره. أخرجه أحمد (4/107) من طريق محمد بن عجلان عنه. قلت: ورجاله ثقات؛ غير النضر هذا؛ أورده الحافظ في "التعجيل " وقال: "فيه نظر، وقال في "الإكمال ": مجهول ". فأقول: لعله تحرف اسمه على القطيعي أو غيره من رواة "المسند"؛ فقد أخرجه الطبراني (22/ 71/174) من الوجه الذي أخرجه أحمد: عن محمد بن عجلان قال: سمعت عبد الواحد بن عبد الله قال: سمعت واثلة بن الأسقع به. فرجع الإسناد إلى الطريق الأولى. الرابعة: عن عبد الأعلى بن هلال الحمصي عن واثلة بن الأسقع به. أخرجه الطبراني (22/93/ 224) وفي " الأوسط " (2/80/2/6295- بترقيمي) من طريق طلحة بن زيد عن يونس بن يزيد عن الزهري عنه. وعبد الأعلى- على هذا- هو السلمي؛ ترجمه البخاري وابن أبي حاتم، ولم- يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأما ابن حبان فذكره في "الثقات " (5/128) ، وأخرج له في "الصحيح " (2093) حديث: " إني عند الله مكتوب خاتم النبيين.." الحديث. وقد صححته في "المشكاة" (5759) ، وبيانه في "الضعيفة " (2085) .

3064

لكن طلحة بن زيد- وهو الدمشقي ثم الرقي - متروك. الخامسة: عن خصيلة بنت واثلة بن الأسقع قالت: سمعت أبي يقول ... فذكره مفرقاً دون حديث الترجمة. أخرجه الطبراني (237 و 238) من طريق محمد بن الأشقر اللخمي عنها. وابن الأشقر هذا ضعيف، وخصيلة- ويقال: فسيلة - لا تعرف، ولها حديث آخر في "أبي داود" وهو مخرج في "غاية المرام " برقم (305) . * 3064- (إنّ الله قد غَفَرَ لك كَذِبَكَ بتصديقِكَ بـ " لا إله إلا الله ") . روي من حديث أنس، وابن عمر، وابن عباس، والحسن البصري مرسلاً. 1 - أما حديث أنس؛ فيرويه الحارث بن عبيد عن ثابت عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لرجل: " يا فلان! فعلت كذا؟ ". قال: لا والذي لا إله إلا هو! والنبي عليه السلام يعلم أنه قد فعله، فقال له ... فذكره. أخرجه عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " (3/175/1374) ، وأبو يعلى في "مسنده " (6/104/3368) ، والبزار (4/7/3068) ، والعقيلي في "الضعفاء " (1/213) والسياق له، وابن عدي في " الكامل " (2/608) ، والبيهقي في " السنن " (10/37) . وقال العقيلي في ترجمة الحارث هذا- وهو الإيادي -: " ولا يتابع عليه، وهذا المتن يروى بغير هذا الإسناد بإسناد صالح أصح من هذا ".

قلت: كأنه يشير إلى حديث آخر- ممّا سنورده -. وقال البزار: "لا نعلم رواه عن ثابت عن أنس إلا الحارث بن عبيد أبو قدامة، وخالفه حماد بن سلمة، فرواه عن ثابت عن ابن عمر ". قلت: وهو الآتي بعده. والحارث هذا قد ضعفوه لوهمه، وأشار إلى ذلك الحافظ بقوله في "التقريب ": "صدوق يخطئ ". قلت: فمثله يستشهد بحديثه، ويتقوى بغيره، ولعل في كلام العقيلي المتقدم ما يشير إلى ذلك. وقد وهم فيه الهيثمي؛ فقال (10/83) بعد أن عزا الحديث للبزار وأبي يعلى: " ورجالهما رجال (الصحيح) "! فتعقبه الحافظ فكتب على هامش "المجمع ": "قلت: فيه الحارث بن عبيد أبو قدامة، وهو كثير المناكير، وهذا منها، وقد ذكر البزار أنه تفرد به ". 2- وأما حديث ابن عمر فيرويه ثابت أيضاً عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل.. الحديث. أخرجه أحمد (2/68) ، وأبو يعلى (10/55/5690) من طريق عفان: حدثنا حماد: حدثنا ثابت.... قال حماد: "لم يسمع هذا من ابن عمر، بينهما رجل " يعني: ثابتا ً.

ثم أخرجه أحمد (2/70 و 118) ، وعبد بن حميد في "المنتخب " (2/54/855) ، والبيهقي أيضاً من طرق ثلاثة أخرى عن حماد بن سلمة به دون قول حماد: " لم يسمع.. ". قلت: ورجاله ثقات على شرط مسلم؛ لكنه منقطع لتصريح حماد بأن ثابتاً لم يسمعه من ابن عمر. وبهذا أعله الهيثمي. وقد أعله بعض الناشئين في هذا العلم بعلة عجيبة! فقال المعلق على "المنتخب ": "هذا سند رجاله ثقات؛ لكن في القلب شيء؛ وذلك لاختلاط حماد بن سلمة (!) ، فلم نستطع التمييز هل روى عنه يحيى قبل الاختلاط أم بعده؟ ". قلت: والرد من وجوه: أولاً: لا نعلم أحداً من أهل العلم وصفه بالاختلاط؛ وإنما بالتغير، وهذا لا يضر، ولذلك لم يذكره ابن الصلاح في المختلطين في آخر كتابه " مقدمة علوم الحديث "؛ ولا الكيال في كتابه الجامع في هذا المجال: " الكواكب النيرات "، واحتج به مسلم في الأصول؛ منها حديثه عن ثابت عن أنس المتقدم برقم (2592) . ثانياً: قال ابن عدي في آخر ترجمة ثابت من " الكامل " (2/527) : " كتب عنه الأئمة والثقات؛ وأروى الناس عنه حماد بن سلمة؛ وماهو إلا ثقة صدوق؛ وأحاديثه أحاديث صالحة مستقيمة إذا روى عنه ثقة؛ وله حديث كثير؛ وهو من ثقات المسلمين؛ وما وقع في حديثه من النكرة فليس ذاك منه؛ إنما

هو من الراوي عنه؛ لأنه قد روى عنه جماعة ضعفاء ومجهولون ". قلت: وهذا الحديث قد رواه عنه أربعة من الثقات: عفان بن مسلم، ويحيى ابن آدم، وحسن بن موسى، وعبد الصمد - وهو ابن عبد الوارث-، وعليه؛ فحديثه هذا عن ثابت صحيح؛ لولا أنه هو نفسه رحمه الله ذكر أنه منقطع. ومن عجيب أمر هذا الناشىء؛ أن في "مسند عبد بن حميد" هذا أكثر من خمسين حديثاً من رواية حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وحده؛ فضلاً عن غيره، وهاك أرقامها: (1200و1202و1203و1204و1206و1208و1214و1256و1261و1290و1291و1294و1295و1297 - 1299و 1305- 1328و1331 ـ 1333 و 1335و1336و1338و1341و1358و1382و1384و1385) . فأقول: وفي كل هذه الأحاديث لم أره أعل واحداً منها بحماد بن سلمة؛ بل إنه صرح بصحة بعضها، والكثير منها في "صحيح مسلم "، فما الذي جعله يعل حديثنا هذا به دونها؟ ! أخشى ما أخشاه أنه استنكر متنه لغرابته - وليس له ذلك - فنظر في سنده؛ فلم يجد ما يتعلق به إلا رميه لحماد بالاختلاط؛ لعدم تفريقه بين التغير والاختلاط كما تقدم! ولو أنه أعطى البحث حقه أولاً؛ لوجد العلة منصوصاً عليها في رواية أحمد- وقد عزاه إليه- وهي الانقطاع، ولأغناه ذلك عن رمي هذا الإمام بما ليس فيه! ثم لوجد للحديث من الشواهد ما يقويه ثانياً؛ ولكن هذا شأن كثير من الناشئين الذين لم يتمرسوا على التحقيق والتفتيش. والله المستعان. ولحماد بن سلمة إسناد آخر، وهو الآتي:

3- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه أبو يحيى عنه: أن رجلين اختصما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - المدعي البينة، فلم يكن له بينة، فاستحلف المطلوب، فحلف بالله الذي لا إله إلا هو! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قد فعلت، ولكن غفر لك بإخلاصك قول: لا إله إلا الله ". أخرجه أبو داود (3275) ؛ وعنه البيهقي، وأحمد (1/253 و 289 و 2/70) من طريق حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي يحيى به. ثم أخرجه أبو داود (3620) عن أبي الأ حوص- مختصراً- والحاكم (4/95-96) عن عبد الوارث، وأحمد (1/299 و 322) عن شريك؛ ثلاثتهم عن عطاء به. وقال الحاكم: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. قلت: عطاء- وهو ابن السائب- كان اختلط، وقد ادعى الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (4/75) أن إسناده صحيح، وأن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل الاختلاط، وتبعه على ذلك المعلق على "مسند أبي يعلى " (10/56) ، ولكن يرد عليه أن حماداً سمع من عطاء بعد الاختلاط أيضاً كما استظهر الحافظ في آخر ترجمة عطاء، فيتوقف فيه. نعم؛ قد رواه عن عطاء سفيان الثوري- كما علقه البيهقي، ووصله النسائي في "القضاء" من "السنن الكبرى"- من طريق محمد بن إسماعيل بن سمرة- وهو ثقة- عن وكيع عن سفيان به، كما في "تحفة المزي " (4/ 390) . وبهذه الطريق يصير الحديث صحيحاً؛ لأن سفيان الثوري سمع من عطاء قبل الاختلاط اتفاقا، وأبو يحيى؛ قال أبو داود عقب الحديث:

" اسمه زياد، كوفي ثقة ". ووثقه غيره. 4- وأما مرسل البصري؛ فيرويه أبو عمرو بن نُجَيد: أنبأ أبو مسلم: ثنا الأنصاري: ثنا أشعث عنه: أن رجلاً فَقَدَ ناقة له، وادعاها على رجل، فأتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: هذا أخذ ناقتي، فقال: لا، والله الذي لا إله إلا هو ما أخذتها. فقال: قد أخذتها؛ رُدُّها عليه. فردها عليه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " قد غفر لك بإخلاصك ". أخرجه البيهقي من طرق عن أبي عمرو بن نجيد، ولم أعرفه الآن (¬1) ، ومن فوقه ثقات: أبو مسلم- هو إبراهيم بن عبد الله بن مسلم الكجي - ثقة حافظ مترجم في " تذكرة الحفاظ" و " تاريخ بغداد ". والأنصاري هو محمد بن عبد الله بن المثنى من رجال الشيخين. وأشعث هو ابن عبد الملك الحُمراني؛ وهو ثقة فقيه. (فائدة) : قال البيهقي عقب حديث الحسن هذا: " هذا منقطع، فإن كان في الأصل صحيحاً فالمقصود منه البيان: أن الذنب وإن عظم لم يكن موجباً للنار متى ما صحت العقيدة، وكان ممن سبقت له المغفرة، ¬

(¬1) هو في "السير" (16/146) مفتتحة ترجمته بوصفه: "المحدث الرباني، شيخ نيسابور"! (الناشر) .

3065

وليس هذا التعيين لأحد بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ". * 3065- (لا تَحُجُّ امرأةٌ إلا ومعها مَحْرَمٌ) . أخرجه البزار في "مسنده ": حدثنا عمرو بن علي: ثنا أبو عاصم عن ابن جريج: أخبرني عمرو بن دينار: أنه سمع معبداً مولى ابن عباس يحدث عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. فقال رجل: يا نبي الله! إني اكتُتِبتُ في غزوة كذا وامرأتي حاجة؟ قال: " ارجع فحج معها ". كذا في "نصب الراية" (2/ 10) . أقول: ورواه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/356) من طريق أخرى عن أبي عاصم به إلا أنه لم يسق لفظه. وأخرجه الدارقطني في "سننه " (2/222/30) من طريق أبي حميد قال: سمعت حجاجاً يقول: قال ابن جريج عن عمرو بن دينار به بلفظ: جاء رجل إلى المدينة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أين نزلت؟ " قال: على فلانة! قال: " أغلقت عليك بابها؟ لا تحجن امرأة إلا ومعها ذو محرم ". ورواه البزار (2/187/1488- كشف الأستار) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (11/249/11638و11639) ، و"الأوسط " (2/229/8542- بترقيمي) من طرق عن عمرو بن دينار مختصراً.

ورجال الدارقطني ثقات، وأبو حميد هو عبد الله بن محمد بن تميم المصيصي، وقد وثقه النسائي وابن حبان (8/367) . وحجاج هو ابن محمد المصيصي الأعور، قال الحافظ في" التقريب ": " ثقة ثبت؛ لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته ". قلت: لكنه قد توبع من أبي عاصم- وهو الضحاك بن مخلد النبيل، الثقة لثبت- في جملة الحج كما تقدم. وأخرجه البزار بتمامه؛ إلا أنه لم يذكر جملة الحج، وقال: " فكره ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ". وقال الهيثمي (4/ 326) : " رجال البزار رجال (الصحيح) ". وقد ذكر الحافظ في "الفتح " (4/ 76) حديث الترجمة بلفظ الدارقطني وروا يته، وقال: " وصححه أبو عوانة ". وذكره في " الدراية " (2/ 4) بلفظ الترجمة من رواية البزار، ثم قال: " وأخرجه الدارقطني بنحوه، وإسناده صحيح، وهو في "الصحيحين " من هذا الوجه بلفظ: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ". قلت: وهذا مخرج في "الإرواء" برقم (995) من رواية سفيان عن عمرو به، وزاد:

3066

" فقال رجل يا رسول الله! إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا؛ وامرأتي تريد الحج؟ فقال: " اخرج معها"، وفي رواية: " انطلق فحج مع امرأتك ". وصححه ابن خزيمة (2529) ، وابن حبان (2720) ، ورواه الطحاوي في "شرح المعاني "، واستدل به على أنه لا ينبغي للمرأة أن تحج إلا بمحرم، وقال (1/ 358) : " ولولا ذلك لقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما حاجتها إليك لأنها تخرج مع المسلمين، وأنت فامض لوجهك، ففي ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمره بذلك، وأمره أن يحج معها دليل على أنها لا يصلح لها الحج إلا به ". وبهذا قال الحسن البصري وطاوس؛ أنه لا تحج المرأة إلا مع محرم. أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (4/ 4 و5) عنهما. * 3066- (كان رجلٌ من الأنصار أسلمَ؛ ثم ارتدَّ ولَحِقَ بالشركِ؛ ثم تَنَدَّمَ، فأرسل إلى قومِهِ: سَلُوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل له من توبةٍ؟ فجاء قومُهُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إنَّ فلاناً قد نَدِمَ، وإنّه أمَرَنا أن نسألك: هل له من توبةٍ؟ فنزلت: (كَيْفَ يهدِي اللهُ قوماً كَفَرُوا بَعْدَ إيمانِهِم..) إلى قوله: (غفورٌ رحيمٌ) ، فأرسل إليهِ [قومُه] ؛ فأَسلَم) . أخرجه النسائي (2/ 170) ، وابن جرير (3/ 241) قالا- والسياق للأول، والزيادة للآخر-: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زريع قال: حدثنا يزيد- وهو ابن زريع- قال: أنبأنا داود عن عكرمة عن ابن عباس قال ... فذكره. وتابع محمداً بشر بن معاذ العقدي قال: حدثنا يزيد بن زريع به.

أخرجه ابن حبان (1728- موارد) . وتابع يزيد حفص بن غياث عن داود بن أبي هند به. أخرجه الحاكم (2/142 و 4/ 366) وقال: " صحيح الإسناد ". ووافقه الذهبي. وتابعه أيضاً علي بن عاصم عن داود به؛ إلا أنه خالف في سياقه فقال: " ارتد رجل من الأنصار.. " الحديث نحوه، وفي آخره: " قال: فكتب بها قومه إليه، فلما قرئت عليه قال: والله! ما كذبني قومي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا كذب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - على الله عز وجل، والله أصدق الثلاثة، قال: فرجع تائباً إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، فقبل ذلك منه، وخلى سبيله ". قلت: وعلي بن عاصم صدوق؛ لكنه كان يخطئ ويصر كما في "التقريب "؛ فلا يقبل تفرده ومخالفته. لكنه قد توبع؛ فأخرجه ابن جرير من طريق حكيم بن جَمِيع عن علي بن مسهر عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس قال: ارتد رجل من الأنصار.. فذكر نحوه. كذا فيه، لم يسق لفظه، وإنما أحال به على لفظ يزيد بن زريع الذي قبله، وطرفه الأول مثل طرف حديث علي بن عاصم كما ترى. فالله أعلم؛ هل نحا نحوه- أعني: حديث عاصم- أم نحو حديث ابن زريع؟ لكن قد ساق ابن جرير عقبه شاهداً له من رواية عبد الرزاق قال: أخبرنا جعفر بن سليمان قال: أخبرنا حميد الأعرج عن مجاهد قال:

جاء الحارث بن سويد فأسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم كفر الحارث فرجع إلى قومه، فأنزل الله فيه القرآن: (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم) إلى (إلا الذين تابوا..) الآية، قال: فحملها إليه رجل من قومه فقرأها عليه، فقال الحارث: إنك- والله! ما علمت- لصدوق، وإن رسول الله لأصدق منك، وإن الله لأصدق الثلاثة، قال: فرجع الحارث فأسلم وحسن إسلامه ". قلت: ورجال إسناده ثقات، فهو مرسل صحيح. فهو شاهد قوي لحديث علي بن عاصم. وأخرج له ابن جرير شاهداً آخر بإسناده عن السدي مرسلاً مختصراً. هذا؛ وحكيم بن جميع المتقدم قد أورده البخاري وابن أبي حاتم في كتابيهما، من رواية أبي كريب عنه، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وكذلك ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 212) ، وقال: " يروي المقاطيع ". قلت: فكأنه لم يقف على روايته الموصولة هذه. ولتمام الفائدة لا بد من ذكر الآيات الأربع بتمامها، وهي في (آل عمران/ 86 ـ89) : (كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات والله لايهدي القوم الظالمين. أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله الملائكة والناس أجمعين. خالدين فيها لايخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون. إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم) .

3067

ولا ينافي ذلك قوله تعالى بعدها: (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون. إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن تقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين) . ذلك؛ لأن المقصود: لن تقبل توبتهم عند الممات كما قال تعالى: (وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذاباً أليماً) [النساء/18] . قاله الحافظ ابن كثير. * 3067- (لولا أن أشُقَّ على أمتي؛ لَفَرَضْتُ على أمتي السِّوَاكَ كما فَرَضْتُ عليهم الوضوءَ) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (1/ 170) : حدثنا عبيدة بن حميد قال: حدثنا الأعمش عن عبد الله بن يسار عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - رفعه قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله بن يسار- وهو الجهني الكوفي- وثقه النسائي وابن حبان، وروى عنه جمع من الثقات، وجهالة الصحابي لا تضر، ومن الممكن أن يكون أبا هريرة؛ وإلا فهو شاهد له: يرويه حماد بن زيد عن عبد الرحمن السراج عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لفرضت عليهم السواك مع كل وضوء".

أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/ 366/ 2929- هندية) ، والحاكم (1/146) عنه، والبيهقي (1/36) ، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجا لفظ: "الفرض " فيه، وليس له علة ". ووافقه الذهبي. وعزاه الحافظ في "الفتح " (4/ 159) للنسائي وسكت عنه، فهو عنده قوي. ثم أخرجه النسائي (2934) من طريق بقية عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد به. ثم ساق له الحاكم شاهداً من حديث جعفر بن تمام عن أبيه عن العباس بن عبد المطلب مرفوعاً بلفظ: ".. لفرضت عليهم السواك عند كل صلاة كما فرضت عليهم الوضوء". وهكذا أخرجه أبو يعلى (12/71/6710) ، والبزار (1/243/498) ، وأحمد أيضاً (1/ 214) ؛ إلا أنه لم يقل: "عن العباس ". وكذا رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/64/ 1301- 1303) . وفي رواية لأحمد (3/442) عن قثم بن تمام- أو تمام بن قثم- عن أبيه مرفوعاً. ومدار هذه الوجوه على أبي علي الصيقل، وهو مجهول، وسقط هو من إسناد الحاكم، وثمة وجوه أخرى من الاضطراب عند البيهقي، وختمها بقوله: "وهو حديث مختلف في إسناده ". ومع ذلك صححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (3/ 246-248) ! *

3068

3068- (فُقِدَتْ أُمَّةٌ من بني إسرائيل؛ لا يُدرَى ما فَعَلَتْ؟! وإنّي لا أُراها إلا الفَأْرَ؛ [أَلا تَرَوْنَها] إذا وضعَ لها ألبانُ الإبِلِ لم تَشرب، وإذا وُضعَ لها ألبانُ الشَّاءِ شَرِبَتْ؟!) . أخرجه البخاري (3305) ؛ ومسلم (8/226) ؛وابن حبان (6225- الإحسان) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/277) ، وأحمد (2/ 234) ، وأبو يعلى (10/6031) ، والبغوي في "شرح السنة" (10/200/3271) من طريق خالد عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -.. فذكره. وتابعه هشام عن محمد عن أبي هريرة قال: " الفأرة مسخ، وآية ذلك أنه يوضع بين يديها لبن الغنم.. " الحديث، وفيه: " فقال له كعب: أسمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: أفأنزلت علي التوراة؟ ! " أخرجه مسلم؛ وأحمد (2/279و411و507) ؛ وأبو يعلى مختصراً (رقم 6060و6061) . وتابعه أيوب عن محمد به. أخرجه أحمد (2/289) ؛ وأبو يعلى أيضاً. وتابعه أيضاً الأشعث عن محمد به مرفوعاً مختصراً بلفظ: " أمة من الأمم فقدت؛ فالله أعلم الفأر هي أم لا؟ ! ألاترى أنها إذا وضع لها ألبان الإبل لم تَطْعَمْهُ؟ !)) . أخرجه أحمد (2/497) .

قلت: إسناده صحيح، والأشعث هو ابن عبد الله الحُدّاني البصري. وتابع ابن سيرين أبو سلمة عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى فأرة فقال: " جِنة؛ لا أعلم إلا من يهود "! أخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (5/1702) بهذا اللفظ، والطحاوي أيضا بلفظ " حنة ولا أعلم شيئاً حناً إلا من يهود ". أخرجاه من طريق عمر بن علي عن موسى بن عقبة عنه. وعمر هذا هو المقدمي، وكان يدلس تدليساً عجيباً. و (جنة) : بالجيم في " الكامل "، وطبعتها سيئة جداً، وفي " المشكل ": (حنة) بالحاء المهملة ولم يتبين لي المعنى، ولم تذكر هذه اللفظة في بعض النسخ المصورة من " الكامل " الموجودة في الجامعة الإسلامية. (فائدة) : من الظاهر أن هذا الحديث كان رأياً منه - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يُعْلِمَه الله تعالى أنه لم يجعل لمسخ نسلاً؛ كما تقدم في حديث ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: " إن الله لم يمسخ شيئاً فيدع له نسلاً أو عاقبة.. " الحديث. وقد سبق تخريجه تحت الحديث (2264) . وبهذا جمع بين الحديثين الطحاوي وغيره من العلماء. *

3069

امرأة أفقه من رجل 3069- (صَدَقت أمُّ طُلَيْقٍ؛ لو أعطيتَها الجمَلَ كان في سبيلِ اللهِ، ولو أعطيتها ناقتكَ كانت وكنتَ في سبيلِ اللهِ، ولو أعطيتها من نفقتِكَ أَخْلَفَكَها اللهُ) . أخرجه الدولابي في "الأسماء والكنى" (1/ 41) : حدثنا إبراهيم بن يعقوب قال: حدثني عمر بن حفص بن غياث قال: ثنا أبي قال: حدثني المختار بن فُلْفُلٍ قال: حدثني طلق بن حبيب البصري أن أبا طليق حدثهم: أن امرأته أم طليق أتته، فقالت له: حضر الحج يا أبا طليق! وكان له جمل وناقة، يحج على الناقة، ويغزو على الجمل، فسأَلَته أن يعطيها الجمل تحج عليه؟ فقال: ألم تعلمي أني حبسته في سبيل الله؟! قالت: إن الحج من سبيل الله؛ فأعطنيه يرحمك الله! قال: ما أريد أن أعطيَكِ. قالت: فأعطني ناقتك وحج أنت على الجمل. قال: لا أوثركِ بها على نفسي. قالت: فأعطني من نفقتك. قال: ما عندي فضل عني وعن عيالي ما أخرج به وما أترك (الأصل: أنزل) لكم، قالت: إنك لو أعطيتني أخلفكها الله. قال: فلما أَبَيْتُ عليها، قالت: فإذا أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - فأَقْرِئْهُ مني السلام، وأخبره بالذي قلت لك. قال: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقرأته منها السلام، وأخبرته بالذي قالت أم طليق، قال ... فذ كره. قال: وإنها تسألك يا رسول الله! ما يعدل الحج [معك] ؟ قال: " عمرة في رمضان ".

3070

وهذا إسناد جيد؛ كما قال الحافظ في " الإصابة" , وعزاه لابن أبي شيبة أيضاً، والبغوي، وابن السكن، وابن منده. وعزاه في "المطالب " (1/ 320) لأبي يعلى. يعني: في "المسند الكبير". وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/ 324/816 و25 /173/425) مطولاً ومختصراً بإسناد واحد من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن المختار بن فلفل به، والزيادة له. وأخرجه البزار (2/38/1151) من طريق محمد بن فضيل عن المختار به مختصراً. وقد وقع مثل هذه القصة لأم معقل مع زوجها أبي معقل، وهو مخرج في "الإرواء" (3/375) عنها برواية أحمد. ورواه ابن خزيمة في "صحيحه " (3077) ، والحاكم وغيرهما من حديث ابن عباس نحوه، وفيه الزيادة بلفظ: ".... تعدل حجة معي ". وهو مخرج في "الإرواء " (6/32/1587) . وهي في "صحيح البخاري " أيضاً (863 1) . انظر " مختصر البخاري " (28- جزاء الصيد/25- باب) . * 3070- (يا أبا رافعٍ! إنّها لم تَأْمُرْكَ إلا بخيرٍ. أي: بالوضوءِ من الريحِ) . أخرجه أحمد (6/ 72) ، والبزار (1/ 146/ 280) ، والطبراني في " المعجم

3071

الكبير" (24/ 301/765) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أتت سلمى مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو امرأة أبي رافع مولى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تستأذنه على أبي رافع قد ضربها. قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي رافع: " مالك ولها يا أبا رافع؟ ! ". قال: تؤذيني يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " بم آذيتيه يا سلمى؟! ". قالت: يا رسول الله! ما آذيته بشيء؛ ولكنه أحدث وهو يصلي، فقلت له: يا أبا رافع! إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ. (وقال الطبراني: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "من خرج منه ريح فليعد الوضوء) ، فقام فضربني، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك ويقول ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن إسحاق- وهو محمد صاحب "السيرة"- وهو حسن الحديث، وقد صرح بالتحديث، فأمِنَّا بذلك تدليسه. * 3071- (زينبُ خيرُ (وفي روايةٍ: أفضلُ) بناتي، أُصِيبَتْ بي) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/ 290/2/4863) : حدثنا عبد الرحمن ابن حاتم المرادي قال: ثنا سعيد بن أبي مريم قال: ثنا يحيى بن أيوب قال:

حدثني يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد عن عمر بن عبد الله بن عروة عن عروة عن عائشة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره، فبلغ ذلك علي بن حسين فأتاه؛ فقال: ما حديث يبلغني عنك تنتقص فيه فاطمة؟ ! فقال عروة: ما أحب أن لي كذا وكذا وأني أنتقص فاطمة حقاً هو لها، وأما بعد ذلك فلك علي أن لا أحدث به أبداً. وقال: " لم يروه عن عمر بن عبد الله بن عروة إلا يزيد بن الهاد " قلت: وهما ثقتان من رجال الشيخين، وكذلك من دونهما؛ غير المرادي شيخ الطبراني؛ ففيه كلام- كما ترى في "اللسان "-، ولكنه قد توبع، فالسند صحيح، فقد أخرجه البزار (3/ 242/2666) ، والطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (22/431/1051) ، والحاكم (4/43- 44) من طرق عن سعيد بن أبي مريم به أتم منه بلفظ: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة خرجت ابنته زينب من مكة مع كنانة- أو ابن كنانة-، فخرجوا في إثرها، فأدركها هَبَّار بن الأسود، فلم يزل يطعُن بعيرها برمحه حتى صرعها، وألقت ما في بطنها، وهرقت دماً، فتحملت، واشتجر فيها بنو هاشم وبنو أمية، فقالت بنو أمية: نحن أحق بها. وكانت تحت ابنهم أبي العاص، وكانت عند هند بنت عتبة بن ربيعة، وكانت تقول لها هند: هذا في سبب أبيك. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة: "ألا تنطلق فتجيء بزينب؟! ". فقال: بلى يا رسول الله! قال: "فخذ خاتمي فأعطها إياه "، فانطلق زيد، فلم يزل يتلطف، فلقي راعياً، فقال: لمن ترعى؟ فقال: لأبي العاص. فقال: لمن هذه الغنم؟ فقال: لزينب بنت محمد. فسار معه شيئاً، ثم قال: هل لك أن أعطيك شيئاً تعطيها إياه ولا تذكره لأحد؟ قال: نعم. فأعطاه الخاتم، وانطلق الراعي،

فأدخل غنمه، وأعطاها الخاتم، فقالت: من أعطاك هذا؟ قال: رجل. قالت: فأين تركته؟ قال: بمكان كذا وكذا. فسكتت حتى إذا كان الليل خرجت إليه، فلما جاءته قال لها: اركبي بين يدي- على بعيره-، قالت: لا؛ ولكن اركب أنت بين يدي. فركب وركبت وراءه حتى أتت، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. وقال الحاكم: " صحيح على شرط الشيخين ". وقال الذهبي: " قلت: هو خبر منكر، ويحيى ليس بالقوي ". قلت: هو الغافقي المصري، وهو مختلف فيه، وقد ساق أقوال العلماء فيه الحافظ في "التهذيب "، وفي "مقدمة الفتح "، ثم قال (13/ 451) : " قلت: استشهد به البخاري في عدة أحاديث من روايته عن حميد الطويل، ما له عنده غيرها سوى حديثه عن يزيد بن أبي حبيب في صفة الصلاة بمتابعة الليث وغيره، واحتج به الباقون". وقال في " التقريب ": " صدوق ربما أخطأ ". قلت: فمثله حسن الحديث على الأقل؛ إلا إذا ظهر خطؤه، وما تبين لي في سياقه لهذه القصة- على طولها- ما يقضي الحكم على الحديث بالنكارة؛ إلا أن يكون قوله في حديث الترجمة: "زينب خير بناتي.. "؛ لأنه بظاهره يعارض قوله - صلى الله عليه وسلم -في مرض موته: " يا فاطمة! ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين؟! ".

3072

أخرجه البخاري (3624 و 6286) ، ومسلم (7/142ـ144) ؛ وأحمد (6/282) ، وابن سعد (2/247- 248 و 8/26- 27) . واستدركه الحاكم (3/156) فوهم! والغريب أنه اقتصر على تصحيحه فقط؛ ولم يقل: "على شرط الشيخين "! وقد مضى بتمامه برقم (2948) . وقد أجاب عن التعارض؛ ووفق بين الحديثين الإمام ابن خزيمة رحمه الله فيما رواه عنه الحاكم عقب حديث الترجمة بقوله: " معناه، أي: من أفضل بناتي.. وقد أمليت من هذا الجنس: أن العرب قد تقول: أفضل؛ تريد: من أفضل، وفي كتبي ما فيه الغنية والكفاية إن شاء الله عز وجل " ثم ذكر الحاكم- من رأيه- وجهاً آخر في التوفيق، فليراجعه من شاء. وبعد تخريجه بسنين، رأيت الحافظ في "مختصر الزوائد" (2/359) قد سبقني إلى تصحيحه. فالحمد الله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. * 3072 - (يكونُ في آخرِ أمتي خليفةٌ يَحْثُو المالَ حَثْواً؛ لا يَعُدُّهُ عَدّاً) . أخرجه أحمد (3/317) : ثنا إسماعيل- هو ابن عُلَيَّة- عن الجُرَيري عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله قال: يوشك أهل العراق أن لا يُجبى إليهم قَفِيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبَل العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم ديناراً ولا مُدَّ

قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قِبَل الروم يمنعون ذاك. قال: ثم أمسك هُنَيَّةً، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وأخرجه مسلم (8/185) ، وابن حبان (6647) من طرق عن إسماعيل ابن علية به وأخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 115/2) دون حديث الترجمة. وتابعه عبد الوهاب، بن عطاء: أنبأ سعيد بن إياس الجريري به. أخرجه الحاكم (4/ 454) بزيادات في المتن وقال: "صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذه السياقة! إنما أخرج مسلم حديث داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يكون في آخر الزمان خليفة يعطي المال ولا يعده عداً ". وهذا له علة.. ". ثم ساقه من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد- وهو الثقفي- (وفي الأصل: عبد الحميد، وهو تصحيف) : ثنا داود بن أبي هند به؛ لكنه قال: " عن جابر أو أبي سعيد.. " على الشك. وأقول: لي على هذا الكلام ملاحظات: الأولى: أنه أوهم أن مسلماً لم يخرج حديث الجريري مطلقاً، وليس كذلك كما ترى. الثانية: أن العلة التي أشار إليها ليست قادحة؛ لأن مسلماً قد أخرج الحديث من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا أبي: حدثنا داود به؛ إلا أنه قال: "عن أبي سعيد وجابر بن عبد الله قالا.. "، هكذا بدون شك.

وكذلك أخرجه أحمد (3/333) . وهذا أصح، لأن عبد الوارث والد عبد الصمد ثقة ثبت؛ بخلاف عبد الوهاب ابن عبد المجيد (وفي الأصل: عبد الحميد، وهو خطأ مطبعي) ؛ ففيه ما يأتي. الثالثة: أن عبد الوهاب هذا- وإن كان ثقة من رجال الشيخين؛ فإنه- مذكور فيمن كان اختلط، فلا يعل بروايته ما رواه الثقة الثبت عبد الوارث. ثم إن الحديث قد أورده السيوطي في "الجامع الكبير" مفرقاً من حديث جابر دون جملة الشام، وعزا الجملة الأولى المتعلقة بالعراق لأحمد وأبي عوانة وابن عساكر، وعزا حديث الترجمة لأحمد ومسلم فقط، وفي ذكره للجملة الأولى فيه - مع كونها موقوفة- إشارة منه إلى أنها في حكم المرفوع، وذلك لأنها من الأمور الغيبية التي لا تقال بالرأي والاجتهاد. وأيضاً، فإنه يشهد له حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: " منعت العراق درهمها وقفيزها، ومنعت الشام مُدْيَها ودينارها، ومنعت مصر إِرْدَبًّها ودينارها.. " الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2679) ، وأخرجه البيهقي (19/137) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (6/457) . (فائدة) : قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم ": "وفي معنى " منعت العراق " وغيرها قولان مشهوران: أحدهما: لإسلامهم، فتسقط عنهم الجزية، وهذا قد وُجد. والثاني: أن العجم والروم يستولون على البلاد في آخر الزمان؛ فيمنعون

حصول ذلك للمسلمين. وقد روى مسلم عن جابر: " يوشك أن لا يجبى إليهم قفيز " فذكر الحديث، قال النووي: " وهذا قد وجد في زماننا في العراق، وهو الآن موجود. وقيل: لأنهم يرتدون في آخر الزمان؛ فيمنعون ما لزمهم من الزكاة وغيرها. وقيل: معناه أن الكفار الذين عليهم الجزية تقوى شوكتهم في آخر الزمان؛ فيمتنعون مما كانوا يؤدونه من الجزية والخراج وغير ذلك ". قلت: وهذا المعنى هو الظاهر المتبادر من لفظ "المنع "؛ بخلاف المعنى الأول، فهو عنه بعيد جداً؛ لأن من أسلم وسقطت عنه الجزية لا يصح أن يقال فيه: امتنع من أداء ما عليه؛ كما هو ظاهر بين. ولقد كان الداعي إلى تخريج هذا الحديث؛ وبيان أن الموقوف منه في حكم المرفوع؛ وبيان معناه؛ أن بعض الناس اليوم ظنوا أن لهذا الحديث علاقة بالفتنة العمياء التي حلت على المسلمين بسبب اجتياح الجيش العراقي لدولة الكويت، ما فرض على العراق من الحصار البري والبحري والجوي؛ لمنع وصول المؤن والأرزاق إليها من البلاد المسالمة لها! فكثر السؤال عن هذا الحديث بهذه المناسبة، وهل له علاقة أو ارتباط بهذا الحصار للعراق؟ فأجبت بالنفي، وبينت لهم معناه بنحو ما تقدم نقله عن الإمام النووي - رحمه الله -. كتبت هذا نهار الأربعاء: 1 صفر سنة 1411هـ. كفى الله المسلمين شر الفتن ماظهر منها وما بطن. *

3073

3073- (مَنْ صبرَ على شِدَّتِها ولأْوَائِها؛ كنتُ له شهيداً أو شفيعاً يومَ القيامةِ. يعني: المدينةَ. وفي لفظ: لا يَصبرُ على لأوَائِها وشدتِها أَحَدٌ إلا كنتُ.....) . أخرجه الترمذي (3918) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/169- طبع المجمع العلمي) من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت عبيد الله (وفي "التاريخ ": " عبد الله " مكبراً) بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن مولاةً له أتته فقالت: اشتد علي الزمان، وإني أريد أن أخرج إلى العراق؟ قال: فَهَلا الشام أرض المنشر (وفي "التاريخ ": المحشر) ؟! اصبري لَكاعِ! فإني سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم -يقول ... فذكره باللفظ الأول، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب من حديث عبيد الله ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين؛ بخلاف أخيه عبد الله (المكبَّر) ؛ فإنه ضعيف سيئ الحفظ. والمعتمر بن سليمان ثقة محتج به في "الصحيحين "، وفي حفظه ضعف يسير، وقد خالفه عبيد الله بن عبد المجيد، فقال: حدثنا عبيد الله بن عمر عن قََطََن ابن وهب: أن مولاة لابن عمر أتته لتسلِّم عليه لتخرج من المدينة، وقالت: أخرج إلى الريف؛ فقد اشتد علينا الزمان؟ فقال ابن عمر: اجلسي لَكاعِ!.. الحديث، لم يذكر الشام. أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (10/166/5789) . قلت: وإسناده صحيح؛ لولا الانقطاع في إسناده كما سيأتي، وعبيد الله بن

عبد المجيد فيه كلام يسير؛ إلا أنه قد توبع كما سترى. إلا أن عبيد الله بن عمر قد توبع على إسناده؛ فقال أحمد (2/155) : ثنا عثمان بن عمر: ثنا عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صبر.. " الحديث. وكذا أخرجه مسلم (4/119) من طريق زهير بن حرب: حدثنا عثمان بن عمر به. وتابعه أيوب عن نافع بلفظ: " من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها؛ فإني أشفع لمن يموت بها ". أخرجه الترمذي (3917) ، وابن ماجه (3112) ، وابن حبان (3733- الإحسان) ، وأحمد (2/ 74) ، والبغوي في "شرح السنة " (7/ 324/ 2020) ، وقال - هو والترمذي-: " حديث حسن ". زاد الترمذي " صحيح غريب " ولعبيد الله بن عمر إسناد آخر؛ يرويه عن قطن بن وهب عن مولاة لعبد الله ابن عمر: أنها أرادت الجلاء في الفتنة، واشتد عليها الزمان، فاستأمرت عبد الله بن عمر، فقال: أين؟ فقالت: العراق. فقال: فهلا إلى الشام إلى المحشر؟! اصبري لكاع!.. الحديث مثل روايته المتقدمة عن نافع؛ لكن باللفظ الثاني. أخرجه ابن عساكر أيضاً من طريق أحمد بن محمد بن سليم المخرمي: ثنا الزبير بن بكار بن عبد الله: حدثني أبو ضمرة عن عبيد الله بن عمر به.

قلت: ورجاله ثقات؛ غير المخرمي هذا فلم أعرفه، وأخشى أن يكون هو أحمد ابن محمد المخرمي الذي حدث عن عبد العزيز بن الرماح بسنده الصحيح عن ابن عباس موقوفاً: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم عليه السلام: تغيرت البلاد ومن عليها فوجه الأرض مغبر قبيح الحديث. رواه الخطيب في "التاريخ " (5/128) ، وذكره الذهبي في ترجمة المخرمي هذا، وقال: " هو الآفة أو شيخه ". وكذا في "اللسان "، لكن وقع فيه: "المخزومي "، وهو تحريف. لكن قد توبع عبيد الله عن قطن، فقال مالك في "الموطأ" (3/83) : عن قطن ابن وهب بن عويمر بن الأجدع أن يُحَنَّسَ مولى الزبير بن العوام أخبره: أنه كان جالساً عند عبد الله بن عمر في الفتنة، فأتته مولاة له تسلم عليه، فقالت: إني أردت الخروج يا أبا عبد الرحمن! اشتد علينا الزمان. فقال لها عبد الله ابن عمر: اقعدي لكع! فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " لا يصبر.. " الحديث. ومن طريق مالك أخرجه مسلم (4/119) ، وأحمد (2/113 و 119 و 133) وأبو يعلى (10/166/5790) ، والطبراني في" المعجم الكبير" (12/347/13307) وله شاهد بهذا اللفظ من حديث أبي هريرة وغيره عند مسلم وغيره،

3074

وصححه البغوي (2019) ، وابن حبان (3731و3732) ؛ وراجع "مسند أبي يعلى" (10/347/5943) ، فقد توسع المعلق عليه بذكر طرقه وبعض شواهده. (تنبيه) : قد أورد السيوطي حديث الترجمة بلفظيه في "الجامع الكبير" من رواية ابن عساكر وحده! وهو في "كنز العمال " (14/160/ 38231) ، ففاته أن الترمذي رواه- كابن عساكر- باللفظ الأول! * 3074- (إذا قال الرجلُ: هَلَكَ الناسُ؛ فهو أَهْلَكهم) . أخرجه مالك في "الموطأ" (3/148) ، ومسلم (8/36) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (759) ، وأبو داود (4983) ، وابن حبان في "صحيحه " (5732) ، وأحمد (2/272و342و465و517) ، وأبو نعيم في" الحلية" (7/141) و"أخبار أصبهان" (1/150و276و2/364) ، والبغوي في"شرح السنة" (13/144) من طرق عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. وقال البغوي: "هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم "* 3075- (إنَّ موسى كان رجلاً حَيِيّاً سِتِّيراً، لا يُرَى من جِلْدِهِ شيءٌ استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يَسْتَترُ هذا التستر إلا من عيبٍ بجلدِهِ؛ إما بَرَصٍ، وإما أدْرَةٍ، وإما آفةٍ. وإنَّ الله أراد أن يُبرِّئَهُ مما قالوا لموسى، فخلا يوماً وحده، فوضع ثيابه على الحجر، ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنَّ الحجر عَدَا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حَجَرُ!

ثوبي حَجَرُ! حتى انتهى إلى ملإ من بني إسرائيل، فَرَأَوْهُ عُرْيَاناً أحسَنَ ما خَلَقَ الله، وأبرأهُ مما يقولون، [قالوا: والله ما بموسى من بأس] ، وقام الحجرُ، فأخذَ ثوبَهُ فَلَبِسَهُ، وطَفِقَ بالحجر ضرباً بعصاه، فوالله! إنَّ بالحجر لندباً من أثر ضَرْبهِ؛ ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فذلك قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً) .) أخرجه البخاري (278 و 3404 و 4799) والسياق له، ومسلم (1/183 و 7/99) ، وأبو عوانة (1/ 281) ، والزيادة لهما، والترمذي (3219) وقال: "حسن صحيح "، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 11) ، وابن جرير الطبري (22/37) ، وأحمد (2/ 324 و 392 و 514 و 535) ، وعبد الله (2/315) مطولاً ومختصراً، والطيالسي (2465) ، والبغوي في " التفسير" (6/378- 379) مختصراً جداً من طرق عن أبي هريرة مرفوعاً به. وللحديث شاهد يرويه علي بن زيد عن أنس به مختصراً. أخرجه البزار (3/66- 67) وقال: "لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد". قلت: وحسنه الحافظ في "مختصر الزوائد" (2/103) ؛ لأنه يشهد له حديث أبي هريرة هذا. (تنبيه) : وقعت للمدعو (حسان عبد المنان) في تخريج هذا الحديث خبطات عشوائية عجيبة في تعليقه على "إغاثة اللهفان " (2/398- 399) ، فعزا نصفه الأول للشيخين، ونصفه الآخر للطبري! وأعله براوٍ تحرف اسمه على الطابع، فلم

3076

يعرفه (الهدام) ! ثم عزا رواية أخرى- هي في " الصحيح " أيضاً- للطبري، وأعله براو لا وجود له عنده! (ظلمات بعضها فوق بعض) ، (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) . وقد فصلت هذا الذي أجملته هنا في ردي عليه: "النصيحة" (ص 0 27) . * 3076- (غَطُّوا الإناء، وأوكُوا السِّقاء؛ فإن في السّنَةِ ليلة ينزل فيها وباء لا يَمُرُّ بإناءٍ لم يُغَطَّ ولا سقاءٍ لم يُوكَ؛ إلا وقع فيه من ذلك الوباء) . أخرجه الإمام أحمد (3/355) : ثنا يونس: ثنا ليث عن يزيد- يعني: ابن الهاد- عن يحيى بن سعيد عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن القعقاع بن حكيم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ إلا أن البخاري لم يرو لجعفر ابن عبد الله وشيخه القعقاع إلا في "الأدب المفرد". وقد أخرج مسلم حديثهما كما يأتي. وليث هو ابن سعد الإمام المصري. ويونس هو ابن محمد، أبو محمد المؤدب، وهو ثقة ثبت. والحديث أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (5/127/6059- بيروت) من طريق يونس هذا. وتابع يونس: هاشم بن القاسم أبو النضر، وهو ثقة ثبت أيضاً. أخرجه مسلم (6/107) ، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة" (11/392/3061) ، وأبو عوانة (5/ 334) .

وقال البغوي: "هذا حديث صحيح". وتابعه موسى بن داود- وهو صدوق له أوهام-، وعلي بن عياش- وهو ثقة ثبت- عند أبي عوانة. وسعيد بن سليمان- وهو الضبي الواسطي، ثقة حافظ- عند البيهقي. قلت: وكلهم قالوا في الحديث: "ليلة". وخالفهم علي بن نصر الجهضمي: حدثنا ليث بن سعد به؛ إلا أنه قال: " يوماً" مكان: "ليلة " أخرجه مسلم وحده، وزاد في آخره: "قال الليث: فالأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول ". وجمع النووي بين الروايتين: " ليلة " و " يوماً " بقوله: "لا منافاة بينهما؛ إذ ليس في أحدهما نفي الآخر". فأقول: كان ينبغي أن يكون الأمر كذلك؛ لولا أن تتبعنا للرواة عن الليث بن سعد قد دلنا على شذوذ رواية: "يوما"؛ لتفرد الجهضمي بها مخالفاً الثقات الخمسة الذين رووه باللفظ الأول، فاتفاق هؤلاء عليه يدل على وهم الجهضمي وشذوذ روايته، والشذوذ يثبت بأقل من هذا؛ كما يعرف ذلك من له ممارسة في هذا العلم الشريف. ويشبه هذا الشذوذ ما وقع في حديث عمر؛ أنه نذر في الجاهلية أن يعتكف

ليلة.. الحديث، وفي رواية لمسلم: "يوماً"، فحكم الحافظ عليها بالشذوذ؛ مع أن الذي خالف فيها شعبة. انظر"الفتح" (4/274) ؛ و"صحيح أبي داود" (2137) وإن مما يؤيد الشذوذ: ما أخرجه مسلم في الباب من طريق أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أخبرني أبو حميد الساعدي قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح لبن من النقيع ليس مخمراً، فقال: "ألا خمَّرته؟! ولو تَعْرُض عليه عوداً". قال أبو حميد: إنما أُمِر بالأسقية أن توكأ ليلاً، وبالأبواب أن تغلق ليلاً. قلت: فقول أبي حميد هذا صريح في تخصيص ذلك بالليل؛ لكن رده النووي بقوله في"شرح مسلم ": "ما قاله أبو حميد من تخصيصهما بالليل ليس في اللفظ ما يدل عليه، والمختار عند الأكثرين من الأصوليين- وهو مذهب الشافعي وغيره- أن تفسير الصحابي إذا كان خلاف ظاهر اللفظ ليس بحجة، ولا يلزم غيره من المجتهدين موافقته على تفسيره، وأما إذا لم يكن في ظاهر الحديث ما يخالفه- بأن كان مجملاً- فيرجع إلى تأويله، ويجب الحمل عليه؛ لأنه إذا كان مجملاً لا يحل له حمله على شيء إلا بتوقيف، وكذا لا يجوز تخصيص العموم بمذهب الراوي عند الشافعي والأكثرين، والأمر بتغطية الإناء عام؛ فلا يقبل تخصيصه بمذهب الراوي؛ بل يتمسك بالعموم ". وأقول: ليس هذا من باب التخصيص بمذهب الراوي؛ وإنما هو من باب التخصيص بالنص؛ فإن قول أبي حميد: "أُمِر" بالبناء للمجهول في حكم المرفوع كما هو مقرر في علم المصطلح؛ كما في "الإرشاد" للنووي نفسه (1/161- 163-

3077

تحقيق الأخ الفاضل عبد الباري السلفي) ، وضربوا لذلك مثلاً بحديث أنس: "أمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة". متفق عليه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (525) . بل قال النووي في شرحه على "صحيح مسلم ": "وقوله: "أُمر" هو بضم الهمزة وكسر الميم؛ أي: أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الأصول وجميع المحدثين، وشذ بعضهم فقال: هذا اللفظ وشبهه موقوف؛ لاحتمال أن يكون الآمر غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهذا خطأ، والصواب أنه مرفوع؛ لأن إطلاق ذلك إنما ينصرف إلى صاحب الأمر والنهي، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: فقول أبي حميد: "أمر" كقول أنس ولا فرق، فهو- إذن- في حكم المرفوع. وأصرح منه رواية ابن حبان (1267) بلفظ: "إنما كنا نؤمر.. ". * 3077- (ما أظنُّ فلاناً وفلاناً يَعْرِفانِ من دِينِنا [الذي نحن عليه] شيئاً) أخرجه البخاري (6067و 6068) من طريق سعيد بن عُفير- والسياق له- ويحيى بن بكير- والزيادة له- قالا: ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت ... فذكرته، زاد ابن عفير: "قال الليث: كانا رجلين منافقين ". وزاد يحيى في أوله: دخل عليَّ النبي- صلى الله عليه وسلم - يوماً، وقال ... فذكره.

وترجم له البخاري بقوله: "باب ما يجوز من الظن ". قلت: والحديث مطابق لمفهوم قوله تعالى: (إن بعض الظن إثم) [الحجرات/12] ؛ أي: ليس كل الظن إثماً. ولهذا؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (15/ 331) : "فهذا الحديث يقتضي جواز بعض الظن؛ كما احتج البخاري على ذلك؛ لكن مع العلم بما عليه المرء المسلم من الإيمان الوازع له عن فعل الفاحشة يجب أن يُظن به الخير دون الشر". وقد استشكل بعضهم ترجمة البخاري للحديث بما سبق؛ فقال: "الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأن في الترجمة إثبات الظن، وفي الحديث نفي الظن ". حكاه الحافظ في "الفتح " (10/485) ، ثم رده بقوله: "والجواب أن النفي في الحديث لظن النفي؛ لا لنفي الظن، فلا تنافي بينه وبين الترجمة. وحاصل الترجمة؛ أن مثل هذا الذي وقع في الحديث ليس من الظن المنهي عنه؛ لأنه في مقام التحذير من مثل من كان حاله كحال الرجلين، والنهي إنما هو عن الظن السوء بالمسلم المسالم في دينه وعرضه. وقد قال ابن عمر: إنا كنا إذا فقدنا الرجل في عشاء الآخرة أسأنا به الظن. ومعناه: أنه لا يغيب إلا لأمر سيئ؛ إما في بدنه، وإما في دينه ". قلت: وأثر ابن عمر: أخرجه البزار (1/228/462 و463) بإسنادين عن نافع عنه، وإسناده الثاني عنه صحيح.

3078

ورواه الطبراني (13085) بسند واه، ويشهد له قول ابن مسعود في "صحيح مسلم " (2/124) : "..ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ". يعني: صلاة الجماعة. * 3078- (يُوشِكُ أن تطلبُوا في قُراكُم هذه طَسْتاً من ماءٍ فلا تَجدونَهُ، يَنْزَوِي كلُّ ماءٍ إلى عُنْصُرِهِ؛ فيكون في الشام بَقِيَّةُ المؤمنين والماءُ) . أخرجه الحاكم في "المستدرك " (4/504) من طريق سفيان: وحدثني المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله ... فذكره موقوفاً عليه، وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا؛ فإن المسعودي هذا- واسمه عبد الرحمن بن عبد الله ابن عتبة- وإن كان قد اختلط؛ فقد ذكروا أن رواية سفيان- وهو الثوري- عنه قبل الاختلاط، كما ذكروا أن أحاديثه عن القاسم صحيحة، وهذا من روايته عنه كما ترى. فراجع إن شئت ترجمته في "التهذيب " و"الكواكب النيرات " (ص 282- 298) . والحديث وإن كان موقوفاً؛ فهو في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، كما هو ظاهر. والحديث حمله مؤلف كتاب "المسيح الدجال قراءة سياسية في أصول

الديانات الكبرى" (ص 214) على أنه يكون بعد القحط الذي قال: إنه يأتي بعده الدجال! وليس فيه ولا في غيره- فيما أعلم- ما يدل على هذا التحديد، فيمكن أن يكون قبل ذلك أو بعده، وهذا لعله هو الأقرب أن يكون بين يدي القيامة. ومن المفيد هنا أن أنقل إلى القراء ما جاء في الكتاب المذكور (ص 210) فيما يتعلق بنضوب المياه: "أصدر معهد (وواردوانش) الأ مريكي دراسة تشير إلى أن العالم استخرج كميات كبيرة من المياه الجوفية، وفي (تكساس) و (نيومكسيكو) أصبح هناك احتمال بنضوب المياه الجوفية تماماً في هذه المنطقة؛ وفي الأقاليم الشمالية يهبط مستوى المياه الجوفية بمقدار 12 قدماً كل عام. (الأهرام 1/ 10/1985) . وأشارت دراسة في الولايات الأمريكية أن العالم سوف يتعرض لنقص في موارد المياه التي لا علاج لها، ولن تفيد الطرق التقليدية في توفير المياه، مثل السدود والخزانات والقنوات. (أهرام 2/ 10/1985) . كما أعلن مركز تحليل المناخ الفيدرالي في الولايات المتحدة في بيان له أن درجة حرارة مياه المحيط الهادي آخذة في الارتفاع. وهذه الظاهرة تؤثر على الأحوال المناخية في جميع أنحاء العالم، وتؤدي إلى تفاقم حالة الجفاف في إفريقيا واستراليا، وفيضانات في الصين، وسيول رعدية في (بيرو) و (أكوادور) ، وعواصف وأعاصير على الولايات المتحدة وكندا وجنوب إفريقيا. (أهرام 16/10/1986) ". ثم وجدت للمسعودي متابعاً عند عبد الرزاق (11/373/20779) عن معمر عن الأعمش عن القاسم بن عبد الرحمن، قال.. لم يقل: "عن أبيه ". *

3079

3079- (يا عائشةُ! العربُ يومئذٍ قليلٌ. (يعني: بين يدي الدجال) . فقلت: ما يُجْزِي المؤمنين يومئذٍ من الطعامِ؟ قال: ما يُجْزِي الملائكة؛ التسبيحُ والتكبيرُ والتحميدُ والتهليلُ) . أخرجه أحمد (6/75- 76 و 125) ، وأبو يعلى (7/78/4607) من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر جهداً شديداً يكون بين يدي الدجال، فقلت: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال ... فذكره. وزاد: فأي المال يومئذ خير؟ قال "غلام شديد يسقي أهله من الماء، وأما الطعام فلا طعام ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير علي بن زيد- وهو ابن جدعان-، وهو ضعيف. والحسن- وهو البصري- مدلس كثير التدليس؛ كما قال العلائي في "جامع التحصيل " (ص 194) ؛ وإن صح ما حكاه (ص 198) عن الحسن أنه سمع من عائشة رضي الله عنها؛ فلا يفيد مع العنعنة. لكن للحديث شواهد أو شاهد يتقوى به دون الزيادة في آخر حديث أبي أمامة الطويل في فتنة الدجال عند ابن ماجه (4077) وغيره، وهو مخرج في "ظلال الجنة" (391) . وأزيد هنا فأقول: روى الحاكم (4/536- 537) طرفه الأول، وقال: "صحيح

على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! وفيه عمرو بن عبد الله السَّيْباني؛ أشار في "الميزان " إلى جهالته بقوله: "ما علمت روى عنه سوى يحيى بن أبي عمرو السّيْباني ". وفي" الكاشف" (2/335) بقوله: " وثق". يشير إلى تليين توثيق ابن حبان إياه؛ لأنه يوثق المجهولين. وروى الحاكم أيضا (4/ 511) من طريق سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن طعام المؤمنين في زمن الدجال؟ قال: "طعام الملائكة ". قالوا: وما طعام الملائكة؟ قال: "طعامهم منطقهم بالتسبيح والتقديس.. " الحديث نحوه. وقال: "صحيح الإسناد على شرط مسلم ". ورده الذهبي بقوله: "قلت: كلا؛ فسعيد متهم تالف ". ولقد أصاب هنا رحمه الله تعالى. وشاهد ثالث من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن نحو حديث ابن عمر مختصراً. أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/616- 617) . ولجملة العرب شاهد عن أم شريك: عند مسلم (8/207) ، وابن حبان (6759) ، وأحمد (6/462) . *

3080

3080- (يَتْبَعُ الدجال من يهودِ أصبهانَ سبعون ألفاً؛ عليهم الطيالِسةُ) . أخرجه مسلم (8/207) ، وابن حبان (6760) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (2/ 250- مصورة المدينة) من طريقين عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري: حدثني أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذ كره. وخالفهما في الإسناد محمد بن مصعب: حدثنا الأوزاعي عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك به. أخرجه أحمد (3/ 224) ، وأبو يعلى (6/3639) . وابن مصعب هذا فيه ضعف من قبل حفظه، فلا يحتج بمخالفته. وقد روي الحديث بلفظ: "يتبع الدجال من أمتي سبعون.. " الحديث. وفيه متهم بالكذب، ولذلك خرجته في "الضعيفة " (6088) ، وهو بظاهره مخالف لهذا الحديث الصحيح؛ إلا أن يؤول. راجع المصدر المذكور. وللحديث شاهد قوي من حديث جابر، وهو الآتي بعده: * 3081- (نِعْمَتِ الأرضُ المدينةُ إذا خرجَ الدجالُ؛ على كُلِّ نَقْبٍ من أنقابها مَلَكٌ لا يدخُلُها، فإذا كان كذلك رَجَفَتِ المدينة بأهلها ثلاث رجفات، لا يبقى منافقٌ ولا منافقةٌ إلا خرج إليه، وأكثرُ- يعني- من يَخْرُجُ إليه النساء، وذلك يوم التخليص، وذلك يوم تنفي المدينة

الخَبَثَ كما ينفي الكِيرُ خَبَثَ الحديد، يكون معه سبعون ألفاً من اليهود، على كل رجلٍ منهم ساجٌ وسيف محلى، فتُضْرَبُ قُبَّتُهُ بهذا الضرب الذي عند مجتمع السيول. ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما كانت فتنة- ولا تكون حتى تقوم الساعة- أكبر من فتنة الدجال، ولا من نبيٍّ إلا حذر أمته، ولأخبِرَنَّكُم بشيء ما أخبَرهُ نبيٌّ قبلي. ثم وضع يده على عينه، ثم قال: أشهد أن الله عز وجل ليس بأعور) . أخرجه الإمام أحمد (3/292) : ثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو: ثنا زهير عن زيد بن أسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أشرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فلق من أفلاق الحَرَّة ونحن معه، فقال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وزهير- وهو ابن محمد التميمي، أبو المنذر الخراساني- الراجح فيه أن رواية البصريين عنه مستقيمة - كما قال الإمام أحمد وغيره-، وهذه منها، ولهذا قال ابن كثير في "النهاية" (1/127) : "تفرد به أحمد، وإسناده جيد، وصححه الحاكم ". وقال الهيثمي (3/308) : " رواه أحمد، والطبراني في " الأوسط ".. ورجاله رجال (الصحيح) ". قلت: وهذا يوهم أن إسناد الطبراني كإسناد أحمد، وليس كذلك؛ فإنه في

3082

المعجم الأوسط " (1/119/2/2354) من طريق علي بن عاصم عن سعيد الجريري عن أبي نضرة عن جابر به نحوه، ولم يسق لفظه بتمامه. وعلي بن عاصم مضعف؛ لإصراره على خطئه كما تقدم مراراً. وأما الحاكم؛ فإنما أخرج الشطر الثاني منه (1/24) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم به. ولم يصرح بتصحيحه؛ بل ذكره شاهداً لحديث أبي هريرة قال: "قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنه (كان سميعاً بصيراً) ، فوضع إصبعه الدَّعَّاء على عينه؛ وإبهامه على أذنه". وقال: "حديث صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي. وأخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 31) ، ومن طريقه: ابن حبان (1732 - موارد) ، والبيهقي في "الأسماء" (179) ، وأبو داود في "السنة " من آخر كتابه "السنن " (4728) ، وسنتكلم على إسناده هناك إن شاء الله تعالى. وجملة (الأنقاب) ، و (الثلاثة رجفات) رواها البخاري (1881) من حديث أنس، وجملة (التحذير) أخرجها بنحوها (7127) من حديث ابن عمر. وجملة (نفي الخبث) أخرجها (1884) من حديث زيد بن ثابت، و (1883) من طريق أخرى عن جابر. * 3082- (لأنَا لِفِتْنَةِ بَعْضِكْم أخْوَفُ عندي فتنة الدجال، ولن ينجو أحد مما قبلها إلا نجا منها، وما صُنِعَتْ فتنةٌ - منذ كانت الدنيا- صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال) . أخرجه أحمد (5/389) : ثنا وهب بن جرير: ثنا أبي قال: سمعت الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال:

ذُكر الدجال عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين؛ إن كان الأعمش سمعه من أبي وائل؛ فإنه قد خولف في إسناده؛ فأخرجه البزار (3391- كشف الأستار) ، وكذا ابن حبان (6807- الإحسان) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب عن حذيفة نحوه، وزاد في آخره: "والله! لا يضر مسلماً، مكتوب بين عينيه: كافر". وإسناده حسن للخلاف المعروف في أبي بكر بن عياش. لكن تابعه منصور بن أبي الأسود عن الأعمش: رواه البزار (3392) . قال مُخْتَصِرُ" البزار": "قلت: فذكر نحوه باختصار". فلم ندر ما لفظه، وما حدود اختصاره؟! وقد رواه كذلك الطبراني في "المعجم الكبير" (3/185/3017) من طريق حفص بن غياث: ثنا الأعمش به بلفظ: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذكر الدجال-: "مكتوب بين عينيه: كافر؛ يقرؤه كل مسلم" وهذا القدر أخرجه مسلم (8/195) ، وأحمد (5/386 و404 - 405) من طريق ربعي بن حراش عن حذيفة في آخر حديث له، وزاد: "كاتب وغير كاتب ". والحديث قال الهيثمي (7/335) : "رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال (الصحيح) ". *

3083

3083- (ليتَ شِعْري! متى تَخْرُجُ نارٌ من اليمن من جبل الوِرَاقِ؛ تضيء منها أعناقُ الإبل بُروكاً بِبُصرى كضَوْءِ النهارِ) . أخرجه أحمد (5/144) : ثنا وهب بن جرير: ثنا أبي قال: سمعت الأعمش يحدث عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن حبيب بن جماز عن أبي ذر قال: أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزلنا (ذا الحليفة) ، فتعجلت رجال إلى المدينة، وبات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وبتنا معه، فلما أصبح سأل عنهم؟ فقيل: تعجلوا إلى المدينة. فقال: "تعجلوا إلى المدينة والنساء! أما إنهم سيدعونها أحسن ما كانت ". ثم قال ... فذ كره. وأخرجه ابن حبان (1891- موارد) من طريق علي بن المديني: حدثنا وهب ابن جرير به، وزاد- بعد قوله: "أحسن ما كانت "-: "وقال للذين تخلفوا معروفاً". وهي عند البزار في "مسنده " (2/53- 54) . قلت: وهذا إسناد جيد في نقدي، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير حبيب بن جماز؛ ترجمه البخاري وابن أبي حاتم برواية سماك بن حرب عنه أيضاً، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. وذكره ابن حبان في "الثقات " (4/139) ؛ وكذا العجلي فقال (106/245) : "كوفي تابعي ثقة". قلت: وروى عنه عمرو بن قيس أيضاً؛ كما يأتي قريباً، فهؤلاء ثلاثة من

الثقات رووا عنه مع توثيق من ذُكر، وتصحيح ابن حبان لحديثه، وكذا الحاكم والذهبي كما سيأتي، فالنفس تطمئن لروايته والحالة هذه؛ ولا سيما أن لحديثه شواهد كثيرة في الجملة. ثم أخرجه أحمد: ثنا معاوية بن عمرو: ثنا زائدة عن الأعمش بسنده المذكور عن أبي ذر قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر معناه. وبهذا الإسناد أخرج ابن أبي شيبة (15/78/19166) منه حديث الترجمة فقط، ومن طريقه: أخرجه ابن شبة في "أخبار المدينة " (1/ 280) بتمامه. وأخرجه الحاكم (4/442) من طريق أبي أسامة: حدثني زائدة به بتمامه. وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وكذلك أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً (19162) : حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن رجل عن أبي ذر به. وهذا إسناد جيد أيضاً؛ لأن الرجل هو حبيب بن جماز المصرح به فيما تقدم من إلأسانيد. (تنبيه) : اختلفوا كثيراً في ضبط "جماز"؛ فقيل هكذا (¬1) ؛ وقيل: "جمار"؛ وقيل: " حمار"، وغير ذلك انظر " التعجيل "، والتعليق على " التاريخ " وغيرهما. وللحديث شاهد من حديث حذيفة بن أسيد مرفوعاً بلفظ: ¬

(¬1) وهو مارجحه ابن ماكولا (2/547) . (الناشر)

3084

"إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات.. " الحديث، وفيه: "ونار تخرج من قعر عدن ". وفي رواية: "وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم ". أخرجه مسلم (8/179) ، وغيره كابن حبان (6804- الإحسان) . واعلم أن هذه النار التي تخرج من اليمن قبل قيام الساعة، هي غير النار التي خرجت في المدينة سنة (654 هـ) وفق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى". أخرجه البخاري (7118) ؛ومسلم (8/180) ؛وابن حبان (6800- الإحسان) ؛ وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/147) ، والحاكم (4/443) من حديث سعيد ابن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً. وهو من الأحاديث التي خلا منها "مسند أحمد" على سعته. وللحديث شاهد آخر مختصر من حديث ابن عمر؛ صححه الترمذي وابن حبان، وهو مخرج في "فضائل الشام " رقم (11) ، ورواه ابن أبي شيبة أيضاً (15/78) . وراجع لشرح حديث الشيخين: "فتح الباري" (13/78- 79) . * 3084- (إن الدجال يطوي الأرض كلها إلا مكة والمدينة، فيأتي المدينة فيجد بكل نقب من أنقابها صفوفاً من الملائكة، فيأتي سبخة الجرف، فيضرب رواقه، ثم ترجف المدينة ثلاث رجفات، فيخرج إليه كل منافق ومنافقة) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/181 و15/143) : يونس بن

3085

محمد عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال ... فذكره. وأخرجه مسلم (8/206- 207) من طريق ابن أبي شيبة، ولم يسق لفظه بتمامه، وإنما أحال به على ما قبله من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني أنس بن مالك بلفظ: "ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال؛ إلا مكة والمدينة.. "، والباقي نحوه. وأخرجه البخاري (1881) أيضاً، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة " (7/326/2022) ، وابن حبان (6765- الإحسان) ، وأحمد (3/238) . * 3085- (يا أيُّها الناس! لا تَطْرُقُوا النساء ليلاً، ولا تَغْتَرُّوهُنَّ) . أخرجه البزار في "مسنده " (2/ 186/ 1485- كشف الأستار) : حدثنا محمد بن معمر: ثنا محمد بن عبد الله (!) : أنبأ عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقبل من غزوة فقال ... فذكره، وقال البزار: "إنما يعرف عن ابن عجلان عن نافع، تفرد به محمد بن عبيد عن عبيد الله ". قلت: وهما ثقتان من رجال الشيخين، وكذلك سائر الرواة، ومحمد بن عبيد- هو الطنافسي-؛ ذكره الحافظ المزي في جملة الرواة عن عبيد الله- وهو ابن عمر العمري المصغر-، وعليه: فقوله في أول السند: ".. محمد بن عبد الله " كأنه خطأ من الناسخ، وإنما لم أقل: "من الطابع "؛ لأنه كذلك وقع في النسخة المصورة.

وقد تابع نافعاً سالم بن عمر؛ فقال البزار (1486) : "نسخت من كتاب أحمد بن الفرج: عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن [سالم عن] أبيه أن النبي- صلى الله عليه وسلم - نهى أن تطرق النساء ليلا". فلما نظر في الكتاب قال: "رأيته عندي في موضعين: مَرَّةَّ: عن سالم عن أبيه؛ ومَرَّةَّ: عن سالم " (¬1) . قلت: أحمد بن الفرج- وهو أبو عتبة الحمصي- ضعيف، وقد اضطرب بين وصله وارساله، والأول أرجح، فقد تابعه عليه الحسن بن داود المنكدري قال: ثنا ابن أبي فديك به موصولاً. أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/333) ، وهذه متابعة قوية؛ فالحسن هذا قال الحافظ في "التقريب ": "لا بأس به ". فثبت الإسناد من هذا الوجه أيضاً، والحمد الله. وقول البزار: "إنما يعرف عن ابن عجلان عن نافع ". لعله يعني من حيث الشهرة، فلا ينافي صحته من غير طريق ابن عجلان، فقد تابعه من هو أحفظ وأوثق منه، وهو عبيد الله العمري كما تقدم. وتابعه أيضاً عمر بن محمد- وهو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب المدني- عن نافع بلفظ: ¬

(¬1) كذا الأصل المطبوع، وفي النسخة المصورة على القلب: تقديم المرة الأخرى على الأولى.

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما قدم من غزوة قال: "لا تطرقوا النساء". وأرسل من يؤذن في الناس أنه قادم بالغداة. أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (5/117) ، وكذا ابن خزيمة (9/340) ، والبيهقي (9/174) من طريق ابن وهب: أخبرني عمر بن محمد به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وأما حديث ابن عجلان فيرويه خالد بن الحارث: ثنا محمد بن عجلان عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزل العقيق؛ فنهى عن طروق النساء الليلة التي يأتي فيها، فعصاه فتيان؛ فكلاهما رأى ما يكره. أخرجه أحمد (2/ 104) ، والبزار (1485) . قلت: وهذا إسناد جيد، كما قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (2/46) . وللعصيان الذي في هذه الرواية شاهد من حديث ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تطرقوا النساء ليلاً"؛ يعني: إذا قدم أحدكم من سفر لا يأتي أهله إلا نهاراً. قال: فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلاً من سفر، وذهب رجلان؛ فسبقا بعد قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأتيا أهليهما؛ فوجد كل واحد مع أهله رجلاً. أخرجه الدارمي (1/118) ، والبزار (1487) ، والطبراني في " الكبير" (11/245/11626) من طريق زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عنه، والسياق للطبراني.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل زمعة وسلمة، ولكنهما ليسا شديدي الضعف، فيستشهد بهما. وروى أحمد (3/ 451) ، والحاكم (4/293) من طريق أبي سلمة عن عبد الله ابن رواحة رضي الله عنه. أنه كان في سفر، فقدم، فتعجل إلى أهله ليلاً، فإذا شيء نائم مع امرأته فأخذ السيف، فقالت امرأته: [إليك إليك عني] ؛ هذه فلانة مشطتني، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تطرقوا النساء ليلاً". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ". ورده الذهبي بقوله: "قلت: ذا مرسل ". وبينه الهيثمي فقال (4/ 330) : "رواه أحمد والطبراني باختصار، ورجاله رجال "الصحيح "؛ إلا أن أبا سلمة لم يلق ابن رواحة". قلت: لكن له شاهد من حديث جابر قال: أتى ابن رواحة رضي الله عنه امرأته وامرأة تمشطها، فأشار بالسيف، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً. أخرجه أبو عوانة (5/116) بسند صحيح، وأصله في "صحيح مسلم " (6/56) ، ونحوه البخاري (5243) .

3086

ورواه أحمد (3/391) من طريق أخرى عن جابر مختصراً مرفوعاً بلفظ: "لا يطرقن أحدكم أهله ليلا" وإسناده صحيح أيضاً. (تنبيه) : حديث الترجمة أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (7/495/14016) عن عبيد الله بن عمر به؛ لكن لم يذكر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فلا أدري أسقط ذلك من الناسخ أو الطابع؛ أم الرواية هكذا عنده؟ ! وقد وقعت فيه كلمة (دعمروهن) هكذا مهملة الحروف، وكذلك وقعت في "كشف الأستار"، ولم يعرف وجهها الشيخ الأعظمي في تعليقه عليه وعلى "المصنف "، فأهمل إعجامه وتفسيره، وقد بينها ابن الأثير في "النهاية"، فقال في مادة (غرر) : "وفي حديث عمر (!) : "لا تطرقوا النساء ولا تغتروهن "، أي: لا تدخلوا إليهن على غرة، يقال: اغتررت الرجل: إذا طلبت غرته؛ أي: غفلته ". * 3086- (ألا لا يَبِيتنَّ رجلُ عند امرأةٍ ثيبٍ؛ إلا أنْ يكون ناكحاً أو مَحْرَماً) . أخرجه مسلم (7/7) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (4/409) - ومن طريقه: عبد بن حميد (1073) -، والنسائي في "السنن الكبرى" (2/386/ 9215) ، ومن طريقه: ابن عبد البر في "التمهيد" (1/227) ، وأبو يعلى في "مسنده " (3/376 و 384/1848 و 1859) ، وعنه ابن حبان (5587 و5590- المؤسسة) ، وكذا البيهقي (7/98) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (8/109) من

طرق عن هُشَيْمٍ: أخبرنا أبو الزبير عن جابر قال: قال: رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: ولم يصرح أبو الزبير بالتحديث عندهم جميعاً؛ وهو مدلس معروف؛ ولا رأيته من رواية الليث بن سعد عنه عند أحد منهم أومن غيرهم؛ لكنه بمعنى ما رواه عبد الرحمن بن جبير أن عبد الله بن عمرو بن العاص حدثه: أن نفراً من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق- وهي تحته يومئذ- فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -وقال: لم أر إلا خيراً! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "إن الله قد برأها من ذلك ". ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فقال: "لا يَدْخُلَنَّ رجل بعد يومي هذا على مُغِيبَةٍ إلا ومعه رجل أو اثنان ". أخرجه مسلم (7/8) ، والنسائي في "الكبرى" (9217) ، وفي "فضائل الصحابة " (284) ، وابن حبان (5585- المؤسسة) ، والبيهقي (7/90) ، وأحمد (2/171، 186، 213) ، وزاد في رواية: " قال عبد الله بن عمرو: فما دخلت بعد ذلك المقام على مُغِيبَة إلا ومعي واحد أو اثنان ". (تنبيهات) : الأول: قوله في حديث الترجمة: "امرأة ثيِّب "؛ هكذا وقع في "صحيح مسلم "، و"تاريخ بغداد"، ورواية للبيهقي. ووقع في رواية أبي يعلى، وابن حبان: "امرأة في بيت "، وأما ابن أبي شيبة، والنسائي فأسقطا اللفظين: "ثيب " و"بيت "، وهو رواية للبيهقي! ولعل الراجح من ذلك رواية مسلم؛ لموافقتها حديث أسماء بنت عميس. والله تعالى أعلم.

قال النووي في "شرح مسلم ": "قال العلماء: إنما خص (الثيب) بالذكر، لكونها التي يدخل إليها غالباً، وأما البكر فمصونة متصونة في العادة؛ مجانِبَةٌ للرجال أشد مجانَبَةٍ، فلم يُحتج إلى ذكرها. ولأنه من باب التنبيه؛ لأنه إذا نهى عن الثيب التي يتساهل الناس في الدخول عليها في العادة؛ فالبكر أولى". قلت: يعني أنه باب القياس الأولوي؛ كقوله تعالى في تأديب الولد مع والديه: (ولا تقل لهما أف) [الإسراء/23] ؛ فمن باب أولى أنه لا يجوز له أن يضربهما بكف! الثاني: من أوهام السيوطي أو تساهله أنه ذكر الحديث في "الزيادة على الجامع الصغير" بلفظ أبي يعلى المذكور: "في بيت " وعزاه لمسلم فقط! وهكذا وقع في " الفتح الكبير" تبعاً لأصله؛ وكذلك في " صحيح الجامع الصغير"؛ فليصحَّح. الثالث: أن بعض المشتغلين بهذا العلم الشريف لا يصارحون قراءهم بالكشف عن علة الإسناد أداء للأمانة العلمية، فهذا- مثلاً- المعلق على "الإحسان/ طبعة مؤسسة الرسالة" يقول في تعليقه على الحديث في الموضع الأول منه (12/400) : "رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي الزبير فمن رجال مسلم ". ثم عزاه لمسلم، ولما جاء دور تعليقه عليه في الموضع الآخر (12/403) منه؛ زاد هناك على قوله المذكور: "وهو مدلس، وقد عنعن "!

3087

ولم يعزه هنا لمسلم؛ وانما أحال في تخريجه على الموضع الأول. ولقد كان حقه أن يذكر هذا هناك أداء للأمانة، وإنما لم يفعل لكي لا ينتقده بعض الجهلة - مبطلين- بأنه أعل حديث مسلم! فكان عاقبة أمره أنه انتقد بحق!! * 3087- (أنا آخذ بِحُجَزِكُم عن النار؛ أقولُ: إيَّاكم وجهنم! إياكم والحدود! فإذا متُّ فأنا فَرَطُكُم ومَوْعِدُكُم على الحوضِ، فَمَن وَرَدَ أفلح. ويأتي قومٌ فيُؤخَُ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ أمتي! فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك مُرتدِّين على أعقابهم) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/71/12508) : حدثنا جعفر بن أحمد الشامي الكوفي: ثنا أبو كريب: ثنا مختار بن غسان عن أبي محياة يحيى ابن يعلى عن أبيه عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، وفيه ما يلي: 1- يعلى- وهو ابن حرملة التيمي والد يحيى-؛ لم يوثقه غير ابن حبان (5/556) ، ولم يرو عنه غير ابنه. 2- مختار بن غسان؛ لم يوثقه أحد، وذكر له في "التهذيب " راويين آخرين: إبراهيم بن إسماعيل الطلحي، وأحمد بن علي الأسدي، ولم أعرفهما. 3- جعفر بن أحمد الشامي الكوفي، لم أجد له ترجمة، وليس من شيوخ الطبراني المشهورين؛ فإنه لم يرو له في "المعجم الأوسط " (1/192/ 1) إلا أربعة أحاديث (3511- 3514) ؛ أحدها في "المعجم الصغير" (ص 65- هندية) رقم (63- الروض النضير) .

ومن هذا البيان يتضح تساهل- أو خطأ- المعلق على "مجمع البحرين " حين قال (8/128) تحت حديث ليث بن أبي سليم الآتي: "لكن رواه الطبراني في "الكبير" (12/ 71) بنحوه، وإسناده حسن "! والصواب أن يقال: "إسناده حسن لغيره ". لرواية ليث المشار إليها؛ أخرجها البزار (4/176/ 3480) من طريق عبد الواحد ابن زياد عن ليث عن طاوس عن ابن عباس به. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/33/10953) ، و"الأوسط " (1/162/1/ 3022) وقال: "لم يرو هذا الحديث إلا عبد الواحد". قلت: وهو ثقة، وكذلك سائر الرواة؛ لكن الليث كان اختلط، فهو ممن يصلح للاستشهاد به، وقد رواه باسناد آخر؛ فقال: عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس به مثل رواية يعلى والد يحيى دون الشطر الثاني منه. أخرجه البزار (2/210/1536) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/246/745 و359/773) مختصراً وأخرجه أحمد وابنه عبد الله في زوائده (1/257) بالشطر الثاني دون ما قبله إلا مختصراً بلفظ: "وأنا فرطكم على الحوض؛ فمن ورد أفلح. ويؤتى بأقوام.." الحديث. ومن الغرائب قول الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " المسند" (4/94) :

3088

"إسناده صحيح؛ عبد الملك بن سعيد بن جبير ثقة؛ أخرج له.." فتكلم حول هذا الثقة، وكان يكفي منه الاشارة إلى ذلك، وأعرض عن الكلام في الليث بن أبي سليم. ولله في خلقه شؤون. والشطر الثاني من الحديث قد جاء عن جمع من الصحابة بألفاظ متقاربة في " الصحيحين " وغيرهما. وأما قوله: "أنا فرطكم على الحوض "؛ فهو متواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد خرج الكثير الطيب منها الحافط ابن أبي عاصم في أول الجزء الثاني من "كتاب السنة"، فليراجعها من شاء. (تنبيه) : عرفت مما سبق اختلاف ألفاظ الحديث عند مخرجيه: أحمد والبزار والطبراني في "معجميه "، واختلاف أحد طريقي "المعجم الكبير" عن الطريق الأخرى عندهم. فمن سوء الكلام والتخريج لهذا الحديث: ما وقع فيه الشيخ الأعظمي في تعليقه على "كشف الأستار"؛ فإنه لم يبين الفرق بين رواياتهم والاختلاف الذي فيها طولاً وقصراً، فأوهم أن اللفظ الذي عند أحمد هو لفظ البزار؛ كما أنه أوهم أنه ليس له طريق آخر غير طريق الليث، والواقع خلافه كما سبق بيانه. * 3088- (كان بعث الوليد بن عقبة بن أبي مُعيط إلى بني المُصطَلِقِ ليأخذ منهم الصدقات، وأنه لما أتاهم الخبرُ فرحوا، وخرجوا ليتلقَّوا رسولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّه لَمَّا حُدِّثَ الوليدُ أنهم خرجوا يَتَلَقَّوْنَهُ رجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: يا رسول الله! إن بني المصطلق قد مَنَعُوا الصدقة.

فَغَضِبَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك غضباً شديداً، فبينما هو يُحَدِّثُ نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد، فقالوا: يا رسول الله! إنا حُدِّثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنّا خشينا أن يكون إنما رّدَّهُ كتابٌ جاءه منك لغضبٍ غَضِبتَهُ علينا، وإنا نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله! وأن رسول الله اسْتَعْتَبَهُم (!) وهَمَّ بهم، فأنزل الله عز وجل عُذرَهُم في الكتاب: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات/6] أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" (25/78) ، والبيهقي في "سننه " (9/54- 55) - والسياق له- من طريق عطية بن سعد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عطية وبعض من دونه؛ لكن له شواهد تدل على صحته: أولاً: ما رواه موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً في صدقات بني المصطلق.. " الحديث نحوه. أخرجه ابن جرير وموسى بن عبيدة ضعيف. ثانياً: ما روى يعقوب بن حميد: ثنا عيسى بن الحضرمي بن كلثوم بن علقمة بن ناجية بن الحارث الخزاعي عن جده كلثوم عن أبيه علقمة قال:

"بعث إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -الوليد بن عقبة بن أبي معيط يُصَدِّقُ أموالنا.. " الحديث نحوه، وفيه: "وذلك بعد وقعة (المريسيع) ، وفيه: "فقبل منهم الفرائض.. فرجعوا إلى أهليهم، وبعث إليهم من يقبض بقية صدقاتهم " أخرجه ابن أبي عاصم في "الأفراد" (4/309- 310) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/6- 7) . قلت: وهذا إسناد حسن؛ كما سيأتي بيانه في حديث آخر برقم (3232) . وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد" (7/ 110) : "رواه الطبراني بإسنادين؛ في أحدهما يعقوب بن حميد بن كاسب، وثقه ابن حبان، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات ". قلت: الراجح في يعقوب هذا أنه حسن الحديث؛ كما بينت هناك، وأما الإسناد الآخر الذي أشار إليه الهيثمي؛ ففيه يعقوب بن محمد الزهري؛ فهو ضعيف. ثم إن متنه مختصر جداً؛ مع زيادة فيه غريبة، ولفظه برقم (5) : عن أبيه: أنه كان في وفد بني المصطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمر الوليد بن عقبة: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "انصرفوا غير محبوسين ولا محصورين ". ثالثاً: قال عيسى بن دينار: ثنا أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي قال: قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدعاني إلى الإسلام، فدخلت فيه وأقررت به،

فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها، وقلت: يا رسول الله! أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، فيرسل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسولاً إبان كذا وكذا، ليأتيك ما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له، وبلغ (الإبان) الذي أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول فلم يأته؛ فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله عز وجل ورسوله، فدعا بسرواتِ قومِهِ فقال لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كان وَقَّتَ لي وَقْتاً يُرسلُ إليَّ رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخُلْفُ؛ ولا أرى حبس رسوله إلا من سُخطةٍ كانت؛ فانطلقوا فنأتي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. وبعث رسول- صلى الله عليه وسلم - الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فَرِقَ، فرجع فأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وقال: يا رسول الله! إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي! فضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البعث إلى الحارث. فأقبل الحارث بأصحابه. حتى إذا استقبل البعث وفصل من المدينة؛ لقيهم الحارث، فقالوا: هذا الحارث! فلما غشيهم قال لهم: إلى من بُعِثتُم؟ قالوا: إليك! قال: ولم؟! قالوا: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله! قال: لا والذي بعث محمداً بالحق! ما رأيتُهُ بَتَّةَّ ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

"منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟! ". قال: لا والذي بعثك بالحق! ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس عليَّ رسولَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ خشيت أن تكون كانت سُخطة من الله عز وجل ورسوله، قال: فنزلت (الحجرات) : (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) إلى هذا المكان: (فضلاً من الله ونعمة والله عليم حكيم) أخرجه أحمد (4/279) ، وابن أبي عاصم في "الأفراد" (4/322/2353) ، والطبراني في "الكبير" (3/310- 311) من طريق محمد بن سابق: ثنا عيسى ابن دينار به. قلت: وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات مترجمون في "التهذيب ". ولذلك قال الحافظ ابن كثير في "التفسير": "إنه من أحسن طرق الحديث ". وقال السيوطي في "الدر المنثور" (6/87) : "سنده جيد". وسكت الحافظ عنه في ترجمة (الحارث) من "الإصابة". وأما في ترجمة (الوليد بن عقبة) ؛ فإنه- بعد أن أخرج القصة من وجوه مرسلة- قال: "أخرجها الطبراني موصولة عن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي مطولة، وفي السند من لا يعرف "! كذا قال رحمه الله! فإنه مع تقصيره في اقتصاره على الطبراني دون أحمد

3089

وغيره- ممن عزاه إليهم في الموضع الأول- فالطبراني قد رواه من ثلاثة طرق عن محمد بن سابق. فهل الجهالة التي أشار إليها هي في محمد بن سابق فمن فوقه - وهذا ما لا يتصور صدوره من الحافظ؛ بل ولا ممن دونه-، أم هي في الطرق الثلاث؟ وهذا كالذي قبله؛ فإنها لو كانت كلها مجهولة لم يجز إعلال الحديث بها لتضافرها، فكيف واثنان منها- على الأقل- صحيحان؟! فكيف وقد رواه أحمد عن محمد بن سابق مباشرة؟! لا شك أن ذلك صدر من الحافظ سهواً وغفلة. وكلنا ذاك الرجل: (ربنا لاتؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) * 3089- (إذا بُويعَ لِخلِيفتينِ؛ فاقتُلُوا الآخِرَ مِنْهُما) . جاء من حديث أبي سعيد، وأبي هريرة، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس بن مالك، وعبد الله بن مسعود. 1- أما حديث أبي سعيد؛ فله عنه طريقان: الأولى: عن الجريري عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.... فذكره أخرجه مسلم (6/23) ، وأبو عوانة (4/ 460) ، والبيهقي في "السنن " (8/144) . والأخرى: عن بشر بن حرب أن ابن عمر أتى أبا سعيد الخدري فقال: يا أبا سعيد! ألم أخبر أنك بايعت أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد؟ قال: نعم بايعت ابن الزبير، فجاء أهل الشام فساقوني إلى حبيش بن دلجة (¬1) فبايعته. فقال ابن عمر: إياها كنت أخاف، إياها كنت أخاف! ومد بها (حماد) صوته. ¬

(¬1) انظر" تاريخ دمشق" (12/86) لابن عساكر. (الناشر)

قال أبو سعيد: يا أبا عبد الرحمن! أولم تسمع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من استطاع أن لا ينام نوماً، ولا يصبح صباحاً، ولا يمسي مساءً؛ إلا وعليه أمير "؟! قال: نعم، ولكني أكره أن يبايع أميرين من قبل أن يجتمع الناس على أمير واحد. أخرجه أحمد (3/29- 30) . قلت: وبشر بن حرب هذا ضعفه الأكثر، وقال الذهبي في "الكاشف ": "ضعيف ". وقال الحافظ: "صدوق فيه لين ". 2- وأما حديث أبي هريرة؛ فيرويه أبو هلال عن قتادة عن سعيد عنه مثل حديث الترجمة. أخرجه البزار في "مسنده " (2/235/1595) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (4/320/ 2534- مجمع البحرين) ، وابن عدي في "الكامل " (6/213) . وأبو هلال هو محمد بن سليم الراسبي، صدوق فيه لين؛ لكنه قد خولف في إسناده. فأخرجه ابن عدي من طريق أبي الوليد عن همام عن قتادة عن سعيد بن المسيب به مرسلاً. وذكر ابن عدي عن أبي موسى محمد بن المثنى- الراوي له عن أبي الوليد- أنه قال: "قلت لأبي الوليد: فإن أبا هلال حدث عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -! قال لي أبو الوليد: يا أبا موسى! إن أبا هلال لا يحتمل هذا".

قلت: يشير إلى ضعف أبي هلال وأنه ليس من القوة بحيث يحتمل منه إسناده إياه عن أبي هريرة. ولكنه على كل شاهد مرسل قوي. وأما الهيثمي فقال (5/198) : "رواه البزار، وفيه أبو هلال، وهو ثقة، والطبراني في (الأوسط) "! 3- وأما حديث معاوية؛ فيرويه الهيثم بن مروان: ثنا زيد بن يحيى بن عبيد: ثنا سعيد بن بشير عن أبي بشر جعفر بن إياس عن سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لمعاوية في الكلام الذي جرى بينهما في بيعة يزيد بن معاوية: وأنت يا معاوية! حدثتني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان في الأرض خليفتان؛ فاقتلوا آخرهما". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/314/710) ، وفي "الأوسط " (4/ 320/2535- مجمع البحرين) ، وقال: "لم يروه عن ابن الزبير إلا سعيد، ولا عنه إلا أبو بشر، ولا عنه إلا سعيد بن بشير، تفرد به [زيد بن] يحيى". قلت: وهو ثقة؛ وكذلك سائر الرجال؛ غير سعيد بن بشير؛ ففيه ضعف لا يمنع من الاستشهاد به؛ وأما الهيثمي؛ فتساهل فيه فقال: "رواه الطبراني في " الكبير" و" الأوسط "، ورجاله ثقات "! 4- وأما حديث أنس؛ فيرويه عمار بن هارون: حدثنا فضالة بن دينار الشحام: حدثنا ثابت عن أنس. أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (3/457) ، والخطيب في "التاريخ " (1/239) ، وقال العقيلي:

"فضالة بن دينار منكر الحديث، والرواية في هذا الباب غير ثابتة" (¬1) . كذا قال، وأقره الذهبي في "الميزان "، وتعقبه الحافظ في "اللسان " فقال: "وهذا هو العجب العجاب! كيف يقول المؤلف هذا ويقر عليه؛ والحديث في "صحيح مسلم "، وإن كان من غير هذا الوجه؟! وقد راجعت كلام العقيلي فلم أر هذا الكلام فيه ". فأقول: إن كان يعني بالنص فمسلم. وإن كان يعني مطلقاً ولو بالمعنى؛ فهو مردود بما نقلته عن العقيلي آنفاً. ويأتي عنه نحوه في الحديث التالي. 5- وأما حديث ابن مسعود؛ فعلقه العقيلي في ترجمة (الحكم بن ظهير) (1/259) عن عاصم عن زر عنه به. وقال: "الحكم بن ظهير؛ قال البخاري: منكر الحديث ". ثم قال العقيلي: "ولا يصح في هذا المتن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - شيء من وجه ثابت" قلت: وهذا نص آخر يؤيد ثبوت كلام العقيلي السابق والذي استنكره الحافظ ونفاه عن العقيلي، أما الاستنكار فلا شك فيه، وأما النفي فهو مردود بهذين النصين. ولعل مستند العقيلي في ذلك قول أحمد: "إن هذا الحديث من غرائب الجريري"؛ كما نقله الذهبي في ترجمة (الجريري) من "السير" (6/155) . ولكن من المعلوم أن الغرابة قد تجامع الصحة، فإذا كان الراوي ثقة فلا يضر ¬

(¬1) وفي "الميزان " نقلاً عن العقيلي: "ولم يصح في هذا حديث ". فالظاهر أنه نقله بالمعنى، أو هو من إختلاف النساخ.

3090

حديثه أن يكون غريباً، والجريري- واسمه سعيد بن إياس- محتج به في "الصحيحين "؛ وإن كان اختلط قبل موته بثلاث سنين، ولكن لم يفحش اختلاطه، وكأنه لهذا احتج به ابن حبان في "صحيحه " تبعاً لـ "الصحيحين "، وأكثر هو عنه، فمثله ينبغي أن يحتج به ما لم يظهر خطؤه، فإذا توبع أو كان له شواهد- كما هو الشأن في حديثه هذا-؛ فلا يضر غرابته فيه إن شاء الله تعالى. على أن له شاهداً أقوى مما تقدم، ولكنه في المعنى واحد عندي، وهو حديث عرفجة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم؛ فاقتلوه ". أخرجه مسلم، وأبو عوانة (4/ 461- 464) ، وابن حبان (6/294/4389) ، واللفظ لمسلم، وهو رواية لأبي عوانة، ورواه بألفاظ أخرى متقاربة، وكذلك رواه آخرون، وهو مخرج! في " الإرواء " (8/ 105) . * 3090- (لَيَأتِيَنَّ على أمتي زمانٌ يتمنون فيه الدجال. قلتُ: يا رسول الله بأبي وأمي! مِمَّ ذَاكَ؟! قال: مما يَلْقونَ من العناء أو الضناء) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/259) : حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: نا أحمد بن عمر الوكيعي، قال: نا قبيصة بن عقبة، قال: نا عبيد بن طفيل أبو سيدان العبسي قال: سمعت شداد بن عمار يقول: قال حذيفة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال: "لم يروه عن عبيد بن طفيل إلا قبيصة، تفرد به أحمد بن عمر الوكيعي ".

كذا قال! وهو ما أحاط به علمه، وإلا فهو مردود برواية البزار في "مسنده " (4/140- كشف الأستار) : حدثنا القاسم بن بشر بن معروف: ثنا قبيصة بن عقبة به؛ إلا أنه قال: "ربعي بن حراش " مكان " شداد بن عمار". وقال: "لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن حذيفة بهذا الإسناد، وعبيد كوفي مشهور، حدث عنه جماعة". قلت: منهم وكيع وعبيد الله بن موسى وأبو نعيم؛ كما في "الجرح " (2/2/409) ، وأبو أحمد الزبيري؛ كما في "ثقات ابن حبان " (7/157) ، فإذا ضُمَّ إليهم قبيصة هذا؛ يكون مجموعهم خمسة من الثقات، وأكثرهم من الحفاظ، فهو ثقة، وقد قال أبو حاتم وأبو زرعة: "لابأس به ". وقال ابن معين: "صويلح ". وسائر رجال البزار ثقات من رجال "التهذيب "، غير القاسم بن بشر بن معروف، ترجمه الخطيب (12/427) ، وكناه بأبي محمد البغدادي وقال: "وكان ثقة ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/19) ، فالسند صحيح، ولا يخدج فيه أنه خالفه أحمد بن عمر الوكيعي في رواية الطبراني؛ فجعل مكان ربعي بن حراش: "شداد بن عمار"؛ لأن كلاً من الوكيعي وابن معروف ثقة، فيجوز أن يكون عبيد بن طفيل رواه عن ربعي بن حراش وشداد بن عمار، فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، وهو عن الأول صحيح كما تقدم؛ لأنه ثقة مخضرم. وأما شداد فليس بالمشهور، أورده البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في "الثقات " (4/358) برواية عبيد بن طفيل هذا عنه. وقد كدت أن أرجح رواية عبيد بن طفيل عن ربعي؛ لأنها أشهر من روايته عن شداد؛ لولا أنني رأيت الوكيعي قد تابعه البخاري في روايته، فقال فيها:

3091

"قاله لنا قبيصة: نا عبيد بن طفيل: نا شداد". ثم إن شداداً هذا لم يقع والده مسمى عند البخاري، ووقع في "الثقات ": "عمارة"، وكذا في "ترتيبه " للهيثمي، ولعل الصواب ما في "المعجم الأوسط "؛ فإنه موافق لما في "الجرح"، والله أعلم. والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لأبي نعيم عن حذيفة بلفظ: "يأتي على الناس.. " إلخ؛ إلا أنه قال: "من الزلازل والفتن والبلايا". وإطلاق عزوه لأبي نعيم يعني أنه في "الحلية"، ولم أجده فيه مستعيناً عليه بفهارسه، ولا في "أخبار أصبهان " مستعيناً عليه بفهرسي وفهرس غيري. فالله أعلم. والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 284- 285) بلفظ الطبراني: "يأتي على الناس.. " الحديث؛ إلا أنه وقع فيه: "العناء والعناء"! هكذا مكرراً؛ ويمكن أن يقرأ كذلك من مصورة "المعجم الأوسط "، ولعل الصواب ما أثبته أعلاه. * 3091- (أيُّما أهل بيتٍ من العرب أو العجم أراد اللهُ بهم خيراً أدخل عليهم الإسلام، ثم تقع الفتن كأنها الظُّلَُ، قال [رجل] : كلا والله إن شاء الله! قال: بلى والذي نفسي بيده! ثم تعودون فيها أساود صُبَاًَ يضرب بعضكم رقاب بعض) . أخرجه أحمد (3/477) ، والحميدي (1/260/574) ، وابن أبي شيبة في " المصنف " (15/13) ، والبزار في "مسنده " (4/124/3353) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/198/443) ، والحاكم (1/34) ، وابن عبد البر في

"التمهيد" (10/172) من طريق سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن كرز ابن علقمة الخزاعي قال: قال رجل: يا رسول الله! هل للإسلام من منتهى؟ قال ... فذكره، وتابعه معمر عن الزهري به. أخرجه عبد الرزاق (11/362/20747) ، ومن طريقه: أحمد، وكذا الطبراني (رقم 442) ، والحاكم أيضاً (4/454) ؛ كلهم عن عبد الرزاق عن معمر به. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وتابعه عبد الله- وهو ابن المبارك- عن معمر به. أخرجه الحاكم (1/34) ، ونقل عن الدارقطني أنه يلزم الشيخين إخراجه لصحته عن كرز؛ وإن كان ليس له راو غير عروة، فراجعه إن شئت. ثم أخرجه البزار؛ والطبراني من طريق أخرى عن الزهري به. وتابع الزهري عبد الواحد بن قيس قال: حدثنا عروة بن الزبير به، وزاد: "وأفضل الناس يومئذ مؤمن معتزل في شعب من الشعاب يتقي ربه تبارك وتعالى، ويدع الناس من شره ". أخرجه ابن حبان (1870- موارد) ، وأحمد أيضاً، والبزار (3355) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (10/574) . قلت: ورجاله ثقات؛ غير عبد الواحد بن قيس؛ فهو مختلف فيه، وقال الحافظ في "التقريب ":

"صدوق له أوهام ومراسيل ". قلت: فأخشى أن تكون هذه الزيادة وهماً منه؛ وإن كان لها أصل في غيره؛ فقال مالك (3/139) : عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شَعَفَ! الجبال ومواقع القطر؛ يفر بدينه من الفتن ". ومن طريق مالك: أخرجه البخاري (رقم 19و 3300 و 7088) ، وأبو داود (4267) ، والنسائي (2/272- 273) ، وابن حبان (5927- الإحسان) ، وأحمد (3/43 و 57) . وتابعه سفيان بن عيينة عن ابن أبي صعصعة به. أخرجه أحمد (3/6) ، والحميدي (733) ، وأبو يعلى (2/983) . وتابعه جمع آخر عنه به. رواه البخاري (3600 و6495) ، وأحمد (3/30) ، وابن أبي شيبة (15/10) ، وابن ماجه (3980) . وللحديث طريق أخرى عن أبي سعيد به دون جملة الفتن. أخرجه الشيخان وغيرهما، وقد سبق تخريجه برقم (1531) . هذا؟ وقد كنت خرجت حديث أبي سعيد فيما تقدم برقم (51) باختصار في متنه، وذكر مصادره، فبدا لي أن أتوسع بمناسبة الزيادة المذكورة لحديث الترجمة بصورة أكمل وأفيد إن شاء الله تعالى.

3092

قوله: "شعف "؛ بفتح المعجمة والعين المهملة: جمع "شعفة" كـ "أكم " و"أكمة "، وهي: رؤوس الجبال؛ كما في " الفتح " (1/69) . ووقع في رواية للبخاري: "أو سعف الجبال " بالسين المهملة؛ أي: جريد النخل، ولا معنى له هنا. وهو شك من أحد الرواة؛ فلا داعي للتوفيق كما فعل الحافظ (6/614) . وقوله: "أساود " جمع "أسود "، وهي: الحية؛ أو أخبث الحيات. و"صباً": جمع "صبوب". قال النضر: إن الأسود إذا أراد أن ينهش ارتفع ثم انصب على الملدوغ. "نهاية". والحديث أورده الهيثمي (7/305) بالرواية الأخرى أيضاً التي فيها الزيادة، وقال: "رواه أحمد والبزار والطبراني بأسانيد، وأحدها رجاله رجال (الصحيح) "! * هل يُوَلَّى طالب العمل؟ 3092- (إنَّا- والله! - لا نولي هذا العمل أحداً سَأَلَهُ، ولا أحداً حرص عليه) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/215/12587) : حدثنا أبو أسامة قال: ثنا بريد بن عبد الله عن أبي بردة عن أبي موسى قال: دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمرنا على بعض ما ولاك الله. وقال الآخر مثل ذلك، قال: فقال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجاه، فرواه مسلم (6/ 6) من طريق " المصنف ". وهو، والبخاري، وأبو يعلى (13/306/7320) ؛ وعنه ابن حبان (7/8/4464) من طريق محمد بن العلاء: حدثنا أبو أسامة به،

3093

أبو عوانة (4/408) من طرق أخرى عن أبي أسامة به. وأخرجه هو والشيخان وغيرهما من طريق حميد بن هلال عن أبي بردة به مختصراً، وفيه قصة. وكذلك رواه أحمد (4/409) . ثم رواه هو (4/417) ، وأبو عوانة من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه به، وزاد: "قال أبو موسى: فاعتذرت مما قالوا، وأني لم أعلم حاجتهم ". وقد روي بإسناد آخر عن أبي بردة به بلفظ آخر، وفي إسناده مجهولان واختلاف، ولذلك خرجته في "الضعيفة " (6090) . * 3093- (ما من أحد يسمع بي من هذه الأمة، ولا يهودي، ولا نصراني، فلا يؤمن بي، إلا دخل النار) . هو من حديث سعيد بن جبير رحمه الله تعالى؛ وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه ثلاثة: الأول ك عنه مرسلاً؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره؛ وزاد: فجعلت أقول: أين مصداقها في كتاب الله؟ ! قال: وقلما سمعت حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا وجدت له تصديقاً في القرآن؛ حتى وجدت هذه الآية: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) : الملل كلها أخرجه الطبري في" تفسيره" (12/13) : حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال: ثنا محمد بن ثور عن معمر قال: ثني أيوب عنه. وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات.

وتابعه ابن علية عند الطبري، وعبد الوهاب الثقفي عند ابن أبي حاتم في "تفسيره " (ق 157/1) . الثاني: عنه عن ابن عباس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره بتمامه. أخرجه الحاكم (2/342) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي عمرو البصري عنه. وقال: "صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! قلت: وهذا من أوهامهما، فإن أبا عمرو هذا ليس من رجال الشيخين، ولا روى له أحد من بقية الستة. وترجم له البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (5/156) ، وقد روى عنه ثقتان آخران: أمية بن شبل، وعبد العزيز بن أبي رواد. الثالث: عنه عن أبي موسى مرفوعاً. أخرجه الطيالسي في "مسنده " (509) : حدثنا شعبة عن أبي بشر عنه. ومن طريق الطيالسي أخرجه البزار (1/16/16- الكشف) . وتابعه محمد بن جعفر وعفان عند أحمد (4/396 و 398) ، والروياني في "مسنده " (1/109/ 1) ، وابن المبارك عند الطبري. وتابعهم أبو الوليد: حدثنا شعبة به. أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (4860- الإحسان) ؛ لكن سقطت منه بعض الألفاظ ولم يبق منه إلا ما أفسد المعنى: "من سمع يهودياً أو نصرانياً دخل النار"!

ويبدو أن الرواية هكذا وقعت له، ولذلك ترجم لها بقوله: "ذكر إيجاب النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهونه "! وقال البزار عقب الحديث: " لا نعلم أحداً رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أبو موسى بهذا الإسناد، ولا أحسب سمع سعيد من أبي موسى". قلت: وذلك لأن أبا موسى توفي سنة (53) على أكثر ما قيل، وسعيد بن جبير ولد سنة (46) ؛ فلم يدرك من حياة أبي موسى إلا ست سنين على أكثر تقدير. وهذا مما فات العلائي؛ فلم يذكره في "جامع التحصيل "! فليستدرك. والحديث أخرجه النسائي في "التفسير" من "السنن الكبرى" (6/363- 364) من طريق خالد عن شعبة به. وأورده الهيثمي في "المجمع " (8/261- 262) بتمامه؛ لكنه لم يذكر: " الملل كلها ". وقال: "رواه الطبراني- واللفظ له-، وأحمد نحوه، ورجال أحمد رجال "الصحيح "، والبزار أيضاً باختصار". قلت: لكن أحمد ليس عنده إلا المرفوع منه فقط. ونستخلص من هذا التخريج والتحقيق: أن الأصح من هذه الوجوه الثلاثة: الأول؛ لاتفاق أيوب والثقفي عليه، ولا يقاومهما اتفاق شعبة وأبي عمرو البصري على وصله؛ لاختلافهما، فجعله الأول من مسند أبي موسى والآخر من مسند ابن عباس. أما شعبة؛ فلأنه مع وصله إياه؛ فإنه منقطع بين سعيد وأبي موسى كما تقدم. وأما أبو عمرو؛ فقد عرفت من ترجمته أنه ليس بالمشهور؛ فلا يحتج بما خالف فيه الثقات.

على أنه من الممكن أن يقال: يحتمل أن يكون بين سعيد وأبي موسى: أبو بردة بن أبي موسى؛ فإن سعيداً كان كتب لأبي بردة حين كان هذا على قضاء الكوفة. والله أعلم. لكن الحديث على كل حال صحيح؛ فإن له شاهداً من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه، وقد مضى لفظه وتخريجه من رواية مسلم وغيره من طريقين عنه برقم (157) . وأزيد هنا فأقول: قد أخرجه أبو عوانة أيضاً (1/104) من الطريقين، وكذا أحمد (2/317 و350) ، والبغوي في "شرح السنن " (1/105) من أحدهما. (تنبيه) : وقعت أوهام عجيبة حول هذا الحديث يحسن ذكرها: 1- عزاه الحافظ ابن كثير لـ "صحيح مسلم "، عن أبي موسى الأشعري! وقلده الحلبيان في "مختصريهما"، وزاد الصابوني على بَلَدِيَّهِ، فقال في الحاشية: "أخرجه مسلم عن أبي موسى الأشعري "! فأوهم القراء- كما هي عادته- أن التخريج من علمه! تشبعاً منه بما لم يعط أولاً. ثم وقع في الخطأ بجهله تقليداً لغيره ثانياً. ثم زاد ضغثاً على إبالة، فجعل التخريج منه مكان قول ابن كثير: "وفي صحيح مسلم.. "؛ مع أنه- أعني الصابوني- كان اختصر هذا القول في المتن بقوله: "في الصحيح "، فهذا هو اللائق بالمختصر، وأما الحاشية؛ فهي بلا شك من التشبع، وهذا لو كان صواباً. فاللهم هداك! ولو أنه كان من أهل العلم بالتخريج؛ لكانت حاشيته تنبيهاً على هذا الخطأ، وبياناً؛ لكون الصواب أن مسلماً إنما رواه من حديث أبي هريرة كما تقدم. 2- وعلى العكس من ذلك؛ فقد أورد الهيثمي حديث أبي هريرة في "مجمع

الزوائد" (8/262) برواية أحمد، وليس ذلك من شرط كتابه؛ لأنه في "صحيح مسلم "! وادعى أن لفظه غير لفظ أحمد. 3- وعلى النقيض من ذلك؛ اقتصر السيوطي في " الدر المنثور" (3/325) في عزو حديث أبي هريرة على ابن مردويه فقط! مع أنه عزاه في "الجامعين " لأحمد ومسلم! 4- قول المعلق على حديث أبي موسى في "الإحسان " (11/238- طبع المؤسسة) : "إسناده صحيح على شرط الشيخين ... وهذا الحديث لم أجده عند غير المؤلف "! فغفل عن الانقطاع الذي بين سعيد بن جبير وأبي موسى، وعن السقط الذي وقع في رواية المؤلف، فأضله عن معرفة الصواب في متن الحديث الذي تقدم بيانه، وحمله على تفسير الحديث المبتور بتفسير باطل؛ فقال: "وقوله: "من سمع " يقال: سمعت بالرجل تسميعاً وتسمعة: إذا شهرته ونددت به ". فهذا التفسير باطل رواية ولغة وشرعاً. 1- أما الرواية؛ فظاهر من النظر في نص الحديث المذكور أعلاه، ولفظه عند أحمد وغيره من طريق شعبة التي عند ابن حبان: "من سمع بي من أمتي، أو يهودي، أو نصراني، ثم لم يؤمن بي؛ دخل النار". 2- وأما اللغة؛ فلا يتفق المعنى الذي ذكره من لفظ الحديث المبتور؛ إلا لو كان بلفظ: "من سمع بيهودي أونصراني "، وإنما هو بلفظ: "من سمع يهودياً.. "،

فهذا من (الإسماع) ؛ وما ذكره من (التسميع) ، وشتان ما بينهما! 3- ثم إن معنى (التنديد) المذكور في تفسيره إنما هو كناية عن فضح اليهودي أو النصراني وإذاعة عيوبه؛ فهل هذا موجب لدخول النار المذكور في الحديث؟ ! فاللهم هداك! لقد كان يكفي ذاك المعلق بأن يتأمل فيما ترجم به المؤلف ابن حبان للحديث؛ ليتبين خطأ تفسيره إياه أولاً؛ وخطأ الترجمة المبنية على الحديث المختصر اختصاراً مخلاً ثانياً؛ فإنه قال كما تقدم: ".. لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهونه "! فما قال: " سمع بأهل الكتاب "! وبهذه المناسبة أقول: لقد أفادني أحد الإخوان- جزاه الله خيراً- أن الحافظ السخاوي قد سبقني إلى التنبيه على الخطأ الذي وقع فيه ابن حبان؛ وذلك في كتابه "فتح المغيث " (2/221) - تحت فصل الاقتصار في الرواية على بعض الحديث -؛ فقال: "هذا الإمام أبو حاتم بن حبان- وناهيك به- قد ترجم في "صحيحه ": (إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب مايكرهونه) ، وساق فيه حديث أبي موسى الأشعري بلفظ: "من سمع يهودياً أونصرانياً دخل النار". وتبعه غيره فاستدل به على تحريم غيبة الذمي! وكل هذا خطأ، فلفظ الحديث: (من سمع بي من أمتي، أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي؛ دخل النار) ". فإن قيل: هذا الاختصار المخل؛ هل هو من ابن حبان، أم من أحد رواته؟

3094

أقول وبالله التوفيق: أستبعد جداً أن يكون من ابن حبان، لحفظه وعلمه وفقهه، وإنما هو- فيما يغلب على ظني- من شيخه (أبي خليفة) ، واسمه (الفضل بن الحباب الجمحي) ، فإنه- مع كونه ثقة عالماً- كما قال الذهبي في "الميزان "-، ومعدوداً من الحفاظ-؛ فقد ذكر له الحافظ بعض الأخطاء في "اللسان "، فأرى أن يضم إلى ذلك هذا الحديث. والله أعلم. ثم إن حديث الترجمة يمكن عده مبيناً ومفسراً لقوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) مع ملاحظة قوله - صلى الله عليه وسلم -فيه: "يسمع بي "؛ أي: على حقيقته- صلى الله عليه وسلم - بشراً رسولاً نبياً فمن سمع به على غير ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم -من الهدى والنور ومحاسن الأخلاق؛ بسبب بعض جهلة المسلمين؛ أو دعاة الضلالة من المنصرين والملحدين؛ الذين يصورونه لشعوبهم على غير حقيقته - صلى الله عليه وسلم - المعروفة عنه؛ فأمثال هؤلاء الشعوب لم يسمعوا به، ولم تبلغهم الدعوة، فلا يشملهم الوعيد المذكور في الحديث. وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: " من رآني في المنام.."؛ أي: على حقيقته وصفاته التي كان عليها في حال حياته، فمن ادعى فعلاً أنه رآه شيخاً كبيراً قد شابت لحيته؛ فلم يره؛ لأن هذه الصفة تخالف ما كان عليه - صلى الله عليه وسلم -مما هو معروف من شمائله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. * 3094- (إذا عَطَسَ أحدكم فَحَمِدَ الله فَشَمِّتُوه، وإن لم يَحْمَدِ الله عز وجل فلا تُشَمِّتُوهُ) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/683/ 6025) - وعنه البيهقي في

" الشعب " (7/25/9330) -، وأحمد (4/412) - والسياق له-؛ قالا: ثنا القاسم ابن مالك أبو جعفر: ثنا عاصم بن كليب عن أبي بردة قال: دخلت على أبي موسى في بيت ابنة أم الفضل، فعطست ولم يشمتني، وعطست فشمتها، فرجعت إلى أمي فأخبرتها، فلما جاءها قالت: عطس ابني عندك فلم تشمته، وعطست فشمتها؟ فقال: إن ابنك عطس فلم يحمد الله تعالى فلم أشمته، وإنها عطست وحمدت الله فشمتها، وسمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. فقالت: أحسنت أحسنت. …ومن هذا الوجه أخرجه مسلم (8/225) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (941) ، والطبراني في " الدعاء " (3/1694/1997) ، والحاكم (4/265) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي! كذا قالا، وقد وهما في استدراكه على مسلم! (فائدة) : قال النووي في "شرح مسلم ": "هذه البنت هي أم كلثوم بنت الفضل بن العباس امرأة أبي موسى الأشعري، تزوجها بعد فراق الحسن بن علي لها، وولدت لأبي موسى، ومات عنها؛ فتزوجها بعده عمران بن طلحة ففارقها، وماتت بالكوفة ودفنت بظاهرها". (تنبيه) : سقطت لفظة: "ابنة" من "الأدب المفرد" طبعة محب الدين الخطيب، وطبعة الجيلاني (4/393) فقال: "في بيت أم الفضل بن العباس ". فأظنه من بعض النساخ. واعلم أن المشهور بين العلماء أن التشميت فرض كفاية، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، لكن قد صح من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:

3095

إذا عطس أحدكم فحمد الله؛ فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته.. ". وفي رواية: "أن يقول: يرحمك الله ". أخرجه البخاري في "صحيحه "- بالرواية الأولى-، وفي "الأدب المفرد"- بالرواية الأخرى-، وهو مخرج في "الإرواء" (779) عن جمع آخر، وقد صححه ابن حبان (1/ 401/597) أيضاً، ورواه النسائي في "اليوم والليلة " (214و215) ، وعنه ابن السني (251) . قلت: فهذا نص صريح في وجوب التشميت على كل من سمع تحميده، فهو فرض عين على الكل، ومن العجائب أن الحافظ لم يتكلم على هذه المسألة في شرحه لهذا الحديث في "الفتح " (10/607) ! * 3095- (كان أبْغَضَ الحديث إليهِ. يعني: الشِّعْرَ) . أخرجه الطيالسي في "مسنده " (1490) ، وعنه البيهقي في "السنن " (10/245) : حدثنا الأسود بن شيبان قال: حدثنا أبو نوفل بن أبي عقرب قال: قيل لعائشة: أكان يتسامع عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم - الشعر؟ قالت ... فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/722/6142) ، وأحمد (6/134و148و188-189) من طرق عن الأسود به. وزاد أحمد في رواية: "كان يعجبه الجوامع من الدعاء، ويدع ما بين ذلك ". وأخرجها أبو داود وغيره، وصححها ابن حبان والحاكم والذهبي، وهي مخرجة في "صحيح أبي داود" (1332) ، وإسناده صحيح على شرط مسلم كما بينته هناك. وزاد أحمد أيضاً: "وقالت عائشة: إذا ذكر الصالحون فحيَّ هلاً بعمر".

3096

وفي رواياته الثلاث: "سألت عائشة.. "، فصرح بالسماع منها. وهي رواية ابن أبي شيبة، وقال ابن حبان: "أبو نوفل اسمه معاوية بن مسلم بن أبي عقرب، من أهل البصرة". والحديث قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/119) : "رواه أحمد، ورجاله رجال (الصحيح) ". قلت: ووقع عنده: "سُئلت عائشة" بالبناء للمجهول، ولعله خطأ مطبعي أو من أحد النساخ، فإنه خلاف الواقع في المواضع الثلاثة من "المسند". وللحديث شاهد عن قتادة في قوله: (وما علمناها الشعر وما ينبغي له) ، قال: قيل لعائشة: هل كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت: كان أبغض الحديث إليه، غير أنه كان يتمثل ببيت أخي بني قيس؛ فيجعل آخره أوله، وأوله آخره، فقال له أبو بكر: إنه ليس هكذا، فقال نبي الله- صلى الله عليه وسلم -: "إني- والله-! ما أنا بشاعر، ولا ينبغي لي ". أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" (23/19) بسند صحيح عن قتادة، ولكنه لم يسمع من عائشة كما قال أبو حاتم، فهو مرسل منقطع، ولكنه- كشاهد- لا بأس به. * 3096- (وأنتم معشرَ الأنصار! فجزاكم الله خيراً- أو: أطيب الجزاء-، فإنكم- ما علمتُ- أَعِفَّةٌ صُبُرٌ، وسَتَرونَ بعدي أَثَرةً في القَسْمِ والأمر، فاصبروا حتى تَلْقَوْني على الحَوْضِ) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (7277- الإحسان) ، والحاكم (4/79) ،

وابن عدي في "الكامل " (5/1879) ، ومن طريقه: البيهقي في "شعب الإيمان " (6/520/9136) ، وكذا النسائي في "فضائل الصحابة" (240) من طرق عن عاصم بن سويد بن يزيد بن جارية الأنصاري قال: ثنا يحيى بن سعيد عن أنس ابن مالك قال: أتى أسيد بن الحضير النقيب الأشهلي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكلمه في أهل بيت من بني ظَفَر عامتهم نساء، فقسم لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شيء قسمه بين الناس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تركتنا يا أسيد! حتى ذهب ما في أيدينا، فإذا سمعت بطعام قد أتاني؛ فأتني فاذكر لي أهل ذلك البيت، أو اذكر لي ذاك ". فمكث ما شاء الله، ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعام من خيبر: شعير وتمر، فقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الناس، قال: ثم قسم في الأنصار فأجزل، قال: ثم قسم في أهل ذلك البيت فأجزل، فقال له أسيد شاكراً له: جزاك الله أي رسول الله! أطيب الجزاء- أو خيراً؛ يشك عاصم- قال: فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. وأقول: هو كما قالا، فإن عاصماً هذا قال فيه أبو حاتم: "شيخ محله الصدق ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/259) ، وروى عنه جمع من الثقات؛ منهم محمد بن الصباح وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي وعلي بن حجر، وثلاثتهم رووا الحديث هذا عنه، ويعقوب بن محمد الزهري كما في "التهذيب "، وأبو مصعب؛ هو أحمد بن أبي بكر الزهري المدني كما في "الجرح "، وعليه؛ فقول ابن معين فيه:

لا أعرفه " لا يجرحه إن شاء الله تعالى؛ فقد عرفه ابن حبان والحاكم والذهبي الذين صححوا حديثه، وأبو حاتم من قبلهم. ولبعض حديثه أصل من غير طريقه وشواهد؛ فروى البخاري وغيره من طريق سفيان وغيره عن يحيى بن سعيد أنه سمع أنس بن مالك مرفوعاً: " إنكم ستلقون بعدي أثرة؛ فاصبروا حتى تلقوني "، زاد من طريق آخر عن أنس- وسيأتي قريباً-: "على الحوض ". وهي عند ابن حبان (7231) من الطريق الأولى. وهو مخرج في "ظلال الجنة" (752 و 1102 و 1103) ،. وروى الترمذي وغيره من طريق أخرى ضعيفة عن أنس عن أبي طلحة قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقرئ قومك السلام؛ فإنهم- ما علمت- أعفة صبر". وصححه في بعض النسخ، ولا وجه له؛ إلا أن يعني تصحيحه لشواهده، فهو مقبول في الشطر الثاني منه، وهو مخرج في "المشكاة" (6242) ، وذهل الهيثمي؛ فأورده في "كشف الأستار" (3/304) ، و"المجمع " (10/33) من رواية البزار، وليس على شرط الكتابين. وأما الشواهد؛ فقال معمر: عن الزهري قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "الأنصار أعفة صبر". أخرجه عبد الرزاق (11/55/19894) . قلت: وهذا معضل أو مرسل.

ووصله يونس عن ابن شهاب: حدثني يزيد بن وديعة الأنصاري أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. أخرجه ابن حبان (2290- موارد و 6264- إحسان) . قلت: ويزيد بن وديعة لا يعرف إلا برواية الزهري، كذلك أورده ابن حبان في "الثقات " (5/537) ، وذكره ابن أبي حاتم فبيض له! وقال ابن أبي شيبة (12/ 160) : حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذكر الأنصار قال: "أعفة صبر". وقد خولف ابن إدريس في إسناده؛ فقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: حدثنا محمد بن إسحاق عن حصين بن عبد الرحمن عن محمود بن لبيد عن ابن شفيع- وكان طبيباً- قال: دعاني أسيد بن حضير، فقطعت له عرق النسا، فحدثني بحديثين قال: أتاني أهل بيتين من قومي: أهل بيت من بني ظَفَرٍ؛ وأهل بيت من بني معاوية، فقالوا: كلم رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقسم لنا أو يعطينا- أو نحواً من هذا-، فكلمته، فقال: "نعم، أقسم لكل أهل بيت منهم شطراً، فإن عاد الله علينا عدنا عليهم ". قال: قلت: جزاك الله خيراً يا رسول الله! قال: "وأنتم فجزاكم الله خيراً؛ فإنكم- ما علمتكم- أعفة صبر".

قال: وسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول: "إنكم ستلقون أثرة بعدي ". فلما كان عمر بن الخطاب قسم حُللاً بين الناس.. إلخ. أخرجه أبو يعلى (945) : حدثنا زكريا بن يحيى زحمويه: عن ابن أبي زائدة به. ومن طريق أبي يعلى أخرجه ابن حبان (7279) . ورجاله ثقات- على عنعنة ابن إسحاق-؛ غير ابن شفيع فلم أجد له ترجمة فيما لدي من المراجع. ثم رأيته مترجماً في "التاريخ الكبير" للبخاري، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأما قول الهيثمي في "المجمع " (10/33) عقب رواية ابن شفيع هذا: "رواه أحمد، ورجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس، وهو ثقة ". فهو وهم؛ إما منه وإما من الناسخ؛ أراد أن يقول: " أبو يعلى" فقال: " أحمد"؛ فإنه ليس في "مسنده "؛ وإنما له فيه (4/352 و353) من طريق قتادة عن أنس عن أسيد بن حضير مرفوعاً بلفظ: "إنكم ستلقون بعدي أثرة؛ فاصبروا.. " الحديث كما تقدم مشاراً إليه بقولي: "زاد من طريق آخر" من رواية البخاري. وأخرجه مسلم أيضاً (6/19) ، وصححه الترمذي (2190) . *

3097

3097- (إنْ بُيِّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعارُكُم: (حم) لا يُنْصَرُونَ) . هو من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه، يرويه أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي، وقد اختلف عليه في إسناده على وجوه: الأول: سفيان عنه عن المهلب بن أبي صفرة: أخبرني من سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. أخرجه أبو داود (2597) ، والترمذي (1682) ، وابن الجارود في " المنتقى " (355/1063) ، والحاكم (2/107) وقال: "وهكذا رواه زهير بن محمد عن أبي إسحاق، حدثناه.. " ثم ساق إسناده من طريق أحمد بن يونس: ثنا زهير به. وقال: "صحيح الإسناد على شرط الشيخين؛ إلا أن فيه إرسالاً، فإذا الرجل الذي لم يسمه المهلب بن أبي صفرة: البراء بن عازب ". ثم ساقه من طريق شريك الآتية، والإرسال الذي يشير إليه إنما هو بالنسبة لرواية زهير عنده؛ فإنها بلفظ: "عن الملهب.. قال: سمعت من يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " بخلاف رواية سفيان المتقدمة؛ فإنها صريحة في الاتصال؛ لقول المهلب: " أخبرني من سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - ". لكن قد خولف أحمد بن يونس في إسناده، فأخرجه ابن سعد في "الطبقات " (2/72) قال: أخبرنا الحسن بن موسى: أخبرنا زهير به؛ إلا أنه لم يذكر: " قال: سمعت من يحدث ". فهو مرسل. وقد توبع الحسن؛ فقال النسائي في "عمل اليوم والليلة" (399/618) : أخبرني هلال بن العلاء قال: حدثنا حسين قال: حدثنا زهير به.

قلت: وحسين هو ابن عياش، وهو ثقة، ومثله الحسن بن موسى - وهو الأشيب-، فروايتهما مقدمة على رواية أحمد بن يونس؛ وإن كانت رواية هذا أرجح بالنظر لرواية سفيان المتقدمة وما يأتي. فقال عبد الرزاق في "المصنف " (5/233/9467) : عن معمر والثوري عن أبي إسحاق قال: سمعت المهلب بن أبي صفرة يقول: أخبرني من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره وتابعهما شريك عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة قال: حدثني رجل من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الخندق: "إني لا أرى القوم إلا مُبَيِّتِيكم [الليلة] ؛ فإن شعاركم: (حم) لا ينصرون " أخرجه ابن سعد، والنسائي، وأحمد (5/377) ، والحاكم أيضاً؛ إلا أنه قال: عن أبي إسحاق قال: سمعت المهلب بن أبى صفرة يذكر عن البراء بن عازب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنكم تلقون عدوكم غداً؛ فليكن شعاركم: (حم) لا ينصرون ". وقال الحاكم: "وقد قيل: عن أبي إسحاق عن البراء". قلت: وهذا من الخلاف المشار إليه في مطلع هذا البحث، وهو: الوجه الثاني: شيبان عن أبي إسحاق عن البراء أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "إنكم تلقون عدوكم غداً.. " الحديث، وزاد: " دعوة نبيكم ". أخرجه النسائي (615) : أخبرنا هشام بن عمار عن الوليد عن شيبان..

قلت: وشيبان هو ابن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي، وهو ثقة من رجال الشيخين. والوليد هو ابن مسلم الدمشقي، وهو ثقة أيضاً؛ لكنه كان يدلس تدليس التسوية، فيمكن أن يكون هو الذي أسقط المهلب بين أبي إسحاق والبراء؛ إن لم يكن ذلك من أبي إسحاق نفسه؛ فإنه كان مدلساً، ولعله يؤيد ذلك أنه تابع شيبان الأجلح؛ فقال: عن أبي إسحاق عن البراء. أخرجه النسائي (616) ، والحاكم، وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/504) ، وأحمد (4/289) ، وابن عدي في "الكامل " (1/417- 418) من طرق عن الأجلح به مثل رواية شيبان دون الزيادة. وسقط من مطبوعة ابن عدي لفظ: "إنكم "، ووقع فيها أخطاء أخرى نبهت عليها في "فهرس الكامل " الذي أنا في صدد وضعه، يسر الله لي إتمامه، وفي هذه الأثناء من العمل فيه قد اكتشفت مئات الأخطاء العلمية والمطبعية؛ التي تدل دلالة قاطعة على أن القائمين على تصحيح الكتاب ليسوا من العلماء ولا من طلاب العلم الأقوياء! وقد أعادوا طبع الكتاب طبعة ثالثة؛ وزعموا أنهم صححوا فيها الأخطاء التي كانت في الطبعة الأولى! وهذا الحديث من الأدلة الكثيرة على بطلان زعمهم؛ فإنه في الطبعة الأولى هكذا: [تلقوا العدو إن شاء الله غدوة..] ! وهكذا وقع في الطبعة الثالثة أيضاً (1/427) ؛ مع خطأ جديد وهو: [تلقوا ص العدو إن شاء الله غدوة..] !!. هذا؛ والأجلح هو ابن عبد الله أبو حجية الكندي؛ فيه كلام من قبل حفظه،

وقد حكى ابن عدي بعض ما قيل فيه من التضعيف والتوثيق، ثم ساق له أحاديث هذا أحدها، ثم قال: " له أحاديث صالحة غير ما ذكرت، ولم أجد له شيئاً منكراً مجاوزاً الحد؛ لا إسناداً ولا متناً " إلا أنه يعد في شيعة الكوفة، وهو عندي مستقيم الحديث صدوق ". الوجه الثالث: قال زهير: حدثنا أبو إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة قال - وهو يخاف أن تبيته الحرورية -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حفر الخندق، وهو يخاف أن يبيته أبو سفيان: "إن بيتم.. " الحديث. أخرجه النسائي- كما تقدم- مع ذكر مخالف له في الوجه الأول، وترجيح رواية النسائي هذه عن زهير. ويبدو لي- والله أعلم- أن هذا الاختلاف في إسناده إنما هو من أبي إسحاق نفسه؛ فإنه كان مختلطاً يدلس، فكان تارة يسنده بذكر الصحابي فيه ولا يسميه؛ وتارة يسميه، وتارة يرسله، وتارة يذكر المهلب بن أبي صفرة بينه وبين الصحابي، وتارة يدلسه. وان مما لا شك فيه عندي؛ أن الوجه الأول هو الصواب؛ لأنه من رواية سفيان ـ وهو الثوري-، وهو أحفظ المختلفين على أبي إسحاق من جهة؛ ثم إنه روى عنه قبل اختلاطه من جهة ثانية، وصرح بسماعه من المهلب في رواية عبد الرزاق والحاكم أيضاً، فأمنا بذلك شر تدليسه واختلاطه، وتابعه معمر على ذلك من جهة ثالثة. ولعله لذلك جزم الحافظ ابن كثير بقوله في "التفسير" (4/69) عقب رواية الثوري: "وهذا إسناد صحيح ".

3098

وللحديث شاهد مرسل أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/504/15420) : حدثنا سليمان بن حرب قال: ثنا غالب بن سليمان أبو صالح قال: ثنا الزبير بن صراخ قال: قال لنا مصعب بن الزبير- ونحن مصافي المختار -: ليكن شعاركم: (حم) ، لا ينصرون؛ فإنه كان شعار النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا إسناد رجاله ثقات؛ مصعب بن الزبير أخو عبد الله بن الزبير، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/410) ، وسائر رجاله من رجال "التهذيب "؛ غير الزبير ابن صراخ فلم أعرفه. * العدلُ بينَ الأولادِ الذكورِ والإناثِ حتى في التقبيلِ! 3098- (فَهَلا عَدَلْتَ بينهما؟! يعني: الابنَ والبنتَ) . أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (2/246) ، وابن عساكر في "التاريخ " (4/601 - مصورة المدينة) من طريقين عن يعقوب بن حميد بن كاسب قال: ثنا عبد الله بن معاذ عن معمر عن الزهري عن أنس قال: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل، فجاء ابن له فقبّله وأجلسه على فخذه، ثم جاءت بنت له فأجلسها إلى جنبه، قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن؛ معمر والزهري ثقتان لا يسأل عنهما. وعبد الله بن معاذ ويعقوب بن حميد صدوقان كما في "التقريب "؛ إلا أنه قال في الثاني منهما: " ربما وهم ": وهذا لا يضر في حديثه، ولا ينزله عن مرتبة الحسن؛ كما لا يخفى على أهل العلم بهذا الفن الشريف.

وقد استدل به الطحاوي رحمه الله لقول أبي يوسف رحمه الله: إنه يسوي في العطية بين الأنثى والذكر؛ خلافاً لمحمد بن الحسن رحمه الله الذي قال: بل يجعلها على قدر المواريث للذكر مثل حظ الأنثيين، فرده الطحاوي بما رواه بالسند الصحيح عن النعمان بن بشير: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " سوُّوا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يُسووا بينكم في البر". وأخرجه البيهقي (6/178) ، ومسلم (5/66- 67) نحوه، وابن حبان (5082) . قال أبو جعفر: "فيه دليل على أنه أراد من الأب لولده ما يريد من ولده له، وكان ما يريد من الأنثى من البر مثل ما يريد من الذكر، فأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - منه لهم من العطية للأنثى مثل ما أراد للذكر". ثم إن العدل المذكور بين الأولاد قد اختلفوا في حكمه؛ فمن قائل بأنه واجب، ومن قائل بأنه مستحب، وهذا مذهب الحنفية، وانتصر له الطحاوي، والحق الوجوب كما فصله الحافظ في " الفتح "؛ فليرجع إليه من شاء البسط، ويكفي للدلالة على ذلك أن راوي الحديث - وهو النعمان بن بشير رضي الله عنه - قال في بعض الطرق الصحيحة عنه: " فرجع أبي، فرد تلك الصدقة ". أخرجه الشيخان، وهو مخرج في "الإرواء" (6/41) . وقد تقدم تخريج حديث الترجمة في هذه " السلسلة " (2883) و (2994) ، وما هنا فيه زيادة. *

3099

3099- (ثلاثةٌ لا يَنظرُ اللهُ إليهم يومَ القيامةِ: العاقُّ لوالديهِ، ومُدْمِنُ الخَمرِ، والمنانُ عطاءهُ. وثلاثةٌ لا يدخلون الجنة: العاقُّ لوالديه، والدَّيُّوثُ، والرَّجُلَةُ) . أخرجه البزار في "مسنده " (2/372- كشف الأستار) : حدثنا الحسن بن يحيى الأزدي (!) : ثنا محمد بن بلال: ثنا عمران القطان عن محمد بر عمرو عن سالم عن أبيه عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله معروفون من رجال "التهذيب "، وفي بعضهم كلام لا يضر؛ غير الحسن بن يحيى الأزدي؛ هكذا وقع فيه: "الأزدي "، وهو محرف من "الأرزي "، ففي هذه النسبة أورد الأمير ابن ماكولا (الحسن بن يحيى) هذا في "الإكمال " (1/151) ، وهي نسبة إلى "الرز" ويقال: "الرزي" كما في " أنساب السمعاني "، وبهذه النسبة الثانية ترجم في "التهذيب " و"التقريب" وقيدها بضم الراء وتشديد الزاي، وقال: "صدوق صاحب حديث ". وذكر في "التهذيب " أنه ذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال: "مستقيم الحديث، كان صاحب حديث ". فأقول: أورده فيمن روى عن أتباع التابعين؛ أي: في (الطبقة الرابعة) عنده (8/180) ، ولم يقع فيه ولا في "ترتيبه " للهيثمي قوله: "مستقيم الحديث "، ووقع فيه: "الأزدي "؛ كما وقع في "كشف الأستار" كما تقدم، وأما في "الترتيب "؛ فوقع على الصواب: "الأرزي ". ثم إن ابن حبان لم يجاوز في نسبه أباه يحيى، ووقع في "التهذيب " منسوباً

إلى جده "هشام " ومكنياً بأبي علي، وكذلك كناه في "الجرح " (1/2/44) ، وقال: " نزيل الرملة ". ثم قال: "محله الصدق، كتبت عنه بالرملة ". وسمى جده " السكن ". وكأن الحافظ ابن حجر لم يقف على هذا؛ فإنه قال: "وقال ابن عساكر في "النُّبَّل ": أظنه ابن يحيى بن السكن الذي سكن الرملة، فإن كان هو فإنه مات سنة (257) . قلت: ابن السكن ضعيف جداً، وهو غير هذا قطعاً ". وأقول: لا أدري مستند الحافظ في هذا التعقب؟! مع مخالفته لقول ابن أبي حاتم فيه، وإعراضه عن ذكره إياه في "لسان الميزان "، ولا رأيته في "الميزان " فضلاً عن " التهذيب " وفروعه. وقد أورد الرزي هذا الذهبي في "الكاشف " وقال: " ثقة حافظ " ونحوه قال في "الميزان "، ولم يورد ابن السكن تمييزاً- كما هي عادته- بينه وبين من يشابهه في النسب أو في غيره. والله أعلم. وقد تابعه عثمان بن طالوت: ثنا محمد بن بلال به. أخرجه أبن عدي في "الكامل " (6/133) : حدثنا محمد: ثنا عثمان به. قلت: وعثمان بن طالوت هذا ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/454) ، ونسبه الجحدري البصري، يروي عن أبي عاصم وأهل بلده، كان أحفظ من أبيه، مات وهو شاب لم يتمتع بعلمه سنة (234) .

3100

وأما محمد - وهو ابن القاسم كما في حديث آخر قبله عند ابن عدي -؛ فلم أعرفه. وللحديث طريق أخرى بلفظ آخر عن سالم به، وقد مضى برقم (674) ، وقد أخرجه البزار أيضاً، وأشار إليه الهيثمي عقب هذا المتن، وقال (8/148) : "رواه البزار بإسنادين رجالهما ثقات ". * 3100- (مَن قال عليّ ما لم أَقُلْ؛ فَلْيَتَبَوَّأْ مقعده من النار) . ورد من حديث جمع من الصحابة رضي الله عنهم بهذا اللفظ، وأنا سائق ما تيسر لي الوقوف عليه من الطرق عنهم مما يحتج أو يستشهد به. الأول: عثمان رضي الله عنه؛ يرويه عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يقول: ما يمنعني أن أحدث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون أوعى أصحابه عنه، ولكني أشهد لسمعته يقول ... فذكره. أخرجه البخاري في " التاريخ " (3/2/209) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/166) ، وأحمد (1/65) ، والبزار (1/113/205) . قلت: وهذا إسناد حسن للخلاف المعروف في عبد الرحمن بن أبي الزناد، وصححه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (1/363) . الثاني: أبو هريرة رضي الله عنه؛ وله عنه طرق: الأولى: عن محمد بن عمرو قال: حدثنا أبو سلمة عن أبى هريرة عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. أخرجه ابن ماجه (34) ، وابن حبان (رقم 28- الإحسان) .

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات، على الخلاف المعروف في محمد بن عمرو، وقد خولف في إسناده، فقال حصن: حدثني أبو سلمة: حدثتني عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. أخرجه الطحاوي في "المشكل " (1/168) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (5/145) من طريق بشر بن بكر: حدثنا الأوزاعي: حدثنا حصن به. قلت: ورجاله ثقات؛ غير حصن هذا؛ قال ابن القطان: "لا يعرف حاله ". قلت: فلا يعتد بمخالفته. الثانية: عن بكر بن عمرو عن أبي عثمان مسلم بن يسار عن أبي هريرة به أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/762) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (259) ، والطحاوي (1/171) ، والحاكم (1/102) ، ومن طريقه البيهقي (10/112) ، وأحمد (2/321) من طريق سعيد بن أبي أيوب عنه به. كلهم أخرجوه من طريق عبد الله بن يزيد أبي عبد الرحمن، وزاد أحمد: "من كتابه ". وزاد زيادة أخرى؛ وهي أنه أدخل بين بكر بن عمرو وأبي عثمان: عمرو بن أبي نعيمة، وهي رواية الحاكم؛ لكن من رواية ابن وهب عن سعيد بن أبي أيوب، وقال الحاكم عقبها: " تابعه يحيى بن أيوب عن بكر بن عمرو ". ثم وصله هو والبيهقي والطحاوي من طريقين عن يحيى عن بكر عن عمرو ابن أبي نعيمة به. وتابعه رشدين: حدثني بكر بن عمرو به

أخرجه أحمد (2/365) . وبهاتين المتابعتين تترجح رواية أحمد من كتاب عبد الله بن يزيد التي فيها زيادة عمرو بن أبي نعيمة في الإسناد، وبذلك ينكشف لي أن الإسناد ضعيف؛ خلافاً لما كنت ذهبت إليه قديماً في بعض التعليقات، وذلك لأن عمرو بن أبي نعيمة قال الدارقطني فيه: " مصري مجهول، يترك ". وأما ابن حبان، فذكره في "الثقات " (7/229) على القاعدة! وإذا علمت ذلك؛ ففي حديث ابن أبي نعيمة هذا زيادة عند البخاري وغيره: " ومن استشاره أخوه المسلم؛ فأشار عليه بغير رشد؛ فقد خانه؛ ومن أفتى فتيا بغير تثبت؛ فإثمه على من أفتاه ". وهذه الزيادة عند أبي داود (3657) ؛ وللدارمي الجملة الثانية منها (1/570) ؛ ولم يذكر في إسناده ابن أبي نعيمة؛ وهو إحدى روايتي أبي داود. وقد قال الذهبي في ترجمته من " الكاشف": " لا يصح خبره " يشير إلى هذا الحديث بهذه الزيادة، وإلا؛ فالجملة الأولى منه صحيحة؛ لما لها من الشواهد والطرق كما تقدم ويأتي. على أن هذه الجملة قد صحت من طريق أخرى عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: " من كذب علي متعمداً؛ فليتبوأ.. ".

أخرجه البخاري (رقم 110) ، ومسلم (1/7- 8) وغيرهما. ولحديثه طريق أخرى بلفظ الترجمة في مقدمة "موضوعات ابن الجوزي " (1/62) فيها عمر بن صالح برواية خالد بن مخلد عنه. وعمر هذا أورده ابن أبي حاتم (3/1/116) بهذه الرواية وقال: "سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بقوي ". وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (8/443) ، وانظر تعليقي عليه في "التيسير". الثالث: عبد الله بن عمرو؛ رواه يزيد بن أبي حبيب عن عمرو بن الوليد عنه قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. أخرجه أحمد (2/158 و171) . قلت: وهذا إسناد حسن. الرابع: عن عقبة بن عامر؛ يرويه أبو عشانة: أنه سمع عقبة بن عامر يقول ... فذكره مرفوعا ً. أخرجه أحمد (4/159 و201) ، والطبراني في "الكبير" (17/ 301 و305/ 832 و 843) من طريقين عنه. قلت: وإسناده صحيح، وأبو عُشّانة اسمه حي بن يؤمن، وهو ثقة، وقال الهيثمي (1/ 144) : " رواه أحمد، والبزار، والطبراني في " الكبير"، ورجاله ثقات ". الخامس: الزبير بن العوام؛ يرويه عتيق بن يعقوب: حدثنا أبي: حدثني الزبير بن خبيب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير عن هشام بن عروة عن أبيه قال:

قال ابن الزبير لأبيه: يا أبت! حدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحدث عنك؛ فإن كل أبناء الصحابة يحدث عن أبيه، قال: يا بني! ما من أحد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - بصحبة إلا وقد صحبته بمثلها أو أفضل، ولقد علمت يا بني! أن أمك أسماء بنت أبي بكر كانت تحتي، ولقد علمت أن عائشة بنت أبي بكر خالتك، ولقد علمت أن أمي صفية بنت عبد المطلب، وأن أخوالي حمزة وأبو طالب والعباس، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن خالي، ولقد علمت أن عمتي خديجة بنت خويلد كانت تحته، وأن ابنتها فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولقد علمت أن أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة، وأن أم صفية وحمزة: هالة بنت وهب، ولقد صحبته بأحسن صُحْبَةٍ والحمد الله، ولقد سمعته يقول ... فذكر الحديث. أخرجه ابن حبان (6982- المؤسسة) ، والحاكم (3/361) ، وسكت عنه هو والذهبي، وأقول: إسناده ضعيف؛ لجهالة - أو ضعف - الزبير بن خبيب - بالخاء المعجمة كما في "الإكمال "، ووقع في "الكامل " و "الميزان " و "اللسان " وغيرها بالحاء المهملة! - لم يرو عنه غير اثنين، وقال الذهبي: "فيه لين ". وانظر "الضعيفة" رقم (6100) فقد رجحت فيه أنه صدوق. ويعقوب - هو ابن صديق بن موسى الزبيري المدني - والد عتيق، ولم أجد له ترجمة، وأما ابنه عتيق فهو ثقة، وثقه الدارقطني، وروى عنه أبو زرعة، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/527) ، وترجم قبله لآخر (8/225) ، وسمى أباه "محمداً"، فظن الحافظ في " اللسان " أن ابن حبان لم يعرف نسبه، وهو وهم من

الحافظ؛ خفي عليه الترجمة الأولى التي ساق فيها نسبه، ولكنه جعلهما اثنين وهما واحد؛ كما حققته في " التيسير". والحديث في "صحيح البخاري " (رقم 107) من طريق عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما إني لم أفارقه، ولكن سمعته يقول ... فذكره بلفظ: "من كذب علي؛ فليتبوأ.. " الحديث، وهو بهذا اللفظ متواتر كما في " الجامع الصغير" وغيره، وزاد فيه أحمد، وأبو يعلى (رقم 667) : " متعمداً " وهي زيادة محفوظة فيه؛ وإن كان الرواة اختلفوا فيه على شعبة؛ كما أفاده الحافظ (1/200- 201) ، وأيده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (3/7- 8) ، ولا ينافي الاختلاف المذكور أن الزيادة صحت في الحديث عن غير شعبة؛ كما توهم المعلق على "مسند أبي يعلى" (2/31) ، فأخرجها أبو داود في "سننه " (3651) من طريق أخرى عن عامر بن عبد الله به؛ كما سنحققه إن شاء الله تعالى في "صحيح أبي داود". وقد ثبتت في رواية جمع آخر من الصحابة رضي الله عنهم؛ منهم أبو هريرة في رواية الشيخين كما تقدم؛ ومنهم ابن عمرو، وأبو سعيد، وغيرهم، وقد خرجت بعضها في "الروض النضير" (582) ، ولذلك فإنكار بعض الكتاب لهذه الزيادة- كصاحب "أضواء على السنة المحمدية"- جهل وضلال؛ كما كنت ذكرت ذلك في مقدمة "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (1/49- طبعة مكتبة المعارف) ، و (1011) أيضاً، وبينت أن من ضلالهم أن الزيادة لو فرض عدم ثبوتها في الحديث؛ فمعناها لابُدَّ من تقديره؛ وإلا؛ فهو وأمثاله أول من يشملهم وعيد

الحديث؛ لأنه لا بد أنهم يخطئون في روايتهم الأحاديث أكثر من غيرهم؛ لجهلهم بالسنة وعدم اعتنائهم بها. السادس: سلمة بن الأكوع، يرويه يزيد بن أبي عبيد عنه قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من يَقُلْ عليّ ... " الحديث. رواه البخاري (109) : حدثنا مكي بن إبراهيم قال: حدثنا يزيد بن أبي عُبيد. قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح. السابع: ابن عمر رضي الله عنهما؛ يرويه عبد الله بن دينار عنه في حديث له بلفظ: "ومن أفرى الفرى من قال علي ما لم أقل ". وتقدم تخريجه تحت الحديث (3063) . الثامن: واثلة بن الأسقع؛ يرويه عبد الواحد بن عبد الله النَّصْري عنه مرفوعاً مثله. أخرجه البخاري (3509) ، والطبراني في "مسند الشاميين " (ص 211 و 369 - 370) ؛ وتقدم أيضاً هناك. التاسع: أبو موسى الغافقي؛ يرويه عنه وداعة الحمدي، وعنه يحيى بن ميمون الحضرمي، وعن هذا عمرو بن الحارث، واختلف الرواة عليه؛ فمنهم من لم يذكر فيه (وداعة) ، وهو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، وفيه لفظة غريبة - كما قال الحاكم-، ومن أجلها خرجته في "الضعيفة" (6406) . *

3101

3101- (لا تَصُمْ يومَ السبتِ إلا في فريضةٍ، ولو لم تَجِدْ إلا لحاءَ شجرةٍ فَأَفْطِرْ عليهِ) . أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير" (8/303/7722) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني الحكم بن موسى: ثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الله ابن دينار عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ لكن فيه علة؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/198) : " رواه الطبراني في "الكبير" من طريق إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهو ضعيف فيهم ". قلت: وهو كما قال؛ لكن لإسماعيل بن عياش فيه إسناد آخر شامي صحيح؛ قال الإمام أحمد (6/368- 369) : ثنا الحكم بن نافع قال: ثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن الوليد الزبيدي عن لقمان بن عامر عن خالد بن معدان عن عبد الله بن بسر عن أخته الصماء به نحوه. وهو مخرج في "الإرواء " (4/ 121) من هذه الطريق وغيرها. وهذا الإسناد أصح؛ لأن الحكم بن نافع ثقة ثبت، والحكم بن موسى صدوق كما قال الحافظ في "التقريب "، فإسناد الأول صحيح؛ لأن محمد بن الوليد الزبيدي ثقة ثبت. وقد تابع ابن نافع ضمرةُ بن ربيعة عن إسماعيل بن عياش به. أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين " (ص 317) .

وخالف إسماعيل بقية بن الوليد؛ فقال: عن الزبيدي عن لقمان بن عامر عن عامر بن جشيب عن خالد بن معدان به؛ إلا أنه لم يقل: "عن أخته الصماء"، وأدخل عامر بن جشيب بين لقمان وخالد. وابن جشيب وثقه الدارقطني، فهذه متابعة قوية من ابن جشيب لولا عنعنة الوليد. لكن هناك متابعة قوية جداً رواها ثلاثة من الثقات عن ثور بن يزيد عن خالد ابن معدان به مثل رواية الحكم بن نافع. وهو مخرج في (الإرواء) . وقد ذكرت له فيه شاهداً صحيحاً من حديث أبي أمامة مرفوعاً؛ فليراجعه هناك من شاء الوقوف عليه. ولقد كان الغرض من تخريج الحديث هنا بعد أن كنا حققنا الكلام عليه هناك في "الإرواء" تخريجاً وتصحيحاً، إنما هو تحقيق الكلام على طريق الحكم بن موسى هذه عن إسماعيل عن عبد الله بن دينار عن أبي أمامة. والآن يبدو لي أنه لا يبعد أن يكون إسماعيل لم يخطئ في إسناده عن أبي أمامة؛ ما دام أن غيره قد رواه أيضاً عنه كما ذكرت آنفاً. والله سبحانه وتعالى أعلم. وإذا عرفت ما تقدم؛ فمن الظلم للسنة والانحراف عنها أن يبادر بعض المعاصرين إلى الشك في صحة هذا الحديث بله الجزم بضعفه؛ فضلاً عن القول بأنه كذب! والله المستعان. ثم وجدت له شاهداً أو طريقاً أخرى، يرويه أحمد (6/368) : حدثنا حسن ابن موسى قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: ثنا موسى بن وردان، قال: أخبرني عمير ابن جبير (!) مولى خارجة: أن المرأة التي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم السبت حدثته: أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عن ذلك؟ فقال: " لا لكِ؛ ولا عليك ".

3102

وهذا إسناد رجاله ثقات، فهو إسناد جيد لولا ما في ابن لهيعة من الضعف الذي ظهر في أحاديثه بعد احتراق أصوله وكتبه. ومن الظاهر أن هذا مما لم يحسن ضبط لفظه. وهو على كل حال شاهد لا بأس به في الجملة؛ لأن قوله: (لا لكِ) يلتقي مع الروايات الأخرى المتفقة على النهي. وأما قوله: (ولا عليك) فينافي (النهي) والأمر بالإفطار ولو على لحاء شجرة؛ فهو من تخاليط ابن لهيعة. والله أعلم. (تنبيه) : قوله في السند: (عمير بن جبير) خطأ نشأ عن تصحيف. والصواب (عبيد بن حنين) ، وهو مذكور في "التهذيب "، كما قال الحافظ في "التعجيل " (321/819) وقد تقدم الحديث في هذه "السلسلة" (225- الطبعة الجديدة لمكتبة المعارف) ، ولا يخلو الموضعان عن فائدة زائدة. * 3102- (إياكم ومُحقراتُ الذنُوبِ، كقَومٍ نَزلُوا في بطْنِ وادٍ فجاءَ ذا بعودٍ، وجاء ذا بعودٍ حتى أنضَجُوا خبزتهم، وإنَّ محقَّراتِ الذُّنوب متى يُؤخذ بها صاحبُها تُهلِكْهُ) . أخرجه الإمام أحمد (5/331) : ثنا أنس بن عياض: حدثني أبو حازم- لا أعلمه إلا- عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وهو من ثلاثيات "المسند". وأخرجه الروياني في "مسنده " (29/12/ 1- 2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/204/5872) والأوسط (2/161/7459) و" الصغير" (ص 187- هندية) من طرق أخرى عن أنس بن عياض به. وقال الحافظ ابن كثير في "التفسير"

3103

(4/260) بعد أن ساقه من طريق أحمد: " وله شواهد من وجوه أُخرَ صحاح وحسان ". قلت: منها حديث ابن مسعود مرفوعاً مثله. أخرجه الطيالسي في "مسنده " (53/ 400) : حدثنا عمران القطان عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عنه. قلت: وهذا إسناد حسن، ورواه جمع آخر من هذا الوجه، وهو مخرج في "الروض النضير" (351) . وله شاهد آخر من حديث عائشة رضي الله عنها مختصراً، وقد مضى برقم (513) ، وكذا (2731) . وقد تقدم الحديث في هذه "السلسلة" (389) . * 3103- (أَبشرْ يا كعبُ! فقالَتْ أمُّه: هنيئاً لكَ الجنَّةُ يا كعبُ! فقال: من هذه المتألّيةُ على الله؟ ! قالَ: هيَ أمِّي يا رسول الله! فقال: وما يدريك يا أمَّ كعب؟ ! لعلَّ كعباً قال ما لا يعنيه، أو منعَ ما لا يُغنيهِ) . أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت " (74/110) : حدثنا أحمد بن عيسى المصري: حدثنا ضمام بن إسماعيل الإسكندراني: حدثني يزيد بن أبي حبيب وموسى بن وردان عن كعب بن عجرة رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كعباً، فسأل عنه؛ فقالوا: مريض، فخرج يمشي حتى أتاه، فلما دخل عليه قال ... فذكره. وأخرجه الخطيب في "التاريخ " (4/273) من طريق ابن أبي الدنيا،

والطبراني في "المعجم الأوسط " (2/149/ 7299 بترقيمي) : حدثنا محمد بن عبد الرحيم: ثنا أحمد بن عيسى المصري به. وقال: "لم يروه عن كعب إلا موسى بن وردان، تفرد به ضمام ". قلت: وهو صدوق ربما أخطأ كما قال الحافظ في "التقريب "، وقال الذهبي في "الميزان ": "صالح الحديث، لينه بعضهم بلا حجة ". قلت: وسائر الرواة ثقات من رجال الشيخين؛ غير موسى بن وردان، وهو صدوق كما في " الكاشف " و" التقريب " وزاد: " ربما أخطأ ". وأقول: هو مقرون بيزيد بن أبي حبيب الثقة كما ترى، ولا ينفي ذلك قول الطبراني: "لم يروه عن كعب إلا موسى" لأنه يعني: موصولاً، والله أعلم؛ لأن يزيد بن أبي حبيب ولد في نحو سنة (48) ، ومات كعب بعد الخمسين، فالظاهر أنه لم يلقه، فكأن الطبراني رحمه الله أشار إلى أنه منقطع من طريق يزيد؛ وموصول من طريق موسى، وقد ذكروا له رواية عن كعب بن عجرة، وقد أفادوا في ترجمة موسى أنه مات سنة سبع عشرة ومئة، وله أربع وسبعون سنة؛ فقد أدرك كعباً والله أعلم، - ولذلك؛ فيكون الإسناد حسناً - إن شاء الله تعالى -، ولعله لذلك سكت عنه الحافظ في "الإصابة" وعزاه للطبراني وحده في "الأوسط "، وقال شيخه الهيثمي في "المجمع " (10/314) : ".. وإسناده جيد". وقال المنذري في "الترغيب " (4/110) : ".. ولا يحضرني الآن إسناده، إلا أن شيخنا الحافظ أبا الحسن - رحمه الله -

3104

كان يقول: إسناده جيد". (تنبيه) : محمد بن عبد الرحيم شيخ الطبراني في هذا الحديث هو الديباجي التستري، ولم أقف له الآن على ترجمة، ويظهر لي أنه من مشايخه المعروفين، فقد روى له في "معجمه الأوسط " نحو عشرين حديثاً (2/148/2- 150/ 1) ، ولحديثه تتمة تراها في المكان المشار إليه من "الترغيب ". هذا، ولآخر الحديث شاهدان من حديث أنس وأبي هريرة - فيهما نكارة - بسندين ضعيفين، خرجتهما في الكتاب الآخر برقم (6107) . * 3104- (كان إذا أوى إلى فِراشهِ كلَّ ليلةٍ جمَعَ كفَّيهِ، ثم نفَثَ فيهما، فقرأ فيهما (قل هو الله أحد) و (قل أعوذ برب الفلق) و (قل أعوذ برب الناس) ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأُ بهما على رأسهِ ووجههِ، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات) . أخرجه البخاري (5017) ، وأبو داود (5056) ، والترمذي في "السنن " (3399) و"الشمائل " - باب ما جاء في نومه - صلى الله عليه وسلم - رقم (218- مختصره) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (788) ، ومن طريقه: ابن السني في "عمله " (691) ، وابن حبان في "صحيحه " (5519- الإحسان) ، وأحمد (6/16) من طريق المفضل بن فضالة عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث. وعُقيل هذا هو ابن خالد بن عَقيل الأيلي ثقة ثبت؛ كما قال الحافظ. والمفضل بن فضالة هو القتباني المصري القاضي، قال الحافظ: "ثقة فاضل عابد، أخطأ ابن سعد في تضعيفه ".

قلت: وقد تابعه سعيد بن أبي أيوب: حدتني عقيل به. أخرجه ابن حبان (5518) بلفظ: "جمع يديه ثم نفث فيهما ثم قرأ.. "، وأحمد (6/154) إلا أنه قال: "فينفث فيهما ثم يقرأ". قلت: وسعيد بن أبي أيوب مصري أيضاً، قال الحافظ: "ثقة ثبت " واعلم أن الحديث قد رواه جمع آخر من الثقات عن الزهري، وآثرت ذكر رواية عقيل هذه لأمرين: الأول: أنه عزاها جمع إلى الشيخين منهم ابن تيمية في "الكلم الطيب " (رقم30) وغيره كثير، كنت تبعتهم في بعض تعليقاتي، فلما تبين لي أنها من أفراد البخاري دون مسلم، وأن هذا إنما أخرجه من غير طريق عقيل هذه مختصراً، وقد أشار إلى ذلك الحافظ المزي في "تحفة الأشراف "، لما تبين لي ذلك بادرت إلى تخريجها والتنبيه عليها. والآخر: أنها أتم من رواية الثقات الآخرين، منهم مالك، والليث، ويونس، ورواية هذا أقرب إلى رواية عقيل، أخرجها البخاري (5748) قال: حدثنا عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: حدثنا سليمان عنه بلفظ: " كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ (قل هو الله أحد) وبالمعوذتين جميعاً، ثم يمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده ". قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به.

قال يونس: كنت أرى ابن شهاب يصنع ذلك إذا أتى فراشه. وتابعه عبد الله - وهو ابن المبارك -: أخبرنا يونس بلفظ: "كان إذا اشتكى نفث على نفسه بـ (المعوذات) ، ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه التي توفي فيه طفقت أنفث على نفسه بالمعوذات التي كان ينفث، وأمسح بيد النبي عنه ". أخرجه البخاري أيضاً (4439) . ورواه مسلم؛ وابن حبان (6556) من طريق آخر عنه. وأما رواية مالك فهي في "الموطأ" (3/ 121) عن ابن شهاب به مختصراً بلفظ: "كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بـ (المعوذات) وينفث ". قالت: فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه، وأمسح عليه بيمينه، رجاء بركتها. ومن طريق مالك أخرجه البخاري (5016) ، ومسلم (7/16) ، وأبو داود (3902) ، والنسائي في "عمل اليوم " (1009) ، وابن ماجه (3528) ، وأحمد (6/104 و 114 و 181 و 256 و 263) ، كلهم عن مالك به. ومن الأوهام الظاهرة قول المعلق على حديث الترجمة في حاشية "عمل النسائي": "وأخرجه مسلم من رواية مالك عن ابن شهاب بأتم من هذا"! فكأنه يعني قول عائشة: " فلما اشتد وجعه ... " وهذا خلاف المتبادر من قوله: " بأتم من هذا " فإن الحديث عند النسائي في أذكار النوم، وحديث الترجمة في الباب أتم منه كما ترى، ثم إنه قد فاته أنه عند البخاري أيضاً. ومن أجل هذا

الاختلاف ذهب بعضهم إلى أن حديث مالك ومن تابعه عن ابن شهاب غير حديث الترجمة، فهما حديثان مدارهما على الزهري بإسناد واحد، وهو الذي رجحه الحافظ في "الفتح " (9/ 620) ، وحكى عن أبي مسعود أنهما حديث واحد، وهو عندي محتمل، بل هو الأرجح؛ بدليل رواية الأويسي المتقدمة عن سليمان - وهو ابن بلال - عن يونس؛ فإنه جمع فيها بين رواية عقيل وبعض رواية مالك المتعلق بشكواه- صلى الله عليه وسلم -، ولو بنحوه؛ فإنه ظاهر الدلالة أن الحديث واحد، وأن الرواة عن الزهري كان يزيد بعضهم على بعض. والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا؛ وفي الحديث أن السنة أن ينفث في كفيه أولاً، ثم يقرأ، ثم يمسح، هذا ظاهر جداً فيه، وقد تأول بعضهم قوله: "ثم نفث فيهما فقرأ فيهما " بمعنى: ثم عزم على النفث، فقد جاء في "تحفة الأحوذي " للمباركفوري (4/231) ما نصه: "قال العيني: قال المظهري في "شرح المصابيح ": ظاهر الحديث يدل على أنه نفث في كفه أولاً، ثم قرأ، وهذا لم يقل به أحد، ولا فائدة فيه، ولعله سهو من الراوي، والنفث ينبغي أن يكن بعد التلاوة ليوصل بركة القرآن إلى بشرة القارئ أو المقروء له. وأجاب الطيبي عنه: بأن الطعن فيما صحت روايته لا يجوز، وكيف والفاء فيه مثل ما في قوله تعالى: (إذا قرأت القرآن فاستعذ) ، فالمعنى: جمع كفيه ثم عزم على النفث. أو لعل السر في تقديم النفث فيه مخالفة السحرة. انتهى. وفي رواية للبخاري: كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بـ (قل هو الله أحد) وبـ (المعوذتين) جميعاً. قال الحافظ: أي: يقرأها وينفث حالة القراءة". فأقول: لم ينشرح صدري لكل هذه الأقوال، وبعضها أوهن من بعض، وهاك البيان:

أولاً: أما الطعن في الحديث فهو من أبطل الباطل؛ فإنه سبيل المبتدعة وعلماء الكلام، وقد عرفت أن رجاله ثقات أثبات. ثانياً: وأما تأويله بنحو ما في آية التلاوة؛ فكان يمكن التسليم بذلك، لولا أن مجموع الروايات عن عقيل ترده وبخاصة رواية ابن حبان المتقدمة بلفظ: "جمع كفيه، ثم نفث فيهما، ثم قرأ ". ونحوها رواية أحمد: ".. فينفث فيهما؛ ثم يقرأ ". فهذه صريحة في الترتيب المذكور لا تقبل التأويل. ثالثاً: وأما دعوى أنه لم يقل به أحد ولا فائدة فيه؛ فهذا في البطل بمنزلة الطعن في الحديث؛ إذ لا يسوغ لمسلم أن يقول في العمل بما صح في الحديث: لا فائدة فيه؛ كما هو ظاهر. وأما القول بأنه لم يعمل به أحد، فهو من الرجم بالغيب، ورحم الله الإمام أحمد إذ قال: "من ادعى الإجماع فقد كذب، وما يدريه؟ ! لعلهم اختلفوا ". رابعاً: ما نقله عن الحافظ موجود في "الفتح " (10/210) في شرح حديث الأويسي المتقدم، وهو تأويل أيضاً مخالف لما تقدمت الإشارة إليه من الرواية الصحيحة مع توجيهها بمخالفة السحرة كما تقدم عن الطيبي رحمه الله. ثم إنني لا أكاد أجد أي فرق بين تقديم النفث على القراءة، وتقديم المسح باليد على المريض قبل القراءة، كما في حديث عائشة أيضاً قالت: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه، ثم قال: أذهب البأس ربَّ الناس.. " الحديث.

أخرجه مسلم (7/15) ، وأحمد (6/127) من طريقين عن الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عنها. ورواه البخاري وغيره بنحوه، وسبق تخريجه برقم (2775) . ونحوه حديث علي في شكواه لما دخل عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: فمسحني بيده، ثم قال: "اللهم اشفه.. " الحديث. أخرجه ابن أبي شيبة (8/46) ، وأحمد (1/ 128) بسند فيه ضعف، وصححه أحمد شاكر (2/234) ! أقول: فكما شرع المسح قبل القراءة، فمثله النفث قبل القراءة، فكما لا يقال: لا فائدة من المسح قبلها، فكذلك لا يقال: لا فائدة من النفث قبل القراءة؛ إذ الكل شرع لا مجال للرأي فيه؛ فتأمل! (فائدة) : أخرج ابن حبان حديث المسح بزيادة في آخره، فوجب النظر فيها، أخرجه (1443) من طريق بشر بن الوليد الكندي: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو ابن مالك النكري عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت: كنت أعوِّذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدعاء كان جبريل عليه السلام يعوذه به إذا مرض: "أذهب البأس.. " الحديث، وزاد: "فلما كان في مرضه الذي توفي فيه جعلت أعوذه بهذا الدعاء فقال- صلى الله عليه وسلم -: "ارفعي يدك، فإنها كانت تنفعني في المدة ". قلت: وهو إسناد ضعيف؛ أبو الجوزاء اسمه أوس بن عبد الله الربعي، قال ابن عبد البر في "التمهيد " (20/205) وغيره:

"لم يسمع من عائشة". وقد رد الحافظ في "التهذيب " هذا االزعم، وفي "صحيح مسلم " رواية أبي الجوزاء عنها رضي الله عنها. وبشر بن الوليد الكندي مختلف فيه، وقد وثقه الدارقطني وغيره، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/148) , ولا أجد جرحاً عليه عند من طعن فيه سوى أنه كان قد خرف، ولذلك؛ لم يزد الذهبي على قوله في "المغني " فيه: "قال صالح جزرة: صدوق، لكنه خرف ". فمثله يستشهد به. وقد توبع؛ قال أحمد (6/260- 261) : ثنا يونس: ثنا حماد - يعني: ابن زيد - به. وهذا إسناد صحيح لولا ما سبق بيانه؛ فإن يونس هذا هو ابن محمد بن مسلم المؤدب: ثقة ثبت من رجال الشيخين. لكن قد صحت هذه الزيادة من طريقين آخرين عن عائشة، أحدهما من طريق أبي بردة عن عائشة قالت: أغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورأسه في حجري، فجعلت أمسحه وأدعو له بالشفاء، فلما أفاق قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا، بل أسأل الله الرفيق الأعلى مع جبريل وميكائيل وإسرافيل ". أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (رقم 1097) وفي "السنن الكبرى" (4/260/7104) ، وابن حبان أيضاً (8/199/6557) من طريق سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي بردة به، وقال النسائي:

3105

"الأعلى: الأسعد". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وعزاه الحافظ (8/137) للنسائي وابن حبان وأقره، لكنه جعله من رواية أبي بردة عن أبي موسى! وأنت ترى أنه عندهما من روايته عن عائشة وليس عن أبي موسى! لكن يبدو أن له أصلاً من حديث أبي موسى؛ فقد ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/37) من حديثه نحوه بلفظ: "لا، ولكن أسأل الله الرفيق الأعلى الأسعد: جبريل.. ". وقال الهيثمي: " وفيه محمد بن سلام الجمحي، وهو ثقة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات " فلا أدري إذا كان الحافظ وهم، فعزا حديث أبي بردة عن أبي موسى للنسائي وابن حبان، وهو للطبراني، وقد عزاه هو إليه في مكان آخر من "الفتح " (8/132) ، أو أنه وقع كذلك في نسخته من "النسائي " و"ابن حبان "؟ ! وهذا ما أستبعده. والله أعلم. أما الطريق الأخرى عن عائشة بتلك الزيادة؛ فهي عند مسلم، وابن أبي شيبة، وأحمد بنحوه، وقد تقدم لفظها برقم (2775) . * 3105- (في التي لمْ يُرتعْ منها. قاله لعائشةَ رضي الله عنها) . أخرجه البخاري (9/120/5077- فتح) ، وابن حبان بأتم منه بذكر غضب عائشة (4316) من طريق سليمان عن هشام بن عروة عن أبيه عن

عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت لو نزلت وادياً وفيه شجرة قد أكل منها، ووجدت شجراً لم يؤكل منها؛ في أيها كنت ترتع بعيرك؟ قال ... فذكره. يعني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يتزوج بكراً غيرها. قال الحافظ: "وسليمان هو ابن بلال، وأخرجه أبو نعيم في "المستخرج ".." وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" (3/130) : "انفرد به البخاري ". قلت: يعني دون مسلم. فقول الأديب أحمد عبيد - رحمه الله ـ في تعليقه على "روضة المحبين " لابن القيم (ص 242) : " قال المحب الطبري في "مناقب أمهات المؤمنين ": خرجه مسلم وأبو حاتم ". قلت: فهو وهم منه أو من المحب، ولعله أراد أن يقول: "البخاري " فقال: "مسلم". فإن الحافظ المزي في "تحفة الأشراف " (12/155) لم يعزه إلا للبخاري. وقد وجدت لسليمان بن بلال متابعاً، ولكنه واهٍ، وهو عمران بن أبي الفضل عن هشام بن عروة بإسناده عنها قالت: "يا رسول الله! أرأيت لو نزلت وادياً قد عري جميع شجره إلا شجرة واحدة؛ أين كنت تنزل؟ قال: على الشجرة التي لم تعر. قالت: فأنا تلك الشجرة". أخرجه ابن عدي في "الكامل " (5/95) في ترجمة عمران هذا من رواية إسماعيل بن عياش عنه. وقال فيه:

"وضعفه بَيْن على حديثه ". وروى عن ابن معين أنه قال: "ليس بشيء". وعن النسائي: " ضعيف ". وقال ابن أبي حاتم (3/1/303) عن أبيه: "ضعيف الحديث، منكر الحديث جدا ً، روى عنه إسماعيل بن عياش حديثين باطلين موضوعين ". قال الذهبي عقبه: "أحدهما: مسابقة عائشة بألفاظ تنكر. وثانيهما: عن هشام عن أبيه عن عائشة.. ". قلت: فذكر حديثه هذا. وأقره الحافظ في "اللسان " ولم يتعقبه بشيء، وفي إطلاق الوضع عليه نظر ظاهر عندي؛ لأنه بمعنى حديث متابعة سليمان بن بلال كما ترى. ووجدت طريقاً أخرى عن عائشة: قال ابن سعد (8/80) : أخبرنا محمد بن عمر: حدثتني فاطمة بنت مسلم عن فاطمة الخزاعية، قالت: سمعت عائشة ... الحديث بأتم منه. لكن محمد بن عمر - وهو الواقدي - متروك، فالعمدة على رواية البخاري عن سليمان بن بلال. *

3106

3106 (¬1) - (من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين فلا يقربنَّ مسجدنا، فإن كنتم لا بد آكليهما فأميتُموهما طبخاً) . أخرجه أبو داود (3827) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (4/158/ 6681) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/338) ، والبيهقي في "السنن " (3/78) ، و"الشعب " (5/105/5962) ، وابن عدي في "الكامل " (3/ 20- 21) ، وأحمد (4/19) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/30/65) من طرق عن خالد بن ميسرة عن معاوية بن قرة عن أبيه؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. أورده ابن عدي في ترجمة (خالد) هذا، وقال: " وله غير هذا، وهو عندي صدوق؛ فإني لم أر له حديثاً منكراً". ولهذا؛ ذكره ابن حبان في "الثقات " (6/265) ، وقال الذهبي في "الكاشف ": " صدوق ". والحافظ في "التقريب ": "صالح الحديث ". قلت: وله عند الطبراني وكذا النسائي حديث آخر في التعزية وفضل من مات له فرط، وصححه الحافظ في "الفتح " (3/121) . وقد تابعه عليه شعبة؛ عند الحاكم وغيره، وهو مخرج في " أحكام الجنائز" (205) . ¬

(¬1) كان سابقاً بهذا الرقم حديث: "إن الله ضمن لمن ... "، ثم نقل إلى "الضعيفة" (6720) .

ولحديث الترجمة شاهد قوي من حديث أنس مرفوعاً به. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (4/392/3668) : حدثنا سليمان ابن داود الطبيب، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، قال: حدثنا سلام بن مسكين عن ثابت عنه. وقال: "لم يروه عن سلام بن مسكين إلا شيبان بن فروخ ". قلت: هو من شيوخ مسلم في "صحيحه "، وفيه كلام لا يضر، ومن فوقه من رجال الشيخين، فالإسناد صحيح؛ لولا أنني لم أجد لشيخ الطبراني (سليمان بن داود الطبيب) ترجمة، وقد روى له حديثاً آخر فقط، مما يشعر أنه ليس بالمشهور من شيوخه؛ فلا أدري بعد هذا ما وجه قول الهيثمي (2/17) : "رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله موثقون "؟! فإن هذا التوثيق اللين إن كان من أجل الشيخ، فمن الذي وثقه؟ وإن كان المقصود به من فوقه دونه؛ فقد عرفت أنهم من رجال الصحيح، وعهدنا به أنه لا يغمز في أحدهم ولو كان فيهم مغمز، مثل ابن إسحاق وشريك وغيرهم؛ فإنه كثيراً ما يقول في بعض الأسانيد: "رجاله رجال الصحيح "، ولو كان فيه واحد من أمثال المذكورين، وهم ممن ضعفوا! وهو في "الصحيحين " من طريق أخرى عن أنس مختصراً بلفظ: "من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا، ولا يصلي معنا ". وأخرجه أبو عوانة أيضاً (2/17- 18) . وحديث الترجمة عنده (1/407- 410) .

3107

وكذا مسلم وغيره من حديث عمر نحوه وفيه: " فمن كان منكم آكلهما لا بد؛ فليمتهما طبخاً ". وهو مخرج في "الإرواء " (8/156/ 2514) . وهو موقوف في حكم المرفوع. * 3107- (إنَّ رسولَ الله يفعلُ ذلكَ (يعني: تقبيلَ الزوجةِ وهو صائمٌ) ، أنا أتقاكم للهِ، وأعلمُكم بحدودِ اللهِ) . أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (4/184/8412) ، ومن طريقه: أحمد (5/434) : أنا ابن جريج: أخبرني زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار: أن الأنصاري أخبر عطاءً: أنه قبَّل امرأته على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم، فأمر امرأته فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن رسول الله يفعل ذلك ". فأخبرته امرأته فقال: إن النبي يرخص له في أشياء، فارجعي إليه فقولي له، فرجعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: قال: إن النبي يرخص له في أشياء؟ ! فقال: "أنا أتقاكم لله، وأعلمكم بحدود الله ". قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين إلا الرجل الأنصاري فهو لم يسم، ومعلوم أن جهالة الصحابي لا تضر؛ لأنهم كلهم عدول عند أهل السنة.

3108

والحديث أخرجه مالك (1/273) عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار: أن رجلاً ... ؛ فأرسله. لم يذكر الرجل الأنصاري، والموصول أرجح؛ لأن زيادة الثقة مقبولة. وللحديث شواهد كثيرة من حديث عائشة وغيرها بنحوه من طرق بألفاظ متقاربة، تقدم أحدها برقم (328) ، وفي طريق آخر عنها بلفظ: "والله! إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعلمكم بما أتقي ". أخرجه مسلم وابن خزيمة وابن حبان في "صحاحهم "، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2067) . وقد كان تقدم مني تخريج هذا الحديث برواية أحمد فقط عقب حديث عائشة المشار إليه آنفاً (329) ، والآن قدر لي إعادة تخريجه بزيادة فائدة والحمد لله. وله شاهد بنحوه من حديث عمر بن أبي سلمة عند مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (4/84) . * 3108- (إنَّه سيُلحِدُ فيه رجلٌ من قريشٍ، لو وُزنتْ ذنوبُه بذنوبِ الثقلينِ لرجحت. يعني: الحرم) . أخرجه أحمد (2/136) : ثنا محمد بن كُنَاسة: ثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه قال: أتى عبد الله بن عمر عبد الله بن الزبير فقال: يا ابن الزبير! إياك والإلحاد في - حرم الله تبارك وتعالى؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول ... فذكره. قال: فانظر لا تكونه.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن كناسة - وهو محمد بن عبد الله بن عبد الأعلى بن كناسة الكوفي - وهو ثقة، لكن قال أبو حاتم: " كان صاحب أخبار، يكتب حديثه ولا يحتج به ". قلت: وقد خالفه هاشم بن القاسم، فقال أحمد في مسند عبد الله بن عمرو (2/219) : ثنا هاشم: ثنا إسحاق - يعني: ابن سعيد -: ثنا سعيد بن عمرو قال: أتى عبد الله بن عمرو ابن الزبير، وهو جالس في الحجر فقال: يا ابن الزبير! إياك والإلحاد.. الحديث نحوه، قال: فانظر أن لا تكون هو يا ابن عمرو! فإنك قد قرأت الكتب، وصحبت الرسول - صلى الله عليه وسلم -، قال: فإني أشهدك أن هذا وجهي إلى الشام مجاهداً. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، فهو أصح من الذي قبله؛ فإن هاشم بن القاسم - وهو أبو النضر الليثي مولاهم البغدادي - قال الحافظ فيه: "ثقة ثبت ". وقال في الذي قبله - ابن كناسة -: " صدوق ". وقال الهيثمي في حديث ابن كناسة هذا (3/258) : "رواه أحمد، ورجاله ثقات ". وقال في حديث هاشم: "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ".

وإذا عرفت هذا؛ فقد اختلفا في راوي هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقائل لابن الزبير: إياك والإلحاد في.. فقال ابن كناسة: عبد الله بن عمر، وقال هاشم: عبد الله بن عمرو. وهذا هو الأرجح؛ لأن هاشماً أحفظ من ابن كناسة كما عرفت من ترجمة الحافظ لهما، ومن تخريج الهيثمي لحديثهما. ويؤيد ذلك أمور ثلاثة: الأول: أن ابن كناسة اضطرب في إسناده، فرواه مرة عن إسحاق بن سعيد كما تقدم. ومرة قال: ثنا إسحاق بن عيسى بن عاصم عن أبيه قال ... فذكره مثل روايته المتقدمة. أخرجه الحاكم (2/388) من طريق الحسين بن الفضل البجلي: ثنا محمد ابن كناسة به. وقال: " صحيح الإسناد ". ورده الذهبي بقوله: "قلت: [قال] أبو حاتم: ابن كناسة لا يحتج به ". والحسين الراوي عنه إمام محدث مفسر لغوي جليل، له ترجمة في "سير الأعلام " (13/ 414) للذهبي، ولذلك أنكر عليه الحافظ في "اللسان " إيراده إياه في " الميزان " وقال: "فكان الأولى أن لا يذكره لجلالته ". فراجع "اللسان " (2/307- 308) . والثاني: أن هاشم بن القاسم قد تابعه بشر بن الوليد الكندي: نا إسحاق ابن سعيد به. أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (9/2) .

والثالث أن له طريقاً أخرى عن ابن عمرو من رواية محمد بن كثير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد لرحمن عنه مرفوعاً بلفظ " لحد رجل بمكة يقال له عبد الله عليه نصف عذاب العالم " أخرجه البزار (2/47- 48- الكشف) وقال "هكذا رواه محمد بن كثير ولم يتابع على هذا الإسناد وقال عبد: عن الأوزاعي عن رجل من آل المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة عن عثمان ". قلت: وبابن كثير هذا؛ أعله الهيثمي فقال (3/284) : " وثقه صالح بن محمد وابن سعد وابن حبان، وضعفه أحمد ". ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر أيضاً في "التاريخ " (9/273) . هذا؛ وقول البزار فيما تقدم: " وقال عبدة: عن الأوزاعي عن رجل من آل المغيرة.. " إلخ، فلم أجد من وصله عن عبدة عن الأوزاعي به. وإنما وصله أحمد عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي بإسناد آخر له كما يأتي، وأظن أن الرجل من آل المغيرة هو جعفر بن أبي المغيرة؛ فقد رواه من طريقه يعقوب بن عبد الله عنه عن ابن أبزى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال له عبد الله بن الزبير حين حُصِر: إن عندي نجائب قد أعددتها لك؛ فهل لك أن تحول إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك؟ قال: لا؛ إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " يلحد بمكة كبش من قريش اسمه عبد الله، عليه مثل نصف أوزار الناس ". أخرجه أحمد (1/64) ، والبزار أيضاً، وابن عساكر (9/273) ، وقال الهيثمي بعد أن عزاه للأوَّليْن: "ورجاله ثقات ".

كذا قال! وجعفر بن أبي المغيرة، ويعقوب بن عبد الله - وهو القمي - قال الحافظ في ترجمة كل منهما: "صدوق يهم ". وفي إسنادهما علة أخرى، وهي الانقطاع بين عثمان رضي الله عنه وابن أبزى - واسمه سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى الكوفي -، قال أبو زرعة: " روايته عن عثمان مرسلة". ولذلك؛ قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/375) عقب الحديث: "رواه أحمد.. وفي إسناده مقال ". وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" (8/339) : "وهذا الحديث منكر جداً، وفي إسناده ضعف، ويعقوب هذا هو القمي وفيه تشيع، ومثل هذا لا يقبل تفرده به، وبتقدير صحته فليس هو بعبد الله بن الزبير؛ فإنه كان على صفات حميدة، وقيامه بالإمارة إنما كان لله عز وجل، ثم كان هو الإمام بعد موت معاوية بن يزيد لا محالة، وهو أرشد من مروان بن الحكم، حيث نازعه بعد أن اجتمعت الكلمة عليه، وقامت له البيعة في الآفاق، وانتظم له الأمر. والله أعلم ". لكن قد جاء الحديث من طريق أخرى عن عثمان رضي الله عنه، فقال الإمام أحمد (1/67) : ثنا علي بن عياش: ثنا الوليد بن مسلم قال: وأخبرني الأوزاعي عن محمد بن عبد الملك بن مروان: أنه حدثه عن المغيرة بن شعبة: أنه دخل على عثمان - رضي الله عنه - وهو محصور فقال ... فذكر قصته، وفيه قول عثمان: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:

" يُلحِد رجل من قريش بمكة، يكون عليه نصف عذاب العالم ". قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكن له عندي علتان: الأولى: الانقطاع بين ابن مروان والمغيرة؛ وبه أعله الهيثمي فقال (7/230) : "رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أن محمد بن عبد الملك بن مروان لم أجد له سماعاً من المغيرة". قلت: بل لم يذكروا له رواية عن صحابي، ولذلك؛ أورده ابن حبان في أتباع التابعين من "ثقاته " (7/435) ، وصرح ابن أبي حاتم بالانقطاع فقال في "الجرح " (4/1/4) : " روى عن المغيرة بن شعبة؛ مرسل، وعمن سمع معاوية ". وأيد هذا الانقطاع الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (1/369) . والأخرى: تدليس الوليد بن مسلم؛ فإنه كان يدلس تدليس التسوية، ومثله لا يكتفى منه بتصريحه بسماعه من شيخه فقط، بل لا بد من التصريح به فيمن فوقه أيضاً، كما هو معلوم من علم المصطلح، ولهذا قال الحافظ في "جزء ماء زمزم لما شرب به " (2/2) : "والوليد يدلس فيسوي، فلا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالتحديث له ولشيخه ". وجملة القول؛ أن الحديث صحيح من طريق هاشم بن القاسم ونحوها مما ليس فيه ذكر لعبد الله بن الزبير رضي الله عنه. *

3109

3109- (كُلُوهُ من ذِي الحجَّةِ إلى ذي الحجَّةِ. يعني: لحمَ الأضاحي) . أخرجه البخاري في " التاريخ " (4/2/370- 371) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/308) ، وابن حبان في "صحيحه " (7/569/5903) ، وأحمد (6/155) ، والخطيب في "الموضح " (1/202) عن يزيد بن أبي يزيد الأنصاري عن امرأته: أنها سألت عائشة عن لحوم الأضاحي؟ فقالت عائشة: قدم علينا علي من سفر، فقدمنا إليه منه، فقال: لا آكله حتى أسأل عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قالت: فسأله علي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد؛ لأن يزيد هذا، أورده البخاري بهذا الحديث، ولم يتكلم عليه بجرح ولا تعديل، وكذلك فعل ابن أبي حاتم (4/2/298) ، وأما ابن حبان فذكره في "الثقات " (7/631) برواية الحارث بن يعقوب الأنصاري عنه وهو ثقة، وروى عنه ثقتان آخران كما يؤخذ من "التاريخ "، و "الموضح "؟ وهما: بكير بن عبد الله بن الأشج، وبكر بن سوادة، ورابع وهو عبد العزيز بن صالح، وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/112) ، وذكرهم الحافظ في ترجمته من "التعجيل " (ص 454) ؛ فهو صدوق إن شاء الله تعالى. وأما امرأته فلم أعرفها، وقد جاءت في رواية ابن حبان مكنية بـ " أم سليم ". وقد أوردها الحافظ في " كنى النساء " من " التعجيل " فلم يزد على قوله فيها: "تقدمت في ترجمة زوجها يزيد"!

3110

لكن في رواية للخطيب من طريق ابن لهيعة عن عبد العزيز بن صالح عن يزيد بن أبي يزيد قال: حججت مع امرأتي أم سليم فدخلت على عائشة ... فذكرت مثل هذا الحديث. فأقول: فإن كانت هذه الرواية محفوظة؛ وثبت أن يزيد هذا شارك امرأته في الدخول على عائشة رضي الله عنها وسماعه لهذا الحديث منها؛ فالإسناد جيد، والحديث صحيح، وإلا؛ فهو حسن لغيره؛ لأن له شواهد كثيرة: منها قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث من رواية بريدة رضي الله عنه: "ونهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم.. ". رواه مسلم وابن حبان (5367) وغيرهما؛ وهو مخرج في " أحكام الجنائز" (ص 227- 228- المعارف) . وروي نحوه عن غيره من الصحابة، فانظر "مجمع الزوائد" (4/25- 27) . وقد صح عن جمع من الصحابة أنهم كانوا يتزودون لحوم الهدايا والضحايا إلى المدينة، وقد تقدم تخريجها برقم (805) . * 3110- (نهى أنْ يجلسَ بين الضَّحِّ والظل، وقال: مجلس الشيطان) . أخرجه أحمد (3/413- 414) : حدثنا بهز وعفان قالا: ثنا همام - قال عفان في حديثه -: ثنا قتادة عن كثير عن أبي عياض عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى ... قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين غير كثير، وهو ابن

أبي كثير البصري مولى عبد الرحمن بن سمرة، وقد وثقه ابن حبان (5/332) والعجلي، وروى عنه جمع من الثقات غير قتادة من التابعين الأجلاء مثل محمد ابن سيرين ومنصور بن المعتمر وأيوب السختياني، ولذلك رد الحافظ من جهله فقال في "التهذيب ": "وزعم عبد الحق تبعاً لابن حزم أنه مجهول! فتعقب ذلك عليه ابن القطان بتوثيق العجلي ". وعليه فما أنصفه الحافظ حين قال في "التقريب ": "مقبول ". ولا الذهبي حين قال في الكاشف ": "وُثق "! ولذلك؛ فالصواب أنه ثقة، وأن حديثه هذا صحيح كما قال في "التلخيص " كما يأتي، ولا يخدج عليه أن صحابيه لم يسم، لأن الصحابة كلهم عدول كما تقدم مراراً. على أنه قد جاء مسمى، فقال عبد الله بن رجاء: ثنا همام عن قتادة عن كثير ابن أبي كثير عن [أبي] عياض عن أبي هريرة قال ... فذكره دون قوله: "مجلس الشيطان ". أخرجه الحاكم (4/271) وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وعبد الله بن رجاء ثقة من رجال مسلم، والسند إليه صحيح.

والحديث قال الهيثمي (8/60) : "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح، غير كثير بن أبي كثير، وهو ثقة". وقد عمل بالحديث راويه قتادة - رحمه الله -، فروى عبد الرزاق في "المصنف " (11/25) عن معمر عنه قال: "يكره أن يجلس الإنسان بعضه في الظل، وبعضه في الشمس ". وروى قبله عن معمر أيضاً عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة قال: " إذا كان أحدكم في الفيء، فقلص عنه؛ فليقم؛ فإنه مجلس الشيطان ". وتابعه عبد الوارث: ثنا محمد بن المنكدر به؛ لكن رفعه. رواه أحمد (2/383) . وهذا الموقوف والمرفوع رجاله ثقات. وخالفه سفيان في إسناده فقال: عن محمد بن المنكدر قال: حدثني من سمع أبا هريرة يقول: قال أبو القاسم ( ... فذكره مرفوعاً نحوه بلفظ: " إذا كان أحدكم في الشمس (وفي رواية: في الفيء) ، فقلص عنه الظل، وصار بعضه في الشمس وبعضه في الظل؛ فليقم ". أخرجه أبو داود (4821) ؛ ومن طريقه: البيهقي (3/236) . قلت: ولعل رواية سفيان هذه أصح وصلاً ورفعاً، أما الوصل؛ فلأن ابن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة كما ذكروا في ترجمته. وأما الرفع؛ فلرواية أبي عياض المتقدمة عن أبي هريرة، ولعل أبا عياض هذا هو الواسطة بين ابن المنكدر وأبي هريرة. وخالفهم جميعاً إسماعيل بن مسلم فقال: عن محمد بن المنكدر عن جابر:

3111

أن النبي (نهى أن يقعد أو يجلس الرجل بين الظل والشمس. أخرجه البزار (2/423/2014) وقال: " إسماعيل لين الحديث، ولم يتابع عليه ". قلت: وهو المكي. قال الحافظ: "ضعيف الحديث ". قلت: فلا يحتج به، ولا سيما مع المخالفة، فالعمدة على حديث الترجمة وحديث أبي هريرة. وللحديث شاهدان: - أحدهما من حديث بريدة - تقدما تحت قوله (: " تحول إلى الظل " رقم (833) ، وإنما خرجت هذا هنا لهذه الزيادة: " وقال: مجلس الشيطان "؛ فإنها تدل على أن النهي تعبدي، وليس كما قال البيهقي بعد أن ذكر حديث بريدة: "يحتمل أن يكون أراد كيلا يتأذى بحرارة الشمس "! فإن هذا التعليل لا علاقة له ظاهرة بمجلس الشيطان. والله أعلم. (تنبيه) : ذكرت تحت الحديث المتقدم (837) أن ابن المنكدر قد سمع من أبي هريرة، وكان ذلك وهماً مني، أرجو الله أن يغفره لي، وكان هذا التنبيه من دواعي تخريجه هنا. * 3111- (ليسَ في الأرضِ منَ الجنةِ إلا ثلاثةُ أشياء: غرْسُ العجوة، وأواقٍ تنزلُ في الفراتِ كلَّ يومٍ من بركةِ الجنةِ والحَجَرُ) . أخرجه الخطيب في "التاريخ " (1/55) قال: أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم

ابن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي- بالبصرة- قال: نا عبد الرحمن بن أحمد الخُتَّلي قال: حدثني عبد الله بن محمد بن علي البَلْخي قال: نا محمد بن أبان قال: نا أبو معاوية عن الحسن بن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، وإليك البيان: 1- سالم بن أبي الجعد، واسم أبيه رافع الأشجعي مولاهم الكوفي، وهو ثقة بلا خلاف من رجال الشيخين. 2- ابنه الحسن بن سالم، قال ابن معين: "صالح "، كما في "الجرح والتعديل " (1/2/15) ، وروى عنه ثلاثة من الثقات أحدهم أبو معاوية، وثانٍ يأتي ذكره قريباً، وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/164) . 3- أبو معاوية- واسمه محمد بن خازم الضرير الكوفي-، ثقة من رجال الشيخين. قال الحافظ في "التقريب ": "ثقة، أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يَهِمُ في حديث غيره ". قلت: وهذا لا يضره؛ لأنه قليل، ومن هو الذي لا يَهِمُ؟! ومع ذلك فقد توبع كما سيأتي قريباً إن شاء الله تعالى. 4- محمد بن أبان، وهو ابن وزير البَلْخي مستملي وكيع؛ من شيوخ البخاري في "صحيحه "، قال الحافظ: "ثقة حافظ ".

5- عبد الله بن محمد بن علي البلخي، ترجمه الخطيب في "التاريخ " برواية جمع من الحفاظ عنه، وقال (10/94) : "وكان أحد أئمة أهل الحديث حفظاً، وإثباتاً، وثقة، وإكثاراً". 6- عبد الرحمن بن أحمد الخُتَّلي- بضم الخاء، وفتح التاء المشددة-، ترجمه الخطيب أيضاً (10/ 290) برواية الدارقطني وغيره عنه، ثم قال: "وكان فهماً عارفاً ثقة حافظاً". 7- القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر، قال الخطيب (12/451) : "كان ثقة أميناً، ولي القضاء بالبصرة، وسمعت منه بها "سنن أبي داود" وغيرها ". وقد توبع أبو معاوية الضرير، فقال إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/41/1) : أخبرنا محمد بن عبيد: نا الحسن بن سالم بن أبي الجعد عن أبيه عن أبي هريرة قال: "لم يبق من الجنة في الأرض شيء إلا هذا الحجر، وغرس العجوة، وأواق من الجنة يصب في ماء الفرات كل يوم ثلاث مرات ". فقال رجل: أسمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أنا ما طهوي؟ فأعاد عليه؟ فقال: أنا ما طهوي؟ قلت: ومحمد بن عبيد هو الطنافسي، قال الحافظ: "ثقة يحفظ ". وقوله: "أنا ما طهوي؟ "؛ أي: ما عملي إن لم أسمعه، يعني: أنه لم يكن

لي عمل غير السماع، أو أنه إنكار لأن يكون الأمر على خلاف ما قال، وقيل: هو بمعنى التعجب، كأنه قال: وإلا فأي شيء في حفظي وإحكامي ما سمعت. كذا في "النهاية " لابن الأثير، ووقع فيه: "إلا ما طهوي ". وقال المعلق: " في الهروي: (إذاً) ". والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" بلفظ الترجمة معزوّاً لابن مردويه أيضاً، والديلمي، يعني: في "مسند الفردوس "، وهو في " الفردوس " (3/396/5207) ، وذكر المعلق عليه إسناد الخطيب فيه، وسكت عنه! فلم يصنع شيئاً. وله شواهد متفرقة؛ فانظر "صحيح الجامع " (3169 و3170 و4005 و4006) ، و"ضعيف الجامع " (2766- 2769 و 6463) . (تنبيه) : قد كنت خرجت الحديث في الكتاب الآخر برقم (1600) لأسباب ذكرتها هناك، ولأنه لم يكن لدي "مسند إسحاق " الذي أخرجه من غير طريق الخطيب، فلما وقفت عليها بادرت لتخريجها هنا مع إعادة النظر في طريق الخطيب مع التوسع في الكلام على رواته، فأرجو أن أكون قد وفقت للصواب في تخريجه هنا، فلينقل من هناك. ثم إنه يبدو أن بين هذا الحديث، وبين الحديث الآتي برقم (3355) بلفظ: " ... وما على الأرض من شيء من الجنة غيره ": تعارضاً! فكيف التوفيق؟ فأقول: قد ذكرت هناك أنه لعل المراد بقوله: "غيره " أي: من الحجارة؛ فقوله: "شيء" مخصوص بها. والله أعلم. *

3112

3112- (اجعلُوا من صلاتِكم في بُيوتِكم، ولا تجعلُوها عليكم قُبوراً، كما اتَّخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبوراً، وإنَّ البيت ليُتلى فيه القرآن؛ فيتراءى لأهلِ السماء كما تتراءى النجومُ لأهل الأرضِ) . أخرجه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/26- 27) من طريق السراج: حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. وأخرجه أحمد (6/65) : ثنا حسن: ثنا ابن لهيعة به، دون قوله: "كما اتخذت.. " إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد؛ لأن قتيبة صحيح الحديث عن ابن لهيعة، كما تقدم تحقيقه تحت الحديث (957- الطبعة الجديدة من المجلد الثاني) ؛ ولهذا قال الذهبي عقب الحديث: "هذا حديث نظيف الإسناد، حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت، وله شاهد من طريق آخر، وقد نهى عليه السلام أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم؛ لصارت المقبرة والبيوت شيئاً واحداً، والصلاة في المقبرة منهي عنها نهي كراهة أو نهي تحريم، وقد قال عليه السلام: "أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة" (¬1) . فناسب ذلك ألا تُتخذ المساكن قبوراً. وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به، كما خُص ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خُص بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حياً وميتاً في الدنيا والآخرة، وكما خُص بتأخير دفنه يومين، بخلاف ¬

(¬1) متفق عليه من حديث زيد بن ثابت، وهو مخرج في "صحيح أبي داود " (1301) . *

3113

تأخير أمته؛ لأنه هو أُمِن عليه التغير بخلافنا، ثم إنهم أخروه حتى صلوا كلهم عليه داخل بيته، فطال لذلك الأمر، ولأنهم ترددوا شطر اليوم في موته حتى قدم أبو بكر الصديق من السَنْح، فهذا كان سبب التأخير". (تنبيه) : حديث عائشة هذا من رواية أحمد؛ هو من شرط الهيثمي في "مجمع الزوائد"، ولم يورده فيه، وفي معناه أحاديث عن زيد بن خالد، وصهيب ابن النعمان، والحسن بن علي، وقد أخرجها ثلاثتها فيه (4/247) ، وقد أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية أحمد وابن نصر في "كتاب الصلاة"، وعزاه المناوي في "الجامع الأزهر" لأحمد؛ وزاد: "بإسناد حسن ". 3113- (الله الله في قبطِ مِصرَ؛ فإنَّكم ستظهرونَ عليهم، ويكونُون لكم عُدَّةً وأعواناً في سبيل الله) . أخرجه الطبراني في "الكبير" (23/265/561) قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي: ثنا بُندار. ح حدثنا محمد بن صالح النَّرْسي: حدثنا محمد ابن المثنى قالا: حدثنا وهب بن جرير: حدثنا أبي عن يحيى بن أيوب عن يزيد ابن أبي حبيب عن أبي سلمة عن أم سلمة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوصى عند وفاته فقال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح لا أعرف له علة؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخي الطبراني، لكن الأول منهما زكريا الساجي؛ فهو ثقة حافظ مترجم في "تذكرة الحفاظ "، وقال في "الميزان ": "أحد الأثبات، ما عرفت فيه جرحاً أصلاً ". وشيخه "بُندار" اسمه محمد بن بشار أبو بكر، وقد تابعه محمد بن المثنى،

3114

وهو المعروف بـ "الزَّمِن "، وكلاهما من رجالهما، قال الحافظ في "التقريب ": "وكان هو و"بندار" فَرَسَيْ رهان، وماتا في سنة واحدة". لكن الراوي عنه محمد بن صالح النرسي لم أجد له ترجمة، وقد روى له الطبراني في "المعجم الصغير" حديثاً واحداً (129/147- الروض النضير) . وبالجملة: فالحديث من طريق الساجي صحيح، وطريق النرسي شاهد قوي له. والحديث قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/63) : "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". * 3114- (إن سَرَّك أنْ تفي بنذْركِ؛ فأعتقي مُحَرَّراً من هؤلاء. يعني: من بني العَنْبرِ) . أخرجه مسلم (7/181) - ولم يسق لفظه-، والحاكم (4/84) ، والبيهقي (9/75) من طريق مسلمة بن علقمة المازني عن داود بن أبي هند عن عامر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ثلاث سمعتهن لبني تميم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لا أبغض بني تميم بعدهن أبداً: كان على عائشة رضي الله عنها نذرُ محرَّر من ولد إسماعيل، فسُبِيَ سَبْيٌّ من بني العنبر، فلما جيء بذلك السبي، قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث وقال: فجعلهم من ولد إسماعيل. وجيء بنَعَم من نعم الصدقة، فلما رآه راعه حسنه قال: فقال: "هذا نَعَمُ قومي "، فجعلهم قومه، قال: وقال:

"هم أشد قتالاً في الملاحم ". وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط مسلم ". وبيض له الذهبي، ولعل الحاكم إنما استدركه على مسلم؛ لأنه لم يسقه بتمامه وإنما ساق منه جملة الملاحم، وأحال سائره على حديث قبله من رواية أبي زرعة قال: قال أبو هريرة ... فذكر الحديث بتمامه نحوه. وقال في الجملة: "هم أشد أمتي على الدجال ". وهكذا أخرجه البخاري (2543 و 4366) ، وأبو يعلى في "مسنده " (10/493/6108) ، ومن طريقه: البيهقي (7/11) . وأخرجه أحمد (2/390) مختصراً بلفظ: "هذه صدقة قومي، وهم أشد الناس على الدجال. يعني: بني تميم ". قال أبو هريرة: ما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم، فأحببتهم منذ سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هذا. وحديث الترجمة له شاهدان: أحدهما: من حديث ابن عمر، بسند حسن، وصححه الحافظ ابن حجر في "مختصر الزوائد " (2/382) . والآخر: من حديث ابن مسعود، بسند ضعيف. رواهما البزار، وهما مخرجان في الكتاب الآخر (5731) . *

3115

3115- (كان في الكعبة صورٌ، فأمَرَ عمر بن الخطاب أنْ يمحوَها، فَبَلَّ عمرُ ثوباً ومحاها به، فدخلها - صلى الله عليه وسلم - وما فيها من شيءٍ) . أخرجه أحمد (3/396) : ثنا سليمان بن داود: حدثنا عبد الرحمن عن موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، وأبو الزبير قد صرح بالتحديث وتوبع كما يأتي؛ فقال أحمد (3/383) : ثنا روح: ثنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول ... فذكره بنحوه. وهذا إسناد متصل صحيح. ثم أخرجه أحمد (3/335) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/73) من طريقين آخرين عن ابن جريح به. وتابعه ابن لهيعة: ثنا أبو الزبير به. أخرجه أحمد (3/336) . وتابعه وهب عن جابر به. أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (2/142) بسند جيد عن وهب، وهو ابن مُنَبَّه اليماني، وهو تابعي ثقة من رجال الشيخين. وللحديث شاهدان مختصران: أحدهما: عن صفية بنت شيبة قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بَلَّ ثوباً وهو في الكعبة، ثم جعل يضرب التصاوير التي فيها.

3116

أخرجه الطبراني "المعجم الكبير" (24/323/811) : حدثنا جعفر بن الفضل المُخَرَّمي المؤدب: ثنا داود بن عبد الله بن أبي الكرام الجعفري: ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن منصور بن صفية بنت شيبة عن أمه.. وهذا إسناد حسن رجاله صدوقون مترجمون في "التهذيب " غير جعفر هذا، أورده الخطيب في "تاريخ بغداد" (7/194) برواية الطبراني فقط عنه، وساق له حديثاً آخر، رواه في " المعجم الصغير" (552- "الروض النضير") و" المعجم الأوسط " (1/193/1/3531) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وقال الهيثمي في "المجمع " (5/173) : "رواه الطبراني، ورجاله ثقات "! والشاهد الآخر: أسامة بن زيد نحو حديث صفية، وقد سبق تخريجه في المجلد الثاني برقم (996) . * 3116- (كان يستَحبُّ للرجل أن يقاتل تحت راية قومه) . أخرجه أحمد (4/263) قال: ثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي غَنِيَّة قال: حدثنا عقبة بن المغيرة عن جد أبيه المخارق قال: لقيت عماراً يوم الجمل، وهو يبول في قرن؛ فقلت: أقاتل معك فأكون معك؟ فقال: قاتل تحت راية قومك؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث. وأخرجه أبو يعلى في "مسنده " (3/206/1641) : حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان: حدثنا ابن أبي غنية به؛ إلا أنه أدخل واسطة بين عقبة والجد، فقال: "عمن حدثه عن جد أبيه.. ".

قلت: وهذه الزيادة أقرب إلى الصواب، ولعل ابن أبي غنية كان يضطرب في إسناده؛ فيذكرها أحياناً، وتسقط عنه أحياناً؛ فإنه- وإن كان ثقة، واحتج به مسلم، وخرج له البخاري مقروناً بآخر؛ كما في "الميزان " ـ؛ فقد قال ابن عدي في "الكامل " (7/210) : "بعض ما يرويه لا يتابع عليه، وهو ممن يكتب حديثه ". أضف إلى ذلك أن السَّقط لا يمكن أن ينسب إلى الإمام أحمد؛ لأنه إمام في الحفظ والضبط، ولأن الذي روى الزيادة عنه- وهو ابن أبان- ثقة أيضاً. وإنما قلنا: إن الزيادة أقرب إلى الصواب؛ لأنه قد توبع عليها في الجملة؛ فقد رواه البخاري في " التاريخ " (4/1/430/1890) ، والبزار (2/278/1700) من طريقين عن عقبة بن المغيرة قال: حدثني إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني عن أبيه عن المخارق بن سليم قال: "رأيت عماراً يوم الجمل.. ". الحديث. وقال البزار: "لا نعلمه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو حسن إن شاء الله تعالى، ولا بد من الكلام على رجاله ولو بإيجاز بعد أن اتفق الثقتان عليه، فأقول: أما عقبة بن المغيرة؛ فهو صدوق، وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع، كما كنت حققته في "الضعيفة" تحت الحديث (6035) . ونحوه شيخه إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني، كما تراه هناك. وأما أبوه- واسمه سليمان بن أبي سليمان الشيباني-؛ فثقة من رجال الشيخين.

3117

وأما المخارق بن سُليم- وهو الشيباني- فهو تابعي كما في هذه الرواية، وصرح بذلك ابن حبان فذكره في "ثقات التابعين " (5/444) برواية ابنه عبد الله عنه. وزاد في "التهذيب " ابناً ثانياً عنه: قابوس. وظاهر صنيعه أنه لم يفرق بين المخارق ابن سليم الشيباني هذا الذي روى عنه أبو إسحاق الشيباني وبين مخارق أبي قابوس، وعنه ابنه قابوس. وقد ذكرهما البخاري في موضعين وابن أبي حاتم، خلافاً لابن حبان؛ فإنه ذكر في ترجمة أبي قابوس أنه روى عن علي وعمار، وهذا ذكره ابن أبي حاتم في الشيباني. وقال الحافظ في "التقريب ": "مخارق بن سُليم الشيباني أبو قابوس، مختلف في صحبته، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ". وأما الذهبي؛ فجزم في "الكاشف " بأنه صحابي! قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى. والحديث قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/326) : "رواه أحمد- وإسناده منقطع-، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني، وفيه إسحاق ابن أبي إسحاق الشيباني، روى عنه جماعة، ولم يضعفه أحد، وبقية أحد أسانيد الطبراني ثقات ". * 3117- (إنْ لمْ تجدِيني فَأتي أبا بكرٍ) . أخرجه البخاري (3659 و7220 و360) ، ومسلم (7/110) ، والترمذي (3677) وصححه، وابن حبان (8/226/6622) ، والطيالسي في "مسنده " (944) ، وكذا أحمد (4/82 و 83) ، وأبو يعلى (13/399/7402) ، وعنه ابن

3118

حبان أيضاً (9/12/6832) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/547/1151) ، والبيهقي في "السنن " (8/153) من حديث جبير بن مطعم قال: أتت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئتُ ولم أجدكَ؟ كأنها تقول الموت، قال - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. * 3118- (تَهجُمون على رجلٍ مُعتَجرٍ ببردٍ حَبِرَةٍ، يبايعُ الناسَ، من أهل الجنة) أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/290/1292) ، والحاكم (3/98) ، وابن عدي في "الكامل " (3/393) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (9/155- 156) من طريق حماد بن سلمة عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حوالة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ... فذكره. وزاد: فهجمنا على عثمان بن عفان وهو معتجر ببرد حبرة يبايع الناس. قال: يعني: الشراء والبيع. والسياق لابن عدي وقال: "وسعيد الجريري هذا مستقيم الحديث، وحديثه حجة؛ ممن سمع منه قبل الاختلاط ". قلت: وحماد بن سلمة ممن سمع منه قبل الاختلاط كما في "التهذيب "، فهو صحيح الإسناد، وكذا قال الحاكم، ووافقه الذهبي. وله شاهد بنحوه، وهو الآتي بعده. ولعبد الله بن شقيق إسناد آخر، يرويه كَهْمس بن الحسن عنه قال: ثنا هَرَمِيُّ ابن الحارث وأسامة بن خُرَيْم- وكانا يغازيان، فحدثاني حديثاً، ولا يشعر كل

واحد منهما أن صاحبه حدثنيه- عن مُرَّة البَهْزِي، قال: بينما نحن مع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - في طريق من طرق المدينة، فقال: "كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر؟ ". قالوا: نصنع ماذا يا نبي الله؟! قال: "عليكم بهذا وأصحابه- أو: اتبعوا هذا وأصحابه- ". قال: فأسرعت حتى عطفت على الرجل، فقلت: هذا يا نبي الله؟! قال: "هذا". فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (9/31/6875- الإحسان) - وهو مما فات "الموارد"-، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/591/1296) من طريق أبي بكر ابن أبي شيبة- وهو في "المصنف " (12/40- 41) -، وأحمد (5/33 و35) ، والطبراني أيضاً (20/316/752) من طريق أبي بكر وغيره (751) كلهم عن أبي أسامة عن كهمس. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير هرمي بن الحارث وأسامة بن خريم، فهما تابعيان مستوران لا يعرفان إلا برواية عبد الله بن شقيق هذه، ومع ذلك ذكرهما ابن حبان في "ثقاته " (4/44- 45 و5/514) على قاعدته! ولكن أحدهما يقوي الآخر. وقد أسقطهما من الإسناد أبو هلال فقال: عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن مرَّة البهزي مرفوعاً مختصراً، وفيه: فمر رجل مقنع، فقال: "هذا وأصحابه يومئذٍ على الهدى". فإذا عثمان بن عفان.

أخرجه الطبراني (20/315 /750) واللفظ له، وأحمد (5/33) . وأبو هلال اسمه محمد بن سليم الراسبي، وهو صدوق فيه لين؛ كما قال في "التقريب "، فلعل السقط منه. وخالف أبا أسامة في إسناده- واسمه حماد بن أسامة-: يزيد- وهو ابن هارون الواسطي-؛ فقال: أنا كهمس بن الحسن: ثنا عبد الله بن شقيق: حدثني رجل من عنزة يقال له: زائدة أو مزيدة بن حوالة قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر من أسفاره فنزل النبي في ظل دوحة ... فذكر حديثاً آخر لابن حوالة، وفي آخره بعض حديث أبي أسامة لم يحفظه راويه. أخرجه أحمد (5/33) . وأقول: يبدو لي من سياق الحديث والسند أن الراوي لم يتقن ضبطه وحفظه، ولكن لم يتعين عندي من هو؟ لأنهم جميعاً ثقات. وقد أورد الحافظ زائدة هذا في "الإصابة " من أجل رواية أحمد هذه؛ وما أرى ذلك بجيد، وخاصة أنه لم يرتضِ صنيع الإمام أحمد الذي ساق الحديث في "مسند عبد الله بن حوالة" بالتمام الذي ساقه من طريق يزيد بن هارون وزاد عليه؛ ولم يَفُتْه شيء منه، أخرجه أحمد (4/109) : ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا الجريري عن عبد الله بن شقيق عن ابن حوالة قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو جالس في ظل دوحة.. الحديث، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم - له: "كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض.. " إلخ مثل ما في رواية أبي أسامة، وهو مما لم يحفظ في رواية يزيد بن هارون كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

فصنيع أحمد هذا لم يرضه الحافظ؛ بحجة أنه ليس في الخبر تسميته عبد الله؛ إلا أنه استدرك على نفسه فقال: "لكن أخرجه الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن الجريري فسماه عبد الله ". وأقول: ساق لفظ الطبراني الهيثميُّ في "المجمع " (9/88- 89) ، فقال: "عن عبد الله بن حوالة قال: أتيت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. " الحديث مثل رواية أحمد من طريق إسماعيل، ثم قال: "رواه أحمد والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح ". قلت: وكذلك سماه ابن أبي عاصم (1294) من طريق حماد بن سلمة عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عبد الله بن حوالة قال: "أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بجنب دوحة ... " الحديث بتمامه مثل رواية أحمد عن إسماعيل- وهو ابن علية-. فثبت بذلك صواب ما صنع الإمام، وأن راوي الحديث بهذا التمام هو عبد الله بن حوالة الصحابي المشهور، فمن الغريب قول الحافظ: "وهو أشهر من زائدة راوي هذا الخبر، فلعل بعض رواته سماه عبد الله ظنَّاً منه أنه ابن حوالة المشهور، فسماه عبد الله، والصواب زائدة أو مزيدة، على الشك ". فأقول: بل الصواب أنه عبد الله بن حوالة، وذلك لسببين: الأول: اتفاق إسماعيل ابن عُليَّة، وحماد بن سلمة عليه: عن الجريري. والآخر: أن الذي سماه زائدة تردد في تسميته بين زائدة ومزيدة كما سبق.

3119

والتردد دليل عدم الضبط والحفظ، ومن المعلوم أن من حفظ حجة على من لم يحفظ. والله أعلم. هذا؛ ولحديث الترجمة شاهد من حديث ابن عمر قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة؛ فمر رجل فقال: "يُقتل فيها هذا المقنَّع يومئذ مظلوماً ". قال: فنظرت، فإذا هو عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه. أخرجه الترمذي (9/296/3708) ، وأحمد (2/115) من طريق سنان بن هارون عن كليب بن وائل عن ابن عمر قال ... فذكره، وقال الترمذي: "حديث حسن غريب ". وأقول: هو كما قال؛ بل أعلى بما قبله، وسنان بن هارون صدوق فيه لين؛ كما في "التقريب ". وقد أقر الحافظ ابن كثير في "البداية " (7/208) الترمذيَّ على تحسينه إياه. * 3119- (لَتَخْرُجَنَّ فتنةٌ من تحتِ قدمَيْ ـ أو بين رجلَيْ - هذا، (يعني: عثمان رضي الله عنه) ، هذا يومئذٍ ومن اتبعهُ على الهُدى) . أخرجه أحمد (4/236) ، وابن أبي عاصم (2/591/1295) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/316/753) ، و"مسند الشاميين " (2/394) من طرق عن معاوية عن سُليم بن عامر عن جُبَيْر بن نُفَيْرٍ قال: كنا معسكِرِين مع معاوية بعد قتل عثمان رضي الله عنه، فقام كعب بن مرة

البهزي فقال: لولا شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قمت هذا المقام، فلما سمع [معاوية] بذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجلس الناس، فقال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ مر عثمان بن عفان عليه مُرَجَّلاً [مُغدِفاُ] ، قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره، قال: فقام ابن حوالة الأزدي من عند المنبر، فقال: إنك لصاحب هذا؟ قال: نعم، قال: والله! إني لحاضر ذلك المجلس، ولو علمت أن لي في الجيش مُصَدِّقاً؛ كنت أول متكلم به. والزيادتان للطبراني، واليه وحده عزاه الهيثمي في "المجمع " (9/89) وقال: " ورجاله وُثِّقوا "! قلت: واسناد أحمد صحيح على شرط مسلم، ومعاوية: هو ابن صالح الحمصي، قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق له أوهام ". وله طريق ثان، يرويه وُهيب بن خالد: ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث قال: قامت خطباء بـ (إيلياء) في إمارة معاوية رضي الله عنه؛ فتكلموا، وكان آخر من تكلم مُرَّةُ بن كعب، فقال: لولا حديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قمت ... فذكره مختصراً، وفيه: "فمر رجل مُقنْع، فقال: "هذا يومئذ وأصحابه على الحق والهدى"، فقلت: هذا يا رسول الله- وأقبلت بوجهه إليه-؟ فقال: "هذا". فإذا هو عثمان رضي الله عنه ".

أخرجه أحمد أيضاً، والحاكم (3/102) وقال: "صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وتابعه عبد الوهاب الثقفي: حدثنا أيوب به. أخرجه الترمذي (3705) وقال: "حديث حسن صحيح ". وخالفهما إسماعيل بن إبراهيم: ثنا أيوب عن أبي قلابة قال: لما قُتل عثمان رضي الله عنه قام خطباء بـ (إيلياء) .. إلخ، لم يذكر في إسناده أبا الأشعث. أخرجه أحمد (4/235) ، وابن أبي شيبة (12/41/12075) . ورجاله ثقات أيضاً، وإسماعيل هذا هو ابن عُلَيَّة، لكن الموصول أصح، لاتفاق ثقتين عليه. وله شاهد يرويه محمد بن سيرين عن كعب بن عُجرة قال: ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتنة فقرَّبها، فمر رجل مقَنْغٌ رأسَه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذا يومئذ على الهدى" فوثبت، فأخذت بضَبْعَيْ عثمان، ثم استقبلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلت: هذا؟ قال: هذا". أخرجه ابن ماجه (1/41/111) ، وابن أبي شيبة (12/41/12074) ، وعنه ابن أبي عاصم (1297) ، وأحمد (4/242 و 243) من طريقين عنه. ورجاله ثقات، فالسند صحيح إن كان محمد بن سيرين سمع من كعب بن عُجرة؛ فقد ذكروا أن أبا حاتم قال: لم يسمع منه، مع أن سنَّه يمكنه من السماع

3120

منه فإنه ولد سنة (33) ، ومات كعب بعد الخمسين. فالله أعلم. ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى من طريق أبي سلمة سليمان بن سُليم عن ابن جابر قال: اجتمع الناس ببيت المقدس، قد همُّوا أن يبايعوا معاوية بيعة على ما اجتمعت عليه الأمة، وفيهم عبد الله بن حوالة وكعب بن مرة، فقام عبد الله بن حوالة فقال ... فذكر الحديث نحو رواية جبير بن نفير، إلا أنه جعل الخطيب الأول ابن حوالة كما ترى، وكعباً الخطيب الآخر. أخرجه ابن أبي عاصم (1293) . ورجاله ثقات؛ إلا أنه منقطع؛ لأن ابن جابر- وهو يحيى الطائي الحمصي- تابع تابعي؛ لم يدرك أحداً من الصحابة. * 3120- (إذا تغوَّط الرَّجُلانِ، فليَتَوارَ كلَّ واحدٍ منهما عن صاحبِهِ، ولا يتحدَّثان على طوفِهِما، فإن الله يَمقُتُ على ذلك) . قال أبو علي بن السكن: حدثني يحيى بن محمد بن صاعد: حدثنا الحسن ابن أحمد بن أبي شعيب الحراني: حدثنا مسكين بن بكير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. كذا في "الوهم والإيهام " (2/142/2) لابن القطان، وقال: "قال ابن السكن: رواه عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض عن أبي سعيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأرجو أن يكونا صحيحين ".

وقال ابن القطان عقبه: "وليس فيه تصحيح حديث أبي سعيد الذي فَرغْنَا من تعليله، وإنما يعني أن القولين عن يحيى بن أبي كثير صحيحان، وصدق في ذلك؛ صح عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر، وأنه قال: عن عياض أو [هلال بن عياض، عن أبي سعيد الخدري. ولا يمكن أن يصحح ابن السكن حديث أبي سعيد] (¬1) أصلاً، ولو فعل، كان [ذلك خطأ من القول، وإنما يصح من حديث جابر] (1) ، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ثقة، وقد صح سماعه من جابر، وقد بينا ذلك فيما تقدم، ومسكين بن بكير أبو عبد الرحمن الحذاء لا بأس به؛ قاله ابن معين، وهذا اللفظ هو منه مؤنَس بين ذلك بنفسه، وبين أنه إذا قال في رجل: لا بأس به، فهو عنده ثقة، (¬2) وكذا قال فيه أبو حاتم. والحسن بن أحمد بن أبي شعيب أبو مسلم: صدوق لا بأس به. وسائر من في الإسناد لا يسأل عنه، وعن يحيى بن أبي كثير". قلت: وخلاصة تحقيق ابن القطان هذا أن الحديث من هذه الطريق جيد، وهو ما صرح به قبل أن يسوق إسناده، وبعد أن تكلم طويلاً على طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض- وفي رواية: عياض بن أبي زهير- عن أبي سعيد، وأعله بالاضطراب في إسناده ومتنه، وجهالة عياض هذا، ومن أجل ذلك كنت أوردته في "ضعيف أبي داود" برقم (3) ، وبسطتُ القول فيه ¬

(¬1) في "الأصل " المخطوط بياضٌ، ثم استدركناه من مطبوعته (5/260) حيث استدركه محققه- جزاه الله خيراً-. (¬2) انظر "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل " لأبي الحسنات اللكنوي (ص 100) .

في اضطراب إسناده؛ وجهالة راويه عياض، ومن ذلك أنه روي عن عكرمة عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة. والآن وقد أوقفنا ابن القطان- جزاه الله خيراً- على هذا السند الجيد من غير طريق عكرمة بن عمار، فقد وجب نقله من "ضعيف أبي داود"، إلى "صحيح أبي داود" ومن "ضعيف الجامع " إلى "صحيح الجامع "، و"ضعيف الترغيب " إلى "صحيح الترغيب "، و"ضعيف ابن ماجه " إلى "صحيح ابن ماجه "، ولفظه ولفظ أبي داود وغيرهما من طريق عكرمة نحو حديث الترجمة. ثم وجدته في "تاريخ بغداد" (12/122) من طريق عبد الملك بن الصباح: حدثنا الأوزاعي عن يحيى، وعكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن هلال ابن عياض عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ: "إذا تغوط الرجلان.. " الحديث. ثم وجدت له طريقاً أخرى عن أبي سعيد، لكن فيها متهم بالوضع فلا يُفرح بها، أذكرها للعلم: أخرجه الدارقطني في "غرائب مالك " من طريق محمد بن يوسف بن يعقوب الرازي قال: ثنا إدريس بن علي الرازي قال: ثنا يحيى ابن الضُّرَيْس قال: ثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد ... رفعه مثله. وقال الدارقطني: "لا يصح عن عطاء، ولا عن زيد، ولا عن مالك، والمتهم بوضعه محمد بن يوسف، وكان يضع الأحاديث ". ذكره الحافظ في ترجمة ابن يوسف هذا من "اللسان ". وله شاهد من حديث خلاد بن السائب الجُهَني عن أبيه مرفوعاً نحوه،

3121

سيأتي الكلام عليه تحت الحديث (3316) ، وبه يزداد الحديث قوة على قوة. * 3121- (مَنْ مَرَّ بحائطٍ فلْيأكُلْ ولا يحْمِلْ) . أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وأحمد في "مسائل أبي داود عنه " (ص 304) من طريق يحيى بن سُلَيْم عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام قال ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سليم ". قلت: وبه أعله الإمام أحمد، كما أشار إلى ذلك أبو داود بقوله: "ذكرت لأحمد حديث يحيى بن سليم.. فانتهرني؛ استضعافاً للحديث ". قلت: لكني وجدت له شاهداً من حديث ابن عمرو، فقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (6/85/356) : نا وكيع عن هشام بن سعد عن عمرو بن شعيب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره بالحرف الواحد. وهذا معضل، ولكنه قد جاء موصولاً، فقال الإمام أحمد في "المسند" (2/224) : ثنا حماد بن خالد: ثنا هشام بن سعد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يدخل الحائط؟ قال: "يأكل غير متخذ خبنة". وهذا إسناد متصل حسن. وتابعه محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب به نحوه.

أخرجه ابن أبي شيبة (6/82/347) ، وأحمد (2/180) . وتابعه محمد بن عجلان به، ولفظه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن الثمر المعلق؟ فقال: "من أصاب منه من ذي حاجة غير متخذ خُبْنَةً؛ فلا شيء عليه ". أخرجه جمع منهم الترمذي (1289) وقال: "هذا حديث حسن ". وله شاهد موقوف، يرويه مجاهد عن أبي عياض قال: قال عمر: "إذا مررت ببستان فكل ولا تتخذ خبنة". أخرجه ابن أبي شيبة (6/83/350) ، والبيهقي (9/359) من طريقين عن منصور عن مجاهد به. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال البيهقي. وقال: "وهو عندنا محمول على حال الضرورة. والله أعلم ". قلت: وهذا معناه أو لازمه: أنه لا يجوز أن يدخل الحائط أو البستان إلا للضرورة، ومن الأدلة روايات عديدة ساقها البيهقي، منها قوله - صلى الله عليه وسلم -: ".. وإذا أتيت على حائط بستان؛ فنادِ صاحب البستان ثلاث مرات، فإن أجابك، وإلا؛ فكل، غير أن لا تفسد، وفي رواية: ولا يحملن ". وإسناده جيد، وهو مخرج في "الإرواء" (2521) . ثم إن أثر عمر: رواه عبد الرزاق (10/223/18918) بسند آخر منقطع. *

3122

3122- (لا تأكل متَّكِئاً، ولا على غِرْبَالٍ، ولا تتخِذَنَّ مِنَ المسجدِ مُصلىً لا تصلِّي إلا فيهِ، ولا تَخَطَّ رِقابَ الناسِ يومَ الجُمُعَةِ؛ فيجعلَكَ الله لُهمْ جسراً يوم القيامة) . أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (13/391) قال: أنا أبو الحسن بن رزقويه: نا أبو العباس عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن حماد العسكري- إملاءً- في سنة ثمان وثلاثين وثلاث مئة: نا أيوب بن سليمان الصُّغْدي: نا أبو اليمان: نا أرطاة بن المنذر عن عبد الله بن رُزَيْق الألهاني عن عمرو بن الأسود العَنْسي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال: "قال الخطيب: كذا سماه ونسبه أبو اليمان؛ ووهم في ذلك، والصواب أنه رُزَيقٌ أبو عبد الله، كذلك ذكره أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر، وأبو عبد الله البخاري، وأبو حاتم الرازي ". قلت: وكذا ابن حبان في كتابيه: "الثقات " (4/239) ، و"الضعفاء" (1/301) ، وذلك من تناقضه! والأول هو الأقرب؛ لقول ابن أبي حاتم (1/2/505) : "سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: حمصي لا بأس به ". ولذلك قال الذهبي في "المغني ": "صدوق، قال ابن حبان: لا يحتج به ". وفي "الميزان " جمع بين قول ابن حبان هذا وقول أبي زرعة، وفاته أنه في "ثقات ابن حبان ". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق له أوهام ".

قلت: فهو حسن الحديث- إن شاء الله تعالى-. وسائر رجال الإسناد كلهم ثقات من رجال "التهذيب "؛ سوى مَن دون أبي اليمان، فهم مترجمون في "تاريخ بغداد": 1- أما أيوب بن سليمان الصُّغْدي؛ بضم الصاد المهملة وسكون الغين المعجمة؛ كما في "أنساب السمعاني "، و"الإكمال " (5/201) لابن ماكولا، ولم يترجما له بشيء، لكن الخطيب ترجمه (7/11) برواية جمع من الثقات منهم العسكري هذا، ثم قال: "وكان ثقة، مات سنة (274) ". 2- وأما ابن حماد العسكري، فهو من تلامذة أبي داود، ومن شيوخ الإمام الدارقطني وغيره من الثقات، ترجمه الخطيب (1/33- 34) ، وروى عن الدارقطني أنه وثقه. مات سنة (341) . 3- وأما ابن رزقويه- واسمه محمد بن أحمد بن محمد؛ يعرف بابن رزقويه-؛ قال الخطيب (1/351) : "كان ثقة صدوقاً، كثير السماع والكتابة، حسن الاعتقاد، جميل المذهب، مديماً لتلاوة القرآن، شديداً على أهل البدع، وسمعت أبا بكر البّرْقاني يسأل عنه؟ فقال: ثقة. توفي سنة (412) ". قلت: فإسناد الحديث حسن- إن شاء الله تعالى-. والحديث ذكره ابن حبان في كتابه الثاني: "الضعفاء" من طريق أرطاة معلقاً، ثم قال: "أخبرناه ابن جُوصا بدمشق ".

قلت: كذا وقع فيه؛ لم يسق إسناده من ابن جوصا إلى ابن المنذر، فإن بينهما مفاوز، فلا أدري إذا كان السقط من الناسخ أو الطابع، أو هو اختصار من المؤلف؟! فألقي في البال احتمال أن يكون ابن جوصا هو الراوي للحديث عن أبي اليمان؛ لأن ابن جوصا من شيوخ الطبراني، وقد أخرج هذا طرفاً منه عن شيخ آخر له عن أبي اليمان، فقال في "معجمه الأوسط " (1/3/33- بترقيمي) : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة قال: نا أبو اليمان.. بإسناد الصغدي مختصراً بلفظ: "لا تأكل متكئاً، ولا تخط رقاب الناس يوم الجمعة". وقال الطبراني: "لا يُروى عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به أرطاة". ثم استبعدت الاحتمال المذكور حينما علمت من "سير أعلام الذهبي " (15/15) أن ابن جوصا ولد في حدود الثلاثين ومئتين، فلم يدرك أبا اليمان؛ لأنه مات سنة (222) ، فلا بد- إذن- من أن يكون بينهما واسطة كما ذكرت أولاً، فيحتمل أن يكون الصغدي أو غيره؛ والله أعلم. والحديث أورده الهيثمي من رواية الطبراني في موضعين من "مجمع الزوائد"، ففي الموضع الأول ذكره بتمامه بالفقرتين كما تقدم، وقال (2/179) : "وفيه عبد الله بن زريق (كذا، وإنما هو رزيق) ، قال الأزدي: لا يصح حديثه ". وفي الموضع الآخر، أورد منه الفقرة الأولى، وقال (5/24) : "رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله ثقات ".

قلت: ويبدو لي أنه بدا له أن "عبد الله بن رزيق " خطأ، وأن صوابه "رزيق أبو عبد الله " كما تقدم عن الخطيب، وأنه وثقه ابن حبان، فاعتمده كعادته، والله أعلم. وقد سبق تخريج هذا الطرف من الحديث والكلام عليه تحت الحديث (2394) من هذا الكتاب. هذا؛ ولأكثر فقرات الحديث شواهد تؤكد ثبوته: أولاً: الاتكاء، قال محمد بن عبيد الله بن أبي مليكة عن ابن أبي إهاب [عن أبيه] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نأكل متكئين. أخرجه البزار (3/331/2870- كشف الأستار) ؛ وسقط منه ما بين المعكوفتين، واستدركته من "مجمع الزوائد " (5/24) ، وقال: "رواه البزار من رواية محمد بن عبيد الله بن أبي مليكة، ولم أعرف محمداً هذا، وبقية رجاله ثقات ". كذا قال! ومحمد هذا أورده ابن أبي حاتم في كتابه (4/1/3) ، وروى عن ابن معين أنه قال: "ضعيف ". واعتمده الذهبي في "الميزان " فقال: "ضعفه ابن معين، مُقِلٌّ ". ووافقه الحافظ في "اللسان ". وأورده الذهبيُّ- كذلك- في "محمد بن عبد الله " مُكَبِّراً، وقال:

"لا يُعرف، وضعفه يحيى بن معين ". وأقرَّه الحافظ أيضاً. وابن أبي إهاب لم أعرفه. وقد يشهد له حديث أبي جُحَيْفة مرفوعاً بلفظ: " إني لا آكل متكئاً ". وفي رواية: "لا آكل وأنا متكئ ". أخرجه البخاري (5398 و 5399) وغيره. وفي لفظ آخر: "أما أنا؛ فلا آكل متكئاً ". رواه الترمذي- وصححه-، والبيهقي، وهو مخرج في " الإرواء " (7/27/1966) . وإنما قلت: قد يشهد له؛ لأنه ليس صريحاً في النهي، ولذلك قال بعضهم: إن ذلك من الخصائص النبوية، وترجم له البخاري بقوله: "باب الأكل متكئاً ". فقال الحافظ في "شرحه " (9/541) : "أي: ما حكمه؟ وإنما لم يجزم به؛ لأنه لم يأت فيه نهي صريح ". كذا قال! ويَرِدُ عليه حديث الترجمة، ولا يقال: لعله لم يذكره؛ لأنه لم يصح عنده! قلت: هذا خلاف عادته؛ فإنه لو استحضره؛ لذكره وبين ضعفه كما هي عادته الغالبة.

3123

ثانياً: اتخاذ المصلى في المسجد، وهو استيطان المكان، فيشهد له حديث عبد الرحمن بن شبْل مرفوعاً بلفظ: "نهى عن نَقْرَةِ الغراب، وافتراش السَّبُعِ، وأن يوطِّن الرجل المكان في المسجد كما يوطِّن البعير". أخرجه أصحاب "السنن " إلا الترمذي، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، وقد مضى تخريجه برقم (1168) . ثالثاً: التخطي يوم الجمعة، شاهده حديث معاذ بن أنس مرفوعاً: "من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة؛ اتُّخِذ جسراً إلى جهنم ". أخرجه الترمذي وغيره، وقد تكلمت عليه في التعليق على "المشكاة" (1/438/1392) بما يقتضي تضعيفه، فبهذا الشاهد يرتقى إلى درجة الحسن- إن شاء الله تعالى-. ثم رأيت الحافظ ابن حجر قد أورد حديث أبي إهاب في "الإصابة"؛ وقال في أبي إهاب: "ذكره جعفر المستغفري في الصحابة، وقال: إنه روي عنه حديث.... " فذكره. * 3123- (من فطرة الإسلام: الغُسْلُ يومَ الجمعة، والاستنانُ، وأخذ الشارب، وإعفاءُ اللِّحى؛ فإنَّ المجوس تُعْفي شَوَارِبَها، وتُحفي لِحاها، فَخالِفُوهم: خُذُوا شواربَكم، وأعفُوا لحاكُم) . أخرجه ابن حبان (560- الموارد) من طريق ابن أبي أويس: حدثني أخي

3124

- يعني: عبد الحميد- عن سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد؛ ابن أبي مريم، روى عنه جمع من الثقات غير سليمان بن بلال، ذكرهم ابن أبي حاتم (7/306/1660) ، وروى عن يحيى القطان أنه قال: "لم يكن به بأس ". وعن أبيه قال: "شيخ مديني صالح الحديث ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/419) . ومن دونه ثقات من رجال الشيخين؛ على ضعف في حفظ ابن أبي أويس، واسمه إسماعيل بن عبد الله. والحديث أخرجه البخاري في ترجمة ابن أبي مريم من "التاريخ " فقال (1/139/419) : قال لي إسماعيل بن أبي أويس بإسناده بلفظ: " المجوس تعفي شواربها، وتحفي لحاها؛ فخالفوهم، فجزوا شواربكم، وأعفوا لحاكم ". * 3124- (لا تُشَدِّدوا على أنفسكم؛ فإنّما هلك من قبلَكم بتشدِيدِهم على أنفسهم، وستَجِدُونَ بقاياهُم في الصوامع والدِّياراتِ) !. أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/2/97) : وقال لنا عبد الله بن صالح: حدثني أبو شُريح: سمع سهل بن أبي أمامة بن سهل بن حُنَيفٍ عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره.

ومن هذا الوجه: أخرجه ابن قانع في ترجمة سهل من "المعجم "، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/88/5551) و"الأوسط " (1/174/2/3230) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (3/401/3884) . قلت: وهذا إسناد جيد بما بعده، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الله بن صالح، فهو من شيوخ البخاري كما ترى، وذكر غير واحد أنه روى عنه في "صحيحه "، كالمنذري في آخر "الترغيب " (4/286) ، والذهبي في "الكاشف "، وقال في " المغني ": "والصحيح أن البخاري روى عنه في الصحيح ". وقال تبعاً للمنذري: "صالح الحديث، له مناكير". وقال الحافظ في "التقريب ". "صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة". ورمز له بأن البخاري روى له تعليقاً، وذكر في "تهذيبه " تبعاً لأصله، أن البخاري استشهد به في "الصحيح "؛ لكنه في "مقدمة الفتح " (ص 414- 415) تتبع الأحاديث التي رواها البخاري عنه بصيغة: حدثنا، أو: قال لي، أو قال- المجردة- من تسعة مواضع من "الصحيح "، فتبين أن أكثرها متابعة أو استشهاداً، والقليل منها احتجاجاً. والله أعلم. ولكنه قال بعد أن ساق أقوال الأئمة فيه ما بين جارح وموثِّق: "قلت: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً، ثم طرأ

عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك؛ أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق كيحيى ابن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم-؛ فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه؛ فيتوقف فيه "؛ والله أعلم. وأبو شريح: اسمه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني، ثقة محتج به في "الصحيحين "، وقد خالفه إسناداً ومتناً: سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء؛ فقال: عن سهل بن أبي أمامة أنه حدثه عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ... فذكر الحديث نحوه، وزاد: " (ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) ، ثم غَدَوْا من الغد، فقالوا: نركب فننظر ونعتبر ... " الحديث بطوله، وقد أوردته في الكتاب الآخر (3468) من أجل هذه الزيادة وتفرَّد سعيد بها؛ ولم يوثقه غير ابن حبان. والحديث أورده الهيثمي في "المجمع "، وقال (1/62) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، و"الكبير"، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وثقه جماعة وضعفه آخرون ". قلت: وله شاهدان مرسلان: أحدهما: عن أبي قلابة مرفوعاً بلفظ: "إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شدِّدوا على أنفسهم؛ فشدِّد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع ". أخرجه ابن جرير في " التفسير" (7/7) ، والمروزي في "زوائد الزهد" (365/1031) وغيرهما من طريقين عن أيوب عنه.

قلت: فهو مرسل صحيح الإسناد، وفيه قصة، وهو في "غاية المرام " (140/207) . والآخر: عن قتادة مرفوعاً نحوه. أخرجه ابن جرير قال: حدثنا بشر بن معاذ قال: ثنا جامع بن حماد قال: ثنا يزيد بن زريع عن سعيد عنه. وهذا إسناد رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير جامع بن حماد، فلم أعرفه، وانظر ما قاله العلامة شاكر في تعليقه عليه في حاشية "التفسير" (10/516) . واعلم أنني كنت قد أخرجت الحديث في الكتاب الآخر من رواية سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء المطوَّلة، وفيها تلك الزيادة التي أشرت إليها آنفاً من رواية أبي داود وأبي يعلى، وبيّنت الفرق بين متنيهما وتفرَّد ابن أبي العمياء بها، وضعفت إسناده في "تخريج المشكاة" (1/64) بابن أبي العمياء هذا، وذكرت أن الحافظ أشار إلى أنه ليّن. وكذلك فعلت في "غاية المرام " (140/207) ، لكني ذكرت له فيه شاهداً من مرسل أبي قلابة، ثم قلت: "فلعله حسن بهذا الشاهد. والله أعلم ". فتعقبني الشيخ عبد الله الدويش- رحمه الله- في "تنبيه القاري " (27/29) بقوله: "قلت: وهذا هو الصواب ". ولم يزد!

ولست أدري- والله - ما الذي حمله على الجزم بذلك؟! وهو لم يأت بما يؤكده إلا المعارضة! ولكني- والحمد لله- قد وفقني الله عز وجل، فجئت بهذه المتابعة القوية من عبد الرحمن بن شُريح الإسكندراني لابن أبي العمياء على الطرف الأول من الحديث، مع مخالفته إياه في إسناده، وبذلك اطمئنت النفس لتقوية هذا القدر من الحديث، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. ويشبه صنيعَ الدويش هذا: ما فعله الشيخ نسيب الرفاعي في "مختصر تفسير ابن كثير"، والدكتور إسماعيل منصور مؤلف الكتاب العجيب الذي أسماه: "تذكير الأصحاب بتحريم النقاب "!! الذي خالف فيه سبيل المؤمنين، وادعى فيه ادعاءات باطلة نسبها إلى الصحابة وغيرهم، وجهالات عجيبة حديثية وفقهية وغيرها، مما لا مجال لذكر شيء منها هنا إلا ما يتعلق بهذا الحديث؛ فإن ابن كثير - رحمه الله- عزا الحديث لأبي يعلى بسنده عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبي العمياء بسنده المتقدم عن أنس، وفيه تلك الزيادة: (رهبانية ابتدعوها) ، كما تقدم، وسكت ابن كثير عنه اكتفاءً منه بذكره بإسناده؛ لينظر فيه من أراد التثبت من صحته أو ضعفه، ولجهل الدكتور بذلك توهم أن الحديث صحيح! ولذلك؛ استجاز ذكره دون تخريج أو بيان لحال إسناده؛ بل عقب عليه بقوله: "وهو مما نقله الحافظ ابن كثير بسنده (كذا) إلى عبد الرحمن بن أبي العمياء"! كذا قال- هداه الله-! وكل من كان له ولو أدنى مشاركة في هذا العلم يعلم أن هذا التعقيب لا يفيد شيئاً، وفيه عديد من الأوهام: أولاً: أن نقل الحافظ ابن كثير أو غيره للحديث لا يفيد شيئاً من تصحيح أو تضعيف.

3125

ثانياً: قوله: "بسنده " كذب وجهل بالغ؛ فإن هذا إنما يصح فيما لو أن ابن كثير ساق إسناده بالحديث قائلاً: حدثني فلان قال: حدثني فلان إلخ! وهو لم يصنع ذلك، ولا هو من عادته، وإنما عزاه لأبي يعلى قائلاً: "وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: حدثنا ... إلخ "، فكان عليه أن يقول- لو كان عنده علم-: "عزاه الحافظ ابن كثير لأبي يعلى بسنده.. " أو نحوه. ثالثاً: عبد الرحمن بن أبي العمياء ليس له علاقة برواية الحديث، وإنما هو ابنه سعيد كما تقدم. رابعاً: سعيد هذا لين الحديث كما سبق، فما هي الحكمة من ذكر الدكتور إياه دون أن يبين لقرائه أهو صحابي الحديث؟! كما هي العادة المتبعة عند العلماء؛ فإنهم إذا ذكروا الحديث نسبوه إلى صحابيه وليس إلى أحد رواته الذين دونه! وإن ذكروا مثله؛ فإنما يفعلون ذلك لبيان حاله في الرواية، والدكتور لم يفعل ذلك فما هو السر إذن في ذكره إياه دون الصحابي؟!! خامساً: جهله بأن الحديث في "سنن أبي داود"، و"تاريخ البخاري " تقليداً منه لابن كثير، وهذا إنما عزاه لأبي يعلى؛ لأنه عنده مطوَّل دون أبي داود والبخاري. وأما الشيخ الرفاعي؛ فاغتر- كعادته- بسكوت ابن كثير عليه لما سبق ذكره، فظن أنه صحيح، فأورده في "مختصره " (3/315) زاعماً صحته- هدانا الله وإياه-! ثم توفي الشيخ، فنسأل الله أن يرحمه ويغفر له. * 3125- (كانَ يكرهُ أنْ يُؤْخَذَ مِنْ رأْسِ الطعامِ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/297/754) من طريق إبراهيم بن

3126

المنذر الحِزامي: ثنا مَعْنُ بن عيسى: ثنا فائد مولى عبادل (¬1) عن مولاه عبيد الله بن علي بن أبي رافع عن جدته سلمى قالت ... فذكرته. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير فائد هذا، وهو ثقة؛ وثقه ابن معين وغيره، وقال الحافظ في "التقريب ": " صدوق ". والحديث؛ قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/27) : "رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - النهي عن أن يأكل من أعلى الصّحْفة من حديث ابن عباس وعبد الله بن بسر، وهما مخرجان في "الإرواء" (7/38- 39) . 3126- (الإيمانُ يَمانٍ، هكذا إلى لَخْمٍ وجُذامٍ) . أخرجه أحمد (3/224) ، ومن طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (3/150) : ثنا علي بن عياش: ثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رُوَيْمٍ قال: أقبل أنس بن مالك إلى معاوية بن أبي سفيان- وهو بدمشق- فدخل عليه، فقال له معاوية: حدثني بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بينك وبينه أحد، قال: قال أنس: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. وأخرجه الطبراني في "مسند الشاميين " (1/297) من طريق علي بن عياش به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال "الصحيح "؛ غير عروة بن رويم، ¬

(¬1) الأصل: "عباد"! والتصحيح من كتب الرجال. *

وهو ثقة من أهل الأردن، قال ابن عساكر (11/554) : "قدم الجابية، وسمع بها أنس بن مالك يحدث الخليفة". كأنه يشير إلى هذا الحديث. وقد علقه البخاري في "التاريخ " (3/1/87) ، وعنه ابن عساكر (9/189) ، فقال: "وقال محمد بن مهاجر: عن عروة بن رويم عن أبي خالد الحرشي عن أنس ... ". فأدخل بين عروة وأنس أبا خالد الحرشي، ولم أعرفه. وقد وصله الدولابي في ترجمته من "الكنى" (1/163) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع قال: حدثنا محمد بن مهاجر به. قلت: ولم يسمه الدولابي، ولم يورده الذهبي في "المقتنى" مطلقاً، والله أعلم. ثم رواه ابن عساكر- في ترجمة عروة- بسند ضعيف عن عروة عن أنس به مثل رواية أحمد، لكنه جعل مكان معاوية عبد الملك بن مروان، وفيه التصريح بحضور عروة في ذاك المجلس. ثم علقه البخاري وابن عساكر من طريق عبد الله بن راشد: سمع عروة بن رويم عن أنس به. وابن راشد هذا وثقه أبو مسهر، وابن حبان (7/35) . ثم علقاه من طريق سليمان بن عبد الرحمن: حدثني عبد الكريم بن محمد اللخمي: حدثنا عروة بن رويم: سمعت أنساً- رضي الله عنه- ... وهذا وصله أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/156) ، وابن عساكر (10/434) .

وعبد الكريم بن محمد اللخمي؛ ترجمه البخاري في "التاريخ " وابن حبان في كتابه "الثقات " (7/131) ، وابن عساكر أيضاً برواية سليمان بن عبد الرحمن هذا فقط، فهو مجهول. وبالجملة؛ فالحديث صحيح فإن أكثر الطرق لا تُثْبت الواسطة بين عروة بن رويم وأنس، ولا سيما أن السند الأول صحيح، وقد قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/55) : "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح؛ خلا عروة بن رويم، وهو ثقة ". ثم وقفت على خلاف آخر في هذه الطريق، فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (22/342/857) ، و"مسند الشاميين " (1/299/522) : حدثنا أحمد ابن خُلَيْدٍ الحلبي: ثنا أبو توبة الربيع بن نافع: ثنا محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم عن أبي كبشة الأنماري قال: خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة من مغازيه، فنزل منزلاً، فأتيناه فيه، فرفع يديه وقال ... فذكره. قلت: وهذا صحيح أيضاً، رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير أحمد بن خليد، وهو الكندي، روى عنه جمع من الحفاظ، وقال الذهبي في ترجمته من "السير" (13/489) : "ما علمت به بأساً ". وقوله: "عن أبي كبشة الأنماري "؛ إن كان قد حفظه، فلا يضر في إسناده؛ لأنه انتقال من صحابي إلى صحابي، والله أعلم. وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

3127

"الإيمان يمان إلى هنا- وأشار بيده حذو جذام-؛ صلوات الله على جذام ". وهذا مرسل، رجاله ثقات، وعزاه السيوطي في "الجامع الكبير" للشيرازي عن أبي هريرة مرفوعاً، وزاد: "يقاتلون الكفار على رؤوس الشَّعَف، ينصرون الله ورسوله ". ولم أقف إلى الآن على إسناده، وقد أشار السمعاني في مادة (الجذامي) إلى ضعفه. وللحديث شاهد صحيح في أول الحديث التالي. والشطر الأول منه متفق عليه من حديث أبي هريرة، وله عندهما تتمة، وهو مخرج في "الروض النضير" (1045) . ثم رأيته في " تاريخ دمشق " (6/298) من مرسل رَوْح بن زِنْبَاع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الإيمان يمان حتى جبال جذام، وبارك الله في جذام ". * 3127- (خيرُ الرِّجالِ رِجالُ أهْلِ اليمنِ، والإيمانُ يمانٍ إلى لَخْمٍ وجُذَامٍ وعاملةَ، ومأكولُ حِميرَ خيرٌ من آكلِها، وحَضْرَموتُ خيرٌ من بني الحارث، وقبيلةٌ خيرٌ من قبيلةٍ، وقبيلةٌ شرٌّ من قبيلةٍ، واللهِ! ما أبالي أن يَهْلِكَ الحارثانِ كلاهُما، لعنَ الله الملوكَ الأربعةَ: جَمدَاءَ، ومِخْوَسَاءَ، ومِشْرَحَاء، وأبْضَعَةَ، وأُخْتَهُم العمَرَّدَةَ. ثُمَّ قَالَ: أمَرَني ربِّي عز وجل أن ألعنَ قريشاً مرّتين، فلعنتُهم، فأمرني أن

أُصلّيَ عليهم؛ فصلَيتُ عليهم مرتين. ثم قال: "عصيَّةُ عصتِ الله ورسولَه؛ غير قيْسٍ وجعْدَة وَعُصَيَّةَ (¬1) . ثم قال: لأسْلمُ، وغِفَارُ، ومزينةُ، وأخلاطُهم من جُهَيْنَةَ: خَيْرٌ من بني أسدٍ وتميم وغَطَفَانَ وهَوَازِنَ عندَ الله عزّ وجلّ يوم القيامة. ثم قال: شرُّ قبيلتين في العرب: نَجْرَان وَبنُو تَغْلِب، وأكثرُ القبائل في الجنة مَذحجُ ومَأكُولٌ) . أخرجه الإمام أحمد (4/ 387) والسياق له، والحاكم (4/81) من طريق عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن عمرو بن عَبَسَة السُّلَمِيِّ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض يوماً خيلاً، وعنده عُيَيْنَةُ بن حِصْن بن بدر الفَزَاري، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا أفرس بالخيل منك "، فقال عُيَيْنَةُ وأنا أفرس بالرجال منك، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "وكيف ذاك؟ "، قال: خير الرجال رجال يحملون سيوفهم على عواتقهم، جاعلين رماحهم على مناسج خيولهم، لابسو البرود من أهل نجد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذبت، بل خير الرجال رجال أهل اليمن.. " الحديث. وقال الحاكم: "غريب المتن، صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. ¬

(¬1) كذا الأصل، وكذا في"المجمع"برواية أحمد، وفي" المستدرك ": "وعصمة ".

3128

وأخرج النسائي في "السنن الكبرى" (5/92/8351) الجملة الأخيرة منه، دون قوله: " ومأكول ... ". ثم رواه أحمد من طريق يزيد بن يزيد بن جابر، عن رجل، عن عمرو بن عبسة قال " فذكره مختصراً، وفيه: "وما أبالي أن يهلك الحيان كلاهما، فلا قيل ولا مُلْكَ إلا لله عز وجل ... ". وقال الهيثمي عقبه (10/43) : "رواه أحمد متصلاً، مرسلاً والطبراني، وسمى الثاني: بسر بن عبيد الله. ورجال الجميع ثقات ". وله شاهد نحو الرواية الأولى مختصراً: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/98/192) من طريق عبد الرزاق: أخبرني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ بن جبل ... فذكره نحوه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ إلا أن خالد بن معدان لم يسمع من معاذ، كما قال الهيثمي (¬1) . 3128- (دعْهُم [يا عُمرُ!] ؛ فإنَّهم بنو أَرفدةَ) . أخرجه النسائي (1/236) ، وابن حبان في "صحيحه " (7/548/5846- الإحسان) ، وأبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/117) ، وأحمد (2/540) من طرق عن الأوزاعي: حدثني ابن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: ¬

(¬1) وقد سبق تخريج الشيخ لهذا الحديث في المجلد السادس من هذه "السلسلة" (2606) ، ولا يخلو كلاهما من فائدة. *

دخل عمر بن الخطاب والحبشة يلعبون في المسجد؛ فزجرهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره، والسياق للطحاوي، وليس عنده [يا عمر] . قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأصله عندهما من طريق معمر عن الزهري به نحوه، ولفظه: بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحرابهم؛ إذ دخل عمر بن الخطاب، فأهوى إلى الحصباء يَحْصِبُهم بها، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعهم يا عمر! ". أخرجه البخاري (6/92/2901) ، ومسلم (3/23) ، وابن حبان (7/544/5837) ، والبيهقي في "السنن " (10/17) ، وأحمد (2/ 308) ، والبغوي في "شرح السنة" (4/323/1112) كلهم من طريق عبد الرزاق: ثنا معمر به. (تنبيه) : وقع للمعلق على " مشكل الآثار" (1/268- طبع مؤسسة الرسالة) في هذا الحديث أوهام ثلاثة: الأول: أنه قال في إسناد الطحاوي: "صحيح على شرط البخاري "! وهذا غير صحيح؛ لأنه عند الطحاوي هكذا: حدثنا سليمان بن شعيب الكَيْسَاني: حدثنا بشر بن بكر: حدثني الأوزاعي ... إلخ. فالكيساني هذا ليس من شيوخ البخاري، ولا من شيوخ غيره من بقية الستة، وإنما هو من طبقتهم، نعم، هو ثقة؛ وثقه العقيلي، كما في "اللسان " (3/96) ، والسمعاني في "أنسابه "؛ فالحق أن يقال: إسناده صحيح، فقط. الثاني: أنه عزاه للشيخين والبغوي، وليس عندهم: "فإنهم بنو أرفدة"، كما سبق.

3129

الثالث: أنه قرن معهم النسائي، وعنده الزيادة المذكورة كما عرفت! وهي عند أبي عوانة في "صحيحه " أيضاً، كما أفاده الحافظ في "الفتح " (2/444) . * 3129- (آخرُ مَن يدخلُ الجنةَ رجلٌ؛ فهو يمشي مرة، ويكبو مرةً، وتسفعُهُ النارُ مرةً، فإذا ما جاوزَها التفتَ إليها فقال: تباركَ الذي نجاني منكِ، لقدْ أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فتُرفعُ لهُ شجرةٌ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه الشجرة، فلأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، فيقولُ الله عزّ وجلّ: يا ابن أدم! لعلِّي إن أعطيتُكَها سألتني غيرها؟ فيقولُ: لا يا ربِّ! ويعاهدُه أن لا يسألَه غيرها، وربُّه يعذِرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صبْرَ لَهُ عليه، فيدنيهِ منها، فيستَظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها. ثم ترفعُ له شجرةً هي أحسن من الأولى، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأشربَ من مائها، وأستظلَّ بظلِّها، لا أسأَلُكَ غيرها، فيقولُ: يا ابن آدم! ألم تعاهدْني أن لا تسألنِي غيرها؟ فيقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تسألُني غيرها؟ فيعاهدهُ أن لا يسألَه غيرَها، وربُّه يعذرُه؛ لأنَّه يرى ما لا صَبْرَ له عليه، فيدنيهِ منها، فيستظلُّ بظلِّها، ويشربُ من مائها. ثم ترفعُ له شجرةٌ عند باب الجنة هي أحسن من الأولَيَيْنِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدنني من هذه لأستظلَّ بظلِّها، وأشربَ من مائها، لا أسألُكَ غيرها! فيقولُ: يا ابن آدمَ! ألمْ تعاهدني أن لا تسألَني غيرها؟ قال:

بلى يا ربِّ! هذه لا أسألُك غيرها، وربُّه يعذرُه؛ لأنه يرى ما لا صَبْرَ له عليها، فيدنيه منها. فيسمعُ أصوات أهل الجنة فيقولُ: أيْ ربِّ! أدخِلنِيها، فيقول: أيِ ابنَ أدمَ! ما يَصْرِيني منكَ؟ أيرضيك أن أعطيكَ الدنيا ومثلَها معَها؟ قال: يا ربِّ! أتستهزئ مني وأنت ربُّ العالمين؟ فضحكَ ابنُ مسعودٍ، فقالَ: ألا تسألوني ممَ أضحكُ؟ فقالوا: ممَ تضحكُ؟ قال: من ضَحِكِ ربِّ العالمين حين قال: أتستهزئ مني وأنتَ ربُّ العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئُ منكَ، ولكنِّي على ما أشاء قادر. - وفي رواية: قدير-) (¬1) . أخرجه مسلم (1/119- 120) ، وأبو عوانة (1/142- 144) ، وابن حبان (9/260/7387) ، وأحمد (1/391- 392 و410- 411) ، والآجري في "الشريعة" (ص 282- 283) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/10/9775) - والرواية الأخرى لهؤلاء الثلاثة، والسياق لمسلم- من طرق عن حماد بن سلمة: حدثنا ثابت عن أنس عن ابن مسعود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. وأخرجه الشيخان وغيرهما من طريق أخرى عن ابن مسعود مختصراً جداً، وهو مخرج في "مختصر الشمائل " (رقم 197) . ¬

(¬1) تقدم تخريج هذا الحديث برقم (2605) بزيادة في مصادر التخريج، وهو هنا بزيادة في الشرح والتفصيل.

(فائدة) : قوله: "ولكني على ما أشاء قادر- أو قدير- ": فيه دليل على جواز استعمال هذه الكلمة: "إن الله تعالى على ما يشاء قدير"، وقد كنت توقفت عنها حين علقت على قول الطحاوي في "العقيدة" (ص 20) : "ذلك بأنه على كل شيء قدير" كلمة للشيخ ابن مانع- رحمه الله- أن ذلك ليس بصواب، وأن الصواب ما في الكتاب والسنة (وهو على كل شيء قدير) لعموم مشيئة الله وقدرته.. إلخ كلامه. ثم وقفت بعد ذلك على هذه الكلمة في هذا الحديث في "صحيح مسلم "، فخشيت- متأثراً بكلام الشيخ- أن تكون شاذة في الحديث؛ أو خطأ من بعض الرواة، فتريَّثت حتى يتسنى لي تخريجه والنظر في إسناده ورواته. ثم كنت في ليلة من ليالي غرة شهر ذي الحجة في بعض مخيمات عمّان ألقي كلمة حول وجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح؛ ووجوب قرن ذلك بالعمل، وبعد الفراغ منها فتحنا باب الأسئلة، فسأل أحد إخواننا الحاضرين- ويبدو أنه على شيء من العلم والثقافة- عن هذه الكلمة، مشيراً إلى تعليقي المذكور على "العقيدة الطحاوية "، وذكر- جزاه الله خيراً- بقوله تعالى: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) [الشورى/29] ، فأجبته بأن الحديث بحاجة إلى تخريج وتحقيق، مشيراً إلى أنه من الممكن أن يكون أصل الكلمة: "وأنا على كل شيء قدير" أو نحوها، فبادرت إلى تخريج الحديث، فوجدت أن الرواة عن حماد بن سلمة اتفقوا على اللفظ المتقدم. ثم تابعت البحث والتحقيق فوجدت للحديث طريقاً أخرى عن ابن مسعود، يرويه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني: ثنا المنهال بن عمرو عن أبي عُبيدة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً مطولاً جداً؛ لكن بلفظ: "ولكني على ذلك قادر".

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/416 - 421) ، والحاكم (2/376- 377 و 4/589- 592) وقال في الموضع الأول: "صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وقال في الموضع الآخر: "رواة هذا الحديث- عن آخرهم- ثقات؛ غير أنهما لم يخرجا أبا خالد الدالاني في "الصحيحين "؛ لما ذكر من انحرافه عن السنة في ذكر الصحابة، فأمّا الأئمة المستقدمون؛ فكلهم شهدوا لأبي خالد بالصدق والإتقان، والحديث صحيح ولم يخرجاه، وأبو خالد الدالاني ممن يجمع حديثه في أئمة أهل الكوفة". كذا قال! وما عرفت من شهد له بالإتقان، أما الصدق؛ فنعم، وفي حفظه ضعف كما يأتي، وأما الذهبي؛ فتعقبه هنا بقوله: "ما أنكره حديثاً على جودة إسناده، وأبو خالد شيعي منحرف "! وأقول: لم أر من رماه بالتشيع، فلعله التبس عليه بغيره، ثم هو مختلف فيه، فقال الذهبي نفسه في "الكاشف ": "وثقة أبو حاتم، وقال ابن عدي: في حديثه لين ". وقال في " المغني ": "مشهور، حسن الحديث، قال أحمد: لا بأس به، وقال ابن حبان: فاحِشُ الوهم، لا يجوز الاحتجاج به ". ولذلك قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يخطئ كثيراً، وكان يدلس ".

قلت: وجزم الهيثمي بتوثيقه؛ كما يأتي، وهو من تساهله، وإن كان مسبوقاً إليه، ولكن لا ينبغي غض النظر عن الجرح المفسر، الذي تضمنه كلام ابن حبان وغيره، فيتقى من حديثه ما يخشى أن يكون وهم فيه، أو ينتقى من حديثه ما سلم من خطئه، كما هو الواقع هنا؛ فقد توبع عليه، فقال زيد بن أبي أنيسة: عن المنهال بن عمرو به مطولاً أيضاً، وباللفظ المذكور في رواية الدالاني. أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/520- 524- دار ابن القيم) ، والطبراني أيضاً عنه وعن حافظين آخرين ثلاثتهم، والبيهقي في "البعث " (239/479) ، كلهم عن إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة الحرَّاني: ثنا محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير إسماعيل ابن عُبَيد الحراني، وهو ثقة كما قال الذهبي في "الكاشف "، والحافظ في " التقريب "؛ وزاد: " يغرب ". وقال المنذري في "الترغيب " (4/198 و 248) : "رواه ابن أبي الدنيا والطبراني من طرق أحدها صحيح، والحاكم وقال: صحيح الإسناد". وقال ابن القيم في "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " (2/94- طبعة الكردي) : "هذا حديث كبير حسن.. ". وأما الهيثمي فقال (10/343) : "رواه كله الطبرانى من طرق رجال أحدها رجال الصحيح؛ غير أبي خالد الدالاني؛ وهو ثقة "!

كذا قال: وفيه شيئان: أحدهما: جزمه بتوثيق الدالاني، وقد عرفت ما فيه. والآخر: أنه فاته أن الطريق الأخرى من رواية الحرانيين أصح من طريق الدالاني كما تبين لك مما ذكرنا، وهي التي جزم بصحتها المنذري، وحسنها ابن القيم، ولا أدري لِمَ لَمْ يصححها؟ على أنه أخرجها الطبراني أيضاً عقب روايته عن الدالاني. وقد خالفهم في إسناد الطريقين: أبو طيبة فقال: عن كُرْز بن وبرة عن نُعَيْمٍ ابن أبي هند عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود به مطولاً بلفظ: " يقوم الناس لرب العالمين أربعين سنة، شاخصة أبصارهم ". الحديث، وفيه اللفظ الثاني الذي في طريق الدالاني والحراني. أخرجه السهمي في "تاريخ جرجان " (350- 354) بطوله، والطبراني (9764) عقب حديث ابن أبي أنيسة، ولم يسق منه إلا طرفاً من أوله، وكذا ابن عدي في "الكامل " (5/258) في ترجمة أبي طيبة- واسمه عيسى بن سليمان الجرجاني- وقال الطبراني عقبه: "ثم ذكر نحو حديث زيد بن أبي أنيسة". قلت: وأبو طيبة هذا قال ابن عدي- وقد ساق له هذا الحديث مع أحاديث أخرى-: "وهذه الأحاديث كلها غير محفوظة، وأبو طيبة رجل صالح، ولا أظن أنه كان يتعمد الكذب، ولكن لعله كان يُشَبْهُ عليه فيغلط ".

قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/234) وقال: "يخطئ ". ومن الظاهر أنه هو الذي خالف في هذا الإسناد، فأسقط- من بين ابن مسعود وأبي عبيدة- مسروقاً؛ فإن رجاله ثقات غير كرز بن وبرة، وقد روى عنه جمع من الثقات، وقد ذكره ابن حبان فيهم، وقد تناقض فيه تناقضاً عجيباً، فأورده في "التابعين " (5/338) بروايته عن أنس! وما إخاله يصح، ثم ذكره (9/27) فيمن روى عن "أتباع التابعين "؛ بروايته عن الثوري (¬1) ! ولعل الصواب أن يذكر في "أتباع التابعين "؛ لأنه روى عن نعيم بن أبي هند كما في هذه الرواية، وكما في "الجرح"، وقال (3/2/170) : "روى عنه الثوري وابن شبرمة وعبيد الله الوَصَّافي وفُضَيل بن غزوان وورقاء ابن عمر". فإن هؤلاء أكثرهم من أتباع التابعين، غير ابن شبرمة- واسمه- عبد الله؛ فإنه تابعي كنعيم بن أبي هند، وعبيد الله الوصافي- وهو ابن الوليد-؛ فإنه من الرواة عن التابعين، فمن المحتمل أن يكون كُرْز هذا من صغار التابعين، وكان مشهوراً بالعبادة، بل وبالمبالغة فيها، وحكوا عنه في ذلك عجائب، له ترجمة واسعة في "تاريخ جرجان " (ص 336- 344) ، و"الحلية " (5/79- 83) ، و"سير أعلام النبلاء" (6/84- 86) ، ولقد عجبت منه- والله! وهو المحدث السلفي- كيف سكت عن بعض تلك المبالغات؟! مثل ختمه للقرآن في اليوم والليلة ثلاث مرات، وهو يعلم أنه خلاف السنة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) كذا وقع فيه، والصواب أن الثوري روى عنه؛ كما يأتي عن "الجرح والتعديل ".

"لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث " (¬1) . بل إنه سكت عما هو أدهى وأمرُّ، وهو أنه سأل ربَّه أن يعطيه الاسم الأعظم، فسأل أن يقوى على الختم المذكور! وهذا من الاعتداء في الدعاء المنهي عنه أيضاً في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "سيكون قوم يعتدون في الدعاء". وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1330) . وجملة القول؛ أن هذه الجملة قد اختلف في ضبطها عن ابن مسعود رضي الله عنه على اللفظين السابقين: الأول: "ولكني على ما أشاء قادر". والآخر: "ولكني على ذلك قادر". واللفظ الأول أصح إسناداً كما هو ظاهر. لكن الآخر- مع صحة إسناده- مطابق لنص الآية تمام المطابقة: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) . لأن المعنى: إذا يشاء ذلك الجمع، قال العلامة الآلوسي في "روح المعا ني ": "و (إذا) متعلقة بما قبلها لا بـ (قدير) ؛ لأن المقيّد بالمشيئة جمعُه تعالى، لا قدرته سبحانه ". قلت: وعلى ضوء تفسيره للآية، نقول: إن اسم الإشارة في الحديث: ¬

(¬1) أخرجه أبو داود وغيره بسند صحيح عن ابن عمرو، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1257) ؛ وانظر "صفة الصلاة".

"ذلك " يعود إلى ما أعطى الله عز وجل عبده من النعم الكثيرة التي لا يستحقها؛ فضلاً منه تعالى عليه، فلما قال ما قال مستكثراً ذلك عليه؛ قال تعالى: "ولكني على ذلك قادر"، فإذا فُسِّرَ بهذا اللفظ الأول أيضاً ولم يوقف عند ما فيه من مفهوم المخالفة، المشعر بأنه تعالى غير قادر على ما لا يشاء؛ على حد قوله تعالى: (لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة) ونحوه من المفاهيم التي قامت الأدلة القاطعة على أنها غير مرادة، إذا فسر هذا اللفظ الأول بهذا الذي دل عليه اللفظ الثاني؛ استقام المعنى، ولم يثق أي إشكال إن شاء الله تعالى. هذا ما عندي من علم، فإن أصبت؛ فمن الله، وإن أخطأت، فمني، وأستغفره تعالى من كل ذنب لي، ومن كان عنده فضل علم؛ فليتفضل به شاكرين له. ثم وقفت بعد زمن من تحرير هذا التخريج على من ينكر صحة الحديث من جهة ما فيه من إثبات صفة الضحك لرب العالمين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ".. من ضَحِكِ رب العالمين ". وأعني به ذاك الجهمي الجاحد المعطل، فقد قال- فُضَّ فوه- في تعليقه على "دفع الشبه " (ص 178) مشيراً إلى إنكاره هذه الصفة: "وهي عندنا (!) لا تثبت؛ لأن راويها حماد بن سلمة ضعفه مشهور؛ وإن كان من رجال مسلم.. ". فأقول: مجال الكلام في الرد عليه واسع جداً لا سبيل إليه الآن، فحسبي منه ما يأتي؛ مما يؤكد تجهمه وعداءه لأئمة السنة وكذبه عليهم! أولاً: قوله في حماد- رحمه الله-! "ضعفه مشهور"؛ كذب وزور، لم يسبقه

إليه أحد من المسلمين! فخذ ما شئت من كتب الرجال، فلن تجد فيها هذا التضعيف المطلق فضلاً عن أن يكون مقروناً بأنه مشهور!! غاية ما قيل فيه: إنه يخطئ! وهل هناك من لا يخطئ غير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ومع ذلك؛ فحماد موصوف بالضبط والإتقان فيما يرويه عن بعض التابعين؛ ومنهم ثابت البناني راوي هذا الحديث عند مسلم وغيره كما رأيت، وقد قال الإمام أحمد في "العلل " (1/263 و 2/222) : "حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البناني ". وكذا قال ابن المديني وغيره. وهو أن القارئ الكريم راجع ترجمته في المطوَّلات من كتب الرجال والتاريخ؛ لرأى العجب العجاب من الثناء عليه والرفع من شأنه، وحسبك في ذلك قول إمام المؤرخين- الذي لا يحابي ولا يداري- الحافظ الذهبي، فقد أورده في "تذكرة الحفاظ "، وفي "أعلام النبلاء"، ووصفه بالحافظ الإمام القدوة شيخ الإسلام، ثم قال: "قلت: كان بحراً من بحور العلم، وله أوهام في سعة ما روى؛ وهو صدوق حجة.. وكان مع إمامته في الحديث إماماً كبيراً في العربية، فقيهاً فصيحاً، رأساً في السنة.. ". وقال ابن حبان في " الثقات " (6/216) : "لم يكن من أقرانه مثله في البصرة في الفضل والدين والعلم، والنسك، والصلابة في السنة، والقمع لأهل البدعة، ولم يكن يَثْلُبُه في أيامه إلا قدري أو مبتدع جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة".

قلت: سبحان الله اما أشبه اليوم بالبارحة، فها هو الجهمي المبتدع- بل الجاحد- يثلبه من جديد ويطعن فيه تقليداً منه للكوثري والغماري وأمثالهما من المتجهمة للسبب نفسه الذي ذكره ابن حبان- رحمه الله-، لذلك؛ تجده قد نصب نفسه- مثلهما- لرميه بما لا يصح، حتى ضعف به هذا الحديث الصحيح المتلقى من الأمة بالقبول، حتى من ابن الجوزي في "الدفع " الذي فتح له باب التجهم؛ فإنه لعلمه بثقة حماد لم يَسَعْهُ إلا التسليم به، ولكنه فسره بالمجاز الذي يؤدي بهم إلى أن يفسروا وجود ذاته تعالى بالمجاز أيضاً؛ لأن للمخلوقات وجوداً أيضاً، فإذا قالوا: لا ينسب الضحك إلى الله لأن الضحك من صفة الإنسان؛ فلينفوا إذن وجوده تعالى؛ لأن الإنسان موجود أيضاً! فسيقولون: وجوده تعالى ليس كوجودنا.. فنقول: قولوا إذن في كل صفة لله ثبتت في الكتاب أو السنة: إنها ليست كصفتنا؛ تستريحوا وتهتدوا (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) ؛ فله سمع ولكن ليس كسمعنا، وبصر ليس كبصرنا.. ويضحك ولكن ليس كضحكنا؛ فإنه يقال في الصفات كلها ما يقال في الذات إثباتاً وتنزيهاً. فهذا الحق ما به من خفاءٍ فدعني عن بُنَيَّات الطريق ثم إن الواقع يشهد أن كل جهمي جاحد إنما هو من الذين قال الله فيهم: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة) ذلك؛ لأنهم يحاولون تضعيف أحاديث الصفات بكل وسيلة غير مشروعة، كما فعل هذا الجاحد بهذا الحديث، فضعف إماماً من أئمة المسلمين بزور ادعاه عليه، ثم لم يعبأ بمن تابعه من الثقات كما تقدم، ولا بورود هذه الصفة في أحاديث أخرى في "الصحيحين " وغيرهما، بحيث يقطع الواقف عليها بثبوت نسبتها إلى الله تعالى. وكذلك يفعل بكل أحاديث الصفات

3130

الأخرى جحداً لها- بتضعيفها-، أو تعطيلاً لها- بتأويلها- كما فعل بآيات الصفات كالمجيء والفوقية والاستواء؛ تقليداً منه للكوثري وأمثاله من الجهمية، عاملهم الله بما يستحقون! * 3130- (إذا ذبحَ أحدُكم؛ فليُجْهِزْ) . أخرجه أحمد (2/108) : حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة عن عُقيل عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بحدِّ الشِّفار، وأن توارى عن البهائم، وإذا ذبح ... الحديث. وأخرجه ابن عدي في "الكامل " (4/148) ، ومن طريقه: البيهقي في "شعب الإيمان " (7/483/11074) من طريق أخرى عن قتيبة بن سعيد به، إلا أنه قال: "ثنا عقيل.. "، فَصرح ابن لهيعة بالتحديث عندهما. ذكره ابن عدي في جملة أحاديث ساقها في ترجمة ابن لهيعة من (ص 144- 154) ، وكذلك ذكره الذهبي في "الميزان "، وقال ابن عدي في آخر الترجمة: "وحديثه حسن، وهو ممن يكتب حديثه ". قلت: والذي استقر عليه رأي المحققين أن حديثه حسن في الشواهد؛ إلا ما كان من رواية العبادلة، ومنهم عبد الله بن وهب، فهو صحيح كما نص على ذلك بعض الأئمة. ثم تبين لي أن من قبيل رواية العبادلة رواية قتيبة بن سعيد عنه، فقد قال الإمام أحمد له: "أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح ".

وقد سبق بيان سبب ذلك تحت الحديث (2843) . وعلى هذا؛ فالسند صحيح، وقد صححه أيضاً الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (8/169) ، لكن ذلك منه على خطته التي جرى عليها في توثيق ابن لهيعة وتصحيح أحاديثه، وهو توسع غير محمود عندي! ثم إن قتيبة قد تابعه أبو الأسود النضر بن عبد الجبار: ثنا ابن لهيعة، عن عقيل به. أخرجه البيهقي في "السنن " (9/280) عن محمد بن إسحاق عنه. والنضر هذا ثقة، ولذلك قال البيهقي عقبه: " كذا رواه ابن لهيعة موصولاً جيداً ". ومحمد بن إسحاق هو الصَّغاني، وهو ثقة ثبت من شيوخ مسلم. وقد خالفه جعفر بن مسافر فقال: ثنا أبو الأسود: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سالم عن أبيه به. أخرجه ابن ماجه (3172) . قلت: وجعفر بن مسافر فيه كلام، قال في "التقريب ": "صدوق ربما أخطأ". فمخالفته للصَّغاني لا تؤثر، وخاصة أنه مخالف لقتيبة أيضاً. وتابعهما محمد بن معاوية النيسابوري: ثنا ابن لهيعة به. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/289/13144) .

لكن النيسابوري هذا متهم، قال الحافظ: "متروك مع معرفته؛ لأنه كان يَتَلَقَّن، وقد أطلق عليه ابن معين الكذب ". وتابع ابن لهيعة حيوة عن عقيل به. ذكره ابن أبي حاتم في "العلل " (2/45) من رواية هشام بن عمار عن شعيب ابن إسحاق عن حيوة.. وحيوة هذا؛ هو ابن شريح المصري الثقة. لكن ذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أن الصحيح: عن الزهري عن ابن عمر بلا سالم. كذا قال! ولم يذكر الحجة في ذلك. ورواه مروان بن محمد: ثنا ابن لهيعة: حدثني قرة بن حَيْوَئِيلَ عن الزهري عن سالم به. أخرجه ابن ماجه أيضاً. وخالف ابن لهيعة: ابن وهب فقال: أخبرني قرة بن عبد الرحمن المعافري عن ابن شهاب أن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- قال ... فذكره. أخرجه البيهقي (9/280) . وهذا أصح من رواية ابن لهيعة عن قرة، وكأنه لذلك صححها أبو حاتم كما تقدم آنفاً. لكن هذا لا يعل رواية قتيبة عن ابن لهيعة عن عقيل لما تقدم بيانه. وقد وجدت له متابعاً يرويه؛ الحسين بن سيار: حدثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه به.

أخرجه الخطيب في "التاريخ " (8/49) في ترجمة الحسين هذا، وروى عن أبي عروبة الحراني أنه قال فيه: "كتبنا عنه، ثم اختلط علينا أمره، وظهرت من كتبه أحاديث مناكير، فترك أصحابنا حديثه ". ولَخَّصَ هذا الذهبيُّ في "الميزان "، فقال: "قال أبو عروبة وغيره: متروك ". قال الحافظ عقبه: "والغير هو الأزدي ". قلت: فهو- أعني: الحسين- ممن لا يتقوى به. لكن يشهد للحديث ويزيده قوة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم؛ فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم؛ فأحسنوا الذبحة، وليُحِدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته ". أخرجه مسلم وابن الجارود وابن حبان وأصحاب "السنن " وغيرهم، وهو مخرج في "إرواء الغليل " (7/293) . وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أتريد أن تميتها موتاتٍ؟! هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها؟ ". أخرجه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وهو مخرج في " الصحيحة " برقم (24) .

(تنبيه) : واعلم أن حديث ابن عمر هذا مما كان نظري اختلف في الحكم عليه على نوبات مختلفة، وعوامل متعددة، فلما خَرَّجتُهُ في "غاية المرام " (ص 40- 41) ضعفته لاضطراب ابن لهيعة في إسناده، كما بينته هناك، وسلفي في تضعيفه: الحافظ المنذري في "ترغيبه " (2/103- 104) ، ولذلك كنت أودعته في "ضعيف الجامع ". ثم لما صنفت "صحيح الترغيب " لاحظت أن معناه قد جاء في عديد من أحاديث الباب، فما رأيت من المناسب أن ألحقه بـ "ضعيف الترغيب "؛ فأوردته في "صحيح الترغيب " (1/529/1076- مكتبة المعارف) محسِّناً إياه. ثم هتف إلي أحد الإخوان سائلاً عن هذا الاختلاف؟ فأجبته بنحو ما تقدم، ووعدته بأن أعيد النظر حينما يتيسر لي ذلك. والآن وقد يسر الله، فقد تبين لي مجدداً صحة إسناده، على ضوء ما كان بدا لي: أن رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة ملحقة في الصحة برواية العبادلة عنه كما تقدم الإشارة إلى موضع بيان ذلك آنفاً. يضاف إلى ذلك تلك الطرق التي لم أكن قد وقفت عليها من قبل، على ما فيها من وهن، فاطمأنت النفس تماماً لصحة الحديث، وعليه قررت نقله من "ضعيف الجامع " إلى "صحيح الجامع "، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. أذكر هذا بياناً للحقيقة أولاً، وتبرئة للذمة ثانياً، واعترافاً بعجز الإنسان وضعفه ثالثاً، وأنه كما قال ربنا في كتابه: (ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء) ، وقوله: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً) ، ولعل في ذلك عبرة لبعض الناشئين في هذا العلم، الذين يتسرعون في النقد وإصدار الحكم، دون أي جهد

أو بحث وتفكر؛ إلا عفو الخاطر! كالشيخ عبد الله الدويش في ما سماه بـ "تنبيه القاري لتقوية ما ضعفه الألباني "؛ فإن غالب الأحاديث التي قواها هي من هذا النوع الذي تبين لي فيما بعد ثبوته، ونصصت على ذلك في بعض مؤلفاتي، فأتى هذا الشيخ وتتبَّع ذلك من مؤلفاتي، ونسب تقويتها إلى نفسه- عفا الله عنا وعنه بمنه وكرمه-، وقلَّما يضيف إلى ذلك فائدة تذكر، ومن ذلك هذا الحديث (ص 131) رقم (201) ؛ فإنه نقل كلامي المذكور في "غاية المرام "، وقد أشرت إليه آنفاً. ثم عقب عليه بقوله: "أقول: لكن كل جملة من هذا الحديث قد وردت من وجه آخر صحيح، ولذلك حسنه في صحيح الترغيب1: 457 رقم 1083 ". كذا قال! ولم يزد، فلم ينظر في الاضطراب المذكور في "الغاية" وهل يمكن استخراج طريق منه، يمكن تصحيحه والاعتماد عليه كما فعلت أنا هنا؟! فهذا مما لم يفعله، ولا يفعله إلا نادراً جداً. وقد تيسر لي المرور على المئة الأولى من أحاديث كتابه المذكور، فوجدت نصفها تقريباً من هذا النوع الذي أخذ قوته من بعض مؤلفاتي دون أن يقرن مع ذلك جهداً له أو فائدة تذكر، ولا بأس من الإشارة إلى أرقامها للفائدة: (1، 3، 4، 10، 21، 23، 28، 30، 31، 32، 40، 41، 45، 46، 48، 49، 52، 59، 62، 63، 64، 65، 66، 67، 68، 69، 70، 71، 72، 73، 76، 77، 78، 0 8، 81، 83، 85، 86، 87، 88، 90، 91، 92، 93، 95) . ولقد كان من الواجب على الشيخ- رحمه الله- أن يلتمس لأخيه عذراً؛ ويبين لقرائه سبب تفاوت الحكم من الباحث على الحديث الواحد، وهي كثيرة لا

مجال لبيانها هنا، ولكن على الأقل أن يبين ما قد يشترك في فهمه عامة القراء، كالذهول أو النسيان الذي هو طبيعة الإنسان، أو عدم توفر المراجع عنده ولو أحياناً، ليتتبع طرق الحديث فيها، أو عدم نشاطه للبحث، أو ظهور مراجع جديدة لم تكن مطبوعة أو مصورة مبذولة من قبل، أو اختلاف اجتهاد ورأي باحث عن غيره، هنا يظهر الفرق والاختلاف في الحكم، وهذا أمر طبيعي جدّاً، فعلى الإنسان أن لا يكون إمَّعة لأحد، وإنما يجتهد لمعرفة الحق مما اختلفوا فيه حسب الطاقة، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. وقد تبين لي أن الشيخ الدويش- رحمه الله- لا يتعدى أن يكون أوتي ذاكرة وحفظاً، أما التحقيق والتصحيح فليس هناك، ولعلي سبق أن ذكرت بعض الأمثلة على ذلك فيما سبق، فهو في كثير من الأحيان ينتقدني على تضعيفي لبعض الأحاديث بشواهد يذكرها؛ وتكون شواهد قاصرة غير كاملة للحديث كله، كالأحاديث (2، 42، 44، 52، 55، 75، 82، 89، 94، 98، 100) . فالحديث رقم (2) نصه: "من قرأ القرآن وعمل بما فيه؛ ألبس والده تاجاً يوم القيامة ضوؤه أحسن من ضوء الشمس في بيوت الدنيا ... " الحديث قوَّاه بشاهد ذكره في آخره: "ويُكْسى والداه حُلَّتين لا يقوم لهما أهل الدنيا ... "؛ فأين هذا من ذاك، أين الحلتان من التاج؟ ! وتارة يكون الحديث الضعيف في الوقف، فيستشهد له بحديث في الوصية، وشتان ما بينهما عند الفقهاء، وانظر الحديث (16) . وتارة يغض النظر عن الراوي المضعف لمجرد كونه من رجال "الصحيح "

3131

كالحديث (18، 94) ، والأول مخرج في "الضعيفة " (4021) ، والآخر برقم (372) ، فتعقبني بحديثين ضعيفين سيأتي تخريجهما برقم (6235 و 6236) ! * 3131- (قُوما فاغسِلا وجوهَكُما، يعني: عائشة وسودة) . أخرجه أبو بكر الشافعي في "الفوائد" (ق 18/1) : حدثني إسحاق بن الحسن بن ميمون الحربي: ثنا أبو سلمة: ثنا حماد: ثنا محمد بن عمرو عن يحيى بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينها، فقلت لها: كلي. فأبت، فقلت: لتأكلِنَّ أو لألطخن وجهك. فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها! فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع فخذه (!) لها وقال لسودة: " الطخي وجهها " فلطخت وجهي، فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - أيضاً، فمرَّ عمر فنادى: يا عبد الله! يا عبد الله! فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيدخل فقال لهما ... (فذكر الحديث) . قالت عائشة: فما زلت أهاب عمر؛ لهيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير إسحاق الحربي هذا، وهو ثقة؛ كما قال إبراهيم الحربي وعبد الله بن أحمد والدارقطني وهو مترجم في "تاريخ بغداد" (6/382) . وأبو سلمة اسمه موسى بن إسماعيل التبوذكي. وحماد هو ابن سلمة.

3132

ويحيى بن عبد الرحمن هو ابن حاطب المدني، روى عن جمع من الصحابة منهم عائشة، رضي الله عنهم. ثم رأيت الحديث في "مسند أبي يعلى" (7/449/4476) ، حدثنا إبراهيم: حدثنا حماد به. وفيه: "فوضع بيده لها" مكان ".. فخذه.. " فوضح المراد. والحمد لله. وإبراهيم هذا هو ابن الحجاج السامي، قال الحافظ: "ثقة، يهم قليلاً". وقال الهيثمي في "المجمع " (4/316) : "رواه أبو يعلى، ورجاله رجال "الصحيح "؛ خلا محمد بن عمرو بن علقمة، وحديثه حسن ". * 3132- (إن المؤمن خُلقَ مُفَتَّناَ توَّاباً نسَّاءً؛ إذا ذُكِّر تذكَّر) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/342/10666) ، وابن عدي في "الكامل " (3/91) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/211) من طريق عتبة بن يقظان، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، لكنه ليس شديد الضعف: داود بن علي، قال الذهبي في "الكاشف ": "وُثِّق، فصيح مفوَّه بليغ ". وقال الحافظ:

"مقبول ". وعتبة بن يقظان، قال الذهبي: "وثقة بعضهم، وقال النسائي: غير ثقة". قلت: له طريقان آخران عن ابن عباس يتقوى بهما: الأول: يرويه أبو معاذ عن أبي بشر جعفر بن أبي وَحْشِيَّة عن سعيد بن جبير عنه مرفوعاً بلفظ: "ما من مؤمن إلا وله ذنب يصيبه الفَيْنة بعد الفينة، إن المؤمن نسَّاءً؛ إذا ذُكِّر ذَكَر". أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/60/2/6011) ، وقال: "لم يروه عن أبي بشر إلا أبو معاذ، وهو سليمان بن أرقم ". قلت: قال الحافظ: "ضعيف ". وقال الذهبي: " متروك ". قلت: ويغني عنه الثالث؛ فإنه صحيح: يرويه عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ أتم، وقد تقدم تخريجه برقم (2276) . وقال الهيثمي تحته (10/201) : "رواه الطبراني في " الكبير" و" الأوسط " باختصار، وأحد أسانيد "الكبير" ثقات، وله السياق ". يعني طريق عكرمة هذه. *

3133

3133- (لا تنتَفِعُوا من الميْتةِ بشيءٍ) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/1/167) وابن عساكر (14/370) عنه، وابن حبان في "صحيحه " (2/286/1276) من طريق هشام بن عمار عن صدقة ابن خالد عن يزيد بن أبي مريم عن القاسم بن مُخَيمرَة عن عبد الله بن عُكيم قال: نا مشيخة لنا من جهينة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إليهم: أن لا ... الحديث. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال "الصحيح "، وفي هشام بن عمار كلام معروف مع كونه من شيوخ البخاري، لكنه قد تابعه جمع: 1- محمد بن المبارك: ثنا صدقة بن خالد به. أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/271) و"مشكل الآثار" (4/260- 261) . 2- الحكم بن موسى: ثنا صدقة به. أخرجه البيهقي في "سننه " (1/25) . ومحمد بن المبارك ثقة من رجال الشيخين. والحكم بن موسى ثقة من رجال مسلم. ثم إن صدقة بن خالد قد تابعه أيوب بن حسان: ثنا يزيد بن أبي مريم به. أخرجه البيهقي (1/25) . وأيوب بن حسان صدوق، كما قال الحافظ تبعاً لأبي حاتم، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/127) .

قلت: فالسند صحيح لا يُعَلُّ بهشام بن عمار لهذه المتابعات، وقد أعله الطحاوي في "المشكل " دون "معاني الآثار"؛ فقال: "الأشياخ من جهينة لم يُسَمَّوْا، ولا نعلم أنهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: وهذا ليس بشيء، لأنهم إن لم يكونوا كلهم من الصحابة- وهذا ما أستبعده-؛ فهم بلا شك من أتباعهم كعبد الله بن عكيم، فقد ذكره ابن حبان في " الصحابة " من كتابه "الثقات " (3/247) ، وقال: "أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يسمع منه شيئاً.. "، ثم ذكر حديثه هذا. وقد ترجمه الخطيب في "التاريخ " (10/3- 4) بسماعه عن جمع من الصحابة، وعنه جمع من التابعين الثقات غير القاسم بن مخيمرة، ثم قال: "وكان ثقة ". فأشياخه في الحديث- على فرض أنه ليس فيهم صحابي- هم من التابعين المخضرمين، وأعلى طبقة من ابن عكيم، فإن لم يكونوا ثقات مثله- وهذا مما أستبعده أيضاً-؛ فهم مستورون، ولكنهم جمع تنجبر جهالتهم بكثرتهم، كما قال السخاوي وغيره في غير هذا الحديث؛ فقال- رحمه الله- في حديث رواه عدة من أبناء الصحابة: "وسنده لا بأس به، ولا يضره جهالة من لم يُسمَّ من أبناء الصحابة؛ فإنهم عدد تنجبر به جهالتهم ". فراجعه في "غاية المرام " (272/471) . قلت: وحينئذٍ؛ فالحديث صحيح موصول؛ لأنهم يروون عن كتاب النبي

- صلى الله عليه وسلم - الذي أرسله إليهم، وهم واثقون بأنه كتابه، كما نروي نحن اليوم عن كتب السنة ولم نر مؤلفيها ولا سمعناها منهم، فالحديث إذن داخل في حكم "الوجادة" المذكورة في "علم المصطلح "، وقد تقرر فيه وجوب العمل بها، فراجع لذلك كتاب "الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث " للشيخ أحمد شاكر - رحمه الله تعالى-. قلت: فإعلال الحديث بالإرسال كما فعل الخطابي وغيره غير وارد إذن! لأنه خلاف هذا المتقرر، والله أعلم. ولعل هذا الذي ذكرته من الرد لهذا الإعلال هو الذي لحظة المحقق الحافظ ابن عبد الهادي في كتابه "تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق " حين أورد الحديث فيه (1/278) من رواية البخاري في "تاريخه "، وابن حبان في "صحيحه "، ثم لم يُعِلَّهُ بما أعلّه الطحاوي. وأما إعلال البعض إياه بالاضطراب؛ فهو بخصوص غير رواية القاسم بن مخيمرة هذه كما هو مشروح في "الإرواء" (1/79) ؛ فتنبه. وإن مما يزيد الحديث قوة: أن له شاهداً من رواية زَمْعَة بن صالح قال: حدثنا أبو الزبير قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول ... فذكره مرفوعاً باللفظ المذكور أعلاه، وفيه قصة. أخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (9/48) بسند صحيح عن أبي نعيم قال: حدثنا زمعة بن صالح به. قلت: وهذا إسناد صالح للاستشهاد به؛ فقد صرح أبو الزبير بالتحديث، فأمنا بذلك شر تدليسه.

وزمعة بن صالح- وإن كان ضعيفاً؛ فإنه- ليس شديد الضعف، كما أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في "الكاشف ": "ضعفه أحمد، وقرنه (م) بآخر". بل قال في "المغني ": "صالح الحديث، ضعفه أحمد وأبو حاتم، ووثقة ابن معين ". واعلم أيها القارئ الكريم! أنني كنت خرجت حديث جابر هذا منذ أكثر من ثلاثين سنة في المجلد الأول من "الضعيفة" برقم (118) من رواية ابن وهب عن زمعة عن أبي الزبير عن جابر معنعناً، وفيه القصة أيضاً، فلما شرعنا في إعادة طبع هذا المجلد، ووصلت في تصحيح تجاربه إلى هذا الحديث؛ تذكرت أنني كنت خرجت في "الإرواء" ما يشبهه، وكان تأليفه بعد "الضعيفة" بنحو خمسة عشر عاماً، فوجدت فيه حديث عبد الله بن عُكيم من طريقين عنه بلفظين، أحدهما بلفظ الترجمة، والآخر مثله إلا أنه قال: ".. بإهاب ولا عصب ". وملت فيه إلى تصحيح إسناده، وصرحت بأن إسناد الأول صحيح، فخشيت أن يكون في هذا التصحيح شيء من الوهم، فأعدت النظر فيه بطريقة أوسع- كما ترى- مما هناك، فتأكدت من صحته، وازددت قناعة به، والحمد لله، وعليه؛ رأيت لزاماً عليّ أن أنبه القراء الأفاضل أن الحديث- بشاهد حديث ابن عكيم- صار صحيحاً لغيره، وأنني نقلته إلى هنا، والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى أقوم طريق. وأريد أن أنبه هنا على أمرين اثنين: الأول: أن المعلق على "شرح السنة" (2/99) قد كان أعل الحديث فيه بالاضطراب متجاهلاً جوابي عنه في "الإرواء" (1/79) . ثم رجع عن ذلك في

تعليقه "الإحسان " (4/95- المؤسسة) ؛ فجزم بصحة إسناده من الطريقين عن عبد الله بن عكيم، فأصاب، لكن كان عليه أن ينبه على تراجعه عن إعلاله بالاضطراب؛ لأن ذلك ينافي الجزم المذكور. على أن بعضهم يقول: إن التعليق على "الإحسان " ليس للمعلق على "الشرح "، وإنما هو لبعض الموظفين عنده! فإذا صح هذا، فهو السبب في عدم التنبيه على الخطأ السابق؛ لأنه من غير المصحِّح في التعليق على "الإحسان ". والآخر: سبق في تخريج الحديث أنه من رواية القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن عكيم، هكذا هو عند البخاري عن هشام، وعند غيره عن غير هشام من المتابعين، ووقع عند ابن حبان: "عن القاسم بن مخيمرة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم "، فزاد بين القاسم وابن عكيم: الحكم وابن أبي ليلى، وأظن أن هذه الزيادة خطأ من بعض النساخ؛ لمخالفتها لرواية البخاري والآخرين، ولأن الذين ترجموا للقاسم والحكم- وهو ابن عتيبة- لم يذكروا له رواية عنه. ويبدو أنه خطأ قديم؛ فقد عزاه الزيلعي "في نصب الراية" (1/120) لابن حبان هكذا! الأمر الذي يبعد عن الذهن أن يكون ذلك من الطابع؛ فإن هذا الخطأ وقع أيضاً في طبعة مؤسسة الرسالة (4/95) وهي أصح بكثير من طبعة دار الكتب العلمية التي نعزو إليها لأنها كاملة، ولا أدري السبب في عدم مسارعة المؤسسة لإتمام طبعتها (¬1) ! وتنبيه ثالث: وهو أن الحديث- بلفظيه- قد سقط من "زوائد ابن حبان " (ص 61) فليُلحق به، وله أمثلة كثيرة أنا في صدد جمعها- إن شاء الله تعالى-. هذا؛ ولعل مما يفيد القراء الكرام أن أذكر بأن مثل هذا التصحيح لغيره بعد ¬

(¬1) تم طبعها الآن كاملة. (الناشر) .

ذاك التضعيف لذاته مما يشير حفيظة بعض الجهلة الأغرار، ويعدُّه تناقضاً وجهلاً؛ كذاك المسمى بحسن السقاف، والمنتسب إلى آل البيت الأطهار، والشاطر في قلب الحق باطلاً، والصواب خطأ، وقد نذر نفسه، وجعل دأبه الرد على الألباني، فكم له من رسالة في ذلك، منها ما أظهره أخيراً بعنوان؛ "تناقضات الألباني.. "، وقد كفاني مؤنة الرد عليه والكشف عن زوره وبهتانه، وجهله وضلاله: الأخ الفاضل علي الحلبي في كتابه القيم "الأنوار الكاشفة لـ "تناقضات " الخساف الزائفة وكشف ما فيها من الزيغ والتحريف والمجازفة"؛ فإليها ألفت الأنظار؛ فقد نفع الله بها كثيراً، حتى بعض المغرورين به سابقاً حينما علموا وأنصفوا. ولكني أريد هنا أن أقول له (قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى) : أولاً: هل أنت معصوم فلا يقع منك خطأ علمي ما؟ فإن أجاب بأنه ليس بمعصوم، وأن الخطأ منه وارد- كما هو الواجب على المؤمن حقّاً- قلت: ثانياً: فإذا تبين لك الصواب فيما بعد؛ هل ترجع إليه- كما يفعل الألباني- أم تصرُّ عليه؟ فإن أجبت بالإيجاب- كما هو جواب المؤمن- فلماذا تسمي إذن تراجع الألباني إلى الصواب خطأ، بديل أن تشجعه على الرجوع إلى الصواب دائماً وأبداً، وإن كان هو بفضل الله ليس بحاجة إلى تشجيع واحد مثلك؟!!! أليس "تناقضك "! وعدم تراجعك عنه من أكبر الأدلة على أن وراء الأكمة ما وراءها؟! وختاماً أسأل الله تبارك وتعالى أن يهديك إلى أن تتعلم علم الكتاب والسنة معاً وعلى منهج السلف الصالح، حتى ينجو المغرر بهم من ضلالك، وإلا ... فعلى نفسها جنت براقش. وأما أنا؛ فإني أرجو منه تعالى أن يزيدني توفيقاً في خدمة الحديث والسنة والانتصار لها، وأن يسدد في ذلك خطاي، وأن يجعل ذلك سبباً ليغفر لي خطيئتي يوم الدين.

3134

وأما الخلاص من كيد الكائدين، وحسد الحاسدين، وطعن الطاعنين؛ فلا سبيل إليه إلا بالوفاة على الإيمان إن شاء الله تعالى. وما أحسن ما قيل: ولست بناجٍ من مقالة طاعن ولو كنت في غارٍ على جبل وَعْرِ ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً ولو غاب عنهم بين خافِيَتَيْ نَسْرِ * سبب النهي عن سفر الرجل وحده 3134- (خرجَ رجلٌ من (خيبرَ) ، فاتبَعه رجلان، وآخرُ يتلوهما يقول: ارجعا ارجعا، حتَّى ردَّهما، ثم لحق الأول، فقال: إنَّ هذينِ شيطانانِ، وإنِّي لمْ أزلْ بهما حتى رددتهما، فإذا أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأَقرئه السلامَ، وأخبره أنَّا ههنا في جمع صدقاتنا، ولو كانت تصلحُ له لبَعَثْنَا بها إليه. قال: فلمَّا قدمَ الرجلُ المدينةَ أخبرَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فعند ذلك نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الخَلْوةِ) . أخرجه الحاكم (2/102) ، وأحمد (1/278 و 299) من طرق عن عبيد الله ابن عمرو الرَّقِّي عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرط البخاري ". ووافقه الذهبي، وقواه الحافظ في " الفتح " (6/345) بسكوته عنه، وفسر (الخلوة) بقوله: "أي: السفر وحده " كما يدل عليه السياق. *

3135

3135- (ذاك جبريلُ عليه السلامُ، وإنَّ منكم لرِجَالاً لو أنَّ أحدَهم يقسمُ على الله لأبرَّه) أخرجه البزار في "مسنده " (3/306- 307- الكشف) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/11 - 12) و"الأوسط " (1/153/1/2873) ، ومن طريقه: الضياء في "المختارة" (59/212/1- 2) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/76) من طرق عن محمد بن عبد الوهاب الحارثي: ثنا يعقوب القَمِّي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: عاد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأنصار، فلما دنا من منزله سمعه يتكلم في الداخل، فلما أستأذن عليه دخل عليه فلم ير أحداً، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: سمعتك تكلم غيرك؟ قال: يا رسول الله! لقد دخلت الداخل اغتماماً بكلام الناس مما بي من الحمى، فدخل علي داخل ما رأيت رجلاً قط بعدك أكرم مجلساً ولا أحسن حديثاً منه، قال ... فذكره. وقال البزار- والطبراني- نحوه: "لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو إسناد حسن؛ الحارثي هذا ترجمه الخطيب في "التاريخ " (2/390 - 391) برواية جمع من الثقات والحفاظ عنه، ثم روى عن الحافظ أبي علي صالح ابن محمد- جزرة- (¬1) أنه قال: "ثقة ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/83) برواية الحافظ عبد الله بن محمد البغوي، ثم قال: "ربما أخطأ". ¬

(¬1) له ترجمة في "تاريخ بغداد" (8/322- 328) و" تذكرة الحفاظ ". *

3136

وقال الهيثمي في "المجمع " (10/41) : "رواه البزار والطبراني في " الكبير" و"الأوسط "، وأسانيدهم حسنة ". وهذا تعبير موهم لغير الواقع فقد عرفت من كلام البزار والطبراني أنه ليس له إلا هذا الإسناد، فهو إنما يعني بـ (الأسانيد) : الطرق المشار إليها عن الحارثي؛ فتنبه! ثم رأيت الحافظ قد سبقني إلى تحسينه، فقال في "مختصر زوائد البزار" (2/377) : "وإسناده حسن ". 3136- (إنَّ أول شيءٍ خَلَقَهَ الله عزَّ وجلَّ: القلمُ، فأخذَهُ بيمينه- وكلتا يديهِ يمين- قال: فكتبَ الدنيا وما يكونُ فيها من عملٍ معمولٍ: بِرَّ أو فجورٍ، رطب أو يابس، فأحصاهُ عندَه في الذِّكر، ثم قال: اقرَأُوا إن شئتم: (هذا كتابُنا يَنْطِقُ عليكم بالحق إنا كنا نَسْتَنْسِخُ ما كنتم تعملون) ؛ فهل تكون النسخةُ إلا مِنْ أمرٍ قد فُرغَ منه) . أخرجه الآجري في "الشريعة " (321- 322) قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله ابن صالح البخاري قال: حدثنا الحسن بن علي الحلواني قال: حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع عن بقية بن الوليد قال: حدثنا أرطاة بن المنذر عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات مترجَمون في "التهذيب "؛ غير أبي محمد البخاري، ترجمه الخطيب (9/481- 482) وروى عن غير واحد من الحفاظ أنه مأمون، ووصفه الذهبي في " السير" (14/243) بـ "الإمام الصدوق ".

وبقية بن الوليد قد صرح بالتحديث؛ فأمنا بذلك شر تدليسه. ثم أخرجه الآجري من طريق أبي أنس مالك بن سليمان الحمصي قال: حدثنا بقية بن الوليد عن أرطاة بن المنذر به. ومالك بن سليمان هذا، ذكره ابن أبي حاتم بروايته عن بقية؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، ولكنه قال: "روى عنه أبو زرعة ". ومن المعروف عن أبي زرعة أنه لا يروي إلا عن ثقة، والله أعلم. وللحديث شواهد متفرقة تزيده قوة على قوة: أولاً: فقرة خلق القلم، فمن شواهده حديث ابن عباس المتقدم برقم (133) ، وحديث عبادة بن الصامت الذي كنت خرجته من طرق عنه في التعليق على "المشكاة" (1/34/94) . ثانياً: قوله: "وكلتا يديه يمين "، قد جاء في حديث: "المقسطون عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين.. ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "آداب الزفاف " (281) . وقد رواه أيضاً ابن حبان (1538) ، والآجري، والبيهقي في "الأسماء" (ص 354) من حديث ابن عمرو. وله شاهد ثان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "لما خلق الله آدم ونفخ فيه الروح عطس ... " الحديث، وفيه ذكر القبضتين، وقوله تعالى لآدم:

"اختر أيهما شئت، قال: اخترت يمين ربي، وكلتا يدي ربي يمين مباركة ... ". وهو مخرج في "الظلال " (91/206) . وله شاهد من حديث عبد الله بن سلام موقوفاً عليه. أخرجه الآجري (ص 322) بسند جيد. وفي القبضتين أحاديث أخرى كنت خرجتها في المجلد الأول برقم (46- 50) . وليس في شيء منها ذكر الشمال؛ إلا في رواية في حديث لابن عمر في طيّ السموات والأرض؛ مذكور في "صحيح الجامع " برواية مسلم وأبي داود عنه، تَفَرَّد بذكره عمر بن حمزة عن سالم عنه. قال البيهقي في "الأسماء" (ص 324) : "وقد روى هذا الحديث نافع، وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، ولم يذكر فيه: "الشمال "، ورواه أبو هريرة رضي الله عنه وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يذكر فيه أحد منهم الشمال. وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة؛ إلا أنه ضعيف بمرة تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير، وبالآخر يزيد الرقاشي وهما متروكان، وكيف يصح ذلك والصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سمى كلتا يديه يميناً؟ ! ". قلت: معنى كلام البيهقي في ذكر "الشمال " في حديث ابن عمر المشار إليه أنه شاذ لمخالفته الثقات الذين لم يذكروا ذلك؛ لا في حديث ابن عمر، ولا في حديث أبي هريرة وغيره، وهذا الحكم بالشذوذ إنما يصح اصطلاحاً فيما لو كان عمر بن حمزة ثقة عند العلماء، لكن الواقع أنه ضعيف؛ كما صرح بذلك الحافظ ابن حجر وغيره، ووصفه الإمام أحمد بقوله: "أحاديثه مناكير".

3137

ومن مناكيره حديث: "من أشر الناس.. الرجل يفضي إلى امرأته.. ثم ينشر سرها" الذي كنت تكلمت عليه في مقدمة "آداب الزفاف " الطبعة الجديدة، ورددت فيها على ذاك المصري الجاني الذي نسبني بسبب ذلك إلى مخالفة الإجماع! فهذا مثال آخر يؤكد ضعف عمر بن حمزة، ومخالفته للثقات بشهادة الإمام البيهقي، وعليه؛ فتكون زيادته المذكورة: " الشمال " منكرة، والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3137- (كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من جارِ السُّوءِ، ومن زوجٍ تشيِّبني قبلَ المشيب، ومن ولد يكونُ عليّ رَبّاً، ومن مال يكونُ عليّ عذاباً، ومن خليلٍ ماكر عينَه تراني، وقلبُه يرعاني؛ إن رأى حسنة دفنها، وإذا رأى سيّئةً أذاعها) . أخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1425/1339) : حدثنا عبد الله بن أحمد أبن حنبل: ثنا الحسن بن حماد الحضرمي: ثنا أبو خالد الأحمر عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم من رجال "التهذيب "، ولولا الخلاف المعروف في ابن عجلان؛ لقلت بصحته. والحديث أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (1/1/183) من طريق أبي بكر بن أبي عاصم: حدثنا الحسن بن سهل: حدثنا أبو خالد الأحمر به مقتصراً على الشطر الثاني منه، بلفظ: "اللهم إني أعوذ بك من خليلٍ ماكرٍ ... " إلخ.

3138

والحسن بن سهل هو أبو علي الجُعْفِيُّ الكوفي، أورده ابن حبان في "الثقات " (8/177) بروايته عن أبي خالد الأحمر، وعنه الحسن بن سفيان وغيره، وقد روى عنه أبو زرعة كما في "الجرح "، وهو لا يروي إلا عن ثقة، فهو متابع قوي للحسن ابن حماد الحضرمي. والقطعة الثانية من الحديث: عزاها في "الجامع " لابن النجار، عن سعيد المَقْبُريِّ- مُرسَلاً-. وروى ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/450) من طريق عطاء بن السائب عن أبي عبد الله الجدلي قال: كان داود النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني، وقلبه يرعاني، إن رأى خيراً دفنه، وإن رأى شراً أشاعه! ورجاله ثقات، لكنه مقطوع غير مرفوع. * 3138- (يا أسَدُ بْنَ كُرْزٍ! لا تدخلُ الجنةَ بعملٍ، ولكن برحمةِ الله، [قلتُ: ولا أنتَ يا رسول الله؛ قال:] ولا أنا؛ إلا أن يتلافاني الله، أو يتغمدني [الله] منه برحمةٍ) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/2/49) والطبراني في "المعجم الكبير" (1/334/1001) من طريقين عن بقية قال: ثني أرطاة بن المنذر السكوني، قال: حدثني مهاصر بن حبيب الزُّبَيدي عن أسد بن كرز قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره؛ والسياق للبخاري، والزيادتان للطبراني.

قلت: وهذا إسناد جيد، أسد بن كرز- بالضم- صحابي معروف مترجم في " الإصابة " وغيره. ومن دونه ثقات مترجَمون في "التهذيب " وغيره، سوى مهاصر بن حبيب الزبيدي، وهو أخو ضمرة بن حبيب الزبيدي الشامي، قال أبو حاتم: "لا بأس به ". وذكره ابن حبان في (أتباع التابعين) من "الثقات " (7/525- 526) ، وذكره أيضاً في (التابعين) منه (5/454) ، وقال: "يروي عن جماعة من الصحابة، وعنه أهل الشام، مات سنة ثمان وعشرين ومئة". وذكره في هذه الطبقة نفسها (5/427) ، وقد تحرف اسمه على بعض الرواة قديماً وحديثاً أيضاً؛ فقال: "مهاجر بن حبيب الزبيدي. يروي عن أسد بن كرز، وله صحبة، روى عنه أرطاة بن المنذر، وأخاف أن يكون هو مهاصر بن حبيب الزبيدي ". قلت: والذي خافه قد وقع حتى في هذا المكان من كتابه، ولم يتنبه له محققه، فعلق عليه بقوله: "له ذكر في "الإصابة" في ترجمة شيخه أسد بن كرز". وهناك في "الإصابة" ساق الحافظ حديثنا هذا من رواية البخاري في "تاريخه " والطبراني وابن السكن من طريق أرطاة.. إلخ، فوقع فيه: "مهاجر بن حبيب "! وقال عقبه:

"إسناده حسن ". ومهاجر بن حبيب لا وجود له في كتب التراجم؛ إلا ما تقدم من ابن حبان مع ذكره خوفه أن يكون محرفاً من "مهاصر"، فكذلك تحرف على نساخ "الإصابة "، و"أسد الغابة " (1/85) ، وعلى واضع "فهارس الجرح والتعديل " (ص 561) وغيرهم؛ كالمعلق على "الثقات "؛ فقد وقعت العبارة المتقدمة عنه: "وأخاف أن يكون هو مهاجر.. "، هكذا: "مهاجر"!! وعلى الصواب وقع في ترجمة أرطاة بن المنذر في "تاريخ ابن عساكر"، و"تهذيب الكمال "، وكذا في "ترتيب ثقات العجلي " للهيثمي (442/1645) وقال: "شامي تابعي ثقة". قلت: ولم يذكر الهيثمي في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان " ترجمة "مهاجر.. " المحرفة، فلا أدري أكان ذلك اقتناعاً منه بأنها محرفة فلا يصح إيرادها في الكتاب، أو أنها لم تقع له في نسخته من "الثقات ". والله أعلم. وقد أشار في "مجمع الزوائد" إلى توثيق المهاصر هذا، فقال عقب حديث الترجمة (10/357) : "رواه الطبراني، وفيه بقية بن الوليد، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات " - وأقول: قد صرح بقية في رواية البخاري بالتحديث فأمنَّا بذلك تدليسه، ولذلك حسن الحافظ إسناده، كما تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد تحرف اسم "المهاصر" هذا في حديث آخر، فلا بد من تخريجه: *

3139

3139- (مَنْ دَخَلَ سُوقاً من الأسواقِ فقال: "لا إله إلا الله وحده لا شريكَ لهُ، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلَّ شيءٍ قديرٌ" كَتَبَ الله له ألفَ ألفِ حسنةٍ، ومحا عنه ألفَ ألفِ سيئةٍ) . أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/1167/793) : حدثنا عُبَيدُ بن غَنَّام والحضرميُّ قالا: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا أبو خالد الأحمر عن المهاجر بن حبيب قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر يقول: سمعت ابن عمر يقول: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. وأخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 214) : حدثنا أبو بكر به؛ إلا أنه سقط منه ذِكْرُ سالم، وعمر، ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -! وأظن ذلك من الناسخ؛ لأن الطريق واحدة تدور على أبي بكر بن أبي شيبة. ورجال إسناده ثقات غير المهاجر بن حبيب، وهو محرف، والصواب "مهاصر"، وعلى الصواب وقع في إسناد هذا الحديث عند الدارقطني في "العلل " (2/50) ، وهو ثقة عند ابن حبان والعجلي والهيثمي كما تقدم بيانه في الحديث الذي قبله، وحسَّن إسناده الحافظ ثمة. ولذلك؛ فقد أخطأ بعض الناشئين في هذا العلم حين أقدم على تضعيف هذا الحديث من جميع طرقه- وقد بلغت عنده سبعة طرق؛ هذا أحدها- في رسالة صغيرة أصدرها بعنوان "بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزهد"، يعني تضعيفهما، ولا مجال الآن لمناقشته فيما ذهب إليه من التضعيف، وإنما أقتصر هنا على مناقشته فيما تمسك به في تضعيفه لهذا الحديث بهذا الإسناد، ليتبيَّن القراء

أنه مبتدئ في هذا العلم، أو أنه تبنى سلفاً تضعيف الحديث، ثم تشبث بما يظن أنه يؤدي به إلى ضعفه. فأقول: لقد أعله بثلاث علل: الأولى: قول أبي حاتم المتقدم في الحديث الذي قبله في (المهاصر) : "لا بأس به "! فقال المومى إليه: "وهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه عند أبي حاتم، كما في "مقدمة الجرح والتعديل " ... ". فأقول: نعم، هذا مذهبه فكان ماذا؟! هلا بينت لقرائك ماذا تفهم منه؟! ألم تعلم أنه لا يعني هذا الذي عنيته أنت من تضعيفه، وإنما عنى أنه ليس في المرتبة الأولى في الاحتجاج به؟! فقد قال: 1- "إذا قيل للواحد: إنه ثقة، أو متقن، ثبت؛ فهو ممن يحتج بحديثه ". 2- "وإذا قيل له: إنه صدوق، أو محله الصدق، أو لا بأس به؛ فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه، وهي المنزلة الثانية". فهذا صريح في أن من كان في المنزلة الثانية أنه يحتج به، ولكن ليس شأنه شأن من كان في المنزلة الأولى. فهذه مرتبة من كان صحيح الحديث، والثانية مرتبة من كان حسن الحديث. ولذلك حسن الحافظ ابن حجر إسناد حديثه الذي قبل هذا. وهذا كله يقال إذا فرضنا أنه ليس هناك من وثق المهاصر هذا، وقد عرفت من وثقه. العلة الثانية والثالثة: قال بعد أن نقل عن "علل الدارقطني " أنه سماه مهاصراً: "على كل حال فهو قد اضطرب في الحديث سنداً ومتناً. والراوي عنه هو

سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر؛ فيه ضعف من قبل حفظه ... وفي " التقريب ": صدوق يخطئ ". فأقول- جواباً عن العلة الثانية-: هكذا أجمل القول في زعم الاضطراب، وكان عليه أن يبينه للناس ولا يكتمه! وهو يعني بالاضطراب سنداً ما نقله (ص 26) عن المزي في "تحفة الأشراف " (8/58) : "ورواه أبو خالد الأحمر عن المهاجر (كذا) بن حبيب عن سالم عن أبيه عن جده- ورواه غيره عن المهاجر (كذا) فلم يقل: عن جده ". ثم ذكر رواية عبد الله بن أحمد المتقدمة التي سقط منها ما تقدم بيانه، ومن ذلك؛ رفعُ الحديث. فأقول: هذا الزعم وحده يكفي للدلالة على أن المدعي لا علم عنده بالقواعد العلمية الحديثية، ذلك؛ لأنه ليس كل اختلاف في السند أو المتن يُعَدُّ علة قادحة عند العلماء، بل يشترط لذلك أن تتساوى وجوه الاضطراب بحيث لا يمكن ترجيح وجه على آخر، وهذا غير متحقق هنا. أما الإسناد؛ فقد عرفت أن مدار حديث أبي خالد الأحمر على رواية ابن أبي شيبة عنه، وأنه رواه عن عُبَيْد بن غَنَّام والحضرمي- وهما ثقتان وثانيهما من الحفاظ المشهورين- بإثبات الجد الذي هو عمر؛ مرفوعاً. وخالفهما عبد الله بن أحمد- على فرض سلامة كتاب "الزهد" من السقط-؛ فلم يذكر: "عن جده ". ولا يخفى على البصير بهذا العلم أن رواية الثقتين أرجح من الثقة الواحد، وهذا إذا فرضنا التضاد بين الروايتين، وليس كذلك؛ لأنه سواء كان الراجح أنه

عن ابن عمر عن عمر، أو عن ابن عمر دون عمر؛ لم يضرَّ؛ إذ إن الإسناد مسند على كل حال. ولا يرجِّحُ رواية عبد الله ما ذكره المزي؛ أنه رواه غير أبي خالد الأحمر عن المهاصر فلم يقل: "عن جده "! وذلك لجهالة الغير المشار إليه. ولو فرضنا أنه ثقة؛ لم يكن الاختلاف علة قادحة؛ لأنه- على الوجهين- مداره على صحابي كما ذكرنا آنفاً. أما المتن؛ فلم يبينه الناقد مكتفياً بمجرد الدعوى! وليس هناك اختلاف ظاهر؛ إلا إن كان يريد أن في آخر رواية عبد الله زيادة ليست في رواية الطبراني عن الثقتين، وهي: "وحط عنه ألف ألف خطيئة". ومثل هذه الزيادة لا علاقة لها بالاضطراب، وإنما ينظر إليها بمنظار قاعدة: "زيادة الثقة مقبولة " أو قاعدة: "رد الزيادة لمخالفة من هو أوثق منه أو أكثر عدداً"؛ وهو الحديث الشاذ. وسواء كان الراجح هذا أو ذاك فذلك لا يخدج في صحة أصل الحديث، ولا مجال الآن لبيان الراجح منها؛ إذ البحث في رد دعوى الاضطراب في المتن والسند، وقد تم ردها والحمد لله، وهي العلة الثانية عنده. ثم تنبهت إلى أن الزيادة خطأ من بعض النساخ؛ لأنها تكرار لما قبلها، ولفظها: "ومحا عنه ألف ألف سيئة، وحط عنه ألف ألف خطيئة"، ولعل الأصل: "أو حط.. " إلخ. وأما الثالثة: فهو قوله في أبي خالد الأحمر: "فيه ضعف من قبل حفظه.. وفي " التقريب ": صدوق يخطئ ". والجواب من وجهين: الأول: أن أبا خالد هذا قد وثقه جمهور المحدثين، وحسب القارئ أن يعلم أن البخاري ومسلماً قد احتجا به في "صحيحيهما"، ولا ينافي ذلك أن في حفظه

ضعفاً، خلافاً لما يوهمه الناقد بما نقله عن الحافظ من قوله: "صدوق يخطئ "! وغالب الظن أنه لا يعلم أنه يعني بذلك أنه قليل الغلط كما صرح بذلك في "مقدمة الفتح " (ص 384) ، وقد أشار إلى ذلك الذهبي بقوله في "الميزان ": " الرجل صاحب حديث وحفظ، من رجال الستة، وهو مكثر، يهم كغيره ". ولذلك؛ قال في كتابه "الكاشف ": "صدوق إمام ". فهل يجوز رد حديث مثل هذا الإمام يا أبا عبد الله؟! فاتق الله! ولا تتبع الهوى؛ فَيُضِلَّكَ عن سبيل الله. ثم إن الباحث عن الحق لا ينبغي أن يقف عند كلمة للحافظ أو لغيره، ويبني عليها توثيقاً وتصحيحاً أو تجريحاً وتضعيفاً! وإنما ينبغي عليه أن يستخلص من أقوال الأئمة خلاصة يطمئن إليها، ويبني أحكامه عليها، وإلا؛ صَدَرَتْ منه أحكام مضطربة، وهذا ما نراه في كثير من الطلاب الناشئين اليوم، بحيث يُقَوِّي حديثَ راوٍ تارةً، ويُضَعِّفُه أخرى، ليس ذلك من باب تغير الاجتهاد، أو من باب تطبيق قاعدة (الشذوذ والمخالفة) ونحوها؛ وإنما من باب: " الغاية تبرر الوسيلة "! فأحدهم قد يميل إلى تضعيف حديث؛ فيجلب ما هبَّ ودبَّ من الأقوال لتأييد ضعفه، أو العكس من ذلك إذا كان هواه في صحة الحديث! وعلى ضوء ما ذكرت؛ نسأل هذا الناقد: ما هو الأصل عندك في حديث أبي خالد الأحمر هذا؟ أهو الاحتجاج به، أم تضعيفه؟ فإن قلت بالأولى؛ فلماذا ضعّفت حديثه هذا؟! وان قلت بالآخر، فما هي حُجَّتُك مقابل احتجاج الشيخين بحديثه؛ فضلاً عن

غيرهما؟! فكم من حديث له في "السنن " وغيرها صححه العلماء! كحديث: "لا ينظر الله إلى رَجُلٍ يأتي امْرأَتَهُ في دُبُرِهَا"؛ فقد حسَّنه الترمذي، وقواه ابن الجارود (729) ، وصححه ابن حبان (1302) ، ومن قبله الإمام إسحاق بن راهويه في "مسائل المروزي " (ص 221) ، وابن حزم أيضاً (10/70) ، وابن دقيق العيد في "الإلمام " (1127) . والشيخ مقبل الوادعي نفسُه لم يُضَعِّفْ! هذا الحديث- أعني حديث إتيان المرأة في دبرها- في تعليقه على "تفسير ابن كثير" (1/485) ؛ بل أقرَّ الترمذيَّ على تحسينه إياه، وأيده بقوله: "رجاله رجال الصحيح "! وهذا كلُّه يدل الباحثَ أن هذا الناقد جعل النقد غايةً له، وليس الدفاع عن حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا؛ كيف يُقدِم على مخالفة الحفاظ في توثيق هذا الرجل وتصحيحهم لحديثه؛ لمجرد نقد رآه لبعضهم فيه، لا يستطيع- لحداثته في هذا العلم- أن يجد له وجهاً لا يختلف مع التوثيق والتصحيح المذكورين على النحو الذي ذكرناه؟!! وحقاً: إن عجبي لا يكاد ينتهي من أخينا الفاضل الشيخ مقبل بن هادي؛ كيف يحضُّ هذا وأمثالَه من الناشئين- مثل العدوي والمؤذن ونحوهما- على أن يتسلَّقوا سلَّم النقد في هذا العلم؛ وهم- بعد- في أول الطريق؟! وأن يشغلونا عما نحن في صدده - من خدمة كتب السنة- بالردّ على أمثالهم، ولو بقدر ضئيل من الوقت؟! ولا يشفع له ذلك: قوله في تقديمه للرسالة (ص 9) : "والأخ عادل حفظه الله، وإن لم يكن بمنزلة محدِّث العصر الشيخ ناصر الدين ... ". فهذا حق وصدق؛ بل أنا أشهد على نفسي أنني دون ذلك بكثير، ولكني - مع ذلك- أرى أن من الواجب على الشيخ مقبل أن ينصح أولئك الناشئين أن

يدأبوا على دراسة هذا العلم حتى يَنْبُغُوا فيه، وأن ينشروا ما ينفع الأمة من البحوث الحديثية والفقهية، مما يعلمون أن الناس بحاجة إليه، حتى يطِّلع الناسُ على ثمرة عِلْمهم، ويُشْهَد لهم به! ألا يعلم هؤلاء أنهم إذا قاموا بالردّ على من يزعمون بأنه: "محدث العصر". أن هذا يدفعنا للرد عليهم، وبيان عوارهم وجهلهم بهذا العلم، وأنهم تزبَّبوا قبل أن يتحصرموا؟! والآخر: لقد نقلت عن الحافظ المزي أن أبا خالد هذا قد توبع في روايته عن المهاصر بن حبيب، فكيف جاز لك أن تذكر ذلك لإثبات الاضطراب المزعوم، وأن تتجاهله حين يناسبك ذلك؟! أليس ذلك صنيع أهل الأهواء الذين يكيلون بكيلين، ويلعبون على الحبلين؟! فأعظك أن تكون من الجاهلين! على أن المهاصر هذا؛ قد تابعه محمد بن واسع عن سالم عن عبد الله بن عمر عن عمر به مرفوعاً. أخرجه جمع من الأئمة؛ كالبخاري في "الكنى" (50/430) ، والدارمي، والترمذي، والحاكم، وغيرهم من طريق أزهر بن سنان عنه. وهذا إسناد يستشهد به؛ لأن محمد بن واسع ثقة عابد كثير المناقب، احتج به مسلم كما في "التقريب ". وأزهر بن سنان- وإن كان قد ضعفه جمع، وقال فيه الحافظ: "ضعيف "- فإنه لم يتهم، بل قال ابن عدي في "الكامل " (1/420) - وقد ساق له أحاديث هذا أحدها-: "وأحاديثه صالحة ليست بالمنكرة جدّاً، وأرجو أنه لا بأس به ".

ولذلك؛ لما أخرجه الحاكم وقال في أزهر هذا: "بصري زاهد"؛ لم يتعقبه الذهبي إلا بقوله (1/538) : "قلت: قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به ". وقال المنذري في "الترغيب " (3/5) : "وإسناده متصل حسن، ورواته ثقات أثبات، وفي أزهر بن سنان خلاف، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به ". ولذلك؛ أورده الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (ج 1/ رقم 176- 178- بتحقيقي) ، وله طرق أخرى ومتابعات ذكرت بعضها هناك، وفيما تقدم كفاية لمن أنصف. هذا؛ ويبدو لي من صنيع الناقد لهذا الحديث أمران: الأول: أنه يتبنى الجرح مطلقاً، ولو كان غير مفسِّر؛ خلافاً للمعروف في علم المصطلح. والآخر: أنه لا يتبنى قاعدة تقوية الحديث الضعيف بكثرة الطرق التي لم يشتد ضعفها، كما قرره ابن الصلاح في "المقدمة"، وأشاد بها شيخ الإسلام ابن تيمية في غير ما موضع من كتبه و"فتاويه "! فقد ساق الناقد لهذا الحديث سبعة طرق، أكثرها ليس فيها متهم بالكذب، ومع ذلك؛ فإنه لما ضعف مفرداتها كلها؛ لم يستفد من مجموعها للحديث قوة، وبخاصة حديث المهاصر بن حبيب الذي هو حجة وحده في هذا الباب، فكيف إذا انضم إليه حديث الأزهر بن سنان ونحوه؟! فاللهم هداك!! وكأني بهذا الرجل- مثل كثير غيره- يستكثرون على الله تعالى أن يعطي عباده هذا الأجر الكبير على هذا التهليل، فلما استقر ذلك في نفسه؛ أخذ

يُضَعَّفُ حديثَ نبيِّه بكل وسيلة، متجاهلاً حقيقة شرعية لا تخفى على أي مؤمن، وهي فضل الله على عباده؛ كما صرح بذلك في كتابه بقوله: (والله ذو فضل عظيم) ، وفي الآية الأخرى: (والله ذو الفضل العظيم) . على أن للفضل المذكور في الحديث شاهداً من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه- لعله لم يطرق سمعه لحداثته! -: يرويه علي بن زيد عن أبي عثمان قال: بلغني عن أبي هريرة أنه قال: إن الله عز وجل يعطي عبده المؤمن بالحسنة الواحدة ألف ألف حسنة. قال: فقضي أني انطلقت حاجاً أو معتمراً فلقيته، فقلت: بلغني عنك حديث: أنك تقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل يعطي عبده المؤمن بالحسنة ألف ألف حسنة"؟ قال أبو هريرة: لا، بل سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل يعطيه ألفي ألف حسنة. ثم تلا (يُضَاعِفْها ويُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أجراً عظيماً) ". فقال: إذا قال: (أجراً عظيماً) ؛ فمن يقدر قدره؟! أخرجه أحمد (2/296 و521- 522) وغيره، ورجاله ثقات؛ غير علي بن زيد- وهو ابن جدعان-؛ فيه ضعف من قبل حفظه، وقد أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: "صالح الحديث ". وقال الحافظ: "ضعيف".

ورمزا له بأنه روى له مسلم، فأطلقا! وإنما روى له مقروناً بثابت البُناني كما في "الجمع بين رجال الصحيحين " (1/358- 359) . قلت: فمثله صالح للاستشهاد به، ولعله مراد الذهبي، والله سبحانه وتعالى أعلم. على أنه قد توبع، وإن كانت متابعة واهية، ولكنها إن لم تنفع فلا تضر، فلنذكرها إذن: قال ابن كثير في "تفسيره "- عقب رواية أحمد-: "حديث غريب، وعلي بن زيد بن جدعان عنده مناكير، لكن رواه ابن أبي حاتم من وجه آخر، فقال.. ". قلت: فساق إسناده إلى محمد بن عقبة الرفاعي عن زياد الجصاص عن أبي عثمان النهدي به نحوه. وسكت عنه ابن كثير لظهور ضعفه؛ فإن زياداً هذا- وهو ابن أبي زياد الجصاص- ضعيف اتفاقاً، لم يوثقه أحد سوى ابن حبان؛ فإنه ذكره في "الثقات " (6/320) ! ومع ذلك، فإنه قال: "ربما وهم ". ومحمد بن عقبة ليس بالمشهور، قال ابن أبي حاتم (4/1/36) : "سألت أبي عنه؟ فقال: شيخ ". ثم قال ابن كثير: "وفي معنى هذا الحديث ما رواه الترمذي وغيره من طريق عمرو بن دينار عن سالم عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دخل السوق ... " الحديث.

3140

قلت: وسكت عنه، فكأنه أشار بذلك إلى تقويته بما قدمه قبله من حديث أبي هريرة بطريقيه عنه. والله أعلم. * 3140- (ومَا أنا والدنيا؟! وما أنا والرَّقْم؟ !) . أخرجه أبو داود (4149) ، وأحمد (2/21) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/239/16221) ، وابن حبان (8/91/6319) من طريق ابن نمير: حدثنا فضيل بن غزوان عن نافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى فاطمة رضي الله عنها، فوجد على بابها ستراً، فلم يدخل، قال: وقلما كان يدخل إلا بدأ بها، فجاء علي ـ رضي الله عنه- فرآها مهتمة، فقال: ما لك؟! قالت: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - إلي؛ فلم يدخل، فأتاه علي - رضي الله عنه-، فقال: يا رسول الله! إن فاطمة اشتد عليها أنك جئتها فلم تدخل عليها؟! قال: ... (فذكر الحديث) ، فذهب إلى فاطمة، فأخبرها بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: قل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما يأمرني به؟ قال: "قل لها: فلترسل به إلى بني فلان ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وابن نمير اسمه عبد الله، أبو هشام الكوفي، قال الحافظ: "ثقة صاحب حديث من أهل السنة". وقد تابعه محمد بن فضيل عن أبيه به نحوه، وفيه: "وكان سِتراً موشَياً "؛ أي: مزخرفاً منقوشاً.

3141

وزاد في آخره: "أهل بيت بهم حاجة". أخرجه البخاري في "صحيحه " (رقم 2613- فتح) ، (ج 2/194/ رقم 1179 - مختصر البخاري) ، وأبو داود أيضاً (4150) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (7/312) . ثم تبين أن الحديث سبق تخريجه برقم (2421) ، لكنه هنا أوسع وأكثر فائدة، فلا بأس من نشره مرة أخرى. * 3141- (كل أمَّتي يدخلُ الجنة إلا مَنْ أبى. قالوا: ومَنْ يأبى؟! قال: من أطاعني دخلَ الجنةَ، ومن عصاني فقدْ أبى) . أخرجه البخاري (رقم 7280- فتح) ، وأحمد (2/361) من طرق عن فليح: حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسارعن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره. قلت: وفليح هذا هو ابن سليمان؛ فيه كلام كثير من قبل حفظه، مع أنه أخرجا له في "الصحيحين "، لكن قال الحافظ في "مقدمة الفتح ": "احتج به البخاري وأصحاب "السنن "، وروى له مسلم حديثاً واحداً، وهو حديث الإفك، وضعفه ابن معين والنسائي وأبو داود، وقال الساجي: هو من أهل الصدق، وكان يهم.. ". وقول الساجي هو الذي اعتمده الحافظ في "التقريب "؛ فقال: "صدوق، كثير الخطأ". وكذلك أورده الذهبي في "الضعفاء"، وذكر أقوال من ضعفه.

قلت: فمثله قد يحسَّن حديثه، أما الصحة فلا، وقال ابن عدي فيه (6/30) : "روى أحاديث مستقيمة وغرائب، وقد اعتمده البخاري في "صحيحه "، وروى عنه الكثير، وهو عندي لا بأس به ". وقد ذكر له الحافظ شاهدين من حديث أبي أمامة وأبي هريرة، وقد كنت خرجتهما فيما تقدم، الأول برقم (2043) ، والآخر تحت حديث أبي سعيد الخدري برقم (2044) ، ولفظه أتم، وهو شاهد قوي لحديث فليح، فكان على الحافظ أن يذكره، فالظاهر أنه لم يستحضره؛ لأنه تفرد به ابن حبان. وكنت صححت إسناده ثمة على شرط البخاري، بناء على إسناده الذي ساقه الهيثمي في "موارد الظمآن "، وفيه: "خليفة بن خياط "، وهو من رجال البخاري. ثم تبينت أنه خطأ- لا أدري أمن الهيثمي هو أم الناسخ؟ -، وأن الصواب: "خلف بن خليفة"! وهذا وإن كان صدوقاً ومن رجال مسلم؛ فإنه كان اختلط، ولم يتبين لي أنه حدث به قبل الاختلاط، فحديثه شاهد جيد لحديث الترجمة. والله أعلم. وحديث أبي هريرة المشار إليه هو مختصر بلفظ: "لتدخلن الجنة إلا من أبى، وشرد على الله كشِراد البعير". وقد كنت عزوته هناك للحاكم وحده، وتعقبت تصحيحه إياه على شرط الشيخين بأن فيه إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس.. ثم رأيت الحافظ قد عزاه في "الفتح " (13/254) لأحمد والحاكم معاً، وقال الحافظ: "وسنده على شرط الشيخين ". وقلده المعلق على "الإحسان " (1/197) في هذا وفي العزو إليهما معاً، وقد لفت نظري أنه مع ذكره موضع إخراج الحاكم إياه؛ بيَّض لأحمد فلم يعين موضعه

من "مسنده "، فأشكل ذلك علي، فتابعت البحث للوصول إلى الحقيقة، فوجدت الحاكم قد أخرجه في مكان آخر غير المكان الذي كنت عزوت رواية إسماعيل إليه، ومن غير طريقه: أخرجه (1/55) من طريق يعقوب بن إبراهيم، وهذه متابعة قوية؛ لو ثبتت كان الإسناد صحيحاً على شرطهما كما قال الحاكم، لكن في النفس منها شيء؛ فإنه رواه عن شيخه القطيعي: ثنا عبد الله بن أحمد: ثني أبي: ثنا يعقوب ابن إبراهيم ... إلخ. وظاهر هذا الإسناد أن الحديث في "مسند أحمد"؛ لأنه من رواية القطيعي كما هو معلوم، وليس هو فيه كما يغلب على ظني بعد مزيد من البحث عنه، والاستعانة على ذلك بكل الوسائل الممكنة؛ قديمها وحديثها: أولاً: لم يذكره الهيثمي في "مجمعه "، وقد ذكر فيه حديث أبي سعيد، وحديث أبي أمامة المشار إليهما آنفاً. ثانياً: لم يورده الحافظ نفسه في "أطراف المسند"، كما نبأني بذلك أحد إخواني. ثالثاً: لم يذكره أيضاً أخونا حمدي عبد المجيد السلفي في "فهارس المسند". إلى غير ذلك من الوسائل المعروفة اليوم. وينتج من ذلك أن إطلاق العزو لأحمد وهم؛ لأنه يعني أنه في "المسند" وليس فيه. فالأمر لا يتعدى احتمالاً من الاحتمالات الثلاثة: الأول: أن يكون الحديث من رواية أحمد في غير "المسند"؛ مثل "الزهد" و"فضائل الصحابة"؛ فإنهما من رواية القطيعي. الثاني: أن يكون من أوهام القطيعي؛ فإن فيه كلاماً من حيث كان اختلط في آخر أمره. الثالث: أن يكون من أخطاء الحاكم على القطيعي. والله سبحانه وتعالى أعلم. *

3142

3142- (يا مَعْشرَ النساء! تصدَّقْنَ، فما رأيتُ من نواقصِ عقلٍ - قطُّ - أو دينٍ أذْهبَ لقلوبِ ذوي الألبابِ منكنَّ، وإني رأيتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النارِ يومَ القيامةِ، فتقرَّبنَ إلى الله بما استطعتُنَّ. وكان في النساء امرأة ابن مسعود ... فساق الحديث، فقالت: فما نقصان ديننا وعقولنا يا رسول الله؟! فقال: أمَّا ما ذكرتُ من نقصانِ دينكُنَّ؛ فالحيضةُ التي تصيبُكُنَّ؛ تمكثُ إحداكُنَّ ما شاءَ الله أنْ تمكثَ لا تُصلي، وأمَّا ما ذكرتُ من نقصانِ عقولِكنَّ؛ فشهادةُ المرأة نصفُ شهادةِ الرجلِ) . أخرجه مسلم (1/61) ، والنسائي في "الكبرى" (5/400/9271) ، وابن خزيمة في "صحيحه " (4/106- 107) - ببعضه-، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/309) ، وأحمد في "المسند" (2/373- 374) ، وأبو يعلى في "مسنده " (11/462- 464) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (3/323- 324) - والسياق له- كلهم من طريق إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة الصبح، فأتى النساء في المسجد، فوقف عليهن، فقال: ... فذكره، والسياق لابن عبد البر، ولم يسق مسلم لفظه، وإنما أحال به على لفظ حديث ابن عمر، ساقه قبله، فقال: "بمثل معنى حديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " (¬1) . ولذلك استجاز ابن كثير في "تفسيره " (1/335) عزوه لمسلم، فقال: ¬

(¬1) وحديث ابن عمر مخرج في "الإرواء" (1/205) ، و"الظلال " (2/463- 464) .

"قال مسلم في "صحيحه ": حدثنا قتيبة: حدثنا إسماعيل بن جعفر ... " فساقه بلفظ حديث ابن عمر. وأقول: لكن جمعه بين إسناد مسلم عن أبي هريرة ولفظ ابن عمر عنده؛ غير محمود كما هو ظاهر! لأن في كل من حديثيهما ما ليس في الآخر، ولذلك كان عليه أن ينبه على ذلك كما صنع مسلم- رحمه الله-. ومن أجل ما بيَّنت من أن مسلماً لم يسق لفظه؛ أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/118) ، فقال: "رواه أحمد وأبو يعلى، ورجال أحمد ثقات ". وذكر قبله: " قلت: في "الصحيح " طرف منه ". وهو يشير بذلك إلى لفظ حديث ابن عمر، وهو تعبير قاصر، لا يُجَلِّي الأمر للقارئ كما بينت. ثم إن تخصيصه لأحمد بأن رجاله ثقات؛ مما لا وجه له؛ لأنه يشعر بأن رجال أبي يعلى ليسوا كذلك، وهو خطأ؛ لأن شيخ أحمد: سليمان بن داود- وهو الطيالسي-، وشيخ أبي يعلى: يحيى بن أيوب- وهو المقابري-؛ كلاهما قال: حدثنا إسماعيل به، وكلاهما ثقة من رجال مسلم، فكان الصواب أن يقول: "ورجالهما ثقات ". والأولى أن يضيف إلى ذلك: " رجال الصحيح "، كما هي عادته، والأصح أن يقول: " وإسنادهما صحيح على شرط مسلم ".

لأنه رواه عن ثلاثة من شيوخه منهم يحيى بن أيوب هذا! ومن فوق هؤلاء الثلاثة- والرابع الطيالسي-: من رجال الشيخين، وعلى هذا فيمكن تصحيح الإسناد على شرطهما. وعمرو بن أبي عمرو هو مولى المطلب المدني، قال الحافظ: "ثقة ربما وهم ". قلت: وقد أمنّا من وهمه: أنه قد تابعه عمر بن نُبَيه الكعبي عن المقبري به. أخرجه الطحاوي، وإسناده صحيح. وله طريق أخرى عن أبي هريرة ببعض اختصار. أخرجه الترمذي (7/2616) وابن أبي عاصم في "السنة " (2/464/956) ، وقال الترمذي: "حديث صحيح غريب حسن من هذا الوجه ". قلت: وهو على شرط مسلم. واعلم أخي الكريم! أن هذه القصة قد وقعت أكثر من مرة: ففي حديث أبي هريرة هذا أنها كانت بعد انصراف النبي من صلاة الصبح والنساء في المسجد. ورواه أبو سعيد الخدري فقال: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أضحى أو في فطر إلى المصلى، فمرَّ على النساء، فقال: "يا معشر النساء! تصدقن ... " الحديث، رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء" (1/204) .

ففي هذا أنها كانت في العيد: أضحى أو فطر في المصلى، وليس يخفى على البصير أن هذا لا ينفي وقوع ذلك في غير العيد، كما في حديث أبي هريرة أنه وقع بعد انصرافه - صلى الله عليه وسلم - من صلاة الصبح والنساء في المسجد، وهذا مما يبطل ما جاء في كتاب "تحرير المرأة في عصر الرسالة " (1/276) أن هذه الكلمة: "ناقصات عقل ودين "؛ قال: "إنما جاءت مرة واحدة، وفي مجال إثارة الانتباه والتمهيد اللطيف لعظة خاصة بالنساء، ولم تجئ قط مستقلة في صيغة تقريرية"! كذا قال! وهذه جرأة عجيبة في تأويل كلامه - صلى الله عليه وسلم - وتحميله ما لا يحتمل من المعاني! وقد أقره الشيخ القرضاوي في تقديمه للكتاب (ص 25) ، وذلك لتوهمهما أن فيها غضّاً من قيمة المرأة، وليس ذلك من ذلك ألبتة! مثلهم في ذلك مثل المعتزلة والمعطلة؛ الذين يتأولون آيات الصفات وأحاديث الصفات؛ لزعمهم أن ظواهرها تفيد التجسيم والتشبيه، وذلك مما لا يليق بالله تعالى فوجب التأويل! وردُّ أهل السنة عليهم معروف، وهو أن فهم التشبيه من تلك النصوص هو الخطأ، ولذلك؛ اضطروا إلى رده بالتأويل، وعليه؛ فنحن نقول لهم ولأمثالهم من المؤوَّلة: صحح الفهم للنص تسلم من التأويل والتعطيل. فالمشكلة الأساسية تعود إلى سوء الفهم، أو ضعف الإيمان، وقد يجتمعان، كما يفعل الشيخ الغزالي ومقلدوه من الآرائيين الجهلة. وهذا هو المثال بين أيدينا؛ فإن صاحبنا مؤلف "التحرير" لمّا فهم من الحديث أن فيه غضّاً من شأن النساء؛ تأوله بما لا يحتمله من المعنى بما تقدم نقله عنه، حتى حمله ذلك على إنكار وروده عنه - صلى الله عليه وسلم - مرة أخرى! وعلى إنكار أنه - صلى الله عليه وسلم - يقرر قاعدة عامة! وهذا - والله- منتهى الغفلة أو المكابرة!! وذلك؛ لأن الحديث يقرر أمراً جِبِلْيّاً لا يمكن لأحد أن ينكره ولو كان ملحداً، وهو أن المرأة تحيض، وأن عقلها دون عقل الرجل، هكذا

خلقها الله لحكمة بالغة، كما قال عز وجل: (وما خلق الذكر والأنثى) ، ولهذا قال العلماء- واللفظ لعلامة الأندلس الحافظ ابن عبد البر (3/326- 327) -: "هذا الحديث يدل على أن نقصان الدين قد يقع ضرورة لا تُدفع، ألا ترى أن الله جَبَلَهُنَّ على ما يكون نقصاً فيهن، قال الله عز وجل: (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضَهُم على بعض) ، وقد فضل الله أيضاً بعض الرجال على بعض، وبعض النساء على بعض، وبعض الأنبياء على بعض، (لا يُسأل عما يفعل) ، (وهو الحكيم العليم) ". فهذه قاعدة عامة لا تستطيع امرأة أن تخرج عنها، فكل امرأة تحيض، كما أن كل رجل يمذي! ثم إن الله تعالى بحكمته رتب على تلك الجبلَّة حُكمَينِ ثابتين: شهادة المرأة على النصف من شهادة الرجل، والمرأة الحائض لا تصلي ولا تصوم، فهذه قاعدة لا استثناء فيها شرعاً، كالتي قبلها لا استثناء فيها قدراً. وقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الحقيقة بقوله: "كمَل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ". رواه الشيخان، وهو مخرج في " الروض النضير" (رقم 73) . ويشبه ذلك الفرق الجِبِلِّيَّ بين الرجال والنساء: الفرقُ المعروف بين الملائكة كافة، والبشر عامة، فالأولون كما قال الله: (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) ، والبشر على خلاف ذلك، طبعهم الله على المعصية، ولكن أمرهم بالاستغفار، وذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده؛ لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله، فيغفر لهم ". رواه مسلم، وهو مخرج في هذه "السلسلة" (برقم 1950) .

(تنبيه) : في قول ابن عبد البر: "فساق الحديث " إشارة قوية إلى أن له تتمة اختصرها لعدم علاقتها بالباب، فرأيت من تمام الفائدة أن أسوقها، مع الإشارة إلى حرف مشكل فيه كنت نبهت عليه في تعليقي على "صحيح ابن خزيمة"، فتمام الحديث- عنده وعند المذكورين بعده في التخريج-: وكان في النساء امرأة عبد الله بن مسعود، فانقلبت إلى عبد الله بن مسعود فأخبرته بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأخذت حُلِيَّها، فقال ابن مسعود: أين تذهبين بهذا الحلي؟! قالت: أتقرب به إلى الله ورسوله (!) قال: ويحك، هلمي تصدقي به علي وعلى ولدي، فأنا له موضع! فقالت: لا! حتى أذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فذهبت تستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله! هذه زينب تستأذن، قال: "أي الزيانب هي؟ "، قال: امرأة ابن مسعود قال: "ائذنوا لها"، فدخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: يا رسول الله! إني سمعت منك مقالة، فرجعت إلى ابن مسعود فحدثته، وأخذت حليةً لي أتقرب به إلى الله وإليك (!) رجاء أن لا يجعلني الله من أهل النار! فقال لي ابن مسعود: تصدقي به علي وعلى ولدي، فأنا له موضع، فقلت: حتى أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تصدقي به عليه وعلى بنيه؛ فإنهم له موضع ". قلت: فقولها أمام ابن مسعود: "أتقرب به إلى الله ورسوله "، ثم أمام النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أتقرب به إلى الله وإليك " مشكل؛ لأن التقرب بالعبادة لا تكون إلا إلى الله فقط كما بينت هناك. وأزيد هنا فأقول: لعلها ضمنت قولها معنى الطاعة، فكأنها قالت: أطيع الله ورسوله، أو أن قولها كان قبل النهي عن مثلها كمثل: " ما شاء الله وشئت "؛ فقد كانوا يقولون ذلك، ويسمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا ينهاهم، حتى أمره الله تعالى بالنهي؛ فقد صح

3143

عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في حديث الطفيل المتقدم برقم (138) : ".. كنتم تقولون كلمة كان يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها؛ لا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد". (تنبيه آخر) : تقدم عزوي الحديث إلى الترمذي مقروناً بقولي: "ببعض اختصار"، أي: عن حديث الترجمة الخالي من قصة زينب المذكورة آنفاً. فمن سوء التخريج، وقلة الفقه والتحقيق: أن يعزوه إليه المعلق على "مسند أبي يعلى"، والحديث فيه بتمامه دون أن يشير على الأقل أنه عند الترمذي مختصر من هذا جداً ليس فيه القصة! ولا يخفى ما في هذا الإخلال من الإيهام للقراء أن الترمذي رواه بتمامه كأبي يعلى. ومن المؤسف أن مثل هذا الإيهام يتكرر منه كثيراً على هذا الكتاب "المسند"، وعلى "موارد الظمآن " الذي توسع في تخريجه والتعليق عليه حتى صار الكتاب مطبوعاً في ثمان مجلدات، وقد نبهت على شيء من هذه الإيهامات وعلى تساهله في التصحيح في بعض المواضع من كتابيَّ: "صحيح موارد الظمآن "، و"ضعيف موارد الظمآن "، وهما تحت الطبع. * 3143- (من ابتُليَ من [هذه] البنات بشيءٍ فأحسن إليهنَّ؛ كنَّ لَهُ سِتْراً من النار) . أخرجه البخاري (1418و5995) - وفي "الأدب المفرد" (132) -، ومسلم (8/38) والترمذي (1916) - وحسنه-، و (1918) - وصححه-، وابن حبان (2928) ، والخرائطي في "مكارم الأخلاق " (ص 72) ، والبيهقي في "السنن " (7/478) ، وفي "الشعب " (7/467) ، والبغوي في " شرح السنة " (6/187) ،

وعبد الرزاق في "المصنف " (10/457) ، وأحمد (6/33 و87- 88و166، 243) ، وعبد بن حميد (1473- المنتخب) من طرق عن الزهري: حدثني عبد الله بن أبي بكر أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: جاءتني امرأة ومعها ابنتان لها، فسألتني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها، فأخذتها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت وابنتاها، فدخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحدثته حديثها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. ولم يذكر الترمذي وابن حبان وغيرهما (عبد الله بن أبي بكر) في إسناده، وهو ابن حزم الأنصاري، والزيادة للبخاري- في رواية- وغيره. وتابعه زيد بن علي عن عروة به مرفوعاً دون القصة بلفظ: "ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن؛ إلا كنَّ له ستراً من النار". أخرجه البيهقي في "الشعب " (7/469) من طريق أبي همام: نا أبي: نا زياد بن خيثمة عن زيد بن علي به. قلت: وإسناده جيد، لكني أخشى أن يكون وهم في لفظِهِ والدُ أبي همام، واسمه شجاع بن الوليد؛ فإنه مع كونه من رجال الشيخين؛ فقد تكلموا في حفظه، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في "التقريب ": "صدوق ورع، له أوهام ". ولكنه قد أصاب المعنى. وتابع عروة: عراك بن مالك عن عائشة أنها قالت:

جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعتْ إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: "إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار". أخرجه مسلم، وأحمد (6/92) ، والبيهقي في "الشعب " (7/468) . وتابعه صعصعة عمُّ الأحنف به نحوه. رواه ابن ماجه (3668) . وله شاهد من حديث أم سلمة مرفوعاً دون القصة، ولفظه: "من أنفق على ابنتين، أو أختين، أو ذواتي قرابة، يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما الله من فضله عزَّ وجل أو يكفيهما؛ كانتا له ستراً من النار". أخرجه أحمد (6/293) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/392- 393) من طريق محمد بن أبي حميد عن المطلب بن عبد الله المخزومي عنها. قلت: ورجاله ثقات؛ غير محمد بن أبي حميد- وهو الأزرقي الأنصاري-، قال الحافظ في "التقريب "- تبعاً لشيخه الهيثمي في "المجمع " (8/157) -: "ضعيف ". لكن قال المنذري في "الترغيب " (3/ 84) : "ولم يترك، ومشاه بعضهم، ولا يضر في المتابعات ". وأخرجه البزار (1890- كشف) من طريق أخرى عن أنس أن امرأة دخلت على عائشة ... ". *

3144

3144- ( [يا أيُّها الناسُ!] إنَّ الله بَعثني إليكم، فقلتُم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صَدَقَ، وواساني بنفسهِ ومالهِ، فهلْ أنتُم تاركو لي صاحبي؟ (مرَّتين) فَمَا أُوذِيَ بعدَها) . أخرجه البخاري (7/18/ 3661) : حدثنا هشام بن عمار: حدثنا صدقة ابن خالد: حدثنا زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن عائذ الله أبي إدريس عن أبي الدرداء قال: كنت جالساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، إذ أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أما صاحبكم فقد غامر"، فسلّم وقال: يا رسول الله! إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي! فأقبلت إليك. فقال: "يغفر الله لك يا أبا بكر! (ثلاثاً) ". ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثَمَّ أبو بكر؟ فقالوا: لا، فأتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل وجه النبي يتمعَّر حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله! واللهِ! أنا كنت أظلم (مرتين) ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/576/ 1223) مختصراً دون القصة، ودون قوله: "فما أوذي بعدها"، وعنده الزيادة. وأخرجه البيهقي (10/236) من طريق أخرى عن هشام بن عمار بتمامه، وفيه الزيادتان: الأولى، والأخيرة. وقد قال الحافظ في هذه الأخيرة (7/26) : "ولم أر هذه الزيادة من غير رواية هشام بن عمار"!

وقد غاب عنه- رحمه الله- أنها في رواية محمد بن المبارك الصوري قال: نا صدقة بن خالد ... فساقه بإسناده ومتنه، وفيه الزيادتان. أخرجه عبد الله بن أحمد في "فضائل الصحابة" (1/240/297) ، وأبو نعيم في "الحلية" (9/303- 304) دون الثانية، وسنده صحيح رجاله ثقات. وتابعه عبد الله بن يوسف: نا صدقة به. أخرجه أبو نعيم أيضاً. ثم أخرجه البخاري (4640) بإسناد آخر عن عبد الله بن العلاء بن زبْر قال: حدثني بسر بن عبيد الله به نحوه، وفيه الزيادة الأولى مع تقديم وتأخير، وقال أبو عبد الله- يعني: البخاري- عقب الحديث: "غامر: سَبَقَ بالخير". (تنبيه) : جملة التصديق والمواساة قد رُويت في الثناء على خديجة أيضاً من حديث عائشة، ولكن في إسناده ضعف؛ ولذلك خرجته في "الضعيفة" (6224) . (فائدة) أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (9/4- 5) من طريق سعيد بن سليمان: حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أنفق أبو بكر- رضي الله عنه- على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين ألفاً. قلت: ورجاله ثقات؛ غير سعيد بن سليمان- وهو النَّشِيطي-، وهو ضعيف؛ كما في "التقريب "، ويؤكد ذلك أنه قد خالفه ابن سعد في "الطبقات "؛ فقال (3/172) : أخبرنا أبو أسامة حماد بن أسامة به. لم يذكر عائشة، ولم يَتَعَدَّ به عروة، فهو مرسل.

وهكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة: أخرجه عنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (9/557) ، لكن في رواية له من طريق أبي داود: نا يحيى بن علي: نا أبو أسامة به وزاد: قال عروة: فأخبرتني عائشة قالت: توفي أبو بكر وما ترك ديناراً ولا درهماً. فالظاهر أن أصل هذا الأثر متصل عن عائشة، لم يجاوزوا بِهِ عروة لشهرته عنها، فكان بعضهم يذكرها، ومنهم سعيد بن سليمان. وقد ذكرت أنفاً أنه النشيطي الضعيف؛ لأنه روى عنه أبو زرعة، ولمخالفته الثقات؛ ثم بدا لي أنه سعيد بن سليمان الواسطي المعروف بـ "سَعْدَوَيهِ " الثقة، وذلك؛ لأنه هو الذي ذكر في الرواة عن أبي أسامة- واسمه حماد بن أسامة- في "الجرح والتعديل " (1/2/132) و"تهذيب المزي " (7/220) ، وأيضاً فابن حبان لم يوثق إلا الواسطي هذا (8/267) ، فيستبعد أن يروي في "صحيحه " عن سَمِيِّهِ النشيطي، على أن أبا زرعة قد روى عنهما كليهما، وهذا من روايته عن سعيد بن سليمان غير منسوب، فكان ذلك من دواعي الخطأ، فالحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. وبذلك نتبين صحة حديث عائشة هذا، والحمد لله. ويؤيده حديث أبي هريرة مرفوعاً: "ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر". وقد مضى تخريجه برقم (2718) . ولحديث الترجمة شاهد من حديث أبي أمامة بأسانيد فيها مقال: أخرجها ابن عساكر (9/580- 583) .

3145

ورواه الطبراني (12/272) عن ابن عمر، وفيه متروك. وقد وردت مثل هذه القصة بين أبي بكر وربيعة الأسلمي، فلا بأس من سوقها: * 3145- (يا ربيعةُ! ما لك وللصِّدِّيقِ؟ قلتُ: يا رسول الله! كان كذا، وكان كذا، فقال لي كلمةًً كرهتُها، فقال لي: قل كما قلتُ لك حتى يكون قصاصاً، [فأبيتُ] ؟! فقال رسول الله: أجل، فلا تردَّ عليه، ولكن قل: غفر الله لك يا أبا بكر!) . أخرجه أحمد (4/58- 59) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/52- 53) ، وابن عساكر في "التاريخ " (9/583) من طرق عن مبارك بن فضالة: ثنا أبو عمران الجوني عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدُم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعطاني أرضاً، وأعطى أبا بكر أرضاً، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عِذقِ نخلة، فقال أبو بكر رضي الله عنه: هي في حدِّ أرضي، وقلت أنا: هي في حدِّي، وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها، وندم؛ فقال لي: يا ربيعة! رد علي مثلها حتى يكون قصاصاً، قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن، أو لأستعدين عليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: ما أنا بفاعل. قال: ورفض الأرض، فانطلق أبو بكر- رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم، فقالوا: رحم الله أبا بكر! في أي شيء يستعدي عليك رسول الله، وهو الذي قال لك ما قال؟! فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، وهو ثاني اثنين، وهو ذو شيبة المسلمين، فإياكم يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيغضب لغضبه، فيغضب الله لغضبهما؛ فيهلك ربيعة، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا.

3146

فانطلق أبو بكر- رضي الله عنه- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتبعته وحدي، وجعلت أتلوه؛ حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه فقال: ... (فذكر الحديث) وزاد: [فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر!] قال: فولى أبو بكر- رحمه الله- وهو يبكي. والسياق للطبراني، والزيادتان لأحمد، وإسناده حسن، والمبارك بن فضالة صدوق مدلس، ولكنه قد صرح بالتحديث في كل الطرق عنه، فأمنّا تدليسه، ولذا قال الهيثمي (9/45) : "رواه الطبراني، وأحمد بنحوه في حديث طويل تقدم في النكاح، وفيه مبارك بن فضالة، وحديثه حسن ". قلت: وهكذا مطولاً: أخرجه الحاكم في "النكاح " (2/173- 174) ، وقال: "صحيح على شرط مسلم "! ورده الذهبي بقوله: "قلت: لم يحتج مسلم بمبارك ". * 3146- (حيثما كنتُم، فأحسنتُم عبادة الله؛ فأبشروا بالجنة) . أخرجه الدَّولابي في "الكنى" (1/179- 180) : حدثنا إسحاق بن سُوَيدِ الرملي قال: حدثنا ابن أبي أويس: حدثني يحيى بن عُمَيْرٍ أبو زكريا البزاز- مولى نوفل بن عدي بن نوفل بن أسد - أنه سمع سعيد بن أبي سعيد المقبري يحدث عن أبيه عن أبي هريرة قال: أتى نفر من أهل البادية إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله! إن أهل

قرآن زعموا أنه لا ينفع عمل دون الهجرة والجهاد في سبيل الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:......فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين، غير إسحاق بن سويد الرملي، وهو ثقة. ويحيى بن عمير قال ابن أبي حاتم عن أبيه (9/178 /738) : "صالح الحديث ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/602) ، وقد روى عنه جمع من الثقات غير ابن أبي أويس- وهو إسماعيل-، فهو حسن الحديث على الأقل، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ": " صدوق ". وهذا أصح من قول الحافظ فيه: "مقبول "! وذلك؛ لرواية الثقات عنه، وهم خمسة: ا- ابن أبي أويس. 2- خالد بن مَخْلَد. 3- عبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبِي. 4- محمدُ بن خالد بن عَثْمَةَ. 5- مَعْنُ بن عيسى. والحديث أخرجه البيهقي (9/17) مثل حديث الترجمة من طريق العباس

3147

ابن محمد: ثنا يحيى بن عمير: ثنا المقبري عن أبي هريرة به؛ لم يقل: "عن أبيه "، وقال: "من قرابتنا" مكان: "أهل قرآن "؛ ولعله أصح. والعباس بن محمد هو الدوري- وهو ثقة- ما أظنه بإمكانه أن يسمع من يحيى بن عمير؛ فإن هذا تابع تابعي، وذاك ولد سنة (185) ، فأظن أن بينهما خالد بن مخلد؛ فقد ذكروه في شيوخ الدوري، وفي الرواة عن يحيى ابن عمير. وللحديث شاهد أتم منه، لكن في إسناده جهالة وإرسال، ولذلك أخرجته في الكتاب الآخر (6300) . * 3147- (والذي نفسي بيدِه! لوتتابعتُم حتَّى لا يبقى منكم أحدٌ؛ لسال بكُمُ الوادي ناراً) . أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (3/468/ 1979) - ومن طريقه: ابن حبان (6877- ط: المؤسسة) : حدثنا زكريا بن يحيى قال: حدثنا هُشَيم عن حُصَين عن سالم بن أبي الجعد وأبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة؛ وقدمت عِيرٌ إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:..! فذكره، فنزلت هذه الآية: (وإذا رَأوْا تجارة أو لهواً انفضُّوا إليها وتركوك قائماً) [الجمعة: 11] ، وقال: في الاثني عشر الذين ثبتوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر وعمر. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات؛ لولا أن هشيماً مدلس وقد عنعنه، لكنه قد صرح بالتحديث عند مسلم (3/10) : حدثنا إسماعيل بن سالم: أخبرنا هشيم: أخبرنا حصين به، إلا أنه لم يذكر حديث الترجمة.

وكذلك أخرجه الترمذي (3308) : حدثنا أحمد بن منيع: حدثنا هشيم: حدثنا حصين به، وقال: "حديث حسن صحيح ". وكذا أخرجه أبن حبان (6837) من طريق آخر عن هشيم. وتابع هشيماً جمعٌ من الثقات عن حصين به دون حديث الترجمة. أخرجه البخاري (936 و 4899) ، ومسلم أيضاً، وابن خزيمة (3/161- 162) وأبو يعلى (1888) أيضاً، وأحمد (3/313 و370) ، وابن أبي شيبة (2/113) ، وابن جرير في "التفسير" (28/67- 68) ، والبيهقي (3/ 181- 182) من طرق عدة عن حصين به، منهم من لا يذكر أبا سفيان، وجميعهم لم يذكروا حديث الترجمة، فيكون شاذاً لتفرد زكريا بن يحيى به؛ وهو الواسطي الملقب (زَحْمَوَيهِ) ؛ وهو ثقة، كما قال الحافظ في "اللسان " (2/484) ، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/253) ، وقال: "كان من المتقنين "! ولعل مخالفته لهؤلاء الثقات بهذه الزيادة عليهم لا يؤيد قول ابن حبان هذا فيه، فليُتأمَّل! ولذلك؛ فقد غفل عن هذه المخالفة: المعلِّق على "مسند أبي يعلى" حين قال في تعليقه على الحديث: "إسناده صحيح، وقد تقدم برقم (1888) ". ومثله المعلق على "الإحسان " (15/300) فقال: "إسناده صحيح، زكريا بن يحيى زحمويه، روى عنه جمع، وذكره المؤلف في

"الثقات ".. وهو في "مسند أبي يعلى" (1979) ، وانظر ما قبله "! وغفلتهما من ناحيتين: الأولى: أن عنعنة هشيم تمنع من إطلاق الصحة على إسناده كما تقدم. هذا أولاً. وثانياً: اتفاق إسماعيل بن سالم، وأحمد بن مَنيع، وسُرَيج بن يونس عند ابن حبان على روايتهم عن هشيم مصرحاً بالتحديث دون حديث الترجمة يجعل رواية زحمويه بهذه الزيادة شاذة. وثالثاً: متابعة الجمع الثقات لهشيم على رواية الحديث عن حصين دون الزيادة تؤكد شذوذها، ولذلك اقتصر الشيخان على إخراج الحديث دونها. والأخرى: أن كُلاً من المعلقين أشار إلى رواية أبي يعلى الموافقة لرواية الشيخين المتقدمة، وذلك من تمام الغفلة! ثم إن زيادة: "وقال: في الإثني عشر ... " ثابتة من بعض الطرق الأخرى عن هشيم عند ابن حبان ومسلم أيضاً وغيرهما. نعم؛ لحديث الترجمة شاهد مرسل قوي، فقال الطبري في "تفسيره " (28/67- 68) : حدثنا بشر قال: ثنا يزيد قال: ثنا سعيد عن قتادة: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون، حتى بقيت منهم عصابة، فقال: "كم أنتم؟ " فعدوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة، ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم- قال سعيد: ولا أعلم إلا أن في حديثه: ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت عصابة، فقال: "كم أنتم؟ " فعدوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة، ثم قام في الجمعة الثالثة،

فجعلوا يتسللون ويقومون، حتى بقيت منهم عصابة، فقال: "كم أنتم؟ " فعدوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلاً وامرأة، فقال: "والذي نفسي بيده؛ لو اتبع آخرُكم أولَكم؛ لالتهب عليكم الوادي ناراً "، وأنزل الله عز وجل: (وإذا رأوا تجارة..) الآية. قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير بشر - وهو ابن معاذ العقدي الضرير-؛ قال عنه أبو حاتم (2/368/1417) : "صالح الحديث صدوق ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 144) ، وقال: "ثنا عنه ابن خزيمة وشيوخنا، مات سنة (245) أو قبلها أو بعدها بقليل ". (تنبيه) : جاء في "فتح الباري " (2/424) ما نصه: "ووقع في "تفسير الطبري " و"ابن أبي حاتم " بإسناد صحيح إلى أبي قتادة قال ... " فذكر الحديث. فأقول: هكذا وقع فيه "أبي قتادة"! وهكذا نقله عن "الفتح " مؤلف "تحرير المرأة في عصر الرسالة " (2/182) ، وهو خطأ مطبعي، والصواب: "قتادة" دون أداة الكنية: " أبي "، ويؤيد ذلك أنه وقع على الصواب في موضعين آخرين من " الفتح ": أحد هما: في " التفسير" قال (8/ 644) : "ووقع عند الطبري من طريق قتادة ... ". والآخر: في "الجمعة" قبل الموضع الأول بصفحة (2/423) قال: "وفي مرسل قتادة عند الطبراني "!

كذا وقع فيه، وهو خطأ مطبعي أيضاً؛ بدليل أن محققه علق عليه بقوله: " وفي المخطوطة: (الطبري) ". قلت: وهذا هو الصواب الذي يدل عليه ويؤكده تحقيقنا هذا. فلا أدري لِمَ لَمْ يثبته محققه كما في الأصل؟! وكذلك أورده السيوطي في "الدر المنثور" (6/ 221) من رواية عبد بن حُميد عن قتادة، ومن روايته عن الحسن- وهو البصري- قال: "بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب يوم الجمعة إذ قدمت عير المدينة فانفضوا ... " الحديث نحو حديث الترجمة، ليس فيه ذكر الجمعة الثانية والثالثة، وهو الصواب - إن شاء الله تعالى-. ثم رأيت البيهقي قد أخرج الحديث في "شعب الإيمان " (5/235- 236) بسند ضعيف عن مقاتل بن حَيَّان، معضلاً مثل حديث قتادة عند ابن جرير، والله أعلم. وأخرجه أبو داود في "المراسيل " (105/62) بسند صحيح عن مقاتل بن حيان قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين، حتى كان يوم جمعة والنبي يخطب وقد صلى الجمعة، فدخل رجل فقال: إن دِحْيَة بن خليفة قدم بتجارته، وكان دحية إذا قدم تلقاه أهله بالدِّفاف، فخرج الناس، فأنزل الله عز وجل: (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها) ، فقدَّم النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الخطبة يوم الجمعة وأخَّر الصلاة ... " الحديث. قلت: وهذا منكر بهذا السياق مع إعضاله.

3148

ثم رأيت حديث الحسن البصري قد أخرجه البيهقي في "الشعب " (3/107/3019) من طريق الأوزاعي: حدثني داود بن علي: أنه سمع الحسن بن أبي الحسن يقوله: بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة؛ أقبل شاءٌ وشيء من سمن، فجعل الناس يقومون إليه، حتى لم يبق إلا قليل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو تتابعتم لتأجج الوادي ناراً ". قلت: وهذا إسناد حسن مرسل، وداود بن علي: هو ابن عبد الله بن عباس، قال ابن حبان في "الثقات ": "يخطىء ". وقال الحافظ: "مقبول ". قلت: فهو حسن الحديث في الشواهد كما هنا. * 3148- (إنَّه قد أُذِن لَكُنَّ أن تَخْرجْنَ لحاجتكنَّ، وفي رواية: لحوائجكُنَّ) . أخرجه البخاري (147 و4795 و 5237) ، ومسلم (7/6) ، وابن جرير في "التفسير" (28/39) ، والبيهقي (7/88) ، وأحمد (6/56) من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرجت سودة بعد ما ضُرِبَ الحجاب لحاجتها- وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها-، فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة! أما والله! ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين؟! فانكفأت راجعة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي، وإنه

ليتعشى وفي يده عَرَق، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي عمر كذا وكذا، قالت: فأوحى الله إليه، ثم رُفع عنه- وإن العرَقَ في يده ما وضعه-، فقال ... فذكره؛ والسياق للبخاري، والرواية الأخرى للبيهقي، وهي رواية للبخاري. هذه رواية هشام بن عروة- رحمه الله-، وقد خالفه ابن شهاب الزهري- رحمه الله- في قوله: ".. بعدما ضرب الحجاب "، فقال الزهري: عن عروة عن عائشة: أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - كن يخرجن بالليل إذا تبرَّزن إلى المناصع- وهو صعيد أفيح- فكان عمر يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: احجُبْ نساءك. فلم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الليالي عِشاءً- وكانت امرأة طويلة-، فناداها عمر: ألا قد عرفناك يا سودة! حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب [ (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي....) الآية] [الأحزاب/53] . أخرجه البخاري (146) ، ومسلم أيضاً، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/392) ، وابن جرير (28/29) ، والبيهقي أيضاً، وأحمد (6/223) ، والزيادة لابن جرير، وسندها جيد، وعزاها الحافظ (1/249) لأبي عوانة في "صحيحه ". ولها شاهد من حديث أنس في قصة تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - زينب المعروفة في "الصحيحين " وغيرهما، وسيأتي قريباً إن شاء الله تعالى هنا. ويرى القارئ الاختلاف بين الروايتين ظاهراً، ففي رواية هشام أن القصة وقعت بعد نزول آية الحجاب، وفي رواية الزهري أنها نزلت قبلها، قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره " (3/505) : "والمشهور الأول ".

وبالغ ابن العربي في "أحكام القرآن " (3/ 1574- 1575) ، فصرح بضعف رواية الزهري وأما الحافظ فجمع بين الروايتين، بأن حمل رواية ابن شهاب على أن عمر أراد أولاً الأمر بستر وجوههن، فلما وقع الأمر بوفق ما أراد؛ أحب أن يحجب أشخاصهن مبالغة في التستر؛ فلم يجب لأجل الضرورة، يعني كما في رواية هشام؛ ثم قال: "وعلى هذا؛ فقد كان لهن في التستر عند قضاء الحاجات حالات: أولها: بالظلمة؛ لأنهن كن يخرجن بالليل دون النهار، كما قالت عائشة في حديث الزهري: "كن يخرجن بالليل "، وسيأتي في حديث عائشة في "قصة الإفك ": "فخرجت معي أم مسطح قِبل المناصع وهو مُتَبَرَّزُنا، وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى ليل ". ثم نزل الحجاب فتسترن بالثياب، لكن كانت أشخاصهن ربما تتميز، ولهذا قال عمر لسودة في المرة الثانية بعد نزول (الحجاب) : "أما والله ما تخفين علينا". ثم اتخذت الكُنُف في البيوت فتسترن بها كما في حديث عائشة في "قصة الإفك " أيضاً؛ فإن فيها: "وذلك قبل أن تتخذ الكُنُف "، وكان "قصة الإفك " بعد نزول آية الحجاب ". قلت: وفي قول الحافظ عن عمر: "فلم يجب؛ لأجل الضرورة" رد على من يزعم قديماً وحديثاً أن أمهات المؤمنين كان يَحْرُمُ عليهن إبراز أشخاصهن، ولو كن منتقبات متلفعات، وعزا الحافظ هذا الزعم للقاضي عياض، وقال (8/530- 531) : "ثم استدل بما في "الموطأ": أن حفصة لما توفي عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها ليستر شخصها".

قال الحافظ: "وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث وهن مُتَسَتِّراتُ الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في "الحج " قول ابن جريج لعطاء لما ذكر له طواف عائشة: أقبل الحجاب أو بعده؟ قال: قد أدركت ذلك بعد الحجاب ". وقال في مكان آخر بعد أن ذكر الزعم المذكور باختصار (9/337) : "والحاصل في رد قوله؛ كثرة الأخبار الواردة أنهن كن يحججن ويطفن، ويخرجن إلى المساجد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعده ". قلت: ووجه قول الحافظ: "وليس فيما ذكره دليل ... " إلخ: أنه مجرد فعل لا يدل على الفرضية المزعومة، وهذا إن صح ما عزاه القاضي لـ"الموطأ"؛ فإني لم أَرَ ذلك في "الموطأ" المعروف اليوم من رواية يحيى الليثي بعد مزيد البحث عنه؛ والله أعلم. ولعل من الأدلة التي تؤيد ما قاله الحافظ- رحمه الله-: حديث أنس- رضي الله عنه- في سبب نزول آية الحجاب الذي سبقت الإشارة إليه، وقد جاء من طرق عنه بألفاظ مختصراً ومطولاً، أذكر أحدها من "صحيح البخاري " (4792) ، مع زيادات هامة من غيره تناسب المقام، فقال- رضي الله عنه-: أنا أعلم الناس بهذه الآية ـ آية الحجاب -: لما أهديت زينب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت معه في البيت، صنع طعاماً ودعا القوم، فقعدوا يتحدثون، [ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، وزوجته مُوَلِّيَةٌ وجهها إلى الحائط] ، [وكانت قد أُعطيت جمالاً] ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يخرج ثم يرجع، وهم قعود يتحدثون، فأنزل الله تعالى: (يا أيها

الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه) إلى قوله: (من وراء حجاب) ، فضُرب الحجاب، وقام القوم. وأخرجه مسلم (4/150- 151) مطولاً، وكذا الترمذي (3217) - وصححه -، والزيادة الأولى لهما، والزيادة الأخرى للطبري في " التفسير" (22/26) ، وسندها صحيح. قلت: وفي هاتين الزيادتين حجة قوية على أن زينب- رضي الله عنها- كانت مكشوفة الوجه، وإلا لم يكن لذكر أنس تولية وجهها إلى الحائط، ووصفه إياها بأنها كانت جميلة فائدة تذكر. وأما قول مؤلف "تحرير المرأة في عصر الرسالة " (3/68) : "لو كانت سافرة الوجه لأمرها الرسول الكريم بستره، ولا حاجة لإلقاء الحجاب ومنع أنس من الدخول "!! وجوابي على ذلك: أولاً: قوله: "لأمرها بستره " مجرد دعوى لا دليل عليها؛ لأن ستر الوجه من نسائه - صلى الله عليه وسلم - قبل نزول آية الحجاب هذه لم يكن واجباً، حتى يأمرها بستره، وهذا بيّن لا يخفى إن شاء الله تعالى. ثانياً: قوله: "ولا حاجة لإلقاء الحجاب.. " فيه مغالطة ظاهرة، على رأيه الذي يدافع عنه بكل تكلف وحرارة، وهو حجب أشخاص زوجاته - صلى الله عليه وسلم - خلف ستر لا يرى الرجال أشخاصهن، ولا هن يَرَينَهم! عند التكلُّم معهن. وأما على ما رجحه الحافظ من أن المقصود حجب البدن لا الشخص؛ فالحاجة للحجاب قائمة أيضاً؛ لأنهن بحكم كونهن يتردد الرجال كثيراً عليهن

لسؤالهن عن أمور دينهم، فلولا الحجاب لوجب عليهن أن يسترن وجوههن كلما سئلن لو دخلوا عليهن، وفي ذلك مشقة ظاهرة وحرج، فرفع ذلك عنهن بالحجاب إذا كن في بيوتهن، أما إذا خرجن من بيوتهن لحاجة ما؛ سترن وجوههن؛ كما في روايات عدة مذكورة في كتابي "جلباب المرأة المسلمة". هذا، وهناك في السنة أحاديث كثيرة تدل على أن النساء- ومنهن بعض زوجاته - صلى الله عليه وسلم -- كن لا يسترن وجوههن قبل نزول آية الحجاب هذه، يتيسر لي الآن منها ثلاثة: الأول: قال أنس رضي الله عنه: لما انقضت عدة زينب؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد: "فاذكرها عليّ "، قال: فانطلق زيد حتى أتاها، وهي تخمِّر عجينها، قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكرها، فوليتها ظهري ونكصت على عقبي ... الحديث نحو ما تقدم، وفيه نزول آية الحجاب. أخرجه مسلم (4/148) ، وأحمد (3/ 195) ، وأبو يعلى (6/77- 78) . الثاني: حديث عائشة، وقولها في "قصة الإفك " في صفوان بن المعطِّل السُّلَمي: ".. فرأى سواد إنسان نائم؛ فأتاني حين رآني، وكان قد رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فخمَّرت وجهي بجلبابي........ " الحديث بطوله، وهو متفق عليه. الثالث: عن عائشة أيضاً قالت: كنت آكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حَيْساً في قَعْبٍ، فمر عمر- رضي الله عنه-

فدعاه، فأكل، فأصاب إصبعه إصبعي، فقال: حَسِّ، أوّه أوّه! لو أطاع فيكن ما رأتكن عين، فنزلت آية الحجاب. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (1053) ، والنسائي في "الكبرى/ التفسير" (6/435) ، والطبراني في "المعجم الصغير" (ص 45- هندية، رقم (801 - الروض النضير) و"الأوسط " أيضاً (1/166/2/ 3100 بترقيمي) ، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/ 188) من طريق موسى بن أبي كثير عن مجاهد عنها. قلت: وإسناده جيد، وقال السيوطي في "الدر المنثور" (5/213) - وعزاه لابن أبي حاتم أيضاً والطبراني وابن مردويه-: "سنده صحيح ". وقال الهيثمي في "المجمع " (7/93) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير موسى بن أبي كثير، وهو ثقة". وكذا وثقه الذهبي في "الكاشف "، وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق، رمي بالإرجاء، لم يصب من ضَعَّفَه ". قلت: وفات الهيثمي أنه في "المعجم الصغير" أيضاً، وسكت الحافظ عن إسناده في "الفتح " (8/ 531) مشيراً إلى تقويته بعدما عزاه للنسائي فقط، وذكره بعد حديث الباب وقصة زينب، وقال: "ويمكن الجمع بأن ذلك وقع قبل قصة زينب، فلِقُرْبِهِ منها؛ أطلقت (عائشة) نزول الحجاب بهذا السبب، ولا مانع من تعدد الأسباب ". المقصود أن هذه الأحاديث تبطل دعوى مؤلف "التحرير" المتقدمة بأن زينب لو

3149

كانت سافرة الوجه لأمرها - صلى الله عليه وسلم - بستره، ويؤكد ذلك أن آية (الجلباب) نزلت بعد آية (الحجاب) : (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) [الأحزاب/59] ، فلم يكن من الواجب عليهن قبل نزولها أن يتجلببن فضلاً عن أن يسترن وجوههن، ولذلك رأى زيد من زينب قبل نزول آية (الحجاب) ما رأى كما تقدم في حديث مسلم وغيره. * 3149- (تطوُّعُ الرجل في بيتِهِ يزيدُ على تطوُّعِه عندَ الناس، كفضْلِ صلاة الرجل في جماعةٍ على صلاتهِ وحدَه) . أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه " (3/70/4835) ، وكذا ابن أبي شيبة (2/256) عن الثوري عن منصور عن هلال بن يساف عن ضَمْرة بن حبيب بن صهيب عن رجل من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير ضمرة هذا، وهو الزُّبَيدِي الحمصي، وهو تابعي ثقة، وظاهر إسناده الوقف، ولكنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي والاجتهاد؛ كما هو بَيِّن لا يخفى على العلماء. وقد روي مرفوعاً، فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (8/53/7322) : حدثنا الحسن بن علي المعمري: ثنا أيوب بن محمد الوارق: ثنا محمد بن مصعب القرْقسَانِيُّ: ثنا قيس بن الربيع عن منصور عن هلال بن يساف عن صهيب بن النعمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... نحوه إلا أنه قال: "كفضل المكتوبة على النافلة". وعزاه الحافظ في "الإصابة " للطبراني والمعمري في "اليوم والليلة "، وسكت عنه، وقال الهيثمي في "المجمع " (2/247) :

"رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفيه محمد بن مصعب القرقساني، ضعفه ابن معين وغيره، ووثقه أحمد". قلت: وقيس بن الربيع ضعيف أيضاً. لكن له شاهد مرفوع، فقال أبو يعلى في "مسنده "- بروايته المطوَّلة-: حدثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا يحيى بن صالح عن جابر بن غانم السلفي عن أبي صهيب عن أبيه صهيب- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الرجل تطوعاً حيث لا يراه الناس تعدل صلاته على أعين الناس خمساً وعشرين ". وأخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (2/ 244) من طريق أبي الشيخ عن عصام بن خالد: حدثنا جابر بن غانم: حدثنا ابن صهيب عن أبيه عن جده مرفوعاً به. قلت: وجابر بن غانم ومن دونه ثقات، لكن من فوقه: أبو صهيب- أو ابن صهيب وأبوه وجده لم أعرفهم، ولعل صهيباً هو جد ضمرة بن حبيب بن صهيب المذكور في إسناد حديث الترجمة، ولكني لم أجد له ترجمة، والله أعلم. لكن حديث الترجمة يشهد لمعناه، وقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (3/173/3259) من طريق أبي عوانة عن منصور عن هلال بن يساف عن ضمرة ابن حبيب عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره موقوفاً بلفظ: "فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع ". وهكذا أورده المنذري في "الترغيب " (1/159) ، لكنه زاد بعد قوله: ".. من

أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -": "أراه رفعه ". فلا أدري أهي في إسناد الحديث في نسخته من "البيهقي "، أم هي زيادة من رأيه؟! وقال عقبه: "رواه البيهقي، وإسناده جيد إن شاء الله تعالى". (تنبيه) : لم يورد الهيثمي الحديث من رواية أبي يعلى؛ لأنها ليست في "مسنده " المختصر، وإنما استفدت إسناده من "المطالب العالية " من النسخة المسندة المصورة (ق 20/ 1) للحافظ ابن حجر، وهو في "المطالب العالية " المطبوعة مجردة من الأسانيد (1/138/504) . ثم رأيت في ترجمة (حبيب الكلاعي أبو ضمرة) من "الإصابة" للحافظ ابن حجر، قد ذكر حديث الترجمة من رواية ابن السكن عن عبد العزيز بن ضمرة بن حبيب عن أبيه عن جده مرفوعاً، وقال ابن السكن: "لم أجد لـ (حبيب) ذكراً إلا في هذا الحديث " وأقره ابن حجر. قلت: ورواية عبد الرزاق في صدر هذا التخريج تبيِّن أن الحديث لضمرة بن حبيب أسنده عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليس لأبيه (حبيب) علاقة بهذا الحديث وأن قول (عبد العزيز بن ضمرة) : "عن جده " مقحم من عبد العزيز هذا، فإنه مجهول لا يعرف، ولم يذكر ألبتة في كتب الرجال، حتى ولا في "ثقات ابن حبان "! ولعل هذا هو ملحظ المناوي في "فيض القدير" حين جزم بأن (ضمرة) في حديث (ابن السكن) :

3150

"هو ضمرة بن حبيب الزهري الحمصي، وثقة ابن معين ". ولكنه سكت عن الحديث، ولم يبين مرتبته! وهو بلا شك صحيح كما يتبين للقراء من هذا التخريج الذي أظن أنه مما لم أسبق إليه، والفضل لله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً. * 3150- (لو كنتُ أنا لأسرعتُ الإجابةَ، وما ابتغيتُ العُذْرَ) . أخرجه أحمد (2/346 و 389) ، وابن جرير الطبري في "تفسيره " (12/139) ، والحاكم (2/346- 347) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- وقرأ هذه الآية (ارجع إلى رَبِّكَ فاسأله ما بال النِّسْوةِ اللاتي قطعْنَ أيدِيَهُنَّ إنَّ ربّي بكيدِهِنَّ عليمٌ) - قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "، وأقره الذهبي. وأقول: بل هو حسن فقط؛ لأن محمد بن عمرو، إنما أخرج له مسلم متابعة، وفي حفظه شيء، وقد حسن له الترمذي غير ما حديث؛ منها هذا الحديث، وقد رواه نحوه بأتم منه، وقد تقدم برقم (1617) ، وأصله متفق عليه، ومضى برقم (1867) ، وانظر (1945) . * 3151- (كان يقولُ: اللهمَّ! انفعْني بما علَّمْتني، وعلِّمْنِي ما ينفعُني، وارزقْني عِلْماً تنفعُني به) . أخرجه الحاكم (1/510) ، وعنه البيهقي في "الدعوات الكبير" (157- 158) ، والطبراني في "الدعاء" (3/1455/1405) من طريق عبد الله بن وهب: أخبرني أسامة بن زيد أن سليمان بن موسى حدثه عن مكحول أنه دخل على أنس بن

مالك- رضي الله عنه- قال: فسمعته يذكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! قلت: وهو كما قالا؛ لكن سليمان بن موسى- وهو الدمشقي الأشدق - فيه كلام، مع أنه من الأعلام، وقد وصفه الذهبي في "السير" (5/433- 437) بأنه: "الإمام الكبير، مفتي دمشق ". ثم ذكر الخلاف فيه، وقال: "وله شيء في مقدمة مسلم ". يشير إلى أنه لم يحتج به. ولذلك قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق فقيه، في حديثه بعض لين، وخولط قبل موته بقليل ". قلت: فمثله بالكاد أن يصل حديثه مرتبة الحسن. وقريب منه أسامة بن زيد- وهو الليثي مولاهم المدني-؛ قال الحافظ الذهبي في "الكاشف ": "روى مسلم نسخة لابن وهب عن أسامة؛ أكثرها شواهد أو يقرنه بآخر". وقال الحافظ العسقلاني: "صدوق يهم ". ورمز له بأنه روى له مسلم، والبخاري تعليقاً، وكذا في أصله "تهذيب الكمال " للمزي، لكنه صرح في آخر ترجمته بأن البخاري استشهد به في "الصحيح "، وسكت عن رواية مسلم، فأوهم أنه احتج به. ولذلك انتقده الدكتور بشارفي تعليقه عليه بقوله:

"فيه نظر؛ لما ذكره الحافظ أبو الحسن القطان في كتاب "الوهم والإيهام " من أن مسلماً- رحمه الله تعالى- لم يحتجَّ به، إنما روى له استشهاداً كالبخاري ". ومن الغريب أن ابن طاهر المقدسي في كتابه "الجمع بين رجال الصحيحين " لم ينبِّه إلى هذا الذي ذكره ابن القطان، والله أعلم. وقد وجدت للحديث طريقاً أخرى وشاهداً. أما الطريق؛ فأخرجه أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين " (182/179) ، ومن طريقه الشجري في "الأمالي" (1/57) قال: حدثنا أبو علي بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عامر قال: حدثنا أبي قال: حدثنا النعمان: حدثنا أبو بكر عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك قال: ... فذكره؛ إلا أنه قال: "وزدنا علماً إلى علمنا "؛ بصيغة الجمع، وكذلك قال في الفقرتين اللتين قبلها، وزاد: "قال أبو علي: كان حاتم بن يونس معنا، فقال: أبو بكر هذا هو من أهل البصرة ". قلت: ليته سماه؛ فإن البصريين الذين يكنون بهذه الكنية من هذه الطبقة كثر، منهم: الربيع بن صَبيح، وعمران بن مسلم المِنقَري، وقريش بن أنس الأنصاري، ووهيب بن خالد الباهلي مولاهم، وأبو بكر بن شعيب بن الحبحاب المِعْوَلِيُّ، وكلهم ثقات، على كلام في الربيع، وأبو بكر الهذلي، وهو لين الحديث؛ كما في "الميزان "، لكن الحافظ المزي لم يذكر في ترجمة شريك بن عبد الله واحداً من هؤلاء في الرواة عنه، بل ذكر فيهم أبا بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة، وهذا مدني متروك متهم بالوضع؛ والله أعلم.

وسائر رجال الإسناد ثقات؛ أما أبو علي بن إبراهيم شيخ أبي الشيخ؛ فقد ترجمه في كتابه، وسماه أحمد بن محمد بن إبراهيم المصاحفي (¬1) ، وقال (442/643) : "شيخ كثير الحديث عن العراقيين والأصبهانيين، ثقة، مات سنة [أربع وثلاثين وثلاث مئة] " (¬2) . وأما محمد بن عامر؛ فهو ابن إبراهيم بن واقد أبو عبد الله، قال ابن أبي حاتم (4/1/44) : "سمعت منه بـ (أصبهان) ، وكان صدوقاً". ووصفه الذهبي في "السير" (12/594) بـ: "الإمام العلامة.. توفي سنة 267 ". وأما أبوه عامر بن إبراهيم؛ فثقة من رجال النسائي. ومثله النعمان، وهو ابن عبد السلام الأصبهاني. وأما حاتم بن يونس- الذي ذكر أن أبا بكر شيخ النعمان هو من أهل البصرة-؛ فقد ترجمه أبو الشيخ في كتابه (237/270) ؛ فقال: "جرجاني، قدم أصبهان، وكان من الحفاظ، وكان يذاكر". وكذا قال أبو نعيم (1/297) ، ونحوه في "تاريخ جرجان " (203/297) . والحديث أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 181) بلفظ الترجمة دون الجملة الأخيرة منه، وقال: ¬

(¬1) الأصل. " الصحاف "، والتصحيح من "أخبار أصبهان " (1/ 140) ، و" الأنساب ". (¬2) هذه الزيادة سقطت من الأصل، واستدركتها من "الأخبار".

"رواه الطبراني في "الأوسط " من رواية إسماعيل بن عياش عن المدنيين، وهي ضعيفة". قلت: فلا أدري أهي من أحد الوجهين المتقدمين، أم من طريق ثالث؟! فإني لم أره في "مجمع البحرين "، وبالتالي لم يتيسر لي الوقوف عليه، مع أنني مررت على كل أحاديث أنس التي في "المعجم الأوسط "، مستعيناً على ذلك بالفهرس الذي كنت وضعته له. قلت: ثم وجدته في "الأوسط " (1748) بعد مزيد بحث من طريق إسماعيل ابن عياش عن عمارة بن غزية عن سليمان بن موسى ... به. وهذه متابعة قوية لأسامة بن زيد، وإن كان فيها ابن عياش، لكنه متابع، فالحمد لله. وهي- كما هو ظاهر- من الطريق الأولى نفسها. وأما الشاهد، فيرويه موسى بن عُبَيْدة عن محمد بن ثابت القرشي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم! انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علماً، والحمد لله على كل حال، وأعوذ بالله من عذاب النار". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/281/9442) ، وعنه ابن ماجه (251 و 3833) ، والترمذي (3593) ، والبيهقي في " الشعب" (4/91/4376) ، والبغوي في "شرح السنة " (5/173/1372) ، والطبراني في "الدعاء " (3/1455/ 1404) - والزيادة له-. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ موسى بن عُبيدة- وهو الزَّبَذِيُّ- ضعفه الجمهور

على صلاحه وعبادته ولم يتهم، وبعضهم يضعفه في روايته عن عبد الله بن دينار فقط؛ قال أبو داود: "أحاديثه مستوية إلا عن عبد الله بن دينار". وقال وكيع: "كان ثقة، وقد حدث عن عبد الله بن دينار أحاديث لم يتابع عليها". وقال ابن معين في رواية: "إنما ضُعِّف حديثه؛ لأنه روى عن عبد الله بن دينار مناكير". وفي رواية أخرى عنه: "ضعيف إلا أنه يُكتب من أحاديثه الرقاق ". فيبدو لي من هذه الأقوال أنه ممن يستشهد به، ولعل في قول الترمذي فيه: "يُضعَّف " إشارة إلى ذلك، ولا سيما وقد قال عقب حديثه هذا: "حديث حسن، غريب من هذا الوجه ". فهذا نص منه على أنه حسن الحديث، وأن قوله: "يضعف " لا يعني تضعيفه مطلقاً، ولعل مستنده في ذلك قول أحمد في رواية عنه: "لم يكن به بأس، ولكنه حدث بأحاديث منكرة، وأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوماً هكذا، وضم على يديه ". قلت: فلعل تحسين الترمذي المذكور هو من هذا الباب: أنه ليس في الحلال والحرام، وإلا؛ فهو من تساهله المعروف، فكان الأولى به أن لا يزيد على قوله:

"حديث حسن " إشارة إلى أنه حسن لغيره كما هو اصطلاحه الذي نص عليه في "العلل " الذي في آخر "سننه ". بقي الكلام على محمد بن ثابت القرشي: فاعلم أن محمد بن ثابت قد تُرجم له هكذا غير منسوب إلى قريش، وأنه روى عن أبي حكيم وأبي هريرة، وأنه لم يرو عنه غير موسى بن عبيدة، ولذلك حكموا بجهالته، ولكن ذكر الحافظ المزي ثم العسقلاني في "تهذيبيهما": أنه هو محمد بن ثابت بن شُرحْبِيل من بني عبد الدار، واستشهدا له برواية الطبراني هذه التي ذكر فيها أنه القرشي، ثم قالا- واللفظ للمزي-: "وهذا يقوي ما قاله يعقوب بن شيبة من أنه محمد بن ثابت بن شرحبيل ". قلت: وهذا هو الراجح عندي؛ لأنهم ذكروا له- أيضاً- رواية عن أبي هريرة، وأنه قرشي، فالتفريق بينهما صعب، وعليه؛ فهو صدوق؛ لأنهم ذكروا أن ابن شرحبيل هذا قد روى عنه جمع، ووثقه ابن حبان، ذكره في "التابعين " (5/358) ، وفي "أتباع التابعين " (7/408) . وبالجملة؛ فالحديث بهذا الشاهد حسن على أقل الأحوال. ولجملة: "وزدني علماً " منه شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان إذا استيقظ من الليل قال: "لا إله إلا أنت سبحانك، اللهم! أستغفرك لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم! زدني علماً ... " الحديث. أخرجه أبو داود (5061) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (865) ، وكذا ابن السني (752) ، وابن حبان (2359) ، والحاكم (1/540) من طريق عبد الله ابن الوليد عن سعيد بن المسيب عنها. وقال الحاكم:

3152

"صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي! كذا قالا، وعبد الله بن الوليد هذا- وهو المصري- لم يوثقه أحد غير ابن حبان، وقال الدارقطني: "لا يعتبر بحديثه ". وقال الحافظ في "التقريب ": " لين الحديث ". وبيض له الذهبي في "الكاشف "! * 3152- (وُلِدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل) . روي من حديث عبد الله بن عباس، وقيس بن مخرمة. أما حديث ابن عباس؛ فيرويه حجاج بن محمد: أخبرنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن سعيد بن جبير عنه. أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (1/101) قال: أخبرنا يحيى بن معين: أخبرنا حجاج بن محمد به، ولفظه: "يوم الفيل، يعني: عام الفيل ". وسقط من إسناده: "عن أبيه "؛ ولعله من الطابع أو الناسخ. وأخرجه أبن حبان في "الثقات " (1/ 14) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/47/12432) ، والبيهقي في "دلاثل النبوة" (1/75- 76) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/400) من طرق أخرى عن يحيى بن معين به بلفظ: "عام الفيل " دون قوله: "يوم الفيل، يعني ". وعكس ذلك البيهقي فقال: "يوم الفيل " دون قوله: "يعني عام الفيل "!

والأرجح الأول: "عام الفيل "؛ لأن عليه أكثر الروايات، وتوبع عليه ابن معين، فأخرجه البزار (1/ 121/226) ، والحاكم (2/603) ، وعنه البيهقي، وابن عساكر من طرق أخرى عن حجاج بن محمد به، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، لولا أن أبا إسحاق- وهو السبيعي- مدلس مختلط، ويونس ابنه روى عنه في الاختلاط. ثم رواه الحاكم من طريق الحسين بن حميد بن الربيع: ثنا أبي: ثنا حجاج ابن محمد بلفظ: "يوم الفيل ". وقال: "تفرد حميد بن الربيع بهذه اللفظة، ولم يتابع عليه ". قلت: قد اختلفوا فيه ما بين مكذب له وموثِّق، فراجع له "اللسان ". لكن ابنه الحسين أسوأ حالاً منه؛ فقد كذبه مُطَيّن، واتهمه ابن عدي، ولم يوثقه أحد، فمثله لا يؤخذ بحديثه ولو لم يخالف، فكيف إذا خالف؟! انظر "اللسان ". وأما حديث قيس بن مَخْرَمة؛ فيرويه محمد بن إسحاق في "السيرة" (1/171) قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة عن أبيه عن جده قال: "ولدت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفيل، فنحن لِدَتان ". ومن طريق ابن إسحاق: أخرجه الترمذي (9/ 24/3623) ، والحاكم (2/603 و 3/456) ، ومن طريقه: البيهقي في "الدلائل " (1/76) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/342/43) ، وأبو نعيم في "الدلائل " (1/101) ، وابن عساكر أيضاً كلهم عن ابن إسحاق به، وقال الترمذي- وعنده زيادة في المتن-:

3153

"حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق ". قلت: كان يكون كما قال- بعد أن صرح ابن إسحاق بالتحديث- لو أن شيخه المطلب بن عبد الله هذا كان معروفاً بالعدالة والضبط، وليس كذلك؛ لأنه لم يرو عنه غير ابن إسحاق، ولم يوثقه غير ابن حبان (7/506) ، ولذلك مرّض توثيقه إياه الذهبى بقوله في "الكاشف ": "وثِّق "! واقتصر الحافظ في "التقريب " على قوله فيه: "مقبول ". يعني: عند المتابعة، وقد توبع من سعيد بن جبير عن ابن عباس كما تقدم، الحديث- به- حسن إن شاء الله تعالى، ويقويه اتفاق العلماء عليه، فقد ذكر الحافظ ابن عساكر (1/ 401) عن ابن المنذر أنه قال: "لا يشك أحد من علمائنا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولد عام الفيل، وبُعث على رأس أربعين سنة من الفيل ". * 3153- (ألا هل عَسَتِ امرأةٌ أن تُخبرَ القوم بما يكونُ من زوجها إذا خلا بها؟! ألا هل عسى رجلٌ أن يخبرَ القوم بما يكونُ منهُ إذا خلا بأهله؟ ! فقامت منهنَّ امرأةٌ سفعاءُ الخدَّين فقالت: واللهِ! إنَّهُم ليفعلون، وإنهنَّ لَيفعلْنَ! قال: فلا تفعلوا ذلكَ، أفلا أنبئُكم ما مَثَلُ ذلكَ؟ ! مَثَلُ شيطانٍ أتى شيطانةً بالطريق؛ فوقعَ بها والناس ينظرون!) . أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق " (39/2) : حدثنا أحمد بن ملاعب البغدادي: ثنا عثمان بن الهيثم المؤذِّن: ثنا عوف الأعرابي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال:

دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد، وفيه نسوة من الأنصار، فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن ولو من حليهن، ثم قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن؛ للخلاف المعروف في عثمان ابن الهيثم المؤذن، فإنه مع كونه من شيوخ البخاري، فقد تكلموا فيه من قبل حفظه، قال ابن أبي حاتم (3/172) : "روى عنه أبي، وسألته عنه؟ فقال: كان صدوقاً؛ غير أنه بأخرة كان يتلقن ما يُلَقَّنُ ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/453- 454) ، وقال: "مات سنة عشرين ومئتين ". وقال الدارقطني: "صدوق كثير الخطأ". ولخص ذلك الحافظ فقال في "التقريب ": "ثقة، تغير فصار يتلقن ". وسكت عنه البخاري في "التاريخ الكبير"، فلعل إخراجه له في "صحيحه " كان على طريقة الاختيار والانتقاء من حديثه، فليكن حديثنا هذا من هذا القبيل، ولذلك خرجته، فإن له طريقاً أخرى: رواه أبو نضرة: حدثني شيخ من طفاوة عن أبي هريرة به مطولاً. رواه أبو داود وغيره، وكنت خرجته في "الإرواء" (7/73/ 2011) ، وقوّيته هناك بشواهد من حديث أسماء بنت يزيد، وأبي سعيد الخدري، فلما وقفت على متابعة ابن سيرين هذه للطفاوي بادرت إلى تخريجها هنا؛ لعزتها وندرتها، وتأكيداً لصحة الحديث. والله أعلم.

وأما الراوي له عن الهيثم: أحمدُ بن ملاعب البغدادي؛ فهو ثقة حافظ، وله ترجمة جيدة في "تاريخ بغداد" (5/168- 170) ، ووصفه الذهبى فى "السير" (13/42) بـ "الإمام المحدث الحافظ.. ". ثم ذكر توثيقه عن ابن خراش وغيره. هذا؛ وحديث أبي سعيد المشار إليه كنت ذكرت في "الإرواء" قول الهيثمي في تخريجه: "رواه البزار عن رَوْح بن حاتم، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات ". ثم وقفت على إسناده، فتبين لي خطأ الهيثمي في تضعيفه لراويهِ رَوْح بن حاتم، اشتبه عليه، فقال البزار (2/170/1450) : حدثنا روح بن حاتم أبو غسان: ثنا مهدي بن عيسى: ثنا عَبَّاد بن عَبَّاد المُهَلَّبي: ثنا سعيد بن يزيد أبومَسْلَمة عن أبي نَضْرة عن أبي سعيد مرفوعاً نحو حديث الترجمة، وفيه وصف المرأة بـ "سَفعَاء الخَدّين "، وقال البزار: "لا نعلمه عن أبي سعيد إلا بهذا الإسناد، وأبو مسلمة ثقة، ومهدي واسطي لا بأس به ". قلت: وذكره بَحْشَلُ في "تاريخ واسط " (168) ، وساق له حديث الثلاثة الذين أووا في الغار، ولم يذكر فيه جرحاً ولا توثيقاً كعادته، وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: " صد وق ". وروى عنه أبو زرعة، فهو ثقة عنده، وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/ 201) . وسائر رجال الإسناد ثقات رجال مسلم؛ غير روح بن حاتم أبي غسان، قال ابن أبي حاتم (1/2/500) :

3154

"روى عنه أبي، وسئل عنه؟ فقال: صدوق ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/244) ، وقال: "مستقيم الحديث ". قلت: فقول الهيثمي فيه: "وهو ضعيف "! من أوهامه، فإنه لا مضعِّف له مع توثيق من ذكرت، والظاهر أنه اشتبه عليه بالذي في " الميزان " وغيره: "روح بن حاتم البزار بغدادي.. عن ابن معين: ليس بشيء". وهو ملخص من "تاريخ بغداد" (8/406- 407) . قلت: فهذا غير راوي هذا الحديث؛ فإن كنيته فيه: "أبو غسان " كما رأيت، وهذا لا كنية له، وإن كانا في طبقة واحدة، فمن هنا جاء الاشتباه، فصح الإسناد، وازداد الحديث قوة على قوة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وقوله فيه: "سفعاء الخدين "؛ معناه: فيهما تغير وسواد؛ فهو من الأدلة الكثيرة على أن وجه المرأة ليس بعورة؛ لأنه لو كان مغطى كما يزعم المتشددون؛ لما استطاع أبو سعيد أن يصف خَدَّيها، وكذلك وصفها جابر رضي الله عنه في "صحيح مسلم " وغيره، وهو مخرج في "حجاب المرأة المسلمة "، وسميته أخيراً بـ "جلباب المرأة المسلمة". * 3154- (اللهُ يَعْلَمُ أنَّ قلبي يُحبُّكُنَّ. قالهَ لِجَوَارٍ مِنْ بني النَّجارِ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 15- هندية، 25- الروض النضير) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/508) من طريقين عن أبي خيثمة

مصعب بن سعيد المِصِّيصي قال: حدثنا عيسى بن يونس عن عوف الأعرابي عن ثُمَامة عن أنس قال: مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيِّ بني النجار، وإذا جوارٍ يضربن بالدف، يقلن: نحن جوارٍ من بني النجارِ يا حبَّذا محمدٌ من جارِ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني: "لم يروه عن عوف إلا عيسى، تفرد به مصعب بن سعيد". قلت: وهو صدوق، كما قال ابن أبي حاتم (4/1/309) عن أبيه. وقد وثقه ابن حبان في "الثقات " (9/175) ، وقال: "ربما أخطأ، يُعتبر حديثه إذا روى عن الثقات وبيَّن السماع؛ لأنه كان مدلِّساً ". قلت: قد صرح بالسماع كما ترى، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد حسن، وإن كان ابن عدي قد تكلم في المصيصي هذا، فأورده الذهبي في "الميزان "، وتبعه الحافظ في "اللسان "، وقد فاتهما قول أبي حاتم فيه: "صدوق "! ثم إنه لم يتفرد به: خلافاً لقول الطبراني؛ فقال ابن ماجه (1/612/1899) : حدثنا هشام بن عمار: ثنا عيسى بن يونس به، ولفظه: "الله يعْلَمُ أني لأحِبُّكُنُّ ". وقال البوصيري: "إسناده صحيح، ورجاله ثقات ". قلت: يمكن أن يقال: إنه صحيح لغيره؛ لمتابعة المصيصي إياه؛ للخلاف المعروف في هشام بن عمار؛ مع أنه من شيوخ البخاري في "صحيحه" محتجّاً به،

كما قال الحافظ في "مقدمة الفتح "، ولعل أعدل ما قيل فيه قول الحافظ الذهبي في "المغني ": "ثقة مُكْثِرٌ, له ما يُنْكَرُ ". وله طريق أخرى عند البيهقي- أيضاً- عن محمد بن سليمان بن إسماعيل ابن أبي الورد قال: حدثنا إبراهيم بن صِرْمة قال: حدثنا يحيى بن سعيد عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس به نحوه. وعزاه الحافظ (7/ 261) للحاكم، وسكت عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ إبراهيم بن صرمة مختلف فيه، وقد أورده الذهبي في "المغني "، وقال: "ضعفه الدارقطني وغيره ". طريق ثالث: يرويه سعيد: حدثنا رُشَيْدٌ: حدثنا ثابت عن أنس به؛ إلا أنه قال: "اللهم بارك فيهن ". أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (6/134/3409) ، ومن طريقه: ابن عدي في "الكامل " (3/159) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة " (225) ، وعنه الحافظ عبد الغني المقدسي في "أحاديث الشعر" (75/26- عمان) كلهم عن أبي يعلى - وقد قرن به ابن عدي: عبدان- قالا: ثنا سعيد بن أبي الربيع السمان به. قلت: وسعيد هذا سمى ابن أبي حاتم أباه: أشعث بن سعيد السَّمَّان، وهو ابن أبي الربيع السمان، وقال عن أبيه: "ما أراه إلا صدوقاً ".

وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/268) ، وقال: " حدثنا عنه الحسن بن سفيان، وأبو يعلى، يُعْتَبَرُ حديثه من غير روايته عن أبيه ". قلت: وروى عنه عبدان، فهؤلاء ثلاثة من الثقات الحفاظ قد رووا عنه، وهناك حافظ رابع، وهو أبو زرعة كما ذكر ابن أبي حاتم- وهو لا يروي إلا عن ثقة-، فهو إذن ثقة؛ وإنما علة هذه الرواية رشيد هذا، ووقع مكنياً في "ابن السني " بـ "أبي عبد الله " وكذا في "كامل ابن عدي "، وقال فيه: "حدث عن ثابت بأحاديث لم يتابع عليها، وله عن ثابت غير هذا الحديث، وهذا إنما يروى عن عوف عن ثمامة عن أنس: رواه عن عوف عيسى بن يونس، وابن أبي عدي، وعمر بن النعمان، ومحمد بن إسحاق صاحب المغازي ". وقال الذهبي- وتبعه العسقلاني-: "مجهول "؛ وكذا قال الهيثمي (10/42) . وقد تابعه محمد بن ثابت البناني: حدثني أبي به؛ إلا أنه قال: "والله! إني لأحبكم ". وهذا هو المحفوظ؛ لأنه موافق لحديث الترجمة، خلافاً لحديث رشيد؛ فإنه منكر. أخرجه ابن السني أيضاً (224) ، وفيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استقبله نساء وصبيان وخدم جائين من عرس لهم، فسلم عليهم وقال: ... فذكره. ولجملة العرس شاهد من حديث الرُبَيِّع بنت مُعَوِّذ، وفيه أن ذلك كان حين بُنِي عليها.

3155

أخرجه البخاري وغيره، وقد خرجته في "آداب الزفاف " (ص 180- الطبعة الجديدة/ المعا رف) . (تنبيه) : لقد حسَّن حديث رشيد أبي عبد الله. المعلق على "أحاديث الشعر" مع تضعيفه لرشيد تبعاً لابن عدي والذهبي! وكأنه حسنه لرواية ثمامة عن أنس، فإنه ساقها عقبها من رواية ابن ماجه والطبراني، والغريب أنه لم يتكلم عليها مطلقاً، ولا يخفى أن هذه الرواية هي الصحيحة كما تقدم، وأن تحسين حديث الرشيد خطأ واضح لمخالفته للروايات المتقدمة؛ فهو منكر، وهذا إن دل على شيء؛ فهو يدل- كما يقال اليوم- على حداثته بهذا العلم، وبخاصة أنه لم يسق لفظ رواية ابن ماجه والطبراني ليتبين القراء أنه مخالف للفظ رواية الرشيد؛ فتأمل! * 3155- (¬1) (ما بال دَعْْوى الجاهلية؟! دَعُوها؛ فإنَّها مُنْتنةٌ) . أخرجه البخاري (4905 و 4907) ، ومسلم (8/ 19) ، والترمذي (3312) - وقال: "حسن صحيح "-، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/239) ، وابن حبان (7/592/5958 و 8/193/6548) ، والبيهقي في "الدلائل " (4/53- 54) ، وعبد الرزاق في " المصنف " (9/468/18041) ، وأحمد (3/ 392- 393) ، وأبو يعلى (3/356- 357 و 458) كلهم من طريق سفيان بن عيينة- وقرن عبد الرزاق به معمر…اً- عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فقال رسول الله ¬

(¬1) كان هنا حديث: "كان الرَّجُلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -إذا التقيا ... قرأ أحدهما سورة (والعصر..) ... "، وهو المتقدم في المجلد السادس برقم (2648) ، فانظره ثَمَّ.

3156

- صلى الله عليه وسلم -: "ما بال دعوى الجاهلية؟! "، قالوا: يا رسول الله! كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال: " دعوها؛ فإنها منتنة" [قال جابر: وكانت الأنصار حين قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر، ثم كثر المهاجرون بعد] ، فسمعها عبد الله بن أبيّ فقال: قد فعلوها؟! لئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ! قال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال: "دعه؛ لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه ". والسياق لمسلم، والزيادة للبخاري وأحمد وغيرهما. وتابعه ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار به نحوه. أخرجه البخاري (3518) . وتابعه جمع آخر مطولاً ومختصراً. أخرجه أبو يعلى (3/459/1959) ، وابن جرير في "التفسير" (27/72- 73 و73) ؛ وعنده الزيادة في رواية. وزاد في رواية أخرى: ".. كسع رجلاً من الأنصار برجله، وذلك في أهل اليمن شديد". ورجاله ثقات؛ غير ابن حميد- وهو محمد بن حميد الرازي-؛ وهو ضعيف مع حفظه. * 3156- (إذا ظَهَرَ السُّوءُ في الأرضِ؛ أنزلَ الله بأهلِ الأرضِ بأسَهُ. قالت [عائشة] : وفيهم أهل طاعة الله عزَّ وجلَّ؟! قال: نعمْ، ثمَّ يصيرون إلى رحمة الله تعالى) . أخرجه أحمد (6/ 41) ، وابن أبي شيبة (15/42- 43) : حدثنا [سفيان]

ابن عيينة عن جامع [بن أبي راشد] عن منذر عن حسن بن محمد عن امرأة عن عائشة تبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وأخرجه البيهقي في "الشعب " (6/98/7599 م) من طريق محمود بن آدم: نا سفيان بن عيينة به؛ إلا أنه لم يقل: "عن امرأة"؛ فلا أدري أهكذا الرواية عنده، أم هو سقط من الناسخ؟! والمحفوظ إثباته؛ فقد تابع أحمد وابن أبي شيبة: عبد الله- وهو ابن المبارك- في إثبات هذه الواسطة مع مخالفة يسيرة؛ فقال: أنبأ سفيان- بسنده- عن الحسن ابن محمد بن علي عن مولاة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - على عائشة، أو على بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده، فقال: ... فذكر الحديث. أخرجه الحاكم (4/523) : أخبرني الحسن بن حكيم المروزي: ثنا أبو الموجِّه: أنبأ عبدان: أنبأ عبد الله ... وسكت عنه هو والذهبي. قلت: ورجاله ثقات معروفون؛ غير المروزي هذا، وقد سماه الذهبي: "الحسن ابن محمد بن حليم "، ذكره في الرواة عن أبي الموجه، واسمه محمد بن عمرو الفزاري، ووصفه في " السير" (13/347) بـ " الشيخ الإمام، محدث مرو، الحافظ". وأما ابن حليم فلم أجد له ترجمة الآن. وخالفهم في إسناده شريك بن عبد الله؛ فقال: عن جامع بن أبي راشد عن منذر الثوري عن الحسن بن محمد بن علي قال: حدثتني امرأة من الأنصار- وهي حية اليوم، إن شئت أدخلتك عليها، قلت: لا، [حدِّثني]- قالت: دخلت على أم سلمة، فدخل عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكأنه غضبان، فاستترت بكمِّ درعي،

فتكلم بكلام لم أفهمه، فقلت: يا أم المؤمنين! كأني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غضبان؟ قالت: نعم، أو ما سمعتيه؟! قالت: قلت: وما قال؟ قالت: قال: ... فذكرت الحديث بنحوه. أخرجه أحمد (6/ 294 و 418) . قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه لم يخرج لشريك بن عبد الله- وهو النخعي القاضي- إلا متابعة؛ لضعف فيه، فحديثه قوي بما قبله من رواية ابن عيينة، مع ما فيها من الاختلاف عليه في رواية الحديث؛ هل هي عائشة، أو مولاة للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ وفي رواية شريك هذه أنها أم سلمة. وله طريق أخرى: يرويه خلف بن خليفة عن ليث عن علقمة بن مرثد عن المعرور بن سُوَيد عن أم سلمة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. أخرجه أحمد (6/304) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/325/747) من طرق عن خلف به. قلت: وليث؛ الظاهر أنه ابن أبي سليم الحمصي، وكان اختلط، ومثله خلف بن خليفة؛ مع أنهما من رجال مسلم، ولذلك قال الهيثمي في "المجمع " (7/268) : "رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح "! يعني هذا الإسناد، ويعني بالآخر- والله أعلم- رواية شريك التي قبل هذه. ولجامع بن أبي راشد إسناد آخر: يرويه هاشم بن القاسم: ثنا محمد بن طلحة عن زُبَيدٍ قال: حدثني جامع بن أبي راشد- ودموعه تنحدر- عن أم مبشر عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - به.

أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (10/218) : حدثنا سليمان بن أحمد: ثنا أحمد بن زهير: ثنا محمد بن منصور الطوسي: ثنا هاشم بن القاسم به قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. أحمد بن زهير: هو أحمد بن يحيى بن زهير التُّسْتَري الحافظ شيخ سليمان ابن أحمد- وهو الطبراني الحافظ-، وهو من مشايخه المشهورين؛ فقد روى له في "المعجم الأوسط " أكثر من مئة وخمسين حديثاً (2229- 2384- بترقيمي) في "السير" (14/362) . ومن فوقه من رواة الشيخين؛ غير الطوسي، وهو ثقة. وشيخه هاشم بن القاسم كنيته أبو النضر. وقد أخرجه الطبراني عنه في "المعجم الكبير" (23/377/891) بسند آخر له فقال: حدثنا أبو يحيى الرازي: ثنا محمود بن غيلان: ثنا أبو النضر: ثنا سالم بن طلحة: ثنا جامع بن أبي راشد- ودموعه تنحدر- عن أم مبشر به. قلت: كذا وقع فيه "سالم بن طلحة"، ولم أجد له ترجمة، فأخشى أن يكون "سالم " خطأ من الناسخ أو الطابع؛ والصواب: "محمد" كما في إسناد "الحلية " المتقدم، كما أخشى أن يكون سقط منه "زُبَيد"، فإنه مذكور في شيوخ محمد بن طلحة، وهو اليامي الكوفي، وفي الرواة عن جامع بن أبي راشد. وحديث عائشة له طريق أخرى بلفظ أخر مختصر نحوه؛ مخرج فيما تقدم برقم (1622و2693) ، وقد أوردهما الحافظ في "الفتح " (13/60) ساكتاً عنهما؛ مشيراً بذلك إلى تقوية الحديث. *

3157

3157- (كَانَ في آخِرِ أمْرِهِِ يُكْثِرُ مِنْ قَوْلِ: سبحانَ اللهِ وبحمده، أَستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليهِ، [قالت عائشة:] فقلت: يا رسولَ الله! ما لي أَراكَ تكثرُ منْ قولِ: سبحانَ اللهِ وبحمدِه أسْتَغْفرُ اللهَ وأتوبُ إليه؟ ! قال: إنَّ ربِّي أخْبَرَني أنِّي سأرى علامة في أمَّتي، وأمرني- إذا رأيتُ تلك العلامة- أنْ أسبِّحَ بحمدِهِ وأَستغفرَه، فَقَدْ رأيتُها: (إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفَتْحُ. ورأيتَ الناسَ يد خلونَ في دينِ اللهِ أفواجاً. [فسبِّحْ بحَمْدِ ربِّك واستغفرْهُ إنه كان تواباً] )) . أخرجه أحمد (6/35) : ثنا محمد بن أبي عدي عن داود. ورِبَعِيُّ بن إبراهيم قال: ثنا داود عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة ... وأخرجه الحسين المروزي في "زوائد الزهد" (398/1130) : حدثنا محمد بن أبي عدي قال: حدثنا داود ... به. وأخرجه مسلم (2/50) ، وابن جرير في "التفسير" (30/215) ، قالا: حدثني محمد بن المثنى: حدثني عبد الأعلى: حدثنا داود به، وزادا: " والفتح: فتح مكة". ثم أخرجه ابن جرير، وابن سعد في "الطبقات " (2/192- 193) من طرق أخرى عن داود بن أبي هند به دون الزيادة. وأخرجه مسلم من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن مسلم عن مسروق به نحوه. وأخرجه هو، والبخاري (4967) من طريق أخرى عن الأعمش به مختصراً.

(تنبيه) : مع كثرة هذه المصادر التي روت هذا الحديث، ومنها "صحيح مسلم "، ومع ذلك فلم يستحضر الحافظ شيئاً منها، فعزاه في "الفتح " (8/734) لابن مردويه فقط! وقلده في ذلك الشيخ الأعظمي في تعليقه على "زوائد الزهد"! وللحديث شاهد مختصر من حديث أم سلمة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت يكثر أن يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، استغفرك وأتوب إليك "، قلت: يا رسول الله! إني أراك تكثر أن تقول: "سبحانك اللهم وبحمدك، استغفرك وأتوب إليك "؟! فقال: "إني أمرت بأمر" فقرأ: (إذا جاء نصر الله والفتح) . أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص 141- هند/1186- الروض) ، وفي "الأوسط " (1/291/1/4869) : ثنا عبد الرحمن بن سَلْم أبو يحيى الرازي: ثنا سهل بن عثمان: ثنا حفص بن غِياث عن عاصم الأحول عن الشعبي عنها. وقال: "تفرد به سهل "! وهو ثقة من رجال مسلم، وقد توبع؛ فقال ابن جرير: حدثنا أبو السائب عن حفص به. وأبو السائب هذا هو سلم بن جنادة، وهو صدوق ربما خالف؛ كما في "التقريب "، فالسند صحيح. وله شاهد آخر من رواية ابن مسعود، وعنه ابنه أبو عبيدة. أخرجه الطيالسي (339) ، ورجاله ثقات.

3158

وله طريق أخرى عن عائشة فيها زيادة منكرة، فخرجتها في "الضعيفة" (6322) . * الحض على الزواج بالبكر إلا لمصلحة الصغار 3158- (فإنَّك نِعْمَ ما رأيتَ. قالَهُ لجابرٍ حينَ أخبَرَه بأَنَّه تزوَّج ثيباً لِتَخْدُمَ أَخواتِه الصِّغَارَ) . أخرجه أحمد (2/358) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (4/417) قالا: حدثنا عَبِيدة بن حميد عن الأسود بن قيس العبدي عن نُبَيح بن عبد الله العَنَزي عن جابر بن عبد الله قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا جابر! ألك امرأة؟ " قال: قلت: نعم. قال: "أثيباً نكحت أم بكراً؟ " قال: قلت له: تزوجتها وهي ثيب، قال: فقال: "فهلا تزوجتها جويرية؟ " قال له: قُتل أبي معك يوم كذا وكذا، وترك جواري، فكرهت أن أضم جارية كإحداهن، فتزوجت ثيباً تقصع قملة إحداهن، وتخيط درع إحداهن إذا تَخرّق! قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وسياق السند لابن أبي شيبة، وفي متنه أخطاء مطبعية كثيرة تصخَّح من سياقه هنا؛ وهو لأحمد. قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير نبيح هذا، وقد وثقة أبو زرعة والعجلي وابن حبان، وصحح له الترمذي- وصرَّح بتوثيقه-، وابن خزيمة، وابن حبان والحاكم، وروى عنه أبو خالد الدالاني أيضاً. وأما الحافظ فقال:

3159

"مقبول "! وهذا منه هنا غير مقبول؛ لتوثيق من ذكرنا أولاً، ولكونه تابعيَّاً ثانياً؛ ولهذا قال الذهبي في "الكاشف ": "ثقة". ثم رأيتُ الحافظَ ابن حجر نفسه يوثّقه في "الإصابة" (1/13) ؛ فالحمد لله. والحديث أخرجه الشيخان وأحمد وغيرهم من طرق أخرى عن جابر بنحوه، وهو مخرج في "الإرواء" (6/196- 197) ، وفي بعضها: "بارك الله لك "، أو قال خيراً. وفي أخرى: "أصبت، إن شاء الله ". وفي لفظ: " ألا تزوجتها بكراً تلاعبك وتلاعبها، وتضاحكك وتضاحكها؟! ". * 3159- (الخَمرُ من هاتين الشَّجرتينِ: النَّخْلةِ والعِنَبَةِ) حديث صحيح يرويه أبو كَثِيرٍ السُّحَيْمِىُّ عن أبي هريرة سماعاً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وله عنه طرق: الأولى: الأوزاعي: حدثنا أبو كثير قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. أخرجه مسلم (6/89) ، والترمذي (1876) ، والنسائي (2/ 325) ، والد ارمي (2/113) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/322) ، وابن أبي شيبة في

"المصنف" (8/109) ، وأحمد (2/409 و496 و157) ، وأبويعلى (10/398/6002) ، والبيهقي (8/289- 290) من طرق كثيرة عن الأوزاعي به. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". الثانية: يحيى بن أبي كثير: أن أبا كثير حدثه به. أخرجه مسلم، وأبو داود (3678) ، والنسائي أيضاً، وكذا الطحاوي، وعبد الرزاق في "المصنف " (9/234) ، ومن طريقه: أحمد (2/279) وعن غيره أيضاً (2/408) من طرق عن يحيى به. الثالثة: عكرمة بن عمار عنه. أخرجه مسلم، وابن ماجه (2/1121/3378) ، وابن حبان (7/366/5320) ، والطحاوي أيضاً، وأحمد (2/526) من طرق عنه. الرابعة: عن عقبة بن التوأم عنه. أخرجه مسلم والطحاوي من طريقين عنه، وزاد الطحاوي من طريق عبد الله ابن حمران قال: ثنا عقبة بن التوأم الرقاشي قال: حدثني أبو كثير اليمامي قال: دخلت من اليمامة إلى المدينة لما أكثر الناس الاختلاف في النبيذ؛ لألقى أبا هريرة فأسأله عن ذلك، فلقيته، فقلت: يا أبا هريرة! إني أتيتك من اليمامة أسألك عن النبيذ، فحدِّثني عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لا تحدثني عن غيره، فقال: ... فذكره. وإسناده جيد في المتابعات. الخامسة: قال الطيالسي في "مسنده " (335/2569) : حدثنا أيوب بن عتبة عن أبي كثير السحيمي به.

وأيوب، قال الحافظ: "ضعيف ". واعلم أنهم اختلفوا في اسم أبي كثير هذا على ثلاثة أقوال، ذكرها الحافظ في "التهذيب "، وجزم الترمذي عقب الحديث بأنة يزيد بن عبد الرحمن بن غُفَيلة، وجزم أبو داود بأنه الصواب. (فائدة) : قال البغوي في "شرح السنة" (11/353) - وقد ذكر الحديث معلقاً-: "وهذا لا يخالف حديث النعمان بن بشير، وإنما معناه: أن معظم الخمر يكون منهما، وهو الأغلب على عادات الناس فيما يتخذون من الخمور". قلت: وحديث النعمان الذي أشار البغوي إليه سبق تخريجه برفي (1593) بلفظ: "إن من العنب خمراُ ... " الحديث؛ فذكر فيه التمر أيضاُ والعسل والبُر والشعير. ونحوه حديث عمر بن الخطاب وزاد: "والخمرة ما خامر العقل ". أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" (8/ 41- 42) ، وقد قال الحافظ عقبه (10/35) : "وفيه إشارة إلى ضعف الحديث الذي جاء عن أبي هريرة مرفوعاً.. (فذكره وقال:) ، أو أنه ليس المراد الحصر فيهما". قلت: وهذا المراد هو الصواب كما جزم به البغوي فيما تقدم، ومن الغريب أنه يشير إلى ضعف الحديث، وهو حديث صحيح متواتر عن تابعيِّه أبي كثير كما

3160

تقدم، وهو ثقة اتفاقاً، والقاعدة في مثل هذا الحديث التوفيق بينه- بعد ثبوته- وبين ما يعارضه بمثل ما تقدم، وهذا بعينه ما فعله الحافظ نفسه في مثل هذا الحديث من رواية جابر مرفوعاً بلفظ: "الزبيب والتمر هو الخمر". وتقدم تخريجه برقم (1875) ، فقال الحافظ في الصفحة التي بعد الصفحة المشار إليها آنفاً: "وسنده صحيح، وظاهره الحصر، لكن المراد المبالغة، وهو بالنسبة إلى ما كان حينئذٍ بالمدينة موجوداً كما تقرر في حديث أنس ". وحديث أنس الذي يشير إليه هو عند البخاري بلفظ: "حُرِّمَت علينا الخمر حين حرمت؛ وما نجد- يعني: بالمدينة- خمر الأعناب إلا قليلاً، وعامة خمرنا البسر والتمر". * 3160- (كانَ يقولُ في دُبُرِ الصَّلاةِ إذا سلَّم قبْلَ أنْ يقومَ، يرفعُ بذلكَ صوتَه: لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، لا إلهَ إلا اللهُ، [و] لا نعبدُ إلا إيَّاهُ، له النعمةُ، وله الفضلُ، وله الثناءُ الحسنُ، لا إله إلا اللهُ مخلصينَ لَهُ الدِّينَ، ولو كَرِهَ الكافِرُونَ) . أخرجه الطبراني في " الدعاء " (2/1107/681) : حدثنا عبد الرحمن بن سلم (الأصل: مسلم!) الرازي: ثنا سهل بن عثمان: ثنا جُُنادة بن سلم عن

عبيد الله بن عمر عن نافع عن محمد بن مسلم أبي الزبير قال: سمعت عبد الله ابن الزبير يقول ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال مسلم من فوق الرازي؛ غير جنادة؛ وهو صدوق يغلط. وأما عبد الرحمن بن سلم الرازي؛ فهو ابن محمد بن سلم الرازي، نُسب إلى جده، وله ترجمة في " طبقات الأصبهانيين "، و" أخبار أصبهان "، و "تذكرة الحفاظ " وقال: "كان من الثقات ". وروى له الطبراني في "المعجم الأوسط " ستةً وعشرين حديثاً (4864- 4890) . والحديث أخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما" وغيرهما من طرق عن أبي الزبير به، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1350 و 1351) ، وزادوا: "وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهنَّ دُبُرَ كل صلاة". وأخرجه كذلك ابن حبان في "صحيحه " (3/228- 229/2005- 2007) . وأخرجه الشافعي في "الأم " (1/ 110) ، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة" (3/226/716) من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزبير به؛ وزاد الشافعي: "يقول بصوته الأعلى: لا إله إلا الله ... " إلخ. وهي بمعنى زيادة مسلم وغيره: "يهلل.. "؛ أي: يرفع صوته.

ورواه المحاملي في "الأمالي " (211/197) من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ: "يصيح بذلك صياحاً عالياً "؛ وسنده ضعيف. ويشهد لرفع الصوت- بهذا الذكر أو بغيره مما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -- قول ابن عباس: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. رواه الشيخان وأبو عوانة وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح سنن أبي داود" (920- 921) . وفي رواية لهم: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير" 0 قلت: ورواية التكبير هذه لعلها رواية بالمعنى، والمحفوظ الرواية التي قبلها: " الذكر"، فإن الأ ذكار الواردة في " الصحيحين " وغيرهما من " السنن "، و"المسانيد"، و"المعاجم "، وغيرها على كثرتها، وقد استوعب الحافظ الطبراني جَمعاً غفيراً منها في "جامع أبواب القول في أدبار الصلوات " من كتابه "الدعاء" (2/1086- 1136) ، وليس في شيءٍ منها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبِّربعد المكتوبة، حتى ولا في الأذكار التي حض أمته على أن يقولوها دبر الصلوات، اللهم إلا حديثاً واحداً في قراءة آية: (الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً) الآية، إلى قوله تعالى: (وكبِّره تكبيراً) [الإسراء: 111] . تفرد به الطبراني، وهو حديث منكر كما بينته في "الضعيفة" (6317) . ثم إن الأصل في الأذكار خفض الصوت فيها، كما هو المنصوص عليه في الكتاب والسنة إلا ما استثني، وبخاصة إذا كان في الرفع تشويش على مصلٍّ أو ذاكر، ولا سيما إذا كان بصوت جماعي كما يفعلون في التهليلات العشر في

بعض البلاد العربية، غير مبالين بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها الناس! كلكم يناجي ربَّه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة؛ فتؤذوا المؤمنين ". وهو حديث صحيح: رواه مالك، وأبو داود، وابن خزيمة وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح سنن أبي داود" (1203) ، وبوب له ابن خزيمة بقوله (2/190) : "باب الزجر عن الجهر بالقراءة في الصلاة إذا تأذى بالجهر بعض المصلين غير الجاهر بها". ولهذا؛ قال الإمام الشافعي في "الأم " (1/ 110) - عقب حديث ابن عباس المذكور-: "وأختارُ للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة؛ ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يحب أن يُتعلَّم منه، فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلِّم منه ثم يُسِرُّ؛ فإن الله عز وجل يقول: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) [الإسراء: 110] يعني- والله تعالى أعلم-: الدعاء، (ولا تجهر) : ترفع، (ولا تخافت) : حتى لا تسمع نفسك، وأحسب أن ما روى ابن الزبير من تهليل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وما روى ابن عباس من تكبيره.. إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه، وذلك؛ لأن عامة الروايات التي كتبناها- مع هذا وغيرها- ليس يُذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير، وقد يذكر أنه ذكر بعد الصلاة بما وصفت، ويذكر انصرافه بلا ذكر، وذكرت أم سلمة مكثه ولم يذكر جهراً، وأحسبه لم يكن إلا ليذكر ذكراً غير جهر". قلت: وهذا غاية في التحقيق والفقه من هذا الإمام جزاه الله خيراً.

3161

وأقول: وإذا كان من الثابت في السنة أن يجهر الإمام في الصلاة السرية أحياناً للتعليم كما في "الصحيحين " وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمعهم الآية في صلاة الظهر والعصر- وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (763) -، وكما صح عن عمر- رضي الله عنه- أنه كان يسمعهم دعاء الاستفتاح: "سبحانك اللهم ... "، قال الأسود بن يزيد: "يسمعنا ذلك ويعلمنا " - وهو مخرج في " الإرواء " (2/ 48- 49) -. أقول: فإذا كان هذا جائزاً؛ فبالأولى أن يَجُوزَ رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة للغاية نفسها: التعليم. وهذا ظاهر والحمد لله. * 3161- (أعْتِقْها؟ فإنَّها مؤْمِنَةٌ. يعني: الجاريةَ التي شَهِدَتْ بأنَّ اللهَ في السماء) 1- أخرجه أبو داود (3/588/3283) ، والنسائي (2/129) ، والد ارمي (2/187) ، وابن حبان في "صحيحه " (6/256/4296) ، والبيهقي في "السنن " (7/388) ، وأحمد (4/222 و 388 و389) ، والبزار في " مسنده" (1/29/38/- الكشف) ، والطبراني (7/383/7257) من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن الشَّرِيدِ بن سُوَيْدٍ الثقفي قال: قلت: يا رسول الله! إن أمي أوصت إليّ أن أعتق عنها رقبة، وإن عندي جارية سوداء نُوبية؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ادع بها"، فقال: "مَن ربُّكِ؟ "، قالت: الله، قال: "فمن أنا؟ "، قالت: رسول الله، قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه أخرج لمحمد بن عمرو متابعة، وحماد بن سلمة في روايته عن غير ثابت البناني شيء من الضعف، وليس له رواية عن محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة بن وقاص الليثي- عند مسلم. وقد خولف حماد في إسناده ومتنه، فقال ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 81) : حدثنا محمد بن يحيى القُطَعِي قال: حدثنا زياد بن الربيع قال: ثنا محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة- رضي الله عنه-: أن محمد بن الشريد جاء بخادم سوداء عتماء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن أمي جعلت عليها عتق رقبة مؤمنة، فهل تجزي أن أعتق هذه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للخادم: "مَنْ رَبُّكِ؟ ". فرفعت برأسها فقالت: في السماء ... ثم ذكر باقي الحديث مثله. وهذا السند أصح؛ لأن زياد بن الربيع ثقة من رجال البخاري، لكن يبدو أن قوله: "محمد بن الشريد" وهم من بعض الرواة؛ فإنه ليس له ذكر في "الصحابة"، وقد أورده الحافظ في القسم الرابع من "الإصابة" من رواية ابن منده وابن السكن والباوردي وابن شاهين؛ لكنه قال في روايته: " (جاء محمد بن الشريد أو الشريد بجارية) كذا عنده على الشك، وأخرجه أبو نعيم من رواية إبراهيم بن حرب العسكري عن القطعي (الأصل: القطيعي) مثله؛ إلا أنه قال: (إن عمرو بن الشريد جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ) ، وصوّب هذا الطريق، وكل ذلك غير محفوظ! والمحفوظ: ما أخرجه أبو داود، والنسائي، وصححه ابن حبان، من

طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو ... (فذكر الرواية الأولى) ، ثم قال: "قال ابن السكن: محمد بن الشريد ليس بمعروف في الصحابة، ولم أر له ذكراً إلا في هذه الرواية". وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن أبي هريرة، ليس فيها تسمية الرجل، وهو من رواية المسعودي عن عون بن عبد الله عن أخيه عُبيدالله بن عبد الله بن عتبة عن أبي هريرة: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بجارية سوداء أعجمية، فقال: يا رسول الله! إن عليَّ عتق رقبة مؤمنة، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ "، فأشارت إلى السماء بإصبعها السبابة، فقال لها: "من أنا؟ "، فأشارت بإصبعها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى السماء؛ أي: أنت رسول الله، فقال: "أعتقها " فإنها مؤمنة ". أخرجه أبو داود (3/588/ 3284) ، وابن خزيمة أيضاً، والبيهقي في "السنن " (7/388) ، وأحمد (2/291) ؛ كلهم من طريق يزيد بن هارون عنه. قلت: ويزيد سمع من المسعودي- وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة- بعد اختلاطه؛ كما قال ابن نمير، فيما نقله الذهبي في "الكاشف " وغيره، فقوله في "العلو": "إسناده حسن "، غير حسن كما كنت ذكرت في كتابي "مختصر العلو" (81- 82) ، لكن بدا لي الآن أنه أحسن من الحسن، وذلك لأمرين: الأول: أنني وجدت عند ابن خزيمة متابعين اثنين ليزيد، وهما أسد بن موسى (أسد السنة) ، وأبو داود- وهو الطيالسي؛ صاحب "المسند" المعروف به، وليس الحديث فيه-، وهو بصري، وقد ذكر عبد الله بن أحمد في "العلل " عن أبيه أنه قال:

"سماع وكيع من المسعودي بالكوفة قديماً، وأبو نعيم أيضاً، وإنما اختلط المسعودي ببغداد، ومن سمع منه بالبصرة والكوفة؛ فسماعه جيد". وذكر نحوه في مكان آخر (2/130- 131) ؛ وزاد: "وأما يزيد بن هارون، وحجاج، ومن سمع منه ببغداد؛ فهو في الاختلاط ". وعلى هذا فالسند جيد؛ لأن الطيالسي بصري كما تقدم. هذا هو الأمر الأول. والأمر الآخر: أن ابن معين صحح أحاديث المسعودي عن القاسم وعن عون؛ كما في "التهذيب "، وهذا من روايته عن عون كما ترى، فصح الحديث والحمد لله. وفي حديث أسد السنة: "بجارية سوداء لا تُفْصِحُ ". وفي حديث الطيالسي: "بجارية عجماء لا تفصح "؛ وعندهما: "مَنْ رَبُّكِ؟ ". لكن قد خولف عون في إسناد الحديث من قِبَلِ الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن رجل من الأنصار: أنه جاء بأمة سوداء، فقال: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، فإن كنت ترى هذه مؤمنة؛ أعتقها؟! فقال: "تشهدين أن لا إله إلا الله؟ ". قالت: نعم، قال:

"تشهدين أني رسول الله؟ ". قالت: نعم، قال: "أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ ". قالت: نعم، قال: "أعتقها". (1 أخرجه ابن خزيمة من طريق عبد الرزاق، وهذا في "المصنف " (9/175/ 16814) قال: أخبرنا معمر عن الزهري به. ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه أحمد (3/ 451) ، وابن الجارود في "المنتقى" 31/ 931) . وقال ابن كثير في "التفسير" بعد أن عزاه لأحمد: "وإسناده صحيح، وجهالة الصحابي لا تضره ". قلت: وهو كما قال؛ لولا أن معمراً خالفه جماعة من الثقات فأرسلوه: فرواه مالك (2/6) ، ويونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عبيد الله: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث مثله. أخرجه البيهقي (7/388 و10/57) ، وقال: "هذا مرسل، وقد قيل: عن عون بن عبيد الله بن عتبة عن عبيد الله بن عتبة أبي هريرة- رضي الله عنه-. وقد قيل: عن عون عن أبيه عن جده ". قلت: وصله الحاكم (3/258) وعنه البيهقي في الموضع الأول، وكذا

الطبراني (17/136) من طريق أبي عاصم: نا أبو مَعْدان المِنْقَري- يعني: عامر بن مسعود-: نا عون بن عبيد الله بن عتبة: حدثني أبي عن جدي. وعامر هذا لم أعرفه، ولا وجدت له ترجمة فيما لدي من المراجع، لا فيمن يسمى بـ "عامر" ولا فيمن يكنى بأبي معدان، ولا فيمن نسبته "المنقري ". 2- وروي عنه بإسناد آخر، فقال الجراح بن مَخلَد: ثنا محمد بن عثمان الجزري: ثنا سعيد بن عَنْبسة القطان: ثنا أبو معدان قال: سمعت عون بن أبي جحيفة يحدث عن أبيه قال: أتت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - امرأةٌ ومعها جارية سوداء، فقالت المرأة: يا رسول الله! إن علي رقبة مؤمنة، أفتجزي عني هذه؟ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ ". قالت: في السماء. قال: "فمن أنا؟ ". قالت: أنت رسول الله. قال: "أتشهدين أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ ". قالت: نعم. قال: "أتؤمنين بما جاء من عند الله؟ ". قالت: نعم، قال: "أعتقيها؛ فإنها مؤمنة". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/116- 117) . قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً مسلسل بالعلل: الأولى: أبو معدان هذا؛ فإنه غير معروف كما تقدم، وقد سماه الطبراني في باب "أبو معدان: عامر بن مرة عن عون "، ثم ساق هذا الحديث، ولم أجده أيضاً.

الثانية: سعيد بن عنبسة القطان، والظاهر أنه أبو عثمان الخزاز الرازي الذي ذكره ابن أبي حاتم (2/1/52) وقال عن أبيه: "فيه نظر". ثم روى عن علي بن الحسين بن الجنيد قال: "سعيد بن عنبسة كذاب، سمعت أبي يقول: كان لا يصدق ". وبه أعله الهيثمي؛ فقال (4/244) : "رواه الطبراني، وفيه سعيد بن عنبسة، وهو ضعيف ". الثالثة: محمد بن عثمان الجزري، لم أجد له ترجمة أيضاً. ثم وجدت لسعيد بن عنبسة متابعاً لا بأس به، وعرفنا بسببه اسم أبي معدان: رواه صُرَدُ بن حماد أبو سهل قال: حدثنا الحسن بن الحكم بن طَهْمان: حدثنا أبو معدان به. أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/343) ، وقال: "تفرد به أبو معدان، وهو غريب من حديث أبي معدان عبد الله بن معدان، تفرد به الحسن بن الحكم عنه، ولا أعلم حدث به غير صرد، وما علمت من حاله إلا خيراً". قلت: وابن طهمان هذا؛ قال ابن أبي حاتم عن أبيه: "حديثه صالح ليس بذلك، يضطرب". وعبد الله بن معدان روى عنه أيضاً وكيع وأبو نعيم كما في "الجرح "، وذكر الذهبي في "المقتنى في الكنى": (البُرْساني) مكان: (أبي نعيم) .

ثم رأيت في "الجرح " (9/446) : "أبو معدان...... عن يحيى بن معين قال: أبو معدان صالح "، وعلَّق المعلمي عليه بما يشعر أنهما واحد. 3- حديث ابن عباس، وله عنه طريقان: الأول: يرويه ابن أبي ليلى عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، وعن الحكم يرفعه: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن على أمي رقبةً مؤمنةً، وعندي رقبة سوداء أعجمية؟ قال: "ائتِ بها"، قال: "أتشهدين أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ "، قالت: نعم، قال: "فأعتقها". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (11/20/10392) ، وفي "كتاب الإيمان " (28/85- بتحقيقي) : حدثنا علي بن هاشم عن ابن أبي ليلى ... هكذا وقع في إسناده: ".. عن ابن عباس، وعن الحكم "! وهو معطوف على المنهال- وهو ابن عمرو- على خلاف المتبادر، ولكن مثله يقع كثيراً في الأسانيد، كما يعرفه من مارس هذا العلم. وقد رواه الطبراني (12/26-27) و"الأوسط " (2/36/2/5653) من طريق الحسن بن فرات القزاز: ثنا علي بن هاشم به؛ إلا أنه قال: "عن المنهال بن عمرو، والحكم عن سعيد بن جبير ... "، فهذا على الجادة، وقال: "لم يروه عن المنهال والحكم إلا ابن أبي ليلى".

قلت: وهو ضعيف لسوء حفظه، وبه أعله الهيثمي فقال (4/244) : "وفيه محمد بن أبي ليلى، وهوسيىء الحفظ، وقد وُثِّق". قلت: ومن طريقه: أخرجه البزار (1/14/13- الكشف) ، ولم يذكر في إسناده الحكم، وقال: "وهذا قد روي نحوه بألفاظ مختلفة"! قلت: هو بهذا اللفظ المرفوع له طريق أخرى، يرويه يزيد بن حكيم: ثنا يحيى ابن السكن عن قيس بن الربيع: ثنا حبيب بن أبي ثابت عن محمد بن علي عن حنين عن ابن عباس به إلا أنه قال: "إن عليّ رقبة مؤمنة.. "؛ لم يذكر أمَّه. أخرجه الطبراني في "الأوسط " (2/143/1/ 7212) : حدثنا محمد بن يحيى: ثنا يزيد به، وقال: "لم يروه عن حبيب إلا قيس ". قلت: وهو ضعيف من قبل حفظه، ويحيى بن السَّكَن- وهو الرقي ثم البصري- ضعيف، وإن وثقه ابن حبان. ويزيد بن حكيم مجهول الحال، لم يذكر فيه ابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً. وأما اللفظ الآخر؛ فيرويه سعيد بن المَرْزُبَان عن عكرمة عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ومعه جارية له سوداء، فقال: إن علي رقبة- أحسبه قال: مؤمنة-، فهل يجزئ عني هذه؟ فقال لها: "أين الله؟ ".

قالت بيدها إلى السماء، قال: "من أنا؟ ". قالت: أنت رسول الله، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعتقها؛ فإنها مؤمنة ". أخرجه البزار (1/28/37) بسند صحيح عن ابن المرزبان، لكن هذا- مع ضعفه- مدلس، وهو وإن كان ذكروا له رواية عن عكرمة؛ فإنه لم يصرح بسماعه منه كما ترى، وبه وبابن أبي ليلى أعله الهيثمي (4/424) . 4- ومما يشهد لهذا اللفظ: "السماء" حديث كعب بن مالك قال: جاءت جارية ترعى غنماً لي، فأكل الذئب شاة، فضربتُ وجهَ الجارية، فندمت، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: يا رسول الله! لو أعلم أنها مؤمنة؛ لأعتقتها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للجارية: "من أنا؟ ". قالت: رسول الله. قال: "فمن الله؟ ". قالت: الذي في السماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعتقها، فإنها مؤمنة ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/98/193) و"الأوسط " (2/171/1/7712) من طريق عبد الله بن شبيب: ثنا داود بن عبد الله الجعفري: ثنا حاتم بن إسماعيل عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن ابن كعب بن مالك عن أبيه به، وقال: "لم يروه عن ابن عجلان إلا حاتم، ولا عن حاتم إلا داود الجعفري، ولا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد".

قلت: ورجاله ثقات؛ غير عبد الله بن شبيب؛ فإنه ضعيف، وبه أعله الهيثمي. وبالجملة؛ فهذه الطرق التي وقفت عليها عن هؤلاء الصحابة الأربعة، وهم: الشريد بن سويد- وإسناده حسن على الخلاف في صحابيِّه ومسنِدِه، فمنهم من جعله من رواية أبي سلمة عنه، ومنهم من جعله من مسند أبي هريرة من رواية أبي سلمة نفسه، على اختلاف في ضبط بعض ألفاظه كما يأتي بيانه ملخصاً-، وأبو هريرة- وإسناده صحيح-، وأبو جحيفة- بإسناد ضعيف-، وابن عباس- بإسنادين عنه؛ واختلاف أيضاً في بعض ألفاظه-. ولعله من الضروري أن أقدم إلى القراء الكرام خلاصة نيِّرة عن تلك الروايات والاختلافات في بعض ألفاظها، وبيان الراجح من المرجوح منها؛ ليكون القراء على معرفة بصحيحها من ضعيفها، والنظر في إمكانية الجمع بينها؛ ليكون القراء على حذر من بعض المضللين: أولاً: لقد اتفقت الروايات كلها على شهادته - صلى الله عليه وسلم - للجارية بأنها مؤمنة. ثانياً: واختلفت في نص سؤاله - صلى الله عليه وسلم - إياها وجوابها على وجوه ثمانية: الأول: "من ربك؟ قالت: الله ". (الحديث الأول عن شريد، وهو حسن) . الثاني: "من ربك؟ فقالت: في السماء". (الحديث الأول عن أبي هريرة؛ وهو حسن) . الثالث: "أين الله؟ فأشارت إلى السماء". (الحديث الأول أيضاً من الطريق الآخر عنه، وهو صحيح) . الرابع: "تشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم ". (الحديث الأول أيضاً عن الرجل الأنصاري. وهو معلول بالإرسال) .

الخامس: "أين الله؟ قالت: في السماء". (الحديث الثاني، وهو ضعيف؛ لكنه بمعنى الوجه الثالث) . السادس: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم ". (الحديث الثالث من الطريق الأول، وهو ضعيف) . السابع: "أين الله؟ قالت بيدها إلى السماء" (الحديث نفسه من الطريق الآخر، وهو ضعيف أيضاً) . الثامن: "فمن الله؟ قالت: الذي في السماء". (الحديث الرابع، وسنده ضعيف) . قلت: وبهذا التلخيص الدقيق يتبين للقراء الحقيقة التالية وهي: أن الأرجح أن سؤاله - صلى الله عليه وسلم - كان: "أين الله؟ ". وأن جواب الجارية كان: "في السماء". وذلك؛ لأن ثلاث روايات اتفقت على السؤال المذكور، والأولى منها هي الرواية الصحيحة عن أبي هريرة، والثانية إن لم تنفع فلا تضر، والثالثة تصلح للاستشهاد بها؛ لأنها ليست شديدة الضعف. كما اتفقت خمس روايات على الجواب المذكور، وهو في الطريق الأصح في الحديث الأول عن أبي هريرة، وفي الطريق الأخرى الصحيحة عنه، والروايات الباقية منها شاهدة لها. وإذا كان هذا هو الراجح من مجموع تلك الوجوه الثمانية لاتفاق أكثر الروايات وأصحها عليه؛ فإن ما خالفها؛ إما أن تؤول، وإما أن ترد بالمخالفة؛ فيقال

مثلاً: إن رواية: "من ربك؟ " مختصرة من رواية: "أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ "، وأن هذه لا تنافي سؤالها بـ "أين الله؟ "، فإننا نعلم اليوم كثيراً ممن ينطقون بهذه الشهادة إذا سئلوا بهذا السؤال بادروك بقولهم: (الله في كل مكان) ! وهم يعلمون أن الله كان ولا مكان! وقد تنبه بعض المجادلين بالباطل لضلال هذا القول فلجأ إلى المراوغة، فقال: لا يقال: إنه في كل مكان، ولا: إنه ليس في مكان (¬1) ، وهذا احتيال منهم في التعبير، يتظاهرون بذلك بالتنزيه، وهو يشبه قول أسلافهم من الجهمية والمعتزلة وأذنابهم من المعطلة: "ليس هو داخل العالم ولا خارجه "؛ ورحم الله من قال في أمثالهم: "هؤلاء قوم أضاعوا ربهم "! فلا يبعد أن يكون السؤال وقع باللفظين: "أين " و: "أتشهدين "، ويؤيده الحديث الثاني. وإن مما يقطع ويؤكد ترجيحنا المذكور: حديث معاوية بن الحكم الذي وعدتُ بذكره، فإنه قد ساق قصة الجارية سياقاً تامَّاً رائعاً، لم يسقه غيره كسياقه، ولا غرابة في ذلك؛ فإنه سيدها، فقال- رضي الله عنه- في حادثة وقعت له وهو يصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسأله بعض الأسئلة، فأجابه عليها: 5- فقال رضي الله عنه: "وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَلَ أُحُدٍ والجَوَّانِيَّة، فاطّلعت ذات يوم فإذا الذئب قد ذهب بشاة من غنمها، وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون، لكني صككتها صكة، فأتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فعظَّم ذلك عليّ، قلت: يا رسول الله! أفلا أعتقها؟! قال: "ائتني بها"، فأتيته بها، فقال لها: "أين الله؟ ". ¬

(¬1) ويقول آخرون: الله موجود بلا مكان!

قالت: "في السماء"، قال: "من أنا"، قالت: أنت رسول الله، قال: "أعتقها؛ فإنها مؤمنة ". أخرجه مسلم، وأبو عوانة وابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود في "صحاحهم " وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (862) ، و"الإرواء" (390) . هذا؛ ويشهد لسؤال: "أين الله " حديث مرفوع، وأثر موقوف. أما الحديث؛ فيرويه وكيع بن حُدُسٍ عن عمه أبي رَزِين قال: قلت: يا رسول الله! أين كان ربُّنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: "كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، وما ثَمَّ خلق، عرشه على الماء". أخرجه الترمذي (2108) ، وابن ماجه (182) ، وابن حبان (39- الموارد) ، وابن أبي عاصم (1/271/612) ، وأحمد (4/11 و 12) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (7/137) ، وقال الترمذي: "حديث حسن ". وقال الذهبي في "مختصر العلو" (186/193) : "رواه الترمذي وابن ماجه، وإسناده حسن " وفيه نظر؛ لأن وكيعاً هذا مجهول، كما بينته هناك. وأما الأثر؛ فهو ما رواه زيد بن أسلم قال: مرَّ ابن عمر براعي غنم فقال: يا راعي الغنم! هل من جَزَرة (¬1) ؟ قال الراعي: ليس ههنا ربُّها، فقال ابن عمر: تقول: أكلها الذئب! فرفع الراعي رأسه إلى ¬

(¬1) أي: شاة تصلح للذبح.

السماء ثم قال: فأين الله؟! فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه، وأعطاه الغنم. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/263/13054) : حدثنا محمد ابن نصر الصائغ: ثنا أبو مصعب: ثنا عبد الله بن الحارث الجُمَحِي: ثنا زيد بن أسلم به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات مترجمون في "التهذيب "، غير شيخ الطبراني محمد بن نصر الصائغ، وهو ثقة مترجم في "تاريخ بغداد" (3/318- 319) ، مات سنة (297) . وهذا الأثر احتج به الحافظ الذهبي في "العلو"، ذكره معلقاً على أبي مصعب الزهري، وكنت جوّدت إسناده في "مختصره " (127) ولم أكن قد وقفت يومئذ على وصله، فها قد وقفت عليه الآن، والحمد لله. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/347) : "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الله بن الحارث الحاطبي، وهو ثقة". وجملة القول: إن أصح الأحاديث المتقدمة إنما هو حديث معاوية، فلا جرم أن يتفق العلماء- من محدثين وفقهاء- على تصحيحه على مرِّ العصور دون أي خلاف بينهم؛ فقد صححه الخمسة الذين أخرجوه في "صحاحهم " كما تقدم، وكذا البيهقي في "الأسماء" (422) ، والبغوي في "شرح السنة" (3/239) ، والذهبي كما يأتي، والحافظ في "الفتح " (13/359) ، كل هؤلاء صرحوا بصحة الحديث وإسناده، ويُلحق بهم كل من احتج بالحديث من أئمة الحديث والفقه

والتفسير على اختلاف مذاهبهم، ممن احتج به في باب من أبواب الشريعة، ضرورة أنه لا يحتج إلا بما صح عنده، كالإمام مالك في "الموطأ" (3/5- 6) ، والشافعي في "الأم " (5/266) ، وأحمد في "مسائل عبد الله " (101/363) ، و"مسائل صالح " (3/74/1374) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/258) ، وابن عبد البر في "الاستيعاب "، وابن الجوزي في "دفع شبه التشبيه "، والنووي في "المجموع "، وابن الوزير في " العواصم والقواصم " (1/379- 380) ، وغيرهم كثير وكثير ممن لا يمكن حصرهم، وفيهم بعض المبتدعة المعروفين بمعاداتهم لأهل السنة، وسُوِّد في الرد عليهم رسائل عدة، كالشيخ الصابوني؛ فإنه تابع الحافظ ابن كثير في الاحتجاج بهذا الحديث، فأورده في موضعين (1/ 421 و 523) من "مختصره " الذي التزم أن لا يورد فيه إلا ما صح من الحديث! أما الغلاة من المبتدعة والمتجهمة في هذا العصر؛ فقد أعلن بعضهم عن تضعيفه لهذا الحديث، وإنكاره لصحة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ "، وجواب الجارية: "في السماء"! وعلى رأس هؤلاء الشيخ الكوثري ومقلِّدوه، وقد كنت رددت عليه في كتابي "مختصر العلو" (ص 82) بما يغني عن إعادته هنا، وكان الرد حول حديث معاوية هذا فقط، قبل أن يتيسر لي جمع شواهده المتقدمة عن أبي هريرة، وأبي جُحَيفة، وابن عباس، ثم أوقفني بعض الإخوان على حديث خامس من رواية ابن شاهين بسنده عن عُكَّاشة الغَنَوِي في "أسد الغابة"، و"الإصابة"، وإسناده حسن. ثم رأيت في "تلخيص ابن حجر" (3/223) حديثاً سادساً عن يحيى ابن عبد الرحمن بن حاطب- الثقة- مرسلاً، رواه أبو أحمد العسَّال في "السنة " من طريق أسامة بن زيد، وفي الحديثين: "أين الله؟ "، قالت: "في السماء".

فماذا عسى أن يقول القائل في مثل هذا المكابر الجاحد للحقائق العلمية المعترف بها عند العلماء الفطاحل كما تقدم؟! إلا أن يقرأ: (فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) ! وأن يذكر قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث معاوية- رضي الله عنه- في حديث تفرّق الأمة: "وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله ": "صحيح الترغيب " (1/97/48) ؛ نسأل الله السلامة والعافية! وقد جرى على سَنَنِ هذا الجاحد: الشيخُ المغربي عبد الله الغماري المعروف بعدائه الشديد- كالكوثري- للسنة وأتباعها، ويزيد عليه أنه شيخ الطريقة الدرقاوية، ويزعم أنه مجدد العصر الحاضر! فقد رَدَّ في تعليقه على "التمهيد" (7/135) حديث مسلم، فزعم أن قوله - صلى الله عليه وسلم - فيه: "أين الله؟ " وجواب الجارية عليه بقولها: "في السماء" أنه من تصرف الرواة! ضارباً صفحاً عن تصحيح أولئك الحفاظ إياه، وعن الشواهد المؤكدة لصحته، وعن إمكانية الجمع بينه وبين بعض الألفاظ التي تخالفه بزعمه، مع كونه أصح منها كما تقدم، فما أحراه هو وسلفه الكوثري وأمثالهما ممن يرد الأحاديث الصحيحة المتلقاة من الأمة بالقبول- كالغزالي المعاصر- بوعيد قوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولِّه ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) [النساء/15] . ثم زاد الجاحد إغراقاً في الضلال بعد أن اتهم رواة اللفظ الأصح بالخطأ والرواية بالمعنى؛ فقال: "ويؤيد ذلك أن المعهود من حال النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه بالتواتر أنه كان يختبر إسلام الشخص بسؤاله عن الشهادتين اللتين هما أساس الإسلام ودليله ".

فأقول: هذا باطل من وجوه: الأول: ما زعمه من التواتر مجرد دعوى لا دليل عليه، وما كان كذلك؛ وجب طرحه وعدم الاشتغال به. الثاني: أنه يبطل زعمَه بعضُ الألفاظ التي اعتمد عليها في تخطئة اللفظ الأصح، وهو لفظ: "من ربكِ؟ " " فهذا ليس فيه الاختبار بالشهادتين كما زعم. فإن قيل: هذا لا ينافي اللفظ المذكور! قلنا: وكذلك لا ينافي اللفظ الأصح: "أين الله؟ "؟ كما تقدم بيانه في الخلاصة النيرة، فتذكر! الثالث: أنه قال أخيراً: "أما كون الله في السماء؛ فكانت عقيدة العرب في الجاهلية، وكانوا مشركين، فكيف تكون دليلاً على الإسلام؟! ". كذا قال فُضَّ فوه! فإنه يعلم أن الجاهليين كانوا يؤمنون- مع شركهم- بتوحيد الربوبية بدليل قوله تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) ونحوه من الآيات، وكانوا يُلبُّون به وهم يطوفون حول البيت، فيقولون: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك! رواه مسلم (4/8) . فإذا كان توحيدهم هذا حقاً، وإذا كان اعتقادهم أن الله في السماء حقاً كذلك، لمطابقته لنص القرآن، وبه أجابت الجارية التي شهد لها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإيمان، أفيُعقل أن يقول مؤمن بالله ورسوله حقاً: لا نؤمن بأن الله في السماء لأن المشركين كانوا يعتقدون ذلك؟! إذن؛ يلزمه أن لا يؤمن بتوحيد الربوبية؛ لأن

المشركين يؤمنون به!! ذلك هو الضلال البعيد. وأصل ضلال هؤلاء المتجهمة أنهم تأثروا بالمعتزلة والجهمية الذين ضلُّوا ضلالاً مبيناً؛ بإنكارهم كثيراً من الغيبيات المتعلقة بالله تعالى وصفاته، وذلك يعود إلى أمرين: أحدهما: ضعف إيمانهم بالله ورسوله وما جاء عنهما. والآخر: ضعف عقولهم وقلة فهمهم للنصوص، وهذا هو المثال بين يديك: لم يؤمنوا بأن الله في السماء مع صراحة الآيات في ذلك، والتي منها قوله تعالى: (أأمِنْتُم مَنْ في السماء أنْ يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) [الملك: 16] ، وصحة حديث الجارية، الذي شهد لها بالإيمان لأنها عرفت ربها في السماء، ولذلك بادروا إلى إنكار صحته، وأما الآية فعطلوا دلالتها بعقولهم المريضة، ذلك أنهم تبادر إلى أذهانهم الكليلة أن (في) هنا ظرفية، وهذا خطأ ظاهر، ففروا منه، فتأولوا (مَنْ) بالملائكة، فوقعوا في خطأ آخر، فوقف في طريقهم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ارحموا من في الأرض؛ يرحمكم من في السماء"، فهذا صريح في أن (في) في شَطْرَيِ الحديث بمعنى (على) ، ولما رأى ذلك بعض جهلة الغماريين وأنه يبطل تأويله المذكور؛ بادر بكل صفاقة وجهل إلى القول بأنه "حديث باطل "! (¬1) خلافاً لكل العلماء حتى شيوخه الغماريين، كما بينته في الاستدراك المطبوع في آخر المجلد الثاني من "الصحيحة"، طبع عمّان رقم (12) . ¬

(¬1) انظر مقدمة المسمى حسن السقاف لكتاب "دفع شبه التشبيه "لابن الجوزي (ص 62و64) الذي دفعه الذهبي في "السير" (21/368) دفعاً لطيفاً بقوله: " ليته لم يخض في التأويل، ولا خالف إمامه "!

والمقصود أن معنى الآية المذكورة (أأمنتم من في السماء) ؛ أي: من على السماء. يعني: على العرش؛ كما قال ابن عبد البر (7/129و130و134) وغيره؛ كالبيهقي في "الأسماء" (377) ؛ حيثما قال: "يعني: من فوق السماء". وهذا التفسير هو الذي لا يمكن القول إلا به؛ لمن سلّم بمعاني النصوص الكثيرة من القرآن والسنة المجمعة على إثبات العلو والفوقية لله تعالى علوّاً يليق بعظمته؛ كقوله تعالى في الملائكة: (يخافون رَبَّهُم مِنْ فوقهم) وغيرها من الآيات المعروفة، وعلى هذا أهل السنة والجماعة؛ خلافاً للمعتزلة والجهمية في قولهم: إن الله عز وجل في كل مكان، وليس على العرش! كما في "التمهيد" (7/129) . والعجيب من أمر هؤلاء النفاة أنهم أرادوا بنفيهم تنزيه ربهم أن يكون فوق المخلوقات؛ فحصروه في داخلها، كما روي عن بشر المريسي أنه لما قال: هو في كل شيء! قيل له: وفي قَلَنْسُوتك هذه؟ قال: نعم، قيل: وفي جوف حمار؟! قال: نعم! وهذا القول يلزم كل من يقول بأنه تعالى في كل مكان، وهو من أبطل ما قيل في رب العالمين الحكيم الحليم، ولذلك قال بعض السلف: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية! ولوضوح بطلان هذا القول لبعض علماء الكلام؛ فرُّوا إلى القول بما هو أبطل منه، وسمعته بأذني من بعض الخطباء يوم الجمعة على المنبر: الله ليس فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، وزاد بعض الفلاسفة: لا متصلاً به، ولا منفصلاً عنه!!

وهذا هو التعطيل المطلق الذي لا يمكن لأفصح الناس أن يصف العدم بأكثر مما وصف هؤلاء ربهم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً! ورحم الله ذلك الأمير العاقل الذي قال لما سمع هذا من بعض علماء الكلام: "هؤلاء قوم أضاعوا ربّهم "! ولهذا؛ قال بعض العلماء: "المجسِّم يعبد صنماً، والمعطّل يعبد عدماً، المجسم أعشى، والمعطل أعمى"! ومن المؤسف أن العلامة ابن الجوزي- في رده على المشبهة- قد وقع منه من ذاك الكلام؛ فقال في كتابه المتقدم بعد أن تأول (الاستواء) بالاستيلاء واستشهد على ذلك ببيت الأخطل النصراني المعروف: قد استوى بِشْرٌ على العراقِ من غير سيف ولا دمٍ مُهْراقِ وتفلسف في رد المعنى الصحيح وهو الاستعلاء، قال: "ولذا؛ ينبغي أن يقال: ليس بداخل في العالم، وليس بخارج منه "! ولم يعلق المسمى بـ (حسن السقاف) على هذا النفي الباطل؛ الذي لم يقل به إمام معروف من قبل، والذي ليس فيه ذَرَّةٌ من علم كما هو شأن النفاة، ومن عجائبه وجهالاته أنه يقلد ابن الجوزي في إنكاره على من يقول من المثبتة: "استوى على العرش بذاته "؛ فيقول ابن الجوزي (ص 127) منكراً لهذه اللفظة " بذاته ": "وهي زيادة لم تنقل ". فيا سبحان الله! زيادة كهذه يُراد بها دفع التعطيل تُنكر لأنها لم تنقل، وقوله المتقدم: "ليس بداخل ... "لا ينكر! اللهم إن هذه لإحدى الكُبَرِ!!

وكذلك لم يعلِّق على تأويل ابن الجوزي لآية (الاستواء) بل أقرَّه، لأنه صرح (ص 123) - بعد كلام طويل له فيه كثير من التحريف والكذب لا مجال الآن لبيانه- قال: "الاستواء عندنا هو الاستيلاء والقهر، أو تفويض معناه إلى الله ". كذا قال! وهذا يدل على أنه لم يعرف الحق بعدُ، لتردده بين التأويل والتفويض! ولكنني أعتقد أن ذكره التفويض هنا؛ إنما هو سياسة منه، ومراوغة وتضليل للقراء الذين قد ينكرون عليه التأويل، فإنه قال بعدُ (ص 127) : "وأما رد الإمام أبي الحسن الأشعري تفسير الاستواء بالاستعلاء؛ فنحن لا نوافقه في ذلك أبداً، ونقول: إنه قال ذلك بسبب رَدّة فعل حصلت عنده من المعتزلة، وهم وإن لم نوافقهم في كثير من مسائلهم؛ إلا أننا هنا نوافقهم ونعتقد أنهم مصيبون في هذه المسألة"! أي: في إنكارهم علوَّ الله على خلقه، لكن المعتزلة وأمثالهم كالإباضية يقولون بأن الله في كل مكان، وهذا مما ينكره أشدَّ الإنكار ذلك الجاهل المتعالم، ويصرِّح بتكفير من يقول به، ويعتقد أن الله سبحانه وتعالى موجود بلا مكان! ويعني: أنه ليس فوق العرش كما أخبر تعالى في كثير من آياته، وأخبر نبيُّه - صلى الله عليه وسلم - في أحاديثه، فراجع كلامه في ذلك في "الأحاديث الضعيفة" تحت الحديث (6332) . وإن من ضلال ذاك السقاف أنه يصرح بنفي ثبوت قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أين الله؟ "؟ مع قوله بأنه في " صحيح الإمام مسلم "! ثم يؤكد ذلك فيقول - فُضَّ فوه - (ص 108) :

"ونحن نقطع بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل: "أين الله؟ "، وإنما قال: "أتشهدين أن لا إله إلا الله " الذي رواه أحمد.. و.. و ... بأسانيد صحيحة". ثم أعاد نحو هذا الكلام في مكان آخر (ص 186-187) . وفيه أكاذيب عجيبة عديدة- تؤكد أن الرجل لا يخشى الله، ولا يستحي من عباد الله- يطول الكلام عليها جدّاً، فأوجزُ في العبارة ما استطعت: فمن ذلك أن اللفظ الذي عزاه لأحمد- وغيره ممن أشرت إليهم بالنقط وهم ثمانية-، يوهم القراء أنهم جميعاً رووه باللفظ المذكور، وعن صحابي واحد، وهو كذب وزور، فإنما رووه بأكثر من لفظ وعن أكثر من صحابي، فبعضهم رواه: عن أنصاري- وهو الذي أعله البيهقي بالإرسال كما تقدم-، وبعضهم: عن الشريد- وسنده حَسن على الخلاف في إسناده كما تقدم، ثم هو بلفظ: "من ربك؟ "، خلافاً للفظ المذكور! -، وبعضهم عن ابن عباس- وفيه ابن أبي ليلى-. فأين الأسانيد الصحيحة التي ادعاها كذباً ومَيْناً؟! على أنه سرعان ما كذَّب نفسه بنفسه في المكان الآخر المشار إليه؛ فإنه قال- عقب بعض المصادر المشار إليها بالنقط-: ".. والطبراني (12/27) بسند صحيح.. "، ثم ذكر مصدرين آخرين تمام الثمانية. قلت: وهذا كذب أيضاً لما عرفت، وبخاصة إذا أرجعنا الضمير إلى أقرب مذكور- وهو الطبراني- فإن فيه ابن أبي ليلى كما عرفت! ومن تدجيله- زيادة على ما تقدم- أنه تعمد أن لا يضيف إلى تلك المصادر أبا داود، وابن خزيمة مطلقاً، ولا إلى المجلد السابع من "سنن البيهقي "؛ لأن

الحديث عندهم باللفظ الذي قطع بتكذيبه، عامله الله بما يستحق!! ولو أن طالب علم عكس عليه قطعه المأفون، فجزم ببطلان اللفظ الذي زعم صحته؛ لكان قاهراً عليه؛ لأن معه بعض الروايات التي فيها. "أين الله " من طرق أكثر وأصح من لفظه، فكيف ومعه حديث معاوية بن الحكم- رضي الله عنه- وقد صححه جمع غفير من المحدثين قديماً وحديثاً كما تقدم؟! ولكننا لا نرى تعارضاً حتى نلجأ إلى الترجيح كما سبق، وإلى هذا جنح العلامة ابن قيّم الجوزية- رحمه الله- في "إعلام الموقعين " (3/ 521- كردي) ؛ فقد ذكر روايتين مما تقدم: "من ربك؟ "، و"أين الله "، ثم قال: "وسأل صلى الله عليه وآله وسلم: "أين الله؟ "، فأجاب من سأله بأن الله في السماء، فرضي جوابه وعلم به أنه حقيقة الإيمان بربه، ولم ينكر هذا السؤال عليه، وعند الجهمي أن السؤال بـ "أين الله؟ " كالسؤال بـ: ما لونه، وما طعمه، وما جنسه، وما أصله؟ ونحو ذلك من الأسئلة المحالة الباطلة! ". ولقد صدق- رحمه الله- وأصاب كبد الحقيقة، فأنت ترى هذا (السخاف) كيف يصر على التكذيب بهذا الحديث الصحيح الذي صححه أئمة المسلمين كما تقدم بيانه، ثم لا يكتفي بذلك، فيتهمهم بالتجسيم! فيقول- فُضَّ فوه- (ص 187) : "ومن الغريب العجيب: أننا نرى المجسمة يرددون هذا اللفظ: "أين الله؟ " على ألسنتهم دائماً، ولا يدركون (!) أن هذا تصرف رواة، وحكاية لكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى المخطئ، وخصوصاً بعد ثبوت هذا الحديث عند غير مسلم بلفظ: "أتشهدين أن لا إله إلا الله.. " مخالفة تامة، أو على الأقل مخالفة لا تفيد معنى: أين الله؟ ". ثم أكد جَزْمَهُ بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه الكلمة التي صحت عند الأئمة، وما ذاك إلا لأنها قاصمة ظهر المبتدعة الجهمية، ولست أدري- والله- ماذا أقول في

3162

هذا الرجل المكابر الجاحد؟! إلا أن أنذره بقوله تعالى: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) . * 3162- (أَعطاني - صلى الله عليه وسلم - شَيئاً من تمر، فجعلتُه في مِكْتَلِ لنا، فعلّقناه في سَقْفِ البيتِ، فلمْ نَزَل نأكلُ منه؛ حتَّى كانَ آخرُهُ أصابَهُ أهلُ الشام حيثُ أغارُوا على المدينةِ) . أخرجه أحمد في "المسند" (2/324) : ثنا أبو عامر: ثنا إسماعيل- يعني: ابن مسلم- عن أبي المتوكل عن أبي هريرة قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وأبو عامر هو عبد الملك بن عمرو القيسي العَقَدي. وأبو المتوكل: اسمه علي بن داود الناجي، ثقة اتفاقاً، وقد احتج به الشيخان وغيرهما، وقد ذكروا له رواية عن جمع من الصحابة غير أبي هريرة المتوفى سنة (59) ؛ مثل عائشة- رضي الله عنها-، وقد توفيت قبله بسنتين، فضلاً عن غيرهما ممن تأخرت وفاته مثل ابن عباس وجابر وأم سلمة- رضي الله عنهم أجمعين -، وروى له الترمذي حديثاً عن عائشة بلفظ: "قام النبي - صلى الله عليه وسلم - بآية من القرآن " ثم قال (2/100/448) : "حديث حسن غريب من هذا الوجه ". وهذا يعني- في اصطلاحه- أنه قوي لذاته، كما لا يخفى على العارفين بكتابه، كما روى له النسائي في "عمل اليوم والليلة" (531- 532) حديثاً آخر

من طريق إسماعيل بن مسلم هذا- وهو العبدي البصري- عنه عن أبي هريرة بحديث الجني الذي كان يسرق من تمر الصدقة، فأمسك به أبو هريرة ليأخذه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -...... الحديث، وفيه: أن الجني قال له: خلِّ عني أعلمك كلمات إذا قلتهن لم يقربك الجن..... آية الكرسي، اقرأها كل صباح ومساء..... الحديث، وفيه: قال أبو هريرة: فخلَّيت عنه، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أو ما علمت أنه كذلك؟ ". وقد علقه البخاري من طريق أخرى عن أبي هريرة بأتم منه، وفي آخره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "صدقك وهو كذوب " " وهو في "مختصري لصحيح البخاري " (ج 2/106/ 363) وقد طبع- والحمد لله-، ووصله النسائي وابن خزيمة في "صحيحه " (2424) وغيرهما، وقد خرجه مع شواهده الكثيرة الأخ الفاضل الشيخ محمد بن رزق بن طرهوني في كتابه القيم "موسوعة فضائل سور وآيات القرآن " (1/152- 167) ، وانتهى بطبيعة الحال إلى الجزم بصحته جزاه الله خيراً، وهو الذي لا يمكن لحديثيٍّ أن يخالف فيه، خلافاً لأهل الجهل والأهواء، مثل المسمى بـ "حسان عبد المنان " الذي زعم أنه حقق "رياض الصالحين " للإمام النووي- رحمه الله-، واستخرج منه (129) حديثاً جمعها في آخر الكتاب تحت عنوان: "ذكر الأحاديث الضعيفة المحذوفة من أصل الكتاب "! أعْمَلَ فيها مِعْوَلَ الهدم والطعن في كثير من الأحاديث الصحيحة، متفاخراً بذلك على من سبقه من المحققين للكتاب! حيث بلغ عددها عنده ضعفي عددها عندهم، ومنهم شيخه شعيب الأرنؤوط، الذي نسب إليه أنه وافقه على أكثر من (90) حديثاً! وأن ذلك من فضل شيخه لرجوعه إلى الحق! ويعقِّب على تلك الأحاديث بقوله:

"وافقني على تضعيفه الشيخ شعيب الأرنؤوط "! ولم يقل- في أي حديث من تلك الأحاديث التي كنت ضعفتها من قبل شيخه (¬1) ، بل واستفاد هذا مني (كهذا التلميذ) تضعيفها كما يعلم هو ذلك جيداً-: وافقني الشيخ الألباني، بل وافقت الشيخ الألباني على تضعيفه!! وبخاصة في مثل حديث ابن عباس رقم (30) عنده؛ فإنه خالف فيه جادَّته، فقال عقبه (ص 520) : "قال الشيخ شعيب: حسن لغيره "! قال هذا في شيخه، وهو يعلم أنني جزمت بضعفه في التعليق على "الرياض" (رقم 588) ، وأن فيه زيادة منكرة كما بينته في " أحكام الجنائز" (ص 197) ، فلماذا لم يقل: وافقت الشيخ الألباني على تضعيفه؟ ا الجواب عند القراء الأذكياء! وبإمكانهم أن يستعينوا عليه بأن يتأملوا قوله في حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة في فضل التهليل؛ وفيه: "من قالها في مرضه ثم مات؛ لم تَطْعَمْهُ النار"، قال (ص 531) : "ويرى الشيخ الألباني في "صحيحته " (1390) أنه في حكم المرفوع، ولا أراه. وافقني على تضعيف المرفوع الشيخ شعيب "! فتأملوا في قوله: "ولا أراه " يتبين لكم الجواب، ألا وهو ما يشار إليه في بعض البلاد: "خَالِفْ تُعْرَفْ ". ¬

(¬1) إلا حديثاً واحداً نسب ضعفه إلي (ص 556- 557) ، لما لم يجد شيخه وافقه عليه! كأنه جبن عن تضعيفه، بل جزم بحسنه في تعليقه على "صحيح ابن حبان " (16/333) !

ثم إنه في قوله المذكور في شعيب تلبيساً أو تدليساً خبيثاً، لا أدري إذا كان الشيخ شعيب تنبه له أم لا؟ لأنه قد وافقني- ولا أقول: قلَّدني كما هو شأنه في كثير من أحكامه، كما يعلم ذلك تلميذه البار! -، وافقني على أن الحديث في حكم المرفوع في تعليقه على ".. صحيح ابن حبان " (3/132) ، وتلميذه على علم بذلك، فلماذا كتم هذه الموافقة؟! وهي حق؛ لأننا قلنا هناك في "الصحيحة": "وكونه موقوفاً لا يضره؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، ويؤيده أن أبا إسحاق قد توبع على رفعه.. " ثم سقت إسناده، وبينت أنه جيد، ووافقني شعيب عليه أيضاً. فلا أدري هل رجع الشيخ شعيب عن تعليقه المتضمن الموافقة على الأمرين المذكورين، أم أن المعلق على "الرياض " غير صادق فيما نسب إليه؟! وكيف ما كان الأمر، فالسؤال الذي يطرح نفسه- كما يقال اليوم- هو: إن أي جاهل مهما كان عريقاً في الجهل، يستطيع أن يعارض العالم في رأيه، ولو كان علامة زمانه بل الأزمنة كلها، فيقول كما قال المذكر: "هذا رأيه، ولا أراه "! على حد قول بعض الجهلة في رأي بعض الصحابة والمجتهدين: "أولئك رجال، ونحن رجال "! فأقول لهذا المتعالم: لقد عرفت حجتنا من "الصحيحة" في أن الحديث في حكم المرفوع، وهي أنه: "لا يقال بمجرد الرأي "، فلماذا لم تقابل الحجة بالحجة، بل لجأت إلى ردها بمجرد الدعوى التي لا يعجز عنها أجهل الجهلة؛ فقلت أنت: "ولا أراه "؟! وهل

يعقل عاقل مسلم أن يقول مسلم- فضلاً عن صحابيين جليلين: أبي سعيد وأبي هريرة- في فضل التهليل الذي روياه: إن من قال ذلك في مرضه ثم مات لم تطعمه النار؟! وكذلك قوله عن ربه: "صدّقه ربه "، وقوله: "لا إله إلا أنا" يقول ذلك كله برأيه، دون توقيف من الشارع الحكيم؟! تالله إنها لاحدى الكبر، أن ينسب ذلك مسلم للصحابيين الجليلين، أليس هذا كله مما يدل على أن هذا المعلق يصدق عليه المثل المعروف: (تزبَّب قبل أن يتحصرم) ؟! بلى والله! وإن مما يؤكد ذلك: إعلاله لحديث الترجمة وحديث فضل آية الكرسي- اللذين رواهما أبو المتوكل عن أبي هريرة- بالانقطاع الذي لم يقله غيره، فقال (ص 535- 536) : "وأرى أن هذه الرواية مرسلة، أرسلها أبو المتوكل ولم يسمعها من أبي هريرة، كما أوضحت ذلك رواية ابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" (1/306) ، ثم إني لم أجد رواية واحدة لأبي المتوكل عن أبي هريرة، صرح فيها بالتحديث منه، ولم أجد له في الكتب الستة و"مسند أحمد" غير هذه الرواية، وأخرى عند أحمد (2/324) فيها نكارة"! فأقول- والله المستعان على مدَّعي العلم في هذا الزمان-: أولاً: قوله: "وأرى أن الرواية مرسلة ... " (¬1) ، فأقول: "ليس هذا عُشُّكِ فادْرُجي "! فإنك لن تستطيع أنت ولا غيرك أن يثبت عدم سماع التابعي من ¬

(¬1) ومن جنفه وغروره أنه أعل حديث مسلم: "خلق الله التربة يوم السبت ... " بمثل هذه العلة، فقال (ص 566) : "إسماعيل بن أمية لم يصرح بالتحديث ... "! وهذا كالذي قبله مما لم يُسبق إليه؛ فإن إسماعيل هذا ثقة، لم يرمه بالتدليس إلا هذا الدَّعي! وانظر "الصحيحة " (1833) .

صحابي، أثبت العلماء الذين إليهم المرجع في معرفة ذلك روايته عن بعضهم، دون أن يشيروا أدنى إشارة إلى عدم السماع، كما هي عادتهم فيمن يترجمون له، وقد قدمت في أول هذا التخريج تصحيح الترمذي لحديث أبي المتوكل عن عائشة تصحيحاً ذاتيّاً، وهي قد توفيت قبل أبي هريرة كما تقدم، وهذا يعني أنه أدركها وأنه لا انقطاع بينه وبينها، فكذلك القول في روايته عن أبي هريرة كما لا يخفى على أهل العلم؛ لأنه من المقرر عندهم أن المعاصرة تكفي لإثبات الاتصال كما هو مقرر في علم المصطلح. وإن مما يؤكد ذلك: أن الحافظ العلائي لما أورد أبا المتوكل هذا في كتابه ".. أحكام المراسيل " لم يزد على قوله (294/450) : "قال أبو حاتم: لم يسمع من عمر- رضي الله عنه- شيئاً ". وهذا معناه: أنه سمع من الصحابة الآخرين الذين سبقت الإشارة إليهم، كما هو ظاهر، ومنهم أبو هريرة- رضي الله عنه-. ثانياً: قوله: "كما أوضحت ذلك رواية ابن مردويه كما في "تفسير ابن كثير" ... ". فأقول: فيه تدليس خبيث؛ لأنه ليس في "تفسير ابن كثير" التوضيح المذكور، بل فيه عكس ما أوهم القراء بتدليسه؛ فإنه ساق رواية ابن مردويه بسنده عن أبي المتوكل: أن أبا هريرة كان معه مفتاح بيت الصدقة ... وهذا ظاهره الإرسال الذي ادعاه، لكن الحافظ ابن كثير دفعه بأن عقَّب عليه برواية النسائي المتصلة؛ كهذا الحديث- حديث الترجمة- من طريق إسماعيل بن مسلم عن أبي المتوكل عن أبي هريرة، وقال عقبه:

3163

"وقد تقدم لأبي بن كعب كائنة مثل هذه أيضاً، فهذه ثلاث وقائع ". قلت: ففي تعقيب ابن كثير هذا إشارة إلى تقويته لرواية النسائي؛ لاتصالها، ووجه ذلك في علم المصطلح؛ أنه إذا اختلف ثقتان في إسناد حديث ما، فأرسله أحدهما، وأسنده الآخر؛ فالراجح رواية من أسند، وذلك؛ لأن معه زيادة، وزيادة الثقة مقبولة، وهذا هو الواقع هنا في حديث النسائي ورواية ابن مردويه؛ فإنه عند الأول من حديث شعيب بن حرب، وعند الآخر من حديث مسلم بن إبراهيم، وكلاهما ثقة؛ لكن كتاب النسائي مخدوم ومعتنى بروايته، ولا نعلم مثله في كتاب ابن مردويه، والله سبحانه أعلم. ثالثاً: قوله: "ثم إني لم أجد ... " إلخ. فأقوله: وماذا وراء هذه الدعوى؟! هل أنت من حفاظ الحديث، وأنت فيه ابن اليوم؛ كما يقال في بعض البلاد، وكما تدل عليه أخطاؤك الكثيرة في تعليقك على "الرياض "، وهذا بعضها، والحبل جرار كما يقال، وتقدمت بعض الأمثلة الأخرى، فانظر "الصحيحة" (رقم 944) ومقدمة المجلد الثاني من الطبعة الجديدة، ورقم (3007) ! * 3163- (كانَ إذا خرجَ من بيته قال: بسم الله، توكلتُ على الله، اللهمَّ! إنَّا نعوذُ بكَ أن نَزِلَّ (وفي رواية: أَزلَّ، أو أُزِلَّ..... بالإفراد في الأفعال كلها) ، أو نَضِلَّ، أو نَظلِمَ أو نُظْلمَ، أو نجهلَ أو يُجْهلَ علينا) . هو من حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: رواه عنها الشعبي، وعنه

منصور- وهو ابن المعتمر- وعنه جمع غفير من الثقات، فهو عنه متواتر، وإليك البيان: الأول: سفيان الثوري- وهو أحفظهم-: أخرجه الترمذي (9/126/3423) ، والنسائي في "السنن " (2/322) ، و"عمل اليوم والليلة " (176/87) ، وكذا ابن السني (72 1) ، والحاكم (1/519) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (10/211/9250) ، وأحمد (6/306) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/320/727) وفي "الدعاء" (2/986/411) من طرق عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وربما توهم متوهم أن الشعبي لم يسمع من أم سلمة، وليس كذلك؛ فإنه دخل على عائشة وأم سلمة جميعاً؛ ثم أكثر الرواية عنهما جميعاً ". كذا قال! وتعقبه الحافظ في "نتائج الأفكار" فقال عقبه (1/159) : "وقد خالف ذلك في "علوم الحديث " له، فقال: لم يسمع الشعبي من عائشة". قلت: هكذا قال الحاكم في "العلوم " (ص 111) ، ولكن مما لا ريب فيه أن إثبات الحاكم مقدَّم على نفيه، ولا سيّما أن ما نفاه خاص بعائشة، وحديثه هنا عن أم سلمة، وقد تأخرت وفاتها عن وفاة عائشة خمس سنوات، فقد توفيت أم

سلمة سنة (62) على الأصح، وولد الشعبي في حدود سنة عشرين، فقد عاصرها وأدرك عمراً طيباً من حياتها، وقول الحافظ عقب ما تقدم: "وقال علي بن المديني في كتاب "العلل ": لم يسمع الشعبي من أم سلمة، وعلى هذا فالحديث منقطع ": أظنه قائماً على اشتراط ثبوت اللقاء الذي يقول به البخاري في " صحيحه " في ثبوت الاتصال، ولعله تلقى ذلك من شيخه ابن المديني، والجمهور يكتفون بثبوت المعاصرة، وهذا متحقق هنا كما تقدم، يضاف إلى ذلك ما جاء في ترجمة الشعبي: "أنه سمع من ثمانية وأربعين من الصحابة، وهو أكبر من أبي إسحاق بسنتين، وأبو إسحاق أكبر من عبد الملك بسنتين، ولا يكاد الشعبي يرسل إلا صحيحاً ".! ذكره الحافظ في "التهذيب "، نقلاً عن العجلي، وأقره. فلعله- أعني: الحافظ- من أجل هذا صدّر تخريجه للحديث بقوله: "حديث حسن ". وإلا؛ فحقه أن يقول- بناءً على حكمه بالانقطاع-: "حديث ضعيف "! والله أعلم. الثاني: شعبة بن الحجاج، قال الطيالسي في "مسنده " (224/1607) : حدثنا شعبة به. ومن طريقه: أخرجه أبو داود (5/327/5094) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (رقم 86) ، وأحمد (6/321- 322) ، والطبراني في "معجمه" (رقم726)

وفي "الدعاء" (رقم 412) من طرق عنه، وليس عندهم قوله: "بسم الله، توكلت على الله "، إلا أحمد؛ فعنده: "بسم الله " فقط، وزاد أبو داود والطبراني في أوله ما لفظه: ما خرج من بيته قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل، أو أزل أو أزل ... " الحديث إلخ، هكذا بصيغة الإفراد. أخرجه المذكوران من طريق مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، لكن تفرُّده بجملة رفع الطرف إلى السماء دون الطرق الأخرى عن شعبة يلقي في النفس عدم الاطمئنان لثبوتها، ولا سيما أنها لم ترد في الطرق الأخرى الآتية عن منصور، إلا في بعض الطرق عن الفضيل بن عياض- وهو (الخامس) - وفيه ما سيأتي. الثالث: جرير- وهو ابن عبد الحميد- عن منصور به، وزاد التسمية فقط: أخرجه النسائي، والبيهقي في "السنن " (5/251) . الرابع: عبيدة بن حميد عنه: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/ 211/9249) ، وعنه ابن ماجه (2/1278/3884) ، وكذا الطبراني (رقم 732) كلاهما عنه قال: حدثنا عبيدة بن حميد به؛ بلفظ الإفراد في جميع الأفعال. الخامس: فُضَيل بن عِيَاض؛ قال الحميدي في "مسنده " (145/303) : ثنا فضيل بن عياض عن منصوربه كالذي قبله. وأخرجه الطبراني في "الدعاء"، وأبو نعيم في "الحلية " (8/125) من طرق أخرى عن الفضيل به، إلا أن الطبراني زاد الزيادة المتقدمة التي عند أبي داود والطبراني في حديث شعبة (الثاني) ، لكنه من طريق محمد بن زياد الزيادي وأحمد بن يونس قالا: ثنا الفضيل بن عياض به، وقال: "صباحاً" مكان "قط "!

قلت: وأحمد بن يونس: هو ابن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي، ثقة حافظ من رجال الشيخين، لكن قرينه محمد بن زياد الزيادي فيه ضعف، استشهد به البخاري، وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال ابن منده: "ضعيف ". قلت: فمن المحتمل أن تكون هذه الزيادة منه: من مفاريده لم يشاركه عليها أحمد بن يونس، ويكون الطبراني عطف روايته على رواية الزيادي لمشاركته إياه في أصل الرواية وليس في الزيادة أيضاً؛ والسند إليهما صحيح؛ فقد قال (رقم 413) : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي: ثنا محمد بن زياد الزيادي. ح وحدثنا أبو حصين القاضي: ثنا أحمد بن يونس قالا: ثنا الفضيل بن عياض به. وأبو حصين القاضي: هو عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي وهو يروي عن أبيه- كما هنا- وعبثر بن القاسم، وساق له الحافظ المزي عن أبيه بسند له آخر عن أبي ذر حديثاً آخر، وقال: "ولا نعرف له عن أبيه، ولا عن غير أبي زبيد حديثاً غير هذا، وقد وقع لنا بعلو عنه "! قلت: فيستدرك عليه هذا، وهو ثقة كما قال النسائي والحضرمي، ويحيى بن زكريا الساجي حافظ ثقة مشهور. فهذا كله يحملني على أن أعصب الوهم في تلك الزيادة بـ (الزيادي) ، ولا سيما وقد خالف الطريق المتقدمة عن شعبة بلفظ: "قط "، فقال الزيادي: "صباحاً" كما تقدم، ولا يخفى الفرق بينهما على أحد إن شاء الله تعالى. وإن افترضنا أنه تابعه عليه أحمد بن يونس، فنقول حينئذٍ ما قلناه في رواية الفراهيدي عن شعبة: إنها شاذة؛ لمخالفته لرواية الحميدي عن الفضيل، ومتابعة

القواريري عنه في "الحلية " أولاً، ولرواية الجماعة عن منصور ثانياً. السادس: إدريس الأودي عن منصور نحوه. أخرجه الطبراني (برقم 728) وفي "الدعاء" (415) قال: حدثنا محمد بن عمرو ابن خالد الحرَّاني. ثنا أبي عن موسى بن أعين عنه به، لكن من قوله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: "إذا خرجت من منزلك، فقل ... "، فذكر الدعاء بالإفراد. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير محمد بن عمرو بن خالد الحراني، شيخ الطبراني، فلم أجد له ترجمة، فلعله هو الذي قلب هذا الدعاء فجعله من أمره - صلى الله عليه وسلم -، خلافاً لكل من رواه عن منصور ممن تقدم ذكره ويأتي، حيث جعلوه من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصواب. ولعله اختلط عليه بحديث آخر في الباب عن أنس نحوه، وهو حديث صحيح، كما في "الكلم الطيب " (49/58) ، وحسنه الحافظ في "النتائج " (1/163) ، وفيه قوله: "بسم الله توكلت على الله ". ثم رأيتُ في "السير" (10/428) واصفاً إياه في ترجمة أبيه بـ "الإمام ". السابع: مِسْعَرُ بْنُ كِدَام عن منصور به كرواية الجماعة بلفظ الإفراد، كما في حديث (الرابع) ، وزاد: " أو أُزَلَّ ". أخرجه الطبراني في "الدعاء" (731) ، وفي "الكبير" أيضاً (416) ولكنه لم يسق لفظه، ووقع فيه: "معمر" مكان: "مسعر بن كدام "! وهو خطأ من الناسخ أو الطابع. الثامن: القاسم بن معن عنه مثل الذي قبله، دون الزيادة. أخرجه الطبراني في "الدعاء" (414) : حدثنا سليمان بن المُعَافَى بن سليمان: حدثني أبي: ثنا القاسم بن معن.

قلت: ورجاله ثقات؛ غير سليمان بن المعافى، قال الذهبي: "قال ابن عدي: لم يسمع من أبيه شيئاً، فحملوه على أن روى عنه ". قلت: فعلى هذا تكون روايته عن أبيه وجادة. وأقول: لم يذكر هو ولا الحافظ في "اللسان " غير هذا، ويبدو لي أنه من شيوخ الطبراني المقلِّين؛ فإنه لم يرو عنه في "المعجم الأوسط " سوى ثلاثة أحاديث (3790- 3792) ، وروى له في "الصغير" (420 - الروض) رابعاً، وهذا هو الخامس. التاسع: أبو الأحوص عن منصور به نحوه، وفيه التسمية. أخرجه الخطيب في "التاريخ " (11/ 141) . ولعل من المفيد- بعد هذا التخريج المبسط والتحقيق- أن نلخص فوائده فيما يأتي: الأولى: أن الحديث صحيح عن أم سلمة- رضي الله عنها-، وأن ما أُعِلَّ به من الانقطاع لا يقدح في صحته، ولا سيما وقد صححه الترمذي والحاكم والذهبي، وحسنه الحافظ، ثم رأيت النووي قد صححه أيضاً في "الأذكار". الثانية: أن زيادة: "بسم الله توكلت على الله " ثابتة فيه، وإن تفرد بها سفيان الثوري؛ فإنه جبل في الحفظ، ويشهد له حديث أنس المذكور آنفاً، وتوبع سفيان على التسمية فيه من غير ما واحد كما تقدم. الثالثة: أكثر الرواة على إفراد الأفعال فيه، وزاد بعضهم: "أو أُزل "، ولعل ذلك أرجح. الرابعة: أن زيادة: "رفع طرفه إلى السماء" لا تصح؛ لعدم اتفاق الرواة عن شعبة عليها، ومخالفتهما لرواية الآخرين الثقات. ثم هي مخالفة للأحاديث

3164

الصحيحة الناهية عن رفع البصر في الصلاة، في "الصحيحين " وغيرهما، ترى الكثير الطيب منها في "الترغيب " (1/188- 189) ، وخرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (847- 848) ، ولا يبدو لي اختصاص هذا النهي بالدعاء في الصلاة دون الدعاء خارجها، بل الظاهر أن الرفع منهي عنه في الحالتين. والله أعلم. (تنبيه) عزا الخطيب التبريزي في "المشكاة" (1/749 و 750) رواية أبي داود - الشاذة- في رفع البصر إلى السماء إلى ابن ماجه أيضاً! وهو وهم محض. وعزاها ابن تيمية في "الكلم الطيب " (49/59) للأربعة! وفيه تساهل ظاهر؛ لأنه ليس عند غير أبي داود الرفع المذكور، وقلده في ذلك ابن القيم في "الوابل الصيب " (ص 132- تحقيق الشيخ عبد القادر) ، وانطلى ذلك عليه، مع أنه قد خرج الحديث بذكر مواضع الحديث عند الأربعة بالأجزاء والصفحات! وصحح إسناده! وبيض له الأنصاري في طبعته (ص 214) ، وهكذا يكون التحقيق المزعوم! ! . * 3164- (كان إذا جلسَ مَجْلِساً، أو صلَّى صلاة تكلَّمَ بكلماتٍ، فسألَتهُ عائشة عن الكلماتِ؟ فقال: إن تكلّمَ بخيرٍ كان طابعاً عليهِنَّ إلى يومِ القيامةِ، وإن تكلَّمَ بغيرِ ذلكَ كان كفارةً له: سبحانكَ اللهمَّ وبحمدِكَ، لا إلهَ إلا أنتَ، أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ) . أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (309/400) ومن طريقه: الحافظ في آخر كتابه "فتح الباري " (13/546) : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق: أخبرنا أبو سلمة الخُزَاعي منصور بن سَلَمة: أنا خلاد بن سليمان- قال أبو سلمة: وكان من

الخائفين- عن خالد بن أبي عمران عن عروة عن عائشة مرفوعاً. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (1/435/629) من طريق أخرى عن محمد بن إسحاق الصغاني به. وأخرجه أحمد (6/77) : ثنا أبو سلمة به. وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1656- 1657) من طريقين آخرين عن خلاد بن سليمان به. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الحافظ في "النكت على ابن الصلاح " (2/732- 733) ، ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وقول المعلق عليه صاحبنا الفاضل الدكتور ربيع بن هادي: "الحق أن يقال: إن إسناده حسن "! لا وجه له عندي، لأنه قائم أو مبني على قول الحافظ في خالد بن أبي عمران هذا في "التقريب ": " صد وق ". فإن هذا لا يستلزم التحسين فقط، ما دام أنه خرج له مسلم في "صحيحه "، وقد وثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان، وقال أبو حاتم: "لا بأس به ". وقال ابن يونس: "كان فقيه أهل المغرب، ومفتي أهل مصر والمغرب، وكان يقال: إنه مستجاب الدعوة". ولذا قال الذهبي في "السير" (5/378) : "وكان فقيه أهل المغرب، ثقة ثبتاً، صالحاً ربَّانيّاً ".

والحديث الذي أخرجه له مسلم في البيوع، صححه الترمذي أيضاً، وهو مخرج في " الإرواء " (5/203- 204) . ولحديث الترجمة طريق أخرى عن عائشة نحوه، دون قوله: "أو صلى صلاة". أخرجه النسائي أيضاً (رقم 398) ، والحاكم (1/496- 497) ، وقال: "صحيح الإسناد". وقال الذهبي: "قلت: على شرط البخاري ومسلم ". (تنبيه) : وقع الحديث عند الحافظ في "نكته " بلفظ: "ما جلس - صلى الله عليه وسلم - مجلساً، ولا تلا قرآناً، ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات، فقلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تقول هذه الكلمات؟! فقال - صلى الله عليه وسلم -: نعم، من قال خيراً كُنَّ طابعاً له على ذلك الخير، ومن قال شرّاً كانت كفارة له ... " الحديث، والباقي مثله. كذا وقع فيه! وهو يخالف لفظ الترجمة مخالفة ظاهرة، كما يخالف لفظه في "الفتح " أيضاً، ولفظه في "سنن النسائي " أيضاً (1/197) بالإسناد نفسه، فالظاهر أنه رواية أخرى للنسائي. ثم رأيته قد أورده في مكان متقدم برقم (308) تحت "باب ما يختم تلاوة القرآن " قال: أخبرنا محمد بن سهل بن عسكر قال: حدثنا ابن أبي مريم قال: أخبرنا خلاد بن سليمان أبو سليمان به. قلت: هذا إسناد صحيح أيضاً على شرط مسلم، وابن أبي مريم هذا: هو سعيد بن الحكم بن محمد المصري.

3165

ثم ذكر الحافظ طريقاً أخرى بلفظ آخر، أخرجه (2/734) من رواية أبي أحمد العسال في "كتاب الأبواب " من طريق عمرو بن قيس عن أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة قالت.. وفيه قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأرجو أن لا يقولها عبد إذا قام من مجلسه؛ إلا غُفِرَ له ". وقال الحافظ: "وإسناده حسن "! كذا قال! وأبو إسحاق هو السبيعي، وكان اختلط. وللحديث طريق ثالث عن عائشة، فيه زيادة منكرة خرجته من أجلها في "الضعيفة" (6322) . ومثله حديث الأمر بأن يقول في آخر مجلسه: "سبحان ربك رب العزة عما يصفون ... "، فهو ضعيف مخرج هناك برقم (6530) . وتقدم الحديث نحوه في المجلد الأول رقم (81) من حديث جبير بن مطعم. * 3165- (إنَّها ستكونُ فتنةٌ. فقالوا: كيف لنا يا رسول الله؟! أو كيف نصنعُ؟ قال: ترجعون إلى أمْرِكم الأوَّلِ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 181- 182) و"الأوسط " (2/249/8843) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث عن عَيَّاش بن عَبَّاس القِتْبَاني عن بُكَيْرٍ بن عبد الله بن الأشَجِّ أن بُسْرَ بن سعيد حدثه أن أبا واقد

الليثي قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال- ونحن جلوس على بساط-: "إنها ستكون فتنة"، قالوا: وكيف نفعل يا رسول الله؟! فرد يده إلى البساط وأمسك به، فقال: "تفعلون هكذا ". وذكر لهم يوماً: "أنها ستكون فتنة"، فلم يسمعه كثير من الناس، فقال معاذ ابن جبل: ألا تسمعون ما يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقالوا: ما قال؟! قال: ... فذ كره. وقال: "لا يروى عن أبي واقد إلا من حديث بكير". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك سائر رجال الإسناد ثقات رجال "الصحيح "؛ إلا أن عبد الله بن صالح فيه ضعف، لكنه قد توبع: فقال الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/68) : حدثنا يونس بن عبد الأعلى: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير: حدثني الليث به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، فصح الحديث، والحمد لله تعالى. (تنبيه) : بُسْر بن سعيد- وهو العابد المدني- تحرف في "المشكل " إلى "بشير ابن سعد"! فقال المعلق عليه: " لعله بشير بن سعد بن النعمان، شهد أحداً وغيرها مع أبيه، كما في " التجريد ... " ... "! قلت: هذا أبعد ما يكون عن التحقيق؛ وذلك لأمور:

3166

أولاً: أن بشيراً هذا لم يذكروا له رواية. ثانياً: أنه وقع على الصواب في "المعجمين ": بسر بن سعيد؛ كما تقدم. ثالثاً: أنهم ذكروه - أعني بسراً - في شيوخ بكير بن الأشج، لكنه وقع في "تهذيب الكمال" للمزي: "بِِشر بن سعيد" هكذا مقيداً بكسر الباء! ثم صُحِّحَتْ في الطبعة الجديدة. * المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم 3166- (آخى - صلى الله عليه وسلم - بَين الزُّبَيرِ وبينَ عبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعود) . أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (568) ، والبيهقي في "السنن " (6/262) من طريقين عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم والحاكم، فالعجب منه كيف لم يستدركه عليه؟! وكذلك غفل عنه الحافظ في "الفتح " (7/271) فلم يذكره من حديث أنس، وإنما من حديث ابن عباس مَعْزُوّاً للحاكم وابن عبد البر بسند حسن. فأقول: أخرجه الحاكم (3/314) ، والطبراني في "الكبير" (12/179/ 12816) و"الأوسط " (1/53/ 1/915) من طريق سعيد بن سليمان الواسطي: ثنا عَبَّاد بق العَوَّام عن سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. وأقول: بل هو صحيح على شرط مسلم؛ فإن رجاله كلهم ثقات من رجال

الشيخين؛ إلا أن البخاري إنما أخرج لسفيان بن حسين تعليقاً كما في "تقريب الحافظ "، وقال فيه: "ثقة في غير الزهري باتفاقهم ". قلت: وهذا عن غير الزهري كما ترى، فلا أدري لماذا اقتصر الحافظ على تحسينه فقط، وسائر رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين كما تقدم، وقد وثقهم جميعاً الحافظ في "تقريبه "؟! وقد أخرجه الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (58/189/2) من طريق أبي نعيم والطبراني. (فائدة) : قال ابن عبد البر: "كانت المؤاخاة مرتين: مرة بين المهاجرين خاصة، وذلك بمكة، ومرة بين المهاجرين والأنصار". ومن الأدلة على المؤاخاة الأولى هذا الحديث الصحيح؛ لأن الزبير وابن مسعود من المهاجرين كما هو معلوم، والظاهر أن شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- لم يقف على هذا الحديث ونحوه؛ فأنكر هذه المؤاخاة (11/99- 100) ، وقد ذكر ذلك الحافظ ابن حجر، وردَّه عليه بهذا الحديث وغيره، فراجعه. وحديث ابن عباس أورده الهيثمي في "المجمع " (8/ 171) ، وقال: " رواه الطبراني في " الأوسط " و" الكبير"، ورجال " الأوسط " ثقات "! قلت: كذا قال! وفيه إشعار باختلاف إسنادي "المعجمين "، وإلا؛ لما خص "الأوسط " منهما بتوثيق رجاله، وليس كذلك؛ فقد قال فيهما: حدثنا أحمد بن يحيى الحُلْواني: ثنا سعيد بن سليمان ... *

3167

3167- (بُعثَ موسى عليه السلامُ وهو راعي غنمٍ، وبُعثَ داودُ عليه السلامُ وهو راعي غنمٍ، وبُعثتُ أنا وأنا راعي غنمٍ بأَجيادَ) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (3/2/113- 114) و"الأدب المفرد" (577) ، والدَّولابي في "الكنى" (1/92) من طريق شعبة: سمعت أبا إسحاق: سمعت عَبْدَةَ بْنَ حَزْنٍ يقول: تفاخر أهل الإبل وأصحاب الشاة، فقال النبي: - صلى الله عليه وسلم -? ... فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "الكبرى/ التفسير"؛ كما في "تحفة الأشراف ". قلت: وهذا إسناد صحيح؛ إن ثبتت صحبة عبدة بن حزن؛ فقد اختلفوا في صحبته، كما تراه مشروحاً في "الإصابة "، و"التهذيب "، واستظهر الذهبي في "التجريد" أن لا صحبة له، وفي "الجرح والتعديل " (6/89/454) ، و"المراسيل " (136/240) كلاهما لابن أبي حاتم أثبت تابعيته وعدم صحبته، والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد خالف شعبة: زهيرٌ فقال: أخبرنا أبو إسحاق قال: كان بين أصحاب الغنم وبين أصحاب الإبل تنازع، فاستطال عليهم أصحاب الإبل، قال: فبلغنا- والله أعلم- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. فأسقط من الإسناد عبدة بن حزن، فصار معضلاً، والأصح إثباته. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري قال: افتخر أهل الإبل والغنم عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

3168

"الفخر والخُيلاء في أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم "، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بُعث موسى عليه السلام وهو يرعى غنماً على أهله، وبعثت أنا وأنا أرعى غنماً لأهلي بجياد". أخرجه أحمد (3/42 و 96) ، والبزار (3/114/ 4370) من طريق حجاج بن أرطاة عن عطية بن سعد عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف لضعف حجاج وعطية، وأعله الهيثمي (4/65 و8/ 256) بالحجاج! فقط، وقال: "وهو مدلس ". وللحديث شاهد صحيح من رواية أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "ما بعث الله نبيّاً إلا رعى الغنم ... " الحديث؛ رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في "غاية المرام " (121/ 161) . * 3168- (إنَّ سبحان اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ تنفضُ الخطايا كما تنفضُ الشجرةُ ورقَها) . أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (634) ، وأحمد (3/152) ، والحارث ابن أبي أسامة في "مسنده/ زوائده " (ق 124/2) من طريق عبد الوارث قال: حدثنا أبو ربيعة سنان قال: حدثنا أنس بن مالك قال: أخذالنبي - صلى الله عليه وسلم - غصناً فنفضه، فلم ينتفض، ثم نفضه فلم ينتفض، ثم نفضه، فانتفض، فقال: ... فذكره.

3169

قلت: وهذا إسناد حسن؛ سنان هو ابن ربيعة الباهلي، مختلف فيه، فلا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، قال الذهبي في "الكاشف ": "صدوق، وقال ابن معين: ليس بالقوي، وقرنه البخاري بآخر". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق فيه لين، أخرج له البخاري مقروناً". وللحديث طريق آخر، يرويه الفضل بن موسى عن الأعمش عن أنس به. أخرجه الترمذي (3527) ، وأبو نعيم في "الحلية " (5/55) ، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب " (1/317/ 721) ، وقال الترمذي: "حديث غريب، ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس، إلا أنه قد رآه ". قلت: الأعمش مدلس، فلا ندري عمَّن تلقاه! ولكنه لا يضعِّف رواية سنان إن لم يقوِّها. (تنبيه) : قوله: "فانتفض"، هكذا هو في كل المصادر المتقدمة في الرواية الأولى لفظاً؛ وفي الأخرى معنى، وهو الذي يقتضيه التشبيه المذكور في آخر الحديث كما هو ظاهر، إلا رواية "الأدب "؛ فقد وقع فيه: "فلم ينتفض " كما في المرة الأولى والثانية، ومن الواضح أنه خطأ من الناسخ، فمن الغريب أن يخفى ذلك على شارحه الجيلاني؛ فلا ينبه عليه في "شرحه "! * 3169- (رأيتُ ربِّي في أحسنِ صورةٍ، فقال: فيمَ يختصمُ الملأُ الأعلى، فقلت: لا أدري، فوضع يده بين كتفيَّ، حتَّى وجدتُ بردَ أنامِله، ثمَّ قالَ: فيم يختصمُ الملأ الأعلى؟ قلتُ: في الكفَّارات والدرجات، قال: وما الكفَّارات؟ قلت: إسباغُ الوضوءِ في السّبَرات،

ونقلُ الأقدام إلى الجماعاتِ، وانتظارُ الصلاةِ بعدَ الصلاة، قال: فما الدرجاتُ؟ قلتُ: إطعامُ الطعامِ، وإفشاءُ السلامِ، وصلاةٌ بالليل والناسُ نيام، قال: قل، قال: قلتُ: ما أقولُ؟ قالَ: قلِ: اللهمّ! إنِّي أسألك عَمَلاً بالحسناتِ، وتركاً للمنكراتِ، وإذا أردتَ في قومٍ فتنةً وأنا فيهم؛ فاقبضني إليكَ غيرَ مفتونٍ) أخرجه الطبراني في "الدعاء" (3/1462/1416) : حدثنا الحسن بن علي المعمَري: ثنا سليمان بن محمد المُباركي: ثنا حماد بن دُليلٍ عن سفيان بن سعيد الثوري عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب، أو عبد الرحمن بن سابط. قال حماد بن دُليلٍ: وحدثني الحسن بن صالح بن حَيٍّ عن عمرو بن مُرَّة عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخُشَنِي عن أبي عُبَيدة بن الجراح- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وأخرجه الخطيب في "التاريخ " (8/ 151) من طريق الطبراني، ولكنه زاد في أوله: "لما كان ليلة أسري بي رأيت ربي ... " الحديث. وهذه الزيادة شاذة؛ لمخالفتها لكتاب الطبراني أولاً، ولأن الخطيب عقب عليها من طريق أخرى عن محمد بن علي بن المديني: حدثنا أبو داود المباركي به. وابن المديني هذا لم أعرفه، لكن تابعه الحسن بن علي المعمري كما تقدم، وهو من شيوخ الطبراني الثقات، ومن فوقه ثقات من رجال مسلم، غير حماد بن دُليل، وهو صدوق كما في " التقريب "، وقال الذهبي في " الكاشف ": "ثقة، جاور"، فالسند صحيح.

وقد جاء الحديث من طرق أخرى، صحح بعضها البخاري والترمذي، وفيها أن ذلك كان رؤيا منامية، وذلك مما يؤكد شذوذ تلك الزيادة فتنبه! وراجع بعض تلك الطرق في "ظلال الجنة" 3881 و465- 471) . وقد خلط ابن الجوزي خلطاً عجيباً بين هذه الأحاديث الصحيحة التي فيها اختصام الملأ الأعلى، وفي بعضها أنها رؤيا منامية- كما عرفت-، وبين بعض الأحاديث الموضوعة التي فيها أنه رأى ربَّه على الأرض بمنى على جمل أورق، ونحوه من الموضوعات، وقد خرجت بعضها في "الضعيفة " (6330) ، وقلده في ذلك الجهمي الجلد المتعنت المسمى ب (حسن السقاف) في تعليقه على "دفع شبه التشبيه "؛ الذي دفعه الذهبي وتمنى أنه لم يؤلفه مؤلفه؛ لما فيه من التأويلات المعطلة للصفات الإلهية حتى ذكر أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، تعالى الله الذي على العرش استوى استواءً يليق بجلاله وعظمته. ثم رأيت الطبراني قد أخرج الحديث مختصراً في "المعجم الكبير" (8/386/ 8207) و"الأوسط " (2/36/1/5626) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة: ثنا فَروة بن أبي المغرَاء: ثنا القاسم بن مالك عن سعيد بن المرزبان أبي سعد عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ ... " الحديث، إلى قوله: "الصلاة بعد الصلاة". وأعله الهيثمي بقوله (1/238) : "وفيه أبو سعد البقاَّل، وهو مدلس، وقد وثقه وكيع ". قلت: وابن أبي شيبة هذا فيه ضعف، فأخشى أن يكون لم يحفظ إسناده، والله أعلم.

وجملة القول؛ أن الحديث صحيح، لا يشك في ذلك أحد بعد أن يقف على هذه الطرق وتصحيح بعض أئمة الحديث لبعضها؛ إلا إن كان ممن طمس الله على قلوبهم من ذوي الأهواء كذاك (السخاف) (¬1) الجاهل الذي يخالف سبيل المؤمنين والعلماء العارفين، فيضعف ما صححوه، كهذا الحديث الذي وضع فيه رسالة سماها- فُضَّ فوه- "أقوال الحفاظ المأثورة لبيان وضع حديث: (رأيت ربي في أحسن صورة) "! وكذب- والله- عليهم، كيف وعلى رأس الحفاظ الإمام البخاري الذي صححه كما تقدم؟! وتبعه تلميذه الإمام الترمذي وغيره؛ فقال ابن عبد البر في "التمهيد" (24/325) : "معناه عند أهل العلم: في منامه، وهو حديث حسن، رواه الثقات ". فهذا (السخاف) يعلم يقيناً أن الذي قال الحفاظ بوضعه؛ إنما هو الحديث الموضوع حقّاً المشار إليه آنفاً: "أنه رأى ربه على الأرض ... " إلخ، وليس هو حديث الاختصام الذي هو رؤيا منامية كما جاء مصرحاً في بعض الطرق، وقال به العلماء كما تقدم. ووالله! إني لأخشى أن يكون وراء هذا الرجل جماعة من المفسدين في الأرض، اتخذوه مَطِيَّةً لإفساد الدين، ويسروا له أسباب التأليف والنشر؛ لاستمراره في الطعن في السلف والعلماء وتعمده مخالفتهم، ورميه إياهم بالتجسيم! ومن آخر ما ظهر منه تصريحه بأن الاعتقاد بأن الله في السماء هي عقيدة المشركين والمشبهة. وكذلك جماهير العلماء الذين صححوا حديث الجارية: "أين الله؟ "، ¬

(¬1) ليس هذا من باب التنابز، وإنما من باب الجرح؛ فقد قال الأئمة في أمثاله: أفَّاك دجَّال كذَّاب!

3170

فضعفه، بل قطع بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقله، وسبق الرد عليه بحمد الله تحت حديثها برقم (3162) . * 3170- (كان يدعوُ ربَّه فيقولُ: اللهمَّ! متِّعني بسمعِي وبصري، واجعلهُمَا الوارث منِّي، وانصرني على من ظَلَمني، وخذ منهُ بثأرِي) . روي عن جمع من الصحابة، منهم أبو هريرة، وجابر بن عبد الله، وعلي بن أبي طالب، وعائشة، وسعد بن زرارة، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الشِّخِّيرِ. 1- أما حديث أبي هريرة؛ فله عنه طريقان: الأولى: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه به. ويرويه عن محمد بن عمرو جمع: الأول: جابر بن نوح، وهو الحِمّاني. أخرجه الترمذي (3606) : حدثنا يحيى بن موسى: حدثنا جابر بن نوح به. وقال: "غريب من هذا الوجه ". يعني: ضعيف؛ لضعف جابر هذا. قال الحافظ: "ضعيف ". وقال الذهبي في "الكاشف ": "ليس بالقوي ". قلت: فمثله يستشهد به في المتابعات.

الثاني: عبد الرحمن بن محمد المحاربي، وله عنه طريقان: الأولى: عن العلاء بن عمرو الحنفي: ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي ثنا محمد بن عمرو به. أخرجه الحاكم (1/523) ، وقال: "حديث صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! قلت: وهذا من أوهامه، فإن الحنفي هذا متروك كما قال الذهبي نفسه في "الميزان "، وساق له فيه حديثاً في فضل العرب، وقال فيه: "موضوع "؛ كما تقدم برقم (160) ، ولما صححه أيضاً الحاكم؛ تعقبه الذهبي بقوله: "العلاء بن عمروالحنفي ليس بعمدة". الثانية: محمد بن إسماعيل- وهو ابن سمرة الأحمسي-: ثنا عبد الرحمن ابن محمد المحاربي عن محمد بن عمرو به. أخرجه البزار (4/59/3193) : حدثنا محمد بن إسماعيل به. وقال: "لا نحفظه من حديث محمد بن عمرو إلا عن المحاربي ". كذا قال! ويرده ما تقدم ويأتي، ورجال إسناده كلهم ثقات، فالإسناد حسن للخلاف المعروف في محمد بن عمرو؛ لولا أن المحاربي رمي بالتدليس وقد عنعن كما ترى، إلا أنه صرح بالتحديث في الطريق الأولى؛ لكن فيها العلاء المتروك، فلا يُعتد بها، فتجويد الهيثمي (10/178) لإسناد البزار غير جيد! نعم، هو كذلك بالمتابعة الآتية:

الثالث: حماد بن سلمة: حدثني محمد بن عمرو به. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 650) ، والحاكم (2/142) ، وقال: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! وأقول: إنما هو على شرطه لو كان احتج بمحمد بن عمرو، وليس كذلك؛ فقد ذكر غير واحد من العلماء أنه إنما روى له متابعة، فالسند حسن فقط. والطريق الأخرى: يرويها إبراهيم بن خُثَيم بن عِراك بن مالك: حدثني أبي عن جدي عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: كان يكثر أن يدعو بهذا الدعاء؛ لا يكاد يفارقه، يقول: "اللهم! اجعلني أخشاك كأني أراك أبداً ... " الحديث بطوله، وفيه حديث الترجمة. أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/1466) و"المعجم الأوسط " (2/17/ 1/ 6140) ، وقال الهيثمي بعدما عزاه ل "الأوسط " (10/178) : "وفيه إبراهيم بن خثيم بن عراك، وهو متروك ". قلت: فلا يستشهد به لشدة ضعفه (¬1) . 2- وأما حديث جابر " فيرويه ليث بن أبي سُليم عن محارب بن دِثَار عنه به. أخرجه البخاري في "الأ دب المفرد" (649) ، والبزار (3194) . قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الليث هذا، وهو ضعيف لاختلاطه، وقد قال في رواية البخاري: ¬

(¬1) ثم خرجته في "الضعيفة" (7047) .

"اللهم أصلح لي ... " إلخ. ولعل ذلك من تخاليطه؛ فإنه قال في رواية البزار كما في رواية الجماعة: "اللهم متعني ... ". وهذا هو الصواب، فهو بهذه الرواية شاهد حسن. 3- وأما حديث علي؛ فيرويه موسى بن عقبة، وله عنه راويان: أحدهما.: عبد الله بن جعفر المديني عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده مرفوعاً به. أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/1457) و"المعجم الصغير" (ص 221- هندية) و" الأ وسط " (2/198/ 2/8048) ، وقال: "لم يروه عن موسى بن عقبة إلا عبد الله بن جعفر". قلت: وهو ضعيف، لكنه قد توبع، وإن خفي ذلك على الطبراني؛ إلا أنه قد خولف في إسناده كما يأتي. والآخر: حفص بن ميسرة قال: عن موسى بن عقبة عن حسين بن علي بن الحسين عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي به. أخرجه الحاكم (1/527) ، وقال: "صحيح الإسناد، وحسين بن علي هو حسين الأصغر الذي أدركه عبد الله ابن المبارك، وروى عنه حديث مواقيت الصلاة". قلت: ووافقه الذهبي على تصحيحه، وهو كما قالا؛ فإن حسيناً هذا ثقة، لكن علي بن الحسين بن علي، قال أبو زرعة: "

لم يدرك جده علياً"؛ ذكره العلائي في "جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (ص 294/539) ، وعليه؛ فهو منقطع، والله سبحانه وتعالى أعلم. وحديث المواقيت المشار إليه مخرج في "الإرواء" (1/ 271) . 4- وأما حديث عائشة؛ فيرويه هشام بن عروة عن أبيه عنها، ورواه عن هشام جمع. الأول: يحيى بن سُليم عنه. أخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/1478/1453) . قلت: ويحيى هذا هو الطائفى مع كونه من رجال الشيخين؛ فقد تكلموا فيه من قبل حفظه، ولخص الحافظ أقوال الأئمة فيه بقوله في "التقريب ": "صدوق سيئ الحفظ ". فالسند حسن في المتابعات على الأقل. الثاني: بكر بن سُليم الصواف عنه. أخرجه ابن عدي في "الكامل " (2/ 30) ، وقال- وساق له أحاديث أخرى-: "عامة ما يرويه غير محفوظ، ولا يتابع عليه، وهو من جملة الضعفاء الذين يُكتب حديثهم ". قلت: فمثله يستشهد به، وأشار إلى ذلك الحافظ بقوله: "مقبول ". لكن قد قال فيه أبو حاتم: "شيخ يُكتب حديثه ".

وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/149) ، وقال الذهبي: " صد وق ". وجزم الهيثمي بأنه ثقة في حديث سبق تخريجه برقم (2827) ، وعليه؛ فالإسناد حسن، والله أعلم. الثالث: أبو المقدام هشام بن زياد عنه به أتم منه. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (4/170/ 4701) ، وقال: "تفرد به أبو المقدام، وليس بالقوي ". وتابع هشاماً: حبيبُ بن أبي ثابت عن عروة به مختصراً، وفيه زيادة. أخرجه الترمذي (3476) ، وقال: "حديث حسن غريب؛ سمعت محمداً يقول: حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير شيئاً". قلت: وهو- أيضاً- مدلس، فيحتمل أن يكون تلقاه من هشام بن عروة. وقد صحَّ عن عروة مرسلاً. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (10/441/19640) عن معمر عن هشام ابن عروة عن أبيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل؛ وشاهد قوي لما تقدم من المسندات ولما يأتي. 5- وأما حديث سعد بن زرارة: فتفرد به الطبراني، أخرجه في "الدعاء" (2/1475/1448) : حدثنا محمد بن عَبدُروس بن كامل: ثنامحمد بن عبد الرحيم

أبو يحيى: ثنا أبو زيد الهَرَوي: ثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عنه به مع تقديم وتأخير؛ وزاد: "وعافني في جسدي ". وهذا إسناده رجاله كلهم ثقات من شيخ الطبراني إلى سعد: أما الشيخ؛ فقد وثقه ابن المنادي، ووصفه بالحفظ وحسن المعرفة، وله ترجمة حسنة في "تاريخ بغداد" (2/ 381) ، توفي سنة (293) . ومن فوقه كلهم من رجال البخاري، وأبو زيد الهروي اسمه سعيد بن الربيع البصري؛ فالسند صحيح؛ لولا عنعنة يحيى بن أبي كثير؛ فإنه مذكور بالتدليس. والله أعلم. والزيادة المذكورة قد جاءت في حديث عائشة المتقدم برواية الترمذي التي فيها عنعنة حبيب بن أبي ثابت. 6- وأما حديث أنس؛ فيرويه يوسف بن عطية: ثنا يزيد الرقاشي عن أنس ابن مالك قال: كان إذا أصاب الرمد واحداً من أصحابه قال: ... فذكر الدعاء. أخرجه ابن السني في"عمل اليوم والليلة" (181/559) ، والحاكم (4/414) ؛ وسكت عنه! وقال الذهبي: "فيه ضعيفان ". قلت: بل الأول: وهو يوسف بن عطية: متروك، وهما اثنان؛ هذا أحدهما وهو البصري، والآخر: الكوفي، وهو متروك أيضاً، ولعله شر منه؛ فقد كذبه

بعضهم، وهما من طبقة واحدة، فينبغي التنبه لذلك، وعدم الخلط بينهما. 7- وأما حديث عبد الله بن الشِّخِّير؛ فيرويه الحسن بن الحكم بن طهمان: ثنا سيَّار أبو الحكم قال: سمعت مُطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير يحدث عن أبيه به مختصراً بلفظ: كان يقول: "اللهم متعني بسمعي وبصري، واجعله الوارث مني ". أخرجه البزار (4/60 /3195) ، ومن طريقه: الضياء في "المختارة" (58/83/2 - 84/ 1) ، والطبراني كما في "المجمع " (10/178) ، وقال: "وفيه الحسن بن الحكم بن طهمان، وهو ضعيف، وبقية رجاله ثقات ". قلت: روى عنه جمع من الثقات، وقال فيه أبو حاتم: "ما أقربه من عبد الله بن العلاء بن خالد، وحديثه صالح ليس بذلك، يضطرب ". وابن العلاء هذا قال فيه أبو حاتم: "صالح ". وساق له ابن عدي (2/325) حديثين معروفين من غير طريقه، ثم قال: " ليس له من الحديث إلا القليل، وأنكر ما رأيت له ما ذكرته ". وقال الذهبي في "الميزان ": "تُكلِّم فيه ولم يُترك.. ساق له ابن عدي حديثين، لكنهما معروفا المتن ". قلت: فمثله يستشهد به إن لم يكن حسن الحديث، وعلى هذا يدل إخراج الضياء لحديثه في "المختارة". والله أعلم.

3171

8- وأما حديث جرير؛ فيرويه الفرج بن اليمان: نا عمر بن يزيد عن زياد بن علاقة عنه. أخرجه البيهقي في"شعب الإيمان " (4/ 170/4700) ، وقال: "هذا إسناد ضعيف ". قلت: والفرج بن اليمان وعمر بن يزيد؛ لم أعرفهما. وبالجملة، فالحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، ولا سيما وبعضها حسن لذاته كما تقدم. والله أعلم. * 3171- (أتريدُ أن تكون فتّاناً يا معاذُ؟! إذا أمَمتَ الناس فاقرأ ب (والشمسِ وضُحاها) و (سبِّحِ اسمَ ربِّك الأعلى) و (والليلِ إذا يغشى) و (اقرأ باسمِ ربِّك)) . هو من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه عنه جمع بألفاظ مختلفة، منهم المطول، ومنهم المختصر، وهذا لفظ أبي الزبير، يرويه عنه الليث بن سعد. أخرجه مسلم (2/42) ، والنسائي (1/155) ، وابن ماجه (1/315/986) ، وأبو عوانة (2/173) ، والبيهقي في "السنن " (3/116) من طرق عن الليث عن أبي الزبير، عنه قال: صلى معاذ بن جبل لأصحابه العشاء، فطول عليهم، فانصرف رجل منا، [فصلى] ، فأُخبر معاذ عنه، فقال: إنه منافق، فلما بلغ ذلك الرجل دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بما قال معاذ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

وقرن البيهقيُّ ابن لهيعة مع الليث. وتابع أبا الزبير: عمرُو بن دينار، فقال الحميدي في "مسنده " (523/ 1246) : ثنا سفيان قال؛ حدثنا عَمرُوكُم إن شاء الله قال: سمعت جابر بن عبد الله به نحوه، وفيه: "فتنحى رجل من خلفه، فصلى وحده ". قال سفيان: فقلت لعمرو بن دينار: إن أبا الزبير يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقرأ ب (سبح اسم ربك الأعلى) ... "؟ فقال عمرو: هو هذا أو نحو هذا. وأخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (2/ 171) من طريق الحميدي، وكذا البيهقي (3/112) . وقال أحمد (3/308) : ثنا سفيان به، وكذا قال الشافعي في كتاب "الأم " (1/152- 153) ، وثلاثتهم قالوا: "فتنحى رجل من خلفه، فصلى وحده ". وقد تابعهم جماعة من الشيوخ الثقات، منهم: ا- محمد بن منصور. قال النسائي (1/134) : أخبرنا محمد بن منصور: حدثنا سفيان به. 2- إبراهيم بن بشار. أخرجه ابن حبان (4/58- 59) ، والطحاوي (1/136) عنه: ثنا سفيان. 3- أحمد بن عبدة. ابن خزيمة (1/262/ 521) عنه. 4- عبد الجبار بن العلاء. ابن خزيمة أيضاً (3/51/1611) .

5- ابن المقرئ. ابن الجارود في "المنتقى" (120/327) . هؤلاء الخمسة- وسادسهم سفيان المتقدم من رواية الحفاظ الثلاثة عنه، وهو ابن عيينة- كلهم اتفقوا على ذكر التنحِّي أو معناه المشعر بأنه قطع صلاته ولم يسلِّم. وخالفهم محمد بن عباد فقال: حدثنا سفيان به؛ وفيه: "فانحرف رجل، فسلم، ثم صلى وحده ". أخرجه مسلم (2/ 41- 42) ، والبيهقي (3/85 و 112) ، وأشار إلى شذوذ ذكر السلام، وهذا مما لا يشك باحث وقف على رواية أولئك الحفاظ المخالفين لزيادة السلام هذه من محمد بن عَبَّاد- وهو ابن الزّبرِقان المكي-، وهو مع كونه من شيوخ الشيخين؛ فقد ذكروا له أوهاماً؛ وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في"التقريب ": "صدوق يهم ". فهذه الزيادة من أوهامه يقيناً، ويؤكد ذلك المتابعات التالية: الأولى: شعبة عن عمرو مختصراً، وفيه: "فا نصرف الرجل ". وفي رواية: "فجاء رجل من الأنصار، فصلى، ثم ذهب ". أخرجه البخاري (2/ 92 1/ 701) ، والد ارمي (1/297) - والروا ية الأخرى له-، وأحمد (3/369) . الثانية: سَليم- وهو ابن حَيان الهذلي البصري- عن عمرو به. أخرجه البخاري (10/200/705) .

وتابع عمراً جمعٌ، يذكرون في المتابعات التالية: الثالثة: محارب بن دِثار عنه. أخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده " قال (239/1728) : حدثنا شعبة عن محارب به، وفيه: "فلما رأى ذلك الرجل؛ صلى، ثم انطلق ". ومن هذا الوجه أخرجه البخاري (1/ 200/705) ، والطحاوي (1/125) ، والبيهقي (3/116) ، وأحمد (3/299) ، وابن أبي شيبة (1/359) . وتابعه الأعمش عن محارب بن دثار بلفظ: "فانصرف الرجل، فصلى في ناحية المسجد". أخرجه النسائي (1/133) . الرابعة: عبيد الله بن مِقسمٍ عن جابر، وفيه: "وصلى خلفه فتى من قومه، فلما طال على الفتى؛ صلى وخرج ". أخرجه ابن خزيمة (3/64/1634) ، والبيهقي (3/116) . الخامسة: أبو الزبير عنه. وقد تقدم ذكر من أخرجها في أول هذا التخريج، وفيها زيادات لم ترد في الروايات الأخرى، وقد سقت لفظها في"صفة الصلاة". وجملة القول: إن عدم ورود سلام الرجل في تلك الروايات الصحيحة عن سفيان بن عيينة، وفي تلك المتابعات له ولشيخه عمرو بن دينار، مما لا يدع مجالاً للشك في خطأ محمد بن عباد بذكر السلام فيه؛ وهو الذي أشار إليه البيهقي كما تقدم، وقد بينه الحافظ بقوله في "الفتح" (2/194) - بعد ذكر لفظ ابن عباد-:

"وهو ظاهر في أنه قطع الصلاة؛ لكن ذكر البيهقي أن محمد بن عباد- شيخ مسلم- تفرد عن ابن عيينة بقوله: "ثم سلم "، وأن الحفاظ من أصحاب ابن عيينة وكذا من أصحاب شيخه عمرو بن دينار، وكذا من أصحاب جابر لم يذكروا السلام؛ وكأنه فَهِمَ أن هذه اللفظة تدل على أن الرجل قطع الصلاة؛ لأن السلام يتحلل به من الصلاة، وسائر الروايات تدل على أنه قطع القدوة فقط ولم يخرج من الصلاة، بل استمر فيها منفرداً". ثم ذكر الخلاف بين الرافعي والنووي في دلالة الحديث؛ هل المراد به قطع القدوة فقط، أم قطع الصلاة وإبطالها؟ فحكى الأول عن الرافعي، والآخر عن النووي، وهذا هو الذي كنت ملت إليه في "الإرواء " (1/ 331) ، وذكرت هناك ردّاً على الحافظ أنه لو كان المراد قطع القدوة؛ لم يكن هناك ما يبرر له الانصراف المذكور إلى ناحية المسجد؛ لأنه يتضمن عملاً كثيراً تبطل الصلاة به كما لا يخفى؛ وكنت استدللت عليه برواية مسلم: "فسلم، ثم صلى وحده "، وقلت: "فهذا نص فيما ذكرنا. والله أعلم ". والآن، وقد تبين بوضوح لا خفاء فيه أنها رواية شاذة غير صحيحة؛ فقد رجعت عن الاستدلال بها، والروايات الأخرى تغني عنها. والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. هذا؛ ولحديث جابر شاهد من حديث بُريدةَ بسند صحيح مخرج في " الإرواء "، وفيه: "فترك رجل من قبل أن يفرغ من صلاته، فانصرف ". فهذا يؤيد القطع والإبطال. والله أعلم. *

3172

3172- (كانت (عائشةُ) تحتُّ المنِيَّ من ثوبه - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلِّي) . أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/147/290) : نا الحسن بن محمد: نا إسحاق- يعني: الأزرق-: نا محمد بن قيس عن محارب بن دِثار عن عائشة أنها كانت ... إلخ. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال "الصحيح "؛ محمد بن قيس هو الأسدي الوالِبي؛ وإسحاق هو ابن يوسف الواسطي؛ والحسن بن محمد هو ابن الصَّبَّاح الزعفراني. والحديث قال الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/32) : "رواه ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي وابن الجوزي من حديث محارب بن دثار عن عائشة قالت: ربما حتتُّهُ من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي. لفظ الدارقطني، ولفظ ابن خزيمة (فذكره) ، ولابن حبان من حديث الأسود بن يزيد عن عائشة قالت: لقد رأيتني أفرك المني من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي ". قلت: لي على هذا التخريج ملاحظتان: الأولى: أن إطلاق العزو للدار قطني إنما يعني- عُرفاً- "السنن" له، وليس الحديث فيه بهذا اللفظ، وكذلك ليس هو في "سنن البيهقي ". والأخرى: أنني أشك في ثبوت قوله: "وهو يصلي " في رواية ابن حبان؛ فإن إسناده عنده (2/330/1377- الإحسان) : أخبرنا محمد بن علان- بأذَنَة- قال: حدثنا لُوين قال: حدثنا حماد بن زيد عن هشام الدَّ ستُوائي عن أبي معشرِ عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة ... باللفظ الذي ذكره الحافظ؛ إلا أنه قال: "وهو يصلي فيه "، فزاد في آخره: "فيه ".

فأقول: وسبب الشك المذكور؛ إنما هو أن الحديث أخرجه جمع من الأئمة من طرق عن أبي معشر به، إلا أن بعضهم لم يذكر فيه اللفظ المذكور، وبعضهم ذكره بلفظ: "فيصلي فيه". أخرجه مسلم (1/164- 165) ، وابن الجارود في "المنتقى" (55/136) وغيرهما، وهذا هو المحفوظ. ولا يخفى الفرق بين هذا وبين اللفظ الأول؛ فإن هذا صريح في أن الفرك لم يكن في الصلاة، وإنما كان يصلي بعد الفرك، وأما اللفظ الأول؛ فيدل ظاهره أن الفرك كان وهو - صلى الله عليه وسلم - يصلي، ولذلك ساقه الحافظ عقب حديث الترجمة كشاهد له، على أنه يمكن تأويله بأن تكون هذه الجملة: "وهو يصلي فيه "معطوفة على قولها: "رأيتني"؛أي: ورأيته يصلي فيه، أو نحوه من التأويل، ولا يخلو من التكلف. ثم إنني أرى شذوذاً آخر، لكنه في السند، وهو قوله فيه: "هشام الدستوائي "، وذلك لسببين اثنين: الأول: أن الحافظ المزي وغيره لم يذكروا هشاماً الدستوائي في شيوخ حماد ابن زيد، وإنما ذكروا هشام بن حسان. والآخر: أن مسلماً، والنسائي (1/56) قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان به. وإن مما لا شك فيه أن هذا أصح من رواية ابن حبان، ذلك؛ لأن شيخه محمد بن علان- ويقال: (ابن علي) - الأذَني؛ مع أنه غير معروف لدينا، والسمعاني لما أورده في هذه النسبة؛ لم يزد على أن ذكره بروايته عن لُوَين شيخه

في هذا الإسناد؛ فنسبة الوهم إليه أولى من نسبته إلى لوين- واسمه محمد بن سليمان بن حبيب المِصِّيصِي-؛ لأنه ثقة، وأولى منه أن لا ينسب الوهم إلى ابن حبان نفسه؛ لحفظه وضبطه الذي عرف به؛ ولذلك فقد غفل المعلق على "الإحسان " (4/219) حين نسب الوهم إليه، فقال: "ويغلب على الظن أنه سبق قلم من ابن حبان؛ فإن حماد بن زيد لا تعرف له رواية عن الدستوائي ... "! وأظن أن هذا الوهم نشأ من وهم آخر له، ألا وهو قوله بعد ما تقدم: "إسناده صحيح، لُوين لقب محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي ثم المصيصي، أخرج له أبو داود والنسائي، وباقي رجال السند رجال الصحيح "! فهذا يؤكد ما قلت؛ لأن الأذني شيخ ابن حبان غير معروف كما تقدم؛ فضلاً عن أن يكون من "رجال الصحيح"، فكان هو أحقّ بأن يترجم من شيخه "لُوين"، ولكنه غفل عنه ونسي، فجلُّ من لا يضل ولا ينسى. وقد توبع حماد بن زيد من قِبلِ عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن خزيمة في "صحيحه" (1/146) ، ومحمد بن عبد الله الأنصاري عند ابن الجارود كما تقدم، والبغوي في "شرح السنة" (2/89/298) ، كلهم قالوا: ثنا هشام بن حسان عن أبي معشر به. ولهشام متابعون عن أبي معشر، ولهذا متابعون عن إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي في"صحيح مسلم" و"صحيح ابن خزيمة" وغيرهما، وبعضها مخرج في "صحيح أبي داود" (398 و 399) . وجملة القول: إن رواية ابن حبان معلولة بالمخالفة، وإن كانت بمعنى حديث

3173

الترجمة عند ابن خزيمة التي لم نجد لها علة وكأنه لذلك سكت عنها الحافظ في ((التلخيص)) كما تقدم وكذا في ((الفتح)) (1/333) وكلها متفقة الدلالة علي طهارة المني وحديث الترجمة أصرحها وأقواها في الدلالة كما هو ظاهر ولذلك كان القول بطهارته هو الصواب الذي عليه الشافعي وأحمد وأصحاب الحديث كما في ((الفتح)) * 3173- (أحسنَ (وفي رواية: صدق) ابنُ الخطابِ) أخرجه أحمد (5/368) : حدثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر فقام رجل يصلي [بعدها] فرآه عمر [فأخذ بردائه أو بثوبه] فقال له اجلس فإنما أهلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 0000 فذكره بالرواية الأولى وأخرجه أبو يعلي في مسنده (13/107/7166) قال: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا محمد به قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم غير الصحابي الذي لم يسم وذلك لا يضر لأن الصحابة كلهم عدول0 وقد توبع شعبة فقال عبد الرزاق في (المصنف) (2/432/3973) : عن عبد الله بن سعيد قال: أخبرني الأزرق بن قيس قال: سمعت عبد الله بن رباح الأنصاري به والرواية الثانية مع الزيادات له وهذا إسناد صحيح أيضاً وعبد الله بن سعيد هو ابن أبي هند الفزاري ثقة من رجال الشيخين ذكره الحافظ المزي في شيوخ عبد الرزاق0

والحديث أورده الهيثمي في (المجمع) (2/234) قال: (رواه أحمد وأبو يعلي ورجال أحمد رجال (الصحيح)) وأقول: لا وجه لتخصيص إسناد أحمد بذلك فإسناد أبو يعلى كذلك رجاله رجال (الصحيح) فإن محمد بن بشار- وهو أبو بكر بندار- ثقة أيضاً من رجال الشيخين وشيخه محمد: هو ابن جعفر الملقب بـ (غندر) وأخرجه أبو داود (1/611/1007) والحاكم (1/270) والبيهقي (2/190) ,والطبراني في (المعجم الكبير) (22/284/728) من طريق أشعث بن شعبة عن المنهال بن خليفة عن الأزرق بن قيس قال: صلي لنا إمام يكنى أبا رمثة فقال صليت هذه الصلاة أو مثل هذه الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم -: وكان أبو بكر وعمر يقومان في الصف المقدم عن يمينه وكان رجل قد شهد التكبيرة الأولى من الصلاة فصلي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ثم سلم عن يمينه وعن يساره حتى رأينا بياض خده ثم انتفل كانتفال أبي رمثة - يعنى نفسه- فقام الرجل الذي أدرك معه التكبيرة الأولى من الصلاة يشفع فوثب إليه عمر فأخذ بمنكبه فهزه ثم قال: اجلس 000 الحديث إلا أنه قال: فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - بصره فقال: (أصاب الله بك يا ابن الخطاب!) وقال الحاكم (صحيح علي شرط مسلم) ! ورده الذهبي بقوله (قلت: المنهال ضعفه ابن معين وأشعث فيه لين والحديث منكر)

قلت: وبهما أعله المنذرى في (مختصر السنن) ولذلك كنت أوردته في (ضعيف أبي داود) فلما وقفت على متابعة شعبة وعبد الله بن سعيد الفزاري لهما على الشطر الثاني من حديثهما قررت نقله إلى (صحيح أبي داود) لأن الشطر الأول منه ليس فيه كبير شيء مع كونه موقوفا, ً وكذلك كنت ضعفته في تعليقي علي (المشكاة) (1/306-307) فليصحح إذن بالطريق الأولى والله ولي التوفيق والهادي لا إله إلا هو. وفى الحديث فائدتان هامتان: الأولي: أنه لا بد من الفصل بين الفريضة والنافلة التي بعدها إما بالكلام أو بالتحول من المكان, وفى ذلك أحاديث صحيحة أحدها في (صحيح مسلم) من حديث معاوية - رضي الله عنه - وهو مخرج في (الإرواء) (2/190/344) و (صحيح أبي داود) (1034) وفيه أحاديث أخري برقم (631و922) ولذلك؛ تكاثرت الآثار عن السلف بالعمل بها وقد روي الكثير الطيب منها عبد الرزاق في (المصنف) (2/416-418) وكذا ابن أبي شيبة (2/138-139) والبيهقي في (سننه) فما يفعله اليوم بعض المصلين في بعض البلاد من تبادلهم أماكنهم حين قياهم إلي السنة البعدية: هو من التحول المذكور وقد فعله السلف فروي ابن أبي شيبة عن عاصم قال: صليت معه الجمعة فلما قضيت صلاتي أخذ بيدي فقام في مقامي وأقامني في مقامه. وسنده صحيح وروي نحوه عن أبي مجِلزٍ وصفوان بن ُمحرِزِ والفائدة الأخرى: جواز التطوع بعد صلاة العصر؛ لإقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم عمر الرجل على الصلاة بعدها مع أنه أنكر عليه ترك الفصل وصوّبه النبي - صلى الله عليه وسلم -

على ذلك، فدل ذلك على جواز الصلاة بعد العصر دون الوصل، وقد جاء ما يدل على الجواز من فعله - صلى الله عليه وسلم - عن من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع ركعتين بعد العصر. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" (2/188-189) من طرق عنها، ويأتي طريق آخر عقب هذا. وقد ثبت العمل به عن جماعة من السلف رضي الله عنهم كما يأتي. فإن قيل: كيف يصح الاستدلال بهذا الإقرار من عمر، وقد صح عنه أنه كان يضرب من يصلي الركعتين بعد العصر؟ والجواب: أن ضربَهُ عليهما إنما كان من باب سد الذريعة، وخشية أن يتوسع الناس مع الزمن فيصلوهما في وقت الاصفرار المنهي عنه، وهو المراد بالأحاديث الناهية عن الصلاة بعد العصر نهياً مطلقاً كما سيأتي في الحديث بعده، وليس لأنه لا يجوز صلاتهما قبل الاصفرار، ولذلك لم ينكر على الرجل صلاته بعد العصر مباشرة، وقد جاء عن عمر نفسه ما يؤكد هذا، فقال الحافظ في "الفتح " (2/65) : " (تنبيه) : روى عبد الرزاق [2/431-432] من حديث زيد بن خالد [الجهني] سبب ضرب عمر الناس على ذلك، فقال ... عن زيد بن خالد: أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث، وفيه: "فقال عمر: يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سُلَّماً إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما". فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند

غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي (1) وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره (¬1) . وقد روى يحيى بن بُكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد، وجواب عمر له، وفيه: "ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب، حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! أن يصلى فيها". وهذا أيضاً يدل لما قلناه ". قلت: ومثله ما رواه الطحاوي (1/180) عن البراء بن عازب قال: بعثني سلمان بن ربيعة بريداً إلى عمر بن الخطاب في حاجة له، فقدمت عليه، فقال لي: لا تصلوا بعد العصر؛ فإني أخاف عليكم أن تتركوها إلى غيرها. قلت: يعني إلى وقت الاصفرار المحرم، وإسناده صحيح. فهذه الآثار تؤكد ما ذكرته من قبل أن نهيه اجتهاد منه سدّاً للذريعة، فلا ينبغي أن يعارض به إقراره للرجل اتباعاً منه للنبي - صلى الله عليه وسلم - على صلاته بعد العصر، فضلاً عن معارضة الأحاديث الصحيحة في صلاته- صلى الله عليه وسلم - الركعتين، أو معارضتها بالعموم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس "؛ فإنه يُخصُّ بحديث علي الذي صححه الحافظ كما تقدم ويأتي في الحديث التالي. وحديث الترجمة تقدم تخريجه برقم (2549) باختصار عما هنا. ثم وجدت من صحيح حديث عائشة ما يشهد لرواية عبد الرزاق ويؤيدها، فخرجته في ما يأتي برقم (3489) . ¬

(¬1) أما ابن عمر؛ فذكر أن الطبري روى عنه إباحة الصلاة بعد العصر حتى تصفر. وذكر أنه قال به محمد بن سيرين والطبري وابن حزم، واحتج بحديث علي: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة. ورواه أبو داود بإسناد صحيح قوي. وأما ابن المنذر فلم يسبق له ذكر. والله أعلم. *

3174

صلاة مَنسِيَّة ينبغي إحياؤها 3174- (كان لا يدعُ ركعتينِ قبل الفجرِ، وركعتينِ بعدالعصرِ) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (2/352) : حدثنا عفان قال: نا أبو عوانة قال: ثنا إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه: أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين، فقيل له؟ فقال: لو لم أصلهما إلا أني رأيت مسروقاً يصليهما؛ لكان ثقة، ولكني سألت عائشة؟ فقالت: ... فذكره. قلت: هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، رجاله كلهم ثقات لا مغمز فيهم، وإنما خرجته لصحته وعزة إسناده، ولما فيه من عمل محمد بن المنتشر تبعاً لمسروق التابعي الجليل- به، وإلا فالحديث مخرج في "الصحيحين " وغيرهما كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في الحديث الذي قبله. والمرفوع من هذا قد أخرجه الطحاوي في"شرح المعاني" (1/177) من طريق أخرى عن أبي عوانة به. وروى ابن أبي شيبة قبيل هذا بسند صحيح عن أشعث بن أبي الشعثاء قال: خرجت مع أبي (واسمه سُليم بن أسود المحاربي) وعمرو بن ميمون والأسود ابن يزيد وأبي وائل، فكانوا يصلون بعد العصر. ثم روى مثله عن جمع آخر من السلف؛ منهم الزبير بن العوام، وابنه عبد الله رضي الله عنهما، وكذا علي رضي الله عنه، وأبو بردة بن أبي موسى. بل روى ابن حبان (1568- 1570) ، والشيخان عن الأسود ومسروق عن

عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصليهما. وهو مخرج في"صحيح أبي داود" (1160) . وروى عبد الرزاق (2/433/377) بسند صحيح عن طاوس: أن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر، فلما استخلف عمر تركهما، فلما توفي ركعهما، فقيل له: ما هذا؟ فقال: إن عمر كان يضرب الناس عليهما. قال ابن طاوس: كان أبي لا يدعهما. قلت: فمن الخطأ الشائع في كتب الفقه: النهي عن هاتين الركعتين، بل وعدم ذكرهما في زمرة السنن الرواتب مع ثبوت مداومته - صلى الله عليه وسلم - عليهما كما كان يداوم على ركعتي الفجر، ولا دليل على نسخهما، ولا على أنهما من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم -، كيف وأعرف الناس بهما يحافظ عليهما-وهي أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها- ومن وافقها من الصحابة والسلف كما تقدم. يضاف إلى ذلك أن النصوص الناهية بعمومها عن الصلاة بعد العصرهي مقيدة بالأحاديث الأخرى الصريحة بإباحة الصلاة قبل اصفرار الشمس، ومنها حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: "لا تصلوا بعد العصر؛ إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة ". وهو حديث صحيح جاء من أكثر من طريق، وقد سبق تخريجه برقم (200 و314) . وقد ذهب إلى شرعية هاتين الركعتين أبو محمد بن حزم في "المحلى" والرد على المخالفين في بحث واسع شيق في آخر الجزء الثالث وأول الرابع؛ فليراجعه من شاء. وراجع الحديث الذي قبله؛ لتعرف سبب ضرب عمر لمن كان يصلي الركعتين. *

3175

3175- (إِِنَّ عبداً مِن عبادِ الله بعثهَُ الله إلى قومهِ؛ فكذَّبُوه وشجُّوه، فكان يمسحُ الدم عن جبهته ويقول: اللهمَّ! اغفر لقومي؛ فإِنَّهم لا يعلمون) . أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (757) ، وأحمد (1/427و456) من طريق حماد بن زيد عن عاصم ابن بهدلة عن أبي وائل عن ابن مسعود قال: لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم حنين ب (الجِعرّانة) ازدحموا عليه فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: 000 فذكره. قال عبد الله بن مسعود: فكأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي الرجل يمسح عن جبهته. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير أنهما إنما أخرجا لعاصم ابن بهدلة مقروناً، كما في "التقريب ". وقد تابع حماد بن زيد حماد بن سلمة عن عاصم به نحوه بزيادة فيه؛ فقال تكلم رجل من الأنصار كلمة فيها مَوجِدة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلم تُقِرَّني نفسي أن أخبرت بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلوددت أني افتديت منها بكل أهل ومال، فقال: "قد آذوا موسى عليه الصلاة والسلام أكثر من ذلك، فصبر"، ثم أخبر أن نبياً كذبه قومه وشجوه حين جاءهم بأمر الله، فقال- وهو يمسح الدم عن وجهه-: "اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون ". أخرجه أحمد أيضاً (1/453) بسندٍ حسن أيضاً. وتابع عاصماً: الأعمشُ قال: حدثني شَقِيقٌ به مختصراً، فقال عبد الله بن مسعود:

كأني أنظر إلى النبي يحكي نبيّاً من الأنبياء ضربه قومه، فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: "اللهم اغفر ... " الحديث. أخرجه البخاري (3477) ، ومسلم (5/ 179) ، وا بن ماجه (4025) ، وأحمد (1/380 و 432 و441) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/ 161) من طرق عن الأعمش به، وزاد أحمد في رواية بلفظ: "كان قومه يضربونه حتى يُصرع ". وإسنادها صحيح على شرط الشيخين. وساق بعدها بنفس الإسناد عن ابن مسعود قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسماً، فقال رجل: إن هذه لقِسمةً ما أريدَ بها وجه الله! قال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له، فاحمر وجهه- قال شعبة: وأظنه قال: - وغضب؛ حتى وددت أني لم أخبره- قال شعبة: وأحسبه- قال: "يرحمنا الله وموسى- شك شعبة في "يرحمنا الله وموسى"- قد أوذي بأكثر من هذا فصبر". هذه ليس فيها شك: "قد أوذي بأكثر من ذلك، فصبر". وأخرجه في مكان آخر (1/ 411) دون شك شعبة. وكذلك أخرجه البخاري (6/436/3405و11/136/6336) من طرق أخرى عن شعبة به. وكذلك رواه أحمد (1/ 380) ، والبخاري (8/55و10/475و511) من طريق سفيان عن الأعمش به.

وتابع الأعمشَ: منصور عن أبي وائل به، وفيه قصة غنائم حنين. وكأن الإمام أحمد- رحمه الله- أتبع رواية عاصم ابن بهدلة برواية شعبة كشاهد للزيادة التي في روايته؛ ليؤكد صحتها. والله أعلم. هذا، وقد اختصر بعض الرواة حديث الترجمة اختصاراً مُخِلاً بحيث يظهر أن قوله: "اللهم اغفر ... " لم يحكه - صلى الله عليه وسلم - عن ذاك النبي، وإنما صدر منه - صلى الله عليه وسلم - قاصداً قومه، فقال محمد بن فليح: عن موسى بن عقبة عن الزهري عن سهل بن سعد مرفوعاً به. أخرجه ابن أبي عاصم في"الآحاد والمثاني" (4/123/2096) ، وأبو يوسف الفسوي في"المعرفة " (1/338) ، وابن حبان في "صحيحه " (2/160/969/الإحسان) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/146/5694) من طرق عنه. وكذا رواه البيهقي في "الشعب " (2/164/1448) . قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أن محمد بن فليح فيه كلام من قبل حفظه، أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في "تقريبه ": "صدوق يهم ". ثم رأيت ما استظهرته آنفاً صريحاً في رواية البيهقي للحديث في "دلائل النبوة"؛ فإنه ساقه مطولاً (3/206-215) في قصة غزوة أحد، من طريق ابن فليح هذا، لكنه لم يقع ذكر للزهري في إسناده. فيبدو لي- والله أعلم- أن هذا الدعاء منه - صلى الله عليه وسلم - لقومه ثابت؛ لأن هناك عدة روايات في ذلك، أسوق ما تيسر لي منها:

أولاً: رواية زُهرة بن عمرو بن معبدٍ التيمي عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين كُسِرت رباعِيتُهُ وجُرح وجهه وهُشمت البيضة على رأسه، وإني لأعرف من يغسل الدم عن وجهه، ومن ينقل عليه الماء، وماذا جعل على جرحه حتى رقأ الدم؛ كانت فاطمة بنت محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - له تغسل الدم عن وجهه، وعلي- رضي الله عنه- ينقل الماء إليها في مِجنَّةٍ، فلما غسلت الدم عن وجه أبيها أحرقت حصيراً، حتى إذا صارت رماداً أخذت من ذلك الرماد، فوضعته على وجهه حتى رقأ الدم، ثم قال يومئذ: "اشتد غضب الله على قوم كلموا وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". ثم مكث ساعة، ثم قال: "اللهم! اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون ". أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" (6/ 200- 201) : حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي: ثنا داود بن عمرو الضبي: ثنا زُهرة بن عمرو بن معبد التيمي ... قلت: وهذا إسناد حسن أو صحيح؛ فإن رجاله ثقات معروفون؛ غير زهرة هذا، أورده البخاري (2/1/443) وابن أبي حاتم (1/2/ 615) برواية ثلاثة آخرين عنه، ولم يذكر فيه البخاريُّ جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/344) . ومن الغريب أن الحديث لم يورده الهيثمي في "مجمع الزوائد"، لا في غزوة أحد، ولا في مكان آخر فيما تيسّر لي من المراجعة، ولا ذكره البسيوني في "فهارس المجمع "، ولا عزاه إليه أخونا حمدي عبد المجيد السلفي في تعليقه على

"المعجم الكبير"! مع أن الحافظ في "الفتح " (7/373) قد عزاه إليه، لكنه ذكر أنه عنده من طريق زهير بن محمد عن أبي حازم، وسقط من المطبوعة المشار إليها وغيرها ذكر: "عن سهل بن سعد"، كما سقط ذلك في رواية قبل هذه عزاها للطبراني أيضاً، وهي في "المعجم " (6/189) ! وعلى هذا؛ فإني أظن أن قوله: "زهير بن محمد" خطأ، ولعله محرف من "زهرة بن معبد"؛ لأنه لا وجود لزهير بن محمد في الرواة عن أبي حازم- واسمه سلمة بن دينار- في "المعجم الكبير"، وإن كان له رواية عنه في"سنن ابن ماجه "؛كما في "تهذيب المزي ". ثم ذكر الحافظ للحديث شاهداً من رواية ابن عائذ من طريق الأوزاعي بلاغاً: أنه لما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ... الحديث مختصراً، وفيه: "ثم قال: اللهم اغفر ... " الحديث. وبالجملة؛ فإن دعاءه - صلى الله عليه وسلم - هذا لقومه ثابت بمجموع الطرق، وعلى هذا جرى جمع من الحفاظ، لكن لا على طلب المغفرة للمشركين لكفرهم، وإنما لذنبهم في شجّهم إياه - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن حبان عقب الحديث: "يعني هذا الدعاء: أنه قال يوم أحد لما شُجَّ وجهه: اللهم! اغفر لقومي ذنبهم بي من الشج لوجهي، لا أنه دعاء للكفار بالمغفرة، ولو دعا لهم بالمغفرة لأسلموا في ذلك الوقت لا محالة". وأقره الحافظ علي أول كلامه، وتعقبه على الشطر الثاني منه بقوله (6/521) : "كذا قال! وكأنه بناه على أنه لا يجوز أن يتخلف بعض دعائه على بعض، أو عن بعض، وفيه نظر لثبوت: "أعطاني اثنتين، ومنعني واحدة؛ وسيأتي ". قلت: وهو مخرج فيما تقدم برقم (1724) ، وفي "صفة الصلاة" أيضاً، وقد

3176

أخرجه ابن حبان أيضاً في "صحيحه " (9/179-180) من حديث خبّاب بن الأرت، وحديث سعد بن أبي وقاص، فكأنه كان أُنسِيهُ لما قال ما سبق. (تنبيه) : حسّن المعلق على "الإحسان " (3/254) حديث محمد بن فُليح، ولم يتنبه لمخالفته لطرق الحديث، وبعضها عند البخاري ومسلم، ولروايته هو نفسه عند البيهقي، وأيضاً؛ فإنه لما ساق لفظ البخاري، لم يعزه لمسلم وعزاه لأحمد! وهذا خطأ في فن التخريج. * 3176- (اسمَعُوا وأطيعُوا فإنّما عليهم ما حُمِّلوا، وعليكُم ما حُمِّلتُم) . أخرجه مسلم (6/11) ، والبخاري في "التاريخ " (2/2/73) ، وأبو عوانة في "صحيحه" (4/468-469) ، والترمذي (6/357/2220) ، والبيهقي في "السنن " (8/158) ، و"الشعب" (6/ 61- 62) ، والطبراني في"المعجم الكبير" (22/16/20) من طريق شعبة عن سماك بن حرب عن علقمة بن وائل بن حجر عن أبيه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجل سأله فقال: أرايت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا، ويسألونا حقهم؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وأخرجه الطيالسي (137/1019) ، والطبراني أيضاً (رقم 21) من طرق أخرى عن سماك به. والحديث عزاه النووي في "الرياض " لمسلم، فعلق عليه المسمى ب (حسان عبد المنان) بقوله (ص 220) : "في إسناده نظر! ".

كذا قال هداه الله! وهو واسع الخطو في تضعيف الأحاديث الصحيحة بهوى بالغ وجهل بهذا العلم الشريف؛ فإن هذا الإسناد الذي تدور طرقه على سماك بن حرب عن علقمة، لا يمكن لأحد من العارفين أن يغمز من صحته إلا بجهل أو هوى، وذلك؛ لأن سماك بن حرب قد اتفقوا على صدقه وثقته، ولكنهم تكلموا في حفظه في الجملة، لكن الحفاظ منهم قد نبَّهوا على أن ذلك ليس على إطلاقه، وإنما في من سمع منه بأخره، كما قال ابن المبارك وغيره، نعم؛ قد ضعفوا حديثه عن عكرمة خاصة، ولذلك قال يعقوب بن شيبة مبيِّناً القول الفصل فيه؛ وهو على ثلاثة أحوال: " 1- روايته عن عكرمة خاصة مضطربة 2- وهو في عكرمة صالح وليس من المتثبِّتين 3- ومن سمع منه قديماً مثل شعبة وسفيان؛ فحديثهم عنه صحيح مستقيم، والذي قاله ابن المبارك إنما نرى أنه فيمن سمع منه بأخره ". وأقره الحافظ الذهبي في "السير" (5/248) ، فقال عقبه: "قلت: ولهذا تجنب البخاري إخراج حديثه، وقد علق له البخاري استشهاداً به، ف (سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس) : عدة أحاديث، فلا هي على شرط مسلم "لإعراضه عن عكرمة، ولا هي على شرط البخاري؛ لإعراضه عن سماك، ولا ينبغي أن تُعدَّ صحيحة؛ لأن سماكاً إنما تُكُلَّمَ فيه من أجلها". قلت: وفي تعليله تضعيف رواية سماك عن عكرمة إشارة قوية إلى أنه يرى تقوية روايته عن غير عكرمة، وهذا هو الذي جرى عليه الإمام مسلم في "صحيحه "، ومن جرى على منواله من أصحاب "الصحاح "؛كابن حبان وأبي

عوانة وأبي نعيم وغيرهم، فضلاً عن أصحاب "السنن"، وبخاصة منهم الترمذي الذي صححها إذا كان السند إليه صحيحاً، وأنا أقرِّب إلى القراء بأمثلة من رواية سماك عن جابر بن سمرة مرفوعاً: فقد روى له مسلم عنه نحو أربعين حديثاً ,والترمذي بعضها مع أحاديث أخرى له، صحح ثمانية منها، وحسن ستة (¬1) ! وقد لخَّص الحافظ ابن حجر أقوال الحفاظ فيه- كما هي عادته- بأوجز عبارة، فقال: "صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغير بآخره، فكان ربما تلقن ". فإذن؛ قد اتفق الحفاظ المحققون- قديماً وحديثاً- على الاحتجاج بحديثه إذا روى عن غير عكرمة، وعلى التفصيل المتقدم عن ابن شيبة، ولما كان شعبةُ مِن الرُّواة عنه في حديث الترجمة؛ كان الحديث صحيحاً لا إشكال فيه. هذا إذا كان الرجل بنظرته المذكورة يغمز في صحة الحديث من أجل كونه من رواية سماك. وأما إن كان بنظرته تلك يعني إعلال الحديث بأنه من رواية علقمة بن وائل عن أبيه، وقد جاء في "التهذيب ": "وحكى العسكري عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل عن أبيه: مرسل ". فالجواب من وجهين: أحدهما: عدم التسليم بثبوت ذلك عن ابن معين؛ لجهالة الراوي بينه وبين العسكري- وهو أبو أحمد الحسن بن عبد الله الحمصي فيما أظن- مات سنة (382) ، وابن معين توفي سنة (233) ، فبينهما نحو قرن ونصف من الزمان. ¬

(¬1) انظر"تحفةالأشراف" (2/148- 160) للمزي.

3177

والآخر: أنه ثبت سماعه من أبيه في حديث أخرجه النسائي بسندٍ صحيح عنه قال: حدثني أبي: ... فذكره. ويؤيده احتجاج أصحاب الصحاح بحديثه هذا كما ترى وبغيره، فعند مسلم أربعة أخرى، وبعضها عند الترمذي، وعنده أخرى تتمتها خمسة، وقد صححها كلّها. وقد تقدم الحديث بنحوه (1987) من رواية البخاري في"التاريخ" (1/42/779) . * 3177- (يا بَني كعبِ بن لُؤيٍّ! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مُرَّة بن كعبٍ! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد منافٍ! أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطَّلب! أنقذُوا أنفسكم من النار، يا فاطمةُ [بنت محمد!] أنقذي نفسكِ من النار، فإنِّي لا أملكُ لكُم من الله شيئاً؛ غير أنّ لكُم رحِماً سأبُلُّها بِبِلالِها) . أخرجه البخاري في"الأدب المفرد" (48) ، ومسلم (1/133) - والسياق له-، وأبو عوانة (1/93- 94) ، والترمذي (8/ 330/ 3184) ، وا بن حبان (2/19/645) ، والنسائي (2/128) ، وأحمد (2/333و360و519) من طرق، بعضهم مطولاً وبعضهم مختصراً عن عبد الملك بن عُميرٍ عن موسى بن طلحة عن أبي هريرة قال: لما أنزلت هذه الآية: وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشاً، فاجتمعوا، فعمّ وخص، فقال: ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ".

وتابعه معاوية بن إسحاق عن موسى بن طلحة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره مختصراً مرسلاً. وكذلك رواه النسائي أيضاً في "السنن الكبرى" (4/108/6472/2) ، ولعل ذلك من معاوية بن إسحاق فإنه مع كونه من رجال البخاري فإن له بعض الأوهام، كما يشير إلى ذلك الحافظ بقوله: "صدوق ربما وهم ". وتابع موسى بن طلحة: أبو سلمة بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة به نحوه ببعض اختصار، وفيه قوله: "ويا صفية عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا أغني عنك من الله شيئاً". أخرجه البخاري (4771) ، ومسلم، وأبو عوانة، وابن حبان (8/173/6515) ، والنسائي. وأخرجوه- إلا البخاري- والترمذي (7/72/2310و8/329/3184) من حديث عائشة مختصراً، ليس فيه مع نزول الآية إلا مناداة صفية وفاطمة، وزاد: "سلوني من مالي ما شئتم ". وقال الترمذي: "حسن صحيح ". وفي نزول الآية: عن ابن عباس أيضاً، ومناداته - صلى الله عليه وسلم - لبني عبد المطلب وغيرهم، وفيه نزول تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ أخرجه الشيخان، وأبو عوانة، وابن حبان، وغيرهم، وقال الترمذي (9/89/3360) : "حديث حسن صحيح ".

3178

(تنبيه) : قوله في حديث الترجمة: "غير أن لكم رحماً سأبُلُّها ببلالها ": هو شاهد قوي لزيادةٍ بمعناه، علقها البخاري في حديث عمرو بن العاص المتقدم في المجلد الثاني برقم (764) كان فاتني ذكره هناك، وجلّ من أحاط بكُلِّ شيء علما ولذلك فإني استدركت هذا الشاهد في آخر المجلد المذكور من طبعته الجديدة (رقم: 6) ومن الغرائب التي ينبغي لفت النظر إليها: أن المدعو حسان بن عبد المنان كان قد علل الزيادة المذكور فيما علقه على طبعته لكتاب "رياض الصالحين " للإمام النووي (133/241) بقوله: "هذه الزيادة زادها البخاري دون مسلم تعليقاً عقب الحديث، ووصله البخاري في كتاب "البر" عن محمد بن عبد الواحد بن عنبسة، ولم أجد له ترجمة" وهذا ما كنت ذكرته هناك في محمد هذا، وخفي علي يومئذ الشاهد المذكور، فلو أن المومى إليه كان باحثاً ومحققاً- كما يزعم- لاستدركه علي؛ لأنه- أعني: الشاهد- كان بين عينيه حين أعل الزيادة "لأنه في "الرياض " قبيل حديث عمرو! لكن الرجل قد تبين لي- بتتبع أحاديث طبعته هذه- أنه لا يحسن من هذا العلم شيئاً إلا تضعيف الأحاديث الصحيحة، كحديث العرباض بن سارية في الموعظة، الذي صححه جمع من الأئمة، وله خمسة طرق بعضها صحيح، وشاهد، كما تراه في آخر المجلد المشار إليه آنفاً!! * 3178- (كنّا نشربُ ونحنُ قِيامٌ، ونأكلُ ونحنُ نمشي، على عهدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/205/4170) : حدثنا حفص عن

عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: ... فذكره. ومن طريق ابن أبي شيبة: أخرجه أحمد (2/108) ، وكذا الدارمي في "سننه " (2/120) . وأخرجه الترمذي (6/148/1880) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/358) من طريق أخرى عن حفص بن غياث به. وقال الترمذي: "حديث صحيح غريب من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر". قلت: وإسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، وهو على شرط مسلم؛ لأنه روى لحفص عن عبيد الله بن عمر. وللحديث طريق أخرى أشار إليها الترمذي عقب قوله المتقدم آنفاً، قال: "وروى عمران بن حُديرٍ هذا الحديث عن أبي البرزي عن ابن عمر، وأبو البرزي اسمه يزيد بن عُطارد". قلت: هذا وصله ابن أبي شيبة (4167) ، والدار مي أيضاً، وكذا الطحاوي، والدّولابي في"الكنى " (1/127) ، والبييقي في " السنن " (7/283) من طريق الطيالسي-وهذا في"مسنده" (258/1094) -، وأحمد أيضاً (2/12) من طرق عنه. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير يزيد بن عطارد، قال ابن أبي حاتم عن أبيه (4/2/281-282) : "لا أعلم روى عنه غير عمران بن حدير، وليس ممن يحتج بحديثه ". وأقول: نعم، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد به؛ فإنه تابعي وقد وثقه ابن حبان (5/547) ، ولذلك جزم الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على

"المسند" (6/274) بأن إسناده صحيح، وهذا من تساهله الذي نبهت عليه مراراً! وإنما هو صحيح بما قبله، وقد سكت عليه الحافظ في "الفتح " (10/84) . على أن الأمر ليس كما قال أبو حاتم- رحمه الله-، فقد روى عن يزيد- أيضاً- مشمعلّ بنُ إياس؛ كما في ترجمته من "التهذيبين "، فهو مجهول الحال، لا مجهول العين. وللحديث شاهد موقوف يرويه الحسن بن الحكم عن الحُرِّ بن الصَّيَّاح قال: سأل رجل ابن عمر فقال: ما ترى في الشرب قائماً؟ فقال ابن عمر: إني أشرب وأنا قائم، وآكل وأنا أمشي. رواه ابن أبي شيبة (4167) . قلت: وإسناده حسن. ومن بغي المسمى ب (حسان عبد المنان) وجنفه على السنة: جزمه بأن الحديث وهم في إسناده حفص بن غياث، قال في "ضعيفته " التي جعلها في آخر طبعته لكتاب "رياض الصالحين " للنووي (524/ 41) : "كما ذكر ذلك ابن معين وابن المديني وأحمد وغيرهم، وإنما هو حديث أبي البزري (!) كما في "مسند أحمد " (2/12) وغيره، وهو مجهول ". قلت: وعزوه جزمه بالوهم إلى الأئمة الثلاثة من تدليساته الكثيرة؛ فإنه لم يجزم به إلا ابن المديني فقط، وأما ابن معين فقال: "تفرَّد به، وما أراه إلا وهم فيه ". وقال أحمد: "ما أدري ما ذاك؟! "؛ كالمنكر له.

قلت: ففي قولهما تلميح لطيف إلى أنه ليس لديهما حجة علمية في التوهيم المذكور، وإنما هو الرأي فقط، وبمثله لا ينبغي أن يخطَّأ الثقة؛ لأن تفرده حجة إلا عند المخالفة لمن هو أوثق منه وأحفظ، وهي مفقودة هنا، ولقد أصاب الترمذي رحمه الله حينما جمع في كلمته السابقة بين تصحيح الحديث، والحكم عليه بالغرابة؛ لأنه الأصل المصرح به في علم المصطلح كما هو معروف عند العلماء، ولولا ذلك صارت الأحاديث الصحيحة عُرضةً للتضعيف لمجرد التفرد وهذا خُلف، وبخاصة أن الطريق الأخرى هي بإسناد آخر ورجال آخرين؛ فهي تؤيد رواية حفص وتشد من أزره، وتدل على أنه قد حفظ. والله أعلم. وفي الحديث فائدة هامة، وهي جواز الأكل ماشياً، بخلاف الشرب قائماً؛ فإنه منهي عنه كما ثبت في"صحيح مسلم"وغيره، وقد سبق تخريج بعضها في المجلد الأول (رقم 177) ، وذكرت هناك اختلاف العلماء في حكمه مرجِّحاً التحريم؛ لزجره - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائماً وغيره مما يؤيده؛ فراجعه. ولا يجوز معارضة ذلك بأحاديث شربه - صلى الله عليه وسلم - قائماً؛ لأنها وقعت إما على البراءة الأصلية، وإما لعذر، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له؛ فليراجعها من شاء (32/209- 0 21) . ثم أوقفني بعض الإخوان- جزاه الله خيراً- على إعلال أبي حاتم أيضاً للحديث، بعلة غريبة، فقال ابنه في "العلل " (2/9/1500) : "سألت أبي عن حديث رواه محمد بن آدم بن سليمان المصِّيصي عن حفص ابن غياث ... (فذكر الحديث) ؟ قال أبي: قد تابعه على روايته ابن أبي شيبة عن حفص، وإنما هو حفص عن محمد بن عبيد الله العرزمي، وهذا حديث لا أصل له بهذا الإسناد".

3179

فأقول: هذا الإعلال يُعرف جوابه مما سبق، وخلاصته أنه توهيم للثقة بدون حجة، ونقول هنا شيئاً آخر، وهو أن التسليم بهذا الإعلال يلزم منه نسبة (حفص ابن غياث) إلى التدليس، وهذا مما لم يقله أحد فيما علمت، وما لزم منه باطل فهو باطل. وقد تابع المذكورين على روايتهما: سَلم بن جنادة عن حفص بن غياث: عند الترمذي، وابن حبان (1369) ، فالحديث حديثه؛ وهو حجة، ولا يجوز ردُّه بغير حجة. * 3179- (أما إنّ ربَّك يُحبُّ المحامدَ) . أخرجه البخاري في"الأدب المفرد" (859 و861و868) و" التاريخ " (1/ 445/ 425 1) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (4/416/7745) ، والحاكم (3/ 614) ، وأحمد (3/ 435) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (1/258/ 0 82- 825) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/372) من طرق عن الحسن عن الأسود بن سريع، قال: كنت شاعراً، فقلت: يا رسول الله! امتدحتُ ربي، فقال: ... فذكره، وما استزادني على ذلك. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. قلت: هو كذلك بالنظر لرواية البخاري في كتابيه؛ فإن الحسن قد صرح بالتحديث عن الأسود من طريقين عنه، ولولا ذاك لكان معلَّلاً بالعنعنة؛ لأن الحسن معروف بالتدليس، والذين جزموا بأن الحسن لم يسمع من الأسود، لم يذكروا حجة سوى حكاية لا يُعرف لها إسناد: أن الأسود لم يُرَ بعد قتل عثمان، وإلا قولاً لبعضهم: إن الأسود مات يوم الجمل سنة ست وثلاثين؛ وإنما قدم الحسن

البصرة بعد ذلك! وهناك قول آخر: أن الأسود بقي بعد الأربعين، وهذا يلتقي مع تصريح الحسن بالسماع منه؛ لأن هذا ولد في نحو سنة (22) ؛ فبإمكانه أن يسمع منه كما هو ظاهر، وإلى هذا مال الدكتور بشار في تعليقه على "تهذيب الكمال " للحافظ المزي (3/222- 223) ، فراجعه؛ فإنه مفيد. ثم وجدت لتصريحه بالتحديث عن الأسود طريقاً ثالثاً عند النسائي في "الكبرى" (5/184/6 861) بحديث النهي عن قتل الذرية، الذي كنت خرجته قديماً في المجلد الأول برقم (402) معتمداً في تصريحه بالسماع على رواية الحاكم إياه، والآن وقد طبع "السنن الكبرى" للنسائي، ووقفنا فيه أيضاً على التصريح؛ فلينقل إلى الحديث المذكور. ثم ألحقته به في الطبعة الجديدة، في مكتبة المعارف- الرياض. ويبدو لي أن الحافظ المزي معنا في إثبات السماع منه؛ بدليل أنه لما ذكر شيوخ الحسن البصري (6/97) مصرحاً بعدم إدراكه لبعضهم، أو الخلاف فيه كما هي عادته- وذلك من دقته وتحقيقه جزاه الله خيراً- قال: ".. والأسود بن سريع (س) "؛ فلم يذكر في سماعه منه شكاً بله نفيٍ، خلافاً للحافظ في "تهذيبه "! وللحديث طريق أخرى، يرويها عبد الرحمن بن أبي بكرة أن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله! إني قد حمدت ربي تبارك وتعالى بمحامد ومدح، وإياك، فقال: "أما إن ربك تبارك وتعالى يحب المدح "، فجعلت أُنشِده، فاستأذن رجل طُوال أصلع، فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اسكت "، فدخل فتكلم ساعة ثم خرج، فأنشدته، ثم جاء فسكتني! ثم خرج، فعل ذلك مرتين أو

ثلاثاً، فقلت: من هذا الذي سكّتني له؟! قال: "هذا رجل لا يحب الباطل، [هذا عمر ابن الخطاب] ". أخرجه البخاري في "الأ دب المفرد" (342) - والسياق له-، والطحاوي - مختصراً- وأحمد (3/435) ، وكذا الحاكم (3/ 4 61 و615) - والزيادة لهما-، والطبراني أيضاً (1/ رقم 842 و 843) من طريق علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة به. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ له علتان: الأولى: الانقطاع بين عبد الرحمن هذا والأسود بن سريع، على ما صرح به ابن منده؛ فقد ذكر الحافظ في "التهذيب " في ترجمة الأسود: أنه روى عنه الحسن وعبد الرحمن هذا، وأتبعه بقوله: "قال ابن منده: ولا يصح سماعهما منه، توفي أيام الجمل سنة (42) . قلت: تبعه الذهبي على هذا الكلام ... ". ثم تعقبه بما خلاصته أن وقعة الجمل كانت سنة (36) بلا خلاف، وأن أحمد وابن معين ذكرا أنه توفي سنة (42) . قلت: وسواء كانت وفاته في هذه السنة- وهو الذي نميل إليه لما تقدم-، أو كانت التي قبلها؛ فلا أرى وجهاً للانقطاع الذي ادعاه ابن منده؛ لأن عبد الرحمن هذا ولد سنة (14) في البصرة، فهو قد أدرك الأسود يقيناً؛ لأننا إذا افترضنا أن الوفاة كانت سنة (36) فيكون عُمُرُ عبدِ الرحمن حينئذ (22) سنة، وعلى ما هو الراجح لدينا يكون عمره يومئذ (28) سنة، مع العلم أن الأسود كان نزل البصرة وقص بها. وكأنه لذلك لما ترجم له الحافظ المزي وغيره، وذكروا من روى عنهم من

الصحابة؛ كان منهم الأسود هذا ولم ينفوا سماعه منه؛ فهذه العلة إذن غير قادحة. والعلة الأخرى: ضعف علي بن زيدان جُدعان؛ لكنه لم يتفرد به؛ فقال الطبراني في "معجمه " (1/ رقم 844) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: ثنا مَعمَرُ بنُ بكَّار السَّعدي: ثنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة به نحوه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير معمر بن بكار السعدي، قال العقيلي في "الضعفاء" (4/207) : "في حديثه وهم، ولايتابع على أكثره ". وذكره ابن أبي حاتم (4/ 1/259) دون تجريح أو تعديل. وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (9/196) . وقال الذهبي في "الميزان ": "شيخ لمطيّن، صويلح ". قلت: فيبدو مما تقدم من ترجمته أنه يمكن الاستشهاد به، وبخاصة إذا تذكَّرنا أن الحاكم صحح له هذا الحديث؛ فإنه رواه (3/615) من طريق الحضرمي - وهو (مطين) - عنه، وقال عقبه: "حديث صحيح". ولكن رده الذهبي بقوله: "قلت: معمر له مناكير".

3180

وهذا لا يمنع من الاستشهاد به، ومتابعة ابن جدعان له ترفع عنه النكارة، وبها يثبت الحديث بتمامه، والله أعلم. والحديث جزم شيخ الإسلام ابن تيمية في "الرد على البكري " (ص 291) بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وكنت قد أشرت إلى ضعفه في "تحريم آلات الطرب " (ص 123) ، وجزمت في "ضعيف الأدب المفرد" (55/342) أنه ضعيف بهذا التمام، وأحلت على "الضعيفة" (2922) ، ولم أكن وقفتُ- حينذاك- على متابعة الزهريِّ لابن جدعان، فسبحان من قد أحاط بكل شيء علماً، والمعصوم من عصمه الله. * 3180- (لا يُتمَ بعدَ احتلامٍ، ولا يُتمَ على جاريةٍ إذا هي حاضت) . أخرجه الطبراني في "الكبير" (4/16/3502) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: ثنا محمد بن أبي بكر المقدَّمي: ثنا سَلمُ بن قتيبة: ثنا ذيَّالُ بن عُبَيد قال: سمعت جدي حنظلة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون؛ وذيَّال بن عُبيد وثقه ابن معين، وابن حبان (4/222) ، ولا ينافيه قول ابن أبي حاتم بعد أن روى توثيق ابن معين: "سألت أبي عنه؟ فقال: تابعي. قلت: يحتج بحديثه؟ فقال: شيخ أعرابي ". فأقول: إنه يشير بذلك إلى أنه وسط ليس في الحجة كغيره من الحفاظ المشهورين، وقد روى عنه جمع من الثقات، ولهذا؛ قال فيه الحافظ في"التقريب ": "صدوق". وقال في"التلخيص الحبير" (3/ 101) :

"وإسناده لا بأس به ". وقال شيخه الهيثمي في مجمع الزوائد" (4/226) : "رواه الطبراني، ورجاله ثقات ". وعزاه الحافظ في ترجمة حنظلة من "الإصابة" للحسن بن سفيان والباوردي وابن السكن من طريق سلم بن قتيبة به. وللحديث طرق أخرى كنت خرجتها في "الإرواء" (5/79- 83) وبينت عللها، وانتهيت إلى أنه صحيح بمجموعها، وبخاصة وأن من بينها حديثاً صحيحاً موقوفاً على ابن عباس، وآخر مرفوعاً حسنه النووي في "الرياض" (1808- بتحقيقي) ، فعارضني في ذلك أحد الناشئين الأغمار في هذا المجال، فذكره في "الأحاديث الضعيفة"التي استخرجها من كتاب "الرياض"، وجعلها في آخر الكتاب من طبعته هو، استعمل فيها مِعوَل الهدم في الأحاديث الصحيحة، بغير علم ولا هدى؛ لأنه لا علم عنده بهذا الفن، ويغلب عليه التعلق بالجرح بالراوي وبأحاديثه، مهما كان الجرح سهلاً لا يعارض به التوثيق، أو أن يتابع ممن يتقوى به حديثه عند أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، بل رأيته أحياناً يتجاهل التوثيق أو ينكره لِيسلمَ له الجرح والتضعيف، وقد دلت طريقة تضعيفه على أنه لا يتبنى الحديث المعروف عند المحدثين بالحديث الصحيح لغيره، بله الحديث الحسن لغيره، الذي ينتج من تقوية الحديث الضعيف بالشواهد والطرق، والذي يكني الترمذي عنه بقوله: "حديث حسن " فقط دون قوله: "حديث حسن غريب "؛ كما نص عليه في آخر كتابه؛ الأمر الذي ذكرني بضلال أحد المدعين العلم والطاعنين في السنة والأحاديث الصحيحة بهواه أيضاً، قال- بجهل بالغ في تعليقه على "دفع شبه التشبيه " (ص 64) -: "والقول الفصل: أنه لا يجوز تصحيح الأحاديث بالشواهد ألبتة"!

ثم أعاد هذا المعنى في أواخر الكتاب، فقال (ص 222) : "ولسنا ممن يصحح بالشواهد" (¬1) ! على مثل هذا وغيره-مما يخالف القواعد العلمية التي وضعها علماء الإسلام- جرى المشار إليه، فيا ترى من السابق منهما إلى مثل هذه الجهالة؟! وهل كان ذلك من باب (تشابهت قلوبهم) ، أم أن أحدهما يلقَّن الآخر، أو كما قال تعالى: (أتواصوا به بل هم قوم طاغون) ؟! والمقصود أن المومى إليه ضعف هذا الحديث في "ضعيفته " المشار إليها آنفاً برقم (125) ، ناظراً إلى مفردات طرقه دون أن يعتمد على ما يعطيه مجموعها من قوة للحديث! فماذا يا ترى سيكون موقفه من طريق حديث الترجمة؟! إن أخشى ما أخشاه أن يبتدع له علة يتشبث بها للطعن فيه، كما فعل في بعض طرق حديث العرباض بن سارية في الموعظة؛ فإنه مع تضعيفه إياه من جميع طرقه على تلك القاعدة المشؤومة، ومع أن أكثرها صحيحة؛ فإني لما قدَّمت إليه طريقاً أخرى من "مسند الشاميين"لم يكن وقف عليها؛ اعترف بصحتها بحضورنا، ثم نكص على عقبيه، كما تراه مبيناً في الاستدراك رقم (13) المطبوع في آخر المجلد الثاني من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" الطبعة الجديدة! والله المستعان. ¬

(¬1) لقد تراجع الرجل عن ضلالته هذه في فهرس الخطأ والصواب، ولعل ذلك بتنبيه أحدهم إياه، وإلا فالرجل- عملياً- كالناقد (!) المشار إليه، لا يعبأ بالطرق المقوية للأحاديث، وهذا هو المثال أمامك، وأما ذاك الضال؛ فقد أبطل حديث: "أين الله؟ "مع كثرة طرقه، وأحدها في مسلم، كما تقدم بيانه قريباً برقم (3161) . *

3181

أحاديث في تحريك الإصبع في التشهد، والردُّ على من أنكره 3181- (كان يشير بإصبعه السَّبَّاحةِ في الصلاة) . أخرجه أحمد (3/407) ، والبخاري في "التاريخ " (2/ 1/296) من طريق سفيان عن منصور عن أبي سعيد الخُزاعي عن عبد الرحمن بن أبزى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي سعيد هذا. وقال جرير: عن منصور عن راشد أبي سعد؛ أخرجه أحمد أيضاً، وفي ترجمته أورده البخاري، ولم يذكر فيه جرحاً. وأورده ابن حبان في "الثقات "، وسمى أباه سعداً، فقال (6/303) : "راشد بن سعد أبو سعد، يروي عن عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ، روى عنه منصور والأعمش ". وقال المعلق عليه: "لم يسم أباه البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا صاحب "التهذيب ".. "! قلت: هو ليس في "التهذيب " مطلقاً؛ فتنبه. وللحديث شواهد تؤكد صحته من حديث جمع من الصحابة: أولاً: أبو حميد الساعدي في وصفه لتشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قال فيه: "ثم يشير في الدعاء بإصبع واحدة". أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (3/ 170- 171- الإحسان) ، والطحاوي

في"شرح معاني الآثار" (1/153) ، والسَّرَّاج في"مسنده" (ق 5 2/ 1) ، والبيهقي (2/101- 102) بسند فيه جهالة، بينته فى "ضعيف أبى داود" (118) ، وعدَّه ابن حبان محفوظاً. ثانياً: خُفافُ بن إيماءٍ قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جلس في آخر صلاته " يشير بإصبعه السبابة، وكان المشركون يقولون: يسحر بها؛ وكذبوا، ولكنه التوحيد". أخرجه أحمد (4/57) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4/257/4176) - والسياق له-، والبيهقي (2/133) بسند رجاله ثقات؛ لكن أدخل بعضهم بين تابعي الحديث وخفاف رجلاً لم يسم. ثالثاً: وائل بن حُجر في حديث وصفه لتشهده - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها". أخرجه أصحاب بعض "السنن " وغيرهم، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود، وابن الملقن، والنووي، وابن القيم، وا بن حجر العسقلاني، وهو مخرج في "الإرواء" (2/68- 69) ، و"صحيح أبي داود" (717) ، وهو شاهد قوي لحديث الترجمة؛ فإن قوله فيه: "يشير"بمعنى قول وائل: "يحركها"، كما يأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى. وقد شذ بعض المتأخرين عن هؤلاء الأئمة المصحِّحين للحديث- وغيرهم ممن تلقى الحديث بالقبول وعمل به أو تأوله، كما بينت ذلك في "تمام المنة" (ص 218) - " فضعفوه بدعوى تفرد زائدة بن قدامة عن عاصم بن كليب.. بقوله: "يحركها"دون سائر أصحاب عاصم، وقد رددت على هؤلاء المتأخرين في

المصدر المذكور بما خلاصته أن الإشارة لا تنافي التحريك، كل ما في الأمر أنها ليست نصاً في التحريك، ولا هي تنافيه، مع مخالفتهم لأولئك الأئمة كما حققته هناك؛ فليرجع إليه من شاء التوسع. ولكنني أريد الآن أن أؤكد صحة حديث زائدة بمتابعات مِن غيرِهِ له، تبين للقراء وهم أولئك المتأخرين في تضعيفهم لحديثه ومخالفتهم للأئمة، وذلك؛ بمناسبة أنني وقفت أخيراً على رسالة لأحد الطلبة المتعلقين بهذا العلم سماها: "المنهج الصحيح في الحكم على الحديث النبوي الشريف " بقلم عادل مرشد، ويذكر فيها أنه من تلامذة الشيخ شعيب الأرناؤوط، ويبدو لي منها أنها إن لم تكن من تأليفه، فهي على الغالب من تلقينه إياه، ويهمُّني منها الآن أنه ذكر حديث زائدة هذا مثالاً من أربعة أمثلة للحديث الشاذ بزعمه، وهو في ذلك مقلد لمن سبقت الإشارة إليهم من المتأخرين، ولم يأت هو بشيء جديد إلا الكشف عن جهله، وأنه ليس أهلاً للخوض في مثل هذا الموضوع الخطير! فعياذاً بالله تعالى من العجب والغرور وحب الظهور؛ فإنه يقصم الظهور! وهاك البيان: لقد سمى الرجل أحد عشر راوياً من أصحاب عاصم بن كُلَيب عارض بهم رواية زائدة (¬1) ، مشيراً إلى مصادرها من كتب السنة مرقماً إياهم بأرقام متسلسلة، وأنت إذا رجعت إلى تلك المصادر؛ وجدت أنه موَّه على القراء بما لا طائل تحته ببعض من سمى مثل: "7- عبد الله بن إدريس عند ابن ماجه (912) و: "9- أبو عوانة عند الطبراني 22/ 90"؛ فإن هذين لا يجوز حشرهم مخالفين لرواية زائدة؛ لأنهما لم يذكرا الإشارة مطلقاً، وذلك يدل أنهم اختصروا الحديث، خلافاً للذين ¬

(¬1) وهو في ذلك مقلد لمؤلف رسالة "البشارة في شذوذ تحريك الأصبع في التشهد" التي كنت رددت عليها في "تمام المنة".

أثبتوها، وهم التسعة الباقون، فكما لا يجوز معارضتهم بروايتهما، فكذلك لا يجوز معارضة رواية زائدة بهما! وذلك؛ لأن معه- كالتسعة- زيادة علم، وزيادة الثقة مقبولة كما هو ظاهر معروف عند أهل العلم. إذا تبين هذا؛ فلننظر في روايات التسعة الباقين وألفاظهم، فإننا سنجد فيهم من وافق زائدة على روايته التحريك من حيث المعنى، وإن اختلفت ألفاظهم، ولست أدري إذا كان عدم سرده إياها كان عن عمد أو جهل، وأحلاهما مر! فأقدَّم أسماءهم مع التخريج حسبما جاء في رسالته، معقّباً لها بألفاظهم المشار إليها: الأ ول: " 4- أبو الأ حوص سلاَّم بن سُليمٍ عند الطيالسي (1020) ، والطبراني (22/80) ". فأقول: لفظه عند المذكورين: "وجعل يدعو"، زاد الطيالسي: "هكذا يعني: بالسبابة، يشير بها". الثاني: "8- زهير بن معاوية عند أحمد (4/318) ، والطبراني (22/84) ". قلت: ولفظهما: "ثم رأيته يقول هكذا، ورفع زهير بإصبعه المسبَّحة". الثالث: " 11- بشر بن المُفضَّل عند النسائي (3/ 35- 36) ". قلت: ولفظه: ورأيته يقول هكذا؛ وأشار بشر بالسبابة من اليمنى وحلَّق الإبهام والوسطى". ورواية بشر هذه: أخرجها ابن خزيمة أيضاً في "صحيحه " (1/353/713) مقرونة برواية عبد الله بن إدريس بلفظ: "ثم حلَّق، وجعل يشير بالسباحة يدعو".

قلت: فهذه الألفاظ من هؤلاء الثقات الأربعة تؤيد رواية زائدة، وتؤكد صحتها وبطلان إعلال هؤلاء المتأخرين لها بالشذوذ، وذلك؛ لأن قول زهير وبشر: "يقول هكذا": هو بمعنى رواية أبي الأحو ص وابن إدريس: "يشير"؛ لأنه فعل مضارع يفيد التكرار عند العارفين باللغة العربية وآدابها، كما هو الشأن في قول زائدة: "يحرِّكها"، ولذلك؛ أنكرها المتأخرون المشار إليهم آنفاً، فكذلك قول هؤلاء الثقات: "يشير"؛هو فعل مضارع يفيد تكرر الإشارة ولا فرق، فهو بمعنى"يحرك "، وهذا ظاهر جداً، فلا أدري كيف خفي ذلك على المنكرين للتحريك؟! وإن مما يؤكد ما ذكرت: زيادة أبي الأحو ص، وكذا بشر عند ابن خزيمة: "وجعل.. يشير بها"؛فإنه أصرح في الدلالة على الإشارة والتحريك، وهذا ظاهر أيضاً. والخلاصة: أن حديث وائل من رواية زائدة في التحريك صحيح، وله متابعون ثقات في معناه، وأن الذين أعلوه بالشذوذ تغافلوا عن روايات الثقات الموافقة له، وعن إفادة الفعل المضارع الاستمرار، كما تجاهلوا تصحيح الأئمة المتقدمين له، واستعلوا عليهم! وادعوا علم ما لم يعلموا! ومن الغريب حقاً: أن تلميذ الشيخ شعيب المومى إليه- والذي يتبجّح بالتتلمذ عليه والعمل تحت إشرافه وتوجيهه- قد خالف في هذا الحديث شيخه أيضاً! فإن هذا قد قال في تعليقه على حديث زائدة هذا في "صحيح ابن حبان " (5/171) : "إسناده قوي "! ولم يعله بالشذوذ، وهو الحق! فلا أدري أتراجع الشيخ عن هذه التقوية إلى رأي التلميذ وجهله، أم أصابه منه ما أصابه من تلميذه الآخر (حسان عبد المنان) من المخالفة في عشرات الأحاديث التي ضعفها من "رياض الصالحين "، وذكر في أعقابها أن الشيخ وافقه عليها، مع أن بعضها قد صححها أيضاً في بعض تعليقاته؟! ذلك مما ستكشفه الأيام.

وانظر بعض الأحاديث الصحيحة التي ضعفها (حسان) هذا بجهل بالغ في الاستدراك رقم (6و11و13) في آخر المجلد الثاني من "سلسلة الأحاديث الصحيحة" الطبعة الجديدة، والاستدراك (14) ، فتحته حديث آخر صحيح ضعفه المسمى ب (عادل) بجهل بالغ يدل على أنه لا فقه عنده. (تنبيه) : ثم وقفت على حديث خُفاف بن إيماء في "مسند أبي يعلى" (2/207- 208) من طريق يزيد بن عياض عن عمران بن أبي أنس عن أبي القاسم مقسم مولى بني ربيعة عن الحارث قال: صليت في مسجد بني غفار، فلما جلست؛ جعلت أدعو وأشير بإصبع واحدة، فدخل عليَّ خفاف بن إيماء الغفاري وأنا كذلك، فقال: ... فذكر الحديث. فقال المعلق عليه- بعد أن ضعفه بيزيد بن عياض، وخرجه من رواية أحمد والبيهقي-: "وهو إسناد ظاهره أنه منقطع، غير أن الرواية التي عندنا هنا لعلها تُعِينُ في تعيين الرجل المجهول وأنه ابن خُفاف، فإذا كان الأمر كذلك يكون الإسناد صحيحاً"! كذا قال! وهو عجيب غريب لأمور: أولاً: ليس في الإسناد التصريح بأن الحارث هو ابن خفاف، بل الظاهر أنه غيره؛ إذ لو كان كذلك لقال: "دخل علي أبي خُفافٌ" أو نحوه، ولم يكن مقبولاً منه قوله: "صليت في مسجد بني غفار" وهو غفاري! ثانياً: لو كان فيه التصريح بأنه ابن خفاف؛ لم يكن الإسناد صحيحاً، كيف وفيه يزيد بن عياض وقد ضعفه؟!

3182

ثالثاً: إن اقتصاره على تضعيف يزيد فيه تساهل واضح؛ فإن الرجل أسوأ حالاً؛ فقد تركه النسائي وغيره، وقال الحافظ في "التقريب ": "كذبه مالك وغيره ". * 3182- (كان إذا حزبَه أمرٌ، قال: يا حيُ! يا قيُّومُ! برحمتِكَ أستغيثُ) . أخرجه الترمذي (9/185/3524) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة " (109/332) - واللفظ له- من طريق يزيد الرّقاشي عن أنس بن مالك قال: ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث غريب ". قلت: وعلته يزيد هذا- وهو ابن أبان-، وهو ضعيف كما في "الكاشف " و"التقريب "، مع صلاحه وعبادته. لكن له شاهد من حديث عبد الله بن مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل به هم أو غم قال: ... فذكره. أخرجه الحاكم في "المستدرك " (1/509) ، ومن طريقه البيهقي في "الدعوات الكبير" (127/ 170) ، من طريق النضر بن إسماعيل البجلي: ثنا عبد الرحمن بن إسحاق: ثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ورده الذهبي بقوله: "قلت: عبد الرحمن لم يسمع من أبيه، وعبد الرحمن ومن بعده ليسوا بحجة".

وتعقبه المعلق عليه بقوله: "أقول: ذكره في "التقريب "، فقال: ثقة من صغار الثانية (التابعين) ، مات سنة تسع وسبعين، وقد سمع من أبيه، ولكن شيئاً يسيراً. وقال في ترجمة ابنه القاسم: ثقة عابد من الرابعة. فكيف يصح إطلاق الذهبي عدم حُجِّيّتِهم؟ الحسن النعماني ". قلت: يرد عليه أمران: الأول: أنه لا يصح الاعتراض بقول الحافظ ابن حجر على الذهبي، لجواز أن يكون الراجح عنده عدم سماع عبد الرحمن من أبيه؛ فإن الحفاظ مختلفون فيه، وإن كان الراجح ما ذكره الحافظ. والآخر: أن النعماني لم يفهم كلام الذهبي؛ فإن قوله: "وعبد الرحمن ومن بعده ليسوا بحجة" لا يعني عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، وإنما عبد الرحمن ابن إسحاق- وهو أبو شيبة الواسطي-؛ فقد قال فيه في "الكاشف " وغيره: "ضعفوه ". والراوي عنه: النضر بن إسماعيل البجلي قال فيه في "الكاشف ": "ليس بالقوي ". وكذا قال الحافظ في "التقريب ". وانظر تعليق الأخ بدر على "الدعوات ". ويشهد للحديث ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة رضي الله عنها أن تقول إذا أصبحت وإذا أمست: "يا حي! يا قيوم! برحمتك أستغيث، وأصلح لي شأني كله، ولا تكلني

3183

إلى نفسي طرفة عين أبداً". رواه النسائي وغيره بسند حسن، وصححه المنذري، وقد مضى تخريجه برقم (227) . (تنبيه) : أورد شيخ الإسلام ابن تيمية حديث الترجمة في "الكلم الطيب " (رقم 118) بلفظ ابن السني معزوّاً للترمذي، وإنما هو عنده بلفظ: "كربة"، وتبعه على ذلك تلميذه ابن القيم في "الوابل الصيب " (235) ! وسكت عليه- وعن الكشف عن علته-: الشيخ الأنصاري كما هي عادته! وكذلك فعل الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في طبعته ل "أذكار النووي " (ص102) ، لكن الحديث فيه بلفظ الترمذي معزواً إليه؛ إلا أنه قال عقبه: "قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد"! ولم أره في "مستدركه "، وأظنه التبس عليه بحديث فاطمة المذكور آنفاً؛ فإنه من حديث أنس أيضاً، لكنه من طريق آخر عنه. ثم رأيت ابن علان قد نقل في "شرح الأذكار" (4/5) عن الحافظ ما يدل على وهم النووي، فراجعه إن شئت. * 3183- (إذا سمعتُم صياحَ الدِّيكة [بالليلِ] ؛فاسألوا الله من فضلهِ، [وارغبُوا إِليه] ؛ فإنّها رأت ملَكاً، وإذا سمعتُم نهيقَ الحمارِ [بالليلِ] ؛ فتعوَّذُوا باللهِ من الشيطانِ؛ فإنهُ رأى شيطاناً) . أخرجه البخاري (3303) ومسلم (8/85) وأبو داود (5105) والترمذي (3455) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/427/11391) و"عمل اليوم والليلة " (رقم 944) ، وابن أبي شيبة (10/420/9854) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد:

ثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". قلت: وتابع قتيبة: سعيدُ بن أبي مريم عند البغوي في "شرح السنة" (5/126/ 1334) ، وقال: "حديث متفق على صحته، أخرجاه جميعاً عن قتيبة عن الليث ". وتابعه آخرون من الثقات، وزادوا عليه تلك الفوائد الهامة التي تراها بين المعكوفات، وهاك البيان: الأول: شعيب بن حرب المدائني، وهو ثقة احتج به البخاري، قال أحمد (2/364) : حدثنا شعيب بن حرب أبو صالح- بمكة- قال: ثنا ليث بن سعد به؛ وزاد الزيادة الأولى والثالثة. الثاني: هاشم بن القاسم أبو النضر البغدادي، وهو ثقة ثبت احتج به الشيخان، قال أحمد أيضاً (2/306) : ثنا هاشم: ثنا ليث به، وعنده الزيادة الأولى. الثالث: عبد الله بن صالح أبو صالح كاتب الليث، وهو مستقيم الحديث فيما روى عنه البخاري وأمثاله من الحفاظ، وروى عنه في "الصحيح "، قال في "الأدب المفرد" (رقم 1236) : حدثنا عبد الله بن صالح: حدثني الليث به، وزاد الزيادة الأولى. قلت: فاتفاق هؤلاء الثقات الثلاثة على الزيادة الأولى مما يلقي الطمأنينة في النفس على صحتها، حتى ولو فرض تفرد هاشم بها؛ لأنه ثقة ثبت كما تقدم،

بناءً على قاعدة: "زيادة الثقة مقبولة"، فكيف ومعه من ذكرنا؟! فكيف ولها شاهد من حديث جابر كما يأتي بعده؟! وأما الزيادة الثالثة؛ فهي وإن كان تفرد بها شعيب بن حرب دون الآخرين؛ فهي زيادة لفظية؛ لأن السياق مع الزيادة المتفق عليها يؤيد معناها، فتأمل. وأما الزيادة الثانية؛ فقد تفرد بها ثقة آخر، وهو سعيد بن أبي أيوب، وهو ثقة ثبت أيضاً احتج به الشيخان، فقال الإمام أحمد (2/ 321) : ثنا أبو عبد الرحمن: ثنا سعيد: حدثني جعفر بن ربيعة به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وأبو عبد الرحمن هو عبد الله ابن يزيد المكي المقرئ، وهو ثقة فاضل من كبار شيوخ البخاري. ومن طريقه: أخرجه ابن حبان (2/175/ 1001) وأبو يعلى (11/148) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (306) . وقد أخرجه النسائي في "عمله " (943) من طريق أخرى عن سعيد؛ مقروناً بالليث بالزيادة الأولى، فقال: أخبرنا وهب بن بيان قال: حدثنا الليث ابن سعد وسعيد بن أبي أيوب عن جعفر بن ربيعة به مثل حديث الترجمة، وفيه الزيادة الأولى. وهذه متابعة قوية للثقات الثلاثة المتقدمين في هذه الزيادة، وكان الأولى أن تذكر عقبهم مباشرة، ولكن هكذا قُدِّرَ. وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير وهب بن بيان، وهو ثقة.

3184

(تنبيه) : قد تبين لك من تخريج الحديث أن زيادة: "الليل " فيه من أفراد "الأ دب المفرد " وغيره دون "الصحيحين "، ولذلك؛ فعزو محمد فؤاد عبد الباقي إياه في تعليقه على "الأدب " ل"الصحيحين " من أوهامه الكثيرة التي تدل على أنه لا علم عنده بفن التخريج، وقد وهم الجيلاني شارح "الأدب " (2/637) فعزاه ل "الخمسة "، ويعني: الستة دون ابن ماجه، وهذا أغرق في الوهم من ذاك؛ لأن الزيادة ليست عندهم جميعاً كما تقدم. ونحوه ما فعله المعلق على ".. صحيح ابن حبان " (3/286) ؛ فإنه خرَّج الحديث معزوّاً لأكثر المصادر المتقدمة مشيراً إلى مواضعها بالأرقام، ومنها الخمسة، موهماً أن زيادة ابن حبان: "وارغبوا إليه " عندهم أيضاً! وليس كذلك؛ كما سبق. ولذلك؛ قررت أن أستدرك الحديث لهذه الزيادة، فَأُورِدها في "صحيح موارد الظمآن "، حيث إن الهيثمي لم يورده في "الموارد"؛لأن أصله في "الصحيحين "؛ والله أعلم. * 3184- (إذا سمعتُم نُباحَ الكلبِ بالليل أو نُهاقَ الحميرِ؛ فتعوّذوا باللهِ؛ فإنَّهم يرون ما لا ترون. وأقلّوا الخروج إذا هدَأتِ الرِّجلُ؛ فإنّ الله يبُثُّ في ليلهِ من خلقِه ما يشاء. وأجيفُوا الأبوابَ، واذكرُوا اسم الله عليها؛ فإن الشيطان لا يفتحُ باباً أُجيفَ وذُكرَ اسمُ اللهِ عليه. وغطُّوا الجرار، وأكفِئُوا الآنية، وأؤكُوا القِربَ) . أخرجه أبو يعلى في"مسنده " (4/ 210- 211) ، ومن طريقه: ابن حبان (5493) : حدثنا عبيد الله بن عمر: حدثنا يزيد بن زُريع: حدثنا محمد بن

إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن عطاء بن يسار عن جابر ابن عبد الله قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن إسحاق وهو صاحب "السيرة"، وهو مدلس، ولكنه قد صرح في رواية يزيد بن زريع عنه بالتحديث، ويزيد ثقة ثبت، وهذه فائدة لم أكن وقفت عليها يوم خرجت فقرة الخروج في المجلد الرابع من هذه السلسلة (1518) ، فقد خرجته هناك من رواية جمع منهم الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. ومن الغريب أن المعلق على "مسند أبي يعلى"- الذي صحح هذا الإسناد- لم يكن تنبه لتحديث ابن إسحاق في موضع آخر رواه أبو يعلى برقم (2221) عنه بالعنعنة، فأعله المومى إليه بالعنعنة! فكان عليه أن يشير إلى روايته الأخرى الآتية في "المسند" مصرحاً بالتحديث، ولكن جلَّ من لا ينسى. والشطر الثاني من الحديث له طرق أخرى عن جابر، بعضها في"الصحيحين "، خرجتها في "الإرواء" (1/ 80- 81) ؛فليراجعها من شاء. وللجملة الأولى منه شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "إذا سمعتم نهيق الحمار، ونُباح الكلب، وصوت ديك بالليل؛ فتعوذوا بالله من شر الشيطان؛ فإنهم يرون ما لا ترون ". أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (11/187/6296) ، وعنه ابن السني (307) من طريق يحيى بن أبي سليمان عن سعد بن إبراهيم عن الأعرج عنه. قلت: ورجاله ثقات؛ غير يحيى هذا؛ وهو ضعيف، بل قال البخاري: "منكر الحديث ".

3185

والنكارة في حديثه هذا ظاهرة؛ حيث جعل صوت الديك بالليل مما يستعاذ منه! فلعله سقط عنه جملة سؤال الله من فضله. والله أعلم. * 3185- (لا تقومُ السّاعةُ؛ حتّى يقتل الرجلُ جارَه وأخاه وأباه) . أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 118) : حدثنا مَخلدُ بن مالك قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء قال: حدثنا بُريد بن عبد الله عن أبي بُردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وذكره الديلمي في "مسند الفردوس " (3/168- الغرائب) عن الحاكم معلقاً عليه بإسناده عن مخلد بن مالك به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الرحمن بن مغراء، وهو مختلف فيه، قال الذهبي في "الكاشف": "وثقه أبو زرعة وغيره، ولينه ابن عدي ". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق تُكُلِّم في حديثه عن الأعمش ". قلت: وهذا عن غيره كما ترى، فهو جيد كما ذكرنا. (تنبيه) : ليس عند الديلمي قوله: "جاره وأباه "، وكذلك ذكره السيوطي في "الجامع الكبير"برواية الحاكم في "تاريخه "! ففاته هذا المصدر العالي الموثوق به، وبتحري مؤلفه الإمام البخاري، وهذا النص الأتم! وكذلك فات ذلك المعلق على " الفردوس " (5/ 81/ 7520) . *

3186

3186- (من صلّى صلاةً لم يُتِمَّها؛ زِيدَ عليها مِن سُبُحاتِه حتّى تتِمَّ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/22- 23) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: ثنا الهيثم بن خارجة: ثنا محمد بن حِميرٍعن عمرو بن قيس السَّكوني قال: سمعت عائذ بن قُرطٍ يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال البخاري- على كلام يسير في محمد بن حمير-؛ غير عبد الله بن أحمد، وهو ثقة حافظ. والحديث عزاه الحافظ في ترجمة عائذ بن قرط من "الإصابة" للبغوي أيضاً، وابن أبي خيثمة، وابن شاهين من طريق قيس بن مسلم السكوني عن عائذ بن قرط به، وقال: "وإسناده حسن ". كذا وقع فيه: "قيس بن مسلم " مقلوباً محرفاً! ولعله من الطابع إن لم يكن سبق قلم من المؤلف. وقال الهيثمي في "المجمع " (1/ 291) : "رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات. وعن عبد الله بن قرط قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (قلت: فذكر الحديث وقال:) رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله ثقات ". فأقول: لم يطبع بعدُ مسند عبد الله بن قرط من "كبير الطبراني " لننظر في إسناده، وأظنه هو الذي في كتاب الطبراني الآخر: "مسند الشاميين "؛ فقد قال فيه (2/493- المصورة) : حدثنا أحمد بن المُعَلَّى الدمشقي: ثنا هشام بن عمار:

ثنامحمد بن حمير: ثنا عمرو بن قيس الكندي عن عبد الله بن قرط به. قلت: والقول في هذا الإسناد نحو القول في الذي قبله؛ ذلك أن رجاله رجال البخاري أيضاً؛ غير أحمد بن المعلى الدمشقي ثقة مترجم في "التهذيب " كعبد الله بن أحمد؛ وإنما قلت: "نحو ... "؛ لأن هشام بن عمار مع كونه من رجال بل من شيوخ البخاري في "الصحيح "؛ ففيه كلام كثير، يقرِّبه لك قول الذهبي في "المغني ": "ثقة مكثر، له ما ينكر، قال أبو حاتم: صدوق قد تغير، وكان كلما لُقِّنَ تلقن. وقال أبو داود: حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق، مقرئ، كبِر فصار يتلقن، فحديثه القديم أصح ". فأقول: من أجل هذا التلقن، فإني لا أستطيع الحكم على إسناده بالصحة، وبخاصة وقد خالف الهيثم بن خارجة الثقة في قوله في اسم صحابي الحديث: "عبد الله بن قرط "، والهيثم قال: "عائذ بن قرط "، وهو الصواب. ولعل ابن عبد البر- حافظ الأندلس- لم يقف إلا على طريق هشام هذا؛ فإنه ذكره في "التمهيد" (24/81) من طريق محمد بن حمير عن عمرو بن قيس السكوني عن عبد الله بن قرط به، وقال: "هو عندي حديث منكر، ولا يحفظ إلا من هذا الوجه، وليس بالقوي ". قلت: ولا وجه لهذا الإنكار عندي؛ إلا إن كان وقع لديه من طريق هشام، وإلا؛ فالطريق الأولى سالمة منه، إلا إن كان يعتد بما قيل في محمد بن حمير من

3187

الكلام اليسير، فإن كان كذلك فلا وجه له كما تقدم؛ فإنه لا ينزل به عن مرتبة الاحتجاج به ولو بمرتبة الحسن كما تقدم عن الحافظ؛ وبخاصة أن للحديث شواهد من حديث أبي هريرة وتميم الداري وغيرهما، وهي مخرجة في "صحيح أبي داود" (810- 812) . ثم بدا لي شيء في الإنكار المذكور، وهو أن ابن عبد البر ساق الحديث بلفظ: "من صلى صلاة لم يكمل فيها ركوعه وسجوده وخشوعه؛ زيد فيها من سبحاته حتى تتم "، فزيادة الركوع والسجود والخشوع فيه لم ترد في الشواهد المشار إليها آنفاً، فلعله لذلك أنكرها. والله أعلم. على أنه قال عقب إنكاره المذكور: "وإن صح كان معناه أنه خرج من صلاته- وقد أتمها عند نفسه، وليست في الحكم تامة- والله أعلم، على أنه قد كان يلزمه أن يتعلم، فإن عُذِّبَ عذب على ترك التعلم، وإن عفي عنه، فالله أهل العفو وأهل المغفرة". وقد ذكر ابن عبد البر قبل ذلك فائدة فقهية عزيزة، لم أستجز إلا نقلها إلى القراء لتمام الفائدة، قال رحمه الله: "أما إكمال الفريضة من التطوع؛ فإنما يكون ذلك- والله أعلم- فيمن سها عن فريضة فلم يأت بها، أو لم يحسن ركوعها ولم يدر قدر ذلك، وأما من تعمد تركها، أو نسي، ثم ذكرها، فلم يأت بها عامداً، واشتغل بالتطوع عن أداء فرضه، وهو ذاكر له؛ فلا تكمل له فريضته تلك من تطوعه. والله أعلم ". * 3187- (إني عُوتبتُ الليلة في الخيلِ) . أخرجه مالك في "الموطأ" (2/23) عن يحيى بن سعيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

رؤي وهو يمسح وجه فرسه بردائه، فسئل عن ذلك؟ فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد مرسل، بل معضل؛ فإن يحيى بن سعيد- وهو الأنصاري البخاري القاضي- لم يسمع من صحابي غير أنس؛ كما قال ابن المديني. ولهذا قال ابن عبد البر في "التمهيد" (24/100) : "هكذا الحديث في "الموطأ" عند جماعة رواته؛ فيما علمت، وقد روي عن مالك مسنداً عن يحيى بن سعيد عن أنس؛ ولا يصح ". ثم ساقه من طريق النَّضرِ بنِ سلمَة: حدثنا عبد الله بن عمرو الفِهري: حدثنا مالك: سمعته يقول: سمعت يحيى بن سعيد يحدث عن أنس مرفوعاً به. قلت: سكت عنه ابن عبد البر لظهور ضعفه؛ الفهري هذا لم أعرفه. والنضر بن سلمة: هو المروزي، كان مقيماً بمدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقيل: بمكة. قال أبو حاتم: "كان يفتعل الحديث ". واتهمه غير واحد بالكذب، فهو آفة هذا المسند. وذكره الحافظ في "المطالب العالية " (2/158/1929) من رواية مُسدَّدِ عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن رجل قال: ... فذكره، وقال الشيخ الأعظمي تعليقاً عليه: "قال البوصيري: رواته ثقات "! قلت: كيف هذا والرجل لم يُسمَّ؟! ولعله توهم أنه صحابي؛ وليس كذلك؛ فقد رواه سعيد بن منصور في "سننه " (3438) عن ابن عيينة، والدمياطىُّ في

"فضل الخيل " (ص 37) من طريق عبََّاد- وهو ابن العوََّام- كلاهما عن يحيى بن سعيد عن مسلم بن يسار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. قلت: فالرجل الذي لم يُسَمَّ عند مسدد: هو مسلم بن يسار هذا، والظاهر أنَّه البصري الأموي المكي الفقيه، وهو تابعي ثقة، فهو مرسل. وروي مرسلاً من وجه آخر؛ فقال الطيالسي في "مسنده " (1059) : حدثنا جرير بن حازم قال: حدثنا الزُّبيرُ بن الخِرّيتِ الأزدي: حدثني نُعيمُ ابن أبي هند الأشجعي قال: رؤي النبي- صلى الله عليه وسلم - يمسح خدَّ فرس، فقيل له في ذلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "إن جبريل عاتبني في الفرس ". ومن طريق الطيالسي: أخرجه ابن عبد البر (24/ 101) ، وأبو داود في "المراسيل " (228/ 291) من طريق موسى بن إسماعيل: حدثنا جرير به. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل، ولكنه من مراسيل الكوفيين، فإن نُعَيماً هذا كوفي، فلعله يعطي قوة للذي قبله؛ لاختلاف بلديهما وشيوخهما، ولا سيما أنه قد جاء مسنداً؛ فقال أبو بشر يونس بن حبيب- وهو راوي "مسند الطيالسي " - قال عقب الحديث: أنبأ أحمد بن الفرات عن مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن زيد عن الزبير بن خريت عن نعيم بن أبي هند عن عروة- يعني: عروة البارقي-، وفي"مسنده"ساقه، ولذلك؛ وهم الحافظ ابن حجر حين عزاه للطيالسي في "المطالب "! وقد قال في ترجمة سعيد بن زيد من "التقريب ": "صدوق له أوهام ".

قلت: فيخشى أن يكون إسناده لهذا الحديث من أوهامه، وبخاصة أن محمد ابن أبي نُعَيم قال: ثنا سعيد بن زيد عن الزبير بن الخريت عن نعيم بن أبي هند عن عروة بن أبي الجعد قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتل ناصية فرسه بين إصبعيه وقال: "الخيل بنواصيها الخير إلى يوم القيامة". فلم يذكر حديث الترجمة. هكذا أخرجه بحشل في "تاريخ واسط " (ص 48) بالسند الصحيح عنه؛ لكن محمد بن أبي نعيم فيه كلام، فلا يعارض بروايته رواية مسلم بن إبراهيم - وهو الفراهيدي الثقة- المتقدمة، وفيها حديث الترجمة. نعم؛ قد صح حديث محمد بن أبي نعيم من طريق أخرى عن جرير بن عبد الله قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلوي ناصية فرس بإصبعه ويقول: "الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة: الأجر والغنيمة". أخرجه مسلم (6/ 31- 32) وأبو عوانة (5/ 1 1) والنسائي (2/ 0 2 1) وفي "الكبرى" (3/38/4414) وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/ 481) ومن طريقه البيهقي في " السنن " (6/ 326) وأحمد (4/ 361) والطبراني في " الكبير" (2/385/2409) وابن عبد البر في "التمهيد" (24/103) كلهم من طريق يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن جرير بن عبد الله به.

وأخرج الطرف الأول منه: الحارثُ بن أبي أسامة في"مسنده " (ق 80/1- 2) بلفظ: "رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح وجه فرسٍ بكمِّه ". كذا قال: "بكمه "! وهو شاذ مخالف لرواية الحفاظ المذكورين آنفاً، ولعله لذلك أورده الحافظ في "المطالب" (1931) ؛لكن وقع فيه: "عن أبيه"مكان قوله: "عن جرير"، وهو شاذ أيضاً، أو مجاز، وخفي ذلك على المعلق الأعظمي، فزاد - بعد قوله: "عن أبيه "-: " [عن جده] "، وعلق عليها بقوله: "الإضافة مني؛ لأن الحديث في "الإتحاف ": عن جرير بن عبد الله "! فأقول: نعم، الحديث عن جرير، ولكنك بهذه الزيادة جعلت الحديث من رواية أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبيه (وهو عمرو بن جرير) عن جده جرير، ولا أصل لرواية أبي زرعة عن أبيه عمرو في هذا الحديث ولا في غيره! فهكذا فليكن "تحقيق الأستاذ المحقق حبيب الرحمن الأعظمي "! فلنسق الآن إسناد الحارث بن أبي أسامة لتتأكد من بطلان تلك الزيادة، قال: حدثنا العباس بن الفضل: ثنا عبد الوارث بن سعيد: ثنا يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن أبيه جرير قال ... قلت: فأنت ترى أن "جرير" بدل من "أبيه "، فليس للأب الحقيقي عمرو بن سعيد ذكر في هذا الإسناد، فقوله: "أبيه " في هذا الإسناد إما مجاز كما تقدم، وهو ظاهر من جعله"جرير"بدلاً منه، وإما خطأ من الراوي؛ وهو شيخ الحارث: العباس بن الفضل؛ وهو الأنصاري الواقفي؛ فإنه متفق على تضعيفه، بل قال الذهبي في "الكاشف ": " واهٍ ".

وقال الحافظ في"التقريب ": "متروك، واتهمه أبو زرعة ". ويمكن أن يكون الخطأ من الأصل، أعني: "مسند الحارث "أو من "زوائده" للهيثمي، ومنه نقلت، ويرجّح الأول إيرادُ الحافظ إياه في "المطالب " كما تقدم، لقوله: "عن أبيه "، إشارة منه إلى أنه خطأ؛ لكن يعكِّر عليه أمران: أحدهما: أن الحافظ لم يقل عقبه "جرير" كما هو في "الزوائد" كما تقدم. والآخر: أن أبا عوانة قد رواه بعدة روايات عن يونس بن عبيد، منها قوله: "حدثنا الحارث بن أبي أسامة.. " فساق إسناده إلى يونس دون سائره؛ غير أنه قال: "حديث الفريابي عن الثوري ". قلت: وحديث الثوري كحديث الآخرين عن يونس، ليس فيه ذكر الأب، فلا أدري أكذلك هو عند الحارث في رواية أبي عوانة عنه، أو أن هذا غضَّ النظر عن ذاك الخطأ لظهوره؟! ويؤيد الخطأ: أنه وقع عند ابن عبد البر من طريق عبد الوارث- شيخ العباس ابن الفضل- على الصواب. والله سبحانه وتعالى أعلم. هذا؛ وحديث جرير المرفوع من قوله - صلى الله عليه وسلم - دون: "الأجر والغنيمة "؛- قد جاء في"الصحيحين"وغيرهما من حديث جمع آخر من الصحابة؛ منهم عروة البارقي وابن عمر وغيرهم. *

3188

3188- (إنَّكم تَلقَونَ بَعدي فِتنةً واختلافاً- أو قال: اختلافاً وفتنةً-، فقال له قائلٌ من الناس: فمن لنا يا رسولَ اللهِ؟! قال: عليكم بالأمينِ وأصحابهِ، وهو يشيرُ إلى عثمان بذلك) . أخرجه الحاكم (3/99 و 4/433- 434) ، وأحمد (2/345) من طريق وُهَيب ابن خالد: ثنا موسى بن عقبة قال: حدثني جدي أبو أمي (وفي رواية للحاكم: ثنا موسى ومحمد وإبراهيم بنو عقبة قالوا: ثنا أبو أمنا) أبو حبيبة: أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام فأذن له، فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقالت الحاكم في الموضعين: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال الصحيح؛ غير أبي حبيبة هذا، وقد ذكره ابن حبان في كنى "ثقات التابعين " (5/591) ، وقال العجلي في "ثقاته " (495/1929) : "مدني تابعي ثقة". وقد وقع فيه أنه مولى عروة، ولعله وراثة، فإنه مولى الزبير بن العوام والد عروة، كما في "تاريخ البخاري " (الكنى 24/ 184) ، و"الجرح " (4/ 2/359) وغيرهما، وأفادا أنه روى عنه أبو الأسود أيضاً: محمد بن عبد الرحمن، وهو ثقة من رجاله الشيخين كموسى بن عقبة، ومثله في الثقة أخواه المقرونان معه في رواية الحاكم، وهما من رجال مسلم، وقد ذكر الثلاثة الإخوة أبو أحمد الحاكم في "الأسماء والكنى" رواة عن أبي حبيبة، فهؤلاء أربعة من الثقات رووا عنه، مع كونه تابعياً، فهو ثقة إن شاء الله تعالى.

3189

والحديث أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/ 50/ 12098) من طريق أخرى عن موسى بن عقبة وحده. وقال الحافظ ابن كثير في "البداية" (7/209) : "تفرد به أحمد، وإسناده جيد حسن، ولم يخرجوه من هذا الوجه ". قلت: وهو من الأحاديث التي فاتت الحافظ الهيثمي، فلم يوردها في "مجمع الزوائد"! مع أنه على شرطه كما يشير إلى ذلك قول ابن كثير هذا. * 3189- ( [إنكم] أصبحتُم في زمانٍ كثيرٍ فقهاؤُه، قليلٍ خطباؤُه، قليلٍ سُؤّاله، كثيرٍ معطوهُ، العملُ فيه خيرٌ من العِلمِ. وسيأتي زمانٌ قليلٌ فقهاؤُه، كثيرٌ خطباؤُه، كثيرٌ سُؤّاله، قليلٌ مُعطوهُ، العلمُ فيه خيرٌمن العمل) . أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير"وفي "مسند الشاميين " (2/ 221/1225) : حدثنا عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم: ثنا عمرو بن أبي سَلمَة التِّنِّيسِي: ثنا صدقة بن عبد الله: حدثني زيد بن واقد عن حَرام بن حكيم عن عمه عبد الله ابن سعد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف " كما قال العراقي في "تخريج الإحياء" (1/7) ، وله علتان: الأولى: صدقة بن عبد الله، وهو السَّمين، وهو ضعيف؛ كما قال الذهبي في "الكاشف"، والحافظ في"التقريب"، وبه أعله الهيثمي في"مجمع الزوائد" (1/127) .

والأخرى: عبد الله بن أبي مريم هذا، أورده ابن عدي في "الكامل "، وقال (4/ 5 25-256) :. "مصري، يحدث عن الفريابي وغيره بالبواطيل ". قلت: ثم ساق له أربعة أحاديث، ثلاثة منها معروفة الصحة من غير طريقه، ثم قال: " وعبد الله هذا إما أن يكون مغفَّلاًًً لا يدري ما يخرج من رأسه، أو يتعمد؛ فإني رأيت له غير حديث- مما لم أذكره- غير محفوظ ". وأقول: لم أخرجه هنا من أجله، وإنما من أجل ما له من الشواهد؛ كما يأتي، ولمصداقيته ومطابقة ما فيه للواقع في هذا الزمان. والحديث أخرجه ابن عبد البر في "الجامع " (1/23) من طريق أخرى عن عبد الله هذا. وأخرجه الخطيب في "الموضح " (1/108- ط) ، وكذا ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (4/313- 314- المصورة) من طريق الطبراني. ثم وجدت له طريقاً أخرى في"معجم الطبراني" (3/ 221/ 3111) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن صدقة عن زيد بن واقد عن العلاء بن الحارث عن حِزام بن حكيم بن حزام عن أبيه، مرفوعاً به. وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي، وهو ثقة، إلا أنه قيل فيه: يروي عن الضعفاء، وهذا من روايته عن صدقة بن خالد، وهو من رجال (الصحيح) ".

قلت: وفي التعليق على "المجمع " ما نصه: " (فائدة) : بل صدقة المذكور في إسناده هو ابن عبد الله السمين، وهو ضعيف جدّاً. كما في هامش الأصل ". قلت: وأنا أظن أن هذه الفائدة هي من الحافظ ابن حجر تلميذ الهيثمي، وكذلك كل ما يعزى في التعليقات إلى"هامش الأصل"، وقوله: "ضعيف جداً" يخالف اقتصاره على قوله في "التقريب ": "ضعيف "؛كما تقدم نقله عنه، وهو الأقرب إلى الصواب؛ لأن الرجل مختلف فيه، وقد وثقه بعضهم، وترجمته مبسَّطة في "تاريخ دمشق " لابن عساكر، و"التهذيب " وغيرهما. ثم إنه ليس في السند ما يرجح أنه صدقة بن عبد الله السمين؛ فإن هذا وصدقة بن خالد كلاهما روى عن زيد بن واقد، ولم يذكروا في ترجمة السمين أنه روى عنه الطرائفي، وكون هذا يروي عن الضعفاء لا يكفي للترجيح؛ لأنه قد روى عن الثقات أيضاً، منهم الإمام مالك مثلاً، فتأمل! هذا؛ وللحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعاً نحوه، سبق تخريجه، والكلام عليه، وبيان صحة إسناده في أول المجلد السادس رقم (2510) . وقد صح موقوفاً من حديث عبد الله بن مسعود، فذكره مالك في"الموطأ" (1/187) عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان: "إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه.. " الحديث نحوه. وهذا معضل، وهو مما فات ابن عبد البر في "التمهيد"؛فلم يورده في أحاديث يحيى بن سعيد، وعددها فيه (77) حديثاً، وهي في آخر المجلد (23) وأول (24)

إلى صفحة (119) ، ولا خرَّجه الباجي في "المنتقى" كما هي غالب عادته (1/308-309) ! ووصل الطرف الأول منه: زهير بن حرب في "العلم " (135/109) من طريق كُميل بن زياد عن عبد الله قال: "إنكم في زمان كثير علماؤه، قليل خطباؤه، وإن بعدكم زماناً كثير خطباؤه والعلماء فيه قليل ". وإسناده صحيح؛ كما كنت بينته في التعليق على "العلم ". وله عنه طريق أخرى بسياق أتم عند البخاري في"الأدب المفرد"، قال (205/789) : حدثنا عبد الله بن أبي الأسود قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: حدثنا الحارث بن حَصِيرة قال: حدثنا زيد بن وهب قال: سمعت ابن مسعود يقول: ... فذكره إلى قوله: "كثير معطوه "، وزاد: "العمل فيه قائد للهوى، وسيأتي من بعدكم زمان قليل فقهاؤه، كثير خطباؤه، كثير سُؤَّاله، قليل معطوه، الهوى قائد فيه للعمل، اعلموا أن حسن الهدي في آخر الزمان خير من بعض العمل ". قلت: وهذا إسناده جيد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير الحارث بن حصيرة، وثقه الجمهور، وضعفه العقيلي وابن عدي، وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يخطئ، ورمي بالرفض ". قلت: ومع هذا؛ فقد صحح الحافظ في "الفتح " إسناده، فقد ذكر فيه (10/510) الجملة الأخيرة منه وقال:

3190

"وسنده صحيح، ومثله لا يقال من قبل الرأي ". قلت: ويؤيده مطابقة ما قبلها للواقع اليوم مما لا يُعلم إلا بالوحي. وعبد الله بن أبي الأسود هو: ابن محمد بن أبي الأسود البصري أبو بكر، وهو ثقة حافظ. * 3190- (إنَّ بأرضِ الحبشةِ مَلِكاً لا يُظلمُ أحدٌ عنده، فالحقُوا ببلادِه حتّى يجعل اللهُ لكم فرجاً ومخرجاً مّما أنتُم فيهِ) . أخرجه البيهقي في "السنن " (9/9) وفي "الدلائل " (2/ 301) من طريق ابن إسحاق: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفُتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله في مَنَعة من قومه وعمه، لا يصل إليه شيء مما يكره؛ مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، فخرجنا إليها أرسالاً حتى اجتمعنا ونزلنا بخير دار إلى خير جار، أمنَّا على ديننا، ولم نخشى منه ظلماً ... وذكر الحديث بطوله. كذا في "السنن "، وقد ساقه بطوله في أربع صفحات. والحديث في "سيرة ابن هشام " (1/343) عن ابن إسحاق قال: ... فذكره نحوه، هكذا معضلاً لم يسق إسناده، ولفظه: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة؛ فإن بها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله ... " الحديث.

ولكنه ساق إسناده المتقدم عند البيهقي إلى أم سلمة، دون حديث الترجمة، قالت: "لما نزلنا أرض الحبشة؛ جاورنا بها خير جارٍ: النجاشي، أمنَّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى ... " الحديث بطوله. وهكذا رواه أحمد في "المسند" (1/ 201 و5/ 290) من طريق ابن إسحاق به، وقال الهيثمي- عقب عزوه لأحمد (6/27) -: "ورجاله رجال "الصحيح " غير [ابن] إسحاق، وقد صرح بالسماع ". قلت: فهو إسناد جيد، وقد سكت عنه الحافظ في "الفتح " (7/188) . ومن هذا التخريج يتبين أن عزو الحديث أو جملة: "لا يظلم عنده أحد" من الأخ الفاضل سلمان العودة في رسالته المفيدة "من أخلاق الداعية" (ص 45) للإمام أحمد لا يخلو من تساهل! والله ولي التوفيق. وفي الحديث دلالة ظاهرة على جواز هجرة المسلم من بلد الكفر إذا اشتد الضغط عليه من أهله إلى بلد آخر يجد فيه الحرية الدينية، وليس كذلك ما يفعله بعض الشباب المسلم من السفر من بلده المسلم إلى بعض البلاد الكافرة، لمجرد أنه يجد فيه شيئاً من التضييق أو التعذيب من بعض الحكام الظالمين، فهذا لا يجوز للأحاديث الكثيرة في النهي عن ذلك، كقوله- صلى الله عليه وسلم -: "المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما"ونحوه، ولكثرة الفسق والخلاعة المنتشرة في كل مكان من تلك البلاد، بحيث يندر أن لا يتأثر المسلم بذلك، فكيف بأولاده الذين يُرَبّون فيها، ويرضعون لبانتها كما هو مشاهد؟! ولذلك فنحن ننصحهم- ومن أسلم من أهلها- أن يهاجروا إلى بلد من البلاد الإسلامية، يتمكنون فيه من القيام بشعائر دينهم، ويكثِّرون

3191

سواد إخوانهم المؤمنين، والله عز وجل يقول: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضغفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ... ) الآية [النساء: 97] . * 3191- (تعوَّذُوا باللهِ من رأس السبعينِ، وإمارةِ الصبيانِ) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (5/49/19082) ، وأحمد (2/326 و355و 448) ، والبزار (4/126/3358) ، وابن عدي في "الكامل" (6/ 81) من طرق عن كامل أبي العلاء قال: سمعت أبا صالح- مؤذناً كان يؤذن لهم- قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره، وقال البزار: "لا نعلم رواه عن أبي هريرة إلا أبو صالح هذا ولا نعلم رواه عنه إلا أبو كامل ". قلت: قال ابن عدي- بعد أن ساق له جملة أحاديث هذا أحدها-: "أرجو أنه لا بأس به ". قلت: وهو مختلف فيه، وفي "التقريب ": "صدوق يخطئ ". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وإلى ذلك يشير الذهبي بقوله فيه في " الكاشف ": "وثقه ابن معين، وقال (س) : ليس بالقوي ". وأبو صالح؛ لم يرو عنه إلا كامل، ووثقه ابن حبان، والذهبي في "الميزان "، وحسّن له الترمذي.

وقال الهيثمي في "المجمع " (7/ 220) : "رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال "الصحيح "؛غير كامل بن العلاء، وهو ثقة"! قلت: لي على هذا تعليقان: الأول: أن إسناد البزّار هو إسناد أحمد. الثاني: أنّ أبا صالح ليس من رجال "الصحيح ". وقد توبع أبو صالح، فقال سعيد بن سَمعان قال: سمعت أبا هريرة يتعوّذ من إمارة الصبيان والسفهاء. فقال سعيد بن سمعان: فأخبرني ابن حسنة الجُهني أنه قال لأبي هريرة: ما آية ذلك؟ قال: "أن تُقطع الأرحام، ويُطاع المُغوِي، ويعصَى المُرشِدُ". رواه البخاري في "الأدب المفرد" (66) : حدثنا آدم بن أبي إياس قال: حدثنا ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد ... به. قلت: سعيد بن سمعان ثقة؛ فحديثه عن أبي هريرة صحيح، وهو موقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، ويشهد له الطريق الأولى. وكذا ما رواه مالك بن ظالم قال: سمعت أبا هريرة يقول لمروان بن الحكم: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن فساد أمتي على يدي أُغَيلِمةٍ من سفهاء قريش ". أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/ 1/309) ، وابن حبان في "صحيحه " (8/251/6678) ، و"الثقات" (5/388) ، والحا كم (4/ 470و527) ، والطيالسي (08 25) ، وأحمد (2/299 و 328 و485) ، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي!

قلت: ومالك بن ظالم من رجال "الميزان "، وقال: "قال الأزدي: لا يتابع عليه ". وكذا في "اللسان "، وذكرا له هذا الحديث، وفاتهما توثيق ابن حبان إياه، لكن لم يذكروا له راوياً غير سماك بن حرب؛ فهو مجهول. لكن أخرجه ابن حبان (6677) من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "هلاك أمتي على يدي غلمان سفهاء من قريش ". وزاد: فقال مروان: والغلمان هؤلاء. وإسناده صحيح. وله طريق أخرى يرويه سعيد بن عمرو بن سعيد قال: كنت جالساً مع أبي هريرة في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، ومعنا مروان، قال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش ". فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة، فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول: بني فلان، بني فلان؛ لفعلت، [قال عمرو بن يحيى:] فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلماناً أحداثاً قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم! قلنا: أنت أعلم. أخرجه البخاري (6/612/ 3605 و 13/9) - والسياق له-، وأحمد (2/ 324) - مختصراً-. وله عنده طريق أخرى (2/52و536) عن أبي هريرة. *

3192

من فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه 3192- (ممَّ تضحكون؟ قالوا: يا نبيَّ اللهِ! من دِقَّةِ ساقيهِ!! فقال: والذي نفسي بيدهِ؛ لهُما أثقلُ في الميزانِ من أُحُدٍ) . ورد من حديث ابن مسعود، وعلي بن أبي طالب. 1- أما حديث ابن مسعود؛ فله طريقان: الأولى: عن حماد بن سلمة عن عاصم عن زِرٍّ بن حُبَيش عن ابن مسعود: أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه أحمد (1/ 420- 421) ، وابن سعد (3/155) ، وابن حبان (9/103/7029) ، وكذا الطيالسي (355) ، وأبو يعلى (9/209- 0 21) ، والبزار (3/249/2678) ، والطبراني في "الكبير" (9/75/8452) ، وأبو نعيم في"الحلية " (1/127) ؛ كلهم من طرق عن حماد به. وخالفه زائدة فقال: عن عاصم بن أبي النَّجُود عن زِرٍّ قال: ... فذكره مرسلاً؛ ليس فيه ابن مسعود. أخرجه ابن أبي شيبة في"المصنف " (12/113/11279) . وزائدة- وهو ابن قدامة- أحفظ من حماد بن سلمة، لكن يقويه: الطريق الأخرى، يرويها سهل بن حماد أبو عتاب: ثنا شعبة عن معاوية بن قرة عن أبيه: أن عبد الله بن مسعود رقي في شجرة ... الحديث نحوه.

أخرجه الحاكم (3/317) ، والبزار (3/248/6677) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/28/59) ، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. قلت وإسناد البزار على شرط مسلم، وقال: "لا نعلم رواه عن شعبة إلا سهل ". كذا قال! وقد رواه الطيالسي في "مسنده " (145/1077) : حدثنا شعبة عن معاوية بن قرة أن ابن مسعود ... الحديث. هكذا وقع فيه! لم يقل: "- عن أبيه "، فإما أنه سقط من الناسخ أو الطابع، أو هكذا الرواية عنده، والأول هو الأرجح؛ لأنه أورده في "مسند قرة"، وذكر فيه عدة أحاديث من رواية معاوية بن قرة عن أبيه، وأحدها على شرط الترمذي وصححه، وهو مخرج في "فضائل الشام " (رقم 5) . وأيضاً لو كانت الرواية وقعت له دون قوله: "عن أبيه "؛لكان الحديث مرسلاً، وفي هذه الحالة لا يصلح أن يورده في "المسند". والله أعلم. وعلى ما رجحت؛ فإن كان قرة تلقاه مباشرة عن ابن مسعود؛ فهي طريق ثانية عنه؛ وإلا فهو مرسل صحابي، ومراسيل الصحابة حجة. وله طريق ثالثة، ولكنها واهية؛ لأنها من رواية المُعَلَّى بن عُرفان- وهو متروك الحديث- عن أبي وائل، عن عبد الله به نحوه. أخرجه الطبراني (8453) . وطريق رابعة بسند جيد عن سارة بنت عبد الله بن مسعود أن أباها أخبرها قال:

بينما هو يمشي وراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ همزه أصحابه أو بعضهم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده! لعبد الله في الموازين يوم القيامة أثقل من أُحُدٍ ". كأنهم عجبوا من خِفّتِهِ! قلت: وهذه قصة أخرى- كما هو ظاهر- لو صحَّت؛ فإن سارة هذه لم أجد لها ذكراً في شيء من كتب التراجم التي عندي، والله أعلم. ثم وجدت له طريقاً خامسة، لكنها واهية أيضاً؛ من رواية شريك عن جابر عن أبي الضحى عن الأزهر بن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال: صعدت أراكةً لأجني منها سواكاً (الأصل: أراكة) ، فجعل أصحابي يتعجبون من خِفّتي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما تعجبون؟! فو الذي نفسي بيده! لهو أثقل في الميزان يوم القيامة من أحد". أخرجه الطبراني (9/97/8517) . وجابر هذا: هو ابن يزيد الجعفي، وهو متروك. والأزهر بن الأسود لم أجد من ذكره. 2- وأما حديث علي رضي الله عنه؛ فيرويه محمد بن الفُضيل بن غزوان عن مغيرة عن أم موسى قالت: سمعت علياً يقول: أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن مسعود أن يصعد شجرة فيأتيه منها بشيء، فنظر أصحابه إلى ساق عبد الله، فضحكوا من حموشة ساقَيهِ، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "مما تضحكون؟! لرِجل عبد الله أثقل في الميزان من أُحُدٍ".

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (237) ، وأحمد (1/ 114) ، وأبو يعلى (1/409/279) ، ومن طريقه الضياء المقدسي في"الأحاديث المختارة" (مسند علي) ، وابن سعد أيضاً، وكذا ابن أبي شيبة (رقم 12882) كلهم عن محمد بن الفضيل به. وتابعه جرير عن مغيرة به. أخرجه أبو يعلى (رقم 334) ، والطبراني (6 1 85) ، ومن طريقه الضياء أيضاً، وقال الهيثمي في "المجمع " (9/288- 289) : "رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، ورجالهم رجال (الصحيح) ؛غير أم موسى، وهي ثقة". قلت: ترجمتها في "التهذيب " كالتالي: "أم موسى، سُرِّيِّة علي بن أبي طالب، قيل: اسمها فاختة، وقيل: حبيبة. روت عن علي بن أبي طالب، وعن أم سلمة. روى عنها مغيرة بن مِقسم الضبي. قال الدارقطني: حديثها مستقيم، يخرّج حديثها اعتباراً. قلت: وقال العجلي: كوفية تابعية ثقة". والمغيرة بن مِقسم ثقة من رجال الشيخين، ولكنه كان يدلس، ولم يصرِّح بالسماع من أم موسى عند أحد من مخرِّجي الحديث، فتحسين بعض المعلقين لإسناده غير حسن؛ إلا أن يعني أنه حسن بما قبله، فنعم. وفاتني أن أذكر أن الهيثمي أورد الحديث من الطريق الأولى عن ابن مسعود، وذكر بعض ألفاظ الطرق الأخرى، وقال:

3193

"رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني من طرق.. وأمثلها فيه عاصم بن أبي النَّجود، وهو حسن الحديث على ضعفه، وبقية رجال أحمد وأبي يعلى رجال الصحيح ". * من فضائل جرير بن عبد الله البجلي 3193- (يَدخُلُ مِن هذا البابِ رجلٌ مِن خيرِ ذي يَمَنٍ، على وجههِ مَسحَةُ ملكٍ. فدخلَ جريرٌ) . أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (250) : حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت جريراً يقول: ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: علي هو ابن المديني. وقد توبع من الحميدي، فقال في "مسنده " (350/800) : ثنا سفيان به. وأخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/82) من طريق قتيبة عن سفيان به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، فيُتعجّب من الحاكم كيف لم يستدركه؟! أعني حديث الترجمة وإلا فقول جرير: "ما رآني ... " إلخ قد أخرجاه: البخاري (0 1/ 504/6089) ، ومسلم (7/157- 158) ، وابن حبان (9/165/7156) ، وابن أبي شيبة (12/152/12390) ، وكذا ابن ماجه (159) ، وأحمد (4/358و362 و365) ، والطبراني في"المعجم الكبير" (2/ 330/2219- 2223) من طرق كثيرة عن إسماعيل بن أبي خالد به.

ومن هذه الطرق رواية سفيان هذه عند مسلم، ولكنه لم يسق حديث الترجمة، وإنما ساقه الطبراني في مكان آخر (340/2258) . ولقول جرير المذكور طريق آخر، يرويه بيان عن قيس بن أبي حازم به. أخرجه البخاري (7/ 131/3822) ، ومسلم أيضاً، وأحمد (4/359) ، والطبراني (2/ 350/2286و 2287) من طرق عنه. ولحديث الترجمة طريق أخرى يرويه يونس بن أبي إسحاق عن المغيرة بن شِبلٍ عن جرير بن عبد الله قال: لما دنوت من مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛أنختُ راحلتي، وحللتُ عَيبتي، فلبست حُلَّتي، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب، فسلّمتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليس: يا عبد الله! هل ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أمري شيئاً؟ قال: نعم، ذكرك بأحسن الذكر، بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته فقال: "إنه سيدخل عليكم ... " الحديث مثله، إلا أنه قال في آخره: "فحمدت الله على ما أبلاني ". أخرجه النسائي أيضاً في "الكبرى" (رقم 8304) ، وابن حبان (7155) ، وابن أبي شيبة (12391) ، وأحمد (4/359 و 364) ، والطبراني أيضاً (2483) من طرق عنه. قلت: وإسناده صحيح. رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير المغيرة هذا؛ وهو ثقة بلا خلاف.

(تنبيه) : زاد الشيخان وغيرهما من طريق إسماعيل: "ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل، فضرب بيده في صدري وقال: اللهم ثبته، واجعله هادياً مهديّاً". وهي عند النسائي وابن ماجه. (تنبيه آخر) : عزا حديث الترجمة الأستاذُ محمد فؤاد عبد الباقي في تخريجه ل "الأدب المفرد"للشيخين مشيراً إلى رقم الكتاب والباب من كل منهما! ومثلُهُ في ذلك الشارح (1/ 350) ، وزاد عليه أنه عزاه للترمذي في"المناقب "، وأبي داود في "الجهاد"، وابن ماجه في "السنة"! وكل هؤلاء ليس عندهم حديث الترجمة، وإنما عندهم قول ابن جرير المتقدم، وليس يخفى أن هذا لا يُسوِّغ لهم العزو الموهم لخلاف الواقع. وأما عزوه لأ بي داود؛ فهو أغرق في الخطأ؛ لأنه لم يرو القول المذكورأيضاً!! وإنما له عنه حديث آخر، أخرجه الشيخان أيضاً، وهو في كتابي"صحيح أبي داود " (2477) . ولعل مثل هذا الوهم هو السبب في عدم إيراد الحافظ الهيثمي هذا الحديث في كتابه "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان "؛لظنه أنه في "الصحيحين "! والغريب أن الحافظ لم ينبِّه عليه في هامش الكتاب كما هي عادته أحياناً، ولذلك؛ فقد استدركته عليه في نسختي من "الموارد"، في أحاديث أخرى كثيرة استدركتها، تهيئة لنشره في جملة مشروعي الكبير "تقريب السنة بين يدي الأمة"، وأرجو أن أنتهي منه قريباً إن شاء الله تعالى. *

3194

3194- (والذي نفسي بيدِه! لوتعلمونَ ما أعلمُ؛ لضحكتُم قليلاً، ولبكيتُم كثيراً. ثم انصرف - صلى الله عليه وسلم -؛ وأبكى القوم، وأوحى اللهُ عز وجل إليه: يا محمدُ! لم تُقنِّط عبادي؟! فرجع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أبشرُوا، وسدِّدُوا، وقاربُوا) . أخرجه البخاري في"الأدب المفرد" (254) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (2/22/1058) من طريق الربيع بن مسلم القرشي: حدثنا محمد بن زياد عن أبي هريرة قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على رهط من أصحابه يضحكون ويتحدثون، فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وكذلك أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (1/162/113و 285/359) ، وقال: " (سدِّدوا) يريد به: كونوا مسدِّدين. والتسديد: لزوم طريقة النبي - صلى الله عليه وسلم - واتباع سننه. وقوله: (وقاربوا) يريد به: لا تحملوا على أنفسكم من التشديد ما لا تطيقون. (وأبشروا) ؛ فإن لكم الجنة إذا لزمتم طريقتي في التسديد، وقاربتم في الأعمال ".

وقال البيهقي عقب الحديث: "ففي هذا دلالة على أنه لا ينبغي أن يكون خوفه بحيث يؤيِّسه ويقنِّطه من رحمة الله، كما لا ينبغي أن يكون رجاؤه بحيث يأمن مكر الله، أو يجرئه على معصية الله عز وجل ". والحديث رواه حماد بن سلمة عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت أبا القاسم يقول: ... فذكر الجملة الأولى منه، والأخيرة منه: " أبشروا.. ". أخرجه أحمد (2/467) . ثم أخرجه هو (2/257و 313 و 418 و 432 و 453 و 502) ، والبخاري (6485و 6637) ، ومن طريقه البيهقي في "السنن " (10/26) ، وابن حبان (7/519/5763) والترمذي (4 231) ، وابن حبان أيضاً (8/249/ 6671) من طرق أخرى عن أبي هريرة بالشطر الأول فقط، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وزاد ابن حبان في الموضع الثاني من طريق خالد بن عبد الله الزِّيادي عن أبي عثمان عنه: "يظهر النفاق، وتُرفع الأمانة، وتُقبض الرحمة، ويُتهم الأمين، ويؤتمن غير الأمين، أناخِ بكم الشُّرف الجُون "، قالوا: وما الشُّرف الجُون يا رسول الله؟! قال: "فتن كقطع الليل المظلم ". وهكذا أخرجه الحاكم (4/579) ، وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي!

كذا قالا! وخالد بن عبد الله الزيادي- وقيل: الزبادي- لم يذكروا عنه راوياً غير اثنين أحدهما: جعفر بن ربيعة، والآخر: عمرو بن الحارث، وهو راويه هنا، وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/259) ، فمثله يحتمِلُ حديثه التحسين، أما الصحة فلا. ومثله- أو خير منه- شيخه أبو عثمان وهو الأصبحي، كما وقع مصرَّحاً به في إسناد الحاكم، وكذلك في ترجمته من "التهذيب "، وسماه عبيد بن عمير، وذكر أنه روى عنه جمع غير الزيادي، ولم يحك فيه جرحاً ولا توثيقاً. وفي "ثقات ابن حبان " (5/568 و 576) من طبقته اثنان بكنيته هذه "أبي عثمان "رويا عن أبي هريرة، روى عن أحدهما معاوية بن صالح، وعن الآخر ثابت البناني؛ فمن المحتمل أن يكون هو هذا. والله أعلم. ومهما يكن حال هذا وحال الذي قبله؛ فإني أرى أن حديثه هذا لا ينزل عن مرتبة الحسن؛ لما له من الشواهد المبثوثة في مختلف الأحاديث. والله أعلم. وللشطر الأول من حديث الترجمة شواهد كثيرة، أصحها حديث أنس بن مالك مرفوعاً به. أخرجه البخاري (6486) ، ومسلم (7/92) ، وا بن حبان (5762) ، ووكيع في"الزهد" (1/242/17) ، وابن أبي شيبة في"المصنف" (13/246/ 16240) ، وأحمد (3/180و 93 1و 210و251 و 268) من طرق كثيرة عنه. وقد استوعب شواهدَه وطرقه الأخُ الفاضل عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي في تعليقه على "الزهد" (1/242- 244) . (تنبيه) : حديث ابن حبان المتقدم من رواية أبي عثمان، وقع هذا منسوباً في

3195

"موارد الظمآن " (462/ 1871) هكذا: (أبي عثمان الهندي) ! وهذا مخالف لما في "الإحسان " أولاً كما تقدم؛ فإنه لم ينسب فيه. وثانياً: أنه مخالف لما في "الجرح "وغيره في ترجمة خالد الزيادي: أنه روى عن أبي عثمان الأصبحي؛ فاقتضى التنبيه. والحديث مما جنى عليه المدعوب (حسان بن عبد المنان) ، فضعفه في حديث لأبي ذر، فيه فقرات هذا منها، جاهلاً أو متجاهلاً شواهده، منها حديث أنس المتفق عليه، وقد رددت عليه مفصلاً في "النصيحة بتحذير المسلمين من تضعيفات ابن عبد المنان للأحاديث الصحيحة ومن تخريبه بتعليقاته لكتب الأئمةالرجيحة" (برقم: 123) . * 3195- (كأنِّي أنظرُ إلى بَياضِ كشحِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجدٌ) . أخرجه أحمد (3/15) من طريقين عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن المغيرة: سمعت أبا الهيثم يقول: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: ... فذكره. قلت؛ وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن ابن لهيعة فيه ضعف من قبل حفظه، وبه أعلَّه الهيثمي؛ فقال (2/125) : "رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام ". وأقول: هذا من صحيح حديثه يقيناً؛ لكثرة شواهده عن جمع من الصحابة، منهم البراء بن عازب، وعبد الله بن مالك ابن بُحينَة، وأبو هريرة، وعبد الله بن أقرم، وميمونة؛ وغيرهم بمعناه، وقد أسندها عن المذكورين: النسائيُّ في"السنن الكبرى" (1/233 و 234) ، وبعضها في "صحيح مسلم " (2/53- 54) ، والكثير منها مخرج في"صحيح أبي داود" (835 و837) ، وحديث ابن بحينة عند البخاري أيضاً (807) ، وكذا ابن حبان (3/93/1916) ؛وانظر "التلخيص الحبير" (1/255) .

وإنما أوردت حديث الترجمة للفظ: "الكشح " الذي فيه، ولأخرِّج له بعض الشواهد التي تقوِّيه، مثل حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وله عنه طريقان: الأولى: عن أسامة بن زيد قال: أخبرني موسى بن مسلم مولى ابنة قارظ عن أبي هريرة: أنه ربما حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول: حدثنيه: "أهدب الشفرين، أبيض الكَشحين، إذا أقبل أقبل جميعاً، وإذا أدبر أدبر جميعاً، لم تر عين مثله، ولن تراه ". أخرجه البخاري في "الأ دب المفرد" (255) وفي "التاريخ " (4/ 1/295) ، وابن سعد في "الطبقات " (1/415) . ذكره البخاري في ترجمة موسى هذا، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وتبعه في ذلك ابن أبي حاتم، ولم يذكرا له راوياً غير أسامة هذا، ولذلك قال الذهبي في "الميزان ": "لا يعرف ". وأما ابن حبان؛ فذكره على قاعدته في "الثقات " (5/403) ! وقال الحافظ في"التقريب ": "مقبول ". يعني عند المتابعة، وقد توبع، فقد رواه عبد الملك بن قدامة بن إبراهيم الجُمَحي عن قدامة بن موسى عن محمد بن سعيد [بن] المسيب [عن أبيه] : أن أبا هريرة كان إذا رأى أحداً من الأعراب أو أحداًَ لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: ألا أصف لكم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ كان شَثنَ القدمين، أهدب العينين، أبيض الكشحين،

يُقبِلُ معاً، وُيدبِرُ معاً، فِدّى له أبي وأمي، ما رأيت مثله قبله ولا بعده. أخرجه ابن سعد (1/414-415) . قلت: ورجال إسناده ثقات؛ غير عبد الملك بن قدامة؛ فإنه ضعيف كما في "التقريب "، وقد وثقه ابن معين وابن عبد البر، فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى. وأخرجه البزار (3/122/2387) من طريق إسحاق بن إبراهيم الحمصي: ثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزُّبيدي عن الزهري عن سعيد بن المسيب: أنه سمع أبا هريرة يصف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: كان رجلاً رَبعَةً، وهو إلى الطول أقرب، شديد البياض، أسود اللحية، حسن الشعر، أهدب أشفار العينين ... الحديث دون ذكر الكشحين. وقال البزار: "لا نعلم رواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة إلا الزبيدي ". قلت: وهذا إسناد صحيح إن سلم من إسحاق الحمصي؛ قال الحافظ: "يهم كثيراً، وأطلق محمد بن عوف أنه يكذب ". وجملة "أهدب العينين "، وردت من طريق جيدة عن أبي هريرة في حديث آخر تقدم برقم (2095) ، وفيه قوله: "يُقِبِلُ جميعاً، ويُدبِِرُ جميعاً". ولهذا- والجملة المشار إليها- شاهد من حديث علي من طرق عنه في "الطبقات " (1/ 410- 413) ، وفيه: "لم أرقبله ولا بعده مثله ". وهو في "شماثل الترمذي " أيضاً (15/4- مختصره) ، وصححه ابن حبان (2117- موارد) من طريق أخرى، وتقدم أيضاً تخريجها برقم (2053) . *

3196

3196- (يأخذُ اللهُ- عزَ وجل- سماواتِه وأرَضيِه بيديهِ، فيقولُ: أنا اللهُ- ويقبضُ أصابعَه ويبسطُها- أنا الملِكُ، [وتمايلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عن يمينه وعن شماله] حتى نظرتُ إلى المنبرِ يتحركُ من أسفلِ شيءٍ منه، حتّى إني لأقولُ: أساقطٌ هو برسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟) . أخرجه مسلم (8/126-127) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (49- 50) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (339) كلهم عن سعيد بن منصور: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن: حدثني أبو حازم عن عبيد الله بن مِقسَمٍ: أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وتابعه قتيبة بن سعيد: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن به. أخرجه ابن حبان (9/213/ 0 728) . ثم أخرجه مسلم، والبيهقي من طريق سعيد بن منصور أيضاً قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم: حدثني أبي عن عبيد الله بن مقسم عن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وهو يقول: "يأخذ الجبار عز وجل سماواته وأرضيه بيديه ... " الحديث. وتابعه جمع عن عبد العزيز بن أبي حازم به. أخرجه ابن ماجه (198و4275) ، والدارمي في "الرد على المريسي " (ص 31) ، وابن جرير في "التفسير" (24/18) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/355/13327) ، وابن منده في " التوحيد " (2/47/190) وزادوا:

"وتمايل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يمينه وعن شماله، حتى نظرت ... ". وإسنادها صحيح على شرط الشيخين. وخالفهم في السند عبد الله بن نافع؛ فقال: عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن عمر مرفوعاً به. أخرجه ابن جرير. وعبد الله بن نافع هو الصائغ المخزومي؛ وفيه ضعف من قبل حفظه، قال الحافظ في "التقريب ": "ثقة صحيح الكتاب، في حفظه لين ". قلت: وقد خالفهم بذكره عبيد بن عمير مكان عبيد الله بن مقسم، وعبيد بن عمير هو الليثي المكي، وهو ثقة أيضاً من رجال الشيخين، فإن كان حفظه؛ فالإسناد صحيح، والله أعلم. ثم وجدت له متابعاً قوياً عند الطبراني (12/389/13437) ، وابن منده (2/101/248) من طريق علي بن عبد العزيز: ثنا القعنبي [عبد الله بن مسلمة] : ثنا عبد العزيز بن أبي حازم به. وتابع أبا حازم: إسحاقُ بنُ عبد الله بن أبي طلحة عن عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر: (وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) [الزمر: 67] ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول هكذا بيده ويحركها؛ يقبل بها ويدبر، يمجِّد الرب نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا العزيز، أنا الكريم، فرجف برسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر، حتى قلنا: ليخرَّن به.

3197

أخرجه أحمد (2/72) - والسياق له-، وابن أبي عاصم في "السنة " (1/240/546) ، وابن خزيمة أيضاً من طرق عن حماد بن سلمة عنه. وإسناده صحيح على شرط مسلم. والحديث أورده شيخ الإسلام ابن تيمية في "الفتاوى" (5/ 481) بزيادة بعض الأسماء الحسنى فيه، وقوله: "أنا الذي بدأت الدنيا ولم تك شيئاً، أنا الذي أعيدها". وقال: "رواه ابن منده وابن خزيمة وعثمان بن سعيد الدارمي وسعيد بن منصور وغيرهم من الأئمة الحفاظ النقاد الجهابذة". ولم أجد لهذه الزيادة ذِكراً في شيء من المصادر المتقدمة، والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3197- (لا ينبغي لِذِي الوجهينِ أن يكون أمِيناً) . أخرجه البخاري في"الأدب المفرد" (313) : حدثنا خالد بن مَخلَدٍ قال: حدثنا سليمان بن بلال عن عبيد الله بن سلمان عن أبيه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عبيد الله بن سلمان- وهو الأغر-؛ فإنه من رجال البخاري. وخالد بن مخلد له مناكير؛ كما قال أحمد وغيره، وقد خولف في إسناده ممن هو أوثق منه، فقال الخرائطي في"مساوئ الأخلاق " (138/292) : حدثنا أحمد

ابن منصور الرمادي: ثنا أبو سلمة الخزاعي: ثنا سليمان بن بلال عن محمد بن عجلان عن عبيد الله بن سلمان الأغر به. قلت: وأبو سلمة الخزاعي اسمه منصور بن سلمة، وهو ثقة ثبت حافظ، وقد زاد في الإسناد محمد بن عجلان، وهو حسن الحديث، والرمادي ثقة أيضاً، فالإسناد جيد. وقد تابع الرماديّ: الإمامُ أحمد فقال في "مسنده " (2/365) : ثنا الخزاعي به؛ إلا أنه قال: "ما ينبغي ... ". وتابعه أيضاً أبو أمية الطَّرسُوسِيُّ: ثنا منصور بن سلمة به. أخرجه البيهقي في "السنن " (10/264) و"الشعب " (4/229/ 4880) . وتوبع الخزاعي، فقال أحمد أيضاً (2/289) : ثنا عُبيدَةُ بن أبي قُرَّة: ثنا سليمان به. و (عبيدة) هكذا وقع في "المسند" في هذا الحديث، وفي حديث آخر قبله بأحاديث! وفي طبعة أحمد شاكر (15/8 و 9) : "عُبيد"، وهو الصواب الموافق لترجمته في كتب الرجال: "تاريخ البخاري "، "الجرح والتعديل "، "ثقات ابن حبان" (8/ 431) ، "تاريخ بغداد" (11/95) ، و"تعجيل المنفعة" للحافظ ابن حجر، ومن الغريب أنه لم يذكر في ترجمته ما يدل على حاله سوى قول البخاري في "التاريخ " (3/2/2) في حديث للعباس: "لا يتابع في حديثه ". وقول يعقوب بن شيبة: "ثقة صدوق ".

وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: "ربما خالف ". هذا ما ذكره في "التعجيل "! وفاته قول ابن أبي حاتم عن أبيه: " صد وق ". وما رواه الخطيب عن ابن معين: "ما كان به بأس ". قلت: فالرجل ثقة، فمتابعته قوية. والحديث عزاه الحافظ في "الفتح " (10/475) للبخاري، وأشار إلى تقويته بسكوته عليه. وقد روي من طريق أخرى عن أبي هريرة، يرويه كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ الترجمة. أخرجه ابن عدي (6/68) في ترجمة كثير هذا- وهو الأسلمي-، وقال: "لم أر بحديثه بأساً، وأرجو أنه لا بأس به ". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يخطئ ". وروى ابن أبي شيبة (8/558) بسند صحيح عن عكرمة قال: "لَقَمِنٌ ذو الوجهين أن لا يكون عند الله أميناً". (تنبيه) : لقد وهم الشيخ الجيلاني في شرحه على "الأدب المفرد" حين قال في حديث الترجمة:

3198

"أخرجه الترمذي في"البر" وأحمد بطريقين (ص 365ج 2) "! وذلك؛ لأن الترمذي لم يخرجه مطلقاً، وأحمد إنما رواه من طريقين عن سليمان بن بلال كما تقدم، وليس عن أبي هريرة كما هو المتبادر من كلامه. ثم إن الحديث- مع كونه ليس في شيء من الكتب الستة-؛فلم يورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" مع كونه على شرطه؛ لأنه قد رواه أحمد! * 3198- (كان يقولُ: إنّ الخيرَ خيرُ الآخرِة، أو قال: اللهم لا خير إلا خيرُ الآخرة فاغفر للأنصارِ والمهاجرة) . أخرجه أحمد (3/169) : ثنا حجاج قال: حدثني شعبة قال: سمعت قتادة: حدثنا أنس بن مالك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قال شعبة: فكان قتادة يقول هذا في قصصه. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (3795 و 3796) ، ومسلم (5/188) ، والترمذي (3857) - وصححه-، والنسائي في"السنن الكبرى" (5/84/8313و8314) ، وأحمد (3/169و170و72 1و 278) ، وأبو يعلى (5/358و476) من طرق أخرى عن شعبة به، دون قوله: "فكان قتادة ... "، إلا أن بعضهم ذكر معاوية بن قرة أبا إياس، وحميداً مكان قتادة. وتابعهم أبو التَّيَّاح الضُّبَعي عن أنس به. أخرجه ابن ماجه (742) ، وابن حبان (9/ 190/7215) ، وأحمد (3/118 و244) من طرق عن حماد به، وهو رواية لمسلم (5/189) .

وأخرجه الشيخان وغيرهما من طرق أخرى عن أبي التَّيَّاح به نحوه؛ وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (478) . وله شاهد من حديث أم سلمة قالت: ما نسيت قوله يوم الخندق وهو يعاطيهم اللبن، وقد اغبرَّ شعر صدره، وهو يقول: "اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة". قال: فرأى عماراً، فقال: "ويحَ ابنِ سُمَيَّةَ! تقتله الفئة الباغية". أخرجه أحمد (6/289) ، وأبو يعلى (3/ 209/1645) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/43) من طريق ابن عون عن الحسن عن أمه عنها. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرج في "صحيحه " (8/186) قضية عمار فقط، وهو رواية لأحمد؛ خلافاً لما يوهمه صنيع المعلق على "مسند أبي يعلى"؛ حيث عزاه لمسلم والطيالسي، وليس عندهما حديث الترجمة! وجملة: "إن الخير خير الآخرة"؛ أخرجها البخاري في "الأدب المفرد" (رقم 346) من طريق أبي غالب عن أم الدرداء قالت: زارنا سلمان من المدائن إلى الشام ماشياً؛ وعليه كساء وانْدَرْوَرد (قال: يعني سراويل مشمرة) . قال ابن شوذب: رؤي سلمان وعليه كساء مطموم الرأس، ساقط الأذنين، يعني أنه كان أرفش، فقيل له: شَوَّهت نفسك! قال: إن الخير خير الآخرة. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي أبي غالب- وهو صاحب أبي أمامة- كلام يسير، لا ينزل حديثه من مرتبة الحسن.

3199

وأما قول ابن شوذب: رؤي ... إلخ؛ فهو معضل؛ لأنه لم يدرك سلمان، مات سنة ست أو سبع ومئة. وقد جاء الحديث عن أنس والبراء بأتم من رواية قتادة، وسيأتي تخريجه برقم (3243) . * 3199- (كان إذا قام من الليل يتهجد، صلى ركعتين خفيفتين) . أخرجه أبو عوانة في "صحيحه " (2/ 331- الثانية) ، ومن طريقه: الأصبهاني في "الترغيب " (2/782/ 1 1 9 1) ، والبغوي في"شرح السنة " (4/18/8 0 9) - وصححه-، وابن أبي شيبة في "المصنف " (2/273) ، ومن طريقه: البيهقي في "السنن " (3/6) من طريق سليمان بن حَيَّان عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: ... فذكره مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد جيد، وهو على شرط مسلم، على كلام في حفظ سليمان ابن حيان، وقد اختلف عليه في لفظه، فرواه بعضهم هكذا من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وبعضهم من أمره، وهذا الأمر قد اختلفوا فيه على هشام بن حسان، فبعضهم رفعه، وبعضهم أوقفه، ورجحه أبو داود والبيهقي. أما الأول؛ فرواه ابن أبي شيبة- وتابعه آدم بن أبي إياس- قالا: عن سليمان به؛ كما ذكرنا أعلاه من فعله - صلى الله عليه وسلم -. وخالفهما الربيع بن نافع أبو توبة: حدثنا سليمان بن حيان به مرفوعاً بلفظ: "إذا قام أحدكم من الليل؛ فليصل ركعتين خفيفتين ". أخرجه أبو داود (1323) : حدثنا الربيع به، وأعله بالوقف؛ فقال عقبه:

"روى هذا الحديث حماد بن سلمة، وزهير بن معاوية، وجماعة عن هشام عن محمد، أوقفوه على أبي هريرة، وكذلك رواه أيوب وابن عون، أوقفوه على أبي هريرة". وكذا قال البيهقي. ورواية أيوب التي علقها أبو داود، أخرجها (1324) ، ومن طريقه: البيهقي من طريق معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: "إذا.. " بمعناه، زاد: "ثم ليطول بعد ما شاء" قلت: وإسناده صحيح. وأما الأمر الآخر- وهو الاختلاف على هشام بن حسان-؛ فقد ذكره أبو داود معلّقاً من رواية حماد بن سلمة وزهير بن معاوية وجماعة عنه موقوفاً. ومن الجماعة هشيم بن بشير، فقال ابن أبي شيبة (2/272-273) : حدثنا هشيم قال: أخبرنا هشام به موقوفاً. نعم؛ لقد كنت خرجت الحديث مرفوعاً من قوله - صلى الله عليه وسلم - في "الإرواء" (2/202/ 453) من رواية ثلاثة من الثقات الآخرين عن هشام به، وملت هناك إلى ترجيح الرفع على الوقف إعمالاً لقاعدة: زيادة الثقة مقبولة. ثم ترجح عندي الوقف لسببين اثنين، أوردته من أجل ذلك في "ضعيف أبي داود" (رقم 240) . ثم بدا لي علة في رواية أحد الثلاثة المشار إليهم، وهو أبو أسامة- واسمه حماد بن أسامة-؛ فقد رواه مسلم والبيهقي من طريق أبي بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو أسامة عن هشام به مرفوعاً، فكان تخريج مسلم من هذا الوجه من الدواعي على ترجيح المرفوع هناك.

3200

ثم بدا لي ما يقدح في هذا الوجه، وهو أن ابن أبي شيبة لم يسنده في "مصنفه "؛ فإنه قال (2/233) : حدثنا أبوأسامة عن هشام عن محمد قال: "ما رأيته افتتح صلاة تطوع إلا بركعتين ". فقد أوقفه على محمد بن سيرين. ثم وجدت لابن أبي شيبة متابعاً مرفوعاً، فقال الترمذي في "الشمائل " (2/88- بشرح القاري) ، وعنه البغوي (4/17 /07 9) - وصححه-: حدثنا محمد ابن العلاء: أنبأنا أبو أسامة به؛ فانتفى القدح المذكور، وبقي ترجيح الوقف على السببين المشار إليهما: أحدهما: أن هشاماً قد توبع من أيوب وغيره على وقفه، ولم يتابعه أحد- فيما علمت- على رفعه. والآخر: أنه لم نجد له شاهداً، ووجدنا للمرفوع من فعله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه مسلم وغيره عن عائشة، وهو مخرج هناك مثل حديث الترجمة. * 3200- (لو أن الله يؤاخذُني وعيسى بذنوبنا (وفي رواية: بما جنت هاتان- يعني: الإبهام والتي تليها-) ، لُعذَّبَنا ولا (وفي الأخرى: ولم) يظلِمنا شَيئاً) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2/656 و 658) - بالروايتين-، وأبو نعيم في"الحلية" (8/132) - بالرواية الأخرى-من طرق عن حسين بن علي الجُعْفِيِّ عن فُضَيلٍ بن عياض عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال:

3201

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الفضيل وهشام، تفرد به عنه الحسين بن علي الجعفي ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه، فالسند صحيح على شرطهما، فيتعجب من الحاكم كيف لم يورده في "مستدركه "؟! وللحديث طريق أخرى، يرويه محمد بن يوسف الفريابي: ثنا سفيان الثوري عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة به نحوه. أخرجه الطبراني في" الأوسط " (2294) ، والبزار (4/162/3448-كشف) من طريقين عن الفريابي به. وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا الفريابي ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه؛ فالسند صحيح أيضاً. وله شاهد من حديث زيد بن ثابت نحوه، ليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وعيسى؛ وسنده صحيح، وهو مخرج في "الظلال " (245) . * 3201- (إن أخوف ما أخاف عليكم رجل قرأ القرآن، حتّى إذا رُئيتْ بهجتُه عليه، وكان رِدْءاً للإسلام؛ انسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك. قلت: يا نبيَّ الله! أيُّهما أولى بالشرك، الرامي أو المرمي؟ قال: بل الرامي) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/ 301/07 29) ، وأبو يعلى في "مسنده الكبير" - كما في "تفسير ابن كثير" (2/265) و"المطالب العالية" (4/273/4423) -، ومن طريق أبي يعلى: ابن حبان في "صحيحه " (1/148/ 81) ، والبزار في "

مسنده " (1/99/175) من طرق عن محمد بن بكر عن الصلت] بن بهرام [: حدثنا الحسن: حدثنا جندب البجلي- في هذا المسجد- أن حذيفة حدثه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال ابن كثير: "هذا إسناد جيد، والصلت بن بهرام كان من ثقات الكوفيين، ولم يُرْمَ بشيء إلا الإرجاء، وقد وثقه أحمد وابن معين وغيرهما". وأقول: لا شك أن الصلت بن بهرام ثقة، ولكن هل هو راوي هذا الحديث عن الحسن- وهو البصري-؟! هذا فيه نظر، وإن كان جزم به ابن كثير، وسلفه في ذلك ابن حبان، فقد قال في ترجمة الصلت بن بهرام من "ثقاته " (6/471) : "كوفي عزيز الحديث، يروي عن جماعة من التابعين، روى عنه أهل الكوفة، وهو الذي يروي عن الحسن، روى عنه محمد بن بكر المقرئ الكوفي- ليس بالبَرَساني-، ومن قال: إنه الصلت بن مهران؛ فقد وهم، إنما هو الصلت بن بهرام ". كذا قال! وتعقبه الحافظ بقوله في "التهذيب ": "هذا الذي رده جزم به البخاري عن شيخه علي بن المديني، وهو أخبر بشيخه، وقال البخاري في "التاريخ ": قال لي علي: ثنا محمد بن بكر البرساني عن الصلت بن مهران: حدثني الحسن البصري ... فذكر حديثاً ". قلت: وهو هذا، وفيما ذكره كل من الحافظ وابن حبان ما يلفت النظر: أولاً: لا يوجد في نسخة "التاريخ " المطبوعة: " البرساني، ابن مهران، البصري "؛فالظاهر أن ذلك من الحافظ ذكره من عنده على سبيل البيان لا الرواية. ثانياً: جزم ابن حبان بأن محمد بن بكر الراوي عن الصلت ليس هو البرساني، لا أدري ما مستنده في ذلك؟! بل هو مخالف لصنيع الحفاظ الذين ذكروا في

ترجمة البرساني أنه روى عنه علي بن المديني ومحمد بن مرزوق الباهلي، وهما ممن رويا هذا الحديث عنه، الأول عند البخاري كما تقدم، والآخر عند أبي يعلى وابن حبان وكذا البزار، بل إن هذا وقع في إسناده أنه (البرساني) ! ثالثاً: لا نعرف في الرواة (محمد بن بكر المقرئ الكوفي) حتى يَرِدَ جزم ابن حبان بأنه هو، ولو احتمالاً، وكان على ابن حبان أن يورده في "ثقاته " كما فعل بـ (البرساني) ، فقد أورده في موضعين منه؛ في (أتباع التابعين) (7/442) ، وفي (أتباع أتباعهم) (9/38) ؛ فهو إذن من المجهولين. رابعاً: سلمنا- جدلاً- أنه غير البرساني، فلا يستقيم جزمه بأن الصلت هو ابن بهرام، لأنه لم يقع التصريح به إلا في رواية المقرئ هذا، وهو غير معروف. خامساً: إذا كان الأمر كذلك؛ فمن يكون الصلت هذا؟ أما البخاري فصنيعه المتقدم صريح بأنه ابن مهران؛ لأنه ساق الحديث في ترجمته، ونحوه قول ابن أبي حاتم فيه (4/439/927 1) : "روى عن الحسن وشهر بن حوشب، وعنه محمد بن بكر البرساني وسهل ابن حماد". وعليه " فالصلت هنا اثنان: ابن بهرام، وقد وثقه جماعة كما تقدم، وابن مهران، وهو غير مشهور؛ لأنه لم يرو عنه غير البرساني وشهر، ولذلك قال الذهبي في " الميزان ": "مستور، قال ابن القطان: مجهول الحال ". وظاهر كلام البزار يميل إلى أن الصلت هذا هو الأول؛ فقد قال عقب الحديث: "

3202

لا نعلمه يروى إلا عن حذيفة، وإسناده حسن، والصلت مشهور، ومن بعده لا يسأل عن أمثالهم ". قلت: وسواء كان هذا أو ذاك، فالحديث حسن إن شاء الله تعالى؛ لأن له شواهد في الجملة، منها حديث عمر مرفوعاً: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان " رواه أحمد وغيره بسند صحيح عن عمر، وهو مخرج فيما تقدم (3/11/1013) . ورواه البيهقي في "شعب الإيمان " (2/284/777 1) بلفظ: ".. منافق يتكلم بالحكمة، ويعمل بالجور". وحديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "إذا قال الرجل للرجل: "يا كافر! فقد باء به أحدهما إن كان كما قال، وإلا؛ رجعت على الآخر". أخرجه أحمد (2/44) ، ومسلم وغيرهما، وقد مضى تخريجه برقم (2891) في المجلد السادس-. * 3202- (من صام الدهر؛ ضيِّقت عليه جهنم هكذا- وعقد تسعين-) . أخرجه الطيالسي في "مسنده " (514) ، وعنه البزار في "مسنده " (1041) ، وكذا البيهقي (4/300) : حدثنا الضحاك بن يسار عن أبي تميمة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. ثم أخرجه البيهقي، وابن أبي شيبة (3/78) ، وأحمد (4/414) ،

وابن حبان (5/238/3576) من طرق أخرى عن الضحاك بن يسار به. قلت: وهذا إسناد جيد، أبو تميمة- واسمه طريف بن مجالد الهجيمي- ثقة من رجال البخاري. والضحاك بن يسار، قال ابن أبي حاتم (4/462/ 2040) : "سألت أبي عنه؟ فقال: لا بأس به ". وذكر عن ابن معين أنه قال: "يضعفه البصريون ". وضعفه آخرون ذكرهم الحافظ في "التعجيل "، وهو جرح غير مفسر، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (6/683) ، وروى عنه جمع من الحفاظ مثل وكيع وأبي نعيم ومسلم بن إبراهيم، وغيرهم، فمثله يحتج به، وتطمئن النفس لحديثه، ولا سيما وقد توبع، فقال الطيالسي (513) : حدثنا شعبة عن قتادة عن أبي تميمة به موقوفاً. وقال: "لم يرفعه شعبة، ورفعه سعيد". يعني: ابن أبي عروبة. ومن طريق الطيالسي أخرجه البيهقي أيضاً. وقد توبع، فقال ابن أبي شيبة (3/78) : حدثنا وكيع عن شعبة به. وكذا رواه أحمد (4/414) : ثنا وكيع ... وتابعه الثوري في "مصنف عبد الرزاق " (4/296/7866) ؛ فقال: عن الثوري عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي موسى به.

كذا وقع فيه! لم يذكر قتادة بين أبي تميمة والثوري، وهذا لم يدرك أبا تميمة (¬1) ، فلا أدري أسقط ذكر قتادة من الناسخ أو الطابع، أم الرواية هكذا؟! والأول أرجح، والله أعلم. ولم يتنبه لهذا الانقطاع: المعلق على "المصنف "، وكذا المعلق على "الإحسان " (8/ 350- طبع المؤسسة) . وأما رواية سعيد المرفوعة، فقال الروياني في "مسنده " (ق 107/2) : نا محمد ابن بشار: نا ابن أبي عدي وعبد الأعلى (¬2) قالا: نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به مرفوعاً. وهكذا أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (3/313/2154) ، والبزار أيضاً (1040) من طريق محمد بن أبي عدي وحده. قلت: وهذا إسناد صحيح، ولا يضرُّه وقف من أوقفه؛ فإنه لا يقال بالرأي كما هو ظاهر، وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (1/238) : "أخرجه أحمد والنسائي قي "الكبرى" وابن حبان، وحسنه أبو علي الطوسي ". قلت: ليس هو في "كبرى النسائي " المطبوعة حديثاً، وهي من رواية ابن الأحمر، وقد أفاد الحافظ المزي في "تحفة الأشراف " (6/423) أنه في رواية أبي الحسن بت حَيَّوَيهِ عن النسائي. وقال الهيثمي (3/193) : "رواه أحمد والبزار والطبراني في " الكبير"، ورجاله رجال الصحيح ". ¬

(¬1) لأن هذا مات في خلافة سليمان بن عبد الملك، وفيها ولد سفيان. (¬2) فيه رد لقول ابن خزيمة: "لم يسنده عن قتادة غير ابن أبي عدي"!

3203

قلت: والحديث ظاهر الدلالة في تحريم صوم الدهر، وبه قال ابن حزم في "المحلى" (7/12- 16) ، واستدل على ذلك أيضاً بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من صام الدهر؛ فلا صام ولا أفطر". ولقد تكلف كثير من العلماء في رد دلالتهما بتأويلهما، وبخاصة الأول منهما؛ فقد حمله ابن حبان على من صام الدهر الذي فيه أيام العيد والتشريق! وأسوأمنه من تأوَّله بقوله: "ضُيِّقُت عنه جهنم حتى لا يدخلها"! حكاه ابن خزيمة وغيره عن المزني! ولقد أحسن ابن حزم في ردْه بقوله: "وهذه لكنة وكذب. أما اللكنة؛ فإنه لو أراد هذا؛ لقال: "ضيقت عنه "، ولم يقل: "عليه ". وأما الكذب؛ فإنما أورده رواته كلهم على التشديد والنهي عن صومه ". وانظر ما كنت علقته على كلمة المزني في "صحيح ابن خزيمة" (3/314) . * 3203- (ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير) . أخرجه أبو داود (1/388- جهاد) ، وا لحا كم (4/ 486- 487) ، وعبد الرزاق (11/376/20790) ، وأحمد (2/84 و 198- 199و209) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/54 و 66) ، وابن عساكر في"تاريخ دمشق " (1/149 و150- طبع دمشق) من طريق شهر بن حوشب عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعاً ... وفيه قصة.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، سكت عنه الحاكم والذهبي، وعلته شهر هذا؛ فإنه ضعيف لسوء حفظه. ومع ذلك؛ فقد قال الحافظ في "الفتح " (11/380) : "أخرجه أحمد، وسنده لا بأس به "! ثم وجدت للحديث طريقاً أخرى، وشاهداً، يتقوى الحديث بهما ولا بد. أما الطريق الأخرى؛ فقال الحاكم (4/ 510) : أخبرني أحمد بن محمد بن سلمة العنزي (!) : ثنا عثمان بن سعيد الدارمي: ثنا عبد الله بن صالح: ثنا موسى ابن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول: خرجت حاجّاً، فقال لي سليمان بن عنز- قاضي مصر-: أبلغ أبا هريرة مني السلام، وأعلمه أني قد استغفرت الغداة له ولأمه، فلقيته؛ فأبلغته، قال: وأنا قد استغفرت له، ثم قال: كيف تركتم أم حنو؟ يعني مصر، قال: فذكرت له من رفاهيتها وعيشها، قال: أما إنها أول الأرض خراباً، ثم أرمينية؛ قلت: سمعت ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، ولكن حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنها تكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض.. " الحديث. وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي! وأقول: عبد الله بن صالح- وهو أبو صالح كاتب الليث- ليس من رجال مسلم، ثم إن فيه كلاما من قبل حفظه، وقد توسط فيه الحافظ في "مقدمة الفتح "، فقال بعد أن ساق أقوال أئمة الجرح فيه:

"قلت: ظاهر كلام هؤلاء الأئمة أن حديثه في الأول كان مستقيماً، ثم طرأ عليه فيه تخليط، فمقتضى ذلك أن ما يجيء من روايته عن أهل الحذق، كيحيى ابن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم؛ فهو من صحيح حديثه، وما يجيء من رواية الشيوخ عنه فيتوقف فيه ... ". قلت: ولعل من هؤلاء الحذاق عثمان بن سعيد الدارمي؛ فقد ذكر الذهبي في ترجمته من "السير" (13/ 320) أنه أخذ علم الحديث وعلله عن علي ويحيى وأحمد، وفاق أهل زمانه، ووصفه في مطلع ترجمته بـ: "الإمام العلامة الحافظ الناقد ... ". لكن يبقى النظر في حال شيخ الحاكم أحمد بن محمد بن سلمة العنزي؛ فإني لم أجد له ترجمة، لكن يظهر من تصحيح الحاكم لحديثه هذا أنه ثقة عنده. وقد ذكره الذهبي في الرواة عن الدارمي، لكنه لم يسم جده، وقال في نسبته (العنبري) مكان (العنزي) ، فهو ممن يستشهد به على الأقل. والله أعلم. وأما الشاهد؛ فيرويه يحيى بن حمزة: ثنا الأوزاعي عن نافع- وقال أبو النضر: عمن حدثه عن نافع- عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "سيهاجر أهل الأرض هجرة بعد هجرة ... " الحديث. أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 464) وابن عساكر (1/ 151) من طريق أبي النضر إسحاق بن إبراهيم بن يزيد وهشام بن عمار الدمشقيين قالا: ثنا يحيى بن حمزة به.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري، فهو صحيح؛ لولا الواسطة بين الأوزاعي ونافع؛ فإنه لم يسم، مع أن رواية الأوزاعي عن نافع ثابتة في "صحيح البخاري ". وعلى كل حال؛ فهو شاهد صالح، وبه يرتقي الحديث إلى مرتبة الصحة إن شاء الله تعالى. وهنا بعض التنبيهات التي لا بد منها: أولاً: كنت ذكرت الحديث في "الضعيفة" برقم (3697) من الطريق الأولى، فلما وقفت على الطريق الأخرى والشاهد؛ لم استجز إبقاءه هناك، فنقلته إلى هنا، سائلاً المولى سبحانه وتعالى مزيداً من التوفيق والهداية. ثانياً: وبناء على ذلك نقلته أيضاً من "ضعيف الجامع " (3258) إلى "صحيح الجامع "، فالرجاء من مقتنيهما، أن يفعل هذا. ثالثاً: لقد جاء الحديث في "الفتح الكبير" الذي هو أصل كتابي "صحيح الجامع"و"ضعيف الجامع"غير مرموز له بحرف (ز) إشارة إلى أنه من"الزيادة على الجامع الصغير" كما جرى عليه مؤلف "الفتح "، وبناء عليه؛ جاء في "ضعيف الجامع وزيادته"غير مقرون برقمه الخاص الذي كنت اصطلحت عليه مكان حرف (ز) ؛والآن تبين لي أنه ليس في"الجامع الصغير" وإنما في"الزيادة عليه" فاقتضى التنبيه. رابعاً: أشار المنذري إلى تقوية الحديث بمجموع الطريقين عن ابن عمرو؛ بتصديره إياه بلفظ: "عن "، ولكنه في الوقت نفسه أشار إلى تخطئة الحاكم في تصحيحه إسناده، بقوله (3/62) :

"رواه أبو داود عن شهر عنه، والحاكم عن أبي هريرة عنه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين " كذا قال! ". وقد عرفت علة إسناده، وأنه محل للاستشهاد به، ولعله لذلك جزم شيخ الإسلام ابن تيمية بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير ما موضع من "فتاويه "، فانظر (ص 41 و 44و509) من المجلد (27) من "مجموع الفتاوى"، وقال في الصفحة الأخيرة من المذكورات؛ في فصل كان عقده في فضل الشام وأهله: "وفي هذا الحديث بشرى لأصحابنا الذين هاجروا من (حران) وغيرها إلى مهاجر إبراهيم، واتبعوا ملة إبراهيم، ودين نبيهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبيان أن هذه الهجرة التي لهم بعد (كذا، ولعل الصواب: تعدل) هجرة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة، لأن الهجرة إلى حيث يكون الرسول وآثاره، وقد جعل مهاجر إبراهيم يعدل لنا مهاجر نبينا - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن الهجرة انقطعت بفتح مكة". وبهذه المناسبة يحق لي أن أقول بيانأ للتاريخ، وشكرأ لوالدي- رحمه الله تعالى-: وكذلك في الحديث بشرى لنا: آل الوالد الذي هاجر بأهله من بلده (أشقودرة) عاصمة (ألبانيا) يومئذ؛ فراراً بالدين من ثورة (أحمد زوغو) أزاغ الله قلبه، الذي بدأ يسير في المسلمين الألبان مسيرة سلفه (أتاتورك) في الأتراك، فجنيت- بفضل الله ورحمته - بسبب هجرته هذه إلى (دمشق الشام) ما لا أستطيع أن أقوم لربي بواجب شكره، ولو عشت عمر نوح عليه الصلاة والسلام؛ فقد تعلمت فيها اللغة العربية السورية أولاً، ثم اللغة العربية الفصحى ثانياً، الأمر الذي مكنني أن أعرف التوحيد الصحيح الذي يجهله أكثر العرب الذين كانوا من

حولي- فضلاً عن أهلي وقومي-؛ إلا قليلاً منهم، ثم وفقني الله- بفضله وكرمه دون توجيه من أحد منهم- إلى دراسة الحديث والسنة أصولاً وفقهاً، بعد أن درست على والدي وغيره من المشايخ شيئاً من الفقه الحنفي وما يعرف بعلوم الآلة، كالنحو والصرف والبلاغة، بعد التخرج من مدرسة (الإسعاف الخيري) الابتدائية، وبدأت أدعو من حولي من إخوتي وأصحابي إلى تصحيح العقيدة، وترك التعصب المذهبي، وأحذرهم من الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وأرغبهم في إحياء السنن الصحيحة التي أماتها حتى الخاصة منهم، وكان من ذلك إقامة صلاة العيدين في المصلى في دمشق، ثم أحياها إخواننا في حلب، ثم في بلاد أخرى في سوريا، واستمرت هذه السنة تنتشر حتى أحياها بعض إخواننا في (عمان/ الأردن) ؛ كما حذرت الناس من بناء المساجد على القبور والصلاة، وألفت في ذلك كتابي "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد"، وفاجأت قومي وبني وطني الجديد بما لم يسمعوا من قبل، وتركت الصلاة في المسجد الأموي، في الوقت الذي كان يقصده بعض أقاربي؛ لأن قبر يحيى فيه كما يزعمون! ولقيت في سبيل ذلك- من الأقارب والأباعد- ما يلقاه كل داعية للحق لا تأخذه في الله لومة لائم، وألفت بعض الرسائل في بعض المتعصبين الجهلة، وسُجِنْتُ مرتين بسبب وشاياتهم إلى الحكام الوطنيين والبعثيين، وبتصريحي لبعضهم حين سئلت: لا أؤيد الحكم القائم؛ لأنه مخالف للإسلام، وكان ذلك خيراً لي وسبباً لانتشار دعوتي. ولقد يسر الله لي الخروج للدعوة إلى التوحيد والسنة إلى كثير من البلاد السورية والعربية، ثم إلى بعض البلاد الأوروبية، مع التركيز على أنه لا نجاة للمسلمين مما أصابهم من الاستعمار والذل والهوان، ولا فائدة للتكتلات

الإسلامية، والأحزاب السياسية إلا بالتزام السنة الصحيحة وعلى منهج السلف الصالح- رضي الله عنهم-؛ وليس على ما عليه الخلف اليوم- عقيدة وفقهاً وسلوكاً-؛ فنفع الله ما شاء ومن شاء من عباده الصالحين، وظهر ذلك جليّاً في عقيدتهم وعبادتهم، وفي بنائهم لمساجدهم، وفي هيئاتهم وألبستهم، مما يشهد به كل عالم منصف، ولا يجحده إلا كل حاقد أو مخرف، مما أرجو أن يغفر الله لي بذلك ذنوبي، وأن يكتب أجر ذلك لأبي وأمي، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات: (ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحاً ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين) ، ربِّ (.. وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين) . خامساً: كنت علَّقت على الفصل المشار إليه آنفاً، حين قام بطبعه صاحب المكتب الإسلامي بتعليقي عليه، ألحقه بكتابي "تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق للربعي "، وفيه هذا الحديث كما تقدم، وكنت علقت عليه بما خلاصته أنه حديث حسن، ثم خرجته من الطريقين عن ابن عمرو مبيِّنآً علتهما باختصار، وختمته بقولي: "ولكن الحديث قوي بمجموع الطريقين إن شاء الله تعالى". ولما قام بطبع مشروعي "صحيح السنن الأربعة" و"ضعيفها" بتكليف من "مكتب التربية العربي "دون علمي؛ أخذ يتصرف بها ويعلق عليها كما يوحي إليه جهله وغروره بما لا يتسع المجال الآن لبيانه، ولا سيما وقد بينت شيئاًً من ذلك في غير ما موضع. والمقصود الآن أن هذا الحديث، كنت أوردته في "ضعيف أبي داود" لضعف

إسناده كما تقدم بيانه، وبناءً على الاتفاق القائم بيني وبين مكتب التربية- كما هو منصوص عليه في مقدمة "ضعيف أبي داود" (ص 8- 9) وغيره-؛ فقلت فيه تحت الحديث: "ضعيف". أي: ضعيف إسناده، فأضاف الصاحب من عنده معتدياً: " [ضعيف الجامع الصغير] ". وزاد في الاعتداء فعلق عليه بما لا يخرج عن الخلاصة التي ذكرتها آنفاً، ولكن بأسلوب ماكر يفهم القارئ منه أنني متناقض، تماماً كما يفعل ذاك السقاف الجاهل الحاقد مدعي "التناقضات " بجهله المتراكم، فسار على وتيرته الصاحب القديم! بالتعليق المشار إليه، وكان حقه- لو اتقى الله وأنصف- أن يبين أنه لا تناقض بين التضعيف؛ فهو بالنظر لسند أبي داود، والتحسين؛ فهو بالنظر لمجموع الطريقين كما هو صريح في تخريجي على الفصل المشار إليه آنفاً. ولم يكتف بهذا الاعتداء؛ بل جاء بثالثة الأثافي! فأخذ يوهم القراء التناقض في اسم صحابي الحديث؛ إذ وقع في التعليق المذكور "ابن عمر" خطأ مطبعيّاً أو قلمياً، قال: "وذكر في "صحيح (كذا) الجامع " أنه عن ابن عمرو"! هكذا وقع في تعليقه هذا: "صحيح الجامع "! وهو خطأ أيضاً قلمي أو مطبعي، فكأن الله أراد أن يخزيه فوقع فيما رمى به غيره؛ مصداقاً للحكمة القائلة: "من حفر بئراً لأخيه؛ وقع فيه "! فاعتبروا يا أولي الأبصار! والله المستعان، ولا حول ولا قوة

3204

إلا بالله، نسأل الله تعالى أن يحفظنا من فتن هذا الزمان وشرور أهله. ثم رأيت الحافظ إبراهيم الناجي قد نبه في"عجالة الإملاء" (ق 5 20/ 1) أن قول المنذري- فيما تقدم- أن الحاكم رواه عن أبي هريرة عن ابن عمرو وهم؛ إذ ليس في إسناد الحاكم ذكر لأبي هريرة مطلقاً! ومن الواضح جداً أنه يعني الطريق الأولى التي فيها شهر، وأنه لم يقف على الطريق الأخرى، فإنها من رواية أبي هريرة عن ابن عمرو- رضي الله عنهما-. وإن من غفلة المعلقين الثلاثة على "الترغيب " وجهلهم وتقليدهم؛ أنهم مع عزوهم (3/642) الحديث للحاكم برقم الصفحة التي فيها الطريق الأخرى؛ فإنهم مع ذلك ضعفوا الحديث وأعلُّوه بـ (شهر بن حوشب) !! * 3204- (إذا أراد أحدكم أن يسأل؛ فليبدأ بالمدحة والثناء على الله بما هو أهله، ثم ليصل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم ليسأل بعد؛ فإنه أجدر أن ينجح) . موقوف في حكم المرفوع: أخرجه عبد الرزاق في"المصنف " (1/ 441/19642) ، ومن طريقه: الطبراني في "المعجم الكبير" (9/170/ 8780) عن معمر عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن ابن مسعود قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه بين أبي عبيدة وأبيه، قال الهيثمي في "المجمع " (10/155) : "رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح "؛ إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه ". قلت: فقوله (10/160) : "وهو حديث جيد"!

3205

غير جيد للانقطاع الذي فيه، وأيضاً فأبو إسحاق- وهو السبيعي- مدلس مختلط؛ إلا إن كان يريد أنه جيد لشواهده، فهو كما قال، ولكنه لم يوضح. فيقويه أن له طريقاً أخرى عند الترمذي (2/184/593) من طريق أبي بكر ابن عياش عن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله قال: كنت أصلي؛ والنبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر معه، فلما جلست بدأت بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم دعوت لنفسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سل تعطه، سل تعطه ". وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". قلت: إسناده حسن، وقد أخرجه أحمد (1/445) من طريق أخرى عن زائدة: ثنا عاصم بن أبي النجود بالجملة الأخيرة منه في قصة أخرى. وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله. أخرجه أحمد (1/386 و 437) ؛ وانظر "تخريج المختارة" (455) و" المشكاة" (931) . وله شاهد آخر بنحوه، تقدم برقم (2035) . * من أدبه - صلى الله عليه وسلم - مع نسائه 3205- (كذلك سَوْقُكَ بالقوارير، يعني النساء. قاله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع) . أخرجه أحمد (6/337- 338) : حدثنا عبد الرزاق قال: ثنا جعفر بن

سليمان عن ثابت قال: حدثتني شميسة- أو سمية؛ قال عبد الرزاق: هو في كتابي سمينة- عن صفية بنت حُيَيٍّ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حج بنسائه، فلما كان في بعض الطريق؛ نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، فبينما هم يسيرون؛ بَرَكَ بصفية بنت حيي جملُها، وكانت من أحسنهن ظهراً، فبكت، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أُخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، فلما أكثرت زَبَرَها وانتهرها، وأمر الناس بالنزول فنزلوا، ولم يكن يريد أن ينزل، قالت: فنزلوا، وكان يومي، فلما نزلوا ضرب خباء النبي - صلى الله عليه وسلم - ودخل فيه، قالت: فلم أدرِ عَلامَ أهجم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وخشيت أن يكون في نفسه شيء مني! قالت: فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمين أني لم أكن أبيع يومي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء أبداً، وإني قد وهبت يومي لك على أن تُرْضِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عني! قالت: نعم، قالت: فأخذت عائشة خماراً لها قد ثردته بزعفران، فرشته بالماء ليذكى ريحه، ثم لبست ثيابها، ثم انطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرفعت طرف الخباء، فقال لها: "ما لك يا عائشة؟! إن هذا ليس بيومك ". قالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فقال مع أهله. فلما كان عند الرواح؛ قال لزينب بنت جحش: "يا زينب! أفقري أختك صفية جملاً". وكانت من أكثرهن ظهراً، فقالت: أنا أفقر يهوديتك! فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سمع ذلك منها، فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره، حتى رجع إلى المدينة؛ والمحرم وصفر، فلم يأتها، ولم يَقْسِم لها، ويئست منه.

فلما كان شهر ربيع الأول؛ دخل عليها، فرأت ظلَّه، فقالت: إن هذا لظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما يدخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فمن هذا؟! فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما رأته قالت: يا رسول الله! ما أدري ما أصنع حين دخلت علي؟! قالت: وكانت لها جارية، وكانت تخبِّئُها من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: فلانة لك، فمشى النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى سرير زينب، وكان قد رُفع، فوضعه بيده، ثم أصاب أهله، ورضي عنهم. ثم قال أحمد عقب هذا الحديث- وفي "مسند عائشة (6/131- 132) -: ثنا عفان: ثنا حماد- يعني: ابن سلمة- قال: ثنا ثابت عن شميسة عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر له، فاعتلَّ بعير لصفية، وفي إبل زينب فضل، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بعيراً لصفية اعتل، فلو أعطيتِها بعيراً من إبلك ". فقالت: أنا أعطي تلك اليهودية؟! قال: فتركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذا الحجة والمحرم شهرين أو ثلاثة لا يأتيها، قالت: حتى يئستُ منه، وحَوُّلْتُ سريري. قالت: فبينما أنا يوماً بنصف النهار؛ إذا أنا بظل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُقْبِل. قال عفان: حدثنيه حماد عن شميسة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم سمعته بعد يحدثه عن شميسة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال بعد: في حج أو عمرة، ولا أظنه إلا قال: في حجة الوداع. وأخرجه الطبراني في" المعجم الأوسط " (1/145/2/ 2770) - بتمامه نحوه-،

والنسائي، وابن ماجه، وأبو داود- بعضه-، وهو مخرج في "الإرواء" (7/85) ، وسقط تخريجه من مطبوعته، فيستدرك من هنا. وقد قلت هناك: "ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير سمية هذه، وهي مقبولة عند الحافظ ابن حجر". وأزيد هنا فأقول: وذكرها الذهبي في آخر "الميزان " في فصل "النسوة المجهولات "، وقال في أوله: "وما علمت في النساء من اتُّهِِمَتْ، ولا من تركوها". وقال الهيثمي في حديث عائشة (4/323) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه سمية، روى لها أبو داود وغيره، ولم يجرِّحها أحد، وبقية رجاله ثقات "! كذا قال! وفاته عزوه لأحمد، وفي روايته لحديث صفية ملاحظتان: إحداهما: موافقة ما في كتاب عبد الرزاق لما في رواية أحمد وغيره لحديث عائشة أن الراوي عن صفية، وعن عائشة هي "سمية"، لكن وقع في مطبوعة عبد الرزاق: "سمينة " بزيادة النون بين الياء والهاء! وأظنها خطأ مطبعياً. والأخرى: أن في حفظ عبد الرزاق أن اسم الراوي "شميسة " تصغير "الشمس "، وهذا موافق لما رواه البخاري في "الأدب المفرد" (47/142) من طريق شعبة عن شميسة العتكية قال: ذُكِرَ أدب اليتيم عند عائشة- رضي الله عنها-، فقالت:

إني لأضرب اليتيم حتى ينبسط. ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير شميسة هذه؛ فقد أوردها المزي في " التهذ يب "، وقال: "روى عنها شعبة بن الحجاج وهشام بن حسان ". ثم ساق له هذا الأثر، ولم يحكِ فيها جرحاً ولا تعديلاً، وتبعه الحافظ، وهذه غريبة منهما! نتجت من غريبة أخرى، وهي أن ابن أبي حاتم أوردها في "الجرح والتعديل " (2/ 1/ 391) ؛ فوقع فيه على أنها رجل؛ ففيه: "شميسة روى عنه شعبة". ثم روى بسنده عن عثمان بن سعيد قال: سأ لت يحيى بن معين؛ قلت: شمسية؟ قال: "ثقة". وعلق عليه محققه الفاضل بقوله: "شميسة امرأة، فالصواب: "روى عنها".. ولم يذكر المزي ولا ابن حجر توثيق ابن معين لها، كأنهما لم يعثرا على ذكر المؤلف لها في أسماء الرجال؛ وقد وقع له مثل هذا في "دقرة" كما تقدم في باب الدال ". وأفاد هناك (2/1/444) أن قوله: "روى عنه " خطأ من تصرف من بعد المؤلف؛ فإنه قد يذكر نادراً بين تراجم الرجال بعض النسوة كما في آخر باب الذال: "ذرة، روت عن عائشة ... ". وإن مما يؤيد الخطأ المذكور: أن يزيد بن الهيثم قد روى- في جزء "من كلام أبي زكريا يحيى بن معين في الرجال "، تحقيق الدكتور أحمد محمد نور سيف-

مثلما روى عثمان بن سعيد عنه، فقال (105/333) : "قيل له: فشميسة؟ قال: ثقة، روى عنها شعبة، وابن أبي حازم والدراوردي، ليس بها بأس ". قلت: وهذه فائدة هامة تضم إلى ترجمة شميسة في "تهذيب المزي " وفروعه، وقد ذكر عبد الله بن أحمد شميسة هذه فيمن رأى شعبة من الرواة في كتابه "العلل " (1/162) ، ثم قال (1/267 و 2/245) : حدثني أبي قال: حدثنا عبيد الله بن ثور قال: حدثتني أمي قالت: رأيت شميسة بنت عزيز بن غافر (¬1) الوسقية- قال عبيد الله: بطن منا، يعني العتيك- عليها خلخالان، وهي عجوز كبيرة. قلت: والظاهر أنها التي في "تاريخ واسط " لبحشل، قال (109/88) : حدثنا محمد بن إسماعيل قال: ثنا عفان قال: ثنا شعبة قال: قالت لي أمي: ههنا امرأة تحدث عن عائشة- رضي الله عنها-؛ اذهب فاسمع منها، قال: فذهبت فسمعت منها، فقلت: قد ذهبت، قالت: سلمك الله. قال أبو الحسن (هو بحشل المؤلف) : "هذه المرأة يقال لها: شمسية (كذا) أم سلمة". وهذه فائدة أخرى تفرد بها (بحشل) أن كنيتها أم سلمة، وهو مما يستدرك على الحافظ الذهبي في "المقتنى في سرد الكنى". وقوله: "شمسية" أظنه محرفاً من "شميسة"، والله تعالى أعلم. وجملة القول: أن "شميسة" هذه ثقة، بخلاف سمية، فهي مجهولة، ¬

_ (¬1) كذا بالغين المعجمة في الموضعين منه، وفي"الإكمال" (7/6) ، و"تهذيب الكمال": "عاقر"؛وهو الصواب كما في "التبصير"

وكلاهما تابعية بصرية تروي عن عائشة، فإن كانتا واحدة فالحديث صحيح، ولا سيما وجملة القوارير منه صحيحة؛ لأن لها شاهداً من حديث أنس- رضي الله عنه-، فقال أحمد (3/206) : ثنا روح: ثنا زُرارة بن أبي الحلال العتكي قال: سمعت أنس بن مالك يحدث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أنجشة! كذاك سيرك بالقوارير". قلت: وسنده ثلاثي صحيح متصل بالسماع؛ روح- وهو ابن عبادة- ثقة من رجال الشيخين، وزرارة وئقه ابن حبان وابن خُلفون، وروى عنه جمع آخر من الثقات، كما في "التعجيل ": وتابعه حميد عند الحارث- كما في "الفتح " (10/544) -، وذكر أن قوله: " كذاك " معناه: كفاك. وله طرق أخرى عن أنس بمعناه في "الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجت بعضها في "السلسلة الأخرى" تحت الحديث (6059) . (تنبيه) : تقدم عند الكلام في ترجمة "شميسة العتكية" نقلاً عن "الجرح والتعديل " أن الذي وثقها إنما هو ابن معين، وهو الموافق لما في "جزء يزيد بن الهيثم " كما تقدم، فقول الشيخ الجيلاني في "شرح الأدب المفرد" (1/236) : "وثقها ابن عدي (كتاب الجرح والتعديل. النسخة الخطية المملوكة لدائرة المعارف بحيدر أباد الدكن) "! قوله: "ابن عدي " تحريف "ابن معين "، لا أدري أهو من النسخة، أم من الناقل عنها، أم الطابع؟ وأياً ما كان فهو خطأ بلا شك لما تقدم، ولأن ابن أبي حاتم

3206

لا يروي عن ابن عدي شيئاً؛ فإن بين وفاتيهما (38) سنة، توفي الأول سنة (327) ، وا لآخره سنة (365) . 3206- (لا تكرهوا البنات؛ فإنَّهنَّ المؤنسات الغاليات) . أخرجه أحمد (4/ 151) ومن طريقه: ابن الجوزي في "العلل "، وتمّام (11/197/2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/310/856) عن ابن لهيعة عن أبي عُشَّانةَ عن عقبة بن عامر مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ ابن لهيعة، وبه أعله ابن الجوزي. وقد جاء من طريق أخرى مرسلاً وموصولاً: أما المرسل؛ فأخرجه علي بن حرب الطائي في حديثه (ق 81/ 1) : نا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه مرفوعاً به؛ إلا أنه قال: " المحقَّرات " بدل: " الغاليات ". وأما الموصول؛ فأخرجه ابن عدي (6/278) ، ومن طريقه: ابن الجوزي عن محمد بن معاوية قال: ثنا أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً. ومحمد بن معاوية- وهو النيسا بوري-: متروك متهم. وبعد كتابة هذا بنحو عشرين سنة؛ تبين لي أن رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة ملحقة- من حيث الصحة- برواية العبادلة عنه كما بينه الحافظ الذهبي في "السير"، ونقلته عنه في غير ما موضع من تخريجاتي وتعليقاتي (¬1) ، ولما كان هذا ¬

_ (¬1) انظر مثلا "الصحيحة" (1/595) ، و (6/825) ، و"الضعيفة" (1/421) .

3207

ولما كان هذا الحديث من رواية قتيبة عن ابن لهيعة؛ فقد قررت نقله من "الضعيفة" إلى هنا، وبخاصة أنه يشهد له مرسل عروة بن الزبير. 3207- (أنا حظُّكُم من الأنبياء، وأنتم حظِّي من الأمم) . أخرجه ابن حبان (2304) ، وا بن شاهين في "الأفراد" (ق 4/ 1) ، والبزار (3/ 321/2847) ، وأبو نعيم في"أخبار أصبهان" (2/ 224- 225) من طريق أبي كريب محمد بن العلاء: حدثنا زيد بن الحُبَاب: حدثنا سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي حَبِيبة الطائي عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال البزار: "لا نعلمه رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أبو الدرداء، ولا نعلم رواه عن زيد بن حُباب إلا أبو كريب ". كذا قال! ومع أن أبا كريب ثقة من رجال الشيخين؛ فلم يتفرد به؛ فقد فال ابن شاهين عقبه: "وهو حديث صحيح، تابعه أبو عامر الأسدي عن الثوري ". وأقول: هذه المتابعة أخرجها الطبراني في "الكبير"، فقد أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/174) بأتم منه، فقال: "وعن أبي الدرداء قال: جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زُرَيق، فتغير وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عبد الله بن زيد- الذي أُرِيَ الأذان-: أمسخ الله عقلك؟! ألا ترى الذي بوجه

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقال عمر: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً، وبالقرآن إماماً! فَسُرِّيَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: "والذي نفس محمد بيده! لو كان موسى بين أظهركم، ثم اتبعتموه وتركتموني؛ لضللتم ضلالاً بعيداً، أنتم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين ". هكذا ساقه الهيثمي، وقال: "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي، ولم أر من ترجمه، وبقية رجاله وثقوا"! كذا قال! وفيه نظر من ناحيتين: الأولى: أن أبا عامر هذا ترجمه البخاري (4/ 1/164) وابن أبي حاتم فقالا: "القاسم بن محمد أبو عامر سمع سفيان الثوري، روى عنه يحيى بن واضح أبو تميلة". زاد ابن أبي حاتم: "ومنجاب بن الحارث ". ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً! وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/305) هكذا: "القاسم بن محمد أبو نهيك الأسدي، يروي عن أنس بن مالك، روى عنه منصور والثوري ". هكذا أورده في طبقة (التابعين) لروايته عن أنس.

ثم أورد عقبه- بترجمة-؛ فقال: "القاسم بن محمد أبو نهيك، أصله من الكوفة، سكن (مرو) ، سمع أبا زيد عمرو بن أخطب، روى عنه الحسين بن واقد. وقد ذكرناه في (أتباع التابعين) ؛ لأن الناس لا يعرفون سماعه عن أبي زيد". والقاسم الذي أشار إلى أنه ذكره في (أتباع التابعين) لم أره فيهم، فلا أدري أنسيه، أم سقط من الناسخ أو الطابع؟ قلت: والظاهر أن القاسم بن محمد المكني بأبي عامر، هو غير المكني بأبي نهيك، وأن المكني بهذه الكنية (أبي نهيك) اثنان؛ أحدهما: تابعي، وهو الراوي عن أبي زيد. والآخر: تابع تابعي، وهو الأسدي الضبي، مترجم في "التهذيب " برواية قرة بن خالد ومنصور بن المعتمر، قال في "التهذيب ": "ذكره ابن حبان في (الثقات) ". فلعله الساقط المشار إليه آنفاً؛ فإني أستبعد أن يكون أراد الذي ذكرت أولاً- أنه يروي عن أنس-؛ لأنه لو أراده لذكر الحافظ روايته عن أنس، ولما ذكره في "كنى التقريب " من الطبقة السادسة! والله أعلم، فالأمر بحاجة إلى مزيد من البحث والتحقيق. وأما الناحية الأخرى؛ فهي قول الهيثمي: ".. وثقوا". ففيه إشارة- كما عرفت ذلك منه بالاستقراء- إلى أن أحد رواته في توثيقه نظر؛ وإنما هو أبو حبيبة الطائي؛ فإنه لم يوثقه غيرابن حبان (5/577) ، ولا يعرف

له راو غير أبي إسحاق هذا- وهو السبيعي-,فهو في عداد المجهولين، ولذلك أشار الذهبي- كعادته أيضاً في "الكاشف "- إلى تمريض توثيقه بقوله فيه: "وُثِّق "! ولذا؛ قال الحافظ فيه: "مقبول ". يعني عند المتابعة، ولم يوثقه، وقد أشار الهيثمي إلى تقوية حديثه، فقال - عقب عزوه إليه للبزار- (10/68) : "ورجاله رجال (الصحيح) ؛ غير أبي حبيبة الطائي، وقد صحح له الترمذي حديثاً، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". قلت: والحديث الذي أشار إليه: هو فيمن يعتق عند الموت، وهو مخرج في "الضعيفة" (1322) لجهالة الطائي هذا، ومع ذلك حسنه الحافظ، وقلده بعض المعاصرين، ومنهم المعلق على "شرح السنة " (6/172) ، ثم جزم بضعف إسناده في حديث الترجمة في تعليقه على "الإحسان " (16/197) . ولو أنه عكس لأصاب؛ لأن أبا حبيبة الطائي له متابع، يرويه جابر الجُعْفي عن عامر الشعبي عن عبد الله بن ثابت خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: جاء عمر- رضي الله عنه- بصحيفة ... الحديث مثل رواية الطبراني عن أبي الد رداء. أخرجه عبد الرزاق (6/113/10164) ، ومن طريقه: أحمد (3/ 470- 471 و4/265) ، وابن قانع في"المعجم "، وجمع آخر تراهم في"الإرواء" (6/34- 35) .

3208

قلت: وجابر الجعفي لا يحتج به؛ مع علمه وتوثيق شعبة والثوري وغيرهما له؛ فإنه ضعيف رافضي، لكنه يمكن الاستشهاد به في مثل هذا الحديث؛ فيصير به حسناً. والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3208- (يا معشر قريش! إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير - وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم، وما تقول في محمد-؛ فقالوا: يا محمد! ألست تزعم أن عيسى كان نبياً وعبداً من عباد الله صالحاً؟! فلئن كنت صادقاً فإن آلهتهم لكما يقولون- (الأصل: تقولون!) -، قال: فأنزل الله عز وجل: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون) (الزخرف: 57) قال: قلت: ما (يصدون) ؟ قال: يضجُّون. (وإنه لعلم للساعة) (الزخرف: 61) ، قال: هو خروج (وفي رواية: نزول) عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة) . أخرجه أحمد (1/317- 318) : ثنا هاشم بن القاسم: ثنا شيبان عن عاصم عن أبي رَزين عن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري قال: قال ابن عباس: لقد علمتُ آية من القرآن ما سأ لني عنها رجل قط، فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها؟ أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها؟ ثم طفق يحدثنا، فلما قام تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها! فقلت: أنا لها إذا راح غداً، فلما راح الغد؛ قلت: يا ابن عباس! ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط؛ فلا تدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها؟ أم لم يفطنوا لها؟ فقلت: أخبرني عنها وعن اللاتي قرأت قبلها؟ قال: نعم، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش: ... فذكره. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/154/ 12470) من طريق أخرى

عن شيبان والثوري عن عاصم به مختصراً؛ دون قصة ابن عباس التي قبل قوله: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... وروى ابن جرير الطبري في "تفسيره " (25/54) من طريق سفيان، وابن حبان (1758) - والرواية الأخرى له- من طريق شيبان بن عبد الرحمن ... تفسير آية (الساعة) . وعزاه ابن كثير في "التفسير" (3/132) من طريق ثالثة عن شيبان وحده مثل رواية الطبراني، لكن وقع فيه: "أبي أحمد مولى الأنصار"! وأظن أن اسم (أحمد) محرف من (عفراء) ، وكذلك اسم (عقيل) في "المسند "! والله أعلم. بعد هذا التخريج أقول: هذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أن عاصماً- وهو ابن بهدلة- فيه كلام يسير، لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن كما تقدم مراراً، ولذلك لم يخرج له الشيخان إلا مقرونا. ولذلك قال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد والطبراني (7/104) : "وفيه عاصم ابن بهدلة، وثقة أحمد وغيره، وهو سيئ الحفظ، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وقال الحافظ: "صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في "الصحيحين " مقرون ". وأبو رَزين هو مسعود بن مالك الأسدي الكوفي. وأبو يحيى هو مِصْدَع الأعرج المُعَرْقَبُ مولى معاذ بن عفراء الأنصاري، وقد وثقه مسلم بإخراجه له في "صحيحه " كما تقدم، ووثقه ابن حبان وابن شاهين

والعجلي، ثم تناقض ابن حبان فذكره في "الضعفاء" أيضاً! وخفي حاله على الحافظ، فقال: "مقبول "! وأما الذهبي فقال في "الكاشف ": " صدوق ". وقد تابعه عكرمة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في تفسير آية الساعة. أخرجه الحاكم (2/488) من طريق سماك بن حرب عنه. وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي! قلت: وهو كما قالا؛ لولا أن سماك بن حرب مضطرب الرواية عن عكرمة خاصة، لكنه قد توبع، فقال "عبد الرزاق في تفسيره " (2/198 - 99 1) : عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال: قال ابن عباس: إن كان ما يقول أبو هريرة حقاً فهو عيسى؛ لقول الله: (وإنه لعلم للساعة) . قلت: وهذا إسناد صحيح. واعلم أن الحديث صريح الدلالة على أن الضمير في قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) يعود إلى عيسى عليه السلام، وليس إلى القرآن كما روي عن بعضهم، ولذلك قال الحافظ ابن كثير: (بل الصحيح أنه عائد على عيسى عليه الصلاة والسلام؛ فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة كما قال تعالى: (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي: قبل موت عيسى عليه الصلاة والسلام،

3209

وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً ". قلت: وقد خرجت بعضها فيما تقدم تحت رقم (2236) ، وفي "تخريج فضائل الشام " (22 و 23 و5 2 و 26) . * 3209- (بت الليلة أقرأعلى الجن رفقاء بـ "الحَجُون ") . أخرجه ابن حبان (1768) ، والطبري في "التفسير" (26/ 21) ، وأحمد (1/416) ، وأبو يعلى (8/474/5062) ، وأبو الشيخ في "العظمة" (5/1664/ 1104) من طريقين عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات؛ لولا أنه منقطع؛ فإن عبيد الله- وهو ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود- لم يسمع من ابن مسعود؛ كما ذكروا في ترجمته، بل قال الحافظ المزي في "تحفة الأشراف " (7/90) : "لم يدركه ". وأما ما وقع في "العظمة" من قوله: "حدثني ابن مسعود"؛ فهو خطأ من محمد بن عزيز، أو من شيخه سلامة، وهو ابن روح بن خالد- ابن أخي عقيل ابن خالد-، وهو الراوي عن ابن شهاب، وقد قال الحافظ في سلامة: "صدوق له أوهام، وقيل: لم يسمع من عمه (عقيل) ، وإنما يحدث من كتبه ". وقال في محمد بن عُزَيز: "فيه ضعف، وقد تكلموا في صحة سماعه من ابن عمه سلامة".

لكن الحديث صحيح؛ فقد جاء موصولاً من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن ابن مسعود مرفوعاً بلفظ: "أتاني داعي الجن، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن " ... وفيه قصة. أخرجه مسلم، وأبو عوانة، وابن حبان أيضاً (2/ 350- 351 و 8/77) وغيرهم، وهو مخرج في "الضعيفة" (1038) لزيادة شاذة وقعت في المرفوع من القصة، وبعضه مخرج في "الإرواء" (1/85/46) . وأخرجه البيهقي في "السنن " (1/9) من طريق قيس بن الربيع: أنا أبو فزارة العبسي عن أبي زيد عن ابن مسعود نحوه، وفيه حديث الترجمة. وهذا إسناد ضعيف، وفيه زيادة منكرة بلفظ: "تمرة طيبة، وماء طهور". ولذلك خرجته في "ضعيف أبي داود" (رقم 11) . وقد رويت القصة بألفاظ أخرى ليس فيها حديث الترجمة، ولكن فيها أنها كانت في "الحجون ": من ذلك ما رواه أبو الجوزاء عن ابن مسعود قال: انطلقت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن حتى أتى (الحجون) ، فخط علي خطاً، ثم تقدم إليهم ... الحديث. أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 231) . ورجال إسناده ثقات، فهو صحيح لولا أنه قيل: "أبو الجوزاء- واسمه أوس بن عبد الله الربعي- لم يسمع من ابن مسعود".

3210

وقد جاء عن قتادة مرسلاً، وفيه: فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شِعباً يقال له: (شعب الحجون) ، قال: وخط نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله خطاً ... الحديث. رواه ابن جرير (26/ 20) بسند صحيح عنه. * 3210- (خروج الآيات بعضها على إثر بعض؛ يتتابعن كما تتابع الخَرَزُ في النظام) . أخرجه ابن حبان في"صحيحه " (1883) ، والطبراني في"الأوسط" (1/258/4431) من طريق أبي الربيع الزهراني قال: ناأبي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ... فذكره. وقال الطبراني: "لم يروه عن هشام إلا داود العتكي، تفرد به أبو الربيع ". قلت: هو ثقة، واسمه سليمان بن داود العتكي الزهراني، احتج به الشيخان، وقال الحافظ في "التقريب ": "ثقة، لم يتكلم فيه أحد بحجة". قلت: وأبوه داود العتكي غير معروف إلا برواية ابنه عنه، ولم يترجم له أحد فيما علمت غير ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (8/234) بهذه الرواية فقط! ومع ذلك وثقه الهيثمي فقال في "المجمع " (7/ 321) : "رواه الطبراني في "الأ وسط "، ورجاله رجال الصحيح؛ غير عبد الله بن أحمد ابن حنبل وداود الزهراني، وكلاهما ثقة "! وأغرب منه إعلال الدارقطني الحديث بابنه أبي الر بيع- فيما نقله عنه ابن

الجوزي في "العلل المتناهية "- قال (2/ 371) : "قال الدارقطني: وهم أبو الربيع، وإنما رواه هشام عن حفصة بنت سيرين عن أبي العالية من قوله ". والأولى إعلاله بأبيه داود لجهالته كما تقدم. ثم إن قوله: ".. من قوله " لا أدري إذا كان دقيقاً! فقد وجدت في "فتح الباري " لابن حجر العسقلاني (13/77) : "وفي مرسل أبي العالية: الآيات كلها في ستة أشهر". فهذا ظاهره أنه مرفوع، لكنه مرسل. فالله أعلم. وله شاهد موقوف من حديث حذيفة قال: "إذا رأيتم أول الآيات؛ تتابعت ". أخرجه ابن أبي شيبة (15/63) من طريق مجالد عن الشعبي عن صلة عنه. وهذا إسناد جيد في الشواهد، وهو في حكم المرفوع، ولا سيما وهو من حديث حذيفة صاحب سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وله عنده شاهد آخر من حديث ابن عمرو، وقد مضى تخريجه برقم (1762) . وذكرت له هناك شاهداً من حديث أنس أيضاً. وبالجملة؛ فالحديث بهذه الشواهد صحيح بلا ريب، وكأنه لذلك ثبته الحافظ في "الفتح " (13/77) . وأما حديث: "الآيات بعد المئتين "؛ فهو موضوع، وقد خرجته في "الضعيفة" (1966) .

3211

ثم وقفت على حديث أبي العالية عند ابن أبي شيبة في "المصنف " (15/182/ 19456) من طريق حفصة عن أبي العالية قال: "ما بين أول الآيات وآخرها ستة أشهر، تتابع كما تتابع الخرز في النظام ". وإسناده صحيح، وهو يؤيد ما تقدم عن الدارقطني أنه من قوله. فلعل وصف الحافظ إياه بأنه مرسل؛ إنما هو بالنظر إلى أنه في المعنى في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي، أو أنه وقف على رواية أخرى صريحة في الرفع. والله أعلم. ثم رواه ابن أبي شيبة (19457) من طريق أبي المهزم عن أبي هريرة قال: "ما بين أول الآيات وآخرها ثمانية أشهر". لكن أبو المهزم ضعيف. * 3211- (والذي نفس محمد بيده! لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل، ويخوَّن الأمين، ويؤتمن الخائن، ويهلك الوعول، وتظهر التُّحوت. قالوا: يا رسول الله! وما الوعول وما التحوتُ؟ قال: الوعول: وجوه الناس وأشرافهم، والتحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لايعلم بهم) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/98/275) ، ومن طريقه: ابن حبان رقم (1886- موارد) ، وا لحا كم (4/547) ، والطبراني في"المعجم الأ وسط" (1/ 0 22/ 1/ 3920) من طرق عن إسماعيل بن أبي أويس: حدثني زُفَرُ بن عبد الرحمن بن أردك عن محمد بن سليمان بن والبة عن سعيد بن جبير عن أبي هريرة رضي الله

عنه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ... فذكره. أورده البخاري في ترجمة ابن والبة هذا، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك فعل ابن أبي حاتم. وأما ابن حبان؛ فذكره على قاعدته في "الثقات " (7/416) ، وخرج له هذا الحديث في "صحيحه " كما ترى! وأما قول الحاكم عقبه: "رواته كلهم مدنيون؛ ممن لم ينسبوا إلى نوع من الجرح "! فهو لا يفيد توثيقاً؛ لأن كل من كان مجهولاًكهذا يصدق عليه أنه لم ينسب إلى جرح، فتنبه. وقال الطبرا ني: "لا يروى هذا الحديث عن سعيد بن جبير إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن أبي أويس". قلت: هو مع كونه من رجال الشيخين؛ فقد تكلم فيه من قبل حفظه، قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه ". قلت: وفي الحديث علة أخرى، وهي الانقطاع بين سعيد بن جبير وأبي هريرة؛ فقد قال ابن معين: "لم يصح أنه سمع منه ".

وخالف ابن حبان؛ فقال عقب الحديث- كما في "الإحسان " (8/298) -: "سمع سعيد بن جبير أبا هريرة وهو ابن عشر سنين إذ ذاك ". ولا أدري ما مستنده في هذا؟ وعلى أية حال؛ فقد وجدت له متابعاً قوياً، فقال محمد بن الحارث: قدم رجل يقال له: أبو علقمة- حليف بني هاشم-، وكان فيما حدثنا أن قال: سمعت أبا هريرة يقول: "إن من أشراط الساعة أن يظهر الشح والفحش، ويؤتمن الخائن، ويخون الأمين، ويظهر ثياب يلبسها نساء كاسيات عاريات، يعلو التحوت الوعول. أكذاك يا عبد الله بن مسعود سمعته من حبي؟ قال: نعم، وربِّ الكعبة! قلنا: وما التحوت؟ قال: فسول الرجال وأهل البيوت الغامضة، يرفعون فوق صالحيهم، والوعول: أهل البيوت الصالحة ". أخرجه الطبراني أيضاً في "الأوسط " (1/42/2/735) : حدثنا أبو أيوب أحمد بن بشير الطيالسي قال: نا يحيى بن معين قال: نا حجاج بن محمد عن ابن جريج قال: أخبرني محمد بن الحارث ... وقال: "لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلا الحجاج". قلت: هو الأعور المصيصي، قال الحافظ في "مقدمة الفتح " (ص 395- 396) : "أحد الأثبات، أجمعوا على توثيقه، وذكره أبو العرب الصِّقِلِّيُّ في "الضعفاء" بسبب أنه تغير في آخر عمره واختلط، لكن ما ضره الاختلاط؛ فإن إبراهيم الحربي حكى أن يحيى بن معين منع ابنه أن يدخل عليه بعد اختلاطه أحداً. روى له الجماعة".

ومحمد بن الحارث- وهو ابن سفيان المخزومي المكي- ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/407- 408) برواية ثقتين عنه: ابن جريج- هنا- أحدهما، والآخر: سفيان بن عيينة، وروى عنه ثلاثة ثقات آخرون، سماهم في "التهذيب "، فهو ثقة- إن شاء الله-، فقول الحافظ عنه في "التقريب ": "مقبول "! غير مقبول؛ لأن المعهود منه في أمثاله أن يقول: " صد وق ": وكذلك يصنع الذهبي في "الكاشف "؛ إلا أن هذا لم يترجم له فيه؛ لأنه ليس من رجال الستة، وإنما روى له البخاري في "الأدب المفرد"، وقد وثقه الهيثمي، فقال عقب الحديث (7/327) : ".. ورجاله رجال الصحيح؛ غير محمد بن الحارث بن سفيان، وهو ثقة"! هكذا فيه، لم يذكر مخرج الحديث محل النقطتين، وهما من عندي، والظاهر أن الساقط هو: "رواه الطبراني في (الأوسط) ". وفاتني أن أنقل عنه قوله في الطريق الأولى (7/324- 325) : "رواه الطبراني في " الأوسط "، وفيه محمد بن سليمان بن والبة؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "! كذا قال! وفاته أنه مترجم في الكتب الثلاثة، ومنها "ثقات ابن حبان "! ثم إنه بقي الكلام في ترجمة شيخ الطبراني في الطريق الأخرى، وهو أحمد ابن بشير الطيالسي أبو أيوب، قال في "اللسان ":

3212

"ليَّنه الدارقطني ... قال ابن المنادي: كتب الناس عنه. وقال أحمد بن كامل: ... وكان قليل العلم بالحديث، ولم يطعن عليه بالسماع ". وغالب الظن أنه المترجم في "تاريخ بغداد" (4/54) ، لكن وقع فيه: "بشر" مكان "بشير"، وكذلك في إسناد حديث آخر في "المعجم الصغير" (رقم 86- الروض) ، لكنه في"الأوسط"في هذا الحديث وغيره: "بشير"؛فالظاهر أنه الصواب. وجملة القول؛ أن الحديث صحيح بمجموع الطريقين، إن لم يكن صحيحاً أو على الأقل حسناً من الطريق الأخرى. وقد أشار الحافظ إلى ذلك بسكوته عليه، وقد ساقه بطريقيه في "الفتح " (13/15) . ثم إن لبعضه شاهداً من حديث ابن عمرو بلفظ: "من أشراط الساعة: أن يظهر القول، ويخزن العمل، ويرفع الأشرار، ويوضع الأ خيار ... ". وقد سبق تخريجه برقم (2821) . ومثله حديث الروبيضة المتقدم (2253) ، والفحش والتفحش (2238) . * 3212- (لأَسْلَم وغِفارُ، ورجالُ من مُزَيْنَةَ وجُهَيْنَةَ؛ خير من الحليفين؛ غطُفان وبني عامر بن صعصعة) . أخرجه البزار (3/308/2814) : حدثنا محمد بن مسكين: ثنا إبراهيم بن محمد [بن] جناح: ثنا هلال بن الجهم: ثنا إسحاق عن أنس مرفوعاً به، قال: فقال عيينة بن بدر: والله! لأن أكون في هؤلاء في النار- يعني: غطفان وبني عامر- أحب إلي من أن أكون في هؤلاء في الجنة.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ كما قال الحافظ في "مختصر زوائد البزار" (2/380 /2051) ، وأما الهيثمي فقال (10 /45) : "رواه البزار، وفيه إبراهيم بن محمد بن جناح، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "! كذا قال! وهلال بن الجهم أشار أبو حاتم إلى تضعيفه بقوله (4/2/78) : "ليس بمشهور، حديثه ليس بموضوع "! ولم يذكر له راوياً غير عمر بن يونس؛ وكذلك فعل ابن حبان في "الثقات " (7/575) ، وعليه اعتمد الهيثمي في إطلاقه التوثيق على بقية رجاله، وهي عادة له معروفة. ولكن ينبغي أن يضاف إلى عمر بن يونس: إبراهيم بن محمد بن جناح هذا، ولو أنه غير معروف، كما أشار إلى ذلك الهيثمي، وقد ذكره الحافظ المزي في شيوخ محمد بن مسكين في كتابه "تهذيب الكمال ". واعلم أنني كنت أوردت الحديث سابقاً في "الضعيفة"؛ لذكر "بني عامر" في آخره، ثم وجدت له شاهداً من حديث أبي بكرة، وفيه ذكر "بني عامر" بلفظ: "أسلم وغفار، ومزينة وجُهينة خير من بني تميم، ومن بني عامر، والحليفين: بني أسد وبني غطفان ". أخرجه البخاري (3515 و 3516) ، ومسلم (7/179- 180) ، والترمذي (3947) ، وابن حبان (7246) ، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ".

ولهذا الشاهد الكامل الصحيح، نقلته إلى هذه "الصحيحة"، ويبقى قول عيينة بن بدر في آخره دون شاهد، ولا يضر؛ لأنه ليس من كلام المعصوم، ولا سيما أن عيينة كان من المؤلفة قلوبهم؛ فانظر "الإصابة". ولعله لا يخالف هذا الحديث الصحيح: ما أخرجه ابن حبان (2300- موارد) بسنده الصحيح عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا ورجلان من بني عامر، فقال: "من أنتم؟ ". فقلنا؛ من بني عامر، فقال: "مرحباً بكم، أنتم مني ". ورواه البزار (3/ 314/ 2831) ، وأبو يعلى (4/ 191/ 894) ، والطبرا ني (22/264- 266) . لأن من المقطوع به شرعاً أن التفاضل إنما يكون بالإيمان والعمل الصالح، وليس بالحسب والنسب، فإذا كان الرجل من قبيلة مفضولة، بل ومذمومة، وآمن منها رجل؛ استحق الترحيب والثناء؛ بخلاف من كان من قبيلة ممدوحة، وكان فرد من أفرادها كافراً أو فاسقاُ؛ لم يستحق المدح، وإنما الذم والقدح: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، "ومن بطأ به عمله؛ لم يسرع به نسبه " (¬1) . وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة مرفوعاُ بلفظ: "لأسلم وغفار، وشيء من مزينة وجهينة، أو شيء من جهينة ومزينة خير

_ (¬1) رواه مسلم وغيره، وهو مخرج عندي في"صحيح الترغيب" (66) .

عند الله- قال: أحسبه قال: - يوم القيامة من أسد وغطفان، وهوازن وتميم ". أخرجه البخاري (3523) ، ومسلم (7/179) من طريق أيوب عن محمد عنه. وأخرجه الترمذي (3950) من طريق أبي الزنَّاد عن الأعرج عنه. وأخرجه ابن حبان (7247- الإحسان) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة نحوه. وتقدم نحوه في حديث عمرو بن عبسة (3127) . (تنبيه) حديث أبي جحيفة أعله الهيثمي (10/ 51) بأ نه من رواية الحجاج ابن أرطاة وهو مدلس! ورواية ابن حبان سالمة منه، ولذلك فقد وهم المعلق على "مسند أبي يعلى"، فقال: "إسناده صحيح "! ولم يعزه إلى غير أبي يعلى! فغفل عن رواية ابن حبان الصحيحة! وتبعه في هذه الغفلة المعلق على "المقصد العلي " (2/254) ، ولكنه قال: "إسناده ضعيف " متبعاً إعلال الهيثمي بالعنعنة! وكذلك فعل أخونا حمدي السلفي (22/156) ، وزاد وهماً آخر فقال: "ورواه ابن ماجه (711) "! وليس عنده إلا قصة قدوم أبي جحيفة دون الترحيب، وهي في "الصحيحين " وغيرهما، وهي مخرجة في "الإرواء " (1/248- 249) ، وهذا هو الذي غر أيضاً المعلق على"أبي يعلى"، فصححه دون أن يتنبه أنه ليس فيها الترحيب المذكور! *

3213

3213- (للشهيد عند الله خصال: 1- يغفرُ له في أول دفعةٍ من دمه. 2- ويُرى مقعده من الجنة. 3- ويُحلى حلية الإيمان. 4- ويُزوجُ [اثنتين وسبعين زوجة] من الحور العين. 5- ويجارُ من عذاب القبر. 6- ويأمن من الفزع الأكبر. 7- ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها. 8- ويشفع في سبعين إنساناً من أهل بيته) . أخرجه الترمذي (1663) من طريق بقية، وابن ماجه (2799) ، وأحمد (4/ 131) ، والبيهقي في "الشعب " (4/25/4254) ، وابن عساكر في"التاريخ " (5/517) - والسياق لهما- من طريق إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد الكلاعي عن خالد بن معدان عن المقدام بن معدي يكرب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". قلت: وإسناده شامي صحيح، وإسماعيل بن عياش روايته عن الشاميين- وهذه منها- صحيحة، خلافاً لذاك المغرور الذي ضعف حديثه في سنة الخلفاء

الراشدين، الذي رواه بإسناده عن العرباض بن سارية، وقد رددت عليه في مكان آخر، فانظر " الصحيحة " الثاني، الاستدراك رقم (13) . ثم إن ما بين المعكوفتين للترمذي، وليس عنده الفقرة (3) ، وهي عند ابن ماجه وأحمد، لكن ليس عند ابن ماجه الفقرة (7) ، فمجموع الفقرات في "السنن " سبع، وفي "المسند" ثمان، ومع ذلك فلفظ الحديث عندهم: ".. ست خصال "! فالمعدود عندهم أكثر من العدد، على التفصيل المذكور آنفاُ. وهذا من نوادر الاضطراب في المتن- فيما علمت- مع صحة السند، فاختلف موقف الحفاظ المخرجين لهذا الحديث في هذا اللفظ، فمنهم من ذكره كما ورد: "ست "، كالحافظ المنذري في"الترغيب" (2/ 194) وعزاه إلى "السنن "، والحافظ ابن كثير في "التفسير" (4/ 174) وعزاه إلى الثلاثة، وأقرَّا الترمذي على تصحيحه، وكنت جريت على سننهم في "أحكام الجنائز" (ص هـ 3- 36) . وخالف السيوطي في"الجامع الكبير"وفي"الزيادة على الجامع الصغير"- وتبعه النبهاني في "الفتح الكبير"-، فجعل مكان لفظ "ست " لفظ: "سبع " ليوافق العدد المعدود! ولكن بقي الخلاف بينهما بالنسبة لرواية أحمد؛ فإن المعدود عنده "ثمان "، كما في سياق رواية البيهقي وابن عساكر، دون لفظ العدد، فسلمت من الاضطراب المذكور، ولا أدري إذا كان ذلك من تصرفهما، أو تصرف أحد رواة إسنادهما؟! والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد وقع اضطراب في سند الحديث أيضاً عند أحمد؛ فإنه بعد أن رواه عن شيخه إسحاق بن عيسى والحكم بن نافع عن إسماعيل بن عياش بإسناده المتقدم؛

قال: "ثنا الحكم بن نافع: ثنا ابن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عن عبادة بن الصامت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك ". وقال المنذري: "رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن ". وقال الهيثمي (5/293) : "رواه أحمد هكذا؛ قال: "مثل ذلك "، والبزار والطبراني " إلا أنه قال: "سبع خصال "، وهي كذلك، ورجال أحمد والطبرا ني ثقات ". فأقول: وحديث المقدام أرجح عندي؛ لأنها رواية الأكثر عن ابن عياش. والله أعلم. وقد اختلف أيضاً على كثير بن مرة في إسناده؛ فقال أحمد (4/200) : ثنا زيد بن يحيى الدمشقي قال: ثنا ابن ثوبان عن أبيه عن مكحول عن كثير بن مرة عن قيس الجذامي- رجل كانت له صحبة- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يُعطى الشهيد ست خصال عند أول قطرة من دمه ... " الحديث. قلت: فذكر الخصال (1 و 2 و 3 و 4 وه و 6) مع تقديم وتأخير. وقال الهيثمي: "رواه أحمد، وفيه عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، وثقه أبو حاتم وجماعة، وضعفه جماعة ". قلت: ورواه ابن أبي عاصم في "الجهاد" (ق 91/ 1- 2) من حديث المقدام، ومن حديث قيس الجذامي، وقد أخرجه ابن سعد أيضاً في "الطبقات " (7/426- 427) ، والبخاري في " التاريخ " (4/ 1/143- 144) بإسناد أحمد.

3214

قلت: وهو إسناد حسن؛ إن كان حفظه عبد الرحمن، وإلا؛ فإسناد خالد بن معدان عن المقدام أصح. (تنبيه) : سقط اسم صحابي هذا الحديث من "المجمع "؛ فوقع فيه هكذا: "وعن رجل كانت له صحبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... "! فلا أدري أهو من الهيثمي أم الناسخ أم الطابع؟! وللحديث شاهد من رواية عبد الله بن عمرو مرفوعاً مثل لفظ قيس الجذامي، إلا أنه لم يذكر الخصلة الثالثة، فصارت الخصال خمساً هكذا في"المجمع "؛ وقال: "رواه الطبراني، وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيف ". وللفقرة الأخيرة شاهد من حديث أبي الدرداء مرفوعاً بلفظ: "الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته ". أخرجه أبو داود (2522) ، وابن حبان (1612) ، وا بن عساكر في"التاريخ " (17/321/2) بسند فيه جهالة التابعي كما هو مبين في "صحيح سنن أبي داود" (2277) ، و" التعليق الرغيب " (2/192) . ولبعض الفقرات شواهد أخرى في "المجمع "، فليراجعها من شاء. * 3214- (إئما مثل الجليس الصالح والجليس السوء: كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك؛ إما أن يُحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير؛ إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد [منه] ريحاً خبيثة) . أخرجه البخاري (2101و 5534) ، ومسلم (8/37- 38) ، وابن حبان

(1/386/562 و578) ، والبيهقي في"الشعب " (7/54 /9435) ، وأحمد (4/404 - 405) ، من طريق أبي بردة عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعه أبو كبشة قال: سمعت أبا موسى يقوله: ... فذكره مختصراً. أخرجه أحمد (4/408) من طريق عاصم الأحول عنه. ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي كبشة هذا- وهو السدوسي البصري-؛ قال الذهبي: "لا يعرف ". وتابعه أنس عن أبي موسى به. أخرجه الطيالسي في "مسنده " (رقم 515) : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به؛ لم يرفعه أبو داود. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد جاء مرفوعاً من طريقين آخرين عن أنس، لم يذكر أبا موسى. أخرجه أبو داود في "سننه " (4829) عن قتادة عنه. وفي أوله زيادة. قلت: وإسناده صحيح على شرطهما. ثم رواه أبو داود (4831) ، وأبو يعلى في "مسنده " (رقم 2954) من طريقين عن شبيل بن عزرة عن أنس به. وإسناده حسن؛ للخلاف في شبيل هذا. (تنبيه) من فوائد هذا الحديث ما ترجم البيهقي بقوله: "باب مجانبة الفسقة والمبتدعة، ومن لا يعينك على طاعة الله عز وجل ".

قلت: وذلك لأن الصاحب ساحب، والطبع سرّاق، ولذلك جاءت الأحاديث تترى في النهي عن مجاورة الكفار، ومخالطتهم، ومساكنتهم، وهي معروفة، ولذلك كنا- وما زلنا- ننصح المسلمين أن لا يستوطنوا بلاد المشركين، وبخاصة منهم المتحللين خلقاً ومكراً كاليهود مثلاً في أمريكا، بل وفي فلسطين المحتلة منهم؛ لفسقهم وفجورهم، وتهاونهم في أعراضهم، مما هو مشهور عنهم، وقد ظهرت عدواهم في بعض من يساكنهم من المسلمين في (حيفا) و (يافا) و (تل أبيب) وغيرها من البلاد التي احتلُّوها وتغلبوا عليها، فلا صلاة ولا حشمة ولا حياء، حتى لا تكاد تميز الفتاة المسلمة من اليهودية لشدة المشابهة بينهما في التبرج! ومما يلاحظه المسافرون إلى هناك أنه كلما كان المسلمون بعيدين في مساكنهم عن البلاد المذكورة؛ كانت الفتنة باليهود ومداهمتهم للبيوت ليلاً أقل تأثراً وانحرافاً. والقصص في ذلك معروفة لا ينكرها إلا جاحد مكابر، ولولا ضيق المجال لسردنا الكثير الكثير منها. وبهذه المناسبة أقول: لقد تجاهل هذه الحقيقة الشرعية- من جهة-، والواقعية المؤسفة- من جهة أخرى- جماعةٌ من ذوي الأهواء والحزبية العمياء، وعلى رأسهم ذاك (الفقير) حقاً، الذي أثارها حرباً شعواء على كاتب هذه السطور؛ لقوله بهجرة المسلمين الفلسطينيين من ظلم اليهود وطغيانهم إلى بلد إسلامي يجدون فيه الطمأنينة والخلاص من فسادهم، وذلك في خطبة ألقاها في مسجد حمزة في عمان يوم الجمعة في العشرين من ذي الحجة سنة (1413) ، أدارها خطبة سياسية لمصلحة الانتخابات القادمة الشخصية، لا يستفيد منها أحد من السامعين للخطبة علماً ولا ذكراً، وإنما ما يلقي العداوة والبغضاء في قلوبهم ضد أخ لهم مسلم، يبهته الخطيب بماليس فيه زاعماً أنه"يطالب تفريغ الأراضي المحتلة حتى تصبح خالصة لبني إسرائيل "! ثم أخذ يرميه بكل باقعة فيقول:

"يا عميل! يا شيخ الخيانة! يا شيخ الشياطين وشيطان المشايخ! يا فتوى الضلال! يا مفتي يا دجال! يا.. يا.. " إلخ ما هو مسجل في شريطه، حتى وصل به الأمر إلى أن حضهم على لعنه! مما يرجع عليه بنص الحديث الصحيح المرفوع- إن شاء الله تعالى-، كيف لا، وقد بلغ به طغيانه إلى أن صرح بأن كل البلاد الإسلامية لاتُعدُّ ديار إسلام؟! وبناءً عليه حض الناس على الهجرة إلى اليهود! فقال ما نصه: "ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى (تل أبيب) "! وقال: "والله! لو خُيِّرْتُ- أقسم بالله- بين أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود، وبين أن أعيش في أي عاصمة عربية؛ لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود ... ". ومع كل هذه التصريحات الخطيرة شرعاً وسياسةً واجتماعياً؛ استمر الرجل ينشر سمومه بين الناس في خطبه ومجالسه، حتى تأثر بها كثير من الناس وظنوها حقاً، ولعل من آثار ذلك أن كُبست داري من (المخابرات) ، وفُتِّشت تفتيشاً دقيقاً في سبع ساعات وأكثر، وصادروا نحو ستين خطاباً من مختلف البلاد الإسلامية وغيرها، وكذلك صادرواعديداً من الأشرطة لي ولغيري من طلاب العلم؛ بدعوى البحث عن أسلحة ومفرقعات!! والله المستعان. ولقد كان من تلك الآثار السيئة: أن تتابع الخطباء في كثير من المساجد، وبعض الكتّاب في بعض الجرائد يضربون على أوتاره وينفخون في ناره، افتراءً وكذباً، حتى كتب أحد الحزبيين ما نصه- دون أي حياء أو خجل-: "وأخشى أن يكون قد وصل مرحلة الخرف في أرذل العمر التي لا يعلم

3215

صاحبها شيئاً "! (جريدة اللواء17محرم001414العدد 1053) ، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت ". رواه البخاري. واستمرت الآثار السيئة تنتشر في الشعب وتتطور حتى قال أحدهم: إنه زنديق! وقال آخر: إنه ماسوني!! حتى كاد أن تقع في المجتمع فتن لا تحمد عقباها؛ لولا لطف الله تعالى! عامل الله المثيرين لها بما يستحقون. وإن مما يلفت نظر الألبّاء المخلصين: أن أحداًمن أولئك الخطباء والكتاب المثيرين للفتنة لم يسق قولي في الهجرة، واحتجاجي بالقرآن والسنة، وقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تنقطع الهجرة ما دام الجهاد" (1) ؛ لأنهم يعلمون في قرارة نفوسهم أنهم لو فعلوا ذلك لانكشف للناس زغلهم وجهلهم، واصطيادهم في الماء العكر- كما يقال-، وبخاصة منهم كبيرهم (الفقير) الذي أرجو الله تبارك وتعالى أن يريني فيه يومه الأسود، أو يتوب إلى الله مما جنته يداه، ونطق به، وسكت عنه مناصروه، إنه خير مسؤول. كتبت هذا للعبرة والموعظة، ولله عاقبة الأمور. * 3215- (أيُّ الخلق أعجبُ إيماناً؟ قالوا: الملائكة. قال: الملائكة كيف لا يؤمنون؟! قالوا: النبيون. قال: النبيون يوحى إليهم فكيف لا يؤمنون؟! قالوا: الصحابة. قال: الصحابة مع الأنبياء فكيف لا يؤمنون؟! ولكن أعجب الناس إيماناًً: قوم يجيئُون من بعد كم فيجدون كتاباً من الوحي؛ فيؤمنون به ويتَّبعونه، فهم أعجب الناس إيماناً- أو الخلق إيماناً-) . أخرجه البزار في "مسنده " (3/318- 319- كشف الأستار) : حدثنا الفضل

(1) رواه احمد وغيره؛ وهو مخرج في " الصحيحة " (1674) ، و" الإرواء" (1208) . ابن يعقوب الرُّخامي: ثنا زيد بن يحيى بن عُبيد الدمشقي: ثنا سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال: "غريب من حديث أنس ". قلت: ورجاله ثقات؛ إلا أن سعيد بن بشير- مع حفظه- قد تكلم بعضهم فيه، وقد وثقه جمع من الحفاظ؛ خلافاً لمن زعم- من الكتاب المعاصرين المتشددين على المرأة- أنه ضعيف جداً، وأوهم القراء أنه لا موثق له، والواقع يكذبه، ومنهم إمام الأئمة البخاري، حتى إن الحافظ الذهبي في "الكاشف " لم يزد على قوله فيه- بعد وصفه إياه بـ (الحافظ) ؛ وزاد في "السير" (الصدوق) -: "قال (خ) : يتكلمون في حفظه، وهو محتمل. وقال دُحيم: ثقة، كان مشيختنا يوثقونه ". وقد رددت على المتجاهل للتوثيق، وعلى أمثاله من المتشددين في كتابي الجديد: "الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب ... " يسر الله لي تبييضه ونشره بمنه وكرمه. ولهذا؛ لما عزا هذا الحديث الهيثميُّ في "المجمع " (10/65) للبزار وحكى استغرابه إياه؛ عقّب عليه بقوله: "قلت: فيه سعيد بن بشير، وقد اختلف فيه، فوثقه قوم، وضعفه آخرون، وبقية رجاله ثقات". قلت: فمثله وسط حسن الحديث لذاته، أو لغيره على الأقل، وعلى هذا كنت جريت في تقوية حديثه: "إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا وجهها وكفاها"؛ فراجع كتابي بعنوانه الجديد: "جلباب المرأة المسلمة ".

وقد كنت خرجت حديث الترجمة بنحوه في "الضعيفة" (647) من طريقين الأولى خيرمن الأخرى، وذكرت أن الحافظ ابن كثير جزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه لعله وقف له على طريق أو طرق أخرى يتقوى بها، وحينئذ ينبغي النظرفيها. وها أنذا قد وقفت على هذه الطريق، فبادرت إلى تخريجها وفاءً بما قلت هناك، فالظاهر أنه من جملة الطرق التي ألقى مجموعها في قلب الحافظ ابن كثير ثبوت الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجزم بنسبته إليه، وهذا أُلقي في صدري أيضاً حين وقفت على هذه الطريق التي عرفت مما سبق أنها حسنة لغيرها على الأقل، فهي قوية بالطريق الأولى المشار إليها آنفاً. ثم وجدت لها طريقاً أخرى مرسلة، يرويها أحمد بن عبد الجبار: حدثنا يونس ابن بُكير عن مالك بن مِغول عن طلحة عن أبي صالح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "متى ألقى إخواني؟ ". فقيل: يا رسول الله! ألسنا إخوانك؟! قال: "أنتم أصحابي، وإخواني قوم من أمتي لم يروني، يؤمنون بي ويصدقونني ". ثم قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أي الخلق أعجب إيماناً؟ ... " الحديث. أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/538) ، وقال: "هذا مرسل ". ثم ساقه من الطريق الأولى المخرَّجة هناك، ثم قال: "وروي أيضاً عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس موصولاً".

قلت: فكأنه أشار إلى تقوية الحديث بهذه الطرق الثلاث، فهو سلف ابن كثير في تقويته. والله تعالى أعلم. وهذا المرسل رجاله ثقات؛ غير أحمد بن عبد الجبار- وهو العطاردي-؛ مختلف فيه، ولذا قال الذهبي في "الميزان ": "حسن الحديث "، وقد خرجت له حديثاً فيما تقدم (2458) من روايته عن يونس بن بكير هذا، وهو صحيح السماع منه كما بينت هناك، فهو مرسل جيد، وشاهد حسن. والله سبحانه وتعالى أعلم. ولعله مما يؤكد صحة السماع المشار إليه: أن الطرف الأول من هذا المرسل قد صح من رواية أنس وغيره، وقد سبق تخريجه أيضاً برقم (2888) من المجلد السادس، وقد طبع بحمد الله. (تنبيه) : من الأوهام الفاحشة: عزو حديث الترجمة للبخاري من الشيخ نسيب الرفاعي رحمه الله (¬1) ، في "مختصر تفسير ابن كثير"، وتبعه عليه بلديُّه الشيخ الصابوني في "مختصره " أيضاً! وإنما أوقعهما في ذلك سرعة النقل عن الحافظ ابن كثير، أو سوء الفهم لعبارته؛ فإنه قال في أول تفسير سورة (الحديد) : "وقد روينا في الحديث من طرق في أوائل شرح كتاب الإيمان من "صحيح البخاري " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال يوماً لأصحابه: أي المؤمنين أعجب ... فذكره، وقد ذكرنا طرقاًً من هذه في أول سورة البقرة". فلم يتنبها لقوله: "شرح "! ¬

(¬1) توفي رحمة الله عليه وغفر لنا وله: صباح يوم الأربعاء، في 15جمادى الآخرة سنة (1413) ، وصلينا عليه بعد صلاة الظهر. *

3216

من فضائل عمار بن ياسر 3216- (أبو اليقظان على الفطرة، لا يدَعُها حتى يموت، أو يمسَّهُ الهرم) . أخرجه البزار في "مسنده " (3/252/2686- الكشف) : حدثنا أحمد بن يحيى: ثنا عبيد الله بن موسى: ثنا سعيد بن أوس عن بلال بن يحيى قال: لما قتل عثمان- رضي الله عنه- أُتي حذيفة، فقيل: يا أبا عبد الله! قتل هذا الرجل؛ وقد اختلف الناس؛ فما نقول؟ فقال: أسندوني؛ فأسندوه إلى صدر رجل فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال: "لا نعلمه يروى عن حذيفة إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو إسناد صحيح رجاله ثقات كلهم، وأحمد بن يحيى هو الأودي أبو جعفر الكوفي من ثقات شيوخ النسائي، وقد توبع، فقال ابن سعد في "الطبقات " (3/262- 263) - وعنه ابن عساكر في "التاريخ " (12/652) -: أخبرنا عبيد الله ابن موسى والفضل بن دُكين قالا: أخبرنا سعيد بن أوس العبسي به، إلا أنه قال: "أو يُنسِيَهُ الهرم ". وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/163/3043) ، وابن عدي في "الكامل " (5/205) من طريقين آخرين عن سعيد بن أوس به مختصراًً، إلا أن ابن عدي قال: "سعد". وهو الصواب الموافق لكتب التراجم القديمة والحديثة مثل: "تاريخ البخاري "، و"الجرح والتعديل "، و"ثقات ابن حبان "، وغيرها، و"تهذيب الكمال " وفروعه.

وهكذا على الصواب وقع في "مجمع البحرين " (6/367/ 3850- مكتبة الرشد) . والحديث قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/295) : "رواه البزار والطبرا ني في " الأ وسط " با ختصار، ورجالهما ثقات ". وذكر له الذهبي في "السير" (1/417) شاهداًً من حديث عائشة؛ وقال: "فيه من ضُعِّف ". ثم رأيت الحديث في "تاريخ ابن عساكر" (12/629) من طريق أخرى عن أبي نعيم: نا سعد بن أوس.. إلخ، هكذا فيه (سعد) على الصواب، ووقع فيه "ينسيه " على وفق رواية "الطبقات ". ثم أخرج (12/ 630) حديث عائشة موقوفاً ومن طريق أخرى (12/643) عنها مرفوعاً. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 141) ، وابن عساكر (12/658- 659) من طريق يحيى بن عبد الحميد الحمَّاني: ثنا خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب به. وقال الهيثمي في "المجمع " (9/297) : "رواه الطبراني وأبو يعلى بأسانيد، وفي بعضها عطاء بن السائب، وقد تغيَّر، وبقية رجاله ثقات، وبقية الأسانيد ضعيفة". ومنها: عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ قال: لما كان يوم صفين قال عمار ... الحديث نحوه. أخرجه البزار (2690) ، وقال:

"لا نعلم روى ربيعة عن عمار إلا هذا". قلت: وربيعة مجهول، وفي الطريق إليه يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو متروك. ومنها: عن عيسى بن مسلم- كان يقال له: أبو داود الأعمى- عن عبد الأعلى ابن عامرالثعلبي عن عبد الله بن شَريك العامري عن مسلم بن مِخراق عن مخراق مولى حذيفة قال: قلت لعمار ... فذكره مختصراً نحوه. أخرجه البزار (2691) ، وعيسى وعبد الأعلى ضعيفان. ومنها: عن مولاة لعمار بن ياسر، قالت: اشتكى عمار شكوى ثقل منها؛ فغُشي عليه، فأفاق ونحن نبكي حوله، فقال: ما يبكيكم؟! أتخشون أني أموت على فراشي؟! أخبرني حبيبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تقتلني الفئة الباغية، آخر زادي مذقة لبن. أخرجه أبو يعلى (1614) ، وعنه ابن عساكر (12 /635) ، ورجاله ثقات؛ غير مولاة عمار فهي مجهولة. وللحديث شاهدان: أحدهما: عن حذيفة، وله عنه طريقان: الأولى: عن عيسى ... إلخ. والأخرى: عن مسلم بن عبد الله الأعور عن حبَّة العُرنيّ قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان؛ نسأله عن الفتن؛ فقال: دوروا مع كتاب الله حيثما دار، وانظروا الفئة التي فيها ابن سُميَّة فاتَّبعوها؛ فإنه يدور مع كتاب الله حيثما دار، قال: فقلنا: ومن ابن سمية؟ قال: عمار،

سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له: "لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية، تشرب شربة ضياح تكون آخر رزقك من الدنيا". أخرجه الحاكم (3/ 391) ، والخطيب في "التاريخ " (8/ 274- 275) ، وقال الحاكم: "حديث صحيحٌ عالٍ ". كذا قال! ووافقه الذهبي على تصحيحه، وحبة العُرني؛ الأكثر على تضعيفه، وتناقض فيه ابن حبان، فانظر تعليقنا على ترجمته في كتابي "تيسير الانتفاع "، يسر الله لي إتمامه. ومسلم بن عبد الله الأ عور؛ كذا وقع في"المستدرك ": (ابن عبد الله) ، والصواب (أبو عبد الله) ؛ فهذه كنيته، واسم أبيه (كيسان) ، فهو (أبو عبد الله بن كيسان) ، وهو متفق على تضعيفه، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ": "واه". فلعل التصحيح المذكور، إنما هو لطرقه المتقدمة، ولذلك قال الهيثمي في "المجمع " (9/297) : "رواه الطبراني، وفيه مسلم بن كيسان الأعور، وهو ضعيف ". والشاهد الآخر: يرويه محمد بن سليمان بن أبي الرجاء الهاشمي: ثنا أبو مَعشر: ثنا جعفر بن عمرو الضَّمري عن أبي سنان الدُّولي- صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- قال: رأيت عمار بن ياسر دعا بشراب، فأتي بقدح من لبن فشرب منه، ثم قال:

3217

صدق الله ورسوله، اليوم ألقى الأحبة، محمداً وحزبه، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث، ثم قال: والله! لو هزمونا حتى يبلغونا سعفات (هجر) ؛ لعلمنا أنا على حق، وهم على باطل. أخرجه أبو نعيم (1/ 141- 142) من طريق الطبراني: ثنا الحسن بن علي المعمري: ثنا محمد بن سليمان بن أبي الرجاء ... قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد؛ المعمري حافظ معروف، وشيخه محمد بن سليمان وثقه ابن حبان (9/95) . وأبو معشر: هو نجيح بن عبد الرحمن السِّندي، ضعيف لاختلاطه، وقول الهيثمي (9/298) : "رواه الطبراني، وإسناده حسن "! تساهل منه؛ إلا إن كان يعني أنه حسن لغيره، وهو خلاف الظاهر. والله أعلم. * 3217- (إن آخر زادك من الدنيا ضيحٌ من لبنٍ. يعني: عمار بن ياسرٍ) . أخرجه الحاكم (3/389) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (2/ 101/2) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (12/659) من طريقين عن حرملة بن يحيى: ثنا عبد الله بن وهب: أخبرني إبراهيم بن سعد عن أبيه عن جده قال: سمعت عمار ابن ياسر بـ (صِفِّين) في اليوم الذي قُتل فيه، وهو ينادي: أزلفت الجنة، وزُوجت الحور العين، اليوم نلقى حبيبنا محمداً - صلى الله عليه وسلم -، (وفي رواية: نلقى الأحبة، محمداً وحزبه) ، عهِد إلي ... فذ كر الحديث.

وقال الطبراني- والرواية الأخرى- له: "لم يروه عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف إلا ولده، ولا رواه عن إبراهيم ابن سعد إلا ابن وهب، تفرد به حرملة". قلت: هو ثقة من شيوخ مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فهو إسناد صحيح على شرط مسلم. وقال الحاكم- وتبعه الذهبي-: "صحيح على شرطهما"!! وأورده الذهبي في "السير" (1/425) ساكتاً عليه، ولم يُخرِّجه المعلِّق عليه ألبتة، وتحرف عليه قوله: "عن جده " إلى "عمن حدثه "، فأفسد إسناده! والحديث خبط الهيثمي في تخريجه؛ فقال (9/296) : "رواه الطبراني في "الأ وسط "، وأحمد باختصار، ورجالهما رجال "الصحيح "، ورواه البزار بإسناد ضعيف، وفي رواية لأحمد: أنه لما أتي باللبن ضحك ". ووجه الخبط أنه أوهم أنه عند الآخرين- وبخاصة عند البزار- من طريق واحدة، وليس كذلك كما سيتبين لك من التخريج الآتي: فمن تلك الطرق: ما رواه سفيان- وهو الثوري- عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري قال: قال عمار يوم (صفين) : ائتوني بشربة لبن؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "آخر شربة تشربها من الدنيا شربة لبن "؛ فأتي بشربة لبن فشربها، ثم تقدم، فقُتِل.

3218

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (5 1/302 /19723) ، وأحمد (4/9 31) ، وكذا ابن سعد (3/257) . وأبو يعلى (3/188/1613) ، وابن عساكر في"تاريخ دمشق " (2 1/ 658) ، وا لحا كم (3/ 389) وقال: "صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا إن كان حبيب سمعه من أبي البختري؛ فإنه كان مدلساً، وأيضاً أبو البختري- واسمه سعيد بن فيروز- لم يدرك علياً رضي الله عنه. لكنه توبع، فقال أبو يعلى (1626) - وعنه ابن عساكر (12/659) -: حدثنا وهب ابن بقية: حدثنا خالد عن عطاء عن ميسرة وأبي البختري: أن عماراً يوم صفين.. الحديث مثله. * سبب نزول: (ومن يخرج من بيته مهاجراً) 3218- (هاجر خالد بن حزام إلى أرض الحبشة، فنهشتهُ حيةٌ في الطريق فمات، فنزلت فيه: (ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله ثم يُدرِكه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفوراً رحيماً) [النساء: 100] . قال الزبير بن العوام: وكنت أتوقعه وأنتظر قدومه وأنا بأرض الحبشة، فما أحزنني شيءٌ حُزنَ وفاته حين بلغني؛ لأنه قلَّ أحدٌ ممن هاجر من قريش إلا معه بعض أهله أو ذي رحِمِهِ، ولم يكُن معي أحدٌ من بني أسد بن عبد العُزَّى، ولا أرجو غيره) . أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" (2/175/1) : حدثنا أبو زرعة: ثنا عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة الحِزامي: حدثني عبد الرحمن بن المغيرة بن

عبد الرحمن الحزامي عن المنذر بن عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه: أن الزبير ابن العوام قال: ... فذكره. وأخرجه أبو نعيم في "المعرفة " (1/209/2) من طريق أخرى عن عبد الرحمن ابن شيبة هذا دون قول الزبير: وكنت أتوقعه ... إلخ. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات؛ ابن شيبة الحزامي من شيوخ البخاري، تكلم فيه بعضهم من قبل حفظه، وأخرج له البخاري متابعة كما حققه الحافظ، وانظر تعليقي على ترجمته في "تيسير الانتفاع "؛ فكأنه- لحسن حاله- مشّى حديثه هذا كما ذكروه في ترجمة خالد بن حزام وجزموا به؛ مثل الحافظ الذهبي في "التجريد"، والعسقلاني في "الإصابة "، ومن قبلهم ابن الأثير في "أسد الغابة ". ورواه الواقدي على وجه آخر، فقال ابن سعد في "الطبقات " (4/119) : أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي قال: أخبرني أبي قال: خرج خالد بن حزام مهاجراً إلى أرض الحبشة في المرة الثانية؛ فنهش في الطريق ... الحديث؛ دون قول الزبير أيضاً. وهذا- مع إرساله- واه جداً؛ لحال محمد بن عمر الواقدي المعروفة. ومن طريقه: أخرجه الحاكم (3/485) بأسانيد أخرى له. وبالجملة؛ فالعمدة على الطريق الأولى؛ لثقة رواتها. غير أنه بقي شيء كدت أن أسهو عنه، وهو أن المنذر بن عبد الله الحزامي لم يوثقه غير ابن حبان (7/518 و 9/176) ، وقال الحافظ: "مقبول "!

فأقول: بل هو ثقة فاضل، كما يظهر من ترجمته في "تاريخ بغداد" (13/244- 245) ، وتوثيق ابن حبان إياه، وكثرة الرواة الثقات عنه، وفيهم بعض الحفاظ والفقهاء؛ فراجع "تهذيب المزي "، و"تيسير الا نتفاع ". وأما ما روى أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس قال: خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجراً، فقال لأهله: احملوني فأخرجوني من أرض المشركين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فنزل الوحي: (ومن يخرج من بيته مهاجراً ... ) الآية. أخرجه ابن أبي حاتم أيضاً، وأبو يعلى في "مسنده " (5/ 81/2679) ، وأبو نعيم أيضاً في"المعرفة" (1/ 331/ 2) ، والوا حدي في"أسباب النزول " (ص 131- 132) . وقال الهيثمي في "المجمع " (7/10) : "رواه أبو يعلى، ورجاله ثقات "! كذا أطلق! وفيه نظر؛ فإن أشعث بن سوار مختلف فيه، وقد أخرج له مسلم متابعة، ولا شك في صدقه وسوء حفظه، وبهذا نجمع بين قول الذهبي فيه في "الكاشف ": " صد وق ". وقول الحافظ في "التقريب ": "ضعيف". لكن لعله يتقوى برواية شريك عن عمرو بن دينار عن عكرمة به. أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره " (5/152) بسند رجاله ثقات، غير

شريك هذا- وهو ابن عبد الله القاضي-، وفيه ضعف من قبل حفظه. وله شواهد كثيرة مرسلة بأسانيد مختلفة يقطع الواقف عليها بصحة حديث ابن عباس هذا، فراجعها إن شئت في "تفسير ابن جرير". وإذا ثبت هذا؛ فلا تعارض بين حديث ابن عباس هذا، وحديث الترجمة؛ لأنه من الممكن أن تتعدد أسباب النزول، وذلك معروف عند علماء التفسير، فما نحن فيه من هذا القبيل. ولعمرو بن دينار بهذا الإسناد حديث آخر في نزول قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم) [النساء: 197] ، يرويه عنه محمد بن شريك. أخرجه البزار (2204) : حدثنا عبدة بن عبد الله: ثنا أبو نعيم: ثنا محمد بن شريك به. وقال: "لا نعلم أحداً يرويه عن عمرو إلا محمد بن شريك ". قلت: وهو ثقة، وهو أبو عثمان المكى، وثقه جمع، ولذلك قال الحافظ في "مختصر الزوائد " (2/ 80/ 1460) : " وفي " البخاري " بعضه، وإسناده صحيح ". وقال الهيثمي في "المجمع " (7/ 10) : "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح؛ غير محمد بن شريك، وهو ثقة ". وتابعه أبو أحمد الزبيري قال: ثنا محمد بن شريك به. أخرجه ابن جرير (5/148) ، وابن أبي حاتم (2/175/ 1) .

3219

وأما رواية البخاري التي أشار إليها الحافظ؛ فهي عنده (4596) من طريق محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود عن عكرمة به. وهو رواية لابن جرير. * 3219- (كان يخرج بعد النداء إلى المسجد، فإذا رأى أهل المسجد قليلاًً؛ جلس حتى يرى منهم جماعةً ثم يصلي، وكان إذا خرج فرأى جماعة، أقام الصلاة) . أخرجه البيهقي في "السنن " (2/19- 20) من طريق الفاكهي: أنبأ أبو يحيى عبد الله بن أحمد بن زكريا بن الحارث بن أبي مسرَّة: ثنا أبي: ثنا عبد المجيد ابن عبد العزيز عن ابن جريج: أخبرني موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث. قلت: وهذا إسناد مرسل، ولكنه قد جاء موصولاً كما يأتي، وقال الحافظ عقبه في "الفتح " (2/110) : "وإسناده قوي مع إرساله ". وأقول: كأنه لم يتنبه أن البيهقي قال عقبه مباشرة: "قال- يعني ابن جريج-: وحدثني موسى بن عقبة أيضاً عن نافع بن جبير عن مسعود بن الحكم الزُّرقي عن علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- مثل هذا الحديث ". قلت وهذا إسناد جيد متصل، وإنما قوّى الحافظ مرسله مع أن فيه عبد المجيد ابن عبد العزيز- وهو ابن أبي رواد-؛ متكلم فيه؛ لكنه قوي في روايته عن ابن جريج خاصة؛ قال ابن معين: "كان أعلم الناس بابن جريج ".

وقال الدارقطني: "كان أثبت الناس في ابن جريح". ومن دونه ثقات؛ غير أن أحمد بن زكريا بن الحارث بن أبي مسرّة لم أجد له ترجمة فيما عندي من كتب الرجال؛ إلا أن الفاكهي في "أخبار مكة" (2/348) ذكرأنه كان يفتي في مكة، ومن بعده ابنه عبد الله. وهذا وثقه ابن حبان (8/369) ، وقال ابن أبي حاتم: "محله الصدق "، ووصفه الذهبي في السير (12/632) بـ: "الإمام المحدث المسند". وقد خالف عبد المجيد: أبو عاصم- وهو الضَّحاك بن مخلد النبيل- في إسناده ومتنه. أما الإسناد؛ فإنه قال: "أبي مسعود الزرقي " مكان: "مسعود بن الحكم الزرقي ". أخرجه أبو داود (546) : حدثنا عبد الله بن إسحاق الجوهري: أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع بن جبير عن أبي مسعود الزرقي عن علي بن أبي طالب ... قلت: وأبو مسعود الزرقي لا يعرف إلا بهذه الرواية، فكأنه وهم من أبي عاصم، لم يحفظه، وقد يدل على ذلك أنه اضطرب في إسناده ولم يستقر عليه، بل إنه أسقطه وأرسله. فرواه أبو داود (545) بالسند نفسه عن موسى بن عقبة عن سالم أبي النضر قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين تقام الصلاة في المسجد إذا رآهم قليلاً جلس لم يُصل، وإذا رآهم جماعة صلى".

3220

ومن المعروف في علم المصطلح أن الحديث المضطرب من أقسام الحديث الضعيف، وما ذلك إلا لأن اضطراب الراوي في ضبط إسناده أو متنه، إنما يدل على أنه لم يتمكن لسبب أو آخر من حفظه وضبطه، وما نحن فيه من هذا القبيل. وكأنه لهذا جزم الحافظ في ترجمة أبي مسعود الزرقي من "التهذيب " أن الصواب: (مسعود بن الحكم) . وإذا عرفت هذا؛ انكشف لك السر في عدم ورود كنية (أبي مسعود الزرقي) هذه في كتب (الكنى) ، وأجمعها: "المقتنى في الكنى" للذهبي. وأما المخالفة في المتن؛ فهي قوله: "حين تقام الصلاة"، والصواب حديث عبد المجيد "بعد النداء"؛ أي: الأذان؛ فإن في آخره التصريح بأن الإقامة كانت تقام بعد خروجه ورؤيته جماعة المسجد. ومن أجل هذه المخالفة وتلك: كنت أوردت حديث أبي عاصم في "ضعيف أبي داود" (87- 88) ، والآن جاءت مناسبة لتأكيد ذلك، ونشر اللفظ الصحيح المحفوظ. والله ولي التوفيق. * 3220- (بُعثت والساعة كهاتين- وضمَّ إصبعيه الوسَّطى والتي تلي الإبهام-، وقال: ما مثلي ومثل الساعة إلا كفرسي رهان. ثم قال: ما مثلي ومثل الساعة إلا كمثل رجُلٍ بعثه قومٌ طليعةُ، فلمّا خشي أن يسبق؛ ألاح بثوبه: أتيتم أتيتم، أنا ذاك، أنا ذاك) . أخرجه ابن جرير الطبري في "تاريخه " (1/8) : حدثنا محمد بن يزيد

3221

الأدمي قال: حدثنا أبو ضمرة عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الأدمي هذا، وهو ثقة بلا خلاف. وقد توبع، فقال محمد بن حماد: نا أنس بن عياض الليثي عن أبي حازم- ولا أعلمه إلا- عن سهل بن سعد به. أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (7/260/10237) . ومحمد بن حماد هذا ثقة أيضاً، وهو الأبيوردي؛ وثَّقه ابن حبان (9/99 و 107) ، وروى عنه جمع من الثقات. وتابعهما الإمام أحمد (5/331) : ثنا أنس بن عياض به. والطرف الأول منه أخرجه البخاري (4936 و5301 و 03 65) ، ومسلم (8/208) ، وابن حبان (6608- الإحسان) ، وأحمد (5/ 330و335و338) ، والطبراني (5873و 5885و5912و5988) وغيرهم من طرق عن أبي حازم به. وله شاهد من حديث أنس عند الشيخين، وابن حبان (6606) ، وغيرهم. وآخر من حديث أبي هريرة عند البخاري، وابن ماجه (2/375/3265) ، وا بن حبان (6607) وغيرهم. * 3221- (أشهد أن لا إله إلا الله، وأنِّي رسول الله، لا يأتي بهما عبدٌ مُحِقٌ إلاّ وقاه الله حرّ النّار) . أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (1/199- 200/ 230) - والسياق له-،

والبزار (1/13/ 11) -مختصراً-من طريق يزيد بن أبي زياد عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن جده عمر قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة، فقلنا: يا رسول الله! إن العدو قد حضر وهم شِباع، والناس جياع؟! فقالت الأنصار: ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كان معه فضل طعام؛ فليجيء به ". فجعل يجيء بالُمُدِّ والصاع، وأكثر وأقل، فكان جميع ما في الجيش بضعاً وعشرين صاعاً، فجلس النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جنبه، ودعا بالبركة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا، ولا تنتهبوا ". فجعل الرجل يأخذ في جرابه وفي غرارته، وأخذوا في أوعيتهم؛ حتى إن الرجل ليربط كم قميصه فيملأه، ففرغوا والطعام كما هو! ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لحال عاصم ويزيد المعروفة في سوء الحفظ، ولكن ذلك لا يمنع من الاستشهاد بهما، وتقوية حديثهما بالشواهد، ولهذا خرجته هنا؛ فإن لهذه القصة والحديث شواهد بنحوه كثيرة، بعضها في "الصحيح ": منها حديث أبي هريرة- أو أبي سعيد؛ شك الأعمش- قال: لما كان غزوة تبوك أصابت الناس مجاعة؛ قالوا: يا رسول الله! لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا، فأكلنا وادهنا ... الحديث بنحوه، وقال في آخره: ".. لا يلقى الله بهما عبدٌ غير شاكٍّ، فيحجب عن الجنة".

أخرجه مسلم (1/42) ، وأبو عوانة (1/7) ، وأبو يعلى في "مسنده " (2/ 411 - 412/1199) ، ومن طريقه: ابن حبان (8/162/6496) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/229- 230) ، وأحمد (3/ 11) من طرق عن أبي معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أو عن أبي سعيد ... وتابعه طلحة بن مُصرِّف عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ... فذكره، ولم يشك. أخرجه مسلم، وأبو عوانة، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/245/ 8794) ، والبيهقي أيضاً (5/228- 229 و 6/ 120- 121) . وهذا هو المحفوظ عن الأعمش بسنده المتقدم عن أبي هريرة دون شك؛ فإنه هكذا أخرجه أبو عوانة، والنسائي (8796 و 8797) من طرق أخرى عن الأعمش: أخرجاه من طريق قتادة بن الفُضيل بن عبد الله بن قتادة، ومن طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن سهيل؛ كلاهما عن الأعمش به. وأخرجه أحمد (2/421- 422) من طريق فُليح عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة به. هكذا الإسناد فيه، لم يذكر الواسطة بين سهيل وأبي هريرة، فهو منقطع ظاهر الانقطاع، فلا أدري أهو سقط من الناسخ، أم من أوهام فليح؟! على أن الراوي عنه (فزارة بن عمرو) ، لم يذكروا له راوياً غير أحمد، وقد روى له حديثاً آخر عن أنس، وقال الحسيني: "فيه نظر".

كما في "التعجيل "، ولم يذكر له غير حديث أنس، فيستدرك عليه هذا الحديث. وقتادة بن الفضيل؛ وقع عند "أبي عوانة": (الفضل) مكبراً؛ وهو مما قيل فيه؛ كما قال ابن حبان في "الثقات " (7/341 و 9/42) ، فليس خطأ مطبعياً كما قد يُظن، وهو ثقة عندي؛ كما في "تيسير الانتفاع ". ومن تلك الشواهد: حديث أبي عمرة الأنصاري، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة ... الحديث نحوه بلفظ: ".. لا يلقى الله عبدٌ يؤمن بهما إلا حُجبت عنه النار يوم القيامة". أخرجه النسائي (8793) ، و"عمل اليوم والليلة" (1140) ، وأحمد (3/417 - 418) كلاهما من طريق عبد الله بن المبارك-وهذا في"الزهد" (321/917) -، عن الأوزاعي قال: حدثني المطلب بن حنطب المخزومي قال: حدثني عبد الرحمن ابن أبي عمرة قال: حدثنا أبي قال: ... فذكره. وتابعه جمع عن الأوزاعي به. أخرجه ابن حبان (رقم 8- موارد) ، والحاكم (2/618) ، والبيهقي (6/ 121) ، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا؛ فقد صرح ابن أبي عمرة بالتحديث عنده كما هو في رواية ابن المبارك. تم بحمد الله القسم الأول ويليه القسم الثاني إن شاء الله. *

3222

3222- (في قوله تعالى: (ذلك أدنى أن لا تعولوا) ، قال: أن لا تجورُوا) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (رقم 1730- الموارد) ، وابن أبي حاتم في "التفسير" (2/104/2) من طرق عن عبد الرحمن بن إبراهيم: حدثنا محمد بن شعيب عن عمر بن محمد العُمَري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله ... وقال ابن أبي حاتم: "قال أبي: هذا حديث خطأ، والصحيح عن عائشة موقوف "! قلت: كذا قال! ولم تطمئن النفس لهذه التخطئة؛ فإن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال الشيخين، غير عبد الرحمن بن إبراهيم- وهو أبو سعيد الدمشقي الحافظ الملقب بـ (دُحَيم) -، قال الحافظ في "التقريب ": "ثقة حافظ متقن ". وغير محمد بن شعيب- وهو ابن شابور الدمشقي-، وهو ثقة اتفاقاً، وهو غير محمد بن شعيب الراوي عن داود بن علي الهاشمي الأمير- وهو مجهول- كما في "الميزان "، ثم ذكر عقبه ابن شابور هذا، وقال فيه: ".. فمشهور، وما أعلم- والله! - به بأساً". ووصفه في "السير" (9/376) في مطلع ترجمته بـ: "الإمام المحدث العالم الصادق.. ". وختمها بقوله: "كان إماماً طلاّبة للعلم ".

3223

فأقول: إذا عرفت حال هذا الإسناد ثقة وصحة، ودون علة ظاهرة تقدح فيه؛ فمن الصعب جداً على من تشبّع وتفقه بقواعد علم الحديث أن يقبل توهينه بهجرد القول بخطأ رفعه؛ لأنه مخالف للمتفق عليه أن الرفع زيادة يجب قبولها من الثقة- كما هنا- ولو خالف ثقة مثله أوقفه لو وجد؛ فكيف وهو مفقود؟! ولا سيما أن جمهور العلماء على تفسير الآية بما في هذا الحديث الصحيح، فهو مما يؤكد صحته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية في"الفتاوى" (3/386- الكردي) بعد أن ذكر الآية: "أي: لا تجوروا في القسم؛ هكذا قال السلف، جمهور العلماء. وظن طائفة من العلماء: أن المراد: أن لا تكثر عيالكم! وقالوا: هذا يدل على وجوب نفقة الزوجة. وغلّط أكثرُ العلماء من قال ذلك لفظاً ومعنى. أما اللفظ؛ فلأنه يقال: عال يعول؛ إذا جار، و: عال يعيل؛ إذا افتقر. و: أعال يُعيل؛ إذا كثر عياله، وهو سبحانه قال: (تعولوا) لم يقل: تُعيلوا. وأما المعنى؛ فإن كثرة النفقة والعيال يحصل بالتسرِّي كما يحصل بالزوجات، ومع هذا فقد أباح مما ملكت اليمين ما شاء الإنسان بغير عدد؛ لأن المملوكات لا يجب لهن قسمٌ، ولا يستحققن على الرجل وطأً ... ". ونقل الحافظ ابن كثير خلاصة هذا، وقال: "والصحيح قول الجمهور". * 3223- (لا، ولكن برَّ أباك، وأحسن صحبته) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2029) - من طريق شبيب بن سعيد-، والبزار (3/ 260/2708) - من طريق عمرو بن خليفة- عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال:

3224

مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن أبيّ ابن سلول، وهو في ظل أجمة، فقال: قد غبّر علينا ابن أبي كبشة! فقال ابنه عبد الله بن عبد الله: والذي أكرمك وأنزل عليك الكتاب! إن شئت لأتيتك برأسه. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقا ل البزار: "لا نعلم رواه عن محمد بن عمرو إلا عمرو بن خليفة، وهو ثقة". قلت: قد تابعه شبيب بن سعيد- كما رأيت- وكلاهما وثقهما ابن حبان، وفيهما كلام. والأول أخرج له ابن خزيمة في "صحيحه "- كما في "اللسان "-، والآخر روى له البخاري، فأحدهما يقوي الآخر، فالإسناد حسن، للخلاف المعروف في محمد بن عمرو. * 3224- (ما تُوُفي حتى أحلَّ الله له أن يتزوج من النساء ما شاء) . أخرجه الدارمي (2/ 154) ، والنسا ئي (2/68) ، وفي " الكبرى " (6/ 434) ، وا بن حبان (2126- موارد) ، والحاكم (2/437) - ومن طريقه البيهقي (7/ 54) -، وأحمد أيضاً (6/ 180) ، وكذا ابن جرير في "التفسير" (22/24) ، وابن سعد في "الطبقات " (8/195) من طرق عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عميرالليثي عن عائشة قالت: ... فذكره. وصرّح ابن جريج بالتحديث كما في "المستدرك "، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وكذلك صرح بالتحديث في رواية أخرى لأحمد، إلا أن عطاء شك في الواسطة بينه وبين عائشة.

فقال أحمد (6/ 201) : ثنا عبد الرزاق قال: أنا ابن جريج قال: وزعم عطاء أن عائشة قالت (فذكره) ، قلت: عمن تأثِرُ هذا؟ قال: لا أدري؛ حسبت أني سمعت عبيد بن عمير يقول ذلك. وتابعه أبو عاصم عن ابن جريج عن عطاء قال: أحسب عبيد بن عمير حدثني عن عائشة. أخرجه ابن جرير. وقد تابعه سفيان عن عمرو عن عطاء عن عائشة. أخرجه أحمد أيضأ (6/ 41) ، وا بن جرير، والترمذي (4 321) - وقال: "حسن صحيح "-، والنسائي أيضاً، وسكت عنه في "الفتح " (8/526) . وللحديث شاهدان: أحدهما من رواية المغيرة بن عبد الرحمن الحِزامي عن أبي النضر مولى عمر عن عبد الله بن وهب بن زمعة عن أم سلمة قالت: لم يمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أحل الله له أن يتزوج من النساء ما شاء؛ إلا ذات محرم. أخرجه ابن أبي حاتم في "التفسير" كما في "تفسير ابن كثير" (3/500) ، ووقع فيه أخطاء مطبعية في الإسناد. وهو إسناد حسن. وأخرجه ابن سعد (8/194) من طريق محمد بن عمر الواقدي عن بردان بن أبي النضر عن أبيه به. والشاهد الآخر؛ يرويه داود بن أبي هند قال: ثني محمد بن أبي موسى عن زياد- رجل من الأنصار- قال:

قلت لأبيِّ بن كعب: أرأيت لو أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - تُوُفِّين، أما كان له أن يتزوج؟! فقال: وما يمنعه من ذلك- وربما قال داود: وما يحرم عليه ذلك-؟! قلت: قوله: (لا يحِلُّ لك النساء من بعد) ، فقال: إنما أحل الله له ضرباً من النساء فقال: (يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك..) إلى قوله: قاله (إن وهبت نفسها للنبي..) ثم قيل له: (لا يحل لك النساء من بعد) [من بعد هذه الصفة] أخرجه الدارمي (2/153- 154) ، وا بن سعد (8/196) ، والبخاري في "التاريخ" (2/ 1/ 360) ، وابن جرير في"التفسير" (22/ 31) ، وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (5/132) ، والضياء المقدسي في"المختارة" (رقم1171و 1172) . أورده البخاري مختصراً في ترجمة زياد هذا، وسمى أباه (عبد الله) ؛ وكذلك سماه ابن أبي حاتم، ولم يذكر له راوياً غير محمد بن أبي موسى هذا، ولا توثيقاً ًولا تجريحاً؛ ولذلك قال الحسيني في "رجال المسند": "لا أعرفه ". وأقره الحافظ في "التعجيل ". وأما الهيثمي؛ فقال- بعد أن عزاه لعبد الله بن أحمد (7/93) -: "رأيت في"ثقات ابن حبان": " زياد، أبو يحيى الأنصاري، يروي عن ابن عباس "؛ فإن كان؛ فهو ثقة، والظاهر أنه هو. ومحمد بن أبي موسى ذكره ابن حبان في (الثقات) ". وأقول: في "ثقات ابن حبان " ثلاثة بهذا الاسم والنسب، أحدهم (5/376) تابعي يروي عن ابن عباس، وعنه أبو سعد البقَّال.

والآخران من أتباع التابعين: أحدهما: (7/426) نُسب إلى جده ابن أبي عياش، يروي عن عطاء بن يسار. وعنه أبو أويس. والآخر: (7/427) روى عن عبد الله بن عبد الرحمن عن علي، وعنه شريك. وإذا عرفت هذا؛ فمن الصعب تحديد أنهم المراد في هذا الحديث! على أنه لا فائدة تُذكر من وراء ذلك؛ لأنهم جميعاً في حكم المجهولين، مع أن صنيع البخاري في"التاريخ " (1/ 1/236) إلى أنه التابعي الراوي عن ابن عباس. وإن مما يلفت النظر أن ابن أبي حاتم لم يذكر هذا مطلقاً، وإنما ذكر الذي روى عنه أبو أويس، وآخر روى عن القاسم بن مُخيمِرة، وعنه الأوزاعي، وقال أبوه فيه: "مجهول ". ومن العجيب أن أحداً من هؤلاء الأربعة لم يُذكر في "الميزان " ولا في "اللسان ". نعم، المذكور أولاً- وهو الراوي عن ابن عباس- قد ذُكِر فى "التهذيب "، وقال في " التقريب ": "مستور". وأورده في "التعجيل " أيضاً، ونقل عن الحسيني قوله: " مجهول ". وأ قره. هذا ما يقال في محمد بن أبي موسى. وأما شيخه زياد الأنصاري، فمن المحتمل ما ذكره الهيثمي أنه زياد أبو يحيى

3225

الأنصاري الذي ذكره ابن حبان في "الثقات " (4/ 261) . وأما جزمه بأنه ثقة؛ فلا وجه له؛ لأنه ليس بالمشهور، ولم يوثقه غير ابن حبان. والله أعلم. ومما سبق تعلم أن قول الشيخ المعلق على "الأحاديث المختارة": "إسناده حسن "! غير حسن؛ للجهالة التي بيَّنّا. والله ولي التوفيق. * 3225- (اللهم! أعزّ الإسلام بعمر بن الخطاب خاصةً) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2180- موارد) من طريق عبد الله بن عيسى الفروي، وكذا البيهقي في "سننه " (6/ 370) ، وابن عدي في "الكامل " (6/ 310) ، وعنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/718) - وكنوه بأبي علقمة- قال: حدثنا عبد الملك بن الماجشون: حدثني مسلم بن خالد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف الفروي هذا، ويُستغرب تصحيح ابن حبان إياه، مع أنه قد ذكره في "الضعفاء" باسمه وكنيته (2/45) ، وقال: "يروي العجائب، ويقلب على الثقات الأخبار التي يعرفها من الحديث صناعته أنها مقلوبة". وضعفه غيره أيضاً. وسمَّاه الحسيني في "الإكمال " (7/84) : "عبد الله بن محمد الفروي "! ومن فوقه ثقات، لولا أن مسلم بن خالد سيئ الحفظ، وهو الزَّنجي المكي

الفقيه من شيوخ الإمام الشافعي، وقد وثقه بعضهم، ومنهم ابن حبان، لكنه أشار إلى ضعف حفظه، فقال في "ثقاته " (7/448) : "يخطئ أحياناً". قلت: فمثله يُحتج به عند المتابعة على الأقل. وقد وجدت له متابعاً قوياً، فقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: ثنا الماجشون بن أبي سلمة عن هشام بن عروة به. أخرجه الحاكم (3/83) ، وعنه البيهقي، ومن طريقه: ابن عساكر (6/719) ، وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. وقال الحافظ في "الفتح " (7/48) : "أخرجه الحاكم بإسناد صحيح ". وهو كما قال، فإن الماجشون هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة المدني؛ ثقة فقيه من رجال الشيخين. وعبد العزيز بن عبد الله الأويسي ثقة من شيوخ البخاري. ومن دونه ثقات حفاظ. وهذه المتابعة مما فات المعلق على "إحسان المؤسسة" (15/306) ؛ فإنه وقف مع الضعف الظاهر في إسناد ابن حبان بسبب الزنجي والفروي! وإذا عرفت هذا المتابع؛ فلعله به يزول الاستغراب الذي سبق ذكره؛ فإن

الفروي الذي ضعفه ابن حبان يحتمل أن يكون عنده من أولئك الضعفاء الذين يقول فيهم: "لا يحتج به إلا فيما وافق فيه الثقات ". فإن إخراجه لحديثه هذا في "صحيحه " يشير إلى هذا، وإلا؛ كان متناقضاً، وهذا غير لازم ما أمكن التوجيه الحسن، كما هو معروف عند أهل العلم من باب: (التمس لأخيك عذراً) . والله أعلم. ولا منافاة بين هذا الحديث وحديث ابن عمر: "اللهم! أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك: أبي جهل بن هشام أو عمر بن الخطاب ". رواه ابن حبان (2179- موارد) ، وله شواهد، ذكرت بعضها في "تخريج المشكاة" (6036/ التحقيق الثا ني) ، وقواه الحافظ (7/48) بشوا هده. أقول: لا منافاة؛ لاحتمال أن يكون هذا قاله - صلى الله عليه وسلم - في أول الأمر، فلما رأى عناد أبي جهل وإصراره على معاداته - صلى الله عليه وسلم -؛ دعا لعمر خاصة، واستجاب الله دعاءه، وأعز الله به دينه، كما هو معروف في سيرته- رضي الله عنه-، وهو ما صرح به عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- بقوله: "ما زلنا أعزَّة منذ أسلم عمر". أخرجه البخاري (3684) ، وا بن حبان (6841- الإحسان) ، وا بن أبي شيبة في "المصنف " (12 /22- 23) ، وا بن سعد (3/ 270) ، وغيرهم. واستدركه الحاكم (3/84) على الشيخين؛ فوهم على البخاري!

3226

(تنبيه) : أخرج ابن أبي عاصم حديث ابن عمر في كتابه "السنة" (رقم 1264) من طريق أخرى عنه نحوه، وزاد في آخره: "قال ابن عمر: والله! ما ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذٍ لنا أبا جهل "! فهي زيادة باطلة لمخالفتها لتلك الشواهد المشار إليها آنفاً، مع ضعف الإسناد. * معتدَّة الوفاة تُحِد بالسواد ثلاثاً فقط 3226- (تسلّبي ثلاثاً، ثم اصنعي ما شئتِ. قاله لأسماء بنت عُميسٍ لما أصيب زوجُها جعفرُ بن أبي طالب) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (745- موارد) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/44) ، وأحمد (6/438) ، وابن سعد (8/282) ، وابن جرير الطبري في "التفسير" (2/318) ، والطبراني في"المعجم الكبير (24/139/ 369) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/187) ، والبيهقي في "السنن " (7/438) ، و"معرفة الآثار" (6/61/4676) من طرق كثيرة عن محمد بن طلحة بن مُصرِّف عن الحكم بن عُتيبة عن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عُميس أنها قالت: لما أصيب جعفر بن أبي طالب؛ أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد أعله البيهقي بالانقطاع بين عبد الله بن شداد وأسماء، وبمحمد بن طلحة! أما الانقطاع؛ فدعوى باطلة؛ فإن عبد الله من كبار التابعين الثقات، ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأسماء خالته، ولم يُرم بتدليس. وأما محمد بن طلحة؛ فهو من رجال الشيخين، وفيه كلام يسير لا يسقط به

حديثه، ولذلك جزم الذهبي في "المغني " بأنه ثقة. وقال الحافظ: "صدوق له أوهام ". ولذلك قوى إسناده في "الفتح " (9/487) ، وذكر عن أحمد أنه صححه. وقد رد ابن التركماني على البيهقي إعلاله بما تقدم رداً قوياً، فراجعه. ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تسلَّبي "- كما قال ابن الأثير-: "أي: البسي ثوب الحداد، وهو (السِّلاب) ، والجمع (سُلُب) ، وتسلبت المرأة: إذا لبسته. وقيل: هو ثوب أسود تُغطي به المُحِد رأسها". فأقول: هذا المعنى هو صريح في رواية أحمد؛ فإنها بلفظ: "البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثم اصنعي ما شئت ". ولكن في رواية أخرى له (6/369) بلفظ: "لا تُحِدِّي بعد يومك هذا". وهو شاذ عندي بهذا اللفظ، لمخالفته للطرق المتقدمة من جهة، وللحديث المتواتر عن جمع من أمهات المؤمنين وغيرهن- من جهة أخرى- الصريح في أن المتوفى عنها زوجها تحد عليه أربعة أشهر وعشراً، وهو مخرج في"الإرواء" (2114) . فذهب بعض العلماء إلى أن هذا الحديث المتواتر ناسخ لحديث الترجمة، ومنهم أبو جعفر الطحاوي. فأقول: لو كان الحديث محفوظاً باللفظ الثاني؛ لكان القول بالنسخ مما لا بد منه، أما والمحفوظ إنما هو باللفظ الأول: "تسلبي ثلاثاً"؛ فهو أخص من الحديث المتواتر، فيستثنى الأقل من الأكثر، أي: تحد بما شاءت من الثياب الجائزة غير

السواد؛ إلا في الثلاثة أيام، وهذا هو اختيار الإمام ابن جرير، قال- رحمه الله: "فإنه غير دالٍّ على أن لا إحداد على المرأة، بل إنما دلَّ على أمر النبي إياها بالتسلب ثلاثاً، ثم العمل بما بدالها من لبس ما شاءت من الثياب مما يجوز للمعتدة لبسه؛ مما لم يكن زينة ولا طيباً؛ لأنه قد يكون من الثياب ما ليس بزينة ولا ثياب تسلُّب، وذلك كالذي أذن - صلى الله عليه وسلم - للمتوفى عنها أن تلبس من ثياب العصب وبرود اليمن؛ فإن ذلك لا من ثياب زينة، ولا من ثياب تسلُّب ". قلت: وهذا هو العلم والفقه والجمع بين الأحاديث، فعضَّ عليه بالنواجذ. والله هو الموفق لا رب سواه. (تنبيه) : إن من أعجب وأغرب التحريفات التي مرَّت بي في حياتي العلمية - وقد دخلت في الثمانين من عمري- ما أصاب هذا الحديث في لفظ (تسلَّبي) : فقد وقع فى"الموارد" (745) : "سلَّمي "وكذلك وقع في أصله"صحيح ابن حبان " (3138 - دار الكتب- بيروت) ! وفي طبعة المؤسسة (3148) "تسلَّمي "، وكذا في "طبقات ابن سعد" (8/282) ! وفي "شرح المعاني "، و"المعجم الكبير": "تسكني "! وفي "سنن البيهقي ": "تسلبني "، وفي "المعرفة ": "لا تسلني " بدون الباء الموجودة، ولكني أظن أنه خطأ مطبعي؛ لأن المعلق عليه أفاد أن الفرق بين كتابي البيهقي"السنن"و"الآثار"إنما هو زيادة حرف (لا) النافية، وقال: "كذا في المخطوطة " يعني أن فيها: "لا تسلبني "! وقد نبَّه الحافظ- رحمه الله- في "الفتح " (9/448) على خطأ ابن حبان، وجزم بأن الصواب ما أثبتُّه أعلاه. ثم قال:

3227

"وقد وقع في رواية البيهقي وغيره: "فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتسلب ثلاثاً "، فتبين خطؤه ". ولم أقف على هذه الرواية عند البيهقي ولا عند غيره من أصحاب المصادر المتقدمة، والله أعلم. نعم؛ لفظ رواية أحمد يعطي معناها، فإنه قال: "البسي ثوب الحداد ثلاثاً، ثم اصنعي ما شئت ". وما أثبتُّه هو لفظ الطبري وأبي نعيم. وإن من ذلك التحريف: ما وقع في"مجمع الزوائد" (3/17) معزواً لرواية أحمد: "تسلَّي "! ولا وجود لها في "مسنده " المطبوع! وأعجب من ذلك كله: أن الأخ الفاضل حمدي السلفي أورد في فهرسه القيم "مرشد المحتار" (2/32) الحديث بلفظه الصحيح: "تسلبي.. " معزوّاً لأحمد بالرقم المتقدم مني (6/438) ، وليس هو فيه- من الطبعة الميمنية- أيضاً إلا باللفظ الذي ذكرته آنفاً: "البسي ثوب الحداد.. "! * 3227- (اللهم! علِّم معاوية الكتاب والحساب، وقِِهِ العذاب) . روي من حديث العرباض بن سارية، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن ابن أبي عمِيرةالمزني، ومسلمة بن مُخلَّد، ومرسل شُريح بن عُبيد، ومرسل حَرِيز بن عثمان. ا- أما حديث العرباض؛ فيرويه يونس بن سيف عن الحارث بن زياد عنُ أبي رُهمٍ السمعي عن العرباض بن سارية السلمي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره.

أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1938) ، وابن حبان (278 2) ، وأحمد (4/127) ، وفي "فضائل الصحابة " (1748) ، والبزار (2723) ، والفسوي في "التاريخ " (2/345) ، والحسن بن عرفة في "جزئه " (61/122) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (18/ 251/628) ، وابن عدي في "الكامل " (6/406) ، ومن المخطوطات: أبو القاسم الكتَّاني في "جزء من حديثه " (ق 4/2) ، وفي مجلس البطاقة"أيضاً (ق 188/ 1) ، وا بن بِشران في "الأمالي " (ق 14/ 1) ، وابن حمصة في "جزء البطاقة" (ق70/2) ، وأبو طاهر الأنباري في "مشيخته " (ق 149/1) ، وابن عساكرفي"تاريخ دمشق " (16/682 و 683) ، وأبو موسى المديني في "جزء من الأمالي " (ق 1/2) كلهم عن يونس به. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات, غير الحارث بن زياد؛ فإنه مجهول لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يذكر له راوياً غير يونس هذا، وعليه؛ فقول الحافظ فيه: "لين الحديث "! ليس على الجادة. ثم إنه ليس يخفى أن إخراج ابن خزيمة لحديثه في "الصحيح " يعني أنه ثقة عنده، إلا أنه قد عرف بالتساهل في التصحيح والتوثيق- كتلميذه ابن حبان-، فلا أقل من أن يصلح للاستشهاد به، وهذا هو الذي مال إليه من قوى هذا الحديث كما يأتي. ومع هذا؛ فقد خفي توثيق ابن حبان المذكور على الهيثمي، فقال في "مجمع الزوا ئد " (9/ 356) :

"رواه البزار وأحمد- في حديث طويل- والطبراني، وفيه الحارث بن زياد؛ ولم أجد من وثقه، ولم يرو عنه غير يونس بن سيف، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف ". 2- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه عثمان بن عبد الرحمن الجُمحِي عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس مرفوعأ به. أخرجه أبو جعفر الرزاز في "حديثه " (4/99/ 1) ، وابن عدي (5/162) ، وا بن عساكر (16/683- 684) ، وقال: "وهو ضعيف ". قلت: وعلته الجمحي هذا؛ فإنه مختلف فيه، وهو كما قال الذهبي في " الميزان ": "صويلح ". وقال الحافظ في "التقريب ": "ليس بالقوي ". قلت: فمثله يستشهد به أيضاً، فكأنه لذلك سكت عنه الحافظ ابن كثيرفي "البداية " (8/ 121) ولم يضعفه. 3- وأما حديث عبد الرحمن بن أبي عميرة المزني؛ فيرويه سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عنه به. أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/ 1/327) ، وابن عساكر (16 /684- 686) ، والذهبي في "السير" (8/38) .

قلت: وهذا إسناد جيد عندي، وشاهد قوي، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير ابن أبي عميرة؛ وهو صحابي كما جاء مصرحاً به في بعض الطرق، وبلفظ: "اللهم! اجعله هادياً مهديّاً، واهده، واهد به ". وقد تقدم تخريجه برقم (1969) ، وحسنه الترمذي كما ذكرت ثمة؛ وكذلك حسنه الجوزقاني في كتابه "الأباطيل " (1/193) . وقد أعل حديث الترجمة- من رواية ابن أبي عميرة- المعلق على "الإحسان " (16/193) بقوله: "ورجاله ثقات إلا أن سعيد بن عبد العزيز قد اختلط "! وقد غفل- كما هو شأن كل كاتب- أو تغافل عن كون الراوي لهذا الحديث عن سعيد إنما هو أبو مُسهِرٍ- واسمه عبد الأعلى بن مسهر-، وأنه هو الذي رماه بالاختلاط، وأنه يستبعد منه- لفضله- أن يحدِّث عنه فيما سمعه منه في حال اختلاطه، كما كنت ذكرت ذلك فيما تقدم. وأضيف الآن فأقول: وإن مما يؤيد ذلك: أن الإمام مسلماً قد احتج في "صحيحه " برواية أبي مسهر عن سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد، كما في "تهذيب المزي "، وما أجد لهذا وجهاً إلا ما تقدم، أو أن اختلاطه كان ضيِّقاً لا يضر، وهو الذي يكني عنه بعضهم بأنه: "تغير"؛ وهو ما وصفه به الحافظ حمزة الكناني، وهذا الوصف هو الذي يلتقي مع إطلاقاتِ أئمة الجرح الثناء عليه، كقول أحمد: "ليس بالشام رجل أصح حديثاً منه ".

وقول ابن معين فيه: "حجة". ونحوه كثير. ولعل قول الحافظ الذهبي في "السير" (3/124) عقب حديث العرباض: "وللحديث شاهد قوي ". أقول: لعل هذا القول منه هو ما ذكرته. والله أعلم. 4- وأما حديث مسلمة بن مخلد؛ فيرويه أبو هلال محمد بن سُليم قال: ثنا جبلة بن عطيَّة عن مسلمة بن مخلد أو عن رجل عن مسلمة بن مخلد. أنه رأى معاوية يأكل، فقال لعمرو بن العاص: إن ابن عمك هذا لمِخضدٌ، أما إني أقول هذا، وقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكر الحديث؛ لكنه لم يذكر: "الحساب "، وقال مكانه: "ومكن له في البلاد". أخرجه أحمد في "الفضائل " (1750) ، وكذا ابن سعد كما في "البداية" (8/ 121) - وليس في المجلدات المطبوعة، ولا في المجلد الذي طبع منه- حديثاً- كمتمم-، وابن الجوزي في "العلل " (1/272) ، وابن عساكر (16 /684) . وأعله ابن الجوزي بأبي هلال، وهو صدوق فيه لين كما في "التقريب ". وأعله الهيثمي بالانقطاع فقال (9/357) : "رواه الطبراني من طريق جبلة بن عطية عن مسلمة بن مخلد، وجبلة لم يسمع من مسلمة؛ فهو مرسل، ورجاله وثقوا، وفيهم خلاف ".

قلت: والصواب إعلاله بالرجل الذي لم يُسَمَّ، فهو مجهول، ولم يقع له ذكر في إسناد ابن الجوزي، وكذلك في طريق الطبراني فيما يظهر من كلام الهيثمي، والقسم الذي فيه مسلمة بن مخلد. وجبلة هذا: الظاهر أنه ابن عطية الفلسطيني المترجم في "التهذيب " برواية جمع عنه، ومنهم الراسبي هذا، وبتوثيق ابن معين وابن حبان، ووثقه الذهبي أيضاً في "الكاشف ". وصنيعه في "الميزان " يدل على أنه يفرِّق بين الفلسطيني الموثَّق، وبين جبلة ابن عطية هذا؛ فإنه ذكره هكذا في "الميزان " غير منسوب، وقال: "لا يعرف، والخبر منكر بمرة، وهو من طريق ثقتين عن أبي هلال محمد بن سليم: حدثنا جبلة عن رجل ... " فذكر الحديث. وتعقبه الحافظ في "اللسان "، فقال: "ولعل الآفة في الحديث من الرجل المجهول، وأما جبلة؛ فنقل ابن أبي حاتم توثيقه عن ابن معين ... ". 5- وأما مرسل شُريح بن عُبيد، فقال أحمد في "الفضائل " (1749) : ثنا أبو المغيرة قال: ثنا صفوان قال: حدثني شريح بن عبيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا لمعاوية بن أبي سفيان: "اللهم ... " الحديث بلفظ الترجمة. قلت: وهذا إسناد شامي مرسل صحيح، رجاله ثقات، وشريح بن عبيد: هو الحضرمي الحمصي تابعي ثقة، روى عن جمع من الصحابة، وأرسل عن آخرين.

وصفوان: هو ابن عمرو هو السَّكسكي الحمصي، وهو من رجال مسلم. وأبو المغيرة: اسمه عبد القدوس بن الحجَّاج الخولاني الحمصي، من رجال الشيخين. 6- وأما مرسل حريز بن عثمان؛ فقال الحسن بن عرفة في "جزئه " (66) : حدثنا شبابة بن سوَّار عن حريز بن عثمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا ... الحديث. ومن طريق الحسن: أخرجه ابن عساكر (16/684) . وهذا أيضاً إسناد شامي مرسل صحيح؛ فإن الحسن بن عرفة ثقة من شيوخ الترمذي وابن ماجه. وشبابة بن سوّار: ثقة حافظ من رجال الشيخين. وحريز بن عثمان: هو الرَّحبي الحمصي، وهو ثقة من رجال البخاري؛ ولكنه كان يبغض علياً أبغضه الله! ولذلك أورده ابن حبان في "الضعفاء" (1/268- 269) ، وقال في "صحيحه "- بعد أن ساق حديث عقبة بن عامر في التشهد بعد الوضوء من طريقين عنه، أحدهما: عن أبي عثمان عن جبير بن نفيرعنه (3/325- 328/ 1050- المؤسسة) -: "أبو عثمان هذا يشبه أن يكون حريز بن عثمان الرحبي، وإنما اعتمدنا على هذا الإسناد الأخير؛ لأن حريز بن عثمان ليس بشيء في الحديث "! وأرى أن في موقف ابن حبان هذا من حريز- مع تواتر أقوال الأئمة في توثيقه تواتراً عجيباً، نادراً ما نرى مثله في كثير من الثقات المعروفين مع وصف بعضهم إياه بالبغض المذكور آنفاً- مبالغةً ظاهرةً، وهو قائم على مذهبه الذي

أفصح عنه في مقدمة"ضعفائه " (ص 81) : "أن منهم المبتدع إذا كان داعية إلى بدعته ". وهي مسألة طالما اختلفت فيها أقوال العلماء، كما هو مبسوط في "علم المصطلح "، والذي تحرر عندي فيها- ورأيت فحول العلماء عليها-: أن المبتدع إذا ثبتت عدالته وضبطه وثقته؛ فحديثه مقبول ما لم تكن بدعته مكفرة، ولم يكن حديثه مقوياً لبدعته، والى هذا مال الحافظ في "شرح النخبة" تبعاً للعلامة المحقق ابن دقيق العيد، وقد حكى كلامه في "مقدمة الفتح " (ص 385) ، وهو جيد ومهم جداً، فراجعه. واذا عرفت هذا؛ فحديث عقبة ليس فيه ما يؤيد البدعة، وكذلك حديثنا، إنما هو في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاوية- رضي الله عنه-، وهذا يقال فيما لو تفرد به حريز، فكيف وقد توبع من جمع كما تقدم؟!! فلا غرابة إذن أن ذهب إلى تقويته من سبق ذكرهم من الحفاظ، ويمكن أن نُلحق بهم الحافظ ابن عساكر؛ فإنه بعد أن ساق الأحاديث المتقدمة، وغيرها مما لا مجال بوجه لتقويتها، وروى بسنده الصحيح عن إسحاق بن راهويه أنه قال: "لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضل معاوية بن أبي سفيان شيء"؛ عقب عليه بقوله: "وأصح ما روي في فضل معاوية حديثُ أبي حمزة عن ابن عباس أنه كان كاتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أخرجه مسلم في "صحيحه "، وبعده حديث العرباض: "اللهم! علمه الكتاب ... "، وبعده حديث ابن أبي عميرة: "اللهم! اجعله هادياً مهدياً ... ". *

3228

3228- (يا شداد بن أوسٍ! إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة، فأكثر هؤلاء الكلمات: اللهم! إني أسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتِك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرُك لما تعلمُ؛ إنك أنت علامُ الغيوب) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/335- 336) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (1/266) ، وكذا ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (16/127) من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن: ثنا إسماعيل بن عياش: حدثني محمد بن يزيد الرحبي عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر: 1- سليمان بن عبد الرحمن: هو ابن بنت شرحبيل أبو أيوب الدمشقي، قال الذهبي في "الكاشف ": "مُفتٍ ثقة، لكنه مُكثِرٌعن الضعفاء". 2- إسماعيل بن عياش: ثقة في روايته عن الشاميين، وهذه منها كما يأتي. 3- محمد بن يزيد الرحبي، وهو دمشقي، له ترجمة في "تاريخ دمشق " لابن عساكر (16/127) ، وأفادأنه روى عنه خمسةآخرون غير إسماعيل بن عياش،

وأكثرهم ثقات، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/35) . وذكره أبو زرعة الدمشقي في "تسمية نفر ذوي إسناد وعلم " كما ذكر ابن عساكر. ولم أجده في "تاريخ دمشق " المطبوع لأ بي زرعة. 4- وأما أبو الأشعث الصنعاني- واسمه شَراحِيل بن آدّة-؛ فهو ثقة من رجال مسلم. فصح الإسناد والحمد لله، وهو مما فات المعلق على "الإحسان " (3/216) أن يذكره في جملة ما خرَّج من طرق الحديث، وكلها لا تخلو من ضعف أو جهالة أو انقطاع، ولذلك لم يصرح بمرتبة الحديث! لكنه صرح بأنه ضعيف عقبه في طبعته من "الموارد" (2/1089) . ومن تلك الطرق: ما عزاه للحاكم (1/508) من طريق عمر بن يونس بن القاسم اليمامي عن عكرمة بن عمار قال: سمعت شداداً أبا عمار يحدث عن شداد بن أوس. قال المعلق: "وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي ". وسكت عليه ولم يتعقبهما بشيء، مع أنّ خطأهما في ذلك ظاهر؛ لأنه من رواية أبي الحسن محمد بن سنان القزاز: ثنا عمر بن يونس ... فأقول: القزاز هذا ليس من رجال مسلم أولاً، ثم هو متكلَّم فيه، فأورده الذهبي نفسه في "الميزان " وقال: "رماه أبو داود بالكذب، وابن خراش يقول: ليس بثقة. وأما الدارقطني فمشّاه، وقال: لا بأس به ". ولذلك؛ جزم الحافظ بضعفه في "التقريب ".

ومن ذلك يتبين أن المعلِّق المشار إليه لم يحسِن حينما ساق إسناد الحاكم من عند عمر بن يونس؛ فإن ذلك يوهم أن من دونه ليس فيهم أي ضعف، وما هكذا يكون التحقيق! ومن هذا القبيل: أنه ضعف إسناد ابن حبان في هذا الحديث بسُويد بن عبد العزيز قال: حدثنا الأوزاعي عن حسان بن عطية عن أبي عبيد الله مسلم بن مِشكَم قال: خرجت مع شداد بن أوس ... فذكر قصة، وفيها هذا الحديث؛ فعلق عليه بقوله: "سويد بن عبد العزيز لين الحديث، وباقي رجاله ثقات، وأخرجه أحمد (4/123) من طريق روح عن الأوزاعي عن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس ... ورجاله ثقات إلا أن حسان بن عطية لم يدرك شداداً". فأقول: نعم؛ ولكن قد ذكر الحافظ المزي في ترجمة حسان أن من شيوخه أبا عبيد الله مسلم بن مشكم، فلا يبعد أن يكون هو الواسطة بين حسان وشداد، فتكون طريق روح- وهو ابن عبادة- متابعة قوية لسويد بن عبد العزيز. وهناك احتمال آخر، وهو أن تكون الواسطة بينهما أبا الأشعث الصنعاني فإنه من شيوخ حسان أيضاً. وللحديث طرق أخرى: منها ما عند النسائي، وا بن حبان (2416- موارد) ، والطبراني (7/353/ 7180) من طريق سعيدالجُريري عن أبي العلاءعن شداد به. ورجاله ثقات، لكنه منقطع بين أبي العلاء وشداد.

ووصله الترمذي (4004) ، وأحمد (4/ 125) ، والطبراني (7175- 7178) ، وأبو نعيم أيضاً ... بذكر رجل حنظلي بينهما. والحنظلي لم أعرفه، وانظر تعليقي على "المشكاة" (995) . وقد وجدت له شاهداً، ولكنه واه جداً، فأذكره لبيان حاله، فأقول: رواه إسماعيل بن عمرو البجلي: ثنا موسى بن مُطَير عن أبي إسحاق قال: قال لي البراء بن عازب: ألا أعلمك دعاء علمنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: ... فذ كره. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/9- 10) ، وفي "الأوسط " (2/156/2/7542) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/27) ، وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا موسى بن مطير، تفرد به إسماعيل بن عمرو". قلت: هذا ضعيف، وشيخه موسى؛ قال الذهبي: "واهٍ، كذبه يحيى بن معين، وقال أبو حاتم والنسائي وجماعة: متروك ... ". وبه أعله الهيثمي فقال (10/173) : "رواه الطبراني في" الكبير" و" الأ وسط "، وفيه موسى بن مطير وهو متروك ". وأبو إسحاق- وهو السبيعي- كان اختلط، لكن العلة ممن دونه. وفي حديث شداد- ولا سيما من الطريق الأولى- ما يغني عن الاستشهاد بهذا الإسناد الواهي. *

3229

3229- (من صام رمضان، وصلّى الصلوات [الخمس] ، وحجَّ البيت- لا أدري أذكر الزكاة أم لا؟ -؛ إلا كان حقاً على الله أن يغفر له، إن هاجر في سبيل الله، أو مكث بأرضه التي ولد بها، قال معاذٌ: ألا أُخبر بهذا الناس؟! فقال: ذرِ الناس [يا معاذُ] يعملون) . أخرجه الترمذي (2530) ، وأحمد (5/ 232 و 240- 241) ، والبزار (1/23/ 26) عن عبد العزيز بن محمد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسارعن معاذ بن جبل مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات من رجال مسلم، لولا أنه منقطع؛ فقد قال الترمذي عقبه: "عطاء لم يدرك معاذ بن جبل، ومعاذ قديم الموت، مات في خلافة عمر" قلت: مات سنة (18) كما جزم به في "التقريب "، وعطاء كانت ولادته سنة (19) ، وعليه؛ فقول الترمذي المذكور: " ... لم يدرك معاذاً" أدق من قول الحافظ في "التهذيب ": "وفي سماعه من معاذ نظر"! وذلك " لأنه يفيد بمفهومه أنه أدركه؛ وليس كذلك. ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث أبي هريرة عند البخاري وغيره؛ وهو مخرج فيما تقدم برقم (921) . *

3230

3230- (يظهرُ هذا الدّين حتى يجاوز البحار، وحتى تُخاض بالخيل في سبيل الله، ثُمَّ يأتي أقوامٌ يقرأون القرآن، فإذا قرأوا قالوا: قد قرأنا القرآن، فمن أقرأُ منا؟ من أعلمُ منا؟! ثم التفت إلى أصحابه، فقال: هل ترون في أولئك من خير؟ قا لوا: لا. قال: فأولئك منكم، وأولئك من هذه الأمة، وأولئك هُم وقُودُ النار) . أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (152/ 450) قال: أخبرنا موسى بن عُبيدة عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن ابن الهاد عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وأخرجه أبو يعلى (12/56/6698) ، والبزار (1/99/ 174) من طريقين آخرين عن موسى بن عُبيدة به (¬1) . قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف موسى هذا مع عبادته. وابن الهاد: اسمه يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد؛ لم يدرك العباس كما يدل على ذلك تاريخ وفاتهما. وقد جاء عنه موصولاً من طريق عبد العزيز بن أبي حازم عن يزيد بن الهاد قال: حدثتني هند بنت الحارث الخثعمية امرأة عبد الله بن شداد عن أم الفضل أم ¬

_ (¬1) ثم رأيته في"ترغيب الأصبهاني " (2/876) من طريق رابع عن موسى، لكنه شذ فقال: "عن ابنة الهاد أنها قالت: أخبرني العباس بن عبد المطلب ... ".

عبد الله بن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه قام ليلة بمكة، فقال: "اللهم! هل بلّغت؟ " ثلاث مرات. فقام عمر بن الخطاب فقال: اللهم! نعم، ونصحت وجهدت. فأصبح فقال: "ليظهرن الإيمان حتى يردَّ الكُفر إلى مواطنه، وليخوضنَّ البحار بالإسلام، وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن ... ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/27- 28) ، وقال المنذري في " الترغيب " (1/ 80) : "وإسناده حسن إن شاء الله ". وقال الهيثمي (1/186) : "ورجاله ثقات؛ إلا أن هند بنت الحارث الخثعمية التابعية لم أر من وثقها ولا جرحها"! وأقول: بلى؛ قد وثقها من أنت كثير الاعتماد عليه، وهو ابن حبان؛ فقد ذكرها في "الثقات " (5/517) برواية يزيد هذا عنها، وقد قال الحافظ فيها: "مقبولة". يعني عند المتابعة، وقد توبعت؛ فقال البزار في "مسنده " (1/405/283- البحر الزخار) : حدثنا عبد الله بن شبيب قال: نا إسحاق بن محمد الفروي قال: نا عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يظهر الإسلام حتى تخوض الخيلُ البحار، وحتى يختلف التجار في البحر، ثم يظهر قوم يقرأون القرآن ... " الحديث.

قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ عبد الله بن زيد، قال الحافظ: "صدوق فيه لين ". قلت: فمثله يكون حديثه حسناً لغيره على الأقل إذا سلم ممن دونه؛ فلننظر. وإسحاق بن محمد الفروي من رجال البخاري، لكن قال الحافظ: "صدوق، كفَّ فساء حفظه ". فهو كالذي قبله. فيبقى النظر في الراوي عنه: عبد الله بن شبيب؛ فإن له ترجمة سيئة في "الميزان " و"لسانه "، ولم يوثقه أحد، وأحسن ما قيل فيه قول الدارقطني: "غير عبد الله بن شبيب أثبتُ منه ". ولذا قال الذهبي: "أخباري علامة، لكنه واهٍ ". فالاستشهاد به موضع نظر. والله أعلم. ولم يتفرد به؛ فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/86/2/6378) : حدثنا محمد بن علي الصائغ قال: نا خالد بن يزيد العُمري قال: ثنا عبد الله بن زيد بن أسلم به. وقال: "لم يروه عن عبد الله بن زيد بن أسلم إلا العمري "! كذا قال! وكأنه لم يقف على متابعة الفروي، أو أنه لم يعتدّ بإسناده إليه. وهذا أعدل من قول الحافظ (1/143) : "قلت: وقد أخطأ في ذلك ".

3231

وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في " الأوسط "، والبزار، ورجال البزار موثّقون ". وهذا نحو قول المنذري قبله في "الترغيب " (1/79) : "رواه الطبراني في"الأ وسط "والبزار بإسناد لا بأس به، ورواه أبو يعلى والبزار والطبراني من حديث العباس بن عبد المطلب ". وأقول: بمجموع الطريقين إليهما مع طريق أم الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب يمكن القول بأن الحديث يرتقي إلى مرتبة الحسن، مع ملاحظة أن معناه مطابق للواقع، وطرفه الأول من معجزاته العلمية التي تدل على صدق نبوته - صلى الله عليه وسلم -. والله سبحانه وتعالى أعلم. 3231- (مرَّ رجلٌ ممن كان قبلكُم بجُمجُمة، فنظر إليها، فحدّث نفسه بشيءٍ ثم قال: يا ربِّ! أنت أنت، وأنا وأنا، أنت العوادُ بالمغفرةِ، وأنا العوادُ بالذنوب! وخرّ للهِ ساجداً، فقيل له: ارفع رأسك، فأنت العوّادُ بالذّنوبِ، وأنا العوّادُ بالمغفرةِ، [فرفع رأسه، فغُفِر له] ) . أخرجه ابن عدي (2/147) ، والخطيب في" التاريخ " (9/ 92) ، والديلمي في "مسند الفردوس " (3/67) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (2/ 71) من طريق سعيد بن نُصَير البغدادي: حدثنا سيَّار بن حاتم: حدثنا جعفر بن سليمان الضُّبعِي قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن جابر مرفوعاً. وقال الخطيب: "تفرد بروايته هكذا مرفوعاً سيَّارُ بن حاتم عن جعفر بن سليمان، ورواه العباس

ابن الوليد النَّرسي عن جعفر عن ابن المنكدر عن جابر موقوفاً، وذاك أصح ". قلت: يعني الموقوف؛ لأن النرسي ثقة، وسيَّار فيه ضعف. لكني وجدت له متابعاً قوياًّ، فقال البزار في"مسنده " (1/ 361/755) : حدثنا الوليد بن عمرو بن سُكَين: ثنا حبَّان بن هلال: ثنا جعفر بن سليمان عن محمد بن المنكدر عن جابر رفعه. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال مسلم- ليس فيهم مغمز- سوى الوليد بن عمرو؛ فليس من رجاله، ولكنه ثقة كما قال الذهبي. وقال النسائي: "لا بأس به "، وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال (9/228) : "ربما أخطأ ". وقال الحافظ: " صد وق ". وأعله البزار بعلة غريبة؛ فقال عقبه: "ولا نعلمه عن جابر إلا من هذا الوجه، ولا أحسب جعفر بن سليمان سمع ابن المنكدر، ولا روى عنه إلا هذا"! قلت: هذا ليس بشيء؛ فقد روى عمن هو أقدم وفاة منه، وهو ثابت البناني، ولم يُرمَ بتدليس، وهو ثقة من رجال مسلم كما سبقت الإشارة إليه. نعم؛ قد أورده ابن عدي في ترجمة جعفر هذا، مشيراً إلى أنه من مفاريده، وليس ذلك بضارِّه؛ فقد ساق له الذهبي عده أحاديث من هذا القبيل، وقال: "وغالب ذلك في "صحيح مسلم " ... ".

3232

وقال الذهبي فيه: "ثقة، فيه شيء مع كثرة علومه، قيل: كان أمَّياً، وهو من زهاد الشيعة". وقال الحافظ: "صدوق زاهد كان يتشيع ". قلت: فمثله يحتج به من أهل العلم ما لم يظهر خطؤه. والله أعلم. (تنبيه) : تحرف (سيار بن حاتم) في "الديلمي " إلى (سفيان الثوري) ! ولم يتنبه لذلك المعلق على "الفردوس " (4/172/6535) فنقله على خطئه! ولم يتكلم على إسناده بشيء! والحديث قال الهيثمي (2/287) : "رواه البزار، ورجاله ثقات ". * 3232- (إنّ من تمامِ إسلامِكم أن تُؤدُّوا زكاة أموالِكم) . أخرجه ابن أبي عاصم، في "الآحاد والمثاني " (4/309 /2334) : حدثنا يعقوب بن حُميد: ثنا عيسى بن الحضرمي بن كلثوم بن علقمة بن ناجية الخزاعي عن جده كلثوم عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم عام (الُمَريسيع) حين أسلموا: ... فذكره. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/8/6) : حدثنا أحمد بن عمرو الخلال المكي: ثنا يعقوب بن حميد به، وزاد في نسب (ناجية) فقال: (ابن الحارث الخزاعي) .

وأخرجه البزار في "مسنده " (1/415/876) : حدثنا بعض أصحابنا عن عيسى بن الحضرمي به. ووقع فيه بعض الأخطاء المطبعية. قلت: وهذا إسناد حسن؛ يعقوب بن حميد فيه كلام لا ينزله عن مرتبة الاحتجاج به، وقوَّاه البخاري كما في "المغني "، وقال الحافظ: "صدوق ربما وهم ". وعيسى بن الحضرمي، قال ابن أبي حاتم (3/274) عن أبيه: "لا بأس به ". وكلثوم بن علقمة- ويقال: (كلثوم بن المصطلق) نسبةً إلى جده الأعلى- وثّقه ابنُ حبان (5/335) ، وروى عنه جماعة، وقيل: له صحبة، ولذلك جزم الحافظ بأنه ثقة، وعلى ذلك خرجت له حديثاً في "صحيح أبي داود" (2703) . (تنبيه) : كنت حينما ألفت "صحيح الترغيب والترهيب " ونشرته؛ جرَّدتُ منه هذا الحديث لتضعيف المنذري إياه؛ بتصديره له بقوله: "روي ... "، وإعلال الهيثمي بقوله (3/62) : " ... وفيه من لا يعرف ". وما كان يمكنني إلا الاعتماد عليهما يومئذ؛ لعدم التمكن من الوصول إلى إسناده في تلك المصادر، وبخاصة منها كتاب ابن أبي عاصم، فلما منّ الله تعالى بطبعها، ويسر لي الرجوع إليها ودراسة إسناده؛ تبينت أن ما أعل به غير وارد، وبخاصة بالنسبة لإسناد ابن أبي عاصم، أما بالنسبة لإسناد البزار فالعلة واضحة؛ لأنه لم يسم شيخه، وإن كنت لا أستبعد أن يكون هو يعقوب بن حميد، وأما

3233

بالنسبة لإسناد الطبراني؛ فيجوز أن يكون الهيثمي أشار بقوله المتقدم إلى شيخ الطبراني: (أحمد بن عمرو الخلال) ؛ فإني لم أجد له ترجمة، أقول هذا مع ملاحظتي أن الهيثمي ليس من عادته إعلال الحديث بشيخ الطبراني إلا نادراً، وبخاصة أن (الخلال) هذا قد روى له في"المعجم الأوسط " (17) سبعة عشر حديثاً. ويحتمل أن يكون خفي عليهما حالُ من فوق يعقوب بن حميد، وبخاصة عيسى بن الحضرمي الذي لم يُذكر إلا في كتاب ابن أبي حاتم. والله أعلم. * 3233- (لا نبيَّ بَعدِي، ولا أُمّة بعدكم؛ فاعبدُوا ربَّكم، وأقيمُوا خمسكُم، وأعطُوا زكاتكُم، وصُومُوا شهركُم، وأطيعُوا وُلاةَ أمرِكم؛ تدخلوا جنة ربِّكم) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/316/797) وفي "مسند الشاميين " (2/193- 194) ، وأبو نعيم في"معرفة الصحابة" (2/283/ 1) ، وابن مندة في "المعرفة" أيضاً (2/175/1) من طريق بقية بن الوليد عن بحير بن سعد عن خالد ابن معدان عن أبي قُتَيلة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام في الناس في حجة الوداع فقال: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن بقية مدلس وقد عنعن. لكن له شاهد قوي من حديث أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيها الناس! إنه لا نبيَّ بعدي، ولا أمة بعدكم، ألا! فاعبدوا ربكم ... " الحديث، وزاد بعد جملة الزكاة: "طيبةً بها أنفسُكم ".

أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين " (2/16 /834) وفي "المعجم الكبير" (8/136/7535) من طريق إسماعيل بن عياش: حدثني شُرَحييل بن مسلم ومحمد بن زياد: أنهما سمعا أبا أمامة يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد شامي متصل صحيح. وأخرجه في "المعجم الكبير" (8/162- 163) من طريق أخرى عن إسماعيل به مختصراً، لكنه قرن مع شيخَيِ ابن عياش: (أسد بن وداعة) ، وقد وثقه ابن حبان (4/56) ، وروى البخاري في "التاريخ " (1/2/ 50) ، والفسوي في "المعرفة" (1/117) عن معاوية بن صالح أنه كان مرضياًّ، وروى الفسوي (2/385) ما يدل على أنه كان من الذين نصبوا أنفسهم للفقه، وحبسوها في المسجد عن طلب الدنيا، وأنه كان قاضي الجند بحمص. ثم روى الطبراني (7617) بإسناد آخر صحيح عن إسماعيل عن شرحبيل عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته عام حجة الوداع: ... فذكره ببعض اختصار. وروى في "مسند الشاميين " (2/401- 402) من طريق فرجِ بن فضالة عن لقمان بن عامر عن أبي أمامة قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، فخطب الناس، فقال في موعظته: "ألا لعلكم لا تروني بعد عامكم هذا، (ثلاث مرات) ". فقام رجل طويل أشعث، كأنه من رجال شنوءة، قال: فما الذي نفعل يا رسول الله؟! فقال: "اعبدوا ربكم ... " الحديث، وفيه: "طيبة بها أنفسكم ".

3234

وفرج ضعيف. وللحديث طريق رابع عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ: "اتقوا الله ربكم ... " الحديث نحو لفظ الترجمة. وتقدم تخريجه برقم (867) . * 3234- (حمَى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - كل ناحيةٍ من المدينة برِيداً برِيد اً) . أخرجه أبو داود (036 2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 111/722) من طريق سليمان بن كنانة مولى عثمان بن عفان: أخبرنا عبد الله بن أبي سفيان عن عدي بن زيد قال: ... فذكره، وزاد: "لا يُخبَط شجره ولا يُعضد؛ إلا ما يساق به الجمل ". قلت: وهذا إسناد مجهول كما هو مبين في غير هذا الموضع، وإنما أوردته هنا لأثبت صحته ببعض الشواهد التي وقفت عليها؛ ولم أر من صنع ذلك من قبل، فأقول: الأول: روى أبو بكر الفضل عن جابر قال: ... فذكر مثله. أخرجه البزار في "مسنده " (2/54/ 1190) ، وقال: "لا يروى إلا من هذا الوجه، والفضل بن مبشر.. صالح الحديث". كذا قال! وتعقبه الحافظ، فقال في "مختصر الزوائد" (2/479) : "قلت: بل هو ضعيف ". وقال في " التقريب ": "فيه لين ".

قلت: وهذا في الجرح ألين، وإن كان ضعفه الأكثر، فقد قال ابن معين في روا ية: "ليس به بأس ". قلت: فمثله يستشهد به ولا بأس- إن شاء الله-، وسائر الرجال ثقات. الثاني: عن صالح بن محمد بن زائدة الليثي عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: ... فذكره بمعناه. أخرجه ابن عدي (4/59) . وهذا كالذي قبله أو هو خير منه؛ فإن صالحاً هذا، قال الذهبي في "الميزان ": "مقارب الحال ... " وقال في "المغني ": "صويلح، قال الدارقطني: ضعيف، وقال أحمد: ما أرى به بأساً، وقال ابن معين: ضعيف ". وذكر في "الكاشف " أنه كان صاحب ليل وتألُّه وجهاد. فمثله يستشهد به، ويرتفع الحديث إلى مرتبة الحسن على الأقل، وإلى الصحيح يقيناً بالشاهد الآتي وهو: الثالث: عن أبي هريرة قال: حرَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين لابتيِ المدينة.. وجعل اثني عشر ميلاً حول المدينة حِمّى. أخرجه مسلم (4/116) ، وأحمد (2/279) .

3235

وإن مما يحسن ذكره: أنني اعتبرت هذا الحديث الصحيح شاهداً لحديث الترجمة مع الاختلاف الظاهر بين لفظيهما؛ لما هو معروف عند العلماء أن البريد يكون عادة اثني عشر ميلاً، وكأنه لذلك سكت الحافظ في "الفتح " (4/85) عن حديث عدي بن زيد؛ مع ما في إسناده من الجهالة. وأما الزيادة التي في آخره: "لا يخبط شجره ... "؛ فلها شواهد من حديث جابر وغيره، خرجتها في "صحيح أبي داود" (رقم 1777) . * 3235- (أحسِنُوا مبايعة الأعرابيِّ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/35/3559و5/307/5294) من طريق أبي الهيثم خلف بن الهيثم النَّهشِليِِِّ القصَّاب: حدثنا غسان بن الأغر النهشلي: ثنا عمي زياد بن الحُصين عن أبيه حُصين بن قيس: أنه حمل طعاماً إلى المدينة، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ماذا تحمل يا أعرابي؟ ". قال: قمحاً. قال: "ما أردت به- أو ما تريد به-؟ ". قال: أردت بيعه، فمسح رأسي، وقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير خلف هذا، فلم أجد له ترجمة، لكنه قد توبع من: 1- الصّلت بن محمد قال: حدثنا غسان بن الأغر به مختصراً. أخرجه النسائي (2/277) .

والصلت هذا ثقة من رجال مسلم. ولغسّان متابعةٌ- أيضاً- من: 2- نُعَيم بن حُصين السَّدُوسي: ثنا عمي زياد به مختصراً. أخرجه البزار في "مسنده " (2/ 89/1273) ، والطبراني أيضاً (3560) ، وفي "الأوسط " (2012- مجمع البحرين) من طريق عبد الله بن معاوية الجُمَحي: ثنا نعيم بن حصين السدوسي به. وقال الطبراني: "لم يروه عن نعيم إلا عبد الله، وهو نعيم بن فلان بن حصين. وجدُّه حصين السد وسي ". قلت: وعبد الله بن معاوية ثقة، لكن شيخه نعيم لم أجد له ترجمة. 3- موسى بن إسماعيل: ثنا غسان بن الأغر به، مختصراً. أخرجه البخاري في " التاريخ " (2/ 1/ 1) ، والطبراني أيضاً (3558) ، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/182/ 1) من طريقه ومن طريق إسماعيل بن عبد الله: ثنا موسى بن إسماعيل به، ولفظه: أنه قدم المدينة بإبل، فقال: يا رسول الله! مُر أهل الوادي أن يعينوني ويُحسنوا مخالطتي؛ فأمرهم، فقاموا معه فأحسنوا مخالطته، ثم دعاه، فمسح يده على وجهه ودعا له. وموسى بن إسماعيل هو المنقري، ثقة ثبت، فصح الإسناد والحمد لله. وإسماعيل بن عبد الله هو الأصبهاني الملقب بـ (سمَّوَيهِ) ، وهو حافظ ثقة؛ وقد ترجمه الذهبي في"السير"، ومن قبله أبو نعيم في "أخبار أصبهان ".

3236

ومن طريقه أخرجه الحافظ المزي في"التهذيب " (9/454- 455) . * 3236- (إذا باع أحدُكم الشَّاة واللَّقحة؛ فلا يُحفِّلها) . أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " (8/198/ 14864) ، ومن طريقه: النسائي (2/214) ، وابن حبان (7/224/4948) ، وأحمد (2/273- 274) كلهم عن عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: أخبرني أبو كثير أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وتابعه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير به. أخرجه أحمد (4/ 481) . وإسناده صحيح أيضاً. وقد أخرجه الشيخان وأصحاب "السنن " وغيرهم من طرق عديدة، وبألفاظ متقاربة عن أبي هريرة، وهي مخرجة بتوسع في "أحاديث البيوع ". وهو شاهد قوي لحديث أنس: "نهى عن بيع المحفلات "، وكنت خرجته في "الضعيفة " (4726) لضعف سنده، وبالتالي أوردته في"ضعيف الجامع "؛فلينقل منهما. * 3237- (ما أخافُ على أُمّتِي إلا ثلاثاً: شُحٌّ مُطاعٌ، وهوىً متَّبعٌ، وإمامُ ضلالٍ) . أخرجه البزار في"مسنده " (2/238/1602) ، والدَّولابي في "الكنى" (1/16) ، وابن منده في "المعرفة " (2/62/2) ، وابن عساكر في"تاريخ دمشق "

3238

(13/462) من طرق؛ أحدها: أبو عبد الرحمن المقرئ: نا ابن لهيعة: حدثني ابن هُبيرة عن عمرو البِكالي عن أبي الأعور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات، لم يعرف بعضهم الهيثميُّ، فقال في "مجمع الزوائد" (5/239) : "رواه الطبرا ني، والبزار، وفيه من لم أعرفه ". أقول: أولاً: أبو الأعور الأسلمي، أثبت صحبته مسلمٌ وأبو أحمد الحاكم والبغوي وغيرهم، ونفاها بعضهم. وتفصيل ذلك في "الإصابة". ولعله مما يرجِّح صحبته أن الراوي عنه صحابي، وهو: ثانياً: عمرو البِكالي، قال البخاري: "له صحبة "، وكذا قال أبو حاتم. ونفاها بعضهم0انظر " الإصابة ". ثالثاً: ابن هبيرة- اسمه عبد الله السَّبئي الحضرمي المصري- تابعي ثقة، احتج به مسلم. رابعاً: ابن لهيعة- واسمه عبد الله- ثقة معروف بالضعف في حفظه؛ إلا فيما رواه عنه أحد العبادلة، ومنهم عبد الله بن يزيد المقرئ، وهو أبو عبد الرحمن أحد الرواة عنه لهذا الحديث، ولذا صححته، والحمد لله. * 3238- (لقد تاب توبةً، لو تابها صاحب مُكسٍ؛ لقُبِلت منه) . أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" (148/1) عن أبي شيبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ أبو شيبة هذا اسمه إبراهيم بن عثمان العبسي مولاهم الكوفي، قال البخاري: "سكتوا عنه ". وقال النسائي والدولابي: "متروك الحديث ". وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث، سكتوا عنه وتركوا حديثه ". ثم وجدت له طريقاً آخر، يرويه أبو إسماعيل المؤدِّب عن الأعمش عن أنس ابن مالك: أن امرأة اعترفت بالزنى أربع مرات وهي حبلى، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارجعي حتى تضعي "، ثم جاءت، فقال: "ارجعي حتى تفطمي "، ثم جاءت، فرُجمت، فذكروها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره بلفظ: "لغُفر له ". أخرجه البزار في "مسنده " (2/212/ 1541- الكشف) ، وابن عدي في "الكامل " (1/249) من طريقين عن أبي إسماعيل المؤدب به وقالا: "تفرد به عن الأعمش أبو إسماعيل المؤدب ". قلت: واسمه إبراهيم بن سليمان، وهو كما قال ابن عدي: "حسن الحديث، وله أحاديث كثيرة غرائب حسان، تدل على أنه من أهل الصدق، وهو ممن يُكتب حديثه ". قلت: فهو شاهد قوي لولا الانقطاع بين أنس والأعمش، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/252) :

3239

"رواه البزار، ورجاله ثقات؛ إلا أن الأعمش لم يسمع من أنس، وقد رآه ". ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث بُريدة بن الحُصيبِ رضي الله عنه في قصة رجم الغامدية حين جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تطلب إقامة الحد عليها، فقال لها- صلى الله عليه وسلم -: "اذهبي حتى تلدي ". فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته. قال: "اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه ". فلما فطمته أتته بالصبي في يده كِسرةُ خبز، فقالت: هذا يا نبي الله! قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبيَّّ إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحُفر إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها.. ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "فو الذي نفسي بيده! لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ". أخرجه مسلم (5/ 20) ، وأبو داود (4442) ، والبيهقي (4/18 و 8/218و1 22) ، وأ حمد (5/ 348) . * 3239- (إنِّ صاحب السٌّلطان على باب عنتٍ؛ إلاّ من عصم اللهُ عزّ وجلّ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/55/3603) من طريق معاوية بن هشام عن سفيان عن عطاء بن السائب عن مالك بن الحارث عن رجل- قال الحضرمي (شيخ الطبراني) في كتاب أبي كريب (شيخ الحضرمي) : عن حميد قال: عن رجل- قال:

استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً على سرِيّةٍ، فلما مضى ورجع إليه قال له: "كيف وجدت الإمارة؟ ". فقال: كنت كبعض القوم، كنت إذا ركبت ركبوا، وإذا نزلتُ نزلوا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. فقال الرجل: والله! لا أعمل لك ولا لغيرك أبداً. فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -حتى بدت نواجذه! قلت: وهذا إسناد جيد، وأعله الهيثمي فقال: (5/ 201) : "رواه الطبراني، وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات ". وأقره المعلق عليه! قلت: وكأنه لم يتنبه لكونه من رواية سفيان- وهو الثوري-، وأنه ممن سمع منه قبل الاختلاط. ويشهد للحديث ما رواه سوَّار أبو حمزة عن ثابت عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل المقداد بن الأسود على جريدة خيل، فلما قدم قال: "كيف رأيت؟ ". قال: رأيتهم يرفعون ويضعون، حتى ظننت أني ليس ذاك! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "هو ذاك ". فقال المقداد: والذي بعثك بالحق؛ لا أعمل على عمل أبداً. فكانوا يقولون له: تقدّم فصلِّ بنا، فيأبى.

وقال البزار: "لا نعلم رواه عن ثابت إلا سوار، ولم يكن بالقوي، وقد حدث عنه كثير من أهل العلم ". قلت: هو وسط، وهو حسن الحديث ما لم يخالف، وعلى ذلك جرى العلماء من بعد الحفاظ، وأشار إلى ذلك الحافظ بقوله فيه: "صدوق له أوهام ". وقال الذهبي في "المغني ": "صالح الحديث ". وانظر أقوال الحفاظ في "صحيح أبي داود" (510) . وقال الهيثمي في تخريج الحديث: "رواه البزار، وفيه سوار بن داود أبو حمزة، وثقه أحمد وابن حبان وابن معين، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح ". وقد نقل الأعظمي هذا في تعليقه على "البزار"؛ لكن سقط منه قوله: "وفيه ضعف ... " إلخ. وطبع مكانه: "وغيره، وعبد الله بن أحمد ثقة مأمون "!! وهذا وقع عند الهيثمي في حديث آخر عقب هذا، فاختلط الأمر على الشيخ الأعظمي، فاقتضى التنبيه! ويقوِّي حديث المقداد هذا: ما روى عبد الله بن عون عن عُمَير بن إسحاق عنه قال:

3240

بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - مبعثاً، فلما رجعت قال لي: "كيف تجد نفسك؟ ". قلت: ما زلت حتى ظننت أن معي خولاً لي! وايمُ الله! لا أعمل على رجلين بعدها أبداً. أخرجه الطبراني في "الكبير" (20/258- 259) . قال الهيثمي عقب تخريج حديث المقداد السابق: "رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح "؛ خلا عمير بن إسحاق، وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وعبد الله بن أحمد ثقة مأمون ". وأقول: لم يرو عنه غير عبد الله بن عون، فمثله يستشهد به ولا يحتج به. وبخاصة أن ابن معين وغيره قد ضعفه (¬1) . لكن إطلاق نسبة الضعف إلى ابن معين ليس بجيد، بل يجب تقييده بمثل قوله: "في رواية"؛ فإنه قد وثقه في رواية أخرى. وتوثيقه لعبد الله مما لا شك فيه، لكن ذلك قد يوهم من لم يقف على الحديث عند الطبراني أن عبد الله تفرد به! وليس كذلك؛ فقد أخرجه من غير طريقه أيضاً، فاقتضى التنبيه. * - (لَيدخُلنَّ عليكُم رجلٌ لَعِينٌ. يعني: الحكم بن أبي العاص) . أخرجه أحمد (2/163) ، والبزار في "مسنده " (2/247) من طريق عبد الله ابن نُمير: ثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن عبد الله 3240 بن عمرو قال: ¬

(¬1) وقد بينت ذلك في"تيسير الانتفاع"

كنا جلوساً عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذهب عمرو بن العاص يلبس ثيابه ليلحقني، فقال ونحن عنده: ... فذكر الحديث، فوالله! ما زلت وجلاً أتشوَّف داخلاً وخارجاً حتى دخل فلان: الحكم [بن أبي العاصي] . والزيادة للبزار، وقال: "لا نعلمه بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بن عمرو بهذا الإسناد". قلت: وهو إسناد صحيح على شرط مسلم، وقال الهيثمي (5/ 241) : "رواه أحمد والبزار والطبراني في" الأ وسط "، ورجال أحمد رجال (الصحيح) ". وله شاهدان قويَّان ساقهما البزار: أحدهما: من طريق الشعبي قال: سمعت عبد الله بن الزبير يقول- وهو مستند إلى الكعبة-: وربّ هذا البيت! لقد لعن الله الحكم- وما ولد- على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وقال البزار: "لا نعلمه عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو إسناد صحيح أيضاً، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ البزار (أحمد بن منصور بن سيّار) ، وهو ثقة، ولم يتفرد به كما يشعر بذلك تمام كلام البزار: "ورواه محمد بن فُضيل أيضاً عن إسماعيل عن الشعبي عن ابن الزبير". ولذلك لم يسع الحافط الذهبي- مع تحفظه الذي سأذكره- إلا أن يصرِّح في "تاريخ الإسلام " (2/57) بقوله:

"إسناده صحيح ". وسكت عنه في "السير" (2/108) ؛ ولم يعزه لأحد! وقد أخرجه أحمد أيضاً (5/5) : ثنا عبد الرزاق: أنا ابن عينية عن إسماعيل ابن أبي خالد عن الشعبي. وهذا صحيح على شرط الشيخين كما ترى. والشاهد الآخر: يرويه عبد الرحمن بن معنٍ (وهو ابن مَغْرَاءَ) : أنبأ إسماعيل ابن أبي خالد عن عبد الله البَهِِيّ- مولى الزبير- قال: كنت في المسجد، ومروان يخطب، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: والله! ما استخلف أحداً من أهله. فقال مروان: أنت الذي نزلت فيك (والذي قال لوالديه أفٍ لكما) ، فقال عبد الرحمن: كذبت، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن أباك، وقال البزار: "لا نعلمه عن عبد الرحمن إلا من هذا الوجه ". قلت: واسناده حسن كما قال الهيثمي، وأقره الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/686) . وقد وجدت لابن مغراء متابعاً قوياً، وهو يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وقد ساقه بسياق أتم وأوضح، رواه عنه ابن أبي حاتم- كما في "تفسير ابن كثير" (4/159) - عن عبد الله البهي قال: إني لفي المسجد حين خطب مروان فقال: إن الله تعالى قد أرى أمير المؤمنين في (يزيد) رأياً حسناً وأن يستخلفه، فقد استخلف أبو بكر عمر- رضي الله عنهما-. فقال عبد الرحمن بن أبي بكر- رضي الله عنهما-: أهرقلية؟! إن أبا بكر- رضي الله عنه- ما جعلها في أحد من ولده، وأحد من أهل بيته، ولا جعلها معاوية إلا رحمة وكرامة لولده! فقال مروان: ألست الذي قال لوالديه: (أفٍّ لكما) ؟ فقال

عبد الرحمن: ألست يا مروان! ابن اللعين الذي لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أباك؟! قال: وسمعتهما عائشة- رضي الله عنها-، فقالت: يا مروان! أنت القائل لعبد الرحمن كذا وكذا؟! كذبت! ما فيه نزلت، ولكن نزلت في فلان بن فلان. ثم انتحب مروان (!) ثم نزل عن المنبر حتى أتى باب حجرتها، فجعل يكلمها حتى انصرف. قلت: سكت عنه ابن كثير، وهو إسناد صحيح. وأخرجه البخاري في "صحيحه " (4827) بإسناد آخر مختصراً، وفيه: فقال (مروان) : خذوه! فدخل بيت عائشة، فلم يقدروا عليه. وفيه إنكار عائشة على مروان. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (6/458- 459) من طريق ثالثة من رواية شعبة عن محمد بن زياد قال: لما بايع معاوية لابنه قال مروان: سنة أبي بكر وعمر! فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: سنة هرقل وقيصر! وفيه أن عائشة قالت ردّاً على مروان: كذب والله! ما هو به، ولو شئت أن أسمي الذي أُنزلت فيه لسمَّيته، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -لعن [أبا] (¬1) مروان، ومروان في صلبه فََضَض (¬2) من لعنة الله. قلت: وإسناده صحيح، وعزاه الحافظ في "الفتح " (13/577) السيوطي في "الدر" (6/ 41) لعبد بن حميد، وا بن المنذر، والحاكم- وصححه-، وا بن مردويه. ¬

(¬1) سقطت من "سنن النسائي"، واستدركتها من "الدر". (¬2) أي: قطعة وطائفة منها؛ كما في "النهاية"، وفي "الدر": (فضفض) ! فهو تصحيف، وكذلك وقع في تفسير ابن كثير"، فليصحح.

ثم وجدت لحديث الترجمة طريقاً أخرى عن ابن عمرو، من رواية ابن عبد البر في "الاستيعاب " بإسناده الصحيح عن عبد الواحد بن زياد: حدثنا عثمان ابن حكيم قال: حدثنا شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح أيضاً؛ فإن رجاله كلهم ثقات، وعبد الواحد بن زياد ثقة محتج به في "الصحيحين "، ولم يتكلموا فيه إلا في روايته عن الأعمش خاصة، وهذه ليست منها كما ترى، وعليه: يكون لعثمان بن حكيم إسنادان صحيحان في هذا الحديث، وذلك مما يزيد في قوّته والله سبحانه وتعالى أعلم وهذه الطريق كالطريق الأولى؛ سكت عنها الذهبي في "التاريخ "! هذا؛ وإني لأعجب أشد ّالعجب من تواطؤ بعض الحفاظ المترجمين لـ (الحكم) على عدم سوق بعض هذه الأحاديث وبيان صحتها في ترجمته، أهي رهبة الصحبة، وكونه عمَّ عثمان بن عفان- رضي الله عنه-، وهم المعروفون بأنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم؟! أم هي ظروف حكومية أو شعبية كانت تحول بينهم وبين ما كانوا يريدون التصريح به من الحق؟ فهذا مثلاً ابن الأثير يقول في "أسد الغابة": "وقد روي في لعنه ونفيه أحاديث كثيرة، لا حاجة إلى ذكرها، إلا أن الأمر المقطوع به: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -- مع حلمه وإغضائه على ما يكره- ما فعل به ذلك إلا لأمرعظيم ". وأعجب منه صنيع الحافظ في "الإصابة"؛ فإنه- مع إطالته في ترجمته- صدَّرها بقوله: "قال ابن السكن: يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا عليه، ولم يثبت ذلك "!

وسكت عليه ولم يتعقبه بشيء، بل إنه أتبعه بروايات كثيرة فيها أدعية مختلفة عليه، كنت ذكرت بعضها في "الضعيفة"، وسكت عنها كلها وصرح بضعف بعضها، وختمها بذكر حديث عائشة المتقدم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن أباك وأنت في صلبه. ولكنه- بديل أن يصرح بصحته- ألمح إلى إعلاله بمخالفته رواية البخاري المتقدمة، فقال عقبها: "قلت: وأصل القصة عند البخاري بدون هذه الزيادة"! فأقول: ما قيمة هذا التعقب، وهو يعلم أن هذه الزيادة صحيحة السند، وأنها من طريق غير طريق البخاري؟! وليس هذا فقط، بل ولها شواهد صحيحة أيضاً كما تقدم؟! اكتفيت بها عن ذكر ما قد يصلح للاستشهاد به! فقد قال في آخر شرحه لحديث: "هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش " من "الفتح " (13/11) : "وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد. أخرجها الطبراني وغيره؛ غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك "! وأعجب من ذلك كلِّه تحفُّظُ الحافظ الذهبي بقوله في ترجمة (الحكم) من " تاريخه " (2/ 96) : "وقد وردت أحاديث منكرة في لعنه، لا يجوز الاحتجاج بها، وليس له في الجملة خصوص من الصحبة بل عمومها"! كذا قال! مع أنه- بعد صفحة واحدة- ساق رواية الشعبي عن ابن الزبير مصححاً إسناده كما تقدم!! ومثل هذا التلون أو التناقض مما يفسح المجال لأهل الأهواء أن يأخذوا منه ما يناسب أهواءهم! نسأل الله السلامة.

3241

وبمناسبة قوله المذكور في صحبته؛ أعجبتني صراحته فيها في "السير" (2/107) ؛ فقد قال: "وله أدنى نصيب من الصحبة"! (تنبيه) : وأما ما رواه الحاكم (3/476) من طريق إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده قال: بعث معاوية إلى عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنهما- بمئة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد بن معاوية، فردها عبد الرحمن وأبى أن يأخذها، وقال: أبيع ديني بدنياي؟! وخرج إلى مكة حتى مات بها. بيض له الحاكم والذهبي، وكأنه لظهور ضعفه؛ فإن إبراهيم هذا قال ابن عدي: "عامة أحاديثه مناكير". * 3241- (مع أحدِكُما جبريلُ، ومع الآخر ميكائيلُ؛ وإسرافيلُ ملكٌ عظيمٌ يشهدُ القتال، أو قال: يشهدُ الصفَّ!. قاله لعليٍّ ولأبي بكر) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/16/12002) ، وأحمد (1/147) ، وابن سعد في "الطبقات " (3/175- 176) ، والبزار (2/ 314/1765) ، وأبو يعلى (1/283- 283) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/574- 575) ، والحاكم (3/68) من طريق مِسعَر عن أبي عون الثقفي عن أبي صالح الحنفي عن علي قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ولأبي بكر- رضي الله عنه- يوم بدر: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في "الفتح " (7/313) . وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا بهذا الإسناد". *

3242

3242- (كان يوم الأحزابِ (وفي رواية: يوم الخندق) (¬1) ينقلُ معنا التراب، ولقد وارى التُّرابُ بياض بطنِه (وفي رواية: شعر صدرِه) (¬2) [وكان رجُلاً كثير الشَّعرِ] (¬3) ، وهو [يرتجزُ برجزِ عبدِ اللهِ بن رواحة] (¬4) ، وهو: والله لولا أنت ما اهتدينا ولاتصدَّقنا ولا صلينا فأنزِلن سكِينةً علينا [وثبت الأقدام إن لاقينا] (¬5) إن الأُلى قد أبوا (وفي رواية: بغوا) (¬6) علينا إذا أرادُوافتنةً أبينا [أبينا] (¬7) ويرفعُ بها صوته) . أخرجه البخاري (رقم2837و 4106و 6620 و7236) - والروايتان مع الزيادات له-، ومسلم (5/187- 188) ، والدارمي (2/ 1 22) ، وا بن حبان (4518- الإحسان) ، والبيهقي (7/43) ، وفي"الدلائل " (3/413- 414) ، وا بن أبي شيبة (14/419) ، وأحمد (4/282و285 و291و 300 و 302) ، والطيالسي أيضاً (97/712) ، ¬

(¬1) خ. (¬2) خ، ش، حم، هق. (¬3) خ، هق. (¬4) خ، ش، حم، هق. (¬5) خ، طيا، حم. (¬6) خ. (¬7) خ، طيا.

وأبو يعلى (3/1716) من طرق، منها: سفيان وشعبة عن أبي إسحاق عن البراء ابن عازب به؛ يزيد بعضهم على بعض كما أشرنا إلى ذلك بوضع الزيادات بين المعكوفات، ورمزنا في الحاشية لمخرجيها. وللحديث شاهد من حديث أنس، يرويه زكريا بن يحيى قال: سمعت ثابتاً البُناني يحدِّث عنه بلفظ: "كان يقول يوم الخندق: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولاصلينا فأنزلن سكينة علينا أخرجه البزار (2/ 332/ 1804) هكذا؛ دون قوله: "وثبِّت الأقدام إن لاقينا"! فلا أدري أسقط من الناسخ أم من أحد رواته؟! فإن فيه ضعفاً، خلافأ لقول الهيثمي عقبه (6/133) : "رواه البزار وأبو يعلى، ورجاله ثقات "! فأقول: زكريا بن يحيى- وهو أبو يحيى الذَّارع- لم يصرح بتوثيقه أحد، غير ابن حبان بإيراده إياه في كتابه "الثقات " (6/334) ، ومع ذلك فإنه غمزه بسوء الحفظ، فقال: "يخطئ ". وتبناه الحافظ؛ فقال في "التقريب ": "صدوق يخطئ ".

وأما الذهبي؛ فمشّاه؛ فقال في " الميزان ": "اختلف في الاحتجاج به. كذا قال ابن الجوزي، والرجل صدوق ". قلت: فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يخالف الثقات، وقد خالفهم في لفظ الحديث كما يأتي بيانه قريباً إن شاء الله تعالى. ومن طريقه رواه أبو يعلى (6/84) مختصراً بلفظ: "كان يقول: اللهم إن الخير خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة". قلت: ومع أن الراوي عن زكريا- عنده- سويد بن سعيد، وهو ضعيف، فهو الصواب من حديث أنس؛ لأن زكريا قد تابعه عليه حماد بن سلمة عن ثابت عنه بلفظ أتم، قالت: إن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا يقولون يوم الخندق: نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدا أو قال: على الجهاد- شك حماد- والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اللهم إن الخير ... " إلخ. أخرجه مسلم (5/189) ، وأحمد (3/252 و288) ، وأبو يعلى أيضاً (6/ 70 / 3324) ، والبيهقي في "الدلائل " (3/ 1 41) ، وقد قرن هذا مع (ثابت) حُميداً. أخرجه البخاري (3796 و 99 0 4) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/ 0 27/ 8859) ، وا بن سعد (2/ 70) ، والبيهقي أيضاً (3/ 410) ، وفي "السنن " (7/43) ،

وابن أبي شيبة (14/419) ، وأحمد (3/187و205) كلهم عن حميد مختصراً ومطولاً، وهذا لفظه: سمعت أنساً- رضي الله عنه- يقول: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم، فلما رأى ما بهم من النَّصب والجوع قال: "اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة". فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا والسياق للبخاري. ومن هذا التخريج يتبين خطأ رواية زكريا بن يحيى للحديث؛ حيث خالف الثقات عن ثابت، وكذا عن حميد، فجعل الحديث الذي رواه البراء لحديث أنس، وحديث أنس في "الصحيحين " بلفظ آخر مخالف له كما ترى. ومن الواضح أنه لا تعارض بين حديث البراء من جهة وحديث أنس بن مالك من جهة أخرى، مع ما بينهما من اختلاف لفظهما؛ لأنه يمكن أن يقال: إنهم كانوا يقولون تارة هذا، وتارة هذا، وهذا بيِّن لا يخفى. والله تعالى أعلم. هذا " وقد تقدم تخريج الحديث من رواية قتادة وغيره عن أنس مختصراً برقم (3199) . *

3243

من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - 3243- (الآن (وفي رواية: اليوم) نغزوهُم (يعني: مشركي مكة الذين انهزمُوا في غزوةِ الخندقِ) ولا يغزُونا، [نحنُ نسيرُ إليهم] ) . أخرجه البخاري (4109 و 4110) ، والطيالسي (1289) ، وأحمد (4/262) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/115/6484 و6485) ، وأبو نعيم في "الحلية " (4/345 و 7/135) ، والبيهقي في "الدلائل " (3/457- 458) من طريق جمع منهم سفيان وشعبة عن أبي إسحاق قال: سمعت سليمان بن صُردٍ قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أُجلي الأحزاب [يعني يوم الخندق] عنه ... والسياق للبخاري مع الزيادة الأولى، وهي للبيهقي أيضاً، والزيادة الأخيرة لأحمد، والرواية الثانية للطبراني وهي من طريق شعبة. وقال أبو نعيم عقب الحديث: "مشهور من حديث الثوري؛ ثابت صحيح ". قلت: وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله، يرويه عُبيدة بن الأسود عن مجالد عن عامرعنه. وهذا إسناد حسن في الشواهد، عُبيدة هذا صدوق ربما دلس، ومجالد- وهو ابن سعيد- ليس بالقوي، كما في "التقريب " للحافظ، ومع ذلك فإنه جزم في "الفتح" (7/405) بحسن إسناده! وفيه ما ذكرت وما يأتي، فقد قال البزار عقبه: "قد اختلفوا في إسناده؛ فرواه زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي عن الحارث ابن البرصاء. وقال مجالد: عن الشعبي عن جابر".

قال الحافظ عقبه في"مختصر الزوائد" (2/37) : "والصواب رواية زكريا ". وأقول: كان ينبغي أن يكون الأمر كما قال الحافظ؛ لأن زكريا أوثق وأحفظ من مجالد؛ لولا أمران اثنان: الأول: أنه كان يدلَّس، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في "التقريب ". والآخر: أنه قد خالفه عبد الله بن أبي السَّفرِ. فقال: عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه مطيع قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - حين أمر بقتل هؤلاء الرهط بمكة يقول: ... فذكر الحديث، ولفظه: "لا تغزى مكة بعد هذا العام أبداً، ولا يقتل قرشي بعد هذا العام أبداً". وهو مخرج في المجلد الخامس من هذه السلسلة الصحيحة برقم (2427) . وأزيد هنا فأقول: إن زكريا قد وافق- في رواية يحيى بن سعيد وغيره- عبد الله ابن أبي سفر؛ فقال: ثنا عامر به؛ إلا أنه لم يذكر الجملة الأولى منه. أخرجه ابن حبان (6/13/2710) ، وأحمد (3/412 و 4/212) . قلت: وبهذا التخريج تتبين لنا حقيقتان اثنتان: الأولى: أن رواية زكريا عن الشعبي عن الحارث بن برصاء خطأ منه، وأن الصواب روايته الموافقة لرواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عبد الله بن مطيع عن أبيه. الأخرى: أن متن حديثه- أعني زكريا؛ على الوجهين المرويين عنه-غيرُ متن حديث الترجمة؛ فإنه بلفظ:

"لا تغزى مكة بعد اليوم ... ". هذا قاله في حق مكة، وهو فيها بعد فتحها، وذاك قاله في المشركين المنهزمين عن الخندق، وهو - صلى الله عليه وسلم - في المدينة؛ وكلاهما صحيح والحمد لله، وإنما يختلفان من حيث وضوح المراد منهما؛ فإن هذا أشكل على بعضهم، كما شرحه الإمام أبو جعفر الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/227- 229) . فمعنى الفقرة الأولى منه: "لا تكفر قريش- سكان مكة يومئذ- حتى تغزى على الكفر"؛ كقوله في تمامه: "ولا يقتل قرشي.. " أي: لا يرتد فيقتل صبراً. وأما حديث الترجمة؛ فهو كما قال الحافظ في "الفتح ": "علم من أعلام النبوة؛ فإنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر في السنة المقبلة، فصدَّته قريش عن البيت، ووقعت الهدنة بينهم إلى أن نقضوها، فكان ذلك سبب فتح مكة، فوقع الأمر كما قال - صلى الله عليه وسلم -". (تنبيه) : حديث غزو مكة من رواية الحارث بن البرصاء عزاه الحافظ في ترجمة (الحارث) من"الإصابة "للترمذي وابن حبان وصححاه! وما أظن عزوه لابن حبان إلاّ وهماً؛ لأن المتبادر منه أنه يعني "صحيح ابن حبان " ولم نره في ترتيبه المسمى بـ"الإحسان "للأمير علاء الدين الفارسي، ولا في ترتيب زوائده المعروف بـ"موارد الظمآن "للحافظ الهيثمي، وليس له في "الإحسان " إلا حديث واحد في اليمين الفاجرة، هو في "الإحسان " (7/303- 304) ، وهو في "الموارد" برقم (1189) ، فلو كان الحديث في "صحيح ابن حبان "؛ لأورده الهيثمي إن شاء الله في "موارد الظمآن ". وبياناً للحقيقة أقول: ما ذكرته عن الموارد إنما هو من باب الاستشهاد لا

3244

الاحتجاج، فقد استخرجت أنا بنفسي عشرات الأحاديث من "الإحسان " مما فات على الهيثمي فلم يوردها في "موارد الظمآن "، وهي على شرطه، فضممتها إليه في مشروعي الذي أرجو أن يطبع قريباً بقسميه: "صحيح موارد الظمآن في زوائد صحيح ابن حبان "و"ضعيفه ". والله ولي التوفيق. * 3244- (إنِّي دافعٌ لِوَائي غداً إلى رجُلٍ يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسولُه، لا يرجعُ حتّى يُفتح له. يعني: علياً- رضي الله عنه-) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/109/8402) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/ 210) ، وأحمد (5/353- 354 و355) من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة قال: سمعت أبي بريدة يقول: حاصرنا خيبر، فأخذ اللواء أبو بكر؛ ولم يُفتح له، وأخذ من الغد عمر، فانصرف ولم يُفتح له، وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (فذكره) ، وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غداً، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الغداة، ثم قام قائماً، ودعا باللواء والناس على مصافهم، فما منا إنسان له منزلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا هو يرجو أن يكون صاحب اللواء، فدعا عليّ بن أبي طالب وهو أرمد، فتفل في عينيه، ومسح عنه، ودفع إليه اللواء، وفتح الله له، وأنا فيمن تطاول إليها. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، والحسين بن واقد فيه كلام يسير لا يضر، أشار إليه الحافظ بقوله: "له أوهام ". وقد تابعه ميمون أبو عبد الله أن عبد الله بن بريدة حدثه به نحوه، وزاد قصة قتل علي- رضي الله عنه- لِمَرحبٍ في مبارزته إياه.

أخرجه النسائي (8403) ، والحاكم (3/437) ، وابن أبي شيبة (14/462/ 1875) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/608) ، والبزار في "مسنده " (2/338/ 1814) من طرق عن عوف عنه؛ وزاد ابن أبي شيبة والبزار؛ ولم يذكرا إلا بعث عمر: "فلقي أهل خيبر، فردوه وكشفوه هو وأصحابه، فرجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجبِّن أصحابه، ويجبِّنه أصحابه ". ولعل هذا من مناكير ميمون هذا، وهو مولى عبد الرحمن بن سمرة، فقد أجمعوا على تضعيفه، خلافاً لابن حبان فذكره في"الثقات" (5/ 418) ، ومع ذلك قال: "كان يحيى القطان سيِّئ الرأي فيه ". وذكره الذهبي في "المغني "، وقال: "وقال أحمد: أحاديثه مناكير". وتابعه أيضاً المسيب بن مسلم الأزدي قال: حدثنا عبد الله بن بريدة به، وفيه ذكر العمريين وقتالهم قتالاً شديداً دون فتح، لكن فيه جملة (التجبين) . أخرجه الحاكم (3/37) مختصراً، والبيهقي بتمامه (4/ 210- 212) ، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي! وأقول: المسيب هذا لم أجد له ترجمة فيما عندي من المصادر، ولا ذكره المزي في الرواة عن عبد الله بن بريدة، ولا في شيوخ يونس بن بُكير الراوي عنه هنا، فالظاهر أنه مجهول. والله أعلم.

وللحديث شاهدان: أحدهما: من حديث علي؛ يرويه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم والمنهال عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عنه. أخرجه النسائي (5/108- 109) ، والحاكم (3/37) ، والبيهقي (5/212- 213) ، وابن أبي شيبة (18729) ، وقرن (عيسى) مع (الحكم والمنهال) ، وهو عند الحاكم مكان (المنهال) ، وقال: "صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي. ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى سيىء الحفظ معروف بذلك، فهو صالح للاستشهاد به، وفيه عند غير الحاكم ذكر (العمريين) دون (التَّجبين) . وله طريق أخرى عن علي؛ يرويه نُعيم بن حكيم عن أبي مريم الحنفي عن علي به. أخرجه البزار (1815) - مطولاً، وفيه ذكر عمر وأصحابه مهزومين-، والحاكم، ولم يسقه بتمامه، ولكنه ذكر الهزيمة وزاد (التجبين) ، وقال- هو والذهبي-: "صحيح الإسناد". وأقول: أبو مريم الحنفي هذا لم يتبين لي حاله، فقد اختلفوا في نسبته هل هو الحنفي أم الثقفي؟! وفي اسمه هل هو (قيس) أم (إياس) ؟! وقيس وثقه ابن حبان وغيره، وإياس لم يوثقه غيره، فإن كان ثقة فالسند صحيح، وإلا؛ فهو صحيح بما تقدم من الطرق والشواهد. والشاهد الآخر: عن سلمة بن عمرو بن الأكوع؛ يرويه محمد بن إسحاق في "السيرة" (3/ 385- 386- ابن هشام) ، ومن طريقه: الحاكم (3/37) ،

والبيهقي (4/209- 210) قال: حدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي عن أبيه سفيان عنه به، وفيه ذكر (العمريين) . لكن بريدة هذا اتفقوا على تضعيفه، بل قال الدارقطني: "متروك ". وقال ابن عدي: "منكر الحديث جدّاً". وشذ ابن حبان فذكره في "الثقات "، فلا يعبأ به، وفيما تقدم من الأسانيد والطرق ما يغني عنه، وبخاصة طريق بُرَيدة بن الحُصيب، فإنها أصحها، وهي تشهد على أن النبي- صلى الله عليه وسلم - أرسل أولاً أبا بكر، فلم يفتح له، وثانياً عمر، فلم يفتح له، ثم كان الفتح على يد علي، خصوصية خصه الله بها دونهما- رضي الله عنهم- أجمعين. لكن بقي النظرفي جملة (تجبين عمر) ؛ فإن النفس لم تطمئن لثبوتها في الحديث؛ لعدم ورودها في الطريق الصحيحة وغيرها أولاً، ولعدم وجود شاهد معتبر ثانياً، اللهم إلا إن صحت رواية أبي مريم الحنفي، وقد ذكرتُ ما فيها عندي. والله أعلم. فإن قيل: ألا يقويها ما أخرجه الحاكم (3/38) من طريق القاسم بن أبي شيبة: ثنا يحيى بن يعلى: ثنا مَعقِل بن عبيد الله عن أبي الزبير عن جابر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفع الراية يوم خيبر إلى عمر- رضي الله عنه-، فانطلق فرجع يجبِّن أصحابه ويُجبِّنونه. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "!

وردَّه الذهبي بقوله: "قلت: القاسم واهٍ". قلت: وهو القاسم بن محمد بن أبي شيبة العبسي أخو الحافظين أبي بكر وعثمان، وقد تركه أبو زرعة وأبو حاتم، وقال الساجي: "متروك الحديث ". وشذ ابن حبان فذكره في "الثقات " (9/18) ، ولكنه قال: "يخطئ ويخالف "! ثم أقول: إن سلم منه؛ فلن يسلم من شيخه (يحيى بن يعلى) ، وهو الأسلمي؛ فإنه "ضعيف شيعي "؛ كما في "التقريب ". فتبين أن حديث جابر هذا في منتهى درجات الضعف، فلا يصلح للاستشهاد به. والله ولي التوفيق. (تنبيه وفائدة) : عزا الحافظ في "الفتح " (7/476) حديث بريدة هذا لـ "أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم "، وليس هو في "صحيح ابن حبان " يقيناً، لا في "الإحسان " ولا في "الموارد". ولم أره في"مستدرك الحاكم "بعد البحث عنه في مظانه، والاستعانة عليه بالفهارس الخاصة والعامة. وذكر في ترجمة (محمود بن مسلمة) من "الإصابة " أنه ورد في "زيادات المغازي " ليونس بن بكير عن الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة: أخبرني أبي قال:

3245

لما كان يوم خيبر؛ أخذ اللواء أبو بكر، ثم عمر، فلم يفتح لهما؛ وقتل محمود ابن مسلمة. وهو عند أحمد عن زيد بن الحباب عن الحسين نحوه. فأقول: ليس عند أحمد هذه الفائدة، وهي: "وقتل محمود بن مسلمة ". والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3245- (صدق الخبيثُ. يعنى: الجنيّ فى قوله: يُجيرُ الإنس من الجنِّ آيةُ (الكرسيِّ)) . أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (533/ 960) ، وابن حبان (1724) ، والحارث في "زوائده " (ق 125/2) ، وأبو الشيخ في "العظمة " (5/ 1650) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 525) ، وكذا البيهقي في "الدلائل " (7/108- 109) ، والبغوي في "شرح السنة " (4/462- 463) من طرق عن الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير قال: حدثني ابن أُبيّ: أن أباه أخبره: أنه كان لهم جُرن فيه تمر، وكان أبي يتعاهده، فوجده ينقص، فحرسه، فإذا هو بداية تشبه الغلام المحتلم، قال: فسلمت، فرد السلام، فقلت: من أنت أجن أم إنس؟ قال: جن! قال: فناولني يدك، فناولني يده، فإذا هي يد كلب وشعر كلب. قال: هكذا خلق الجن؟ قال: لقد علمتِ الجن ما فيهم أشد مني. قال له أبي: ما حملك على ما صنعت؟ قال: بلغنا أنك رجل تحب الصدقة، فأحببنا أن نصيب من طعامك. قال أبي: فما الذي يجيرنا منكم؟ قال: هذه الآية: آية (الكرسي) . ثم غدا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره، فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد متصل مسلسل بالتحديث، رجاله كلهم ثقات؛ غير ابن أبي بن كعب، وقد كان لأُبيٍّ ثلاثة من الولد: محمد، والطفيل- وبه يكنى-،

وعبد الله؛ والأولان ثقتان معروفان، فإن كان السند دار على أحدهما فهو صحيح، وإلا؛ فعبد الله غير معروف إلا في هذا الحديث فيما رواه أبو يعلى في "مسنده الكبير"كما ذكر الحافظ في "النكت الظراف " (1/38) ، أخرجه عن أحمد بن إبراهيم الدَّورقي عن مبشر بن إسماعيل عن الأوزاعي بهذا الإسناد، لكن قال: "عن عبد الله بن أبي بن كعب؛ أن أباه أخبره ". وأقول: الدورقي هذا ثقة حافظ، لكني أرى أنه شذ هو أو شيخه مبشر بن إسماعيل في هذه التسمية، وذلك لأمور ثلاثة يقطع الواقف عليها بشذوذها: 1- أنه خالف عبد الحميد بن سعيد- شيخ النسائي؛ وقد وثقه بقوله: لا بأس به-، فقال: حدثنا مبشر ... فذكره دون التسمية. 2- إذا لم نقل بأن الدورقي هو الذي شذ- لما ذكرتُ من حفظه، ولأن عبد الحميد بن سعيد دونه في الحفظ؛ كان لا بد من القول بأن الذي شذ هو مبشر ابن إسماعيل هذا؛ لأنه خالف الجماعة، وهم الوليد بن مسلم عند ابن حبان وأبي الشيخ والبغوي، وهِقل بن زياد عند الحارث وأبي نعيم، والوليد بن مزيد عند البيهقي. وإن مما لا ريب فيه أن رواية الجماعة أقوى من رواية الفرد، ولا سيما إذا وافقهم أحياناً، كما هو الواقع هنا. 3- قد جاء الحديث من طريق آخر عن يحيى بن أبي كثير بإسناد آخر عن أُبيّ بن كعب سمى ابنه (محمداً) ، فقالت معاذ بن هانىء: حدثنا حرب بن شداد: حدثني يحيى: حدثنا الحضرمي بن لاحق التميمي قال: حدثني محمد بن أبي ابن كعب قال: كان لجدي جرن ... أخرجه النسائي (961) هكذا: "كان لجدي ... " وهذا معناه- كما هو ظاهر-

أن (محمد بن أبي بن كعب) - كما وقع في السند- ليس ابنه وإنما حفيده. ويؤيده رواية أبي داود الطيالسي قال: حدثنا حرب بن شداد؛ به غير أنه قال: عن محمد بن عمرو بن أبي كعب عن جده أبي بن كعب أنه كان له جرن ... فوافقه في (الجد) وزاد عليه، فسمى أبا محمد (عَمراً) . أخرجه الحاكم (1/ 561- 562) ، ومن طريقه: البيهقي (7/109) . وخالف حرباً: أبانُ بن يزيد فقال: عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عن محمد بن أبي بن كعب عن أبيه: كان له جرن ... أخرجه الطبراني (1/169/ 541) . وقال المنذري (1/ 232) : "إسناده جيد". وقد ذكر هذين الوجهين من الاختلاف الإمام البخاري في ترجمة (محمد ابن أبي بن كعب) من "التاريخ " (1/ 1/27) ، كما ذكر رواية الوليد بن مسلم المتقدمة عن الأوزاعي، وفيها إبهام اسم (ابن أُبي بن كعب) . وهذا اختلاف شديد يقف الباحث أمامه حيران لا يستطيع الجزم بشيء منه! وإن كان لا بد من إبداء رأيي فيه، فإني أرى أن رواية من قال: (محمد بن أبي بن كعب: كان لجدي ... ) أرجح؛ لأنها متفقة مع رواية الطيالسي التي جعلت (أبي ابن كعب) جدّاً لـ (محمد بن أبي بن كعب) ؛غاية ما في الأمر أنها سمت ابن أبي بن كعب (عَمراً) ، وهي زيادة من ثقة- بل وحافظ- وهو الإمام الطيالسي صاحب "المسند"، وزيادة الثقة مقبولة كما هو معلوم. هذا رأيي، ولكني لم أجد في الحفاظ المتقدمين من احتفل به، مثل الحافظ المزي العسقلاني؛ فإنهما لم يترجما في "التهذيب " إلا لـ (محمد بن أبي بن كعب) ؛ لأنه هو المسمى عند النسائي دون (محمد بن عمرو بن أبي) كما تقدم، فقالا:

"محمد بن أبي بن كعب الأنصاري أبو معاذ المدني، ويقال: محمد بن فلان ابن أبي.. ". فأشارا بقولهما: "فلان " إلى (عمرو) ، والى أن ذكره بين (محمد) و (أبي بن كعب) لا يصح. وعمدتهم في ذلك- والله أعلم- قول أبي حاتم في ترجمة (محمد بن أبي) من "الجرح" (3/2/208) : "روى عن أبيه، روى عنه بُسر بن سعيد والحضرمي بن لاحق وابنه معاذ بن محمد، جعله البخاري اسمين، فسمعت أبي يقول: هما واحد، روى الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عنه. وروى حرب بن شداد عن يحيى بن أبي كثير عن الحضرمي بن لاحق عنه ". وان مما يلفت النظر اختلاف الترجمة بين"تهذيب المزي " و"تهذيب العسقلاني "؛ فإن الأول قال: "روى عن جده "! ثم يذكر عن الواقدي أن محمد ابن أبي بن كعب كان فيمن قتل يوم الحرة سنة ثلاث وستين! فلعل قوله: "عن جده " سبق قلم منه. ومن ذلك أن أبا حاتم الذي أنكر على البخاري جعل الاسم اسمين، وجزم هو بأنهما واحد كما تقدم، فإنه مع ذلك ترجم ترجمة خاصة لمحمد بن عمرو بن أبي ابن كعب الأنصاري، وقال: "روى عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب، روى عنه محمد بن عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة". وسبقه إلى ذلك البخاري (1/ 1/192) ، وتبعهما ابن حبان، فذكره في " الثقات " بهذه الروا ية.

فاتفاق أبي حاتم مع البخاري في هذه الترجمة قد كشف لي أن إنكاره المشار إليه ليس يعني أنه ليس هناك ترجمة ثانية باسم (محمد بن عمرو بن أبي) ، وإنما يعني - والله أعلم- أنه ليس هناك آخر روى حديث (الَجرِين) غير (محمد بن أبي بن كعب) ، أي: أنه يرجح أنه صاحب هذا الحديث، وليس (محمد بن عمرو بن أبي) . وحينئذ يرد إشكال آخر، وهو: أين ما عزاه أبو حاتم إلى البخاري من "جعل الاسم اسمين " وتراجمهما لـ (المحَمَّدينِ) متشابهة تماماً؟ ذلك مما لم يتبين لي، (وفوق كل ذي علم عليم) ! وبهذه المناسبة أقول: ومما لاحظته في ترجمة (محمد بن عمرو بن أبي) في الكتب الثلاثة: أن (امرأة أبي) لم تكن مسماة أو مكنية عند البخاري وابن حبان (7/368) ، فتوهم هذا الأخير أنها تابعية؛ فأورد (محمداً) هذا- الراوي عنها- في (طبقة أتباع التابعين) ، وهذا من أوهامه- رحمه الله-! فإن المرأة هي (أم الطفيل) كما صرح ابن أبي حاتم في ترجمة (محمد) هذا، وهي صحابية معروفة مترجمة في "الصحابيات "، ومنهم ابن حبان في "كتاب الثقات " (3/ 460) ، ولها حديث في "مسند أحمد" (6/375- 376) في قصة سبيعة الأسلمية، أنها تتزوج إذا وضعت. وعليه؛ يكون محمد بن عمرو تابعيّاً. وإن مما يرجح ذلك: أن الراوي عنه (محمد بن عبد الله بن سعد بن زرارة) هو نفسه من التابعين وثقاتهم؛، فقد روى عن بعض الصحابة، وعن بعض التابعين، ولذلك أورده ابن حبان في الطبقتين: (التابعين) و (أتباعهم) (5/375 و 7/372) ، إذا كان هذا حال التلميذ " فيندر جدّاً أن يكون شيخه من (أتباع التابعين) ، فتأمل! والذي يتبين لي من هذا البحث- وقد طال أكثر مما كنت أتصور-: أنه لم

3246

يتبين لي أن (ابن أبي بن كعب) هو (محمد) الابن، أم (محمد) الحفيد! مع جزم الحافظ العسقلاني بأنه الأول، وقد وثقه ابن سعد (5/76) وابن حبان أيضاً كما تقدم، والآخر لم يوثقه غير ابن حبان. ومع ذلك كله؛ أرى أن الحديث صحيح ثابت؛ لأن ابن أُبيّ- مع كونه ابن صحابي جليل- وقد روى عنه على الأقل ثقتان: يحيى بن أبي كثير، والحضرمي ابن لاحق، وقد صحح الحاكم والذهبي هذا الحديث، وسكت عنه ابن كثير (1/305) والسيوطي في "الدر" (1/322) . والله أعلم. (تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في "الدر" بزيادة في آخره نصها: ".. آية الكرسي التي في سورة البقرة، من قالها حين يمسي أجير منا حتى يصبح، ومن قالها حين يصبح أجير منا حتى يمسي، فلما أصبح أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... " الحديث، وعزاه لمن سبق ذكرهم حاشا الحارث! وليست عند أحد منهم هذه الزيادة، فيحتمل أن تكون في "مسند أبي يعلى الكبير"، وقد ذكرت إسناده نقلاً عن الحافظ، وبينت ما فيه من الشذوذ والمخالفة في السند، فمن المحتمل أن تكون هذه الزيادة عنده؛ فإني لم أقف على متنه عنده، وهي على كل حال زيادة شاذة. والله أعلم. * 3246- (تغزون جزيرة العربِ فيفتحُها اللهُ، ثمَّ فارس فيفتحُها الله، ثمّ تغزون الروم فيفتحُها اللهُ، ثمّ تغزون الدجَّال فيفتحُه اللهُ) . أخرجه مسلم (8/178) ، وابن ماجه (4091) من طريق ابن أبي شيبة- وهذا في"المصنف " (15/146-147) -، وأحمد (1/178) ، وكذا البخاري في " التاريخ " (4/2/ 81- 82) ، وابن أبي عاصم أيضاً في "الآحاد" (1/462/642) من طريق

ابن أبي شيبة والحاكم (3/430- 431) من طرق عن عبد الملك بن عمير عن جابر ابن سمرة عن نافع بن عتبة بن أبي وقاص- رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وله في "مسند أحمد" (4/337- 338) طريقان آخران عن ابن عمير، أحدهما من طريق المسعودي عن عبد الملك به- وهذه عند ابن أبي عاصم أيضاً (643) -، لكن وقع فيه مكان (عبد الملك) : (عبد الله بن عمير) ، ولعله خطأ مطبعي-، ومع ذلك قال المعلق الفاضل عليه: "إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح "! وفاته أن المسعودي هذا كان اختلط، وأنه لم يرو له الشيخان إلا البخاري تعليقاً، فهو صحيح بالطرق الأخرى. وخالفها يونس بن أبي إسحاق فقال: عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص مرفوعاً بلفظ: "يظهر المسلمون على جزيرة العرب ... " الحديث نحوه. أخرجه الحاكم أيضاً (3/395) ؛ فجعل مكان (نافع بن عتبة) : (هاشم بن عتبة) ! وأظنه من أوهام يونس هذا؛ فإنه مع كونه من رجال مسلم، فقد قال الحافظ فيه: "صدوق يهم قليلاً". وإن مما يؤكد ذلك- وهو أن الحديث من مسند (نافع) وليس من مسند (هاشم) -: أن سماك بن حرب قد تابع ابن عمير على الصواب، فقال شعبة: عنه عن جابر بن سمرة به. أخرجه ابن حبان (8/285/ 6770- الإحسان) .

وثمة مخالفة أخرى من يونس هذا أو ممن دونه- وهو بها أولى-؛ فقال البزار في "مسنده " (2/357/1847) : حدثنا علي بن المنذر: ثنا محمد بن فُضيل: ثنا يونس بن عمرو- وهو يونس بن أبي إسحاق- عن عبد الله بن جابر عن ابن أخي سعد بن مالك عن سعد مرفوعاً باللفظ المذكور آنفاً. وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن سعد إلا بهذا الإسناد، وعبد الله لا نعلم روى عنه إلا يونس بن عمرو"! قلت: كذا قال! ويظهر لي أنه الذي في "ثقات ابن حبان " (5/18) : "عبد الله بن جابر بن عبد الله الأنصاري المدني أخو محمد وعبد الرحمن ابني جابر. روى عنه سعيد المقبري ". وكذا في "تاريخ البخاري " وكتاب ابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً. لكن ذكره في هذا الإسناد يبدو أنه وهم آخر ليونس السبيعي، وكذلك جعله الحديث من مسند (سعد بن مالك) - وهو: سعد بن أبي وقاص-، وإنما هو من مسند أخيه: (نافع بن عتبة بن أبي وقاص) للطرق المتقدمة، ولمتابعة سماك، وعزاها الحافظ في "الإصابة" لابن عساكر! وهو الذي صوبه البغوي وابن السكن؛ كما نقله الحافظ في ترجمة (هاشم) هذا. (تنبيه) : عزا الأخ الفاضل أبو إسحاق الحويني في تعليقه على "مسند سعد ابن أبي وقاص " (240/159) حديث عبد الله بن جابر لابن أبي عاصم في الآحاد"! وهذا وهم، وإنما عنده حديث عبد الملك بن عمير فقط كما سبق. وكذلك قوله في (عبد الله بن جابر) : "مجهول "، ولعل مستنده في ذلك قول

3247

الهيثمي في "المجمع " (6/14) : "رواه البزار، وفيه من لم يُسمَّ "! يشير إلى عبد الله هذا؛ فإن سائر رواته مترجمون في "التهذيب "، فكأن الهيثمي لم يقف عليه في الكتب الثلاثة، وبخاصة منها "الثقات " لابن حبان، وهذا عجيب منه- رحمه الله-! فإنه كانت له به عناية خاصة، فإنه رتبه على حروف المعجم، بحيث يسهل على الباحث الحصول على الراوي بيسر. ولكن جل من قال: (لا يضل ربي ولا ينسى) . * 3247- (ذَكِّرهُ بالله ثلات مرّاتٍ، فإن أبى فقاتِلهُ، فإن قتلك، فأنت في الجنة، وإن قتلتهُ؛ فإنَّه في النّارِ. يعني: العادي على الغير) . أخرجه البخاري في"التاريخ " (4/ 1/198- 199) ، والبيهقي في "السنن " (8/ 336) ، وأحمد (3/ 422) ، والبزار (2/ 365/ 1864) ، والطبراني في" المعجم الكبير" (19/39/83) من طريق عبد العزيز بن المطلب عن أخيه الحكم عن أبيه المطلب بن حنطبٍ عن قُهيد الغفاري قال: سأل سائل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن عدا عليّ عادٍ؟ فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم -: "ذكِّره بالله- وأمره بتذكيره- ثلاث مرات ... " الحديث. وقال البيهقي: "كذا قال! ". يشير إلى أن فيه علة، وقد أفصح عنها البخاري؛ فقال عقبه: "هذا مرسل ". وأما الهيثمي؛ فتكلم عليه كلاماً مجملاً كغالب عادته، فقال- بعد ما عزاه لأ حمد والبزار والطبراني (6/245) -:

"ورجالهم ثقات ". فأقول: نعم، لكن فيه ثلاث علل: الأولى: عنعنة المطلب بن حنطب؛ فإنه كثير التدليس. الثانية: الاختلاف في صحبة (قُهيد بن مُطرِّفٍ) . ولما ذكره ابن حبان في الصحابة في كتابه "الثقات "؛ قال (3/348) : "يقال: إن له صحبة". وكذا قال غيره، ولذلك أعاد ابن حبان ذكره في "ثقات التابعين " (5/326) . ولم يذكر الحافظ في "الإصابة" أو غيره ما يدل على صحبته غير هذا الحديث، وحكى الاختلاف فيه، وبينه في "التهذيب " على نحو ما يأتي، وليس في كل ذلك ما يفيد صحبته، ولذلك أعله البخاري بالإرسال كما تقدم، يشير بذلك إلى ترجيح عدم صحبته. الثالثة: أن المطلب بن حنطب قد خولف في إسناده من مولاه عمرو بن أبي عمرو، فقال: عن فُهيد بن مطرف عن أبي هريرة ... فزاد في السند (أبا هريرة) ؛ فوصله. أخرجه البخاري أيضاً عن شيخه إسماعيل بن أبي أويس: حدثني ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن عمرو مولى المطلب. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير (فُهيد) ، وهو ثقة كما تقدم. وفي إسماعيل كلام لا يضر، ولا سيما وقد توبع، فرواه الليث بن سعد عن

يزيد بن الهاد عن عمرو [مولى المطلب] عن (¬1) قهيد بن مطرف به. أخرجه البخاري أيضاً وابن حبان في ترجمة (قهيد) من "الثقات " (5/326) والمزي في "التهذيب " (22/95) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث به. وإسناده صحيح أيضاً؛ لكن اختلف في إسناده عن الليث على وجوه ثلاثة: هذا أحدها. الثاني: قال أحمد (2/339) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (2/308/ 3245) : أخبرنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا الليث عن ابن الهاد عن عمرو بن قهيد الغفاري عن أبي هريرة. وتوبع قتيبة، فقال أحمد أيضاً: ثنا يونس: ثنا ليثٌ به. الثالث: رواه شعيب بن الليث قال: أنبأنا الليث عن ابن الهاد عن قهيد بن مطرف به " فأسقط (عمراً) من بين ابن الهاد وقهيد. أخرجه النسائي أيضآ (3546) ، والبيهقي أيضاً؛ لكنه قرن مع (شعيب) (عبد الله بن عبد الحكم) . وتابعهما أبو سلمة الخزاعي: ثنا ليث به؛ إلا أنه لم يسم (قهيداً) فقال: (ابن مطرف) . أخرجه أحمد (2/ 360) . وقال البيهقي عقبه: "كذا وجدته، والصواب: عن ابن الهاد عن عمرو بن أبي عمرو عن قهيد". يعني كما في الوجه الأول، وتبعه على ذلك الحافظان: المزي والعسقلاني؛ ¬

(¬1) وقع في "التاريخ ": (بن) مكان (عن) ، وهو خطأ مطبعي فيما أظن، ويؤيده الزيادة التي بين المعكوفتين، وهي لابن حبان، وتصويب المزي والعسقلاني الآتي ذكره قريباً إن شاء الله.

فقال الأول في "التهذيب " (22/195) : "وهذه الرواية هي الصواب إن شاء الله تعالى، ورواية قتيبة ومن تابعه وهم. والله أعلم ". وزاد العسقلاني، فقال: "هكذا رواه ابن وهب عن يحيى بن عبد الله بن سالم عن يزيد (¬1) عن عمرو". قلت: وهذه الزيادة ضرورية جداً؛ لأ نه بدونها لا يظهر التصويب المذكور، كيف وابن صالح قد خالفه جمع، الواحد منهم مثل (قتيبة) أرجح منه، فكيف بهم مجتمعين؟! إلا أن هذا يقال لو كانوا متفقين على مخالفته، أما والواقع أنهم اختلفوا هم أنفسهم على الليث، فلم يبق لمخالفتهم إياه تلك القوة. وتوضيحه: أننا بيَّنا أن الوجه الثاني قد اتفق مع الوجه الرابع على تسمية شيخ ابن الهاد (عمراً) ، بينما الوجه الثالث أسقطه، فكان شاذاً؛ لأن زيادة الثقة مقبولة، وهم ابن صالح وقتيبة ويونس- وهو ابن محمد المؤدب-. وبعد هذا الإسقاط بقي التعارض بين رواية ابن صالح من جهة- وهي التي قال فيها ابن الهاد: عن (عمرو مولى المطلب) عن قهيد- وبين رواية قتيبة ويونس التي قال فيها ابن الهاد: عن (عمرو بن قهيد) ، فخلط بين الراوي والمروي عنه فجعلهما اسماً واحداً من جهة أخرى، فكان لا بد من المراجحة بينهما، فلما ¬

(¬1) كذا في "التهذيب "؛ بذكر (يزيد) بين ابن سالم وعمرو. وتقدم مني نقلاً عن "تاريخ البخاري "بإسقاطه من بينهما، ولا أدري الصواب منهما، والغريب أن المزي قد ذكر في ترجمة ابن سالم أنه روى عن كل من عمرو، ويزيد!

وجدوا رواية ابن سالم شاهدة لرواية ابن صالح، وهي من غير طريق الليث المضطربة، فجعلوها مرجحة. وبعبارة أخرى- لتقريب وجه ذلك التصويب- أقول: اعتبار حديث الليث مضطرباً بتلك الوجوه الثلاثة، والاعتماد على رواية ابن سالم السالمة من الاضطراب، ثم أخذوا الوجه الأول من حديث الليث الموافق لها تقوية لها. هذا ما عندي بينته؛ و (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ، فإن أصبت فبفضل الله، وإن أخطات فمن نفسي، سائلاً المولى أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي؛ إنه هو الغفور الرحيم. وخلاصة ما تقدم: أن الحديث روي عن قهيد مرسلاً، وعنه عن أبي هريرة مسنداً- وهو الصواب-، وأن إسناده صحيح. وقد جاء من طريق آخر، يرويه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: "فلا تعطه مالك ". قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: "قاتله ". قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار". أخرجه مسلم (1/87) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (1/43) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/ 50) ، والبيهقي في"السنن " (3/265- 266و8/335- 336) . وله شاهد من حديث قابوس بن مخارق عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: الرجل يأتيني فيريد مالي؟ قال: "ذكَّره

3248

بالله ". قال: فإن لم يذَّكر؟ قال: "فاستعن عليه من حولك من المسلمين "، قال: فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين؟ قال: "فاستعن عليه بالسلطان". قال: فإن نأى السلطان عني؟ قال: "قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخرة، أو تمنع مالك ". أخرجه النسائي (3544) ، والبيهقي (8/336) ، وأحمد (5/ 294 و 294- 295) . قلت: وإسناده حسن. * 3248- (وما سبيلُ الله إلاّ من قُتِل؟! من سعى على والديه؟ ففي سبيل الله!، ومن سعى على عيالهِ!، ففي سبيل الله، ومن سعى على نفسِهِ ليُعفَّها، ففي سبيل اللهِ، ومن سعى على التّكاثر؛ ففي سبيل الشيطان. وفي روايةٍ: الطاغوت) . أخرجه البزار في "مسنده " (2/370/ 1871- الكشف) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (1/254 /4372) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (6/196 - 197) ، والبيهقي في"السنن " (9/25) و"الشعب " (6/412/ 8711 و7/299/ 10377) من طريق أحمد بن عبد الله: ثنا رِياح بن عمرو: ثنا أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: بينما نحن جلوس مع رسول - صلى الله عليه وسلم -؛إذ طلع علينا شاب من الثَّنيَّةِ، فلما رأيناه (وفي رواية: رميناه) بأبصارنا؛ قلنا: لو أن هذا الشاب جعل شبابه ونشاطه وقوته في سبيل الله! قال: فسمع مقالتنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره- والسياق للبيهقي- وقال الطبراني:

"لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به أحمد". قلت: وهو ثقة حافظ، وكذلك من فوقه؛ غير (رياح) - بالمثناة من تحت-، قال أبو زرعة: " صد وق ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/ 310) . وقال في "الميزان ": "رجل سوء. قاله أبو داود. قلت: هو من زهاد المبتدعة بالكوفة. روى عن مالك بن دينار. وعنه روح بن عبد المؤمن، قال أبو زرعة: صدوق وقال أبو عبيد الآجري (¬1) : سألت أبا داود عنه؟ قال: هو، وأبو حبيب، وحبان الجريري، ورابعة رابِعتُهم في الزندقة "! قلت: وكذا في "اللسان " لم يزد عليه شيئأ، وإني لأرى تبايناً شاسعاً بين قول أبي داود هذا، وقول أبي زرعة وابن حبان، ومع هذا، فإني أرى في قول أبي داود مبالغة غير محمودة، وإن كان قصده التنفير أو التحذير من بدعته التي أشار إليها الذهبي! والظاهر أنه يعني غلوَّه في الزهد والعبادة، وقد روى له أبو نعيم في "الحلية" (6/192- 197) غرائب وعجائب، منها قوله: "سمعت مالك بن دينار يقول: لا يبلغ الرجل منزلة الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، ويأوي إلى مزابل الكلاب "! ونقله الذهبي في ترجمته من"السير" (8/174) ، وسكت عنه على خلاف عادته في مثل هذه الطامة المخالفة لهدي سيد الأنبياء والصديقين عليه الصلاة والسلام! بل إن هذا ينافي حديثه هذا الذي جعل السعي على ¬

_ (¬1) "سؤالات الآجري " (321/ 321) ، ووقع فيه: (وأربعة) مكان (ورابعة) ! فليصحح من هنا.

العيال من سبيل الله كما هو ظاهر، ومنه أستظهر أن الرجل لم يكن داعية إلى بدعته، وإلا؛ لما روى من الحديث ما يهدمها، فهو في الرواية صدوق كما قال أبو زرعة- رحمه الله-. هذا؛ وللحديث شواهد كثيرة عن غير واحد من الصحابة، منهم: عبد الله بن عمرنحوه. أخرجه البيهقي في "السنن " (7/479) و"الشعب " (6/412/ 8710) من طريق شريك عن الأعمش عن مَغراء العَبدي عنه. وهذا إسناد حسن في الشواهد على الأقل، و (مغراء) وثقه ابن حبان والعجلي، وروى عنه جمع. ومنها: عن كعب بن عُجرة؛ يرويه إسماعيل بن مسلم المكي عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19 /129/282) و"الصغير" (193- هند) و" الأ وسط " (6835) ، و (5/169 /2862 مجمع البحرين) ؛ وقال: "لا يروى عن كعب إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو ضعيف، لضعف إسماعيل بن مسلم المكي، ووهم المنذري (3/4) وتبعه الهيثمي (4/325) فقالا- واللفظ لهذا-: "رواه الطبراني في الثلاثة، ورجاله رجال الصحيح "! والظاهر أنهما توهما (إسماعيل) هذا (إسماعيل بن مسلم العبدي البصري) ؛ فإنه ثقة ومن طبقة الأول!

3249

ومنها: عن إبراهيم بن ميسرة أن أعرابيّاً طلع على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث مثل حديث الترجمة: أخرجه حسين بن حسن المروزي في "البر والصلة" (31/156- مخطوط) قال: أخبرنا عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا أيوب عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح مرسل. ثم تبين أنني كنت خرجت الحديث فيما تقدم برقم (2232) ، ولكن في تخريجه هنا فوائد جديدة لم تذكر هناك. وما قُدِّر كان. 3249- (أما ترضى أن أكون أنا أبوك، وعائشة أمّكَ؟ قاله لبشرِ ابنِ عقربة حين بكى لاستشهاد أبيه) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/2/78) ومن طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (3/377) : قال لي عبد الله بن عثمان بن عطاء: حدثنا حُجرُ بن الحارث الغسَّاني قال: سمعت عبد الله بن عوف القاريّ قال: سمعت بِشر بن عقربة يقول: استُشهد أبي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته، فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقال لي: "اسكت، أما ترضى ... " الحديث. ثم أخرجه ابن عساكر من طريق أخرى عن عبد الله بن عثمان، لكنه قال: عبد الله بن محمد بن عثمان بن عطاء به؛ دون قوله: "اسكت "، وذكر مكانها: "يا حبيب! ما يبكيك؟ أما ترضى ... ".

قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن؛ رجاله ثقات ليس فيهم من تُكُلِّم فيه سوى شيخ البخاري (عبد الله بن عثمان) ، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/347) ، وكذلك ذكر الذين فوقه، ولكنه قال في هذا الشيخ: "يُعتبر حديثه إذا روى عنه غير الضعفاء". هكذا وقع فيه: (عنه) ! وفي "تهذيب العسقلاني "- عن "الثقات "-: (عن) . ولعله أصح؛ لأنه المعهود من كلام ابن حبان في مثل هذا الراوي. وعلى كل حال؛ فهذا الحديث معتبر؛ لأن شيخه (حُجر بن الحارث) ثقة. والراوي عنه الإمام البخاري، وقد أورده في "التاريخ "، ولم يضعفه، وأما أبو حاتم فقال: "صالح ". وقال الذهبي في "الكاشف ". "ليس بذاك ". ولكن مما يقوي حديثه هذا: أن له طريقين آخرين: الأول: يرويه أبو الأسعد (أو أبو الأسود) - من ولد بشير بن عقربة الجهني، وكان ينزل (عسقلان) في (الرملة) في قرية (طور) -، عن أبيه عن جده عن بشير ابن عقربة الجهني قال: لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، فقلت: ما فعل أبي؟ فقال: "استشهد رحمة الله عليه "، فبكيت، فأخذني فمسح رأسي، وحملني معه وقال: ... فذ كره.

3250

أخرجه البزار في"مسنده " (2/385/ 1910) ، وقال: "لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد"! قلت: قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 161) : "وفيه من لا يعرف ". قلت: وفات البزار الإسنادُ الأول. والطريق الآخر: يرويه ابن عساكر أيضاً من طريق عقبة بن عقبة (!) بن عبد الله بن بشير بن عقربة عن أبيه عن جده عبد الله بن بشير قال: سمعت أبي يقول: قتل أبي عقربة يوم أحد ... الحديث. قلت: وهذا إسناد مجهول، من دون بشير لم أعرفهم. * الصوت الإلهي والإيمان به 3250- (يقولُ الله عزّ وجلّ يوم القيامةِ: يا آدمُ! فيقولُ: لبيك ربَّنا! وسعدَيك، فيُنادى بصوتٍ: إنّ الله يأمُرك أن تُخرجَ من ذرِّيتكَ بعثاً إلى النّارِ. قال: يا ربِّ! وما بعثُ النّارِ؟ قال: من كلِّ ألفٍ- أراه قال-: تِسع مِئةٍ وتسعةً وتسعين، فحينئذٍ تضعُ الحاملُ حملها، ويشيبُ الوليدُ، (وترى الناس سُكارى وما هُم بِسُكارى ولكنَّ عذاب الله شديدٌ) . فشقَّ ذلك على الناسِ حتَى تغيَّرت وجوهُهُم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: من يأجوج تسع مئةٍ وتسعةً وتسعين، ومنكم واحدٌ. ثم أنتُم في

الناسِ كالشعرةِ السوداءِ في جنَّبِ الثورِ الأبيضِ، أو كالشعرة البيضاء في جنبِ الثور الأسودِ، وإنِّي لأرجُو أن تكونُوا رُبُع أهلِ الجنّةِ؛ فكبَّرنا، ثمّ قال: ثُلُث أهلِ الجنة؛ فكبَّرنا، ثمَّ قال: شطرَ أهل الجنّة؛ فكبَّرنا) . أخرجه البخاري (5/ 241) ، ومسلم (1/ 139) ، وأحمد (3/ 32- 33) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً- والسياق للبخاري-. وعزاه شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (3/ 170- مجموع الفتاوى) لـ "الصحيحين " بهذا اللفظ: "فينادى بصوت "! وهو تساهل؛ لأنه ليس عند مسلم لفظ الصوت (¬1) . وقد أعله أبو الحسن بن الفضل بقوله: إنه تفرد به حفص بن غياث عن الأعمش بهذا اللفظ! ولكن رده الحافظ ابن حجر بقوله في "الفتح " (13/386) : "وليس كما قال؛ فقد وافقه عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن الأعمش. أخرجه عبد الله بن أحمد في كتاب "السنة" عن أبيه عن المحاربي ". قلت: وله شاهد من حديث جابر بن عبد الله في حديث له بلفظ: "فينادي بصوت يسمعه من بَعَُد كما يسمعه من قَرُبَ.. ". وهو حديث صحيح، علقه البخاري في "صحيحه " ووصله في "أفعال العباد" (ص 89) ، وفي "الأدب المفرد" (970) وغيره، وقواه الحافظ ابن حجر، وقد خرجته في "ظلال الجنة في تخريج السنة" (رقم 514) . ¬

_ (¬1) وأعاد ذلك في مكان آخر، فقال (33/174) : "خرّجا في "الصحيحين " عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله ينادي آدم بصوت " ... ".

وفي ذلك كله رد على البيهقي في قوله: "ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -"! ثم تأول الحديث بأن الصوت راجع إلى مَلكٍ أو غيره كما بينه الحافظ عنه، ثم أشار إلى رده بقوله: "وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه ". قلت: وهذا باطل مخالف لنصوص كثيرة، وحسبك منها قول الله تبارك وتعالى في مكالمته لموسى: (فاستمع لِما يُوحى) [طه: 13] . ثم قال: "وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها التي عُهد أنها ذات مخارج. ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخرج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق. سلمنا؛ لكن نمنع القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة، وجب الإيمان به، ثم إما التفويض، وإما التأويل. وبا لله التوفيق ". قلت: بل الإيمان كما نؤمن بسائر صفاته، مع تفويض معرفة حقائقها إلى المتصف بها سبحانه وتعالى كما قال: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 111] . ثم إن حديث الترجمة رمز له في "الفتح الكبير"- وبالتالي في "صحيح الجامع الصغير وزيادته "- ب (حم، ن) فلعل (ن) محرف من (ق) أي: البخاري ومسلم. والله أعلم. فليراجع في "الجامع الكبير" للسيوطي.

3251

3251- (لو رأيتُموني وإبليس فأهويتُ بيدي، فما زلتُ أخنقُه حتى وجدتُ بردَ لُعابِه بين إصبعيَّ هاتين: الإبهام والتي تليها، ولولا دعوةُ أخي سُليمان؛ لأصبح مربوطاً بساريةٍ من سواري المسجد، يتلاعبُ به صبيانُ المدينة، فمن استطاع منكم أن لا يحُول بينَه وبينَ القبلة أحدٌ؛ فليفعل) . أخرجه أحمد (3/82- 83) : حدثنا أبو أحمد: حدثنا مسرَّة بن معبد: حدثني أبو عُبيد صاحب سليمان قال: رأيت عطاء بن يزيد الليثي قائماً يصلي معتماً بعمامة سوداء، مُرخٍ طرفها من خلف، مصفر اللِّحيةِ، فذهبت أمرُّ بين يديه، فردني ثم قال: حدثني أبو سعيد الخدري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فصلى صلاة الصبح وهو خلفه، فقرأ، فالتبست عليه القراءة، فلما فرغ من صلاته قال: ... فذكره. قلت: وإسناده جيد، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير مسرة بن معبد، وهو صدوق له أوهام؛ كما في "التقريب ". ومن هذا الوجه رواه أبو داود (699) مختصراً، وهو في كتابي "صحيح أبي داود" (696) ، وله شواهد ذكر بعضها شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (1/ 170) ، أحدها من رواية النسائي عن عائشة مختصراً بقصة خنق الشيطان، وقال: "وإسناده على شرط البخاري، كما ذكر ذلك أبو عبد الله المقدسي في (مختاره) الذي هو خير من (صحيح الحاكم) ". قلت وفيه من الفقه وجوب اتخاذ السترة في الصلاة، ولو كان في مكان

3252

يظن أنه لا يمر أحد بين يديه، كما نسمع ذلك من كثير من الناس حينما تأمرهم بالصلاة إلى سترة، فيستغربون ذلك ويبادروننا بقولهم: يا أخي ما في أحد!! فنذكرهم بهذه القصة وقوله تعالى في إبليس: (إنه يراكم هو وقَبِيلُهُ مِن حيثُ لا ترونهم) [الأعراف: 27] . و (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) [ق: 37] . * 3252- (ما كان لي ولبني عبدِ المطّلبِ؛ فَهُو لكم) . أخرجه الطبراني في "الكبير" (5/269/5303) و"الصغير" (1/236- 237) و"الأوسط " (4630) : حدثنا عبيد الله بن رُمَاحِس الجشمي: ثنا أبو عمرو زياد بن طارق- وكان قد أتت عليه عشرون ومئة سنة- قال: سمعت أبا جَرول زهير بن صُردٍ الجُشمِي يقول: لما أَسَرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين- يوم هوازن-، وذهب يفرِّق الشبان والسبي؛ أنشدته هذا الشعر: امنن علينا رسول الله في كرمٍ فإنك المرءُ نرجوه وننتظر امنن على بيضةٍ قد عاقها قَدَر مفرقاً شملها في دهرها غيَرُ أبقت لنا الدهر هتّافاً على حزنٍ على قلوبهمُ الغماءُ والغُمُرُ إن لم تداركهُم نعماء تنشُرُها يا أرجح الناس حلماً حين يُختبرُ امنن على نسوة قد كنت ترضعُها وإذ يزينُك ما يأتي وما تذرُ لاتجعلنَّا كمن شالت نعامته فاستبقِ منا فإنا معشرٌ زُهرُ إنا لنشكرُ للنعماء إذ كُفِرَت وعندنا بعد هذا اليوم مُدَّخَرُ

فألبِسِ العفو من قد كنت تَرضَعُه من أمّهاتك إنّ العفو مشتهرُ يا خيرمن مرحت كمتُ الجيادِ به عند الهياجِ إذا ما استُوقِد الشَّررُ إنا نؤمِّل عفواً منك نلبسُهُ هادي البريَّةِ إذ تعفُو وتنتصِرُ فاعفُ عفا الله عمّا أنت راهبُهُ يوم القيامة إذ يَهدِي لك الظفَرُ فلما سمع هذا الشعر قال: ... فذكره. وقالت قريش: ما كان لنا، فهو لله ولرسوله، وقالت الأنصار: ما كان لنا؛ فهو لله ولرسوله. وقال الطبراني: "لا يروى عن زهير بهذا التمام إلا بهذا الإسناد، تفرد به عبيد الله بن رُماحس ". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/187) : "رواه الطبراني في (الثلاثة) ، وفيه من لم أعرفهم" قلت: يعني ابن رُماحس هذا وشيخه زياد بن طارق. أما الأول؛ فما قاله فيه عجيب؛ فقد أورده الذهبي في "الميزان " برواية جمع عنه غير الطبراني، منهم أبو سعيد بن الأعرابي، وقال: "ما رأيت للمتقدمين فيه جرحاً، وما هو بمعتمد عليه ". وقد رد عليه الحافظ في"اللسان "بما خلاصته؛ أنه روى عنه جماعة بلغ عددهم عنده أربعة عشر نفساً، فليس بمجهول، مع أنه نقل عن أبي منصور الباوردي أنه قال: "عبيد الله وزياد مجهولان ". وعن علي بن السكن: "إسناده مجهول ". ثم قال الحافظ:

"فالحديث حسن الإسناد؛ لأن راوييه مستوران لم يتحقق أهليتهما، ولم يُجرحا، ولحديثهما شاهد قوي ". وقال في "العُشاريِّات " (الحديث الأول) منه (ق 3/ ب) : "ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في كتابه "الأحاديث المختارة مما ليس في واحد من الصحيحين " من وجهين إلى الطبراني "، وقال بعده: "زهير لم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم في كتابيهما، ولا زياد بن طارق، وقد روى محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده نحو هذه القصة والشعر. وساقه من طريقه الطبرانيُّ بتمامه. قلت: ولا أعلم للحافظ ضياء الدين في تصحيحه سلفاً؛ لكن رواته لم يجرحوا، وقد صرح كل منهم بالسماع من شيخه، فهو فرد غريب، لا وجه لتضعيفه "! وأقول: أما من جهة ابن رُماحس، فنعم؛ لا وجه لتضعيفه. وأما بالنسبة لزياد بن طارق؛ فالوجه تضعيفه به؛ لأنه مجهول؛ كما تقدم نقله من الحافظ عن الباوردي أنه مجهول، وأقره عليه، وكذلك صنع في ترجمته من "اللسان "، كما أقر الذهبي على قوله فيه: "نكرة لا يعرف ". فأنى لإسناد حديثه الحسن؟! لا سيما وقد أعله الذهبي بعلة قادحة كما بدا له؛ لكن الحافظ قد رد ذلك عليه وأصاب، فالعلة جهالة زياد. نعم؛ يمكن أن يقال: إنه حسن لغيره، للشاهد الذي أشار إليه الضياء المقدسي من رواية ابن إسحاق عند الطبراني، فقد أخرجه- عقب حديث الترجمة

3253

مباشرة (5304) - من طريق محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. أن وفد هوازن لما أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجِعرانة وقد أسلموا قالوا: إنا أهل وعشيرة، وقد أصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، فامنن علينا منَّ الله عليك، وقام رجل من هوازن- ثم أحد بني سعد بن بكر- يقال له: زهير، يكنى بأبي صرد، فقال: ... فذكره بنقص البيتين الأخيرين، والقصة أتم. وهذا إسناد حسن؛ لولا عنعنة ابن إسحاق، لكنه قد صرح بالتحديث في كتابه "السيرة" التي اختصرها ابن هشام من رواية زياد بن عبد الله البكَّائي عن ابن إسحاق قال: فحدثني عمرو بن شعيب به. (ج 3 ص 488- 0 49) . فهذا شاهد قوي لحديث الترجمة؛ كما قال الحافظ في "اللسان ". * 3253- (أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبتَ) . رواه عبد الرزاق في "المصنف " (11/ 200/20319) ، وعنه البيهقي في "الشعب " (6/489/9011) : أخبرنا معمر عن الأشعث بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: مرَّ رجل بالنبي- صلى الله عليه وسلم - وعنده ناس، فقال رجل ممن عنده: إني لأحب هذا لله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَعْلَمْتُهُ؟ ". قال: لا. قال: "فقم إليه فأعلِمه ". فقام إليه فأعلمه، فقال:

أحبك الذي أحببتني له. قال: ثم رجع إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -فأخبره بما قال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح؛ إن كان الأشعث- وهو الحُدَّاني- سمعه من أنس، فقد قال ابن حبان في "الثقات ": "ما أراه سمع من أنس ". ولعل السبب في ذلك أن حفص بن غياث رواه عنه عن الحسن عن أنس به مختصراً بلفظ: "المرء مع من أحب، وله ما اكتسب ". رواه الترمذي (2386) ، وقال: "حديث حسن غريب من هذا الوجه ". قلت: لكن فيه أبو هشام الرفاعي- واسمه محمد بن يزيد-، قال الحافظ: "ليس بالقوي ". قلت: فلا يحتج به، وقد خالف في إسناده ومتنه: أما السند؛ فهو أنه أدخل بين الأشعث وأنس: الحسن، وهو البصري. وأما المتن؛ فهو قوله: "وله ما اكتسب "! والصحيح: "ولك ما احتسبت "؛ كما في حديث الترجمة. نعم؛ للحديث أصل عن الحسن؛ فقد قال المبارك بن فضالة: ثنا الحسن: أخبرني أنس بن مالك قال: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته، فجاء رجل فقال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: "أما إنها قائمة، فما أعددت لها؟ "، قال: والله يا رسول الله!

ما أعددت لها من كثير عمل؛ غير أني أحب الله ورسوله. قال: "فإنك مع من أحببت، ولك ما احتسبت ... ". أخرجه أحمد (3/226و283) وأبو يعلى (5/ 144/2758) ومن طريقه: ابن حبان (1/387/565) . قلت: وهذا إسناد جيد قد صرح فيه المبارك والحسن بالتحديث، وهو شاهد قوي للفظ حديث الترجمة. والله أعلم. وللمبارك إسناد آخر؛ فقد قالت: حدثنا ثابت البناني عن أنس أن رجلاً كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... الحديث إلى قوله: "أحبك الذي أحببتني له ". أخرجه أبو داود (5125) والحاكم (4/ 171) - وصححه-، وأحمد (3/ 150) . وتابعه الحسين بن واقد: حدثني ثابت به. أخرجه ابن حبان (570) ، وأحمد (3/ 140- 141) . وتابعه عبد الله بن الزبير الباهلي: حدثنا ثابت به. أخرجه أبو يعلى (6/162/3442) ، ومن طريقه: ابن عدي في "الكامل " (4/175) ، وعلي بن الجعد " كما تقدم برقم (418) . والحديث في "الصحيحين " وغيرهما من حديث أنس وابن مسعود مثل حديث المبارك عن الحسن عن أنس؛ لكن بلفظ: "المرء مع من أحب ". وهومخرج في"الروض النضير"وغيره؛ فانظر"صحيح الجامع الصغير" (6565) . والداعي إلى تخريج حديث عبد الرزاق: هنا إنما هو أنني لما خرجت "المشكاة"

قديماً؛ رأيت المؤلف قد عزاه (5017) للبيهقي في "شعب الإيمان "، ولم يتيسر لي يومئذ الوقوف على إسناده ولو عند غيره، فبيضت له وعزوته لأبي داود فقط، والآن وقفت على إسناده عند عبد الرزاق؛ فخرجته. ثم وجدت لحديث ثابت عن أنس شاهداً من حديث ابن عمر قال: بينا أنا جالس عند النبي: - صلى الله عليه وسلم -إذ أتاه رجل فسلم عليه، ثم ولى عنه، فقلت: يا رسول الله! إني لأحب هذا لله، قال: "فهل أعلمته ذاك؟ ". قلت: لا. قال: "فأعلم ذاك أخاك ". قال: فاتبعته فأدركته، فأخذت بمنكبه، فسلمت عليه، وقلت: والله! إني لأحبك لله. قال هو: والله إني لأحبك لله. قلت: لولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -أمرني أن أعلمك لم أفعل. أخرجه ابن حبان (1/388/568) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/366/ 13361) من طريق الأزرق بن علي أبي الجهم قال: حدثنا حسان بن إبراهيم قال: حدثنا زهير بن محمد عن عبيد الله بن عمر وموسى بن عقبة عن نافع قال: سمعت ابن عمر يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي حسان- وهو الكرماني- وزهير ابن محمد كلام لا يضر هنا. وقال الهيثمي (10/282) : " رواه الطبراني في " الكبير" و"الأ وسط "، ورجالهما رجال " الصحيح "، غير الأزرق بن علي وحسان بن إبراهيم، وكلاهما ثقة".

(فائدة) : زاد أبو يعلى- بعد قوله: "ولك ما احتسبت "-: ثم قال: "تسألوني عن الساعة؟ والذي نفسي بيده! ما على الأرض نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مئة سنة". قال: فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قال: "أين السائل عن الساعة؟ ". فجيء بالرجل تُرعد فرائصه، فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غلامٍ من دوسٍ يقال له: سعد، فقال: "إن يعش هذا لا يهرم حتى تقوم الساعة". قال أنس: وأنا يومئذٍ قدر الغلام. وعند أحمد قضية الصلاة وقوله: "أين السائل ... " إلخ. وأخرجها ابن حبان في "صحيحه " (1/387/565 و 4/ 280/2979) مفرقاً في موضعين من طريق أبي يعلى. وأخرجها مسلم (8/209) ، وابن حبان (1/387/566) ، وأحمد (3/428) ، وأبو يعلى (3277) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس. والجملة الأخيرة- جملة الهرم- أخرجها البخاري (6167) ، ومسلم أيضاً، وأحمد (3/192) من طريق قتادة عن أنس. ثم رواه مسلم من طريقين آخرين عن أنس. ثم وجدت لهذه الجملة الأخيرة طريقاً أخرى يرويها قيس بن وهب الهَمداني عنه، وفيه قصة السؤال عن الساعة وقوله:

3254

"أين السائل عن الساعة؟ ". وقوله: ومر سعد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذا عُمِّر حتى يأكل عمره؛ لم يبق منكم عين تطرف ". أخرجه أبو يعلى (7/104/4049) بسند ضعيف. وعنده طريق أخرى (7/23/ 3920) ، وسنده حسن. ثم وجدت للمبارك بن فضالة متابعاً، وهو عمران القطان: ثنا الحسن عن أنس ... مثل رواية المبارك عند أبي يعلى. أخرجه أحمد (3/213) . * 3254- (تكون فتنةٌ؛ النائم فيها خيرٌ من المضطجع، والمضطجعُ فيها خيرٌ من القاعد، والقاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ خيرٌ من الماشي، والماشي خيرٌ من الراكبِ، والراكبُ خيرٌ من المُجري، قتلاها كلُّها في النّارِ. قال: قلتُ: يا رسول الله! ومتى ذلك؟ قال: ذلك أيام الهرجِ. قلتُ: ومتى أيامُ الهرجِ؟ قال: حين لا يأمن الرجل جليسَهُ. قال: فبِمَ تأمُرني إن أدركتُ ذلك الزّمان؟ قال: اكفُف نفسك ويدك، وادخل دارك. قال: قلتُ: يا رسول الله! أرأيت إن دخل عليَّ داري؟ قال: فادخل بيتك. قال: قلتُ: يا رسول الله! أرأيت إن دخل عليَّ بيتي؟ قال: فادخل مسجدك، واصنع هكذا- وقبض بيمينهِ على الكوع- وقل: ربِّي الله؛ حتّى تموت على ذلك) . رواه عبد الرزاق في "المصنف " (1 1/ 350/20727) ، ومن طريقه: أحمد

(1/488) ، والحاكم (4/426- 427) عن معمر عن إسحاق بن راشد عن عمرو ابن وابصة الأسدي عن أبيه قال: إني لَبِالكوفة في داري؛ إذ سمعت على باب الدار: السلام عليكم، أألجُ؟ قلت: وعليك السلام؛ فََلج. فلما دخل إذا هو عبد الله بن مسعود. قال: فقلت: يا أبا عبد الرحمن! أية ساعة زيارة هذه؟ وذلك في نحر الظهيرة، قال: طال علي النهار فتذكرت من أتحدث إليه، قال: فجعل يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأحدثه. قال: ثم أنشأ يحدثني فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وتابعه عبد الله بن المبارك: أنا معمر به. أخرجه أحمد (1/449) . وقال الهيثمي (7/203) : "رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات ". قلت: يعني بالأ ول: روايته من طريق عبد الرزاق، وبالآخر: روايته من طريق ابن المبارك، ولا فرق بينهما في الحقيقة؛ لولا أنه في الرواية الأولى لم يقع له تسمية إسحاق بن راشد، بل قال فيها: (عن رجل) وهو إسحاق كما في رواية " المصنف " و" المستدرك "، ورواية " المسند " الأخرى. ولم يتنبه لها الشيخ الأعظمي في تعليقه على "المصنف "! فلم يعز لأحمد إلا الرواية الأولى! هذا؛ وقد أدخل بعض الرواة بين إسحاق وعمرو: رجلاً لا يعرف، وهي رواية شاذة بل منكرة، وبيان ذلك إن شاء الله تعالى في أول "كتاب الفتن " من "صحيح سن أبي داود". *

3255

3255- (إنَّما يهدِي إلى أحسنِ الأخلاق: اللهُ، وإنّما يصرفُ مِن أسوَئها هُو) . رواه عبد الرزاق في "المصنف " (11/146/20156) عن طاوس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر: ... فذكره. قلت: إسناده صحيح مرسلاً، وقد وصله الطبراني في "المعجم الكبير" (11/17/10896) من طريق شاهين بن حيَّان: ثنا حماد بن سلمة عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته ... فذكره. وشاهين هذا؛ قال أبو حاتم: "ضعيف الحديث ". وذكره ابن حبان في "الثقات ". …لكن للحديث شاهد قوي من حديث علي- رضي الله عنه- في استفتاحه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة، وفيه قوله: "اللهم! اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ". أخرجه أحمد (1/102) ، ومسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والترمذي- وصححه- وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح سنن أبي داود" (رقم 738) . وله شاهد من حديث جابر بلفظ: "اللهم! اهدني لأحسن الأعمال وأحسن الأخلاق؛ لا يهدي لأحسنها إلا أنت، وقني سيئ الأعمال وسيئ الأخلاق؛ لا يقي سيئها إلا أنت ". رواه النسائي وغيره بسند صحيح، وهو مخرج في المصدر السابق برقم (739) .

3256

(تنبيه) : إنما حملني على هذا التخريج: أنني رأيت الشيخ الأعظمي في تعليقه على"المصنف"لم يزد في تخريج الحديث على عزوه للطبراني! هذا من جهة، ومن جهة أخرى: رأيت صاحبنا عبد المجيد السلفي في تعليقه على "الطبراني " أعل الحديث بشاهين المذكور، ولما كان ذلك يشعر القراء بضعفه؛ رأيت من الواجب بيان صحته بالشاهدين المذكورين من حديث علي وجابر. والله سبحانه هو الموفق. * 3256- (قدِ اختلفتُم وأنا بين أظهُركم، وأنتُم بعدِي أشدُ اختلافاً) . أخرجه عبد الرزاق في"المصنف " (11 /389/20818) ، ومن طريقه: الطبراني في "المعجم الكبير" (3/146) عن معمر عن الزهري عن سنان بن أبي سنان أنه سمع حسين بن علي يحدث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -خبأ لابن صياد (دخاناً) ، فسأله عما خبأ له؟ فقال: دخ. فقال: "اخسأ؟ فلن تعدو قدرك ". فلما ولى قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ماقال؟ ". فقال بعضهم: دخ. وقال بعضهم: بل قال: زخ (¬1) . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح. ¬

_ (¬1) الأصل (ريح) ! وقال المعلق عليه: في "الكنز"من "طب ": "ذخ ". قلت: وهو قريب مما أثبته أخذاً من روايتي الطبراني. والله أعلم.

ثم رواه الطبراني (2909) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني الليث: حدثني عُقيل [عن] ابن شهاب به. وقال الهيثمي (8/5) : "رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح". وكأنه يعني الأول، والثاني كذلك عندي لولا أن عبد الله بن صالح فيه ضعف من قبل حفظه، ولكنه ممن يستشهد به، فيزداد الحديث به قوة على قوة. واعلم أن أحاديث ابن صياد وسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه عن (الدخان) وعجزه عن الجواب كثيرة، وبعضها في "الصحيح " و"السنن "، فانظر: "المشكاة" (5494) ، و"صحيح سنن أبي داود" (الملاحم) ، وليس هذا فيها، وإنما خرجته هنا لأمرين: الأول: لما فيه من الزيادة عليها من سؤاله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه عما قال ابن صياد، ورده - صلى الله عليه وسلم - عليهم بقوله: "قد اختلفتم ... ". والآخر: أنني أردت أن أذكر به أولئك الغافلين الذين ينسبون إلى الدين ما ليس منه، فيقولون: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اختلاف أمتي رحمة " أو: "اختلاف أصحابي لكم رحمة"، وغير ذلك مما بينت وضعه في محله، ولهذا فهم يقرون الاختلاف الشديد بين المذاهب ويتخذونه ديناً، خلافاً للكتاب والسنة كما بينه العلماء- رحمهم الله تعالى-، ويغلو بعض أولئك فيزعم أن لكل قول من تلك الأقوال المتناقضة دليلاً من السنة؛ كخروج الدم مثلاً، فيتخيلون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل مرة عنه، فأجاب بأنه ينقض الوضوء، وسئل مرة أخرى فأجاب بأنه لا ينقض! ونحو ذلك من التخيلات التي لا أصل لها في السنة، وينشدون بهذه المناسبة قول (بُوصيريِّهم) في مدح النبي - صلى الله عليه وسلم -: وكُلُّهمِ مِن رسُولِ اللهِ مُلتمِس...................

3257

وغير ذلك من الأقوال التي لم يقلها عالم من قبل. فلعل في أولئك الغافلين من يتنبه من غفلته، ويعود إلى رشده حين يرون النبي - صلى الله عليه وسلم -لا يرضى من الصحابة- رضي الله عنهم- اختلافهم في تحديد ما قاال ابن صياد؛ هل هو (الدُّخ) أو (الزخ) ؟ مع أن مثل هذا الاختلاف ليس له علاقة بالدين مطلقاً كما هو ظاهر، لعلهم حين يتنبهون لهذا يتبين لهم أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يرضى منهم الاختلاف في الدين ولا يقره من باب أولى. فالحق أن الخلاف- وهو الذي يسميه ابن تيمية- رحمه الله- اختلاف تضاد- إنما هو نقمة وليس برحمة. وحسب المسلم البصير في دينه أن يعتذر عن المختلفين بعذر معقول، ويعتقد بأنهم جميعاً مأجورون على التفصيل الوارد في الحديث. أما أن يقر الاختلاف نفسه ويدافع عنه، بدعوى الدفاع عن الأئمة، كما يعلن ذلك بعضهم في بعض الإذاعات الإسلامية، فذلك من التدليس على الناس، والخلط بين الحق والباطل. نسأل الله السلامة في ديننا وعقولنا. 3257- (لا يدخلُ الجنة من كان في قلبهِ مثقالُ حبّةٍ من خردلٍ من كِبرٍ) . أخرجه عبد الله بن أحمد في "زوائد الزهد" (ص 182) ، والأصبهاني في " الترغيب " (65/ 1- 2) (1/ 270/ 0 0 6 ط) - والزيادة له-، وكذا الطبراني في "الكبير" (13 /147/363) عن [إسماعيل بن] سنان- يعني: العُصفُرِيَّ-، والحاكم (3/416) ، والخرائطي في "المساوئ " (265) عن سالم بن إبراهيم صاحب المصاحف، والأصبهاني أيضاً (245/1) (2/956/2331 ط) عن عمر بن

يونس اليمامي- ثلاثتهم- عن عكرمة بن عمار عن القاسم بن محمد قال: زعم عبد الله بن حنظلة: أن عبد الله بن سلام مر في السوق، وعليه حزمة من حطب، فقيل له: أليس الله قد أغناك عن هذا؟ قال: بلى، ولكن أردت أن أدفع به الكبر، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد، ولم يخرجاه في ذكر عبد الله بن سلام ". فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: سالم واهٍ". قلت: قد تابعه من تقدم قرنه به. واسماعيل بن سنان العصفري ما بحديثه بأس، كما قال أبو حاتم (2/176/592) . وعمر- وفي الأصل: عثمان، وهو خطأ من الناسخ- ابن يونس اليمامي ثقة من رجال الشيخين. والراوي عنه سليمان بن داود: هو ابن محمد بن شعبة بن يزيد بن النجار اليمامي، أثنى عليه ابن معين خيراً، وقال: "قلَّ من رأيت أفهم بحديث اليمامة منه ". وقال أبو حاتم (4/114/495) : " صد وق ". قلت: فإسناد الأصبهاني جيد، وهو من فوائد كتابه العزيزة. والحديث قال المنذري (4/18) : "رواه الطبراني بإسناد حسن، والأصبهاني؛ إلا أنه قال: مثقال ذرة من كبر".

3258

قلت: الذي في نسختنا من "الأصبهاني " هو باللفظ المذكور أعلاه، ولفظ الطبراني عند المنذري: "من في قلبه خردلة من كبر". وكذلك ذكره الهيثمي (1/99) ، وحسن إسناده أيضاً. والحديث صحيح، له شواهد كثيرة، بعضها في "صحيح مسلم " عن ابن مسعود، وإنما آثرت هذا بالذكر؛ لقصة عبد الله بن سلام-رضي الله عنه-. * من تربية نبينا وأخلاق سلفنا 3258- (أجل، فلا ترُدَّ عليهِ، ولكن قل: غفر اللهُ لك يا أبا بكرٍ! غفر الله لك يا أبا بكرٍ!) . أخرجه أحمد (4/58- 59) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (577 4) من طرق عن مبارك بن فضالة: ثنا أبو عمران الجوِني عن ربيعة الأسلمي قال: كنت أخدم رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعطاني أرضاً، وأعطى أبا بكر أرضاً، وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة، فقالت أبو بكر: هي في حد أرضي! وقلت أنا: هي في حدي! وكان بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي أبو بكر كلمة كرهتها وندم، فقال لي: يا ربيعة! رُدَّ علي مثلها حتى يكون قصاصاً. قلت: لا أفعل. فقال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدين عليك رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: ما أنا بفاعل. قال: ورفض الأرض. فانطلق أبو بكر- رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فانطلقت أتلوه، فجاء أناس من أسلم فقالوا: رحم الله أبا بكر! في أي شيء يستعدي عليك رسول الله، وهو الذي قال لك ما قال؟! فقلت: أتدرون من هذا؟ هذا أبو بكر الصديق،

3259

وهو (ثاني اثنين) ، وهو ذو شيبة المسلمين، فإيَّاكم يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيغضب لغضبه، فيغضب اللهُ لغضبهما، فيهلك ربيعة. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: ارجعوا. فانطلق أبو بكر- رضي الله عنه- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتبعته وحدي، وجعلت أتلوه، حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحدثه الحديث كما كان. فرفع إلي رأسه فقال: "يا ربيعة! ما لك وللصديق؟ "، قلت: يا رسول الله كان كذا وكان كذا؛ فقال لي كلمة كرهتها؛ فقال لي: قل كما قلتُ لك حتى يكون قصاصاً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... (فذكره) قال: فولى أبو بكر - رحمه الله- وهو يبكي. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وإنما يخشى من عنعنة ابن فضالة، وقد صرح بالتحديث، ولذلك وثقه جماعة، وقال أبو زرعة: "إذا قال: (ثنا) فهو ثقة". * 3259- (لا تحرِّم الإملاجةُ والإِِملاجتانِ) . أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/13/2) ، ومن طريقه وطريق غيره: مسلم في "صحيحه " (4/166 - 167) عن المعتمر بن سليمان عن أيوب يحدث عن أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم الفضل قالت: دخل أعرابي على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إني كانت لي امرأة؛ فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحُدثى رضعة أو رضعتين، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. (قال ابن الأثير) :

3260

"الملج: المصُّ، ملج الصبي أمه يملُجها ملجاً، وملِجَها يملَجها: إذا رضعها. وا لملجة: المرة. والإملاجة: المرة أيضاً، من أملجته أمه؛ أي: أرضعته، يعني: أن المصة والمصتين لا تحرمان ما يحرمه الرضاع الكامل ". قلت: والحديث من الأدلة الكثيرة على أن الرضاع القليل لا يحرم، وهي- لصحتها- صالحة لتقييد قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) [النساء: 23] ، فكما أن الآية مقيدة بالسنة في أنه لا رضاع إلا في حولين، فكذلك هي مقيدة بهذا الحديث وغيره، فلا يغرنك ما صرح به الحنفية- وبخاصة منهم أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن " (2/124) -: "ولا يجوز قبول أخبار الآحاد عندنا في تخصيص حكم الآية الموجبة للتحريم بقليل الرضاع ... "! فإنهم لا يلتزمون هذا في كثير من فروعهم، وهو الحق؛ فإنهم مثلاً يحرمون الفضة والذهب والحرير على الرجال، مع مخالفة ذلك لعموم قوله تعالى: (قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) [الأعراف: 32] والأمثلة في ذلك كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن، والُحرُّ تكفيه الإشارة. * من بطولات الصحابيات 3260- (يا أمّ سُليمٍ! إنّ الله عزّ وجلّ قد كفانا وأحسن) . أخرجه أحمد (3/286) ، وإسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/15 / 1) قالا: ثنا عفان: ثنا حماد قال: أنا ثابت عن أنس:

3261

أن أم سُليم كانت مع أبي طلحة يوم حُنين، فإذا مع أم سليم خنجر، فقال أبو طلحة: ما هذا معك يا أم سليم؟! فقالت: اتخذته؛ إن دنا مني أحد من الكفار أبعجُ به بطنه. فقال أبو طلحة: يا نبي الله! ألا تسمع ما تقول أم سليم؟! تقول كذا وكذا! فقالت: يا رسول الله! أقتُلُ من بعدنا من الطلقاء انهزموا بك يا رسول الله! فقال: ... فذ كره. قلت: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وقد أخرجه هو (5/196) وأحمد (3/ 190) من طرق أخرى عن حماد به. ورواه أحمد (3/108- 109) من طريق حميد عن أنس به نحوه. ورواه (3/279) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس. واسناده ثلاثي؛ لكن بين حميد وأنس ثابت كما ذكروا. والله أعلم. * 3261- (إنّ إبليس! يضعُ عرشهُ على الماءِ (وفي طريق: البحر) ، ثم يبعثُ سراياهُ؛ فأدناهُم منه منزلةُ أعظمُهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ: ما صنعتَ شيئاً، ثمَّ يجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرّقتُ بينهُ وبين امرأتهِ، فيُدنِيه منه ويقولُ: نِعم أنت! قال الأعمش: أراه قال: فيلتزِمُه) . جاء من حديث جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- من طرق: الأولى: الأعمش عن أبي سفيان عنه. أخرجه مسلم (8/138) ، وأحمد (3/314) ، وعبد بن حميد في "المنتخب " (3/20/1031) من طريق أبي معاوية: ثنا الأعمش به.

ثم بدا لي إشكال على متن الحديث، وهو أن فيه اختصاراً مخلاً بينته في " الضعيفة " (6102) ؛ فراجعه. وتابعه جريرعن الأعمش به مختصراً بلفظ: "إن عرش إبليس على البحر، فيبعث سراياه، فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة". أخرجه مسلم. الثانية: أبو الزبير عن جابر به مختصراً مثل رواية جرير. أخرجه مسلم (8/139) ، وأحمد (3/332 و 366 و 384) ، وصرح أبو الزبير بالتحديث في رواية لأحمد. الثالثة: وهب بن مُنبِّه قال: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (رقم 6154- الإحسان) . قلت: وإسناده صحيح. الرابعة: ماعز التميمي عن جابر مرفوعاً. أخرجه أحمد (3/ 354) . قلت: ورجاله ثقات؛ غير ماعز هذا، قال الحافظ في "التعجيل ": "غير معروف، وهو غير ماعز بن عبد الرحمن العامري الذي في (ثقات التابعين) لابن حبان ".

3262

الخامسة: عن مصعب بن المقدام قال: نا سعيد بن بَشير عن قتادة عن سليمان ابن يسار عنه. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/248/ 1/4285/2) (5/78/ 4139- ط) ، وقال: "لم يروه عن سعيد إلا مصعب ". قلت: وكلاهما ضعيف. وللحديث شاهد من حديث أبي موسى الأشعري، تقدم برقم (1280) . (تنبيه) : مع كثرة طرق هذا الحديث في "صحيح مسلم " وغيره؛ لم يعزه المعلق على " الإحسان " (14/66- 67) إلا إلى "أوسط الطبراني "! وبواسطة "مجمع الزوائد" (7/289) ! * 3262- (إنَّ الرَوحَ لتلقى الروحَ (وفي رواية: اجلس واسجد واصنع كما رأيتَ) . قاله لخُزيمة بن ثابت) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/384/ 7631) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (11 /78/10564) ، وأحمد (5/214و215) ، وابن سعد (4/ 380- 381) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4/97/3717) من طريق حماد بن سلمة: نا أبو جعفر الخَطمِيُّ عن عُمارة بن خزيمة بن ثابت: أن أباه قال: رأيت في المنام كأني أسجد على جبهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرت بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال ... فذكره، وأقنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا-[قال عفان برأسه إلى خلف]- فوضع جبهته على جبهة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

3263

والسياق لأحمد، وزيادة عفان للنسائي، والرواية الأخرى للطبراني، وإسنادهم صحيح، رجاله كلهم ثقات. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/182) : "رواه أحمد بأسانيد أحدها هذا، وهو متصل،.. ورواه الطبراني ورجا لهما ثقات ". ولالتقاء الأرواح شاهد من حديث ابن عمرو مرفوعاً؛ مخرج في الكتاب الآخر لزيادة فيه برقم (1947) . (تنبيه) : قوله: (لتلقى) هكذا وقعت هذه الكلمة عند النسائي، وكذا في "المصنف "، ووقعت في ابن سعد وأحمد: (لايلقى) بالنفي! وأظنه محرفاً لمنافاته للسياق وللشاهد المذكور. ولما ذكره الهيثمي معزواً لأحمد؛ ذكره على الصواب، وكذلك هو في "كنز العمال " (15/517/42017) برواية ابن أبي شيبة وأبي نعيم. والله أعلم. وقد جاء الحديث عن خزيمة بلفظ: "صدّّق رؤيا ك "، وهو مخرج في "المشكاة" (4624) . * 3263- ( [المغضوب عليهم] : اليهودُ، و [الضالِّينَ] : النصارى) . ورد من حديث عدي بن حاتم الطائي، وعمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأبي ذر. 1- أما حديث عدي؛ فله عنه طريقان: الأولى: عن سماك بن حرب قال: سمعت عَبَّاد بن حُبيش يحدث عن عدي بن حاتم به. أخرجه الترمذي (2956 و2957) ، وابن حبان (5 171 و 2279) وابن جرير

في "التفسير" (1/ 61و64) ، وابن أبي حاتم (1/ 31/ رقم 40) ، وأحمد (4/378 - 379) ، ومن طريقه: البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 339- 341) ، والطبراني في"المعجم الكبير" (17/98- 100) عنه به. وفيه عند ابن حبان وأحمد وغيرهما قصة إسلام عدي- رضي الله عنه-، ومنهم الترمذي؛ وقال: "حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب ". قلت: هو ثقة وسط في غير روايته عن عكرمة؛ فإنها مضطربة، وهذه من روايته عن عباد بن حبيش، ولا يعرف إلا به، فهو مجهول، فهو علة هذا الإسناد، وقد جهله ابن القطان، وقال الذهبي: "لا يعرف ". فقول المعلقين على "الموارد" (5/375) : "إسناده حسن من أجل سماك بن حرب، وباقي رجاله ثقات ... ". فليس بحسن؛ لأنه قائم على قاعدة وضعوها لأنفسهم، وهي الاحتجاج بالمجهولين الذين لا يعرفون إلا برواية واحد، ما دام وثقه مثل ابن حبان وغيره من المتساهلين، وعلى تجاهل موقف الحفاظ النقاد تجاه هذا التساهل، فهناك العشرات بل المئات من الرواة الموثَّقين من أولئك المتساهلين، لم يأخذ بتوثيقهم الحفاظ المشار إليهم، وهذا هو المثال بين يديك أيها القارئ الكريم! الثانية: عن محمد بن مصعب عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن مُرَيّ بن قَطَريّ عن عدي بن حاتم ... أخرجه الطبري أيضاً.

قلت: وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد؛ فإن مري بن قطري حاله تقريباً كحال ابن حبيش؛ إلا أنه قد وثقه أيضاً ابن معين، وقال فيه الذهبي: "لا يعرف، تفرد عنه سماك ". ومحمد بن مصعب- وهو القُرقُساني- مختلف فيه، قال الحافظ: "صدوق كثير الغلط ". وتجاهل هذان المشارُ إليهما آنفاً، فوثَّقاه وحسّنا إسناده! الثالثة: قال الطبري: حدثني أحمد بن الوليد الرملي: قال: ثنا عبد الله بن جعفر الرقي قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم به. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أحمد بن الوليد الرملي، وأنا أظن أنه (أحمد بن الوليد بن برد الأنطاكي) ؛وثقه ابن حبان فقال (8/38) : "يروي عن ابن عيينة وابن أبي فُدَيك، حدثنا عنه الفضل بن محمد العطار بأنطاكية، وهو قديم الموت ". وترجمه ابن أبي حاتم برواية ابن أبي فديك وجمع وقال (2/179 /176) : "سمع منه أبي بأنطاكية". وصحح الإسناد الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- في تعليقه على "التفسير" (1/185) ، دون أن يفيدنا شيئاً عن حال الرملي هذا عنده. وكذلك صنع المعلقان المشار إليهما!

2- وأما حديث من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيرويه مَعمَرٌ عن بُديلٍ العُقيلي: أخبرني عبد الله بن شقيق: أنه أخبره من سمع النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -- وهو بوادي القرى- وهو على فرسه، فسأله رجل من (بلقين) فقال: من هؤلاء؟ قال: "هؤلاء [المغضوب عليهم] . وأشار إلى اليهود". قال: فمن هؤلاء؟ قال: " هؤلاء [الضالين] يعني: النصارى ". أخرجه الطبري، وأحمد (5/32- 33) من طريق عبد الرزاق، وهذا في "تفسيره " (1/37) قال: ثنا معمر به. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله-؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر. وأقول: لكن قد خولف بديل العقيلي، فأخرجه الطبري عن سعيد الجريري وخالد الحذاء عن عبد الله بن شقيق: أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر نحوه فأرسلاه، وهذا أصح. ورواية خالد الحذاء: أخرجها البيهقي في "شعب الإيمان " (4/ 61/4329) ؛ لكنه قال: عن عبد الله بن شقيق عن رجل من (بلقين) عن ابن عم له أنه قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فأسنده من جهة، وأدخل بين عبد الله بن شقيق وابن العم رجلاً لم يُسمَّ. لكن في الطريق إليه إبراهيم بن علي- وهو الذهلي-، لم أعرفه. 3- وأما حديث أبي ذر؛ فذكره السيوطي في"الدر المنثور" (1/16) من رواية

3264

ابن مردويه من طريق عبد الله بن شقيق عنه. وقد حسن إسناده في "الفتح " (8/159) ؛ وأنا أخشى أن يكون وجهاً من وجوه الاختلاف الواقع في إسناده عن عبد اللة بن شقيق. والعلم عند الله تعالى. والخلاصة أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح، وقد أشار إلى ذلك الحافظ ابن كثير في "تفسيره"، وصرح بثبوته ابن أبي العز الحنفي في آخر شرحه للعقيدة الطحاوية، وجزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شيخُ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (3/127) ، وعقب عليه بقوله: "وذلك أن اليهود عرفوا الحق ولم يتبعوه، والنصارى عبدوا الله بغير علم ". بل إنه صرح بصحته في مكان آخر منه (1/64) . والحمد لله رب العالمين. * 3264- (سبحان اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ؛ مِنَ الباقياتِ الصالحاتِ) . أخرجه ابن جرير الطبري في "التفسير" (15/166) قال: وجدت في كتابي: عن الحسن بن الصَّبَّاح البزَّار عن أبي نصر التَّمَّار عن عبد العزيز بن مسلم عن محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن؛ للخلاف المعروف في محمد بن عجلان، وسائر رجاله ثقات رجال الشيخين، والحسن بن الصباح من شيوخ ابن جرير، كما ذكر الذهبي في ترجمته من "السير" (14/269) . وقد توبع؛ فقال حفص بن عمر الحوضِي: حدثنا عبد العزيز بن مسلم به مطولاً بلفظ:

"خذوا جُنَّتكم ". قالوا: يا رسول الله! أمن عدو حضر؟ قال: "لا، ولكن جنتكم من النار؛ قول: سبحان الله ... فذكرهن الأربع؛ فإنهن يأتين يوم القيامة مُجنِّبات ومعقِّبات، وهن الباقيات الصالحات ". أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (488/848) وابن أبي حاتم في "العلل " (2/ 100/1793) والحاكم (1/549) والبيهقي في "شعب الإيمان " (1/425/606) . وتابعه داود بن بلال السعدي: حدثنا عبد العزيز بن مسلم القسملي به. أخرجه الطبراني في"الأوسط " (5/26/4039) و"الدعاء" (3/ 1561/1682) ، وقال: "لم يروه عن ابن عجلان إلا عبد العزيز، ولا رواه عنه إلا أبو عمر الحوضي وابن بلال ". قلت: وكلاهما ثقة. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! وأعله أبو حاتم بعلة غريبة، فذكر ابنه عنه أنه قال: "كنا نرى أن هذا غريب، حتى حدثنا أحمد بن يونس عن فُضيل بن عياض عن ابن عجلان عن رجل من أهل الإسكندرية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.. فعلمت أنه قد أفسد على عبد العزيز بن مسلم، وبيَّن عورته، وحديث فضيل أشبه ". وأقول: إن مما لا شك فيه أن فضيلاً أوثق من عبد العزيز- وهو القسملي- وإن

كانا كلاهما محتجاً به في "الصحيحين "، إلا أنني أرى- والله أعلم- أنه ليس من الضروري تعصيب الوهم بـ (عبد العزيز) ؛ بل (محمد بن عجلان) أولى به؛ لما تقدم من الإشارة إلى الاختلاف فيه، فمن الجائز أنه كان تارة يرسله عن الإسكندراني هذا، وتارة يسنده عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة. وقد روي من طريق أخرى عن أبي هريرة، ولكنها واهية لا يفرح بها؛ لأنها من طريق صلة بن سليمان العطار: حدثنا أشعث عن ابن سيرين عن أبي هريرة به. أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/336) في ترجمة صلة هذا، وقال: "قال أبو حاتم: متروك الحديث، أحاديثه عن أشعث منكرة". وقال الذهبي في "المغني ": "تركوه ". ونحوه ما رواه عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي الدرداء نحوه مختصراً. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، قال المنذري (2/248) : " بإسنادين؛ أصلحهما فيه عمر بن راشد، وبقية رواته محتج بهم في "الصحيح "، ولا بأس بهذا الإسناد في المتابعات ". ونحوه في "مجمع الزوائد" (10/ 90) ؛ إلا أنه قال في عمر بن راشد: "وقد وثق على ضعفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: وقال الذهبي في "المغني ": "ضعفوه"

ومن طريقه: أخرجه الطبري (16/91) مطولاً. ووجدت له متابعاً؛ يرويه يوسف بن العَنبَسِ اليماني: ثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً. أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (1/314/713) . قلت: وعكرمة بن عمارضعيف في يحيى بن أبي كثير. ويوسف بن العنبس اليماني لم أجد له ترجمة. وروي من حديث ابن مسعود في آخر حديث: "إن الله قسم بينكم أخلاقكم ... " مثل حديث الترجمة، وزاد: "فإنهن مقدمات مجنبات ومعقبات، وهن الباقيات الصالحات ". أخرجه البيهقي في "الشعب " (1/426) من طريق الحاكم (1/34) ؛ لكن هذا ليس عنده هذه الزيادة، وفي إسناده من لم أعرفه، وقد سقط من سند البيهقي فليستدرك من "المستدرك "؛ وهو بدونها؛ صحيح الإسناد، تقدم تخريجه برقم (2714) . ومن حديث ابن عباس يرويه إسماعيل بن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس: حدثني أبي صالح: حدثني أبي: حدثني عليٌّ: حدثني أبي عبد الله بن عباس قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث نحو حديث أبي الدرداء المطول. أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (2/ 841) في ترجمة إسماعيل هذا، ولم يذكر في ترجمته ما يدل على حاله في الرواية، ولا وجدت له ذكراً في شيء

من كتب الرجال، وكذلك أبوه صالح بن علي لم أجده، فهو إسناد مظلم. وأسوأ منه: ما رواه محمد بن إسحاق الأسدي: ثنا الأوزاعي عن عروة بن رُويم اللخمي قال: سمعت أبا أمامة الباهلي مرفوعاً: ... فذكره مثل حديث حفص بن عمر الحوضي. أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (1/314/712) . …قلت: وهذا آفته الأسدي هذا- وهو العكاشي-؛ قال الدارقطني: "يضع الحديث ". والمشهور في هذا الباب: حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "استكثروا من الباقيات الصالحات ". قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الملَّة". قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: "التكبير ... " فذكر الأربع، وزاد: "ولا حول ولا قوة إلا بالله ". أخرجه ابن حبان (2332) والحاكم (1/512) والبيهقي في "شعب الإيمان " (1/425/605) والطبري في "التفسير" (15/167) والبغوي في "شرح السنة " (5/ 64) وأحمد (3/75) وأبو يعلى (2/ 524) . وقال الحاكم: "هذا أصح إسناد المصريين "!

كذا قال! ومن الغريب أن الذهبي قال في "تلخيصه ": "صحيح "! وهو ينافي إيراده إياه في "المغني "، وقوله فيه: "قال أحمد وغيره: أحاديثه مناكير، ووثقه ابن معين، وتركه الدارقطني ". قلت: وأحاديثه تشهد لقول أحمد فيه، ومنها حديث: "أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون ". وهو مخرج في "الضعيفة" برقم (517) . قلت: وهذا الحديث منكر أيضاً؛ لمخالفته لكل أحاديث الباب في قوله: " استكثروا "، وفي زياداته في آخره: "ولا حول.. ". (تنبيه) : وقد شذ ابن حبان عن كل أصحاب المصادر المذكورة، فلم يذكر في الحديث جملة: "الملة ". ثم رأيت في "المسند" (4/267- 268) من طريق رجل من الأنصار من آل النعمان بن بشير عن النعمان بن بشير مرفوعاً، بلفظ: "ألا! وإن سبحان الله.. هن الباقيات الصالحات ". ورجاله ثقات؛ غير الرجل الذي لم يسم. وجملة القول؛ أن الحديث صحيح بشواهده، وهو من حيث المعنى أظهر منها؛ لأنه يتفق مع التفسير الصحيح لقوله تعالى: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً) [الكهف: 46] . فقد ذكر ابن جرير في تفسيرها عدة

3265

أقوال، اختار منها ما يجمع أعمال الخير كلها، ومنها ما في هذا الحديث من الذكر على روايته هو: "من الباقيات الصالحات ". وأما الرواية الأخرى: "هن الباقيات الصالحات "؛ فإما أنها من باب المبالغة كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة"، وقوله: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده "، ونحوه كثير معروف، أو أنه سقط من الراوي حرف (من) الدال على التبعيض. والله أعلم. ثم وجدت لحديث "خذوا جنتكم ... " طريقاً آخر؛ يرويه منصور بن سلمة المدني: حدثني حكيم بن قيس بن مخرمة الزهري عن أبيه: أنه سمع أبا هريرة- رضي الله عنه- يقول: كنا حول النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره. أخرجه الطبراني أيضاً في "الدعاء" (3/1562/1684) . وحكيم بن قيس وأبوه لم أجد لهما ترجمة. * 3265- (رحِمَ اللهُ عبداً كانت لأخيهِ عندَه مظلمَةٌ في عِرضٍ أو مالٍ، فجاءه فاستحلَّه قبل أن يُؤخذَ، وليس ثمَّ دينارٌ ولا درهمٌ، فإن كانت له حسناتٌ؛ أُخذ من حسناتهِ، وإن لم يكن له حسناتٌ؛ حمَلُوا عليه من سيئاتهم) . أخرجه الترمذي (2/68) ، وابن جرير الطبري (2/28/275) ، وأبو يعلى (4/ 1541) من طريق أبي خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالاني عن زيد بن أبي أُنيسة عن سعيد المقبُري عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال الترمذي:

"حديث حسن صحيح غريب من حديث سعيد المقبري، وقد رواه مالك بن أنس عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه ". قلت: أما هذا اللفظ؛ فهو ضعيف؛ لأن أبا خالد الدالاني يخطئ كثيراً، وكان يدلس كما قال الحافظ في "التقريب "، وهو قد عنعنه كما تراه. وقد خالفه في لفظه جماعة؛ منهم: مالك؛ فرواه- كما تقدم عن الترمذي- عن سعيد المقبري بلفظ: "من كانت عنده مظلمة لأخيه، فليتحلله منها؛ فإنه ليس ثمَّ دينار ولا درهم ... " الحديث؛ ليس فيه: "رحم الله عبداً ". أخرجه البخاري (4/238) وا بن جرير وابن عبد البر (20/42و23/233- 234) وغيرهم. ثم أخرجه البخاري (2/99) ، وأحمد (2/435 و 506) من طريق ابن أبي ذئب قال: حدثنا سعيد المقبري به. ثم وجدت للدالاني متابعاً قوياً. وشاهداً ضعيفاً: أما المتابع؛ فهو الإمام مالك؛ يرويه محمد بن الحارث الحرَّاني: حدثنا محمد ابن سلمة عن زيد عن مالك عن سعيد به. أخرجه ابن حبان (7318- الإحسان) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/343) . وقال: "صحيح في "الموطأ"، غريب من حديث زيد عن مالك ". قلت: وإسناده جيد، رجاله رجال مسلم؛ غير محمد بن الحارث الحراني، قال النسائي:

"صالح يرسل ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (9/102) ، وقال الحافظ: " صدوق ". وقد توبع الحرَّانيُّ هذا؛ فقال الطبراني في "الأوسط " (1683) : حدثنا أحمد (هو النسائي) قال: أنا أبو المعافى محمد بن وهب بن أبي كريمة الحراني قال: نا محمد بن سلمة به. وهذه متابعة قوية. وأما الشاهد؛ فيرويه هاشم بن عيسى اليَزَني قال: ثنا الحارث بن مسلم عن الزهري عن أنس بن مالك مرفوعاً به. أخرجه الطبراني في "الأوسط " (5159) وقال: "لم يروه عن الحارث إلا هاشم بن عيسى". قلت: قال العقيلي (4/343) : "منكر الحديث، مجهول بالنقل ". ثم ساق له حديثاً آخر بإسناد آخر في وضع اليد تحت الخد عند النوم؛ زاد فيه: "هذه نومة الأنبياء". … ونقل ذلك عنه الذهبي في "الميزان "، والحافظ في "اللسان "، وأقرَّاه. ولم يعرفه الهيثمي، فقال في "المجمع " (10/355) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه هاشم بن عيسى اليزني، ولم أعرفه،

3266

وبقية رجاله وثقوا على ضعف في بعضهم "! وحديث الترجمة عزاه الحافظ في "الفتح " (5/ 101) للترمذي، وسكت عنه مشيراً إلى ثبوته عنده، ولعل ذلك للشاهد الذي ذكرته. والله أعلم. * 3266- (لا تقومُ الساعةُ حتى يُمطَرَ الناسُ مطراً، لا تُكِنُّ منه بيوتُ المدرِ، ولا تكنُّ منه إلاّ بيوتُ الشَّعرِ) . أخرجه أحمد (2/262) : ثنا أبو كامل وعفان قالا: ثنا حماد عن سهيل- قال عفان في حديثه: أنا سهيل- بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن حبان في "صحيحه " (8/ 270/6732- الإحسان) من طريق أبي يعلى قال: حدثنا بسام بن يزيد النَّقَّال قال: حدثنا حماد بن سلمة به. قلت: وبسام النقال؛ هذا ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/155) ، وقال: "روى عنه أهل العراق ". قلت: منهم الحافظ البغوي وغيره؛ كما في "تاريخ بغداد" (7/127) ، وروى عن الأزدي أنه قال: "يتكلم فيه أهل العراق". فقال الذهبي عقبه: "قلت: هو وسط في الرواية".

3267

وأقره الحافظ في "اللسان ". قلت: فهو حسن الحديث؛ لكنه هنا قد توبع؛ فهو صحيح. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 331) : "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح ". والحديث عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" لأحمد فقط؛ لكن وقع فيه: "المدينة " مكان: "المدر"! وهو خطأ من الناسخ. ثم اعلم أن ظاهره يخالف ما جاء في حديث النواس بن سمعان في قصة يأجوج ومأجوج، وإهلاك الله تعالى إياهم حتى تنتن الأرض من زُهومتهم، وفيه: "ثم يرسل الله عليهم مطراً، لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض، حتى يتركها كالزلقة ". رواه مسلم وغيره، وقد مضى تخريجه برقم (481 و 1780) . فقوله: "ولا وبر" ينافي قوله في حديث الترجمة: "إلا بيت الشعر"! فلعل ذلك يكون في زمنين مختلفين. والله أعلم. ثم إن الحديث من الأحاديث الكثيرة التي هي على شرط كتاب "موارد الظمآن " للحافظ الهيثمي، ولم ترد فيه، وقد استدركتها في كتابيَّ الجديدين: "صحيح موارد الظمآن"و"ضعيف موارد الظمآن"، وهما تحت الطبع، نسأل الله تعالى تيسير الإتمام. * 3267- (إنَّ من أشدِّ النَّاسِ بلاءً الأنبياء، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونَهم، ثمّ الذين يلونَهم) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/355/7496 و379-380) ، والحاكم (4/404) ، وأحمد (6/369) ، ومن طريقه الحافظ المزي في"التهذيب" (34/55) ،

وابن سعد في"الطبقات " (325- 326) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/245/629) من طريق شعبة عن حُصين بن عبد الرحمن: سمعت أبا عُبيدة ابن حذيفة يحدث عن عمته فاطمة قالت: أتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعوده في نساء، فإذا سقاء معلق نحوه، يقطر ماؤه عليه (وفي رواية: على فؤاده) من شدة ما يجد من حرَّ الحمّى، قلنا: يا رسول الله! لو دعوت الله فشفاك، فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ثم أخرجه الطبراني من طرق أخرى عن حصين به، والرواية الأخرى له في بعضها. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون، غير أبي عبيدة هذا، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جمع من الثقات، وقال الهيثمي عقب الحديث (2/292) : "رواه أحمد والطبراني في "الكبير" بنحوه.. وإسناد أحمد حسن ". وقال الحافظ في ترجمة فاطمة بنت اليمان من "الإصابة": "أخرج حديثها النسائي وابن سعد بسند قوي ". يعني هذا. وفي "الفتح " (10/111) : "أخرجه النسائي وصححه الحاكم ". وأقره. فأقول: تقدم عزوه مني للحاكم، ولكنه بيض له في الموضع الذي أشرت إليه، فلا أدري إذا كان الحافظ يعنيه، ويكون التصحيح قد سقط من الناسخ، أو يعني مكاناً آخر ٍمنه لم أقف عليه؟

3268

والحديث أورده السيوطي في "الجامع الكبير" من رواية أحمد والطبراني فقط، وسكت عليه كما هي غالب عادته. * 3268- (صلُّوا عليَّ؛ فإنَّ صلاتكم عليَّ زكاةٌ لكُم، وسلُوا الله لي الوسيلة) . أخرجه الإمام إسماعيل بن إسحاق القاضي في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (18/46) : حدثنا سليمان بن حرب قال: ثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير ليث- وهو ابن أبي سليم-، وهو صدوق، لكنه كان اختلط، روى له مسلم مقروناً، قال الذهبي في "الكاشف": "فيه ضعف يسير من سوء حفظه، كان ذا صلاة وصيام وعلم كثير، وبعضهم احتج به ". قلت: فمثله يستشهد به، وقد وجدت له شاهداً كما يأتي. وسعيد بن زيد: هو الأزدي أخو حماد، روى له مسلم؛ لكنهم تكلموا في حفظه، فقال الحافظ: "صدوق له أوهام ". قلت: وقد توبع؛ فقال إسماعيل (47) : حدثنا محمد بن أبي بكر: ثنا معتمر عن ليث به. وقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (2/517) : حدثنا ابن فُضيلٍ عن ليث به دون جملة الوسيلة.

3269

وهذه متابعة قوية؛ ابن فضيل: هو محمد بن فضيل بن غزوان، ثقة محتج به في "الصحيحين "، فلم يبق في الإسناد من فيه ضعف غير الليث. لكن يشهد له حديث دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ: "أيما رجل مسلم لم يكن عنده صدقة؛ فليقل في دعائه: اللهم! صل على محمد عبدك ورسولك، وصل على المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، فإنها زكاة". صححه ابن حبان (913- المؤسسة) والحاكم؛ لكن دراج ضعيف في أبي الهيثم، وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (2/ 281) . وأما جملة الوسيلة؛ فلها شواهد كثيرة، أصحها حديث عبد الله بن عمرو مرفوعاً: "إذا سمعتم المؤذن؛ فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي صلاة؛ صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة ... " الحديث رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1/ 259/ 242) . * إذا أسلم الكافر تولاه المسلمون 3269- (أقيمُوا اليهوديَّ عن أخيكُم. يعني: ابن اليهوديِّ الذي أسلمَ) . أخرجه الإمام أحمد (5/ 411) : ثنا إسماعيل عن الجُرَيري عن أبي صخر العُقيلي: حدثني رجل من الأعراب قال:

جلبتُ جلوبة (¬1) إلى المدينة في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما فرغت من بيعتي؛ قلت: لألقينًّ هذا الرجل، فلأسمعن منه. قال: فتلقاني بين أبي بكر وعمر؛ يمشون، فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشراً التوراة يقرؤها، يعزي بها نفسه على ابن له في الموت؛ كأحسن الفتيان وأجمله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنشُدُك بالذي أنزل التوراة! هل تجد في كتابك صفتي ومخرجي؟ ". فقال برأسه هكذا؛ أي: لا. فقال ابنه: إي والذي أنزل التوراة! إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله. فقال ... فذكره، ثم ولي كفنه، وحنطه (¬2) ، وصلى عليه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير أبي صخر العقيلي، فذكره ابن حبان في الصحابة من "الثقات " (3/457) ، وسبقه إلى ذلك البخاري ومسلم؛ فجزموا بصحبته، كما في "الإصابة" و"التعجيل ". واذا كان كذلك؛ فالسند صحيح؛ لأن جهالة الصحابي لا تضر، ولهذا قال ابن كثير في تفسير سورة (الأعراف) (2/ 251) : "هذا حديث جيد قوي، له شاهد في "الصحيح " عن أنس ". قلت: والشاهد الذي أشار إليه شاهد مختصر جدَّاً، فيه أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن ¬

(¬1) كذا في الأصل بالجيم، وهي ما يجلب للبيع من كل شيء. وفي "تفسير ابن كثير" و"المجمع ": (حلوبة) بالحاء المهملة، أي: ذات اللبن. (¬2) أي: جعل عليه الحنوط، وهو ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصة، من مسك وذريرة وكافور وغير ذلك.

اليهودي بأن يسلم، فأسلم، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي أنقذه من النار". فلما مات قال: "صلوا على صاحبكم ". رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 21) . وله شاهد آخر أتم منه يأتي ذكره قريباً إن شاء الله. وقد ذكر الحافظ اختلافاً على الجريري في إسناده؛ فرواه ابن خزيمة في "صحيحه "، والحسن بن سفيان في "مسنده"من طريق سالم بن نوح عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن أبي صخر- رجل من بني عقيل- وربما قال: عبد الله بن قدامة، قال: قدمت المدينة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. فأسقط من الإسناد الأعرابي، وجعله من مسند أبي صخر نفسه، وزاد في الإسناد: (عبد الله ابن شقيق) . وهكذا رواه أبو أحمد الحاكم في "الكنى" (1/242/2- 243) من طريق ابن خزيمة، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/ 271/2) من طريق الحسن بن سفيان وغيره قالوا: ثنا محمد بن المثنى: ثنا سالم بن نوح به. قلت: وسالم بن نوح- وإن كان من رجال مسلم-؛ ففيه كلام؛ كما يشعر بذلك قول الحافظ فيه: "صدوق له أوهام ". فمثله إذا خالف إسماعيل- وهو ابن عُليَّة- تكون روايته مرجوحة؛ لأن

إسماعيل ثقة اتفاقاً، ولا سيما في روايته عن الجريري؛ فقد رمي بشيء من الاختلاط، وإسماعيل روى عنه قبل الاختلاط، فروايته هي الراجحة يقيناً. ولا يعارض هذا رواية ابن سعد في "الطبقات " (1/185) من طريق الصلت ابن دينار عن عبد الله بن شقيق عن أبي صخر العقيلي قال: خرجت إلى المدينة000الحديث. قلت: لا يعارض بهذا الترجيح؛ لأن الصلت هذا ضعيف جداً، متروك. هذا، ولم يعرف الهيثمي أبا صخر العقيلي، فقال عقب الحديث (8/234) : "رواه أحمد؛ وأبو صخر لم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح "! وهذا غريب منه؛ فإنه من أعرف الناس بكتاب "ثقات ابن حبان " لكثرة اعتماده عليه، ونقله عنه أولاً، ولأنه رتبه على الحروف ثانياً، ودمج فيه أسماء الصحابة بأسماء الآخرين، وكذلك فعل في "الكنى"، وقد أورد فيه (أبا صخر) ، وأشار إلى صحبته بكتابة رقم (1) في أول الكنية (3/166/2- المصورة) . وأما الشاهد؛ فيرويه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود عن أبيه ابن مسعود قال: إن الله عز وجل ابتعث نبيه - صلى الله عليه وسلم - لإدخال رجل إلى الجنة؛ فدخل الكنيسة، فإذا هو بيهود، وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة، فلما أتوا على صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - أمسكوا، وفي ناحيتها رجل مريض، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما لكم أمسكتم؟ ". قال المريض: إنهم أتوا على صفة نبي فأمسكوا! ثم جاء المريض يحبو حتى

3270

أخذ التوراة، فقرأ حتى أتى على صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمته، فقال: هذه صفتك وصفة أمتك، أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، ثم مات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "لُوا أخاكم ". أخرجه أحمد (1/416) والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 190/ 10295) . وقال الهيثمي (8/ 231) - بعدما عزاه إليهما-: "وفيه عطاء بن السائب، وقد اختلط ". فتعقبه الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله-؛ فقال في تعليقه على "المسند" (6/23) : "فترك علَّته؛ الانقطاع، وأعله بما لا يصلح؛ لأن حماد بن سلمة سمع من عطاء قبل اختلاطه على الراجح "! قلت: الراجح أنه سمع منه بعد الاختلاط أيضاً؛ كما حرره الحافظ في "التهذيب "، فما أعله به الهيثمي صحيح. والله أعلم. * 3270- (أولُ هذا الأ مرِ نبوةٌ ورحمةٌ، ثمَّ يكونُ خلافةٌ ورحمةٌ، ثمّ يكون مُلكاً ورحمةً، ثمّ يتكادمون عليه تكادُم الحُمُرِ، فعليكُم بالجهادِ، وإن أفضل جهادِكم الرِّباطُ، وإن أفضلَ رباطِكم عسقلانُ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/88/11138) : حدثنا أحمد بن النضر العسكري: ثنا سعيد بن حفص النُّفيلي: ثنا موسى بن أعين عن أبي شهاب عن فِطر بن خليفة عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.

3271

قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي، ففيه كلام يسير، وقد وثقه ابن حبان (8/268) ، وأخرج له في "صحيحه "ثلاثة أحاديث، والذهبي، والعسقلاني فقال: "صدوق تغير في آخر عمره ". وأبو شهاب: هو موسى بن نافع الخياط، ووقع في الأصل: (ابن شهاب) ! والتصحيح من المخطوطة (3/ 111/ 1) وكتب الرجال. وللحديث شاهد بنحوه من حديث حذيفة- رضي الله عنه-، وقد مضى في أول المجلد الأول برقم (5) . * 3271- (إن عشتُ- إن شاء اللهُ- زجرتُ أن يُسمَّى: بركة، ونافعاً، وأفلح، فلا أدري قال: أفلح أولا، فقُبضَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يزجُر عن ذلك) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (7/533- 534) من طريق إسماعيل بن عبد الكريم: حدثني إبراهيم بن عقيل بن مَعقِل عن أبيه عن وهب بن منبِّه: أخبرني جابر بن عبد الله أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره، وزاد في أخره: فأراد عمر أن يزجر عن ذلك، ثم تركه. قلت: وهذا إسناد صحيح متصل، رجاله كلهم ثقات، فيه تصريح وهب بن منبه بسماعه من جابر، وصححه الحافظ المزي في "التهذيب " (3/ 140) في حديث آخر. والحديث في "صحيح مسلم " من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ... فذكره نحوه، وقد مضى تخريجه في المجلد الخامس برقم (2143) .

ورواه بعضهم من طريق أخرى عن أبي الزبير به؛ إلا أنه أدخل عمر بن الخطاب بين جابر والنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فأعدت إخراجه هنا من هذه الطريق العزيزة الصحيحة؛ كشاهد لرواية مسلم، وأن جابراً سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليس بينهما أحد. وأما ما رواه الُمفضَّل بن فضالة عن ابن جريج عن أبي الزبير: أنه سمع جابر ابن عبد الله يقول: همّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزجر أن يسمى (ميمون) و (بركة) و (أفلح) ، وهذا النحو، ثم تركه. أخرجه ابن حبان أيضاً (5812) . ورجاله كلهم ثقات؛ لكن ابن جريج لم يصرح فيه بالتحديث، وزاد في الأسماء: (ميمون) ، وهي زيادة شاذة، لم ترد في طرق الحديث الأخرى. ومثلها: ما رواه سعيد بن سالم عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينهى أن يسمى ب (علاء) و (بركة) و (أفلح) ونحو ذلك، ثم إنه سكت بعد عنها، فلم يقل شيئاً. أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/302) . وسعيد بن سالم: هو القداح، قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يهم، ورمي بالإرجاء، وكان فقيهاً ". قلت: فالظاهر أن ذكره (علاءً) دون سائر الثقات إنما هو من أوهامه؛ ويحتمل أن يكون هذا الاسم تحرف على بعض النساخ من (يعلى) ؛ فإنه هكذا وقع في

"صحيح مسلم " (6/172) ، و"الأدب المفرد" للبخاري (834) من طريقين عن ابن جريج به، ولفظه: ".. ب (يعلى) وب (بركة) ... " الحديث. ومن الغرائب المؤيدة لقول إمام دار الهجرة: "ما من أحد إلا يؤخذ من قوله ويرد، إلا النبي - صلى الله عليه وسلم -": إعلال أبي داود لذكر اسم (بركة) في هذا الحديث بما يعود حجة عليه عند التحقيق؛ فإنه قال عقب الحديث- وقد رواه عن شيخه أبي بكر ابن أبي شيبة (4960) وهذا هو "المصنف " (8/666/5958) - من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر نحوه، وفيه: (وبركة) ، وكذلك أخرجه البخاري في "الأدب " أيضاً (833) من طريق أخرى عن الأعمش به- قال أبو داود عقبه مُعِلاً ذ كر (بركة) فيه: "وروى أبو الزبير عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحوه؛ لم يذكر (بركة) "! فتعقبه الحافظ المنذري في "مختصر السننن " (7/257) ؛ فقال عقبه: "فيه نظر؛ فقد أخرج مسلم الحديث في "صحيحه " من حديث ابن جريج عن أبي الزبير، وفيه: "أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسمي (الغلام) - كذا- ب (مقبل) - كذا- وب (بركة) ... " الحديث ". قلت: يشير إلى حديث ابن جريج الذي خرجته آنفاً، وفيه اسم (بركة) الذي أشار أبو داود إلى إنكار وجوده فيه، وهو وهم منه- رحمه الله-، فهو فيه كما رأيت، كما هو في طريق أبي سفيان أيضاً عن جابر. ويشهد له حديث سمرة بن جندب مرفوعاً بلفظ: "لا تسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ... " الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "الإرواء" (1177) .

3272

ويلاحظ القراء معي في كلام المنذري أمرين غريبين: أحدهما: ذكر اسم: (مقبل) في حديث جابر! وهو وهم محض؛ فإنه مما لا أصل له، لا عند مسلم، ولا عند غيره فيما علمت، ويغلب على الظن أنه محرف أيضاً من اسم (يعلى) ، كما تحرف إلى (علاء) فيما سبق في رواية الطحاوي! والآخر: أنه ذكر لفظ: (الغلام) في حديث جابر، ولا أصل له فيه أيضاً، وإنما هو في حديث سمرة المذكور آنفاً، وهو في "مسلم " قبيل حديث جابر، فأخشى أن يكون انتقل بصره أو حفظه منه إلى الذي قبله. والله أعلم. * سبب نزول قوله تعالى: (ويُؤِثرُونَ على أنفُسِهم ... ) الآية 3272- (لقد ضحِكَ اللهُ- أو عجِب- من فِعالِكُما [بضيفِكما الليلة] ، وأنزل اللهُ: "ويُؤِثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصَة ومن يُوقَ شُحَّ نفسِه فأولئك همُ المفلحون". يعني: أبا طلحة الأنصاريَّ وامرأته) . أخرجه البخاري (3798 و 4889) وفي " الأ دب المفرد" (740) ومسلم (2054) ، والترمذي (3304) - مختصراً-، وكذا النسائي في "السنن الكبرى" (6/486/11582) ، والبيهقي أيضاً (4/185) وفي "الأسماء" أيضاً (ص 469) من طرق عن فُضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، [فقال: أصابني الجهد (وفي رواية: إني مجهود) ] ، فبعث إلى نسائه، فقلن: [والذي بعثك بالحق!] ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يضم- أو يضيف- هذا [يرحمه الله] ؟ ".

فقال رجل من الأنصار [يقال له: أبو طلحة] : أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[لا تدَّخري شيئاً] ، فقالت: [والله!] ما عندنا إلا قوت للصبيان! فقال: هيِّئي طعامك، وأصلحي سراجك، ونوِّمي صبيانك إذا أرادوا عشاءً، فهيأت طعامها، وأصلحت سراجها، ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، وجعلا يريانه أنهما يأكلان؛ [وأكل الضيف] ، وباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال ... فذكره. والسياق ل "الأدب المفرد"، والزيادات لمسلم؛ إلا بعضها فهي للبخاري. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وتابعه يزيد بن كيسان عن أبي حازم به مختصراً جدّاً دون القصة. أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1/250 /570) . (تنبيه هام) : ذكر البيهقي في "الأسماء"- قُبَيل هذا الحديث وبُعَيده- عن الخطابي أنه قال: "قال البخاري: معنى الضحك: الرحمة "! فأقول في هذا العزو للبخاري نظر؛ لأنه معلق منقطع، لم يذكر الخطابي ولا البيهقي مستنده في ذلك، ولأن أعلم الناس بالبخاري- ألا وهو الحافظ العسقلاني- لم يقف عليه؛ فقد قال عقبه: "قلت: ولم أر ذلك في النسخ التي وقعت لنا من البخاري ". وإن مما يؤكد عدم ثبوت ذلك عن البخاري: أننا نعلم يقيناً أنه من كبار أئمة

3273

الحديث، وأن هؤلاء مجمعون على اتباع السلف في الإيمان بحقائق الصفات الإلهية اللائقة به تبارك وتعالى: إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) [الشورى: 11] . واعلم أن الشك المذكور في الحديث- بين الضحك والعجب- لا يضر في ثبوتهما، لأن كلاً منهما قد جاء فيها أحاديث كثيرة في سياقات متعددة في كتب السنة، وبخاصة منها كتب التوحيد والعقيدة، مثل "السنة" لابن أبي عاصم، و" التوحيد" لا بن خزيمة، و"الشريعة " للآجري، وقد خرجت بعضها في "ظلال الجنة" (569-573) ، و"الصحيحة" (755 و 1074 و 3129) ، و"صحيح أبي داود " (2401) وغيرها. * 3273- (ما مِن رَجُلينِ تحابّا في الله بظهرِ الغيبِ؛ إلا كان أحبُّهُما إلى اللهِ أشدَّهما حُبّاً لصاحبِه) . أخرجه الطبراني في"المعجم الأوسط" (2/21/2/5412) (6/134/5275- ط) : حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال: ثنا المعافى بن سليمان قال: ثنا موسى بن أعين عن جعفر بن بُرقان عن محمد بن سُوقة عن طلحة بن عبيد الله بن كريز- وكان جليس أم الدرداء- يرفع الحديث إلى أم الدرداء، ترفعه أم الدرداء إلى أبي الدرداء، يرفعه أبو الدرداء ... فذكره. وقال: "لم يروه عن جعفر بن برقان إلا موسى بن أعين ". قلت: وكلاهما ثقة من رجال "الصحيح "، وكذا سائر الرواة، وهم من رجال "التهذيب "؛ غير محمد بن أحمد بن البراء، وهو من ثقات شيوخ الطبراني. وقال المنذري في "الترغيب " (4/ 46) :

3274

"رواه الطبراني بإسناد جيد قوي ". وقال الهيثمي (8/276) : ".. ورجاله رجال الصحيح؛ غير المعافى بن سليمان، وهو ثقة". والحديث في "الجامع الكبير" معزو ل (هب) ! وأظنه محرفاً من (طب) . والله أعلم. * 3274- (كذبَ أبو السنابل؛ ليس كما قالَ، قد حللتِ، فانكِحِي؛ [إذا أتاكِ أحدٌ ترضينه فأتِيني، أو أنبِئيني] . قاله لسُبيعَة بنتِ الحارثِ؛ وقد وضعت بعد وفاةِ زوجها بأيام) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه " (2/350/1506) : نا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله [بن عتبة] عن أبيه: أن سبيعة بنت الحارث تَعَاَلت (¬1) من نفاسها بعد وفاة زوجها بأيام، فمر بها أبو السنابل، فقال: إنك لا تحِلِّي (!) حتى تمكثي أربعة أشهر وعشراً، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ,فقال: فذكره دون الزيادة. وكذا رواه الشافعي في "الأم " (5/206) : نا سفيان بن عيينة به؛ إلا أنه زاد (أو) ، فقال: " أوليس ... ". وهكذا رواه عنه البيهقي في "السنن " (7/429) ، والبغوي في "شرح السنة " (9/304/2388) . و"التفسير" (8/153) ، وقال البيهقي: "وهذه الرواية مرسلة، وفيما قبلها من الموصولة كفاية ". ¬

(¬1) أي: ارتفعت وطهرت: "نهاية ".

قلت: يعني رواية الشيخين من طريق يونس عن ابن شهاب: حدثني عبيد الله بن عبد الله أن أباه عبد الله بن عتبة كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم الزهري يأمره أن يَدخُل على سبيعة بنت الحارث الأسلمية، فيسألها عن حديثها، وعما قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استفتته، فكتب عمر بن عبد الله إلى عبد الله بن عتبة يخبره: أن سبيعة أخبرته أنها ... قلت: فذكر الحديث بأتم، لكن ليس فيه قوله: "كذب أبو السنابل "، وهو مخرج في "جلباب المرأة المسلمة" (ص 69) وفي " الإرواء " (7/192) ، من طريق أخرى. ثم أخرجه البيهقي (10/709) من طريق محمد، وأحمد (1/447) من طريق خلاس، كلاهما عن عبد الله بن عتبة: أن سبيعة بنت الحارث وضعت ... الحديث. وقال البيهقي: "هذا مرسل حسن، وله شواهد". ومحمد: هو ابن سيرين، رواه البيهقي من طريق أيوب عنه. وتابعه منصور عن ابن سيرين، لكنه قال: إن سبيعة ... الحديث، لم يذكر في إسناده (عبد الله بن عتبة) . أخرجه سعيد بن منصور أيضاً (1508) . وإسناده مرسل أيضاً صحيح. وله شاهد آخر من مرسل الحسن، وهو البصري. رواه عبد بن حميد؛ كما في "الدر المنثور" (6/236) . ومن شواهده، حديث عبد الله بن مسعود أن سبيعة بنت الحارث وضعت

3275

حملها بعد وفاة زوجها بخمس عشرة ليلة، فدخل عليها أبو السنابل، فقال: كأنك تحدِّثين نفسك بالباءة؟ ما لك ذلك حتى ينقضي أبعد الأجلين، فانطلقت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته بما قال أبو السنابل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كذب أبو السنابل، إذا أتاك أحد ترضينه؛ فأتيني به، أو قال: فأنبئيني ". فأخبرها أن عدتها قد انقضت. أخرجه أحمد أيضاً، وإسناده صحيح، قال الهيثمي (5/3) : "ورجاله رجال الصحيح ". (تنبيه) : لقد عزا جماعة من المعلقين على هذا الحديث حديث الترجمةِ إلى الشيخين، وذلك وهم فاحش أو تساهل سيئ؛ لأنه يوهم أنه عندهما بهذا اللفظ: "كذب أبو السنابل "! وليس كذلك، منهم الشيخ الأعظمي في تعليقه على "سنن سعيد"، والشيخ شعيب في تعليقه على "شرح السنة"؛ والمعلقون على " تفسير البغوي "! * 3275- (نهى عن كسبِ الزَّمّار) . أخرجه أبو بكر الخلال في "الأمر بالمعروف " (ص 33- مطابع القصيم) عن شيخين له ثقتين قالا كلاهما: ثنا رَوح قال: ثنا شعبة قال: سمعت محمد بن جُحادة قال: سمعت أبا جعفر قال: سمعت أبا هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى ... الحديث. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي جعفر هذا، وهو الأشجعي؛ ذكره البخاري في "الكنى"وابن أبي حاتم (4/2/352) من رواية

مطرف بن طريف والعوام بن حوشب، وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/568) ، ولم يذكروا في الرواة عند محمد بن جُحَادة هذا، وقد ذكروا في شيوخ هذا أبا حازم الأشجعي، فأخشى أن يكون هو الراوي لهذا الحديث عن أبي هريرة، تحرف على الراوي، أو الناسخ، أو الطابع إلى (أبا جعفر) ، إلا أن يكون له كنيتان، وهذا مما أستبعده! ويؤيد الأول: أنه رواه جماعة من الثقات عن شعبة به؛ إلا أنهم قالوا: " الإماء " مكان: "الزمار". وهذا مما يُلقي في النفس أن هذا اللفظ: (الزمار) محرف من: (الإماء) ؛ لكن يأتي في طريق أخرى بلفظ: "الزمارة". أخرجه البخاري (2283 و 5348) ، وأبو داود (3425) ، وابن الجارود (587) ، وا بن حبان (5136) ، وكذا الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 254) ، والبيهقي (6/ 126) ، والطيالسي (3275) ، وأحمد (2/287و382و437-438و454و 480) من طرق عن شعبة به. وتابعه همام: حدثنا محمد بن جُحَادة بلفظ: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الحجام وكسب الأمة. أخرجه أحمد (2/347) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وزاد ابن حبان في رواية (5137) من طريق أبي يعلى قال: ثنا محمد بن المنهال الضرير قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: ثنا شعبة به، وزاد: "مخافة أن يَبغِينَ".

وإسنادها صحيح على شرط الشيخين؛ لكن في ثبوت هذه الزيادة وقفة عندي في هذا الحديث؛ لعدم ورودها في تلك الطرق، فالظاهر أنها مدرجة. وللحديث عن أبي هريرة طرق: الأولى: عن خالد بن أبي يزيد: حدثنا حماد بن زيد عن هشام عن محمد عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن ثمن الكلب، وكسب الزَّمّارة. أخرجه الخطيب في"التاريخ " (8/ 304) ، والبغوي في"شرح السنة " (8/22-23) . قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير خالد بن أبي يزيد، وهو المزرِقيُّ البغدادي، ترجمه الخطيب (8/ 304) برواية جمع من الثقات عنه، وروى عن ابن معين أنه قال: "لم يكن به بأس ". وقال الذهبي في "الكاشف "، والحافظ في "التقريب ": " صدوق ". وقد توبع؛ فرواه أبو عبيد في "غريب الحديث " (ق 60- 61) : حدثنيه حجاج عن حماد بن سلمة عن هشام بن حسان وحبيب بن الشهيد عن ابن سيرين به؛ الجملة الثانية منه. وقال: قال حجاج: " (الزمارة) : الزانية ". قلت: وهذا إسناد صحيح، وحجاج هو ابن منهال الأنماطي. وقال أبو معمر: ثنا عبد الوارث: ثنا هشام بن حسان بلفظ:

".. ومهر الزمارة ". أخرجه البيهقي. قلت: وإسناده صحيح. الثانية: عن عبد الرحمن بن شَريك: ثنا أبي: ثنا الأعمش عن أبي صالح وأبي حازم عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "لا يحل مهر الزانية، ولا ثمن الكلب ". أخرجه الحاكم (2/33) ، وقال: "صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي! وأقول: عبد الرحمن بن شريك لم يخرج له مسلم، وهو صدوق يخطئ. وأبوه شريك- وهو ابن عبد الله القاضي- أخرج له مسلم متابعة، وهو صدوق يخطئ كثيراً. الثالثة: عن مسلم بن خالد الزَّنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً: نهى عن كسب الأمة؛ إلا أن يكون لها عمل وأصل يعرف. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/28/9/8219) ، وقال: "لم يروه عن العلاء إلا مسلم، تفرد به عبد الله بن عبد الحكم ". قلت: وهو المصري، ثقة، وكذلك سائر رواته؛ إلا أن مسلم بن خالد الزنجي كثير الأوهام، وبه أعله الهيثمي فقال (4/93) : "وهو ضعيف، وقد وثق ".

(تنبيه) : تمام إسناده في "المعجم "هكذا: "حدثنا موسى بن هارون: ثنا سعد ابن عبد الله بن عبد الحكم: ثنا أبي ... " إلخ. فسقط من إسناده في "مجمع البحرين "المطبوع (3/378) : (سعد بن) ، وترك محققه بياضاً مكانه! وهذا غريب؛ فإنه قد أحال به إلى الأصل الذي يرجع إليه مشيراً إلى المجلد والورقة، وهو الذي نقلت منه، ويظهر لي أنه لم يتمكن من قراءة اسم (سعد) ؛ فإنه غير ظاهر جدّاً في الأصل- وهو مصور-، وإذا كان كذلك، فكان عليه أن يستعين بترجمة أبيه؛ فإنه سيجد فيها أن من الرواة عنه ابنه هذا، وإذ لم يفعل؛ فلم أسقط أداة النسبة: (ابن) وهو ظاهر؟!! والاستثناء المذكور في هذه الطريق؛ له شاهد من مرسل طارق بن عبد الرحمن القرشي قال: جاء رفاعة بن رافع إلى مجلس الأنصار فقال: لقد نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اليوم ... فذكر أشياء وقال: نهانا عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها- وقال هكذا بإصبعه- نحو المغزل، والخبز، والنَّقش ". أخرجه أبو داود (3426) ، والبيهقي. قلت: وهو مرسل حسن الإسناد، يتقوى به الاستثناء في حديث أبي هريرة الموصول، ولا سيما وقد جاء موصولاً من طريق ابن أبي فُدَيك عن عبيد الله بن هُريرٍ عن أبيه عن جده رافع بن خَد يج قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو؟ ". أخرجه أبو داود أيضاً (3427) ، والبيهقي، وكذا الحاكم (2/42) شاهداً.

وإسناده حسن في نقدي؛ عبيد الله بن هرير روى عنه آخرون، وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 151) ، وأبوه وثقه ابن معين وغيره. وله طريق يرويه أبو بلجٍ عن عَبَاية بن رِفَاعة أن جده توفي وترك أَمَة تُغلّ، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكره كسب الأمة، وقال: "لعلها لا تجد شيئاً، فتبتغي بنفسها". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/328/4408) . قلت: وإسناده جيد مرسل. وأخرجه أحمد (4/141) ، والطبراني أيضاً (برقم 4405) من طريق أخرى عن عباية بن رفاعة به مختصراً، دون قوله: "لعلها ... " إلخ؛ لكن زاد أحمد: "قال شعبة: مخافة أن تبغي ". ولعل هذا هو أصل تلك الزيادة التي وقعت في رواية ابن حبان المتقدمة، وهِم بعض الرواة فأدرجها في الحديث. وقد جاءت مرفوعة من حديث ابن عباس بإسناد واهٍ، أذكره لبيان حاله؛ يرويه سوَّار بن مصعب عن عطية العوفي قال: سمعت ابن عباس يقول: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسب الإماء. قلت لابن عباس: ولم نهى عنه؟ قال: مخافة أن يعجزن فيفجرن. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/129/12673) .

3276

وهذا إسناد ضعيف جدّاً؛ سوّار هذا متروك الحديث؛ كما قال الدارقطني وغيره. وعطية العوفي؛ ضعيف. (فائدة) : جاء في "النهاية": " (الزَّمَّارة) : هي الزانية. وقال الأزهري: يحتمل أنه أراد المغنية، يقال: غناء زمير، أي: حسن. وزمَّر؛ إذا غنى، والقصبة التي يزمر بها: (الزمارة) ". * 3276- (إنّ أعظم المسلمين [في المسلمين] جُرماً: من سأل عن شيءٍ لم يُحرَّم [ونقر عنه] ؛ فحُرِّم [على الناس] مِن أجلِ مسألتِه) . أخرجه البخاري (7289) ومسلم (8/92) وأبو داود (4610) وابن حبان (1/61/110) والحميدي في"مسنده" (37/67) وأحمد (1/176 و 179) والبزار في "البحر الزخار" (3/292/1084) وأبو يعلى (2/104 - 105) من طرق عن الزهري عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. والسياق للبخاري، والزيادات لمسلم وغيره. وله شاهد من حديث عُمَير بن قتادة: عند الحاكم (3/626) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/48/105) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (3/357) . وفيه بَكر بن خُنيس، وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي (5/231) وغيره. * 3277- (يا حُمَيراءُ! أتحبِّينَ أن تنظُرِي إليهم؟! يعني: إلى لعِبِ الحبشةِ ورقصِهم في المسجدِ) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/307/ 8951) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/117) قالا: أنا يونس بن عبد الأعلى قال: أنا ابن وهب قال:

أخبرني بكر بن مُضر عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: دخل الحبشةُ المسجدَ يلعبون، فقال لي: (فذكره) ، فقلت: نعم، فقام على الباب، وجئته، فوضعت ذقني على عاتقه، فأسندت وجهي إلى خده، قالت: ومن قولهم يومئذٍ: أبا القاسم طيباً. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حسبكِ؟! ". فقلت: يا رسول الله! لا تعجل. فقام لي، ثم قال: "حسبكِ؟! ". فقلت: لا تعجل يا رسول الله! قالت: وما لي حب النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساءَ مقامُه لي، ومكاني منه. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير يونس بن عبد الأعلى، فهو على شرط مسلم وحده. وقال الحافظ في "الفتح " (2/444) - بعدما عزاه للنسائي وحده-: "إسناده صحيح، ولم أر في حديث صحيح ذكر (الحميراء) إلا في هذا". وعقب عليه بعضهم بحديث آخر في الصوم، كما كنت نقلته في "آداب الزفاف " (ص 272) . وكان ذلك قبل طبع "السنن الكبرى" للنسائي، فافترضت يومئذٍ أن الحديث الآخر فيه، والآن وقد طبعت هذه "السنن "، ولم أجد الحديث فيه، كما لم أجده من قبل في "الصغرى"- وهي المسماة ب "المجتبى"-؛ فقد غلب على ظني خطأ

هذا البعض، وأنه اشتبه عليه بحديث الترجمة، ولا سيما وأحفظ الحفاظ- وهو العسقلاني- ينفي ذلك، وهو متأخر عن ذاك البعض؛ والله أعلم. وللحديث طريق أخرى؛ يرويه زيد بن حُبَاب قال: أخبرني خارجة بن عبد الله قال: أنا يزيد بن رومان عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً، فسمعنا لغطاً وصوت الصبيان؛ فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا حبشية تَزفِنُ والصبيان حولها، فقال: "يا عائشة! تعالَي فانظري ". فجئت، فوضعت ذقني على منكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعلت أنظر إليها ما بين المنكب إلى رأسه، فقال لي: "أما شبعت؟ ". فجعلت أقول: لا؛ لأنظر منزلتي عنده، إذ طلع عمر، فارفضَّ الناس عنها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأنظر إلى شياطين الجن والإنس قد فرُّوا من عمر". قالت: فرجعت. قلت: أخرجه النسائي (5/309/8957) ، والترمذي (3691) ، وقال: "حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". قلت: وإسناده حسن، رجاله رجال مسلم؛ غير خارجة بن عبد الله، وهو صدوق له أوهام كما في "التقريب "، وصححه أيضاً ابن شاهين في كتاب " السنة.. فضائل العشرة " رقم (140- نسختي) .

وتابع يزيد بن رومان: محمدُ بن عبد الرحمن عن عروة به مختصراً؛ لكن فيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة: "تشتهين تنظرين؟ ". فقالت: نعم، قالت: فأقامني وراءه؛ خدي على خده ... رواه مسلم (3/22) وكذا البخاري (950) . وله عندهما طرق وألفاظ وزيادات عديدة، كنت جمعتها في سياق واحد في الكتاب المذكور آنفاً: "الآداب "، وأعدت تخريجه هنا باللفظ المذكور أعلاه؛ لأنّ الغزالي كان قد ذكر للحديث في "الإحياء" عدة روايات، منها قوله (2/304) : "وفي رواية أنه قال لعائشة- رضي الله عنها-: "أتحبين أن تنظري إلى زفن الحبشة؟ "، والزفن: الرقص ". ومع أن الحافظ العراقي قد أخرج الحديث في مكان آخر كان الغزالي ذكره فيه (2/278) ، وعزاه "للصحيحين "، وأحال عليه في المكان الذي أشرت إليه أولاً؛ إلا أنه لم يخرِّج الرواية المذكورة، بل إن إحالته المشار إليها قد يوهم من لا علم عنده أنها من المتفق عليه! وليس كذلك، فكان هذا من الدواعي على تخريجها. وأهم من ذلك: أن الشيخ السَبكي ذكر أنها مما لا أصل له في فصل هام كان عقده في ترجمة الغزالي جمع فيه "جميع ما وقع في كتاب "الإحياء" من الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً)) (4/145 و 158) من كتابه "طبقات الشافعية الكبرى "!

تنبيهان: الأول: وهم الشيخ شعيب في تعليقه على "مشكل الآثار" (1/268) بقوله في الحديث: "إسناده صحيح على شرط الشيخين "! وإنما هو على شرط مسلم وحده كما تقدم؛ لأن يونس بن عبد الأعلى ليس من رجال البخاري. والآخر: قوله في تعليقه على ترجمة النسائي من "تهذيب الكمال " (2/328) : "ولا بد لي هنا من ذكر فائدة، ربما تخفى على كثير من طلبة العلم، وهي أن قول المنذري في "مختصر سنن أبي داود": "أخرجه النسائي "؛إنما يعني "السنن " لا "المجتبى" الذي صنفه ابن السني، وكذلك الحافظ المزي في "الأطراف " يعني: الأصل، لا المختصر"! قلت: الفائدة الأولى معروفة، وأما الأخرى ففي الإطلاق نظر؛ لأن المزي قد يعزو في "الأطراف " ل "السنن الصغرى" أيضاً "المجتبى"، كما نص على ذلك محققه الفاضل عبد الصمد شرف الدين في "المقدمة" (1/18) ، وإن كان لي عليه ملاحظة لا مجال الآن لذكرها، وفي تعليقه على "مقدمة المزي " (1/3) ؛ فقد عزا حديثاً لابن عباس إلى "كتاب القصاص" في موضعين منه (4/390 و 447) ، وليس هذا الكتاب من كتب "السنن الكبرى"، وإن كان موجوداً فيها في كتاب "المحاربة"، وفيه أحاديث أخرى هي في"القصاص "أيضاً، توهم الفاضل المذكور أنها زائدة على ما في "الكبرى"!

3278

ويقابل الوهم المذكور؛ قولُ الشيخ الكتاني في "الرسالة المستطرفة "- وقد ذكر "سنن النسائي " (ص 10) -: "والمراد بها "الصغرى"؛ فهي المعدودة من الأمهات، وهي التي خرج الناس عليها الأ طراف والرجال، دون " الكبرى "؛ خلافاً لمن قال: إنها المرادة"! وإنما يصدق هذا على "ذخائر المواريث " للشيخ النابلسي، والله أعلم. * 3278- (أحسنَتَ، اتركها حتّى تماثل. يعني: خادماً زنت حديثة عهدٍ بنفاسها) . أخرجه مسلم (5/125) والدارقطني (3/159- 160) ، والبيهقي (8/ 244- 245) من طريق إسرائيل عن السُّدِّيِّ عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن قال: خطبنا علي- رضي الله عنه- فقال: أيها الناس! أيما عبد وأمة فجرا؛ فأقيموا عليهما الحد.. ثم قال: إن خادماً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولدت من الزنى، فبعثني لأجلدها، فوجدتها حديثة عهد بنفاسها، فخشيت [إن أنا جلدتها] أن أقتلها، فقال: فذكره. والزيادة لمسلم وغيره من طريق أخرى عن السدي، وهو مخرج في "الإرواء" (7/ 360) مختصراً دون قوله: "اتركها ... "، ومن أجله خرجته هنا. والسدي: اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي كريمة- وهو السدي الكبير-، وفيه كلام يسير، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ": "حسن الحديث، قال أبو حاتم: لا يحتج به ".

وقال الحافظ: "صدوق يهم ". وقد ذكرت له هناك في "الإرواء" طريقاً آخر عن علي رضي الله عنه من رواية عبد الأعلى بن عامر ومتابع له، حسنت إسناده لاجتماعهما، وفي رواية للأول منهما عند البيهقي وغيره: أن الأمَةَ لبعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولفظ أبي داود (4473) : لآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ونحوه لأحمد (1/85) بلفظ: إن أمةً لهم زنت ... أقول فهذا هو اللائق بمقام النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن هذه الأمة ليست مملوكة له، وإنما هي لبعض نسائه، كانت تخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيراً، حتى ظُن أنها أمَةُ له. ويؤيد ما ذكرت- والله أعلم- قصة الرجل الذي اتُّهِم بأم ولده - صلى الله عليه وسلم -، فأمر علياً - رضي الله عنه- بقتله، فلما رآه مجبوباً ما له ذكرٌ؛ أمسك عنه، ولم يقتله، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحمد لله الذي يصرف عنا أهل البيت ". وقد مضى والقصة برقم (1904) من طريق ثالث. قوله: (تماثل) أي: تقارب البَرء، والأ صل (تتماثل) ؛ يقال: تماثل العليل؛ إذا قارب البرء. كما في "القاموس ".

(تنبيه) : تبين أن الحديث سبق تخريجه برقم (2499) ، ولما كان قد وقع هنا من الفائدة الحديثية والفقهية ما لم يقع هناك؛ فقد آثرت الاحتفاظ به هنا. وأيضاً؛ فإني أريد أن أحذر هنا من ضلالة من ضلالات ذلك الشيخ الغزالي، الذي ملأ الدنيا بالتشكيك في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة، والطعن فيها باسم الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث "! والحقيقة؛ أن كل من درس كتابه هذا من العلماء؛ تبين له- كالشمس في رائعة النهار- أنه لا فقه عنده ولا حديث؛ إلا ما وافق عقله وهواه! وقد بينت شيئاً من ذلك في رسالتي في الرد على ابن حزم ومن قلده، في تضعيفهم لحديث البخاري في تحريم المعازف وغيره مما في معناه، وأنا الآن في صدد تبييضها وإعدادها للنشر إن شاء الله تعالى (¬1) . ومن تلك الأحاديث التي طعن فيها وأنكر صحتها: حديث الرجل المتهم بأمَةِ النبي عليه السلام؛ فإنه جزم في الكتاب المذكور (ص 29) أنه: "يستحيل أن يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - على رجل بالقتل في تهمة لم تتحقق "! وجواباً عليه أقول: هذه مغالطة ظاهرة، لا تخفى على أهل العلم العارفين بحقيقة عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم -,فهي العاصمة له - صلى الله عليه وسلم - من أن يقتل رجلاً بتهمة لم تتحقق، وأما أن يحكم على ما ظهر له - صلى الله عليه وسلم - من الأدلة الشرعية القائمة على الظاهر؛ فهو ما دل عليه صريح قوله جمعت: "إنما أنا بشر، وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض، ¬

(¬1) ثم طبعت بحمد الله وفضله.

فأحسب أنه صادق؛ فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم؛ فإنما هي قطعة من النار، فليحملها أو يذرها". متفق عليه- واللفظ لمسلم-، وهو مخرج في "الصحيحة" (455) ، و"الإرواء" (1423) ، (8/258/2635) عن أم سلمة. والمقصود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حكمه على الناس أو بين الناس؛ إنما يحكم بمقتضى كونه بشراً، وليس بحكم كونه نبياً معصوماً، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله "؟! متفق عليه، وهو مخرج فيما تقدم برقم (407) . ولهذا؛ قال الحافظ ابن حجر في "الفتح "، وهو يذكر فوائد حديث أم سلمة (13/174) : "وفيه: أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقضي بالاجتهاد فيما لم يُنزل عليه شيء، وخالف في ذلك قوم، وهذا الحديث من أصرح ما يُحتج به عليهم، وفيه أنه ربما أداه اجتهاده إلى أمر يحكم به، ويكون في الباطن بخلاف ذلك؛ لكن مثل ذلك- لو وقع- لم يُقرَّ عليه - صلى الله عليه وسلم -؛لثبوت عصمته ". وعلى هذا الوجه من العلم الصحيح والفهم الرجيح: يُخرَّج حديث الرجل المتهم، ويبطل ما ادعاه الغزالي من الاستحالة فيه، ويتبين لكل باحث لبيب أن الرجل مفلس من العلم النافع، فلا هو من أهل الفقه، ولا من أهل الحديث (لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء) ! وإن مما يؤكد ذلك: موقفه من الحديث التالي وطعنه فيه؛ مع اعترافه بصحة سنده، ونقضه للقاعدة التي ذكرها بين يديه! *

3279

3279- (جاء ملكُ الموتِ إلى (وفي طريق: إنَّ ملكَ الموتِ كان يأتي الناسَ عياناً، حتّى أتى) موسى عليه السلام، فقال له: أجب ربَّك، قال: فلطَم موسى عليه السلام، عينَ مَلكِ الموتِ ففَقأها، فرجعَ الملكُ إلى اللهِ تعالى، فقالَ: [يا ربِّ!] إنَّك أرسلتني إلى عبدٍ لكَ لا يريدُ الموتَ، وقد فقأ عيني، [ولولا كرامتُه عليك لشققتُ عليه] . قال: فردَّ اللهُ إليه عينه، وقال: ارجع إلى عبدِي فقِل: الحياة تريدُ؟ فإن كنت تريدُ الحياةَ؛ فضع يدَك على متنِ ثورٍ، فما توارت يدُك من شعرة؛ فإنّك تعيشُ بها سنةً، قال: [أي ربِّ!] ثمَّ مَه؟ قالَ: ثم تموتُ، قال: فالآن من قريبٍ، ربِّ! أمتني من الأرضِ المقدّسةِ رميةً بحجرٍ! [قال: فشمَّه شمّةً فقبض روحَه، قال: فجاء بعد ذلك إلى النّاسِ خفياً] . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: والله! لو أني عنده لأريتُكم قبره إلى جانب الطريق عند (وفي طريق: تحت) الكثيبِ الأحمرِ) . قلت: هذا الحديث من الأحاديث الصحيحة المشهورة التي أخرجها الشيخان من طرق عن أبي هريرة- رضي الله عنه-، وتلقته الأمة بالقبول، وقد جمعت ألفاظها والزيادات التي وقعت فيها، وسقتها لك سياقاً واحداً كما ترى؛ لتأخذ القصة كاملة بجميع فوائدها المتفرقة في بطون مصادرها، الأمر الذي يساعدك على فهمها فهماً صحيحاً، لا إشكال فيه ولا شبهة، فتسلِّم لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسليماً.

والطرق عنه ثلاثة: الأولى: عن طاوس عن أبي هريرة: أخرجه الشيخان وغيرهما، وعندهما الزيادة الثالثة، وهي الطريق المشار إليها في آخر الحديث. الثانية: عن همّام عنه. أخرجاه أيضاً وغيرهما، والسياق لمسلم، وهو أتم. الثالثة: عن عمار بن أبي عمار قال: سمعت أبا هريرة يقول ... أخرجه أحمد، وابن جرير الطبري في "التاريخ " (1/ 224) ، وإسناده صحيح، وهو الطريق المشار إليه في أول الحديث، وفيه كل الزيادات إلا الثالثة. وهذه الطرق كنت خرجتها في "ظلال الجنة " (1/266- 267) دون أن أسوق متونها، والطريقان الأولان أخرجهما ابن حبان أيضاً في"صحيحه" (6190و6191) ، وأخرج أبو عوانة (1/187- 188) الثاني منهما. واعلم أن هذا الحديث الصحيح جدّاً مما أنكره بعض ذوي القلوب المريضة من المبتدعة- فضلاً عن الزنادقة- قديماً وحديثاً، وقد رد عليهم العلماء- على مر العصور- بما يشفي ويكفي من كان راغباً السلامة في دينه وعقيدته؛ كابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والبغوي، والنووي، والعسقلاني، وغيرهم. وممن أنكره من المعاصرين: الشيخ الغزالي في كتابه "السنة.. " المذكور في الحديث الذي قبله، بل وطعن في الذين دافعوا عن الحديث " فقال (ص 29) : "وهو دفاع تافه لا يساغ "!

وهكذا؛ فالرجل ماضٍ في غيّه، والطعن في السنة والذابين عنها بمجرد عقله (الكبير!) . ولست أدري- والله- كيف يعقل هذا الرجل- إذا افترضنا فيه الإيمان والعقل-! كيف يدخل في عقله أن يكون هؤلاء الأئمة الأجلة من محدِّثين وفقهاء - من الإمام البخاري إلى الإمام العسقلاني- على خطأ في تصحيحهم هذا الحديث، ويكون هو وحده- صاحب العقل الكبير! - مصيباً في تضعيفه إياه ورده عليهم؟! ثم هو لا يكتفي بهذا! بل يخادع القراء ويدلس عليهم، ويوهمهم أنه مع الأئمة لا يخالفهم، فيقول بين يدي إنكاره لهذا الحديث وغيره كالذي قبله (ص 26) : "لا خلاف بين المسلمين في العمل بما صحت نسبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفق أصول الاستدلال التي وضعها الأئمة، وانتهت إليها الأمة، إنما ينشأ الخلاف حول صدق هذه النسبة أو بطلانها، وهو خلاف لا بد من حسمه، ولا بد من رفض الافتعال أو التكلف فيه، فإذا استجمع الخبر المروي شروط الصحة المقررة بين العلماء فلا معنى لرفضه، وإذا وقع خلاف محترم في توفر هذه الشروط أصبح في الأمر سعة "! هذا كلامه، فهل تجاوب معه؟ كلا ثم كلا؛ فإن الحديث لا خلاف في صحته بين العلماء، وله ثلاثة طرق صحيحة كما تقدم، فكيف تملص من كلامه المذكور؟! لقد دلس على القراء وأوهم أن الحديث مختلف في صحته؛ فقال (ص 27) : "وقد جادل البعض في صحته "! ويعني: أن الحديث صار من القسم الذي فيه سعة للخلاف! فنقول له:

أولاً: هل الخلاف الذي توهمه "خلاف محترم " أم هو خلاف ساقط الاعتبار؟! لأن المخالف ليس من العلماء المحترمين!! ولذلك لم تتجرأ على تسميته! ولعله من الخوارج أو الشيعة الذين يطعنون في أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبخاصة راوي هذا الحديث (أبي هريرة) - رضي الله عنه-. وثانياً: يحتمل أن يكون المجادِل الذي أشرتَ إليه هو أنت، وحينئذٍ فبالأولى أن يكون خلافك ساقط الاعتبار، كما هو ظاهر كالشمس في رائعة النهار! ثم قال: "إن الحديث صحيح السند؛ لكن متنه يثير الريبة؛ إذ يفيد أن موسى يكره الموت ولا يحب لقاء الله ... " إلى آخر هرائه! فأقول: بمثل هذا الفهم المنكوس يرد هذا الرجل أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -!! ولا يكتفي بذلك، بل ويرد على العلماء كافة الذين فهموه وشرحوه شرحاً صحيحاً، وردوا على أمثاله من أهل الأهواء الذين يسيئون فهم الأحاديث ثم يردونها، وإنما هم في الواقع يردون جهلهم، وهي سالمة منه والحمد لله، وها هو المثال؛ فإن الحديث صريح بخلاف ما نسب إلى موسى عليه السلام، ألا وهو قوله عليه السلام: "فالآن من قريب ". فتعامى الرجل عنه، وتشبث باللطم المذكور في أوله، ولم ينظر إلى نهاية القصة، فمثله كمثل من يَرُدُّ قوله تعالى: (فويل للمصلين) بزعم أنه يخالف الآيات الآمرة بالصلاة، ولا ينظر إلى ما بعده: (الذين هم عن صلاتهم ساهون) هذا من جهة. ومن جهة أخرى؛ فإن الرجل بنى ردَّهُ للحديث على زعمه أن موسى عليه السلام كان عارفاً بملك الموت حين لطمه! وهذا من تمام جهله وإعراضه عن كلام العلماء الذي نقله (ص 28) :

"أن موسى لم يعلم أنه ملك من عند الله، وظن أنه رجل قصده يريد قتله، فدافعه عنه، فأدت المدافعة إلى فقءِ عينه ". ومع أن هذا الكلام يدل عليه تمام القصة كما قدمتُ، ويؤكده قوله في أول الحديث: "أن ملك الموت كان يأتي الناس عياناً"، أي: في صورة البشر، وفقءِ عينه وردها إليه مما يقوي ذلك. أقول: مع هذا كله، استكبر الرجل ولم يرد على علماء الأمة إلا بقوله الذي لا يعجزعن مثله أيُّ مُبطِلٍ غريق في الضلال: "نقول نحن (!) : هذا الدفاع كله خفيف الوزن، وهو دفاع تافه لا يساغ "! وإن من ضلال الرجل وجهله قوله (ص 27) : "ثم، هل الملائكة تعرض لهم العاهات التي تعرض للبشر من عَمَى أو عَوَر؟! ذاك بعيد"! فأقول: وهذا من الحجة عليك، الدالة على قلة فهمك؛ فإن هذا الذي استبعدتهُ مما جعل العلماء يقولون في دفاعهم: إن موسى لم يعلم أنه ملك، أفما آن لك أن تعقل؟!! ثم ختم ضلاله في هذا الحديث وطعنه فيه بقوله: "والعلة في المتن يبصرها المحققون (!) وتخفى على أصحاب الفكر السطحي "! فيا له من مغرور أهلكه العجب! لقد جعل! نفسه من المحققين، وعلماء الأمة من "أصحاب الفكر السطحي "! والحقيقة أنه هو العلة؛ لجهله وقلة فهمه " إن لم يكن فيه ما هو أكثر من ذلك مما أشار إليه الكفار وهم يعذَّبون في النار: (لو كنا

نسمعُ أو نعقِلُ ما كنا في أصحاب السَّعير) ؛ نسأل الله حسن الخاتمة والوفاة على سبيل المؤمنين. وأرى من تمام الفائدة أن أنقل إلى القراء الكرام كلام إمامين من أئمة المسلمين وحفاظ الحديث، فيه بيان الحكمة من تحديثه - صلى الله عليه وسلم - بهذا الحديث، قال ابن حبان عقب الحديث: "إن الله جل وعلا بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلماً لِخلقِهِِ، فأنزله موضع الإبانة عن مراده، فبلَّغ - صلى الله عليه وسلم - رسالته، وبّين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة، عقلها عنه أصحابه أو بعضهم، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يُحرَمِ التوفيق لإصابة الحق، وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار، وأمره أن يقول له: "أجب ربك ": أمر اختبار وابتلاء، لا أمراً يريد الله جل وعلا إمضاءه؛ كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه، فلما عزم على ذبح ابنه (وتلّه للجبين) ؛ فداه بالذِّبح العظيم. وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها؛ كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ولم يعرفهم؛ حتى أوجس منهم خيفة، وكمجيء جبريل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام، فلم يعرفه المصطفى حتى ولَّى. فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها، وكان موسى غيوراً، فرأى في داره رجلاً لم يعرفه، فشال يده فلطمه، فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي تصور بها، لا الصورة

التي خلَقَهُ اللهُ عليها، ولما كان المصرح عن نبينا في خبر ابن عباس حيث قال: "أمَّني جبريلُ عند البيت مرتين ... " فذكر الخبر، وقال في آخره: "هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك " (¬1) ، كان في هذا الخبر البيانُ الواضح: أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا مِن الأمم. ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل دارهُ بغير إذنه، أو الناظر إلى بيته بغير أمره، من غير جناح على فاعله، ولا حرج على مرتكبه، للأخبار الواردة فيه، التي أمليناها في غير موضع من كتبنا (¬2) ؛كان جائزاً اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى بإسقاط الحرج عمّن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحاً له، ولا حرج عليه في فعله. فلما رجع ملك الموت إلى ربه، وأخبره بما كان من موسى فيه؛ أمره ثانياً بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء كما ذكرنا قبل، إذ قال الله له: "قل له: إن شئت، فضع يدك على متن ثور، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة"، فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه ملك الموت، وأنه جاء بالرسالة من عند الله، طابت نفسه بالموت ولم يستمهل، وقال: "فالآن ". فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به، ضدَّ قول من زعم: "أن أصحاب الحديث حمَّالة الحطب ورعاة الليل، يجمعون ما لا ينتفعون به، ويروون ما لا يؤجرون ¬

(¬1) حديث حسن صحيح؛ كما قال الترمذي، وصححه جمع، وهو مخرج في "الإرواء" (1/268) ، و"صحيح أبي داود" (417) ، وعزاه بعضهم ل"صحيح ابن حبان"، فوهم! (¬2) قلت: من ذلك كتابه "الصحيح" (7/597- 598- الإحسان) من حديث أبي هريرة بألفاظ متقاربة، بعضها في"الصحيحين"، وهو مخرج في "الإرواء" (1428و 2227) .

عليه، ويقولون بما يبطله الإسلام "، جهلاً منه لمعاني الأخبار، وترك التفقه في الآثار، معتمداً على رأيه المنكوس، وقياسه المعكوس ". قلت: ما أشبه الليلة بالبارحة! فهذا الزاعم الطاعن في أصحاب الحديث هو سلف الغزالي في طعنه فيهم، وفي أحاديثهم الصحيحة، وما وصفه به ابن حبان من الجهل بمعاني الآثار، يشبه تماماً جهل الغزالي بها، وكتابه المتقدم ذكره والنقل عنه مشحون بطعنه في الأحاديث الصحيحة التي لا خلاف عند أهل العلم في صحتها، وقد ختم الكتاب بإنكاره عدة أحاديث صحيحة في إثبات القدر؛ لأنه فهم منها- بفهمه المعكوس والمنكوس- أنها تفيد الجبر، وتنفي عن الإنسان الاختيار الذي به كُلِّفَ، وترتب عليه الثواب والعقاب، مشاركاً في هذا الفهم العامة الجهلة، ولكنه فرَّ من فهمه الخاطىء إلى ما هو مثله أو أسوأ منه، ألا وهو إنكاره القدر والأحاديث الدالة عليها، وألحق نفسه بالمعتزلة!! وقد قام بواجب الرد عليه كثير من العلماء والكتَّاب، وكشفوا للناس ما فيه من زيخ وضلال في الحديث والعقيدة والفقه، وكان أطولهم نفساً، وأكثرهم إفادة، وأهدأهم بالاً: الأخ الفاضل سلمان العودة في كتابه "حوار هادئ مع محمد الغزالي"، فنِعمَ الردُّ هو؛ لولا تساهل وتسامح لا يستحقه الغزالي تجاه طعناته العديدة مع أئمة الحديث والفقه، وإن كان الأخ الفاضل قد كشف القناع عنها بأدبه الناعم! والحافظ الآخر الذي سبقت الإشارة إليه: هو الإمام البغوي؛ فإنه بعد أن ذكر أن الحديث: "متفق على صحته "؛ قال رحمه القه: "هذا الحديث يجب على المرء المسلم الإيمان به على ما جاء به من غيرأن يعتبره بما جرى عليه عُرف البشرِ، فيقع في الارتياب؛ لأنه أمرٌ مصدره عن قدرة

الله سبحانه وتعالى وحُكمه، وهو مجادلة بين ملك كريم، ونبي كليم، كلُّ واحد منهما مخصوص بصفة خرج بها عن حكم عوامِّ البشر، ومجاري عاداتهم في المعنى الذي خُصَّ به، فلا يعتبر حالهما بحال غيرهما، قد اصطفى الله سبحانه وتعالى موسى برسالاته وبكلامه، وأيده بالآيات الظاهرة، والمعجزات الباهرة، كاليد البيضاء، والعصا، وانفلاق البحر، وغيرهما مما نطق به القرآن، ودلّت عليه الآثار، وكل ذلك إكرام من الله عز وجل أكرمه بها، فلما دنت وفاته- وهو بشرٌ يكره الموت طبعاً، ويجد ألمه حساً-؛ لطف له بأن لم يفاجئه به بغتة، ولم يأمر الملك الموكل به أن يأخذه به قهراً؛ لكن أرسله إليه منذراً بالموت، وأمره بالتعرض له على سبيل الامتحان في صورة بشرٍ، فلما رآه موسى استنكر شأنه، واستوعر مكانه، فاحتجز منه دفعاً عن نفسه بما كان من صكه إياه، فأتى ذلك على عينه التي ركبت في الصورة البشرية التي جاءه فيها، دون صورة الملكية التي هو مجبول عليها، وقد كان في طبع موسى - صلى الله عليه وسلم - حمِيَّةٌ وحِدّةٌ على ما قص الله علينا من أمره في كتابه من وكزه القبطي، وإلقائه الألواح، وأخذه برأس أخيه يجره إليه. وروي أنه كان إذا غضب اشتعلت قلنسوته ناراً، وقد جرت سنة الدين بدفع من قصدك بسوء، كما جاء في الحديث: "من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم حلّ لهم أن يفقأوا عينه" (¬1) ، فلما نظر موسى إلى شخص في صورة بشر هجم عليه يُريد نفسه، ويقصد هلاكه، وهو لا يثبته، ولا يعرفه أنه رسول ربه؛ دفعه عن نفسه، فكان فيه ذهاب عينه، فلما عاد الملك إلى ربه، ردّ الله إليه عينه، وأعاده رسولاً إليه؛ ليعلم نبي الله عليه السلام- إذا رأى صحة عينه المفقوءة- أنه رسول الله بعثه لقبض روحه، فاستسلم حينئذٍ لأمره، وطاب نفساً بقضائه، وكلُّ ذلك ¬

(¬1) تقدم تخريجه قريباً.

3280

رفق من الله عز وجل، ولطف منه في تسهيل ما لم يكن بد من لقائه، والانقياد لمورد قضائه، قال: وما أشبه معنى قوله: "ما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت ... " (¬1) بترديده رسوله ملك الموت إلى نبيه موسى عليه السلام، فيما كرهه من نزول الموت به، وقد ذكر هذا المعنى أبو سليمان الخطابي في كتابه رداً على من طعن في هذا الحديث وأمثاله من أهل البدع والملحدين أبادهم الله، وكفى المسلمين شرهم ". * 3280- (يا ابن رواحة! انزل، فَحَرِّكِ الرِّكاب) . أخرجه النسائي في"السنن الكبرى" (5/70/8251) ، وكذا البيهقي (10/227) من طريق عمر بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس ابن أبي حازم عن عبد الله بن رواحة: أنه كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مسيرله، فقال له: (فذكره) فقال: يا رسول الله! قد تركت ذاك، فقال له عمر: اسمع وأطع، قال: فرمى بنفسه وقال: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزِلن سكينة علينا وثبِّتِ الأقدام إن لاقينا. (¬2) قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، وله علتان: الأولى: الانقطاع بين قيس بن أبي حازم وعبد الله بن رواحة، قال الحافظ المزي في " التحفة " (4/319) : ¬

(¬1) رواه البخاري (6502) ، وهو مخرج في "الصحيحة " (1640) . (¬2) هنا زيادة في "عمل اليوم والليلة" للنسائي (532) : "وإن أرادوا فتنة أبينا"! وأظنها مقحمة، وهي ثابتة في حديث آخر عن البراء بن عازب تقدم (3242) .

"قيس لم يدرك ابن رواحة". قلت: وذلك؛ لأنه استشهد في حياته - صلى الله عليه وسلم - في معركة (مؤتة) . والأخرى: عنعنة عمر بن علي، وهو المقدَّمي كان يدلس شديداً كما في " التقريب "، فانظر " التهذيب ". وقد خالفه عبد الله بن إدريس، فقال: عن إسماعيل عن قيس قال: قال عمر: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن رواحة: "لو حركت بنا الركاب ". فقال: قد تركت قولي ... الحديث، وزاد: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " اللهم! ارحمه ". فقال عمر: وجبت. وقال الحافظ المزي: " وهو أشبه ". يعني: أن الصواب أنه من رواية قيس بن أبي حازم عن عمر، وأنه من مسند عمر، لا من مسند عبد الله بن رواحة، وقيس قد سمع من عمر، فاتصل السند وصح والحمد لله؛ فإن عبد الله بن إدريس- وهو الأودي- ثقة فقيه احتج به الشيخان. أخرجه النسائي رقم (8250) ، والضياء في "الأحاديث الختارة" (1/ 381/ 264) ، وكذا الدارقطني في "الأفراد"؛كما في "كنز العمال " (13/449/37169) .

3281

وفي حديث سلمة بن الأكوع: فقفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر، فقلت: يا رسول الله! أتأذن لي أن أرتجز؟ فأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اعلم ما تقول! فقلت: والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صدقت ". فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا والمشركون قد بغوا علينا فلما قضيت رجزي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال هذا؟ ". قلت: أخي. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يرحمه الله " ... الحديث. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2289) . * 3281- (يا عائشةُ! أتعرفين هذه؟ قالت: لا، يا نبيَّ اللهِ! قال: هذه قينةُ بني فلان، تحبِّين أن تُغنِّيكِ؟ قالت: نعم، قال: فأعطاها طبقاً فغنَّتها، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: قد نفح الشَّيطانُ في مِنخرَيها) . أخرجه أحمد (3/449) : ثنا مكِّيٌّ: ثنا الجُعيدُ عن يزيد بن خُصَيفة عن

السائب بن يزيد: أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره. ومن طريق مكي هذا- وهو ابن إبراهيم-: أخرجه النسائي في "السنن الكبرى " (5/310/8960) و (ق 75/2- عشرة النساء- مخطوطة الظاهرية) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/187-187) ؛دون قوله: " فأعطاها طبقاً ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، والسائب بن يزيد صحابي صغير، حُجَّ به في حجة الوداع، وهو ابن سبع سنين، فالظاهر أنه تلقاه عن السيدة عائشة- رضي الله عنها-، وقد روى عنها. والجعيد: هو ابن عبد الرحمن بن أوس، وقد يقال: (الجعد) مكبراً. وقال الهيثمي- وقد ساقه بلفظ أحمد- (8/135) : "رواه أحمد والطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". وقال الزَّبيدي في "شرح الإحياء"- بعدما عزاه للنسائي- (6/494) : "واسناده صحيح، وأخرجه الطبراني في (الكبير) ". (تنبيه) : سقط من مطبوعة "السنن الكبرى" قوله: "قد نفخ الشيطان في "منخريها"، وهو ثابت في مخطوطة الظاهرية، وكذا في سياق الزبيدي من رواية النسائي. وقوله: (طبقاً) . قال في " القاموس ": " (الطَّبَق) محركة: غطاء كل شيء، والذي يؤكل عليه ".

3282

ولم ترد جملة الطبق هذه في رواية النسائي والطبراني، والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3282- (كان في بعضِ المشاهدِ قد دَمِيَت إصبَعُه فقال: هل أنتِ إلا إصبعٌ دَمِيتِ وفي سبيل الله مالقِيتِ) . أخرجه البخاري (2802) ومسلم (5/181) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (620) وأبو يعلى في "مسنده " (1533) ، وعنه ابن حبان في "صحيحه " (6543) وكذا ابن السني في "عمله " (505) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/186/1708) من طريق أبي عوانة عن الأسود بن قيس عن جندب بن سفيان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ... والسياق للبخاري. وقد اضطرب الرواة على الأسود بن قيس- رحمه الله- في ضبط المناسبة التي وقعت فيها هذه الحادثة، فقال أبو عوانة- كما ترى-: في بعض المشاهد. وقال سفيان- وهو الثوري-: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يمشي؛ إذ أصابه حجر، فعثر، فدميت إصبعه. أخرجه البخاري (6146) والنسائي (559) والطبراني (1703) . ورواه أحمد (4/313) مختصراً. وقال سفيان بن عيينة: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غار، فنُكِبَت إصبعه فقال: ... فذكره. أخرجه مسلم، والترمذي (3345) - وصححه-، والحميدي (776) ، والطبراني (1705) .

وقال حسن بن صالح: أصاب رِجلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حجَرٌ، فدميت، فقال ... الحديث. أخرجه الطبراني (1707) ، وسنده صحيح. وتابعهم- با ختصار-: شعبة؛ عند أحمد (4/ 312) ، والرُّويا ني (164/ 2) ، والطبراني (1704) . وعلي بن صالح- أخو حسن بن صالح- عند الطبراني أيضاً (1706) . وقال عمر بن زياد الهلالي (¬1) : أصابت إصبع النبي - صلى الله عليه وسلم - شجرة (كذا) فدميت فقال: ... فذكره، وزاد: فحُمل فوضع على سرير مرمول بخوص أو شريط، ووضع تحت رأسه مرفقة من أدم حشوها ليف، فأثر الشريط في جنبه، فجاء عمر بن الخطاب فبكى، فقال: "ما يبكيك؟ "، فقال: يا رسول الله! كسرى وقيصر يجلسون على سرير من الذهب، ويلبسون الديباج والإستبرق! قال: "أما ترضى أن لهم الدنيا ولكم الآخرة؟! ". رواه الطبراني (1719) ، وا بن سعد (1/466) . قلت: فهذه الزيادة باطلة، وعلتها- مع المخالفة للروايات السابقة- الهلالي هذا " فقد قال البخاري فيه في "التاريخ " (6/156/2012) : "تعرف وتنكر". ¬

(¬1) الأصل (عمرو بن زياد الألهاني) ! والتصحيح من "تاريخ البخاري "، وغيره من كتب الرجال، و"المجمع " (10/327) .

وقال فيه أبو زرعة وابن عدي: "لا بأس به ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/174) . قلت: فمثله حسن الحديث إذا لم يخالف. وهنا قد خلط بين هذا الحديث الصحيح، وحديث آخر، فيه قصة دخول عمر على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو على السرير المرمول ... الحديث، وهو في "الصحيحين " من رواية ابن عباس عن عمر في الحديث الطويل في قصة اللتين تظاهرتا عليه- صلى الله عليه وسلم -، وهو مخرج في"التعليق الرغيب " (4/114) ، فوهم الهلالي فربط بين قصة عمر هذه وقصة الإصبع، وجعلهما قصة واحدة، وأوهم أن الإصابة كانت شديدة حتى حمل على السرير ... ! وقد روى ابن عدي (5/52- 53) قصة عمر وحدها من رواية الهلالي هذا عن الأسود عن جندب: أن عمر دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مضطجع على حصير مرمول ... الحديث؛ وهذا هو الصواب؛ أن قصة عمر لا علاقة لها بحديث الترجمة. وخالف إسرائيلُ- وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي- جميع أولئك الثقات، فقال: عن الأسود بن قيس عن جندب، قال: لما انطلق أبو بكر- رضي الله عنه- مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغار، وقال له أبو بكر: لا تدخل الغار يا رسول الله! حتى أستبرئه. قال: فدخل أبو بكر الغار، فأصاب يديه شيء، فجعل يمسح الدم عن إصبعه وهو يقول: هل أنت إلا إصبع ... إلخ.

أخرجه محمد بن عاصم الثقفي الأصبهاني في "جزئه " (95/19) ومن طريقه: الذهبي في "السير" (9/528) والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/480) مختصراً من طريقين عنه. قلت: وهو- بهذا السياق- شاذ غريب؛ لتفرد إسرائيل به ومخالفته أولئك الثقات، وهو إن كان ثقة من رجال الشيخين، فقد تكلم فيه غير ما واحد من قبل حفظه، وأحد الطريقين المشار إليهما طريق يحيى بن آدم الثقة الإمام الفقيه، وقد ذكر ابن عدي في ترجمة إسرائيل عن يحيى هذا أنه قال: "كنا نكتب عنده من حفظه، وقد كان لا يحفظ، ثم حفظ بَعدُ". فالظاهر أن هذا الحديث حدث به من حفظه، فوهم. وقد فات هذا التحقيقُ المعلق على "السير"، فوثق رجاله فحسب، ولعله ألقي في نفسه شيء منه، ولذلك لم يتجرأ على تصحيح إسناده! وقال ثمة: "وقد نسبه الزرقاني في "شرح المواهب " (1/336) إلى ابن مردويه ". قلت: وظني أنه رواه من طريق ابن عاصم الثقفي. وذكر الزرقاني هناك أن البيت من إنشاء الصديق، وأن المصطفى تمثل به. فأقول: أما أنه من إنشاء أبي بكر؛ فلا دليل عليه، حتى لو فرض أن القصة صحيحة، وقد عرفت شذوذها؛ لأنه كما يحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - تمثل به، فهو محتمل بالنسبة للصديق أيضاً، ولا سيما وقد قيل: إنه من إنشاء الوليد بن الوليد ابن المغيرة في قصة الحديبية. وأما أن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - تمثل به؛ فهو ممكن، ولكن ليس بلازم؛ لأن من الجائز

3283

وقوع الكلام منه - صلى الله عليه وسلم - منظوماً من غير قصد إلى ذلك، ولا يسمى ذلك شِعراً، كما حققه الحافظ في "الفتح " (10/541- 542) ، فراجعه فإنه مهم. * 3283- (لا تزالون بخيرٍ ما دامَ فيكُم من رآني وصاحَبَنِي. والله! لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكُم من رأى من رآنِي وصاحبَ من صاحَبَني، والله! لا تزالون بخيرٍ ما دام فيكُم من رأى من رأى من رآني، وصاحب من صاحَبَ من صاحَبَنِي) . أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "المصنف" (12/178/4/12463) ومن طريقه: ابن أبي عاصم في "السنة " (2/ 630/1480) - والسياق له؛ وهو أتم-، والطبراني أيضاً عنه في "المعجم الكبير" (22/85/207) : حدثنا زيد بن الحُباب قال: ثنا عبد الله بن العلاء أبو الزبير الدمشقي قال: ثنا عبد الله بن عامر عن واثلة ابن الأسقع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله رجال "الصحيح "، وقال الحافظ في "الفتح " (5/7) . "أخرجه ابن أبي شيبة، وإسناده حسن ". قلت: وإنما لم يصححه؛ لأن زيد بن الحباب وإن كان من رجال مسلم؛ ففيه بعض الكلام من جهة حفظه، ولذلك قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق، يخطىء في حديث الثوري ". والخطب في مثله سهل، ولا سيما وقد توبع؛ فقال ابن السماك في "حديثه " (2/22/2) : حدثنا مُضَرُ بن محمد الأسَدي: ثنا صفوان بن صالح: ثنا الوليد بن

مسلم: ثنا عبد الله بن زيد: حدثني عبد الله بن عامر اليحصبى قال: سمعت واثلة ابن الأسقع به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات مسلسل بالتحديث، ومضر ابن محمد الأسدي؛ وثقه الخطيب (13/268- 269) . وهو بهذا التسلسل عزيز نفيس؛ فقد أخرجه ابن أبي عاصم (1482) ، والطبرانى من طريقين آخرين عن الوليد بن مسلم به دون تصريح اليحصبي بالسماع. وقد توبع زيد والوليد من إبراهيم بن عبد الله بن العلاء بن زيد قال: حدثني أبي به مختصراً. أخرجه الطبراني في "الكبير" وفي "مسند الشاميين " (1/452- 453) ، وعنه أبو نعيم في "المعرفة" (1/4/1) . وابراهيم هذا روى عنه أبو حاتم وسكت عنه (2/109/319) ، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/66) ، وأما النسائي فقال: "ليس بثقة"! ولا يضر هذا؛ فإنه متابع، ولذلك قال الهيثمي (10/20) : "رواه الطبراني من طرق، ورجال أحدها رجال الصحيح ". وذكره الحافظ العلائي في ".. من ثبتت له شريف الصُّحبة" (70/15) من رواية الوليد بن مسلم بسنده المتقدم معنعناً، ودون أن يعزوه لأحد؛ وقال: "واسناده صحيح ". ولم يزد محققه الدكتور عبد الرحيم القشقري- في تخريجه- على نقله قول الحافظ الهيثمي المذكور آنفاً! *

3284

3284- (ثكِلتكَ أمُّك [يا معاذُ] بن جَبَل! وهل يكبُّ الناسَ على مناخرِهم في جهنَّم إلا حصائدُ ألسنتِهم؟!) . أخرجه ابن البنَّاء في "جزء السكوت ولزوم البيوت " (57/5) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/127-128) من طريقين عن أبي أحمد الزُّبيري قال: حدثنا عمرو بن عبد الله النَّخعِيُّ قال: حدثنا أبو عمرو الشيباني عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله! أنؤاخذ بكل ما نتكلم به؟ فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عمرو بن عبد الله النخعي، وهو ثقة اتفاقاً، روى له البخاري في "الأدب المفرد"، كما في "تهذيب المزي "، و"تقريب العسقلاني "، ووقع في "تهذيب العسقلاني "مرموزاً له ب (خ) ! ويبدو أنه تحريف، والله أعلم. واعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث، - وهو الطرف الأخير من حديث طويل لمعاذ رضي الله عنه-؛أنني كنت خرجته من رواية الترمذي وغيره من طريق أبي وائل، وشهر بن حوشب، وميمون بن أبي شيبة مطولاً، يزيد بعضهم على بعض، وكلها معلولة بالانقطاع إلا رواية عن شهر، كما يأتي، خرجت ذلك في"الإرواء" (2/138-141) ، وبين عللها أيضاً المنذري في"الترغيب" (4/5- 6) ، ثم ابن رجب في "شرح الأربعين " (ص 196) ، وعقب عليها بقوله: "وله طرق أخرى كلها ضعيفة". فلما وقفت على هذا الإسناد لهذا الطرف؛ بادرت إلى تخريجه؛ لعزته وصحته خلافاً لتلك الطرق.

3285

ثم تابعت البحث، فوجدت له طريقاً أخرى من رواية مبارك بن سعيد- أخي سفيان بن سعيد-: ثنا سعيد بن مسروق عن أيوب بن كُريز عن عبد الرحمن بن غَنمٍ عن معاذ بن جبل ... الحديث مطولاً، وفيه الطرف. أخرجه الطبراني (20/73- 74) من طريقين عنه. وهذا إسناد رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛غير أيوب بن كريز هذا؛ فإنه لا يعرف إلا في هذه الرواية، ومع ذلك ذكره ابن حبان في " الثقات " (6/54) ! فهو مستور، فيقوى حديثه بمتابعة شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم به. أخرجه أحمد (5/ 235 و 236 و245) مطولاً ومختصراً. * مشروعية السلام على القارئ 3285- (تعلَّموا كتاب الله واقتنُوه، وتغنُوا به، فو الذِي نفسُ محمَّدٍ بيدهِ؟! لهُوأشدُّ تفلُّتاَ من المخاضِ من العُقُلِ) . أخرجه أحمد (4/ 150) ، والشجري في "الأمالي " (1/73) من طريق عبد الله بن يزيد: ثنا قُبَاث بن رزِين اللَّخمي قال: سمعت عُليَّ بن رَبَاح اللخمي يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: كنا جلوساً في المسجد نقرأ القرآن، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلَّم علينا، فرددنا عليه السلام، ثم قال: ... فذكره. ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 290/ 800) .. لكنه لم يسق لفظه. ثم أخرجه أحمد (4/153) ، والطبراني (800 و 802) من طرق أخرى عن قباث به.

وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وتابع قباثاً: موسى بن عُليِّ بن رباح عن أبيه به دون القصة. أخرجه ابن أبي شيبة (10/477) ، وعنه ابن حبان (1788- موارد) ، وأحمد (4/164) ، وابن نصر في "قيام الليل" (ص 56) ، والرُّوياني في"مسنده " (ق45/2) ، والطبراني أيضاً (801) من طريق ابن أبي شيبة. وقال الهيثمي (7/169) : "رواه أحمد والطبراني، ورجال أحمد رجال الصحيح ". قلت: وفي هذا الحديث من الفقه: مشروعية السلام على من كان جالساً يقرأ القرآن، ففيه رد على من قال بكراهة ذلك، وهذا مع كونه مجرد رأي " فهو مخالف لهذا الحديث، ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أفشوا السلام بينكم " (¬1) . وإذا كان قد صح إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي في مسجد قباء، ويرد عليهم إشارة بيده الكريمة؛ فمن باب أولى أن يشرع السلام على التالي للقرآن خارج الصلاة، ويكون الرد حينئذٍ لفظاً لا إشارة كما لا يخفى على أولي النهى، وإلى هذا ذهب النووي- رحمه الله-. وقد خرَّجت حديث الإقرار المشار إليه في "صحيح أبي داود" برقم (860) ، وفيما تقدم من هذا الكتاب برقم (186) ، وذكرت فيه عمل أحمد وإسحاق وابن العربي به. وتطرقت للسلام على القارئ والمؤذن، وأشرت إلى هذا الحديث، ولم يتيسر لي هناك تخريجه، والآن فقد وفق الله ويسر لي تخريجه؛ و (لكل أجل كتاب) . والله ولي التوفيق. ¬

(¬1) ورد من حديث البراء، وأبي هريرة، وابن عمرو، وأنس، فانظر كتابي الجديد "صحيح الأدب المفرد" (750- 752 و760) . *

3286

3286- (يُكتبُ في كلِّ إشارةٍ يشيرُ الرجلُ [بيده] في صلاتهِ عَشرُ حسناتٍ؛ كلَّ إِصبعٍ حسنةٌ) . أخرجه أبو عثمان البَحِيري في "الفوائد" (ق 39/2) ، والديلمي (4/ 344) من طريق ابن لهيعة عن عبد الله بن هُبيرة: أخبرني أبو مصعب المعافري: سمعت عقبة بن عامر ... مرفوعاً. ومن هذا الوجه أخرجه المؤمل بن إهاب في "جزئه " (98/26) ، وابن أبي الحديد السلمي في "حديث أبي الفضل السلمى" (4/2) ، إلا أنهما قالا: "عن أبي عُشَّانة" مكان: "أبي مصعب "، وباختصار شديد: "في كل إشارة في الصلاة عشر حسنات ". ويرجح الأول سنداً ومتناً: رواية الطبراني في "المعجم الكبير"من طريق أبي عبد الرحمن المقرئ عن ابن لهيعة: حدثني ابن هبيرة: أن أبا المصعب مِشرح بن هاعان المعافري حدثه: أنه سمع عقبة بن عامر الجهني به، والزيادة منه، إلا أنه في حكم المرفوع كما هو ظاهر؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي. وإسناده صحيح؛ فإن أبا عبد الرحمن المقرئ- وهو عبد الله بن يزيد المصري- من جملة العبادلة الذين سمعوا من ابن لهيعة قبل تغير حفظه، ومنهم عبد الله بن المبارك، ورواية الديلمي من طريقه، لكن فيه من لم أعرفه، وقد رواه معلقاً على الحاكم، وإليه عزاه السيوطي في "الجامع الكبير"؛ لكن قيده بقوله: ".. في (تاريخه) "، وعزاه فيه وفي "الجامع الصغير"أيضاً للمؤمَّل بن إهاب في "جزئه "! وفاته أن يعزوه للطبراني؛ مع أنه في "مجمع الزوائد"، وقال (2/103) : "رواه الطبراني، وإسناده حسن ".

3287

وكذا قال المناوي في "التيسير"، دون أن يعزوه لأحد. وأما في أصله "الفيض "؛ فقال: "قال البيهقي: وسنده حسن ". ويغلب على ظني أن (البيهقي) محرف من (الهيثمي) . (تنبيه) : لقد توهم بعض الفضلاء أن الحديث يعني: الإشارة بإصبعه السبابة وتحريكها في تشهد الصلاة، وأن له بكل تحريك عشر حسناتٍ! وهذا وهم محض، ويؤكده زيادة: (بيده) ، ولم يقل: (بإصبعه) ، ولذلك أورده الهيثمي في " باب رفع اليدين في الصلاة". أقول هذا مع العلم؛ بل والانتصار لثبوت التحريك في حديث وائل بن حجر، وقد صححه جمع من الأئمة دون أي مخالف، وعمل به الإمام أحمد وإسحاق وغيرهما، ولا عبرة بمن ضعفه من المعاصرين بحجة الشذوذ والمخالفة؛ فإنها حجة داحضة؛ لجهلهم وظنهم أن التحريك ينافي الإشارة، وليس كذلك؛ كما حققته في "تمام المنة" (218- 222) تحقيقاً قد لا تراه في غيره، ولله الفضل والمنة. * 3287- (من طلب الدُّنيا أضرَّ بالآخرةِ، ومن طلَبَ الآخرةَ أضرَّ بالدُّنيا! فأضِرّوا بالفاني للباقي) . أخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" (78/ 161) : أخبرنا هَدِيّة بن عبد الوهاب: أخبرنا الفضل بن موسى: أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "؛ على

3288

الخلاف المعروف في محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة بن وقاص المدني-، قال الذهبي في " الميزان ": "شيخ مشهور، حسن الحديث، مكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قد أخرج له الشيخان متابعة". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق له أوهام ". وله شاهد موقوف من حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-. أخرجه وكيع في "الزهد" (1/297- 298) ، ومن طريقه ابن أبي شيبة في "المصنف " (13/287-288) بسندٍ صحيحٍ عنه. وهناد في " الزهد " أيضاً (2/353- 354) بإسناد آخر رجاله ثقات. وله شاهد آخر مرفوع من حديث أبي موسى الأشعري بنحوه، كنت خرجته في الكتاب الآخر (5650) لانقطاعه مع ثقة رجاله، ثم وقفت على هذا الشاهد العزيز القوي، فسارعت إلى تخريجه هنا، ثم أشرت إليه هناك؛ ليكون القراء على بصيرة وعلم بما يَجِدُّ من العِلمِ؛ فإنه في تَقدُّمٍ لا يقبلُ الجُمود، وبالله تعالى التوفيق. * 3288- (ما مِن مُسلمٍ يبيتُ على ذِكر [الله] طاهراً، فيتعارُّ مِنَ الليل، فيسألُ الله خيراً مِن [أمرِ] الدُّنيا والآخرِة؛ إلاّ أعطاهُ إياه) . أخرجه الطيالسي في "مسنده " (77/563) : حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب قال: ثنا رجل عن معاذ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره نحوه. قال ثابت:

فقدم علينا الذي حدثنا شهر بن حوشب عنه، فحدثنا بهذا الحديث. قلت " هكذا وقع في "المسند": (رجل) لم يسم، وقد رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (469/805) من طريق الطيالسي؛ فقال: "عن أبي ظبية ". وقال: قال: ثابت: فقدم علينا أبو ظبية، فحدثنا بهذا الحديث عن معاذ. وهكذا أخرجه أبو داود في "سننه " (5042) ، وأحمد في "مسنده " (5/234 و241) ، والطبراني في"معجمه" (20/118/235) من طرق عن حماد بن سلمة به. ورواه ابن ماجه (3881) دون قول ثابت. قلت: وأبو ظَبية: هو السّلفِىُّ الحمصي، روى عنه جمع من الثقات غير ثابت البناني، فاقتصار الحافظ على قوله فيه: "مقبول "؛ غير مقبول! لا سيما وقد وثقه ابن معين وغيره، كما كنت ذكرت ذلك تحت الحديث (595) ، وأزيد هنا فأقول: قال المنذري في "الترغيب " (1/207) : "شامي ثقة". فحديث الترجمة- بالإسناد الثاني- عن حماد عن ثابت عن أبي ظبية- صحيح، وأما إسناده الأول- عن ثابت عن شهر عن أبي ظبية-؛ فضعيف، لكن يستشهد به لحال شهر المعروف. ومن هذه الطريق الصحيحة فقط: أخرجه ابن ماجه (3881) ، والأصبهاني في "الترغيب " (2/557/ 1330) ، وهو رواية لأ حمد (5/ 244) . (تنبيه) : لقد شتَّ نظر المعلق على الحديث في "موارد الظمآن " (1/287- طبع دمشق) عن حقيقتين اثنتين:

3289

الأولى: أنه حسن إسناده من طريق (شهر بن حوشب) ! وفاته أن إسناده من طريق (ثابت) صحيح ثابت. والأخرى: أنه جعلة شاهداً لحديث ابن عمر الذي عند ابن حبان (167- موارد) بلفظ: "من بات على طهارة بات في شِعاره ملك ... " الحديث! وليس فيه مما في هذا إلا فضل من بات طاهراً؛ فهو شاهد قاصر كما بينته عند تخريج الحديث رقم (2539) . والحقيقة الأولى قد فاتت المنذريَّ أيضاً؛ فإنه لم يذكره إلا من طريق شهر، مع أنه عزاه لأبي داود والنسائي، وابن ماجه. فظن أن رواية الأولين كرواية ابن ماجه عن شهر فقط، ومع ذلك فإنه أشار إلى تقوية الحديث بتصديره إياه بقوله: (عن) ، وكذلك قواه الحافظ بسكوته عنه في "الفتح " (11/109) ، وعزاه للثلاثة المذكورين دون أن يتعرض لبيان حال إسناده. * 3289- (كان بين آدمَ ونوحٍ عشرةُ قرونِ، وبين نوحٍ وإبراهيم عشرةُ قرونٍ) أخرجه الحاكم (2/262) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/139-145) ، وفي "المعجم الأوسط " (1/24/2/398- بترقيمي) من طريق أبي توبة الربيع بن نافع الحلبي: ثنا معاوية بن سلام: حدثني زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام يقول: حدثني أبو أمامة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله! أنبي كان آدم؟ قال: "نعم، مُعلَّمٌ مُكلَّمٌ ".

قال: كم بينه وبين نوح؟ قال: " عشرة قرون ". قال: كم كان بين نوح وإبراهيم؟ قال: " عشرة قرون ". قالوا: يا رسول الله! كم كانت الرسل؟ قال: "ثلاث مئة وخمسة عشر، جمّاً غفيراً". وقال الحاكم- والسياق له-: "صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وقال الطبراني: "تفرد به معاوية بن سلام ". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، كما أشار إلى ذلك الحاكم. وقال الهيثمي (8/210) : "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح؛ غير أحمد بن خليد الحلبي، وهو ثقة". قلت: هو ممن أكثر عنهم الطبراني في "المعجم الأوسط "، فروى له فيه ثمانين حديثاً (388- 468) ، وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/53) ، وقال فيه الحافظ الذهبي في "السير" (13/489) : "ما علمت به بأساً".

قلت: ومع هذا؛ فهو متابع عند الحاكم من الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي. وقد وجدت للشطر الثاني من حديث الترجمة شاهداً موقوفاً قوياً من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: "كان بين نوح وآدم عشرة قرون، كلهم على شريعة من الحق؛ فاختلفوا؛ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين، قال: وكذلك هي في قراءة عبد الله: (كان الناس أمة واحدة فاختلفوا) ". أخرجه الطبري في "تفسيره " (2/ 194) ، والحاكم (2/546- 547) وقال: "صحيح على شرط البخاري ". ووافقه الدهبي. قلت: كنت خرجت هذا الحديث من مصدر مخطوط فيما تقدم برقم (2668) ، ومن مصادر أخرى مطبوعة، لم يقع في بعضها الشطر الثاني من حديث الترجمة، فرأيت أن أبرزه هنا وأفرده بالتخريج، وأن أقويه بهذا الشاهد الصحيح عن ابن عباس؛ فإنه وإن كان موقوفاً رواية؛ فهو مرفوع دراية؛ فإنه في تفسير قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين) [البقرة: 213] ، وبخاصة أنه من رواية ترجمان القرآن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-، وفيه ما يؤكد رفعه، وهو قوله: "وكذلك هي في قراءة عبد الله.. " يعني: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وفيه فائدة هامة؛ وهي أن الناس كانوا في أول عهدهم أمة واحدة على التوحيد الخالص، ثم طرأ عليهم الشرك، خلافاً لقول بعض الفلاسفة والملاحدة؛ أن الأصل فيهم الشرك ثم طرأ عليهم التوحيد! ويبطل قولهم هذا الحديثُ وغيرهُ مما هو نصٌّ في نبوة أبيهم آدم عليه السلام، إلى أدلة أخرى كنت ذكرت بعضها في

3290

كتابي"تحذير الساجد" (ص 147- 150) ، فراجعه فإنه مهم. * 3290- (يا جابرُ! أمّا علمت أنّ الله عزّوجلّ أحيا أباك، فقال له: تمنَّ عليَّ، فقال: أُردُّ إلى الدُّنيا فأُقتلُ مرةً أُخرى! فقال: إنّي قضيتُ الحُكمَ: أنّهُم إليها لا يُرجعُون؟!) . أخرجه أحمد في "المسند" (3/361) من طريق محمد بن علي بن رُبيِّعةَ السُّلمي عن عبد الله بن محمد بن عَقيل عن جابر قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد حسن على الخلاف المعروف في (ابن عقيل) ، والذي استقر عليه رأي الحفاظ المتأخرين أنه وسط حسن الحديث، وبخاصة إذا توبع، كما يأتي. ومحمد بن علي بن ربيعة السلمي؛ وثقه ابن معين، وابن حبان (7/435) ، وقال أبو حاتم (278- 28/ 120) : "صدوق، لا بأس به، صالح الحديث ". قلت: وقد تابعه أبو حماد الحنفي عن ابن عقيل قال: سمعت جابر بن عبد الله به. أخرجه الحاكم (2/119- 120) ، وقال: "صحيح الإسناد". ورده الذهبي بقوله: "قلت: أبو حماد هو المفضل بن صدقة، قال النسائي: متروك ".

قلت: فيه خلاف، ولم يجرحه غير النسائي، وقول ابن معين فيه: "ليس بشيء"؛ إنما يعني أن أحاديثه قليلة جدّاً، كما قال ابن القطان الفاسي، فيما نقله الحافظ في "المقدمة " (ص 421) ، وأقره! وعندي في ذلك وقفة، لما ذكرته في بعض التعليقات على "الرفع والتكميل "، (ص 100) ، وعلى كل حال، فليس هو بجرح قوي، وقريب منه قول أبي حاتم (8/315- 316/1456) : "ليس بقوي، يكتب حديثه ". وقال أبو زرعة: "ضعيف الحديث ". ويقابل هؤلاء قول ابن عدي (6/410) : "روى عنه الكوفيون وغيرهم [من] الثقات، وما أرى بحديثه بأساً، وكان أحمد بن محمد بن سعيد (¬1) يثني عليه ثناءً تاماً ". وزاد في " الميزان " و" اللسان ": "وقال الأهوازي: كان عطاء بن مسلم يوثقه، وقال البغوي في "معجم الصحابة ": كوفي صالح الحديث ". قلت: فمثله يستشهد به على الأقل، إن لم يكن وسطاً حسن الحديث، والله سبحانه وتعالى أعلم. وتابع ابن عقيل طلحةُ بنُ خِراش قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: ... فذكره نحوه، وفيه: ¬

(¬1) هو الحافظ ابن عقدة، ووقع في"الميزان "و"اللسان ": (ابن شعيب) ! وهو تحريف.

"قال الرب تبارك وتعالى: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، قال: وأنزلت هذه الآية: (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً) الآية [آل عمران: 169] ". إسناده حسن؛ كما قال المنذري (2/ 191) ، وحسنه الترمذي (3010) والمزي، وصححه الحاكم (3/203- 204) ، وهو مخرج في"ظلال الجنة" (1/267- 268) . وللحديث شاهد ضعيف جدّاً، يرويه فَيضُ بن وَثِيق: ثنا أبو عُبَادة الأنصاري: أخبرني ابن شهاب عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر: ... فذكره دون الآية. أخرجه الحاكم (3/203) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/298) ، والبزار في " مسنده " (3/ 259) ، وقال: "لا يروى عن عائشة إلا من هذا الوجه، وأبو عباد (كذا) حدث عنه أبو داود، والقاسم بن الحكم (¬1) ، والفضل ". قلت: كذا وقع فيه (أبو عباد) ، وكذا في "الجرح والتعديل " (6/ 281/1559) . وفي "كنى البخاري " (54/468) كما في الإسناد: "أبو عبادة"، وكذا في "التهذيب"وفروعه، لكن البخاري لما ساق له حديثاً من طريق أبي داود الطيالسي وقع فيه: (أبو عباد) فالظاهر أنه خلاف قديم، واسمه: (عيسى بن عبد الرحمن بن فروة الزُّرَقي) ، وهو متروك. وأما الحاكم فقال: "صحيح الإسناد"! وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: فيض كذاب "! ¬

(¬1) الأصل: "أبو داود القاسم، والحكم، والفضل"! ولعل الصواب ما أثبته.

كذا قال! وهو في ذلك تابعٌ لابن معين، وغفل عن تعقُّبه إياه في "الميزان " بقوله: "قلت: قد روى عنه أبو زرعة وأبو حاتم، وهو مقارب الحال إن شاء الله تعالى". وأقره الحافظ في "اللسان "، وقالت: "وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه، وأخرج له الحاكم في "المستدرك " محتجّاً به، وذكره ابن حبان في (الثقات) [9/12] ". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/317) : "رواه الطبراني، والبزار من طريق الفيض بن وثيق عن أبي عبادة الزرقي، وكلاهما ضعيف ". ووقع في "المستدرك " و"التلخيص ": (أبو عمارة) ! فلعله لذلك لم يعله الذهبي به؛ لأنه لم يعرفه؛ فإنه محرف، والله أعلم. ومن التحريفات: أن (الفيض) وقع في "كشف الأستار": (الفضل) ! ولم يعرفه الشيخ الأعظمي، فقال "في تعليقه عليه: "كذا الأصل، وفي الزوائد: (الفيض) "! ذلك مبلغه من العلم! وبالجملة؛ فالحديث صحيح بهذه المتابعات والشواهد، ومع ذلك لم ينج من جناية ذلك الهدام عليه المسمى ب (حسان) ، فقد أنكره في تعليقه على "إغاثة اللهفان "، وقد رددت عليه في كتابي الذي أنا في صدد تعقبي فيه لما ضعفه من الأحاديث الصحيحة، وبينت أن له شواهد أخرى، تجاهلها كلها! عامله الله بما يستحق. *

3291

3291- (جُعلَت قُرُّة عَيني في الصَّلاةِ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/420/1012) : حدثنا حفص بن عمر الرُقِّي ومحمد بن الحسن بن كيسان المِصيصيُّ قالا: ثنا أبو حذيفة: ثنا سفيان عن زياد بن عِلاقة عن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد "أبو حذيفة اسمه: (موسى بن مسعود) ؛ قال الحافظ: "صدوق سيء الحفظ، وكان يصحف، وحديثه عند البخاري في المتابعات ". وقال الذهبي في "الميزان ": "صدوق إن شاء الله، يهم، تكلم فيه أحمد، وضعفه الترمذي، وقال ابن خزيمة: لا أحتج به ... ". قلت: لكن له شاهد قوي يرويه يحيى بن عثمان الحربي: ثنا هِقل بن زياد عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه العقيلي (4/ 420) ، والطبراني "المعجم الأوسط " (5772) ، وفي "المعجم الصغير" (ص 153- هند) ومن طريقه: الخطيب في "التاريخ " (12/ 371 و 14/190) . وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقد أعل بما لا يقدح، كما تقدم تحقيقه رقم (1107، 1809) . وإنما أعدته هنا شاهداً لحديث أبي حذيفة هذا. وقد جاء الحديث من طريق أخرى عن أنس. بأتم مما هنا، وهو مخرج في " المشكاة " (5261) ، و" الروض النضير" رقم (53) .

3292

ومن جور المسمى بـ (حسان) على السنة: استنكاره هذا الحديث! وقد رددت عليه فيما أنا في صدده رقم (141) ، وذكرت ثمة من صححه من الأئمة، ومنهم الحافظ ابن حجر العسقلاني. * 3292- (نَعَم، وإن كنت على نهر جار) . أخرجه الإمام أحمد (2/221) : ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحُبُلِيِّ عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بسعد وهو يتوضأ، فقال: "ما هذا السرف يا سعد؟! " قال: أفي الوضوء سرف؟! قال: ... فذكره. وأخرجه ابن ماجه (425) : حدثنا محمد بن يحيى: ثنا قتيبة به. قلت: وهذا إسناد حسن؛ حيي بن عبد الله مختلف فيه، وهو عندي أنه وسط حسن الحديث، وقد حسّن له الترمذي، وصحح له ابن حبان والحاكم والذهبي وغيرهم، وحسنت أنا- بدوري- فيما مضى عدة أحاديث، فانظر مثلاً "المشكاة" (593 1) ، و"الصحيحة" (1003 و 4 30 1) وغيرهما، وقال فيه ابن عدي (2/ 251) : "وأرجو أنه لا بأس به إذا روى عنه ثقة". قلت: وهذا الشرط بدهي، ويبدو- لأول وهلة- أنه هنا غير متوفر، لسوء حفظ ابن لهيعة الذي عرف به، وإن كان صدوقاً في نفسه، وهذا هو الذي كان حملني- تبعاً لغيري- على تضعيف الحديث من أجله في "إرواء الغليل " (1/ 171/ 140) قديماً، وفي غيره إحالة عليه.

3293

ثم بدا لي ما غير وجهة نظري في رواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة، وأن روايته عنه ملحقة في الصحة برواية العبادلة عنه، استفدت ذلك من ترجمة الحافظ الذهبي لقتيبة في "سير أعلام النبلاء"، وقد نقلت ذلك تحت الحديث المتقدم (2843) ، فلا داعي لتكراره. وبناءً على أن هذا الحديث من رواية قتيبة عن ابن لهيعة، فقد رجعت عن تضعيف الحديث به إلى تحسينه، راجياً من الله أن يغفر لي خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي، وأن يزيدني علماً وهدى. وهناك أثر ذكره البيهقي (1/197) عن هلال بن يساف قال: "كان يقال: في كل شيء إسراف، حتى الطهور؛ وإن كان على شاطىء النهر". وهلال هذا ثقة تابعي، فكأنه يشير إلى هذا الحديث، وإلى أنه كان مشهوراً بين السلف، والله أعلم. * 3293- (أما إنّهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكنهم كانوا إذا أحلّوا لهم شيئاً استحلّوه، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه، [فتلك عِبادتهم] ) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (4/1/106) والترمذي في "السنن " (309) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/92/218 و 219) ، وابن جرير في "التفسير" (10/ 80- 18) ، والبيهقي في "السنن " (10/116) من طريق عبد السلام بن حرب عن غُطَيْفِ بن أعين عن مصعب بن سعد عن عدي بن حاتم قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "يا عدي! اطرح هذا الوثن ".

وسمعته يقرأ في سورة (براءة) : (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) ، [فقلت: إنا لسنا نعبدهم] ؟! قال: ... فذكره. والزيادتان للبخا ري وغيره، والسياق للترمذي، وقال: "حديث [حسن] غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين؛ ليس بمعروف في الحديث ". قلت: فهو علة الحديث، وهي جهالة (غطيف بن أعين) ، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 311) برواية عبد السلام هذا فقط، وكذلك ذكره البخاري وابن أبي حاتم، وذكرا له في "التهذيب " راوياً آخر، وهو (إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة) ، ولكنه متروك. وأما قول الحافظ فيه: "قلت: وضعفه الدارقطني ". فأقول: ظن الدارقطني أنه هو (رَوح بن غطيف) ، بينه الذهبي بقوله في "الميزان ": "ضعفه الدارقطني وقال: روى عنه القاسم بن مالك المزني فقال: روح بن غطيف ". فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: أظن ذا آخر". فأقول: وعلى التفريق جرى البخاري وابن أبي حاتم ومن جاء بعدهما؛ فقد ترجما للأول (غطيف بن أعين) برواية عبد السلام عنه كما تقدم، ثم ترجما لروح ترجمة أخرى؛ فقال البخاري (2/1/308/1047) :

"روح بن غطيف الثقفي عن عمر بن مصعب، روى عنه محمد بن ربيعة؛ منكر الحديث.. ". ثم ساق له حديث (الدرهم) من طريق القاسم بن مالك عنه عن الزهري بسنده المتقدم في "الضعيفة" (148) ، ووقع فيه عند البخاري: (روح بن غطيف ابن أبي سفيان الثقفي) ، وهكذا وقعت ترجمته في كتاب "الضعفاء" لابن حبان (1/298) . وأما ابن أبي حاتم؛ فقال: "روح بن غطيف بن أعين الجزري، روى عن الزهري وعمرو- كذا- بن مصعب بن الزبير، روى عنه عبد السلام بن حرب والقاسم بن مالك المزني ومحمد ابن ربيعة، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: ليس بالقوي؛ منكر الحديث جدّاً". هكذا سمّى جده (أعين الجزري) ، فلا أدري هل هو محفوظ؛ فإني لم أره عند غيره، وكذلك قوله: "روى عنه عبد السلام بن حرب ... "؟ والباقي موافق لما عند البخاري وغيره. ثم رأيت حديث (الدرهم) في "علل الدارقطني " (8/43- 44) من طريق القاسم بن مالك المشار إليها آنفاً عن (روح بن غطيف) به. ثم ذكر أنه خالفه أسد ابن عمرو البجلي فقال: "عن غطيف "، وقال الدارقطني: "وهو روح بن غطيف كما قال القاسم بن مالك، وروح ضعيف ". قلت: ففيه إشارة قوية إلى أن صاحب حديث (الدرهم) إنما هو (روح بن غطيف) ، وليس (غطيف بن أعين) ، وأن روحاً في نفسه ضعيف، وأن (أسد بن عمرو) أخطأ في قوله فيه: (غطيف) مكان (روح) . وقد صرح بذلك في كتاب "السنن " (1/ 401) ، فقال عقب رواية القاسم بن مالك المذكورة:

"خالفه (أسد بن عمرو) في اسم (روح بن غطيف) ، فسماه (غطيفاً) ؛ ووهم فيه ". قلت: ومن هذا التحقيق يتبين: أولاً: أن (غطيف بن أعين) هو غير (روح بن غطيف) . ثانياً: وأن (روحاً) هذا هو الذي ضعفه الدارقطني، خلافاً لما نسبه إليه الحافظ كما تقدم نقله عنه، وأشار إليه الذهبي بقوله في " الكاشف ": " ليّنه بعضهم "؛ يشير إلى الدارقطني، وإنما ليَّن (روحاً) كما عرفت. ثالثاً: وأن ما نسبه الذهبي في "الميزان " إلى الدارقطني أنه قال في (روح) : "روى عنه القاسم ... "؛ وهمٌ على الدارقطني، وأن الذي روى ذلك عن القاسم إنما هو (أسد بن عمرو) كما صرح الدارقطني، فاغتنم هذا التحقيق؛ فقد لا تجده في مكان آخر. ويتبين مما سبق أن علة هذا الإسناد جهالة غطيف بن أعين التي أشار إليها الترمذي بقوله فيه: "ليس بالمعروف ". وحينئذ يرد السؤال التالي: كيف يلتقي تجهيله إياه مع تحسينه للحديث؟ وجوابي من وجهين: الأول: أن التحسين المذكور لم يرد في النسخة التي ننقل عنها، وإنما هي زيادة استفدتها من "تخريج الكشاف " للحافظ العسقلاني (75/108) ، و" الدر المنثور " للسيوطي (3/ 230) . والآخر: لعله من أجل الشاهد الذي يرويه أبو البختري قال:

"سئل حذيفة- رضي الله عنه- عن هذه الآية (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) ؛ أكانوا يصلون لهم؟ قال: لا، ولكنهم كانوا يحلون لهم ما حرم الله عليهم فيستحلونه، ويحرمون عليهم ما أحل الله لهم فيحرمونه، فصاروا بذلك (أرباباً) ". أخرجه عبد الرزاق في " التفسير" (1/272) ، والطبري والبيهقي في " السنن " - والسياق له- وفي "الشعب " (7/45) ، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (2/109) من طرق عنه. وهذا إسناد صحيح مرسل؛ فقد ذكروا أن (أبا البختري) - واسمه سعيد بن فيروز- عن حذيفة: مرسل. على أن الحافظ ذكر أنه أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن عطاء بن يسار عن عدي بن حاتم؛ فهو بمجموع طرقه حسن إن شاء الله تعالى، وقد أشار ابن كثير في "تفسيره " (2/348) إلى تقويته، ولكنه عزاه لأحمد أيضاً، ولعله يعني في غير "مسنده "؛ فإني لم أره فيه، ولا عزاه إليه غيره. وقد عزاه السيوطي إلى ابن سعد أيضاً وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ. وعزاه الحافظ لابن أبي شيبة وأبي يعلى والبيهقي في " المدخل " من هذا الوجه - يعني: الذي عند الترمذي-. وقال العلامة الآلوسي في "روح المعاني " عقب الحديث وأثر حذيفة: "ونظير ذلك قولهم: فلان يعبد فلاناً؛ إذا أفرط في طاعته، فهو استعارة بتشبيه الإطاعة بالعبادة، أو مجاز مرسل بإطلاق العبادة، وهي طاعة مخصوصة على مطلقها، والأول أبلغ، وقيل: اتخاذهم أرباباً بالسجود لهم، ونحوه مما لا يصلح

إلا للرب عز وجل، وحينئذ فلا مجاز، إلا أنه لا مقال لأحد بعد صحة الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. والآية ناعية على كثير من الفرق الضالة الذين تركوا كتاب الله تعالى وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لكلام علمائهم ورؤسائهم، والحق أحق بالاتباع، فمتى ظهر وجب على المسلم اتباعه، وإن أخطأه اجتهاد مقلده ". (تنبيه) : لقد اطلعت على موقفين متعارضين من مُعَلِّقُيْن على هذا الحديث، غفلا كلاهما عن خطأ نسبة تضعيف الدارقطني لـ (غطيف بن أعين) ، فجاءا بالعجب: أما أحدهما- وهو الأخ أبو الأشبال الزهيري-؛ فإنه بناءً على التضعيف المزعوم طلع علينا بشيء جديد، وهو أن (غطيفاً) مجهول الحال! لأنه روى عنه أسد بن عمرو والقاسم بن مالك! وهما إنما رويا عن (روح) ! وعليه قال: "فقد وثقه ابن حبان وضعفه الدارقطني، فلا أقل من أن يقال فيه: "لا بأس به "مثلأ"! وهذه تركيبة عجيبة، ظاهرة البطلان، لا حاجة لإطالة الرد عليها! وأما الآخر؛ فهو المدعو بـ (حسان عبد المنان) ؛ فإنه قال في تعليقه على "إغاثة اللهفان " (2/375) : "وهذا إسناد ضعيف، غطيف بن أعين ضعيف، وفيه جهالة"! فقوله: "ضعيف " يشير إلى تضعيف الدارقطني، ولا أصل له كما سبق، على أن جمعه بين وصفه بالضعف ووصفه بالجهالة جمع بين متناقضين، كما بينته في ردي عليه رقم (152) ! فلا داعي للإعادة. *

3294

3294- (لو أن رجلين دخلا في الإسلام فاهتجرا؛ لكان أحدهما خارجاً من الإسلام حتى يرجع. يعني: الظالم) . أخرجه البزار في "مسنده " (ص 245- زوائده) : حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد: حدثني أبي: ثنا شبيب عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال: "صحيح ". ولا أدري جزماً من القائل: "صحيح "؟ أهو البزار، أم الهيثمي صاحب " الزوائد"؟ ولعله أرجح؛ فقد قال في "مجمع الزوائد" (8/66) : "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". لكن وقع فيه موقوفاً لم يذكر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف "الترغيب "؛ فإنه وقع فيه (3/282) مرفوعاً كما في " الزوائد"، وقال: "ورواته رواة الصحيح " 0 وهو كما قالا، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ عبد الصمد وهو ابن عبد الوارث-؛ فلم أعرفه، لأنه لم يتبين لي من النسخة- وهي سيئة- أهو (شبيب) بالباء الموحدة بعد الشين أم (شعيب) بالعين المهملة، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فلم يظهرلي من هو؛ لكن من المحتمل أن يكون محرفاً من: "شعبة"؛ وهو شعبة بن الحجاج الثقة المشهور؛ فإنه من شيوخ عبد الصمد، ويروي عن الأعمش، فإن كان كذلك؛ فالسند من فوق البزار صحيح. لكن في النفس من تفرد البزار برفعه شيء؛ فإنه- مع حفظه- قد تكلموا

فيه، وقد أورده الذهبي في "المغني " " وقال: "صدوق؛ قال أبو أحمد الحاكم: يخطئ في الإسناد والمتن ". ولعل أصل الحديث موقوف على ابن مسعود، أخطأ فيه البزار أو غيره فرفعه؛ فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" (3/17/2) من طريق عصمة بن سليمان الخزاز الكوفي: نا محمد بن طلحة بن مُصَرِّف عن أبيه عن زيد بن وهب قال: قال عبد الله بن مسعود فذكره نحوه. ورجاله ثقات معروفون كلهم؛ غير عصمة بن سليمان؛ قال ابن أبي حاتم (3/2/21) : "روى عنه أبي، وسألته عنه؟ فقال: ما كان به بأس، كان أحمد بن حنبل في حانوته ". وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح؛ غير عصمة بن سليمان، وهو ثقة ". وقال المنذري: "رواه الطبراني موقوفاً بإسناد جيد". قلت: وهو كما قال لولا انقطاع فيه؛ قال في "التقريب ": " محمد بن طلحة بن مصرف كوفي صدوق له أوهام، وأنكروا سماعه من أبيه لصغره ". ثم ترجح عندي أن الراوي هو شعبة، وأن الحديث مرفوع؛ لأني وجدت ذلك في بعض المصادر الأخرى. وقد وجدت للبزار متابعاً، فرواه الحاكم (1/ 21- 22) من طريق علي بن

3295

العباس البَجَلي قال: ذكر عبد الوارث بن عبد الصمد قال: حدثني أبي: ثنا شعبة به. وأخرجه هو، وأبو نعيم في "الحلية" (4/173) من طريق جماعة عن ابن خزيمة قال: ثنا علي بن مسلم الطّوسي قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال. ثنا شعبة به. وقال أبو نعيم: "غريب من حديث الأعمش وشعبة، لم يرفعه إلا عبد الصمد". قلت: هو صدوق ثبت في شعبة؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، ولذلك قال الحاكم عقبه: "صحيح على شرط الشيخين، وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد ثقة مأمون، وقد خرجا له جميعاً غير حديث تفرد به عن أبيه وشعبة وغيرهما". ووافقه الذهبي. ولذا؛ فقد قررت نقله هنا إلى "الصحيحة"، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. * 3295- (ألا أدُلُّكم على مَن هو أشدُّ منه؟ (يعني: الصَّريعَ) رجل ظلمَه رجل، قكظم غيظه؛ فغلبه، وغلب شيطانه، وغلب شيطان صاحبه، (وفي رواية) : الذي يملك نفسه عند الغضب) . أخرجه البزارفي "مسنده " (2/438ـ 439/2053 و 54 0 2) - بالروايتين بإسناد واحد- من طريق شعيب بن بيان: ثنا عمران عن قتادة عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يرفعون حجراً، فقال:

"ما يصنع هؤلاء؟ ". فقالوا: يرفعون حجراً يريدون الشِّدة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أفلا أدلكم على ما هو أشد منه؟ - أو كلمة نحوها-: الذي يملك نفسه عند الغضب ". ثم ساق الرواية الأولى بلفظ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بقوم يصطرعون، فقال: "ماهذا؟ ". قالوا: يا رسول الله! هذا فلان الصريع؛ ما يصارع أحداً إلا صرعه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فذكره. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/68) : " رواهما البزار بإسناد واحد، وفيه شعيب بن بيان وعمران القطان، ووثقهما ابن حبان، وضعفهما غيره، وبقية رجالهما رجال الصحيح ". قلت: فالسند حسن، وكذا قال الحافظ في "الفتح " (10/519) . ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ". أخرجه الشيخان وغيرهما، وا بن حبان؛ ولفظه: "ليس الشديد من غلب الناس، وإنما الشديد من غلب نفسه ". وهو مخرج في التعليق على "صحيح الأدب المفرد" (500/989) . *

3296

3296- (لو فَعَل (يعني: أبا جهل) ؛ لأَخذتْه الملائكة عِياناً، ولو أنّ اليهود تمنَّوُا الموت، لماتُوا) . رواه البزار (3/40/2189) - والسياق له- وابن جرير (1/336و 0 3/ 65 1) من طريق زكريا بن عدي: ثنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عكرمة عن ابن عباس: قال أبو جهل: لئن رأيت محمداً - صلى الله عليه وسلم - لأطأن على عنقه، فقيل: هو ذاك، قال: ما أراه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وزكريا بن عدي ثقة من رجال مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين، فالإسناد صحيح. وتابعه أحمد بن عبد الملك: ثنا عبيد الله به. أخرجه أحمد (1/248) ولكنه لم يسق لفظه، وإنما أحال على لفظ قبله، وهو من رواية (فرات بن سلمان) الآتي. وكأنه- لذلك- خفي على الهيثمي فلم يعزه لأحمد، وقال (6/ 314) : "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". وعزاه الحافظ في "الفتح " (8/ 724) لابن مردويه مثل سياق البزار، وزاد بعد قوله: "لماتوا ": "ورأوا مقاعدهم من النار". وأما متابعة فرات؛ فقال لأحمد: ثنا إسماعيل بن يزيد الرقي أبو يزيد: ثنا فرات عن (الأصل: بن) عبد الكريم به، ولفظه:

قال: قال أبو جهل: لئن رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند الكعبة، لآتينَّه حتى أطأ على عنقه! قال: فقال: "لو فعل؛ لأخذته الملائكة عياناً، ولو أن اليهود تمنوا الموت؛ لماتوا ورأوا مقاعدهم في النار". ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لرجعوا لا يجدون مالاً ولا أهلاً ". وفرات: هو ابن سلمان، وهو ثقة. والراوي عنه إسماعيل بن يزيد الرقي؛ لم أعرفه، وادعى الحافظ في "التعجيل " أنه (إسماعيل بن عبد الله بن خالد الرقي) الذي في "التهذيب"! وخطأه في ذلك الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله-، لأمور ذكرها، وهي قوية، وانتهى إلى أنه غيره، وقال: "وأحمد يتحرى شيوخه، فلا يروي إلا عن ثقة، وعند ذاك صححنا حديثه ". كذا قال. والله أعلم. نعم؛ حديثه صحيح؛ فقد وجدت له متابعاً قوياً، فقال أبو يعلى في "مسنده " (4/471/2604) : حدثنا زهير: حدثنا عبد الله بن جعفر: حدثنا عبيد الله بتمامه مثل رواية (فرات) . وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه معمر عن عبيد الله به مختصراً جدّاً؛ ليس عنده إلا قوله: "لو فعل؛ لأخذته الملائكة عياناً ". أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره " (1/52 و 2/334) ومن طريقه البخاري (4958)

والترمذي (3348) - وصححه-، والنسائي في " السنن الكبرى " (6/518/ 11685) , والطبري (1/336) ، والبيهقي في " الدلائل " (2/192) ، وأحمد (1/368) ، كلهم عن عبد الرزاق به. وزعم المعلق على "الترمذي " أنه تفرد به؛ يعني دون البخاري وسائر الستة! وقال الحافظ عقب الحديث: "وزاد الإسماعيلي في آخره من طريق معمر عن عبد الكريم الجزري: قال ابن عباس: لو تمنى اليهود الموت؛ لماتوا، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً ". ولحديث الترجمة شاهد من حديث أبي هريرة قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم. فقال: واللات والعزى! لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، أو لأعفرن وجهه في التراب! قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي- زعم ليطأ على رقبته-! قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نار وهولاً وأجنحة! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو دنا مني، لاختطفته الملائكة عضواً عضواً". قال: فأنزل الله عز وجل- لا ندري في حديث أبي هريرة، أو شيء بلغه-: (كلا إن الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى. إن إلى ربك الرجعى. أرأيت الذي ينهى. عبداً إذا صلى. أرأيت إن كان على الهدى. أو أمر بالتقوى. أرأيت إن كذب وتولى (يعني: أبا جهل) . ألم يعلم بأن الله يرى) إلى آخر السورة.

3297

أخرجه مسلم (8/ 130) ، والنسائي- ببعضه- في "الكبرى " (6/518/ 11683) ، والطبري (0 3/ 65 1) ، والبيهقي (2/ 89 1) ، وأحمد (2/370) . * 3297- (مرَّ الملأ من قريش على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وعنده صهيب، وبلال، وعمار، وخباب، ونحوهم من ضعفاء المسلمين، فقالوا: يا محمد! اطردهم، أرضيت هؤلاء من قومك، أفنحن نكون تبعاً لهؤلاء؟ ! أهؤلاء منَّ الله عليهم من بيننا؟ ! فَلَعَلَّكَ إن طردتهم أن نأتيك! قال: فنزلت: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيِّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين)) . أخرجه أحمد (1/420) من طريق أسباط مختصراً نحوه، والبزار (3/48/2209) - والسياق له- من طريق ابن جرير في "التفسير" (7/137) ، كلاهما من طريق جرير بن عبد الحميد، وابن جرير أيضاً من طريق أبي زُبَيدٍ (الأصل: أبو زيد) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/268/ 10520) من طريق يزيد بن عبد العزيز- أربعتهم- عن أشعث- زاد البزار: ابن سوار- عن كردوس الثعلبي عن عبد الله بن مسعود قال: فذكره. وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو ضعيف؛ لضعف أشعث بن سوار عند الجمهور، وجزم بضعفه الحافظ في "التقريب ". وأما قول الهيثمي (7/ 21) : "رواه أحمد والطبراني. ورجال أحمد رجال " الصحيح "؛ غير كردوس، وهو ثقة"!

فهو من أوهامه، ويعود السبب في ظني إلى أمرين: الأول: أنه لم يقف على رواية البزار المصرحة بأن (أشعث) هو (ابن سوار) ، وليس من رجال "الصحيح " على ضعفه. والآخر: أنه توهم أن (أشعث) هذا هو (ابن أبي الشعثاء) ؛ فقد ذكروه في الرواة عن (كردوس الثعلبي) ، لكن الأربعة الذين رووا هذا الحديث عن (أشعث) ليس فيهم أحد روى عن (ابن أبي الشعثاء) ؛ فتعين أنه ليس به، وأنه (ابن سوار) . وللحديث شاهد يتقوى به؛ يرويه أسباط بن نصر عن السُّدِّي عن أبي سعد الأزدي- وكان قارئ الأزد- عن أبي الكنود عن خباب في قوله تعالى: (ولا تطرد الذين يد عون ربهم بالغداة والعشي) إلى قوله: (فتكون من الظالمين) قال: جاء الأقرع بن حابس التميمي، وعُيَيْنَة بن حصن الفزَاري، فوجدوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع صهيب وبلال وعمار وخباب قاعداً في ناس من الضعفاء من المؤمنين، فلما رأوهم حول النبي - صلى الله عليه وسلم - حقروهم، فأتوه فَخَلَوْا به وقالوا: ... الحديث نحوه بزيادة فيه. أخرجه ابن ماجه (27 1 4) ، وابن جرير (7/127) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/207-208) . ومن هذا الوجه رواه ابن أبي حاتم أيضاً؛ كما في "تفسير الحافظ ابن كثير"، وقال (2/135) : "وهذا حديث غريب؛ فإن هذه الآية مكية، والأقرع بن حابس وعُيَيْنَة إنما أسلما بعد الهجرة بدهر". قلت: والظاهر أن الوهم من أسباط بن نصر؛ فإنه وإن كان صدوقاً ومن رجال مسلم، فقد كان كثير الخطأ يغرب؛ كما قال الحافظ في "التقريب ".

وأبو سعد الأزدي وأبو الكنود؛ لم يوثقهما غير ابن حبان، ووثق الأخير منهما ابن سعد في "طبقاته "، وقال الحافظ في كل منهما: " مقبول ". ولم أجد لهما متابعاً في ذكر الأقرع وعيينة، فهو غير محفوظ. وقد جرى البوصيري في "الزوائد" على ظاهر ما قيل في رجال الإسناد، فقال: "إسناده صحيح، ورجاله ثقات، وقد روى مسلم والنسائي والمصنف بعضه من حديث سعد بن أبي وقاص "! قلت: قول ابن كثير عندي أرجح وأقوى؛ فإن سياق القصة يدل على أنها كانت في مكة والمسلمون ضعفاء، وحديث سعد الذي أشار إليه البوصيري يؤيد ذلك، فقال سعد: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ستة نفر, فقال المشركون للنبي: اطرد هؤلاء، لا يجترئون علينا. قال: وكنت أنا، وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) . أخرجه مسلم (7/127) - والسياق له-، والنسائي في "الكبرى" (. 6/340/ 11163) ، وابن ماجه (4128) ، وابن جرير (7/128) ، والحاكم (3/319) ، والبزار في "البحر الزخار" (4/ 61- 62) ، وأبو يعلى في "مسنده " (2/141/ 826) ، وعبد بن حميد في "المنتخب " (1/173/131) ، وابن حبان (14/535/6573 ـ المؤسسة) من طرق عن المقدام بن شريح عن أبيه عنه. وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي!

3298

قلت: وهو وهم من ناحيتين: إحداهما: استدراكه على مسلم، وقد أخرجه. والأخرى: تصحيحه على شرط البخاري؛ والمقدام وأبوه لم يحتج بهما البخاري. * كفارة وَأدِ البنات 3298- (أعتق عن كل واحدة منهن رقبة، قال: إني صاحب إبل؟ قال: فانحر (وفي رواية: فاهد إن شئت) عن كل واحدة بدنة) . أخرجه البزار (3/78/2280- كشف الأستار) ، والطبراني (18/333/ 863) ، والبيهقي (8/116) ، وكذا ابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" (4/478) ، وابن منده- كما في "الإصابة "- كلهم من طريق عبد الرزاق: أنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله تعالى: (وإذا الموؤدة سئلت) ، قال: جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! إني وأدت [ثماني] بنات لي في الجاهلية؟ فقال: ... فذكره، وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن عمر إلا من هذا الوجه، ولم يسنده عنه إلا عبد الرزاق عن إسرائيل، ولم نسمعه إلا من (الحسين) ، وقد خولف عبد الرزاق في إسناده عن إسرا ئيل ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير (الحسين) شيخ البزار، وهو (ابن مهدي الأبُلِّي) ؛ وهو ثقة عند ابن حبان (8/188) ، صدوق عند أبي حاتم (3/65/294) ، وأخرى له ابن خزيمة وابن حبان في "صحيحيهما".

وقد توبع خلافاً لما وصل إليه علم البزار، فقال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبو عبد الله الطهراني- فيما كتب إلي- قال: حدثنا عبد الرزاق: فذكره، كذا وقع عند ابن كثير، ليس فيه بيان من هو الذي كتب، وهو عند ابن منده من طريق محمد ابن عماد الظهراني: حدثنا عبد الرزاق.. قلت: هو محمد بن حماد (بالحاء المهملة) الطهراني (بكسر الطاء المهملة) من رجال ابن ماجه، ثقة، لم يصب من ضعَّفه؛ كما قال ابن حجر في "التقريب "، وهو نفسه أبو عبد الله المتقدم عند ابن أبي حاتم. وتابعهم (محمد بن مهدي الأبلي) عند البيهقي، وهو أخو (الحسين بن مهدي) المتقدم، وثقه ابن حبان أيضاً (9/99 و 122) ، وروى عنه أبو زرعة. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/134) : "رواه البزار والطبراني، ورجال البزار رجال "الصحيح "؛ غير حسين بن مهدي الأيلي (!) ، وهو ثقة ". قلت: وعليه ملاحظتان: الأولى: أن الطبراني رواه من طريق الحسين أيضاً، فقال: حدثنا عَبْدان بن أحمد: ثنا الحسين بن مهدي الأبلي ... فلا وجه لتخصيص (البزار) بالذكر كما هو ظاهر، و (عبدان بن أحمد) من الحفاظ المشهورين، ولعله أحفظ من (البزار) . والأخرى: أن الصواب في نسبة (الأبلي) : أنه بالموحِّدة المضمومة. كما وقع في "الطبراني "، وليس (الأيلي) بالمثناة التحتية كما وقع عند الهيثمي، وسكت عنه الأعظمي على عادته من قلة الانتباه والتحقيق!

3299

وبالموحدة قيده الحافظ في "التقريب "، تبعاً للحافظ عبد الغني في "مشتبه النسبة " وغيره، وانظر "تيسير الانتفاع ". وعلى ما تقدم؛ فإسناد الحديث جيد. وله طريق أخرى؛ يرويها قيس عن الأغر بن الصَّبَّاح عن خليفة بن حُصَيْن عن قيس بن عاصم ... نحوه. أخرجه الطبراني (رقم 868) ، والبيهقي، وابن أبي حاتم أيضاً. ورجاله ثقات؛ إلا قيساً- وهو ابن الربيع-، وهو ممن يستشهد به. وله شاهد مرسل قوي، يرويه معمر عن قتادة قال: جاء قيس بن عاصم التميمي ... الحديث. أخرجه عبد الرزاق في " التفسير" (2/ 351) ، وابن جرير (30/46) مختصراً. وأما قول البزار: "وقد خولف عبد الرزاق في إسناده عن إسرائيل "! فلم أعرف المخالف الذي يشير إليه، فالله أعلم. * 3299- (يتبعُ الميِّت إلى قبره ثلاثة: أهُله، ومالُه، وعملُه، فيرجعُ اثنان ويبقى واحدٌ، يرجعُ أهلُه ومالُه، ويبقى عملُه) . أخرجه أحمد (3/ 110) وابن المبارك في "الزهد" (224/636) والحميدي في "مسنده " (500/1186) - والسياق له- قالوا: ثنا سفيان: قال: ثنا عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:......فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح غاية متصل بالتحديث، وهو على شرط الشيخين، وقد أخرجاه كما يأتي: فقد أخرجه البخاري (11/362/6514) من طريق الحميدي، وكذا أبو نعيم في "الحلية" (10/4) ، والبغوي في "شرح السنة" (14/259/4056) من طريق البخاري، وكذا في "تفسيره " (8/518) ، وقال: "متفق على صحته ". وأخرجه من طريق أحمد: أبو نعيم أيضاً (7/ 310) ، وقال: "صحيح ثابت ". وأخرجه من طريق ابن المبارك: الترمذيُّ (0 238) ، وقال: "حديث حسن صحيح ". وأخرجه مسلم (8/ 211- 212) ، والنسائي (1/274) ، وابن حبان في "صحيحه " (5/42/3097) ، والحاكم (1/74) ، وأبو نعيم أيضاً (10/4) ، والبيهقي في "الزهد" (268/695) . وقال أبو نعيم أيضاً عقبه: "ثابت صحيح ". وتابعه قتادة عن أنس به مرفوعاً نحوه أتم منه، وقال في الأهل والمال: "فذلك أهله وحشمه ". رواه ابن حبان، والحاكم، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وجود إسناده الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " (3/233) ، وتقدم تخريجه برقم (2481) تحت حديث النعمان بن بشير بنحوه، وجود إسناده العراقي

أيضاً، وفيه أنه قال في الأهل والمال: "فذلك خدمه وأهله ". كما في "جامع المسانيد" (12/165/9503) ، و"مجمع الزوائد" (10/251) ، و"الترغيب " (4/ 100) ، وقال: "رواه الطبراني في "الكبير" بأسانيد أحدها صحيح ". و (الحشم) بمعنى: (الخدم) ، ففي " النهاية ": "الحشم- بالتحريك-: جماعة الإنسان، اللائذون به لخدمته ". قلت: فقوله في الحديث: "وماله " هو من إطلاق الكل وإرادة الجزء، وهو أسلوب معروف في القرآن والسنة واللغة، فمن الواضح أن المراد هنا عبيد الميت الذين كانوا يخدمونه، بل هو منصوص عليه في حديث النعمان وغيره، وقد قال ابن الأثير في "النهاية": "المال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان، وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل؛ لأنها كانت أكثر أموالهم ". قال: "وقد تكرر ذكر "المال " على اختلاف مسمَّياته في الحديث، ويفرق فيها بالقرائن ". قلت: والشواهد على ما ذكر من الكتاب والسنة- فضلاً عن اللغة- كثيرة جدّاً، كمثل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما يكفيك من جمع المال خادم، ومركب في سبيل الله ".

" المشكاة" (5185) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة الأنصاري- لما عزم على أن يتصدق بأحب أمواله إليه (بَيْرُحاء) -: "ذلك مال رابح " (مرتين) . البخاري (1461) . وحديث والد أبي الأحوص لما سأله - صلى الله عليه وسلم -: "هل عندك من مال؟ ". قال: من كل المال آتاني الله؛ من الإبل والغنم والخيل والرقيق. "غاية المرام " (63/75) . ومن هنا فسر العلماء قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الترجمة: "ماله ": "أي: عبيده "؛ جزم به العلامة أبو الحسن السندي في حاشيته على "النسائي ". وقال علي القارئ في "المرقاة" (5/23- 4 2) : "كالعبيد والإماء والدابة والخيمة ونحوها". وقال الحافظ في "الفتح " (11/365) : "قوله: "يتبعه أهله وماله " هذا يقع في الأغلب، ورُبَّ ميت لا يتبعه إلا عمله فقط، والمراد مَن يتبع جنازته من أهله ورفقته ودوابه على ما جرت به عادة العرب ". قلت: ونحوه اليوم خروج أقارب الميت؛ وفيهم أولاده في سياراتهم لتشييعه ودفنه.

لقد تعامى عن هذه الحقائق العلمية والتاريخية والواقعية: ذاك الطبيب البيطري (إسماعيل منصور المصري) ، وفسر- بجهله البالغ، وعناده المعادي للسنة- المال في الحديث بمعناه العام! ورَتب عليه جهلاً أكبر؛ وهو تكذيبه بالحديث وسخريته بالقائلين به، والمؤمنين بصحته، فقال: "وأبسط اختبار لكشف الكذب في هذا الحديث: أن نسأل الذين يؤمنون به قائلين: هل وجدتم حالة واحدة في العالم يتبع الميت فيها ماله؟؟ (!) نريد إجابة علمية واقعية، فنحن لم نر ولم نسمع عن ميت واحد- في تاريخ البشرية- تبعه ماله وهو متجه إلى القبر ... "، إلى آخر هرائه في تمام صفحتين، وختمه بقوله: "إنها الخرافة التي صاغتها الحكايات، وقصص الليل، وتصورات العجائز، وأمنيات السُّذج، وخيالات العوام "!! وأقول: لقد كنت- ولا أزال- أشكو من انحراف السقاف وحسان وأمثالهما عن السنة، وتضعيفهما للأحاديث الصحيحة، فلما وقفت على كلام هذا الدكتور البيطري كدت أن أنسى جنايتهما على السنة! ولست أشك أن مثله لا يعدو أن يكون أحد رجلين؛ إما عميلاً لجهة تعادي الإسلام، وتسخر لذلك بعض ضعفاء الإيمان لمحاربة الإسلام باسم الإسلام، وإما رجل أخرَقُ جاهل يظن أنه على شيء من العلم والفهم، وهو في الحقيقة من الذين (يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) ، أو من الذين قال الله فيهم: (لهم قلوب لا يفقهون بها..) ، وهذه الآية وإن كان المقصود بها الكفار والمشركين؛ فلمن سار مسيرتهم من المسلمين في نقد الأحاديث نصيب كبير منها، مثل المعتزلة قديماً، وأذنابهم حديثاً، كهذا الطبيب البيطري مثلاً، كيف لا، وهو يأتي إلى أحاديث صحيحة اتفق علماء المسلمين قاطبة على ثبوتها وتلقيها بالقبول؛ فيبطلها بجهله المركب، فيقع في وعيد قوله تعالى: (ومن

يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) [النساء: 115] . وليس يشك كل ذي عقل ولب حقاً، أن من خالف سبيل المؤمنين في أمر ما: أنه يكون أحد الرجلين المشار إليهما آنفاً، وأحلاهما مر؛ إذ ليس من المعقول يقيناً أن يكون هو محقاً فيما يبطل، وهم مبطلون فيما يقولون ويعتقدون، والله عز وجل يقول: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) [يونس: 32] ، وهنا يأتي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: هلك الناس؛ فهو أهلكهم ". رواه مسلم في "صحيحه ". ولا مجال الآن للإشارة إلى الأحاديث الأخرى التي أبطلها بعقله الكاسد، وجهله البالغ تحت عنوان: "أحاديث صحيحة السند فيها مخالفة صريحة للكتاب "! وحسب القارئ الكريم أن يعلم أن ذلك مما أودعه في مقدمة كتابه الذي أسماه "شفاء الصدر بنفي عذاب القبر" الثابت كتاباً وسنة وبإجماع أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، ويكفيك من المكتوب عنوانه! ومثله كتابه الآخر: "تذكير الأصحاب بتحريم النقاب " الذي أشار به في المقدمة المذكورة (ص 8) ، وهو فيها- كغيرها- مهذار، كثير الكلام والثناء على نفسه، وتفصيل القول في جهوده في دراساته التي حصّل بها كثيراً من الشهادات منها "شهادة الدكتوراه في الطب البيطري "! ولعل هذا هو مجال اختصاصه، فحمله حب الظهور إلى أن يكتب فيما لا يحسنه، مما لا يستطيع الخوض فيها إلا كبار العلماء والذين يخشون الله، والكتابان المذكوران يؤكدان أنه ليس منهم بسبيل، وهو مع ذلك (كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد) ! فاستمع إليه كيف يتفاخر في تأليفه للكتابين بقوله- مما نظن أنه ليس صادقاً فيه-: "وقد علم تبارك اسمه أني لم أخط فيهما حرفاً أو كتبت كلمة؛ إلا وتوضأت قبلها، وصليت ركعتين "!!

3300

ومن تجرأ على الله فنسب إليه ما لا يعلم- لأنه غير واقع- أحرى به أن ينسب إلى غيره من خلقه تعالى ما يخالف الواقع، فها هو (ص 20) ينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية أن الانتقاب للمرأة المحرمة غير جائز؛ لأنه يحدد معالم عظام وجه المرأة، وبالتالي يؤدي إلى الفتنة! وهذا كذب على الشيخ بقصد أو سوء فهم، وقد يجتمعان، وأقل ما يدل عليه أنه جاهل لا يفهم كلام العلماء؛ وليس الآن مجال بيان ذلك، والله المستعان! * 3300- (إني اتخذت خاتماً من وَرِقِ، ونقشْتُ فيه: "محمد رسول الله "، فلا ينقُشن أحد على نقشِه) . رواه البخاري (5877) ، ومسلم (6/ 51 1) ، وابن ماجه (3640) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/128) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 115) ، وأحمد (3/186- 187 و290) ، وأبو يعلى (3896 و 3936 و3943) ، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (1/475) من طرق عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك- رضي الله عنه-: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتماً من فضة، ونقش فيه: "محمد رسول الله " وقال: ... فذ كره. وله طريق آخر عن أنس: فقد روى عبد الرزاق في "المصنف " (19465) - وعنه أحمد (3/ 161) ، ومن طريقه: الترمذي (745 1) ، والبغوي (37 31) ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (115- 116) ، والبيهقي (10/182) ـ عن معمر عن ثابت عنه رضي الله عنه-: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صنع خاتماً من وَرِق؛ فنقش فيه: "محمد رسول الله "، ثم قال:

3301

"لا تنقشوا عليه ". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ولم أقل: "على شرط الشيخين "؛ لأن البخاري لم يخرج لمعمر عن ثابت في "صحيحه " إلا تعليقاً؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري " (ص 444- 445) ، بينما مسلم أخرج له هكذا. وفي "تحفة الأشراف " (1/ 150- 154) - للحافظ المزي- سوق أسانيد معمر على نسق ما أشار ابن حجر. ولحديث الترجمة شاهد عن ابن عمر؛ خرجته في "الإرواء" (818) . * 3301- (إنِّي لأعرف أصوات رُفقة الأشعريّين بالقرآن حين يد خلُون بالليل، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن باللّيل؛ وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهارِ؛ ومنهم حكيم: إذا لقي الخيل - أو قال: العدوَّ-، قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) . رواه البخاري (4232) ، ومسلم (7/ 171) ، وأبو يعلى في "مسنده " (7318) من طريق أبي أسامة: حدثنا بُريد بن عبد الله عن أبي بُردة عن أبي موسى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... نمذكره. "تنظروهم "؛ قال الحافظ في "الفتح " (7/487) : " أي: تنتظروهم ". قلت: وهو لفظ رواية أبي يعلى. *

3302

3302- (إنّي لأعرف غضبكِ ورضاكِ؛، قال: إنّك إذا كنت راضية، قلت: بلى، وربِّ محمد! وإذا كنت ساخطة؛ قلت: لا، وربِّ إبراهيم!) . رواه البخاري (5228 و 6078) ، ومسلم (7/135) من طريقين عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر القطعة الأولى منه. قالت: قلتُ: وكيف تعرف ذلك يا رسول الله؟ ! قال: ... فذكره القطعة الثانية منه. قالت: قلت: أجل، لا أهجر إلا اسمك. ورواه البخاري- أيضاً- في "الأدب المفرد" (403) ، وابن حبان (2117) ، والبغوي (2338) ، والبيهقي (10/27) ، وأحمد (6/61 و 213) ، وأبو يعلى (4893 و 4894) ، والطبراني في "الكبير" (23/ رقم: 119 و120 و121 و 22 1) ، والخطيب في "تاريخه " (3/61) ، من طرق عن هشام به. قلت: وخالف جميع الرواة عن هشام: عبَّاد بن عباد: فرواه أحمد (6/ 30) - ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (9/227) - عن عباد هذا عن هشام به.. لكنّه وهم في ضبط لفظه؛ فجعل القطعة الثانية منه بلفظ: "إذا غضبت؛ قلت: يا محمد! وإذا رضيت؛ قلت: يا رسول الله! ". وعباد: هو الأزدي العتكيُّ، وهو- على ثقته- يغلط؛ كما قال ابن سعد،

3303

وابن جرير، فيما نقله المزي في "تهذيب الكمال " (14/ 131) ، وقال الحافظ ابن حجر في " التقريب ": "ثقة، ربما وهم ". وهذا غلط ظاهر منه، والله تعالى أعلم. * 3303- (إنِّي لأعلم كلمة لو قالها؛ لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) . جاء من حديث سليمان بن صُردِ، ومعاذ، وابن مسعود، وأُبَيّ بن كعب: أما حديث سليمان بن صُرَد: فرواه البخاري في "صحيحه " (3282 و 6048و6115) , وفي "الأدب المفرد" (434) ، ومسلم في "صحيحه " (8/31) ، وابن أبي شيبة (8/533 و10/349- 0 35) ، وأحمد (6/ 394) ، وأبو داود (4781) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (392 و 393) ، وابن حبان (5692) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6488 و 6489) ، والبغوي في "شرح السنة" (333 1) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (2349 و2350) من طرق عن الأعمش قال: سمعت عدي بن ثابت يقول: حدثنا سليمان بن صُرَد قال: استبَّ رجلان عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجعل أحدهما يغضب، ويحمر وجهه؛ فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره. قال: فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أتدري ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آنفاً؟ قال: ... فذكره. فقال له الرجل: أمجنوناً تراني؟ !

تنبيهان: الأول: روى الحاكم الحديث في "مستدركه " (2/ 441) ، وفيه عنده زيادة (¬1) : فتلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) وصححه، ووافقه الذهبي! وهو كما قالا؛ لولا تفرد شيخ الحاكم- عبد الله بن محمد بن شاكر- بالزيادة عن سائر من رواه عن الأعمش؛ فهي شاذة. الثاني: روى ابن أبي عاصم الحديث في "الآحاد والمثاني " (2351) ؛ فجعل بين (عدي بن ثابت) و (سليمان بن صُرَد) : زر بن حُبيش!! ولا أراه إلا من أوهام شيخ شيخ ابن أبي عاصم- مهدي بن جعفر-؛ حيث رواه عن أبي معاوية عن الأعمش هكذا!! وهو "صدوق له أوهام "؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "التقريب ". وأما حديث معاذ: فرواه أبوداود (4780) ، والترمذي (3448) ، والنسائي في"عمل اليوم والليلة" (389و390) ، وابن السني (454) ، وابن أبي شيبة (8/534و10/ 350) ، وعبد بن حميد في "مسنده" (111- " المنتخب " منه) ، والطيالسي (570) ، وأحمد (5/ 240) من طرق عن عبد الملك بن عُمَير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... بنحوه. ¬

(¬1) أجمل السيوطي في"الدر المنثور" (5/365) بعزوه- بالزيادة- لجميع مصادر التخريج!

وقال الترمذي: " وهذا حديث مرسل؛ وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ بن جبل، مات معاذ في خلافة عمر بن الخطاب، وقُتل عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي ليلى غلام ابن ست سنين. هكذا روى شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ وقد روى عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عمر بن الخطاب، ورآه. وعبد الرحمن بن أبي ليلى يُكنى أبا عيسى، وأبو ليلى اسمه يسار. وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: أدركت عشرين ومئة من الأنصار، من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: وهذا مرويٌّ في كتاب "العلم " (رقم: 21- بتحقيقي) لأبي خيثمة؛ فانظره. أما حديث ابن مسعود: فرواه الطبراني في "الصغير" (2/ 91) و"الأوسط " (7022) ، ومن طريقه الخطيب في "تاريخه " (3/399) ؛ وفي إسناده ضعف ونكارة؛ من قبل أبي طَيْبَة- وهو عيسى بن سليمان-؛ إذ جعله عن ابن مسعود! وهو حديث معاذ. وهو مخرج عندي في "الروض النضير" (635) . أما حديث أبيِّ بن كعب: فقد رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (391) من طريق الفضل بن موسى عن يزيد بن زياد عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب ... نحوه.

3304

قلت: وهذا شاذ أو منكر، فالفضل بن موسى- على ثقته- قال الحافظ: "ربما أغرب "؛ فالحديث حديث معاذ من هذا الطريق. وقد أشار إلى هذا الإمام ابن كثير في "جامع المسانيد" (1/ 131) . (تنبيه) : اكتفى محقق "عمل اليوم والليلة " الدكتور فاروق حمادة بقوله في الحاشية: "هذا إسناد متصل "!! * 3304- (أهريقوا عليَّ من سبع قرب لم تُحْلَلْ أوكِيتُهنَّ؛ لعلّي أعهدُ إلى النّاس) . جاء من حديث عائشة، ومعاوية- رضي الله عنهما-: أما حديث عائشة؛ فله عنها طريقان: الأول: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: رواه البخاري (198 و 4442 و 5714) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (7183) ، والبغوي في "شرح السنة" (3825) ، والبيهقي في "سننه " (1/ 31) ، وفي "الدلائل " (7/173) ، وأبو يعلى في "مسنده " (4579) ، وابن سعد في "الطبقات " (2/232) من طرق عن الزُّهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عائشة قالت: لما ثَفُلَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشتد به وجعه؛ استأذن أزواجه في أن يُمَرَّض في بيتي، فأذن له، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجلين، تخُطُّ رجلاه في الأرض: بين عباس ورجل آخر- قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله بن عباس، فقال: أتدري من

الرجل الآخر؟ ! قلت: لا، قال: هو علي-، وكانت عائشة- رضي الله عنها- تحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال- بعدما دخل بيته، واشتد وجعه-: ... فذكره (¬1) . وأُجلس في مخضب لحفصة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم طَفِقْنا نصبُّ عليه تلك؛ حتى طفق يشير إلينا أن: "قد فعلتن " ثم خرج إلى الناس. ورواه مسلم (2/20- 21) ، وكذا البخاري (687) - مختصراً- من طريق موسى بن أبي عائشة عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة...... ضمن القصة نفسها بنحوه، ولكنه اقتصر على قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ضعوا لي ماء في المخضب ". الطريق الثاني: عن عروة: رواه ابن حبان (6599) ، والحاكم (1/ 45 1) ، وا بن خزيمة (258) ، والنسائي في"الكبرى" (7082) ، والدارمي (1/38) ، وعبد الرزاق (179) ، وأبو يعلى (4770) ، والطبراني في "الأوسط " (4 671) ، وابن عدي في "الكامل " (6/2438) من ثلاثة طرق عن عروة عن عائشة مرفوعاً، بلفظ: "صُبُّوا ... ". ورواه ابن خزيمة (258) ، وابن حبان (6596 و00 66) ، وأحمد (6/ 551 1 و228) ، والبيهقي (1/ 31) من طرق عن معمر عن الزهري عن عروة- أو عن عمرة- عن عائشة مرفوعاً بالشك. ¬

(¬1) ولفظه عند البخاري: "هريقوا" بغير همز؛ وهي رواية الأكثر، ووقع عند الأصيلي: "أهريقوا" بالهمز. أفاده الحافظ في "الفتح " (1/303) .

وهو اختلاف لا يضر؛ فعروة وعمرة ثقتان معروفان بالرواية عن عائشة رضي الله عنها. وشذت رواية الحاكم (1/144ـ 145) - وعنه البيهقي (1/ 31) -؛ إذ جعله من طريق عروة عن عمرة عن عائشة مرفوعاً!! وأما حديث معاوية: فرواه الطبراني في "الأوسط " (7017) من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري عن أيوب بن بشير قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان به مرفوعاً؛ فذكره بلفظ: "صبُّوا.. ". وعزاه الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/42) للطبراني في "الأوسط " و"الكبير"، ثم قال: "وإسناده حسن "! قلت: وعليه ملاحظتان: الأولى: أن رواية "المعجم الكبير" (19/ رقم: 792) مختصرة؛ ليس فيها حديث الترجمة. الثانية: أن في إسناده محمد بن إسحاق- وهو مدلس- وقد عنعنه. ثم تبين لي أنه مضطرب، وأن الصواب فيه حديث عائشة. فرواه الطبراني في "الأوسط " (5528) من طريق محمد بن إسحاق عن الزهري وأيوب بن بشير الأنصاري عن عروة بن الزبير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

3305

ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/408) من طريق الزُّبيدي عن الزهري عن أيوب بن بشير الأنصاري عن عَبَّاد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. والله تعالى أعلم. * 3305- (أول الآيات: طُلُوع الشمس من مغربها) . رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (8022) ، والخطيب في "تاريخ بغداد" (2/156و 5/24) ، وابن حبان في "المجروحين " (2/204) ، وابن عدي في "الكامل " (6/2047) , وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (5/365) من طريق طالوت ابن عبّاد عن فضال بن جُبَيْرِ عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وهذا إسناد ضعيف " فضال بن جبير؛ ضعفه أبو حاتم الرازي؛ كما في " الميزان ". وقال ابن حبان: "لا يحل الاحتجاج به بحال ". وقال الهيثمي في "المجمع " (8/9) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه فضالة بن جبير، وأنكر هذا الحديث "! قلت: أما أنه في "الأوسط "؛فلا؛ فلعل ما عند الهيثمي وهم، أو تصحيف! وفضالة: تصحيف من فضال المذكور! وقوله: "وأُنكر هذا الحديث "؛ لعله إشارة إلى صنيع ابن عدي في سياقه هذا الحديث من مناكير فضال هذا.

3306

ولكن الحديث صحيح بشاهده: فقد رواه مسلم عن عبد الله بن عمرو، وهو مخرج في تعليقي على " الطحاوية" (504) . * 3306- (أول شيء يأكله أهل الجنّة: زيادة كبد الحوت) . رواه الطيالسي (2051) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (6/252) قال: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وورد من طريق حُميد عن أنس- ضمن قصة إسلام عبد الله بن سلام- رضي الله عنه-، وفيه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ".. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة؛ فزيادة كبد الحوت ... ". رواه البخاري (3329 و 3938 و 4480) ، وابن حبان (7161) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (9074) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/125) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (336) ، وأحمد (3/108و 89 1) ، والبغوي في "شرح السنة" (3769) ، والبيهقي في "الدلائل " (2/528- 529) ، وأبو يعلى في "مسنده " (3856) من طرق عن حميد: حدثنا أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مَقْدَمُ النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء ... فذكر الحديث بطوله. ويظهر لي أن حديت أنس الأول هو نفسه حديث عبد الله بن سلام هذا، لكنه لم يذكر ابن سلام فيه- قَبْلُ- على ما هو معلوم من ائتمان الصحابة بعضهم بعضاً في الرواية.

ويؤيد هذا رواية عند أحمد (3/ 271) عن عفان: حدثنا حميد: أخبرنا ثابت وحميد عن أنس بن مالك ... فذكر قصة عبد الله بن سلام نفسها. فجمع هذا الإسناد رواية ثابت- الأولى-، ورواية حميد- الثانية- في سياق واحد. ورواه ابن حبان (7423) ، وأبو يعلى (3414) ، وأبو نعيم في " الدلائل " (ص 300) من طريق حماد، بهذا الإسناد. وله شاهد عن ثوبان: رواه مسلم (1/173) - ضمن قصة- بلفظ: .. قال اليهودي: فما تُحْفَتُهم حين يدخلون الجنة؟ قال: "زيادة كبد النون ". (تنبيه) : علق البخاري في "صحيحه " (11/415) لفظ حديث الترجمة قائلاً: "وقال أبو سعيد: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أول طعام يأكله أهل الجنة: زيادة كبد حوتِ ". فقال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق " (5/184) : "هذا طرف من حديث الشفاعة، وقد أسنده المؤلف- بطوله- في (التوحيد) ، وفي صفة الجنة أيضاً في (بدء الخلق) "! قلت: وليس هو في شيء من هذه المواضع!

3307

ولكنه ذكر عزوه- رحمه الله- على الصواب- في "الفتح " (11/419) في (باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة) ، ثم قال: "وهو مذكور هنا بالمعنى". يشير- رحمه الله- إلى حديث أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة.. "، وفيه: "ألا أخبرك بإدامهم- أي: أهل الجنة-؟ "، قال: "إدامهم بالام ونون ". قالوا: وما هذا؟ قال: "ثور ونون؛ يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفاً ". وهو في " الصحيح " برقم (6520) . ورواه- أيضاً- مسلم (8/ 128) . * 3307- (أول من يدعى يوم القيامة: آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك! فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول؛ يا رب! كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كل مئة تسعة وتسعين، فقالوا: يا رسول الله! إذا أخذ منا من كل مئة تسعة وتسعون؛ فماذا يبقى منّا؟! قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود) . رواه البخاري (6529) ، وأحمد (2/378) من طريق ثور عن أبي الغيث عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وثور: هو ابن زيد الديلي.

3308

واسم أبي الغيث: سالم؛ وهما ثقتان. وله شاهد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك! قال: يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسع مئة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، (وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديدة) " فاشتد ذلك عليهم، فقالوا: يا رسول الله! أيُّنا ذلك الرجل؟ قال: "أبشروا؛ فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل "، ثم قال: "والذي نفسي بيده؛ إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة "، قال: فحمدنا الله وكبرنا، ثم قال: "والذي نفسي بيده! إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم؛ كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرَّقْمَةِ في ذراع الحمار". رواه البخاري (6530) ، ومسلم (1/139-140) من طريق جرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وهو في "صحيح الجامع " (7998) ، وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (برقم 3250) . * 3308- (ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانَيه- إلا من عمل مثله-؟! تسبِّحون وتحْمَدون وتكبِّرون خلف كل صلاة ثلاثة وثلاثين) . جاء من حديث أبي هريرة، وأبي ذر، وأبي الدرداء، وابن عباس، وابن عمر: أما حديث أبي هريرة؛ فرواه عنه جماعة:

الأول: أبو صالح: رواه البخاري (843) ، ومسلم (2/97) ، وابن خزيمة (749) ، وابن حبان (2014) ، وأبو عوانة (2/271ـ 272) ، والطبراني في"الدعاء " (720 و 722) ، والبيهقي (2/186) من طرق عن سُمَيِّ عن أبي صالح عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: جاء الفقراء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى، والنعيم المقيم؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموالهم يحجُّون بها ويعتمرون، ويجاهدون ويتصدقون؟! قال: ... فذكره. فاختلفنا بيننا؛ فقال بعضنا: نسبّح ثلاثاً وثلاثين، ونحمَد ثلاثاً وثلاثين، ونكبّر أربعاً وثلاثين، فرجعت إليه، فقال: تقول: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر؛ حتى يكون منهن كلهن ثلاث وثلاثون. قلت: وهذا لفظ البخاري. وقد خالف جميع الرواة عن سُمَيِّ: ورقاء؛ فرواه البخاري (6329) ، والبغوي في "شرح السنة " (0 72) و" التفسير" (7/366) ، والبيهقي (2/186) ... فذكره، ".. فتسبحون في دبر كل صلاة عشراً، وتحمدون عشراً، وتكبرون عشراً ". وقال الإمام البخاري- عقبه-: "تابعه عبيد الله بن عمر عن سمي. ورواه ابن عجلان عن سمي ورجاء بن حيوة.

ورواه جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي صالح عن أبي الدرداء. ورواه سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: أما الأول: فقد تقدم تخريجه ضمن الرواة عن سمي في الإسناد الأول، وهو في "صحيح البخاري " نفسه. أما الثاني: فقد رواه مسلم (2/97) ، والبيهقي (2/186) من طريق ليث عن ابن عجلان به. ورواه الطبراني في "الأوسط " (5310) و"الصغير" (1094- بترتيبي وتخريجي) من طريق حيوة بن شريح عن محمد بن عجلان به، ولكنه جعل لفظه: ".. تسبحون الله دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدونه ثلاثاً وثلاثين، وتكبرونه ثلاثاً وثلاثين ". وهو مخرج في "الروض النضير" (1094) ، ونقلت فيه كلام الإمام النووي في قبول الزيادات الواردة في هذه الروايات، وخلاصة ذلك: أن يأتي بثلاث وثلاثين تسبيحة، ومثلها تحميدات، وأربع وثلاثين تكبيرة، ويقول معها: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له ... ) إلى آخرها. ورواه- هكذا- أيضاً أبو عوانة (2/ 271- 272) ، والطبراني في " الدعاء " (721) - ولم يسق لفظه- من طريقين عن محمد بن عجلان عن رجاء بن حيوة- وحده- عن أبي صالح به. أما الثالث- وهو حديث أبي الدرداء-؛ فسيأتي تخريجه مستقلاً- بعد-.

أما رواية سهيل: فقد أخرجها مسلم (2/97- 98) - مختصراً متنه- من طريق روح عن سهيل به. ورواه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (145) ، والبغوي في "شرح السنة " (717) من طريقين عن ابن عجلان عن سهيل به. الثاني من الرواة عن أبي هريرة: سعيد (¬1) : رواه أبو يعلى (6587) من طريق أبي معشر عن سعيد به. وأبو معشر: ضعيف؛ أسن واختلط؛ كما قال الحافظ في "التقريب ". الثالث من الرواة عن أبي هريرة: محمد بن أبي عائشة. رواه أبو داود (1504) ، والدارمي (1/312) ، وابن حبان (2015) ، وأحمد (2/238) من طريق الأوزاعي عن حسان بن عطية عن محمد بن أبي عائشة عن أبي هريرة قال: قال أبو ذر: يا رسول الله! ذهب أصحاب الدثور بالأجر ... فذكره بطوله. وإسناده صحيح، محمد بن أبي عائشة من رجال مسلم، ووثقه ابن معين، وقال ابن أبي حاتم: "ليس به بأس ". ثم رأيته مخرجاً في هذه "السلسلة" (رقم 100) ؛ فلينظر. ¬

(¬1) ويحتمل أن يكون ابن أبي سعيد المقبري، أو ابن المسيب، فكلاهما من شيوخ أبي معشر، ومن الرواة عن أبي هريرة؛ وإن كان الأول أرجح عندي، والله أعلم.

أما حديث أبي الدرداء: فقد رواه عنه ثلاثة: الأول: أبو عمر الصيني، ورواه عنه جماعة: رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (49 1) ، وعبد الرزاق (3187) ، وا بن أبي شيبة (10/235) ، والطبراني في "الدعاء" (708) من طريق الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عنه. ورواه النسائي (150و151) ، وابن أبي شيبة (10/235) ، وأحمد (6/446) ، وابن الجعد في "مسنده " (160) ، ومن طريقه: المزي في "التهذيب" (34/111) ، والطبراني في "الدعاء" (710و711) من طريق شعبة ومالك بن مغول عن الحكم عنه. ورواه الطبراني (712) من طريق ميمون بن أبي شبيب عنه. ورواه- أيضاً- الطبراني (713) من طريق يونس بن خباب عنه. الثاني: أبو صالح: رواه النسائي (47 1) ، وابن أبي شيبة (13/453) ، والطبراني في"الدعاء " (709) ، من طريق أبي الأحوص عن عبد العزيز بن رفيع عنه. ورواه الطيالسي (1235- ترتيبه) من طريق سلام عن عبد العزيز عنه. ورواه ابن أبي شيبة (13/453) ، والإسماعيلي- ومن طريقه: الحافظ ابن حجر في "التغليق " (5/143) - من طريق جرير عن عبد العزيز عنه.

الثالث: عبد الرحمن بن أبي ليلى: رواه المروزي في "زوائد الزهد " (1159) ، والطبرا ني (714) ، والبزار (3095- زوائده) من طريق ليث بن أبي سليم عن الحكم بن عتيبة عنه. ولقد روى الحديث: شريك عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي عمر عن أم الدرداء قالت: نزل بأبي الدرداء ... فذكرت الحديث ضمن قصة. رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (148) ، والطبراني في "الدعاء " (707) . وشريك؛ سيئ الحفظ. وأما أبو عمر- الراوي عن أبي الدرداء-؛ فقد روى عنه جماعة، ولم يوثق، وقال الحافظ ابن حجر: "مقبول، وروايته عن أبي الدرداء مرسلة ". قلت: لعل اعتماد الحافظ في هذا على رواية شريك؛ وفيه ما ذكرت! أما حديث أبي ذر: فقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (1125) ، ولْيُزَد على مصادره: ابن خزيمة (748) ، والحميدي (133) ، والمروزي في"زوائد الزهد" (1157) ؛ وزاد الأولان: "وعند منامك مثل ذلك ". وإسنادها صحيح.

(تنبيه) : عزا الحديث حسين أسد الداراني في تعليقه على "مسند الحميدي " لمسلم في "صحيحه "! فأقول: نعم؛ لكن من غير هذه الطريق. وقد تقدم ذكر رواية مسلم من طريق أبي هريرة، وفيها قصة عن أبي ذر. أما حديث ابن عباس: فقد رواه الترمذي (2/ 264- 265) ، والننسائي (1/199) ، وغيرهما؛ وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (2/260) ؛ حيث بينت ضعف سنده، وأن في متنه ما ينكر! أما حديث ابن عمر: فقد رواه البزار (3094) من طريق موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر ... فذكره بطوله، ثم قال البزار- عقبه-: "وعلته موسى بن عبيدة". وبه أعله الهيثمي في "المجمع " (10/101) . ثم رأيت للحديث طريقين مرسلين في "مصنف عبد الرزاق " (3181 و3185) عن عطاء، وعن قتادة. وخلاصة القول؛ أن الحديث صحيح جدّاً، وأن اختلاف بعض ألفاظه مما لا يؤثر فيه شيئاً. والحمد لله على توفيقه؛ وأسأله سبحانه المزيد من فضله. *

3309

3309- (بئسما جزيتيها! ليس هذا نذراً، إنما النذر ما ابتغي به وجه الله. قاله في امرأة أبي ذر التي نذرت: إن نجت من الكفار على راحلته - صلى الله عليه وسلم - أن تنحرها!) . أخرجه البيهقي في "سننه " (10/75) من طريق عبد الرحمن بن الحارث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن امرأة أبي ذر جاءت على (القصواء) راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أناخت عند المسجد، فقالت: يا رسول الله! نذرت لئن نجاني الله عليها لآكلن من كبدها وسنامها! قال: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد حسن، عبد الرحمن بن الحارث: هو المخزومي أبو الحارث المدني، قال الحافظ: "صدوق له أوهام ". وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: إسناده حسن، احتج به أحمد والبخاري والترمذي وغيرهم، وعلى ذلك جرى العلماء بعدهم في تخاريجهم، ولا عبرة ببعض الأحداث المتعلقين بهذا العلم الذين- لجهلهم بعلم الجرح والتعديل أولاً، ولعدم ثقتهم بعلم العلماء السابقين ثانياً- يضعفون الراوي لجرح قيل فيه، ولو كان مرجوحاً. وقد جاءت هذه القصة في "صحيح مسلم " وغيره من حديث عمران بن حصين بأتم مما هنا، كما رويت من حديث النواس بن سمعان عند الطبراني بإسناد

3310

واه، فيها بعض الزيادات المنكرة، ولذلك خرجته في "الضعيفة " (6549) ، وخرجت حديث عمران المشار إليه تحته، وليس فيه أن المرأة هي امرأة أبي ذر، وقد تقدم تخريج الحديث في هذه "السلسلة" (2859) ، ولكن ههنا فائدة زائدة. * 3310- (قوم يأتون من بعدكم، يأتيهم كتاب بين لوحين، يؤمنون به ويعملون بما فيه، أولئك أعظم منكم أجراً) . أخرجه البخاري في "أفعال العباد" (124/ 390- السلفية) ، والروياني في "مسنده " (33/720/ 1- 2) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 74 1/ 1) ، ومن طريقه: المزي في "تهذيب الكمال "، والهروي في "ذم الكلام " (ق 148/ 1) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (8/95/ 1) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني معاوية بن صالح عن صالح بن جبير أنه قال: قدم علينا أبو جمعة الأنصاري صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيت المقدس ليصلي فيه، ومعنا رجاء بن حيوة يومئذ، فلما انصرف خرجنا معه لنشيعه، فلما أردنا الانصراف قال: إن لكم علي جائزة وحقاً؛ أحدثكم بحديث سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: فقلنا: هاته يرحمك الله! قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا معاذ بن جبل عاشر عشرة، قال: فقلنا: يا رسول الله! هل من قوم هم أعظم منا أجراً؛ آمنا بك واتبعناك؟ قال: "ما يمنعكم من ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهركم، يأتيكم بالوحي من السماء؟! بل قوم ... " الحديث، والسياق للروياني.

قلت: وهذا إسناد جيد؛ على ضعف في عبد الله بن صالح كاتب الليث، إلا أن الحافظ قد استظهر من أقوال الأئمة فيه: أن ما يجيء عنه من رواية أهل الحذق كيحيى بن معين والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم؛ فهو من صحيح حديثه؛ فإن هذا من حديث البخاري عنه. وقد توبع؛ فقال أحمد (4/106) : ثنا أبو المغيرة قال: ثنا الأوزاعي قال: حدثني أسيد بن عبد الرحمن قال: حدثني صالح بن محمد قال: حدثني أبو جمعة قال: تغدينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح قال: فقال: يا رسول الله! أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: ... فذكره مختصراً بلفظ: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ". ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (4/85) ، والطبراني. وأخرجه أبو يعلى في "مسنده " (3/128) ، وابن عساكر من طرق أخرى عن الأوزاعي به. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وقال الحافظ (7/6) : " إسناده حسن " ولأسيد بن عبد الرحمن شيخ آخر، فقال أسيد: عن خالد بن دُريك عن أبي محيريز قال: قلت: لأبي جمعة- رجل من الصحابة-: حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم، أحدثكم حديثاً جيداً.....فذكره. أخرجه أحمد، وكذا الدارمي في "سننه " (2/308) ، قالا: تنا أبو المغيرة:

ثنا الأوزاعي به. وأخرجه الطبراني، وابن منده في "الإيمان " (2/372) . وأخرجه ابن سعد في "الطبقات " (7/508- 509) ، وابن منده، وابن عساكر من طرق أخرى عن الأوزاعي به. وله طريق ثالث عن صالح بن جبير؛ رواه ضمرة بن حبيب عن مرزوق بن نافع عنه مختصراً. أخرجه الطبراني، والهروي، وابن قانع في ترجمة أبي جمعة من "معجم الصحابة"، وابن عساكر أيضاً. ورجاله ثقات؛ إلا مرزوق بن نافع، فلا يعرف إلا بهذه الرواية، وبها ذكره ابن حبان في "الثقات " (9/189) . وقال ابن منده عقب رواية (أسيد) : "وروى هذا الحديث عن صالح بن جبير: معاوية بن صالح ومرزوق بن نافع وغيرهما، وهذا إسناد صحيح مشهور". (تنبيه) : اختلفت روايات الحديث- كما مر- في سؤال الصحابة؛ هل كان بلفظ: "أعظم أجراً"؛ كما في رواية عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن صالح بن جبير؟ أم بلفظ: "خير منا"؛ كما في رواية أسيد بن عبد الرحمن ومرزوق بن نافع عن صالح؛ فذكر الحافظ في "الفتح " (7/7) أن اللفظ الأول أقوى، والظاهر أنه يعني من

3311

حيث المعنى، وإلا؛ فاللفظ الآخر هو الأقوى؛ لاتفاق اثنين عليه كما رأيت، ولا سيما ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل أمتي كالمطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره؟ ". وهو حديث صحيح، كما تقدم بيانه مفصلاً برقم (2286) . * 3311- (ما من شيء إلا يعلم أنّي رسول الله؛ إلا كفرة أو فسقة الجن والإنس) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/261 /672 و25/306/54) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/22) من طريق شريك عن عمر بن عبد الله بن يعلى بن مرة عن أبيه عن جده قال: رأيت من النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي: أ- كنت معه في طريق مكة، فمر على امرأة معها ابن لها به لمم، ما رأيت لمماً أشد منه، فقالت: يا رسول الله! ابني هذا كما ترى؟ قال: "إن شئت دعوت له "، فدعا له، ثم مضى. ب- فمر عليه بعير مادً جرانه يرغو، فقال: "علي بصاحب هذا"، فقال: "هذا يقول: نُتِجْتُ عندهم واستعملوني؛ حتى إذا كبرت أرادوا أن ينحروني "، ثم مضى. ج- فرأى شجرتين متفرقتين، فقال لي: "اذهب فمرهما؛ فلتجتمعا ".

فاجتمعتا فقضى حاجته، وقال: "اذهب فقل لهما يتفرقا"، ثم مضى. فلما انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الصبيان، وقد هيأت له أمه ستة أكبش، فأهدت له كبشين، وقالت: ما عاد إليه شيء من اللمم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ شريك- وهو ابن عبد الله النخعي-؛ ليس بالقوي لسوء حفظه. وعمر بن عبد الله بن يعلى؛ ضعيف؛ كما في "التقريب ". قلت: ومثله أبوه عبد الله؛ قال ابن حبان في "الضعفاء" (2/25) : "لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد؛ لكثرة المناكير في روايته، على أن ابنه واه أيضاً، فلست أدري: البلية فيها منه أو من أبيه؟! ". وقال العقيلي في "الضعفاء" (2/319) : "فيه نظر". ثم ذكر الحديث من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن عبد الله بن يعلى قال: حدثني أبي ... قلت: فساق القصة الأولى ببعضها نحوه، وقال: "وذكر الحديث، ويروى من طريق أصلح من هذا". قلت: أخرجه أحمد (4/170- 73 1) ، والطبراني رقم (680) ، والبيهقي (6/ 20- 24) من طرق أخرى عن يعلى؛ أحدها عند الحاكم (2/617- 618) من

طريق الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى به، دون حديث الترجمة. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي! وفيه انقطاع كما يأتي. والحديث أعله المناوي بـ (علي بن عبد العزيز) أيضاً قائلاً: "فإن كان البغوي؛ فقد كان يطلب على التحديث، أو ابن الحاجب؛ فلم يكن في دينه بذاك، أو الجناب؛ فغير ثقة"! قلت: هذه جعجعة لا طحن فيها، فهو الحافظ البغوي دون ريب؛ فإنه شيخ الطبراني فيه، وطلبه على التحديث عيب لا يجرح به، ولذلك كان حجة عند جميع المحدثين، كما لا يخفى على أهل العلم، على أنه قد توبع عند البيهقي والحاكم. وأما إنكاره على السيوطي تصحيحه للحديث؛ فغير وارد إلا على إسناده، ثم هو على ما ذكره من رمز السيوطي لصحته، ورموزه مشكوك في صحة نسبتها إلى السيوطي، كما كنت حققته في مقدمة "صحيح الجامع " و"ضعيف الجامع "، فارجع إلى أحدهما إن شئت. لكن الحديث صحيح بطرقه وشاهده الآتي الإشارة إليه، وقد ألمح إلى تقويته العقيليُّ كما تقدم. وقد أخرجه الطبراني (679) من طريق يحيى بن عيسى عن الأعمش عن المنهال بن عمرو قال: حدثني ابن يعلى بن مرة عن أبيه قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأيت منه ثلاثة أشياء عجيبة، قال ... قلت: فذكرها دون حديث الترجمة، وقد ساقه الحافظ ابن كثير في "شمائل

البداية" (4/ 140) مع طرف أخرى عن يعلى ليس فيها حديث الترجمة، وقال عقبه: "فهذه طرق جيدة متعددة، تفيد غلبة الظن أو القطع- عند المتبحرين- أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة". وقال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 221) : "والأحاديث في أعلام نبوته أكثر من أن تحصى، وقد جمع قوم كثير كثيراً منها، والحمد لله، ومن أحسنها- وكلها حسن- ما حدثنا ... " ثم ساق طريق الأعمش عن المنهال عن يعلى المتقدم. وقد خرج طرقه إليه أخونا الفاضل حمدي السلفي في تعليقه على "المعجم " (22/264- 266) ، وتكلم على رواتها، وإن كان لم يتعرض لبيان الفرق بين متونها، وما فيها من الزيادات كحديث الترجمة هذا؛ لأن مجال التعليق ضيق كما هو ظاهر. وشاهده الذي تقدمت الإشارة إليه كنت خرجته قديماً في المجلد الرابع من هذه السلسلة (1718) بسند حسن من حديث جابر- رضي الله عنه-، من طريقين عن الأجلح عن الذيّال بن حرملة عنه، رواه أحمد وغيره. ثم رأيته من رواية أبي بكر بن عياش عن الأجلح به؛ إلا أنه قال: "عن ابن عباس.. ": مكان "جابر بن عبد الله ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/155/12744) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 30) . وقال الهيثمي (9/ 4) : "رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف ".

3312

كأنه يشير إلى (الأجلح) ، وهو صدوق كما قال الحافظ، وفيه كلام يسير، وقال ابن كثير في "البداية" (4/136) : "وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدّاً، والأشبه رواية الإمام أحمد عن جابر؛ اللهم إلا أن يكون الأجلح قد رواه عن الذيّال عن جابر، وعن ابن عباس، والله أعلم ". قلت: وأنا أرى أنه إذا كان هناك خطأ؛ فهو من أبي بكر بن عياش؛ فإن فيه ضعفاً من قبل حفظه، مع كونه من رجال البخاري. * 3312- (ليحْملَنّ شرار هذه الأمّة على سَنَنِ الذين خلَوا من قبلهم- أهل الكتاب- حذو القُذَّةِ بالقُذَّة) . أخرجه أحمد (4/125) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/338/7140) ، وابن عدي (4/ 40) من طريق عبد الحميد بن بَهرام قال: ثنا شهر بن حوشب: حدثني ابن غنم أن شداد بن أوس حدثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد؛ فإن شهراً مختلف فيه، وبعضهم يحسن حديثه، وبخاصة من رواية عبد الحميد بن بهرام عنه. وقال الهيثمي في "المجمع " (7/261) : "رواه أحمد والطبراني، ورجاله مختلف فيهم ". وله شواهد كثيرة، أذكر المتيسر منها: الأول: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل، لتركبن طريقتهم حذو القُذة بالقذة، حتى لا

يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله، حتى إن القوم لتمر عليهم المرأة، فيقوم إليها بعضهم فيجامعها، ثم يرجع إلى أصحابه؛ يضحك إليهم ويضحكون إليه". أخرجه الطبراني في "الكبير" (10/47/9882) : حدثنا إبراهيم بن نائلة الأصبهاني: ثنا عُبَيْدُ بن عَبِيدَةَ التَّمَّارُ: ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه- أراه- عن ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن هُزيل عن عبد الله به. وقالت الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفه "! كذا قال! وذلك ما أحاط به علمه، وكلهم معروفون: ا- إبراهيم بن نائلة الأصبهاني، ترجمه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/188- 89 1) ، وساق له أحاديث، وأرخ وفاته سنة (291) . وروى له الطبراني في " الأوسط " (1/ 3081- 3084) أربعة أحاديث أخرى، وآخر في " الصغير" (275- الروض النضير) . 2- عُبَيْدُ بن عَبِيدَة التَّمَّار، ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 431) ، وقال: "يُغرِب ". ووثقه غيره، وروى عنه جمع، انظر "اللسان "، وقد- توبع كما يأتي. 3- ومن فوقه، ثقات من رجاله "الصحيح "؛ غير ليث- وهو ابن أبي سليم-، وهو صدوق، ولكنه كان اختلط. ومن طريقه: أخرجه البزار (3/ 321/2846) من رواية عمرو بن عاصم: ثنا المعتمر بن سليمان ... بطرفه الأول، ولفظه: "أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل؛ سمتاً، وسِمَةً، وهدياً ".

وقال الهيثمي (10/ 70) : "رواه البزار، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح "! وهذا من أوهامه المتكررة، يرمي ليثاً بالتدليس! وإنما علته الاختلاط، وقد سبق التنبيه على ذلك مراراً، والغريب في كل ذلك أن الشيخ الأعظمي يُقره! وقد خالف سفيان الثوري ليثاً، فرواه عن ابن مسعود موقوفاً، فقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (15/102/19225) : حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس عن هُزيل قال: قال عبد الله: أنتم أشبه الناس سمتاً وهدياً ببني إسرائيل، لتسلكن طريقهم حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، قال عبد الله: إن من البيان سحراً. قلت: وهذا إسناد صحيح موقوف، ولكنه في حكم المرفوع؛ فإنه من الغيبيات التي لا تقال بالاجتهاد والرأي، ويؤيده أن قوله: "إن من البيان سحراً" قد صح مرفوعاً عن جمع من الصحابة؛ كابن عمر وغيره، وسبق تخريجه برقم (1731 و2851) . ثم روى ابن أبي شيبة عن أبي البختري قال: قال حذيفة: لا يكون في بني إسرائيل شيء إلا كان فيكم مثله. فقال رجل: فينا قوم لوط؟! قال: نعم، وما ترى بلغ ذلك لا أم لك؟! وإسناده حسن؛ لولا أنه منقطع بين أبي البختري- واسمه سعيد بن فيروز- وحذيفة.

ثم رواه بسند صحيح عن أبي البختري به نحوه، وفيه: فقال رجل: تكون فينا قردة وخنازير؟! قال: وما يبريك من ذلك لا أم لك؟! وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه " (11/369/20765) من طريق قتادة أن حذيفة قال: لتركبن سنن بني إسرائيل حذو القذة بالقذة، وحذو الشراك بالشراك، حتى لو فعل رجل من بني إسرائيل كذا وكذا؛ فعله رجل من هذه الأمة، فقال له رجل: قد كان في بني إسرائيل قردة وخنازير؟! قال: وهذه الأمة سيكون فيها قردة وخنا زير. ورجاله ثقات؛ لكنه منقطع. الثاني: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسي بيده! لتركبن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل ". أخرجه الطبراني (6/251/6017) من طريق ابن لهيعة: حدثني بكر بن سوادة عنه. ورجاله ثقات ورواه عن ابن لهيعة يحيي بن إسحاق السَّيْلَيحني وهو من قدماء أصحابه. وقد جزم بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عبد البر في "التمهيد" (5/45) ، وكأنه لشواهده. ومن طريقه: أخرجه أحمد (5/340) بلفظ: "والذي نفسي بيده! لتركبن سنن من قبلكم مثلاً بمثل ".

وله طريق أخرى؛ يرويه النضر بن محمد الجرشي: ثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن عثمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعاً بلفظ: "لتتبعن سنن من كان قبلكم؛ شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم ". قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: "فمن إلا اليهود والنصارى؟! ". أخرجه الطبراني (6/229/5943) ، والروياني في "مسنده " (ق 182/2) . وقال الهيثمي- بعد لفظ أحمد المختصر-: "رواه أحمد والطبراني بنحوه، وزاد..، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة؛ وفيه ضعف، وفي إسناد الطبراني يحيى بن عثمان عن أبي حازم، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "! قلت: وعليه ملاحظتان: الأولى: فاته رواية ابن لهيعة عند الطبراني باللفظ الأول. والأخرى: أن يحيى بن عثمان مترجم في الكتب الثلاثة: "تاريخ البخاري "، و"الجرح والتعديل "، و"ثقات ابن حبان " وغيرها؛ مثل "الضعفاء" للعقيلي، وساق له هذا الحديث، وقال (4/419) : "هذا يروى بغير هذا الإسناد من طريق أصلح من هذه ". وقال البخاري: "حديثه ليس بالقائم ".

وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي، وهو مجهول ". يعني: مجهول العين؛ لأنهم لم يذكروا له راوياً غير عكرمة بن عمار. وأما قول الذهبي في "الميزان ": "وعنه: النضر بن محمد وغيره "! فهو سبق بصر أو قلم منه، ولم ينبه عليه الحافظ في "اللسان "؛ فإن النضر هذا إنما روى عن عكرمة بن عمار؛ كما رأيت في الإسناد. قلت: فالعجب من الهيثمي كيف لم يعرفه؟! وهو مترجم في هذه المصادر، وأعجب من ذلك أنه في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان "!! فتعالى الله، (لا يضل ربي ولا ينسى) . والطريق الأصلح التي أشار إليها العقيلي في قوله المتقدم؛ لا أدري بالضبط ما يعني بها؛ فإنه قد صح من حديث أبي سعيد الخدري عند الشيخين، وأبي هريرة عند مسلم، وابن عمرو عند ابن أبي عاصم في "السنة"، وهي مخرجة في "ظلال الجنة" (1/36- 37/72- 75) ، ومن حديث ابن عباس عند الحاكم وغيره، وقد مضى تخريجه برقم (1348) بنحو حديث يحيى بن عثمان، وانظر لفظه في "صحيح الجامع الصغير" (4939) . (فائدة) : قوله: "حذو القذة بالقذة"، وفي حديث سهل: "حذو النعل بالنعل ". قال في "النهاية ": "أي: تعملون مثل أعمالهم، كما تقطع إحدى النعلين على قدر النعل الأخرى، و (الحذو) : التقدير والقطع ".

3313

و (القذة) بالضم: ريش السهم. (تنبيه) ألا أحد المعاصرين- المتعالمين المغرورين المتعالين على أئمة السنة والجاهلين بها، والمعادين لها، ومع ذلك كنى نفسه بـ (أبي عبد الرحمن الأثري) ! - ألف كتاباً أسماه: "استحالة دخول الجان بدن الإنسان "! يكفيك هذا العنوان عن مضمونه، فقد حشاه أنواعاً من الجهل بالكتاب والسنة، وبالتدليس وقلب الحقائق، والذي يهمني هنا التنبيه عليه: أنه حرف هذا الحديث وأفسد معناه، فذكره (ص 27) بلفظ: "حذاء القذة بالقذة"؛ كذا (حذاء) ! وقد يتبادر إلى من لم يعرف شيئاً من جهله أنه خطأ مطبعي، وهو ما أتمناه، ولكنه سرعان ما أعاده (ص 34) مقروناً بخطأ آخر: "حذاء القذة بالقذة"! فضبط القاف بالفتح! ومن أراد أن يقف على شيء من التفصيل لجهله المشار إليه، فليرجع إلى الحديث المتقدم برقم (2918) وما كتبته تحته في الرد عليه مما يقضي على ما زعم استحالته قضاءً مبرماً، وهو في آخر المجلد السادس، وهو تحت الطبع، وسيكون تحت أيدي محبي السنة قريباً إن شاء الله تعالى (¬1) . * 3313- (إياك والذنوب التي لا تُغفر، (وفي رواية: وما لا كفارة من الذنوب) ، فمن غل شيئاً أُتيَ به يوم القيامة، وآكل الربا؛ فمن أكل الربا بُعِث يوم القيامة مجنوناً يتخبط، ثم قرأ: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) [البقرة: 275] ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/ 60/ 100) ، والخطيب في "التاريخ " (8/78 1- 79 1) من طرق عن الحسين بن عبد الأول: ثنا أبو خالد ¬

(¬1) وقد طبع بحمد الله ومنه وكرمه.

الأحمر: ثنا شعبة عن يزيد بن خُمَيْرِعن حبيب بن عبيد عن عوف بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وقال الهيثمي- وسقط من المطبوعة (4/119) عزوه للطبراني-: "وفيه الحسين بن عبد الأول، وهو ضعيف ". قلت: هو مختلف فيه، قال في "الميزان " و"اللسان ": "قال أبو زرعة: "لا أحدث عنه ". وقال أبو حاتم: "تكلم فيه الناس ". وكذبه ابن معين. وقال أبو زرعة أيضاً: "روى أحاديث؛ لا أدري ما هي؟ ". وذكره ابن حبان في (الثقات) ". (8/187) . ثم ذكر له الحافظ حديثاً منكراً من روايته عن أبي معاوية عن عثمان بن واقد عن موسى بن يسار عن أبي هريرة رفعه: "إن السماوات السبع والأرضين السبع لتلعن العجوز الزانية والشيخ الزاني " (¬1) . قلت: وتعصيب جناية هذا الحديث بالحسين بن عبد الأول ليس بأولى من تعصيبها بعثمان بن واقد؛ فإن فيه ضعفاً؛ قال الذهبي في "المغني ": "وُثِّق، وضعفه أبو داود". ثم على فرض أن حسيناً هو العلة؛ فذلك لا يستلزم تضعيفه مطلقاً؛ لأن أحداً لا يخلو من الوهم، كما لا يخفى على أهل العلم، ولعل هذا الحديث هو السبب في رمي ابن معين إياه بالكذب، ويكون ذلك من تشدده الذي عرف به، أقول هذا لأنني رأيت من التوثيق لهذا الرجل- مما لم يذكره الحافظ- ما جعلني لا ¬

(¬1) وقد روي من حديث بريدة، وهو مخرج في "الضعيفة" (3011) .

أعتد بما قيل فيه مما تقدم؛ لأنه ظاهر في أنهم لم يدروا حديثه ولم يسبروه، ألا وهو قول الإمام العجلي في "تاريخ الثقات " (119/ 290) : "كوفي، ثقة، عالم ". وسكت عنه البخاري في "التاريخ " (1/2/393) . ولذلك؛ فإني أرى أن الحديث حسن على الأقل؛ فإن من فوقه ثقات من رجال مسلم، لا سيما وقد جاء من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن حبيب بن عبيد أن حبيب بن مسلمة أتي برجل قد غلّ، فربطه إلى جانب المسجد، وأمر بمتاعه فأحرق، فلما صلى قام في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر الغلول وما أنزل الله فيه، فقام عوف بن مالك فقال: يا أيها الناس! إياكم وما لا كفارة من الذنوب؛ فإن الرجل يربي ثم يتوب، فيتوب الله عليه، وإن الله تعالى يقول: (وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة) ، وإن الله يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنوناً مخنقاً ". أخرجه الطبراني أيضاً (رقم 109) بسند صحيح عن أبي بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف مختلط، ولا يمنع ذلك من الاستشهاد به؛ فقد كان من العبّاد وأحد أوعية العلم، وقال ابن عدي: "أحاديثه صالحة، ولا يحتج به ". وأما ما رواه حُصَين بن مُخَارق عن حمزة الزيات عن أبَان عن أنس مرفوعاً بلفظ: "يأتي آكل الربا يوم القيامة مخبلاً يَجُرُّ شِقَّهُ، ثم قرأ: (لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) ". أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (2/ 574/ 1374) ، وأشار المنذري في

3314

"ترغيبه " (3/52) إلى تضعيفه مع حديث الترجمة! وشتان ما بينهما؛ فهذا موضوع؛ آفته حصين هذا؛ قال الدارقطني: "يضع الحديث ". وأبان: هو ابن أبي عياش، وهو متروك. وأما الأول؛ فقد عرفت أنه حسن. وأما السيوطي؛ فسكت عن الاثنين- كعادته- في "الدر المنثور" (1/364) ، وكذلك سكت عن الأول في "الجامع الكبير". * 3314- (وُزِنْتُ بألفٍ من أمَّتي فرجَحْتُهم، فجعلُوا يتناثرون عليَّ من كِفَّةِ الميزان) . أخرجه البزار في "مسنده " (3/116/2372- كشف الأستار) : حدثنا العباس بن عبد العظيم العنبري: ثنا النضر بن محمد الجرشي: ثنا عكرمة بن عمار عن أبي زُمْيَل عن مالك بن مَرْثَدِ عن أبيه عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. قال البزار: وبإسناده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر! رأيت كأني وُزِنْتُ بأربعين أنت فيهم؛ فوزنتهم ". وقال البزار: "وأحاديث النضر لا نعلم أحداً شاركه فيها"! قلت: هذا غير معقول! أو لعل في العبارة شيئاً؛ فقد قال العجلي في "تاريخ الثقات" (449/1692) :

"ثقة، وهو من أروى الناس عن عكرمة بن عمار اليمامي؛ سمع من عكرمة ابن عمار ألف حديث ". قلت: فمن يحفظ هذا العدد عن شيخ واحد- فضلاً عما يحفظه عن شيوخه الآخرين- أن لا يتابع على شيء منها؛ وإلا كان ضعيفاً (¬1) ؛ لأن أئمة الجرح يجرحون الراوي بمثل قولهم: "لا يتابع على حديثه "؛ كما هو معلوم. وإن مما يؤكد بطلان عموم قول البزار المذكور؛ أننا وجدنا له متابعين في بعض أحاديثه، فانظر مثلاً حديثاً في "الأدب المفرد" (891) ؛ فإنه من رواية عبد الله بن رجاء قال: أخبرنا عكرمة بن عمار ... وهو مخرج في "الصحيحة" (572) من رواية جمع من الحفاظ منهم الترمذي وابن حبان، أخرجاه من طريق النضر بن محمد: حدثنا عكرمة به. وآخر في "صحيح مسلم " (8/27) من طريق عمر بن يونس عن عكرمة بن عمار بإسناد له عن أنس، وهو في "صحيح ابن حبان " (5761) من طريق النضر ابن محمد عن عكرمة به، وقد سقته من رواية مسلم في "الصحيحة" تحت الحديث (82) . وإنما علة الحديث جهالة (مرثد) وهو (الزِّمّا ني) - بكسر الزاي- والد (مالك) ، قال الذهبي: "لا يعرف ". وقال الحافظ: "مقبول ". ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعله سقطت "لا يضره " قبل "أن لا يتابع ". (الناشر) .

وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (5/ 440) ! لكن الحديث حسن، فقد وجدت له بعض الشواهد: ا- عن ابن عباس مرفوعاً بلفظ: "وُزنتُ بالخلقِ كلهم، فرجحت بهم، ثم وزن أبو بكر ... " أخرجه ابن عدي في "الكامل " (6/325-326) من طريق معروف بن أبي معروف البَلْخي: ثنا جرير: ثنا ليث عن مجاهد عنه. وهذا إسناد ضعيف؛ ليث: هو ابن أبي سليم؛ كان اختلط. ومعروف هذا؛ مجهول، ليس بمعروف؛ كما قال ابن عدي. 2- عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ: "أُتيتُ بكِفَّةٍ فوضعت فيها، ووضعت أمتي في كفة، فرجحت بها، ثم أتي بأبي بكر ... " الحديث. أخرجه أحمد في "المسند" (5/259) وفي "الفضائل " (1/194- 196) ، وعنه الخطيب في "التاريخ " (14/78) من طريق مُطَّرِح بن يزيد عن عبيد الله بن زحْر عن علي بن يزيد عن القاسم عنه. قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالضعفاء: علي بن يزيد- وهو الألهاني- واللذان دونه، وضعفه العراقي في "المغني " (4/359) . ورواه الطبراني (8/254- 255) من طريق محمد بن عبيد الله العرزمي عن عبيد الله بن زحر به. والعرزمي متروك.

ثم رواه (8/281/7923) من طريق صدقة بن عبد الله عن الوليد بن جميل قال: سمعت القاسم بن عبد الرحمن به. قلت: وصدقة هذا ضعيف، وشيخه الوليد خير منه. وحديث (المطرح) قد خرجته في "الضعيفة " (5346) ؛ لنكارة فيه. 3- عن ابن عمر مرفوعاً نحوه. أخرجه أحمد أيضاً وغيره بإسناد فيه عبيد الله بن مروان، وهو مجهولى كما بينته في "الضعيفة" (6486) ، وقد صحح إسناده بعض إخواننا المحققين؛ فوهم؛ كما ذكرت هناك. 4- عن معاذ بن جبل مرفوعاً بلفظ: "أُريتُ أني وضعت في كفة؛ وأمتي في كفة؛ فعدلتها، ثم وضع أبو بكر ... ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/86- 87) ، وابن عساكر في "التاريخ " (11/204) من طريق عمرو بن واقد: نا يونس بن ميسرة عن أبي إدريس عنه. قلت: وعمرو هذا متروك؛ كما في "التقريب ". وقالى الهيثمي (9/59) : "رواه الطبراني، وفيه عمرو بن واقد، وهو متروك؛ ضعفه الجمهور، وقال محمد بن المبارك الصوري: كان صدوقاً، وبقية رجاله ثقات ". والخلاصة؛ أن حديث الترجمة بهذه الشواهد لا ينزل إن شاء الله عن مرتبة الحسن؛ فإن أكثرها خالية عن الضعف الشديد. والله سبحانه وتعالى أعلم.

3315

وقد جاء حديث أبي ذر من طريق أخرى عنه بنحوه مطولاً، فيه ضعف وانقطاع ونكارة، وهو عند البزار أيضاً (2271) ، فانظر تعليقي عليه في "ضعيف زوائد البزار". ولعل البعض يتساءل فيقول: إن الشواهد المذكورة أعم من حديث الترجمة؟ فأقول: لا بأس من ذلك؛ لأن الأعم يصلح شاهداً للأقل، ولا عكس كما لا يخفى على أهل العلم، لا سيما وقد جاء في طريق أبي ذر المشار إليها آنفاً من التفصيل ما يؤكد ذلك ويبين أن الوزن تعدد؛ ففيه: "أتاني ملكان.. فقال أحدهما: زنه برجل، فوزنت برجل فرجحته.. " الحديث، وفيه: "ثم قال: زنه بألف، فوزنني بألف فرجحتهم، فقال أحدهما للآخر: لو وزنته بأمته رجحها ... " الحديث. * من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - 3315- (هل لك أن أريك آية؟ وعنده نخل وشجرة، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عِذقاً منها، فأقبل إليه، وهو يسجد ويرفعُ رأسه، حتى انتهى إليه، فقام بين يديه، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارجع إلى مكانك "، فرجع إلى مكانه) . أخرجه أبو إسحاق الحربي في "غريب الحديث " (5/84/ 1) ، وأبو يعلى في "مسنده " (4/236- 237) ، وابن حبان (2111- موارد) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2 1/ 100/12595) - والسياق له-، وأبو نعيم في "الدلائل " (335) ، وكذا البيهقي (6/16- 17) من طرق عن عبد الواحد بن زياد: ثنا الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال:

جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- وكان يداوي ويعالج-، فقال: يا محمد! إنك تقول أشياء، فهل لك أن أداويك؟ قال: فدعاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الله عز وجل، ثم قال: ... فذكر الحديث. قال العامري: والله! لا أكذبك بقول أبداً. ثم قال: يا آل بني صعصعة! والله! لا أكذبه بشيء يقوله أبداً. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. وللأعمش فيه شيخ آخر، فقال: عن أبي ظبيان عن ابن عباس به نحوه، لكنه قال في آخره: فقال العامري: يا آل بني عامر! ما رأيت كاليوم رجلاً أسحر! أخرجه الدارمي (1/13) ، وأحمد (1/223) ، والبيهقي أيضاً (6/15- 16) . قلت: وإسناده صحيح أيضاً. وتابعه سماك عن أبي ظبيان به إلا أنه قال: فأسلم الأعرابي. أخرجه البخاري في " التاريخ " (2/ 1/3) ، وعنه الترمذي (3632) ، وابن سعد (1/182) ، والحاكم (2/620) ، ومن طريقه: البيهقي أيضاً (6/15) ، والطبراني في "الكبير" (12/110/12622) من رواية شريك عنه. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح "! وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! كذا قالا! وشريك- وهو ابن عبد الله القاضي- لم يخرج له مسلم إلا متابعة؛ على ضعف فيه. وقد تنبه لهذا المعلق على "مسند أبي يعلى"؛ ولكنه غفل عن

شيء آخر، فقال عقبه: "نقول: نعم، شريك ضعيف، لكن تابعه عليه الأعمش؛ كما تقدم ". قلت: تلك متابعة قاصرة؛ إذ ليس في حديث الأعمش عن شيخه الأول أن الأعرابي أسلم، بل في روايته عن شيخه الثاني ما ينافيه، وهو اتهامه للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالسحر! ولا يعارضه قول شيخه الأول: والله! لا أكذبه في شيء أبداً؛ لأن هذا لا يستلزم الإسلام، بل هو على حد قوله تعالى في اليهود: (يعرفونه كما يعرفون أبناءهم) ، ومع ذلك فقد عاندوا ولم يسلموا. ولذلك قال ابن كثير في "التاريخ " (6/124) عقب هذا القول: "وهذا يقتضي أنه سالم الأمر، ولم يجب من كل وجه ". وخالف البيهقي؛ فقال (6/17) : "في هذه الرواية تصديق الرجل إياه؛ كما هو في رواية سماك- يعني: برواية شريك عنه-، ويحتمل أنه توهمه سحراً، ثم علم أنه ليس بساحر، فآمن وصدق. والله أعلم ". فأقول: لا شك في تَوَهُّمِهِ المعجزة سِحْراً، وإنما الشك في إيمانه بعد ذلك، وهذا ما تفرد به شريك، وهو ضعيف عند التفرد، فكيف إذا خالف؟! نعم؛ قد روي إسلام الرجل في قصة تشبه هذه، لكنها لا تصح؛ لأنها من رواية حِبَّان بن علي: ثنا صالح بن حَيَّان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أَرِنِي آية، قال: "اذهب إلى تلك الشجرة، فادعها"....... الحديث نحوه وفيه:

فقام الرجل، فقبّل رأسه ويديه ورجليه، وأسلم. أخرجه البزار في "مسنده " (3/132- 133- كشف الأستار) ، وكذا ابن الأعرابي في "كتاب القُبَلِ " (ص 6) ، وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 332- 333) . وقال البزار: "لا نعلم من رواه عن صالح إلا حبان، ولا نعلم يروى في تقبيل الرأس إلا هذا ". قلت: وإسناده ضعيف؛ لأن كلاً من صالح وحبان ضعيف؛ كما في " التقريب " وغيره. وفي الباب قصة أخرى نحو حديث الترجمة من رواية ابن عمر- رضي الله عنهما- بسند صحيح عند البزار وغيره، صححه ابن حبان وغيره، وهو مخرج في " المشكاة " برقم (5925) . وقد خلط الشيخ حبيب الأعظمي- عفا الله عنا وعنه- في تعليقه عليه في "كشف الأستار" (3/133) بينه وبين حديث عمر- رضي الله عنه-؛ يرويه من طريق علي بن زيد عن أبي رافع عنه، فقال في التعليق عليه: "قال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، ورواه أبو يعلى أيضاً، والبزار (8/292) . قلت (الأعظمي) : وفي إسناده علي بن زيد، وهو حسن الحديث عند الهيثمي والبزار"! قلت: ومحل الخلط أنه زعم أن في حديث ابن عمر عند البزار علي بن زيد- وهو ابن جدعان-! وهو وهم محض، وإنما هو في إسناد حديث عمر كما رأيت. وقد ذكره الهيثمي في مكان آخر، وقال فيه (9/ 10) :

3316

"رواه البزار وأبو يعلى، وإسناد أبي يعلى حسن "! قلت: وتخصيصه أبا يعلى بالذكر خطأ، وكذلك تحسينه لإسناده؛ فإنه عنده - كالبزار- من طريق علي بن زيد، وهو ضعيف. وكذلك تخصيصه الطبراني بالذكر دون البزار، ولو أنه عكس لأصاب؛ لأن الطبراني رواه من طريق شيخه (الفضل بن أبي روح البصري) ، ولم يوثقه أحد، بل إن الشيخ حماد الأنصاري - رحمه الله - لم يعرفه، فلم يذكره في كتابه الفريد: "بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني "، وقد روى له في "معاجمه " الثلاثة نحو خمسة أحاديث هذا أحدها، ولكني أيضاً لم أجد له ترجمة، بينما البزار- مع كونه أعلى طبقة منه- قد رواه عن شيخه (علي بن المنذر) ، وهو ثقة كما قال الذهبي، ومن رجال "التهذيب "؛ فكان الواجب ذكره دون الطبراني، كما لا يخفى على أهل العلم. * وجوب التطهر من الغائط 3316- (إذا تغوّط أحدكم؛ فليمسح ثلاث مرّات، (وفي رواية) : فليتمسَّح بثلاثة أحجار) . ورد من حديث جابر، والسائب بن خلاد، وأبي أيوب الأنصاري: أ- أما حديث جابر؛ فله عنه طريقان: الأولى: قال ابن لهيعة: ثنا أبو الزبير عنه أنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره بالرواية الأولى. أخرجه أحمد (3/336) .

وابن لهيعة سيّىء الحفظ يستشهد به، وأبو الزبير ثقة، إلا أنه مدلس، لكنه قد توبع، وهي الطريق: الأخرى: قال عيسى بن يونس: نا الأعمش عن أبي سفيان عنه مرفوعاً بلفظ: "إذا استجمر أحدكم؛ فليستجمر ثلاثاً ". أخرجه ابن خزيمة (1/42/76) ، ومن طريقه: البيهقي (1/103- 104) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (1/155) ، وأحمد (3/400) . وقال الهيثمي (1/211) : "ورجال أحمد ثقات ". قلت: بل رجاله ثقات رجال مسلم، فهو إسناد جيد. وقد عزاه الدكتور الأعظمي في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة". لـ: "م الطهارة 24 من طريق أبي الزبير عن جابر"! وعليه مؤاخذتان: إحداهما: أنه ليس عند مسلم (1/147- استانبول) : "ثلاثاً "، وإنما عنده مكانها: " فليوتر"، وكذلك أحمد (3/ 294) . والأخرى: أنه عندهما طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير: أنه سمع جابر ابن عبد الله ... فقد صرح أبو الزبير بالتحديث، وهي فائدة مهمة، فلا يليق إهمالها؛ لما هو معروف عن أبي الزبير من التدليس كما تقدم. ولعل في هذه الرواية قوة لرواية ابن لهيعة المذكورة، ولو في الجملة.

2- وأما حديث السائب، فيرويه عنه ابنه خلاد بن السائب الجُهَنِيُّ، وذكره ابن حبان في " الثقات " (4/ 201) ، وروى عنه جمع من الثقات، وقال الحافظ: "صدوق "، وله عنه طرق ثلاث: أحدها: يرويه حماد بن الجعد عن قتادة: حدثني خلاد الجهني عن أبيه السائب مرفوعاً بالرواية الثانية. أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/2/ 151) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/167/6623) . قلت: ورجاله ثقات؛ غير حماد بن الجعد؛ فهو ضعيف؛ كما في "التقريب "، وبه أعله الهيثمي؛ إلا أنه قال: "رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط "، وفيه حماد بن الجعد، وقد أجمعوا على ضعفه "! كذا قال! ولا إجماع عليه، كيف وأبو حاتم الرازي- مع تشدده في الجرح- قال فيه: "ما بحديثه بأس ". قلت: فيمكن أن يستشهد به، والله أعلم. ثم إن عزوه لـ"الأوسط " من هذا الوجه وهم فيما نرى؛ فإنه لم يذكره في كتابه الآخر "مجمع البحرين " (1/296- 297- الرشد) إلا من الطريق الثالثة الآتية. والطريق الثانية: عن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي: ثنا أبي عن يحيى ابن أبي كثير قال: أخبرني خلاد به أتم منه بلفظ:

"وليتمسح ثلاث مرات ". أخرجه الطبراني أيضاً في "الكبير" (رقم 6624) ، والدّولابي في " الكنى" (1/26- 27) - والسياق له؛ فإن الطبراني لم يسقه-، وفيه: ".. وإذا خرج الرجلان جميعاً؛ فليتفرقا، ولا يجلس أحدهما قريباً من صاحبه، ولا يتحدثان، فإن الله يمقت على ذلك ". وهو بهذه الزيادة صحيح؛ فإن لها شاهداً قويّاً من حديث جابر- رضي الله عنه-، مضى الكلام عليه برقم (3120) . وإسناده هنا ضعيف؛ من أجل يزيد بن سنان الرهاوي وابنه. والطريق الثالثة: يرويه أبو غسان محمد بن يحيى الكناني (الأصل: الكسائي!) قال: حدثني أبي عن ابن أخي ابن شهاب عن ابن شهاب قال: أخبرني خلاد (الأصل: ابن خلاد) أن أباه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره مثل الرواية الأولى. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/416- 417/1717- ط) ، وقال: "لم يروه عن الزهري إلا ابن أخيه، ولا عن ابن أخي الزهري إلا أبو غسان (!) ، تفرد به محمد بن يحيى النيسابوري ". قلت: كذا الأصل: "إلا أبو غسان "! وكذا في أصله المصور (1/92/2) ، وكذا في "مجمع البحرين " (1/297) ، وهو خطأ ظاهر لم يتنبه له المعلقان على الأصل، و"المجمع "! فإن ظاهره أن (أبا غسان) هو الذي رواه عن ابن أخي الزهري، والذي في الإسناد أن بينهما (أبا أبي غسان) ، وهو علة الإسناد، واسمه (يحيى

ابن علي بن عبد الحميد الكناني) ، ترجمه ابن أبي حاتم (4/2/175) برواية ابنه (أبي غسان) فقط عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. ولم يتكلم الهيثمي على هذا الإسناد؛ توهماً منه أن فيه (حماد بن الجعد) المذكور في الطريق الأولى؛ كما تقدم التنبيه عليه فيها. 3- وأما حديث أبي أيوب؛ فيرويه عمرو بن هاشم البيروتي: ثنا الهقل بن زياد عن الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة عن أبي شعيب الحضرمي عنه مرفوعاً بالرواية الثانية، وزاد: "فإن ذلك يكفيه ". أخرجه الطبراني في "الكبير" (4/208/4055) ، و"الأوسط " (4/112- 113/ 3170) ، وقال: "لم يروه عن الأوزاعي إلا الهقل، تفرد به عمرو". قلت: هو صدوق يخطئ، كما قال الحافظ، فإن لم يُحَسِّنْ حديثه؛ فلا أقل من أن يستشهد به، على أنه قد توبع في "التمهيد" (22/311) ، وحسنه. ومن فوقه؛ ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير أبي شعيب الحضرمي، أورده ابن أبي حاتم برواية الأوزاعي هذه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فهو مجهول. وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط "، ورجاله موثقون؛ إلا أن أبا شعيب صاحب أبي أيوب لم أر فيه تعديلاً ولا تجريحاً "! قلت: قد فاته أنه ذكره ابن حبان في "ثقات التابعين " (5/572) ، وليس هو

في كتابه "ترتيب الثقات "، فإما أن يكون سقط منه أثناء ترتيبه إياه، أو أنه لم يكن في نسخته من "الثقات ". والله أعلم. هذا؛ وللحديث في معناه أحاديث كثيرة صحيحة، أقربها إليه ما رواه ابن عجلان عن القعقاع عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا أتى أحدنا الغائط بثلاثة أحجار. أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/73) وغيره، وإسناده جيد. وصححه البغوي في "شرح السنة" (1/356) ، وهو في "صحيح أبي داود" (6) . وله شواهد أخرى مخرجة في "الإرواء" (1/84/44) ، و"صحيح أبي داود" (رقم 31 و 32) . (فائدة) : قال في "النهاية ": "وقد تكرر ذكر (الغائط) في الحديث بمعنى الحدث والمكان ". وقال البغوي في "شرح السنة " (1/357) : "وأصل الغائط: المطمئن من الأرض، كانوا ينتابونه للحاجة، فكنَوا به عن نفس الحدث؛ كراهية ذكره بخاص اسمه ". (تنبيه) : كنت خرجت قديماً حديث الترجمة في "الضعيفة" برقم (2461) من طريق أبي الزبير المعنعنة، وحديث السائب عند الطبراني، وقبل أن يطبع "أوسط الطبراني "، فلما وقفت عليه، وعلى الطرق الأخرى والشواهد؛ بادرت إلى تخريجه هنا، ونقله من "ضعيف الجامع الصغير" إلى "صحيحه "، أداء للأمانة العلمية، وتبرئة للذمة، ولا علي بعد ذلك ما قد يتقوله المتقولون، ويأفكه

3317

الأفاكون، الذين لا يعتبرون بقوله - صلى الله عليه وسلم - الحكيم: "يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه، ولا يرى الجذع في عينه "، وقد سبق تخريجه برقم (33) مرفوعاً وموقوفاً، والمعصوم من عصمه الله. * 3317- (اللهمّ! سُقْ إلى هذا الطعام عبْداً تحبُّه ويحبُّك، فطلع سعد [بن أبي وقّاص] ) . أخرجه البزار في "البحر الزخار" (4/46/ 1210) من طريق مَعْن بن عيسى، قال: حدثتني عُبَيْدَةُ بنت نابِل عن عائشة بنت سعد عن أبيها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بين يديه طعام، فقال: ... فذكره. وقال: "لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن سعد بهذا الإسناد". قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، غير عبيدة بنت نابل، وقد ذكرها ابن حبان في "الثقات " (7/307) برواية (الخَصِيب بن ناصح) عنها، وقد روى عنها جمع آخر منهم (معن بن عيسى) ؛ كما ترى في هذا الإسناد، وإسحاق بن محمد الفروي؛ كما في "التهذيب "، وعثمان بن عبد الرحمن الحراني؛ كما قال البزار في "البحر الزخار" (4/ 44) ، ورواية الفروي عنها عنده برقم (1205- 1208) ، ورواية الحراني عنها برقم (1209) ، فهي صدوقة، خلافاً لقول الحافظ فيها: "مقبولة"! ولذلك لم يذكرها الذهبي في (فصل النساء المجهولات) في آخر "الميزان "، بل صحح حديثها كما يأتي. وأما رواية (الخصيب) عنها؛ فأخرجها الحاكم في "المستدرك " (3/499) من طريق الربيع بن سليمان: ثنا الخصيب بن ناصح: ثنا عبيدة بنت (الأصل: بن) نابل (الأصل: نائل) عن عائشة بنت سعد به، وقال:

"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وعلقه ابن أبي حاتم في "العلل " (2/371- 372) من رواية سعيد بن أسد قال: حدثني الخصيب بن ناصح به. وذكر أنه سأل أبا زرعة عنه؟ فقال أبو زرعة: "خالف (معن) فقال: عن عبيدة بنت نابل (الأصل: نائل!) أنها سمعت أم عمرو بنت سعد تحدث عن أبيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بين يديه ... فسمعت أبا زرعة يقوله: حديث (معن) أصح من حديث الخصيب بن ناصح ". فأقول: لا أرى خلافاً جوهريّاً بين حديثه وحديث معن الذي ذكره أبو زرعة، فقد اتفقا على أن الراوي عن سعد- رضي الله عنه- هي ابنته، كل ما في الأمر أن الأول ذكرها باسمها (عائشة) ، والآخر بكنيتها (أم عمرو) ، والجمع بين الروايات هو الأصل ما أمكن، وهو هنا ممكن بكل يسر، فهي (أم عمرو عائشة بنت سعد) ، ويؤيد ذلك رواية معن عند البزار؛ فقد ذكرها باسمها كما رأيت، فهل يقال: خالف معن معناً؟! غاية ما في الأمر أن بعض الرواة عنه ذكرها باسمها، والبعض الآخر بكنيتها. فلا اختلاف بين رواية من سماها، وبين رواية من كناها، أقول هذا على التسليم برواية الكنية؛ فإني لم أرها إلا عند أبي زرعة ولا وقفت على إسنادها، لنقابله بإسناد البزار الصحيح إلى (معن بن عيسى) ، وإن كان الظن بأبي زرعة أنه لا يذكر إلا ما صح إسناده؛ لما عرف عنه من الحفظ والنقد للرواة والأسانيد. وإن مما يؤكد الجمع المذكور؛ أن من المعلوم أن سعداً- رضي الله عنه- قد خلّف جمعاً من الذكور، ولم يخلف إلا بنتاً واحدة، وهي عائشة هذه، فإذا قال بعض الرواة: (أم عمرو بنت سعد) ، فهي (عائشة) يقيناً؛ كما هو ظاهر جلي؛ والحمد لله.

ولقد رأيت أخانا الفاضل (أبا إسحاق الحويني) قد دندن حول هذا الجمع في تعليقه على " مسند سعد بن أبي وقاص "، فقال (216) - بعد أن ساق ما في "العلل "-: "قلت: رواية معن هنا توافق رواية الخصيب بن ناصح، ولعل "أم عمرو" كنية "عائشة بنت سعد"، فتلتقي الروايتان، والله أعلم ". ولكنه جزم بضعف إسناده كما ضعفه في أحاديث ثلاثة قبله، بدعوى أن (عبيدة بنت نابل) مجهولة الحال، تابعاً في ذلك قول ابن حجر المتقدم: "مقبولة"! أو مستأنساً به؛ فإنه بمعناه، والصواب ما تقدم بيانه أنها صدوقة. وإن مما يؤيد ذلك؛ أن الحافظ قال في "الفتح " (4/ 100) - في حديث آخر من طريقها-: "رجاله ثقات ". ونقله الأخ الفاضل عنه (ص 214) . فهذا- مع ما قدمته من البيان- يلقي في النفس الاطمئنان لصحة حديثها. والله أعلم. (تنبيه) : هذا الحديث مما سقط من كتاب الهيثمي "مجمع الزوائد"، ولذلك لم يعلق عليه الشيخ الأعظمي المقلّد للهيثمي في كتابه الآخر "كشف الأستار" (3/207/2581) ؛ لأنه لم بجد ما ينقله! ذلك مبلغ علمه وتحقيقه الذي أشاد به الطابع لتعليقاته! هذا؛ وقد روى عاصم بن أبي النّجود عن مصعب بن سعد عن أبيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بقصعة فأكل منها، ففضل منها فضلة، فقال: "يجيء (وفي رواية: يطلع) رجل من هذا الفج من أهل الجنة، فيأكل هذه ".

3318

قال سعد: وكنت تركت (عُميراً) أخي يتوضأ، فقلت: هو عمير، فجاء عبد الله بن سلام، فأكلها ". أخرجه ابن حبان (9/148/7120) ، والحاكم (3/416) ، وأحمد (1/169) ، والبزار في "البحر" (3/355/1156) ، وأبو يعلى (2/75/ 721 و 98/ 754) من طريق حماد بن سلمة وغيره عنه. وقال البزار: "لا نعلم رواه عن مصعب بن سعد إلا عاصم، ورواه عن عاصم غير واحد". قلت: وعاصم متكلّم في حفظه، والذي استقر عليه رأي العلماء: أنه حسن الحديث إذا لم يخالف، فإن كان حفظه فالحديث حسن، وتكون القصة تكررت، فروى مصعب عن أبيه هذه، وروت أخته عائشة عن أبيها نحوها. وصحح إسناد أخيها الحاكمُ والذهبي. والله أعلم. * 3318- (لا يَعْطِفُ عليكنَّ بعْدِي إلا الصّادقُون الصّابرُون) . أخرجه البزار في "مسنده " (3/ 210/ 2590- كشف) : حدثنا عبد الله بن شبيب: ثنا محمد بن عبد الله بن يزيد: ثنا محمد بن طلحة الطويل عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال: ... قال عبد الرحمن بن عوف: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره. قال عبد الرحمن! فبعت من عبد الله بن سعد بن أبي سَرْحٍ شيئاً- قد سماه - بأربعين ألفاً، فقسمته بينهن- يعني: بين أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ورحمهن الله-. وقال البزار: "روي عن عبد الرحمن من وجه آخر، ولا نعلمه يروى من وجه عنه أحسن من هذا".

قلت: وهو منقطع؛ أبو سلمة: هو ابن عبد الرحمن بن عوف، لم يسمع من أبيه. ورجاله موثقون؛ غير عبد الله بن شبيب؛ وهو أخباري واه؛ لكن تابعه يعقوب ابن محمد الزهري: نا عمر بن طلحة الليثي عن محمد بن عمرو الليثي به. أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (10/132) . والزهري هذا صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء؛ كما في "التقريب ". وشيخه عمر بن طلحة الليثي؛ قال الذهبي في "المغني ": "فيه جهالة، وقال أبو حاتم: محله الصدق ". وقال الحافظ في "التقريب ": " صد وق ". قلت: والوجه الآخر عن عبد الرحمن الذي أشار إليه البزار، الظاهر أنه يعني رواه عبد الله بن جعفر عن أم بكر أن عبد الرحمن بن عوف باع أرضاً له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار، فقسمه في فقراء بني زهرة، وفي ذوي الحاجة من الناس، وفي أمهات المؤمنين. قال المِسْوَر: فدخلت على عائشة بنصيبها من ذلك، فقالت: من أرسل بهذا؟ قلت: عبد الرحمن بن عوف، فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يَحِنُّ عليكم بعدي إلا الصابرون ". سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة! أخرجه الحاكم (3/310- 311) ، وأحمد (6/135) وفي "الفضائل " (2/729/ 1249) ، وابن سعد في "الطبقات " (3/132 -133) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (10/52- 53/ 9111- ط) ، وابن عساكر في "التاريخ " (10/131- 132 و 132)

من طرق عن عبد الله بن جعفر المخرمي به. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: ليس بمتصل ". وأقول: صورته صورة المرسل، لقول (أم بكر) - وهي بنت (المسور بن مخرمة) -: "إن عبد الرحمن بن عوف باع ... ؛ فإنها لم تدركه، لكن الظاهر من سياق القصة أنها تلقته عن أبيها؛ لقولها فيه: قال المسور: فدخلت على عائشة ... ؛ فاتصل السند، وإليه مال الشيخ البنا الساعاتي في "الفتح الرباني "؛ كما نقله الأخ الفاضل وصي الله في تعليقه على "الفضائل ". قلت: ويؤيد ذلك رواية الطبراني وابن عساكر من طرق عن المخرمي عن أم بكر عن المسور بن مخرمة أن عبد الرحمن ... وإنما علة الحديث (أم بكر) هذه؛ فإنها لا تعرف إلا بهذه الرواية، ولذلك قال الذهبي في (فصل النساء المجهولات) من "الميزان ": "تفرد عنها ابن ابن أخيها عبد الله بن جعفر". وقال الحافظ في "التقريب ": "مقبولة". لكن للمرفوع من حديث عائشة طريق أخرى عنها، وفيه التصريح بأن قوله في آخره: سقى الله ابن عوف ... أنه من قول عائشة، فهو مدرج في حديث (أم بكر) ، ولذلك فصلته عن المرفوع، وجعلته وراء الهلالين (") ، وهو مخرج في

3319

"المشكاة" (6131) محسناً، وقد صححه الترمذي، وابن حبان (2216) . وله شاهد من حديث أم سلمة، وفيه علتان، انظر "المشكاة" (6132/ التحقيق الثاني) . * 3319- (إنّي، وإيّاكِ، وهذين، وهذا الرّاقد- يعني: عليّاً- يوم القيامة في مكان واحد، يعني: فاطمة وولديْها: الحسن والحسين رضي الله عنهم) أخرجه الطيالسي في "مسنده " (26/ 190) : حدثنا عمرو بن ثابت عن أبيه عن أبي فاختة قال: قال علي: زارنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبات عندنا؛ والحسن والحسين نائمان، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قربة لنا، فجعل يعصرها في القدح، ثم يسقيه، فتناوله الحسين ليشرب فمنعه، وبدأ بالحسن، فقالت فاطمة: يا رسول الله! كأنه أحب إليك؟ فقال: "لا، ولكنه استسقى أول مرة". ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. ومن طريق الطيالسي أبي داود: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ 31- 32/2622) ، وابن عساكر في "التاريخ " (5/39- 0 4) . وأخرجه البزار في "مسنده " (3/223/2616) - بتمامه-، وأبو يعلى (1/393/ 510) - مختصراً- من طريقين آخرين عن عمرو بن ثابت به. وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن علي إلا بهذا الإسناد"!

كذا قال! وفيه نظر؛ لأنه عند أحمد وغيره من طريق أخرى كما يأتي. وعمرو بن ثابت: هو ابن هرمز الكوفي، ويكنى ثابت بأبي المقدام. وعمرو ضعيف، وأبوه ثابت بن هرمز صدوق يهم. وأبو فاختة اسمه: سعيد بن عِلاقة، وهو ثقة. قلت: وقد تابعه عبد الرحمن الأزرق- وهو ابن بشر بن مسعود الأنصاري أبو بشر المدني، ثقة من رجال مسلم-، رواه قيس بن الربيع عن أبي المقدام عنه عن علي قال: ... فذكره نحوه، وفيه: أنه حلب شاة، فَدَرَّتْ. أخرجه أحمد في "المسند" (1/101) وفي "الفضائل " (2/692/ 1183) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/598/1322) ، وابن عساكر أيضاً. قلت: وقيس بن الربيع " صدوق سيّئ الحفظ. وأبو المقدام: هو ثابت بن هرمز، وهو صدوق يهم كما تقدم، فالإسناد يستشهد به. والحديث قال الهيثمي في "المجمع " (9/ 170) : "رواه أحمد والبزار والطبراني، وأبو يعلى باختصار، وفي إسناد أحمد قيس ابن الربيع، وهو مختلف فيه، وبقية رجال أحمد ثقات ". قلت: وخالف بعضهم في إسناده، فقال الطبراني في "معجمه " (22/405/ 1016) : حدثنا محمد بن حُبَّان المازني: ثنا كثير بن يحيى: ثنا سعيد بن عبد الكريم بن سليط وأبو عوانة عن داود بن أبي عوف أبي الجحّاف عن عبد الرحمن ابن أبي زياد أنه سمع عبد الله بن الحارث بن نوفل يقول: ثنا أبو سعيد الخدري:

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على فاطمة ذات يوم؛ وعليًّّ نائم، وهي مضطجعة، وأبناؤها إلى جنبها، فاستسقى الحسن، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى لقحة، فحلب لهم، فأتى به، فاستيقظ الحسين، فجعل يعالج أن يشرب قبله، حتى بكى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أخاك استسقى قبلك ". فقالت فاطمة: إن الحسن آثرُ عندك؟ فقال: "ما هو بآثر عندي منه، وإنما هما عندي بمنزلة واحدة، وإني وإياك ... " الحديث. ثم ساقه الطبراني (1017) بهذا الإسناد عن سعيد بن عبد الكريم بن سليط الحنفي عن عمرو بن أبي المقدام ... بإسناده المتقدم عند الطيالسي بنحوه. قلت: وهذا إسناد منكر عندي؛ علته: محمد بن حُبّان المازني (¬1) شيخ الطبراني؛ فقد ضعفوه؛ قال محمد بن علي الصوري: "ضعيف "، وقال عبد الغني بن سعيد الحافظ: "يحدث بمناكير". كذا في "تاريخ الخطيب " (5/ 231- 232) ، لكنه روى عن أبي القاسم عبد الله ابن إبراهيم الآبندوني (¬2) أنه قال: ¬

(¬1) كذا وقع في "المعجم " في الموضعين! وأظنه محرفاً من (الباهلي) ، فبها ترجموه. (¬2) نسبته إلى (آبندون) قرية من أعمال جرجان كما قال في "السير" (16/ 261) . وله ترجمة مبسطة في "أنساب السمعاني ".

"لا بأس به إن شاء الله تعالى". قلت: واعتمد الذهبي تضعيف الصوري المذكور في "الميزان "، و"المغني "، وزاد فقال: "وقال ابن منده: ليس بذاك ". قلت: وأما الهيثمي؛ فأعله بشيخ (ابن حُبان) هذا، فقال في "المجمع " (9/171) - بعد أن ساقه من حديث أبي سعيد الخدري فقط-: "رواه الطبراني، وفيه كثير بن يحيى، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان ". قلت: وتضعيفه المذكور، تبع فيه الذهبي في "الميزان "، وهو مردود؛ لأنه جرح غير ثابت، والمعتمد توثيق ابن حبان؛ لأنه مدعم بغيره كما بينته في ترجمته من "تيسير الانتفاع "، ويكفي في ذلك أنه من شيوخ أبي زرعة الرازي، وهو لا يروي إلا عن ثقة، وكذلك هو من شيوخ أبي حاتم الرازي في هذا الحديث وغيره. وقد أخرجه الحاكم (3/137) من طريقه: ثنا يحيى بن كثير: ثنا أبو عوانة به، مع اختصار للقصة. وقال: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وله طريق آخر؛ يرويه علي بن عابس عن أبي الجحاف به. أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (5/40) . لكن علي بن عابس ضعيف، فالعمدة على رواية أبي عوانة- واسمه وضاح اليشكري-، وهو ثقة ثبت من رجال الشيخين.

3320

ويبقى النظر فيمن فوقه، فأقول: 1- داود بن أبي عوف أبو الجحاف، قال الحافظ: "صدوق شيعي، ربما أخطأ". 2- عبد الرحمن بن أبي زياد- ويقال: ابن زياد- روى عنه الأعمش أيضاً، ووثقه ابن معين والعجلي، وقال البخاري: "فيه نظر". قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وقال الحافظ: "مقبول "! 3- وأما (عبد الله بن الحارث بن نوفل) ؛ فهو ثقة بالاتفاق، ومن رجال الشيخين. فالإسناد حسن، فإذا ضم إليه إسناد حديث علي؛ أخذ الحديث قوة، وارتقى إلى مرتبة الصحة. ولعله لذلك سكت عنه الذهبي في "السير" (3/258) بعد أن ساقه من رواية الطيالسي. والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3320- (عليك بتقوى الله ما استطعت، واذكر الله عز وجل عند كل حجر وشجر. ! اذا عملت سيئةً فأحدثْ عندها توبةً؛ السرُّ بالسرِّ، والعلانيةُ بالعلانيةِ) . أخرجه أحمد في "الزهد" (ص 26) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/159/331) من طرق عن شريك بن عبد الله عن عطاء بن يسار:

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث معاذاً إلى اليمن، فقال: يا رسول الله! أوصني، قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين؛ على ضعف في حفظ شريك بن عبد الله- وهو ابن أبي نَمر المدني-؛ قال الذهبي في "المغني ": "صدوق ". وزاد الحافظ: "يخطىء ". قلت: لكنه مرسل؛ فإن عطاء لم يلق معاذاً، ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (4/75/14) : "رواه الطبراني بإسناد حسن؛ إلا أن عطاء لم يدرك معاذاً، ورواه البيهقي، فأدخل بينهما رجلاً لم يسم ". واختصر كلامه الهيثمى، فقال في "مجمع الزوائد" (10/74) : "رواه الطبراني، وإسناده حسن "! قلت: فما أحسن؛ كما هو ظاهر. وأما رواية البيهقي التي أشار إليها المنذري؛ فلم أقف عليها الآن، وقد وقفت على طريقين آخرين عنده عن معاذ، أخرجهما في "كتاب الزهد" (347- 348) ، أحدهما رقم (957) من طريق عبد الرحمن بن الحويرث عن محمد بن جبير رضي الله عنه قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذاً إلى اليمن، فلما حضر رحيله أتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم عليه، فقال؛ يا رسول الله! إني منطلق فعظني، فقال: ... فذكره.

قلت: وهذا مرسل أيضاً، محمد بن جبير- وهو ابن مطعم- تابعي ثقة؛ خلافاً لما تشعر به جملة الترضي عنه، والصحبة لأبيه (جبير بن مطعم) . والراوي عنه عبد الرحمن: هو ابن معاذ بن الحويرث؛ نسب إلى جده، وهو ضعيف كما في "الكاشف ". وقال الحافظ: "صدوق يخطىء ". قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله تعالى. والطريق الأخرى؛ عند البيهقي (956) من طريق إسماعيل بن رافع المدني عن ثعلبة بن صالح عن سليمان بن موسى عن معاذ بن جبل به مطولاً نحوه. ومن طريق البيهقي: أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (10/617) . ورواه أبو نعيم في "الحلية " (1/ 420) ، ومن طريقه: الديلمي في "مسنده " (3/282) من الوجه المذكور؛ إلا أنه قال: "رجل من أهل الشام " مكان "سليمان ابن موسى". قلت: وسليمان بن موسى؛ روى له مسلم في "المقدمة"، ولم يلق معاذ بن جبل، فهو مرسل أيضاً. وثعلبة بن صالح؛ لم أجد له ترجمة. والرواي عنه إسماعيل بن رافع؛ ضعيف. وله طريق رابعة؛ عن معاذ تقدم تخريجها برقم (1475) ، ولكن ليس فيها الجملة الأولى، لكنها مع الطرق المتقدمة لها شواهد كثيرة، سبق تخريج بعضها برقم (555 و1730) ، وفي قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) أكبر شاهد لها. *

3321

3321- (كان لا يصلّي في لُحُفِنا) . أخرجه أصحاب " السنن " وغيرهم، وإسناده عند أبي داود (645) هكذا: حدثنا عبيد الله بن معاذ: حدثنا أبي: حدثنا الأشعث عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عن عائشة. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم (1/252) ، وقال؛ "صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي! فأقول: إنما هو صحيح فقط؛ لأن الأشعث- وهو ابن عبد الملك الحراني- لم يخرج له مسلم، والبخاري إنما أخرج له تعليقاً. ورواه الآخرون من طرق أخرى عنه، وفي بعضها التصريح بأنه الحراني، وهو مخرج في " صحيح أبي داود" (393) . وممن صحح الحديث ابن حبان، فأخرجه في "صحيحه " (4/38/0 233- الإحسان) بسنده الصحيح عن عبيد الله بن عمر القواريري: حدثنا معاذ بن معاذ به. وهذه متابعة قوية من عبيد الله القواريري لعبيد الله بن معاذ العنبري، إلى متابعات أخرى يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى. وخالفهم إسناداً ومتناً: الحباب بن محمد والد الفضل أبي خليفة، فقال ابن حبان (4/36/ 2324- الإحسان) ، و (106/ 0 35- الموارد) : أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا أبي: حدثنا معاذ بن معاذ قال: حدثنا أشعث بن سَوَّار عن ابن سيرين ... بلفظ: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي في لحفنا ".

أما مخالفته في اللفظ؛ فهو أنه أسقط حرف (لا) ، فأثبت ما نفاه الثقتان في روايتيهما عن معاذ بن معاذ. وأما مخالفته في الإسناد؛ فهو أنه قال: (أشعث بن سوار) ، مكان: (أشعث ابن عبد الملك) ! فلو أن الحباب هذا كان ثقة؛ لكان قوله هذا شاذاً، ولكني أراه منكراً؛ لأنه غير معروف بالرواية، وليس له في "الإحسان " غير هذا الحديث، وآخر متابع عليه، كما بينته في "التيسير". وابن سوار ضعيف. ولا بد لي بهذه المناسبة من التنبيه هنا على أمرين مهمين: أحدهما: أن الهيثمي في "الموارد" خلط بين اللفظ الأول الصحيح، وبين هذا الآخر المنكر، ولم يميز فيه بينهما كما هو الواجب؛ فإنه لما ساق هذا بإسناده- كما تقدمت الإشارة إليه- أتبعه بإسناد القواريري الذي سقته آنفاً، ولكنه لم يسق لفظه الصحيح، وإنما قال: "فذكر نحوه "! فأوهم أنه مثله في المعنى؛ لأنه هو المعروف في علم المصطلح، بل وفي اللغة أيضاً؛ فإن أحداً لا يفهم من قوله: "نحوه "؛ أي: ضده في المعنى كما هو ظاهر، فهو خطأ فاحش لا أدري كيف وقع؟! وأوهم شيئاً آخر، وهو أن في رواية (القواريري) : (الأشعث بن سوار) ؛ وإنما فيه (الأشعث) غير منسوب، وهو في رواية بعض الثقات (ابن عبد الملك) كما سبق ويأتي.

وغفل عن هذه الحقيقة المعلق على "موارد المؤسسة" فنبه على الوهم الأول دون هذا! من أجل ذلك أوردت هذا اللفظ في كتابي "ضعيف موارد الظمآن " (27/ 351) ، والأول في "صحيح موارد الظمآن " (301/352) ، وهما تحت الطبع. والآخر: أن المعلق على "الإحسان " تصرف بإسناده تصرفاً سيئاً جدّاً فجعله هكذا (6/ 100/2330) : أخبرنا أبو خليفة قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ، قال: حدثني أبي معاذ بن معاذ قالت: حدثنا أشعث بن سوار ... إلخ. فانظر كيف وضع (عبيد الله بن معاذ) مكان: (أبي) ، والد أبي خليفة، وحذف قول الأب: "حدثنا"! وبذلك صار (عبيد الله) شيخ أبي خليفة (¬1) ، و (معاذ ابن معاذ) شيخ ابنه عبيد الله!! وبذلك ظهر الإسناد إلى (أشعث بن سوار) صحيحاً! وهذا نوع من التدليس لا عهد لنا به من أحد لا قديماً ولا حديثاً، وهو أشبه ما يكون بما يعرف عند المحدثين بتدليس الشيوخ! وذلك من شؤم توسيد الأمر إلى غير أهله؛ إلى أولاد لا يحسنون صنعة التخريج والتعليق فضلاً عن فن التصحيح والتضعيف!! لم يقف أمر المشار إليه عند هذا، بل بنى عليه نوعاً آخر من الجهل والبهت على الحافظ ابن حبان، فعلق على متن الحديث بقوله: "هكذا رواه ابن حبان، فأثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي في لحف نسائه، وخالفه أصحاب "السنن " وغيرهم؛ فذكروا في روايتهم أنه كان لا يصلي في اللحف ... "! ¬

(¬1) وهذا مما لم يذكره أحد في ترجمة (أبي خليفة) ، ولا رأيناه في شيوخه، بعد أن تتبعنا رواياته في "الإحسان "، وقد بلغت نحو (700) رواية، ليس في شيوخه فيها- وما أكثرهم- (عبيد الله) هذا!

قلت: فنسب الخلاف المذكور إلى ابن حبان، وغمزه في حفظه، وهو منه بريء، وإنما هو من (الحباب بن محمد) والد (أبي خليفة) كما تقدم بيانه. وما أوقعه في هذه الفرية إلا تغييره لإسناده دون أي مستند من نسخة أو رواية، ودون أن يشير إلى ذلك في تعليقه أدنى إشارة!! هداه الله. وقد انتقل هذا التغيير والتبديل في الإسناد إلى كتاب آخر، ألا وهو "الموارد" (1/168- 169- طبعة المؤسسة) أيضاً، وأظن أن الفاعل واحد، أو أنه أعمى مقلد! فهو هنا قد بين ما كان في أصل "الموارد"، ومع أنه جزم بأنه خطأ- وعليه صحح إسناد "الموارد" طبق تصحيحه المزعوم إياه في "الإحسان "! - مع ذلك كله، فقد ذكر مستنده في التصحيح المذكور، فقال عقب ذكره لإسناد الأصل: "وهو خطأ، والتصحيح من "سنن أبي داود"، انظر تخريج الحديث والتعليق عليه في (الإحسان) "! كذا قال! ولم يبين وجه التصحيح الذي زعمه؛ لأنه لو فعل لا نفضح وانكشف جهله بهذا العلم، وذلك لأنه استلزم من مجرد رواية أبي داود الحديث عن شيخه (عبيد الله بن معاذ) ، أن يكون شيخ (أبي خليفة) أيضاً، وهذا غير لازم بداهة، وهذا نقوله على فرض أن يكون من شيوخه، لأنه يحتمل أن يكون غيره ممن رواه فعلاً عن معاذ بن معاذ، مثل (عبيد الله القواريري) ، وهو في السند الثاني من "الموارد" كما تقدم، أو (القاسم بن سلام) ، وهو الراوي لهذا الحديث عن معاذ عند البغوي في "شرح السنة" (2/429/520) ، وفيه قوله: "عن أشعث بن عبد الملك ". وهذه فائدة مهمة، وهي عند الترمذي أيضاً (600) من طريق آخر عنه، وهذا مما يؤكد وهم الهيثمي الآخر كما سبقت الإشارة إليه، ويدين المعلق المشار إليه بالجهل والغباوة والغفلة عن النتائج التي ترتبت من وراء تصحيحه

المزعوم من رمي ابن حبان بالمخالفة، وإيهام أن رواية (عبيد الله بن معاذ) هي عن (الأشعث بن سوار) !! ظلمات بعضها فوق بعض، وكذب على كذب. وأنا لا أعتقد أن المعلق المشار إليه هو الشيخ شعيب، وإنما هو أحد الذين يعملون تحت يده، ويتّكِل عليهم دون أن يطلع على خبطاتهم العشوائية، ثم تنشر باسمه وتحقيقه، فهو من هذه الحيثية مؤاخذ، ولو أنه أحياناً يقرن مع اسمه غيره، وبذلك (تضيع الطاسة) كما يقولون في سوريا! فقد رأيت في التعليقات على "الإحسان " وغيره خبطات كثيرة من نحو ما تقدم، ومنها ما تقدم تحت الحديث (3093) ، فإنه وقع عند ابن حبان مختصراً جدّاً، وبسند منقطع بلفظ: "من سمّع يهوديّاً أو نصرانيّاً دخل النار"! وهذا باطل لا أصل له في شيء من مصادر التخريج، وإنما هو مجرد وهم من بعض رواته في "الإحسان "، وبإسناد منقطع، ومع ذلك فالمعلق عليه صحح إسناده! وضغثاً على إبالة؛ فسره تفسيراً مخالفاً للشرع لجهله بفقهه، وعلى خلاف تفسير ابن حبان إياه أيضاً، مع أن فيه نظراً بينته هناك؛ فراجعه إن شئت. ثم بدا لي شيء يؤكد ما أشرت إليه من اختلاف المعلقين على "الإحسان ": أن الذي حمل المحرف على تغيير الإسناد إنما هو ظنه أن قول أبي خليفة في الإسناد: "حدثنا أبي " خطأ من الناسخ؛ لأنه لم يعرف أبا أبي خليفة، ولا غرابة في جهله هذا؛ لأن ترجمته عزيزة جدّاً، ولذلك قال الأخ الداراني في تعليقهِ على طبعته من "الموارد" (2/43) : "أبو خليفة الفضل بن الحباب، ليس له رواية عن أبيه فيما نعلم ". قلت: ولا بأس عليه من ذلك؛ لأنه انتهى إلى ما علم، ولم يقف ما ليس

له به علم كما فعل ذلك المحرف، وإن كان الحباب مترجماً عند ابن حبان كما تقدمت الإشارة إلى ذلك، وترجمه ابن ماكولا في "الإكمال " أيضاً (2/ 141- 142) كما في "التيسير"، والذي أريد بيانه هنا إنما هو أن الحديث الآخر (¬1) الذي سبقت الإشارة إليه من رواية أبي خليفة عن أبيه؛ أخرجه ابن حبان في موضعين من "صحيحه " (496 5 و 6393- الإحسان طبعة المؤسسة) ، فقال المعلق عليه في الموضعين: "والد أبي خليفة اسمه الحباب بن محمد.. ذكره المؤلف في "ثقاته " (8/217) ". فيغلب على ظني أن هذا المعلق- هنا- هو غير ذاك المعلق المحرِّف- هناك-؛ ولعله (شعيب) . أقول: ما أقول إلا هذا لما وقع منه ذلك التحريف الذي لا وجود له في عالم التحقيق، والله المستعان. ثم إن الحديث يدل على شرعية التنزه عن الصلاة في ثياب النساء التي تباشر أجسادهن، لكن لا يدل على عدم الجواز؛ لأنه خلاف الأصل، ولأحاديث أخرى تدل على الجواز، كحديث ميمونة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في مرطٍ لبعض نسائه، وعليها بعضه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (395) . وروى أحمد (6/217) بسند صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه. ¬

(¬1) هو في نقش خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد أخرجه الشيخان وغيرهما من طريق أخرى، وهو مخرج في "مختصر الشمائل ". *

3322

3322- (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان: مكفرات ما بينهن؛ إذا اجتُنبتِ الكبائر) . أخرجه أحمد (2/ 400) : ثنا هارون: ثنا عبد الله بن وهب قال: حدثني أبو صخر حميد بن زياد: أن عمر بن إسحاق مولى زائدة حدثه عن أبيه عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: فذكره. قلت: وهذا إسناد على شرط مسلم على جهالة في عمر بن إسحاق كما يأتي. وهارون: هو ابن معروف وهو من أقران الإمام أحمد كما في "سير الذهبي " (11/ 181) ، وقد توبع من هارون آخر وغيره. فقال مسلم في "صحيحه " (1/144) : حدثني أبو الطاهر وهارون بن سعيد الأيلي قالا: أخبرنا ابن وهب به. وأخرجه البيهقي في "الشعب " (3/308/3619) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (1 2/273- 274) بإسناده عن هارون بن سعيد بن الهيثم به. وأخرجه البخاري في "التاريخ " (3/2/ 140- 141) من طريق آخر عن ابن وهب. قلت: وعمر بن إسحاق لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي. وقال الحافظ: "مقبول ". وقد توبع كما يأتي، وأرى- والله أعلم- أن لا يطلق في ترجمته أنه أخرج له مسلم إلا مقروناً ببيان أنه أخرج له متابعة؛ فقد جاء في "التهذيب " أنه لم يرو له مسلم إلا هذا الحديث الواحد، وهو إنما أخرجه عقب الطريق التي ساقها من رواية

العلاء بن عبد الرحمن التي يأتي الإشارة إليها قريباً إن شاء الله تعالى. أما المتابعة المشار إليها؛ فهي في "مسند أحمد"، قال (2/229) : ثنا هشيم: أنا العوام بن حوشب عن عبد الله بن السائب عن أبي هريرة مرفوعاً به. وهذا إسناد ظاهره الصحة، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، لكن له علة، فقال أحمد أيضاً (2/506) : ثنا يزيد: أنا العوام: حدثني عبد القه بن السائب عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة ... قلت: فاختلف هشيم ويزيد- وهو ابن هارون-، وكلاهما ثقة متقن من رجال الشيخين، فزاد يزيد الرجل الأنصاري بين عبد الله بن السائب- وهو الكندي- وأبي هريرة، ولذلك جاء في ترجمة الكندي من "التهذيب ": "روى عن أبي هريرة، أو عن رجل عنه ". هكذا على الشك، وإذا نحن تذكرنا قاعدة: (زيادة الثقة مقبولة) كان الراجح رواية يزيد، والله أعلم. لكن الأنصاري هذا تابعي، فيمكن عدُّه شاهداً ومتابعاً لرواية إسحاق مولى زائدة المتقدمة عند مسلم وغيره. بيد أنه قد يعكر على هذا أنه قد رواه جماعة من الثقات عن أبي هريرة دون جملة: "ورمضان إلى رمضان "، ومن المفيد تخريجها؛ فأقول: 1- عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحُرَقة عن أبي هريرة به. أخرجه مسلم وأبو عوا نة (2/22) والترمذي (214) - وصححه-، وابن خزيمة (1/162/314 و 3/158/1814) وابن حبان (4/65/2409) والبغوي في "شرح

السنة " (2/177/345) - وصححه أيضاً-، وأحمد (2/484) كلهم من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه. 2- محمد بن سيرين عن أبي هريرة. أخرجه مسلم، وأحمد (2/359) . 3- الحسن- وهو البصري- عن أبي هريرة. أخرجه أحمد أيضاً (2/414) . قلت: فاجتماع هذه الطرق لا تلقي في النفس الاطمئنان لثبوت جملة رمضان في حديث أبي هريرة. إلا أنني قد وقفت لها على بعض الطرق والشواهد، فلنسقها لننظر فيها، هل نجد بينها ما يمكن أن نقويها بها؟! أولاً: قال ابن أبي الدنيا في "فضائل رمضان " (64/36) : حدثنا أبو سعيد المدني قال: ثنا إسحاق بن محمد الفروي قال: حدثنا يزيد ابن عبد الملك عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "شهر رمضان يكفر ما بين يديه إلى شهر رمضان المقبل ". قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً، أبو سعيد المدني: هو عبد الله بن شبيب الربعي، قال الذهبي: "أخباري علامة، لكنه واه، قال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث ". وإسحاق بن محمد الفروي: من شيوخ البخاري، ضعفوه لسوء حفظه.

ويزيد بن عبد الملك: هو النوفلي، قال الذهبي في "المغني ": "مجمع على ضعفه ". ثانياً: قال أبو بلال الأشعري: ثنا المفضل بن صدقة أبو حماد الحنفي عن أبان بن أبي عياش عن أبي مَعْشَر التميمي عن قزعة مولى زياد عن أبي أمامة الباهلي مرفوعاً مثل حديث الترجمة، وزاد: "والحج يكفر ما قبله إلى الحج ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/313/8016) . وقال الهيثمي في "المجمع " (2/300) : "وفيه المفضل بن صدقة، وهو متروك الحديث ". قلت: ومثله أبان بن أبي عياش؛ كما قال أحمد وغيره. وأبو بلال الأشعري؛ ضعفه الدارقطني. ثالثاً: قال يحيى بن أيوب: عن عبد الله بن قُريط عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري يحدث: أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: فذكر الجملة فقط بلفظ: "صيام رمضان إلى رمضان كفارة ما بينهما". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/46- 47) . وقال الهيثمي (3/142) : "وفيه عبد الله بن قريط، ذكره ابن أبي حاتم، وقال: يروي عنه يحيى بن أيوب، وبقية رجاله رجال الصحيح ". قلت: وثقه ابن حبان، وصحح له حديثاً بإخراجه إياه في "صحيحه "، لكنه لا يعرف إلا برواية يحيى هذا، كما هو مبين في "تيسير الانتفاع ".

3323

وبالجملة؛ فلا أجد في هذه الأحاديث الثلاثة ما يصلح أن يستشهد به إلا هذا الحديث الأخير، وبه يمكن- مع متابعة الأنصاري المتقدمة عن أبي هريرة- أن نطمئن لثبوت جملة رمضان في حديث أبي هريرة. ولعله لذلك سكت عنه الحافظ في "الفتح " (4/111) ، فقال: "ثبت عند مسلم من حديث أبي هريرة ... ". فذكره بالزيادة. والله سبحا نه وتعالى أعلم. * 3323- (تعاد الصّلاة من ممر الحمارِ، والمرأة، والكلْبِ الأسود، وقال: الكلبُ الأسودُ شيطان) . أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (2/21/831) ، ومن طريقه ابن حبان (4/54- 55/2384) : نا محمد بن الوليد: نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي: نا هشام عن حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. وفيه: قلت: ما بال الأسود من الكلب الأصفر من الكلب الأحمر؟! فقال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتني؟ فقال: "الكلب الأسود شيطان ". قلت: هذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وهشام هو ابن حسان؛ كما في رواية ابن حبان. وقد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن حميد بلفظ: "يقطع الصلاة ... "، وهو مخرج في"الروض النضير" (956) ، و"صحيح أبي داود" (699) وغيرهما. وإنما خرجت حديث الترجمة؛ لتصريحه بالإعادة المفسر للفظ: "يقطع "، وقد

قال به طائفة من السلف كما في "معالم السنن " للخطابي، وانتصر له ابن القيم في "زاد المعاد". وخالف الطبري في "تهذيب الآثار" (ص 321- الجزء المفقود، تحقيق علي رضا) فزعم أن معنى: "يقطع " في هذا نظير قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم إلى سترة " فليدن منها " لا يقطع الشيطان عليه صلاته "؛ وهو حديث صحيح مخرج في "صحيح أبي داود" (692 و 695) ! فقال الطبري: "ومعلوم أن قطع الشيطان صلاة المصلي ليس بمروره بين يديه وحده دون إحداثه له من أسباب الوسوسة والشك، وشغل القلب بغير صلاته ما يفسد به صلاته ويقطعها عليه "! فأقول: هذا كلام عجيب غريب من مثل هذا الإمام الحافظ، فإنه يشبه كلام المعطلة لنصوص الصفات بالتأويل المبطل لدلالتها، وإليك البيان: لقد سلم الإمام بأن الشيطان يقطع الصلاة ليس بالمرور وحده، وإنما بالوسوسة أيضاً، فكيف يصح جعل القطع بمرور الأجناس الثلاثة نظير قطع الشيطان، وليس في شيء منها الوسوسة التي هي من طبيعة الشيطان بنص القرآن: (الذي يوسوس في صدور الناس) ؟! وإنما فيها المرور فقط، أليس في هذا التنظير تعطيلاً واضحاً لعلة المرور المذكور في حديث الأجناس دون الحديث الآخر؟! وذلك أن الشيطان يوسوس ولو لم يمر كما في حديث: "إن أحدكم إذا قام يصلي؛ جاء الشيطان فلبّس عليه صلاته حتى لا يدري كم صلى ... " الحديث متفق عليه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (943) ، ولذلك لم يذكر في الحديث الآخر المرور؛ بخلاف الحديث الأول حديث الأجناس الثلاثة، فاختلفا، ولم يجز التنظير والمساواة بينهما في معنى "القطع ".

وأيضاً؛ فالشيطان لا يُرى بحكم قوله تعالى: (إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم) ، فناسب أن لا يذكر مروره في الحديث، وعدم الأمر بإعادة الصلاة، بخلاف الحديث الأول؛ فإنها أجناس مرئية فناسب الأمر بالإعادة، فاختلفا من هذه الناحية أيضاً. فإن قيل: إذا كان الأمر كما ذكرت " فما فائدة الأمر باتخاذ السترة؟! فأقول: الأمر تعبدي محض، وسبب شرعي غير معقول المعنى للمحافظة على صحة الصلاة في الحديث الأول، وسلامتها من وسوسة الشيطان وتعريضه إياها للفساد، أو على الأقل لنقص الخشوع فيها في الحديث الآخر. وأيضاً؛ فإن مما يؤكد بطلان ذلك التنظير وفساده: أنه لا يجعل لذكر الأنواع الثلاثة معنى، بل يجعله لغواً، وهذا مما يتنزه عنه كلام من هو أفصح من نطق بالضاد، إذ لا فرق- من حيث شَغلُ البال عن الخشوع- بين أن يكون المار رجلاً أو امرأة، وبين أن تكون امرأة حائضاً (أي: بالغة) وبين أن تكون غير بالغة، كما لا فرق بين أن يكون حماراً أو بغلاً، كلباً أو هراً، كلباً أسود أو غيره؛ إذ كل ذلك يشغل! وسواء كان المرور بين المصلي والسترة أو من ورائها بعيداً عنها أو محتكاً بها! بل لا فرق في ذلك كله بين اتخاذ السترة وتركها؛ إذ الفساد المدعى أو انشغال البال حاصل في كل هذه الأحوال. وإن مما لا شك فيه أن ما لزم منه باطل فهو باطل، فكيف بما لزم منه بواطيل من التسوية بين ما يرى وما لا يرى في الحكم، وإلغاء الفرق بين الأجناس المذكورة في الحديث وما لم يذكر فيه، وإلغاء الأمر بالسترة من أصله؟! ولذلك قلت في مطلع الرد على كلام الإمام: "إنه يشبه كلام المعطلة.. ".

3324

قلت هذا؛ وأنا أعرف علمه وفضله وقدره، ولكن قدر كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعظم عندي من أي شخص بعده، فكن رجلاً يعرف الرجال بالحق، وليس يعرف الحق بالرجال. والله المستعان. * 3324- (غيِّروا سِيما اليهود، ولا تغيِّروا بسواد) . أخرجه الطبري في "تهذيب الآثار" (493/926- الجزء المفقود) : حدثني يونس قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة أنه سمع أنس بن مالك يخبر قال: دخلت يهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأل عنهم؟ فقالوا: يهود يا رسول الله! وهم لا يصبغون الشعر، فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير ابن لهيعة وسعد ابن إسحاق، وهما ثقتان، وابن لهيعة- واسمه عبد الله- إنما يتقى من حديثه ما كان من غير رواية العبادلة عنه- على الغالب-؛ فإنهم رووا عنه قبل احتراق كتبه كما تقدم التنبيه على ذلك مراراً، وابن وهب- وهو عبد الله المصري- منهم، وهذه فائدة هامة من فوائد كتاب الطبري رحمه الله، ولذلك بادرت إلى تخريجه. فقد أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/127/142- ط) من طريق يحيى بن بكيرقال: حدثني عبد الله بن لهيعة به نحوه. وقد كنت عزوته إليه نقلاً عن النسخة المصورة في كتابي "جلباب المرأة المسلمة" (ص 191) شاهداً لحديث عائشة في التغيير. والآن فبهذه المتابعة القوية من ابن وهب ليحيى بن بكير قد صح الحديث، والحمد لله. وله طريق أخرى عن أنس؛ سبق تخريجها برقم (496) ، وتحته بعض الشواهد. *

3325

3325- (كنّا نصلِّي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العِشاء، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسَه أخذهما [بيده من خلفه أخذاً رفيقاً] ، فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد، عادا، فلمّا صلَّى [وضعهما على فخذيه] واحداً ههنا، وواحداً ههنا، قال أبو هريرة رضي الله عنه: فجئته، فقلت: يا رسول الله! ألا أذهب بهما إلى أمهما؟! قال: لا، فبرقت برقة، فقال: الحقا بأمكما. فما زالا يمشيان في ضوئها، حتى دخلا [إلى أمهما] ) . أخرجه الحاكم (3/167) - والسياق له-، ومن طريقه البيهقي في "الدلائل " (6/76) ، وأحمد في "المسند" (2/513) - والزيادة الأولى له-، وابنه عبد الله في زوائده على "فضائل الصحابة " لأبيه (2/785/1401) - والزيادة الأخيرة له-، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/45/2659) - والزيادة الثانية له-، والعقيلي في "الضعفاء" (4/9) ، وابن عدي في "الكامل " (6/81) ؛ كلهم من طريق كامل بن العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي! قلت: وإنما هو حسن فقط؛ للخلاف المعروف في كامل بن العلاء، ولذلك قال فيه الحافظ: "صدوق يخطئ ".

فهو وسط، وقد أشار إلى هذا الذهبي بقوله في "الكاشف ": "وثقه ابن معين، وقال (س) : ليس بالقوي ". فمثل هذا يمشى حديثه إلا إذا تبين خطؤه. وقد توبع بما لا يفيد، فرواه موسى بن عثمان الحضرمي عن الأعمش عن أبي صالح به مختصراً. أخرجه البزار في "مسنده " (3/227/2629- كشف الأستار) ، وقال: "لا نعلم رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة إلا موسى؛ وإنما يعرف من حديث كامل عن أبي صالح ". ثم ساق إسناده إليه. وموسى هذا؛ قال أبو حاتم: " متروك ". ولذلك قال الهيثمي في "المجمع " (9/ 181) : "رواه أحمد، والبزار باختصار، وقال: "في ليلة مظلمة "، ورجال أحمد ثقات ". ومن طريق موسى بن عثمان هذا: أخرجه أبو نعيم في "الدلائل " (ص 494) ، لكن سقط من إسناده: "عن أبي صالح "، ولا أدري أهو من الناسخ أو الطابع، أم الرواية هكذا وقعت له؟! والأقرب الأول، فقد رأيت الحديث في "العلل المتناهية " لابن الجوزي (1/256/415) رواه من طريق الدارقطني عن موسى هذا عن أبي صالح به، وأعله بموسى.

وهنا تنبيهات: أولاً: لقد اقتصر ابن الجوزي على ذكر هذه الطريق الواهية، وفاتته طريق كامل بن العلاء الجيدة! ثانياً: لم يتنبه الأخ الفاضل وصي الله في تعليقه على كتاب "الفضائل " لسقوط (أبي صالح) من إسناد أبي نعيم، مع أنه عزاه إلى "علل الدارقطني " وابن الجوزي، وهو ثابت فيه! ثالثاً: لم يفصح عن ضعف الحضرمي الشديد، واكتفى بقوله أنهما ضعفاه بموسى! رابعاً: وهو أهم من كل ما تقدم-: أنه قال بعدما حسن إسناد "الفضائل " من طريق كامل بن العلاء: "وأخرجه أحمد (2/513) بإسنادين صحيحين، والحاكم.. والطبراني.. كلاهما من طريق كامل "! فتراه قد غاير بين إسناد أحمد وإسناد من ذكر بعده، وهو واحد! مداره على كامل. وأسوأ منه: أنه زعم أن لأحمد فيه إسنادين- وصحيحين!! - وهذا وهم فاحش من مثله؛ فإنه عند أحمد من طريق كامل فقط، وفي الموضع الذي أشار إليه كما تقدم، وإليك البيان: قال أحمد: "ثنا أسود بن عامر: ثنا كامل وأبو المنذر: ثنا كامل أبو كامل قال: أنا- المعنى- عن أبي صالح عن أبي هريرة ... ثنا أبو أحمد- بإسناده- عن أبي صالح: ثنا أبو هريرة ... ".

3326

فأنت ترى أن الإمام أحمد رحمه الله رواه أولاً عن شيخيه: أسود بن عامر وأبي المنذر- واسمه إسماعيل بن عمر الواسطي-، كلاهما قالا: ثنا كامل " إلا أن أبا المنذر زاد على الأول فقال: "أبو كامل " فكنى كاملاً بأبي كامل، وهذه الكنية لم يذكروها في ترجمته، وإنما كنوه ب (أبي العلاء) ويقال: (أبو عبد الله) ، فإن كانت محفوظة فهي كنية ثالثة له، ولكنه على كل حال هو لهما شيخ واحد. ثم قال أحمد: ثنا أبو أحمد ... وهذا شيخ ثالث لأحمد- واسمه محمد بن عبد الله الزبيري-، وهذا رواه أيضاً عن كامل، وهو المراد بقول أحمد: "بإسناده "، وهو الذي لا يمكن أن يفهم من عانى هذا الأمر غيره، وإن كانت العبارة لا تخلو من شيء، وأظن أنها من النساخ. وعلى كل حال؛ فلو فرض أن إسناد أبي أحمد الزبيري إسناد آخر؛ فالواسطة بينه وبين أبي صالح مجهولة لم تسم، فمن أين له الصحة؟ ! والإسناد الأول حسن كما قال الأخ وصي الله نفسه؛ فمن أين له الصحة أيضاً؟ ! ثم رأيت الحافظ ابن حجر قد أشار في "أطراف المسند" (7/215/9282) إلى وحدة الإسناد، فقال: "عن الأسود بن عامر، وأبي المنذر، وأبي أحمد، ثلاثتهم عن كامل أبي العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة". ثم إن هذه القصة قد وردت بألفاظ أخرى مطولاً ومختصراً، وقد ذكرتها في "صفة الصلاة" (ص 148) . * 3326- (هذا العباس بن عبد المطلب، أجود قريش كفاً، وأوصلها) . أخرجه أحمد في "المسند" (1/185) و"الفضائل " (2/924/1768) وعبد الله

في زوائد " الفضائل " (2/938/1804) والبزار في "مسنده " (3/247/2673-كشف الأستار) وأبو يعلى (2/139/820) والنسائي أيضاً في " الفضائل " (93/ 71) والفسوي في " المعرفة " (1/502) والحا كم (3/328 و 329) وابن عساكر في "التاريخ " (8/930- 931) من طرق عن محمد بن طلحة التيمي: حدثني أبو سهيل نافع بن مالك عن سعيد بن المسيّب عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للعباس: ... فذكره. وقال البزار: "لا نعلمه مرفوعاً إلا من هذا الوجه، ولا له إلا هذا الإسناد، ومحمد بن طلحة مدني مشهور". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". وأقره الذهبي! قلت: وفيه نظر؛ لأن محمد بن طلحة هذا فيه كلام من قبل حفظه، ولذلك قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يخطىء ". وقال الذهبي في "الميزان ": "معروف صدوق، وثِّق. وقال أبو حاتم: لا يحتج به ". قلت: فمثله حسن الحديث إذا لم يخالف. وقد رواه بعض الضعفاء عنه عن ابن المنكدر عن سعيد بن المسيب به. أخرجه ابن عساكر (8/929) من طريق محمد بن يونس البصري: نا يعقوب بن محمد الزهري: نا محمد بن طلحة التيمي به. وقال ابن عساكر:

"غريب من حديث محمد بن المنكدر عن سعيد، والمحفوظ حديث أبي سهيل عنه ". قلت: وعلته؛ إما يعقوب بن محمد الزهري؛ فإنه كثير الوهم كما في " التقريب ". وإما محمد بن يونس البصري، وهو به أولى فإنه متهم- وهو الكديمي-؛ قال الذهبي في "المغني ": "هالك، قال ابن حبان وغيره: كان يضع الحديث على الثقات ". وأوجد بعض الضعفاء لمحمد بن طلحة متابعاً، فرواه أحمد بن محمد بن السَرِيِّ التميمي: نا أحمد بن موسى بن إسحاق الحمّار الكوفي: نا عبد الله بن عبد الوهاب النمري البصري: نا مطرّف نجن عبد الله عن مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك به. أخرجه ابن عساكر أيضاً. وقال: "هذا حديث غريب من حديث مالك عن عمه أبي سهيل، والمحفوظ حديث محمد بن طلحة بن الطويل عن أبي سهيل ". ثم ساقه من الطرق المشار إليها في أول التخريج عن محمد بن طلحة. وآفة هذه الطريق: أحمد بن محمد بن السري التميمي؛ فإنه رافضي كذاب كما في "الميزان " و"اللسان "، هذا إن سلم من عبد الله بن عبد الوهاب النمري البصري؛ فإنه غير معروف، وبه أعله الدارقطني، فقد أخرجه في "غرائب مالك " من طريق أحمد بن موسى بن إسحاق عنه، وقال:

"الراوي عن مطرف ليس بالمشهور، والمعروف في هذا رواية محمد بن طلحة الطويل عن أبي سهيل ". ذكره الحافظ في ترجمة (.. النمري البصري) هذا في "اللسان ". ثم أتبعه بترجمة أخرى، فقال: "عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي.. ". ثم ذكر بعض شيوخه، وبعض الرواة عنه، ثم ذكر ما قاله أبو نعيم في ترجمته من "أخبار أصبهان " (2/52) : "قدم أصبهان، وحدث بها، في حديثه نكارة". وعقب عليه الحافظ بقوله: "قلت: ويحتمل أن يكون هو [النمري البصري] الذي قبله؛ فإنهما في طبقة واحدة ". قلت: وهو احتمال قوي، وقد فاته أن ابن حبان ذكر (الخوارزمي) هذا في " الثقات " (8/367) ، وقال: "يروي عن أبي نعيم، روى عنه أهل خراسان، مات سنة سبع وستين ومائتين، ربما أغرب ". قلت: وإذا عرفت وهاء هذه الطريق بالمتابعة، وطريق ابن المنكدر التي قبلها؛ يتبين لك خطأ قول الشيخ عبد القادر بدران رحمه الله في "تهذيب تاريخ ابن عساكر" (7/ 240- 241) عقب الحديث، مشيراً إلى طريق مالك وغيره: "رواه بطرق متعددة يقوي بعضها بعضاً "!

3327

ونقله عنه الأخ الفاضل وصي الله في تعليقه على "الفضائل " (2/924) ! وأقره؛ لأنه لم يقف على الطريقين الواهيين. * 3327- (من قرأ حرْفاً من كتاب الله؛ فله به حسنة، والحسنة بعشْرِ أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/216/679) ، والترمذي (8/115/2910) كلاهما بإسناد واحد قالا- والسياق للترمذي-: حدثنا محمد بن بشار: حدثنا أبو بكر الحنفي: حدثنا الضحاك بن عثمان عن أيوب بن موسى قال: سمعت محمد ابن كعب القُرَظي قال: سمعت عبد الله بن مسعود يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الترمذي: "ويروى هذا الحديث من غير هذا الوجه عن ابن مسعود، ورواه أبو الأحوص عن ابن مسعود؛ رفعه بعضهم، ووقفه بعضهم عن ابن مسعود. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ". قلت: وإسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير الضحاك بن عثمان، احتج به مسلم، وهو مختلف فيه، قال الذهبي في "الميزان ": " صد وق ". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يهم ". وكأن البخاري أشار إلى هذا بقوله عقب الحديث في ترجمة القرظي:

"لا أدري حفظه أم لا؟ ". قلت: لكن الأصل في مثل هذا المتكلم فيه تمشية حديثه؛ إذا لم يتبين وهمه فيه كما هنا " وإلا لزم التوقف عن قبوله حديث كثير من رواة البخاري الذين يتكلم فيه بعض الحفاظ كأبي بكر بن عياش ونحوه، ولذلك رأينا تلميذه الترمذي قد قوّى هذا الحديث، وأقره جماعة من الحفاظ، منهم المنذري في "الترغيب " (2/205) ، وابن تيمية في "الفتاوى" (12/13 و 23/282) وغيرهم- لو تتبع- كثير، مثل الضياءالمقدسي كما كنت نقلته من جزء له في "الصحيحة". وخالفه موسى بن عبيدة فقال: حدثنا محمد بن كعب عن عوف بن مالك الأشجعي مرفوعاً به نحوه. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/461/9982) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (1/213- 214) . وموسى هذا: هو الربذي؛ ضعيف. وله طريق أخرى من رواية عطاء بن السائب عن أبي الأحوص عن ابن مسعود به مرفوعاً. أخرجه ابن منده في جزء "الرد على من يقول: (الم) حرف " (رقم 4 و5 و 6) من طريق حماد بن زيد وسفيان الثوري وغيرهما عنه " وهما رويا عنه قبل الاختلاط، فهو إسناد صحيح، وقد كنت خرجت قديماً رواية سفيان في "الصحيحة" (660) من رواية الخطيب، والآن وجدتها من رواية ابن منده أيضاً عنه وعن حماد في كتابه المذكور تحقيق الأخ الباحث المحقق عبد الله الجديع. لكني رأيته قد ذهب إلى إعلال هذين الطريقين الصحيحين وغيرهما مما رواه ابن منده وغيره- بالوقف- بحجة أن أكثر الطرق الصحيحة عن ابن مسعود هي

موقوفة، ولست أشك في أصحية كثير من الطرق الموقوفة، وقد ساق بعضها الطبراني في "المعجم الكبير" (9/139- 140) ، ولكني رأيته متكلفاً في نصب التعارض بينها وبين الطرق المرفوعة من جهة، ومغالياً في ادعاء الانقطاع بين محمد بن كعب القرظي وعبد الله بن مسعود من جهة أخرى. أما التكلف؛ فإني لا أرى أي تعارض بين المرفوعات والموقوفات حتى يصار إلى ترجيح هذه على تلك؛ ذلك لأن الموقوف هنا في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، وهذا هو ملحظ الترمذي ومن وافقه حين صححوه، وهم على علم بالطرق الموقوفة دون ريب، وكذلك الحافظ ابن منده الذي أقام جزءه على الطرق المرفوعة، وساق الطرق الكثيرة الموقوفة، فلم يعل تلك بهذه لما ذكرت. وأما المغالاة؛ فقد تشبث في إثبات الانقطاع المزعوم بقول البخاري المتقدم: "لا أدري حفظه أم لا؟ "! فقال: "أراد قوله: سمعت عبد الله ". وأقول: إن كان أراد ذلك؛ فليس إلا شكاً في السماع، وليس نفياً له، ولو صرح بالنفي؛ فغيره قد أثبته، وأعني به الترمذي، فإن تصحيحه للحديث يستلزم صحة اتصال إسناده كما هو ظاهر، بل قد صرح أبو داود بسماعه منه فقال. "سمع من علي ومعاوية، وابن مسعود". ومعلوم من علم الأصول أن المثبت مقدم على النافي، وهذا أمر لا يخفى عليه إن شاء الله. ولكن لننظر كيف رد الإثبات بطرق ملتوية هزيلة: لقد نقل عن الترمذي قوله عقب تصحيحه المذكور:

"سمعت قتيبة يقول: بلغني أن محمد بن كعب القرظي ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: ومع أن الترمذي لم يصحح هذا- كيف وهو قد ذكره بلاغاً وهو نقل عن مجهول- " فهو شاذ غير مقبول كما قال (الجديع) نفسه؛ ومع ذلك فهو يقول في قول الترمذي: "ولعل هذا القول هو عمدته في تصحيح الحديث، ولذا ذكره، ووافق الترمذي أبو داود في نقله عن قتيبة، لكن في رواية أبي داود: سمعت قتيبة يقول: "بلغني أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: واعتمد هذا القول أبو داود فقال في محمد بن كعب: سمع من علي، ومعاوية، وابن مسعود". فأقول: أما قوله: "ولعل ... " إلخ فيقال له: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب، وكذلك قوله: "واعتمد هذا القول أبو داود ... " فهو مثله أو أسوأ؛ لأنه مجرد دعوى لا دليل عليها، فسبيلها أن يضرب بها عرض الحائط، لا سيما وهي في صدد ردّ حقيقة ثابتة، وهي تصريح الراوي الثقة بالسماع، بل واتهام لحافظين من حفاظ الأمة أنهما يصححان الأحاديث بناء على بلاغ منقطع لا يخفى على المبتدئ في هذا العلم ضعفه. وإني- والله- لأعجب من جرأة هذا الباحث على مثل هذه الدعوى الهدامة التي لم يسبق إليها، وليس هذا فقط، بل ولا يقيم وزناً لبعض الأقوال التي تؤيد الاتصال من بعض الحفاظ من أئمة الجرح والتعديل المطلعين على أقوال الحفاظ السابقين من الناقدين، كالحافظ العسقلاني الذي رد البلاع الذي تقدم عن قتيبة بقوله: "لاحقيقة له ".

ومع ذلك؛ فإنه لم يرد قول أبي داود الصريح بسماع القرظي من ابن مسعود والآخرين معه، بل إنه أشار إشارة قوية إلى تمريض القول المخالف له؛ فإنه لما ذكر في مطلع ترجمته جماعة من الصحابة الذين روى عنهم، وفيهم هؤلاء الثلاثة؛ عقب على ذلك بقوله: "يقال: إن الجميع مرسل ". وهو قول الحافظ المزي في "تهذيبه "، ولذلك رأيت الحافظ العلائي في "جامع التحصيل " (ص 329) يعقب على قول أبي داود الصريح بالسماع بقوله: "وهذا هو الصحيح ... " ثم احتج له بهذا الحديث، مشيراً إلى صحته، ومبطلاً لقول من قد يقول بانقطاع إسناده! ويخطر في البال أن المخالف شعر أن ما تشبث به لا يكفي لإثبات الانقطاع، فلجأ إلى شيء بديع لم يتنبه له أولئك الحفاظ! ألا وهو الاحتجاج بما ذكروه من تاريخ ولادة (محمد بن كعب القرظي) ، وهو سنة (40) على أكثر ما قيل، وما ذكروه في وفاة ابن مسعود، وهي سنة (33) على أكثر الأقوال؛ وعليه قال (ص 99) : "وأي ذلك كان الصواب؛ فإنه ولد قطعاً بعد موت ابن مسعود"! فأقول: أثبت العرش ثم انقش؛ فإن الأقوال التي قيلت في تاريخ ولادته هي أقوال معلقة لا زمام لها ولا خطام، فالاعتماد عليها فاسد الاعتبار في مثل هذا المجال، وأتعجب منه! لقد رد قول قتيبة: بلغني.. المتقدم بأنه عن مجهول فهو شاذ غير مقبول، رده لأنه يثبت اتصال سند الحديث الذي رفضه، والآن تشبث بالتاريخ الذي لا سند له؛ لأنه يؤيد الانقطاع الذي زعمه!! وأعل به رواية الثقة

3328

الذي قال عن محمد بن كعب: سمعت عبد الله بن مسعود ... فاعتبروا يا أولي الأبصار! لقد ذكرني صنيع هذا الباحث بما فعله بعض الحنفية بحديث أبي هريرة الصحيح: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر، فسلم في ركعتين ... - الحديث- وفيه قصة ذي اليدين وإتمامه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة بعد قوله: "أصدق ذو اليدين؛ ". متفق عليه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (923) . فأعله بعض الحنفية انتصاراً لمذهبه بقول الزهري: إن صاحب القصة- يعني: ذا اليدين- استشهد ببدر، وأبو هريرة أسلم عام خيبر. فأعل الصحيح بقول الزهري المعضل، فهذا كذاك! انظر "فتح الباري " (3/96- 97) . * 3328- (كان يقرأ في ركعتي الفجر، [والركعتين بعد المغرب] (قل يا أيّها الكافرون) و (قل هو الله أحد)) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/424/13564) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا الفضل بن سهل الأعرج: ثنا أبو الجوّاب الأحوص بن جوّاب عن عمار ابن رزيق عن أبي إسحاق عن "إبراهيم بن مهاجر عن مجاهد عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث دون الزيادة. قلت: وعبدان بن أحمد- وهو الأهوازي- ثقة حافظ. وقد تابعه الإمام النسائي فقال في "سننه " (1/154) : أخبرنا الفضل بن سهل به أتم منه، ولفظه: رمقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرين مرة يقرأ في الركعتين بعد المغرب، وفي الركعتين قبل الفجر ... فذكر السورتين.

قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير أن ابن جَوَّاب قد تُكلم فيه، قال ابن معين: "ثقة "، وقال مرة: "ليس بذاك القوي ". وشيخه عمار أقوى منه، وقد قال فيه النسائي والبزار: "ليس به بأس ". وقد خولف في إسناده من ثلاثة من ثقات أصحاب أبي إسحاق- وهو السبيعي-: الأ ول: سفيان الثوري. فقال عبد الرزاق في "المصنف " (3/59/4790) : أخبرنا الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد به دون الزيادة، نحو رواية النسائي دون الزياد ة. ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه أحمد (2/35) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/414/13527) . ثم قال أحمد (2/94) : حدثنا أبو أحمد الزبيري: حدثنا سفيان به. وأخرجه الترمذي (2/84/417) , وابن ماجه (1149) من طرق أخرى عن أبي أحمد الزبيري. وقال الترمذي: "حديث حسن، ولا نعرفه من حديث الثوري عن أبي إسحاق إلا من حديث أبي أحمد، والمعروف عند الناس حديث إسرائيل عن أبي إسحاق، وقد روي عن أبي أحمد عن إسرائيل هذا الحديث أيضاً ".

قال المحقق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "الترمذي " (2/277) : "كأن الترمذي يشير إلى تعليل إسناد الحديث بأن الرواة رووه عن إسرائيل عن أبي إسحاق، وأنه لم يروه عن الثوري إلا أبو أحمد؛ وليست هذه علة إذا كان الراوي ثقة، فلا بأس أن يكون الحديث عن الثوري وإسرائيل معاً عن أبي إسحاق، وأبو أحمد ثقة، فروايته عن الثوري تقوي رواية غيره عن إسرائيل، ثم هو قد رواه عن إسرائيل أيضاً كغيره، فقد حفظ ما حفظ غيره، وزاد عليهم ما لم يعرفوه، أو لم يرو لنا عنهم ". قلت: وهذا هو التحقيق الذي تقتضيه الصناعة الحديثية. على أنه يستدرك عليه وعلى الترمذي رواية عبد الرزاق المتقدمة عن سفيان الثوري، وهذا مما يؤيد تحقيق أحمد شاكر رحمه الله. وفاته تخريج حديث إسرائيل عن أبي إسحاق- وهو الثاني من أصحابه الثلاثة الذين سبقت الإشارة إليهم-، فأقول: الثاني: إسرائيل- وهو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي- قال: عن أبي إسحاق به , وفيه الزيادة. أخرجه أحمد (2/24 و 58 و 77 و 99) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/176) من طرق عنه- أحدها عند أحمد في الموضع الثالث-: حدثنا محمد ابن عبد الله بن الزبير، وهو أبو أحمد الزبيري. الثالث: أبو الأحوص سلام بن سُليم قال: عن أبي إسحاق به، وفيه الزيادة بلفظ: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثر من عشرين مرة يقرأ ... الحديث.

أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (2/242) ، والطيالسي في "مسنده " (257/1893) قالا: حدثنا أبو الأحوص به. وخالفهما في المتن موسى بن داود قال: ثنا أبو الأحوص به دون الزيادة. أخرجه الطبراني (12/415/13528) . وموسى بن داود: هو الضبي، قال الحافظ: "صدوق فقيه زاهد له أوهام ". فلا تضر مخالفته؛ لأن زيادة الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كانت من ثقتين حافظين كما هو ظاهر. وللحديث طريقان آخران عن ابن عمر، ولكنهما ضعيفان: أحدهما: عن ليث عن نافع عن ابن عمرقال: رمقت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشرين ليلة أو خمساً وعشرين ليلة أو شهراً ... الحديث بالزيادة. أخرجه ابن نصر المروزي في "قيام الليل " (ص 31- هندية رفاه) . قلت: ورجاله ثقات رجال البخاري؛ غير ليث- وهو ابن أبي سُليم-، قال الذهبي في "الكاشف ": "فيه ضعف يسير من سوء حفظه ". قلت: وذلك لاختلاطه، فمثله يستشهد به. والطريق الأخرى: يرويها إسماعيل بن عمرو البَجَلي: نا إسرائيل عن ثُوَير بن أبي فاختة عن ابن عمر به.

أخرجه الطبراني في " الكبير"؛ كذا في أصل "صفة الصلاة" دون ذكر الجزء والصفحة، فلا أدري من أين نقلته يومئذ؟! وإسماعيل البجلي، وثوير بن أبي فاختة " كلاهما ضعيف. وللحديث شاهد من حديث ابن مسعود؛ يرويه عبد الملك بن الوليد بن معدان عن عاصم ابن بهدلة عن أبي وائل عنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ ... الحديث بالزيادة. أخرجه الترمذي (431) ، وابن ماجه (1166) ، وابن نصر أيضاً، والطحاوي (1/175- 176) . وقال الترمذي: "حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الملك بن معدان ". قلت: وهو ضعيف كما في "التقريب ". وقال الذهبي في كتابه "المغني ": "ضعفو5". وهناك شاهد آخر؛ لكن في إسناده أصرم بن حوشب بسنده عن عبد الله بن جعفرمثله. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (8/373) في جملة أحاديث بهذا الإسناد تحت رقم (7757) ، وأفاد أنه لا يروى إلا بهذا الإسناد. قلت: وهو ضعيف جدّاً؛ أصرم هذا متروك متهم، فهو ممن لا يستشهد به. والذي يمكن أن أستخلصه من هذا التخريج والتحقيق: هو أن الحديث صحيح لذاته، أو لغيره بمجموع طرقه عن ابن عمر، وبشاهده عن ابن مسعود، والأول أرجح عندي، وذلك لاتفاق الثقات الثلاثة على روايته عن أبي إسحاق السبيعي عن مجاهد عن ابن عمر.

وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، ولا يحول بيني وبين الجزم بصحته إلا أمران معروفان في ترجمة السبيعي: أحد هما: اختلاطه، لكنا قد أمنّا هذا منه برواية الثوري عنه، فإن من المشهور أنه روى عنه قبل الاختلاط، وروايته عنه في "الصحيحين ". وقد تابعه سلام بن سليم كما تقدم، وقد أخرجا له عنه في "الصحيحين " أيضاً. والآخر: عنعنته، فقد رمي بالتدليس، وهذا في نقدي غير وارد هنا، وذلك لما يأتي: أولاً: أنهم قد ذكروا في ترجمة السبيعي أنه روى عن ابن عمر، وممن ذكر ذلك ابن أبي حاتم عن أبيه، فلو أن السبيعي أراد التدليس لأسقط مجاهداً من البين، ولرواه عن ابن عمر مباشرة؛ ولو أنه فعل لصدق عليه وصف التدليس هنا، وقد أشار إلى هذا ابن أبي حاتم في روايته عن أبيه في "المراسيل " (ص 94) أنه قال: "لم يسمع أبو إسحاق من ابن عمر، إنما رآه رؤية". ثانياً: روى في "الجرح " بسند صحيح عن الطيالسي قال: "قال رجل لشعبة: سمع أبو إسحاق من مجاهد؟ قال: ما كان يصنع بمجاهد؟! كان هو أحسن حديثاً من مجاهد، ومن الحسن، وابن سيرين ". قلت: فهذا شعبة يكبره أن يروي عن مجاهد؛ لأنه أجل منه عنده، ومع ذلك فإنه لما احتاج إلى حديثه؛ رواه عنه وأثبته ولم يدلسه، فهذا مما يدفع عنه شبهة التدليس هنا.

ثالثاً: لو كانت عنعنته هنا علة؛ لتمسك بها أبو حاتم نفسه حينما أورد هذا الحديث في كتابه "العلل "، والواقع أنه أعله بعلة أخرى، وهي غير قادحة إن شاء الله كما سأبينه قريباً بإذن الله تعالى، فثبت أن الإسناد صحيح جزماً، والحمد لله. وكأنه لذلك أورده الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"، كما كنت ذكرت في " صفة الصلاة "، والى ذلك يجنح كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه المتقدم على "الترمذي ". ولا يشكل على هذا التصحيح اقتصار الترمذي على التحسين؛ لأنه لم يكن - فيما أرى- إلا بسبب خوفه أن يكون أبو أحمد الزبيري وهم في رواية الحديث عن سفيان، أما وقد تابعه عبد الرزاق؛ كما أسلفت؛ فقد زال الإشكال. والحمد لله. وأما ما أعله به أبو حاتم؛ فهو ما في كتاب ابنه "العلل "، قال (1/105) : "سألت أبي عن حديث رواه أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر ... (فذكر الحديث) ؛ قال أبي: ليس هذا الحديث بصحيح، وهو عن أبي إسحاق مضطرب، وإنما روى هذا الحديث نفيع الأعمى عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "! فأقول: هذا الإعلال غريب جدّاً، وبخاصة من مثل هذا الإمام النقاد! فإنه لو صب كلامه على إسناد الحديث فقط؛ لكان أهون من نفيه صحة الحديث، فإنه لا يخفى على أهل العلم أن الحديث قد لا يصح بإسناد، ويصح بإسناد آخر، أو بشواهد، أو بمجموع طرقه، ولذلك نصوا على أن من وقف على حديث بإسناد ضعيف؛ لا يقول: "حديث ضعيف "، وإنما: "إسناده ضعيف " إلا إن كان من الحفاظ الجامعين للطرق والأسانيد، فله ذلك.

إذا عرفت هذا؛ فمن الميسور أن تتبين خطأ الإمام من وجوه: الأول: أنه خطأ (أبا الأحوص) الثقة في إسناده- عن أبي إسحاق عن مجاهد عن ابن عمر- برواية مجهولة عن نفيع الأعمى، لم يسق إسنادها لننظر فيه هل يصح أن يعارض لمثله إسناد هذا الثقة، أم هو مثل إسناد ذاك المخالف المتقدم: عمار ابن رزيق؟ الثاني: لو فرض أن الإسناد الذي لم يسقه هو صحيح إلى نفيع، وكان مداره على أبي إسحاق؛ فلا ينهض لمعارضة رواية أبي الأحوص لمتابعة سفيان وإسرائيل إياه. الثالث: هب أن رواية نفيع هي الأرجح من رواية الثلاثة؛ فهناك الطريقان الآخران عن ابن عمر، والشاهد عن ابن مسعود، وكل ذلك مما يدفع الترجيح المذكور. الرابع: لو سلمنا جدلاً بهذا الترجيح؛ فذلك لا يستلزم تضعيف الحديث لما ذكرته من الأسباب بين يدي الوجه الأول، وهي كلها متوفرة في هذا الحديث كما تقدم بيانه، وبخاصة بالنسبة لركعتي الفجر؛ فقد ذكر الحافظ في "الفتح " (3/47) لحديث ابن عمر هذا شواهد من حديث عائشة، وابن مسعود (الماضي) ، وأنس، وجابر، وأبي هريرة؛ وقد عزاها إلى مصادرها من كتب السنة، وأصحها حديث أبي هريرة؛ فإنه في "صحيح مسلم "، و"أبي عوانة"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (1150) . وهناك إعلال آخر للحديث يشبه ما تقدم في الغرابة، ويشترك معه في الغفلةعن الطريق الصحيحة، ويزيد عليه أنه نقد الطريق الضعيفة المتقدمة من رواية ليث ابن أبي سليم، فقال ابن نصر عقبها:

"وهذا غير محفوظ عندي؛ لأن المعروف عن ابن عمر رضي الله عنه: أنه روى عن حفصة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الركعتين قبل الفجر، وقال: تلك ساعة لم أكن أدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها"! قلت: إنما يستقيم على قوله في الحديث: إنه غير محفوظ! وهذا مردود بما تقدم من الطريق الصحيح عن مجاهد عن ابن عمر، ومن الظاهر أن ابن نصر لم يقف عليها؛ وإلا لساقها ولم يعقب عليها بما تقدم منه. ثم إنه ليس في حديث الليث الذي ساقه- فضلاً عن غيره مما لم يحط به علمه- أن ابن عمر رآه تلك المرات الكثيرة في حالة الإقامة حتى يرد عليه حديث أخته حفصة، فيمكن أن يكون ذلك والنبي - صلى الله عليه وسلم - خارج بيته في بعض المناسبات كغزوة الخندق، وهذا بالنسبة لركعتي المغرب، وأما بالنسبة لركعتي الفجر؛ فمن الثابت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدعهما سفراً ولا حضراً، ولا بد أن ابن عمر سافر معه - صلى الله عليه وسلم - كثيراً كحجة الوداع، فرآه في بعض أسفاره يصليها، والله سبحانه وتعالى أعلم. وإن من جنف بعض الطلبة المغرورين الذين لم يعرفوا بعدُ قدر العلم والعلماء - على السنة الصحيحة- أن أحدهم ألف رسالة بعنوان: "نظرات في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - "؛ ضعف فيها عشرات الأحاديث الصحيحة، مقدماً فيها ما قيل في بعضها من الجرح والعلة، دون أن يدرس هل هي علة قادحة أم لا؟! ودون التفات إلى قاعدة تقوية الحديث بكثرة الطرق، ودون اعتداد بموقوفات الصحابة التي هي في حكم المرفوع، حتى وصل به الأمر إلى تضعيف حديث الاستفتاح بـ: " سبحانك اللهم وبحمدك ... .." مع وروده عن خمسة من الصحابة وغيرهم، وتعليم عمر رضي الله عنه الناس وهو يصلي بهم ويرفع صوته به يعلمهم، وهو صحيح الإسناد عنه كما اعترف هو به؛ ومع ذلك انتقده عليّ! وهذا مثال آخر بين

3329

يديك؛ فإنه نقل إعلال أبي حاتم وابن نصر لحديث ابن عمر، دون أن يتنبه أنه محصور في بعض الطرق، وأنه لا يلزم من الضعف المذكور- لو سُلِّمَ به- ضعف الحديث لطرقه الأخرى، والشواهد التي منها حديث أبي هريرة في " صحيح مسلم "؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار! * 3329- (إنك لست مثلي، إنما جُعل قُرَّةُ عيني في الصلاة) . أخرجه ابن نصر في " تعظيم قدر الصلاة " (ق 68/2) : حدثنا يحيى بن عثمان: ثنا هقل عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام من الليل؛ وامرأة تصلي بصلاته، فلما أحس التفت إليها، فقال لها: "اضطجعي إن شئت ". قالت: إني أجد نشاطاً؟! قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير يحيى بن عثمان- وهو أبو زكريا الحربي البغدادي-؛ قال أبو زرعة: "تقة". وقال ابن معين: "ليس به بأس "، كما في "الميزان " و"التعجيل "، و"تاريخ الإسلام " (17/403) . وفاتهما قول صالح بن محمد جزرة: "صدوق، وكان من العباد"؛ رواه عنه الخطيب (14/ 191) . وذكره ابن حبان في " الثقات "، وقال (9/ 263) : "ربما وهم ".

والحديث أخرجه العقيلي (4/ 420) - مختصراً-، والخطيب (14/ 190) - أتم منه- من طريقين آخرين عن يحيى بن عثمان به. وقال العقيلي: "لا يتابع على حديثه ". وقال الخطيب: "تفرد بروايته هكذا موصولاً: هقل بن زياد عن الأوزاعي، ولم أره إلا من رواية يحيى بن عثمان عن هقل، وخالفه الوليد بن مسلم فرواه عن الأوزاعي عن إسحاق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً؛ لم يذكر فيه أنسآ)) . ثم ساق إسناده إلى الوليد، وفيه أن المرأة: من أزواجه. وأقول: هقل ثقة متقن من رجال مسلم، وبخاصة في روايته عن الأوزاعي، فقد كان كاتبه، حتى قال أحمد: "لا يُكتب حديث الأوزاعي عن أوثق من هقل ". ونحوه قول أبي مسهر: "ما كان ههنا أحد أثبت في الأوزاعي من هقل ". ولذلك؛ فروايته أرجح من رواية الوليد بن مسلم، ولا سيما ومعه زيادة في الإسناد، فيجب قبولها حسب القاعدة المعروفة، وبخاصة أن رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي متكلم فيها. ولجملة (القُرة) منه طريق آخر عن أنس، وهو مخرج في "المشكاة" (5261) ، و" الروض النضير" (رقم 53) ، و"الرد على الهدام " (رقم: 141) . وقد مضى قريباً من حديث المغيرة (3291) ، وقد سبق في (1107و1809) مكرراً. *

3330

3330- (إذا أراد الله جل ذكره أن يخلق النسمة، فجامع الرجل المرأة؛ طار ماؤه في كل عرق وعصب منها، فإذا كان يوم السابع؛ أحضر الله له كل عرق بينه وبين آدم، ثم قرأ: [في أيّ صورة ما شاء ركبك] ) . أخرجه الحافظ يعقوب الفسوي في "المعرفة" (1/342) ، ومن طريقه البيهقي في "الأسماء" (ص 387) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (9 1/0 29/ 644) ، و"الأوسط " (2/365/1636) ، و"الصغير" (ص 1 2- هند، الروض 850) ، وأبو نعيم في "الطب النبوي " (ق 9 1/ 1) ، وابن منده في "التوحيد" (1/ 231- 232/89 و 2/ 80/ 220) من طريقين عن أنَيْس بن سوَّار الجرمي: ثنا أبي: ثنا مالك بن الحويرث قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني: "لا يروى عن مالك بن الحويرث إلا بهذا الإسناد، تفرد به ابن سوار". وقال ابن منده: "هذا إسناد متصل مشهور على رسم أبي عيسى والنسائي وغيرهما". قلت: يشير إلى أنه حسن على شرط أبي عيسى الترمذي وسائر أصحاب "السنن "؛ وهو كما قال إن شاء الله تعالى؛ فإن أنيس بن سوار وأباه ترجمهما البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيهما جرحاً ولا تعديلاً، وذكرهما ابن حبان في "الثقات "، فقال في (سوار) (4/337) : "سوار الجرمي، بصري، يروي عن مالك بن الحويرث، روى عنه ابنه قتادة ابن سوار، وأنيس بن سوار الجرميان، وأبو قلابة". كذا قال في "طبقة التابعين ". ثم أورده في "طبقة أتباع التابعين "، فقال (6/422) :

"سوار الجرمي، من أهل البصرة، يروي عن أبي قلابة. روى عنه ابنه قتادة ابن سوار". ويلاحظ أنه ذكر أبا قلابة في الموضع الأول في الرواة عنه، وفي الموضع الآخر أنه روى هو عنه، وهذا هو الصواب لموافقته لما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم: أنه روى عن مالك بن الحويرث، وأبي قلابة. ولزيادة الفائدة أذكر أن ابن أبي حاتم أفاد أنه روى عنه ابنه (واهب) أيضاً، فقد روى عنه أبناؤه الثلاثة، أوثقهم أنيس؛ فقد قال فيه ابن حبان (6/82 و 8/134) : "أنيس بن سوار الجرمي، يروي عن أبيه عن مالك بن الحويرث، روى عنه أبو بكر عبد الله بن أبي الأسود". ذكره في الطبقة الثالثة، ثم في (الرابعة) " ولا وجه له! ولم يذكر فيه البخاري: جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك ابن أبي حاتم، لكنه أفاد أنه روى عنه أيضاً ابن مُقَدَّم، وخليفة بن خياط، وحُمَيْد بن مَسْعَدة، وكل هؤلاء ثقات. ولذلك قال الهيثمي في "المجمع " (7/134) : "رواه الطبراني في (الثلاثة) ، ورجاله ثقات ". وقال السيوطي في "الدر المنثور" (6/323) : "أخرجه الحكيم الترمذي، والطبراني، وا بن مردويه بسند جيد، والبيهقي في "الأسماء والصفات " عن مالك بن الحويرث.. ". وذكر له شاهداً فقال:

"وأخرج البخاري في "تاريخه "، وابن جرير، وابن المنذر، وابن شاهين، وابن قانع، والطبراني، وابن مردويه من طريق موسى بن عُلَيّ بن رباح عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "ما ولدك؟ ". قال: يا رسول الله! ما عسى أن يولد لي؟! إما غلام، وإما جارية. قال: "فمن يشبه؟ ". قال: يا رسول الله! ما عسى أن يشبه؟! إما أباه، وإما أمه. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندها: "مه! لا تقولن هذا، إن النطفة إذا استقرت في الرحم؛ أحضرها الله كل نسب بينها وبين آدم، فركب خلقه في صورة من تلك الصور، أما قرأت هذه الآية في كتاب الله: (في أي صورة ما شاء ركبك) ؛ من نسلك ما بينك وبين آدم؟! ". قلت: وسكت عنه فما أحسن؛ لأنه من رواية مُطهَّر بن الهيثم الطائي: ثنا موسى بن عُلَي بن رباح! به. هكذا هو عند ابن جرير في "تفسيره " (30/56) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/72/4624) . وقال الهيثمي (7/135) : "رواه الطبراني، وفيه مطهر بن الهيثم، وهو متروك ". وكذا قال الحافظ في "التقريب ". وذكر في "التهذيب " عن أبي سعيد بن يونس أنه قال: "متروك الحديث، روى عن موسى بن علي عن أبيه عن جده حديثاً منكراً".

3331

قلت: يشير إلى هذا، وله حديث آخر بهذا الإسناد؛ لكن ذكر مكان (جده) : (أبا هريرة) بحديث لعن من يلعب بالشطرنج. ذكره ابن حبان في ترجمته من "الضعفاء". وقال (3/26) "يأتي عن موسى بن علي بما لا يتابع عليه، وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الإثبات ". وقال ابن كثير عقبه- وبعد أن قال: "إسناده ليس بالثابت "-: "ولكن في "الصحيحين " عن أبي هريرة: أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدت غلاماً أسود! قال: "هل لك من إبل؟ "، قال: نعم. قال: "فما لونها؟ "، قال: حُمْر. قال: "فهل فيها من أورق؟ "، قال: نعم. قال: "فأنى أتاها ذلك؟ "، قال: عسى أن يكون نزعة عرق! قال: "وهذا عسى أن يكون نزعة عرق! " ... ". قلت: وهو مخرج في "صحيح أبي داود" رقم (2056) . ويشير الحافظ ابن كثير به إلى أن فيه شاهداً قوياً لقوله في حديث الترجمة: "أحضر الله له كل عرق ... " إلخ. والله أعلم. * 3331- (كان إذا ركع؛ لوصُبَّ على ظهرِه ماء لاستقرَّ) . ذكره ابن أبي حاتم في "كتاب العلل " (1/142) من رواية أبي يحيى الحِمَّاني عن الثوري عن مسلم أبي (الأصل: ابن) فروة الجهّني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب مرفوعآ. وقال: "سمعت أبي يقول: ليس ذكره: "عن البراء" بمحفوظ ". وقال ابن أبي حاتم عقبه:

"روى هذا الحديث حسين بن حفص عن سفيان في "جامعه الكبير": عن مسلم الجهني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... مرسل، وروى عبد الرحمن بن مهدي عن الثوري عن مسلم الجهني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح؛ لاتفاق الثقتين على روايته عن الثوري عن مسلم الجهني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى. ومسلم: هو ابن سالم النهدي أبو فروة الأصغر الكوفي الجهني، ثقة من رجال الشيخين. وقد توبع سفيان؛ فقال أبو داود في "المراسيل " (95/43) : حدثنا حفص بن عمر: حدثنا شعبة، عن أبي فروة به. وقد ظن المعلق على "المراسيل " أن أبا فروة هذا هو عروة بن الحارث الهمداني، وهو أبو فروة الأكبر، وهو ثقة أيضاً من رجال الشيخين، وهو في هذا الظن معذور؛ لأنه قد شارك أبا فروة الأصغر في الرواية عن ابن أبي ليلى، وفي رواية الثوري عنه، لكن رواية ابن أبي حاتم التي فيها (مسلم الجهني) هي التي كشفت عن هوية (أبي فروة) هذا. ثم إن أبا يحيى الحماني الذي أسنده عن البراء؛ متكلم فيه من قبل حفظه، مع أنه من رجال الشيخين، ووثقه ابن معين وغيره، وضعفه آخرون، فقال الحافظ في " التقريب ": "صدوق يخطئ ". ولذلك رجح أبو حاتم المرسل على إسناده إياه عن البراء. لكن يبدو أنه لم

يتفرد به، فقال عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/123) : وجدت في كتاب أبي قال: أخبرت عن سنان بن هارون: ثنا بيان عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع؛ لو وضع قدح من ماء على ظهره لم يهراق. وقد ذكره الدارقطني في "العلل " (3/275- 276) من رواية أحمد هذه، ثم قال: "وخالفهم سلم بن سلام أبو المسيب الواسطي، فرواه عن سنان بن هارون عن بيان عن ابن أبي ليلى عن البراء. وهو أشبه بالصواب ". ثم ساق إسناده من طريقين عن مصعب بن عبد الله الواسطي- شيخان لقبه-: ثنا سلم بن سلام: ثنا سنان بن هارون عن بيان عن ابن أبي ليلى عن البراء بذلك. وأخرجه بحشل في "تاريخ واسط " (247) قال: ثنا مصعب بن عبد الله بن مصعب به. قلت: وهذا إسناد حسن، مصعب هذا وثقه ابن حبان (9/175) ؛ وهو من شيوخه، وروى عنه جماعة آخرون من الثقات، كما أثبته في "تيسير الانتفاع ". وسَلْم بن سلام يكنى بأبي المسيب الواسطي، روى عنه جمع غفير سماهم الحافظ المزي في "التهذيب "، فيهم جماعة من الثقات، فهو على شرط ابن حبان؛ فلا أدري لم لم يورده في "الثقات "؟! وقال فيه الحافظ: "مقبول "! وحقه عندي أن يقول: "صدوق "، كما فهمنا من تخريجاتهم وكثير من ممارساتنا لأقوالهم في بعض التراجم.

على أن للحديث شواهد أحدها في "ابن ماجه "، وسائرها عند الطبراني وغيره؛ كنت قويته بها في أصل "صفة الصلاة" اعتماداً على تخريج الهيثمي والحافظ إياها، وأشرت إلى ذلك في "صفة الصلاة"، أخرجه الهيثمي عن ابن عباس ووثق رجاله، وضعف الحافظ إسناده، ومن حديث أبي برزة، ووثق رجاله، وحسن إسناده الحافظ! ومن حديث علي- وقد عرفت حاله-، ومن حديث أنس، وضعفا إسناده. ولما يسر الله لبعضهم طبع المصادر التي عزوا الحديث إليها؛ لم يعد يناسب أصول التخريج الاعتماد فيه على العازين إليها، دون الرجوع مباشرة إليها، وبخاصة أن هناك تناقضاً بين الشيخ وتلميذه في الحكم- كما رأيت- على بعضها، ولذا فقد صار لزاماً علي أن أستقي مباشرة منها، وأصدر الحكم على أسانيدها، تجاوباً مع الحكمة القائلة: (ومن ورد البحر استقل السواقيا) . فأقول؛ وبالله التوفيق: أولاً: حديث ابن عباس، قال الهيثمي (2/ 241) : "رواه الطبراني في "الكبير"، وأبو يعلى، ورجاله موثقون "! كذا قال! وإسناده عند أبي يعلى (4/335/2447) : حدثنا أبو الربيع: حدثنا سلام بن سليم عن زيد العَمِّيِّ عن أبي نضرة عن ابن عباس ... ومن هذا الوجه رواه الطبراني (12/167/12781) : حدثنا الحسين بن إسحاق التُّسْتَري: ثنا أبوالربيع الزهراني: ثنا سلام الطويل به. قلت: وهذا إسناد ضعيف جدّاً، سلام الطويل متروك؛ كما قال الذهبي في "المغني "، والحافظ في "التقريب "، وهو قول الهيثمي في أكثر تخريجاته؛ (انظر

فهارس "المجمع ") (ص 305/3) . وعليه فقول الحافظ في "التلخيص " (2/ 241) : "إسناده ضعيف "! تساهل لا وجه له. وزيد العمي ضعيف، وقد توبع لكن السند إليه واه؛ لأنه من رواية عُلَيْلَةَ بن بدر: ثنا سيَّار بن سلامة عن أبي العالية عن ابن عباس ... أخرجه الطبراني أيضاً (12/159/12755) . وعليلة لقب، واسمه: الربيع، وهو متروك أيضاً، ولم يشر الهيثمي ولا الحافظ إلى هذه الطريق. ثانياً: حديث أبي برزة الأسلمي " قال الهيثمي: "رواه الطبراني في " الكبير" و" الأوسط "، ورجاله ثقات ". وقال الحافظ بعدما عزاه للطبراني: "وإسناده حسن ". قلت: قد وقفت على إسناد "الأوسط " (6/316/5672 ـط) فوجدته إسناداً ضعيفاً، أخرجه من طريق يحيى بن سعيد العطار عن حماد بن سلمة عن سعيد بن جمهان عنه، وقال: "لم يروه عن حماد إلا يحيى العطار الحمصي ". ويحيى هذا؛ قال الذهبي في "الميزان ": "كان صاحب حديث، وله رحلات إلى مصر، والعراق، والحرمين.. قال ابن مصفى: ثقة. وقال ابن معين: ضعيف. وقال أبو داود: جائز الحديث. وقال ابن خزيمة: لا يحتج به. وقال ابن عدي: بيِّن الضعف ".

ولهذا قال الحافظ في "التقريب ": "ضعيف " قلت: ولهذا؛ فتحسين إسناده بعيد، لكن يمكن أن يقال: إنه صالح للاستشهاد به، أو إن حديثه حسن بغيره، والله أعلم. وما أظن أن إسناده في "كبير الطبراني " إلا من هذا الوجه، أقول هذا؛ لأن الجزء الذي فيه مسند (أبي برزة) واسمه (نضلة) لم يطبع بعد. ثالثاً: حديث علي سبق تخريجه، وعرفت أنه حسن الإسناد من رواية الدارقطني، ويزداد قوة بالذي قبله، وبالآتي بعده. رابعاً: حديث أنس بن مالك؛ يرويه محمد بن ثابت عن أبيه عنه. أخرجه الطبراني في "المعجم الصغير"، وقد خرجته في "الروض النضير" (رقم 78) ، فلا أطيل الكلام عليه. ومحمد بن ثابت ضعيف , كما قال الهيثمي والعسقلاني. خامساً: حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو، وهذا ذكره الحافظ دون شيخه الهيثمي في رواية الطبراني، وقال: "إسناد حسن "! كذا قال! وفيه نظر؛ فإنه في "المعجم الكبير" للطبراني (17/242/674) من طريق علي بن الجعد: ثنا عبد الملك بن الحسين عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبد الله البراد عن عقبة بن عمرو. قلت: عبد الملك بن الحسين إن كان أبا مالك النخعي الواسطي؛ فهو متروك؛

كما قال الحافظ نفسه في "التقريب "، ولم يوثقه أحد، فكيف يحسن الحافظ إسناده؟! لا وجه لهذا إلا غلبة الطبيعة البشرية، أو أن يكون قد وقع في اسمه شيء من التحريف في طبعة "المعجم " " وهذا ما أستبعده. والله أعلم. ثم وجدت ما استبعدته، فقد رأيت الحديث في "المعجم الأوسط " للطبراني من الوجه المذكور في "المعجم الكبير"، وفيه (6/96/5201) التصريح في الإسناد بأنه (عبد الملك بن حسين أبو مالك النخعي) ، وقال الطبراني: "لم يروه عن عبد الملك بن عمير إلا عبد الملك بن حسين ". ثم قال الحافظ- وأجاد-: "وعزاه القاضي حسين في "تعليقه " لرواية عائشة، ولم أره من حديثها. قلت: معناه عند مسلم من حديثها: كان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه، ولكن بين ذلك. وقد تقدم معنى هذا من حديث أبي حميد". قلت ة يشير إلى حديث البخاري (رقم 828) عنه: أنه كان جالساً مع نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أبو حميد: أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأيته" إذا.. ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هَصَر ظهره " الحديث. وهو مخرج في "الإرواء" (2/13 ـ14) و"صحيح أبي داود" (722) . وفسر الحافظ قوله: (هصر) فقال في "الفتح " (2/308) : "أي: ثناه في استواء من غير تقويس؛ ذكره الخطابي ". وهو في معنى حديث الترجمة لمن تأمله، وقد أشار إلى ذلك الحافظ آنفاً ,

3332

ومثله حديث عائشة الذي ذكره. وهو مخرج في "الإرواء" (2/ 20ـ23) ، و"صحيح أبي داود" (752) . والخلاصة: أن حديث الترجمة صحيح بلا ريب؛ لحسن إسناد الدارقطني وبحشل، كما سبق بيانه، ولا يعل برواية مسلم الفروي؛ لأنه من طريق بيان- وهو ابن بشر الأحمسي، وهو ثقة ثبت-، ثم هو يرتقي إلى درجة الصحة ببعض الشواهد الخمسة التي تقدم ما يصلح للشهادة منها مما لا يصلح، وأخيراً شهادة حديث أبي حميد وعائشة من حيث المعنى، مع ملاحظة أن ألفاظهم فيها من إنشائهم وتعابيرهم، وهي وإن اختلفت لفظاً؛ فهي متحدة معنى، كما أشار إلى ذلك الحافظ رحمه الله. فاغتنمه تحقيقاً قد لا تراه في مكان آخر. والله الموفق. * 3332- (كان يحبُّ علياً) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (6/389/5828) ، و"المعجم الصغير" (199- هندية) : حدثنا محمد بن الحسين أبو حُصين القاضي: قال: حدثنا عون ابن سلام قال: حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السُلَمي عن السُّدِّي عن أبي عبد الله الجدَلي قال: قالت لي أم سلمة: أيُسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينكم على المنابر؟! قلت: سبحان الله! وأنى يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قالت: أليس يُسَبُّ علي بن أبي طالب ومن يحبه؟ وأشهد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يحبه! وقال الطبراني: "لم يروه عن السدي إلا عيسى".

قلت: ومن طريقه أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (12/444- 445) ، والطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (23/323/738) من طرق أخرى عن عيسى به. قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله كلهم ثقات، وفي السدي- واسمه إسماعيل بن عبد الرحمن- كلام يسير لا يضر، وهو من رجال مسلم. وأما إعلال المعلق على "المسند " بقوله: "رجاله ثقات إلا أنه- عندي- منقطع، ما علمت رواية لإسماعيل بن عبد الرحمن السدي عن أبي عبد الله الجدلي فيما اطلعت عليه. والله أعلم "! قلت: وهذا من أسمج ما رأيت من كلامه؛ فإن السدي تابعي روى عن أنس في "صحيح مسلم "، ورأى جماعة من الصحابة مثل الحسن بن علي، وعبد الله بن عمر، وأبي سعيد، وأبي هريرة كما في "تهذيب المزي "، يضاف إلى ذلك أن السدي لم يرم بتدليس، فيُكتفى في مثله المعاصرة، كما هو مذهب جمهور الحفاظ الأئمة , فلعله جنح به القلم إلى مذهب الإمام البخاري في "صحيحه " الذي يشترط اللقاء وعدم الاكتفاء بالمعاصرة، وما أظنه يتبناه؛ وإلا انهار مئات التصحيحات والتحسينات التي قررها، ويغلب عليه التساهل في الكثير منها، وبخاصة ما كان فيا من الرواة ممن لم يوثقهم أحد غير ابن حبان، وهو لا يشترط اللقاء! ومحمد بن الحسين شيخ الطبراني؛ مما فات على صاحبنا الشيخ الأنصاري رحمه الله أن يترجم له في كتابه النافع: "بلغة القاصي والداني "، وقد ترجم له الخطيب (2/129) ترجمة حسنة، وأنه روى عنه جماعة من الحفاظ، وفاته الطبرانيُّ، ثم قال: "وكان فهماً، صنف "المسند". وقال الدارقطني: كان ثقة. وقال إبراهيم بن إسحاق الصواف: أبو حصين صدوق، معروف بالطلب، ثقة. مات سنة (296) ".

3333

هذا، وقد تابع السدي: أبو إسحاق وهو السبيعي؛ رواه فطر بن خليفة عنه عن أبي عبد الله الجدلي قال: قالت أم سلمة: يا أبا عبد الله! أيسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيكم؟ قلت: ومن يسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: ... فذكره. أخرجه الطبراني في "الكبير" (23/322/737) . قلت: ورجاله ثقات؛ على الكلام المعروف في أبي إسحاق، وقد اختلف عليه في إسناده ومتنه، فرواه بعضه عنه بلفظ: "من سب عليّاً فقد سبني، ومن سبني سبه الله ". وهو بهذا اللفظ منكر، ولذلك أوردته في "الضعيفة" (2310) ، وخرجته هناك، وتعقبت من صححه، فليراجع في المجلد الخامس منه، وهو تحت الطبع، وسيكون بين أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى، وقد طبع بحمد الله ومنته. والأحاديث في حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي رضي الله عنه كثيرة جدّاً، أصحها حديث إعطائه الراية يوم خيبر، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لأعطين هذه الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله ... ". رواه جمع من الصحابة في "الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجت بعضها فيما تقدم (3244) ، وفي " تخريج الطحاوية " (484/713) . * 3333- (خيرُ النّاس منزلة: رجل على متن فرسِه، يُخيفُ العدوَّ ويخيفونه) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (4/42/ 4291) : أخبرنا أبو محمد

عبد الله بن يوسف الأصبهاني: أنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري: نا عبد الله بن أيوب المخرمي: نا سفيان بن عيينة عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن أم مُبَشِّرٍ تبلغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، سفيان فمن فوقه ثقات معروفون من رجال الشيخين، ليسوا بحاجة إلى التعريف بهم، وإنما من دونهم، فأقول: 1- عبد الله بن أيوب المخرمي؛ قال ابن أبي حاتم (2/2/ 11) : "روى عن سفيان بن عيينة، و ... سمعت منه مع أبي، وهو صدوق ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/362) ، وذكر أنه مات بعد سنة (0 25) ، ونسبه (البغدادي) أيضاً، ولم يورده الخطيب في "تاريخه ". 2- أبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد البصري: هو الحافظ الثقة المعروف بـ (ابن الأعرابي) ، مترجم في "تذكرة الحفاظ "، و"سير أعلام النبلاء" وغيرهما، وله في المكتبة الظاهرية بعض الأجزاء والكتب؛ أهمها "المعجم ". 3- أبو محمد عبد الله بن يوسف الأصبهاني، شيخ البيهقي " ترجم له الذهبي في " السير" (17/239) ، ووصفه بـ: "الإمام المحدث الصالح "؛ وقال: "أكثر عنه البيهقي ". وقال في ترجمته من "تاريخ الإسلام " (28/187) : "صحب أبا سعيد بن الأعرابي، وأكثر عنه.. انتخب عليه الحفاظ، ورحلوا إليه "

ووصفه في "تذكرة الحفاظ " (3/1049) بـ: "مسند خراسان ". مات سنة (409) . والحديث عزاه المنذري في "الترغيب " (2/153/18) للبيهقي، وسكت عنه. وأما المعلقون الثلاثة عليه في طبعتهم التجارية الجديدة (!) فجزموا (2/206) بأنه! "ضعيف"؛ مع أنهم عزوه للمكان المتقدم الإشارة إليه من "شعب الإيمان "! وهذا من الأدلة الكثيرة على أنهم جهلة بهذا العلم، يخبطون فيه خبط عشواء في الليلة الظلماء، فهلا ذكروا- على الأقل- علة ضعفه، وهكذا تراهم يصححون ويضعفون بغير حجة، ولا كتاب منير، هداهم الله، وألهمنا الله وإياهم الإخلاص في القول والعمل. آمين ومع هذا الإجحاف والاعتداء؛ فإن للحديث طريقاً أخرى، وشاهداً! أما الطريق؛ فيرويه محمد بن إسحاق عن ابن أبي نجيح به نحوه أتم منه. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (25/104/ 271) . وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/304) : "رواه الطبراني، ورجاله ثقات؛ إلا أن ابن إسحاق مدلس ". وسكت عنه الحافظ في ترجمة (أم مبشر الأنصارية) من "الإصابة"، وكأن ذلك لطرقه أو شواهده. وأما الشاهد؛ فهو من حديث ابن عباس عند الحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وقد سبق تخريجه برقم (698) ، فلا داعي للإعادة. *

3334

3334- (لا تتَّهم الله تباركَ وتعالى في شيء قضى لك به) . أخرجه أحمد (5/318- 319) : ثنا حسن: ثنا ابن لهيعة: ثنا الحارث بن يزيد عن عُلَيّ بن رباح: أنه سمع جنادة بن أبي أمية يقول: سمعت عبادة بن الصامت يقول: إن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا نبي الله! أي العمل أفضل؟ قال: "الإيمان بالله، وتصديق به، وجهاد في سبيله ". قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله! قال: "السماحة والصبر". قال: أريد أهون من ذلك يا رسول الله! قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد في المتابعات جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم- والحسن: هو ابن موسى الأشيب-؛ غير ابن لهيعة؛ فهو سيئ الحفظ إلا فيما رواه العبادلة عنه، فهو صحيح الحديث، أو توبع، وكل ذلك متحقق هنا كما سأبينه. أما الأول؛ فقد أخرجه ابن أبي الدنيا في "الرضا عن الله " (ص 82- 83) من طريق يعقوب بن محمد الزهري: حدثنا عبد الله بن وهب عن الحارث بن يزيد دون جملة؛ "السماحة والصبر". كذا وقع فيه: "عبد الله بن وهب عن الحارث ... "، وكذا في مخطوطة "الرضا" (ق 7/ 1- ظاهرية) ! فالظاهر أنه سقط من السند (ابن لهيعة) ، وظني أنه من يعقوب الزهري؛ فإنه كثير الوهم كما في "التقريب ". ولم يذكروا لابن وهب رواية عن الحارث بن يزيد، ولا يمكنه أن يسمع منه، فإنه مات سنة (130) ؛ ولابن وهب خمس سنوات.

ومما يدل على السقط المذكور: أنه رواه غير واحد عن ابن لهيعة، منهم الوليد ابن مسلم في "تاريخ ابن عساكر" (9/ 810) ، ومنهم محمد بن معاوية- وهو النيسابوري المتروك- عند البيهقي في "شعب الإيمان " (7/123/9714) . فالظاهر أن عبد الله بن وهب رواه أيضاً عن ابن لهيعة، فإن ثبت ذلك فالسند صحيح. والله أعلم. وأما المتابعة؛ فقد رواه ابن أبي الدنيا أيضاً (42/5) من طريق يحيى بن سُليم عن محمد بن مسلم قال: بلغني أن رجلاً ... الحديث مقتصراً على حديث الترجمة. وهذا إسناد صالح للاستشهاد به على إعضاله؛ فإن يحيى ومحمداً- وهما طائفيان- لا صلة بينهما وبين ابن لهيعة المصري، وهما صدوقان في حفظهما ضعف، ومحمد بن مسلم من طبقة ابن لهيعة، فهو متابع له- إن شاء الله- في الجملة. على أنه يبدو أن له متابعاً آخر، فقد أورد الهيثمي الحديث في "المجمع " (5/278- 279) بسياق أتم من سياق أحمد، وعن عبادة بن الصامت، وقال: "رواه الطبراني بإسنادين، في أحدهما ابن لهيعة، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وفي الآخر سويد بن إبراهيم، وثقه ابن معين في روايتين، وضعفه النسائي، وبقية رجالهما ثقات ". وان مما يؤسف له أن الجزء الذي فيه مسند عبادة بن الصامت من "معجم الطبراني الكبير" لم يطبع بعد، لنعلم هل هناك فرق بين الإسنادين؟! وننظر في إسناد (سويد بن إبراهيم) هل هو متابع لابن لهيعة متابعة تامة، أم أن متابعته إياه

3335

بإسناد آخر عن عبادة؟! وإنما قلت مع ذلك: إنه متابع له؛ لأنه في طبقة ابن لهيعة، وأقدم وفاة منه، فإنه توفي قبله بنحو عشر سنين؛ ثم هو مختلف فيه كما تقدم عن الهيثمي. وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق سيئ الحفظ، له أغلاط ". فمثله يستشهد به أيضاً. والحديث أورده المنذري أيضاً في "الترغيب " بسياق أتم أيضاً مثل سياق " المجمع "؛ وقال (2/ 176) : "رواه أحمد والطبراني بإسنادين، أحدهما حسن؛ واللفظ له ". ولست أدري أي الإسنادين حسن؟! ولكن مما لا شك أنه حسن على الأقل بمجموعهما، فضلاً عما إذا أضيف إليهما ما قدمنا. وأما المعلقون على طبعة "الترغيب " الجديدة؛ فلم يعبأوا بتصريح المنذري بالتحسين، ولا بمجموع الطريقين، ولا بكلام الهيثمي أيضاً؛ وقد نقلوه عنه كما هي عادتهم، وصدروا ذلك بقولهم: " ضعيف "!! * 3335- (غنيمة مجالس الذكر؛ الجنّة) . أخرجه أحمد (2/177 و0 19) من طريقين عن ابن لهيعة: ثنا راشد بن يحيى المعافري: أنه سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلي يحدث عن عبد الله بن عمرو قال: قلت: يا رسول الله! ما غنيمة مجالس الذكر؟ قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، راشد بن يحيى- ويقال: ابن عبد الله- أبو يحيى مجهول، كما قال الحسيني، ولم يرو عنه إلا ضعيفان: أحدهما: ابن لهيعة، والآخر: عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، انظر "تيسير الانتفاع "، وقد سبق تخريج حديث الإفريقي عنه برقم (2639) لشاهد له، ولهذا أخرجت أيضاً حديثه هنا كما يأتي. وقد قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/78) : "رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد حسن "! وكذا قال المنذري في "الترغيب " (2/234) ! إلا أنه لم يذكر الطبراني، وقلدهما المعلقون على الطبعة الجديدة من "الترغيب " (2/ 381/ 2234) دون أي بيان كما هي عادتهم، وقد عرفت أن ما حسنوه مداره على ضعيف عن مجهول! ومن أجل ذلك كنت ذكرته في "ضعيف الجامع الصغير"، قبل أن يطبع القطعة التي فيها هذا الحديث من الجزء (13) من "معجم الطبراني الكبير"، فرأيته فيه (21/36) من طريق رشدين بن سعد، وخالد بن حميد المهراني (الأصل: الهمداني) عن زهرة بن معبد عن أبي عبد الرحمن الحبلي به. وخالد بن حميد ثقة من رجال التهذيب، ورشدين بن سعد؛ وإن كان ضعيفاً؛ فهو متابع، ولولا أن في الطريق إليهما ضعفاً- لا أرى فائدة تذكر ببيانه- لقلت: إن الحديث صحيح، لكن حسبي أن أقف عند القول بحسنه بمجموع الطريقين عن الحبلي. وأما الشيخ أحمد شاكر رحمه الله؛ فقد صرح بتصحيح إسناد أحمد (10/179) بناء على اعتداده بتوثيق ابن حبان، ولو للمجهولين، وعدم اعتداده بأقوال الحفاظ المضعفين لابن لهيعة، حتى الذين فصلوا بين ما رواه العبادلة عنه فهي صحيحة، وبين ما رواه غيرهم! والله الموفق. *

3336

3336- (قل: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. فعقد الأعرابي على يده، وقضى وتفكر ثم رجع، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: تفكر البائس. فجاء فقال: يا رسول الله! سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ هذا لله، فما لي؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا أعرابي! إذا قلت: سبحان الله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: الحمد لله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: لا إله إلا الله، قال الله: صدقت، وإذا قلت: الله أكبر؛ قال الله: صدقت. وإذا قلت: اللهم! اغفر لي، قال الله: قد فعلت، وإذا قلت: اللهم! ارحمني؛ قال الله: [قد] فعلت، وإذا قلت: اللهم! ارزقني، قال الله: قد فعلت. فعقد الأعرابي على سبع في يده، ثم ولّى) . أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (1/431- 432/619) من طريق الحسن ابن ثواب أبي علي: حدثني عمار بن عثمان الحلبي أبو عثمان- وكان أحمد بن حنبل يوثقه، وتأسف على أنه لم يكتب عنه شيئاً-: حدثني جعفر بن سليمان الضّبعي عن ثابت عن أنس قال: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! علمني خيراً، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات، أما من دون الحسن بن ثواب؛ فثقات حفاظ معروفون، ولذلك لم أذكرهم. وأما الحسن بن تواب؛ فقد أضناني البحث عنه حتى وجدته، فسجدت لله

شكراً على توفيقه، فأساله المزيد من فضله، فترجمه الخطيب البغدادي في "التاريخ " (10/ 291- 292) برواية جمع من الحفاظ عنه، وروى عن الدارقطني أنه قال: "بغدادي ثقة ". مات سنة (268) . ومن جملة من روى عنه أبو بكر الخلال، وقال: "كان شيخاً جليل القدر، وكان له بأبي عبد الله أنس شديد، قال لي: كنت إذا دخلت إلى أبي عبد الله يقول لي: إني أفشي إليك ما لا أفشيه إلى ولدي، ولا إلى غيره. فأقول له: لك عندي ما قال العباس لابنه عبد الله: إن عمر بن الخطاب يكرمك ويقدمك، فلا تفشين له سرّآ، فإن أمت فقد ذهب، وإن أعش فلن أحدث بها عنك يا أبا عبد الله! فيفشي إليه أشياء كثيرة. وكان عنده عن أبي عبد الله جزء كبير، فيه مسائل كبار لم يجئ بها غيره مشبعة". ثم ساق عنه بعض المسائل. وأما عمار بن عثمان الحلبي؛ فهو بصري روى عنه أيضاً "حميد بن الربيع وأهل العراق " كما في "ثقات ابن حبان " (8/518) ؛ ووثقه الإمام أحمد أيضاً كما ترى في إسناد الحديث، والظاهر أنها من الفوائد التي تلقاها الحسن بن ثواب عن الإمام أحمد، ولعلها في الجزء الذي أشار إليه أبو بكر الخلال رحمه الله. وبالجملة؛ فهذا الإسناد صحيح كما يتبين من هذا التحقيق، وهو من نفائس هذا الكتاب بفضل الله؛ فإن المنذري في "الترغيب " أشار إلى تضعيفه بتصديره إياه بقوله "وروي عن أنس.. "، وقال: "رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي، وهو في "المسند"، و"سنن النسائي " من حديث أبي هريرة بمعناه "!

وأما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " في طبعتهم الجديدة الحسناء! فقد اهتبلوا الإشارة المذكورة ليتظاهروا أنهم على معرفة بهذا العلم، فكشفوا عن جهلهم به حيث قالوا: "وفيه جعفر بن سليمان الضّبعي: ينفرد بأحاديث عُدت مما ينكر: "ميزان الاعتدال " (1/408) ". هكذا نقلوا من "الميزان "! وهو نقل مبتور، لعله غير مقصود! متوهمين أنهم نقلوا ما يؤيد تضعيفهم للحديث، وذلك من الأدلة الكثيرة على جهلهم بهذا العلم، وتطفلهم عليه؛ فإن العبرة بكون الراوي ثقة أو صدوقاً، ولا يضره بعد ذلك أن يكون له أحاديث أنكرت عليه، فإن الجرح لا يثبت بهذا، وإنما إذا كثرت مناكيره، وحينئذ يقال في مثله: منكر الحديث؛ وجعفر هذا ليس كذلك، والعجيب أن كلام الذهبي يدل على ذلك ويؤكده! فإنه قال- بعد أن ذكر كلام الأئمة فيه كالمخلص لها-: "وهو صدوق في نفسه، وينفرد بأحاديث غدت مما ينكر، واختلف في الاحتجاج بها، منها ... " ثم ساق ستة أحاديث، وعقب عليها بقوله: "وغالب ذلك في "صحيح مسلم " ... ". قلت: وبعضها عنده من روايته عن جعفر عن ثابت عن أنس، وهو حديث: "إنه حديث عهد بربه "؛ وهو مخرج في "الإرواء" (3/143/678) (¬1) ، و"مختصر ¬

(¬1) تنبيه: وقع تخريج هذا الحديث في الصفحة الأخرى تحت حديث آخر، وهو ضعيف. ووقع تخريج الثاني تحت الحديث الأول! وهو حديث صحيح، وهو من أفحش الأخطاء المطبعية التي وقعت في "الإرواء"، بسبب عدم إشرافي على تصحيح تجاربه، وجهل المشرف عليها! وقد استغل هذا الخطأ- الذي لا إرادة لي فيه- بعض الحاقدين من المبتدعة، فنسب إلي أني ضعفت الحديث! عامله الله بما يستحق.

3337

العلو" (93/25) ، و"ظلال الجنة" (1/276/622) ، وهذا الحديث واحد من ستة أحاديث عند مسلم بهذه الرواية، ولقد كان هذا وحده يكفي رادعاً لهؤلاء الجهلة عن تضعيفهم لحديث الترجمة بجعفر هذا، لو كانوا يعلمون! فكيف وهناك عشرات الأحاديث من رواية جعفر هذا اتفق الحفاظ على تصحيحها قديماً وحديثاً، كالترمذي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي والعسقلاني وغيرهم؟! وهي معروفة مبثوثة في مختلف أبواب كتب السنة. ولذلك قال الذهبي في ترجمة جعفر من "المغني ": "صدوق، صالح، ثقة، ضعفه يحيى القطان وغيره، فيه تشيع، وله ما ينكر". وقال في "الكاشف ": "ثقة، فيه شيء، مع كثرة علومه ". ولذلك أورده في كتابه "معرفة الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد" (ص 81 - 82) ، وذكر فيه نحو ما تقدم. وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق زاهد، لكنه كان يتشيع ". والخلاصة: أن الرجل صدوق حجة ما لم يظهر خطؤه؛ كسائر الثقات الذين فيهم شيء من الضعف، فتضعيفهم للحديث به مما يشعر أنهم يظنون- لبالغ جهلهم- أن كل كلام في الراوي هو جرح مقبول، وهذا ما لا يقبله حتى من كان مبتدئاً في هذا العلم. والله المستعان. * 3337- (قُولي (وفي رواية: تقولين) : اللهم! إنك عفوٌّ تحبُّ العفو؛ فاعف عني) . أخرجه الترمذي (08 25) والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (872- 875) ،

ومن طريقه ابن السني (246/763) ، وابن ماجه (0 385) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (3/338- 339) ، و"الأسماء والصفات " (ص 5 5) ، والأصبهاني في "الترغيب " (2/728/1772) ، وأحمد (6/170 و 182 و 183 و 208) من طرق عن ابن بريدة- وقال بعضهم: عبد الله بن بريدة- عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر؛ ما أقول فيها؟ قال: ... فذكره. والسياق للنسائي والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح ". وأقره المنذري في "الترغيب " (4/ 144) ، والنووي في "الأذكار"، و" المجموع " (6/447) ، وهو حري بذلك؛ فإن عبد الله بن بريدة ثقة من رجال الشيخين. وقد أعل بما لا يقدح، فقال الدارقطني في "سننه " (3/233) - وتبعه البيهقي (7/118) - في حديث آخر لعبد الله بن بريدة (¬1) : "لم يسمع من عائشة شيئاً "! كذا قالا! وقد كنت تبعتهما برهة من الدهر في إعلال الحديث المشار بالانقطاع، في رسالتي "نقد نصوص حديثية" (ص 45) ، والآن؛ فقد رجعت عنه؛ لأني تبينت أن النفي المذكور لا يوجد ما يؤيده، بل هو مخالف لما استقر عليه الأمر في علم المصطلح أن المعاصرة كافية لإثبات الاتصال بشرط السلامة من ¬

(¬1) أخرجه أحمد وغيره بلفظ: جاءت فتاة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته، قال: فجعل الأمر إليها، فقالت: قد أجزت ما صنع بي، ولكن أردت أن تعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء.

التدليس، كما حققته مبسطاً في تخريج بعض الأحاديث، وعبد الله بن بريدة لم يرم بشيء من التدليس، وقد صح سماعه من أبيه كما حققته في الحديث المتقدم (2904) وغيره، وتوفي أبوه سنة (63) ، بل ثبت أنه دخل مع أبيه على معاوية في "مسند أحمد" (5/347) ، ومعاوية مات سنة (60) ، وعائشة ماتت سنة (57) ، فقد عاصرها يقيناً، ولذلك أخرج له الشيخان روايته عن بعض الصحابة ممن شاركها في سنة وفاتها أو قاربها، مثل عبد الله بن مغفل، وقريب منه سمرة بن جندب مات سنة (58) . بل وذكروه فيمن روى عن عبد الله بن مسعود المتوفى سنة (32) ، ولم يعلوها بالانقطاع، ولعله- لما ذكرت- لم يعرج الحافظ المزي على ذكر القول المذكور، إشارة إلى توهينه، وكذلك الحافظ الذهبي في "تاريخه "، ونحا نحوهما الحافظ العلائي في "جامع التحصيل " (252/338) ، فلم يذكره بالإرسال إلا بروايته عن عمر، وهذا ظاهر جدّاً؛ لأنه ولد لثلاث خلون من خلافة عمر. وما تقدم من التحقيق ونفي الانقطاع يقال، لو لم يكن هناك ما يمكن دعم الحديث به؛ فكيف وثمة أمران: أحد هما: أن بعض الرواة سمى (ابن بريدة) : (سليمان) كما وقع في "النسائي" (500/877) و"المستدرك " (1/ 530) من طريق علقمة بن مرثد عنه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري. لكن تعقبه الحافظ في "تخريج الأذكار"- كما قال ابن علان في "الفتوحات " (4/346) - بقوله: "وفي ذلك نظر؛ فإن البيهقي جزم في كتاب الطلاق من "السنن " أن عبد الله بن بريدة لم يسمع من عائشة"!

وأقول: سبق الجواب عن هذا، وكان الأولى أن يكون النظر من جهة أن سليمان بن بريدة ليس من رجال البخاري، وأن الأشهر- كما نقله ابن علان أيضاً من قبل عن الحافظ- أنه عن أخيه (عبد الله) . ثم إن قوله: "كتاب الطلاق " سبق قلم، وإنما هو "كتاب النكاح "، وقد تقدمت الإشارة إلى موضعه منه جزء وصفحة. على أن الإمام أحمد أخرج الحديث (6/258) من الطريق المذكورة دون تسمية ابن بريدة، وكذلك رواه الطبراني في "الدعاء" (2/1228/916) . فيبدو لي أن الحديث حديث عبد الله، وأن ذكر (سليمان) شاذ. والله أعلم. وكان الغرض من ذكر الحديث من روايته دفع الإعلال بالانقطاع؛ لأن (سليمان) لم يقل فيه أحد ما قالوا في أخيه، ولكن ما دام أنه لم يصح ذكره؛ فلم يتحقق الغرض، فحسبنا ما تقدم ويأتي. والأمر الآخر: أنه ثبت عن عائشة أنها قالت: لو علمت أي ليلة ليلة القدر؛ لكان أكثر دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية. رواه النسائي (878) ، والبيهقي في "الشعب " (2 0 37) من طريقين عنها، ومن الظاهر أنها لا تقول ذلك إلا بتوقيف. والله أعلم. (تنبيه) : وقع في "سنن الترمذي " بعد قوله: "عفو" زيادة: "كريم "! ولا أصل لها في شيء من المصادر المتقدمة، ولا في غيرها ممن نقل عنها، فالظاهر أنها مدرجة من بعض الناسخين أو الطابعين؛ فإنها لم ترد في الطبعة الهندية من " سنن الترمذي " التي عليها شرح "تحفة الأحوذي " للمباركفوري (4/ 264) ، ولا

3338

في غيرها. وإن مما يؤكد ذلك: أن النسائي في بعض رواياته أخرجه من الطريق التي أخرجها الترمذي، كلاهما عن شيخهما (قتيبة بن سعيد) بإسناده دون الزيادة. وكذلك وقعت هذه الزيادة في رسالة أخينا الفاضل علي الحلبي: "مهذب عمل اليوم والليلة لابن السني " (95/202) ، وليست عند ابن السني؛ لأنه رواه عن شيخه النسائي- كما تقدم- عن قتيبة، ثم عزاه للترمذي وغيره! ولقد كان اللائق بفن التخريج أن توضع الزيادة بين معكوفتين كما هو المعروف اليوم [] ، وينبه أنها من أفراد الترمذي. وأما التحقيق فيقتضي عدم ذكرها مطلقاً؛ إلا لبيان أنه لا أصل لها، فاقتضى التنبيه. * 3338- (يا أم رافع! إذا قمت إلى الصلاة؛ فسبحي الله عشراً، وهلِّليه عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، واستغفريه عشراً، فإنك إذا سبحت عشراً قال: هذا لي، وإذا هللت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال: هذا لي، وإذا كبرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد غفرت لك) . أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (37-38/ 105) ، ومن طريقه الديلمي (3/ 1 31) ، والحافظ ابن حجر في "نتائج الأفكار" (1/389-390) من طريق ابن منده من طريقين عن عطاف بن خالد: حدثني زيد بن أسلم عن أم رافع رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله! دلني على عمل يأجرني الله عز وجل عليه؟ قال: ... فذكره، وقال الحافظ: "هذا حديث حسن، ورجاله موثقون، لكن في (عطاف) مقال يتعلق

بضبطه، وقد تابعه بُكير بن مسمار عن زيد بن أسلم، وسمّى (أم رافع) ؛ فقال: عن سلمى أم بني رافع ... فذكر الحديث نحوه، لكن أطلق موضع القول، والشيخ (يعني: عطافاً) حمله على الإرادة، ووقع لنا من وجه آخر ما قد يدل على أنه داخل الصلاة". قلت: ثم ساقه من طريق ابن منده أيضاً بسنده الصحيح عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد الله بن وهب عن أم رافع أنها قالت: يا رسول الله! أخبرني بعمل أفتتح به صلاتي ... فذكر الحديث نحوه. قال: "وأخرج الترمذي وصححه عن أنس أن أم سليم قالت: يا رسول الله! علمني كلمات أقولهن في صلاتي ... فذكر نحوه. وأخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أنس بلفظ: "إذا صليت المكتوبة.. ". وأفادت رواية هشام بن سعد زيادة راو بين زيد بن أسلم وأم رافع. والله أعلم ". قلت: يشير إلى (عبد الله بن وهب) ، ولم يتكلم الحافظ عنه بشيء، ولا أستبعد أنه (عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي الأصغر) ؛ فإنه مدني من هذه الطبقة، وروى عن أم سلمة، وروى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/48) ، وحسن له الترمذي (3873) . وقال الحافظ في "التقريب ": "ثقة". وأما متابعة بكير بن مسمار التي ذكرها الحافظ؛ فقد أخرجها الطبراني في

"المعجم الكبير"- بإسناد رجاله ثقات غير شيخ الطبراني- نحوه، كما قال الحافظ ولكنه مختصر عن هذا، ولذلك خرجته في الكتاب الآخر (6620) ، ولكنه شاهد جيد لهذا في الجملة. ومثله حديث أنس عند الترمذي وغيره، وفيه مكان الجملة الأخيرة من حديث الترجمة: "ثم سليه حاجتك، يقول: نعم، نعم ". وقد خرجته من أجلها هناك أيضاً (3688) . وللحديث شاهد من رواية محمد بن عمرو بن عطاء قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لسودة: "سبحي الله كل غداة عشراً، وكبري عشراً، واحمدي عشراً، وقولي: اغفر لي (عشراً) ؛ فإنه يقول: قد فعلت، قد فعلت ". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/294/9480) من طريق شبيب بن غرقدة عنه. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين، لكنه مرسل؛ محمد ابن عمرو بن عطاء: هو القرشي العامري، تابعي مات في حدود العشرين بعد المائة. وقد صح من فعله - صلى الله عليه وسلم - ما يؤكد أن الذكر الوارد في الحديث أنه في الصلاة، وهو ما جاء من طرق عن عائشة قالت: كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من الليل يفتتح صلاته: كان يكبر عشراً، ويحمد عشراً، ويسبح عشراً، ويهلل عشراً، ويستغفر عشراً ... الحديث، رواه أبو داود وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبو داود" (742) ، و"صفة الصلاة".

3339

3339- (كانت تأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخاصرة، فاشتدت به جداً؛ وأخذته يوماً، فأغمي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى ظننا أنه قد هلك على الفراش، فلددناه، فلما أفاق عرف أنّا قد لددناه، فقال: كنتم ترون أن الله كان يسلّط علي ذات الجنب؟ ما كان الله ليجعل لها عليّ سُلطاناً، والله لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه إلا عمي العباس. قالت: فما بقي في البيت أحد إلا لدّ، فإذا امرأة من بعض نسائه تقول: أنا صائمة! قالوا: ترين أنّا ندعك وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يبقى أحد في البيت إلا لُدَّ؟! فلددناها وهي صائمة) . أخرجه أحمد (6/118) : ثنا سليمان بن داود، وابن سعد (2/235) : أخبرنا محمد بن الصباح، وأبو يعلى (8/353- 354) : حدثنا محمد بن بكار؛ قالوا- والسياق لابن سعد-: أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين " إلا أن ابن أبي الزناد إنما أخرج له البخاري تعليقاً (¬1) ، ومسلم في المقدمة، وذلك لأن في حفظه ضعفاً، لكن الذي رجحه الذهبي أنه حسن الحديث، وبخاصة في رواية المدنيين عنه. وإلى ذلك أشار الحافظ بقوله في "التقريب ": "صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد". ¬

(¬1) ومن ذلك هذا الحديث، لكنه لم يسق لفظه (8/148- فتح) ، وقد وصله أيضاً الطحاوي في "المشكل " (2/382) . ******

وقد استثنى من البغداديين الذين رووا عنه سليمان بن داود الهاشمي؛ فقال: "أحاديثه عنه مقاربة". وقال ابن معين: "هو أثبت الناس في هشام بن عروة". قلت: وهذا الحديث من روايته عنه كما ترى، وقد رواه عنه- عند أحمد- سليمان بن داود الهاشمي، فهو من صحيح حديثه إن شاء الله تعالى، وكأنه لذلك سكت عنه الحافظ في "الفتح " (8/148) ، ولم يعزه إلا لابن سعد. وله طريق أخرى، وشاهد. أما الطريق؛ فأخرجه الحاكم (4/405) ، وأحمد (6/274) من حديث محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة عن عائشة: أنها حدثته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال- حين قالوا: خشينا أن الذي برسول الله ذات الجنب-: "إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه عليّ ". قلت: وهذا إسناد حسن؛ صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث. وقال الحاكم: "هذا حديث على شرط مسلم "؛ ووافقه الذهبي! وابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، لكن قد توبع في الطريق الأولى، فهو بهذا الاعتبار على شرط مسلم، والله أعلم. وأما الشاهد؛ فيرويه أحمد (6/438) : حدثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن

الزهري قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أسماء بنت عُمَيْس قالت: أوذ ما اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت ميمونة، فاشتد مرضه حتى أغمي عليه، فتشاور نساؤه في لدّه، فلدّوه، فلما أفاق قال: "ماهذا؟! ". فقلنا (¬1) : هذا فعل نساء جئن من ههنا، وأشار إلى أرض الحبشة، وكانت أسماء بنت عميس فيهن، قالوا: كنا نتهم فيك ذات الجنب يا رسول الله! قال: "إن ذلك لداء ما كان الله عز وجل ليُقْرِفني به، لا يبقين في هذا البيت أحد إلا التدَّ " إلا عثم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " يعني: العباس. قال: فلقد التدّت ميمونة يومئذ؛ وإنها لصائمة؛ لعزمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإسناده صحيح؛ كما قال الحافظ في "الفتح ". وقال الهيثمي (9/33) : "ورجاله رجال الصحيح ". وأقول هو على شرط الشيخين. ورواه الطحاوي أيضاً عن عبد الرزاق. وقد أخرجه البخاري (4458) ، ومسلم (7/24) من طريق أخرى عن عائشة مختصراً بلفظ: ¬

(¬1) كذا الأصل، وكذلك هو في "جامع المسانيد" (15/257) ! وسقط من "الفتح " قوله: "ما هذا؟ فقلنا"، ومن "المجمع " قوله: "فقلنا"، فصار قوله: "هذا فعل نساء جئن من ههنا" من قوله - صلى الله عليه وسلم - وهو بعيد. والله أعلم******

لددنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه، فأشار أن لا تلُدّوني، فقلنا: كراهية المريض للدواء، فلما أفاق قال: "لا يبقى أحد منكم إلا لد؛ غير العباس؛ فإنه لم يشهدكم ". واللفظ لمسلم. وزاد البخاري- بعد قوله: فلما أفاق قال-: "ألم أنهكم أن تلدوني؟! "، أقال: أقلنا: كراهية المريض للدواء! فقال ... ". وكذا أخرجه برقم (2 571 و 6897) . (تنبيه) : من أوهام المعلق على "مسند أبي يعلى": أنه أخرج تحت حديث الترجمة هذا المختصر من رواية الشيخين دون أن يسوق لفظه، أو أن يبين أنه ليس فيه ما في حديث الترجمة، أو على الأقل أن يقول: ".. مختصراًً" كما قلنا!!! ونحوه قول الحافظ في حديث الترجمة: "ثبت في "الصحيح " ... "! فإنه يوهم أنه في أحد "الصحيحين "؛ كما نبهت عليه في "الضعيفة" تحت الحديث (6626) ، وقد ذكرت فيه حديث ابن لهيعة المنكر المخالف لهذا الحديث بلفظ: مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذات الجنب. إلا أن قول الحافظ يمكن تأويله بأنه أراد: "الحديث الصحيح "، وليس المعنى المتبادر منه " أي: أحد " الصحيحين " اصطلاحاً. غريب الحديث 1ـ (الخاصرة) ؛ أي: وجع الخاصرة، قيل: إنه وجع الكليتين. كذا في "النهاية".

3340

وأقول: لا مسوغ لتمريض القول الثاني، فقد جاء في رواية أحمد وأبي يعلى لحديث الترجمة ما يدل على أن (الخاصرة) هي وجع الكلية، ولفظه: كانت تأخذه (الخاصرة) ، فيشتد به جدّاً، فكنا نقول: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرق الكلية، لا نهتدي أن نقول: (الخاصرة) . 2- (فلددناه) ؛ أي: جعلنا في جانب فمه دواء بغير اختياره، وهذا هو اللدود. " فتح ". ******* 3340- (لما سار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بدْرٍ؛ خرج فاستشار الناس، فأشار عليه أبو بكر رضي الله عنه، ثم استشارهم فأشار عليه عمر رضي الله عنه، فسكت، فقال رجل من الأنصار: إنما يريدكم، فقالوا: [تستشيرنا] يا رسول الله؟! والله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ! ولكن والله لو ضربت أكباد الإبل حتى تبلغ برك الغِماد؛ لكنّا معك) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/170/8580و 6/334/11141) ، وأحمد (6/105 و 88 1) - والسياق والزيادة له-، وأبو يعلى (6/407/3766 و430/3803) ، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه " (11/23/4721-المؤسسة) من طريقين عن حميد عن أنس قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، على ما هو معروف عند العلماء من تسليك الحفاظ لعنعنة حميد عن أنس، نظراً لكون الواسطة بينهما ثابتاً البناني؛ كما في "جامع التحصيل " للعلائي (201- 202) . وقال ابن حبان في "الثقات " (4/148) :

"كان يدلس ما سمعه من ثابت عن أنس، فيرويه هو عن أنس ". ولذلك أكثر في "صحيحه " من الرواية عنه عن أنس، فانظر "فهرس المؤسسة " (ص 123) . وله شاهد من مرسل علقمة بن وقاص به أتم منه. أخرجه ابن أبي شيبة (14/355- 356) ، وابن مردويه- كما في "الفتح " (7/288) - من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص [عن أبيه] (¬1) عن جده نحوه، وفيه أن القائل: لا نقول كما قال ... هو سعد بن معاذ. سكت عنه الحافظ، وسنده حسن. وأما ما رواه الطبراني في "الكبير" (4/209) من حديث أبي أيوب الأنصاري بهذه القصة نحوه مطولاً، وفيه أن القائل هو (المقداد بن عمرو) ؛ فلا يثبت إسناده، وان حسنه الهيثمي (6/73- 74) ؛ لأن فيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، هذا إن سلم من شيخ الطبراني (بكر بن سهل) ؛ فقد ضعفه النسائي. ثم إن فيه جملة منكرة جدّا عندي، وهو جواب الأنصار بعد استشارته - صلى الله عليه وسلم - إياهم، فقالوا: لا والله ما لنا طاقة بقتال العدو، لكن أردنا العير! ثم قال: "ما ترون في قتال القوم؟ "، فقلنا مثل ذلك، فقال المقداد بن عمرو ... ". ثم استدركت فقلت: ليس فيه قول الأنصاري أو سعد بن معاذ جملة: برك الغماد ... وإنما فيه ما قبلها، وهذا القدر قد صار من قول المقداد في غزوة بدر، فقد روى طارق بن شهاب قال: سمعت ابن مسعود يقول: ¬

(¬1) زيادة عزاها الحافظ لابن مردويه.

شهدت من المقداد بن الأسود مشهداً [يوم بدر] [وهو على فرس له] ، لأن أكون صاحبه أحب إلي مما عُدل به؛ أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعو على المشركين، فقال: [إنا] لا نقول [لك] كما قال قوم موسى [لموسى] : (اذهب أنت وربك فقاتلا [إنا ههنا قاعدون] ) ، ولكنا نقاتل عن يمينك وعن شمالك، وبين يديك وخلفك! فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أشرق وجهه وسره- يعني: قوله-. وفي رواية: ولكن امض ونحن معك. أخرجه البخاري (7/287 و8/ 273) - والسياق له، وكذا الزيادات إلا الأولى والرواية الأخرى-، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/333/11140) - وله الزيادة الأولى وما بعدها، وله الرواية الأخرى فقط-، وابن سعد في "الطبقات " (3/162) - بالرواية الأولى-، وكذا الحاكم (3/349) - وصححه-، وأحمد (1/390 و 428) ، ورواه ابن جرير (6/115) باختصار. وقد روي أن المقداد رضي الله عنه قال ذلك في مناسبة أخرى، فقال سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه يوم الحديبية حين صد المشركون الهدي، وحيل بينهم وبين مناسكهم: "إني ذاهب بالهدي، فناحره عند البيت ". فقال له المقداد بن الأسود: أما والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم: (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون) ، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكم مقاتلون، فلما سمعها أصحاب نبي الله - صلى الله عليه وسلم - تتابعوا على ذلك. أخرجه الطبري: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد.

قلت: وهذا إسناد مرسل صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير بشر- وهو ابن معاذ العقدي البصري-؛ فقد ذكره الحافظ المزي في الرواة عن (يزيد بن زريع) ، وهو صدوق كما قال أبو حاتم، وتبعه الحافظ العسقلاني، وذكره ابن حبان في " الثقات " (8/144) ، وروى عنه جمع من الحفاظ كأصحاب "السنن " غير أبي داود، وابن خزيمة وابن جرير الطبري وغيرهم، وأخرج له ابن حبان في "صحيحه " أحاديث كثيرة، فانظر أرقامها إن شئت في "فهارس الرجال " (ص 107 طبع المؤسسة) . ويزيد بن زريع ثقة ثبت، وبخاصة في روايته عن سعيد بن أبي عروبة؛ حتى قال أحمد: "كل شيء رواه يزيد بن زريع عن سعيد بن أبي عروبة؛ فلا تبالي أن لا تسمعه من أحد، سماعه من سعيد قديم ". يشير الإمام إلى أن سعيداً هذا كان قد اختلط، وكان من أثبت الناس في روايته عن قتادة. بل قال أبو حاتم: "كان أعلم الناس بحديث قتادة". قلت: وقد خالفه في إسناده عبد الله بن رجاء؛ فقال: عن قتادة عن أنس به ... فأسنده عن أنس. أخرجه البزار (3/254/2692) : حدثنا محمد بن المثنى: ثنا عبد الله بن رجاء به. وقال: "لا نعلمه يروى عن قتادة عن أنس إلا من هذا الوجه ". قلت: ويبدو لي أنه شاذ؛ لأن عبد الله بن رجاء- وهو الغداني؛ كما ذكر

3341

المزي في ترجمة محمد بن المثنى- وهو وإن كان صدوقاً ومن شيوخ البخاري؛ فقد كان يهم قليلاً كما قال العسقلاني في "التقريب "، فمثله لا يعارض به رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. وقد ذكر هذه الحافظ ابن كثير عقب رواية ابن مسعود المتقدمة، وقال في "تفسيره " (2/39) : "وهذا إن كان محفوظاً يوم الحديبية؛ فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذ كما قال يوم بدر". وأما الحافظ؛ فقال في "الفتح " (7/288) : "ووقع عند الطبراني أن سعد بن عبادة قال ذلك بالحديبية". قلت: لم أقف على هذا، والله أعلم. ******** قصة فتح مكة الرائعة وإسلام أبي سفيان في أكمل رواية صحيحة 3341- (مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستخلف على المدينة أبا رُهْمٍ كلثوم بن حُصين الغفاري. وخرج لعشر مضين من رمضان، فصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصام الناس معه، حتى إذا كان بـ (الكديد) (¬1) ما بين (عُسْفان) و (أمَجَ) أفطر. ثم مضَى حتى نزل (مرَّ الظّهران) (¬2) في عشَرة آلاف من المسلمين؛ ¬

(¬1) قلت: وفي "البخاري " (4275) : حتى إذا بلغ (الكديد) : الماء الذي بين (قديد) و (عسفان) أفطر. و (أمج) : بلد من أعراض المدينة على يومين أو ثلاثة منها؛ كما في "معجم البلدان ". وعليه ففي ذكره هنا نظر. والله أعلم. (¬2) (الظهران) : واد قرب مكة، وعنده قرية يقال لها: (مَر) تضاف إليه. "معجم ". ******

من مزينة وسُليم، وفي كل القبائل عدد وإسلام، وأوعب (¬1) مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المهاجرون والأنصار، فلم يتخلف منهم أحد، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ب (مرِّ الظَّهران) ، وقد عميت الأخبار عن قريش؛ فلم يأتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر، ولا يدرون ما هو فاعل؟! خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب، وحكيم بن حزام، وبديل ابن ورقاء، يتحسسون وينظرون؛ هل يجد ون خبراً، أو يسمعون به؟! وقد كان العباس بن عبد المطلب أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق. وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[أيضاً] فيما بين مكة والمدينة، فالتمسا الدخول عليه، فكلمته أم سلمة فيهما، فقالت: يا رسول الله! ابن عمك، وابن عمتك وصهرك، قال: لا حاجة لي بهما، أما ابن عمي، فهتك عرضي (¬2) ، وأما ابن عمتي وصهري، فهو الذي قال لي بمكة ما قال (¬3) . فلما أخرج إليهما بذلك- ومع أبي سفيان بنيٌّ له- فقال: والله ¬

(¬1) أي: خرج جميعهم معه - صلى الله عليه وسلم -. (¬2) العرض: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في خلفه، أو من يلزمه أمره. "نهاية"، ويشير إلى (عبد الله بن أبي أمية) أخي أم سلمة أم المؤمنين. (¬3) يشير- والله أعلم- إلى قوله مع جماعة من المشركين كما في القرآن الكريم: (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً ... ) الآيات (90- 93/ الإسراء) . انظر "تفسير ابن كثير" (3/62- 63) . ******

ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً، فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لهما، ثم أذن لهما، فد خلا وأسلما. (¬1) فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (مر الظهران) ؛ قال العباس: واصباح فريش! والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنوة قبل أن يستأمنوه؛ إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر. قال: فجلست على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء؛ فخرجت عليها حتى جئت الأراك، فقلت: لعلي ألقى بعض الحطابة، أو صاحب لبن، أو ذا حاجة يأتي مكة ليخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه، فيستأمنونه قبل أن يد خلها عليهم عنوة. قال: فوالله إني لأسير عليها وألتمس ما خرجت له؛ إذ سمعت كلام أبي سفيان وبد يل بن ورقاء؛ وهما يتراجعان، وأبو سفيان يقول: ما رأيت كاليوم قط نيراناً ولا عسكراً. قال يقول بديل: هذه- والله- نيران خزاعة؛ حمشتها الحرب (¬2) . قال: يقول أبو سفيان: خزاعة- والله- أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها. قال: فعرفت صوته، فقلت: يا أبا حنظلة! فعرف صوتي فقال: أبو الفضل؟ فقلت: نعم، قال: ما لك فداك أبي وأمي؟! فقلت: ويحك يا أبا سفيان! هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس، واصباح قريش والله! قال: فما الحيلة فداك أبي وأمي؟! قال: قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب ¬

(¬1) هكذا وقعت هذه الفقرة والتي قبلها في القصة متقدمة على إسلامهما الآتي ذكره. (¬2) أي: أحرقتها الحرب. ******

معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستأمنه لك. قال: فركب خلفي، ورجع صاحباه، فحركت به (¬1) ، كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا: من هذا؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: من هذا؟ وقام إليِّ، فلما رأى أبا سفيان على عجز الناقة قال؛. أبو سفيان عدو الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد، ثم خرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وركضت البغلة، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة (¬2) الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودخل عمر، فقال: يا رسول الله! هذا أبو سفيان، قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد، فدعني فلأضرب عنقه، قال: قلت: يا رسول الله! إني [قد] أجرته، ثم جلست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذت برأسه فقلت: لا والله؛ لا يناجيه الليلة رجل دوني، فلما أكثر عمر في شأنه، قلت: مهلاً يا عمر! والله لو كان من رجال بني عديِّ بن كعب ما قلت هذا، ولكنك عرفت أنه رجل من رجال بني عبد مناف! فقال: مهلاً يا عباس! فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من إسلام الخطاب لو أسلم، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب [لو أسلم] ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) كذا الأصل، و"المجمع "! وفي "السيرة!: (فجئت به) ، ولكل وجه. (¬2) الأصل و"المجمع ": (البطيء) ! والمثبت من "السيرة"، و"تاريخ ابن كثير". ******

اذهب به إلى رحلك يا عباس! فإذا أصبح فأتني به. فذهبت به إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟!. قال: بأبي أنت وأمي، ما أكرمك [وأحلمك] وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره، لقد أغنى عني شيئاً [بعد] ، قال: ويحك يا أبا سفيان! ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟!. قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! هذه- والله- كان في نفسي منها شيء حتى الآن (¬1) ، قال العباس: ويحك يا أبا سفيان! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد بشهادة الحق وأسلم (¬2) . قلت: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً. قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان، فهو آمن، ومن أغلق بابه؛ فهو آمن، ومن دخل المسجد، فهو آمن. ¬

(¬1) كذا الأصل، و"المجمع "! وفي "السيرة": أما هذه- والله- فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً ... والزيادات منه. (¬2) انظر التعليق المتقدم رقم (1) صفحة (1025) . ******

فلما ذهب لينصرف؛ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عباس! احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها. قال: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أحبسه. قال: ومرت به القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء؟ فأقول: (سُليم) ، فيقول: ما لي ولـ (سليم) ؟ قال: ثم تمر القبيلة، قال: من هؤلاء؟ فأقول: (مزينة) ، فيقول: ما لي ولـ (مزينة) ؟ حتى تفذت (¬1) القبائل؛ لا تمر قبيلة إلا قال: من هؤلاء؟ فأقول: بنو فلان، فيقول: ما لي ولبني فلان؟ حتى مر رسول الله في كتيبته الخضراء (¬2) فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق [من الحديد] ، قال: سبحان الله! من هؤلاء يا عباس؟! قلت: هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين والأنصار، قال: ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل! لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً! قلت: يا أبا سفيان! إنها النبوة، قال: فنعم إذاً، قلت: النجاء إلى قومك. قال: فخرج حتى إذا جاءهم؛ صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش! هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به، فمن دخل دار أبي سفيان؛ فهو آمن، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة، فأخذت بشاربه فقالت: ¬

(¬1) الأصل: (تعدت) ! والتصحيح من " السيرة"، و"البداية ". (¬2) الأصل: (في الخضراء كتيبة) ! والمثبت من المصدرين المذكورين. ******************

اقتلوا الدسم الأحمش (¬1) قبح من طليعة قوم! قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم، فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان؛ فهو آمن، قالوا: ويلك وما تغني دارك؟! قال: ومن أغلق بابه؛ فهو آمن، ومن دخل المسجد، فهو آمن. فتفرق الناس إلى دورهم، وإلى المسجد) . أخرجه ابن إسحاق في "السيرة" (4/17- 24- ابن هشام) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ 10- 15) - والسياق له-، والطبري في "التاريخ " (3/ 114) - ببعضه-، وكذا الحاكم (3/43- 44) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/32) ، وأبو داود (3021) - فقرة منه (¬2) - من طريق محمد بن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود عن ابن عباس به. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي! ونحوه قول الهيثمي في "المجمع " (6/167) : "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح ". فأقول: محمد بن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، وهو حسن الحديث - بعامة- بشرط التصريح بالتحديث كما هنا، وهو حجة في السيرة النبوية كما هو معروف عند العلماء، ولذلك نقله الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية" (4/288- 291) عن "السيرة" ساكتاً عنه، وكذلك الحافظ في "الفتح " (7/8- 12) قطعاً ¬

(¬1) (الدسم) : الأسود. و (الأحمش) : القليل اللحم. أي: الأسود الدنيء؛ قالته له في معرض الذم. كذا في "النهاية" (د س م، ح م ش) . (¬2) انظر "صحيح أبي داود" (2672- 2673) .

منه في شرحه لحديث عروة بن الزبير الذي أخرجه البخاري (4280) من طريق هشام بن عروة عن أبيه مرسلاً. وفيه جمل كثيرة مما في حديث ابن إسحاق؛ فهو شاهد قوي. وأخرجه الطبري (3/ 7 1 1- 8 1 1) ، والبيهقي (5/ 36- 38، 38- 39) - ببعضه-، والطبراني (7263) من طريق أخرى عن هشام به مطولاً، وفيه ابن لهيعة. ولابن إسحاق إسناد آخر، قال: ثنا الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة عن ابن عباس نحوه. أخرجه الطبري (3/115- 117) ، والبيهقي (5/32- 35) . والحسين هذا ضعيف. وقد خالفه أيوب فرواه عن عكرمة مرسلاً؛ لم يذكر ابن عباس. رواه البيهقي أيضاً، ولكنه لم يسق متنه، وقال عقبه: "وقد رواه عبد الله ابن إدريس عن ابن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عتبة عن ابن عباس بمعناه ". ثم رواه (5/39- 46) عن موسى بن عقبة، زاد في رواية: عن ابن شهاب مرسلاً نحوه مطولاً. وبالجملة؛ فالحديث صحيح بهذه الطرق والشواهد، وهو أصح وأتم ما وقفت عليه مسنداً في قصة فتح مكة حرسها الله. والله سبحانه وتعالى أعلم. **************************

3342

3342- (هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا) . أخرجه ابن ماجه (1338) - والسياق له-، وابن نصر في "قيام الليل " (ص 55) ، وأحمد (6/165) ، وأبو نعيم في "الحلية " (1/ 371) ، والحاكم (3/325) من طريقين عن حنظلة بن أبي سفيان: أنه سمع عبد الرحمن بن سابط الجمحي يحدث عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: أبطأث على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة بعد العشاء، ثم جئت فقال: "أين كنت؟ ". قلت: كنت أستمع قراءة رجل من أصحابك، لم أسمع مثل قراءته وصوته من أحد، قالت: فقام وقمت معه حتى استمع له، ثم التفت إلي فقال: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! كذا قالا! وفيه أمران: الأول: أن عبد الرحمن بن سابط لم يخرج له البخاري شيئاً. والآخر: أن ابن سابط لم أجد من صرح أنه سمع من عائشة رضي الله عنها، وقد أرسل عن كثير من الصحابة، وروى له مسلم عن عائشة فرد حديث بواسطة - كما قال الخزرجي في "الخلاصة"-؛ ففيه شبهة الانقطاع. وكأنه لذلك قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء"- بعدما عزاه لابن ماجه (¬1) -: ¬

(¬1) الأصل: "أبو داود"! وهو خطأ من الناسخ أو الطابع، فلم يروه أبو داود. ************

"ورجال إسناده ثقات ". قلت: فلم يصححه. وقد بين ذلك الحافظ في "تخريج الأذكار"، فقال- كما في "شرح ابن علان " (3/266) -: "تفرد به ابن ماجه، ورجاله رجال "الصحيح "؛ إلا أن عبد الرحمن بن سابط كثير الإرسال، وهو تابعي ثقة، وقد (أخرجه) ابن المبارك في "كتاب الجهاد" مرسلاً، فقال: عن ابن سابط: أن عائشة سمعت سالماً ... وابن المبارك أتقن من الوليد الذي روى الحديث موصولاً؛ لكن للحديث طريق آخر ذكر فيه الحديث دون القصة، وإذا انضم إلى السند [الذي] قبله؛ تقوى به، وعرف أن له أصلاً ". قلت: وقوله: "وابن المبارك أتقن من الوليد"مما لا شك فيه، ولكنه يشعر (¬1) أن الوليد تفرد به، وليس كذلك؛ كما أشرت إليه في قولي المتقدم: "من طريقين عن حنظلة". وأعني بالأولى: طريق الجماعة عن (الوليد) ، وبالأخرى: طريق أحمد قال: "ثنا ابن نمير قال: ثنا حنظلة عن ابن سابط عن عائشة ... "، رواه في جملة أحاديت لابن نمير- واسمه عبد الله أيضاً-، وهو ثقة من رجال الشيخين، فهذه متابعة قوية منه للوليد بن مسلم، فالعلة شبهة الانقطاع، وليست المخالفة، والله أعلم. ثم رأيت الحافظ قد ذكر رواية أحمد هذه في "الإصابة"، ومع ذلك نصب الخلاف بين ابن المبارك والوليد فقط، فقال: "وابن المبارك أحفظ من الوليد"! ¬

(¬1) الأصل: "يشعر 7 عن "!! والتصحيح من "شرح الإحياء" (4/498) .

ثم قواه بطريق البزار؛ وقال: "ورجاله ثقات ". وهو كما قال، لكن فيه عنعنة ابن جريج، فإنه قال: عن ابن أبي مليكة عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع سالماً مولى أبي حذيفة يقرأ من الليل فقال: ... فذكره مختصراً. أخرجه البزار (3/254/2694) بسند صحيح عنه. وقال الهيثمي (9/ 330) : "رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح ". قلت: فهو صحيح الإسناد لولا العنعنة. لكنه شاهد قوي لحديث عائشة؛ فأحدهما يقوي الآخر. وقد قال البوصيري في "مصباح الزجاجة " (1/ 158) في حديث عائشة: "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رواه الحاكم ... ". استدراك: ثم تبينت أن رواية ابن المبارك التي اعتمدها الحافظ في إعلال رواية الثقتين: الوليد بن مسلم، وعبد الله بن نمير: مما لا يجوز الثقة بها- بله معارضة رواية الثقات بها-، وكان مفتاح ذلك أنني رأيت ابن الأثير- جزاه الله خيراً- قد ساق إسناده إلى ابن المبارك بها، في ترجمة سالم رضي الله عنه في "أسد الغابة"، فإذا هي من طريق (سعيد بن رحمة بن نعيم) قال: سمعت ابن المبارك ... وسعيد هذا لم يوثقه أحد، بل قال ابن حبان في "الضعفاء" (1/328) : "روى عنه أهل الشام، لا يجوز الاحتجاج به " لمخالفته الأثبات في الروايات ".

3343

ونقله عنه الذهبي في " الميزان "، والعسقلاني في "اللسان "، وأقراه، وذكرا أنه هو راوي "كتاب الجهاد" عن ابن المبارك. فلا أدري كيف غاب هذا عن الحافظ، واعتمد على الكتاب المذكور فيما تقدم؟ ! ******** 3343- (كان يقوم فيصلِّي من الليل [على خمرته] ، (قالت ميمونة رضي الله عنها) وأنا نائمة إلى جنبه، [مفترشة بحذاء مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -] ، فإذا سجد أصابني [طرف] ثوبه وأنا حائض) . أخرجه أحمد (6/ 0 33- 1 33) من طرق عن عبد الواحد وغيره، عن سليمان الشيباني قال: ثنا عبد الله بن شداد قال: سمعت ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول: ... فذ كره. والسياق لعبد الواحد- وهو ابن زياد العبدي-، وهو ثقة من رجال الشيخين، والزيادات لغيره، وكلها صحيحة. والحديث في "الصحيحين " وأصحاب "السنن " وغيرهم بألفاظ نحوه، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (395/663) ، لكن وقع في "مسلم " مختصراً جدّاً بلفظ: كان يصلي وأنا حذاءه، وربما أصابني ثوبه إذا سجد، وكان يصلي على الخمرة. ولذلك أشكل على بعض إخواننا، وتساءل في خطاب له أرسله إلي من الرياض بتاريخ (2/6/1416هـ) تساءل فيه: "هل يفهم منه أن تقف المرأة مع الإمام الرجل في صف واحد في صلاة الجماعة في النافلة، كما- ربما- أفاد عنوان الحديث وما قبله في "صحيح مسلم "؟! أم يفهم أنها كانت جالسة لا تصلي ... ؟! ".

3344

قلت: وإن مما لا شك فيه أن الأمر الأول بعيد جداً عن الحديث- على اختصاره-؛ لأنه ليس فيه: وأنا أصلي حذاءه؛ وهو خلاف المعروف من الأحاديث الصحيحة الأخرى أن المرأة تقف خلف الإمام ولو كانت وحدها، خلافاً للرجل. ومن أبواب البخاري في "صحيحه ": "باب المرأة وحدها تكون صفاً ". ثم ساق تحته (727) حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صليت أنا ويتيم في بيتنا خلف النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأمي- أم سُليم- خلفنا. ورواه مسلم أيضاً، وأصحاب " السنن " وغيرهم، وهو مخرج في "الإرواء" (2/329- 330) . وأما حديث: "المرأة وحدها صف "؛ فموضوع، كما قال ابن عبد البر، وقد عزاه إليه الحافظ (2/212) دون أن يحكي عنه الموضع! وساكتاً عنه أيضاً! انظر "الضعيفة" (6628) . أقول: فدفعاً لذاك الإشكال وجواباً عن ذاك المتسائل؛ جمعت أطراف الحديث وزوائده، وسقته سياقاً واحدً سمحًا سهلاً؛ للإطاحة بالإشكال، ولبيان أنها لم تكن جالسة، وإنما نائمة، ولا بمصلية بل وهي حائض! وإنما كان فراشها بحذاء مسجده - صلى الله عليه وسلم - أي: مصلاه. وبالله التوفيق. * 3344- (ذاك إبراهيم عليه السلام. يعني: أنّه خير البريّة) . أخرجه مسلم (7/97) ، وأبو داود (4672) ، والترمذي (3349) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/520/11692) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (11/518/11865) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/48- 49- المؤسسة) ،

وأحمد (3/178و184) ، وأبو يعلى (7/39 - 40/3948- 3950) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان " (1/128 و 2/156- 57 1) ، والبيهقي في " دلائل النبوة" (5/497) من طرق عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا خير البرية! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". قلت: وظاهر الحديث يدل على أمرين: أحدهما: أن إبراهيم عليه السلام خير الخلق مطلقاً بما فيهم الملائكة. والآخر: أنه أفضل من نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -. وأجاب العلماء عن هذا بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك تواضعاً وهضماً لنفسه، أو أنه قال ذلك قبل أن يوحى إليه بأن الله تعالى اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، وأنه سيد الناس يوم القيامة، آدم فمن دونه تحت لوائه - صلى الله عليه وسلم -، كما جاء في الأحاديث الصحيحة، وبهذا أجاب الطحاوي، فراجعه فإنه هام مفيد. وأما الأمر الأول؛ فلم يتعرض له الطحاوي، فأرى- والله أعلم- أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خير البرية" من حيث إنه لا يشمل الملائكة، كقوله تعالى في سورة (البينة) : (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية) بعد قوله: (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية) ، وأن المراد بـ (خير البرية) و (شر البرية) ؛ إنما هم غير الملائكة- كما يشعر بذلك السياق-؛ فإن الملائكة (لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) . وقد ذكر القرطبي أنه قد استدل بقوله تعالى: (خير البرية) من فضل

بني آدم على الملائكة، ثم أحال في بيان الخلاف في ذلك على سورة البقرة (1/289) ، وهناك ذكر الخلاف في المسألة بشيء من التفصيل، وذكر دليل من قال بذلك، والقائل بأن الملائكة أفضل، ومن ذلك قوله: "وفي البخاري: "يقول الله تعالى: من ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم "، وهذا نص " (¬1) . ثم قال: "وقال بعض العلماء: ولا طريق إلى القطع بأن الأنبياء أفضل من الملائكة، ولا القطع بأن الملائكة خير منهم, لأن طريق ذلك خبر الله تعالى، وخبر رسوله، أو إجماع الأمة، وليس ههنا شيء من ذلك ". ثم رأيت العلامة ابن أبي العز الحنفي قد توسع جدا في ذكر أدلة الفريقين ومناقشتها، وبيان ما لها وما عليها في "شرح العقيدة الطحاوية" (301- 311) - وتبعه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري " (13/384- 388) -؛ وذكر عن أبي حنيفة رحمه الله أنه لم يقطع فيها بجواب، وقال: "وهذا هو الحق، فإن الواجب علينا الإيمان بالملائكة والنبيين، وليس علينا أن نعتقد أي الفريقين أفضل؛ فإن هذا لو كان من الواجب لبين لنا نصاً.. وحملني على بسط الكلام هنا: أن بعض الجاهلين يسيئون الأدب بقولهم: كان الملك خادماً للنبي - صلى الله عليه وسلم -! أو أن بعض الملائكة خدام بني آدم!! يعنون: الملائكة الموكلين بالبشر، ونحو ذلك من الألفاظ المخالفة للشرع المجانبة للأدب.. ". ¬

(¬1) الحديث أخرجه مسلم أيضاً، وهو من حديث أبي هريرة، وله شواهد من حديث ابن عباس، وأنس بن مالك، وهي مخرجة في "الصحيحة" (2011و 2287 و 2942) .

ثم شرع في البسط المذكور، وختمه بقوله: "وحاصل الكلام: أن هذه المسألة من فضول المسائل، ولهذا لم يتعرض لها كثير من أهل الأصول، وتوقف أبو حنيفة في الجواب عنها كما تقدم. والله أعلم بالصواب ". قلت: ولقد كان التوقف المذكور هو الذي يقتضيه النظر والتأمل في أدلة الفريقين، وجواب كل منهما عن أدلة الآخر، لولا حديث البخاري الذي قال فيه القرطبي: إنه نص في المسألة كما تقدم؛ وقد حكاه الحافظ العسقلاني عن ابن بطال أيضاً، وإن كان الحافظ تكلف في رد دلالته وتأويله: "بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معاً؛ فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب، فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع ". وقد كنت وقفت منذ القديم في "الترغيب والترهيب " على حديث من رواية البزار وابن حبان في "صحيحه " هو نص في الموضوع وأقوى؛ لأنه يبطل التأويل المذكور، ونصه: "أول من يدخل الجنة من خلق الله: الفقراء المهاجرون الذين تسد بهم الثغور، وتتقى بهم المكاره، ويموت أحدهم وحاجته في صدره لا يستطيع لها قضاء، فيقول الله لملائكته: ائتوهم فحيوهم، فتقول الملائكة: ربنا! نحن سكان سماواتك، وخيرتك من خلقك، أفتأمرنا أن نأتي هؤلاء فنسلم عليهم؛! قال: إن هؤلاء كانوا عباداً لي يعبدوني لا يشركون بي شيئاً، وتسد بهم الثغور..، قال: فتأتيهم الملائكة عند ذلك؛ فيدخلون عليهم من كل باب: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) .

وقال المنذري (4/86) ، والهيثمي (10/259) : "ورجاله ثقات ". وهو في "موارد الظمآن " (2565) - والسياق له-، ومخرج في المجلد السادس من "الصحيحة" برقم (2559) . وإني لأستغرب جدا كيف فات على أولئك العلماء من الفريقين إيراده احتجاجاً ودفعاً؟! وبخاصة الحافظ ابن حجر العسقلاني، لنعلم رأيه في شهادة الملائكة أمام ربهم: أنهم خيرة خلقه، وما أظن أنه يجد له تأويلاً إلا التسليم لدلالته! ونحوه حديث الترجمة، فما تعرض أحد منهم لذكره، ولعل ذلك لأنهم يرون أيضاً أنه خاص بالناس دون الملائكة؛ كما تقدم بيانه في طليعة هذا التخريج، وهو الذي استظهره الإمام الآلوسي في تفسيره "روح المعاني " (3/264) ! والله ولي التوفيق. وأما حديث: "علي خير البرية"؛ فمن موضوعات الشيعة، وقد روي من حديث أبي سعيد الخدري، وهو مخرج في "الضعيفة " (5593) ، ومن حديث جابر بن جابر برقم (4925) ، وذكره الآلوسي من حديث أبي هريرة عند ابن أبي حاتم، وحديث عائشة وعلي وابن عباس عند ابن مردويه، ولم أقف على أسانيدها. ومن الظاهر أنها من عمل الشيعة أو غيرهم من الضعفاء والكذابين، ولذلك عقب الآلوسي عليها بقوله: "وإن دون إثبات صحة تلك الأخبار خرط القتاد. والله تعالى أعلم ". ولا بد من التنبيه أنه وقع فيه حديث أبي هريرة: "مرفوعاً "، وأنا أظن أنه محرف: "موقوفاً"؛ فإن من المعروف أن مرجع المتأخرين في تخريج أحاديث التفسيرإنما هو "الدر المنثور"على الغالب، والحديث فيه (6/379) غيرمرفوع! *

3345

3345- (لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، ما وطئوا الأرض قبلها، وقال حين دفن: سبحان الله! لو انفلت أحد من ضغطة القبر؛ لانفلت منها سعد، [ولقد ضم ضمة، ثم أفرج عنه] ) . أخرجه البزار (3/256/2698- كشف الأستار) من طريق أبي عَتَّاب: ثنا مسكين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن الخطاب: أخبرني نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات معروفون؛ غير مسكين هذا؛ فقد ذكره البخاري في "التاريخ " بروايته عن برد بن سنان، وقال: "يعد في البصريين، روى عنه محمد بن رومي وبشر بن الحكم ". وسكت عنه. وترجمه ابن أبي حاتم (4/1/ 329) برواية خمسة آخرين من الثقات، وقال: "سألت أبي عنه؟ فقال: وهن أمر مسكين أبي فاطمة بهذا الحديث؛ حديث أبي أمامة في الغسل يوم الجمعة". قلت: وهذا تضعيف لين؛ فإن الحديث الذي أشار إليه قد رواه أبو فاطمة عن حوشب عن الحسن قال: كان أبو أمامة يروي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره؛ وهو مخرج في "الضعيفة" (1802) ، وتضعيفه بهذا الحديث فيه نظر عندي؛ لأنه لا ذنب له فيه؛ إنما هو راو، والعلة فيه من الحسن- وهو البصري-؛ فإنه لم يصرح بسماعه، دل قال أدو حاتم "الحسن عن أبي أمامة لا يجيء".

ثم إن بين أبي فاطمة والحسن: حوشب- وهو ابن مسلم الثقفي-، وهو دون (أبي فاطمة) في الشهرة؛ فإن ابن أبي حاتم لم يذكر عنه من الرواة مع أبي فاطمة غير ثلاثة، بينما هذا روى عنه ستة من الثقات، إذا ضم إلى الخمسة الذين ذكرهم ابن أبي حاتم (بشر بن الحكم) الذي ذكره البخاري، وفي إسناد هذا الحديث راو سابع عنه، وهو أبو عتاب- وهو سهل بن حماد-، ويمكن أن يضاف إليهم ثامن، وهو عبد الله بن عون، فقد قال ابن حبان في ترجمة (مسكين) هذا (5/449) : "روى عن رجل من الصحابة، روى عن الحسن (!) ، وأحسبه: الذي روى عن علي، روى عنه عبد الله بن عون ". وفرق البخاري، وابن أبي حاتم بين المترجم وبين هذا الذي روي عن علي، وأفرداه بالترجمة؛ إلا أنهما اختلفا، فقال البخاري: "سمع علياً، روى عنه عبد الله بن عون ". وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: "روى عن علي رضي الله عنه؛ مرسل، روى عنه ... ". بل، ويمكن أن يلحق بهم ثقة تاسع، وهو العباس بن الوليد النرسي، كما يأتي نقلاً عن "لسان الحافظ ". من أجل ذلك أستبعد جدّاً تعصيب علة حديث (غسل الجمعة) بأبي فاطمة هذا، وعلته من الانقطاع بين الحسن وأبي أمامة، فإن كان ولا بد من النزول عنه إلى غيره؛ فهو حوشب بن مسلم، لما ذكرت آنفاً أنه دون أبي فاطمة في الشهرة، وإن كان قد قال الحافظ فيه: " صدوق ".

وله وجه. وقد خالفه الذهبي فقال في "الميزان ": "لا يدرى من هو؟ ". وإذا كان الحافظ قد صدّقه، وقد روى عنه أربعة؛ فإن مما لا شك فيه أن من روى عنه ثمانية بل تسعة من الثقات؛ أنه لا يجوز في النظر السليم أن تعصّب به العلة، وفوقه من هو أولى بها. ومن الغريب أن الحافظ قد فاته أن أبا فاطمة مترجم في المصادر الثلاثة المتقدمة: "التاريخ "، "الجرح "، "الثقات "، وأنه ذكره في كتابه: "اللسان " مختصراً جدّاً، فقال (6/28- 29) : "مسكين أبو فاطمة، عن التمار بن يزيد، وعنه العباس بن الوليد النرسي. قال الدراقطني: ضعيف الحديث ". فأقول: هذا تضعيف غير مفسَّر، فأخشى أن يكون نحو تضعيف أبي حاتم الذي بينت وهاءه. والله أعلم. على أنه لم يتفرد به (مسكين أبو فاطمة) ، بل تابعه عبيد الله بن عمر عن نافع به، وفيه الزيادة، ولفظه: "لهذا العبد الصالح الذي تحرك له العرش، وفتحت له أبواب السماوات، وشهده سبعون ألفاً من الملائكة، لم ينزلوا الأرض قبل ذلك، ولقد ضم ... " إلخ. أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (3/ 430) : أخبرنا إسماعيل بن أبي مسعود قال: أخبرنا عبد الله بن إدريس قال: أخبرنا عبيد الله بن عمر به. ومن هذا الوجه أخرجه الخطيب في "التاريخ " (6/ 250) في ترجمة إسماعيل

ابن أبي مسعود، وذكر أن كنيته أبو إسحاق كاتب الواقدي، وقال: "حدث عن عباد بن العوام وعبد الله بن إدريس وخلف بن خليفة الأشجعي، روى عنه إبراهيم بن عبد الرزاق، وعباس الدوري، وعبد الكريم بن الهيثم العاقولي ". وعبد الكريم هذا ثقة ثبت، كما في "التاريخ " (6/78) . ثم روى بسنده عن ابن السكن: "حدثنا إسماعيل بن أبي مسعود، بغدادي ثقة". قلت: وهذه فائدة تستدرك على "اللسان "؛ فإنه لم يذكر توثيقه إلا عن ابن حبان، وقد ذكره في الطبقة الرابعة من "الثقات " (8/95) ، وقال: "روى عنه أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة، وعثمان بن خُرَّزَاذَ الأنطاكي، يغرب ". قلت: وروى عنه أربعة آخرون، ثلاثة منهم ثقات، ذكر منهم الخطيب اثنين، والثالث ابن سعد كما ترى، فهو ثقة إن شاء الله؛ كما قال ابن حبان وابن السكن. على أنه قد توبع من عمرو بن محمد العَنْقَزيِّ في "سنن النسائي "، وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" (12/ 11) ، وفي "معرفة الصحابة" لأبي نعيم (1/ 270/ 1) ، ومن داود بن عبد الرحمن عند البزار أيضآ (رقم 2699) ؛ ولم يسق الهيثمي لفظه، ولكنه ساقه عقب حديث الترجمة، ثم قال: "قلت: فذكر نحوه ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وقد ساق لفظه الحافظ ابن كثير في تاريخه "البداية" (4/128) ، وزاد في آخره:

"ثم بكى نافع ". وقال ابن كثير: "وهذا إسناد جيد، لكن قال البزار: رواه غيره عن عبيد الله عن نافع مرسلاً". قلت: لم يذكر من هو هذا (الغير) ؟ ولا ذكر إسناده إليه، ولا عرفته، فإن صح فلا يضر بعد أن أسنده العنقزي متابعآ لداود بن عبد الرحمن كلاهما عن عبيد الله ابن عمر، متابعين لعبد الله بن إدريس عنه، فهؤلاء ثلاثة من الثقات قد أسندوه، فلا يضرهم مخالفة من أرسله مهما كان شأنه؛ فكيف وقد توبع عبيد الله بن عمر على إسناده من مسكين أبي فاطمة عن نافع عن ابن عمر، كما في حديت الترجمة؟! وله شاهدان مختصران من حديث عائشة وابن عباس، تقدم تخريجهما برقم (1695) . (تنبيه) : كنت اعتمدت في تخريج حديث (غسل الجمعة) المتقدم في أول هذا التخريج تضعيف أبي حاتم والدارقطني لـ (مسكين بن عبد الله) ، وبعد هذا التحقيق الذي وفقني الله تبارك وتعالى حوله، وتتبع من روى عنه من الثقات، فقد رجعت عن تضعيفه، وأسأل الله تعالى المزيد من فضله وتوفيقه، وصدق الله (وما بكم من نعمة فمن الله) ا. ثم وجدت له طريقاً أخرى عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "إن سعداً ضغط في قبره ضغطة، فسألت أن يخفف الله عنه ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/205/2) عن عبد السلام بن حرب عن عطاء بن السائب عن مجاهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال. اهتز العرش لحب لقاء الله سعداً، وكان آخرهم خرج من قبره النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وقال: ... فذ كره.

3346

قلت: وهذا إسناد ضعيف، عطاء بن السائب كان اختلط. وعبد السلام بن حرب؛ قال الحافظ: "ثقة حافظ، له مناكير". قلت: وقد توبع، فأخرجه الحاكم (3/206) ، والبزار (3/256/2697) ، وابن أبي شيبة (12/142 ـ 143) ، وابن سعد (3/433) من طريق ابن فضيل عن عطاء بن السائب به؛ ولفظه: "ضُمَّ سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه ". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي! وهذا من أوهامهما؛ فإن اختلاط عطاء بن السائب ثابت عند أهل العلم، وقد ذكر ذلك الذهبي نفسه في ترجمته من "الميزان "، وأن من روى عنه قديماً؛ فهو صحيح الحديث، وليس عبد السلام بن حرب ومحمد بن فضيل منهم، ولذلك فالحديث ضعيف لاختلاطه؛ لا سيما والأحاديث في ضمة القبر على سعد كثيرة؛ ذكر السيوطي طائفة منها في "شرح الصدور" (ص 44- 45) ، وليس في شيء منها: "فسألت الله أن يخفف عنه " أو: "فدعوت الله أن يكشف عنه "؛ مع ملاحظة الفرق أيضاً بين "يخفف " و"يكشف ". * 3346- (أتعجبون من هذه؟ فو الذي نفسي بيده، لمناديل سعد ابن معاذ في الجنة خير منها) أخرجه البزار في "مسنده " (3/257- 258) : حدثنا محمد بن المثنى: ثنا سالم بن نوح: ثنا عمر بن عامر عن قتادة عن أنس:

أن أكيدر الدّومة بعث إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبة سندس، فلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتعجب الناس منها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ثم أهداها إلى عمر، فقال: يا رسول الله! تكرهها وألبسها؟! قال: "يا عمر! إنما أرسلت بها إليك لتبعث بها وجهاً، فتصيب بها مالاً"؛ وذلك قبل أن ينهى عن الحرير. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات على شرط مسلم. وقد أخرجه في "صحيحه " (7/ 151) عقب حديث شيبان عن قتادة الآتي، فقال: حدثناه محمد بن بشار: حدثنا سالم بن نوح به؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما قال: فذكر نحوه، ولم يذكر فيه: وكان ينهى عن الحرير. وقد جاء الحديث من طرق أخرى عن قتادة مفرقاً. الأولى: عن شيبان عنه بالشطر الأول منه دون جملة الإهداء، ودون ذكر (أكيد ر دومة) ، وزا د: وكان ينهى عن الحرير. أخرجه البخاري (5 261 و 3248) ، ومسلم (7/ 51 1) ، وأبو يعلى (5/423/3112) ، وعبد بن حميد في "المنتخب " (3/101/1198) . الثانية: سعيد بن أبي عروبة عنه بالشطر الأول. أخرجه أحمد (3/206- 7 0 2 و 234) ، وابن حبان (9/91/ 6999) ، والطحاوي (2/343) .

وإسناد أحمد في الموضع الأول صحيح على شرط الشيخين، وعلقه البخاري (6 1 26 و 2 380) ، وفي الموضع الآخر صحيح على شرط مسلم. الثالثة: شعبة عنه به مختصراً. أخرجه الطيالسي (267/ 0 99 1) ، ومن طريقه أحمد (3/209) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين أيضاً. ووجدت لقتادة ثلاثة متابعين: الأول: واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال: دخلت على أنس بن مالك، فقال لي: من أنت؛ قال: أنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ، قال: إنك بسعد لشبيه، ثم بكى فأكثر البكاء، قال: رحمة الله على سعد، كان من أعظم الناس وأطولهم، ثم قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيشاً إلى (أكيدر دومة) ، فأرسل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جبة ديباج منسوج فيها الذهب، افلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام على المنبر، أو جلس، فلم يتكلم، ثم نزل، فجعل الناس يلمسون الجبة وينظرون إليها، فقال: ... فذكر حديث الترجمة؛ دون جملة الإهداء. أخرجه الترمذي (1723) ، والنسائي (2/297) ، وابن حبان في "صحيحه " (6998- الإحسان) - والسياق له-، وابن أبي شيبة في "المصنف " (14/ 41- 413/18644) من طريق محمد بن عمرو: حدثنا واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ ... وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ".

قلت: وإسناده حسن للخلاف المعروف في محمد بن عمرو- وهو ابن علقمة الليثي المدني-. وواقد ثقة من رجال مسلم. الثاني: عاصم بن عمر بن قتادة عن أنس قال: رأيت قباء (أكيدر) حين قدم به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل المسلمون يلمسونه بأيديهم ويتعجبون منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث؛ دون الجملة. أخرجه أحمد (3/238) من طريق ابن إسحاق قال: حدثني عاصم ... إلخ. قلت: وهذا إسناد حسن أيضاً، صرح فيه محمد بن إسحاق بالتحديث. الثالث: علي بن زيد بن جدعان عنه قال: أهدى (أكيدر دومة) ... الحديث دون الهدية، وزاد في رواية: ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب، فلبسها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إني لم أعطكها لتلبسها". قال: فما أصنع بها؟ قال: "أرسل بها إلى أخيك النجاشي ". أخرجه أحمد (3/ 111 و 229 و 251) ، والحميدي (1203) - مختصراً-. وابن جدعان ضعيف، والجملة الأخيرة منه منكرة عندي، والله سبحانه وتعالى أعلم. وثمة متابع رابع؛ وهو الزهري عن أنس قال:

أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلة من إستبرق ... الحديث دون الجملة. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/15/5347) من طريق إسحاق بن إبراهيم بن زِيْرِيق: ثنا عمرو بن الحارث: ثنا عبد الله بن سالم عن الزُّبَيْدِي عنه. وعلَّقه البخاري عقب حديث البراء الآتي الإشارة إليه، فقال (3802) : "رواه قتادة والزهري سمعا أنسآ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". فقال الحافظ (7/123) - وتبعه العيني في "العمدة" (16/267) -: "أما رواية قتادة " فوصلها المؤلف في (الهبة) ، وأما رواية الزهري؛ فوصلها في (اللباس) ". قلت: أما رواية قتادة " فهي المتقدمة من رواية شيبان عنه. وأما رواية الزهري؛ فلم يصلها البخاري، وإنما علقها أيضاً في (اللباس) فقال تحت (26- باب مس الحرير من غيرلُبْسِ) : "ويروى فيه عن الزُّبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". فقول الحافظ: "فوصلها في (اللباس) " وهم (¬1) ، لعله سبق قلم، صوابه: "فيأتي وصلها في (اللباس) "؛ فقد وصله هو هناك من رواية الطبراني المذكورة، وعقب عليها بقوله (10/291) : "قال الدارقطني في "الأفراد": لم يروه عن الزبيدي إلا عبد الله بن سالم ". قلت: وهو أبو يوسف الحمصي، ثقة من رجال البخاري، لكن السند إليه ¬

(¬1) قلت: قلده فيه الشيخ الأعظمي في تعليقه على الحديث؛ فقال: "أخرجه البخاري من طريق قتادة والزهري عن أنس، أما رواية قتادة ففي (ج 5 ص 5 14) "!!

ضعيف؛ إلا أن قول الدارقطني المذكور يشعر بأن الضعيف متابع، وكذلك قول البخاري المتقدم، فقد جزم بأن قتادة والزهري سمعاه من أنس، لكن رواية الطبراني معنعنة، وكذلك رواية تمام التي قرنها الحافظ بها، بيد أنني رجعت إلى "فوائد تمام " بواسطة "الروض البسام " (4/325- 326/ 00 5 1 و1 0 5 1) ؛ فرأيته قد أخرجه من وجه آخر أيضاً، وفي كل منهما صرح الزهري بالتحديث، لكنهما ضعيفان؛ كما بينه مرتبه الفاضل أبو سليمان الدوسري جزاه الله خيرآ. وكأن البخاري عاد أخيراً إلى الإشارة إلى تضعيفه في الباب المشار إليه آنفاًً بقوله في صدره: "ويروى فيه عن الزبيدي عن الزهري عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "؛ وإليه مال الحافظ في "تغليق التعليق " (5/62) . وفي الطرق المتقدمة عن أنس ما يكفي ويغني عن هذه الطريق. والله أعلم. على أن لحديث الترجمة شاهداً من حديث البراء بن عازب قال: أهديت للنبي - صلى الله عليه وسلم - حلة حرير، فجعل أصحابه يمسونها ويعجبون من لينها، فقال: ... فذ كره. أخرجه البخاري (3249 و 2 380 و 5836 و0 664) ، ومسلم (7/ 150 - 51 1) ، والترمذي (3846) ، وابن ماجه (57 1) ، وابن حبان (9/90/6996و 6997- الإحسان) ، وأحمد (4/ 1 30 و 2 30) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/15/5348) من طريق سفيان وشعبة وغيرهما عن أبي إسحاق عنه. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وجملة الإهداء؛ يرويها أبو صالح الحنفي عن علي: أن (أكيدر دومة) أهدى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب حرير، فأعطاه عليّاً، فقال:

3347

"شققه خمراً بين الفواطم ". أخرجه مسلم (6/142) . * 3347 - (إنّما كانت تحملُه الملائكة معَهم. يعني: جنازة سعدِ بن معاذ رضي الله عنه) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (9/89/6993- الإحسان) قال: أخبرنا الحسن بن سفيان: حدثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف: حدثنا محمد بن سَوَاءِ: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال- وجنازة سعد موضوعة-: "اهتز لها عرش الرحمن ". فطفق المنافقون في جنازته، وقالوا: ما أخفها! فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات مشهورون؛ غير محمد بن عبد الرحمن العلاف، ذكره ابن حبان في "الثقات " بروايته عن محمد بن سواء وأبي عاصم، وقال (9/89) : "حدثنا عنه الحسن بن سفيان ". قلت: وحدث عنه ابن أبي عاصم كما يأتي، وابن أبي داود أيضاً الحافظ ابن الحافظ، كما في "شرح معاني الآثار" (2/343) ، فمثلا صدوق يحسن حديثه؛ لا سيما في الشواهد، وقد أخرج له ابن حبان بهذا الإسناد عن أنس حديثاً آخر في: (مناديل سعد في الجنة) ، وتقدم تخريجه في الحديث الذي قبل هذا، لكن وقع فيه. (سعيد) مكان: (شعبة) ، وهو الصواب كما يأتي، وكذلك أخرج له (5720)

بالإسناد نفسه إلى قتادة عن عكرمة عن ابن عباس بحديث: لعن المخنثين من الرجال، وهو مخرج في "جلباب المرأة المسلمة " (154/3- الإسلامية) من رواية البخاري وغيره. وسعيد: هو ابن أبي عَروبة. وقد تابعه معمر عن قتادة به. أخرجه الترمذي (3849) من طريق عبد بن حميد، وهذا في "المنتخب من المسند" (3/99/1192) : أخبرنا عبد الرزاق: أخبرنا معمر به. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وضعفه المعلق على "المنتخب " بعنعنة قتادة! غير مبال بجريان العمل على الاحتجاج به عند الأئمة الستة وغيرهم، ومنهم الشيخان، فقد مشيا عنعنته في أحاديث كثيرة، وهذا منها على ما سأبينه، وذلك لقلة تدليسه في جملة أحاديثه الكثيرة، فقد كان من الحفاظ الأثبات. وقد أشار إلى ذلك الحافظ في "مقدمة الفتح " بقوله (ص 436) : "التابعي الجليل، أحد الأثبات المشهورين، كان يضرب به المثل في الحفظ؛ إلا أنه ربما دلس، احتج به الجماعة". ولذلك اقتصر في "التقريب " على قوله فيه: "ثقة ثبت ". قلت: فمثله يغتفر تدليسه- والله أعلم- وبخاصة إذا عنعن عمن سمع منه كثيراً كأنس، فلا يعل حديثه عنه إلا إذا ضاق الأمر، وكان هناك ما يؤكد تدليسه. ثم رأيت الحديث في "المستدرك " (3/207) من طريق آخرعن عبد الرزاق به. وقال:

"صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. هذا، وقد توبع محمد بن سواء على بعض حديثه من عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن سعيد عن قتادة: حدثنا أنس بن مالك به؛ دون قوله: فطفق المنافقون ... إلخ. أخرجه مسلم (7/ 0 5 1) ، وأحمد (3/234) ، وأبو يعلى (5/329/2953) . كما توبع الحسن بن سفيان " فقال ابن أبي عاصم في "السنة" (1/247/561) : ثنا محمد بن عبد الرحمن العلاف ... بجملة: "اهتز لها عرش الرحمن ". وتوبع العلاف نفسه من محمد بن ثعلبة بن سواء: ثنا عمي محمد بن سواء: ثنا سعيد به مثل رواية عبد الوهاب الخفاف. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/14/5342) من طريقين عنه. وهو صدوق؛ كما في "التقريب ". قلت: وفي كل هذه الطرق والمتابعات؛ وقع فيها: (سعيد) خلافاً لرواية ابن حبان التي فيها: (شعبة) مما يؤكد خطأها، كما تقدم التنبيه عليه. وغفل عن ذلك المعلق على "الإحسان "، فمر عليها دون أي تعليق، رغم أنه نقل رواية أحمد ومسلم عن الخفاف، ورواية الطبراني عن ابن ثعلبة، وفاتته رواية ابن أبي عاصم، وفيها كلها: (سعيد) ، فلم يتنبه لخطأ رواية ابن حبان، والمعصوم من عصمه الله. ثم إن جملة (اهتزاز العرش) لها شواهد كثيرة عن جمع من الصحابة، قال الحافظ (7/124) :

3348

"عشرة أو أكثر، وثبت في "الصحيحين "، فلا معنى لإنكاره ". وقال الذهبي في "العلو" (109- مختصره) بعد أن ساقه عن جمع منهم: " فهذا متواتر، أشهد بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاله ". قلت: هو عندهما من حديث جابر، وقد أخرجته عنه في "الظلال " (1/247- 248) ، ومن حديث أنس هذا، وأسيد بن حضير، وأبي سعيد، وابن عمر، وأسماء بنت يزيد بن السكن، ورميثة. ولحديث الترجمة شاهد من مرسل الحسن البصري قال: لما مات سعد بن معاذ- وكان رجلاً جسيماً جَزٍلاً- جعل المنافقون وهم يمشون خلف سريره يقولون: لم نر كاليوم رجلاً أخف! وقالوا: أتدرون لم ذاك؟ لحكمه في بني قريظة، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "والذي نفسي بيده؛ لقد كانت الملائكة تحمل سريره ". أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (3/ 430) : أخبرنا وهب بن جرير قال: أخبرنا أبي قال: سمعت الحسن قال: ... فذكره. وهذا إسناد مرسل صحيح، رجاله رجال الشيخين، فهو شاهد قوي، فالحديث حسن. * 3348- (هذا الرجل الصَالحُ الذي فتحت له أبواب السَماءِ، شُدِّد عليه، ثم فرِّج عنه. يعني: سعد بن معاذ) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (9/89/6994- الإحسان) ، وأحمد (3/327) ، وفي " فضائل الصحابة" (2/823/1496و1497) ، والحاكم (3/206) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/13/ 5340) من طريق محمد بن عمرو: حدثني

3349

يزيد بن عبد الله بن أسامة بن زيد الليثي ويحيى بن سعيد عن معاذ بن رفاعة الزرقي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم: "وقد صح سنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما". ووافقه الذهبي. قلت: وهو حسن للخلاف المعروف في محمد بن عمرو- وهو الليثي-. وله شاهد من حديث ابن عمر أتم منه، تقدم تخريجه قريباً تحت الحديث (3345) . * 3349- (آذانِي ريحُها فقمتُ. يعني: جنازة يهوديّ) . أخرجه ابن عدي (1/ 0 32) ، والطبراني في "المعجيم الأوسط " (7/374- 375) من طريق أبي الأسباط الحارثي عن إسماعيل بن شروس الصنعاني عن عكرمة عن ابن عباس: أن الجنازة التي قام لها النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت جنازة يهودي، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الطبراني: "لم يروه عن إسماعيل بن شروس إلا أبو الأسباط ". قلت: واسم هذا: بشر بن رافع؛ وهو ضعيف، لكن الآفة من شيخه إسماعيل ابن شروس؛ فإنه متهم بالوضع، وفي ترجمته ساقه ابن عدي مع حديث آخر له، وقد خرجته في "الضعيفة " برقم (6631) لتفرده به. وأما هذا؛ فقد أخرجه العقيلي أيضآ (1/84/94) دون حديث الترجمة، وكأنه ظن أنه تفرد به، وليس كذلك؛ فقد قال الإمام أحمد (1/201) : ثنا عبد الرزاق: أنبأنا ابن جريج قال: سمعت محمد بن علي يزعم عن حسين وابن عباس- أو عن أحدهما- أنه قال:

إنما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل جنازة يهودي مُرَّ بها عليه، فقال: "آذاني ريحها". قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، وحسين: هو ابن علي بن أبي طالب، جد محمد بن علي الراوي عنه؛ المعروف بأبي جعفر الباقر. والحديث قال الهيثمي (3/28) : "رواه أحمد- والطبراني في " الأوسط " بنحوه-؛ ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وقد عرفت أن إسناد "الأوسط " لا شيء، فالعمدة على إسناد أحمد. وله شاهد من حديث عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: ما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتلك الجنازة، إلا أنها كانت يهودية، فإذا هي ريح بخورها، فقام حتى جاوزته. كذا ذكره الهيثمي، وقال: "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه أبو عمرو السدوسي، ولم يرو عنه غير أبي عامر العقدي، وبقية رجاله ثقات ". قلت؛ قال الحافظ في أبي عمرو السدوسي: "هو سعيد بن سلمة بن أبي الحسام؛ وإلا فهو مجهول ". قلت: سعيد هذا من رجال مسلم، وفيه ضعف، وحتى يتبين أنه هو؛ فهو على الجهالة، وكلام الهيثمي المذكور يشعر بذلك، والله أعلم. ومسند عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة من "المعجم الكبير" هو من القسم الذي لم يطبع حتى اليوم في علمي، ولذلك فإني لم أقف على إسناده فيه لأنظر

3350

في بقية رجال إسناده، فإني أخشى أن يكون فيهم من لم يوثقه غير ابن حبان، فقد رأيت الحافظ في "الإصابة" قد ذكر الحديث من رواية ابن منده من طريق عبد الله بن الحارث المخزومي عن عبد الله بن عياش به. فإن كان عند الطبراني من هذا الوجه؛ فقد صح ما خشيته؛ لأن عبد الله بن الحارث هذا لم يوثقه غير ابن حبان (7/32) ، ولم يذكر له- هو والبخاري وابن أبي حاتم- راوياً غير أخيه: عبد الرحمن بن الحارث، فيكون مجهولاً. ثم إنه ذكره في (أتباع التابعين) ، وقد أشار إلى ذلك البخاري بقوله في "التاريخ ": "رأى ابن عباس وابن عمر". وعليه يكون الحديث منقطعاًً بينه وبين عبد الله بن عياش إن ثبتت صحبته؛ وإلا فيكون مرسلاً. والله أعلم. * 3350- (سأل موسى ربَّه عن ستِّ خصال؛ كان يظن أنَّها له خالصة، والسابعة لمْ يكن موسى يحبُّها: 1 - قال: يا ربِّ! أي عبادك أتقى؟ قال: الذي يذكر ولا ينسى. 2- قال: فأيُّ عبادك أهدى؟ قال: الذي يتبع الهدى. 3- قال: فأيُّ عبادك أحكم؛ قال: الذي يحكم للناس كما يحكم لنفسه. 4- قال: فأيُّ عبادك أعلم؟ قال: الذي لا يشْبعُ من العلم؛ يجمع علم الناس إلى علمه.

5- قال: فأيُّ عبادك أعزُّ؟ قال: الذي إذا قدر غفر. 6- قال: فأيُّ عبادك أغنى؟ قال: الذي يرضَى بما يُؤتى. 7- قال: فأيُّ عبادك أفقر؟ قال: صاحبٌ منقوصٌ (¬1) . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليس الغنى عن ظهر؛ إنّما الغنى غنى النفس، وإذا أراد الله بعبد خيْراً؛ جعل غناه في نفسه، وتقاه في قلبه، وإذا أراد الله بعبد شرّاً جعل فقره بين عينيه) أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (50/86- موارد) ، والخرائطي في "مكارم الأخلاق " (1/274/369) والديلمي (1/1/92 و 2/102/2) ، وابن عساكر في "التاريخ " (17/367- 368) من طريق عمرو بن الحارث وغيره أن أبا السمح حدثه عن ابن حجيرة عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات؛ غير أبي السمح- واسمه أو لقبه: دراج-؛ فهو مختلف فيه، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه أحمد وغيره، وفصل فيه بعضهم، فقال الذهبي في "الكاشف ": " وقال أبو داود وغيره: حديثه مستقيم؛ إلا ما كان عن أبي الهيثم ". ¬

(¬1) الأصل: "مبغوض "! والمثبت من "تاريخ ابن كثير" (1/ 291) ، و"الإحسان ". وفسره بقوله: "يريد به منقوص حالته، يستقل ما أوتي، ويطلب الفضل ". وكأنه يعني: أنه فقير النفس، ويؤيده قوله - صلى الله عليه وسلم - الآتي عقبه. ووقع في "التاريخ " و"الديلمي ": "سقر" بالقاف أو بالفاء، وكذا في مصورة "الجامع الكبير" التي عندي!

وإلى هذا التفصيل ذهب الحافظ ابن حجر، فقال في "التقريب ": "صدوق، في حديثه عن أبي الهيثم ضعف ". قلت: وهذا هو الذي تبين لي أخيراً؛ فإني وجدت الأحاديث المناكير التي أنكرها العلماء مدارها على روايته لها عن أبي الهيثم، وقد ساق ابن عدي في "الكامل " (3/112- 115) طائفة كبيرة منها، ليس فيها ما رواه عن غيره؛ سوى حديث، لكنه من رواية ابن لهيعة عنه عن ابن حجيرة الأكبر مرسلاً. وهذا مما لا يحمل به عليه كما هو ظاهر، ثم قال ابن عدي ما ملخصه: "وله غير ما ذكرت يتابعه الناس عليها، وأرجو- بعد أن خرجت له هذه الأحاديث التي أنكرت عليه- أن سائر أحاديثه لا بأس بها، ويقرب صورته ما قال يحيى بن معين ". وقد صحح له ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والذهبي أحاديث كثيرة عن أبي الهيثم وغيره، والصواب إن شاء الله ما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم. وإن مما يقوي الشطر الأخير من الحديث: أنه جاء مفرقاً في أحاديث، فجملة غنى النفس جاءت في "الصحيحين " وغيرهما من حديث أبي هريرة، وهو مخرج في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" (رقم 16) ، ومن حديث أبي ذر، وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (4/92ـ 93) ، وكلاهما في "موارد الظمآن " (2520 و1 252) ، مع أن الأول ليس على شرطه، كما نبهت عليه في "صحيح الموارد" (40- كتاب الزهد/ 20- باب) . وقوله: "إذا أراد الله بعبد خيراً ... " إلخ؛ وجدت له شاهداً من مرسل الحسن البصري، أخرجه الإمام أحمد في "كتاب الزهد" (ص 286) بسند صحيح عنه.

3351

(تنبيه) : وقع للدكتورة (سعاد) في تعليقها على "مكارم الأخلاق" وهمان في هذا الحديث، فقد قالت- بعد أن ترجمت لكل رجاله فرداً فرداً-: "إسناده ضعيف، فيه ابن لهيعة ودراج بن سمعان؛ وكلاهما ضعيف "! ففاتها متابعة (عمرو بن الحارث) عند ابن حبان وغيره! وذلك مما يؤكد قصر باعها في تخريج أحاديث الكتاب وتحقيق الكلام عليها. كما فاتها التحقيق المتقدم في (دراج) ، وأنه مستقيم الحديث في غير روايته عن أبي الهيثم. والغريب أنها نقلت عبارة الحافظ ابن حجر المؤيدة لذلك، ولكنها وقعت عندها هكذا: "صدوق في حديثه عن أبي الهيثم، ضعيف "! وهذا قلب لمقصود الحافظ ولعباراته كما هو ظاهر، فلا أدري أهو خطأ مطبعي أو قلمي؛! آو هو سوء فهم؛! ولعله يؤيد هذا جزمها بضعف (دراج) ؛ لأني لا أعتقد أن عندها من الشجاعة الأدبية، والاعتداد بعلمها في هذا المجال، حتى تتجرأ على مخالفة الحافظ. والله أعلم. * 3351- (نعم- والذي نفسي بيده- دحماً دحماً؛ فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكراً) . أخرجه ابن حبان (2633- 2634) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (2/232/ 393) ، والضياء المقدسي أيضأ في"صفة الجنة" (ق 83/ 1- مخطوطة الظاهرية) عن عمرو بن الحارث عن درّاج عن ابن حُجَيرة عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه قيل له: أنطأ في الجنة؛ قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد حسن على ما تقدم بيانه من التفصيل في (دراج) في الحديث الذي قبله. بل هو حديث صحيح؛ فإن له طريقاً أخرى، وشاهداً يزداد بهما قوة على قوة. أما الطريق؛ فيرويه عبد الرحمن بن زياد عن عمارة بن راشد عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل يمس أهل الجنة أزواجهم؛ قال: فقال: "نعم، بذكر لا يمل، وفرج لا يحفى، وشهوة لا تنقطع ". أخرجه البزار (4/197/ 3524- كشف) ، وأبو نعيم أيضاً رقم (366) ، وابن عسا كر في " التاريخ " (2 1/ 582- 583- المصورة) . وقال البزار: "عمارة؛ لا نعلم حدث عنه إلا عبد الرحمن بن زياد، وعبد الرحمن كان حسن العقل، ولكنه وقع على شيوخ مجاهيل، فحدث عنهم بأحاديث مناكير، فضعف حديثه، وهذا مما أنكر عليه ولم يشاركه فيه غيره ". قلت: وهذا يعني شيئين: أحد هما: أن عبد الرحمن بن زياد- وهو الإفريقي- صدوق في نفسه، وأن ضعف أحاديثه من شيوخه المجهولين، وقد ذكر الحافظ نحوه عن أبي حاتم وأبي زرعة، فانظر "التهذيب "، وروى فيه توثيقه عن جمع، وعن آخرين تضعيفه، والذي يظهر من مجموع كلامهم أنه صدوق في نفسه " كما أشار البزار، لكنه ضعيف في حفظه مع صلاحه، وقد لخص الحافظ- أحسن التلخيص- اختلافهم فيه، فقال في "التقريب ": "ضعيف في حفظه، وكان رجلاً صالحاً ".

والأخر: أن (عمارة بن راشد) مجهول، لم يرو عنه غير الإفريقي. فأقول: هذا ما أحاط به علم البزار، ولا يكلف الله نفسأ إلا وسعها، لكن قد روى عنه آخران؛ كما ذكر ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل "، وابن عساكر في "التاريخ ". وقال ابن حبان في "الثقات " (5/244) : "روى عنه أهل الشام ومصر". ومع ذلك قال أبو حاتم: "مجهول "! فتعقبه الذهبي في "المغني " بقوله: " بل معروف ". وقوله في "الميزان ": "قلت: قد روى عنه جماعة، ومحله الصدق ". وأقره الحافظ في "اللسان "، بل وأيده بتوثيق ابن حبان. قلت: فهذه الطريق تصلح للاستشهاد إن شاء الله تعالى. وأما الشاهد؛ فيرويه سليم بن عامر عن أبي أمامة قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل يتناكح أهل الجنة؛ فقال: ... فذكر مثل حديث الطريق الآخر، إلا أنه قال: "دحماً دحماً " مكان: "وفرج لا يحفى". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/187 ـ 188/7674) ، وأبو نعيم أيضاً (368) من طريق هاشم بن زيد وغيره عنه.

قلت: وهاشم بن زيد ضعيف الحديث؛ كما قال ابن أبي حاتم (4/2/103) عن أبيه، وتبعه الذهبي والعسقلاني. وبقية رجاله ثقات. وقد تابع هاشماً صفوان بن عمرو، وهو الذي عنيته بقولي: "وغيره "، وهو في رواية الطبراني، لكن في الطريق إليه سليمان بن سلمة الخبائري؛ وهو متروك. وللجملة الأخيرة من الحديث شاهد آخر من حديث أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: "إن أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم؛ عادوا أبكاراً ". أخرجه البزار أيضآ (3527) ، ومن طريقه أبو الشيخ في كتابه "العظمة " (3/1081/583) ، والطبراني في "المعجم الصغير" (ص 49- هندية) ، ومن طريقه أبو نعيم برقم (365) ، وكذا الخطيب في "التاريخ " (6/53) ، والضياء المقدسي في "صفة الجنة" (ق 83/1) من طريق مُعلى بن عبد الرحمن: ثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل عنه. وقال الطبراني: "لم يروه عن عاصم إلا شريك، تفرد به معلى بن عبد الرحمن ". قلت: هو متهم بالوضع؛ كما في "التقريب "، وقال الهيثمي (10/417) : "رواه البزار، والطبراني في "الصغير"، وفيه معلى بن عبد الرحمن الواسطي، وهو كذاب ". فهو ممن لا يصلح الاستشهاد به، وفيما تقدم ما يغني عنه. وقد كنت أوردت حديث (المعلى) هذا في" ضعيف الجامع الصغير"، مقتصراً على قولي فيه: "ضعيف"، وكان ذلك بناء على تضعيفي قديماً لحديث (دراج)

مخرجاً لهما في "الضعيفة " (برقم 3170) ، وعزوت إليه تضعيفي المذكور، فلما تبين لي حسن إسناده، وصحة الاستشهاد بالطريق الأخرى والشاهد؛ قررت نقله إلى "صحيح الجامع ". والله الموفق. وقد أشكل اقتصاري المذكور على الأخ الفاضل علي رضا، مخرج ومحقق "صفة الجنة" لشدة ضعف (معلى) ، فقال (2/208) : ".. فلم يتبين لي وجه اكتفاء الألباني بتضعيفه فقط "! فأقول: حُق له ذلك؛ لأنه وقف عند رواية (المعلى) هذه، وظنه أنه تفرد به، أما أنه لو تذكر أنه يشهد له حديث الترجمة، والذي خرجه هو فيما بعد (2/232 - 233) ، لتبين له وجه ذلك إن شاء الله تعالى، وهو وإن كان مال إلى تضعيف (دراج) مطلقاً- كما كنت أنا عليه سابقاً، ولعله يعيد النظر كما صنعت لاحقاً، فيبدو له كما بدا لي أنه حسن الحديث إلا عن أبي الهيثم؛ كما حققته في الحديث الذي قبله- أقول: فإن تضعيفه إياه يُعد شاهداً ضعيفاُ لحديث (المعلى) ، بخلافي أنا الذي حسنته؛ فإنه يُعد شاهداً حسناً لحديث (المعلى) ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "صدقك وهو كذوب"، فكما لا يجوز رد حديث الكذاب إذا تبين صدقه؛ فكذلك لا يجوز هدر حديث الراوي الضعيف غير المتهم لرواية المتهم إياه. وبيان ذلك: أن الحديث الذي رواه الضعيف يصير بالشرط المعروف حسناً لغيره، فكذلك الحديث الذي رواه الكذاب- بله الشديد الضعف- يصير ضعيفاً لغيره، بل وقد يصير حسناً أو صحيحاً حسب طرقه قلة وكثرة، ونوعية ضعفها خفة وشدة، وهذه نكتة يعرفها- أو على الأقل ينتبه لها- من مارس فن التخريج، وتفقه دهراً طويلاً في فقه أصول الحديث، والله ولي التوفيق.

3352

3352- (سافروا تصحوا، واغزوا تستغنوا) . جاء من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس، وأبي سعيد، وزيد بن أسلم مرسلاً. 1- أما حديث أبي هريرة؛ فله طريقان: الأولى: عن دراج عن ابن حجيرة عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. أخرجه الإمام أحمد (2/380) : حدثنا قتيبة: حدثنا ابن لهيعة. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات على ما عرفت من استقامة حديث دراج عن ابن حجيرة في الحديث المتقدم (3350) ، وابن لهيعة وإن كان سيئ الحفظ؛ فإنه صحيح الحديث في رواية العبادلة عنه، وألحق بهم قتيبة هذا- وهو ابن سعيد-؛ فقد قال: "قال لي أحمد: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح! فقلت: لأنا كنا نكتب من كتاب ابن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة". ذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/15) ، وهذه فائدة هامة يجب الانتباه لها. والطريق الأخرى: عن زهير بن محمد أبي المنذر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه به، وزاد: " وصوموا تصحوا ". أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/92) ، وغيره بسند ضعيف كنت بينت

ذلك في "الضعيفة" (253) ، ثم زدته بياناً وتحقيقاً والرد على من حسنه من جهلة المعاصرين برقم (5188) . 2- وأما حديث ابن عمر؛ فقد كنت خرجته في "الضعيفة" برقم (255) قبل أن يتبين لي حسن إسناد ابن حجيرة المخرج هناك أيضاً (254) ، فلا داعي للإعادة، لا سيما وفي تخريجه طول، فإنه من رواية ستة من الحفاظ، ثم وقفت على سابع، وهو البيهقي في "السنن " (7/102) . 3- وأما حديث ابن عباس؛ فله طريقان: الأولى: عن بسطام بن حبيب: ثنا القاسم بن عبد الرحمن عن أبي حازم عنه بحديث الترجمة. أخرجه البيهقي أيضاً وسكت عنه! وبسطام هذا لم أجد له ترجمة. والقاسم بن عبد الرحمن: هو الأنصاري، ضعفه أبو حاتم، وقال أبو زرعة: "منكر الحديث ". والأخرى: عن محمد بن معاوية النيسابوري: ثنا نهشل بن سعيد عن الضحاك عنه مرفوعآ بلفظ: "سافروا تصحوا، وصوموا تصحوا، واغزوا تغنموا ". أخرجه ابن عدي في " الكامل " (7/57) . قلت: وهذا إسناد هالك، نهشل بن سعيد متروك، وكذبه إسحاق بن راهويه. ونحوه محمد بن معاوية النيسابوري، قال الحافظ:

3353

"متروك مع معرفته؛ لأنه كان يتلقن، وقد أطلق عليه ابن معين الكذب". 4- وأما حديث أبي سعيد؛ فيرويه سوار الضرير عن عطية عنه مرفوعاً بالفقرة الأولى فقط. أخرجه ابن عدي أيضآ (3/454) . وسوار: هو ابن مصعب، قال أحمد والدارقطني: "متروك الحديث "؛ كما في "المغني ". 5- وأما مرسل زيد، فيرويه إسماعيل بن رافع عنه مرفوعاً بلفظ: "اغزوا تصحوا وتغنموا ". أخرجه ابن أبي شيبة (5/349) . قلت: ورجاله ثقات؛ غير ابن رافع، فهو ضعيف. وجملة القول؛ أن حديث أبي هريرة- بطريقيه وبهذا الشاهد المرسل- يرتقي إلى رتبة الصحيح إن شاء الله تعالى، ولعله لذلك جزم البيهقي بنسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو تابع فيه للإمام الشافعي في كتابه "الأم " (5/127) ، والله سبحانه وتعالى أعلم. ******* 3353- (ما من قوم يعُمل فيهم بالمعاصي؛ هم أكثر وأعز ممن يعمل بها، ثم لا يغيرونه؛ إلا يوشك أن يعمهم الله بعقاب) . أخرجه أبو داود (4339) ، وابن ماجه (9 00 4) ، وابن حبان (839 1 و1840 - موارد) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 4 21/ 1174) ، والبيهقي في "السنن " (10/ 91) ، وعبد الرزاق في "المصنف " (11/348/20723) ، ومن طريقه أحمد

(4/366) ، وأبو يعلى (13/497/7508) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/377/2380) ثلاثتهم عن عبد الرزاق، وأحمد أيصاً (4/ 364 و 366) ، والطبراني (2381- 2385) ، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب (1/154/290) من طرق منها شعبة- واللفظ له عند البيهقي- عن أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات معروفون؛ غير عبيد الله بن جرير؛ فلم يوثقه غير ابن حبان (5/65) ، لكن قد روى عنه ثقتان آخران، فهو- مع تابعيته- حسن الحديث إن شاء الله تعالى. وقد أشار المنذري في "الترغيب " (3/ 170) إلى تحسين حديثه هذا. وقد صرح أبو إسحاق بالسماع في رواية شعبة عنه عند الأصبهاني. وخالف شعبة- ومن معه في إسناده- شريك، فقال: عن أبي إسحاق عن المنذر بن جرير عن أبيه مرفوعاً به! فذكر: (المنذر) مكان: (عبيد الله) ، وهو أشهر من أخيه، ومن رجال مسلم. أخرجه أحمد (4/ 1 36 و 363 و 366) ، وأبو عمرو الداني في "الفتن " (ق 36/2) ، والطبراني (2379) . وشريك: هو ابن عبد الله القاضي، وهو سيئ الحفظ، فلا يحتج به إذا تفرد، فكيف إذا خالف الثقات، فكيف وفيهم شعبة؛! ومن هذا التحقيق تعلم خطأ المعلق على "مشكل الآثار" (3/214) في قوله في راويه (عبيد الله بن جرير) : "وقد تابعه أخوه المنذر"! قلت: فقد عرفت أن هذه مخالفة، وليست متابعة!

3354

ونحوه المعلق على "مسند أبي يعلى" " فإنه ساق رواية شريك هذه في تخريجه للحديث في نحو صفحة، دون أن ينبه أنها شاذة بل منكرة. نعم، للحديث شاهد صحيح من حديث أبي بكر الصديق بنحوه، يزداد به قوة، وهو مخرج فيما تقدم برقم (1564) ، وفي "تخريج الأحاديث المختارة" رقم (59- 60) ، وبخاصة أن في رواية للبيهقي بلفظ: "يقدرون على أن يغيروا، فلا يغيروا". ورجاله ثقات. (تنبيه) عرفت من التخريج أن أبا داود أخرج الحديث كالجماعة من طريق أبي إسحاق عن عبيد الله بن جرير ... وقد عزاه إليه ابن كثير في "التفسير" (1/74- التجارية) من هذه الطريق، لكن وقع فيه: "عن المنذر بن جرير"! ولعله خطأ مطبعي، والله أعلم. ******* 3354- (كان يأخذ أسامة بن زيد والحسن، ويقول: اللهم! إني أحبهما فأحبهما) . أخرجه البخاري (3735 و 3747) ، وأحمد (5/210) ، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/98/12232) وابن سعد في "الطبقات " (4/62) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/39/2642) من طرق عن المعتمر- إلا الطبراني فعن هوذة ابن خليفة؛ وهو رواية لابن سعد-؛ كلاهما عن سليمان التيمي: حدثنا أبو عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يأخذه والحسن ... إلخ. ولفظ هوذة: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذني والحسن، فيقعد أحدنا على فخذه اليمنى، والآخر على فخذه اليسرى، ويقول: ... فذكره.

3355

وهذه الزيادة دون ذكر (اليمنى) و (اليسرى) ؛ قد أخرجها البخاري أيضاً (6003) ، وكذا ابن سعد، وأحمد (5/205) في رواية من طريق عارم: حدثنا المعتمر به؛ إلا أنه قال: "اللهم! ارحمهما فإني أرحمهما". وهو بهذا اللفظ شاذ عندي؛ لأن (عارماً) كان اختلط أو تغير في آخر عمره - واسمه محمد بن الفضل-؛ فمثله لا تقبل مخالفته لمن هو أحفظ منه، وبخاصة إذا كانوا جمعاً كما هنا. وقد استشكل بعضهم إقعاده لأسامة مع الحسن؛ لأن أسامة كان أكبر منه بنحو عشر سنين، وتوفي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعمر الحسن ثمان سنين، وقد أجاب عنه الحافظ في "الفتح " (10/434) ؛ فليراجعه من شاء. ولولا أن (عارماً) قد توبع من (هوذة) على جملة الإقعاد؛ لكان من الممكن أن يقال بشذوذها أيضاً، والله أعلم. والدعاء المذكور أعلاه قد صح أيضاً عن غير واحد من الصحابة؛ منهم أبو هريرة أنه دعا به للحسن والحسين رضي الله عنهما؛ وقد سبق تخريجه تحت الحديث (2789) . ******* من فضائل الحجر الأسود 3355- لولا ما مسه من أنجاس الجاهلية؛ ما مسه ذو عاهة إلا شُفي، وما على الأرض شيء من الجنة غيره) . أخرجه البيهقي في "السنن " (5/75) ، و"شعب الإيمان " (3/449/4033) قال: وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ: أنبأ الحسن بن محمد بن

إسحاق: تنا يوسف بن يعقوب: ثنا مسد د: تنا حماد بن زيد عن ابن جريج عن عطاء عن عبد الله بن عمرو يرفعه قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناده جيد , رجاله كلهم ثقات معروفون، والحسن بن محمد بن إسحاق هو الأزهري الإسفرائيني. وأما الرواي عنه: أبو الحسن علي بن محمد المقرىء؛ فهو من شيوخ الخطيب أيضاً، وترجم له في "التاريخ" ترجمة حسنة، وقال (12/98) : (كتبنا عنه، وكان صدوقاً فاضلاً، عالماً بالقراءات، مات سنة (415)) . وأما يوسف بن يعقوب؛ فهو أبو محمد البصري، حافظ ثقة، مترجم في "التذكرة " (1/ 660) للحافظ الذهبي. ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين؛ غير مسدد- وهو ابن مسرهد ـ من شيوخ البخاري، وقد أخرجه مسدد في "مسنده " بإسناده المذكور أعلاه , كما في "المطالب العالية المسندة " للحافظ ابن حجر (1/42/2) وقد ذكر له في المقدمة إسنادين عن مسد د غير إسناد البيهقي عنه، فرجاله متابعون عن (مسدد) ، فصح السند؛ والحمد لله. وقد أورده المنذري في "الترغيب " (2/123/15) رواية عن البيهقي مشيراً إلى قوتها، ولذلك أوردته في "صحيح الترغيب " في الجزء الثاني منه (ص 28/1134) وهو تحت الطبع، يسر الله لنا نشره. (¬1) وأما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " في طبعتهم الجديدة؛ فقد ضعفوه (2/147/1722/2) اعتداءً، ودون أن يبينوا السبب في مثله، ولو بأوجز عبارة، وذلك لجهلهم وعجزهم عن البحث عن تراجم الرجال، ولا سيما، إذا كانوا من غير ¬

(¬1) ثم طبع بحمد الله. (الناشر) 0******

رجال الستة، كما هو الشأن هنا، ولقد كان يسعهم السكوت وأن لا يتكلموا بغير علم، وبخاصة في تضعيف أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحيحة. ولو أنهم كانوا على شيء من المعرفة بفن التصحيح والتضعيف؛ لأمكنهم أن يصححوه بشواهده، ولا سيما أن بعضها مما قووه هم! فالشطر الأول منه قد حسنوه (2/146/1720/1) تقليداً منهم للمنذري! وفيه لفظة: (المها) ، وهي منكرة عندي مع ضعف إسنادها، عند الطبراني عن ابن عباس، ولذلك أوردته في "ضعيف الترغيب "، ولكنه شاهد لا بأس به لهذا الشطر. وله شاهد من طريق أخرى عن ابن عمرو عند البيهقي أيضاً، أخرجه قبيل حديث الترجمة، وإسناده حسن على الأقل؛ إلا أن المعلقين الثلاثة جنوا عليه أيضاً (2/147/1722/1) فضعفوه! للسبب الذي ذكرته آنفاً. وأما الشطر الآخر في أن الحجر الأسود من الجنة؛ فيشهد له حديث ابن عباس، وقد حسنوه أيضاً (2/146/1720) ، وحديث ابن عمرو الذي حسنوه بشواهده (1722) ، وله شاهد ثالث من حديث أنس وهو مخرج في "الصحيحة" المجلد السادس، برقم (2618) ، وهو تحت الطبع، وسيكون بين أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى (¬1) . ولقد كنا خرجنا حديث الترجمة فيما سبق برقم (2619) ، ولكن بدا لنا زيادة في التحقيق والفائدة؛ فخرجته مجدداً. فاقتضى التنبيه. بقي النظر في أن ظاهر قوله: "ما على الأرض شيء من الجنة غيره ". مخالف لما ثبت في بعض الأحاديث أنه ذكر مع الحجر: "غرس العجوة، وأواق تنزل في الفرات كل يوم من بركة الجنة"؛ كما سبق برقم (3111) ، فكيف التوفيق بينهما؟ ¬

(¬1) ثم طبع بحمد الله (الناشر)

3356

فأقول: لعل المراد بقوله: "غيره "؛ يعني: من الحجارة، وحينئذ فلا منافاة. والله أعلم. ******** 3356- (من جهز غازياً في سبيل الله؛ فله مثل أجره، ومن خلف غازياً في سبيل الله في أهله بخير؛ وأنفق [على أهله] ؛ فله مثل أجره) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5/283/5234) : حدثنا محمود بن محمد الواسطي: ثنا وهب بن بقية: أنا خالد عن عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن زيد عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد الجهني عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، وفي عبد الرحمن بن إسحاق- وهو القرشي المدني- كلام لا يضر؛ غير محمود بن محمد الواسطي وهو ابن متويه؛ حافظ كبير مترجم في "تاريخ بغداد" (13/94 ـ 95) ، و"تاريخ الإسلام " (23/223) وغيرهما. وبهذا الإسناد أخرجه في "المعجم الأوسط " (8/429/7879) لكنه أدخل موسى بن عقبة- بين عبد الرحمن ومحمد بن زيد- وقال: (زيد بن ثابت) مكان: (زيد بن خالد) ، والزيادة له. وكذلك ذكره المنذري في " الترغيب " (2/158) ، وقال. "ورجاله رجال الصحيح ". وكذلك قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/283) ، ولكنه لم يذكر من

الحديث إلا الشطر الأول فقط! ولعله سقط من الطابع أو الناسخ. ولعل ذكر (زيد بن ثابت) من أوهام عبد الرحمن بن إسحاق القرشي؛ فإن الحديث مشهور عن (زيد بن خالد) من طرق صحيحة عنه، بألفاظ متقاربة، يزيد بعضهم على بعض، بعضها في "الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجت شيئاً منها في "الروض النضير" رقم (322) ، و"صحيح أبي داود" (2266) ، و"التعليق الرغيب " (2/96) ، وتجد بعض الألفاظ المشار إليها في "صحيح الترغيب والترهيب " (2/ 69/ 1226) . وقد وهم الحافظ السيوطي فعزا حديث الترجمة في "الجامع الكبير" (2/770) للدارمي أيضاً وابن حبان، وليس هو عندهما بهذا التمام، وتجد لفظهما في المكان المشار إليه من "صحيح الترغيب " معزواً لابن حبان وابن ماجه أيضاً، وقد عزاه السيوطي نفسه لابن ماجه في "الجامعين "، وهو في "صحيح الجامع الصغير" (5/280/6070) من الطبعة الأولى الشرعية! كما أن الحافظ الهيثمي غفل؛ فلم يورده في "مجمع الزوائد"، مع أنه على شرطه، وأورد من حديث زيد بن ثابت الشطر الأول منه كما تقدم. واغتر بقوله: "رجاله رجال الصحيح " المعلقون الثلاثة على طبعتهم الجديدة لكتاب "الترغيب " فصححوه (2/215/1868) ! وهذا من جهلهم بهذا العلم؛ فإنه لا تلازم بين الصحة وبين هذا القول؛ لاحتمال أن يكون فيه علة قادحة في صحته كالانقطاع والتدليس وغير ذلك، كما هو الشأن هنا؛ فإن عبد الرحمن بن إسحاق - مع كونه من رجال (الصحيح) " أي "صحيح مسلم "- ففيه ضعف كما تقدم، من أجل ذلك اقتصرت على تحسين إسناده. *******

3357

من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - 3357- (ليأتين على الناس زمان؛ قلوبهم قلوب الأعاجم؛ حب الدنيا، سنتهم سنة الأعراب، ما أتاهم من رزق جعلوه في الحيوان، يرون الجهاد ضرراً، والزكاة مغرماً) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/36/82) من طريق هشام بن عمار قال: ثنا بقية بن الوليد قال: ثنا خالد بن حميد المهري قال: ثنا حميد بن هانىء الخولاني عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الصحيح؛ غير خالد بن حميد المهري، قال أبو حاتم: "لا بأس به ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/ 221) . وبقية إنما يخشى منه التدليس؛ وقد صرح بالتحديث كما ترى. وقد خفي هذا على الهيثمي، فقال في "المجمع " (3/65) : "رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه بقية بن الوليد وهو ثقة؛ ولكنه مدلس، وبقية رجاله موثقون "! وقد خولف خالد بن حميد في إسناده، فقال ابن لهيعة: حدثني حميد بن هانىء عن شفي عن عبد الله بن عمرو به مرفوعاً. فجعل شفياً مكان: أبي عبد الرحمن- وهو عبد الله بن يزيد المعافري-، وكلاهما ثقة.

3358

وقد خالفه سعيد بن أبي أيوب في رفعه فقال: حدثني ابن هانىء: حدثني شفي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ... قوله بهذا. رواه أبو يعلى في "المسند الكبير"، والحارث كما في "المطالب العالية المسندة" (ق 101/2) . وسعيد بن أبي أيوب ثقة ثبت؛ كما قال الحافظ، فهو أحفظ من ابن لهيعة ومن خالد بن حميد، فإن لم يكن هذا حفظ إسناده بذكر أبي عبد الرحمن فيه؛ فذكر شفي مكانه أصح؛ لما عرفت من ثقة سعيد بن أبي أيوب، ولا سيما وقد تابعه ابن لهيعة. وأما إيقاف سعيد إياه؛ فلا يضر؛ لأنه في حكم المرفوع؛ كما لا يخفى، وهو من أعلام صدقه ونبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ فإن ما فيه من الغيب قد تحقق في هذا الزمان. والله المستعان. (تنبيه) لقد جاء هذا الحديث في "كنز العمال " (6322) من رواية الطبراني عن ابن عمر. والصواب (ابن عمرو) كما تقدم. ******* 3358- (إن مما تذكرون من جلال الله: التسبيح والتهليل والتحميد، ينعطفن حول العرش، لهن دوي كدوي النحل، تذكر بصاحبها، أما يحب أحدكم أن يكون له- أو لا يزال له- من يذكر به) . أخرجه ابن ماجه (3809) ، وأحمد (4/ 271) ، والطبراني في "الدعاء" (3/1566/1693) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/269) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 137) من طريق يحيى بن سعيد عن موسى بن أبي عيسى الطحان عن عون بن عبد الله عن أبيه- أو عن أخيه- عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، واللفظ لابن ماجه.

وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة " (4/132) : "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، وأخو عون؛ اسمه: عبيد الله بن [عبد الله ابن] عتبة". قلت: وهو ثقة ففيه ثبت من رجال الشيخين، وأخوه عون ثقة من رجال مسلم، ولذلك فالشك فيها لا يضر؛ لأنه لا يعدو أحد الثقتين. وموسى بن أبي عيسى الطحان، كذا وقع في "ابن ماجه "، ووقع في "المسند" و"الدعاء": (أبي عيسى موسى الصغير) ، وقد ذكر الحافظ في ترجمة الأول من "التهذيب " أن اسم أبي عيسى: ميسرة، وأنه روى عن عون بن عبد الله بن عتبة، وعنه يحيى بن سعيد، وكذلك ذكر الحافظ المزي في ترجمته، ومثله في ترجمة (موسى الصغير) ، واسم أبيه: مسلم؛ وكنيته: أبو عيسى الكوفي الطحان. وذكرا في "تهذيبيهما": "موسى الصغير الذي يروي عنه أبو معاوية: هو موسى بن مسلم، وهو موسى الطحان، وهو موسى الصغير، ثقة ". قلت: فالظاهر أن ذكر أداة النسبة: (ابن) في "سنن ابن ماجه " خطأ من الناسخ أو الطابع، وأن الصواب: (موسى أبي عيسى الطحان) بحذف النسبة، والله أعلم. ويؤيد بعض ما تقدم رواية أخرى لأحمد قال (4/268) : ثنا ابن نمير: ثنا موسى- يعني: ابن مسلم الطحان- عن عون بن عبد الله عن أبيه- أو عن أخيه- به. وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/289/9464 و 13/455/16888) ؛ إلا أنه لم يذكر (الطحان) . ومن طريقه رواه الطبراني في "الدعاء"؛ لكن وقع فيه: (موسى الجهني) !

وهذا وجه آخر من الخلاف؛ فإن موسى الجهني: هو ابن عبد الله، ويقال: ابن عبد الرحمن أبو سلمة، ويقال: أبو عبد الله الكوفي؛ فهو غير موسى الصغير، ومع ذلك فقد ذكروا أنه روى عن عون بن عبد الله بن عتبة، وعنه يحيى بن سعيد! وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (4/269) من طريق ابن أبي شيبة وأحمد وغيرهما عن يحيى بن سعيد وعبد الله بن نمير قالا: عن موسى بن مسلم به. وقال: "غريب من حديث عون، تفرد به عنه موسى، وهو أبو عيسى موسى بن مسلم الطحان، يعرف بـ (الصغير) ". قلت: فما في رواية الطبراني أنه (موسى الجهني) ؛ شاذ لمخالفته لما في "المصنف " ولرواية أبي نعيم هذه عنه، وكذا لرواية أحمد. والله سبحانه وتعالى أعلم. وثمة خلاف أشد؛ ترتب عليه تضعيف الحديث، فأخرجه الحاكم (1/ 500) : حدثنا علي بن حمشاذ العدل: ثنا محمد بن عيسى بن السكن: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير: ثنا أبي: ثنا موسى بن سالم عن عون بن عبد الله بن عتبة عن أبيه به. وقال: "صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله: "قلت: موسى بن سالم؛ قال أبو حاتم: منكر الحديث "! ونقله ابن الملقن في "مختصره " (1/387) وأقره كما هي عادته! وفيه خطأن في نقدي، أحدهما من الحاكم، والآخر من الذهبي: أما الأول؛ فهو مخالفته الروايات المتقدمة في تسميته لوالد موسى بـ (سالم) ، وبخاصة منها رواية ابن نمير، فإن الحاكم رواه من طريقه كما رأيت، وإنما جزمت

بنسبة الخطأ إليه " لأن من فوقه كلهم ثقات، فشيخه (علي بن حمشاذ العدل) ثقة حافظ مترجم في "سيرأعلام النبلاء" (15/398) . و (محمد بن عيسى بن السكن) ثقة؛ كما قال الخطيب في "التاريخ " (2/ 401) . و (محمد بن عبد الله بن نمير) ثقة حافظ أيضاً من أحفظ الناس لحديث أبيه (عبد الله) . يضاف إلى ذلك كثرة الأخطاء الواقعة في "مستدركه " كما هو معروف عند العلماء، فتعصيب الخطأ به هو المتعين. وأما الآخر؛ فخطؤه من وجهين: أحدهما: أنه نسب إلى أبي حاتم ما ليس في كتاب ابنه "الجرح والتعديل "؛ إلا أن يكون أخذه من كتاب آخر له مثل "العلل "! لكن هذا بعيد؛ لأن الحافظ لما حكى عنه في "اللسان " نقله القول المذكور عن أبي حاتم " تعقبه بقوله: "وقد أنكر البرزالي على الذهبي هذا النقل عن أبي حاتم، وقال: إن الذي في كتاب ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح الحديث ". قلت: هذا ذكره عن أبيه في ترجمة (موسى بن سالم أبو جهضم) ، وزاد- بعد قوله: "صالح الحديث "-: "صدوق "، وقد ذكرها الذهبي في "الميزان " عقب الترجمة الأولى، وذكر فيها قول أبي حاتم: "صدوق " وسمى جماعة وثقوه، فهو يفرق بين الترجمتين، وكذلك اقتصر في "المغني " على الأولى دون الأخرى فلم يذكرها فيه، وإنما أوردها في "الكاشف "، وقال: "صدوق " وتبعه الحافظ في "التقريب "، وقد وثقه أحمد وابن معين وأبو زرعة وابن حبان. والوجه الآخر في خطأ الذهبي: أننا لو سلمنا بصحة التفريق الذي نقلته عنه؛ فلا يصح رد تصحيح الحاكم بـ (موسى بن سالم) الذي ضعفه أبو حاتم؛

3359

لاحتمال أن يكون سميه الذي وثقه أبو حاتم ومن ذكرنا معه من الأئمة، والدليل إذا طرقه الاحتمال سقط به الاستدلال، فكيف وليس لأحدهما علاقة بهذا الحديث؟! وإنما هو (موسى بن مسلم الطحان) الثقة؛ كما في كل الطرق المتقدمة، وَهِمَ الحاكم في اسم أبيه، ثم وَهِمَ الذهبي على وهمه، فضعف الحديث وهو صحيح. واغتر به بعض من لا علم عنده، كالمعلقين الثلاثة على طبعتهم الجديدة لكتاب "الترغيب " للحافظ المنذري، فزعموا في تعليقهم عليه (2/417/2312) أنه حسن بشواهده، وهذا كذب؛ فإنه لا شاهد- بله شواهد- بلفظه، بل هو غريب كما تقدم عن أبي نعيم. ثم نقلوا تعقب الذهبي ورده لتصحيح الحاكم، وأقروه!! ومن أوهام محقق "مصنف ابن أبي شيبة": أنه- مع تصريحه بأن أصله كان فيه: (موسى بن مسلم) - جعله: (موسى بن سالم) وطبعه هكذا، وصرح في التعليق بأنه نقله من "المستدرك "! ظلمات بعضها فوق بعض. والله المستعان. ******* 3359- (من صلى علي مرة واحدة؛ كتب الله له بها عشر حسنات) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2/130ـ131/902- الإحسان) ، وإسماعيل القاضي في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (7/ 11) ، وأحمد (2/262) ، وابن عدي في "الكامل " (5/218) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عن العلاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي عبد الرحمن ابن إسحاق- وهو المدني البصري- كلام لا يضر، وقد توبع؛ كما يأتي. ورواه جماعة عن العلاء بن عبد الرحمن.. بلفظ:

".. صلى الله عليه بهاعشراً ". رواه مسلم وغيره، وصححه الترمذي، وابن حبان، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1369) . قلت: ورواية الجماعة لا تعل رواية عبد الرحمن بن إسحاق؛ لأنه قد توبع بطريق أخرى، وله شواهد: أما الطريق؛ فقال الإمام أحمد عقبها: ثنا أبو كامل: ثنا حماد عن سهيل بن أبي صالح عن أبي هريرة به. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ لولا أنه منقطع بين سهيل بن أبي صالح وأبي هريرة؛ فإن سهيلاً إنما يروي عن أبيه عنه أحاديث كثيرة جداً في "مسلم " وغيره؛ فيحتمل أن يكون الأصل: (سهيل عن أبي صالح) ، فتحرف على بعض النساخ حرف (عن) إلى: (بن) ، فكان الانقطاع، ويؤيد هذا الاحتمال أن الإمام أحمد رحمه الله روى عقبه بهذا الإسناد عينه حديثين على الصواب: (سهيل عن أبي صالح) ، وأحاديث أخرى عن شيخه (أبي كامل) أيضاً: ثنا زهير: ثنا سهيل عن أبيه. فإذا صح هذا؛ فالإسناد صحيح على شرط مسلم، وقد دندن حول هذا الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (13/286) ، فراجعه إن شئت. وأما الشواهد؛ فاثنان منها في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (رقم 10 و 12) ، والثالث في " عمل اليوم " للنسائي (رقم 64 و65) ، و" الترغيب " للأصبها ني (2/683 ـ684) ، وأحد الشاهدين في " الترغيب " للمنذري (2/278) من حديث عبد الرحمن بن عوف، وأشار إلى تقويته، وكذلك أشار إلى تقوية حديث الترجمة! إلا أنه ذكر أنه: "في بعض ألفاظ الترمذي "! وهذا وهم " فليس عند

3360

الترمذي إلا اللفظ الآخر الذي عند مسلم، وإنما هو عند ابن حبان؛ فإنه ممن روى اللفظ الآخر كما قدمت. (تنبيه) : غفل المعلق على "الإحسان " (3/187) عن عزو الطريق الأولى لأحمد، فعزاه إليه من الطريق الأخرى فقط! ونقل عن الهيثمي أنه قال: "رجاله رجال الصحيح "! وغفل أيضاً عن الانقطاع الذي وقع فيه بين سهيل بن أبي صالح وأبي هريرة، فلم يتكلم عليه بشيء. ******* 3360- (من صلى علي من أمتي صلاة مخلصاً من قلبه؛ صلى الله عليه بها عشر صلوات، ورفعه بها عشر درجات، وكتب له بها عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات) . أخرجه النسائي في "اليوم والليلة" (166/64) من طريق وكيع عن سعيد- وهو ابن سعيد- عن سعيد بن عمير الأنصاري عن أبيه- وكان بدرياً- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. وقال: "خالفه أبوأسامة حماد بن أسامة؛ رواه عن سعيد بن سعيد عن سعيد بن عمير، عن عمه ". ثم ساقه هو (رقم 65) ، والبخاري في "التاريخ " (2/ 1/502) ، وابن أبي عاصم في "الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - " (37/42) ، والبزار (4/46/3160) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (22/195ـ 196) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (1/118/156) كلهم عن أبي أسامة عن سعيد بن سعيد عن سعيد بن عمير بن عقبة بن نيارعن عمه أبي بردة بن نيار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:........فذكره.

وهذه الرواية؛ قال أبو زرعة الرازي: "أشبه من الرواية الأولى"، كما نقله الحافظ السحاوي في "القول البديع " (ص 81) . قلت: لعل وجه هذا الترجيح تفضيل أحمد أبا أسامة في الحفظ؛ فقد قال فيه: "كان ثبتاً، ما كان أثبته! لا يكاد يخطئ ". وهو وان كان بالغ في الثناء على وكيع وحفظه، وفضله على كثير من حفاظ زمانه؛ إلا أنه قد قال فيه: "أخطأ في خمس مئة حديث ". وهذا وان كان لا يعد شيئاً في كثرة أحاديثه البالغة ألوفاً مؤلفة؛ فإنه يدل - بمقابلته بقوله في أبي أسامة: "لا يكاد يخطئ "- أن هذا أرجح عنده في الحفظ من وكيع، فإذا اختلفا فيكون له الفلج. قلت: لعل هذا هو سبب ترجيح أبي زرعة لرواية أبي أسامة؛ إلا أنني أرى أن الأشبه رواية وكيع؛ لأنني رأيت أنه قد تابعه محمد بن ربيعة الكلابي عن أبي الصّبّاح النميري قال: حدثني سعيد بن عمير عن أبيه به. أخرجه أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب " (2/683ـ 384/1646) . على أنني أقول: وسواء كان الراجح هذا أو عكسه؛ فهو اختلاف لا يضر؛ لأن كلاً من عمير أبي سعيد، وأبي بردة بن نيار من الصحابة، وكلهم عدول كما هو معلوم، وإنما يبقى النظر في (سعيد بن عمير) نفسه، والراوي عنه (سعيد بن سعيد) ، وكلاهما موثق. أما سعيد بن عمير؛ فذكره ابن حبان في "الثقات" (4/287 و 288) ، وقال

يعقوب بن سفيان في "المعرفة" (3/101) "لا بأس به" وروى عنه جمع من الثقات، وراجع له "تهذيب المزي " والتعليق عليه (11/25 ـ 27) . وأما سعيد بن سعيد؛ فهو أبو الصّبّاح التغلبي الكوفي، فذكره ابن حبان أيضاً في "الثقات " (6/364) ، لكن وقع فيه ".. ابن أبي سعيد الثعلبي "! وهو خطأ كما بينت في "تيسير الانتفاع "، وقد تبين من هذا التخريج أنه روى عنه ثلاثة من الثقات، وهم: وكيع، وأبو أسامة، ومحمد بن ربيعة الكلابي، فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وهذا الثالث منهم لم يذكر في "التهذيبين "؛ فيستدرك عليهما، والله الموفق. وله شاهد مختصر بلفظ: "من صلى علي من تلقاء نفسه؛ صلى الله بها عليه عشراً ". أخرجه البزار (4/46/3161) من طريق عاصم بن عبيد الله عن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه مرفوعاً به. وعاصم ضعيف؛ كما قال الهيثمي (10/161) وغيره. وقال الحافظ في "مختصر الزوائد " (2/440) مستدركاً عليه: "قلت: لكنه اعتضد". ولعله يعني: بالحديث الأول، وهو صحيح دون قوله: "من تلقاء نفسه "، وتقدم تخريج بعضها قريباً. *******

3361

3361- (الحلال بين، والحرام بين، وبين ذلك شبهات، فمن أوقع بهن؛ فهو قمن أن يأثم، ومن اجتنبهن؛ فهو أوفر لدينه، كمرتع إلى جنب حمى، أوشك يقع فيه، لكل ملك حمى، وحمى الله الحرام) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/404ـ 405/1024) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/ 1) من طريقين عن الوليد بن شجاع بن الوليد: حدثني أبي: ثنا سابق الجزري أن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب أخبره عن عبد الرحمن ابن الحارث عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد عزيز صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير سابق الجزري- وهو ابن عبد الله الرقي-، وثقه ابن حبان (6/433) ، وقال: "روى عنه الأ وزاعي وأهل الجزيرة". قلت: وقد سمى ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/ 1) طائفة منهم، وأكثرهم ثقات، وترجم له ترجمة طويلة في ثمان صفحات كبار، وذكر أنه قدم على عمر ابن عبد العزيز، وأنشده أشعاراً في الزهد، وأنه كان إمام مسجد الرقة، وقاضي أهلها؛ وله ترجمة مختصرة في "تاريخ الرقة " (ص 123- 127) . ويبدو أن الحافظ ابن حجر لم يقف على ترجمته في "تاريخ ابن عساكر"، فلم يذكر في ترجمة الرجل من "اللسان " هذه الفوائد التي استفدناها منه، وتبين أنه كان معروفاً بالفضل والزهد والإمامة والقضاء، وبرواية الثقات الفضلاء عنه. كما خفي أصل ترجمته على شيخه الهيثمي، فقال في تخريجه للحديث (10/294) . "رواه الطبراني، وفيه (سابق الجزري) ، ولم أعرفه "! وقلده المعلقون الثلاثة النقلة في تعليقهم على "الترغيب " (2/543) ، ولا

يسعهم إلا ذلك! ولكنهم قالوا: "حسن بشاهده المتقدم "! يعنون حديث النعمان بن بشير المتفق عليه، ولفظه يختلف عن هذا في بعض حروفه، ولولا صحة إسناده لم أستجز تحسينه به؛ لما ذكرت من الاختلاف، وهو مخرج في "غاية المرام " (30/20) . وله شاهد مختصر من حديث عمار بن ياسر نحوه. أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (3/213/1653) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (2/437/1756) ؛ وقال: "لا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد". وكذلك أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (9/236) ، وقال: "غريب من حديث عمار، لم يروه إلا موسى". قلت: وهو ضعيف؛ كما قال الهيثمي (4/73) - وعزاه لـ "كبير الطبراني " أيضاً-. وقال في موضع آخر (10/293) : ".. وهو متروك ". وعزاه لأبي يعلى. ووقع في مسنده: "موسى بن عبيدة: أخبرني سعد بن إبراهيم عمن أخبره عن عمار". فأعله المعلق عليه بجهالة الخبر! ونقل عن الهيثمي عزوه لـ "المعجمين "، وقال: "وفاته أن ينسبه إلى أبي يعلى"! وقد عرفت أنه نسبه إليه في المكان الآخر، ولم يتنبه هو أنه فاته أنه جاء

3362

تسمية المخبر في رواية الطبراني وأبي نعيم بـ (عبد الله بن عبيدة) ؛ وهو تابعي ثقة، فالعلة أخوه (موسى بن عبيدة) ، ولذلك- والله أعلم- لم يعله الهيثمي إلا به. وأخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/ 70) من حديث جابر مختصراً أيضاً؛ وأعله بـ (سعيد بن زكريا المدائني) ؛ قال فيه يحيى بن معين: "ليس بشيء". قلت: وشيخه الزبير بن سعيد الهاشمي؛ قال الحافظ: "لين الحديث". وقال الحافظ السيوطي في "الجامع الكبير" (1/408) - بعد أن عزاه لابن شاهين أيضاً وابن عساكر-: "قال ابن شاهين: حديث غريب، لا أعلم حدث به إلا سعيد بن زكريا عن الزبير بن سعيد، والمشهور حديث الشعبي عن النعمان بن بشير". ******* 3362- (من احتكر حكرة يريد أن يغلي بها على المسلمين؛ فهو خاطئ) . أخرجه أحمد (2/354) ، وابن عدي (7/54) من طريق أبي معشر عن محمد ابن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت وهذا إسناد حسن في الشواهد. وأبو معشر- واسمه نجيح السندي- فيه ضعف لا يمنع من الاستشهاد به، وهذا معنى قول الهيثمي في "المجمع " (4/101) :

"رواه أحمد، وفيه أبو معشر، وهو ضعيف، وقد وثق". وقد توبع؛ لكن في الطريق إليه من كان يسرق الحديث، وهو إبراهيم بن إسحاق الغسيلي: ثنا عبد الأعلى بن حماد النرسي: ثنا حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو به، وزاد: ".. وقد برئ منه ذمة الله ". أخرجه الحاكم (2/12) ، وعنه البيهقي في "السنن " (6/ 30) . وأشار الحاكم إلى تضعيفه، فإنه ذكره في جملة أحاديث في النهي عن الاحتكار، وقال: "إنها ليس على شرط الكتاب ". وبين علته الذهبي فقال: "قلت: الغسيلي كان يسرق الحديث ". وكذلك قال في "الميزان "، وأقره في "اللسان "، وذكر عن ابن حبان أنه قال (1/119ـ120) : "كان يسرق الحديث، ويقلب الأخبار.. والاحتياط في أمره أن يحتج به فيما وافق فيه الثقات من الأخبار، ويترك ما تفرد به ". ثم ذكر الحافظ عن الحاكم أنه كان: "من المجهولين ". وأشار المنذري في "الترغيب " إلى تضعيفه، فقال- بعدما عزاه للحاكم (3/28) -: ".. وفيه مقال ".

والزيادة التي زادها؛ لعله سرقها مما رواه أصبغ بن زيد بسنده إلى ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "من احتكر طعاماً أربعين ليلة؛ فقد برئ من الله، وبرئ الله منه ... ". وهو حديث منكر؛ كما قال أبو حاتم في "العلل " (1/392/1174) ، وقد أعله كثير من الحفاظ بـ (أصبغ) هذا، والعلة من شيخه المجهول، وقد أخطأ بعضهم فقوى الحديث؛ وكل ذلك وهم بينته في "غاية المرام " (194- 195/324) ، وخرجته فيه ونقلت أقوال العلماء في إسناده مبيناً الراجح منها من المرجوح بما لا تراه في غيره. والله الموفق. ثم إن مما يشهد لحديث الترجمة: حديث معمر بن أبي معمر مرفوعاً: "من احتكر؛ فهو خاطىء ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "غاية المرام " (165/325) . وقد وقع في " الترغيب " (3/26) معزواً لمسلم وغيره بزيادة: ".. طعاماً "! ولا أصل لها في شيء من روايات حديث معمر هذا، كما كنت نبهت عليه في " التعليق الرغيب " (3/26) . وبهذه المناسبة أقول: إن مما يحسن التنبيه له: أن نسبة (الغسيلي) في اسم (إبراهيم بن إسحاق) تحرف في "المستدرك " إلى (العسيلي) بالعين المهملة، مكان المعجمة كما هو عند البيهقي، وفي ترجمته من "الميزان، ": أنه من ولد (حنظلة الغسيل) . وعلى الصواب ذكره المنذري في "الترغيب " لكن المعلقون الثلاثة عليه حرفوه (3/ 570) فجعلوه

3363

بالعين المهملة في المتن والتعليق؛ جهلاً واغتراراً بما في "المستدرك "! وهكذا يكون التحقيق في هذا الزمان! ******* 3363- (اليمين الكاذبة منفقة للسلعة، ممحقة للكسب، (وفي لفظ:) للبركة) . أخرجه أحمد (2/235 و 242 و 413) ، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (9/233) ، وابن حبان (7/204/4886) ، والبيهقي في "السنن " (5/265) من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. واللفظ الآخر لأحمد في رواية. وهو عند البخاري من طريق أخرى عن أبي هريرة أصح من هذه، ولفظه: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للبركة". ورواه مسلم؛ إلا أنه قال: ".. للربح ". وهو مخرج في "غاية المرام " (202/342) . وإسناد حديث الترجمة صحيح على شرطه، ولم يخرجه الحاكم- وهو على شرطه-، ولعله لم يتنبه لزيادة: "الكاذبة" أنها لم ترد في رواية الشيخين، كما لم يتنبه لها آخرون، منهم الحافظ العراقي؛ فإن الغزالي لما أورده في "الإحياء" مثل حديث الترجمة باللفظ الآخر؛ قال العراقي في تخريجه (2/75) : "متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ: "الحلف "؛ وهو عند البيهقي بلفظ المصنف "!

3364

ومنهم تلميذه الحافظ الهيثمي؛ فإنه لم يورده في كتابه "موارد الظمآن "؛وهو على شرطه، ولهذا استدركته عليه في كتابي "صحيح الموارد"؛ يسر الله تمام طبعه، بمنه وجوده وكرمه. (تنبيه) : أورد الديلمي في كتابه "الفردوس " (5/549/9054) حديث الترجمة باللفظ الأول، فقال المعلق عليه: "إسناد هذا الحديث في "زهر الفردوس " (4/432) قال: أخبرنا أبي وغيره - (قلت [الألباني] : فساق إسناده الطويل في ثلاثة أسطر لا طائل من ذكرها إلى:) حدثنا أبوحنيفة عن ناصح عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً ". فأقول: الذي في نسختي المصورة من "زهر الفردوس " آخر المجلد (ص 356) بهذا الاسناد إلى أبي هريرة بلفظ: "واليمين الغموس تذهب بالمال، وتدع الديار بلاقع ". وناصح هذا: هو ابن عبد الله المحلمي، قال البخاري: "منكر الحديث ". لكنه لم يتفرد به، فانظر الحديث المتقدم في المجلد الثاني برقم (978) . ******* 3364- (من اقتطع مال امرئ مسلم؛ بيمين كاذبة؛ كانت نكتة سوداء في قلبه، لا يغيرها شيء إلى يوم القيامة) . أخرجه الحاكم (4/294) من طريق محمد بن سنان القزاز: ثنا عبد الرحمن ابن حمران: ثنا عبد الحميد بن جعفر: ثنا عبد الله بن ثعلبة:

أنه أتى عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وهو في إزار جرد (¬1) ، فطاف خلف البيت قد التبب به، وهو أعمى يقاد، قال: فسلمت عليه، فقال: من هذا؟ فقلت: عبد الله بن ثعلبة، قال: أخو بني حارثة؟ قلت: نعم، قال: وختن جهينة؟ قلت: نعم، قال: هل سمعت أباك يحدث بحديث سمعته يحدث به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا أدري، قال: سمعت أباك يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره. وقال: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي! قلت: وفيه نظر؛ فإن القزاز هذا مختلف فيه اختلافاً شديداً؛ فمن قائل فيه: "كذاب "، ومن قائل: "ثقة "! وقال الذهبي في "المغني ": "مشهور، رماه بالكذب أبو داود وابن خراش ". وقال الحافظ في "التقريب ": " ضعيف " لكنه قد توبع، فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 250/801) : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي: ثنا أحمد بن عنبسة العباداني: ثنا عبد الله بن حمران به دون القصة. وأحمد بن عنبسة؛ كذا وقع في هذه الرواية: (ابن عنبسة) منسوبآ إلى جده؛ فإ نه في " التهذيب " وفروعه: "أحمد بن عاصم بن عنبسة العباداني أبو صالح نزيل بغداد". ¬

(¬1) بفتح الجيم وتسكين الراء؛ أي: متجرد خلق. قاله الناجي في "العجالة ". ووقع في "الترغيب " (3/47) : "إزار خز ذي طاق خلق؛ قد التبب به "!

وهكذا وقع في حديث آخر عند الطبراني (791) في حديث آخر منسوباً إلى أبيه وجده (أحمد بن عاصم بن عنبسة العباداني) من طريق الحضرمي نفسه. وقد روى عنه جماعة؛ منهم ابن ماجه، ولم يذكر المزي توثيقه عن أحد، لكن زاد عليه الحافظ العسقلاني؛ فقال: "قلت: ذكره ابن حبان في (الثقات) ". ولما عزاه المعلق على كتاب "المزي " إلى "الثقات "؛ لم يقرن معه الجزء والصفحة كما هي العادة المعروفة اليوم، وذلك لأنه وقع فيه مقلوبآ (8/30) هكذا: "أحمد بن صالح بن عنبسة أبو عاصم العباداني.. حدثنا عنه عبد الله بن قحطبة الصالحاني ". وقالت الحافظ في "التقريب ": "صدوق" قلت: وعلى هذا، فالمتابعة قوية، ولكن بقي أن نعرف حالة (عبد الله بن ثعلبة) ، فالظن أن ابن أبي حاتم لم يعرفه، لا هو ولا أبوه، فقد قالت: "عبد الله بن ثعلبة، وهو أبو أمامة الحارثي ". وقال قبل: "ثعلبة والد عبد الله بن ثعلبة، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله: "من حلف على يمين ... ". روى عبد الحميد.. " فساق إسناده المتقدم ولم يزد! ويظهر أنه وقع منسوباً إلى جده أيضاً في هذه الرواية، فقد وقع في رواية أخرى عند الطبراني (790) بإسناد آخر من طريق صالح بن كيسان أن عبد الله بن

أبي أمامة بن ثعلبة حدثه عن أبيه ... وهكذا أورده في "التهذيب " برواية جمع آخر من الثقات عنه غير صالح بن كيسان، وقال: "ذكره ابن حبان في (الثقات) ". وعليه قال في "التقريب ": " صد وق ". قلت: وهو في " الثقات" (7/18) . وعلى ما تقدم من التحقيق؛ يتبين أن الإسناد حسن على الأقل، والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم إن الحديث على شرط الهيثمي في "مجمع الزوائد"، ولم يورده. وقد رواه هشام بن سعد عن محمد بن زيد بن مهاجر بن قنفذ التيمي عن ابن ثعلبة الأنصاري عن عبد الله بن أنيس الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أكبر الكبائر: الشرك بالله، وعقوق الوالدين، واليمين الغموس، وما حلف حالف يمين صبر، فأدخل فيها مثل جناح بعوضة؛ إلا جعلت نكتة في قلبه إلى يوم القيامة ". أخرجه الترمذي (3023) ، والطحاوي في " المشكل " (1/382) ، والحاكم (4/296) - وصححه، ووافقه الذهبي-، والبيهقي في "الشعب " (4/218/4843) ، والطبراني في "الأوسط " (3261) ، وعنه أبو نعيم في "الحلية " (7/327) . وقال الترمذي: "حديث حسن غريب، وأبو أمامة الأنصاري: هو ابن ثعلبة، ولا يعرف اسمه، وقد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث ". ********

3365

3365- (من غصب رجلاً أرضاً ظلماً؛ لقي الله وهو عليه غضبان) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/18/25) : حدثنا طالب بن قرة الأذني: ثنا محمد بن عيسى الطباع. (ح) وحدثنا الحسين بن إسحاق التستري: ثنا يحيى الحماني قالا: ثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن علقمة بن واثل عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:....... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات على شرط مسلم من طريق الحماني، وهذا وإن كان قد اتهم بسرقة الحديث؛ فقد تابعه من الوجه الأول: محمد بن عيسى الطباع، وهو ثقة فقيه؛ كما قال الحافظ في "التقريب ". وقد خفيت هذه المتابعة الهامة على الحافظ المنذري في "الترغيب " (3/54/7) ، ثم الهيثمي في "المجمع " (4/176) فذكر الحديث عن عبد الله رضي الله عنه باللفظ المذكور؛ وقالا: "رواه الطبراني من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني ". زاد الهيثمي: "وهو ضعيف، وقد وثق، والكلام فيه كثير". ثم إنهما قد وهما في نسبتهما الحديث لـ (عبد الله) ، وتابعهما الحافظ الناجي، فأخذ يفسر هذه النسبة قائلاً (ق 167/2) : "الظاهر أنه ابن مسعود؛ فإنه المعني عند الإطلاق "! وجزم بذلك شيخه الحافظ العسقلاني، فقال في "مختصره " المنتقى من " الترغيب " (177/ 658) : "وعن عبد الله- يعني: ابن مسعود- ... " فذكر الحديث!

وكل ذلك ناشئ من التقليد وحسن الظن بالمؤلف المنذري، مع كثرة أوهامه التي تعجب منها الحافظ الناجي، وكشف النقاب عن الكثير منها، وفاتته أشياء نبهت على بعضها في تعليقي على "صحيح الترغيب "، و"ضعيف الترغيب "؛ وهذا منها. ثم وقع الناجي- من الأوهام الكثيرة! - في وهم آخر، فقال: "ولفظ: "الغصب " لم يطلع عليه الإمام البلقيني في "تدريبه " (¬1) ! فقال: "وليس في الأحاديث: "من غصب " ... ". ولا شيخنا ابن حجر؛ تبعاً لشيخه ابن الملقن في "تخرج أحاديث الرافعي " حيث قالا: "لم يروه أحد منهم بلفظ: "من غصب " ... ". قلت: وهذا النفي قد يرد بالنسبة للبلقيني " فإني وإن كنت لم أقف بعد على كلامه في "البدر المنير"؛ فإن المجلد الذي فيه كتاب "البيوع " منه لما يطبع ولكني رأيته في "خلاصة البدر المنير" قال (2/98/1620) - بعد أن ذكره من حديث أبي هريرة نحوه-: "ولا أعلم أنه ورد في رواية: "من غصب "، مع أني ذكرته في (الأصل) من طرق ليست فيها". قلت: فاستدراك الناجي عليه وارد، بخلاف شيخه ابن حجر؛ فإنه قال بعد تخريجه لحديث أبي هريرة بألفاظ، وأحاديث أخرى خرجها دون أن يسوق ألفاظها: ¬

(¬1) كذا الأصل، ولعل الصواب "بدره ".

3366

" (تنبيه) : لم يروه أحد منهم بلفظ: "ومن غصب "، نعم " في "الطبراني " من حديث وائل بن حجر: "من غصب ... " فذكر حديث الترجمة. قلت: ففي هذا (التنبيه) فائدتان: الأولى: الرد على الناجي في استدراكه المذكور على الحافظ. والأخرى: بيان خطأ نسبة الحديث من الحافظ وغيره لرواية ابن مسعود، والله ولي التوفيق. ثم رأيت السيوطي قد عزاه في "الجامع الكبير" (2/804) للطبراني عن وائل ابن حجر، فالحمد الله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. ولم يتنبه لهذا الخطأ، ولا لتلك المتابعة القوية المصححة للحديث المعلقون الثلاثة، فضعفوا الحديث (2/268) مقلدين الهيثمي في تضعيفه للحماني!! ******** 3366- (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولا تؤدي المرأة حق زوجها؛ حتى لو سألها نفسها على قتب لأعطته) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (5/236/5116) : حدثنا موسى بن هارون: ثنا أحمد بن حفص: حدثني أبي: ثنا إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن قتادة عن القاسم الشيباني عن زيد بن أرقم: أن معاذاً قال: يا رسول الله! أرأيت أهل الكتاب يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم، أفلا نسجد لك؟ قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ غير القاسم

الشيباني، وهو صدوق يغرب؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، وهو من رجال مسلم، واسم أبيه: عوف. وموسى بن هارون ثقة حافظ مشهور، مترجم في "تاريخ بغداد"، و"تذكرة الحفاظ " وغيرهما. ثم رواه الطبراني (5117) من طريق صدقة عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به. وصدقة: هو ابن عبد الله السمين ضعيف. وله طريق أخرى عن زيد بن أرقم؛ يرويه المغيرة بن مسلم عن عمرو بن دينار عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المرأة لا تؤدي حق الله عليها؛ حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها وهي على ظهرقتب؛ لم تمنعه نفسها". أخرجه الطبراني (5/227/5084) . قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وقال المنذري في "الترغيب " (3/77/28) : "رواه الطبراني بإسناد جيد". وقال الهيثمي في "المجمع " (4/308) : "رواه الطبراني في " الكبير" و" الأوسط " بنحوه، ورجاله رجال " الصحيح "؛ خلا المغيرة بن مسلم، وهو ثقة". قلت: الذي في"مجمع البحرين " (4/193/2317) يختلف سنده أيضاً عن

3367

هذا " ليس فيه: (المغيرة بن مسلم) ، وهو في "المعجم الأوسط " (8/209/7429- ط) من طريق أبي يزيد الكوفي بشر بن عبد الملك قال: حدثنا محمد بن سواء (الأصل: سواد!) عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن القاسم بن عوف الشيباني عن زيد بن أرقم مرفوعاً مختصراً، بلفظ: "لا تمنع المرأة زوجها نفسها؛ وإن كانت على قتب ". وهذه متابعة قوية من محمد بن سواء؛ فإنه ثقة من رجال الشيخين. وأما بشر بن عبد الملك؛ فقد كنت ذكرت فيما تقدم من هذا الكتاب تحت الحديث (1203) المجلد الثالث، وقد ذكرت هذا الحديث شاهداً له؛ فقلت: "بشر هذا لم أعرفه، ويراجع له "الجرح والتعديل "؛ فإني لا أطوله الآن ". وفي الطبعة الجديدة لهذا المجلد علقت عليه بما خلاصته أنه ثقة، فراجعه، وعليه فالسند جيد قوي. وبالله التوفيق. ******* 3367- (إني أجد نفس الرحمن من هنا- يشير إلى اليمن) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/60/6358) : حدثنا أبو زرعة: ثنا أبو اليمان: ثنا إسماعيل بن عياش عن الوليد بن عبد الرحمن. (ح) ثنا بكر بن سهل: ثنا عبد الله بن يوسف: ثنا عبد الله بن صالح الحمصي: حدثني إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد بن عبد الرحمن الجرشي عن جبير بن نفير: حدثني سلمة بن نفيل السكوني قال: دنوت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى كادت ركبتاي تمسان فخذه، فقلت: يارسول الله! تركت الخيل، وألقي السلاح، وزعم أقوام أن لا قتال! فقال:

"كذبوا! الآن جاء القتال، لا تزال من أمتي أمة قائمة على الحق، ظاهرة على الناس، يزيغ الله قلوب قوم قاتلوهم لينالوا منهم ". وقال وهو مول ظهره إلى اليمن: ... فذكر الحديث، وزاد: "ولقد أوحي إلي أني مكفوف (¬1) غير ملبث، وتتبعوني أفناداً، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وأهلها معانون عليها". قلت: واسناده صحيح من الوجه الأول عن الوليد بن عبد الرحمن، وهو ثقة من رجال مسلم. وفي الوجه الآخر بكر بن سهل؛ فيه ضعف. وشيخ عبد الله بن صالح الحمصي لم أعرفه! ثم تبين أن اسم أبيه محرف، صوابه (سالم) ، فقد رأيت البيهقي قد أخرج الحديث في "الأسماء والصفات " (ص 462- 463) من طريق محمد بن إسحاق الصاغاني: أنا عبد الله بن يوسف: أنا عبد الله بن سالم الحمصي: ثنا إبراهيم بن سليمان الأفطس به. قلت: فهو إسناد صحيح أيضاً؛ لأن عبد الله بن سالم الحمصي- وهو الأشعري- ثقة اتفاقاً، ومن رجال البخاري. ومن ضلال الشيخ الكوثري، ومعاداته للسنة وأحاديث الصفات، وتضليله للقراء: تعليقه في حاشية "الأسماء" على ابن سالم هذا بقوله: "كان أبو داود يذمه "! ¬

(¬1) كذا الأصل! وفي " الجامع الكبير" (1/306) برواية الطبراني: "مقبوض "، وكذلك هو عنده في رواية أخرى. ******

فتعامى عن أقوال الأئمة المجمعة على توثيقه، وتشبث بذم أبي داود إياه لمذهبه، وقد أخرج له في "سننه "، وهو يعلم أن ذلك لا يضر في عدالته وصحة حديثه عند العلماء تنصيصاً وتفريعاً، مع أن الحديث ليس له علاقة بالصفات؛ كما يأتي عن ابن تيمية. على أنه قد توبع في الوجه الأول كما رأيت، فلا يضره الذم المذكور لو كان قدحاً في ثقته، ولكن هذا هو شأن أهل الأهواء؛ لا يخلصون للبحث العلمي، وإنما يتبعون منه ما يوافق أهواءهم! والله المستعان. واعلم أن هذا الحديث قد جاء في بعض طرقه زيادة أخرى بلفظ: "عقر دار المؤمنين بالشام". وكنت خرجته في المجلد الراج (1935) ، فأعدت تخريجه هنا لحديث الترجمة، مستدركاً به على تخريجي إياه في "الضعيفة" في المجلد الثالث (1097) ، لكن من حديث أبي هريرة، فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل، أوجب علي تخريجه هنا، والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحاً، والحمد لله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله. هذا؛ ويبدو أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يذهب إلى ثبوت الحديث، فقد رأيته سئل عن حديث: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض "، وعن هذا الحديث في "مجموع الفتاوى" (6/397 ـ 398) ؟ فضعف الأول، دون هذا، وقال مبيناً معناه، وأنه ظاهر فيه؛ فقال: "فقوله في: "اليمن " يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين

قال فيهم: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) ؛ وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل عن هؤلاء؛ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري (¬1) . وجاءت الأحاديث الصحيحة، مثل قوله: "أتاكم أهل اليمن، أرق قلوباً، وألين أفئدة، الإيمان يمان، والحكمة يمانية " (¬2) . وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار، فبهم نفس الرحمن عن المؤمنين الكربات، ومن خصص ذلك بأويس؛ فقد أبعد". قلت: وعلى هذا المعنى فليس الحديث من أحاديث الصفات، ولذلك لم يورده الحافظ الذهبي في جملة أحاديثها في كتابه "العلو" الذي كنت اختصرته، وهو مطبوع، خلافاً للشيخ زاهد الكوثري الذي غمز من صحته كما تقدم مع الرد عليه، ولذلك كذب ابن تيمية رحمه الله ما حكاه الغزالي عن بعض الحنابلة أن الإمام أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء؛ منها هذا الحديث، فقال (5/398) : "فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد، ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي مجهول لا يعرف ". ثم رأيت ابن الأثير قد أورد الحديث في مادة (نفس) من "النهاية "، وقال: "قيل: عنى به الأنصار؛ لأن الله نفس بهم الكرب عن المؤمنين، وهم يمانون؛ لأنهم من الأزد، قال الأزهري: (النفس) في الحديث اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من: (نفس ينفس تنفيساً ونفساً) ، كما يقال: (فرج يفرج تفريجاً وفرجاً) ؛ كأنه قال: أجد تنفيس ربكم من قبل اليمن ". ¬

(¬1) فيه عدة أحاديث يدل مجموعها على صحة ذلك؛ انظر الحديث الآتي. (¬2) متفق عليه، وهو مخرج في "الروض النضير" (1045) . *******

3368

3368- لما نزلت هذه الآية: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) ؛ أوْمأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي موسى بشيء كان معه، فقال: "هم قوم هذا ") . أخرجه الحاكم (2/313) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/125) ، وابن سعد في "الطبقات " (4/107) ، وابن جرير في "التفسير" (6/183) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/371/1016) من طرق عن شعبة عن سماك بن حرب عن عياض الأشعري قال: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في "المجمع " (7/16) : "رواه الطبرا ني، ورجاله رجال الصحيح ". وأقول: عياض: هو ابن عمرو الأشعري، مختلف في صحبته. فقال الحافظ في التقريب: "صحابي، له حديث، وجزم أبو حاتم بأن حديثه مرسل، وأنه رأى أبا عبيدة ابن الجراح؛ فيكون مخضرماً ". قلت: وقد جاء موصولاً؛ فقال ابن جرير: حدثنا ابن المثنى قال: ثنا أبو الوليد قال: ثنا شعبة عن سماك بن حرب، قال: سمعت عياضاً يحدث عن أبي موسى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية ... الحديث نحوه. قلت: وهذا إسناد صحيح متصل؛ فإن أبا الوليد هذا- واسمه هشام بن

عبد الملك- ثقة ثبت من رجال الشيخين؛ كما في "التقريب "، فالظاهر أن شعبة كان يرسله تارة ويسنده أخرى، فقد تابعه على إسناده عبد الصمد بن عبد الوارث: حدثنا شعبة به: أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره " (3/13/1) . ويشهد لهذا المسند: أنه قد توبع عليه من عبد الله بن إدريس عن أبيه عن سماك بن حرب به. أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 351) من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: ثنا أبو معمر: حدثنا عبد الله بن إدريس به. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم أيضاً؛ غير عبد الله بن أحمد، وهو ثقة، وكذلك من دونه. وللحديث شواهد: أولاً: عن معاوية بن حفص قال: حدثنا أبو زياد- يعني: إسماعيل بن زكريا- عن محمد بن قيس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قوله: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) ؟ قال: "هؤلاء قوم من اليمن، ثم من كندة، ثم من السكون، ثم من تجيب ". أخرجه ابن أبي حاتم أيضاً، والطبراني في "المعجم الأوسط " (2/232/1414) ، وقال- والسياق له-: "لم يروه عن محمد بن قيس الأسدي إلا أبو زياد، ولا عن أبي زياد إلا معاوية، تفرد به أبو حميد".

كذا قال! ولم يتفرد به- وهو ثقة-؛ فقد تابعه محمد بن المصفى عند ابن أبي حاتم، ولكنه مضعف، قال الحافظ: "صدوق، له أوهام، وكان يدلس ". قلت: وقد صرح بالتحديث، لكنه لم يذكر في إسناده: (محمد بن قيس الأسدي) ، فلعل ذلك من أوهامه! وعلى كل حال فالإسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير معاوية بن حفص- وهو الشعبي الحلبي-، قال الحافظ: " صد وق ". ولذلك قال الهيثمي: "رواه الطبراني في "الأوسط "، وإسناده حسن ". ثانياً: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج: حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو عن سالم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مثل حديث جابر؛ لكنه لم يذكر: "ثم من تُجِيبَ ". وإسناده جيد حسن؛ ومحمد بن عمرو: هو ابن علقمة المدني، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر. وقد روي عن أبيه شيء من هذا؛ وهو: ثالثاً: أخرج البخاري في "تاريخه " عن القاسم بن مخيمرة قال: أتيت ابن عمر، فرحب بي ثم تلا: (من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم) ، ثم ضرب على منكبي؛ وقال: أحلف بالله؛ إنهم منكم أهل اليمن (ثلاثاً) . ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (2/292) .

3369

رابعاً: قال شريح بن عبيد: لما أنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه ... ) إلى آخر الآية؛ قال عمر: أنا وقومي هم يا رسول الله؟! قال: "لا، بل هذا وقومه "؛ يعني: أبا موسى الأشعري. أخرجه ابن جرير. وإسناده مرسل صحيح رجاله كلهم ثقات؛ فهو شاهد قوي في الجملة. والله سبحانه وتعالى أعلم. ******* 3369- (لما نزلت: (إذا جاء نصر الله والفتح) ، قال: أتاكم أهل اليمن؛ هم أرق قلوباً، الإيمان يمان، الفقه يمان، الحكمة يمانية) . أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره " (2/ 404) ومن طريقه أحمد في "مسنده " (2/277) : أنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: سمعت أبا هريرة يقول: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه مسلم (1/52) وغيره من طريق أخرى عن ابن سيرين به دون الآية. وكذلك أخرجه هو، والبخاري (4388-4390) ، وابن حبان (7253 و7255 - 7256) ، وأبو عوانة (1/59 ـ60) وغيرهم من طرق أخرى عن أبي هريرة به، وهو مخرج في "الروض النضير" (1045) . لكن لزيادة الآية شاهد قوي من حديث ابن عباس، وله عنه طريقان، بل ثلاثة:

الأولى: الحسين بن عيسى الحنفي: حدثنا معمر عن الزهري عن أبي حازم عنه قال: بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة؛ إذ قال: "الله أكبر، الله أكبر، جاء نصر الله، وجاء الفتح، وجاء أهل اليمن، قوم نقية قلوبهم، لينة طاعتهم، الإيمان يمان، والفقه يمان، والحكمة يمانية ". أخرجه ابن حبان (2299- موارد) ، والطبري في "تفسيره " (30/215) ، والبزار (3/316/2837- كشف الأستار) - مختصراً-، ولفظه: ".. إذ قال: الله أكبر (إذا جاء نصر الله والفتح) ، وجاء أهل اليمن ... ". وقال البزار: "لا نعلم أسند الزهري عن أبي حازم غير هذا". قلت: ورجاله ثقات؛ غير الحسين بن عيسى، وهو ضعيف. وقد خالفه في إسناده ابن ثور؛ فقال هذا: عن معمر عن عكرمة: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح) ؛ قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "جاء نصر الله والفتح، وجاء أهل اليمن ... " الحديث. أخرجه ابن جرير، وإسناده مرسل صحيح، وقد جاء عنه مسنداً عن عكرمة عن ابن عباس، وهو التالي: الثانية: عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت (إذا جاء نصر الله والفتح ... ) إلى آخر السورة؛ قال: نُعِيت

لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان [قط] اجتهاداً في أمر الآخرة، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك: "جاء الفتح، وجاء نصر الله، وجاء أهل اليمن ". فقال رجل: يا رسول الله! وما أهل اليمن؛ قال: "قوم رقيقة قلوبهم، لينة قلوبهم، الإيمان يمان، والحكمة يمانية، والفقه يمان". أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (6/525/11712) والطبراني في "المعجم الكبير" (11/328ـ329) ، و"الأوسط " (3/15/2017) . وروى أحمد الجملة الأولى منه (1/217) من طريق عطاء عن سعيد عن ابن عباس. وقال الهيثمي (7/ 144) عقبه: "رواه أحمد، والطبراني في حديث طويل.. وفي إسناده هلال بن خباب، قال يحيى: ثقة مأمون لم يتغير، ووثقه ابن حبان، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال "الصحيح "، وفي إسناد أحمد عطاء بن السائب، وقد اختلط ". أما حديث هلال بن خباب؛ فحسن الإسناد، وقد قال الذهبي في "الكاشف ": "ثقة". والأقرب قول الحافظ في "التقريب ": "صدوق تغير بأخرة". ولذلك سكت في "الفتح" (8/ 100) عن الحديث، وقد عزاه للبزار. الثالثة: وهي متابعة لهلال بن خباب من عبد الملك بن أبي بشير عن عكرمة عن ابن عباس قال:

كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فنزلت (إذا جاء) ، فقال: "هم أهل اليمن ". هكذا رواه البخاري في " التاريخ " (3/2/195) ؛ فقال: وقال عبد العزيز: حدثنا الخضر: حدثنا عمر عن عبد الملك بن أبي بشير ... قلت: وهذا إسناد حسن أيضاً، ومتابعة قوية من عبد الملك هذا؛ فإنه ثقة، وكذلك من دونه. وعمر: هو ابن مجاشع المدائني، وفي ترجمته ساقه البخاري ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك فعل ابن أبي حاتم، لكن ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/184) من رواية الخضر هذا عنه- وهو ابن محمد الحراني-؛ لكن ذكر له في "اللسان " راويين آخرين، وأن ابن معين قال؛ "لا بأس به "، فراجعه إن شئت، أو "تيسير الانتفاع ". قلت: له شاهد من حديث ميناء عن عبد الله بن مسعود به: أخرجه أحمد (1/449) ؛ لكن ميناء هذا متروك. وقد روي بإسناد آخر أسوأ منه عن ابن مسعود مطولاً، وقد خرجته في "الضعيفة" (6445) . قلت: إن من فضل الله علي أن وفقني لتخريج هذه الفضائل لأهل اليمن وإحيائها، وبخاصة حديث الترجمة، فقد خفي على كثير من الحفاظ والمخرجين فضلاً عن غيرهم، فإنه وإن كان هناك منهم من ذكر شيئاً من طرقه وألفاظه؛ فما منهم من أحد من أحاط بطرقه وشواهده التي تقويه، ومن وجد شيئاً منها فبدون تحقيق وتصحيح، فلنذكر من وقفنا على كلامهم:

أولاً: الحافظ ابن كثير؛ فإنه مع كثرة استحضاره لأحاديث "المسند" وعزوه إليه كثيراً، حتى قيل: إنه من أعلم الناس به، ومع ذلك؛ فقد فاته حديث الترجمة، فلم يذكره في تفسير سورة (النصر) (4/562) ، وإنما ذكر حديث ابن عباس من الوجهين عنه من رواية ابن جرير والطبراني، وحديث عكرمة المرسل، وفاتته رواية البخاري عنه عن ابن عباس! ثانياً: الحافظ ابن حجر؛ فإنه مع توسعه المعروف في تتبع ألفاظ الحديث في "الفتح " وتخريجها، وتمييز صحيحها من ضعيفها في الغالب، بحيث إننا لا نعرف له نظيراً في ذلك، ومع ذلك؛ فقد فاته حديث الترجمة وما تحته؛ إلا حديث هلال ابن خباب، ومن رواية البزار فقط، مع أنه شرح قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أتاكم أهل اليمن.." في أكثر من موضع من "الفتح "، وأورده في "أطراف المسند" (8/36/10223) من رواية عبد الرزاق، لكن دون آية النصر! ثالثاً: الحافظ السيوطي؛ فإنه مع ذكره لحديث الترجمة في "الدر المنثور" (6/408) ، ولحديث ابن عباس أيضاً؛ فإنه قد أبعد النجعة في تخريجهما، فإنه عزا الأول لابن مردويه فقط! والآخر لابن عساكر فحسب! وسكت عن إسنادهما على عادته الغالبة. رابعاً وأخيراً: قول مصحح "تاريخ البخاري " والمعلق عليه تعليقات علمية مفيدة، وهو الشيخ الفاضل عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني؛ قال في التعليق على قوله في الحديث (إذا جاء) : "كذا في الأصل، ولعل ما بعد: " إذا جاء " سقط من الأصل، فالله أعلم أي: "إذا جاء " أراد". قلت: قد تبين- والحمد لله- من هذا التحقيق والتخريج أنه أراد (إذا جاء

3370

نصر الله والفتح) وعندي أنه لا سقط فيه، وأنه من اختصار البخاري نفسه، وهي عادة له- لا تخفى على الشيخ الفاضل- في كثير من أحاديث الكتاب التي يذكر في بعض التراجم، وقد يكون الاختصار أحياناً اختصاراً شديداً يشبه اللغز، مثل قوله في ترجمة (عمر بن مسكين) : "يروي عن نافع عن ابن عمر في الجنائز". لكن الباحث- أو الحافظ- من السهل عليه أن يهتدي إلى الحديث المشار إليه. وبالله التوفيق. ******* 3370- (كُفْرٌ بامْرِئ ادِّعاءُ نَسَبٍ لا يَعْرِفُه، أو جَحْدُهُ وإن دقَّ) . أخرجه ابن ماجه (2/916/2744) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (8/446/7915) و"الصغير" (ص 222 هند) من طريقين عن يحيى بن سعيد: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن. وقول الطبراني فيه: "لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا أبو ضمرة أنس بن عياض "! فهو بالنسبة لما أحاط به علمه؛ وإلا فهو عند ابن ماجه من طريق سليمان بن بلال عن يحيى. وهذا ثبت في بعض نسخ "ابن ماجه " دون بعض؛ كما نبه على ذلك الحافظ في "النكت الظراف " (6/ 341- 342) ، ولذلك لم يعزه المنذري في "الترغيب " لابن ماجه؛ فقال (3/88) : "رواه أحمد والطبراني في (الصغير) "! وفاته عزوه لـ "الأوسط " أيضاً! وأما أحمد؛ فرواه من طريق أخرى عن عمرو بن شعيب؛ فقال (2/215) :

ثنا علي بن عاصم عن المثنى بن الصّبّاح عن عمرو بن شعيب به مع تقديم وتأخير، ولفظه: "كفر؛ تبرؤ من نسب وإن دق، أو ادعاء إلى نسب لا يعرف ". قلت: وهذا إسناد ضعيف إلى عمرو؛ لحال المثنى وعلي بن عاصم، ولكنه لا يضر الطريق الأولى عن عمرو، ولذلك لم يعله المنذري بهما، وتبعه الهيثمي، فقال (1/97) : "رواه أحمد، والطبراني في "الصغير"، و"الأوسط "؛ وهو من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ". يشير بذلك إلى أنها رواية حسنة، احتج بها الأئمة أحمد وغيره؛ كما هو مبين في محله. قلت: ومن جهل المعلقين الثلاثة على "الترغيب "، وقلة فهمهم فيه: أنهم لم ينتبهوا إلى ما أشرت إليه من صنع المنذري والهيثمي! ومما دلني على ذلك أنهم لما نقلوا كلام الهيثمي المذكور بتروا منه قوله: "وهو من رواية ... " إلخ؛ لأنهم- لجهلهم البالغ- لم يفهموا له معنى! ولذلك تطاولوا عليه وعلى المنذري؛ فتعقبوهما بقولهم - وكأنهم اكتشفوا كنزاً!! -: "قلنا (!) : في إسناده المثنى بن الصباح؛ ضعيف اختلط بأخرة"! وهذا كذب بالنسبة لرواية الطبراني؛ لأنها سالمة منه؛ كما قد رأيت، ولكذبهم هذا جنوا على الحديث بتصديرهم الكلام عليه بقولهم: "ضعيف "! ولم يضعفه أحد من قبل فيما علمت؛ فهذا هو الحافظ ابن حجر الذي من "تقريبه " نقلوا تضعيف المثنى؛ قد ذكر الحديث في "الفتح " (12/42) من رواية أحمد، ولم

يضعفه، بل أشار إلى تقويته بسكوته عنه كما هي قاعدته، وبقوله: "وله شاهد عن أبي بكر الصديق ". وعزاه في مكان آخر (ص 55) للطبراني. وهذا الشاهد قد روي مرفوعاً وموقوفاً: أما المرفوع؛ فله طريقان: أحدهما: يرويه السريّ بن إسماعيل عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن أبي بكر الصديق مرفوعاً. أخرجه البزار في "البحر الزخار" (1/139/70) ، وأبو يعلى في "المسند الكبير" (2/ 4/ 1- المطالب العالية المسندة) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (3/ 0 39- 391) ؛ وقال: "لم يروه عن بيان إلا السري ". قلت: وهو متروك؛ كما قال الهيثمي والعسقلاني. والطريق الآخر؛ يرويه عمر بن موسى الحادي: حدثنا حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن عبد الله بن سخبرة عن أبي بكر الصديق مرفوعاً. أخرجه ابن عدي (5/54) ، والطبراني أيضاً في "الأ وسط " (9/ 261/ 8570) ، والخطيب في " التاريخ " (3/ 144) - واستغربه-. وقال الطبراني: "تفرد به عمر بن موسى الحادي ". قلت: قال ابن عدي: "ضعيف، يسرق الحديث، ويخالف في الأسانيد".

3371

والحجاج بن أرطاة مدلس وقد عنعنه. وذهل الهيثمي عن العلة الأولى، وعن علة الحجاج الحقيقية، فقال: "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف "!! قلت: فأطلق الضعف عليه، وهو خطأ؛ فإنه ثقة في نفسه، وإنما علته أنه يدلس، فإذا صرح بالتحديث؛ فهو حجة، وهنا قد عنعنه فهي العلة. وقد خولف؛ كما يأتي. وأما الموقوف؛ فقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/538/3160) : حدثنا ابن نمير عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن أبي معمر قال: قال أبو بكر: "كفر بالله من ادعى نسباً لا يُعلم، وتبرأ من نسب وإن دق ". وتابعه شعبة عن سليمان- وهو الأعمش-. أخرجه الخطيب. وأبو معمر: هو عبد الله بن سخبرة. قلت: وهذا إسناد صحيح موقوف، وهو- في نقدي- في حكم المرفوع؛ لأنهلا يقال بالاجتهاد والرأي. والله أعلم. ******* 3371- (من شاب شيبةً في سبيل الله (وفي رواية: في الإسلام) ؛ كانت له نوراً يوم القيامة. فقال رجل عند ذلك: فإن رجالاً ينتفون الشيب؟ فقال: من شاء؛ فلينتف نوره) . أخرجه أحمد (6/20) : ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي

حبيب عن عبد العزيز بن أبي الصعبة عن حنش (¬1) عن فضالة بن عبيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. ومن هذا الوجه: أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/304ـ 305) ؛ إلا أنه جمع بين الروايتين فقال: "في الإسلام في سبيل الله ". وأخرجه البزار (3/371/2973) من طريق أبي الأسود النضر بن عبد الجبار المصري: ثنا ابن لهيعة ... بالرواية الأخرى. وابن عدي في "الكامل " (4/152) من طريق ثالث عن ابن لهيعة به مختصراً. وقد تابعه يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب ... بالرواية الأخرى. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/304/782) ، وفي" الأوسط " أيضاً (6/231/5489) من طريق وهب بن جرير بن حازم: ثنا أبي قال: سمعت يحيى ابن أيوب به. وأخرجه البيهقي في "الشعب " (5/210/6388) - من هذين الطريقين عن يزيد بن أبي حبيب- وكذا الشجري في "الأمالي " (2/242) من طريق الطبراني من الوجهين. إذا ثبت هذا؛ فرجال الإسناد كلهم ثقات معروفون؛ غير عبد العزيز بن أبي الصعبة؛ فقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 111) ؛ ومع أنه لم يرو عنه غير ¬

(¬1) قلت: وقع فيه: (حسن) مكان: (حنش) ! وهو خطأ قديم من بعض الرواة، كما بينت في "تيسير الانتفاع "، وهو ابن عبد الله الصنعاني الدمشقي.

يزيد هذا، وعمران بن موسى، ومع ذلك " قال ابن المديني: "ليس به بأس، معروف". فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى، وهو الذي كنت جنحت إليه فيما تقدم تحت حديث ابن عدي المشار إليه آنفاً برقم (1244) . وإنما أعدت تخريجه هنا بشيء زائد في الفائدة والتخريج: أنني رأيت المنذري في "الترغيب "- وأنا في صدد تهيئة الجزء الثاني والثالث من "صحيح الترغيب "- رأيته قد أعل الحديث بابن لهيعة؛ فقال (3/113/2) : "رواه البزار، والطبراني في "الكبير"، و"الأوسط " من رواية ابن لهيعة، وبقية إسناده ثقات "! قلت: ونحوه في "مجمع الزوائد" (5/158) ! فأقول: في هذا التخريج- على إيجازه- أمور عجيبة من الخلط؛ لم ينبه عليها الحافظ الناجي: أولاً: لم يعزواه لأحمد، وهو أولى بالعزو لجلالته وعلو طبقته؛ كما هو معلوم. ثانياً: غفلا عن متابعة يحيى بن أيوب- وهو الغافقي المصري- لابن لهيعة في "كبير الطبراني "، فلم يبق وجه لإعلاله بابن لهيعة، وقد كان من آثارها أن اغتر بهذا الإعلال المعلقون الثلاثة؛ فضعفوا الحديث! ثالثاً: أخطأا في نسبة رواية ابن لهيعة للطبراني في "الأوسط "، وإنما عنده المتابعة المذكورة

3372

رابعاً: لا يتوجه الإعلال المذكور بالنسبة لرواية قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة؛ لأنها صحيحة ملحقة برواية العبادلة عنه؛ كما في ترجمة ابن لهيعة في "سير أعلام النبلاء" (8/15) ، وقد سبق بيان هذا في غيرما موضع. ******** 3372- (إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة؛ أكثرهم شبعاً في الدنيا) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/126/327) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا محمد بن خالد الكوفي: ثنا إسحاق بن منصور: ثنا عبد السلام بن حرب عن أبي رجاء عن أبي جحيفة قال: تجشأت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ما أكلت يا أبا جحيفة؟! ". فقلت: خبز ولحم، فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمد بن خالد الكوفي، وأنا أظن أنه الذي في "ثقات ابن حبان " (9/133) : "محمد بن خالد بن صالح التميمي، أبو عبد الله، كوفى، يروي عن أبى نعيم وأهل بلده، حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد وغيره ". قلت: أظنه هذا؛ لأنه من هذه الطبقة؛ فإن عبدان بن أحمد، الثقة الحافظ من طبقة محمد بن المنذر بن سعيد، هذا توفي سنة ثلاث وثلاثمائة، وذاك توفي سنة ست وثلاثمائة. وخفي حاله على الهيثمي فلم يعرفه، فقال في "المجمع " (5/31) : "رواه الطبراني في " الأوسط "، و"الكبير" بأسانيد، وفي أحد أسانيد " الكبير"

محمد بن خالد الكوفي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: وهذا النفي منه هو الذي أهاب بي لتخريج الحديث هنا مرة أخرى، بعد أن كنت خرجته قديماً عن جمع من الصحابة منهم أبو جحيفة هذا، ومن ثلاثة طرق عنه، منها طريق أبي رجاء هذه، في المجلد الأول من هذه السلسلة برقم (343) ، وفي الطبعة الجديدة منه نقلت فيه النفي المذكور دون أي تعقيب عليه؛ لأن المصادر التي ساعدتني الآن على معرفة محمد بن خالد الكوفي هذا لم تكن مطبوعة يومئذ؛ مثل "ثقات ابن حبان "، و"معجم الطبراني الكبير". وقد كنت نقلت عن المنذري أنه قال في أحد إسنادي البزار: "رواته ثقات ". ولما وقفت على إسناده بواسطة "كشف الأستار"؛ جودت إسناده في الطبعة الجديدة قائلاً: "فهو جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير شيخ البزار: العباس بن جعفر - وهو البغدادي-؛ ثقة ". ولم أكن أعلم أنه متابع لمحمد بن خالد لما ذكرت من فقد "المعجم الكبير"، والآن وبمقابلة إسناده بإسناد البزار؛ فقد تبينت المتابعة؛ فإن إسناد البزار هكذا: "حدثنا العباس بن جعفر: ثنا إسحاق بن منصور به ". فهذه متابعة قوية لمحمد بن خالد تدل على أنه قد حفظ الحديث، ولذلك فما كان ينبغي للهيثمي أن يعله به، ولو فرض أنه مجهول لا يعرف؛ كما هو معلوم عن العارفين بهذا العلم، ولكن يظهر أنه فاتته رواية البزار هذه فلم يقف على المتابعة، فقال ما قال! يدل على ذلك عدم عزوه إياه، بخلاف المنذري رحمه الله تعالى. فهذا هو السبب في إعادة تخريج الحديث.

ثم رأيت البيهقي أخرجه في "الشعب " (5/26/5643) من طريق عبيد الله ابن أحمد بن منصور الكسائي الهمداني: ثنا محمد بن خليد (¬1) الحنفي: ثنا عبد الواحد بن زياد، عن مسعر عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه به. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات " غير محمد بن خليد الحنفي " ضعفه ابن منده وابن حبان والدارقطني؛ كما في "اللسان ". وعبيد الله بن أحمد بن منصور الكسائي؛ ترجمه الخطيب في "التاريخ" (10/339ـ 340) ، وروى عن الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد أنه قال: "محله الصدق". والمعروف: عن علي بن الأقمر عن أبي جحيفة مباشرة، وقد كنت خرجته هناك قديماً من وجهين عنه، أحدهما: من طريق مالك بن مغول عنه به؛ لكن أعله أحمد، فلما وقفت على رواية مسعر عنه؛ بادرت إلى إخراجها والنظر في إسنادها، فتبين ضعفها، فالعمدة في تصحيح الحديث على الإسناد الذي صدرت به التخريج، مع الشواهد المذكورة هناك، والله ولي التوفيق. وإن مما يحسن التنبيه عليه هنا: أنني كنت ذكرت هناك في الشواهد حديث ابن عباس، ونقلت تضعيفه عن الحافظ العراقي، وتضعيف رواية (يحيى بن سليمان الحفري) من أبي نعيم في "الحلية". تم رأيت الهيثمي قد ذكر الحديث في "المجمع " (10/250 ـ 251) ، ومال إلى تقوية الراوي بقوله: ¬

(¬1) الأصل: (خالد) ، والتصحيح من "تاريخ بغداد".

3373

"رواه الطبراني، وفيه (يحيى بن سليمان الحفري) ، وقد تقدم الكلام عليه.. وبقية رجاله ثقات ". وفي المكان الذي أشار إليه؛ ساق حديثاً آخر عن ابن مسعود قد خرجته في "الضعيفة " (6650) ، وبينت هناك حال (يحيى الحفري) هذا، وأن قول الذهبي فيه: "ما علمت به بأساً "! ليس له وجه، فلا داعي للإعادة. ******** 3373- (يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أنه ينجو بها، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة، فيؤخذ من حسناته؛ فيعطى المظلوم حتى لا تبقى له حسنة، ثم يجيء من قد ظلمه؛ ولم يبق من حسناته شيء، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته) . أخرجه البزار في مسنده "البحر الزخار" (6/ 490- 491/2524) وعنه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/316ـ317/6153) : حدثنا عبد الله بن إسحاق العطار قال: أخبرنا خالد بن حمزة العطار قال: أخبرنا عثمان بن غياث قال: أخبرنا أبو عثمان عن سلمان رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير خالد بن حمزة العطار، وذكره المزي في الرواة عن عثمان بن غياث، ووصفه بـ (الأحمر) ، ولم أجد له ترجمة. وأما الهيثمي؛ فقال (10/353) : "رواه الطبراني، والبزار عن عبد الله بن إسحاق العطار عن خالد بن حمزة، ولم أعرفهما، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ". قلت: الأول مترجم في "التهذيب "؛ كما تقدمت الإشارة إليه، وهو عبد الله ابن إسحاق بن محمد الناقد أبو جعفر الواسطي، ويقال: البغدادي، وذكره ابن

حبان في "الثقات " (8/362) ، وروى له في "صحيحه " (8/142- 143/6455) بواسطة شيخ له، وهو من شيوخ جمع من الحفاظ، كابن ماجه وابن جرير، وبحشل الواسطي في "تاريخ واسط " (ص 237) ، فالإسناد صحيح، لولا خفاء حال خالد بن حمزة علينا، لكنه قد توبع، فقال خالد الحذاء: سمعت أبا عثمان النهدي يحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يرفع للرجل الصحيفة يوم القيامة، فما تزال مظالم بني آدم تتبعه ... " الحديث نحوه باختصار، قال: فقلت له، أو قال له عاصم: عمن يا أبا عثمان؟! فقال: عن سلمان، وسعد، وابن مسعود، حتى عد ستة أو سبعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال شعبة: فسألت عاصماً عن هذا الحديث؟ فحدثنيه عن أبي عثمان عن سلمان، وأخبرني عثمان بن عتاب أنه سمع أبا عثمان يحدث بهذا عن سلمان وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه الحاكم (4/ 574) ، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي! وأقول: إنما هو على شرط مسلم؛ لأن أبا داود الراوي عن شعبة لم يخرج له البخاري إلا تعليقاً، وهو الطيالسي. ورواية الحاكم هذه مما فات المنذري؛ فإنه ساقها في "الترغيب " (3/145/13) من طريق أبي عثمان عن سلمان الفارسي وسعد.. إلخ قالوا: إن الرجل لا ترفع له يوم القيامة صحيفته حتى يرى أنه ناج، فما تزال مظالم بني آدم ... إلخ، هكذا ذ كره موقوفاً. وقال: "رواه البيهقي في "البعث "، واسناده جيد".

قلت: كتاب "البعث " هذا لم يطبع منه إلا الجزء الثاني والأخير منه، ولذلك لم يتيسر لي الوقوف على إسناده، ويغلب على الظن أنه من طريق الطيالسي. والله أعلم. وللحديث شواهد كثيرة في "مجمع الزوائد"؛ من أحسنها حديث أبي أمامة الباهلي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يجيء الظالم يوم القيامة؛ حتى إذا كان على جسر جهنم بين الظلمة والوعرة؛ لقيه المظلوم، فعرفه؛ وعرف ما ظلمه به، فما يبرح الذين ظلموا يقتصون من الذين ظلموا؛ حتى ينزعوا ما في أيديهم من الحسنات، فإن لم يكن لهم حسنات؛ رد عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموا، حتى يوردوا الدرك الأسفل من النار". أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/1/228ـ229) - ولم يسق لفظه-، وحسين المروزي في "زوائد الزهد" (499/1420) ، والطبراني في " المعجم الأوسط " (6/455/5973) - والسياق له- من طريق حسين المعلم عن أيوب عن الجهم بن فضالة عنه. وقال الطبراني: "لم يروه عن أيوب إلا حسين المعلم، تفرد به ابن أبي عدي ". قلت: تابعه عند البخاري روح- وهو ابن عبادة-، ورجاله ثقات معروفون من رجال الشيخين؛ غير الجهم بن فضالة، لم يوثقه غير ابن حبان (4/113) ، وذكر أنه روى عنه سويد أبو قزعة. قلت: وسويد ثقة، ومثله أيوب هنا، فقد روى عنه ثقتان، فهو حسن الحديث أو قريب منه، فيصلح للاستشهاد به. ومن تلك الشواهد حديث أنس بن مالك، وقد تقدم تخريجه برقم (3265) . *******

3374

3374- (ثلاثة لا يرد الله دعاءهم: الذاكر الله كثيراً، ودعوة المظلوم، والإمام المقسط) . أخرجه البزار (4/39/3140- كشف الأستار) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (1/419/588 و 6/11/7358) من طرق عن حميد بن الأسود: نا عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار قال: سمعت أبا هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:..... فذكره قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير حميد بن الأسود، فروى له البخاري مقروناً كما في "مقدمة الفتح "؛ وفيه كلام يسير لا يضر، ولا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن إن شاء الله تعالى. (تنبيه) : لم يسق الهيثمي من الحديث إلا طرفه الأول، ساقه عقب الحديث الذي قبله بلفظ: "ثلاث حق على الله أن لايرد لهم دعوة: الصائم حتى يفطر، والمظلوم حتى ينتصر، والمسافر حتى يرجع ". وفي إسناده إبراهيم بن خثيم، وهو متروك؛ فساق عقبه حديث الترجمة بلفظ: "ثلاث لا يرد دعاؤهم: الذاكر لله ... قلت فذكر نحوه "! قلت: فأوهم أن تمامه مثله في المعنى، والفرق كما ترى. ******* 3375- (لا ينظر الله يوم القيامة إلى الشيخ الزاني ولا إلى العجوز الزانية) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (9/184/8396) قال: حدثنا موسى

3376

ابن سهل قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي عن عثمان بن واقد عن مسلم (!) بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:.......فذكره قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "، وفي بعضهم كلام لا يضر؛ إلا شيخ الطبراني- وهو أبو عمران الجوني كما في أول أحاديثه التي ساقها له الطبراني في "اوسطه (8367) وقد قال فيه الدارقطني: "ثقة " كما في ترجمته من "تاريخ بغداد " (13/56 ـ57) وخفي هذا على الشيخ الهيثمي , فقال (6/255) : "رواه الطبراني في "الأوسط " عن شيخه موسى بن سهل؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "! (تنبيه) : تابعي هذا الحديث (مسلم بن يسار) ؛ هكذا وقع في مطبوعة "الأوسط "! وأنا أظن أن الصواب (موسى بن يسار) ؛ لأنه هو الذي ذكروه في شيوخ عثمان بن واقد، وفي الرواة عن أبي هريرة، دون (مسلم بن يسار) ، وكلاهما تابعي ثقة، وكذلك وقع في النسخة المصورة التي عندي. وقال الطبراني عقب الحديث: "لم يروه عن مسلم بن يسار إلا عثمان بن واقد، تفرد به محمد بن ربيعة"! فالله سبحانه وتعالى أعلم ******* 3376- (لا، ولكنك تفلت بين يديك وأنت تؤمّ الناس فآذيت الله وملائكته) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/ 43 ــ 44/104) قال: حدثنا إسماعيل بن الحسن قال: ثنا أحمد بن صالح قال: ثنا ابن وهب قال: حدثني

حيي عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يصلي بالناس صلاة الظهر، فتفل في القبلة وهو يصلي للناس، فلما كان صلاة العصر؛ أرسل إلى آخر، فأشفق الرجل الأول، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنزل فيّ؟ قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات مترجمون في "التهذيب "؛ على ضعف يسير في حيي- وهو ابن عبد الله المعافري المصري-؛ سوى إسماعيل بن الحسن، ولم أعرفه، وهو الخفاف المصري، وقد أكثر عنه الطبراني في "كتاب الدعاء"، فروى عنه فيه (14) حديثاً، كما في مقدمة محققه للدكتور البخاري (1/187) , وروى له في " الأوسط " (4/5 ـ 6) حديثين، وفي " الصغير" حديثاً واحداً (715- الروض) ، وجلها عن أحمد بن صالح هذا- الحافظ المصري-، ولا بد أنه أكثر عنه جداً في "المعجم الكبير"، فهو ممن أشار الحافظ الذهبي إلى إجازة حديث مثله في بعض تراجم كتابه "الميزان "؛ وكأنه لذلك قال المنذري في " الترغيب " (1/ 122/ 9) : "رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد جيد". وقال الهيثمي (2/ 20) : "رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله ثقات ". وله شاهد من حديث أبي سهلة السائب بن خلاد نحوه؛ رواه أبو داود وابن حبان، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" رقم (501) , وفي "التعليق الرغيب " (1/122/8) , وسكت عنه الحافظ في "الفتح " (1/508) . (تنبيه) الحديث- كما رأيت- من رواية (عبد الله بن عمرو) ، ووقع في "الترغيب ":

3377

(.. عمر) بدون واو، وكذلك هو في طبعة المحققين الثلاثة (1/275/439) ! ******* 3377- (استحيُوا, فإن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أدبارهن) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/322/9009) ، والبزار في مسنده " البحر الزخار" (1/ 474/339) ، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (9 0 2- 0 21/ 466- 467) ، وأبو يعلى في "المسند الكبير" (2/344/779- المقصد العلي) عن عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح عن ابن طاوس [عن أبيه] عن عبد الله بن الهاد عن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، والزيادة للخرائطي، وفيه خلاف أخر يطول ذكره، منه أن النسائي ذكر مكانها: (عن عمرو ابن دينار) . وهذا الاختلاف يحتمل أنه من (عثمان بن اليمان) ، فقد قال ابن حبان في "الثقات " (8/ 450) : "ربما أخطأ". أو هو من (زمعة بن صالح) ؛ فإنه ضعيف كما في "التقريب " وغيره، فإعلاله به أولى، وقد اختلف عليه بوجوه أخرى؛ ذكرها الدارقطني في "العلل " (2/166- 167) ، وقال: "وقول عثمان بن اليمان أصحها. والله أعلم " قلت: لكن اختلف عليه فيه أيضاً، والدارقطني إلا الوجه الثاني الذي فيه زيادة [عن أبيه] !

ومن هذا التخريج والتحقيق " يتبين لك خطأ قول المنذري في "الترغيب " (3/200) : "رواه أبو يعلى بإسناد جيد"! وقول الهيثمي في "المجمع " (4/298- 299) : "رواه أبو يعلى، والطبراني في "الكبير"، والبزار، ورجال أبي يعلي رجال "الصحيح "؛ خلا عثمان (1) بن اليمان؛ وهو ثقة"! كذا قال! ولم أره في "كبير الطبراني "، لا في "مسند عمر" ولا في "مسند خزيمة بن ثابت ". ثم إن زمعة بن صالح- مع ضعفه- لم يحتج به في "الصحيح " لا في "صحيح البخاري "، ولا في "صحيح مسلم "، وإنما روى هذا له مقروناً بغيره. نعم؛ الحديث صحيح بما له من الشواهد. منها: عن جابر بن عبد الله الأنصاري مرفوعاً نحوه. أخرجه الطحاوي (2/26) والدارقطني في "سننه " (3/288/160) من طريق الحسن بن عرفة: نا إسماعيل بن عياش عن سهيل بن أبي صالح عن محمد بن المنكدر عنه. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات، فهو صحيح؛ لولا أن ابن عياش ضعيف في رواية غير الشاميين عنه، وهذه منها. وقد تابعه الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر به مختصراً بلفظ: (1) الأصل: (يعلى) ! وهو خطأ مطبعي.

3378

نهى عن محاشِّ النساء. أخرجه الطبراني في "الأوسط " (8/ 351/7718) بسند جيد. ومنها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:.... فذكره. أخرجه النسائي في "الكبرى" (5/322/9010) وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/190- 191) من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني: نا سعيد بن عبد العزيز عن الزهري عن أبي سلمة عنه. وهذا إسناد ضعيف؛ الصنعاني هذا لين الحديث؛ كما في "التقريب "؛ فمثله يستشهد به، ومن فوقه ثقات. ومنها: عن خزيمة بن ثابت مرفوعاً بألفاظ متقاربة، بعضها مثل حديث الترجمة، ومن طرق عنه، بعضها صحيح، وهي مخرجة في "إرواء الغليل " (7/65- 68) ، فليراجعها من شاء. ******* 3378- (من أتى النساء في أعجازهن؛ فقد كفر) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (9/85/ 9180) : حدثنا مورّع بن عبد الله قال: حدثنا عمر بن يزيد السّيّاري قال: حدثنا عبد الوارث [عن ليث] عن أيوب عن مجاهد عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال: "لم يروه عن ليث إلا عبد الوارث، تفرد به عمر بن يزيد". قلت: هو صدوق، ومن فوقه ثقات؛ غير ليث؛ وهو ابن أبي سُليم الحمصي كما يستفاد من ترجمته في "تهذيب الحافظ المزي "، فقد ذكر في الرواة عنه عبد الوارث هذا- وهو ابن سعيد التنوري-.

وقد سقط ذكر الليث هذا من الإسناد، فاستدركته من تعقيب الطبراني المذكور على الحديث، ولذلك جعلته بين المعكوفتين، مشيراً بذلك إلى سقوطه من الإسناد، ولعله سقطٌ قديمٌ حمل الحافظ المنذري على أن يقول في تخريج الحديث (3/201) : "رواه الطبراني في " الأوسط "، ورواته ثقات " وتبعه الهيثمي فقال (4/299) : "رواه الطبراني، ورجا له ثقات "! وإطلاقه العزو للطبراني يوهم أنه في "المعجم الكبير"، ولم أره فيه. والليث هذا ضعيف لاختلاطه. على أن شيخ الطبراني مورع بن عبد الله- وهو أبو ذُهْلٍ المصيصي- لم أجد له ترجمة، ويبدو أنه ليس من شيوخه المشهورين؛ فإن الطبراني لم يرو له في "الأوسط " إلا سبعة أحاديث، هذا أحدها، ولم يرو له في "الصغير" شيئاً، وكذلك في كتابه "الدعاء". وإن مما يؤيد نكارة الحديث، وأنه من رواية ليث وتخاليطه: أنه رواه عبد الرزاق في "المصنف " (11/443/20958) - عن معمر-، وابن أبي شيبة (4/252) - عن حفص- كلاهما عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة أنه قال: من أتى ذلك فقد كفر. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (5/323/9018) من طريق سفيان عن ليث بلفظ: إتيان النساء والرجال في أدبارهن كفر.

ثم رواه (9021) من طريق علي بن بَذيمة عن مجاهد به. قلت: وهذه متابعة قوية من علي بن بذيمة. ولذلك نقل السيوطي في "الدر المنثور" (1/264) عن الحافظ ابن كثيرأنه قال: "هذا الموقوف أصح ". قلت: ذكر ابن كثير هذا في "تفسيره/ البقرة" (1/264) وهو مما لا شك فيه. لكن لحديث الترجمة شاهد قوي من طريق أخرى عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أتى حائضاً أو امرأة في دبرها، أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد". وإسناده جيد، وهو مخرج في "الإرواء " (7/68 ـ 69) و"آداب الزفاف " (105- 106) وغيرهما. واعلم أن كون الأصح في الحديث الوقف؛ لا ينافي رفعه بعد ثبوته، بل ذلك مما يدعمه ويقويه؛ لأنه يبعد جداً أن تتتابع الآثار بكون الشيء كفراً، وليس له أصل في السنة، ومثله أن تتتابع الآثار بتحريمه كما لا يخفى على أهل العلم، وقد جاءت أحاديث كثيرة في تحريم الدبر، فيها الصحيح والحسن وما يعتضد به، وقد خرج العلماء الكثير الطيب منها، كابن كثير في "إلتفسير"، وابن حجر في "التلخيص "، ثم السيوطي في "الدر المنثور" (1/ 264- 265) ، وقد استنكرت منه ختمه لتخريجه إياها بقوله: "قال الحفاظ في جميع الأحاديث المرفوعة في هذا الباب- وعدتها نحو عشرين حديثاً-: كلها ضعيفة لا يصح منها شيء، والموقوف منها هو الصحيح "! فيا سبحان الله! كيف يستقيم هذا القول؟! ومن السيوطي المعروف تساهله

3379

في التحسين والتصحيح؟! فلوسلمنا جدلاً بضعفها- كما زعم- فلم لا يقال: يقوي بعضها بعضاً؛ كما هي القاعدة المعروفة عند العلماء؟! فأين هذا القول وقائله من قول الحافظ الذهبي وقائله: "قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أدبار النساء، وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير"؟! انظر "آداب الزفاف " (ص 106 ـ طبع المكتبة الإسلامية) . ******* 3379- (من استطاع منكم أن لا يحول بينه وبين الجنة ملء كف من دم امرئ مسلم أن يهريقه؛ كأنما يذبح به دجاجة، كلما تعرض لباب من أبواب الجنة؛ حال الله بينه وبينه، ومن استطاع أن لا يجعل في بطنه إلا طيباً فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه) . أخرجه الطبراني فى "المعجم الكبير" (2/ 171 / 1662) عن أبي كامل الجحدري-، و"المعجم الأوسط " (9/225/8490) والبيهقي في "شعب الإيمان " (4/347/5350) كلاهما عن أبي بكر بن أبي الأسود- قالا: ثنا أبو عوانة عن قتادة عن الحسن عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:......فذكره، - السياق للبيهقي-، وقال: "وكذلك رواه أبو كامل عن أبي عوانة مرفوعاً، والصحيح موقوف "! وقال الهيثمي: (7/297) " رواه الطبراني في " الأوسط "، و" الكبير"، ورجاله رجال (الصحيح) ". وهذا أدق من قول المنذري (3/203) "رواه الطبراني، ورواته ثقات ".

قلت: وأبو عوانة ثقة من رجال الشيخين، وكذلك من فوقه؛ فهو إسناد صحيح لولا عنعنة الحسن- وهو البصري-. لكنه قد صح مرفوعاً من غير طريقه، فلا وجه لإعلاله بالوقف؛ لأن الرفع زيادة يجب قبولها، ولا سيما أن الذي أوقفه كان اختلط، وهو سعيد بن إياس الجريري، فقد قال: عن طريف أبي تميمة قال: شهدت صفوان وجندباً وأصحابه وهو يوصيهم، فقالوا: هل سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: سمعته يقول: "من سمع سمع الله به يوم القيامة". قال: "ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة". قالوا: أوصنا! قال: "إن أول ما ينتن.. " فذكر الحديث مختصراً جملة الدجاجة وأبواب الجنة، مع تقديم وتأخير. هكذا أخرجه البخاري (7152) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (5/54/ 5753) . وقال الحافظ في ترجمة الجريري من "التقريب ": "ثقة، اختلط قبل موته بثلاث سنين ". وعندي جواب آخر على افتراض أن الجريري حفظه- وهو قول الحافظ في "الفتح " (13/129) ـ: "وهذا لو لم يرد مصرحاً برفعه؛ لكان في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بالرأي ". قلت: فكيف وقد صح مرفوعاً؟! فقال هشام بن عمار: ثنا علي بن سليمان

الكلبي: حدثني الأعمش عن أبي تميمة عن جندب بن عبد الله الأزدي- صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: انطلقت أنا وهو إلى البصرة، حتى أتينا مكاناً يقال له: (بيت المسكين) ، وهو من البصرة مثل (الثوية) من الكوفة، فقال: هل كنت تدارس أحداً القرآن؟ فقلت: نعم، قال: فإذا أتينا البصرة؛ فأتني بهم، فأتيته بصالح بن مسرح، وبأبي بلال، ونجدة، ونافع بن الأزرق، وهم في نفسي يومئذ من أفاضل أهل البصرة (¬1) ، فأنشأ يحدثني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال جندب: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل العالم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه؛ كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه ". وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يحولن بين أحدكم وبين الجنة- وهو ينظر إلى أبوابها- ملء كف دم مسلم أهراقه ظلماً ". قال: فتكلم القوم، فذكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو ساكت يستمع منهم، ثم قال: لم أر كاليوم قط قوماً أحق بالنجاة إن كانوا صادقين. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/178/1681) . قلت: وهذا إسناد جيد- وحسنه المنذري في "الترغيب " (1/77/13) ، رجاله ثقات من رجال البخاري؛ غير علي بن سليمان الكلبي، وهو ثقة، وثقه هشام بن عمار. وقال أبو حاتم: ¬

(¬1) قال الحافظ (13/129) : "قلت: وهؤلاء الأربعة من رؤوس الخوارج ".

"ما أرى بحديثه بأساً، صالح الحديث، ليس بمشهور". وذكره ابن حبان في "الثقات " وقال: "يغرب ". انظر "تيسير انتفاع الخلان ". قلت: ومع ذلك كله لم يعرفه الهيثمي؛ كما يأتي. وله طريق أخرى؛ يرويه ليث عن صفوان بن محرز عن جندب بن عبد الله: أنه مر بقوم يقرأون القرآن، فقال: لا يغرنك هؤلاء؛ إنهم يقرأون القرآن اليوم، ويتجادلون بالسيوف غداً! ثم قال: ائتني بنفر من قراء القرآن، وليكونوا شيوخاً، فأتيته بنافع بن الأزرق، ومرداس بن أبي بلال، وبنفر معهما ستة أو ثمانية، فلما أن دخلنا على جندب، قال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... (قلت: فذكر مثل من يعلم الناس الخير) ، قال: "ومن رايا الناس بعلمه؛ رايا الله به يوم القيامة، ومن سمع الناس بعمله؛ سمع الله به؛ فاعلموا أن أول ما ينتن ... " الحديث مثل رواية البخاري. أخرجه الطبراني (2/179ـ180/1685) ، ورجاله ثقات؛ غير ليث- وهو ابن أبي سُليم- وهو ضعيف لاختلاطه. ومن طريقه: روى جملة العلم أبو الشيخ في "الأمثال " (181/276) . وذكر الهيثمي رواية صفوان هذه، وطرفاً من رواية علي بن سليمان الكلبي المتقدمة، ثم قال: "رواه الطبراني من طريقين، في أحدهما ليث بن أبي سُليم؛ وهو مدلس،

وفي الأخرى علي بن سليمان الكلبي، ولم أعرفه، وبقية رجالهما ثقات "! وقلده المعلقون الثلاثة! قلت: أما الليث؛ فوصفه إياه بالتدليس من أوهامه المتكررة التي خالف فيها الأولين والآخرين، كما نبهنا عليه مراراً. وأما جهله بالكلبي؛ فمن غرائبه؛ فإن الرجل معروف ثقة كما تقدم، بل هو في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان " فيما أظن؛ لأنه في أصله كما سبق، وإنما لم أجزم بذلك؛ لأن الجزء الثالث الذي فيه حرف (العين) لم أقف عليه، والله أعلم. ثم إن الجملة الأولى من الحديث قد رواها أيضاً إسماعيل بن مسلم عن الحسن عن جندب مرفوعاً. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه " (10/26/18250) ، والرّوياني في "مسنده " (2/143/662) ، والطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (2/ 170/ 1660 و 171/ 1661) . وبالجملة؛ فالحديث بهذه الطرق والمتابعات صحيح مرفوعاً، ولا يضره وقف من أوقفه، ولذلك سكت عن هذه الطرق الحافظ في "الفتح "، بل صرح بأن الموقوف في حكم المرفوع؛ كما تقدم عنه، فاتفقت الروايات، وزال الخلاف من بينها. والحمد لله رب العالمين. تنبيهان: ا- علق الشيخ الأعظمي على رواية إسماعيل بن مسلم هذه عند عبد الرزاق بقوله: "أخرجه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال "الصحيح ". قاله الهيثمي 297: 7 "!

3380

قلت: وهذا من أوهامه رحمه الله " فإن الهيثمي إنما قال هذا في رواية قتادة عن الحسن؛ كما تقدم، وتبعه على هذا الوهم أخونا حمدي السلفي في تعليقه على رواية إسماعيل هذه، وفي الموضعين المشار إليهما من "الطبراني "! وإسماعيل ابن مسلم هذا: هو المكي البصري وهو ضعيف؛ وليس هو العبدي البصري، وهذا ثقة؛ وهما- وإن كانا من طبقة واحدة- يشتركان في الرواية عن الحسن البصري، فيمكن في كثير من الأحيان تحديد المراد منهما بالنظر إلى الراوي عنه، كما هو الشأن هنا؛ فإن الثوري يروي عن المكي دون العبدي كما أفاده الخطيب رحمه الله. 2ـ تحرف اسم راوي الحديث: (جندب) في "المعجم الأوسط " في بعض طبعاته إلى (خبيب) ! فاقتضى التنبيه. ثم إن جملة: "مثل العالم الذي يعلم الناس ... " قد أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (2/876/2144) من طريق هشام بن عمار: ثنا علي بن سليمان الكلبي- قال هشام: وهو من أهل دمشق ثقة حدث عنه الوليد- ... ******** 3380- (ألا أخبركم برجالكم في الجنة؛! النبي في الجنة، والصديق في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر- لا يزوره إلا لله- في الجنة. ألا أخبركم بنسائكم في الجنة؛! كل ودود ولود، إذا غضبت أو أسيء إليها [أو غضب زوجها] ؛ قالت: هذه يدي في يدك؛ لا أكتحل بغمض حتى ترضى) . روي من حديث أنس، وابن عباس، وكعب بن عُجْرة.

1- أما حديث أنس، فيرويه إبراهيم بن زياد القرشي عن أبي حازم عنه. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/242/1764) ، و"الصغير" (ص 23- هند) ؛ وقال: "لم يروه عن أبي حازم سلمة بن دينار الزاهد إلا إبراهيم بن زياد، ولا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد". ومن هذا الوجه أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " (2/626ـ 627/1498) ؛ والزيادة له. قلت: ورجاله ثقات؛ غير القرشي هذا؛ فهو مجهول، قال المنذري في " الترغيب " (3/77) : "رواه الطبراني، ورواته محتج بهم في "الصحيح "؛ إلا إبراهيم بن زياد القرشي؛ فإني لم أقف فيه على جرح ولا تعديل. وقد روي هذا المتن من حديث ابن عباس، وكعب بن عجرة، وغيرهما". وقال الهيثمي (4/312) : "رواه الطبراني في "الصغير"؛ و"الأوسط "، وفيه إبراهيم بن زياد القرشي، قال البخاري: "لا يصح حديثه ". فإن أراد تضعيفه فلا كلام، وإن أراد حديثاً مخصوصاً فلم يذكره، وأما بقية رجاله؛ فهم رجال (الصحيح) "! قلت: إنما قال البخاري في إبراهيم هذا: "لم يصح إسناده ".

رواه عنه العقيلي في "الضعفاء" (1/53) . وكذلك هو في "التاريخ الكبير" (11/287) . وعقب عليه الذهبي في "الميزان " بقوله: "قلت: ولا يعرف من ذا؟ ". وعزاه الدكتور القلعجي للحافظ في "اللسان "، وهو وهم منه في جملة أوهامه الكثيرة. 2- وأما حديث ابن عباس؛ فقد تقدم تخريجه في المجلد الأول برقم (287) ، وأزيد هنا فأقول: أخرجه أيضاً الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (61/263/1ـ 2) من طريق خلف بن خليفة وغيره بسنده المتقدم عنه، وروى الأصبهاني (2/630/1507) النصف الأول منه، ورواه البيهقي في "الشعب " (6/418/8732 و 294/9028) بتمامه. 3- وأما حديث كعب بن عجرة؛ فيرويه السّريّ بن إسماعيل عن الشعبي عنه به. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (19/14/307) ، و"الأوسط " (6/ 301) وقال: "لا يروى عن كعب بن عجرة إلا بهذا الإسناد". قلت: والسري هذا متروك؛ كما قال الهيثمي (4/312) ، فالعمدة على اللذين قبله. *******

3381

3381- (إن الحياء، والعفاف، والعيّ- عيّ اللسان لا عيّ القلب- والفقه (¬1) : من الإيمان، وإنّهن يزدن في الآخرة وينقصْن من الدّنيا، وما يزدن في الآخرة أكثر مما ينقصْن من الدنيا. وإن الشحّ والفحش والبذاء من النفاق، وإنّهن ينقصْن من الآخرة، ويزدن في الدنيا، وما ينقصْن من الآخرة أكثر مما يزدن من الدنيا) . أخرجه يعقوب بن سفيان الفسويّ في "المعرفة" قال (1/ 311) : حدثنا محمد بن أبي السّريّ: حدثني بكر بن بشر العسقلاني: حدثني عبد الحميد بن سوّار: حدثني إياس بن معاوية بن قرّة المزني عن أبيه عن جده قرة المزني قال: كنا عند رسول اللة - صلى الله عليه وسلم -، فذكر عنده الحياء، فقالوا: يا رسول الله! الحياء من الدين؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قال إياس: فحدثت به عمر بن عبد العزيز، فأمرني فأمليتها عليه، ثم كتبه بخطه، ثم صلى بنا الظهر والعصر، وإنها لفي كفه ما يضعها. ومن طريق يعقوب: أخرجه البيهقي في "الآداب " (132/199) ، و"الشعب " (6/134ـ135) ، وابن عساكر (10/6ـ7) . ثم أخرجه البيهقي في "الشعب " أيضاً، وفى "السنن الكبرى" (10/194-195) ، وكذا البخاري في "التاريخ " (4/ 1/ 181) ، وابن أبي الدنيا في "مكارم الأخلاق " (19/87) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/29ـ30) ، وخلف- وكيع في "القضاة" (1/318ـ319) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/125) ، كلهم من ¬

(¬1) الأصل: "العقل "، وهو هنا بمعنى الفقه، والمثبت من "مكارم ابن أبي الدنيا". وعند الآخرين: "والعمل "، ولعله أنسب. وانظر"صحيح الترغيب ".

طرق عن محمد بن أبي السري به. وقال الهيثمي في "المجمع " (8/26ـ27) : "رواه الطبراني، وفيه عبد الحميد بن سوار، وهو ضعيف ". وأشار المنذري في "الترغيب " (3/ 354) إلى تضعيفه، وقال: "رواه الطبراني باختصار، وأبو الشيخ في "الثواب "؛ واللفظ له ". قلت: ومثله رواية الفسوي هذه. وقد اقتصر الهيثمي على إعلاله بـ (عبد الحميد) ، وهو قصور؛ فإن الراوي عنه بكر بن بشر العسقلاني- ويقال فيه: الترمذي-؛ قال ابن أبي حاتم (1/1/ 382) وقد ذكره بهذه الرواية: "سمعت أبي يقول: هو مجهول ". وكذا قال في "الميزان ". وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (8/148) برواية ابن أبي السري أيضاً دون غيره! ومحمد بن أبي السري فيه كلام من قبل حفظه، قال الحافظ: "صدوق عارف، له أوهام كثيرة". وبالجملة؛ فالإسناد ضعيف لا تقوم به حجة. لكني وجدت له طريقاً أخرى يصح بها الحديث، وهو من النفائس والحمد لله، فقال الدارمي رحمه الله في "سننه " (1/129- 130) ؛ أخبرنا الحسين بن منصور: ثنا أبو أسامة: ثنا أبو غفار المثنى بن سعيد الطائي: حدثني عون بن

عبد الله قال: قلت لعمر بن عبد العزيز: حدثني فلان- رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعرفه عمر؛ قلت: حدثني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث بتمامه، وفيه: " والفقه ". قلت: هذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير المثنى هذا، وثقه جمع منهم ابن حبان (7/503) ، وسقط ذكره في "التهذيبين ". وقال أبو حاتم: "صالح الحديث ". وقال الحافظ في "التقريب ": "ليس به بأس ". ثم روى الدارمي بإسناده المذكور عن أبي أسامة: حدثني سليمان بن المغيرة قال: قال أبو قلابة: خرج علينا عمر بن عبد العزيز لصلاة الظهر ومعه قرطاس، ثم خرج علينا لصلاة العصر وهو معه، فقلت له: يا أمير المؤمنين! ما هذا الكتاب؟ قال: حديث حدثني به عون بن عبد الله؛ فأعجبني؛ فكتبته؛ فإذا فيه هذا الحديث. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري. (تنبيه) : ذكر الحافظ في ترجمة (بكر بن بشر الترمذي) المذكور في الطريق الأولى عن أبي حاتم أنه انقلب، وأن الصواب: "بشربن بكر". فلينظر أين ذكر هذا أبو حاتم؟ ! فقد ذكره ابنه كما وقع في الإسناد، ونقل عن أبيه أنه: "مجهول " كما تقدم. وكذلك وقع عنده في ترجمة شيخه (عبد الحميد ابن سوار) . والله أعلم.

3382

ورواه عبد الرزاق (11/142/21047) من طريق قرة عن عون بن عبد الله موقوفاً. ورواه أبو نعيم في "الحلية" (4/248) من طريق يزيد بن هارون عن المسعودي عن عون.... فذكره- أيضاً- موقوفاً. ******** 3382- (إن أولى الناس بالله؛ من بدأهم بالسّلام) . هو من حديث أبي أمامة رضي الله عنه، وله عنه طرق: الأولى: عن أبي خالد وهب عن أبي سفيان الحمصي عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه أبو داود (97 1 5) ، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/433/8787) . قلت: وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير أبي خالد وهب - وهو ابن خالد الحمصي-، وهو ثقة بلا خلاف. وشيخه أبو سفيان الحمصي؛ اسمه محمد بن زياد الألهاني. وله عنه طريق آخر مختصر؛ فقال ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/435/5788) : إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة قال: أمرنا نبينا - صلى الله عليه وسلم - أن نفشي السلام. ومن طريق ابن أبي شيبة: أخرجه ابن ماجه (3693) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/131/ 7525) ، ورواه من طريقين آخرين عن إسماعيل بن عياش به. وهذا إسناد شامي صحيح.

وتابعه بقية بن الوليد: حدثني محمد بن زياد به. أخرجه الطبراني أيضاً (7524) ، وهو صحيح أيضاً الثانية: عن أبي فروة الرّهاوي يزيد بن سنان عن سُليم بن عامر عن أبي أمامة قال: قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان؛ أيهما يبدأ بالسلام؟ فقال: "أولاهما بالسلام ". أخرجه الترمذي (2694) ، وقال: "هذا حديث حسن ". قلت: أي: حسن لغيره؛ لأن أبا فروة هذا متفق على ضعفه. ولذلك قال الحافظ: "ضعيف" الثالثة: عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ: "من بدأ بالسلام؛ فهو أولى بالله عز وجل ورسوله ". أخرجه أحمد (5/ 254 و 261/264 و 269) ، والطبراني في "المعجم " (8/237/7814 و 7815) وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف علي بن يزيد- وهو الألهاني-. ونحوه- أو خير منه- عبيد الله بن زحر، وقد توبع، فقال بقية بن الوليد: عن

إسحاق بن مالك عن يحيى بن الحارث عن القاسم به. أخرجه الطبراني (8/ 210/7743) . قلت: بقية مدلس. وإسحاق بن مالك- وهو الحضرمي- ضعفه الأزدي، وقال ابن القطان: "لا يعرف ". وذكر له الأزدي هذا الحديث بلفظ: "البادي بالسلام أولى بالله ورسوله ". (تنبيه) من أوهام الحافظ أنه عزا في "الفتح " (11/16) حديث الترجمة للترمذي! وقد عرفت أن لفظه مخالف للفظه، وأقر تحسينه دون أن يبين وجهه! ومن تخاليط المعلقين الثلاثة على "الترغيب " قولهم (3/416/3989) : "حسن بشواهده، رواه أبو داود.. والترمذي.. وابن حبان (911) "! فجهلوا صحة إسناد أبي داود، وحسنوه بشواهده دون أن يبينوها، أو أن يشيروا على الأقل إلى شيء منها كما هي عادتهم. ثم كذبوا في عزوهم إياه لابن حبان! فإن الرقم الذي قرنوه به إنما هو عنده لحديث ابن مسعود: "إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة"! فالتبس عليهم هذا بحديث الترجمة، والسبب أنهم يستعينون بل يتكئون في التخريج والعزو على الفهارس، ولا يرجعون إلى الأصول، ولو رجعوا إليها؛ لم

3383

يستطيعوا الاستفادة منها لجهلهم بهذا العلم، إنما هم مقلدة نقلة. وهذا هو الدليل بين يديك، فإسناد أبي داود صحيح كالشمس وضوحاً، ومع ذلك جهلوه، ولما توهموا أنه في "صحيح ابن حبان "؛ توسطوا في الحكم عليه، فلا هم صححوه، ولا هم ضعفوه، فقالوا: "حسن بشواهده "!! أنصاف حلول. وهذا هو الغالب عليهم: التحسين هذا أو التحسين مطلقاً في كثير مما هو صحيح، وكثير مما هو ضعيف عند التحقيق؛ ستراً لجهلهم! والله المستعان. ******* 3383- (ما رأيت الذي هو أبخل منك؛ إلا الذي يبخل بالسلام) . أخرجه أحمد في "مسنده " (3/328) : ثنا أبو عامر العَقَديُّ: ثنا زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر: أدن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن لفلان في حائطي عِذقاً، وانه قد آذاني وشق علي مكان عذقه، فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - " فقال: "بعني عذقك الذي في حائط فلان ". قال: لا. قال: "فهبه لي ". قال: قال: لا. قال: "فبعنيه بعذق في الجنة". قال: لا. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. وهكذا أخرجه البزار (2/417/2000) عن شيخين له ثقتين قالا: ثنا أبو عامر به. وقال:

"لا نعلم يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد". قلت: فقوله المنذري في " الترغيب " (3/ 269) : "رواه أحمد والبزار، وإسناد أحمد لا بأس به "! ففيه نظر من جهة تفريقه بين رواية أحمد والبزار، وكلاهما روياه من طريق زهير- وهو ابن محمد التميمي الخراساني-، تكلموا في رواية الشاميين عنه، وهذه ليست منها؛ فإن أبا عامر العقدي بصري ثقة، واسمه عبد الملك بن عمرو. قال الحافظ- في زهير-: "رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، فضعف بسببها، قال البخاري عن أحمد: كأن زهيراً الذي يروي عنه الشاميون آخر. وقال أبو حاتم: حدث بالشام من حفظه، فكثرغلطه ". وقال الذهبي في " الكاشف ": "ثقة يغرب، ويأتي بما ينكر". قلت: قد صرح غير واحد من الحفاظ بأن ما أنكر عليه هو من رواية الشاميين، فقال أحمد فيهم: "يروون عنه أحاديث مناكير.. أما رواية أصحا بنا- يعني: العراقيين- عنه فمستقيمة " عبد الرحمن بن مهدي وأبي عامر أحاديث مستقيمة صحاح ". وقا ل البخا ري: "ما روى عنه أهل الشام؛ فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة؛ فإنه صحيح ". إذا عرفت هذا؛ فالصواب قوله الهيثمي في "المجمع " (8/32) :

3384

"رواه أحمد والبزار، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ". وقد توبع أبو عامر العقدي، فقال عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (3/22/1035) : حدثني موسى بن مسعود: حدثنا زهير بن محمد به. وموسى بن مسعود: هو أبو حذيفة البصري أيضاً، أخرج له البخاري في المتابعات، كما في "التقريب ". ومن طريقه أخرجه الحاكم في "المستدرك " (2/ 20) شاهداً. وتابعه يحيى بن أبي بكير: ثنا زهير بن محمد به. أخرجه البيهقي في "السنن " (6/157- 158) . ويحيى هذا: هو الكرماني، كوفي الأصل، ثقة أيضاً من رجال الشيخين. ******* 3384- (خصال ست؛ ما من مُسلم يموتُ في واحدة منْهن؛ إلا كانت ضامناً على الله أن يدْخِلََه الجنّة: 1- رجل خرج مجاهداً، فإن مات في وجْهه؛ كان ضامناً على الله. 2- ورجل تبع جنازة، فإن مات في وجهه؛ كان ضامناً على الله. 3- ورجل عاد مريضاً، فإن مات في وجهه؛ كان ضامناً على الله. 4- ورجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لصلاته، فإن مات في وجهه؛ كان ضامناً على الله. 5- ورجل أتى إماماً، لا يأتيه إلا ليعزِّره ويوقره، فإن مات في وجهه ذلك؛ كان ضامناً على الله.

6- ورجل في بيته، لا يغتاب مسلماً، ولا يجرُّ إليهم سخطاً ولا نقمة، فإن مات؛ كان ضامناً على الله) . أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " (4/491 /3834) من طريق الحكم ابن بشير بن سلمان عن عمرو بن قيس المُلائي عن عيسى بن عبد الرحمن عن الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة مرفوعاً. وقال: "لم يروه عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (كذا) إلا عمرو بن قيس، تفرد به الحكم بن بشيربن سلمان ". قلت: الحكم هذا صدوق. وشيخه عمرو بن قيس الملائي ثقة متقن من رجال مسلم. وشيخه عيسى بن عبد الرحمن: هو ابن فروة- ويقال: ابن سبرة- الأنصاري، ضعيف جداً، قال البخاري: "منكر الحديث". وقال النسائي: "متروك الحديث ". وقال ابن حبان في "الضعفاء" (2/120) : "كان ممن يروي المناكير عن المشاهير، روى عن الزهري ما ليس من حديثه من غير أن يدلس عنه، فاستحق الترك ". قلت: وهو الذي ذكروا في ترجمته أنه روى عن الزهري، وعنه عمرو بن قيس الملائي. فما جاء في تعقيب الطبراني أنه (ابن أبي ليلى) ! وهم ظاهر، لعله

من الناسخ، ويؤيده قول الهيثمي في "مجمع الزوئد" (7/278) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه عيسى بن عبد الرحمن بن أبي (كذا) فروة، وهو متروك ". كذا وقع فيه بزيادة؛ (أبي) ، فلعلها من النساخ أيضاً. ثم وجدت للحديث شواهد تدل على صحته، وتوجب علينا ضمه إلى "الصحيحة"، فقال الإمام أحمد (5/241) : ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن عُلَيِّ بن رَبَاح عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن معاذ قال؛ عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في: "خمس من فعل منهن كان ضامناً على الله ... " فذكر الخصال المتقدمة إلا الرابعة، وقد جاءت في طريق أخرى سأذكرها قريباً إن شاء الله تعالى. وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أنه لم يخرج لابن لهيعة إلا مقروناً؛ لما هو معروف من سوء حفظه، بيد أن هذا مأمون هنا؛ لأن رواية قتيبة بن سعيد عنه صحيحة، كما تقدم بيانه مراراً. وقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/37-38) من طرق أخرى عن ابن لهيعة به. وتابعه عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن عبد الله بن عمرو بلفظ: "من جاهد في سبيل الله؛ كان ضامناً على الله...... " الحديث فذكر بقية الخصال إلا الثانية: خصلة الجنازة. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1495) ، ومن طريقه ابن حبان (1595) ، والبيهقي في"السنن" (9/166- 67 1) ، والطبراني أيضاً (20/37/54) ، والحاكم

(2/90) ببعض فقراته؛ كلهم عن الليث بن سعد عن الحارث بن يعقوب عن قيس بن رافع القيسي عنه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير قيس بن رافع القيسي، وهو تابعي ثقة روى عنه من الثقات سبعة، وذكره ابن حبان في "الثقات " (5/315) ، ووثقه الحاكم أيضاً في جملة من المصريين (1/212) . ولجملة المسجد- الرابعة- شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ: "ثلاثة كلهم ضامن على الله.. " الحديث وفيه: "ومن خرج إلى المسجد؛ فهو ضامن على الله ... " الحديث. أخرجه أبو داود وغيره، وصححه ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2253) وغيره. (تنبيه) : إن من عجائب السقط وقلة الانتباه والتحقيق: أن حديث الترجمة رغم كونه مصدراً بلفظ: "خصال ست "، فلم تقع هذه الخصال ستاً في طبعة حسام الدين المقدسي لـ "مجمع الزوائد"! فليس فيه الفقرة (3) و (5) ! ويبدو أن السقط قديم من الهيثمي نفسه أو بعض نساخ كتابه؛ فإنه وقع كذلك في "الجامع الصغير" للسيوطي، وهذا مما يدل على أنه كثير النقل منه والاعتماد عليه، وأنه لا ينقل من الأصول مباشرة، ولذلك تتشابه أخطاؤه مع أخطاء غيره، وكذلك وقع في "كنز العمال " (5/894/43536) . ثم جرى عليه المناوي في شرحيه لـ "الجامع الصغير": "الفيض " و"التيسير"، فشرحه دون أن ينتبه لمخالفة المعدود للعدد! بل وأورده كذلك في كتابه الذي أسماه "الجامع الأزهر" (1/255/1) ، مقروناً بما يدل

3385

على أنه نقله من "المجمع "؛ لأنه نقله بالخطأ الذي فيه: (.. أبي فروة) ! ولذا؛ فقد كان من الطبيعي جدّاً أن يقع النقص المذكور في كتابي "ضعيف الجامع " (2828) ؛ لأنه لم يكن همي فيه- أعني "الجامع "- إلا فرز "الصحيح " عن "الضعيف "، وطبع كل منهما على حدة. ولذلك فلست مسؤولاً عما قد يقع فيهما من خطأ في المتن أو العزو تبعاً لأصلهما، كما هو ظاهر. وكذلك الشأن في كل ما ألفته أو أؤلفه على هذا النمط من الفرز. ومع ذلك فقد تفضل الله علي كثيراً، فنبهت على كثير من الأوهام التي وقعت فيهما أو في غيرهما تبعاً للأصل، كما يعلم ذلك العارفون المطلعون على كتبي. هذا؛ وبعد أن تبين في هذا التخريج والتحقيق أن الحديث صحيح بطريقه وشاهده " فقد وجب نقله من "ضعيف الجامع " إلى "صحيح الجامع " مع استدراك الفقرتين إليهما، فمن كان يملكها فليصحح، وجزاه الله خيراً. ولقد كان ينبغي أن يكون هذا التحقيق والتنبيه قبل هذا بزمن بعيد، ولكن الأمر كله بيد الله، (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) . (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) . ******* 3385- (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر! فهو كقتله، ولعْنُ المؤمنِ كقتله) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكببر" (18/193- 194) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان: ثنا بشر بن مبشر الواسطي: ثنا حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلّب عن عمران ابن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، عبدان بن أحمد ثقة حافظ مشهور، ومن فوقه ثقات

معروفون من رجال "التهذيب "، غير بشر بن مبشر الواسطي، وثقه ابن حبان (8/138) ، وروى عنه جمع من الثقات، كما في "تيسير الانتفاع "؛ فمثله جيد الحديث إن شاء الله تعالى. ولا سيما وقد توبع. فأخرجه البزار مفرقاً (2/ 431-432 /2034- 2035) من طريق إسحاق بن إدريس: ثنا حماد بن سلمة به. لكن إسحاق هذا- وهو الأسواري- متروك، وقد اضطرب قول الهيثمي فيه في الباب الواحد من "مجمعه "، فقال في الشطر الثاني منه (8/73) "لعن المؤمن كقتله "-: "رواه البزار، وفيه إسحاق بن إدريس، وهو متروك ". وقال في الشطر الأول آخر الباب: "رواه البزار، ورجاله ثقات "! وهو في هذا متابع للمنذري في "الترغيب " (3/285) ! وذلك من أوهامهما التي تقلدها المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (3/458/4091) ! وسببه أنه وقع (إسحاق) غير منسوب، فوثقاه ظنّاً منهما أنه من الثقات، وهو هو؛ لأنه بإسناد واحد عند البزار من شيخه إلى منتهاه، غاية ما في الأمر أنه نسب إلى أبيه (إدريس) في شطر، ولم ينسب في الشطر الآخر! ثم إن حماد بن سلمة قد خولف في إسناده، فرواه البخاري (6105) عن وهيب، ومسلم (1/73) عن شعبة وغيره؛ كلهم عن أيوب عن أبي قلابة عن ثابت ابن الضحاك الأنصاري مرفوعاً به في حديث مخرج في "الإرواء" (8/ 201) ، فجعلوا صحابي الحديث (ثابت بن الضحاك) ، وأسقطوا بينه وبين أبي قلابة (أبا المهلب) ،

3386

وصرح بالتحديث عن ثابت في رواية، فإن كان حماد بن سلمة حفظ إسناده، فيكون لأيوب إسنادان؛ وإلا فلا ضير؛ لأنه انتقال من صحابي إلى آخر، وكلهم عدول. وإذا عرفت هذا؛ فمن الغرائب قول البزار عقب حديث عمران: "لا نعلمه يروى إلا عن عمران، وثابت بن الضحاك؛ وحديث عمران أحسن إسنادآ (كذا) ، وعمران أجل، ولا نعلم روى هذا إلا حماد"! قلت: حماد إمام وله أوهام عن غير ثابت البناني، ومع ذلك كيف يقف أمام الجماعة الذين خالفوه في إسناده؟ ! فالحق أن روايتهم أرجح، وروايته حسبها أن تكون محفوظة، أما أنها أحسن؛ فلا! ******* 3386- (لا يزالُ النّاس بخير؛ ما لم يتحاسدوا) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/369/8157) : حدثنا الحسن بن جرير الصُّوريُّ: ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: ثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي بحرية عن ضمرة بن ثعلبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "، وفي بعضهم خلاف لا يضر؛ غير شيخ الطبراني الحسن بن جرير الصوري، وهو من شيوخه المشهورين، ترجم له الحافظ ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (4/419) بروايته عن جمع من الثقات، وعنه نحو عشرين من الشيوخ بعضهم من الحفاظ، ووصفه الحافظ الذهبي في"سير أعلام النبلاء" (13/442) بـ: "الإمام المحدث ". على أنه قد توبع، فقال أبو الشيخ ابن حيان في "التوبيخ " (108/78) : حدثنا أبو الجارود: ثنا أبو سيار: ثنا محمد بن إسماعيل بن عياش: ثنا أبي به.

ومحمد بن إسماعيل تكلموا فيه، ولا يضر ذلك هنا؛ لأنه متابع. وأبو سيار هذا؛ الظاهر أنه الذي في "كنى أبي أحمد الحاكم " (1/) : "أبو سيار العلاء بن محمد بن سيار، يروي عن أبي المثنى محمد بن عمرو ابن علقمة الليثي، حدث عنه إسحاق بن إبراهيم الصواب (¬1) البصري، حديثه في البصريين ". (تنبيه) : تكلم الأخ حسن أبو الأشبال على بعض رجال "التوبيخ" مصرحاً بضعف إسناده، ثم أتبعه بذكر ما قاله مراجع كتابه الشيخ (محمد عمرو بن عبد اللطيف) ، فقال: " [لكن أخشى أن لا يكون (شريح بن عبيد) قد سمعه من (أبي بحرية) ؛ فإنه كثير الإرسال، وقال ابن أبي حاتم في " المراسيل " (ص 90) : "شريح بن عبيد الحمصي، لم يدرك أبا أمامة، ولا الحارث بن الحارث، ولا المقدام ". قلت: وتوفي أبو أمامة سنة (86) ، وتوفي أبو بحرية سنة (77) ، أي: قبلهما بسنين. فأخشى أن لا يكون أدركه أيضاً. (م) ] "!! فأقول: هذه الخشية غير واردة هنا في نقدي؛ لأن الإدراك الذي نفاه أبو حاتم لا يعني أنه لم يدركهم ولم يعاصرهم، وسنة وفاتهم المتقاربة تؤكد ذلك، وإنما يعني أنه لم يسمع منهم، وعليه فليس يعني أنه لم يسمع من كل من عاصرهم، فهذا هو الإمام البخاري يصرح أنه سمع من معاوية، وقد توفي سنة (60) ، فإمكان سماعه من أبي بحرية ظاهر جداً وأولى. فإذا لم يكن لدينا نص من حافظ ¬

(¬1) كذا أصل الشيخ، ولعله سبق قلم. والصواب: "الصَّوَّاف "؛ كما في "تهذيب المزي " ترجمة إسحاق هذا (برقم: 325) . ******

3387

نقاد بأنه لم يسمع منه؛ فيكفينا في هذه الحالة ثبوت المعاصرة وإمكان اللقاء " كما هو المختار عند جماهير العلماء بشرط السلامة من التدليس، ولم يُرْمَ (شريح) بشيء من التدليس فيما علمت، ولا تلازم بينه وبين الإرسال عند أهل العلم، فكم من راو ثقة وصف بالإرسال، ومع ذلك فحديثه صحيح عند الشيخين فضلاً عن غيرهم، ولو كانت روايته معنعنة! هذا أمر لا يخفى إن شاء الله على من مارس هذا العلم وعرفه حق المعرفة. والله سبحانه وتعالى أعلم. والحديث؛ قال المنذري مشيراً إلى تقويته (4/12/4) : "رواه الطبراني، ورواته ثقات ". وكذا قال الهيثمي في "المجمع " (8/78) . ******** 3387- (من أتى كاهناً، فصدَّقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد) . أخرجه البزار في "مسنده " (3/ 400/3045) : حدثنا عقبة بن سنان: ثنا غسان بن مضر: ثنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. وقال: "لا نعلمه يروى عن جابر إلا من هذا الوجه، ولم نسمع أحداً يحدث به عن غسان إلا عقبة". قلت: قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/647/1171) : "قال الشيخ- يعني: الهيثمي-: وهو ثقة". قلت: وهذا هو الصواب، خلافاً لقول الهيثمي الآخر في "مجمع الزوائد" (5/117) :

"رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح؛ خلا عقبة بن سنان، وهو ضعيف ". وقد كنت شككت في هذا التضعيف في "غاية المرام " (174/285) ؛ لأسباب كنت ذكرتها هناك، فمن شاء راجعها، وخلاصتها أنه لا وجه لهذا التضعيف؛ لأنه ليس فيمن يسمى بـ (عقبة بن سنان) مضعف؛ فإنهم ثلاثة، أحدهم: مجهول الحال، وهو أعلى من هذا طبقة، والآخران: ثقتان، أحدهما: (عقبة بن سنان بن عقبة الهدادي البصري) روى عن غسان بن مضر؛ فهو هذا، وقد قال فيه أبو حاتم: " صد وق ". وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين؛ غير غسان بن مضر؛ وهو ثقة من شيوخ النسائي. وقد وهم الهيثمي في عدم استثنائه إياه مع عقبة بن سنان، في قوله المتقدم. فالإسناد جيد؛ كما قال المنذري في "الترغيب " (4/52/7) ، وتبعه الحافظ في "الفتح " (10/217) . وللحديث شواهد كثيرة يزداد بها قوة، خرجت بعضها في "إرواء الغليل " (7/68ـ 70) ، و"غاية المرام " (72 1-173/284) ، و"آداب الزفاف " (105ـ107) . (فائدة) : قال ابن الأثير في "النهاية": "الكاهن: الذي يتعاطى الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدعي معرفة الأسرار، وقد كان في العرب كهنة كشق وسطيح وغيرهما، فمنهم من كان يزعم أن له تابعاً من الجن وزئيّآ يلقي إليه الأخبار، ومنهم من يزعم أنه يعرف الأمور بمقدمات أسباب يستدل بها على مواقعها من كلام من يسأله، أو من فعله، أو حاله، وهذا يخصّونه بالعراف، كالذي يدعي معرفة الشيء المسروق، ومكان الضالة ونحوهما. والحديث الذي فيه: "من أتى كاهنا ... " قد يشتمل على إتيان

3388

الكاهن، والعراف، والمنجم ". قلت: فإذا عرفت هذا؛ فمن (الكهانة) ما كان يعرف ب (التنويم المغناطيسي) ، ثم بـ (استحضار الأرواح) ، وما عليه اليوم كثير من الناس- وفيهم بعض المسلمين الطيبين- ممن اتخذوا ذلك مهنة يعتاشون منها، ألا وهو القراءة على الممسوس من الجني، ومكالمتهم إياه، وأنه يحدثهم عن سبب تلبسه بالإنسي؛ حبّاً به أو بغضاً! وقد يزعمون أنهم يسألونه عن دينه، فإذا أخبرهم بأنه مسلم؛ صدقوه في كل ما ينبئهم به! وذلك منتهى الغفلة والضلال؛ أن يصدقه وهو لا يعرفه ولا يراه، فكن حذراً منهم أيها الأخ المسلم! ولا تأتهم ولا تصدقهم " وإلا صدق فيك هذا الحديث الصحيح وما في معناه. ************* 3388- (قالت قريش للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ادع لنا ربّك أن يجْعل لنا الصّفا ذهباً ونؤمن بك! قال: وتفعلون؟ . قالوا: نعم. فدعا، فأتاه جبريل فقال: إن ربك يقرأ عليك السّلام ويقول: إن شِئت أصبح لهم (الصّفا) ذهباً، فمن كفر بعد ذلك منهم؛ عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة. قال: بل باب التوبة والرحمة) . أخرجه الحاكم (1/53و4/240) ، والبيهقي في "الدلائل " (2/272) ،

وأحمد (1/242 و345) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (12/152/12736) من طرق منها: وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عمران بن الحكم (وفي رواية: أبي الحكم) السلمي عن ابن عباس قال: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح محفوظ من حديث الثوري عن سلمة بن كهيل ". وهو كما قال، ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير عمران أبي الحكم السلمي - وهو الصواب من الروايتين-؛ فهو من رجال مسلم، وكأن الحاكم ذهل عن ذلك؛ فإنه في الموضع الثاني اقتصر على قوله: "صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي! والصواب أنه صحيح على شرط مسلم. وقد أشار إلى هذا المنذري بقوله في "الترغيب " (4/ 75/ 12) : "رواه الطبراني، ورواته رواة (الصحيح) ". وكذا قال الهيثمي في "المجمع " (10/196) . وقد غفلا عن عزوه لأحمد- فضلاً عن الحاكم-، وهذا على شرط المنذري دون الهيثمي كما لا يخفى على العارفين بكتابيهما ومنهجيهما فيهما. والحديث أخرجه البزار في "مسنده " (3/55/2224- كشف الأستار) قال: حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي: ثنا وكيع: ثنا سفيان ... بإسناده المتقدم؛ لكن بلفظ: سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن يحوّل الجبال عنهم حتى يزدرعوا، فقيل: إن شئت أن نؤتيهم الذي سألوه؛ فإن كفروا أهلكوا كما هلك

من كان قبلهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: (وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة) !. قلت: وفي هذا السياق ما يخالف سياق حديث وكيع ومن معه زيادة ونقصاً، وهو من أخطاء (محمد بن يزيد الرفاعي) ؛ فإنه قد ضعفه جمع مع أنه من شيوخ مسلم، لكن الذين سبروا أحاديثه وتتبعوها؛ نسبوه إلى الخطأ والمخالفة، وإلى سرقة حديث غيره، انظر " التهذيب ". وهذا الحديث مما يؤكد ذلك؛ فإن حديث وكيع يختلف عن هذا زيادة ونقصاً كما رأيت، فهو إما أن يكون مما سرقه الرفاعي وألصقه بوكيع، وإما أن يكون وهم عليه فيه، وخالف أحمد وغيره في روايته عنه باللفظ المذكور أعلاه. وأصل حديث الرفاعي؛ إنما يعرف من رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: سأل أهل مكة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهم الصفا ذهباً، وأن ينحي الجبال عنهم فيزدرعوا، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم، وإن شئت أن تؤتيهم الذي سألوه؛ فإن كفروا أهلكوا كما أهلكت من كان قبلهم، [وإن شئت أن أستأني بهم؛ لعلنا نستحيي منهم] ، قال: "لا، بل أستأني بهم ". فأنزل هذه الآية ... " فذكرها. أخرجها النسائي في "السنن الكبرى" (6/ 380/11290) ، والحاكم (2/362) وابن جرير في "التفسير" (15/ 74) ، والبيهقي أيضاً، وأحمد (1/258) - والسياق له، والزيادة للحاكم وغيره-، والبزار أيضاً (2225) ، والضياء المقدسي في "المختارة" (10/78- 79- ط) . وقال الحاكم:

3389

"صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي! وقال البزار: "لا نعلمه يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -من وجه صحيح إلا من هذا الوجه ". قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ فهو على شرطهما. (تنبيه) : لقد ساق الهيثمي في تفسير سورة الإسراء من "المجمع " (7/50) هذه الرواية أولاً، ثم أتبعها بقوله: "وفي رواية: فدعا فأتاه جبريل ... " فذكرها، وهي رواية عمران المتقدمة، ثم قال: "ورجال الروايتين رجال "الصحيح "، إلا أنه وقع في أحد طرقه: عمران بن الحكم، وهو وهم، وفي بعضها: عمران أبو الحكم- وهو ابن الحارث-، وهو الصحيح، ورواه البزار"! والمقصود أنه لم يذكر من أخرج الروايتين، فالظاهر أنه كان في الأصل: "رواه أحمد"؛ لأنه هو الذي أخرج الروايتين كما تقدم، فسقط ذلك من الناسخ أو الطابع. والله أعلم. ******* 3389- (مَن أحسن فيما بقِيَ؛ غُفرَ له ما مضَى، ومن أَساءَ فيما بقيَ؛ أُخِذَ بما مضَى وما بقيَ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (7/413/6802) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (18/377) من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن قال: حدثنا يحيى بن حمزة عن الوَضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد عن أبي ذر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني:

"لم يروه عن الوضين بن عطاء إلا يحيى بن حمزة ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وسائر الرجال ثقات، وفي الوضين، وسليمان بن عبد الرحمن- وهو ابن بنت شرحبيل- كلام من جهة حفظهما , لا ينزل به حديثهما عن درجة الحسن. ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (4/79) - وتبعه الهيثمي (10/202) -: "رواه الطبراني بإسناد حسن ". ورواه الأصبهاني في "الترغيب " (1/94/151) مقطوعاً من قول الفضيل بن عياض، وفيه: ثم بكى الفضيل، فقال: أسال الله أن يجعلنا وإياكم ممن يحسن فيما بقي. وقد خفي رفعه على بعض المتأخرين، فقد أورده الشيخ العجلوني في "كشف الخفاء "، وقال (2/225) : "قال النجم: لم أجده في الحديث المرفوع، وإنما أخرجه الأصبهاني في "الترغيب " عن الفضيل بن عياض من قوله. وفي معناه ما أخرجه الشيخان وابن ماجه عن ابن مسعود ... "، ثم ذكر الحديث الآتي بعد هذا! وروى الدارمي في أول "سننه " (1/3- 4) من طريق أخرى عن الوَضين: أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! إنا كنا أهل جاهلية وعبادة أوثان، فكنا نقتل الأولاد، وكانت عندي ابنة لي، فلما أجابت، وكانت مسرورة بدعائي إذا دعوتها، فدعوتها يوماً، فاتبعتني، فمررت حتى أتيت بئراً من أهلي غير بعيد، فأخذت بيدها؛ فرديت بها في البئر، وكان آخر عهدي بها أن تقول:

3390

يا أبتاه! يا أبتاه! فبكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -حتى وَكَفَ دمع عينيه، فقال له رجل من جلساء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أحزنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال له: "كف؛ فإنه يسأل عما أهمه ". ثم قال له: "أعد عليَّ حديثك "، فأعاده، فبكى حتى وَكَفَ الدمع من عينيه على لحيته، ثم قال له: "إن الله قد وضع عن الجاهلية ما عملوا، فاستأنف العمل ". ويشهد له حديث ابن مسعود الآتي: ******* 3390- (مَن أحسنَ في الإِسلام، لم يُؤاخَذ بما عمِلَ في الجاهليّةِ، ومن أساءَ في الإِسلام؛ أُخِذَ بالأوّل والآخرِ) . أخرجه البخاري (6921) ، ومسلم (1/77- 78) ، وأبو عوانة (1/71) والدارمي (1/3) ، وابن ماجه (4242) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/211) ، والبيهقي في " السنن " (9/123) ، و" الشعب " (1/57/23) ، وعبد الرزاق في "المصنف" (10/454/19686) ، وأحمد (1/409و431) من طريق منصور والأعمش عن أبي وائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله! أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية؟ قال: ... فذكره. ******* 3391- (نَعَم، تفعلُ الخيرات، وتتركُ السيئات، فيجعلُهنَّ اللهُ لكَ خيراتٍ كلَّهنَّ) . أخرجه البزار في "مسنده " (4/79-80/3244- كشف الأستار) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (5/188-189/2718) ، ومن طريقه ابن الأثير في

" أسد الغابة " (2/372) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/375-376/7235) ، ومن طريقه أبو نعيم في ("معرفة الصحابة"/ شَطْب) من طريقين عن أبي المغيرة: ثنا صفوان بن عمرو: ثنا عبد الرحمن بن جُبَير عن أبي طويل شَطب الممدود: أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها؛ فلم يترك منها شيئاً، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجَةً إلا أتاها، فهل له من توبة؟ قال: " فهل أسلمت؟ ". قال: أما أنا؛ فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، قال: ... فذ كره. قال: وغدراتي، وفجراتي؟ قال؛ "نعم ". قال: الله أكبر! فما زال يكبر حتى توارى. وأخرجه ابن عبد البر في "الاستيعاب " من طريق أبي علي سعيد بن عثمان بن سكن عن محمد بن هارون أبي نشيط- أحد الطريقين عن أبي المغيرة-. ثم قال: "قال أبو علي: لم أجد لشطب الممدود أبي طويل غير هذا الحديث ". قلت: وأما الحافظ؛ فنقل في "الإصابة" عن ابن السكن أنه قال: "لم يروه غير أبي نشيط " يعني: عن أبي المغيرة عن صفوان بن عمرو! فتعقبه الحافظ بقوله: "قلت: وهو حصر مردود، فقد أخرجه الطبراني من غير طريقه، وقال ابن منده: "غريب، تفرد به أبو المغيرة". قلت: هو على شرط "الصحيح "، وقد وجدت

له طريقاً أخرى قال ابن أبي الدنيا في كتاب "حسن الظن " (¬1) : حدثنا عبيد الله بن جرير: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا نوح بن قيس عن أشعث بن جابر عن مكحول عن عمرو بن عَبَسَةَ قال: إن شيخاً كبيراً أتى النبي فيما، وهو يدَّعم على عصا، فقال: يا نبي الله! إن لي غدرات وفجرات، فهل تُغفر لي؟ ... الحديث. وهذا ليس فيه [غير] انقطاع بين مكحول وعمرو بن عبسة". قلت: ولي هنا ملاحظات: الأولى: لعل الأولى أن يقال: وقد وجدت له شاهداً؛ لأنه أوضح للمراد كما هو ظاهر. الثانية: أنه قد أبعد النُّجعة في عزوه لابن أبي الدنيا، فأوهم أنه لم يروه من هو أعلى طبقة وأشهر! وليس كذلك، فقد أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (4/385) : ثنا سُرَيجُ بن النعمان: ثنا نوح بن قيس به. الثالثة: أنه ليس فيه حديث الترجمة؛ خلافاً لما يوهمه قوله: ".. الحديث "! الرابعة: قوله: "ليس فيه غير انقطاع ... " يشعر أن رجاله ثقات، وأنه لولا الانقطاع كان صحيح الإسناد، فهذا يخالف قول شيخه الهيثمي في " مجمع الزوائد " (1/32) : "رواه أحمد والطبراني، ورجاله موثقون؛ إلا أنه من رواية مكحول عن عمرو ابن عبسة، فلا أدري أسمع منه أم لا؟ ". ¬

(¬1) (ص118/144) . ******

3392

قلت: هو معروف بالتدليس والإرسال، فما لم يصرح بالتحديث فهو منقطع، ولا سيما أن عمرو بن عبسة لم يذكر في جملة الصحابة الذين سمع منهم، على قلتهم. ثم إن قوله: "ورجاله موثقون " فيه نظر، لأنه يشعر بأن في بعضهم كلاماً، ولا شيء من ذلك، وبخاصة رجال إسناد أحمد؛ فإنهم ثقات كلهم، فعبارة الحافظ أدق وأصح. وقال الهيثمي في حديث الترجمة: "رواه الطبراني والبزار بنحوه، ورجال البزار رجال "الصحيح "، غير محمد بن هارون أبي نشيط، وهو ثقة". وقال المنذري (4/80-81/41) : "رواه البزار، والطبراني- واللفظ له-، وإسناده جيد قوي، و (شَطب) قد ذكره غير واحد في (الصحابة) ؛ إلا أن البغوي ذكر في "معجمه " أن الصواب عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير مرسلاً: أن رجلاً أتى النبي- صلى الله عليه وسلم -طويلاً شطباً ... و (الشطب) في اللغة: الممدود، فصحَّفه بعض الرواة، وظنه اسم رجل. والله أعلم "! قلت: هذا الإعلال مردود؛ لأنه مجرد دعوى، وتوهيم للثقة بدون بينة أو حجة. والذي نقله الحافظ عن البغوي أنه قال: "أظن أن الصواب ... " وهذا أقرب إلى ما ذكرته. والله أعلم. * 3392- (والله! للدُّنيا أهونُ على اللهِ من هذه السَّخلةِ على أهلِها، فلا أُلفينَّها أهلكت أحداً منكم) . أخرجه البزار في "مسنده " (4/268/3690- الكشف) : حدثنا محمد بن

عامر: ثنا الربيع: حدثني محمد بن مهاجر عن يونس بن حَلبَسَ عن أبي إدريس عن أبي الدرداء قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - بِدِمنةِ قوم، فيها سخلة ميتة، فقال: "ما لأهلها فيها حاجة؟ ". قالوا: يا رسول الله! لو كان لأهلها فيها حاجة ما نبذوها، فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين؛ غير محمد ابن عامر- وهو الأنطاكي-، روى عنه جماعة من الحفاظ منهم النسائي؛ وقال: "ثقة". وكذا قال الحافظ. والحديث ذكره المنذري في "الترغيب " (4/101/39) من حديث أبي الدرداء، وقال: "رواه البزار، والطبراني في "الكبير" من حديث ابن عمر بنحوه، ورواتهما ثقات ". وكذا قال الهيثمي (10/278) ؛ لكنه عزاه إلى "الأوسط " أيضاً، وهو عنده (3/433/2934) ، وفيه (سُقير) والد (بكار) ، ولم يوثقه غير ابن حبان (4/350) ، ولم يرو عنه غير ابنه، وليس فيه قوله: "فلا ألفينها.. " إلخ. والأحاديث بدون هذه الزيادة كثيرة عن جمع من الصحابة، خرجت طائفة منها في "الصحيحة" (2482) . ثم استدركت فقلت: قال البزار عقب الحديث: "قد روي هذا الحديث من وجوه، وأعلى من رواه أبو الدرداء، وإسناده صحيح شاميون، وفيه زيادة: "فلا ألفينها أهلكت أحداً منكم " ... ". *******

3393

3393- (إنّ اللهَ ليبتَلي عبدَه بالسَّقمِ، حتّى يُكفِّر ذلكَ عنه كلَّ ذَنبٍ) . أخرجه الحاكم (1/347- 348) من طريق عبد الرحمن بن سلمان الحَجَرِيِّ عن عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال: "صحيح على شرط الشيخين "! ووافقه الذهبي! وأقره المنذري في "الترغيب " (4/153/63) ! فأقول: عبد الرحمن بن سلمان الحجري لم يخرج له البخاري مطلقاً، بل قال "فيه نظر". ووثقه غيره، وضعفه بعضهم، وقال أبو حاتم: "صالح الحديث ". وفي " التقريب ": "لا بأس به ". فالإسناد حسن، وعلى شرط مسلم. وخالفه يعقوب بن عبد الرحمن- وهو ثقة من رجال الشيخين- فقال: عن عمرو بن أبي عمرو عن عبد الرحمن بن الحويرث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/133/1548) ، و"الأوسط " (9/340/8740) ، وقال: "لا يروى عن جبير بن مطعم إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو ضعيف، عبد الرحمن هذا: هو ابن معاوية بن الحويرث؛ قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق، سيئ الحفظ ". وقال الهيثمي (2/302) : "رواه الطبراني في "الكبير"، و"الأوسط "، وفيه عبد الرحمن بن معاوية بن الحويرث، ضعفه ابن معين، ووثقه ابن حبان ". ومن طريق يعقوب: أخرجه ابن أبي الدنيا في "المرض والكفارات " (107/227) ؛ لكنه لم يقل: عن أبيه.. فأرسله. وتابعه عنده (113/248) عبد العزيز بن محمد عن عمرو به. أخرجه من طريق إبراهيم بن حمزة عنه. وإبراهيم هذا: هو الزبيري المدني، ثقة من شيوخ البخاري. وخالفه سليمان بن داود االمِنقَرِيِّ فقال: عن الدراوردي: أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً به. أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (15/615) . لكن سليمان هذا: هو الشاذكوني، متروك، رماه ابن معين بالكذب، وقال البخاري: "فيه نظر".

3394

وروي من حديث ابن عمر مرفوعاً بلفظ: "إن الله ليبتلي عبده بالبلاء والهم والغم، حتى يتركه من ذنبه كالفضة المصفاة". أخرجه ابن عدي في "الكامل " (1/169- 170) من طريق أبي سمرة أحمد ابن سالم بن خالد بن جابر بن سمرة ... بسنده عنه. وقال: "أحمد بن سالم هذا كوفي ليس بالمعروف، وله أحاديث مناكير". وللحديث طريق آخر بسند حسن عن أبي هريرة سبق تخريجه برقم (2280) . ******* 3394- (يا أيُّها النّاسُ! إن هذه الأمَّةَ تُبتلى في قبورها، فإذا الإنسان دُفنَ فتفرَّق عنه أصحابُه؛ جاءه ملكٌ في يدهِ مِطراقٍ فأقعدَه، قال: ما تقولُ في هذا الرجلِ؟ فإن كان مؤمناً؛ قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولُ: صدقْتَ، ثم يُفتحُ له بابٌ إلى النار فيقول: هذا كان منزلَكَ لو كفرْتَ بربك؛ فأمّا إذ آمنتَ؛ فهذا منزلُكَ؛ فيُفتحُ له باب إلى الجنَّة، فيريدُ أن ينهض إليه، فيقول له: اسكنْ! ويُفسحُ له في قبره. وإن كان كافراً أو منافقاً؛ يقول له: ما تقولُ في هذا الرَّجلِ؟ فيقول: لا أدْري، سمعتُ النّاس يقولون شَيئاً، فيقول: لا دريْتَ ولا تليْتَ ولا اهتديْتَ! ثم يُفتحُ له بابٌ إلى الجنّة، فيقول: هذا منزلُك لو آمنْتَ بربِّك، فأما إذ كفرتَ به، فإنّ الله عزّ وجلّ أبدَلك به هذا، ويُفتحُ له باب إلى النّارِ، ثم يقمعهُ قَمْعة بالمطراقِ، يسمعُها خَلْقُ اللهِ كلّهم غيرَ الثّقلينِ.

فقال بعضُ القومِ: يا رسولَ الله! ما أحد ٌيقوم عليه مَلَكٌ في يدهِ مطراقٌ إلا هَبِلَ عند ذلك؟! فقالَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (يثبتُ الله الذين آمنوا بالقول الثابت)) . أخرجه الإمام أحمد (3/3- 4) : ثنا أبو عامر: ثنا عبَّاد بن راشد عن داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جنازة، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وكذلك أخرجه ابن جرير في "التفسير" (13/143) ، وابن أبي عاصم في "السنة " (2/417-418/865) ، والبزار (1/412-413) من طريقين آخرين عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو به. قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال المنذري (4/183/10) ، وعزاه لأحمد. وقال الهيثمي (3/38) : "رواه أحمد والبزار، ورجاله رجال (الصحيح) ". قلت: وفي عباد بن راشد كلام يسير لا يضر. وقد أشار لذلك ابن كثير بقوله في "تفسيره " عقب رواية أحمد (2/533) : "وهذا إسناد لا بأس به؛ فإن عباد بن راشد التميمي روى له البخاري مقروناً، ولكن ضعفه بعضهم ". وقال الذهبي في "المغني ": " صد وق ". وكذا قال الحافظ في "التقريب "، وزاد: "وله أوهام ".

3395

ومن الغريب أنهما لم يشيرا إلى أنه مقرون عند البخاري، وقد صرح بذلك أصلهما "تهذيب الكمال " للحافظ المزي، بل صرح به الحافظ نفسه في "مقدمة الفتح "، بل أفاد أن له حديثاً واحداً في "الصحيح "؛ فقال بعد ذكر أقوال الأئمة فيه (ص 412) : "قلت: له في "الصحيح " حديث واحد في "تفسير سورة البقرة" بمتابعة يونس له عن الحسن البصري عن معقل بن يسار". قلت: وقوله في آخر الحديث: فقال بعض القوم ... لعلها عائشة، فقد روى البزار (1/410/868) عنها قالت: قلت: يا رسول الله! أتبتلى هذه الأمة في قبورها، فكيف وأنا امرأة ضعيفة؟! قال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) . ******* 3395- (يُحشر النّاسُ على ثلاثِ طرائقَ: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثةٌ على بعير، وأربعةٌ على بعير، وعشرةٌ على بعير، ويَحشرُ بقيتَهم النّارُ، تقيلُ معهم حيثُ قالُوا، وتبيتُ معهم حيثُ باتُوا، وتصبحُ معهم حيث أصبحُوا، وتُمسي معهم حيثُ أمسُوا) . أخرجه البخاري (6522) ، ومسلم (8/157) ، والنسائي (1/295) ، وابن حبان في "صحيحه " (9/217/7292) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/248/16245) ، وابن أبي الدنيا في "الأهوال " (239/235) ، والبيهقي في "شعب الإيمان " (1/318/359) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (6/50/5103) ، والبغوي

في "التفسير" (5/176) ، و"شرح السنة " (15/124-125/4314) - وصححه- من طرق كثيرة عن وُهيب عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الطبراني: "لم يروه عن ابن طاوس إلا وهيب وابن جريج، تفرد به حجاج الأعور عن ابن جريج ". قلت: ولم أقف على متابعة ابن جريج هذه. (تنبيه هام) : هكذا ثبت الحديث في المصادر المذكورة؛ إلا "سنن النسائي "؛ فإنه ساقه بزيادة: "يحشر الناس يوم القيامة "، فهي زيادة شاذة بلا شك، ومفسدة للمعنى أيضاً؛ فإن الركوب الوارد فيه ليس من أهوال يوم القيامة. ويعود الفضل في التنبيه على زيادة النسائي هذه إلى الحافظ إبراهيم الناجي في كتابه القيم "عجالة الإملاء" (ق224/2- 225/1) ، وإن كان لم يصرح بشذوذها، ولكنه بحث في معنى الحديث، وحكى أقوال العلماء فيه، وجمع أطراف بعض الأحاديث التي تخالف الزيادة؛ وختم بحثه بقوله: "وهذا كله يدل على أن هذا في الدنيا قبل الآخرة. والله أعلم ". وهو في ذلك موافق لما انتهى إليه بحث شيخه ابن حجر في "الفتح " (11/379-382) " فإنه أطال النفس جداً في حكاية أقوال العلماء المختلفة في ذلك ومناقشتها وبيان ما لها وما عليها، ورجح ما تقدم عن تلميذه؛ فليراجعه من شاء. بيد أن هذه الزيادة وقع لبعضهم أوهام حولها، فكان من المفيد بيانها، فأقول: أولاً: لقد ذكر الحديث الحافظ المنذري في "الترغيب " (4/164/13) بهذه الزيادة معزوًّاً للشيخين! ولم يتنبه لذلك المعلقون الثلاثة- كعادتهم- فتابعوه في

3396

الوهم، وزادوا في الإيهام بأنهم عزوا الحديث إليهما بالأرقام! (انظر طبعتهم المنمقة 4/290) ! ثانياً: صرح بعض المحدثين بنسبة الزيادة إلى البخاري؛ حكاه الحافظ في "الفتح " (11/382) عن الطيبي أنه قال: "ثم رأيت في "صحيح البخاري " في "باب الحشر" (يعني: الذي فيه الحديث بالرقم المتقدم!) : "يحشر الناس يوم القيامة " ... "! ثالثاً: فردَّ عليه الحافظ، وعارضه، معقباً عليه بقوله: "قلت: ولم أقف في شيء من طرق الحديث الذي أخرجه البخاري على لفظ: "يوم القيامة"؛ لا في "صحيحه " ولا في غيره، وكذا هو عند مسلم والإسماعيلي وغيرهما؛ ليس فيه: يوم القيامة ". قلت: ففاتته رواية النسائي، فجل من أحاط بكل شيء علماً. ******* 3396- (لو أنّ ما يُقِلُّ ظفرٌ ممّا في الجنّةِ بدَا؛ لتزخرفَت له خَوافقُ السماواتِ والأرضِ، ولو أنَّ رجُلاً من أهلِ الجنّةِ اطّلع فبدَا أساورُه؛ لطمسَ ضَوءَ الشّمسِ كما تطمسُ الشّمسُ ضَوءَ النُّجومِ) . هو من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وله عنه طريقان: الأولى: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، وله عنه طريقان: 1- عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

أخرجه الترمذي (2541) ، ونعيم بن حماد في "زوائد الزهد" (126/416) ، وأحمد (1/169و171) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (9/407/8875) ، والبغوي في "شرح السنة" (15/214/4377) من طرق، أحدها: عبد الله بن المبارك: أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن داود بن عامر ... وقال الترمذي، والبغوي: "حديث غريب "! كذا وقع فيهما! ونقل المنذري في "الترغيب " عن الترمذي (4/277/3) أنه قال: "حديث حسن غريب ". فزاد كلمة "حسن ". وهذا هو اللائق بحال إسناده؛ فإن رجاله ثقات كلهم رجال مسلم؛ غير ابن لهيعة، وحديثه صحيح إذا كان من رواية أحد العبادلة، وهذا منه كما ترى. ولقد كنت غفلت عن هذه الحقيقة في تعليقي على "المشكاة" (رقم 5637) ؛ لأسباب منها ما هو مذكور في المقدمة، وكان ذلك قبل نحو أربعين سنة، ولله عاقبة الأمور. ولقد قلدني في هذه الغفلة المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (4/470) ، فضعفوا الحديث، مع أنهم يرون أنني صححته في "صحيح الجامع الصغير" (رقم 5127/ الطبعة الأولى الشرعية) ، وقد ألفته بعد التأريخ المذكور ببضع سنين، وقد تنبه لهذا كله الأخ علي رضا في تعليقه على "صفة الجنة" (1/81) ؛ فأنصفني جزاه الله خيراً، ولم يستغل الغفلة كما يفعل كثير من المبتدعة، وبعض الحاسدين الحاقدين الجهلة. وإن من جهل أولئك الثلاثة وتقليدهم، وعدم استفادتهم مما ينقلونه بواسطة الفهارس: أنهم عزوه بواسطة " الموسوعة " إلى " البخاري في " التاريخ الكبير"

(6/208) "، وسكتوا! مع أنه عنده من غير طريق ابن لهيعة بإسناد جيد، وبمتابعة قوية لعامر بن سعد كما سيأتي بيانه! 2- قال البخاري في الموضع المشار إليه آنفاً من "التاريخ ": وقال ابن وهب: أخبرنا عمرو أن سليمان بن حميد حدثه أن عامر بن سعد بن أبي وقاص- قال سليمان: لا أعلمه إلا- عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -. وقد وصله أبو نعيم في "صفة الجنة" (1/80/57) من طريق حرملة بن يحيى: ثنا ابن وهب به. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون رجاله مسلم؛ غير سليمان بن حميد- وهو المزني-، وثقه ابن حبان (6/385) ، وأخرج له في "صحيحه "، وروى عنه سبعة من الثقات، وقد ترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (22/220-222) وذكر أنه مدني سكن دمشق، وروى له ابن حبان في "صحيحه "، وانظر "تيسير الانتفاع ". وقد خفيت هذه الحقائق على الأخ (علي رضا) ؛ فجزم بأنه مجهول! والطريق الأخرى: قال البخاري أيضاً: قال محمد بن المثنى: حدثنا وهب ابن جرير: حدثنا أبي: سمعت يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن عمر عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد أيضاً، رجاله ثقات رجال الشيخين! غير عمر- وهو ابن سعد بن أبي وقاص-، قال الذهبي في "الميزان ": "هو في نفسه غير متهم؛ لكنه باشر قتال الحسين، وفعل الأفاعيل ". قلت: ومع ذلك وثقه العجلي. وقال الحافظ: " صد وق ". *******

3397

3397- (مرحباً بطَالبِ العلمِ، [إن] طالبَ العِلم لتحفُّه الملائكةُ وتظلٌّه بأجنحتِها، ثمّ يركبُ بعضُهم بعضاً، حتّى يبلغُوا السَّماء الدُّنيا؛ من حبِّهم لما يَطلُب) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/64/7347) ، وابن عدي في "الكامل " (6/331) ، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم " (1/32) عن الصَّعق ابن حزن: ثنا علي بن الحكم البُناني عن المنهال بن عمرو عن زِرِّ بن حُبيش عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدث صفوان بن عَسال المرادي قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو متكئ في المسجد على برد له [أحمر] ، فقلت له: يا رسول الله! إني جئت أطلب العلم، فقال: ... فذكره. قال: قال صفوان: يا رسول الله! لا نزال نسافر بين مكة والمدينة، فأفتنا عن المسح على الخفين؟! فقال له رسول الله عن: "ثلاثة أيام للمسافر، ويوم وليلة للمقيم ". قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال "الصحيح "، وفي بعضهم كلام لا يضر. وقال المنذري في "الترغيب " (1/54/4) : "رواه أحمد، والطبراني بإسناد جيد- واللفظ له- وابن حبان في "صحيحه "، والحاكم، وقال: "صحيح الإسناد" ... ". قلت: أخرجه الحاكم (1/100-101) من طرق عن زر بن حبيش، منها طريق الصعق هذه، ولكنه لم يسق لفظه، وذكر في إسناده عبد الله بن مسعود، ولم يذكره في رواية أخرى له من طريق (عارم) ، وهي رواية ابن عبد البر، وهي أصح

3398

لموافقتها لرواية أحمد (4/239و240) التي أشار إليها المنذري، ومثلها رواية ابن حبان (48/79) من طريق عاصم عن زر عن صفوان به نحوه. وتابعه عبد الوهاب بن بَخت عن زر به نحوه. أخرجه الحاكم- وصححه-، ووافقه الذهبي. وقصة توقيت المسح على الخفين معروفة في "السنن " من طريق عاصم، وهي مخرجة في " الإرواء " (1/140- 141) . ثم إن الحديث قال الهيثمي في "المجمع " (1/131) : "رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال (الصحيح) ". وفي الوصية بطالب العلم والترحيب به حديث آخر يشبه هذا من حديث أبي سعيد الخدري، تقدم تخريجه برقم (280) . * 3398- (من توضَّأَ فأحسنَ وضوءَه، ثمّ قامَ فصلّى ركعتين- أو أربعاً؛ شكَّ سهلٌ-، يُحسنُ فيها الذِّكر والخُشوعَ، ثم استغفرَ الله؛ غُفِرَ له) أخرجه أحمد في "المسند" (6/ 450) : ثنا أحمد بن عبد الملك: حدثني سهل بن أبي صدقة قال: حدثني كثير بن الفضل الطَّفاوي: حدثني يوسف بن عبد الله بن سلام قال: أتيت أبا الدرداء في مرضه الذي قُبض فيه، فقال لي: يا ابن أخي! ما أعمدك إلى هذا البلد، أو ما جاء بك؟ قال: قلت: لا؛ إلا صلة ما كان بينك وبين والدي عبد الله بن سلام، فقال أبو الدرداء: بئس ساعة الكذب هذه، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

قال عبد الله بن أحمد عقبه: "وثناه سعيد بن أبي الربيع السمان، قال: ثنا صدقة بن أبي سهل الهُنائي ... ". قال عبد الله: "وأحمد بن عبد الملك وهم في اسم الشيخ فقال: (سهل بن أبي صدقة) ، وإنما هو (صدقة بن أبي سهل الهنائي) ". قلت: وهذا هو الصواب؛ لأن سعيد بن أبي الربيع السمان- مع كونه ثقة (انظر الحديث المتقدم 3154) -؛ فقد تابعه غير واحد، فقال البخاري في "التاريخ" (2/2/297/2891) تحت ترجمة (صدقة بن أبي سهل البصري) : "سمع كثيراً أبا الفضل، روى عنه مسلم بن إبراهيم وقتيبة. قال أبو كامل: نا صدقة: نا كثير عن يوسف بن عبد الله بن سلام: أتيت أبا الدرداء في مرضه الذي مات فيه ". وأبو كامل هذا؛ يغلب على ظني أنه فضيل بن حسين الجَحدري الثقة، فقد ذكر المزي في ترجمته أنه: "روى عنه البخاري تعليقاً، ومسلم، و.. و.. ". (¬1) وتابعه أيضاً خالد بن خِداش، وهو ثقة أيضاً من شيوخ مسلم، فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (6/14/5022) : حدثنا محمد بن النضر الأزدي قال: حدثنا خالد بن خِداش قال: حدثنا صدقة بن أبي سهل أبو سهل الهُنائي قال: حدثني كثير أبو الفضل عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: ¬

(¬1) ثم رأيت ما يؤكد ذلك، فقد ذكر الحافظ في "التعجيل " عن الطبراني- يعني: في "الكبير"- أنه أخرى عن أبي كامل الجحدري ...

أتيت أبا الدرداء وهو بالشام، فقال: ما جاء بك يا بني! إلى هذه البلدة، وما عناك إلى ذلك (¬1) ؟ قلت: ما جاء بي إلا صلة ما كان بينك وبين أبي، فأخذ بيدي فأجلسني، فساندته، ثم قال: بئس ساعة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -يقول: "ما من مسلم يذنب ذنباً، فيتوضأ، ثم يصلي ركعتين، أو أربعاً، مفروضة أو غير مفروضة، ثم يستغفر الله؛ إلا غفر الله له " (¬2) . وقال: "لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به صدقة ابن أبي سهل ". قلت: وهو ثقة على ما يأتي بيانه، وسائر رجاله ثقات، فهو إسناد صحيح. وقال المنذري في "الترغيب " (1/106و 146) : "رواه أحمد بإسناد حسن ". وقال الهيثمي (2/278- 279) - وتبعه الحافظ العسقلاني في "نتائج الأفكار" (2/229) -: "رواه أحمد والطبراني في "الكبير".. وإسناده حسن ". ثم نسي الهيثمي هذا في موضعين آخرين! فقال (10/207) : ¬

(¬1) الأصل: إليها ... وعلى الهامش: "هناك كلمة بين: "إليها وقلت لم أستطع قراءتها". قلت: وما أثبته هو الذي يمكن أن يقرأ. (¬2) ثم رأيته قد أخرجه في "الدعاء" (3/1626- 1627) من هذا الوجه، ومن طريق مسلم بن إبراهيم وعبد الله بن أحمد: ثنا سعيد بن أبي الربيع ثلاثتهم عن صدقة بن أبي سهل الهنائي ...

"رواه أحمد، وفيه من لم أعرفه "! وهو يشير إلى (صدقة) ! فقد قال (1/301) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وقال: "تفرد به صدقة بن أبي سهل ". قلت: ولم أجد من ذكره "! قلت: وهذا من غرائبه؛ فإنه مترجم عند البخاري- وتقدمت عبارته- وغيره ممن جاء بعده، ومنهم ابن حبان في "ثقاته "، الذي كان الهيثمي نفسه قد رتبه؛ ثم نسي! وجل من لا ينسى. ولكنهم جَرَوْا على التفريق بين صدقة بن أبي سهل البصري- راوي هذا الحديث عند البخاري كما تقدم-، وبين الذي قبله عنده، قال: "صدقة أبو سهل الهنائي، سمع عتبة (¬1) ، وابن سيرين، وأبا عمرو الجملي- قال عبد الصمد: هو القطان-. روى عنه موسى، يعد في البصريين ". وتبعه على التفريق ابن أبي حاتم (2/1/431و434/1907) لكنه في كل من الترجمتين وقع عنده (صدقة أبو سهل الهنائي) ! ونظر فيه محققه اليماني رحمه الله، ومال إلى أن الصواب ما في "التاريخ ": "صدقة بن أبي سهل " يعني: البصري. وكذلك عزاه في "التعجيل " إلى ترجمة البخاري، وتبعه في التفريق ابن حبان أيضاً، فأوردهما في طبقة (أتباع التابعين) (6/468) ، وانتصر لهم الحافظ، وختم كلامه بقوله: "وصنيع الحسيني يقتضي أنهما واحد؛ وليس كذلك؛ فإنه ذكر في ترجمة ¬

(¬1) كذا، ولم يدر المعلق من هو؟ وفي "التعجيل " (186) نقلاً عن البخاري: "وسمع عبيداً. يعني: ابن.. " هكذا بياض في الأصل.

(سهل بن أبي صدقة) أنه هُنائي، وأن ابن معين وثقه. وإنما قال ابن معين: صدقة أبو سهل الهنائي؛ ثقة". قلت: لم أجد فيما ذكر الحافظ- فضلاً عمن تقدمه- ما يدل على التفريق المذكور؛ سوى اختلاف شيوخ المترجمين والرواة عنهما، وهذا لا يكفي في ذلك، ولا سيما وكلاهما بصري؛ كما صرح البخاري، ومن طبقة واحدة؛ كما عند ابن حبان، وبخاصة أن ابن أبي حاتم ذكر في كل منهما أنه (أبو سهل الهُنائي) ، فالظاهر أنهما واحد؛ كما ذهب إليه الحسيني. وإن مما يؤيد ذلك أن أبا أحمد الحاكم في "الكنى"، والذهبي في "المقتنى" ذكرا في كنية (أبي سهل) : صدقة الهنائي الراوي عن ابن سيرين وعنه موسى بن إسماعيل. وقد مر بك في رواية "الأوسط " التصريح بأن الراوي هنا عن كثير أبي الفضل: هو (صدقة بن أبي سهل أبو سهل الهنائي) ، فهذا يدل على أن (صدقة أبا سهل) يروي أيضاً عن كثير أبي الفضل كما روى عن ابن سيرين. وعليه؛ فيكون قد روى عن صدقة جماعة من الثقات، وهم: 1- مسلم بن إبراهيم الفراهيدي. 2- قتيبة بن سعيد. 3- أبو كامل الجَحدري. 4- موسى بن إسماعيل. 5- أحمد بن عبد الملك. 6- سعيد بن أبي الربيع السمان.

7- خالد بن خِداش. 8- ومحمد بن معاذ العنبري. 9- ومعاوية بن الحارث بن شيطا. 10- وداود بن منصور المِصِّيصِيُّ. فخذها فائدة محررة لا تجدها في مكان آخر، ومن تمامها أن توثيق ابن معين إياه ينبئ عن بالغ معرفته بالرجال. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. (تنبيه) : وقع في كل المصادر المتقدمة: (صدقة بن أبي سهل) ومنها رواية عبد الله بن أحمد عن سعيد بن أبي الربيع، فخطأها الحافظ، فقال في "التعجيل " (ص350) : "كذا وقع عنده! والصواب: عن (صدقة أبي سهل) ، و (أبو سهل) كنيته، لا كنية أبيه، واسم أبيه (سهل) ، فهو ممن وافقت كنيته اسم أبيه. وقد أخرج حديثه المذكور في "المسند"، والطبراني في "الدعاء".. "، فذكر أنه فيه: "صدقة بن سهل الهنائي "! فأقول: هذا مخالف لما في "الدعاء" المطبوع كما تقدم، ولما في "المسند" معاً، وكذلك هو مخالف لترجمته المتقدمة عند البخاري، ولرواية "الأوسط " التي فيها الرد الصريح عليه: "صدقة بن أبي سهل أبو سهل "؛ فهو ممن وافقت كنيته كنية أبيه لا اسم أبيه. فأتعجب من جزم الحافظ بالخطأ المذكور مع مخالفته لهذه المصادر، ودون أن يذكر حجته في ذلك! نعم، قد وقع في "ثقات ابن حبان " المطبوع: (صدقة بن سهل) ، وأنا أجزم بخطئه لمخالفته لما ذكرت، فتحرفت أداة الكنية: (أبو) إلى: (ابن) أو سقطت من الناسخ، فيكون الصواب: (صدقة أبو

سهل) أو (صدقة بن [أبي] سهل) ولعله أقرب، وهكذا صححته في كتابي الجديد "تيسير الانتفاع ". والله أعلم. ومن الأوهام " قول الدكتور محمد البخاري في تعليقه على "الدعاء"؛ فإنه بعد أن عزا الحديث لأحمد، قال: "وقال: ثناه سعيد بن الربيع ... "! وهذا من رواية ابنه عبد الله، فالظاهر أنه سقط ذكره من قلمه. ثم إن الحديث قد روي عن يوسف بن عبد الله بن سلام من طريق أخرى وبلفظ آخر فوجب بيان حاله. قال الإمام أحمد (6/442-443) : ثنا محمد بن بكر قال: ثنا ميمون- يعني: أبا محمد المرائي التميمي- قال: ثنا يحيى بن أبي كثير عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال: صحبت أبا الدرداء أتعلم منه، فلما حضره الموت قال: آذنِ الناس بموتي، فآذنت الناس بموته، فجئت وقد ملئ الدار وما سواه، قال: أخرجوني، فأخرجناه، قال: أجلسوني، قال: فأجلسناه، قال: يا أيها الناس! إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول: "من توضأ فأسبغ الوضوء، ثم صلى ركعتين يتمهما؛ أعطاه الله ما سأل معجلاً أو مؤخراً ". قال أبو الدرداء: يا أيها الناس! إياكم والالتفات في الصلاة؛ فإنه لا صلاة للملتفت، فإن غُلبتم في التطوع؛ فلا تغلبن في الفريضة.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات، غير ميمون أبي محمد المرائي؛ فإنه مجهول؛ قال ابن معين عنه: " لا أعرفه ". قال ابن عدي في "الكامل " (6/416) - بعد أن روى هذا عن يحيى بن معين-: "وإذا لم يعرفه يحيى؛ يكون مجهولاً ". وقال الهيثمي في "المجمع " (2/278) : "رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفيه ميمون أبو محمد؛ قال الذهبي: لا يعرف ". ولهذا أشار المنذري في "الترغيب " (1/191) إلى ضعفه، لكنه عزاه للطبراني وحده في "الكبير" وعقبه بقوله: "وفي رواية له أيضاً قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من قام في الصلاة فالتفت؛ رد الله عليه صلاته " ... ". وقال الهيثمي في هذه الرواية (2/81) : "وفيه يوسف بن عطية، وهو ضعيف ". قلت: بل هو ضعيف جداً، قال الحافظ: " متروك ". قلت: ومما عرفت من حال (المَرائي) هذا؛ يتبين لك خطأ السيوطي في تحسينه لإسناده في "اللآلىء " (2/47) . *

3399

3399- (مَن بنَى مسجداً لا يريد به رِياءً ولا سُمعةً؛ بنى اللهُ له بيتاً في الجنة) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (8/5/7001) من طريق محمد بن عيسى بن سُمَيع عن المثنى بن الصَّبَّّاح عن عطاء عن عائشة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال: "لم يروه عن المثنى إلا محمد بن عيسى، تفرد به هشام بن عمار، ولم يروه عن عطاء عن عائشة إلا كثير بن عبد الرحمن الكوفي، والمثنى بن الصباح ". قلت: قال الذهبي في "الكاشف " في المثنى: "قال أبو حاتم وغيره: لين الحديث ". وقال الحافظ في "التقريب ": "ضعيف اختلط بأخرة". قلت: فمثله يستشهد به إن شاء الله، وقد أشار إلى ذلك ابن معين فقال: "يكتب حديثه ولا يترك ". ومثله الراوي عنه محمد بن عيسى بن سميع، فقد قال الذهبي في "المغني ": "قال أبو حاتم: لا يحتج به. وقال ابن عدي: لا بأس به ". وأما هشام بن عمار؛ فثقة من شيوخ البخاري، وفيه كلام معروف. وأما كثير بن عبد الرحمن الكوفي الذي ذكره الطبراني متابعاً لابن الصباح؛ فهو العامري المؤذن، فقد ساق حديثه الطبراني في "الأوسط " أيضاً (7/304/6582)

من طريق قيس بن الربيع عنه عن عطاء عن عائشة به دون قوله: ".. لا يريد به رياء ولا سمعة". وقال: "لم يروه عن عطاء إلا كثير بن عبد الرحمن ". كذا قالت! وهو مخالف لروايته المتقدمة، ولما عقب عليها، من متابعة المثنى لكثيرهذا. وقيس بن الربيع ضعيف؛ لكنه قد توبع من قبل عبيد الله بن موسى: حدثنا كثير بن عبد الرحمن به وزاد: قلت: يا رسول الله! وهذه المساجد التي في طريق مكة؟ قال: "وتلك ". أخرجه البخاري في " التاريخ " (1/1/332) - ولم يذكر الزيادة-، والبزار في "مسنده " (1/205/404) ، والعقيلي في "الضعفاء" (4/3/1554) ، والبيهقي في "الشعب " (3/81/2939) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/13/1556) . وتابعه آخران عند ابن أبي شيبة (1/310) . وقال العقيلي: "كثير لا يتابع عليه. وهذا يروى بغير هذا الإسناد بإسناد أصلح من هذا". قلت: يعني دون هذه الزيادة، ودون زيادة (الرياء) أيضاً، وذلك عن جماعة من الصحابة، منهم عثمان بن عفان رضي الله عنه، وحديثه في "الصحيحين " وغيرهما، وهو مخرج مع غيره في "الروض النضير" (883و953و954) ؛ ولفظه: "من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة".

3400

فقوله: "لله "؛ أي: مخلصاً له، فهو شاهد قوي لقوله: "لا يريد به رياء ولا سمعة". وبمعناه حديث ابن عباس مرفوعاً بلفظ: "من بنى مسجداً يراه الله؛ بنى الله له بيتاً في الجنة ... " الحديث. أخرجه الطبراني في "الأوسط " أيضاً (9/216/8471) من طريق عمران بن عبيد الله- مولى عبيد الصِّيد- قال: سمعت الحكم بن أبان يحدث عن عكرمة عن ابن عباس ... قال الهيثمي (2/8) في عمران هذا: "ذكره البخاري في "تاريخه "، وقال: "فيه نظر"، وضعفه ابن معين أيضاً، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". وقال في تخريج حديث عائشة الذي قبله: "رواه البزار، والطبراني في "الأوسط "- باختصار- وفيه كثير بن عبد الله، ضعفه العقيلي، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". وسكت عنه ابن أبي حاتم (3/1/301) . والخلاصة: أن الحديث حسن أو صحيح بهذه الشواهد. والله أعلم. * 3400- (إنّه ليسَ من مصلٍّ إلا وهو يناجِي ربَّه؛ فلا يجهر بعضُكم على بعضٍ بالقراءَةِ) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/264/3360) ، وابن عبد البر في

"التمهيد" (32/317و318) من طرق عن ابن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار من بني بَياضة: أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم -وهو مجاور في المسجد يوماً-؛ فوعظ الناس وحذرهم ورغبهم، ثم قال: ... فذكره. ثم رواه النسائي من طرق أخرى عن محمد بن إبراهيم مختصراً ومطولاً، ومرسلاً ومتصلاً. وهذا إسناد متصل صحيح؛ كما قال ابن عبد البر؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين. وقد رواه مالك في "الموطأ" (1/101-102) ، وعنه أحمد (4/344) عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي حازم التمار عن البياضي: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. ورواه عبد ربه بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن أبي حازم به، وعن محمد ابن إبراهيم عن غير أبي حازم، على وجوه ذكرتها قديماً في "الصحيحة" (1597) ، فأعللته باضطراب (عبد ربَّه) ، وبأن البياضي لم يسم؛ فهو مجهول، لكني صححت الحديث هناك بشاهده من حديث أبي سعيد الخدري المخرج في "صحيح أبي داود" برقم (1203) . ومع ذلك استدرك علي بعض الإخوان- جزاه الله خيراً- بحديث مالك المذكور هنا عن البياضي، وأنه يدفع الاضطراب الذي في حديث عبد ربه، ويرجح روايته عن محمد عن أبي سلمة عن البياضي. وهذا صحيح، ولكنه أخطأ في قوله: إن البياضي هذا هو (سلمة بن صخر البياضي) الذي ظاهر من امرأته! فإنهم ذكروا أنه ليس له من الحديث إلا حديث المظاهرة. وقد قال ابن عبد البر تحت حديث مالك:

3401

"وأما البياضي؛ فيقولون: اسمه (فروة بن عمرو بن وَدقَة) .. فَخِذٌ من الخزرج ". وجزم بهذا في ترجمة (فروة..) من "الاستيعاب "، وقال: "ولم يختلف في اسم البياضي هذا". قلت: وسواء ثبت هذا أم لا؛ فإن المهم أن نتأكد من كون راوي هذا الحديث عنه- صلى الله عليه وسلم - صحابياً، وليس تابعياً مجهولاً، كما كنت ذكرت هناك. فلما ورد علي الاستدراك المشار إليه؛ حفزني إلى أن أتتبع الموضوع من جديد، ولا سيما وقد ساعد على ذلك صدور بعض الأصول الحديثية التي لم تكن مطبوعة من قبل، فوجدت تصريح البياضي بسماعه الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو صحابي؛ سواء علينا أعرفنا اسمه أم لم نعرف؛ لأن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم عدول، فهم من هذه الحيثية يختلفون عمن بعدهم، كما هو مقرر عند أهل السنة، خلافاً للمبتدعة والرافضة، وهذا هو الوجه لإخراج إمام السنة لحديث البياضي هذا في "مسنده " ولغيره. والله ولي التوفيق. * 3401- (إنّ للمساجدِ أوتاداً، الملائكةُ جلساؤُهم، إن غابُوا يفتقدُونهم، وإن مرضُوا عادُوهم، وإن كانُوا في حاجة أعانُوهم. وقال: جليسُ المسجدِ على ثلاثِ خصالٍ: أخٍ مستفادٍ، أو كلمةِ حكمةٍ، أو رحمةٍ مُنتَظرةٍ) أخرجه الإمام أحمد (2/418) : ثنا قتيبة قال: حدثني ابن لهيعة عن دراج عن ابن حُجيرة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن؛ فإن دراجاً مستقيم الحديث إلا ما كان عن أبي

الهيثم؛ كما قال أبو داود، وتبعه الحافظ؛ وهو الذي اطمأنت إليه النفس وانشرح له الصدر أخيراً، كما كنت بينته تحت الحديث المتقدم (3350) ، وابن حجيرة هو الأكبر، واسمه عبد الرحمن؛ وهو ثقة من رجال مسلم، وكأنه لما ذكرت أعله المنذري بقوله (1/132) : "رواه أحمد من رواية ابن لهيعة". مشيراً إلى ما فيه من الضعف. وصرح بذلك الهيثمي فقال (2/22) : "رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام ". فلم يعلاه بـ (دراج) ، وما ذلك إلا لما تقدم. والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما إعلالهما إياه بـ (ابن لهيعة) ؛ فقد سلكوا فيه الجادة، ولم يتنبهوا أنه من رواية قتيبة- وهو ابن سعيد المصري-، وروايته عنه صحيحة كرواية العبادلة عنه؛ كما تقدم التنبيه على ذلك غير ما مرة. وله شاهد قوي من حديث عبد الله بن سلام قال: ... فذكره موقوفاً؛ ليس فيه رفعه، ولكنه في حكمه؛ لأنه لا يقال بالرأي، وليس فيه: "جليس المسجد ... " إلخ. أخرجه الحاكم (2/398) من طريق الحسن بن مُكرَم البزاز: أنبأ يزيد بن هارون: أنبأ أبو غسان محمد بن مُطَرِّف الليثي: ثنا أبو حازم عن سعيد بن المسيَّب عنه. وقال: "صحيح على شرط الشيخين موقوف ". ووافقه الذهبي. وأقره المنذري! وأقول: إنما هو صحيح فقط؛ لأن الحسن بن مُكرَمٍ البزاز ليس من رجال

الشيخين، ويزيد بن هارون ليس من شيوخهما، وهذا من شرطه الذي عرفناه بالاستقراء: أن ينتهي إسناده عن شيخه ومن فوقه إلى شيخ من شيوخ الشيخين، ويكون من فوقه من رجالهما أيضاً، وإن كان هذا قد أخل به كثيراً كما هو معروف عند الحذاق بهذا الفن. على أن ما ذكرته من الشرط هو اصطلاح خاص به، اصطلح هو عليه؛ وإلا فهو لا يستقيم إلا حين يكون رجال الإسناد كلهم على شرط الشيخين، وهذا لا يمكن إلا إذا كان المسند من طبقتهما كما هو ظاهر عند العلماء، وكذلك رأيناه- في كثير مما صححه على شرطهما أو أحدهما- لا يصح إسناده إلى شيخهما!! ثم إن الحديث- دون (جملة الجليس) - أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (11/297/20585) عن معمر عن عطاء الخراساني ... رفع الحديث فذكره نحوه. وعطاء هذا تابعي ضعيف، قال الحافظ: "صدوق يهم كثيراً، ويرسل، ويدلس ". (تنبيه) : عرفت أن حديث عبد الله بن سلام موقوف عند الحاكم، وقد عزاه إليه المنذري دون قوله: "موقوف "؛ فأضفته إليه في كتابي "صحيح الترغيب والترهيب " (1/203/324) ؛ فإنه قال: "رواه أحمد من رواية ابن لهيعة، ورواه الحاكم من حديث عبد الله بن سلام دون قوله: "جليس المسجد ... " إلى آخره، وقال: "صحيح على شرطهما"! ثم جاء المعلقون الثلاثة الذين أفسدوا الكتاب بتعليقاتهم الكثيرة الفجة! فخلطوا فيها تخليطاً عجيباً تدل الباحث على أنهم ما شموا رائحة هذا العلم؛ فضلاً عن أن يكونوا محققين فيه، وقد سبق أن ذكرنا نماذج من تخاليطهم، ومنها

3402

قولهم على ما ذكرنا من تخريج المنذري (1/298) : "موقوف صحيح، رواه أحمد (2/418) ، والحاكم (2/298) ، وهو صحيح، ولا بد من إضافة لفظة: "موقوف " بعد قول المصنف: "على شرطهما " لأن الحديث موقوف، وليس مرفوعاً "!! فخلطوا المرفوع بالموقوف، وجعلوه كله- بجهلهم البالغ- موقوفاً! وقد عرفت أن في المرفوع ما ليس في الموقوف، وهو قوله: "جليس المسجد ... " كما صرح المنذري، فعَمُوا عن ذلك كله، وأنكروا الحديث المرفوع جملة وتفصيلاً، فكأنهم لم يروه في الكتاب منسوباً إلى النبي صراحة وبرواية أحمد!! والله المستعان. * 3402- (إنّ المسلمَ يصلِّي وخَطاياهُ مرفوعةٌ على رأسِه، كلّما سجَدَ تحاتَّت عنه، فيفرُغُ من صلاتِه؛ وقد تحاتَّت خطاياهُ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/307/6125) ، وفي "الصغير" (ص 237) ، وابن أبي حاتم في "العلل" (1/124/324) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2/800/1957) من طرق عن بشر بن آدم: ثنا أشعث بن أشعث السعداني: ثنا عمران القطان: ثنا سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ... فذكره. وقال الطبراني: "تفرد به بشر". قلت: وهو مختلف فيه، ولخص أقوالهم الحافظ كعادته في "التقريب": "صدوق فيه لين ".

وقال الذهبي في "المغني ": "بصري، من شيوخ النُّبَّل، ثقة، قال النسائي وأبو حاتم: ليس بقوي ". وقال في "الكاشف ": "صدوق". وأعله ابن أبي حاتم بقوله: "هذا خطأ؛ إنما هو عن سلمان قولَه، وأشعث مجهول لا يعرف "! كذا قال! وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (8/128-129) ، وقال: "يُغرِب ". وأقره الحافظ في " اللسان "، وزاد: "وقال البزار: ليس به بأس، حدث عنه أصحابنا؛ بشر بن آدم، وأحمد بن عمر بن عبيدة، وغيرهما". قلت: ومع هذا كله مما تقدم من كلام أبي حاتم فيه، وتوثيق ابن حبان والبزار إياه؛ لم يعرفه المنذري وغيره، فقال في "الترغيب " (1/139/13) : "رواه الطبراني في "الكبير"، و"الصغير"، وفيه أشعث بن أشعث السعداني، لم أقف على ترجمته "! وتبعه الهيثمي (1/ 300) ، وقلدهما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (1/ 311 - 312) ، فصرحوا بتضعيف الحديث! ولو أن الرجل كان مجهولً كما ظنوا؛ فلا يلزم منه ضعف الحديث؛ لأن له شاهداً من حديث ابن عمر من طرق عنه بعضها صحيح، وقد مضى بيان ذلك وتخريجه برقم (1398) ، ولعله لذلك لم يصرح

المنذري بما صرحوا به، بل إنه أشار إلى تقويته بتصديره إياه بقوله: "وعن"، دون قوله: "وروي"! فهذا مما يدل أنهم لا يحسنون حتى التقليد، فهم يخبطون خبط عشواء في الليلة الظلماء! ثم إن الهيثمي زاد في التخريج، فعطف على "المعجمين "؛ فقال: " والبزار"! فأقول: في هذا العزو تسامح وتساهل لا يخفى على من وقف على رواية البزار، فقد قال في "مسنده " (6/47-477- البحر الزخار) : حدثنا بشر بن أدم ... فساق إسناده كما تقدم إلى سلمان مرفوعاً، لكن بلفظ: "إن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى الصلوات الخمس؛ تحاتت خطاياه كما يتحات هذا الورق "؛ ثم تلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: (أقم الصلاة طرفي النهار وزُلَفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات) (¬1) . قلت: وأنا أخشى أن يكون في المطبوعة سقط؛ فإن هذا اللفظ إنما هو من حديث علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي عن سلمان، كما رواه أحمد (5/437-439) وغيره مثل ابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (1/150/83) ؛ أو هو من أوهام البزار نفسه. وقد روي حديث الترجمة من طريق أبان بن أبي عياش عن سعيد بن جبير عن مسروق عن سلمان مرفوعاً بلفظ: "إن العبد المؤمن إذا قام في الصلاة؛ وضعت ذنوبه على رأسه؛ فتفرق عنه، كما تفرق عذوق النخلة يميناً وشمالاً". ¬

(¬1) سقط هذا الحديث من جملة ما سقط من "كشف الأستار".

3403

أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/289-290) . لكن أبان هذا متروك؛ وقال الهيثمي (1/301) : "ضعفه شعبة وأحمد وغيرهما، ووثقه سَلمٌ العلوي وغيره ". (تنبيه) : أشعث بن أشعث؛ هكذا وقع في كل المصادر المتقدمة؛ سوى "اللسان " فهو فيه: (أشعث بن أبي أشعث) بزيادة: (أبي) بينها! وهو خطأ مطبعي؛ فليصحح. * 3403- (مَن صلى الغَدَاةَ في جماعةٍ، ثمّ قعَدَ يذكرُ اللهَ حتَّى تطلعَ الشّمسُ، ثمّ صلّي، ركعتينِ؛ كانت له كأَجرِ حَجّةٍ وعُمرةٍ، تامّةٍ تامّةٍ تامّةٍ) . أخرجه الترمذي (586) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2/790/1930) من طريق أبي ظلال عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال الترمذي: "حديث حسن غريب؛ وسألت محمد بن إسماعيل (يعني: الإمام البخاري) عن أبي ظلال؟ فقال: هو مارب الحديث، واسمه هلال ". قلت: لكن الجمهور على تضعيفه، ولذلك قال الذهبي في كتابه "المغني ": "ضعفوه". وكذا قال في "الكاشف "، وزاد: "سوى ابن حبان ".

وقال الحافظ: "ضعيف" لكن قد تابعه القاسم عن أبي أمامة به. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/209/7741) من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن موسى بن عُلَيّ عن يحيى بن الحارث عنه. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ على الخلاف المعروف في القاسم صاحب أبي أمامة. وعثمان بن عبد الرحمن: هو الحراني، وفيه كلام لا يضر هنا. ولذلك قال المنذري (1/165) ، والهيثمي (10/104) : "رواه الطبراني، وإسناده جيد". وله طريق أخرى؛ يرويه الأحوص بن حكيم عن عبد الله بن غابر عن أبي أمامة مرفوعاً بلفظ: "من صلى صلاة الصبح في مسجد جماعة، يثبت فيه حتى يصلي صلاة الضحى؛ كان كأجر حاج أو معتمر، تاماً حجته وعمرته ". أخرجه الطبراني أيضاً (8/174/7649و180-181) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (7/353- ط) . والأحوص بن حكيم ضعيف؛ لسوء حفظه. وعبد الله بن غابر- بالغين المعجمة-: هو أبو عامر الشامي الحمصي الألهاني، وهو ثقة.

3404

ثم أخرجه الطبراني (17/129/317) ، وابن عساكر أيضاً من طريقين آخرين عن الأحوص به؛ إلا أنه قرن مع أبي أمامة: (عتبة بن عبد السلمي) . وقال المنذري (1/165/8) : "رواه الطبراني، وبعض رواته مختلف فيه، وللحديث شواهد كثيرة". قلت: يشير إلى الأحوص بن حكيم. وقد بين ذلك الهيثمي فقال: "رواه الطبراني، وفيه الأحوص بن حكيم، وثقه العجلي وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر". * 3404- (كان يصلي قبلَ الظُّهرِ- بعد الزّوالِ- أربعاً، ويقولُ: إن أبوابَ السّماءِ تُفتحُ [فيها] ، فأحبُّ أن أقدِّم فيها عمَلاً صالحاً) . أخرجه الإمام أحمد (3/ 411) : ثنا أبو داود الطيالسي قال: ثنا [محمد بن] مسلم بن أبي الوضاح عن عبد الكريم عن مجاهد عن عبد الله بن السائب قال: ... فذكره. وأخرجه الترمذي (478) من طريق الطيالسي به. وقال: "حديث حسن غريب، وقد روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يصلي أربع ركعات بعد الزوال، لا يسلم إلا في آخرهن ". قلت: وإسناد الحديث جيد، وهو على شرط مسلم. وعبد الكريم: هو ابن مالك الجزري. وأبو داود الطيالسي: هو الحافظ سليمان بن داود، صاحب "المسند" المعروف به، وليس الحديث فيه.

3405

والحديث الذي علقه الترمذي؛ وصله الطيالسي في "مسنده " (81/597) بسند ضعيف، وقد رواه ابن ماجه وغيره أتم منه مثل حديث الترجمة، وزاد: لا يفصل بينهن بتسليم ... وهي زيادة منكرة، وقد خرجته وتكلمت عليه في "صحيح أبي داود" (1161) . ولهذه الزيادة شاهد، لكن إسنادها ضعيف جداً، ولذلك خرجت حديثها في "الضعيفة" (6727) . * 3405- (إنّ صاحبَ المَكسِ في النّارِ) . أخرجه أحمد (4/109) : ثنا قتيبة بن سعيد قال: ثنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الخير قال: عرض مَسلَمَةُ بن مَخلَدٍ- وكان أميراً على مصر- على رويفع بن ثابت أن يوليه العُشور، فقال: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير ابن لهيعة، وهو صحيح الحديث إذا روى عنه قتيبة بن سعيد المصري وأمثاله كالعبادلة المصريين كما تقدم تقريره مراراً. ولقد كنت برهة من الدهر أعامل حديث قتيبة غير معاملتي لحديث العبادلة، حتى وقفت على كلام الحافظ الذهبي الذي بين أن حديثه عن ابن لهيعة صحيح كحديث العبادلة- جزاه الله خيراً-، فاقتضى هذا العلم الجديد إعادة النظر في كل أحاديث قتيبة عنه، وتصحيحها بعد تضعيفها إذا سَلِمَ ممن فوقه كهذا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، ولذلك قررت نقله من "ضعيف الجامع الصغير" إلى "صحيح الجامع "، وإيداعه في "صحيح الترغيب " بعد أن كان من المقرر إيداعه في "ضعيف الترغيب "، والحمد لله الذي هدانا لهذا؛ وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

3406

ثم إن (أبا الخير) في الإسناد؛ اسمه (مرثد بن عبد الله اليزني المصري) . وقد أخرج الحديث الطبراني أيضاً في "المعجم الكبير" (5/18/4493) من طريق عبد الله بن صالح: حدثني ابن لهيعة به؛ وزاد عقب الحديث: "يعني: العَشَّار". وأعله المنذري في "الترغيب " (1/279/3) بابن لهيعة، وتبعه الهيثمي (3/88) ، وقلدهما المعلقون الثلاثة على "الترغيب " (1/617) ، ولم يفرقوا بين رواية أحمد، ورواية الطبراني؛ ومع ذلك فالمنذري صدره بقوله: "وعن أبي الخير ... " المشعر بأنه حسن أو قريب من الحسن عنده. وأما المعلقون عليه؛ فجروا على الجادة في حديث ابن لهيعة، فقالوا: "ضعيف "!. * 3406- (ما تَعُدُّون الرَّقُوب فيكم؟ قال: قلنا: الذي لا يولدُ له. قالَ: ليسَ ذاكَ بالرّقُوبِ، ولكنّه الرّجلُ الذي لم يقدِّم من ولده شيئاً. قال: فما تعدُّون الصُّرَعةَ فيكُم؟ قال: قلنا: الذي لا يصرَعُه الرجِال. قال: ليسَ بذلكَ، ولكنّه الذي يملِكُ نفسهُ عند الغَضَبِ) . أخرجه مسلم (8/30) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم 153) ، والبيهقي في " السنن " (4/68) ، و" الشعب " (6/306/8273و7/136/9756) ، وأحمد (1/382) ، وأبو يعلى (9/96-97/5162) ، ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه " (4/264/2939) من طرق عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سُوَيد

عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وروى منه الشطر الثاني ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/344/5430) ، وعنه أبو داود (4779) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/253- 4 25) . وللشطر الأول منه شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعاً: أخرجه البزار (1/406/860) بإسناد صحيح. وأخرجه أبو يعلى (6/133/3408) من طريق أخرى عنه مع الشطر الآخر. وسنده ضعيف. وله- أعني: الشطر الأول- شاهد ثان من حديث أبي هريرة مرفوعاً. أخرجه أبو يعلى (10/6032و6046) من طريق أبي خالد الأحمر عن هشام عن ابن سيرين عنه. وإسناده صحيح. وشاهد ثالث من حديث بريدة مرفوعاً ... وفيه قصة. أخرجه البزار (1/405/857) بإسناد حسن؛ كما قال الحافظ في "مختصر الزوائد" (1/345/554) ، وصححه الحاكم، والذهبي، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (207- 208- طبعة المعارف) . (تنبيه) : زاد البخاري وأبو يعلى في أول حديث ابن مسعود فقرة ثالثة نصها: "أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه؟ "، قالوا: يا رسول الله! ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه! قال: "اعلموا ما تقولون! ". قالوا: ما نعلم إلا ذاك يا رسول الله! قال: "ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله! "،

3407

قالوا: كيف يا رسول الله؟! قال: "إنما مال أحدكم ما قدم، ومال وارثه ما أخر". واللفظ لأبي يعلى، وهو أتم. ثم استدركت فقلت: هذا إنما ساقه أبو يعلى عقب حديث الترجمة، وبسند واحد، وإنما زاده في أوله البخاري كما ذكرت. وهذا القدر منه قد أخرجه في "صحيحه " (6442) مختصراً بإسناد الأعمش المتقدم. فقال الحافظ في "الفتح " (11/260) : "وقد أخرجه سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش به سنداً ومتناً، وزاد في آخره: "ما تعدون الصرعة فيكم؟ ... " الحديث، وزاد فيه أيضاً: "ما تعدون الرقوب فيكم؟ ... " الحديث ". قلت: فكان الأولى بالحافظ أن يعزوها أيضاً للبخاري أيضاً في "الأدب المفرد"، بل هو بالعزو أولى كما لا يخفى على أولي العلم والنهى، ولكن جل من لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. وتقدم تخريج هذه الزيادة في هذا الكتاب (برقم 1486) . * 3407- (دخلَ رجلٌ الجنَّة، فرأَى على بابها مكتوباً: الصّدقةُ بعَشرِ أَمثالها، والقرضُ بثمانية عشر) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/297/7976) ، والبيهقي في "الشعب" (3/284/3564) من طريقين عن سليمان بن عبد الرحمن: ثنا إسماعيل ابن عَيٌاش عن عُتبة بن حميد عن القاسم عن أبي أمامة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

3408

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات، وفي القاسم- وهو ابن عبد الرحمن الدمشقي صاحب أبي أمامة- كلام معروف، وهو حسن الحديث. وعتبة بن حميد، قال أحمد: "ضعيف، ليس بالقوي، ولم يشته الناس حديثه ". وقال أبو حاتم: "صالح الحديث ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/272) . فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، لا سيما وتضعيف أحمد جرح غير مفسر، وإن كان يغمز من حديثه، ولكن ما هو السبب؟ وقد صحح له ابن حبان حديثين، أحدهما: توبع عليه في "صحيح البخاري " وغيره، والآخر: سبق تخريجه في المجلد الثاني من هذه السلسلة رقم (789) . وقد أشار المنذري في "الترغيب " (2/34/3) إلى تقوية الحديث بتصديره إياه بقوله: "وعن أبي أمامة ... ". وبتحسينه لحال عتبة هذا. وللحديث شاهد من حديث أنس رضي الله عنه، وفي آخره زيادة، رواه ابن ماجه وغيره، لكن إسناده ضعيف جداً، ولذلك خرجته في "الضعيفة" (3637) . * 3408- (عليكُم بغَدَاءِ السُّحور؛ فإنّه هو الغَدَاءُ المباركُ) . أخرجه النسائي (1/304) ، وفي " الكبرى " (2/79/2474) ، وأحمد (4/132) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/271/641) ، و"مسند الشاميين "

(2/171-172/1130) من طريق عبد الله بن المبارك عن بقية بن الوليد قال: أخبرني بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن المقدام بن معد يكرب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات كلهم، وقد صرح بقية بالتحديث؛ فأمناً تدليسه. ثم رواه النسائي من طريق ثور عن خالد بن معدان قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره مرسلاً. وإسناده صحيح أيضاً، ولا يعل به المسند؛ لأن الذي أسنده بحير بن سعد، ثقة ثبت؛ كما في "التقريب "، وزيادة الثقة هنا مقبولة اتفاقاً. وله شاهدان من حديث أبي الدرداء، والعرباض بن سارية نحوه. أخرجهما ابن حبان في "صحيحه " (881و882- موارد) بسندين يقوي أحدهما الآخر، أوردهما المنذري في "الترغيب " (2/93/5و6) مشيراً إلى تقويتهما، ساكتاً عن حديث الأول، ومبيناً علة حديث الآخر، وفاته حديث الترجمة، وكان ذلك من الدواعي على إخراجه وبيان صحته؛ لدعم الأحاديث الأخرى. وحديث أبي الدرداء؛ له طريق أخرى عند الطبراني في "المعجم الكبير" (17/131/322) من طريق جُبَارة بن المُغَلِّس: ثنا بِشرُ بن عُمَارة عن الأحوص بن حكيم عن راشد بن سعد عن عتبة بن عبد وأبي الدرداء مرفوعاً بلفظ: "تسحروا من آخر الليل ". وكان يقول: "هو الغداء المبارك ".

لكنه إسناد ضعيف أيضاً، من دون راشد ثلاثتهم ضعفاء. وأعله الهيثمي بـ (جبارة) فقط! (3/151) . وله شاهد قوي؛ يرويه محمد بن إبراهيم- أخو أبي معمر- قال: حدثنا سفيان بن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس قال: أرسل إلي عمر بن الخطاب يدعوني إلى السحور، وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سماه الغداء المبارك. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/308/505) ، ومن طريقه الخطيب في " التاريخ " (1/387) . وقال الطبراني: "لا نعلم رواه عن ابن عيينة إلا محمد بن إبراهيم أخو أبي معمر". قلت: روى الخطيب بسنده أن ابن معين سئل عنه؟ فقال: "مثل أبي معمر لا يسأل عنه، هو وأخوه من أهل الحديث ". وعن موسى بن هارون أنه قال فيه: "صدوق لا بأس به ". قلت: وبقية رجاله رجال الصحيح؛ كما قال الهيثمي (3/151) ؛ إلا شيخ الطبراني (أحمد بن القاسم بن مساور الجوهرى) ، وهو ثقة. وشاهد آخر؛ من حديث عائشة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "قربي إلينا الغداء المبارك "؛ يعني: السحور، وربما لم يكن إلا تمرتين. قال الزهري: السحور سنة.

3409

أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (8/137-138/4679) : حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد بن رفاعة: حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي: حدثنا معاوية عن الزهري عن عروة عن عائشة.. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف أبي هشام الرفاعي عند الجمهور. وقال البخاري: "رأيتهم مجمعين على ضعفه ". ومثله معاوية وهو ابن يحيى الصدفي، وبه فقط أعله المعلق على "مسند أبي يعلى"! وأما قول الهيثمي: "رواه أبو يعلى ورجاله ثقات ". فهو وهم محض لا أدري كيف صدر منه! ومن قلة العلم والفقه، قوله المعلق المشار إليه: "نقول: لكن يشهد له حديث أنس المتقدم ... ". يعني: قول- صلى الله عليه وسلم -: "تسحروا فإن في السحور بركة" متفق عليه. (الروض 49 و 1089) . وذلك؛ لأنه شاهد قاصر ليس فيه وصف السحوربـ "الغداء المبارك " فتأمل. * 3409- (إنّ اللهَ وملائكتَه يصلُّون على المتسحِّرين) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (880- موارد) ، والطبراني في "المعجم

الأوسط " (7/222/6430) ، وأبو نعيم في "الحلية " (8/320) ، والأصبهاني في "الترغيب " (2/726/1766) عن إدريس بن يحيى الخولاني قال: حدثني عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن سليمان الطويل عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الطبراني وأبو نعيم: "تفرد به إدريس بن يحيى". قلت: وهو ثقة، قال فيه ابن أبي حاتم: "صدوق، قال أبو زرعة: رجل صالح من أفاضل المسلمين ". وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال (8/133) : "مستقيم الحديث ". وسائر رجاله ثقات معروفون من رجال "التهذيب"؛ غير عبد الله بن سليمان الطويل، ترجمه البخاري وابن أبي حاتم برواية جمع من الثقات- منهم الليث بن سعد-، وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/41) ، فالإسناد حسن. وأما ما نقله ابن أبي حاتم في "العلل " (1/243-244/712) ؛ أنه سأل أباه عن هذا الحديث؟ فقال: "هذا حديث منكر"! فلا أدري وجهه، لا سيما وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ "السحور أكلة بركة، فلا تدعوه، ولو أن يجرع أحدكم جَرعة ماء؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين ".

3410

أخرجه أحمد (13/12و44) من طريقين؛ في الأول منهما انقطاع بين يحيى بن أبي كثير وأبي رفاعة، وجهالة أبي رفاعة، ويقال: رفاعة. وفي الآخر منهما: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم؛ وهو متروك. وجملة الجرعة منه لها شواهد كثيرة، منها: حديث عبد الله بن عمرو عند ابن حبان (883) بسند حسن، وقد خرجتها باختصار في "الضعيفة" تحت الحديث (1405) . فقول المنذري في حديث أبي سعيد (2/94/10) : "رواه أحمد، وإسناده قوي "! مردود؛ وقد رده الناجي أيضاً كما نقلته عنه في "صحيح الترغيب "، لكن فاته إعلال الطريق الأول. * 3410- (لِيَهنِكَ العلمُ أبا المنذرِ! والذي نفسي بيده؛ إنّ لها لساناً وشَفَتَينِ تُقَدّسان الملِك عند ساقِ العرش. يعني: آيةَ الكرسيّ) . أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (3/370/6001) : أخبرنا الثوري عن سعيد الجُرَيري عن أبي السَّليل عن عبد الله بن رباح عن أبي بن كعب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أي آية في كتاب الله أعظم؟ ". فقال: الله ورسوله أعلم! يكررها مراراً، ثم قال أُبيّ: آية الكرسي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره. ومن طريق عبد الرزاق: أخرجه أحمد (5/141- 142) ، وابن الضُّرَيس في "فضائل القرآن " (90/186) . وتابعه ابن أبي شيبة: نا عبد الأعلى بن عبد الأعلى عن الجريري به بتمامه.

أخرجه البغوي في "شرح السنة" (4/459/1195) ، و"التفسير" (1/310) . وهو في "صحيح مسلم " (2/199) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة به؛ دون قوله: "والذي نفسي بيده ... " إلخ. واستدركه الحاكم (3/304) على مسلم؛ فوهم! وقد أخرجه أبو داود (1460) من طريق أخرى عن عبد الأعلى. وتابعه إسماعيل بن إبراهيم عن سعيد بن إياس الجريري به. أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن " (122/13- 34) . تنبيهان: 1- قوله في الحديث: "لساناً " هو الثابت في كل مصادر التخريج؛ إلا "مصنف عبد الرزاق "، فهو فيه: "للساناً" بزيادة لام التأكيد، فمن تخاليط الشيخ الأعظمي في تعليقاته عليه: قوله: "كذا في "مسند أحمد" (!) وفي (ص) و (ز) : للسانين "! والذي في "المسند" إنما هو: "لساناً" بدون اللام كالمصادر الأخرى كما تقدم. 2- عزا المنذري الحديث لابن أبي شيبة دون أن يقيده بكتاب، فتفضل المعلقون الثلاثة؛ فقيدوه (2/351) بـ "المصنف"! وهذا منهم تخرص ورجم بالغيب، ومن الدليل على ذلك أنهم لما خرجوا الحديث من رواية مسلم وأبي داود؛ قرنوها بالأرقام، بخلاف عزوهم لـ "المصنف "؛ فلم يذكروا له رقماً. ولعلهم لجهلهم لا يعلمون أن لابن أبي شيبة كتباً أخر؛ مثل "المسند" و"التفسير" وغيرهما، فكان بسبب ذلك تقييدهم المذكور!!. *

3411

3411- (لقد سأَلتَ اللهَ باسمِ اللهِ الأعظَم: الذي إذا دُعيَ به أجابَ، وإذا سُئل به أعطَى) . أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/272/9410) ، وأحمد (3/120) قالا: ثنا وكيع: حدثني أبو خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلاً يقول: اللهم! لك الحمد، لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، المنّان، بديع السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام! فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ومن طريق وكيع: أخرجه ابن ماجه (3858) . قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير أبي خزيمة، قال أبو حاتم: "لابأس به ". وذكره ابن حبان في "الثقات " (6/465) ، وسماه: (صالح بن مرداس) وروى عنه جمع من الثقات الحفاظ، وقال الذهبي، والحافظ: "صدوق ". وله طريقان آخران: أحد هما: يرويه محمد بن إسحاق: حدثني عبد العزيز بن مسلم عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة عن أنس به، دون قوله: "وحدك لا شريك لك ".

أخرجه أحمد (3/265) ، والبخاري في " التاريخ " (3/2/27) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/62) . قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن، رجاله ثقات معروفون؛ غير عبد العزيز بن مسلم- وهو الأنصاري مولى آل رفاعة-، وثقه ابن حبان (5/123) ، وروى عنه أيضاً معاوية بن صالح. وقال الحافظ: "مقبول ". والآخر: يرويه خلف بن خليفة: ثنا حفص بن عمر عن أنس به نحوه، دون قوله المذكور، وزاد بعد جملة (الجلال) : "يا حي يا قيوم! ". ورجاله ثقات؛ لكن خلفاً هذا كان اختلط، وقد خرجت حديثه هذا في "صحيح أبي داود" (1342) لطرقه، وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي. (تنبيه) : وقع في الطريق الأولى- بين عبد العزيز بن مسلم وإبراهيم بن عبيد- زيادة: (عن عاصم) في "المسند" فقط، وهي ثابتة في "جامع المسانيد" لابن كثير (21/22/9) ، وكذا في "أطراف المسند" لابن حجر العسقلاني (1/271) ، والظاهر أنه خطأ قديم مقحم من بعض النساخ؛ لعدم ورودها عند البخاري والطحاوي أولاً، ولأنهم لم يذكروا (عاصماً) هذا في شيوخ عبد العزيز بن مسلم- كما تقدم-، ولا في الرواة عن إبراهيم بن عبيد ثانياً، والله أعلم. تنبيه آخر: لقد وقع في سياق حديث الترجمة عند المنذري في "الترغيب " (2/234/4) - وقد ساقه بلفظ أحمد- زيادة ونقص، فقال: "لا إله إلا أنت، يا حنان يا منان! يا بديع ... " فزاد: "يا" النداء في الجمل

الثلاثة، وزاد اسم: "حنان"! وأسقط جملة: "وحدك لا شريك لك ". ولا أصل للاسم المذكور إلا في رواية لأحمد في طريق (خلف) (3/158) ، وأظنها خطأ أيضاً من بعض النساخ أو الرواة؛ ففي الرواية الأخرى عنده (3/245) : "المنان"، وهو الثابت في رواية أبي داود والنسائي والطحاوي وابن حبان والحاكم، ويشهد له حديث الترجمة. وأظن أن ما في "الترغيب " بعضه من تلفيق المؤلف نفسه بين الروايات- وهو من عادته فيه! - وبعضه من النساخ. ولم يتنبه لهذا الخلط المعلقون الثلاثة عليه (2/481) ، فلم ينبهوا عليه كما هو واجب التحقيق الذي ادعوه في طبعتهم الجديدة لـ "الترغيب "! بل زادوا عليه خلطاً من عندهم! فجعلوا مكان قوله: "سألت الله"- الثابت في "مسند أحمد" وغيره-: قولهم: [دعا الله] ، هكذا بين معكوفتين، وعلقوا عليه فقالوا: "ليست في (ب) "! قلت: وهذا تعليق هزيل، فمع أن الزيادة مخالفة لرواية "المسند" " فإنها تعني أن الأصل الذي طبعوا عليه فيه سقط، وأنه بلفظ: "لقد.. باسمه الأعظم ... ". وهذا غير معقول ولا مفهوم! فكان عليهم أن يبينوا ماذا في نسخة (ب) ، (ذلك مبلغهم من العلم) والتحقيق المزعوم! وزادوا- ضغثاً على إبَّالة- أنهم عزوا الحديث لأحمد (5/349و360) ! وإنما هو في المجلد الثالث منه كما تقدم. وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى "الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان " في طبعتيه، فرأيت في حديث خلف:

3412

"أنت الحنان المنان "؛ جمع بين الاسمين، لكن ليس في "زوائد ابن حبان " (2382) للهيثمي إلا: "أنت المنان ". وهو المحفوظ، وزيادة: " الحنان " شاذة باعتبارين: أحدهما: عدم ورودها مطلقاً في حديث الترجمة وغيره، كما سبق. والآخر: مخالفتها لكل الطرق الدائرة على (خلف) ، فليس فيها الجمع المذكور. ومما يؤكده أن راويه في "صحيح ابن حبان" عن (خلف) هو قتيبة بن سعيد، وعنه رواه النسائي دون الزيادة، فكان هذا مما يرجح ما في "زوائد ابن حبان " على ما في "الإحسان ". من أجل ذلك؛ يبدو جلياً خطأ المعلقين الثلاثة الذي سكتوا في تعليقهم على "الترغيب" عن هذه الزيادة، وليس ذلك غريباً عنهم؛ فإنهم لا يحسنون غيره لجهلهم، ولكن الغريب أن يلحقها بـ "زوائد ابن حبان" (2/1075- طبع المؤسسة) المعلقان عليه، ويجعلاها بين معكوفتين: [الحنان] ، وهي لا تصح لشذوذها ومخالفتها للطرق عن (خلف) ، ومنها طريق قتيبة، ولمباينتها لسائر الطرق على أنس، وبخاصة طريق حديث الترجمة. * 3412- (لا صلاةَ بعدَ العصر حتّى تغربَ الشمسُ، ولا بعْدَ الفجْرِ حتّى تطلعَ الشمسُ إلا بمكةَ، إلا بمكةَ، [إلا بمكةَ] ) . أخرجه أحمد (5/165) : ثنا يزيد، والدارقطني في "سننه " (1/424/6) ، والبيهقي (2/461) من طريق محمد بن إدريس الشافعي، والبيهقي أيضاً

والطبراني في "المعجم الأوسط " (1/468/851) عن سنيد بن سليمان؛ ثلاثتهم عن عبد الله بن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد عن أبي ذر: أنه أخذ بحلقة باب الكعبة، فقال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال الطبراني: "لم يروه عن قيس بن سعد إلا حميد بن قيس الأعرج، تفرد به عبد الله بن المؤمل المخزومي "! كذا قال! وقد توبع كما يأتي؛ فانتظر. وخالف هؤلاء الثلاثة سعيد بن سالم القدََّاح، فقال: عن عبد الله بن مؤمل عن حميد مولى عفراء عن مجاهد به؛ لم يذكر: قيس بن سعد. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (4/226/2748) ، وابن عدي في "الكامل " (4/137) . وقال ابن خزيمة: "أنا أشك في سماع مجاهد من أبي ذر". قلت: لعل مستند هذا الشك ما أخرجه ابن عدي (7/289) ، ومن طريقه البيهقي قال: حدثنا محمد بن يونس العُصفُرِي: حدثنا محمد بن موسى الحَرَشِيُّ: حدثني اليَسَعُ بن طلحة القرشي- من أهل مكة-: سمعت مجاهداً يقول: بلغنا أن أبا ذر قال ... فذكر الحديث مختصراً جداً بلفظ: "لا صلاة بعد العصر إلا بمكة ". لكن اليسع بن طلحة هذا ضعيف جداً، قال البخاري وأبو زرعة: "منكر الحديث ".

وقال البيهقي عقبه: "اليسع بن طلحة ضعفوه، والحديث منقطع؛ مجاهد لم يدرك أبا ذر، والله أعلم". قلت: نفيه الإدراك قد سبق إليه من غير ما واحد من الحفاظ. وقد جاء في "نصب الراية" للزيلعي (1/254) عقب النفي المذكور: "قال الشيخ (يعني: ابن دقيق العيد) في "الإمام ": وحديث أبي ذر هذا معلول بأربعة أشياء: أحدها: انقطاع ما بين مجاهد وأبي ذر.. (ثم ذكر كلام البيهقي) . والثاني: اختلاف في إسناده؛ فرواه سعيد بن سالم عن ابن المؤمل عن حميد مولى عفراء عن مجاهد عن أبي ذر، لم يذكر فيه قيس بن سعد. أخرجه كذلك ابن عدي في "الكامل ". قال البيهقي: "وكذلك رواه عبد الله بن محمد الشامي عن ابن المؤمل عن حميد الأعرج عن مجاهد". والثالث: ضعف ابن المؤمل، قال النسائي وابن معين: "ضعيف ". وقال أحمد: "أحاديثه مناكير". وقال ابن عدي: "عامة حديثه الضعف عليه بيِّن ". الرابع: ضعف حميد مولى عفراء، قال البيهقي: "ليس بالقوي ". وقال أبو عمر بن عبد البر: "هو ضعيف ". انتهى"! قلت: هذه العلل عندي واهية جداً؛ باستثناء الأولى والثالثة ففيهما نظر يأتي بيانه، وأوهاها رابعها؛ فإن حميداً هذا- وهو ابن قيس الأعرج المكي القاري-

قد وثقه جمهور الأئمة المتقدمين، ومنهم البخاري، ولم يضعفه أحد منهم إلا أحمد في رواية؛ فإنه قال ما قاله البيهقي، وهذا وإن كان لا يعني أنه "ضعيف " كما أطلق ابن عبد البر، لما هو معلوم من الفرق بين هذا وبين ما لو قال: "ليس بقوي"، ولا سيما وقد قال أحمد في رواية أخرى عنه: "ثقة". وقال ابن معين فيه: ولذلك أخرج له الشيخان في "الصحيحين "؛ فقد جاوز القنطرة يقيناً. ونحوه في الضعف الوجه الثاني؛ لأن مثل هذا الاختلاف لا قيمة له؛ بل لا ينبغي أن يذكر؛ لأن سعيد بن سالم- لو كان ثقة- فلا ينبغي أن يلتفت إلى مخالفته للثلاثة الثقات الذين تقدم ذكرهم، وبخاصة منهم الإمام الشافعي، فكيف وهو مضعف من قبل حفظه؟! ومثله يقال- ومن باب أولى- في متابعة (عبد الله بن محمد الشامي) - وفي "سنن البيهقي ": (الشافعي) -؛ فإنه غير معروف في كتب الرجال، مع احتمال أن يكون الذي في "الميزان ": "عبد الله بن محمد بن حجر الشامي، نزيل رأس العين، ضعفه الأزدي ". وزاد عليه الحافظ وفي "اللسان" أنه ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأنه قال: "يغرب وينفرد". وقد ذكره في الطبقة الرابعة منه (8/349) . ثم إنه لو سلمنا جدلاً أن لمثل هذه المخالفة قيمة تذكر؛ فيمكن الترجيح من

جهة أخرى- غير الأكثر والأوثق- بأن يقال: إن هؤلاء معهم زيادة، وزيادة الثقة مقبولة. وفي الجواب التالي ما يؤكد ذلك. وأما الجواب عن الوجه الثالث؛ فهو عند البيهقي نفسه؛ فإنه بعد أن ساق رواية عبد الله بن المؤمل وضعفه؛ قال معقباً عليه: "إلا أن إبراهيم بن طهمان قد تابعه في ذلك عن حميد، وأقام إسناده ". ثم ساقه عنه: ثنا حميد مولى عفراء عن قيس بن سعد عن مجاهد قال: جاءنا أبو ذر، فأخذ بحلقة الباب، ثم قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بأذني هاتين ... فذكر حديث الترجمة بالزيادة. ثم أعله بضعف (حميد) - وسبق الجواب عنه-، وبالانقطاع، وبقوله: "ومجاهد لا يثبت له سماع من أبي ذر، وقوله: "جاءنا" يعني: جاء بلدنا. والله أعلم"! لقد صرح مجاهد بقوله: "جاءنا أبو ذر"؛ فهذا تصريح منه بلقياه إياه وسماعه منه في مكة، ومجاهد مكي كما هو معروف، والسند إليه بذلك صحيح، والتأويل الذي ذكره البيهقي؛ إنما يصح المصير إليه؛ إذا ثبت بإسناد صحيح أيضاً ولا يقبل التأويل، كما لو ثبت أنه ولد بعد وفاة أبي ذر، أو كان صغيراً، أو نحو ذلك من الأمور التي يصلح الاعتماد عليها بعد ثبوتها؛ ففي هذه الحالة يمكن القول بالتأويل المذكور. والله أعلم. ومع ذلك؛ فمن المسلَّم عند العلماء أن مراسيل مجاهد خير من مراسيل غيره من التابعين كعطاء وغيره، فإن لم يثبت سماعه للحديث من أبي ذر؛ فهو مرسل صحيح، يمكن تقويته ببعض الشواهد:

فمنها: ما رواه عبد الله بن باباه عن أبي الدرداء: أنه طاف بعد العصر عند مغارب الشمس، فصلى ركعتين قبل غروب الشمس، فقيل له: يا أبا الدرداء! أنتم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تقولون: لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس؟! فقال: إن هذه البلدة بلدة ليست كغيرها. أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني " (1/396) ، والبيهقي أيضاً (2/463) ، وإسناده صحيح، ولذلك لم يسعه إلا أن يقول بصحة الاستثناء المذكور في حديث الترجمة، فقال: "وهذا القول من أبي الدرداء يوجب تخصيص المكان بذلك. والله أعلم ". وهناك آثار أخرى تشهد لصحة الاستثناء، ولذلك رأيت الحافظ ابن عبد البر - مع تضعيفه لسند الحديث وإعلاله إياه بما تقدم- مع الرد عليه-؛ قال في "التمهيد" (13/45) : "وهذا حديث وإن لم يكن بالقوي- لضعف حميد مولى عفراء، ولأن مجاهداً لم يسمع من أبي ذر-؛ ففي حديث جبير بن مطعم ما يقويه، مع قول جمهور علماء المسلمين به، وذلك أن ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، والحسن، والحسين، وعطاء، وطاوس، ومجاهداً، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزبير " كانوا يطوفون بعد العصر، وبعضهم بعد الصبح أيضاً، ويصلون بإثر فراغهم من طوافهم ركعتين في ذلك الوقت، وبه قال الشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود بن علي ... ". ثم ذكر من خالفهم، فمن شاء رجع إليه فإن فيما ذكر من الحجة ما يغني عن حكاية أقوال المخالفين، ولا سيما وقد قال في بعضها:

"وهذا لا وجه له في النظر؛ لأن الفرق بين ذلك لا دليل عليه من خبر ثابت، ولا قياس صحيح. والله أعلم ". وحديث جبير بن مطعم الذي أشار إليه كاف في إقامة الحجة على المخالفين إذا وقفوا عليه، وأنصفوا ولم يقلدوا، ونصه: "يا بني عبد مناف! لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت وصلى؛ أية ساعة شاء؛ من ليل أو نهار". وقد صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، وهو مخرج في " الإرواء " (2/238- 239) . واعلم أن الباعث على تخريج حديث الترجمة في هذه السلسلة: أنني كنت علقت عليه في "المشكاة" (1/331) من رواية أحمد بأن: "إسناده ضعيف، لكن يشهد له الحديث المتقدم (1041) "؛ وفاتني أن أعطف على هذا الرقم رقماً آخر وهو (1045) ، فرد علي بعض المعاصرين بأدب ولطف في رسالة له أسماها: "الإعلام في إيضاح ما خفي على الإمام "! بأن الحديث المشار إليه (1041) ليس فيه ما يشهد للاستثناء: "إلا بمكة"، ولقد صدق، وقالت (ص30) : "وهو استثناء ضعيف سنداً ومتناً، والصحيح القول بالعموم، والله أعلم. وانظر"نصب الراية " (1/254) ، و"البيهقي " (2/461) "! فعجبت من غضه نظره عن حديث جبير بن مطعم المؤيد للاستثناء الذي عليه جمهور العلماء كما تقدم، ومن أمره بالنظر في المصدرين المذكورين، وفيهما حديث جبير وغيره من الطرق والشواهد. (تنبيه) : ليس في إسناد حديث الترجمة في "مسند أحمد" ذكر لـ (حميد

3413

مولى غفرة) ، فظننت أنه سقط من الطابع، فرجعت للتأكد إلى "جامع المسانيد" لابن كثير؛ في ترجمة (مجاهد عن أبي ذر) (13/768) ؛ فلم أجده فيه، فكأنه سقط عنه، ثم رجعت إلى "أطراف المسند" لابن حجر العسقلاني (6/185/8071) ، فوجدته كما هو في "المسند"، فترجح عندي أنه سقط قديم، فيمكن أن يكون من بعض النساخ، أو من عبد الله بن المؤمل نفسه، أثبته تارة، وأسقطه تارة، وذلك مما يؤكد ضعفه. والله أعلم. لكني رأيت الهيثمي قال في "المجمع " (2/228) : "رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط "، وفيه عبد الله بن المؤمل المخزومي؛ ضعفه أحمد وغيره، ووثقه ابن معين في رواية وابن حبان، وقال: "يخطئ"، وبقية رجال أحمد رجال (الصحيح) "! قلت: فلم يفرق الهيثمي بين رواية أحمد والطبراني، فإما أن تكون روايتهما واحدة، في الأولى ما في الأخرى من ثبوت ذكر (حميد) في الإسناد، فتكون نسخة الهيثمي من "المسند" على خلاف نسخة الحافظ في "الأطراف"، أو يكون حمل رواية "المسند" على رواية الطبراني، مع ما فيها من السقط، فعل ذلك تسامحاً أو سهواً! وهذا هو الأقرب. والله أعلم. * مِن كَرَمِهِ - صلى الله عليه وسلم - وحُسنِ قَضَائِه 3413- (نِصفٌ لك قضاءٌ، ونصفٌ لك نائلٌ منِّي) . أخرجه البيهقي في "السنن " (5/351) ، و"شعب الإيمان " (7/531/11237) من طريقين عن أبي عبد الله البُوشَنجي محمد بن إبراهيم: ثنا أبو صالح الفراء

محبوب بن موسى: أنا عبد الله بن المبارك عن حمزة الزيات عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: أتى رجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يسأله، فاستسلف له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -شطر وَسقٍ، فأعطاه إياه، فجاء الرجل يتقاضاه، فأعطاه وسقاً، وقال: ... فذكره. وقد توبع البوشنجي- وهو ثقة حافظ- بأتم منه، فقال البزار في "مسنده" (2/103-104/1306- كشف الأستار) : حدثنا محمد بن أبي غالب: ثنا أبو صالح الفراء به، ولفظه: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل يتقاضاه، قد استسلف منه شطر وسق، فأعطاه وسقاً، فقال: "نصف وسق لك، ونصف وسق لك من عندي ". ثم جاء صاحب الوسق يتقاضاه، فأعطاه وسقين، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "وسق لك، ووسق من عندي ". وقال البزار: "لا نعلمه رواه عن حبيب هكذا إلا حمزة الزيات، ولا عنه إلا ابن المبارك ". قلت: وكلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير حمزة الزيات؛ فهو من رجال مسلم، وفيه كلام يسير أشار إليه الحافظ بقوله في "التقريب ": "صدوق زاهد، ربما وهم ". ولذلك قال المنذري في "الترغيب " (3/20/14) : "رواه البزار، وإسناده حسن إن شاء الله ".

وأما الهيثمي، فقال في "المجمع " (4/141) : "رواه البزار، وفيه أبو صالح الفراء، لم أعرفه، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "! وأقره الشيخ الأعظمي في تعليقه علي "كشف الأستار"! وقلده المعلقون الثلاثة على "الترغيب" (2/553) ، فضعفوا الحديث! وفاتهم جميعاً رواية البيهقي المصرحة بأنه (محبوب بن موسى) ، وهو معروف من شيوخ أبي داود، وقد وثقه الذهبي في "الكاشف ". وقال الحافظ في "التقريب ": " صدوق ". قلت: ولذلك لما نقل الحافظ في "مختصر زوائد مختصر البزار" قول شيخه الهيثمي المتقدم في (أبي صالح) : "ولم أعرفه "؛ قال (1/529) متعقباً عليه: "قلت: هو محبوب بن موسى؛ ثقة صالح ". ثم أقول: لقد رمى ابن خزيمة وابن حبان (حبيب بن أبي ثابت) بالتدليس، وقال الحافظ في "التقريب ": "ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس ". قلت: ولم يعرج الحافظ الذهبي في كل كتبه التي ترجم له فيها على وصفه بالتدليس، مثل: "تذكرة الحفاظ "، "وسير أعلام النبلاء "، و"تاريخ الإسلام "، و"الكاشف"، وغيرها، ولما أورده في "الميزان"؛ وصفه بقوله: "من ثقات التابعين، وثقه ابن معين وجماعة، واحتج به كل من أفرد الصحاح بلا تردد". ثم اعتذر عن إيراده فيه بقوله: "ولولا أن الدولابي وغيره ذكروه، لما ذكرته ".

3414

فلعل إعراض الذهبي عن وصفه بالتدليس؛ لقلته في جملة ما روى من الأحاديث، فمثله مما يغض النظر عن عنعنته عند العلماء؛ إلا إذا ظهر أن في حديثه شيئاً يستدعي رده من نكارة أو شذوذ أو مخالفة، أو على الأقل يقتضي التوقف عن تصحيح حديثه. ولعل هذا هو السبب في أن ابن حبان وشيخه قد أخرجا له في "صحيحيهما" بعض الأحاديث معنعنة، كالحديث الآتي بعد هذا وغيره، فانظر "صحيح ابن حبان " (375و420) ، و"صحيح ابن خزيمة" (23و1172و1684) ، وهو السبب أيضاً في تحسين المنذري حديثه هذا كما تقدم. والله أعلم. * 3414- (من قالَ حين يأوي إلى فراشِه: "لا إلهَ إلا اللهُ، وحدَه لا شريكَ لهُ، له الملكُ، وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قَديرٌ، ولا حولَ ولا قوَّة إلا بالله، سبحانَ اللهِ، والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أكبرُ". غُفِرت له ذنوبُه- أو قالَ: خطاياهُ، شكّ مِسعَر- وإن كانَت مثلَ زَبَدِ البحرِ) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (587/2365) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة " (229/716) ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (1/267) من طريق مسعر بن كِدام عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن باباه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وتابعه شعبة وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت به نحوه، إلا أنهما لم يرفعاه. أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (471/811) ، وقال:

"ليس في حديث شعبة: (عند منامه) ". قلت: سفيان أحفظ من شعبة، لا سيما وزيادة الثقة مقبولة، فكيف وقد رفعه مسعر أيضاً؟! تم رأيت الأعمش قد رواه عن حبيب به موقوفاً؛ عند ابن أبي شيبة (9/73-74و10/250) ، فالحكم للزيادة؛ ولا سيما أنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، والسند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم؛ لولا أن حبيب بن أبي ثابت كان يدلس؛ كما قال ابن حبان نفسه تبعاً لشيخه ابن خزيمة، لكن سبق مني بيان ما يرجح أن تدليسه قليل، وأن مثله يمشي العلماء حديثه حتى يتبين أن فيه علة قادحة، وأنه لذلك أخرج له ابن حبان أحاديث معنعنة في "صحيحه"، وهذا منها، فانظره في الحديث الذي قبله. على أن في هذا ما يؤمننا من تدليسه، وهو رواية شعبة عنه عند النسائي كما تقدم؛ فإنه من المعروف عنه حرصه في عدم التحديث عن المعروف بالتدليس إذا لم يصرح بالتحديث، كما في "تقدمة الجرح والتعديل " (161 و169) : "وقال شعبة: كنت أتفقد فم قتادة، فإذا قال: "سمعت " أو "حدثنا"؛ حَفِظتُ، وإذا قال: "حدث فلان "؛ تَرَكتُه "، وانظر (2/35) منه؛ تزدد يقيناً. (تنبيه) : تناقض في هذا الحديث المعلق على "الإحسان " (12/338) ، فأعله بعنعنة (حبيب) ، وأما في تحقيقه لكتاب "موارد الظمآن " (2/1066) ، فقال: إنه "حسن"! ولم يبين وجه ذلك بعد ذلك الإعلال ومع الإحالة عليه!! وقلده المعلقون الثلاثة في التحسين وبدون بيان أيضاً؟ كما هي عادتهم! وأما المعلقان على الطبعة السورية لـ "الموارد"؛, فجريا على الجادة، فضعفا إسناده بعلة العنعنة! *

3415

فضل قضاء الدَّين عن الميت 3415- (ها هنا أَحدٌ من بني فُلانٍ؟ إن صاحبَكم محبُوسٌ ببابِ الجنّةِ بدَينٍ عليه) أخرجه الطيالسي في "مسنده " (121/891) : حدثنا شعبة قال: أخبرني فراس قال: سمعت الشعبي قال: سمعت سمرة بن جندب يقول: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح فقال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، مسلسل بالسماع. وقد رواه بعضهم عن الشعبي عن سمعان بن مشنَّج عن سمرة مختصراً ومطولاً، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 26- المعارف) ؛ وقلت هناك: "وهو على الوجه الأول صحيح على شرط الشيخين، كما قال الحاكم ووافقه الذهبي، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط ". وذلك؛ لأن سمعان هذا قد وثقه جماعة، مع أنهم لم يذكروا له راوياً غير الشعبي؛ وما ذاك إلا لإجلالهم وإكبارهم للشعبي، حتى قال ابن معين: "إذا حدث الشعبي عن رجل فسماه؛ فهو ثقة يحتج بحديثه ". وقال العجلي في "ثقاته " (244/751) : "مرسل الشعبي صحيح، لا يرسل إلا صحيحاً صحيحاً ". ومع ذلك كله؛ فقد أعله البخاري بالانقطاع، فقال في ترجمة (سمعان) من "التاريخ الكبير" (2/2/204) : "ولا نعلم لسمعان سماعاً من سمرة، ولا للشعبي من سمعان "!

قلت: وهذا الإعلال منسجم مع مذهب البخاري المعروف في اشتراطه معرفة اللقاء كشرط في الاتصال، لكن الجمهور على خلافه، فإنهم يكتفون بإمكان اللقاء لمجرد المعاصرة، وإن كان شرط البخاري أحوط، فهو شرط كمال- عندنا- وليس شرط صحة، وعلى هذا فإعلال البخاري غير وارد في هذا الحديث. ونحوه قول أبي حاتم في "المراسيل " (ص 102) : "لا أدري سمع الشعبي من سمرة أم لا؟ لأنه أدخل بينه وبينه رجلاً". قلت: وهذا الشك لا ينفي الاتصال؛ لأنه ليس علماً، فلا إشكال، وإنما الإشكال في جزمه بالنفي في ترجمة الشعبي؛ كما رواه عنه ابنه في "الجرح والتعديل " (3/323) : "ولم يسمع من سمرة بن جندب، وحديث شعبة عن فراس عن الشعبي: سمعت سمرة.. غلط، بينهما سمعان بن مشنج ". قلت: وجود واسطة بينهما في بعض الروايات لا ينفي أنه سمع من سمرة؛ لاحتمال أنه سمعه منه فيما بعد، ما دامت المعاصرة متحققة، وقد ذكر ابن أبي حاتم نفسه في أول ترجمة الشعبي: أنه رأى علي بن أبي طالب. بل قال الحافظ العلائي في "جامع التحصيل في أحكام المراسيل " (ص 248/322) : "روى عن علي رضي الله عنه، وذلك في "صحيح البخاري " (¬1) ، وهو لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء كما تقدم ". قلت: وعلي رضي الله عنه توفي سنة (40) ، وسمرة سنة (58) ، فإمكان اللقاء والسماع منه متحقق، فالجزم بعدم سماعه منه لمجرد وجود الواسطة بينهما ¬

(¬1) انظر "كتاب الحدود" رقم (6812- الفتح 12/117) .

3415/2

مردود؛ لما ذكرته من الاحتمال، هذا إذا لم يثبت تصريحه بسماعه منه، فكيف وقد صرح به في رواية الحافظ الطيالسي. وقول أبي حاتم بأنه "غلط"! مردود أيضاً؛ لأنه لا يجوز رد رواية الثقة ما دام الجمع بينها وبين الرواية الأخرى التي أثبتت الواسطة ممكناً بما قدمت. على أن هذه الرواية قد أشار النسائي إلى شذوذها؛ فقد قال عقب الحديث في " السنن الكبرى " (4/58) : "وقد رواه غير واحد عن الشعبي عن سمرة، وقد روي أيضاً عن الشعبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. ولا نعلم أحداً قال في هذا الحديث: [عن] (سمعان) ؛ غير سعيد بن مسروق ". وأقره الحافظ المزي. فإن صح هذا؛ فبها، وإلا؛ ففيما تقدم من الجواب كفاية وبركة. * من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - 3415/2- (بينَ يدَيِ السّاعةِ يظهرُ الرِّبا، والزِّنى، والخمرُ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (8/340/7691) : حدثنا محمد بن داود بن جابر الأحمسي البغدادي قال: حدثنا محمد بن عباد المكي قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن بشير أبي إسماعيل عن سَيَّار عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال: "لم يروه عن بشير أبي إسماعيل إلا حاتم بن إسماعيل ". قلت: وهو ثقة من رجال الشيخين، وبشير أبو إسماعيل- وهو ابن سلمان- ثقة من رجال مسلم.

وسيار: هو أبو حمزة الكوفي، وثقه ابن حبان، وصحح له الحاكم (1/408) ، ووافقه الذهبي؛ فهو حسن الحديث. ومحمد بن عباد المكي ثقة أيضاً من رجال الشيخين. وأما محمد بن داود بن جابر الأحمسي " فأورده الخطيب في "التاريخ" (5/263- 264) ، وساق له حديثاً من طريق الطبراني أيضاً غير هذا، ولم يزد؛ فهو مجهول. لكنه قد توبع، فأخرجه الشَّجَري في "الأمالي " (2/273) من طريق أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا محمد بن عباد المكي به. وأحمد بن عبد الجبار، قال الذهبي في "المغني": "حديثه مستقيم، وضعفه غير واحد". وتابعه أيضاً غيره، فقال الطبراني في "الأوسط " أيضاً (9/73/8154) : حدثنا موسى بن هارون قال: حدثنا محمد بن عباد المكي به؛ غير أنه لم يذكر: "الزنى". وموسى بن هارون: هو الحمال، ثقة حافظ. وبهذا التخريج يتبين أن الحديث رجال إسناده رجال "الصحيح"؛ غير سيار أبي حمزه الكوفي، وقد سبق أنه حسن الحديث. وقد أشار المنذري في "الترغيب" (3/52/23) إلى تقوية الحديث. وأما قول الهيثمي في "المجمع " (4/118) : "رواه الطبراني في " الأوسط "، ورجاله رجال (الصحيح) "! فهذا التعميم- فيما يبدو لي- يعني أن (سياراً) هذا هو أبو الحكم العنزي الواسطي؛ فإنه من رجال الشيخين، لكن الإمام أحمد وغيره جزم بأن (سياراً)

3416

الذي يروي عنه بشير بن سلمان هو أبو حمزة الكوفي، وليس هو أبا الحكم، وإن جاء ذلك صريحاً في بعض الروايات عن بشير؛ انظر الحديث المخرج تحت الحديث (2767) ، فلهذا اقتصرت على التحسين. لكن الحديث صحيح، ومن دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد جاء مفرقاً في أحاديث تقدم بعضها، فانظر مثلاً حديث ابن عمر المتقدم برقم (107) ، وحديث ابن عباس المخرج في "غاية المرام" (203/344) ، وحديث عبادة بن الصامت في "الصحيحة" برقم (1604) وغيرها. ومن ذلك قوله- صلى الله عليه وسلم -: "إن من أشراط الساعة: أن يُرفَعَ العِلمُ، ويَظهَرَ الجَهلُ، ويَفشُوَ الزِّنى، وتُشرَبَ الخمرُ ... " الحديث. أخرجه الشيخان في "العلم "، وأصحاب "السنن "- غير أبي داود-، وصححه الترمذي (2205) . * 3416- (ما من مسلِمَينِ يموتُ لهما ثلاثةُ أطفالٍ لم يبلغُوا الحنثَ، إلا جِيءَ بهم حتّى يُوقفُوا على باب الجنّة، فيقالُ لهم: ادخلوا الجنّة، فيقولون: أندخلُ ولم يدخل أبوانَا؟! فيقالُ لهم- فلا أدري في الثّانيةِ-: ادخلوا الجنة وآباؤكم، قال: فذلك قولُ الله عزّ وجلّ: (فما تنفعُهم شفاعةُ الشّافِعين) ؛ قالَ: نفعَتِ الآباءَ شفاعةُ أولادِهم) . أخرجه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/230/2) : أخبرنا النضر بن شُمَيلٍ: نا أبان بن صَمعة: نا محمد بن سيرين عن حبيبة- أو أم حبيبة- قالت: كنا في بيت عائشة، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره.

وهكذا أخرجه ابن سعد في "الطبقات " (8/446) فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري: حدثنا أبان بن صمعة قال: سمعت محمد بن سيرين- ودخل علينا في السجن على يزيد بن أبي بكر [ة]- فقال: حدثتني حبيبة: أنها كانت في بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء النبي- صلى الله عليه وسلم - ... الحديث إلى قوله: "ادخلوا أنتم وآباؤكم " دون ما بعده، وزاد: فقالت عائشة للمرأة: أسمعت؟ فقالت: نعم. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/224/570) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/342/2) من طرق أخرى عن أبان بن صمعة مختصراً به. ثم أخرجه الطبراني من طريقين عن عبد الرزاق قال: سمعت هشام بن حسان يحدث عن محمد بن سيرين عن يزيد بن أبي بكرة قال: حدثتني حبيبة أنها كانت عند عائشة.. الحديث إلى قوله: "ادخلوا أنتم وآباؤكم الجنة ". وقال الهيثمي في "المجمع " (3/7) : "رواه الطبراني في "الكبير"، ورجاله رجال "الصحيح "، خلا يزيد بن أبي بكرة، ولم أجد له ترجمة، وأعاده بإسناد آخر، ورجاله ثقات، وليس فيه (يزيد بن أبي بكرة) ، والله أعلم "! قلت: يزيد بن أبي بكرة الثقفي؛ ذكره ابن سعد في أولاد أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه؛ في كتابه "الطبقات" (7/191) ، ولم يترجم له. وأورده ابن حبان في "الثقات " (5/534) ، وقال: "روى عنه أهل البصرة".

فالعجب من الهيثمي كيف خفي عليه هذا، ومن كتبه "ترتيب ثقات ابن حبان"! وأما المنذري؛ فكأنه كان على علم بهذا التوثيق؛ فقد رأيته يقول في "الترغيب" (3/91/10) -وقد ساقه بلفظ عبد الرزاق-: "رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن جيد". وأنا أخشى أن يكون ذكر (يزيد بن أبي بكرة) بين ابن سيرين وحبيبة خطأ من عبد الرزاق أو غيره؛ لرواية أبان بن صمعة الخالية منه، وبخاصة رواية ابن سعد عنه؛ فإنها صريحة بأن ابن سيرين حدث به يزيد بن أبي بكرة في السجن، ولذلك قال ابن سعد عقبها: "هكذا رواه محمد بن سيرين عن (حبيبة) ، ولم ينسبها، فلا ندري: هي بنت سهل أو غيرها؟! ". قلت: بل هي (حبيبة بنت أبي سفيان) ؛ كما جاء مصرحاً به في رواية الأنصاري عند الطبراني، وأورد الحديث تحت اسمها. وذكر أبو نعيم أنها خادمة عائشة، وجاء في آخر حديثها عنده: فقالت لي عائشة: أسمعت؟ قلت: نعم، قالت: فاحفظي إذاً. وهكذا أخرجه الحسن بن سفيان في "مسنده"؛ كما في "الإصابة"، وجزم بأنها (حبيبة بنت أبي سفيان) ، ورد على من ظن خلاف ذلك؛ فراجعه إن شئت. وأبان بن صمعة- وهو الأنصاري- وثقه جمع، وروى له مسلم حديثاً واحداً - متابعة-: "اعزل الأذى عن طريق المسلمين "، ومضى تخريجه برقم (2372) ، وغاية ما قيل فيه أنه كان اختلط، ولذلك قال ابن عدي في "الكامل " (1/392) :

"له من الروايات قليل، وإنما عيب عليه اختلاطه لما كبر، ولم ينسب إلى الضعف؛ لأن مقدار ما يرويه مستقيم غير منكر؛ إلا أن يدخل في حديثه شيء بعدما تغير واختلط ". قلت: ويدل على استقامة حديثه هذا- وأنه قد حفظه- أمران: أحدهما: متابعة هشام بن حسان المتقدمة عند عبد الرزاق. والآخر: أن له شواهد، فأذكر بعضها: 1- عن أبي حسان قال: قلت لأبي هريرة: إنه قد مات لي ابنان، فما أنت محدثي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم: "صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه- أو قال: أبويه- فيأخذ بثوبه- أو قال: بيده-، كما آخذ أنا بصَنِفة ثوبك هذا، فلا يتناهى- أو قال: فلا ينتهي- حتى يدخله الله وأباه الجنة". أخرجه مسلم (8/40) ، وأحمد (2/510) . وروى منه البخاري في "الأدب المفرد" (47/145) إلى قوله: "صغاركم دعاميص الجنة ". 2- قال ابن سيرين أيضاً: جاء الزبير بابنه عبد الله إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "ما من مؤمنين يموت لهما ثلاثة إلا أدخلهم الله الجنة، فيقول لهم: ادخلوا الجنة، فيقولون: وآباؤنا؟! فيقال لهم في الثالثة: وآباؤكم ". أخرجه عبد الرزاق (11/139/20138) ، وإسناده ثقات؛ فهو صحيح مرسل.

3417

3- عن قرة المزني في قصة وفاة ابن صغير له، وتعزية النبي - صلى الله عليه وسلم - إياه، وفيه قوله- صلى الله عليه وسلم -: "يا فلان! أيهما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك يفتحه لك؟! ". قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي؛ لهو أحب إلي! قال: "فذاك لك ". فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله! جعلني الله فداك! أله خاصة أو لكلنا؟ قال: "بل لِكُلِّكُم ". صححه الحاكم والذهبي،، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص205) ، وصححه الحافظ أيضاً في "الفتح " (3/121) . * 3417- (إنّ الذِي يشربُ في إناءِ الفضّةِ [والذهبِ] إنما يُجرجرُ في بطنهِ نارَ جهنّم؛ إلا أن يتوبَ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (23/388-389/928) : حدثنا أحمد ابن زهير التستري: ثنا عبيد الله بن سعد: ثنا أبي: حدثنا أبي عن صالح بن كيسان: أنا نافع أن زيد بن عبد الله أخبره أن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر أخبره أن أم سلمة أخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري؛ باستثناء شيخ

الطبراني التستري- وهو أحمد بن يحيى بن زهير التستري- نسب إلى جده، وهو ثقة حافظ، وهو مترجم في "تذكرة الحفاظ " وغيره. وعبيد الله بن سعد؛ وهو ابن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، وهم كلهم من رجال البخاري، يروي بعضهم عن بعض؛ إلا أن (سعداً) والد (عبيد الله) روى له البخاري مقروناً. وقوله: "حدثني أبي " كان الأصل: "حدثني عمي "؛ فغلب على ظني أن قوله: "عمي "؛خطأ من الناسخ أو الطابع؛ لأن أحداً ممن ترجم لـ (سعد) هذا لم يذكر له أنه روى عن عمه، وإنما ذكروا أنه روى عن أبيه (إبراهيم بن سعد بن إبراهيم) . ومما أكد لي الخطأ المذكور: أن (إبراهيم) هذا هو الذي ذكره الحافظ المزي في الرواة عن (صالح بن كيسان) شيخه في هذا الحديث، ولم يذكر غيره من آل (الزهري) . هذا ما أدى إليه اجتهادي وبحثي وتحقيقي، فإن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي، وأستغفره من ذنبي، خطئي وعمدي، وكل ذلك عندي. وكان الباعث على تخريج الحديث: أنني كنت خرجته قديماً في"إرواء الغليل" (1/68-70/33) ، و"غاية المرام" (90/116) من رواية مسلم وغيره بالزيادة التي بين المعكوفتين دون الاستثناء، مع أن السيوطي كان قد أورد الحديث في "الجامع الصغير" برواية مسلم، عازياً الاستثناء للطبراني، ولما ألفت "صحيح الجامع "؛ ذكرت تحته المصدرين المذكورين آنفاً، والآن في صدد إعادة النظر في أحاديث "صحيح الترغيب " لإعادة طبع الجزء الأول منه بتحقيق جديد، ومفيد جداً، مع طبع سائره؛ اقتضاني ذلك مراجعة المصدرين المشار إليهما، فلما لم أجد فيهما تخريجاً بل ولا ذكراً لهذا الاستثناء؛ بادرت إلى تخريجه الآن. وغالب الظن أن عدم تخريجه قديماً؛ إنما كان بسبب أن المجلد الذي فيه أحاديث أم سلمة لم يكن

مطبوعاً يومئذ، ولا هو مخطوط في دار الكتب الظاهرية بدمشق؛ والله أعلم، فاعتمدت آنئذ على سكوت السيوطي عنها، وإن كنت أعلم أن فيما يسكت عنه نظراً كبيراً، لكن في مثل هذه الحالة لا يسعني ولا غيري من الطلاب المعتدلين إلا الاعتماد على العلماء ما لم يتبين خطؤهم، على هذا جريت في كل تآليفي، ولا سيما أن (الاستثناء) هنا شواهده في الكتاب والسنة لا تعد ولا تحصى. والله ولي التوفيق. (تنبيه) : ذكرت آنفاً أن مسلماً وغيره أخرج الحديث- دون الاستثناء- عن أم سلمة، ثم وجدت له شاهداً من حديث ابن عباس، أورده الهيثمي في "المجمع " (5/76- 77) ، وقال: "رواه أبو يعلى، والطبراني في الثلاثة، وفيه محمد بن يحيى بن أبي سمينة، وقد وثقه أبو حاتم وابن حبان وغيرهما، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله ثقات "! فرابني هذا الحكم منه حين قابلته بإسناد الطبراني في "المعجم الصغير" وتخريجي إياه في "الروض النضير" (420) ؛ فإن إسناده ضعيف جداً، وقد شمله بحكمه السابق، فظننت أن فيه خطأ يقيناً- على الأقل- من حيث التعميم، فرأيت أنه لا بد من متابعة البحث عن إسناد أبي يعلى، والطبراني في "الأوسط " أيضاً، فتكشفت لي أوهام للهيثمي، وأخرى لبعض المعاصرين الذي لهم مشاركة ما في هذا العلم. فرأيت إسناد "الأوسط " هو عين إسناد "الصغير"، فقال (4/204/3357) : حدثنا جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا محمد بن بحر التميمي، قال: حدثنا سليم بن مسلم الخشاب قال: حدثنا النضر بن عربي عن عكرمة عن ابن عباس.

ثم رجعت إلى "مسند أبي يعلى"، فرأيته لا يختلف إسناده عن الذي قبله إلا في الراوي عن (سليم الخشاب) ، فقال أبو يعلى (5/101/2711) : حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا سليم بن مسلم المكي: حدثنا نضر بن عربي به. قلت: فتبين لي أن شكي في توثيق الهيثمي للرجال- غير محمد بن يحيى- كان في محله؛ فإن مدار الإسناد عند أبي يعلى على سليم الخشاب أيضاً، وهو غير ثقة، قال الذهبي في "الميزان": "سليم بن مسلم المكي الخشاب الكاتب.. قال ابن معين: جهمي خبيث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً ". ثم ألقي في النفس شك آخر، وهو تفسير الهيثمي لشيخ أبي يعلى: (محمد ابن يحيى) بأنه: (ابن أبي سمينة) ، وخشيت أن يكون (يحيى) محرفاً من (بحر) وهو (التميمي الهجيمي) كما تقدم، وقد حملني على ذلك أمور: أولاً: قول الطبراني في "المعجمين " عقب الحديث: "لم يروه عن النضر بن عربي إلا سليم بن مسلم، تفرد به محمد بن بحر الهجيمي ". ثانياً: قول ابن حبان في "ضعفائه " في ترجمة (محمد بن بحر البصري) (2/300) : "شيخ كان ينزل في (بَلهُجَيم) بالبصرة، أخبرنا عنه أبو يعلى الموصلي، يروي عن الضعفاء أشياء لم يحدث بها غيره عنهم، حتى يقع في القلب أنه كان يقلبها عليهم، فلست أدري البلية في تلك الأحاديث منه أو منهم؟! ومن أيهم كان؛ فهو ساقط الاحتجاج حتى يتبين عدالته بالاعتبار بروايته عن الثقات ".

قلت: ولذلك جزم الذهبي برواية أبي يعلى عن ابن بحر هذا، وهو وابن حبان من أعرف الناس بتراجم شيوخ ابن حبان، فلو أنهما كانا يعلمان أن ابن يحيى بن أبي سمينة يروي أيضاً عن (سليم بن مسلم الخشاب) لذكراه أيضاً. ويؤيده: ثالثاً: أن الحافظ المزي لم يذكر (الخشاب) هذا في شيوخ (ابن يحيى) من "تهذيب الكمال"، ومن عادته أنه يستقصي فيه أسماء، ء شيوخ المترجم استقصاء واسعاً جداً لا نعرفه لغيره. من أجل ذلك؛ ظننت أن (ابن يحيى) محرف من (ابن بحر) ، كان مما يساعد على ذلك قوة التشابه بين الاسمين، وبخاصة مع إهمال إعجامهما؛ ولذلك وقع التحريف المذكور في قول الطبراني أيضاً الذي نقلته في (أولاً) مع وقوعه على الصواب في إسناده هذا في "المعجم الأوسط "، أما في "الصغير"؛ فهو على الصواب في الموضعين. وكذلك هو في "المعجم الكبير" (12/373/12046) في السند فقط؛ لأن من عادته فيه أنه لا يعقب على الأحاديث بكلام، خلافاً لـ "المعجمين" الآخرين. ولتمام البحث والتحقيق؛ رجعت إلى كتاب الحافظ ابن حجر "المطالب العالية" المسند (1/2/1) ، فرأيته قد ساق إسناد الحديث برواية أبي يعلى كما هو في "مسنده"، وفيه (يحيى) ، وكذلك هو في "المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي" لشيخه الهيثمي (2/271-272/1522) ، فظننت أنه تحريف قديم. والله سبحانه وتعالى أعلم. والآن، أبدأ بالتنبيه على بعض الأوهام التي مرت بي فأقول: 1- جاء حديث الهجيمي هذا في "مجمع البحرين" للهيثمي (7/105/4125) مرموزاً له بحرف - صلى الله عليه وسلم -، أي: أن الحديث من أفراد "الصغير"؛ وهو تحريف أيضاً،

3418

الصواب (ق) ؛ أي: هو في "الأوسط" كما هو اصطلاحه الذي نص عليه في المقدمة. 2- اقتصر المعلق على "مسند أبي يعلى" على قوله: "إسناده ضعيف، سليم بن مسلم المكي؛ قال أحمد: لا يساوي حديثه شيئاً "! قلت: استدلاله بقول أحمد هذا ينافي اقتصاره، فحقه أن يقول: "ضعيف جدّاً "، لاسيما وقد قال فيه النسائي: "متروك الحديث " كما تقدم. وقلده في هذا الخطأ من الاقتصار: المعلق على "المقصد العلي"! 3- قال المعلق على "أبي يعلى" بعد اقتصاره على التضعيف: "ويشهد له حديث أم سلمة عند البخاري في "الأشربة" (5634) .. وعند مسلم في "اللباس" (2065) .. "! وهذا من غفلته أو حداثته أو تساهله؛ فإنه ليس عند البخاري لفظة: "الذهب"، والغريب أن الحافظ ابن حجر سبقه إلى ذلك في تعقيبه على الحديث في "المطالب العالية "! وتنبه لذلك الحافظ المنذري في "الترغيب" (3/117/1) ، ففرق بين رواية الشيخين الخالية من اللفظة، ورواية مسلم التي فيها اللفظة. (تنبيه) : للهجيمي حديث مخرج برقم (6542- "الضعيفة") . * 3418- (بايعنَا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -على السمعِ والطّاعةِ في العُسر واليُسر، والمنشَطِ والمَكره، وعلى أثَرةٍ علينا، وعَلى أن لا نُنازعَ الأمرَ أَهله، [إلا أن ترَوا كُفراً بَواحاً، عندكم من اللهِ فيه بُرهانٌ] ، وعلى أن نقولَ بالحقِّ أينَما كنَّا، لا نخافُ في اللهِ لومة لائمٍ) . هو من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وله عنه طريقان:

الأول: يرويه عبادة بن الوليد بن عبادة عن أبيه عن جده قال: ... فذكره، دون الزيادة التي بين المعكوفتين. أخرجه البخاري (7199 و7200) - باختصار-، ومسلم (6/16) ، وأبو عوانة (4/454) - والسياق لهما-، وابن حبان (7/39-40/4530) ، والنسائي (2/180-181) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (2/494-495/102-1032) ، والبيهقي في "السنن" (8/145و10/158) ، وابن أبي شيبة في "المصنف" (15/57/19104) ، والحميدي في "مسنده" (192/389) ، وأحمد (5/314و316و319) . ولم يذكر بعضهم (الوليد بن عبادة) في الإسناد- ومنهم ابن حبان-، وقال هذا: "سمع عبادة بن الوليد عبادة بن الصامت ". والطريق الأخرى: يرويها جُنادة بن أبي أمية عن عبادة بن الصامت به نحوه مختصراً، وفيه الزيادة. أخرجه البخاري (7055 و7056) ، ومسلم (6/16-17) ، وأبو عوانة (4/456) ، وابن حبان (7/45/4543) ، وابن أبي عاصم (2/492/1026و493/1028و495/1033و1034) ، وابن أبي شيبة (رقم 19105) ، وأحمد (5/321) ، والبيهقي (8/145) من طرق عنه. وأخرجه البزار في "البحر الزخار" (7/143-144/2698-2700) من الطريقين. هذا؛ ولقد كان الباعث على تخريج الحديث وتتبعه في هذه المصادر الكثيرة - التي قلما تراها مجموعة في كتاب-: أنني رأيت الحافظ المنذري قد ساق الحديث

في "الترغيب" (3/167/2) كما ترى أعلاه معزواً للشيخين، فشككت في ذلك، فتبين أن فيه تسامحاً؛ لأنه ليس عندهما بهذا السياق، ولاسيما البخاري؛ فإنه عنده مختصر، والسياق لمسلم دون الزيادة، وهي عندهما في الطريق الأخرى كما تقدم، فقد ركب منهما سياقاً لا وجود له في شيء من تلك المصادر الكثيرة إطلاقاً، وكثيراً ما يفعل مثله، ويتعقبه الحافظ الناجي في "عجالته "، أما هنا فلم يتعرض له؛ لذلك كان هذا التحقيق. ولقد كان من تمامه: أنني رأيت المعلقين الثلاثة قلدوا المنذري في ذاك التركيب، وزادوا فعزوا للشيخين بالأرقام- كما هي عادتهم، ولا يحسنون إلا هذا، بل إنهم لا يحسنون حتى هذا! - ففد قالوا (3/176) : "رواه البخاري (7056) ، ومسلم (1709) "! فإذا رجعت إلى الرقم الأول؛ وجدته يبتدئ بقوله: "فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة ... " الحديث! فمن بالغ غفلتهم أنهم لم يذكروا مع الرقم المذكور الرقم الذي قبله- كما تقدم مني-؛ فهو يبدأ بإسناد البخاري الذي ينتهي إلى جنادة عن عبادة قال: دعانا النبي- صلى الله عليه وسلم - فبايعناه ... هكذا طبع الحديث برقم البخاري بشرح "الفتح" برقمين، وهو حديث واحد! ليضل به هؤلاء الجهلة المعتدين على السنة، ولا ينتبهوا بسببه لأول الحديث؛ لأن هدفهم التظاهر بمظهر الباحثين، وليس المحققين، وتسويد السطور بالأرقام!! وقد قدمت أن حديث جنادة هذا مختصر، فليس فيه الجملة الأخيرة: "وعلى أن نقول الحق.. " إلخ. وإنما هي في حديث عبادة بن الوليد بن عبادة، الذي لم يشيروا إليه برقمه عند البخاري ولا عند مسلم، أما البخاري؛ فواضح من اقتصارهم على الرقم المتقدم، والذي لا يشير إلى الحديث بكامله!

وأما مسلم؛ فالرقم الذي سودوه (1709) أعجب من سابقه؛ لأن أوله عند مسلم (6/127) : "تبايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تزنوا ... " الحديث (¬1) ، وهذا حديث آخر لعبادة من طريق أخرى عنه، وليس فيه ولا جملة واحدة مما في حديث الترجمة! فما عسى أن يقول الناقد الناصح في أمثال هؤلاء الجهلة الذين يتاجرون بجهلهم؟! ولو أنهم كانوا علماء وتاجروا بعلمهم؛ لنفعوا الناس، وأضروا بأنفسهم، أما هم: "فضلوا وأضلوا"! نعوذ بالله منهم جميعاً. ثم إن في هذا الحديث فوائد ومسائل فقهية كثيرة، تكلم عليها العلماء في شروحهم، وبخاصة منهم الحافظ ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري". والذي يهمني منها هنا: أن فيه رداً صريحاً على الخوارج الذين خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ فإنهم يعلمون دون أي شك أو ريب أنه لم يروا منه (كفراً بواحاً) ، ومع ذلك استحلوا قتاله وسفك دمه هو ومن معه من الصحابة والتابعين، فاضطر رضي الله عنه لقتالهم واستئصال شأفتهم، فلم ينج منهم إلا القليل، ثم غدروا به رضي الله عنه كما هو معروف في التاريخ. والمقصود أنهم سنوا في الإسلام سنة سيئة، وجعلوا الخروج على حكام المسلمين ديناً على مر الزمان والأيام، رغم تحذير النبي- صلى الله عليه وسلم -منهم في أحاديث كثيرة، منها قوله- صلى الله عليه وسلم -. " الخوارج كلاب النار" (¬2) . ¬

(¬1) وهو مخرج في "إرواء الغليل " (7/366-367) . (¬2) وهو مخرج في "المشكاة" (3554) ، و"الروض النضير" (906 و 908) .

ورغم أنهم لم يروا كفراً بواحاً منهم، وإنما ما دون ذلك من ظلم وفجور وفسق. واليوم- والتاريخ يعيد نفسه كما يقولون-، فقد نبتت نابتة من الشباب المسلم، لم يتفقهوا في الدين إلا قليلاً، ورأوا أن الحكام لا يحكمون بما أنزل الله إلا قليلاً، فرأوا الخروج عليهم دون أن يستشيروا أهل العلم والفقه والحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، وأثاروا فتناً عمياء، وسفكوا الدماء، في مصر، وسوريا، والجزائر، وقبل ذلك فتنة الحرم المكي، فخالفوا بذلك هذا الحديث الصحيح الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفاً وخلفاً إلا الخوارج. ولما كان يغلب على الظن أن في أولئك الشباب من هو مخلص يبتغي وجه الله، ولكنه شُبِّهَ له الأمر أو غرر به؛ فأنا أريد أن أوجه إليهم نصيحة وتذكرة، يتعرفون بها خطأهم، ولعلهم يهتدون. فأقول: من المعلوم أن ما أمر به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛ حتى ما كان من أركان الإسلام، قال تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً) [آل عمران: 97] وهذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل. والذي يحتاج إلى التفصيل؛ إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين: الأولى: أن قتال أعداء الله- من أي نوع كان- يتطلب تربية النفس على الخضوع لأحكام الله واتباعها؛ كما قال- صلى الله عليه وسلم -: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله " (¬1) . والأخرى: أن ذلك يتطلب الإعداد المادي والسلاح الحربي؛ الذي ينكأُ أعداء الله؛ فإن الله أمر به أمير المؤمنين فقال: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن ¬

(¬1) "الصحيحة" (549) .

رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) [الأنفال: 60] . والإخلال بذلك مع الاستطاعة؛ إنما هو من صفات المنافقين، ولذلك قال فيهم رب العالمين: (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدَّةً) [التوبة: 46] . وأنا اعتقد جازماً أن هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة من المؤمنين دون علم من حكامهم- كما هو معلوم-، وعليه؛ فقتال أعداء الله من جماعة ما سابق لأوانه، كما كان الأمر في العهد المكي، ولذلك؛ لم يؤمروا به إلا في العهد المدني؛ وهذا هو مقتضى النص الرباني: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة: 286] . وعليه؛ فإني أنصح الشباب المتحمس للجهاد، والمخلص حقاً لرب العباد: أن يلتفتوا لإصلاح الداخل، وتأجيل الاهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه، وهذا يتطلب عملاً دؤوباً، وزمنا طويلاً؛ لتحقيق ما أسميه بـ (التصفية والتربية) ؛ فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة من العلماء الأصفياء، والمربين الأتقياء، فما أقلهم في هذا الزمان، وبخاصة في الجماعات التي تخرج على الحكام! وقد ينكر بعضهم ضرورة هذه التصفية، كما هو واقع بعض الأحزاب الإسلامية، وقد يزعم بعضهم أنه قد انتهى دورها، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو الجهاد، وأعرضوا عن الاهتمام بالتصفية والتربية، وكلهم واهمون في ذلك، فكم من مخالفات شرعية تقع منهم جميعاً بسبب الإخلال بواجب التصفية، وركونهم إلى التقليد والتلفيق، الذي به يستحلون كثيراً مما حرم الله! وهذا هو المثال: الخروج على الحكام؛ ولو لم يصدر منهم الكفر البواح. وختاماً أقول: نحن لا ننكر أن يكون هناك بعض الحكام يجب الخروج عليهم؛ كذاك الذي كان أنكر شرعية صيام رمضان، والأضاحي في عيد الأضحى، وغير

3419

ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بنص الحديث، ولكن بشرط الاستطاعة كما تقدم. لكن مجاهدة اليهود المحتلين للأرض المقدسة، والسافكين لدماء المسلمين أوجب من قتال مثل ذاك الحاكم من وجوه كثيرة، لا مجال الآن لبيانها، من أهمها أن جند ذاك الحاكم من إخواننا المسلمين، وقد يكون جمهورهم- أو على الأقل الكثير منهم- عنه غير راضين، فلماذا لا يجاهد هؤلاء الشباب المتحمس اليهود، بدل مجاهدتهم لبعض حكام المسلمين؟! أظن أن سيكون جوابهم عدم الاستطاعة بالمعنى المشروح سابقاً، والجواب هو جوابنا، والواقع يؤكد ذلك؛ بدليل أن خروجهم- مع تعذر إمكانه- لم يثمر شيئاً سوى سفك الدماء سُدى! والمثال - مع الأسف الشديد- لا يزال ماثلاً في الجزائر، فهل من مدَّكر؟!. * 3419- (مَن تركَ الصّلاةَ سُكراً مرةً واحدةً؛ فكأنما كانت له الدُّنيا وما عليها فَسُلِبها، ومَن تركَ الصّلاةَ سُكراً أربعَ مرّاتٍ؛ كان حقاً على الله عز وجل أن يُسقِيَه من طِينةِ الخَبَالِ. قيل: وما طينةُ الخَبَالِ يا رسولَ اللهِ؟! قال: عُصارةُ أهلِ جهنّم) . أخرجه الحاكم (4/146) ، وأحمد (2/178) - والسياق له-، والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/389) ، و"شعب الإيمان" (5/8-9/5582) من طرق عن ابن وهب: حدثني عمرو- يعني: ابن الحارث- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"! وقال الذهبي عقبه: "سمعه ابن وهب عنه، وهو غريب جداً "!

كذا قال! وهو يعني- والله أعلم- غرابة المتن، ومع ذلك؛ فذلك لا يعني أنه ضعيف؛ كما لا يخفى على أهل العلم؛ لأن الغرابة قد تجامع الصحة، والترمذي يجمع بينهما في كثير من أحاديثه الصحيحة. ويؤيد ما قلت؛ أن الذهبي قد أورد الحديث في كتابه "الكبائر" (ص 71- تحقيق الأخ مشهور) ، وقالت: "سنده صحيح ". وكذا قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (10/187) ! والصواب أنه حسن؛ للخلاف المعروف في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو. تنبيهات: أولاً: روى الطبراني الحديث في "المعجم الأوسط " (7/193/6367) من طريق موسى بن أعين عن عمرو بن الحارث به. ثم قال: "لم يروه عن عمرو بن الحارث إلا موسى بن أعين "! قلت: هذا حسبما أحاط به علمه، وإلا؛ فهو عند أحمد وغيره من غير طريقه؛ كما سبقت الإشارة إليه في أثناء التخريج. ثانياً: لم يعزه المنذري في "الترغيب" (3/189/51) إلا للحاكم؛ إلا أنه قال: "وروى أحمد منه: "من ترك الصلاة سكراً مرة واحدة؛ فكأنما كانت له الدنيا وما عليها، فسلبها". ورواته ثقات"! قلت: وهذا من أوهام المنذري رحمه الله، فالحديث عند أحمد بتمامه كما رأيت، ولم يذكره في مكان آخر من "المسند" مختصراً كما عزاه المنذري رحمه الله.

ومن غرائب الهيثمي: أنه قلده في "مجمع الزوائد" (5/69- 70) ، فقال: "رواه أحمد، ورجاله ثقات "! ولم يذكر منه إلا طرفه الأول! وقد تعقبه الشيخ أحمد شاكر، فقال: "ولا أدري لم ترك باقيه؟! فإني لم أجده فيه في موضع آخر". وفاته أنه قلد في ذلك المنذري! وقد جاء الحديث بتمامه في "جامع المسانيد" لابن كثير (26/160/3095) ، و"أطراف المسند" لابن حجر (4/28/5160) . ثالثاً: من جهل المعلقين الثلاثة؛ قولهم في التعليق على الحديث في طبعتهم لـ" الترغيب والترهيب " (3/227) : "حسن بشواهده، رواه الحاكم (4/146) وصححه، وقال الذهبي: سمعه ابن وهب عنه، وهو غريب جداً، ورواه أحمد (2/178) ، وقال الهيثمي (5/69- 70) : رواه أحمد، ورجاله ثقات "! قلت: وفي هذا التعليق بلايا وجهالات: الأولى: قولهم: "حسن بشواهده " كذب مخالف للواقع؛ فليس له شواهد، بل ولا شاهد واحد، ولذلك استغربه الذهبي كما تقدم. الثانية: قولهم: وقال الذهبي: "سمعه ابن وهب عنه، وهو غريب جداً " من الأدلة الكثيرة على أنهم يهرفون بما لا يعرفون، وينقلون ما لا يفهمون، فكأنهم أشد عجمة من الأعاجم؛ وإلا فمن من العرب الأقحاح- فضلاً عن الأعاجم المستعربين من أمثالي (!) - يستطيع أن يفهم مرجع ضمير (عنه) ؟! بينما هو مفهوم جداً أنهم نقلوا الإسناد كما فعلت فيما تقدم، وأنه يرجع إلى (عمرو بن الحارث) ، وإذا

كان لا يهمهم الإسناد ولا يروق لهم، لأنهم لا يفهمونه؛ فكان بحسبهم أن يستروا جهلهم وعجمتهم بأن يقتصروا على نقل قول الذهبي فقط: "وهو غريب جداً "! الثالثة: أنه كان بإمكانهم أن لا يقعوا في ذاك الكذب؛ لو كانوا على علم بهذا الفن الشريف، وذلك بتحسينهم لإسناد الحديث كما يقتضيه علم الحديث، أو بتقليدهم لمن صحح الحديث كما تقدم ذكره، ولكنهم- مع الأسف الشديد-، لا يحسنون حتى التقليد! فكيف لهم بالعلم؟! الرابعة: لقد وقفت اليوم على كتاب لهم جديد؛ فهم يتسابقون مع الناشرين والمؤلفين من أمثالهم في إصدار مؤلفات جديدة مزوقة؛ لعرضها في المعارض التي تقام ما بين آونة وأخرى في بلاد مختلفة. هذا الكتاب كانوا عملوا له دعاية طنانة في أواخر مجلدات طبعتهم لـ "الترغيب والترهيب " الممتلئة بالأوهام والجهل والأكاذيب- وهذا الحديث مثال ظاهر في ذلك-؛ سموه "تهذيب الترغيب والترهيب من الأحاديث من الصحاح "! وهذا الاسم وحده يكفي الباحث المنصف أن يستدل به على جهلهم وعجمتهم؛ لأنه كما يقال في بعض البلاد: (المكتوب مُبَيَّن من عنوانه) ! ذلك لأنهم يعنون خلاف ما عَنْوَنُوا! فقد كتبوا تحته: "طبعة محققة متميزة بصحاح الأحاديث ... "! فإذن قصدهم يخالف لفظهم، فهم يعنون: تهذيبه من الأحاديث الضعيفة، وليس من الصحيحة!! فلما وقفت اليوم على "تهذيبهم " المزعوم؛ هالني ما رأيت فيه من إعراضهم عن الأحاديث الثابتة التي كانوا قد صححوها في التعليق على "الترغيب"، وجزمت بما كان يغلب على ظني أنهم ما قاموا بطبع الكتاب في أربع مجلدات كبار إلا جشعاً وركضاً وراء المال الحرام، بتظاهرهم بمظهر الباحثين والمصححين والمحققين، وهم كما يقال: (ليسوا في العير ولا في النفير) ، وقد بينت فيما سلف

من هذه السلسلة وغيرها كثيراً من جهلهم وتعديهم على السنة تصحيحاً وتضعيفاً. والله المستعان. والآن؛ لننظر ماذا في "تهذيبهم" مما يؤكد ما سبق من وصفهم دون التوسع في نقدهم لضيق المجال؟! فأقول: إن مما يلفت نظر القارئ اللبيب والمطلع على "ترغيبهم" البالغ أربع مجلدات كبار: أن تهذيبهم الذي "يحتوي على الأحاديث الصحيحة والحسنة" كما قالوا في المقدمة (ص 6) ؛ إنما هو في مجلد واحد فقط! ومجموع أحاديثه (1284) فقط، من أصل مجموع أحاديث أصله "الترغيب" (5580) ، أي: أقل من الربع! فهل هذا يمثل واقع عدد الأحاديث الصحيحة في "الترغيب" أو يقارب ذلك؟ الأمر ليس كذلك ألبتة، يوضح لك ذلك أن المجموع المذكور يقارب عدد أحاديث تأليفي للمجلد الأول من "صحيح الترغيب والترهيب"؛ وإنما يزيد عليه بنحو (200) حديث، وهو مجلد من ثلاث مجلدات فيما أقدر؛ لأن البقية تحت الطبع، أي: بنسبة ثلث من ثلاثة! ويؤكد هذه النسبة مثال آخر؛ وهو أن مجموع الأحاديث التي صححوها أو حسنوها في "الترغيب" بلغ (71) حديثاً من كتاب (الإخلاص) - وهو أول كتاب فيه-؛ وعددها فيه من "تهذيبهم" (21) ! أي: بنسب الثلث أيضاً، فقد أطاحوا بنحو ثلاثة أرباع ما صححوا من الأحاديث في هذا الكتاب الواحد، فكم سيكون مجموع الأحاديث التي أطاحوا بها من الكتب الأخرى؟! لا شك أنها ستكون قريباً من ألفين! بل وأكثر لولا الأحاديث المكررة في الأصل، فهي مما أسقطوه. ويؤيد ذلك أن رقم آخر حديث في كتابي "صحيح الترغيب " وفي التجربة التي تحت يدي: هو (3691) ، قد تزيد قليلاً، أو ينقص بعد تصحيح التجربة الأخيرة.

3420

وهنا سؤال يطرح نفسه- كما يقال اليوم-: ما الذي حمل هؤلاء على طرح أكثر الأحاديث التي صححوها مما سموه بـ "التهذيب"؟! لا شك أن الجواب واضح لكل ذي بصيرة، وهو تصغير حجم الكتاب وإيهام الناس أنه جمع أحاديث "الترغيب" الصحيحة في مجلد واحد، فيقبلون على شرائه! والله أعلم بما في قلوبهم! على أننا لو فرضنا فيهم الإخلاص في عملهم هذا وفي "الترغيب"؛ فذلك مما لا يسوغ لهم عملهم؛ لأنهم ليسوا من أهل العلم، وقد قدمنا عشرات الأمثلة، وبعضها مضحك مُبكٍ في آن واحد! وحديث الترجمة من تلك الأمثلة، فلم يحسّنوا إسناده، وهو حسن عند العلماء، بل وعند المبتدئين في هذا العلم، ثم حسنوه لشواهده- ولا شاهد له ولا واحد كما تقدم-، ثم هو من تلك الألوف من تلك الأحاديث التي طرحوها! هداهم الله. * 3420- (مرحباً بكِ من بيتٍ، ما أعظمَكِ، وأعظمَ حرمَتَكِ! وللمؤمنُ أعظمُ حرمةً عند اللهِ منكِ، إن اللهَ حرّم منكِ واحدةَّ، وحرّمَ مِنَ المؤمنِ ثلاثاً: دمَه، ومالَه، وأن يُظَنَّ به ظنُّ السُّوءِ) . أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/296-297/6706) من طريقين عن حفص بن عبد الرحمن عن شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة فقال: "ما أعظم حرمتك! ". وفي الطريق الأخرى:

لما نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الكعبة قال: "مرحباً بك ... " إلخ. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير حفص بن عبد الرحمن- وهو النيسابوري القاضي-؛ قال الذهبي في " الكاشف"، والعسقلاني في " التقريب ": " صدوق ". وللحديث طريق أخرى؛ يرويه مجالد عن الشعبي عن ابن عباس: أنه نظر إلى الكعبة فقال: ما أعظم حرمتك ... الحديث. هكذا قال مجالد- وهو ابن سعيد-، وليس بالقوي، ولكنه في حكم المرفوع، ولا سيما وقد رفعه من هو أوثق منه من الطريق الأولى. وهذه أخرجها ابن أبي شيبة في "المصنف " (9/362/7804) ، ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مجالد، وقد عرفت حاله، وأزيد هنا بأنه أخرجه مسلم متابعة؛ كما في " الميزان " وغيره. وله شاهد موقوف خير منه من رواية الترمذي (2032) عن ابن عمر في حديث له بإسناد حسن، حسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، وهو مخرج في "غاية المرام " (240/240) ، و"التعليق الرغيب " (3/177/10) . ثم وجدت له طريقاً ثالثاً، من رواية الحسن بن أبي جعفر: ثنا ليث بن أبي سليم عن طاوس عن ابن عباس قال:

نظر رسول الله إلى الكعبة، فقال: "لا إله إلا الله، ما أطيبك، وأطيب ريحك، وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة منك ... " الحديث نحوه. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/37/10966) . وإسناده ضعيف، لكنه ليس شديد الضعف، فيستشهد به. وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو- أو ابن عمر- مرفوعاً. أخرجه ابن ماجه (3933) من طريق نصر بن محمد بن سليمان الحمصي: ثنا أبي: ثنا عبد الله بن أبي قيس النصري: ثنا عبد الله بن عمرو قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطوف بالكعبة ويقول: ... فذكره. ورجاله ثقات؛ غير نصر هذا، ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان، وبه أعله العراقي في "تخريج الإحياء" (4/ 141) ، وقال الحافظ في "التقريب": "ضعيف" قلت: لكنه يتقوى بحديث الترجمة على الأقل. هذا؛ وقد كنت ضعفت حديث ابن ماجه هذا في بعض تخريجاتي وتعليقاتي قبل أن يطبع "شعب الإيمان"، فلما وقفت على إسناده فيه، وتبينت حسنه؛ بادرت إلى تخريجه هنا تبرئة للذمة، ونصحاً للأمة داعياً: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ، وبناء عليه؛ ينقل الحديث من "ضعيف الجامع الصغير" و"ضعيف سنن ابن ماجه " إلى "صحيحيهما ". *

3421

3421- (الذِي يطعُنُ نفسه؛ إنّما يطعنها في النّارِ، والذي يتقحَّم فيها يتقحَّمُ في النّارِ، والذي يخنقُ نفسه يخنقها في النّار) . أخرجه أحمد (2/435) : ثنا يحيى عن ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وتابعه الليث عن ابن عجلان به، ولفظه: "من خنق نفسه في الدنيا فقتلها؛ خنق نفسه في النار ... " والباقي نحوه. أخرجه ابن حبان (5955- الإحسان) . وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ إلا أن ابن عجلان أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم متابعة. لكن تابعه مالك وغيره عند الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/73) بتمامه. وقد تابعه شعيب عن أبي الزناد به مثل لفظ يحيى دون جملة التقحم، وبتقديم الجملة الثالثة على الأولى. أخرجه البخاري (1365) ، وإليه عزاه المنذري في "الترغيب" (3/205/2) لكن بزيادة جملة التقحيم، وجعلها في آخره! فتعقبه الناجي في "العجالة" (ق188/1) بأنها مقحمة فيه بلا شك ولا خفاء عند أهل العلم. قلت: وخفي عليه ثبوتها في "المسند"، و"صحيح ابن حبان"، ومن الظاهر عندي أنها من ملحقات المصنف نفسه، لكنه أوهم أنها من رواية البخاري، فكان عليه أن ينبه على أنها زيادة لغيره؛ كما ينص على مثل ذلك كثيراً، وأن يعزوها لأحمد، أو غيره.

ويشهد له عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ثابت بن الضحاك بلفظ: "ومن قتل نفسه بشيء؛ عذب به يوم القيامة ". رواه الشيخان وغيرهما في رواية، فالبخاري (6047و6105و6652) ، ومسلم (1/73) ، وأبو عوانة (1/ 45) ، والترمذي (2636) ؛ وقال: "عذبه الله بما قتل به نفسه ... ". وقال: "حديث حسن صحيح ". وللشيخين وغيرهما فيه ألفاظ أخرى، خرجت بعضها في "الإرواء" (8/201/2575) . (تنبيهان) : أحدهما: يبدو أن الوهم الذي وقع فيه المنذري في عزو الحديث للبخاري؛ قد وقع فيه غيره أيضاً، كالهيثمي مثلاً؛ فإنه لم يورده في "مجمع الزوائد"، ولا في "موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان "، وما ذاك إلا لظنه أنه في "البخاري" كما قال المنذري! وعليه لا يكون على شرط "الزوائد"! فخفيت عليه الزيادة، كما خفيت على الشيخ الناجي الذي انتبه لخطأ المنذري، ولكنه لم يتنبه لثبوت الزيادة في "المسند"، وإلا؛ لعزاها إليه ولم يسكت. ولهذا؛ كان هذا الحديث من جملة ما استدركته من الأحاديث في كتابي "صحيح موارد الظمآن"؛ يسر الله تعالى طبعه ونشره. ونحو ذلك ما فعله المعلق على "الإحسان" (13/328- المؤسسة) ؛ فإنه عزاه للبخاري دون أن يبين أن الزيادة ليست عنده، وأعاد الخطأ في تعليقه على "مشكل الآثار" (1/183/195- المؤسسة) ، فلم يبين أيضاً الفرق بين روايته

3422

ورواية البخاري! وهناك خطأ آخر لا فائدة تذكر في بيانه. والآخر: أن الشاهد المتقدم من حديث ثابت بن الضحاك؛ قد أخرجه البغوي في "شرح السنة" (10/154/2524) جملة مستقلة عما قبلها وما بعدها، وقال: "حديث صحيح أخرجه مسلم "! ففاته أنه في "البخاري " أيضاً، كما فات المعلق عليه " فعزاه للشافعي ومسلم فقط! هذا؛ وقد تحرفت جملة التقحُّم على بعض الضعفاء فرواها بلفظ: "من تقحم في الدنيا؛ فهو يتقحم في النار". ولذلك كنت خرجتها في "الضعيفة" برقم (4576) . * 3422- (لا تحقِرنَّ شَيئاً من المعروفِ أن تأتيَه؛ ولو أن تَهَبَ صِلَةَ الحبلِ، ولو أن تُفرغَ من دلوكِ في إناءِ المستقِي، ولو أن تلقَى أخاك المسلمَ ووجهُك بسطٌ إليه، ولو أن تؤنِس الوَحشان بنفسكَ، ولو أن تهَبَ الشِّسعَ) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (5/486-478/9694) من طريق سهم بن المعتمرعن الهُجَيمي: أنه قدم المدينة، فلقي النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض أزقة المدينة، فوافقه؛ فإذا هو مؤتزر بإزار قطن (¬1) قد انتثرت حاشيته، وقال: عليك السلام يا رسول الله! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) الأصل: (قطر) !، التصويب من المتابعة الآتية.

"عليك السلام تحية الموتى" فقال: يا رسول الله! أوصني؟ فقال: ... فذكره. وقال النسائي: "سهم بن المعتمر ليس بمعروف ". قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/430) على قاعدته في توثيق المجهولين؛ فإن سهماً هذا لم يرو عنه غير عبد الملك بن الحسن الجاري- راوي هذا الحديث عنه-. ولذلك أشار الذهبي في "الكاشف" إلى تمريض هذا التوثيق بقوله: " وُثِّقَ ". وقال الحافظ في "التقريب ": "مقبول ". يعني: عند المتابعة. وقد وجدت له متابعاً قوياً، فقال أحمد (3/482) : ثنا إسماعيل بن إبراهيم قال: ثنا سعيد الجريري عن أبي السَّليل عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من قومه قال: لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض طرق المدينة، وعليه إزار من قطن منتشر الحاشية، فقلت: عليك السلام يا رسول الله! فقال: "إن عليك السلام تحية الموتى"؛ قلت: كررها ثلاثاً، ثم قال: "سلام عليكم، سلام عليكم "- مرتين أو ثلاثاً. قال: سألت عن الإزار؛ فقلت: أين أتزر؟ فأقنع ظهره بعظم ساقه وقال: "ههنا ائتزر؛ فإن أبيت فههنا أسفل من ذلك؛ فإن أبيت فههنا فوق الكعبين، فإن أبيت؛ فإن الله لا يحب كل مختال فخور".

3423

قال: وسألته عن المعروف؟ فقال: ... فذكر الحديث، وزاد: "ولو أن تنحي الشيء من طريق الناس يؤذيهم.. ولو أن تلقى أخاك فتسلم عليه.. وإن سبك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه؛ فلا تسبه؛ فيكون أجره لك، ووزره عليه، وما سر أذنك أن تسمعه فاعمل به، وما ساء أذنك أن تسمعه فاجتنبه ". قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح، وقد أخرجه النسائي بروايات وطرق أخرى يزيد بعضهم على بعض في المتن، وقد كنت خرجت بعضها قديماً فيما تقدم من هذه السلسلة (1109 و 1352) من طريق أبي تميمة الهجيمي وغيره عن أبي جُري الهجيمي- وهو صاحب القصة- يزيد بعضهم على بعض، لكن ليس فيها جملة الحبل والوحشان والشسع. قوله: (صِلَة الحبل) ؛ أي: ما يوصل بالحبل. وقوله: (الوحشان) ؛ أي المُغتَمَ، من الوحشة ضد الأُنس. * 3423- (ثلاثٌ من كنَّ فيه؛ وجدَ حلاوةَ الإِيمانِ وطعمَه: أن يكونَ اللهُ عزّ وجلّ ورسولهُ أحبَّ إليه مّما سواهما. وأن يحبَّ في الله ويبغضَ في الله. وأن توقَدَ نارٌ عظيمةٌ فيقعَ فيها؛ أحبُّ إليه من أن يشركَ بالله شيئاً) . أخرجه النسائي في "سننه " (2/263- 264) من طريق جرير عن منصور عن طلق بن حبيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

وأخرجه ابن أبي الدنيا في "الإخوان" (61/16) من طريق أبي المُحَيَّاة عن منصور به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، وسكت عنه الحافظ في "الفتح" (1/62) ، وقد عزاه للنسائي، لكن قوله: "ويبغض في الله " غريب، فقد جاء الحديث من طرق عن أنس نحوه بلفظ: "وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله "؛ لم يذكر البغض. أخرجه البخاري (16 و 21) ، ومسلم (1/48) من طريقين، وزاد مسلم ثالثاً، والنسائي وغيره رابعاً؛ كلهم عن أنس لم يذكروا البغض. لكني وجدت له طريقين آخرين جاء فيهما هذه الزيادة، فاطمأننت لها، وخرج بذلك عن كونه بها شاذاً: الأول: عن سعيد بن أبي مريم: ثنا موسى بن يعقوب الزَّمعِي أن أبا الحويرث عبد الرحمن بن معاوية أخبره أن نُعَيم بن المُجمِر أخبره أن أنس بن مالك أخبره به. أخرجه الطبراني في "معاجيمه " الثلاثة: "الكبير" (1/224/724) ، و"الأوسط " (5/469/4902) ، و"الصغير" (ص 150- هند) ؛ وقال: "لم يروه عن أبي الحويرث إلا موسى، تفرد به ابن أبي مريم ". قلت: هو ثقة، لكن الزمعي وأبو الحويرث فيهما ضعف من قبل الحفظ؛ كما بينت في "الروض النضير" (رقم 52) ، فيستشهد بهما. والآخر: يرويه سعيد بن منصور: نا أبو معشر عن محمد بن قيس عن أنس ابن مالك به.

أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7/70/9512) . وأبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن؛ حاله كحال المذكورين. فهذه ثلاثة طرق جاءت فيها الزيادة؛ فهي محفوظة إن شاء الله تعالى، ولعله لذلك سكت عنه الحافظ، وتقدمه إلى ذلك الحافظ المنذري، ولكنه وقع في وهم نبه عليه الشيخ إبراهيم الناجي في "عجالة الإملاء" (ق202/2) ، وهو أنه ذكره أولاً بلفظ الشيخين دون عزو، ثم ساقه بلفظ النسائي، وقال عقبه (4/45/1) : " رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي "! فأوهم أن اللفظ الثاني هو عندهم جميعاً، وليس كذلك كما علمت، ولذلك قال الناجي: "وكان ينبغي للمصنف بعد سياق اللفظ الأول أن يعزوه إلى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، ثم يقول: وفي رواية له؛ لا بالعكس ". وقد غفل عن هذا التنبيه المعلقون الثلاثة على "الترغيب "، كما هي عادتهم، فلم يعلقوا على هذا الوهم بشيء؛ هداهم الله، وعرّفهم بنفوسهم! وكذلك صنع المعلق على كتاب "الإخوان" المسمى بـ (مصطفى عبد القادر عطا) ؛ فإنه عزاه لأكثر من عشرة مصادر- منها الشيخان طبعاً-؛ فأوهم وهم المنذري نفسه! وزاد وهماً آخر: أنه عزاه لابن حبان في "صحيحه": "موارد الظمآن" (285) ؛ كذا قال! وليس هو فيه، لا بهذا الرقم ولا بغيره، بل هو ليس على شرطه؛ لأنه في "الصحيحين"؛ اللهم! إلا حديث الترجمة، ولكنه ليس فيه، ولا في أصله "صحيح ابن حبان"، وإنما روى فيه حديث الشيخين (1/473-474/237و238- الإحسان/ المؤسسة) . وقد خلط المعلق عليه أيضاً، لكن خلطاً آخر معاكساً لما

3424

تقدم؛ فإنه لما خرجه من رواية الشيخين وغيرهما؛ خرج أيضاً طريق طلق بن حبيب، ونعيم المجمر، ولم يبين الفرق بين روايتهما ورواية الشيخين التي رواها ابن حبان! وهذا إن دل على شيء؛ فإنما يدل على الحداثة، أو قلة الفقه أو النباهة!. * 3424- (يوشكُ أن يؤَمَّرَ عليهمُ الرُّوَيجل، فيجتمعُ إليه قومٌ محلّقةُ أقفيتُهم، بيضٌ قمُصُهم، فإذا أمَرهم بشيء حضَرُوا) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير"، ومن طريقه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/40/2) : حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة: ثنا أبي: ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال: كان عبد الله بن وزاج قديماً له صحبة، فحدثنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. فشاء ربك أن عبد الله بن وزاج ولي على بعض المدن، فاجتمع إليه قوم من الدهاقين محلقة أقفيتهم، بيض قمصهم، فكان إذا أمرهم بشيء حضروا، فيقول: صدق الله ورسوله! قلت: وهذا إسناد شامي جيد. وقال الهيثمي (6/212) : "رواه الطبراني، ورجاله ثقات". قلت: وكلهم مترجمون في "التهذيب ". ورواه أبو موسى المديني من طريق الطبراني أيضاً، كما في "الإصابة "؛ وقال: " وقوله: "حضروا "؛ أي: أسرعوا المشي ". وقوله: (وزاج) هكذا وقع في " المعرفة " و"أسد الغابة " بالزاي والجيم! وقيده في "الإصابة" براء ثقيلة ثم حاء مهملة.

قلت: ولم يذكره الذهبي في "المشتبه "، ولا غيره فيما علمت، وأنا أخشى أن يكون لقباً لوالد (عبد الله بن حوالة) ؛ فقد جاء الحديث من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن جبير أتم منه. فقال يعقوب بن سفيان في "المعرفة" (2/288- 289) ، وعنه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/327- 328) : حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة يرد الحديث إلى جبير بن نفير قال: قال عبد الله بن حوالة: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فشكونا إليه العُري والفقر وقلة الشيء، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أبشروا؛ فوالله! لأنا من كثرة الشيء أخوف عليكم من قلته، والله! لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله عز وجل أرض فارس، وأرض الروم، وأرض حِمير، وحتى تكونوا أجناداً ثلاثة: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن، وحتى يعطى الرجل المئة فيسخطها". قال ابن حوالة: قلت: يا رسول الله! ومن يستطيع الشام؛ وبه الروم ذوات القرون؟! قال: "والله! ليفتحنَّها الله عز وجل عليكم، حتى تظل العصابة البيض منهم قُمُصُهم، الملحمة أقفاؤهم قياماً على الرويجل الأُسَيوِد المحلوق، ما أمرهم من شيء فعلوه، وإن بها اليوم رجالاً لأنتم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل ". قال ابن حوالة: فقلت: يا رسول الله! اختر لي إن أدركني ذلك؟ قال: "إني أختار لك الشام؛ فإنه صفوة الله عز وجل من بلاده، وإليه يحشر صفوته من عباده. يا أهل اليمن! عليكم بالشام؛ فإنه صفوة الله عز وجل من أرض الشام، ألا

فمن أبى؛ فليسق من غدُر اليمن؛ فإن الله عز وجل قد تكفل بالشام وأهله ". قال أبو علقمة: فسمعت عبد الرحمن بن جبير يقول: يعرف أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعت هذا الحديث في جزء بن سهيل السلمي، وكان على الأعاجم في ذلك الزمان، فكان إذا راحوا إلى المسجد نظروا إليه وإليهم قياماً حوله، فعجبوا لنعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وفيهم! وأخرجه الطحاوي في "مشكل الاًثار" (2/35- 36) ، والطبراني في "مسند الشاميين " (3/395/ 2540) ، وأبو نعيم في "الحلية " (2/3- 4) - مختصراً-، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/73- 75) - وزاد هو والطحاوي-: وكان أُويْدِماً قصيراً، فكانوا يمرون وتلك الأعاجم قيام، لا يأمرهم بالشيء إلا فعلوه، فيتعجبون من هذا الحديث! قلت: وإسناد هـ صحيح رجاله كلهم ثقات؛ ونصر بن علقمة، وإن كان أبو حاتم قال: "لم يدرك جبير بن نفير"! فقد قال في آخر الحديث: إن الواسطة بينه وبين جبير: هو ابنه عبد الرحمن ابن جبير، وبذلك اتصل الإسناد، وصح إن شاء الله تعالى. وأما الهيثمي؛ فقال (6/212) : "رواه الطبراني بإسنادين، رجال أحدهما رجال "الصحيح "؛ غير نصر بن علقمة، وهو ثقة"! وأما قول الحافظ في "التقريب " فيه: "مقبول "!

3425

فمن أوهامه؛ لأنه قد وثقه ابن حبان (7/537) ، وأخرج له حديثاً في " صحيحه " (510/ 2090- الموارد) ، لكن في الطريق إليه ضعف، ولذلك خرجته في "الضعيفة " (5766) ، وكذلك وثقه دُحيم، وروى عنه جمع من الثقات؛ كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في "التهذيب ". ولذلك قال الذهبي في "الكاشف": " ثقة " (ذوات القرون) ؛ أي: الحصون، جمع (القرن) . (الملحمة أقفاؤهم) : هي بمعنى الرواية الأخرى: "المحلقة أقفاؤهم "؛ فظهر لحمها. (المحلوق) ؛ أي: شعر الرأس كله. (القردان) جمع (قُرادة) : دويبة متطفلة ذات أرجل كثيرة، تعيش على الدواب والطيور، ومنها أجناس. " المعجم الوسيط ". * بشرى لأهل الشام المؤمنين 3425- (لا تزالُ من أمَّتي عِصابةٌ قوَّامةٌ على أمْرِ الله عزّ وجلّ، لا يضرُّها من خالفَها؛ تقاتلُ أعداءها، كلما ذهبَ حربٌ نشِبَ حربُ قومٍ آًخرين، يزيغُ اللهُ قلوب قوم ليرزقَهم منه، حتى تأتيهم الساعةُ، كأنّها قطعُ الليلِ المظلمِ، فيفزعونَ لذلك؛ حتّى يلبسُوا له أبدانَ الدُّروع، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: همْ أهلُ الشّامِ، ونكَتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بإصبعِه؛ يومئُ بها إلى الشّامِ حتّى أوجَعها) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (2/2/248) ، ويعقوب بن سفيان في

3426

" المعرفة " (2/296- 297) بإسناد واحد قالا- والسياق ليعقوب-، ومن طريقه: أخرجه ابن عساكر في "التاريخ " (1/528) : حدثنا عبد الله بن يوسف قال: حدثنا يحيى بن حمزة قال: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة الحضرمي- من أهل حمص- أن عمير بن الأسود وكثير بن مرة الحضرمي قالا: إن أبا هريرة وابن السمط كانا يقولان: لا يزال المسلمون في الأرض حتى تقوم الساعة، وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات، ومنهم نصر بن علقمة، كما بينت في الحديث الذي قبله. وقد جاء في أهل الشام وأنهم الطائفة المنصورة أحاديث أخرى في أسانيدها ضعف؛ كنت أشرت إليها في "الضعيفة" تحت الحديث (6104) ، ثم وقفت على هذا، فبادرت لإخراجه هنا لصحة إسناده. واعلم أن (الشام) هو الإقليم الشمالي من (شبه جزيرة العرب) ، ويشمل سوريا ومنها أنطاكية، والأردن، وفلسطين إلى عسقلان؛ كما في "معجم البلدان ". * 3426- (إنّ الله لا يحبّ هذا وضَرْبَهُ (¬1) ؛ يلوُون ألسنتَهم للنّاس ليّ البقرة لسانَها بالمرعى! كذلك يلوي الله ألسنتهم ووجوهَهم في النّارِ) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (22/70/170) من طريق أبي مسهر وهشام بن عمار قالا: ثنا صدقة بن خالد قال: حدثني زيد بن واقد عن بسر بن عبيد الله عن واثلة بن الأسقع قال: ¬

(¬1) أي: صنفه ونوعه. وفي "الشعب ": "حزبه "! وفي الأصل: "وصوته "!

3427

كنت في أصحاب الصُّفة، فلقد رأيتنا وما منا إنسان عليه ثوب تامٌ، وأخذ العرق في جلودنا طرفاً (¬1) من الغبار والوسخ؛ إذ خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ليبشر فقراء المهاجرين ". إذ أقبل رجل عليه شارة حسنة، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه [أن] يأتي بكلام يعلو كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -! فلما انصرف قال: ... فذكره. وروى منه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 21- 22) الطرف الأول إلى جملة البشارة، والبيهقي في "شعب الإيمان " (4/ 251/4973) ما بعدها. قلت: والإسناد صحيح، رجاله ثقات رجال البخاري. وقال المنذري في " الترغيب " (4/93/41) : "رواه الطبراني بأسانيد؛ ورجال أحدها رجال (الصحيح) "! ونحوه قول الهيثمي (10/ 261) : "رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدهما رجال (الصحيح) "! وقولهما: " بأسانيد" موهم، وإنما هما طريقان عن صدقة بن خالد؛ كما تقدم. * 3427- (صلاحُ أول هذه الأمّة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل) . أخرجه أحمد في "الزهد" (ص 10) ، والطبراني في "المعجم الأ وسط " (8/316/7646) ، وابن عدي في "الكامل" (6/127) ، والبيهقي في"الشعب " ¬

(¬1) كذا الأ صل بالفاء! "وفي " المجمع ": (طرقاً) بالقاف! وفي " الحلية ": (طوقاً) بالواو والقاف، ولعله الأقرب.

(7/427/10845) ، والخطيب في "التاريخ " (7/186) من طرق عن محمد بن مسلم عن إبراهيم بن ميسرة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وسقط من "الزهد" قوله: "عن أبيه ". قلت: وهذا إسناد حسن لغيره على الأقل؛ لأن محمد بن مسلم- وهو الطائفي- فيه كلام من قبل حفظه، وروى له مسلم متابعة على التحقيق، وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يخطئ من حفظه ". قلت: وقد أمنا خطأه بمتابعة ابن لهيعة الآًتية. وقد روى الخطيب عن علي ابن محمد بن بشار الجنابي- وهوأجمع من جمع-: أنه ما سمع في الزهد أحسن من هذا الحديث. ورواه ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب به؛ ولفظه: "نجا أول هذه الأمة ... " الحديث. أخرجه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل " (36/20) و"اليقين " (17/3) ، ومن طريقه: الأصبهاني في "الترغيب " (1/98/164 و2/2515) ، وكذا الديلمي في "مسند الفردوس" (3/104) - من طريق مروان بن محمد-، والبيهقي (10844) - من طريق المعافى- عن ابن لهيعة به. وابن لهيعة ثقة، لكن قد عرض له سوء الحفظ؛ فحديثه حسن على الأقل بما قبله. وقد أشار إلى ذلك الحافظ بسكوته عنه في "الفتح" (11/237) . وسبقه

3428

إلى ذلك الحافظ المنذري بتصديره إياه بقوله (4/131/14) : "وعن عبد الله بن عمرو ... ". وقوله في تخريجه: "رواه الطبراني، وفي إسناده احتمال للتحسين. ورواه ابن أبي الدنيا والأصبهاني كلاهما من طريق ابن لهيعة عن ... ". وكذا عزاه لابن أبي الدنيا: الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" (4/454) ، وسكت عنه. ومن حداثة المشتغلين بالتعليق على الأحاديث وتخريجها: قول المعلق على هذه الطريق في "قصر الأمل ": "الحديث مرسل كما يلاحظ، قال الحافظ العراقي ... "!! * 3428- (هل تدرُون ما هذا؟ قالوا: اللهُ ورسولُه أعلمُ! قال: هذا الإنسانُ، وهذا أجلُه، وهذا أملُه، يتعاطَى الأملَ، يختلجُه [الأجلُ] دون ذلك) . أخرجه الإمام أحمد (3/18) : ثنا عبد الملك بن عمرو: ثنا علي بن علي عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - غرز بين يديه عوداً (¬1) ، ثم غرز إلى جنبه آخر، ثم غرز الثالث فأبعده، ثم قال: ... فذكره. قلت: وتابعه حَرَمِيُّ بن عُمارة عن علي بن علي الرفاعي به. ¬

(¬1) في الأصل: "غرزاً"! وما أثبته من مصادر التخريج؛ لعله الصواب!

أخرجه ابن أبي الدنيا في "قصر الأمل " (31- 32/11) . وأبو نعيم عنه؛ رواه الرامهرمزي في "الأمثال" (170/74) . وأبو غسان مالك بن إسماعيل؛ عند البيهقي في "الزهد" (190/457) . وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير علي بن علي الرفاعي، وفيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن، كما كنت حققته في "إرواء الغليل" (2/51- 52) . ولذلك قال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (4/453) : "أخرجه أحمد، وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل "، والرامهرمزي في "الأمثال".. وإسناده حسن، ورواه ابن المبارك في"الزهد"، وابن أبي الدنيا أيضاً من رواية أبي المتوكل مرسلاً". وقال تلميذه الهيثمي في "المجمع " (10/255) : "رواه أحمد، ورجاله رجال"الصحيح "؛ غير علي بن علي الرفاعي؛ وهو ثقة ". والمرسل الذي أشار إليه الحافظ العراقي: أخرجه ابن أبي الدنيا (31/10) ، وابن المبارك في "الزهد" (86/254) ، وكذا وكيع في "الزهد" أيضاً (2/436/189) - قال هذان-: أخبرنا علي بن علي عن أبي المتوكل قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أعواد، فغرز عوداً بين يديه، والآخر إلى جنبه، فأما الثالث فأبعده فقال ... فذكره نحوه، وقال: ".. وذلك الأمل، يتعاطاه ابن اًدم، ويختلجه الأجل دون ذلك ". واللفظ لابن المبارك. وقال الآخران: ".. دون أمله ".

قلت: وهذا المرسل صحيح أيضاً، ولا يعل به الموصول؛ لأنه من رواية جماعة من الثقات، ومعهم زيادة؛ فهي مقبولة اتفاقاً. وللحديث شواهد منها: عن أنس قال: جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنامله، فنكتهن في الأرض، فقال: "هذا ابن اًدم "، وقال بيده خلف ذلك، وقال: "هذا أجله "، وأومأ بين يديه، قال: "وثم أمله " (ثلاث مرات) . أخرجه أحمد (3/123و135) - والسياق له-، والترمذي رقم (2334) ، وابن ماجه (4232) ، وابن حبان (2554) من طريق حماد بن سلمة عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس بن مالك ... وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وأقول: حماد بن سلمة- مع جلالة قدره- تكلم بعضهم في روايته عن غير ثابت، فالإسناد حسن، وحديثه صحيح. وقد عزاه المنذري في "الترغيب " (4/132/22) للنسائي أيضاً، وتبعه الحافظ المنذري في "تحفة الأشراف "؛ وقيده بقوله (1/286) : "في الرقائق (في الكبرى) ". وكتاب "الرقائق " ليس في كتابه "السنن الصغرى" المعروف بـ "المجتبى"، ولذلك؛ قيده المحقق الفاضل عبد الصمد شرف الدين بـ (في الكبرى) ، ولا يوجد في النسخة المطبوعة من "السنن الكبرى" هذا الكتاب: (الرقائق) ، وقد مر بي غير

ما حديث عزاه المزي إليه، فلم أجده فيه- وهذا منه-، وبعد المزيد من التفتيش عنه في مظانه، والاستعانة عليه بفهارسه الموضوعة له. وبهذه المناسبة أقول: إن من تخاليط المعلقين الثلاثة على "الترغيب ": أنهم قالوا في تخريج حديث أنس هذا (4/ 141- 142) : "والنسائي في "الكبرى"؛ كما في "تحفة الأشراف " (7/25) "! والرقم المذكور إنما يشير إلى حديث عبد الله بن مسعود المذكور في "الترغيب " قبل هذا بحديث! وهناك عزوه أيضاً لـ"التحفة" بنفس الرقم المذكور، إلا أن رقم (5) تحرف من الطابع إلى (¬1) فصار (20) ؛ فما أشد غفلتهم! ثم إن لحديث أنس هذا طريقاً آخر؛ يرويه إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه نحوه؛ دون جملة الأنامل والأرض. أخرجه البخاري (6418) ، والبيهقي في " السنن " (3/368) ، وفي " الزهد " (189/453) . ومن شواهده: حديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه خط خطاً مربعاً، وخط [خطاً] وسط الخط المربع، وخطوطاً [صغاراً] إلى جانب الخط الذي وسط الخط المربع، وخطاً خارجاً من الخط المربع، فقال: "أتدرون ما هذا؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: "هذا الإنسان؛ الخط الأوسط، وهذه الخطوط إلى جنبه: الأعراضُ تنهشه ¬

(¬1)

من كل مكان، فإن أخطأه هذا؛ أصابه هذا، والخط المربع: الأجل [المحيط به] ، والخط الخارج: الأمل ". أخرجه البخاري (6417) ، وابن ماجه (4231) - والسياق له-، وأحمد (1/ 385) . (فائدة) : قد ذكر الحافظ صوراً خمساً لصفة الخط، وأقْرَبُها عندي إلى الصواب الصفة الآتية: الأجل المحيط ــــــــــــ الأجل | | الأجل |ــــــــــــــــ|

_ الأمل | |||||||||||| | الأجل | الأعراض | الأجل ــــــــــــــــــــــــــــــ ورواه الترمذي (2870) ، وابن أبي الدنيا (32/12) من حديث بشير بن المهاجر عن عب دالله بن بريدة عن أبيه مختصراً بلفظ: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصاتين فرمى بهما، وقال: "هذا الأجل، وهذاك الأمل ". وقال الترمذي: "حديث حسن غريب من هذا الوجه "! قلت: وبشير هذا لين الحديث؛ كما قال الحافظ. وأشار المنذري إلى تقويته، والظاهر أن ذلك لشواهده.

3429

(تنبيه) : ومن الحداثة قول المعلق على "قصر الأمل ": "لم أره بهذا اللفظ، لكن عند البخاري من رواية أنس ... "! * 3429- (إنّ في النّار حيّاتٍ أمْثالَ أعْناقٍ البُخت؛ يلْسعْن اللسعَة؛ فيجدُ حُمُوَّتها أربعينَ خريفاً. وإنَّ فيها لَعقارب كالبغالِ الموكِفةِ؛ يلْسَعْنَ اللسعةَ، فيجدُ حُمُوَّتها أربعينَ خَريفاً) . أخرجه البيهقي في "البعث والنشور" (298/616) من طريق الحاكم بسنده الصحيح عن أصبغ بن الفرج: ثنا ابن وهب عن عمرو بن الحارث أخبره أن درّاج أبا السمح حدثه أنه سمع عبد الله بن الحارث بن جَزْءِ الزبيدي- صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم -- يقول عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ على الخلاف المعروف في دراج أبي السمح، والراجح أنه مستقيم الحديث عن غير أبي الهيثم، وهذا منه، فقد رواه عن عبد الله بن الحارث بن جزء سماعاً. وقد أخرجه الحاكم (4/593) - من طريق بَحْر بن نَصْر-، وابن حبان (2613ـ الموارد) - من طريق حرملة- قالا: ثنا ابن وهب به؛ دون الشطر الثاني منه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. وتابعه ابن لهيعة عن دراج به بشطريه. أخرجه أحمد (4/ 191) .

3430

قلت: وهذه متابعة قوية من ابن لهيعة؛ فإنما يخشى من سوء حفظه إذا تفرد. وقال المنذري في "الترغيب " (4/233/1) وقد ذكره بشطريه: "رواه أحمد، والطبراني من طريق ابن لهيعة عن دراج عنه. ورواه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم من طريق عمرو بن الحارث عن دراج عنه، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد" ... ". (تنبيه) : لقد خرج حديث ابن حبان: المعلق على "الإحسان " (16/512- طبع المؤسسة) ، والمعلق على"الموارد" (8/325- طبعة الثقافة) ، وعزواه لأحمد والبيهقي، دون أن ينبها على زيادة الشطر الثاني التي عندهما! * وصيته - صلى الله عليه وسلم - بالأنصار في آخر خطبة له 3430- (أمّا بعدُ؛ أيّها الناسُ! إنّ النّاس يكثرون وتقلُّ الأنصارُ؛ حتى يكونُوا كالملح في الطعامِ، فمن وَليَ منكُم أمراً [من أمّةِ محمّدِ - صلى الله عليه وسلم -، فاستطاعَ أن] يضرّ فيه أحداً أو ينفعَه؛ فليقبلْ من محسنِهم، ويتجاوزْ عن مُسيئهم) . أخرجه البخاري في "صحيحه " (927 و3628 و 3800) ، - والسياق والزيادة له-، والحاكم (2/78- 79) - وصححه؛ ووافقه الذهبي-، والبزار في " مسنده " (3 /301/2798) - والزيادة الآتية له- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل له: هذه الأنصار؛ رجالها ونساؤها في المسجد يبكون! قال: "وما يبكيها؟! ".

قال: يخافون أن تموت، قال: فـ] خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه ملحفة متعطفاً بها على منكبيه، وعليه عصابة دسماء، حتى جلس على المنبر، [وكان آخر مجلس جلسه] ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: ... فذكره. قلت: واسناد البزار صحيح على شرط البخاري، وخفي ذلك على الهيثمي. وإسناده هكذا: حدثنا ابن كرامة: ثنا ابن موسى: ثنا ابن الغسيل- واسمه عبد الرحمن- عن عكرمة عن ابن عباس ... فقال الهيثمي (10/37) : "رواه البزار عن ابن كرامة عن ابن موسى، ولم أعرف الآن أسماءهما، وبقية رجاله رجال (الصحيح) "! فعقب عليه الحافظ في "مختصر الزوائد" بقوله (2/371) : "قلت: ابن كرامة: هو محمد بن عثمان بن كرامة. وابن موسى: هو عبيد الله، وكلاهما من شيوخ البخاري في "صحيحه "، والإسناد على شرط البخاري؛ فإنه أخرجه عن ثلاثة من مشايخه عن ابن الغسيل ". قلت: وأخرجه ابن سعد في "الطبقات " (2/252) : أخبرنا عبيد الله بن موسى به. ثم قال البزار: "قد روي نحوه من وجوه بألفاظ ". قلت: فأذكر ما تيسر لي منها:

1ـ منها: ما أخرجه البزار نفسه من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الربير عن عروة عن عائشة قالت: فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى بالناس، ثم أوصى بالناس خيراً، تم قال: "أما بعد ... " الحديث نحوه مختصراً. وقال الهيثمي: " رواه البزار، ورجاله رجال (الصحيح) "! كذا قال! وفيه تساهل معروف منه؛ فإن ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة، يضاف إلى ذلك أنه مدلس، وقد عنعنه. وأغرق منه بالتساهل قول الحافظ في "المختصر" (2/372) : "قلت: هو إسناد صحيح عندي "! إلا أن يكون عنى أنه صحيح لغيره! وهذا بعيد. والله أعلم. 2- ومنها: عن أنس بن مالك قال: مر أبو بكر بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال! ما يبكيكم؟! قالوا: ذكرنا مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منا، فدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره بذلك؟! فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فصعد المنبر، ولم يصعده بعد ذلك اليوم، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أوصيكم بالأنصار؛ فإنهم كَرِشي وعَيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ". أخرجه البخاري (3799) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/91/8346) . 3- ومنها: عن أبي قتادة الأنصاري قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على المنبر للأنصار:

"ألا إن الناس دثاري، والأنصار شعاري.. " الحديث وفيه: "فمن ولي من أمرهم شيئاً (¬1) ؛ فليحسن إلى محسنهم، وليتجاوز عن مسيئهم، ومن أفزعهم؛ فقد أفزع هذا الذي بين هاتين "؛ وأشار إلى نفسه - صلى الله عليه وسلم -. ولفظ "الأوسط ": وأشار إلى صدره، يعني: قلبه. أخرجه أحمد (5/307) ، والطبراني في "الأوسط " (9/414- 415/ 8892) ؛ وقال: "لم يروه عن أبي قتادة إلا يحيى بن النضر، تفرد به أبو صخر". قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، وكذا من دونه. وابن النضر ثقة أيضاً، فالسند صحيح، وقد صححه الحاكم (4/79) ، ووافقه الذهبي. 4- ومنها: عن زيد بن سعد عن أبيه: أن النبي- صلى الله عليه وسلم - لما نعيت إليه نفسه؛ خرج متلفعاً في أخلاق ثياب عليه، حتى جلس على المنبر، فسمع الناس به، وأهل السوق، فحضروا المسجد، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس! احفظوني في هذا الحي من الأنصار؛ فإنهم كَرِشي التي آكل فيها، وعيبتي، اقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/40/5425) من طريق ابن أبي ¬

(¬1) هذا لفظ " الأوسط ". والذي في" المسند": " فمن ولي من الأنصار"وفي "المجمع" من طريقه: ".. من أمر الأنصار"؛ وهذا قريب من اللفظ الأول.

فُدَيك عن ابن أبي حبيبة عن زيد بن سعد ... قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ زيد بن سعد؛ ليس له ذكر في كتب الرجال. وابن أبي حبيبة- واسمه إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة-؛ ضعيف؛ كما في "التقريب ". وأما قول الهيثمي (10/36) : "رواه الطبراني، وزيد بن سعد بن زيد الأشهلي لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات "! فالظاهر أنه تبنى قول أحمد في (ابن أبي حبيبة) أنه ثقة! لكن الاعتماد على قول من ضعفه- وهو الجمهور- أولى، ولا سيما وهو المطابق لقاعدة: (الجرح مقدم على التعديل) ، وبخاصة أن بعضهم قد ضعفه جداً، ومنهم الدارقطني الذي قال فيه: " متروك ". وهو الذي تبناه الذهبي في "الكاشف ". (تنبيه) : ترجم الحافظ في "الإصابة" لصحابي هذا الحديث (سعد بن زيد الأشهلي) ترجمة مختصرة جداً، وساق له طرف حديث آخر له من طريق آخر عنه، وذكر عن البغوي أنه قال: "لا أعلم له غيره ". وأقره: فيستدرك عليه هذا الحديث. 5- ومنها: كعب بن مالك قال: إن آخر خُطبة خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:

3431

"يا معشر المهاجرين! إنكم قد أصبحتم تزيدون ... " الحديث نحوه مختصراً. أخرجه الحاكم (4/78) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/79) من طريق سفيان بن حسين عن الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"! ووافقه الذهبي! قلت: وسفيان بن حسين في روايته عن الزهري ضعف. وقد خالفه معمر، فقال: عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن عبد الرحمن بن كعب عن أبيه- وكان أبوه أحد الثلاثة الذين تيب عليهم- عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام خطيباً ... الحديث. أخرجه عبد الرزاق (11/63/19917) ، وعنه الطبراني (19 /79/159) ، لكن لم يذكر الرجل الصحابي. ورواه شعيب عن الزهري بإسناده عن الصحابي الذي لم يسم، لكنه لم يقل: عن أبيه. أخرجه أحمد (3/500) ، وفي "فضائل الصحابة " (2/790- 791/1412) . * 3431- (خيرُ النّاسِ قرني الذي أنا منهم، ثمّ الذين يلونَهم، [ثمّ الذين يلونَهم] ، ثم ينشَأ أقوامٌ يفشُو فيهم السِّمَنُ، يشهدُون ولا يُستشهَدون، ولهم لَغَطٌ في أسواقِهم) . أخرجه البزار في "البحر الزخار" (1/370 /248) من طريق أبي داود الطيالسي، وهذا في "مسنده " (ص 6/32) : ثنا حماد بن يزيد- بصري، روى عنه

جماعة-: ثنا معاوية بن قرة عن كَهْمَس الهلالي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكره. وسقط من "البحر"، وكذا من "كشف الأستار" (3/289/2764) الزيادة، واستدركتها من "المسند"؛ وهي عنده بلفظ: "ثم الثاني، ثم الثالث ". وقال البزار: "لا نعلم أسند كهمس عن عمر إلا هذا، وكهمس قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً واحداً". قلت: وهذا إسناد جيد، ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير حماد بن يزيد البصري، وقد وثقه ابن حبان، وروى عنه جماعة؛ كما تقدم في إسناد البزار، وهو - كما يبدو- من قوله، وقد مضى تسمية بعض من روى عنه في تخريج الحديث الواحد الذي أشار إليه البزار- برقم (2623) ، ونقلنا هناك عن البزار أنه قال: "لا بأس به "، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 19) : "رواه البزار- واللفظ له-، وله عند الطبراني في "الأوسط ": "خير قرن؛ القرن الذي أنا فيه، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع لا يعبأ الله بهم شيئاً". قلت: عند ابن ماجه طرف منه، ورجال البزار ثقات، وفي رجال الطبراني إسحاق بن إبراهيم صاحب الباب (!) ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: هو في "الأوسط " (4/255/3449) من طريق الفيض بن وثيق الثقفي

3432

قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم صاحب الباز (!) قال: حدثنا الأعمش عن زيد ابن وهب عن عمر بن الخطاب مرفوعاً. وقال: "لا يروى عن الأعمش إلا من هذا الوجه ". قلت: وهو ضعيف لجهالة إسحاق هذا، وابن الوثيق قد ضعف؛ كما تراه في "الميزان "، و"لسانه ". ثم إن قوله: "خير قرن،.. " منكر؛ لأن المحفوظ في الأحاديث الصحيحة: "خير الناس ... " في "الصحيحين " وغيرهما، وقد مضى تخريج بعضها برقم (699 و 700) . (تنبيه) : تحرف اسم والد (حماد بن يزيد) في "مسند الطيالسي " إلى: (زيد) ! ولم يتنبه له مرتبه الشيخ أحمد البنا الساعاتي في "منحة المعبود" في موضعين منه (2/71 و199) !! رحمه الله تعالى. وسقط من إسناد "الكشف " اسم (أبي داود) الراوي عن (حماد بن يزيد) ، ولم يتنبه له محققه الشيخ الأعظمي رحمه الله تعالى. * 3432- (طوبَى له، ثم طوبَى له، ثم طوبى له. يعنِي: من آمنَ به - صلى الله عليه وسلم - ولم يَره) . أخرجه أحمد (4/152- مسند عقبة بن عامر) : ثنا محمد بن عبيد: ثنا محمد- يعني: ابن إسحاق-: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مَرْثَدِ بن عبد الله اليَزَني عن أبي عبد الرحمن الجُهني قال: بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ طلع راكبان، فلما رآهما قال: "كنديان مَذْحِجيان ".

حتى أتياه؛ فإذا رجال من (مذحج) ، قال: فدنا إليه أحدهما ليبايعه، قال: فلما أخذ بيده قال: يا رسول الله! أرأيت من رآك فآمن بك وصدقك واتبعك؛ ماذا له؟ قال: "طوبى له ". قال: فمسح يده، فانصرف. ثم أقبل الآخر حتى أخذ بيده ليبايعه، قال: يا رسول الله! أرأيت من اًمن بك وصدقك واتبعك، ولم يرك؟ قال: ... فذكر الحديث؛ قال: فمسح على يده فانصرف. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين؛ إلا أنهما لم يحتجا بابن إسحاق، فالبخاري روى له تعليقاً، ومسلم متابعة، وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث، وقد فعل. وقال الهيثمي (10/67) : "رواه أحمد، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع ". قلت: فكان من تمام الفائدة أن يصرح بحسن إسناده، وقد فعل ذلك في الرواية الآتية فما أحسن؛ لما يأتي. والحديث أخرجه البزار (3/290-291/ 2769) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (22/389/742) من طريقين آخرين عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب به؛ إلا أنه قال في الرجل مثل ما قال في الرجل الأول سؤالاً وجواباً. وقال الهيثمي (10/18) :

"رواه البزار والطبراني، وإسناده حسن "! وكذا حسنه الحافظ في "مختصر الزوائد" (2/366) ! فغضَّا البصر عن عنعنة ابن إسحاق، وكان عليهما هنا أن يلفتا النظر إلى تصريحه بالتحديث في رواية أحمد المتقدمة، ولكن هكذا قُدِّرَ. ولا اختلاف بينهما وبين رواية الآخرين؛ لإمكان الجمع بينهما، وذلك بضم ما في إحداهما إلى الأخرى، فيقال: إن الرجل الآخر سأل ما سأل الأول، وزاد عليه أنه سأل أيضاً عمن آمن به - صلى الله عليه وسلم - و ... ولم يره، ويكون حاصل الجواب: طوبى لمن راًني، وطوبى، ثم طوبى، ثم طوبى لمن لم يرني،! هذا ما يقتضيه علم (مختلف الحديث) . والله أعلم. وقد روى ابن لهيعة شيئاً من ذلك مع مخالفته لابن إسحاق في سنده؛ فقال ابن لهيعة: عن يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بَيْهَس الثقفي عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري عن أبيه- لا أعلم ذلك إلا- عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه قيل له: يا رسول الله! أرأيت من آمن بك ولم يرك، وصدقك ولم يرك (!) ماذا لهم؟ قال: "طوبى لهم (مرتين) ، أولئك منا، أولئك منا". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/182/576) . وأخرجه في "الأوسط " (9/283/8619) من طريق أخرى عن ابن لهيعة قال: حدثني بكير بن عبد الله بن الأشج به؛ فأسقط منه يزيد بن أبي حبيب! ولعله من تخاليط ابن لهيعة.

3433

وللزيادة التي في "المسند" شاهد حسن بلفظ: ".. وطوبى لمن اًمن بي ولم يرني سبع مرات ". وسبق تخريجه تحت الحديث (2888) . * 3433- (مَنْ أَخافَ هذا الحيُّ من الأنصارِ؛ فقدْ أخافَ ما بين هذين؛ يعني: جَنْبَيْه) . أخرجه الطيالسي في "مسنده " (242/ 1760) ، ومن طريقه: البزار في "مسنده " (3/304 /2805) - والسياق له-: حدثنا طالب بن حبيب عن عبد الرحمن ابن جابر بن عبد الله عن أبيه: أنه خرج يوم الحَرَة، فكبت قدمه [بحجر] ، فقال: تعس من أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! [قلت: ومن أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟] قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره " والزيادات من الطيالسي. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير طالب بن حبيب، وهو صدوق يهم؛ كما في "التقريب ". وقال البزار عقبه: "لا نعلم يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد"! قلت: قد جاء بإسناد آخر يرويه محمد بن كليب- وهو ثقة؛ كما قال أبو زرعة- عن محمود ومحمد ابني جابر سمعا جابراً قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أخاف الأنصار ... " الحديث. أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/ 1/53/110 و4/1/ 404/1767) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (6/143/5293) بلفظ: قالا:

خرجنا يوم دخل جيش ابن دلجة المدينة بعد الحرة بعام، فدخل المدينة حتى ظهر المنبر، ففزع الناس، فخرجنا بجابر في الحرة؛ وقد ذهب بصره، فنكبه الحجر، فقال: أخافه الله من أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقالها مرتين أو ثلاثاً قبل أن نسأله، فقلنا: يا أبتاه: ومن أخاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقال: أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. وقال: "لا يروى هذا الحديث عن محمد ومحمود ابني جابر إلا بهذا الإسناد، تفرد به موسى بن شيبة". قلت: وهو لين الحديث؛ كما في "التقريب "، ولكنه شاهد جيد لحديث طالب بن حبيب. ومحمد ومحمود؛ ذكرهما ابن حبان في "الثقات "؛ كما تقدم تحت الحديث (2304) ، فأحدهما يقوي الآخر. وقد أخرجه البخاري (1/ 1/53/ 110) ، والطبراني في "الأوسط " أيضاً (2/54- 55/1093) ، وكذا أحمد في "فضائل الصحابة" (2/794/1421) من طريق يحيى بن عبد الله بن يزيد بن عبد الله بن أنس أبي زكريا الأنصاري قال: حدثني محمد بن جابر بن عبد الله بن عمرو الأنصاري عن أبيه جابر مرفوعاً مثل حديث الترجمة. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/38) : " رواه الطبراني في " الأوسط "، والبزار، ورجال البزار رجال" الصحيح"؛ غير طالب بن حبيب، وهو ثقة، وأحمد بنحوه إلا أنه قال: "من أخاف أهل المدينة ... "، ورجال أحمد رجال (الصحيح) ". قلت: لفظ أحمد إسناده منقطع كما كنت بينت في المكان المشار إليه آنفاً

3434

من "الصحيحة"، وهو رواية عن محمد بن جابر بن عبد الله عن أبيه؛ كما تراه مخرجاً هناك. (تنبيه) : إنما آثرت أن أسوق حديث الترجمة- مع مناسبته- من رواية البزار دون رواية الطيالسي- مع أنها الأصل-؛ لأنه سقط منها التصريح برفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك وقع في ترتيبه "منحة المعبود" (2/138/2511) . * 3434- (ما ضرّ امرأةً نزلتْ بين بَيتينِ من الأَنصار، أو نزلتْ بين أبويْها) . أخرجه ابن حبان (2296) ، والحاكم (4/83) ، وأحمد (6/257) ، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (9/224) ، والبزار في مسنده (3/304- 305/2806) من طريق روح بن عبادة: حدثنا هشام بن حسان عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال البزار: "لا نعلم أحداً رواه هكذا إلا هشام بن حسان، ولا عنه إلا روح ". قلت: هو ثقة احتج به الشيخان وغيرهما، وكذلك من فوقه، فهو صحيح على شرط الشيخين؛ كما قال الحاكم. وبيض له الذهبي! وقال الهيثمي (10/ 40) : "رواه أحمد والبزار، ورجالهما رجال (الصحيح) "! قلت: البزار رواه عن شيخه يحيى بن حبيب: ثنا روح بن عبادة ... ويحيى ليس من رجال "الصحيح "، فالصواب أن يقال: "ورجال أحمد رجال (الصحيح) ".

3435

والحديث أعله أبو حاتم بالمخالفة والوقف، فذكر ابنه في "العلل" (2/353- 354) أنه سأل أباه عنه؟ وعما رواه يحيى بن معين عن السكن بن إسماعيل الأصم عن هشام بن حسان عن هشام بن عروة عن يحيى بن سعيد عن عائشة قالت: ما ضر امرأة كانت بين حيين من الأنصار أن لا تكون بين أبويها؟ فأجاب أبو حاتم بقوله: "هذا الحديث أفسد حديث روح بن عبادة، وبيّن علته، وهذا الصحيح، ولا يحتمل أن يكون عن أبيه عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "! قلت: وهذا- في نقدي- إعلال غريب، يخالف المعروف والمقرر في علم الحديث من ترجيح الأحفظ والأوثق على من دونه، والسكن هذا- وإن كان ثقة-؛ فليس هو مثل روح بن عبادة. ونظرة سريعة في ترجمتيهما تظهر الفرق بينهما، فالأول احتج به الأئمة كما تقدم، والآخر لم يخرجوا له ألبتة، اللهم! إلا أبو داود، فأخرج له في "فضائل الأنصار"، فأين الثريا من الثرى؟! * 3435- (شهدتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يدعُو لهذا الحيِّ من (النَّخَع) ، أو قال: يُثني عليهم؛ حتّى تمنيتُ أنّي رجلٌ منهم) . أخرجه الإمام أحمد (1/403) : حدثنا طلق بن غنام بن طلق: ثنا زكريا بن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال: حدثني شيخ من بني أسد- إما قال: شقيق، وإما قال: زر- عن عبد الله قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات مترجمون في "التهذيب "؛ غير زكريا ابن عبد الله بن يزيد- وهو الصهباني النخعي-؛ ترجمه ابن أبي حاتم (1/2/598)

برواية جمع من الثقات، ويضم إليهم طلق هذا، وما يأتي متابعاً له، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأورده ابن حبان في كتابه "الثقات " (8/252) من رواية أحد الثقات قتيبة بن سعيد. وتردد عبد الله بن يزيد في شيخه؛ هل هو (شقيق) أو (زر) ؟! مما لا يؤثر في صحة الحديث؛ لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة؛ كما قال الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- في تعليقه على "المسند" (5/317) . على أن الراجح عندي أنه (زر بن حبيش) ؛ لأنه قد جاء ذلك من طريقين آخرين عن ابنه زكريا بن عبد الله: أحدهما: عن يحيى بن أبي زكريا: ثنا زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني به. أخرجه البزار (4/235/1848- البحر الزخار) نحوه. وقال: "لا يروى بهذا اللفظ إلا عن عبد الله بهذا الإسناد". والآخر: عن يحيى الحمّاني: ثنا زكريا بن عبد الله الصهباني به. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/163/10212) . قلت: والحماني، ويحيى بن أبي زكريا- وأظنه الغساني (¬1) - فيهما ضعف، لكن أحدهما يقوي الآخر، فيصلح الترجيح بمجموعهما. والله أعلم. والحديث قال الهيثمي (10/51) : "رواه أحمد، والبزار، والطبراني، ورجال أحمد ثقات ". قلت: وقد فاتت رواية أحمد هذه جماعة من المؤلفين في الرجال، ابتداءً من ¬

(¬1) ولكني أخشى أن يكون الصواب: (يحيى أبا زكريا) وهذه كنية الحماني.

3436

الأزدي، وانتهاءً بالعسقلاني؛ فقد أورد الذهبي في "ميزانه " (زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني) ، وقال: "حدث عنه يحيى الحماني، قال الأزدي: منكر الحديث ". وأقره العسقلاني في "اللسان "؛ وزاد عليه، فقال: "أورد له [يعني: الأزدي] عن زر بن حبيش ... ". قلت: فساق الحديث! وهذا من الغرابة بمكان أن يخفى عليهم رواية أحمد من طريق طلق بن علي من جهة، وترجمة ابن أبي حاتم لزكريا هذا برواية جمع عنه- كما تقدم- من جهة أخرى، فلا يلتفت إلى قول الأزدي فيه: "منكر الحديث "؛لأنه وهم ناشئ من عدم اطلاعه على رواية الثقات والمشار إليهم عن (زكريا) ، وظنه أنه لم يرو عنه إلا (يحيى الحماني) ؛ ولا سيما وهو معروف بأن في جرحه عنتاً وشدة!! والله أعلم. * 3436- (غِلَظُ القلوبِ والجفاءُ في المشْرقِ، والإيمانُ في أهْل الحِجاز) . هو من حديث جابر- رضي الله عنه-، وله عنه طرق: الأولى: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.... فذكره. أخرجه مسلم (1/53) ، وأبو عوانة (1/60) ، وابن حبان (9/ 204/7252) ، وأحمد في "المسند" (3/335) و"فضائل الصحابة" (2/863/ 1611) من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير به. وتابعه موسى بن عقبة عن أبي الزبير عن جابر به؛ إلا أنه قال:

"والإيمان يمان، والسكينة في أهل الحجاز". أخرجه البزار (3/ 315- كشف الأستار) من طريق إسماعيل بن أبي أويس: ثنا ابن أبي الزناد عنه. وقال: "قد روي عن جابر من غير وجه ". قلت: وهو من هذا الوجه ضعيف؛ قال الهيثمي (10/53) : "رواه البزار، وفيه ابن أبي الزناد، وفيه خلاف، وبقية رجاله (رجال الصحيح) "! قلت: نعم؛ لكن إسماعيل بن أبي أويس ليس أحسن حالاً من ابن أبي الزناد- واسمه عبد الرحمن-، قال الحافظ: "صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، وكان فقيهاً". وقال في إسماعيل بن أبي أويس: "صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه ". وقال في "مقدمة البخاري " ما خلاصته: "لا يحتج بشيء من حديثه غير ما في (الصحيح) ". قلت: فأخشى أن يكون وهم في متن هذا الحديث؛ فزاد فيه: "والإيمان يمان"، وهذا قد ثبت في أحاديث؛ فانظر الحديث المتقدم (1770) ، فكأنه دخل عليه حديث في حديث؛ كما أنه غلط فجعل "السكينة في أهل الحجاز"، مكان: "الإيمان ". وتابعه ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر به؛ إلا أنه قال: "والإيمان والسكينة في أهل الحجاز".

3437

وهذا من تخاليط ابن لهيعة. أخرجه أحمد (3/345) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (10/28/ 9067) . وهو مما فات الهيثمي فلم يورده في "مجمع الزوائد"! الطريق الثانية: عن سليمان عن جابر بلفظ: "الإيمان في أهل الحجاز، وغلظ القلوب والجفاء في الفدّادين؛ في أهل المشرق". أخرجه أحمد (3/332) وإسناده صحيح، رجاله رجال الشيخين؛ غير سليمان هذا، وهو ابن قيس اليشكري، وهو ثقة. الثالثة: عن أبي سفيان عن جابر مثله؛ إلا أنه قال: "وغلظ القلوب قبل المشرق، في ربيعة ومضر". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/183/12480) . وإسناده صحيح على شرط مسلم. * 3437- (يطلُعُ عليكم أهلُ اليمن كأنّهم السّحاب، هم خيارُ من في الأرض. فقال رجلٌ من الأنصار: ولا نحنُ يا رسولَ الله؟! فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟! فسكت، قال: ولا نحن يا رسول الله؟! فقال في الثالثة كلمةً ضعيفةً: إلا أنتُم) . أخرجه أحمد في "المسند" (4/84) وفي "الفضائل " (2/863- 864/1613) قال: ثنا يزيد بن هارون قال: أنا ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: بينا نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق مكة؛ إذ قال: ... فذكره.

وبهذا الإسناد أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/183- 184/12482) بنحوه مختصراً. وأخرجه أبو يعلى (13/398/7401) ، والبزار (3/317/2838) - معلقاً- والطبراني (2/134/1549) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/353) من طرق عن يزيد بن هارون به. وقد توبع يزيد؛ فقال الطيالسي في "مسنده " (2/127/945) : حدثنا شعبة عن ابن أبي ذئب عن خاله الحارث بن عبد الرحمن به. ومن طريق الطيالسي: أخرجه البزار (2837) ، وكذا البخاري في "التاريخ " (1/2/272/2434) . وتابعه الحارث بن يزيد الحضرمي عن الحارث [خال] ابن أبي ذئب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع رأسه إلى السماء، فقال: "أتاكم أهل اليمن كقطع الليل المظلم- وفي رواية: كقطع السحاب- ... "؛ والباقي نحوه. أخرجه الطبراني (1550) ، وأحمد (4/82) - والرواية الأخرى له-، كلاهما من طريق ابن لهيعة عنه؛ إلا أن أحمد قال: عن الحارث بن يزيد عن الحارث بن أبي ذباب- إن شاء الله- عن محمد بن جبير ... قلت: هكذا وقع في "المسند": (.. ابن أبي ذباب) ، وكذا هو في "أطراف المسند" (2/186- 187 /2073) لابن حجر (¬1) . وفي "الطبراني ": (.. ابن أبي ¬

(¬1) ولم يذكر هذه الطريق الحافظ ابن كثير في "جامع المسانيد" (2/629) .

3438

ذئب) ، والزيادة بين المعكوفتين ظناً مني؛ أنه الصواب بناءً على الروايتين المتقدمتين، ومنعني من الجزم بذلك رواية أحمد هذه، وأني لم أجد من ذكر (ابن أبي ذباب) في الرواة عن (محمد بن جبير بن مطعم) أو في شيوخ (الحارث بن يزيد الحضرمي) ؛ وهو الحارث بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب الدوسي، وهو صدوق يهم، ومن رجال مسلم؛ كما في "التقريب "، فالله أعلم! فالأمر بحاجة إلى مزيد من التحقيق، فمن وجد فليُدْلِ به، وجزاه الله خيراً. والحديث أورده الهيثمي (10/54- 55) ، وقال: "رواه أحمد، وأبو يعلى..، والبزار بنحوه، والطبراني، وأحد إسنادي أحمد، وإسناد أبي يعلى والبزار رجاله رجال (الصحيح) ". (تنبيه) : ذكرت اًنفاً أن البخاري أخرج الحديث في "التاريخ "، وقد سبقني إلى العزو إلى (البخاري) الأخ الفاضل (وصي الله) في تعليقه على "الفضائل "، ولكنه أطلق العزو إليه، ولم يقيده بـ "التاريخ "، فأوهم أنه في "الصحيح "! فاقتضى التنبيه. * 3438- (إنّ قوماً يأتونَ من بعْدِي، يودُّ أحدُهم أنْ يفتدِيَ برؤيتي أهلَه ومالَه) . أخرجه البزار في "مسنده " (3/319/ 2841) : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبيدة العُصفري: ثنا عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي: ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عمرو بن أبي عمرو عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ على خلاف في عبد الرحمن بن أبي الزناد،

وكلهم من رجال "التهذيب "؛ غير أحمد بن عمرو بن عبيدة العصفري؛ فإني لم أجد له ترجمة ولا ذكراً في شيء من كتب التراجم، ولا ذكروه في الرواة عن عبيد الله الحنفي، ولا فيمن نسبته (العصفري) . ومع ذلك قال الهيثمي في "المجمع " (10/66) : "رواه البزار، وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات "! فلا أدري هل عنى بهذا التوثيق (العصفري) هذا أم لا؟! ويبدو لي أن الحافظ ابن حجر يرى الأول؛ فإنه قال في "مختصر الزوائد" (2/389-390/2072) : "قلت: إسناده صحيح "! نعم، الحديث صحيح؛ فقد جاء بإسناد آخر عن سهيل بن أبي صالح؛ فقال مسلم في "صحيحه" (8/145) ، وأحمد في "مسنده " (2/417) : حدثنا قتيبة ابن سعيد: حدثنا يعقوب (يعني: ابن عبد الرحمن) عن سهيل به، ولفظه: "من أشد أمتي حبّاً لي: ناس يكونون بعدي، يود أحدهم لو رآني بأهله وماله ". وله شاهد عند أحمد من حديث أبي ذر مرفوعاً، سبق تخريجه في المجلد الثالث برقم (1918) . وأما ما أخرجه البزار (2842) من طريق عبد الله بن داود الحراني- وهو أخو عبد الغفار-: ثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي عُشانة قال: سمعت أبا اليقظان عمار ابن ياسر يقول:

3439

والله! لأنتم أشد حبّاً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن رآه- أو من عامة من رآه-. وقال البزار: "لا نعلم له إسناداً عن عمار إلا هذا"! قلت: وهو إسناد ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة، وجهالة عبد الله بن داود الحراني؛ فإني لم أجد له ترجمة، ومتنه- على وقفه- منكر. والله أعلم. وقال الهيثمي: "رواه البزار، والطبراني، وفيه عبد الله بن داود الحراني- أخو عبد الغفار-، ولم أعرفه، وبقية إسناد البزار حديثهم حسن "! * 3439- (الحمّام حرامٌ على نساء أمتي) . أخرجه الحاكم (4/289) فقال: أخبرنا إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني: ثنا جدي: ثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا نافع بن يزيد: حدثني يحيى بن أبي أسيد عن عبيد بن أبي سويّة أنه سمع سُبيعة الأسلمية تقول: دخل على عائشة نسوة من أهل الشام، فقالت عائشة: ممن أنتن؟ فقلن: من أهل حمص. فقالت: صواحب الحمامات؟ فقلن: نعم. قالت عائشة رضي الله عنها:! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكر الحديث. فقالت امرأة منهن: فلي بنات أمشطهن بهذا الشراب؟ قالت: بأي الشراب؟ فقالت: الخمر! فقالت عائشة- رضي الله عنها-: أَفكنتِ- طيبة النفس أن تمتشطي بدم خنزير؟ قالت: لا، قالت: فإنه مثله. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ العراقي في "تخريج

الإحياء" (1/ 140) ، ثم الزبيدي في "شرح الإحياء" (1/407) ، ومن قبلهم الحافظ المنذري في "الترغيب " (1/89/ 4) . فأقول: هذا إسناد جيد متصل إن شاء الله تعالى، ولتحقيق ذلك لا بد من الكلام على رواته فرداً فرداً: 1-عُبيد بن أبي سوية؛ نسب إلى جده، فهو: عبيد بن سوية بن أبي سوية الأنصاري أبو سوية المصري) . ذكره الحافظ في كتابه "التهذيب " برواية أربعة من الثقات عنه، وحكى خلافاً في اسمه وكنيته، وقال: " والصواب: أبو سوية ". وهكذا وقع في حديث آخر، رواه أبو داود، وابن حبان، وكذا ابن خزيمة، وقد تقدم تخريجه برقم (642) . ثم قال: "وروى النسائي في "الكنى" من طريق يحيى بن أبي أسيد عن عبيد بن أبي سوية أنه سمع سبيعة الأسلمية أنها قالت: دخلت على عائشة ... فذكر الحديث في الحمام. ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم في "المستدرك ". وقال الدولابي (1/ 201) : "أبو سوية سمع سبيعة الأسلمية". وقال ابن حبان في "الثقات" (6/193) : "حميد (¬1) بن سويد أبو سويد". قال: "ومن قال: أبو سوية فقد وهم ". وقال ابن يونس: "كان رجلاً صالحاً، وكان يفسر القرآن " ... ". وقال الأمير ابن ماكولا في "الإكمال " (4/394) : "كان فاضلاً، روى عنه حيوة بن شريح، وعمرو بن الحارث وغيرهما". ¬

(¬1) وقع في " التهذيب ": "عبيد"! وهو خطأ، والتصويب من"الثقات" و"الإحسان " أيضاً (6/ 311- المؤسسة) ، أقول هذا مع أن الواقع هو الصواب.

قلت: إذا عرفت هذا؛ فهو معروف، فلا يضره قول ابن خزيمة في إسناد الحديث المشار إليه آنفاً: "لا أعرفه بعدالة ولا جرح "! ولذلك قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق، من الثالثة ". وكذلك لا يضره ما جاء في "التهذيب " أن روايته عن سبيعة الأسلمية مرسلة، بعد أن صرح في الحديث بسماعه منها؛ وجزم بذلك الحافظ الدّولابي؛ كما تقدم نقلاً عن "تهذيب الحافظ "، وهو لازم قوله المذكور آنفاً: "من الثالثة"؛ فتنبه. 2- يحيى بن أبي أسيد؛ قال ابن أبي حاتم (4/2/129) : "مصري، روى عن أبي فراس. روى عنه عمرو بن الحارث، وحيوة بن شريح، وابن لهيعة ". وكذا في "تاريخ البخاري " (4/2/261/2925) ، إلا أنه لم يذكر ابن لهيعة. وأورده ابن حبان في "الثقات " (9/251) برواية الليث بن سعد وعمرو بن الحارث؛ فقد روى عنه أربعة من الثقات، ويضم إليهم خامس وهو (نافع بن يزيد) راوي هذا الحديث عنه. وله عنه حديث آخر عند الحاكم (1/544) ، لكن شيخه فيه ضعيف، ولذلك كنت خرجته في "الضعيفة" (3200) . 3 و 4- نافع بن يزيد، وسعيد بن أبي مريم؛ ثقتان من رجال مسلم، مشهوران، فلا داعي لإطالة الكلام بترجمتيهما.

5- الفضل بن محمد الشعراني- جد إسماعيل-؛ فهو من شيوخ ابن خزيمة وغيره من الحفاظ، قال ابن أبي حاتم (¬1) في كتابه (3/2/69) : "كتبت عنه بالري، وتكلموا فيه ". قلت: وهذا جرح مبهم غير مفسر، فلا يضر؛ لأنه يحتمل أنهم تكلموا فيه لمذهب له، وهذا هو الظاهر؛ فقد قال الذهبي عقبه في "سير أعلام النبلاء" (13/318) : "وقال أبو عبد الرحمن بن الأخرم: صدوق غالٍ في التشيع. وقال الحاكم: لم أر خلافاً بين الأئمة الذين سمعوا منه في ثقته وصدقه، رضوان الله عليه، وكان أديباً فقيهاً، عالماً عابداً ... وقال مسعود السّجزي: سألت الحاكم عن الفضل بن محمد؟ فقال. ثقة مأمون، لم يطعن في حديثه بحجة". قلت: على أنه قد توبع كما سأبينه. 6- إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني؛ ترجمه السمعاني في مادة (الشعراني) ؛ (3/433) وقال: "قال الحاكم أبو عبد الله: كان كثير السماع من جده وأبيه، وكان أحد المجتهدين في العبادة، وكنت أستخير الله في إخراجه في "الصحيح "، فوقعت الخيرة على ذلك، والكلام فيه يطول ". وذكر مُختصر هذا الذهبي في "تاريخ الإسلام " (25/373- 374) ، وزاد: "روى عنه الحاكم وقال: لم أرتب في شيء من أمره إلا روايته عن عمير بن ¬

(¬1) وقع في "الميزان " و"اللسان ": "قال أبو حاتم "! وهو خطأ.

مرداس، فالله أعلم! وسألته: أين كتبت عن عمير؟ قال: لما رحلت إلى مصر (!) ابن أيوب؛ فلعله كما قال ". قلت: وهذا لا يوجد ريبة فيمن لا شك فيمن لقيه من شيوخه، مثل جده هذا، ولا يستلزم تضعيفه مطلقاً، فالأصل فيه تسليك حديثه ولذلك لم يورده الذهبي في "المغني في الضعفاء والمتروكين "، مع أنه ذكره مختصراً جداً في " الميزان ". والله أعلم. ومع ذلك كله؛ فقد توبع، بل ربما توبع جده الفضل، كما سبقت الإشارة إليه؛ فقد تقدم أنه أخرجه النسائي في "الكنى"، وقد توفي سنة (303) ، والحفيد توفي سنة (282) ، فهما متعاصران، فأستبعد أن يكون رواه عنه، وإنما هو أو شيخه متابع له، فلعل النسائي رواه عن أحد شيوخه المصريين مثل (عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المصري) ، فقد روى هذا عن (سعيد بن الحكم بن أبي مريم) الثقة، وهو (سعيد بن أبي مريم) شيخ (الفضل بن محمد الشعراني) هنا، والله سبحانه وتعالى أعلم. وجملة القول؛ أننا بهذا التحقيق نخلص إلى أن إسناد الحديث قوي، وأن من صححه من الحفاظ المتقدمين ما أبعد النُّجعة، لا سيما وله شواهد تؤيد معناه؛ منها حديث عائشة من طريق أبي المليح قال: دخل نسوة من أهل الشام على عائشة رضي الله عنها، فقالت: ممن أنتن؟ ... الحديث نحوه، لكن لفظ المرفوع: "ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها؛ إلا هتكت ما بينها وبين ربها". وهو مخرج في "آداب الزفاف" (ص 141) ، وانظر"صحيح الترغيب والترهيب " رقم (163) من الطبعة الجديدة لمكتبة المعارف.

تنبيه وفائدة: لقد توقفت برهة مديدة من الزمن عن تصحيح هذا الحديث؛ من أجل يحيى ابن أبي أسيد هذا، من يوم بدأت بتقسيم كتاب "الترغيب " إلى قسميه: "صحيح " و"ضعيف "، وذلك قبل نحو أربعين عاماً تقريباً، ومن ذلك خلت الطبعات الثلاث منه، ولذلك أسباب كثيرة سأذكر ما يتيسر لي منها في مقدمة الطبعة الرابعة من "صحيح الترغيب " إن شاء الله سبحانه وتعالى. ولكني سأذكر منها سبباً واحداً يتعلق بحديثنا هذا؛ فأقول: لم تكن المراجع والمصادر التي تساعد على التحقيق في معرفة الرجال، وتمييز "الصحيح " و"الضعيف " يومئذ متوفرة، رغم أنني كنت أعيش في دار الكتب الظاهرية، وملازماً لها أكثر من موظفيها بعناية الله وفضله، وهي الدار العامرة بمختلف الكتب المطبوعة والمخطوطة، رغم ذلك كانت تنقصني كثير من المصادر، ولا يزال الأمر كذلك؛ ولو بنسبة أقل، وها هو المثال بين يدي: ترجمة (يحيى بن أبي أسيد) وحديثه هذا، فقد مررت بمراحل عدة حتى تيسرت أسباب الحكم عليه بالصحة، فلا بأس من سردها أمام القراء؛ للتاريخ والعبرة والفائدة؛ فأقول: أولاً: لما جاء دور التعليق إبان ذلك الوقت المديد في "التعليق الرغيب "؛ كتبت عليه ما نصه- بعد سوق إسناده من "الحاكم "-: "ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "الكنى"؛ كما في "التهذيب "، وقال الحاكم: "صحيح ". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات؛ غير ابن أبي أسيد هذا، فلم أر من ذكره، وقد أورده في "التهذيب " فيمن روى عن (عبيد بن أبي سوية) ".

ثانياً: ثم بعد زمن؛ عقبت عليه بقولي: "ثم رأيته في "الجرح والتعديل " (4/2/129) من رواية ثلاثة ثقات عنه، فلعله في "ثقات ابن حبان "، ويشهد له بعض أحاديث الباب ". ثالثاً: ثم بعد هجرتي إلى (عَمان) سنة (1400 هـ) واستقراري فيها؛ امتلكت نسخة مطبوعة في الهند من "ثقات ابن حبان "، وذلك من نحو عشر سنين، ثم رتبته على الحروف قبل أن أمتلك فهارسه المطبوعة بعنوان "الجامع ... "، ومع الزمن أخذ فهرسي يكتسي ثوباً جديداً من التعليق والتحقيق، لا يوجد مثله عند محقق "الثقات "، فضلاً عن مؤلف "الجامع "، وذلك مثل تأكيد ثقة بعض الرواة، أو تجريحهم، أو تجهيلهم، وغير ذلك من الفوائد؛ كالإشارة إلى بعض أحاديثهم. ولما كنت في هذه الأيام في صدد تصحيح تجارب الطبعة الجديدة لكتابي "ضعيف الترغيب "، والقيام على إعادة النظر في أصله "التعليق الرغيب "؛ وجدت فيه حديث الترجمة، بناء على التعليق القديم الذي سبقت الإشارة إليه في (أولاً) ، فرجعت إلى كتابي "ترتيب الثقات " (¬1) ، فوجدتني قد علقت عليه بنحو ما تقدم اًنفاً من رواية الثقات الخمسة عن راويه (يحيى بن أبي أسيد) ، وتصحيح الحاكم والذهبي للحديث، وختمت التعليق بقولي: ".. فهو صدوق ". فغلب على ظني أن الحديث قوي؛ لزوال جهالة (يحيى) ، ولكن من تمام التحقيق والاحتياط في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأن لا ننسب إليه ما لم نتأكد من صحته؛ أوردت على نفسي سؤالاً، ألا وهو: لعل فيمن دونه من الرواة من يضعف ¬

(¬1) وقد سميته "تيسير انتفاع الخلان بثقات ابن حبان ".

3440

الحديث بسببه، وبخاصة من ليس لهم ترجمة في "التهذيب "؛ لأنهم ليسوا من رجال الستة وغيرهم ممن يترجم لهم، كشيخ الحاكم وشيخ شيخه؟ فكان الجواب: أن السؤال وارد علميِّاً، وكان الجواب عملياً، وهو: رابعاً: تتبعت ترجمة الشيخين المشار إليهما، فوجدت أن حديثهما لا ينزل عن مرتبة الحسن، ولا سيما وقد توبعا من قبل الإمام النسائي على ما قدمت بيانه، فثبت الحديث، والحمد لله، فحذفته من "ضعيف الترغيب "؛ ونقلته إلى تجربة "صحيح الترغيب " الذي هو تحت الطبع؛ والله تعالى ولي التوفيق (¬1) . تلك هي قصة هذا الحديث والمراحل التي مررت بها حتى تمكنت من الحكم عليه بالصحة- ومثله كثير وكثير جداً-؛ فلا يستغربن أحد من القراء إذا ما عثر على حكمين مختلفين في حديث واحد صدرا من شخص واحد، كالألباني؛ فإن لذلك أسباباً كثيرة، منها ما جرى لي في هذا الحديث مما هو فوق طاقة البشر، ولا يدخل في باب التكليف، ويأتي بعد ذلك أنني بشر، أخطئ وأصيب، كما قال الإمام مالك رحمه الله: "ما منا من أحد إلا رَدَّ أو رُدَّ عليه؛ إلا صاحب هذا القبر"، وأشار إلى قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد} !! * 3440- (إن خيارَ عِباد اللهِ: الذين يراعُونَ الشّمسَ والقمرَ والنُّجومَ والأظلّة؛ لذكر الله عزّ وجل) . أخرجه ابن شاهين في "الأفراد" (ق 5/1) ، والبزار في "مسنده" (1/186/366) ، والطبراني في "الدعاء" (3/1637/1876) ، والحاكم (1/51) ، ومن طريقه: ¬

(¬1) ثم طبع بحمد الله. (الناشر) .

البيهقي في "السنن" (1/379) من طريق سفيان بن عيينة عن مسعر عن إبراهيم السَّكْسَكِي عن ابن أبي أوفى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال البزار: "لا نعلم رواه عن مسعر إلا سفيان، والصحيح أنه موقوف على أبي الدرداء". وقال ابن شاهين: "تفرد به سفيان عن مسعر، ما حدث به عنه غيره، وهو حديث غريب صحيح حسن "! وقال الحاكم: "هذا إسناد صحيح، وقد احتج مسلم والبخاري بإبراهيم السكسكي، واذا صح مثل هذه الاستقامة؛ لم يضره توهين من أفسد إسناده ". ثم ساقه من طريق عبد الله عن مسعر عن إبراهيم السكسكي قال حدثني أصحابنا عن أبي الدرداء أنه قال ... فذكر موقوفاً نحوه. وقال: "هذا لا يفسد الأول، ولا يعلله؛ فإن ابن عيينة حافظ ثقة، وكذلك عبد الله ابن المبارك ". قلت: وسكت عن الحديث الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/208) ! ولي هنا ملاحظات لا بد لي من ذكرها: أولاً: قول البزار: "والصحيح موقوف "! فأقول: لا وجه لهذا التصحيح؛ فقد رأيت أن مدار المرفوع والموقوف على (إبراهيم السكسكي) ؛ فإن كان حجة؛ فالأمر كما قال الحاكم: الموقوف لا يفسد المرفوع؛ لأن الإسناد إليه بكل منهما صحيح. فتأمل!

ثانياً: تصحيح الحاكم والذهبي وابن شاهين لإسناده؛ فيه نظر قوي! ذلك؛ لأن (السكسكي) وإن أخرج له البخاري؛ ففيه كلام من قبل حفظه، يمنع من الحكم على إسناده بالصحة. أما الحسن فيمكن، قال الذهبي نفسه في "الميزان ": "كوفي صدوق، لينه شعبة والنسائي، ولم يترك، قال النسائي: ليس بذاك القوي. وخرج له البخاري. وقال أحمد: ضعيف. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثًًاً منكر المتن ". وقال في "الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد" (ص 55) : "لينه شعبة، وضعفه أحمد، حديثه حسن ". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق، ضعيف الحفظ "؛ وانظر "إرواء الغليل " (2/12) ؛ فإن له فيه حديثًاً صححه ابن خزيمة، وابن حبان، وابن الجارود. ثالثاً: قول الحاكم: "وقد احتج به مسلم "! خطأ لعله من بعض النساخ؛ فإن المنقول عن الحاكم خلافه؛ فقد ذكر الحافظ في ترجمة (السكسكي) هذا من كتابه "مقدمة الفتح " (ص 388) : "قال الحاكم: قلت للدارقطني: لم ترك مسلم حديثه؟ قال: تكلم فيه يحيى ابن سعيد. قلت: بحجة؟ قال: هو ضعيف ". رابعاً: ومع هذا كله؛ فإن في سكوت الحافظ عن الحديث ما يشير إلى تقويته، وذلك في مرتبة الحسن، كما في عبارة ابن شاهين المتقدمة، وهذا عند الحافظ: لذاته، أو لغيره، وهو الأقرب عندي؛ فقد ذكر له البيهقي شاهداً من

رواية واصل بن أيوب الأسواري عن أبي هريرة موقوفاً عليه. والأسواري هذا لم أجد من ذكره؛ ولا السمعاني في هذه النسبة. وكذلك أشار إلى تقويته الحافظ المنذري أيضاً في "الترغيب " (1/109/14) بتصديره إياه بقوله: "وعن.. "، وسكوته أو إقراره لتصحيح الحاكم وابن شاهين، وذكر له شاهداً من حديث أنس رضي الله عنه، وقد خرجته في الكتاب الآخر برقم (5038) ، مع بيان ضعفه، وإعلال الهيثمي إياه. وأما هذا فقد قال فيه (1/327) : "رواه الطبراني في " الكبير"، والبزار، ورجاله موثقون، لكنه معلول "! قلت: يشير إلى الخلاف في رفعه ووقفه، وفي توثيق إبراهيم السكسكي، وقد حررت القول في ذلك كله، وتبيين- إن شاء الله تعالى- صوابه من خطئه. ثم لا بد لي بهذه المناسبة من كلمة حول هذا الحديث وما فيه من الفقه، فأقول: ليس يخفى على أهل العلم أن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام، وأنه قد جاء في فضله أحاديث كثيرة معروفة في "الصحاح " و "السنن " وغيرها، وإنما قصدت هنا تخريج هذا من بينها لسببين اثنين: أحدهما: تحقيق الكلام في إسناده، والنظر في الذين صححوه؛ هل أصابوا أم أخطؤوا؟! ثم الحكم عليه بما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية من صحة، أو حسن، أو ضعف، وقد فعلت، راجياً من الله تعالى أن أكون قد وفقت للصواب الذي يرضيه عز وجل. والآخر: التذكير بما أصاب هذه الشعيرة الإسلامية من الاستهانة بها، وإهمالها، وعدم الاهتمام بها، وتعطيلها في بعض المساجد التي يجب رفع الأذان فيها من

مؤذنيها، اكتفاءً بأذان إذاعة الدولة التي يذاع بواسطة الكهرباء من مكبرات الصوت المركبة على المآذن في بعض البلاد الإسلامية، وبناءً على التوقيت الفلكي، الذي لا يوافق التوقيت الشرعي في بعض الأوقات، وفي كثير من البلاد، فقد علمنا أن الفجر يذاع قبل الفجر الصادق بنحو ربع ساعة أو أكثر، يختلف ذلك باختلاف البلاد، والظهر قبل ربع ساعة، والمغرب بعد نحو عشر دقائق، والعشاء بعد نصف ساعة! وهذا كما ترى يجعل بعض الصلوات تصلى قبل الوقت الشرعي مما لا يخفى فساده، والسبب واضح، وهو الجهل بالشرع؛ والاعتماد على علم الفلك حساباته التي تخالف الشرع؛ الأمر الذي صيّر المؤذنين الذين قد يؤذنون في مساجدهم، ولا يكتفون بالأذان المعلن من إذاعة الحكومة يجهلون كلّ الجهل المواقيت الشرعية المبنية على الرؤية البصرية، التي يسهل على كل مكلف أن يعرفها، لا فرق في ذلك بين أمي وغيره، بعد أن يكون قد عرفها من الشرع، فالفجر عند سطوع النور الأبيض وانتشاره في الأفق، والظهر عند زوال الشمس عن وسط السماء، والعصر عند صيرورة ظل الشيء مثله، بالإضافة إلى ظل الزوال، والمغرب عند غروب الشمس وسقوطها وراء الأفق، والعشاء عند غروب الشفق الأحمر. وإن مما لا شك فيه: أن هذه المواقيت تختلف باختلاف الأقاليم والبلاد ومواقعها في الأرض؛ من حيث خطوط الطول والعرض من جهة، ومن حيث انخفاضها وارتفاعها من جهة أخرى، الأمر الذي يوجب على المؤذنين مراعاتها والانتباه لها، فمدينة كبيرة كالقاهرة مثلاً؛ يطلع الفجر في شرقها قبل مغربها، وهكذا يقال في سائر الأوقات، بل قد تكون البلدة ليست في اتساعها كالقاهرة، كدمشق مثلاً، فمن كان في جبل قاسيون مثلاً تختلف مواقيته عمن كان في وسطها، أو في مسجدها مسجد بني أمية، أو في الغوطة منها مثلاً، ومع ذلك

3441

فأهلها جميعاً من كان في الأعلى أو الأدنى من مناطقها يصلون ويصومون ويفطرون على أذان مسجدها! وما لنا نذهب بعيداً؛ فقد شاهدت أنا وغيري في بعض قرى عمان؛ (الناعور) - لما ذهبنا إلى صلاة المغرب في مسجدها- الشمس لما تغرب بعد، والأذان يعلن من مكبر الصوت الذي على المنارة مذاعاً من إذاعة الدولة من بعض مناطق عمان! وتتكرر هذه المشاهد المخالفة في كثير من البلاد كما رأينا وسمعنا مثله من غيرنا؛ وقد بينت هذا في مكان آخر من التعليقات والتوجيهات. والمقصود: أن الثناء المذكور على المؤذنين في هذا الحديث؛ صاروا اليوم غير مستحقين له؛ بسبب أنهم لا يراعون الشمس و.. ولمعرفة أوقات الصلاة التي ائتمنوا عليها، ودعا لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: بالمغفرة لو قاموا بها في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم! أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين " (¬1) . فلعل من كان يملك أذانه من المؤذنين، ومن كان من الحكام الغيورين على أحكام الدين يهتمون بالمؤذنين وتوجيههم أحكام دينهم وأذانهم، ويمكنونهم من أداء الأمانة التي أنيطت بهم، وهم يعلمون قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ". {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد} ! * 3441- (ما منكنّ امرأةٌ يموتُ لها ثلاثةٌ؛ إلا أدخلَها الله عزّ وجلّ الجنة، فقالت أجلُّهن امرأة: يا رسولَ الله! وصاحبةُ الاثنينِ في الجنّة؟! قال: وصاحبة الاثنين في الجنة) . أخرجه أحمد (1/ 421) : حدثنا عبد الصمد: حدثنا حماد: حدثنا عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود: ¬

(¬1) "صحيح أبي داود" (530) ، و"الإرواء " (217) .

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب النساء فقال لهن: ... فذكره. وتابعه زائدة عن عاصم به نحوه. رواه البزار في " البحر الزخار" (5/139/1729) ، وأبو يعلى (5085) . قلت: وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا أن عاصماً - وهو ابن بهدلة - إنما أخرج له مقروناً. وحماد: هو ابن سلمة، وقد توبع. فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (7/44/6073) : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي سُويد قال: حدثنا عثمان بن الهيثم قال: حدثنا أبي عن عاصم به. وقال: "لم يروه عن عاصم إلا الهيثم بن جهم، تفرد به عثمان بن الهيثم ". قلت: وهذا إسناد حسن أيضاً؛ غير ابن أبي سويد هذا، فقد ضعفه ابن عدي؛ كما بينته تحت حديث آخر له بهذا الإسناد في "الضعيفة" (6817) . لكنه قد توبع فقال الطبراني في "المعجم الكبير" (10/232/10414) : حدثنا إبراهيم بن صالح الشيرازي: ثنا عثمان بن الهيثم المؤذن به؛ إلا أنه قال: "ليس من أجلهن "! فلعل "ليس " مقحمة. قلت: وابراهيم بن صالح الشيرازي لم يترجموه؛ إلا الذهبي في "تاريخ الإسلام " ترجمة مختصرة جداً، ليس فيها سوى أنه حدث بمكة عن حجاج بن نصير الفساطيطي، وعنه الطبراني. ولم يزد عليه شيئاً الشيخ الأنصاري في "بلغته " (ص 16) ! مع أن تحديثه المذكور عن حجاج إنما استفاده الذهبي من "المعجم الصغير" للطبراني، وفيه فائدة أخرى وهي تاريخ سنة التحديث والوفاة،

فقال (362- الروض) : ثنا إبراهيم بن صالح الشيرازي- بمكة سنة ثلاث وثمانين ومئتين، وفيها مات-: ثنا حجاج بن نصير ... إلخ. ويبدو لي أنه ليس من مشايخه المشهورين " فإنه قليل التحديث عنه، لم يرو عنه في "المعجم الأوسط " (3/447/2959) إلا حديثاً واحداً، وفي "الدعاء" حديثين (رقم 160 و 1141) . لكن يظهر أن الحديث معروف عن (عثمان بن الهيثم) ؛ فقد علقه عليه بعض الحفاظ، فقال ابن أبي حاتم في "العلل " (1/353/1041) : "سألت أبي عن حديث رواه عثمان المؤذن عن أبيه ... فذكره) ؟ قال أبي: رواه حماد عن عاصم عن أبي وائل.. أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت لأبي: أيهما الصحيح؟ قال: قد توبع الهيثم بن جهم في هذه الرواية موصولاً". وكذلك علقه الإمام الدارقطني، فقال في "العلل " (5/58) - بعد أن ذكره من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل عن حماد عن عاصم عن زر عن عبد الله موقوفاً-: "ورواه زائدة وهيثم بن جهم البصري- والد عثمان بن الهيثم المؤذن؛ ثقة لا بأس به (¬1) - عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله مرفوعاً. ولعل عاصماً حفظ عنهما. والله أعلم ". والحديث صحح إسناده الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على "المسند" (6/40) ، وقال: ¬

(¬1) قلت: وهذه فائدة عزيزة، تستفاد وتنقل إلى ترجمة (الهيثم) في "الجرح والتعديل "، ولم يتنبه لها المعلق الفاضل على "العلل "، بل لعله ظن أنه يعني الوالد، وهو بعيد؛ فإن الدارقطني قد ضعفه؛ فراجع "التهذيب ".

3442

"وهذا لم يرو في الكتب الستة، ولم يذكر في "مجمع الزوائد"، فيستدرك عليه" قلت: وكذلك على كتابه الآخر: "كشف الأستار"، فإنه لم يذكره فيه، وقد عرفت أنه في "مسند البزار". ثم قال الشيخ: " (أجلهن امرأة) ؛ أي: أكبرهن وأعظمهن. وفي ك: "أجلدهن امرأة". وفي نسخة بهامشها: (أجملهن) ". قلت: ويرجح الأولى موافقتها لروايتي الطبراني " فتأمل! والحديث صحيح؛ فإن له شواهد كثيرة في "الصحيحين "، وغيرهما، تجد بعضها في "أحكام الجنائز" (ص 34- المعارف) ، و"صحيح الترغيب " كتاب النكاح رقم (1999) . * 3442- (ما مِن امرأةٍ تنزعُ ثيابَها في غيرِ بيتها؛ إلا هتكتْ ما بينها وبينَ اللهِ من سترٍ) . أخرجه أحمد في "المسند" (6/362) ، والدّولابي في "الأسماء والكنى" (2/134) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/255/652) من طرق عن عبد الله ابن وهب: أخبرني حيوة بن شريح قال: حدثني أبو صخر أن يُحنّس أبا موسى حدثه أن أم الدرداء حدثته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقيها يوماً، فقال: "من أين جئت يا أم الدرداء؟! ".

قالت: من الحمّام، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجاله مسلم، وفي بعضهم كلام لا يضر؛ وهو مخرج تخريجاً مختصراً في "آداب الزفاف " (ص 140) ، و"غاية المرام" (ص 136-137) ، و"التعليق الرغيب " (1/90/8) . وقال المنذري فيه: " رواه أحمد، والطبراني في " الكبير" بأسانيد، رجالها رجاله (الصحيح) "! كذا قال! وفيه سقط بينه قول الهيثمي في "المجمع " (1/277) : ".. ورجال أحدها رجال (الصحيح) ". على أن قولهما: "بأسانيد" خطأ، والصواب: "بإسنادين"؛ لأنه ليس له عندهما إلا إسناد آخر؛ يرويه عبد الله بن لهيعة عن زَبّان بن فائد عن سهل بن معاذ عن أبيه أنه سمع أم الدرداء تقول: خرجت يوماً من الحمام، فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "من أين يا أم الدرداء؟ ! ". قالت: من الحمام، فقال: "والذي نفسي بيده! ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها؛ إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ". أخرجه أحمد (6/361- 362) ، والطبراني (24/252 -253/645) . وتابعه رِشْدين بن سعد عن زبان بن فائد به. أخرجه الطبراني (646) .

قلت: وهذا إسناد يمكن الاستشهاد به؛ فإن زبان بن فائد ليس شديد الضعف؛ فقد قال الذهبي في "الكاشف ": "فاضل، خيّر، ضعيف ". وقال في "المغني ": "ضُععِّف، وقال أبو حاتم: صالح الحديث ". وقال الحافظ في "التقريب ": "ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته ". فقوله في آخر ترجمة أم الدرداء- واسمها خيرة- من "الإصابة " بعدما عزاه للطبراني فقط: "وسنده ضعيف جداً"! فهو مردود بقوله في "التقريب "، وبالطريق الأولى، فهي شاهد قوي له. ويبدو أن الحافظ لم يستحضرها، وإلا؛ كان اكتفى بها دون الأخرى التي ضعفها جداَ، هذا هو اللائق بحفظه وعلمه، ولكن جل من أحاط بكل شيء علماً! وأعجب من ذلك: الخبط والخلط الذي وقع فيه تلميذه الشيخ إبراهيم الناجي على خلاف عادته وتحقيقه-؛ فإنه قال متعقباً لقول المنذري المتقدم (ق 37/ 1) : "فإن كان ذكر (الأسانيد) يعود إلى الطبراني دون أحمد، وإلا؛ فهو غير مُسلم، وقد عزاه الشيخ نور الدين الهيثمي في كتابه "مجمع الزوائد" إليهما؛ لكن لم يذكر (الأسانيد) ، وقال: "رجالهما ثقات "، وعزاه شيخنا الحافظ ابن حجر في مصنفه في أسماء الصحابة في ترجمة (أم الدرداء الكبرى) إلى أبي يعلى والطبراني، وذكر

أنهما أخرجاه من طريق زبان، وسنده ضعيف جداً انتهى. فإن كان الطبراني أخرجه من غير هذه الطريق- وما أظن ذلك- ولا سيما راواية (كذا) ابن لهيعة له عن زبان عن سهل، وإلا؛ فما قاله المصنف والهيثمي مردود؛ إذ (زبان) وشيخه (سهل) من الرواة المختلف فيهم الذين أفردهما المصنف في آًخر هذا الكتاب، فقال.. ". قلت: ثم أطال النفس في نقل أقوال الحفاظ في (زبان) في توثيقه وتضعيفه في غير طائل في نحو نصف صفحة، لأنه على التسليم بضعفه، فقد قدمت الجواب عنه، فلا نعيده، ولكن لا بد من بيان ما يتعجل صدوره منه: أولاً: أنه لم يعد إلى "مسند أحمد"، و"معجم الطبراني " ليتبين له أنه لا فرق بين روايته ورواية أحمد! ثانياً: ما نسبه للهيثمي في "المجمع " لم أره، وهو خلاف ما نقلته اًنفاً عنه، وأخشى أن يكون قد انتقل بصره عند الكتابة إلى حديث آًخر، كما حكى هو مثله مراراً عن المنذري. ثالثاً: قوله: "وما أظن ذلك " مما يؤكد ما ذكرته في (أولاَ) ، وإلا؛ لعرف أنه رواه الطبراني وكذا أحمد من غير طريق (زبّان) . رابعاً: ما نسبه لابن حجر أنه عزاه لأبي يعلى؛ ليس في النسخة المطبوعة من "الإصابة"، فإن كان ذلك في بعض النسخ منه؛ فهو وهم من مؤلفه، وإلا؛ فمن أوهام الناجي؛ فإن المؤلف لم يذكره في "المطالب العالية" المجردة، ولا في؛ "المسندة". خامساً: من آثار عدم رجوعه إلى "المسند" و"الطبراني ": أنه أقر شيخه على قوله: "وسنده ضعيف جداً"، وذلك يستلزم تضعيفه للحديث، ولذلك بنى عليه قوله فيما بعد (37-1/2) :

"ومقتضى الحديث المذكور: أنه كان في زمنه عليه الصلاة والسلام بالمدينة حمام، والوارد خلافه، وأنه أخبر بفتح بلاد الشام من ذوات الحمام بعده ودخولهم (هنا كلمتان لم أستطع قراءتهما أصابتهما الماء) جماعات من الصحابة حينئذٍ، وهكذا قالت عائشة وأم سلمة لأولئك النسوة دخلن عليها بعد موته ممن يدخلها (!) ، وهذا كله ظاهر غير خافٍ "! كذا قال! ومع ما في العبارة من خفاء بعض الألفاظ؛ فالمقصود منه ظاهر؛ وهو في ذلك تابع لبعض المتقدمين أقدمهم- فيما علمت- الخطيب؛ فإنه قال في كتابه "الموضح " (1/362) بعد أن ضعف حديث (زبان) : "مع أن الحديث تبعد صحته؛ لأن المدينة لم يكن بها حمام على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والحمامات إنما كانت في ذلك الوقت ببلاد الشام، وبلاد فارس "! ثم احتج لما قال بما رواه من طريق الإفريقي عن عبد الرحمن بن رافع عن عبد الله بن عمرو مرفوعاً: "إنها ستفتح لكم أرض الأعاجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها: الحمامات ... " الحديث. قلت: وهذا من الغرابة بمكان؛ أن يحتج بمثل هذا الحديث، والإفريقي ضعيف، وكذا شيخه، كما كنت نقلته عن الحافظ في "غاية المرام " (192) ، ثم زدته بياناً في "الضعيفة" (6819) . وأغرب منه: تجاهل الشيخ الناجي هذا الضعف، وقد أشار إليه المنذري (1/88/2) ، ولم يتعقبه الناجي بشيء! تجاهله بجزمه نسبته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله المتقدم:

"وأنه أخبر بفتح ... " إلخ. وكذلك تجاهل الخطيب حديث الترجمة المصرح بصحبة أم الدرداء، مع كونه في "سنن أبي داود" مما لا يخفى على من هو دونه حفظاً، وأوهم أنه ليس له طريق إلا طريق (زبان) ، وجزم بأن أم الدرداء هذه لا صحبة لها، مع أنه ذكر لها حديثاً آخر صرحت فيه بسماعها من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وقال فيه (1/363) : "هذا حديث متصل الإسناد صالح الرجال "! وتعقبه الشيخ المعلمي في تعليقه عليه بأن فيه شهر بن حوشب، وأنه سماها في رواية أحمد (أسماء بنت يزيد) : أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ، فراجعه. ثم حكى الخلاف في صحبتها عن الحفاظ، فمن مثبت، ومن ناف، ولا أشك في أن الإثبات أصح لحديث الترجمة، ولأن الحفاظ أكثرهم عليه وعلى رأسهم علي بن المديني، كما في "الإصابة"، وذكرها في الصحابة ابن حبان في "الثقات " (3/116 و358) ؛ وبذلك جزم الذهبي في "التجريد" (2/266/3202) . وأما ابن الجوزي؛ فقد تعنّت وبالغ؛ فأورد الحديث في "العلل " (1/ 341) من رواية أحمد، فقال: "وأما أبو صخر؛ فاسمه (حميد بن زياد) ، ضعفه يحيى. وهذا الحديث باطل، لم يكن عندهم حمام في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "! قلت: هذا تعنت ظاهر؛ فإن الرجل مختلف فيه، ولا يجوز الاعتماد على قول المضعف إلا بعد الموازنة بينه وبين قول من وثقه، وإلا؛ لم يسلم لنا من الحديث إلا القليل، ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ": "مختلف فيه، قال أحمد: ليس به بأس ".

ولذلك؛ أورده في "الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد" (93/97) . ونحوه قول الحافظ في "التقريب ": "صدوق يهم ". ثم هو ممن احتج بهم مسلم في "صحيحه "، فروى له غير ما حديث، منها حديث أبي هريرة في اتباع الجنازة والصلاة عليها، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (ص 89) ، وصحح له ابن حبان والحاكم وغيرهما. قلت: فمثله لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، فكيف وتشهد له الطريق الأخرى كما تقدم؟! فكيف وله طريق ثالث؛ يرويه محمد بن حمير عن أسامة بن سهل عن أبيه أنه سمع أم الدرداء تقول: خرجت من الحمام، فلقيني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. أخرجه الخطيب في "الموضح " (1/395) ، وأعله بقوله (ص 362) : "أسامة بن سهل مجهول ". قلت: وهو مما يستفاد ويستدرك على كتب التراجم المعروفة؛ فإنها قد خلت منه، حتى "الجرح والتعديل "، و"ثقات ابن حبان "، و"لسان الميزان " وغيرها! ولا ينافيه حديث عائشة الذي تشبث به الشيخ الناجي وغيره، على أن ابن الجوزي قد تعنّت فيه أيضاً (¬1) ، ولفظه: دخل نسوة من أهل الشام على عائشة- رضي الله عنها-، فقالت: ممن أنتن؟ ¬

(¬1) وذلك لأنه لم يورده إلا من طريق واهية، غير طريق "السنن " المعروفة الصحيحة، وهي مخرجة في " آداب الزفاف " (141) .

قلن: من أهل الشام، قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤها الحمام؛ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من امرأة تخلع ثيابها ... "الحديث. قلت: هذا لا ينافي حديث الترجمة المثبت لوجود الحمام في المدينة زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ غاية ما فيه أن حمص كانت مشهورة بدخول النساء الحمامات، بخلاف المدينة، فقالت السيدة عائشة ما قالت. وقد صح أن جماعة من الصحابة دخلوا الحمام، مثل عبد الله بن عمر، وأبي الدرداء، وبلوه وعرفوا فائدته، فقال أبو هريرة وابن عمر: نِعْمَ البيتُ الحمامُ؛ يذهب الدرن، ويذكِّر بالنار (¬1) . فإن كان هذا بعد فتح دمشق وحمص؛ فذلك لا ينفي أن يكونوا بدؤوا بإنشائها في المدينة، ولو في آخر حياته - صلى الله عليه وسلم -، فالقضية تاريخية ليست فقهية، فلا يكفي فيها الاستنباط وعدم العلم، بل لا بد من النص النافي الذي لا يقبل التأويل، فكيف والنص المثبت ثابت؟! فتأمل! هذا ما تحرر عندي في هذه القضية؛ فإن أصبت فمن الله، وان أخطأت فمن نفسي؛ والله تعالى أسأل أن يسدد خطاي لما يحب ويرضى. (تنبيه) : لقد سقط حديث الترجمة من طبعة الثلاثة المعلقين لكتاب "الترغيب "، دون أن يشيروا أدنى إشارة إلى ذلك، وهو مما يدل على أنهم أبعد ما يكونون عن التحقيق الذي زعموه في المقدمة قائلين: ¬

(¬1) وهي مخرجة تحت الحديث (6255- الضعيفة) .

3443

"مستفيدين من النسخ الخطية المشرقية، ومعتمدين أسلوب الجمع الضوئي الحديث، واضعين نصب أعيننا تحقيق النصوص وسلامتها أولاً.. "! وما أحسن ما قيل: اقرأ تفرح، جرب تحزن! والله المستعان. * 3443- (كان يقولُ حينَ يريدُ أنْ ينامَ: اللهمَ! فاطرَ السماواتِ والأرضِ! عالمَ الغيبِ والشهادةِ! ربَّ كلّ شيءٍ! وإله كلِّ شيءٍ! أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا أنتَ، وحدَك لا شريكَ لك، وأنَّ محمّداً عبدُك ورسولُك، والملائكة يشهدون، اللهم! إنِّي أعوذُ بك من الشيطانِ وشِرْكِه، وأعوذُ بك أن أقرِفَ على نفْسي إثْماً، أو أردَّه إلى مسلم) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/40/94) وفي "الدعاء" (2/913/263) من طريق ابن وهب: حدثني حُييُّ عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال: ... فذكره. وتابعه ابن لهيعة: ثنا حُييُّ بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن الحبلي حدثه قال: أخرج لنا عبد الله بن عمرو قرطاساً، وقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا يقول ... فذكر الدعاء مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ؛ وزاد: قال أبو عبد الرحمن: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمه عبد الله بن عمرو أن يقول ذلك حين يريد أن ينام. أخرجه أحمد (2/171) : حدثنا حسن عن ابن لهيعة به.

وقال المنذري (1/211/13) - وتبعه الهيثمي (10/122) ، وقلدهما المقلدون الثلاثة (1/ 471) ، فقالوا -: "رواه أحمد بإسناد حسن "! قلت: ابن لهيعة سيىء الحفظ معروف بذلك، فهو حسن بالمتابع الذي قبله، وبما يأتي. وقد توبع حيي بن عبد الله؛ فقال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم عن عبد الله بن يزيد عن عبد الله بن عمرو، فذكره نحو حديث ابن لهيعة. أخرجه عبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (1/301/338) ، والطبراني أيضاً (13/26/52) ، والبيهقي في " الدعوات الكبير" (2/112/353) ؛ وعندهما جملة التعليم لأبي بكر. واسناده ضعيف؛ ابن أنعم- وهو الإفريقي- ضعيف. وله طريق أخرى: عن أبي راشد الحبراني قال: أتيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: حدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟؛ فألقى بين يدي صحيفة، فقال: هذا ما كتب لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فنظرت فيها؛ فإذا فيها: أن أبا بكر الصديق قالت: يا رسول الله! علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت؟ فقال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا بكر! قل ... " فذكر الدعاء إلى قوله: "وأن أقترف على نفسي سوءاً، أو أجرّّه إلى مسلم ".

3444

أخرجه أحمد (2/196) ، والبيهقي في "الدعوات " (1/ رقم 30) . قلت: وإسناده حسن. وله شاهد صحيح من حديث أبي هريرة، وزاد في آخره: "قله إذا أصبحت، وإذا أمسيت، وإذا أخذت مضجعك ". وقد مضى تخريجه مبسطاً (2753 و 2763) . وبالجملة؛ فالحديث عن ابن عمرو صحيح بهذه الطرق والشاهد. * 3444- (من قال إذا أوَى إلى فراشه: الحمد لله الذي كفاني وآواني. الحمد لله الذي أطعمني وسقاني. الحمد لله الذي مَنَّ عليَّ وأفضلَ، اللهم! إنِّي أسألك بعزَّتك أنْ تُنَجِّيَني من النّار؛ فقدْ حَمِدَ الله بجميع محامدِ الخلقِ كلِّهم) . أخرجه الحاكم (1/545 -546) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة " (229/714) والبيهقي في "الشعب " (4/93/4382) من طرق عن موسى بن إسماعيل: ثنا خلف بن المنذر: ثنا بكر بن عبد الله المزني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي. قلت: ورجاله ثقات رجال الشيخين " غير خلف بن المنذر، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات " (6/271) ، وقال:

3445

"روى عنه موسى بن إسماعيل وأهل بلده ". وقال البخاري في "التاريخ ": ".. موسى بن إسماعيل، ومسلم ". والظاهر أنه يعني: مسلماً الفراهيدي؛ فإنه من أهل بلده: البصرة. ولم يعرفه المنذري؛ فقال في "الترغيب " (1/211/15) : "رواه البيهقي، ولا يحضرني إسناده الآن "! * 3445- (من بنَى للهِ مسجداَ بنَى اللهُ له بَيتاً في الجنّة أوسعَ منْه) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/267 -268/7889) من طريق عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً؛ علي بن يزيد- وهو الألهاني-، ضعيف. وعثمان بن أبي العاتكة؛ صدوق، ضعفوه في روايته عن الألهاني هذا، كما قال الحافظ في "التقريب ". لكن له شاهدان من حديث عبد الله بن عمرو، وأسماء بنت يزيد بن السكن. أما حديث ابن عمرو، فيرويه الحجاج عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - به. أخرجه أحمد (2/ 221) . ورجاله ثقات " فهو حسن الإسناد؛ لولا أن الحجاج- وهو ابن أرطاة- مدلس؛

وقد عنعنه، ومع ذلك صحح إسناده أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" (12/16) ! وقد تابعه جرير بن حازم عن عمرو بن شعيب به؛ إلا أنه خالفه في لفظه فقال: ".. ولو قدر مفحص قطاة؛ بنى الله له بيتاً في الجنة"؛ فلم يذكر: ".. أوسع منه ". أخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" (9/95) . 2- وأما حديث أسماء بنت يزيد؛ فيرويه محمود بن عمرو الأنصاري عنها مرفوعاً به. أخرجه أحمد (6/461) ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/126) ، والطبراني في "الكبير" (24/165/468) و"الأوسط " (9/209/8454) ؛ لكن لم يقع فيهما: "أوسع منه ". قلت: وهذا إسناد حسن أو قريب من الحسن؛ فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير محمود بن عمرو الأنصاري، وقد وثقه ابن حبان (5/434) ، وروى عنه اثنان، مع ملاحظة أنه من التابعين، وقال الذهبي: "فيه جهالة". وقال الحافظ في "التقريب ": "مقبول ". ولذلك " قال الهيثمي (2/8) بعدما عزاه للطبراني وأحمد: " ورجاله موثقون ".

3446

وبالجملة؛ فالحديث بهذين الشاهدين يرتقي إن شاء الله تعالى إلى مرتبة الحسن، ولا سيما وفي معناه حديث واثلة بن الأسقع مرفوعاً بلفظ: "بنى الله عز وجل له بيتاً أفضل منه". أخرجه أحمد، والبخاري في "التاريخ " وغيرهما؛ لكن في إسناده ضعف وجهالة، ولذلك؛ خرجته في " الضعيفة " (6716) . ولعله لما ذكرته من الشواهد؛ سكت الحافظ في "الفتح " (1/546) عن حديث الترجمة، وعن حديث واثلة. والله أعلم. * 3446- (من خرجَ حتى أتَى هذا المسجدَ- مسجدَ قُباء- فصلّى فيه؛ كان له عِدْل عمْرةٍ) . أخرجه البخاري في "التاريخ " (1/1/96) ، والنسائي (1/113 - 114) ، وابن ماجه (1412) ، والحاكم (3/12) ، ومن طريقه: البيهقي في "شعب الإيمان" (3/499/4191) ، وأحمد (3/487) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/90-91/5558 و5559 و5561و5562) من طرق عن محمد بن سليمان الكرماني قال: سمعت أبا أمامة بن سهل بن حُنيف قال: قال أبي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"؛ ووافقه الذهبي، وأقره المنذري في "الترغيب " (2/138-139) . قلت: وهو كما قالوا؛ فإن الكرماني هذا قد وثقه ابن حبان (7/372) ، وروى عنه جماعة من الثقات، عددهم في "التهذيب " ستة، وصحح له الحاكم والذهبي كما رأيت. فقوله في "الكاشف ":

"وثق "! ليس عندي كما ينبغي، ومثله قول الحافظ: "مقبول "، وحقه أن يقولا: "صدوق " كما قالوا فيمن هو أدنى منه شهرة، وأقل عنه رواية. وقد خالفه في متنه بعض الضعفاء، فقال موسى بن عُبيدة: أخبرني يوسف ابن طهمان عن أبي أمامة بن سهل به، ولفظه: "من توضأ فأحسن وضوءه، ثم دخل مسجد قباء، فركع فيه أربع ركعات؛ كان ذلك عدل رقبة". أخرجه الطبراني (5560) ، والعقيلي (4/ 450) مختصراً بلفظ: "من توضأ في منزله، ثم أتى مسجد قباء، فصلى فيه أربع ركعات؛ كان ذلك كعدل عمرة". أورده في ترجمة (يوسف بن طهمان) من طريق البخاري؛ وقال: "لا يتابع عليه ". ثم ساقه من طريق البخاري. وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان "، و"المغني ": "واهٍ ". وسبقه إلى ذلك المنذري؛ كما يأتي. ثم قال العقيلي: "وقد روي من غير هذا الوجه بإسناد أصلح من هذا، خلاف هذا اللفظ ". قلت: يشير إلى حديث الترجمة. والله أعلم. وموسى بن عُبيدة: هو الربذي؛ ضعيف.

وقد تابعه إسماعيل بن المعلى الأنصاري عن يوسف بن طهمان به مختصراً مثل حديث الترجمة، وزاد: "ومن خرج على طهر لا يريد إلا مسجدي هذا- يريد مسجد المدينة- ليصلي فيه؛ كان بمنزلة حجة". وهي زيادة منكرة، علقها البيهقي على يوسف بن طهمان عقب حديث الترجمة، مشيراً إلى أن الآفة يوسف هذا. وقال المنذري: "انفرد بهذه الزيادة يوسف بن طمهان، وهو واهٍ. والله أعلم ". قلت: وراويها عنه إسماعيل بن المعلى الأنصاري؛ مجهول؛ كما قال أبو حاتم، والذهبي، ولم يرو عنه غير يعقوب بن محمد الزهري، وفيه ضعف، ومع ذلك ذكره ابن حبان في "الثقات " (36/43) ؛ كشاهد من مئات الشواهد على تساهله في التوثيق، فيمكن أن تكون آفة الزيادة منه؛ لتفرده بها دون موسى بن عبيدة عن ابن طهمان الواهي. والله أعلم. (تنبيه) : ساق البخاري عقب حديث إسماعيل هذا، فقال: "قال ابن رافع: نا زيد بن حباب: نا محمد بن سليمان الكرماني المدني سمع أبا هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله. وذكر زيد قال: أخبرني عبيد بن محصن الأزدي: سمع أبا أمامة بن سهل عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وعن زيد عن موسى ابن عبيدة عن يوسف بن طهمان عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله ". أقول: فلا أدري هل أراد الإمام البخاري بقوله. "مثله ": مثل حديث إسماعيل الذي قبله بشطريه؟! أم أراد الشطر الأول منه الخاص بمسجد قباء؟! هذا هو الظاهر لي- والله أعلم-، لأن حديث الكرماني، وحديث موسى بن عبيدة

3447

ليس فيها الشطر الثاني عند البخاري؛ كما تقدم. ثم لا أدري هل أراد بهذه الروايات الثلاث التي ساقها عن زيد بن حباب الإشارة إلى سعة حفظه الذي شهد له به جمع، أم أشار إلى وهمه الذي وصفه به أحمد وغيره؟! هذا مما لم يتبين لي! وفوق كل ذي علم عليم. ثم إن لحديث الترجمة شاهداً مختصراً من حديث أسيد بن ظهير الأنصاري بلفظ: "صلاة في مسجد قباء كعمرة". صححه الترمذي، والحاكم؛ لكن فيه من لا يعرف إلا بروايته لهذا الحديث عن أسيد؛ كما. بينت في "التعليق الرغيب "، لكنه يصلح شاهداً إن شاء الله تعالى. * 3447- (لا تجادلُوا بالقُرْآن، ولا تكذِّبُوا كتابَ اللهِ بعضَه ببعْضٍ؛ فو الله! إنّ المؤمنَ لَيجادلُ بالقرآن فيُغلَبُ وإنّ المنافقَ لَيجادلُ بالقرآن فيَغلِبُ) أخرجه الطبراني في "مسند الشاميين " (2/74/942) : حدثنا محمد بن الحسين (!) بن قتيبة قال: ثنا محمد بن خلف: ثنا أبو اليمان: ثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النوّاس بن سمعان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير ابن قتيبة هذا، وهو (محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني) ، تحرف اسم (الحسن) إلى (الحسين) في المطبوعة، والتصحيح من النسخة المصورة (1/187) وغيرها، فقد روى له الطبراني في "المعجم الأوسط " عدة أحاديث عن محمد بن خلف هذا- وهو أبو

نصر العسقلاني-؛ فانظر إن شئت (ج7/ الأرقام 6664 و 6665 و 6680 - 6682) . وإذا صح هذا؛ فالرجل وثقه الدارقطني والذهبي، وعليه؛ فالسند صحيح والحمد لله. وقد خالف أبا اليمان في إسناده إسماعيل بن عياش، فقال: عن صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده رفعه ... فذكره بتمامه، غير أنه قال في المنافق: "فيطلب " (¬1) ! أخرجه الديلمي في "مسند الفردوس " (3/ 160- الغرائب الملتقطة) من طريق أبي محمد الخلال: حدثنا الحسين بن أحمد بن العباس الموصلي: حدثنا خالد بن مرداس: حدثنا إسماعيل بن عياش ... وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير الحسن بن أحمد الموصلي هذا، فلم أعرفه، ولعل المخالفة منه. والجملة الأولى منه: "لا تجادلوا بالقرآن "، مضى له شاهد برقم (2419) بزيادة: "فإن جدالاً فيه كفر". وتحته شاهد للجملة، وآًخر للزيادة بلفظ: "المراء في القرآن كفر". وهو مخرج في "الروض النضير" (1124 و 1125) ، وصححه ابن عبد البر في "الجامع" (2/928 - ابن الجوزي) ، وزعم أنه لا يصح غيره! انظر تخريج الأخ أبي ¬

(¬1) وهكذا ذكره السيوطي في"الجامع الكبير" (2/ 881) من رواية الديلمي!

3448

الأشبال الزهيري في تعليقه عليه، فقد ذكر له عدة شواهد صحح أحدها من حديث أبي جهم، وهو مخرج في "الروض " من رواية أحمد وغيره. (فائدة) : قال ابن عبد البر عقب الحديث: "والمعنى: أن يتمارى اثنان في آية؛ يجحدها أحدهما ويدفعها، أو يصير فيها إلى الشك، فذلك هو المراء الذي هو الكفر. وأما التنازع في أحكام القرآن ومعانيه؛ فقد تنازع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كثير من ذلك، وهذا يبين لك أن المراء الذي هو الكفر: هو الجحود والشك كما قال عز وجل: {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} [الحج: 55] ، والمراء والملاحاة غير جائز شيء منهما؛ وهما مذمومان بكل لسان، ونهى السلف رضي الله عنهم عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائه. وأما الفقه؛ فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر؛ لأنه علم يحتاج فيه إلى رد الفروع على الأصول للحاجة إلى ذلك، وليس الاعتقادات كذلك؛ لأن الله عز وجل لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أجمعت عليه الأمة، وليس كمثله شيء فيدرك بقياس أو بإنعام نظر، وقد نهينا عن التفكر في الله، وأمرنا بالتفكر في خلقه الدال عليه (¬1) ". * 3448- (من علِم الرمي ثم تركه؛ فليسَ منّا، أو قد عصَى) . أخرجه مسلم (6/52) ، وأبو عوانة (5/102-103) ، والبيهقي في "السنن " (10/13) ، والرُُّّوياني في "مسنده " (1/163/195) ، والطبراني في " المعجم ¬

(¬1) قلت: وهو حديث قوي بمجموع طرقه، وقد خرجت بعضها في "الصحيحة" (رقم 1788) ، ثم وجدت له مرسلاً صحيح الإسناد، فألحقته به.

3449

الكبير" (17/318/882) من طرق عن الليث عن الحارث بن يعقوب عن عبد الرحمن بن شماسة: أن فقيماً اللخمي قال لعقبة بن عامر: تختلف بين هذين الغرضين؛ وأنت كبير يشق عليك؟! قال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم أعان. قال الحارث: فقلت لابن شماسة: وما ذاك؟ قال: إنه قال: ... فذكر الحديث، والسياق لمسلم. وتابعه ابن لهيعة عن الحارث بن يعقوب به. أخرجه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" (ص 292) . وليس في رواية أبي عوانة والطبراني: " ... أو قد عصى". ولم يذكرها الحافظ في "التلخيص الحبير" (4/166) في الحديث؛ وقد عزاه لمسلم؛ فلعله أشار بذلك إلى ترجيح اللفظ الأول: "فليس منا" بدون الشك. والله أعلم. * 3449- (إذا أردتَ أن تغزوَ؛ اشْترِ فَرِساً أدْهَمَ، أغَرُّ، محجلاً، مُطلَقَ اليمنى؛ فإنّك تغنمُ وتسلَمُ) . أخرجه الحاكم (2/92) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/293/809) من طريق عبيد بن الصًّبًّاح: أنبأ موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم:

"صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي، وأقره المنذري في "الترغيب " (2/162/20) ! قلت: هذه غفلة عجيبة من هؤلاء الحفاظ؛ فإن عبيد بن الصباح هذا: هو الخزًّاز؛ كما في " الجرح"، وقال: "سألت أبي عنه؟ فقال: ضعيف الحديث ". ثم هو ليس من رجال مسلم، ولا من رجال أحد من بقية الستة! وذكره ابن حبان في "الثقات " (8/429) . وقال الهيثمي في "المجمع " (5/262) : "رواه الطبراني، وفيه عبيد بن الصباح، وهو ضعيف ". قلت: لكنه قد توبع، فقال الوليد: حدثني ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح عن أبي قتادة الأنصاري: أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أريد أن أشتري فرساً، فأيها أشتري؟ قال ... فذكره، إلا أنه قال: " أرثم " مكان: "أدهم ". وزاد بعد " اليمنى": ".. أو من الكميت على هذه الشِّية؛ تغنم وتسلم ". أخرجه الدارمي (2/212) . وابن لهيعة صدوق يستشهد به، ولا سيما وقد رواه عنه أحد العبادلة مختصراً، فقال الطيالسي في "مسنده " (84/604) : حدثنا عبد الله بن المبارك عن عبد الله بن عقبة الحضرمي عن علي بن رباح به مرفوعاً بلفظ:

3450

"خير الخيل: الأقرح، الأرثم، الأدهم، المحجل، طلق اليمين، فإن لم يكن أدهم؛ فكميتٌ على هذه الشِّية)) . قلت: وهذا إسناد صحيح من رواية ابن المبارك عن ابن لهيعة، وقد نسب فيه إلى جده (عقبة) . وقد أخرجه الترمذي (1696) من طريق الطيالسي، ووقع فيه: (ابن لهيعة) . ثم أخرجه الترمذي، والحاكم، وابن حبان (1633) من طريق يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب عن علي بن رباح به. وقال الترمذي: "حسن صحيح ". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري (2/162/19) . وهو شاهد قوي لرواية الدارمي المتقدمة عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب. * 3450- (والذي نفْسِي بيده! لو طُوِّقْتِيه؛ ما بلغتِ العُشُر من عمله حتّى يرجع. يعني: زوجَها الغازي) أخرجه الإمام أحمد (3/439) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (20/196/441) من طريق رِشدين عن زبان عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: أن امرأة أتته، فقالت: يا رسول الله! انطلق زوجي غازياً وكنت أقتدي بصلاته إذا صلى، وبفعله كله، فأخبرني بعمل يبلغني عمله حتى يرجع؟ فقال لها: "أتستطيعين أن تقومي ولا تقعدي، وتصومي ولا تفطري، وتذكري الله تبارك وتعالى ولا تفتري حتى يرجع؟ ".

قالت: ما أطيق هذا يا رسول الله! فقال: ... فذكره. والسياق لأحمد. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لحال رشدين المعروف بالضعف؛ ومثله زبان وهو ابن فائد. وقال المنذري في "الترغيب " (2/178/32) : "رواه أحمد من رواية رشدين بن سعد- وهو ثقة عنده-، ولا بأس بحديثه في المتابعات والرقائق "! كذا قال! وذهل عن إعلاله بـ (زبان) . وتبعه على ذلك الهيثمي؛ فقال (5/274) : "رواه أحمد، والطبراني، وفيه رشدين بن سعد، وثقه أحمد، وضعفه جماعة"! قلت: والتضعيف هو المعتمد؛ لقاعدة: (الجرح مقدم على التعديل) ؛ ولا سيما وهو قول الجمهور! على أن عزوهما لأحمد أنه وثقه هكذا مطلقاً؛ يوهم أنه لم يضعفه أيضاً، وليس كذلك، فالروايات عنه مختلفة، وهي: الأولى: ما ذكرا من التوثيق، وهي رواية ابن شاهين في كتابه "الثقات " (129/352) عن شيخه البغوي عن أحمد قال: "أرجو أن يكون ثقة، أو صالح الحديث ". لكن رواه ابن عدي في "الكامل " (3/149) عن شيخه أيضاً البغوي، فلم يذكر: "ثقة، أو"! الثانية: رواية الميموني قال: سمعت أبا عبد الله- يعني: أحمد بن حنبل يقول:

رشدين بن سعد ليس يبالي عمن روى، لكنه رجل صالح، فوثقه هيثم بن خارجة- وكان في المجلس-؛ فتبسم أبو عبد الله، ثم قال: ليس به بأس في أحاديث الرقائق. أخرجه العقيلي (2/67) . الثالثة: رواية حرب بن إسماعيل قال: سألت أحمد بن حنبل عن رشدين بن سعد؟ فضعفه وقدّم ابن لهيعة عليه. رواه ابن أبي حاتم (1/2/513) . الرابعة: رواية عبد الله بن أحمد قال: سمعت أبي يقول: "رشدين بن سعد؛ كذا وكذا". رواه العقيلي (2/66) وابن عدي أيضاً. فأقول: من سَرْدِ هذه الروايات؛ يتبين لنا أنها كلها متفقة على التضعيف إلا الرواية الأولى؛ ففيها أنها ليس فيها جزم الإمام بتوثيقه وإنما الرجاء فقط، وهذا لا يفيد الجزم كما هو ظاهر. هذا أولاً. وثانياً: لو فرضنا أنه يفيد الجزم؛ فالجمع بين هذه الرواية والروايات الأخرى: أن التوثيق كان قبل أن يتبين له ضعفه، وإذا كان الجرح مقدماً على التعديل في الأقوال المختلفة عن الأئمة؛ لأن الجارح معه زيادة علم، ومن علم حجة على من لم يعلم؛ فهذا هو السبيل أيضاً في التوفيق بين الأقوال المختلفة عن الإمام الواحد، ومن هذا يتبين خطأ المنذري والهيثمي في إطلاقهما عزو التوثيق لأحمد؛ الموهم

أنه لم يضعفه أيضاً. وعليه؛ فلا يعتمد على هذا التوثيق؛ لمخالفته لأقوال الإمام الأخرى، وأقوال الأئمة الاًخرين. ثم إن زبان- وهو ابن فائد- لم يوثقه أحد، ولا خلاف في ضعفه، فسكوتهما عنه خطأ آخر. وثمة خطأ هو أهم مما تقدم، وهو غفلتهما عن متابعة قوية لـ (زبان) عند الطبراني (رقم 440) من طريقين عن ابن وهب: حدثني سعيد بن أبي أيوب عن خير بن نعيم عن سهل بن معاذ به. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم إلى سهل بن معاذ. وسهل قد قال فيه الحافظ في "التقريب ": "لا بأس به إلا في روايات زبان عنه ". وقال المنذري في آخر "الترغيب " (4/284) : "ضُعف، وحسن له الترمذي، وصحح له أيضاً، واحتج به ابن خزيمة والحاكم وغيرهما، وذكره ابن حبان في (الثقات) ". قلت: فهو حسن الحديث على الأقل إذا كان الراوي عنه ثقة، وقد أخرج له ابن حبان أيضاً حديثاً في النهي عن اتخاذ الدواب كراسي رقم (5590) ، وهو مخرج فيما تقدم برقم (21) . وللحديث شاهد يزداد به قوة من حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: "لا تستطيعونه ".

3451

قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً؟ كلّ ذلك يقول: "لا تستطيعونه ". وقال في الثالثة: "مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يَفْتُرُ من صيام ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله ". رواه مسلم وغيره، وسبق تخريجه برقم (2896) . * 3451- (أبشرُوا، أبشرُوا، إنه من صلى الصَّلوات الخمسَ، واجْتنبَ الكبائر، دخلَ من أيِّ أبوابِ الجنّة شاءَ: عقوقَ الوالدين، والشركَ بالله، وقتلَ النَّفس، وقَذْفَ المحصَنات، وأكلَ مالَ اليتيمِ، والفرارَ من الزَّحفِ. وأكلَ الربا) . أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (13/8-9/3) من طرق عن عبد العزيز ابن محمد عن مسلم بن الوليد بن رباح عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن عبد الله بن عمرو قال: صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المنبر فقال: "لا أقسم، لا أقسم، لا أقسم ". ثم نزل فقال: ... فذكره وزاد؛ بعد جملة الجنة: قال المطلب: سمعت رجلاً يسأل عبد الله بن عمرو: أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرهن؟ قال: نعم؛ عقوق الوالدين ... إلخ.

قلت: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى، رجاله ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير مسلم بن الوليد بن رباح، أورده ابن أبي حاتم فقال: ".. مولى آل أبي ذباب، روى عن المطلب بن عبد الله بن حنطب. وكان البخاري أخرج هذا الاسم في باب (الوليد بن مسلم بن أبي رباح) ، فقال أبو زرعة: إنما هو (مسلم بن الوليد) . وكذا قاله أبي ". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وهو في "تاريخ البخاري " (4/2/153/2534) كما ذكر على القلب! والصواب ما في "الجرح " كما جزم المحقق اليماني رحمه الله في تعليقه على "التاريخ "، وكذلك ذكره الحافظ المزي في الرواة عن (المطلب بن عبد الله بن حنطب) من كتابه "تهذيب الكمال ". وذكره كذلك ابن حبان في "الثقات " مختصراً؛ فقال (7/446) : "مسلم بن الوليد، يروي عن أبيه عن أبي هريرة، روى عنه ابن الهاد، والدراوردي ". وفيه فائدة هامة لم تذكر في (الكتابين) ، وهي رواية هذين الثقتين عنه: الدراوردي- وهو عبد العزيز بن محمد- الراوي لهذا الحديث عنه، وابن الهاد، وحديثه عنه أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (4158- الإحسان) ، وكنت أخرجته في "الإرواء" (7/64) قبل أن أقف على هذه الترجمة في "الثقات "؛ فلتُسْتفد، ولتنقل إلى هناك. ولم يقف عليها المنذري ثم الهيثمي، وتحرف عليهما اسم الجد (رباح) إلى: (العباس) ، فقال المنذري (2/ 184/ 4) :

3452

"رواه الطبراني، وفي إسناده مسلم بن الوليد بن العباس، لا يحضرني فيه جرح ولا عدالة "! وكذا في "مجمع الزوائد" (1/104) ؛ إلا أنه قال: "ولم أر من ذكره "! فأقول: ما كان ينبغي أن تخفى هذه الترجمة على الهيثمي؛ لأنها في كتابه الذي ألفه في "ترتيب ثقات ابن حبان " (3/66/2) ، ولكن جل من لا يخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء! ولا يعترض على اتصال إسناد الحديث بقول الحافظ في "التقريب " في (المطلب بن عبد الله) : "صدوق؛ كثير التدليس والإرسال "! وذلك؛ لأنه أسند ولم يرسل، وسمع ولم يدلس، لأنه قال- كما تقدم-: سمعت رجلا ً يسأل عبد الله بن عمرو ... فثبت أنه متصل، والحمد لله. ثم إن الحديث له شواهد كثيرة؛ فلا نطيل الكلام بذكرها. * 3452- (قال رجلٌ: الحمدُ لله كثيراً، فأعظَمَها الملَكُ أن يكتُبَها، وراجعَ فيها ربّه عزّ وجلّ، فقيلَ له: اكْتبها كما قالَ عبدِي: كثيراً) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (3/44/2082) قال: حدثنا أحمد ابن زهير، قال: حدثنا يوسف بن عبد الملك الواسطي الدقيقي- أخو محمد بن

عبد الملك- قال: حدثنا زكريا بن عدي قال: حدثنا أبو معاوية عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات؛ غير يوسف بن عبد الملك الواسطي الدقيقي، لم يترجم في كتب الجرح والتعديل. وقد أشار إلى ذلك المنذري بقوله في " الترغيب " (2/ 254/3) : "رواه الطبراني بإسناد فيه نظر". وبينه الهيثمي فقال (10/96) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه يوسف بن عبد الملك الواسطي؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات ". قلت: وقد روى عنه (بحشل) في "تاريخ واسط " (ص 109 و 236) ، فيصلح للاستشهاد (¬1) . وقد دعم حديثه المنذري بقوله: "وروى أبو الشيخ ابن حيان من طريق عطية عن أبي سعيد مرفوعاً أيضاً: "إذا قال العبد: الحمد لله كثيراً؛ قال الله تعالى: اكتبوا لعبدي رحمتي كثيراً" ... "! ولقد أبعد النجعة! فقد رواه من الوجه المذكور: ابن أبي شيبة في "المصنف " (10/295/ 9484) ، والطبراني في "الدعاء" (3/1562/1685) . وعطية: هو العوفي؛ ضعيف؛ كما هو معروف. ¬

(¬1) ولم يترجم له السمعاني في مادة (الدقيقي) ، بينما ترجم لأخيه (محمد بن عبد الملك) ترجمة حسنة، ووثقه.

3453

ويشهد له أيضاً حديث أنس قال: كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالساً؛ إذ جاء رجل فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - والقوم، فقال الرجل: السلام عليكم ورحمة الله، فرد النبي- عليه الصلاة والسلام- عليه: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته "، فلما جلس الرجل قال: الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً كما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "كيف قلت؟ ". فرد عليه كما قال، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -. "والذي نفسي بيده! لقد ابتدرها عشرة أملاك؛ كلهم حريص على أن يكتبها، فما دروا كيف يكتبونها؟! حتى يرفعوها إلى ذي العزة، فقال: اكتبوها كما قال عبدي ". أخرجه أحمد (3/158) : ثنا خلف عن حفص بن عمرعن أنس ... ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة " (289/ 341) ، وكذا ابن السني (143/438) . قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكن خلف- وهو ابن خليفة- كان اختلط في الآخر. وبالجملة؛ فالحديث حسن على الأقل بمجموع ما ذكرنا. والله أعلم. * 3453- (التاجرُ الأمينُ الصدوقُ المسلمُ: مع [النبيّين، والصّديقين، و] الشُّهداء يومَ القيامة) . أخرجه ابن ماجه (2139) ، وابن أبي الدنيا في "إصلاح المال " (73/215) ،

والمخلَّص في "الفوائد المنتقاة" (8/4/1) ، وابن حبان في "الضعفاء " (2/ 230- 231) ، والحاكم (2/6) ، والدارقطني في " السنن " (3/7/17) ، وكذا البيهقي (5/266) ، و"الشعب " أيضاً (2/86/1230 و4/ 221/4850) ، والطبراني في "المعجم الأوسط" (8/192/7390) من طريق كثير بن هشام: ثنا كلثوم بن جوشن القشيري عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -!: ... فذكره. والزيادة للدارقطني، وابن حبان؛ وقال: "كلثوم بن جوشن يروي عن الثقات المقلوبات، وعن الثقات الموضوعات "! كذا قال! وهو من غُلْوائه ومبالغاته، فقد ذكره أيضاً في "ثقاته " (7/356) ، وهو أقرب، فقد قال ابن أبي حاتم (3/ 164) : "سألت أبي عن كلثوم بن جوشن؟ فقال: ضعيف الحديث ": وروى عن ابن معين أنه قال: "ليس به بأس ". ووثقه البخاري؛ كما في "تهذيب الحافظ " وغيره، فهو وسط حسن الحديث إن شاء الله تعالى. والحاكم لما قال عقب الحديث: "كلثوم هذا بصري قليل الحديث ". لم يتعقبه الذهبي في "تلخيصه "؛ إلا بقوله: "قلت: ضعفه أبو حاتم ". ولكنه في "الميزان " قواه، فقال في ترجمته:

3454

"وثقه البخاري، وقال ابن معين: لا بأس به. وقال أبو حاتم: ضعيف. وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال ابن حبان ... (فذكر قوله المتقدم) ، والحديث لم يذكر له ابن حبان سواه؛ هو حديث جيد الإسناد صحيح المعنى، ولا يلزم من المعية أن يكون في درجتهم، ومنه قوله تعالى: {ومن يطع الله والرسول ... } الآية ". وهذا هو الذي اطمأنت إليه النفس أخيراً، وانشرح له الصدر بعد أن كنت ضعفته في بعض التخريجات، فاللهم غفراً!! وله شاهد من حديث الحسن عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به. رواه جمع منهم الترمذي- وحسنه-، وأقره البغوي في "شرح السنة " (8/4/2025) ، والمنذري في "الترغيب " (3/28/1) ، والحافظ ابن كثير في "التفسير" (1/523) . وأعله الحاكم بالانقطاع بين الحسن- وهو البصري- وأبي سعيد الخدري، فهو شاهد حسن إن شاء الله تعالى. وأما الثلاثة المقلدة؛ فقد قلبوا الحكم لجهلهم، فحسنوا حديث أبي سعيد تقليداً للترمذي، وضعفوا حديث الترجمة تقليداً لصاحب "الزوائد"!! * 3454- (كفّوا صِبْيانَكم عند فَحْمةِ العِشاءِ، وإيّاكُم والسّمر بعد هَدْأةِ الرّجلِ؛ فإنّكم لا تدرُون ما يَبُثُّ اللهُ من خَلقِه؟! فأغْلِقوا الأبوابَ، وأطفِئُوا المصْباحَ، وأكفئوا الإناء، وأوكوا السّقاء) . أخرجه الحميدي في "مسنده " (535/1273) : ثنا سفيان قال: ثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد أخرجه كما سيأتي دون تصريح أبي الزبير بالتحديث، وهذه فائدة عزيزة حفظها لنا الحميدي رحمه الله، ولذلك خرجته. وأخرجه مسلم (6/107) من طريق عبد الرحمن: حدثنا سفيان به؛ إلا أنه لم يسق لفظه؛ وقال: "بنحو حديث زهير". يعني الذي قبله، وقد ساقه، وعنه البغوي في "شرح السنة" (11/393) وصححه- من طريقين عنه عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً: "لا ترسلوا فَواشِيَكم وصبيانكم إذا غابت الشمس؛ حتى تذهب فحمة العشاء؛ فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء". وهكذا أخرجه أبو عوانة في "مسنده " (5/333) ، وأبو داود في "سننه " (2604) ، والبيهقي (5/256) ، وأحمد (3/312 و386 و395) . ورواه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/68/132 و4/148/2590) ، وعنه ابن حبان (2/285/1272) ، وأحمد (3/301) من طريق فِطْرِ بن خليفة عن أبي الزبير به نحوه. وتابعه عطاء بن أبي رباح عن جابر ببعضه. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " (1/79- 80) . وفي رواية لهما بلفظ: "إذا كان جُنْحُ الليل؛ فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذٍ ... " الحديث. وتقدم تخريجه برقم (40) .

(فائدة) : (الفواشي) : كل شيء ينتشر من المال، كالغنم، والإبل السائمة، وهي جمع (فاشية) ، يقال: أفشى الرجل: إذا كثر فواشيه. و (فحمة العشاء) : شدة سواد الليل، وذلك يكون في أول الليل، حتى إذا سكن فوره؛ قلت الظلمة، شبه سواده بسواد الفحم. يقول: لا تسيروا في أول الليل حين تفور الظلمة، ولكن أمهلوا حتى تعتدل الظلمة. قال ابن الأعرابي: يقال للظلمة بين الصلاتين: (الفحمة) ، وللظلمة التي بين العتمة والغداة: (العسعسة) . كذا في "شرح السنة" (11/394) . (تنبيه) : لقد تفردت رواية أبي الزبير المعنعنة بذكر: ".. فواشيكم " في الحديث دون رواية سفيان عنه المصرحة بالتحديث، ودون من تابعه من الثقات كعطاء بن أبي رباح كما تقدم من رواية الشيخين، وهي من رواية ابن جريج عنه. وقد تابعه عمرو بن دينار، فقد قال ابن جريج عقبها: "وأخبرني عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله نحو ما أخبرني عطاء". أخرجاه أيضاً؛ البخاري (3304) ، ومسلم (6/109) ، وكذلك أخرجه أبو عوانة (5/333) . وعليه؛ فإني أخشى أن تكون غير محفوظة؛ إلا إن وجد لها طريق آخر، أو شاهد؛ وإلا فهي منكرة أو شاذة، وهذا ما أرجحه بعد البحث الشديد. والله تعالى أعلم. *

3455

3455- (رخّص - صلى الله عليه وسلم - للمسافر ثلاثة أيّام ولياليهن، وللمُقيمِ يوماً وليلةً- إذا تطهَّر فلبسَ خُفّيْهِ- أنْ يمسحَ عليهما) . أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/96/192) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (1/50) ، والدارقطني في "سننه " (1/194/1) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (11/155) - والسياق لهم-، والشافعي في "الأم " (1/29) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (1/179) ، وابن الجارود في "المنتقى" (39/87) ، وابن حبان (72/ 184- الموارد) ، وابن ماجه (556) ، والبيهقي في "سننه " (1/281) كلهم من طرق عن عبد الوهاب بن عبد المجيد: نا المهاجر بن مخلد أبو مخلد عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه رخص ... الحديث. ورواه بعضهم عنه؛ إلا أنه جعل مكان: (المهاجر) : (خالداً الحذاء) . أخرجه البيهقي (1/276) ، وقال: "ورواية الجماعة أولى أن تكون محفوظة ". ثم روى عن الترمذي أنه سأل البخاري: أي حديث عندك أصح في التوقيت في المسح على الخفين؟ قال: "حديث صفوان بن عسّال، وحديث ابن أبي بكرة حسن ". قلت: حديث صفوان صححه الترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وهو مخرج في "الإرواء" (1/140/104) ، وإسناده حسن، فالحديث به صحيح؛ لأن المهاجر بن مخلد مختلف فيه، وقد صححه الشافعي، كما رواه البيهقي في " المعرفة " (1/ 342) فقال:

"قال الشافعي في رواية حرملة: وإنما أخذنا في التوقيت؛ لحديث المهاجر، وكان إسناداً صحيحاً، وشد مسح المسافر حديث صفوان بن عسال ". قال الحافظ في "التلخيص " (1/157) : "وصححه الخطابي أيضاً". ويزيده قوة حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان؛ فليمسح عليهما ... " الحديث مثله. رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عنه، وهو مخرج في "الصحيحة" (1201) ، وذكرت تحته طريقاً أخرى لحديث صفوان بإسناد صحيح عنه. وبهذه المناسبة أقول: أما ما رواه ابن أبي شيبة (1/186) من طريق إسماعيل بن سُميع قال: حدثني أبو رزين قال: قال أبو هريرة: ما أبالي على ظهر خفي مسحت، أوعلى ظهر حمار!! فهو منكر جدّاً، وإن كان رجال إسناده ثقات من رجال مسلم؛ فإن قول ابن سميع عن أبي رزين: "قال: قال أبو هريرة" صورته صورة تعليق، فيخشى أن يكون مرسلاً منقطعاً. وابن سميع قد تكلموا فيه لمذهبه؛ فإنه كان من الصفرية الخوارج. وروى العقيلي (1/79) بسند جيد عن أبي نعيم الفضل بن دكين: أنه كان جار المسجد أربعين سنة، لم ير في جمعة ولا جماعة!

ومن المعلوم أن الخوارج لا يرون المسح على الخفين، فروايته هذه تؤيد مذهبه، ولعله لذلك أنكرها بعض الحفاظ منهم ابن عبد البر في "التمهيد"، فإنه لما عد جماعة من الصحابة ممن مسح على الخفين ابتداءً بعمر وعلي، وانتهاء بأبي هريرة قال (11/138) : "ولم يرو عن غيرهم منهم خلاف؛ إلا شيء لا يثبت عن عائشة، وابن عباس، وأبي هريرة ". وعقب عليه الحافظ في "التلخيص " بقوله (1/158) : "قلت: قال أحمد: لا يصح حديث أبي هريرة في إنكار المسح، وهو باطل ". وهنا ملاحظتان، لا بد لي من ذكرهما: الأولى: ذكر ابن عبد البر اًبا هريرة في جملة من مسح على الخفين؛ فإني إلى الآن لم أجد عنه ذلك بسند تقوم به الحجة، اللهم! إلا ما ذكرته من روايته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال مثل حديث الترجمة، وإلا؛ ما أخرجه ابن أبي شيبة (1/184) من طريق أبان بن عبد الله عمن حدث عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين. ومن هذا الوجه أخرجه أحمد (2/358) ، والبيهقي (1/107) بأتم منه بلفظ: حدثني مولى لأبي هريرة قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وضّئني! "، فأتيته بوضوء، فاستنجى، ثم أدخل يده في التراب فمسحها، ثم غسلها، ثم توضأ ومسح على الخفين، فقلت: يا رسول الله! رجلاك لم تغسلهما؟! قال:

"إني أدخلتهما وهما طاهرتان ". وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة مولى أبي هريرة، والاختلاف في توثيق الراوي عنه أبان بن عبد الله- وهو البجلي الكوفي-، قال الحافظ: "صدوق في حفظه لين ". فهو حسن الحديث. وبالأول أعله الهيثمي، فقال (1/254) : "رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم ". وله طريق آخر مختصراً، رواه عبد الحكم بن ميسرة عن قيس بن الربيع عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ، ومسح على عمامته، ومسح على خفيه. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (3/32/2054) ، وقال: "لم يروه عن هشام إلا قيس، تفرد به عبد الحكم بن ميسرة". قلت: وبه أعله الهيثمي، فقال: ".. وهو ضعيف ". قلت: وقيس بن الربيع فيه ضعف. الملاحظة الثانية: قرن ابن عبد البر مع أبي هريرة عائشة؛ فيه نظر؛ فقد صح عنها أنها قالت: لأن أحزهما، أو أحز أصابعي بالسكين؛ أحب إلي من أن أمسح عليهما.

أخرجه ابن أبي شيبة (1/186) : حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا شعبة عن أبي بكر بن حفص قال: سمعت عروة بن الزبير عن عائشة قالت: ... فذكره. وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات على شرط الشيخين. وأخرج قبله: حدثنا ابن إدريس عن فطر قال: قلت لعطاء: إن عكرمة يقول: قال ابن عباس: سبق الكتاب الخفين؟ فقال عطاء: كذب عكرمة! أنا رأيت ابن عباس يمسح عليهما. وأخرجه البيهقي (1/273) من طريق آخر عن فطر بن خليفة به؛ إلا أنه قال: كذب عكرمة! كان ابن عباس يقول: امسح على الخفين؛ وإن خرجت من الخلاء. قال البيهقي: "ويحتمل أن يكون ابن عباس قال ما روى عنه عكرمة، ثم لما جاءه الثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه مسح بعد نزول المائدة؛ قال ما قال عطاء". قلت: وفيه إشارة منه إلى ثبوت ما رواه عكرمة عن ابن عباس، وإلا؛ لما تأوله، وذلك هو الصواب عندي؛ لأن إسناد ابن أبي شيبة إلى عطاء وعكرمة جيد على شرط البخاري. وقول عطاء: كذب عكرمة ... بمعنى: أخطأ، على حد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "كذب أبو السنابل ". ويشهد له؛ ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً من طريق سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس: ما أبالي مسحت على الخفين أو مسحت على بختي هذا.

وإسناده صحيح أيضاً على شرط مسلم. ولهذا التحقيق؛ لا أرى إطلاق القول بعدم الثبوت عن عائشة وابن عباس، وإنما يقال: إن إنكارهم كان وقوفاً منهم مع علمهم بغسل القدمين، ثم لما بلغهم الثبت عن غيرهم؛ رجعوا إلى القول به والعمل؛ فقد كانوا يأخذ بعضهم عن بعض، ويثق بعضهم ببعض، ولهذا كان من العلم (مراسيل الصحابة) ، وكثير من أحاديث أبي هريرة وابن عباس هي من هذا القبيل. وما لي أذهب بعيداً؛ فهذا أنس بن مالك- رضي الله عنه-، يقول عنه عاصم الأحول: رأيت أنس بن مالك بال، ثم توضأ، ومسح على عمامته وخفيه. أخرجه ابن أبي شيبة (1/183) ، والبيهقي (1/289) ، وسندهما صحيح، وهو على شرط الشيخين عند الأول. ومع ذلك؛ فإن أنساً لما سئل عن المسح على الخفين؟ قال: امسح عليهما، ولما قيل له: أسمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، ولكن سمعته ممن لم يتهم من أصحابنا؛ يقولون: المسح على الخفين وإن صنع كذا وكذا؛ لا يكني. أخرجه ابن أبي شيبة (1/182) : حدثنا ابن عُلية عن يحيى بن أبي إسحاق: أنه سمع أنس بن مالك سئل ... إلخ. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. هذا.. ومما ينبغي التنبيه عليه؛ قول ابن عبد البر في " التمهيد" (11/139) :

3456

"وروى أبو زرعة عن عمرو بن جرير عن أبي هريرة: أنه كان يمسح على خفيه ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أدخل رجليه في خفيه ... " إلخ! ففي هذا خطأ فاحش " لعله من بعض النساخ! فإن صواب العبارة: ".. أبو زرعة بن عمرو بن جرير قال: رأيت جريراً مسح على خفيه، قال: وقال أبو زرعة قال: قال أبو هريرة قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا دخل ... " إلخ. هكذا أخرجه ابن أبي شيبة (1/179 و 183) ، وهو الذي سبقت الإشارة إلى أني خرجته في "الصحيحة " في أول هذا التخريج، فالمسح المذكور هو لجرير، وليس لأبي هريرة، والصواب: وأبو زرعة بن عمرو.. وليس أبو زرعة عن عمرو.. وهو معروف بالرواية عن جده جرير بن عبد الله البجلي، وليس له رواية عن أبيه عمرو ابن جرير. * دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحكام الذين يضرّون بالأمة ولا يحكمون بالسنة 3456- (اللهمّ! مَن وَلِيَ من أمْر أمّتي- شيئاً فَشَقَّ عليهم؛ فاشقُقْ عليه، ومن وَليَ من أمْر أمّتي شيئاً فرفَقَ بهم؛ فارفُقْ بهِ) . هو من حديث عائشة- رضي الله عنها-، وله عنها طرق: الأولى: عن حرملة بن عمران التجيبي عن عبد الرحمن بن شِماسة قال: أتيت عائشة أسألها عن شيء؟ فقالت: ممن أنت؟ فقلت: رجل من أهل مصر، فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئاً؛ إن كان ليموت للرجل منا البعير؛ فيعطيه البعير، والعبدُ؛ فيعطيه العبدَ، ويحتاج إلى النفقة؛ فيعطيه النفقة. فقالت: أما إنه لا يمنعني الذي فعل في

محمد بن أبي بكر- أخي- أن أخبرك ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في بيتي هذا: ... فذكرته. أخرجه مسلم (6/7) ، وأبو عوانة (4/412) - والسياق لهما-، والنسائي في "الكبرى" (5/275/8873) - الشطر الثاني منه-، وابن حبان (1/382/554- الإحسان) ، والبيهقي في "السنن " (9/43 و10/136) ، وأحمد (6/93 و257 و258) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (10/205/ 9445) ، والبغوي في "شرح السنة" (10/64- 65/2471) من طريق مسلم، ثم قال: "هذا حديث صحيح ". وزاد أبو عوانة في رواية: قال حرملة: سمعت عياش بن عباس يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره بلفظ: "من ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم؛ فرفق الله به! ومن ولي منهم شيئاً فشق عليهم؛ فعليه بهلة الله ". قالوا: يا رسول الله! وما بهلة الله؟ قال: "لعنة الله ". قلت: وهذا منكر؛ فإنه مع كونه معضلاً- لأن عياشاً هذا من أتباع التابعين- فإن شيخ أبي عوانة فيه (عيسى بن أحمد العسقلاني) عن ابن وهب عن حرملة.. فإن عيسى هذا قال الحافظ: "ثقة يغرب ". قلت: وهذا من غرائبه وأفراده؛ فقد رواه جمع عن ابن وهب به دون هذه الزيادة واللفظ. وكذلك رواه متابعون لابن وهب عن حرملة في المصادر المتقدمة.

نعم؛ قد روي هذا اللفظ: " بهلة الله " من رواية ابن مسعود وغيره مرفوعاً، وعن أبي بكر الصديق موقوفاً، وهو الراجح؛ كما حققته في "الضعيفة " (6867) . وبهذه المناسبة يحسن بي أن أذكر بأن الحافظ المنذري قد أورد الحديث- دون القصة- من رواية مسلم والنسائي، ثم قال (3/140/34) : "ورواه أبو عوانة في "صحيحه " وقال فيه ... ". قلت: فذكر الشطر الثاني الذي فيه: "بهلة الله "، وسكت عنه! فما أحسن؛ لأنه أوهم أنه صحيح، ومن مسند عائشة، وكل ذلك خطأ؛ لأنه ضعيف منكر معضل كما تقدم، فتنبه وكن على بصيرة، ولا تكن إمعة كالثلاثة المعلقين الذين يتكلمون بغير علم، ويصححون بغير فهم! والله المستعان. وبهذا ينتهي الكلام على الطريق الأولى. والطريق الثانية: عن جعفر بن بُرقان عن عبد الله البهيّ عن عائشة رضي الله عنها مرفوعاً مختصراً بلفظ: "اللهم! من رفق بأمتي فارفق به، ومن شق عليهم فشق عليه ". وهذا إسناد جيد على شرط مسلم، أخرجه أحمد في "المسند" (6/62 و260) . الطريق الثالثة: عن محمد بن آدم المصيصي قال: حدثنا عبد الله بن مبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن برقان عن عبد الله بن دينار عنها به. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (7/465/6911) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2/881/2155) . وقال الطبراني: "لم يروه عن سفيان إلا ابن المبارك ".

3457

قلت: وهما ثقتان إمامان مشهوران لا يسأل عن مثلهما، وسائر رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن آدم المصيصي، وهو ثقة. وفي جعفر بن برقان كلام لا يضر، فالإسناد جيد. الرابعة: ابن لهيعة عن عمرو بن الحارث عن أبي علي الهمداني عن عائشة رضي الله عنها. أخرجه الطبراني في "الأوسط " أيضاً (1/235/362) ، وقال: "لم يروه عن عمرو بن الحارث إلا ابن لهيعة ". قلت: وهو ضعيف يستشهد به في المتابعات والشواهد. * 3457- (إني لأنقلبُ إلى أهْلي، فأجدُ التمرةَ ساقطةً على فراشِي، فأرفعُها لآكلَها، ثمّ أخشَى أن تكون صدقةً! فأُلقيها) . هو من حديث أبي هريرة، وله عنه طريقان: الأول: همام بن مُنَبِّه: رواه البخاري عنه- معلقاً- (عقب حديث 2055) ، ووصله (2432) ، وكذا مسلم (1070) ، وعبد الرزاق في "المصنف " (¬1) (6944) - بلفظ قريب-، وعنه أحمد (2/317- ضمن سرده صحيفة همام) ، والبيهقي في "السنن " (5/335) ، و"الشعب " (5743) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/10) ، وأبو نُعيم في "الحلية" (8/187) ، والبغوي في "شرح السنة" (1606) من طرق عن معمر عنه به. ¬

(¬1) واكتفى محققه الشيخ الأعظمي- غفر الله له- بقوله: "صحيح الإسناد"!

3458

وقال البيهقي- عقب روايته-: "أخرجه البخاري، فقال: وقال همام "! قلت: وكأنه فاتته روايته الموصولة!! ثم رأيت ابن التركماني يستدرك هذا عليه في "الجوهر النقي " (5/335) ؛ فالحمد لله. الثاني: أبو يونس- مولى أبي هريرة-: رواه مسلم (3/117) ، وابن حبان في "صحيحه " (3292- الإحسان) ، والبيهقي في "سننه " (7/29) من طرق عن ابن وهب عن عمرو عنه به. * 3458- (ألا أخبرُكم بخيرِ الشُّهداءِ؟! الذي يأتي بشهادتِه قبل أن يُسأَلَها) . رواه مسلم (5/132- 133) ، وأبو عوانة في "صحيحه " (4/19) ، والبخاري في " التاريخ الكبير" (11/187) ، وأبو داود (3596) ، والترمذي (2296) ، والنسائي في"الكبرى" (6029) ، ومالك (2/198) ، وابن حبان (5079) ، وأحمد (4/115 و 116و117) (5/198 و193) ، وعبد الرزاق (15557) (¬1) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/152) ، والبيهقي (10/159) ، والبغوي (10/138) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/347) ، والطبراني في "الكبير" (5182 و 5183 و5184) من طرق عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن ابن أبي عمْرة (وفي بعض المصادر: أبي عَمْرة) الأنصاري عن زيد بن خالد الجُهني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. ¬

(¬1) ورواه عبد الرزاق (15558) عن إبراهيم بن ميسرة- بلاغاً-!

ورواه البخاري في "تاريخه "، وابن ماجه (2364) ، والبيهقي (10/159) ، وابن عدي في "الكامل " (1/411) من طريق أبي بن العباس عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو بن عثمان: أخبرني خارجة بن زيد قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي عمرة عن زيد ... به. فزاد اُبي: خارجة بن زيد!! وهي زيادة شاذة أو منكرة؛ فاُبيٌّ لا تُحْتَمل هذه الزيادة منه؛ إذ " فيه ضعف "؛ كما قال الحافظ في "التقريب ". فائدتان: الأولى: في رواية الحديث؛ فقد قال الترمذي عقب روايته له: "واختلفوا على مالك في رواية هذا الحديث: فروى بعضهم عن أبي عمرة، وروى بعضهم عن ابن أبي عَمْرَةَ؛ وهو عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري؛ وهذا أصح عندنا ... ". وهو المذكور عن معظم الرواة عن مالك؛ كما تراه في "التمهيد" (17/298) لحافظ المغرب الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى. الفائدة الثانية: في دراية الحديث؛ فقد قال الإمام البغوي في "شرح السنة" (10/138) مُشيراً إلى الجمع بين حديث الترجمة، وحديث: "خير الناس قرني.. - وفيه- ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ... "- وهو مخرج في هذه السلسلة (699 و700) بألفاظ وطرق-؛ بقوله: "واختلفوا في وجه الجمع بين الحديثين؛ قيل.. ". فذكر أقوالاً؛ أوجهها عندي: أن الحديث الثاني محمول على شهادة الزور؛ فلا إشكال. والله الموفق.

3459

تم بحمد الله القسم الثاني ويليه إن شاء الله القسم الثالث * 3459ـ (أَلا أخبرُكم بخيْرِ دُورِ الأنصارِ ـ أو بخيْرِ الأنصار ِـ؟! قالوا: بلَى يا رسولَ الله! قال: بَنُو النّجارِ، ثمّ الذين يلونَهم؛ بَنُو عبدِ الأشهلِ، ثمّ الذين يلونَهم؛ بنُو الحارثِ بن الخزرجِ، ثمّ الذين يلونَهم؛ بنُو ساعدةَ، ثمّ قال بيدَيهِ، فقبضَ أصابِعه ثمّ بسطهُنَّ ـ كالرامي بيدهِ ـ، قال: وفي دُورِ الأنصارِ كلِّها خيرٌ) . جاء من حديث أنس، وأبي أُسيد الساعدي، وأبي حُميد الساعدي، وأبي هريرة: أولا: حديث أنس، وله عنه طريقان: 1 ـ يحيى بن سعيد: رواه مسلم (7/175) ، والترمذي (3910) ، والنسائي في «الكبرى» (8336 و 8337) والحميدي (1197) ، وأحمد (3/202) ، وأبو يعلى (3650) و (3855) ، وأبو نعيم في «الحلية» (6/354) من طرق عنه به. 2 ـ حُميد الطويل: رواه النسائي في «الكبرى» (8338) وأحمد (3/105) ، وابن حبان (7284 و 7285) والبغوي في «شرح السنة» (3979) . ثانياً: حديث أبي أُسيد، ويرويه عنه جماعة: 1 ـ أنس بن مالك: رواه البخاري (3789 و3807) ، ومسلم (7/174) ، والطيالسي (1355) وأحمد (3/496) , والترمذي (3911) ، والنسائي في «الكبرى» (8339) ، والطبراني (19/579) ، والبيهقي (6/371) من طرق عن شعبة عن قتادة عنه به.

2 ـ أبو سلمة بن عبد الرحمن: رواه البخاري في «صحيحه» (3790) و (6053) ، وفي «التاريخ الكبير» (7/299) ، ومسلم (7/175) ، وأحمد (3/494) ، والنسائي في «الكبرى» (8340 و 8341 (¬1) و 8345) وابن قانع في «معجم الصحابة» (984) من طرق عنه به. 3 ـ غَزِيّة أبو عمارة: رواه الحاكم (3/516) ، والطبراني في «الكبير» (19/588) من طريق يحي ابن بُكير عن ابن لهيعة عن عمارة بن غَزِيّة عن أبيه عنه به. وغزيّة: هو ابن الحارث؛ صحابي ـ كما قال ابن أبي حاتم وغيره ـ وهو مترجم في «الإصابة» (3/185) . وابن لهيعة ساء حفظه بعد احتراق كتبه، وليس ابن بكير ممن روى عنه قبل سوء حفظه. نعم؛ الطرق الأخرى للحديث مغنية عنه جدا. 4 ـ إبراهيم بن محمد بن طلحة: رواه مسلم (7/175) من طريق عبد الرحمن بن حُميد، عنه، به. ثالثاً: حديث أبي حميد: رواه البخاري (1481 و 3791) ، ومسلم (7/261) ، وأحمد (5/424 ـ 425) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (2808) من طريق عمرو بن يحيى عن العباس بن سهل الساعدي عنه به. ¬

(¬1) وقد سقط ذكره من المطبوعة!! وانظر «تحفة الأشراف» (8/345)

رابعاً: حديث أبي هريرة: رواه مسلم (7/175) ، والنسائي في «الكبرى» (8343) ، وابن حبان (7286) ، وعبد الرزاق (19910) ، وأحمد (2/267) من طريق الزهري عن أبي سلمة وعبيد الله ابن عبد الله عنه به. ولقد أورد البخاري في «التاريخ الكبير» (7/299) حديث أبي أُسيد المتقدم، وحديث أبي هريرة ـ هذا ـ، وكلاهما من طريق أبي سلمة ثم قال: «والأول أصح» ، يعني: حديث أبي أُسيد، والله أعلم. (فائدة) : ذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (7/288 ـ 289) في ترجمة (موسى بن عمرو بن عبد الله بن أبي حرام النَّجَّاري الأنصاري أحد بني دينار عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) ، قال: «خير دور بني الأنصار بنو النجار ... » ، روى عنه ابن أبي أُويس. ولم أجده مسنداً عنه فيما بحثت! وقال ـ رحمه الله ـ في موضع آخر من «تاريخه» (6/352) : «إبراهيم بن حمزة: حدثنا عبد العزيز بن عمرو بن عبد الله الأنصاري: قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «خير دور الأنصار: بني (كذا) عبد الأشهل ... » ، فقال أبو أُسيد رضي الله عنه: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «خير دور الأنصار: بني (كذا) النجار ... » ، وهذا أصح» . وإبراهيم بن حمزة ـ المذكورـ من شيوخ البخاري؛ كما في «تهذيب الكمال» (2/77) ، وهو صدوق.

3460

ولم أجد حديث ابن عباس هذا مسنداً ـ فيما بحثت ـ أيضاً! والله الموفق. * 3460 ـ (لو ستَرْتَه بثوبِكَ؛ كان خيراً لكَ. قاله لهزّال) . روي من حديث نُعيم بن هَزَّال، ومحمد بن المنكدر، وسعيد بن المسيَّب، كلاهما مرسلاً. 1 ـ أما حديث نعيم بن هزّال؛ فقد اختلف عليه كما يأتي: أولاً: عن يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه: أن ماعزاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأقر عنده أربع مرات، فأمر برجمه، وقال لهزال: ... فذكره. أخرجه أبو داود (4377) ، والنسائي في «السنن الكبرى» (4/305ـ306/7274) ، والحاكم (4/363) والبيهقي في «السنن» (8/219 و 228) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (10/78 ـ 79) ، وأحمد (5/216 ـ 217 و 217) ، وابن عبد البر في «التمهيد» (23/126) ؛ بعضهم مختصراً ـ واللفظ لأبي داود ـ وبعضهم مطولاً ـ وهو رواية لأبي داود (4419) ـ وأتمها رواية أحمد، ولفظه: كان ماعز بن مالك [يتيماً] في حِجْر أبي، فأصاب جارية في الحي، فقال له أبي: ائت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما صنعت؛ لعله يستغفر لك، وإنما يريد بذلك رجاء أن يكون له مخرج، فأتاه، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، فأعرض عنه، ثم أتاه الثانية، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، ثم أتاه الثالثة، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله، ثم أتاه الرابعة، فقال: يا رسول الله! إني زنيت فأقم علي كتاب الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

«إنك قد قلتها أربع مرات، فيمن؟» . قال: بفلانة. قال: «هل ضاجعتها؟» . قال: نعم. قال: «هل باشرتها؟ «. قال: نعم. قال: «هل جامعتها؟» . قال: نعم. قال: فأمر به فرُجم. قال: فأخرج به إلى الحَرَّة، فلما رجم؛ فوجد حر الحجارة؛ جزع فخرج يشتد، فلقيه عبد الله بن أنيس، ـ وقد أعجز أصحابه ـ؛ فنزع له بوظيف بعير، فرماه به؛ فقتله. قال: ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر له ذلك؟! فقال: «هلا تركتموه؟! لعله يتوب فيتوب الله عليه.» قال هشام: فحدثني يزيد بن نعيم بن هزال عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي حين رآه: «والله يا هزال! لو كنت سترته بثوبك؛ كان خيراً مما صنعت» (¬1) ¬

(¬1) ورواه ابن سعد في «الطبقات» (4/324) بأتم منه، لكنه من روايته عن شيخه محمد بن عمر ـ وهو الواقدي ـ، وهو متروك.

وقال الحاكم ـ وليس عنده هذه الجملة الأخيرة؛ ولا النسائي ـ: «صحيح الإسناد» ؛ ووافقه الذهبي، وأقره الحافظ في «الفتح» (12/127) ! وبدونها أيضا ساقه الحافظ في «التلخيص» (4/58) ، وقال: «رواه أبو داود وإسناده حسن» . قلت: وهذا هو الأقرب؛ فإن فيه هشام بن سعد، وهو: «صدوق، له أوهام» ؛ كما قال الحافظ في «التقريب» . لكن نعيم بن هزال في صحبته اختلاف، قال ابن عبد البر في «الاستيعاب» : «روى عنه المدنيون قصة رجم (ماعز الأسلمي) ، وقد قيل: إنه لا صحبة له، وإنما الصحبة لأبيه هزال، وهو أولى بالصواب» . وقوله: «المدنيون» يخالف ما في «تهذيب الكمال» وفروعه، و «تجريد الذهبي» ، و «إصابة العسقلاني» ؛ فإنهم لم يذكروا عنه راوياً غير ابنه (يزيد) ، وصرح بذلك الحافظ في «التقريب» مع جزمه بصحبته؛ فقال: «صحابي، نزل المدينة، ماله راوٍ إلا ابنه يزيد» . قلت: ولعل سبب المخالفة هو اختلاف الروايات عن نعيم بن هزال، كما يأتي. ثانياً: قال الليث بن سعد: عن يحيى ـ وهو ابن سعيد الأنصاري ـ عن يزيد ابن نعيم عن جده هزال: أنه كان أمر ماعزاً أن يأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث مختصراً، وفيه حديث الترجمة. أخرجه النسائي (7278) وابن عبد البر (23/126) .

قلت: ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم إلا هزال؛ لكنهم لم يذكروا لحفيده يزيد بن نعيم سماعاً منه، فالظاهر أنه منقطع، وفي «التهذيب» : «يقال: مرسل» . ونحوه رواية يحيى بن أبي كثير قال: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن يزيد بن نعيم بن هزال ـ وكان هزال استرجم ماعزاً ـ قال: كانت لأهلي جارية ترعى غنماً لهم يقال لها: فاطمة ... الحديث نحوه حديث الترجمة. أخرجه النسائي (7280) ، والطحاوي في «مشكل الآثار» (1/87/93 و12/463/4944) . وأخرجه أحمد أيضاً؛ لكنه قال: عن نعيم بن هزال ... لم يذكر يزيد بن نعيم. ونحوه رواية يحيى بن سعيد ـ وهو الأنصاري ـ عن محمد بن المنكدر عن ابن هزال عن أبيه هزال به. أخرجه النسائي (7275) ـ وفي سنده خطأ مطبعي ـ، والحاكم أيضاً، والبيهقي (8/330 ـ 331) ، وأحمد (5/217) ، وابن عبد البر، وقال: «هذا الحديث محفوظ عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر عن ابنٍ لهزال عن هزال. وعن يحيى بن سعيد عن يزيد بن نعيم بن هزال من وجوه» . قلت: يشير إلى رواية الليث عن يحيى المتقدمة في (ثانياً) ، وظاهر أن ابن هزال هو: نعيم، وأن محمد بن المنكدر رواه عنه مباشرة، فيكون له ـ أعني: نعيماً ـ راو آخر غير ابنه يزيد بن نعيم.

2 ـ ويعكّر عليه: أن النسائي أخرجه (7276) من طريق ابن المبارك، والبيهقي من طريق سليمان بن بلال، كلاهما عن يحيى بن سعيد عن محمد بن المنكدر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من أسلم ... الحديث مرسلاً. وقال البيهقي: «هذا أصح مما قبله» . قلت: وزادوا إلا أحمد: قال: يحيى فحدثت بهذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي فقال: هزال جدي، وهذا الحديث حق. 3 ـ رواه مالك في «الموطأ» (3/39) عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيَّب أنه قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من أسلم ـ يقال له: هزال ـ: يا هزال! لو سترته بردائك كان خيراً لك. قال يحيى بن سعيد ... فذكره كما في رواية الثلاثة عنه. وقال ابن عبد البر عقبه: «لا خلاف في إسناده في «الموطأ» على الإرسال؛ كما ترى، وهو مسند من طرق صحاح» ! كذا قال! وليس في شيء من الطرق المتقدمة ما هو مسند صحيح على ما سبق بيانه في تنسيق وتحقيق؛ ربما لا تراه في مكان آخر، اللهم! إلا الطريق الأولى؛ فهي حسنة على الخلاف المتقدم في صحبة نعيم بن هَزّال، وتفرد ابنه

يزيد بالرواية عنه، وقد صححها الحاكم والذهبي وحسنها الحافظ؛ كما رأيت، وأشار إلى ذلك عبد الحق الإشبيلى بإيراده الحديث من رواية النسائي، وسكوته عنها في كتابه «الأحكام الصغرى» (2/760) الذي اشترط فيه الصحة؛ كما هو معلوم من مقدمته. وإن مما لا يرتاب فيه باحث محقق: أن توافر هذه الطرق على هذا المتن واجتماعها عليه؛ مما يلقي في الصدر الاطمئنان لصحته، ولا سيما وقد اقترن بها جزم رواية يزيد بن نعيم بن هزال بأنه حق. ثم رأيت الشيخ ملا علي القاري نقل في «المرقاة» (4/82) عن صاحب «التنقيح» ـ وهو ابن عبد الهادي ـ أنه قال: «وإسناده صالح» . ثم رأيت الحديث عند الطبراني في «المعجم الكبير» (22/201 ـ 202) من طريق محمد بن المنكدر وعكرمة بن عمار عن يزيد بن نعيم بن هزال عن جده هزال به مختصراً ومطولاً. قلت: وبقي شيء يتعلق بفقه الحديث، وما المراد بقوله لهزال: «لو سترته ... » ، فإن ظاهره غير مراد على إطلاقه؟! ولذلك فسره الباجي في «المنتقى» (7/135) بقوله: «يريد مما أظهرته من إظهار أمره، وإخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر به، فكان ستره بأن يأمره بالتوبة، وكتمان خطيئته، وإنما ذكر فيه الرداء على وجه المبالغة، بمعنى: أنه لو لم تجد السبيل إلى ستره إلا بأن تستره بردائك ممن يشهد عليه؛ لكان

3461

أفضل مما أتاه، وتسبب إلى إقامة الحد عليه. والله أعلم وأحكم» . ونقله الحافظ في «الفتح» (12/125) عنه، وأقره. والخلاصة؛ أن الحديث محمول على من كان مثل ماعز في الندم على ما فعل وليس من عادته الزنى، فينبغي الستر عنه، وعدم التشهير به؛ بخلاف من لا؛ ووصل أمره إلى إشاعته والتهتُّك، فهذا هو الذي لا يجوز الستر عليه، وينبغي رفع أمره إلى الحاكم ليقيم حكم الشارع الحكيم فيه. وانظر لهذا «المرقاة» (4/76) . * 3461 ـ (ثلاثةٌ لا يدخلونَ الجنَّةَ: الشّيخُ الزّانِي، والإِمامُ الكذّابُ، والعائلُ المزهوّ) . أخرجه البزار في «مسنده: البحر الزخار» (6/493/2529) : حدثنا العباس ابن أبي طالب قال: أخبرنا مِنْجَاب بن الحارث قال: أخبرنا حفص بن غياث عن عاصم عن أبي عثمان عن سلمان رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم، غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة، وهو: ابن جعفر بن عبد الله البغدادي أبو محمد بن أبي طالب؛ وهو من شيوخ ابن ماجه، مترجم في «التهذيب» . وقال المنذري في الترغيب (3/192/16) : «رواه البزار بإسناد جيد» . وقال الهيثمي (6/255) :

«رواه البزار، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ غير العباس بن أبي طالب، وهو ثقة» . قلت: وهو من الأحاديث التي لم يوردها الهيثمي في كتابه «كشف الأستار» ، وهو على شرطه، ولذلك فإني مما استدركته عليه في كتابي «صحيح كشف الأستار» ؛ يسر الله لي إتمامه مع قسيمه «ضعيف كشف الأستار» بمنه وكرمه وفضله! وعزاه الدكتور محفوظ الرحمن في تعليقه على «البحر الزخار» لمعاجم الطبراني الثلاثة، وفاته التنبيه أنه آخر، وهو: «ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: أشيمط زانٍ، وعائل متكبر، ورجل جعل الله له بضاعة، فلا يبيع إلا بيمينه، ولا يشتري إلا بيمينه» . أخرجه في «الكبير» (6/301/6111) ، و «الأوسط» (6/288/5573) ، و «الصغير» (169 ـ هندية) من طريق سعيد بن عمرو الأشعثي قال: حدثنا حفص ابن غياث به. وقال: «لم يروه عن عاصم إلا حفص، تفرد به سعيد بن عمرو» . قلت: وهو ثقة أيضاً من شيوخ مسلم. ومن طريقه: أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (4/220/4852) . وفي معناه أحاديث أخرى يزيد بعضهم على بعض، ساق بعضها أبو جعفر الطحاوي في «مشكل الآثار» (4/378 ـ 381) ؛ مبيناً أنه لا اختلاف بينهما؛ فراجعه إن شئت مزيداً من الفائدة. *

3462

3462 ـ (لعنَ اللهُ مَنْ ذبَحَ لغيرِ اللهِ، لعَنَ اللهُ مَن غيَّرَ تُخُومَ الأرْضِ، لعَنَ اللهُ من كَمَه الأَعْمى عن السّبيلِ، لعَنَ اللهُ من سبَّ (وفي رواية: عقَّ) والديهِ، لعَنَ اللهُ مَنْ تولَّى غيْرَ موالِيه، [لعَنَ اللهُ مَنْ وَقَعَ على بهيمةٍ] ، لَعَنَ اللهُ من عمِلَ عَمَلَ قومِ لُوطٍ، [لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قوْمِ لوطٍ، لعَنَ اللهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قومِ لوطٍ] ) . أخرجه الحاكم (4/356) ـ والسياق له ـ، والبيهقي في «السنن» (8/231) ، و «الشعب» (4/254/5373) ، وأحمد (1/217 و 309 و 317) ، ـ والرواية الأخرى له ـ، وعبد بن حميد (1/513/587) ، وأبو يعلى (4/414 ـ 415/2539) ، ومن طريقه ابن حبان (43/53) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (11/218/17546) من طرق عن عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. والزيادة الأولى للبيهقي وعبد بن حميد والطبراني ورواية لأحمد والحاكم، وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ، ووافقه الذهبي. والزيادة الأخرى لهم جميعاً ـ إلا الحاكم ـ، وهي والتي قبلها أخرجهما النسائي في «السنن الكبرى» (4/322/7337 و 7338) دون ما قبلهما، وكذا الخرائطي في «مساوئ الأخلاق» (203/443) . قلت: والحديث أعله المعلق على «مسند عبد بن حميد» بـ (عمرو بن أبي عمرو) هذا فقال: «وثقه قوم، وضعفه آخرون» !

وفيه جَنَفٌ وظلم للسُّنَّة ورواتها، فليس كل من تكلم فيه بعضهم يعل به حديثه، فكم من راوٍ من رواة الشيخين، قد تكلم فيه بعض الأئمة، ومنهم هذا، بل وشيخه عكرمة أيضاً؟! وإنما ينبغي في هذه الحالة الرجوع إلى علم الجرح والتعديل وأصوله ممن كان عالماً به، مع الاستعانة بالحفاظ الذين سبقونا في هذا المجال، خلافاً لبعض الأغرار ممن يظنون أنهم على شئ من هذا العلم، وهم لم يشموا رائحته بعد. فهذا هو الحافظ الذهبي عندما ترجم لـ (عمرو) هذا؛ صدرها بقوله: «صدوق، حديثه مخرج في «الصحيحين» ؛ في الأصول» . ثم ساق أقوال الأئمة فيه، ثم عقب عليها بقوله: «حديثه صالح حسن منحط عن الدرجة العليا من الصحيح» . ولذلك؛ أورده في رسالته القيمة «الرواة المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد» (155/264) . ونحوه قول الحافظ في «التقريب» . «ثقة، ربما وهم» . وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً بتمامه؛ إلا أنه ذكر مكان جملة: «الأعمى» قوله: «ملعون من جمع بين امرأة وابنتها» ؛ وفي إسناده ضعيفان، ولذلك خرجته في «الضعيفة» (5368) ؛ لأني لم أجد لهذه الجملة منه شاهداً، وكذلك طرفه الأول منه. وللجملة الأولى منه، والثانية، وكذلك الرابعة لكن بلفظ: «لعن الله من لعن والديه» .

لهذه الثلاثة شاهد صحيح من حديث علي رضي الله عنه مرفوعاً في حديث أخرجه مسلم (6/85) وغيره، وهو مخرج في «نقد نصوص الكتاني» (ص 42) . وإن من تخاليط المعلقين الثلاثة على «الترغيب» وجهلهم بفن التخريج، فضلا عن علم الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف: قولهم في تخريج حديث الترجمة (3/249) : «رواه ابن حبان في «صحيحه» ، والبيهقي في «الشعب» ، والنسائي (7/232) من حديث علي» !! قلت: ففيه جهالات: أولاً: خلطوا حديث علي مع حديث ابن عباس، فلا يدري القراء مَن مِن الثلاثة أخرج حديث علي، ومن الذي أخرج حديث ابن عباس؟! ثانياً: اقتصارهم على النسائي في العزو لحديث علي يوهم أنه لم يروه من هو أولى بالعزو منه، وليس كذلك؛ فقد رواه مسلم أيضاً؛ كما قدمت آنفاً. ثالثاً: يوهم أيضاً أن حديث علي فيه الفقرات السبع التي في حديث ابن عباس، والواقع أنه ليس فيه إلا ثلاث على ما سبق بيانه. رابعاً: أغمضوا عيونهم عن تخريج رواية النسائي عن ابن عباس، وقد ذكرها المنذري في تخريجه للحديث بقوله (3/198/5) : «رواه ابن حبان في «صحيحه» ، والبيهقي، وعند النسائي آخره مكرراً» . خامساً: لم يستدركوا الزيادة الأولى التي عند البيهقي، مع أنهم عزوا الحديث إليه بالجزء والرقم! فما أنشطهم في اجترار ما يقوله المنذري من التخريج، وإعادته

3463

إياه في التعليق، وفي تسويد السطور بزيادة الأجزاء والصفحات والأرقام، نقلاً من الفهارس بدون فائدة تذكر! والله المستعان. * 3463 ـ (مَنْ كشَفَ سِتْراً، فأَدخَلَ بصَرَه في البيْتِ قبْلَ أن يؤْذَنَ له، فرأَى عورةَ أهلِه؛ فقدْ أتَى حدّاً لا يحلُّ له أنْ يأْتيَه؛ لو أنه حينَ أدخَلَ بصَرَهُ استقبلَه رجلٌ ففقأَ عينَه ما غَيَّرت عليه، وإنْ مرَّ الرّجلُ على بابٍ لا ستْرَ له غيرَ مغْلَقٍ فنظَر فلا خطيئةَ عليه؛ إنما الخطيئةُ على أهْلِ البيْتِ) . أخرجه الترمذي (2707) : حدثنا قتيبة: حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله ابن أبي جعفر عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وأخرجه أحمد (5/181) من طريقين آخرين عن ابن لهيعة به. وقال الترمذي: «حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة» . قلت: هو صدوق ثقة؛ لكنه كان قد أصيب بسوء الحفظ، فمن حدث عنه قبل ذلك، أو من كتابه؛ فحديثه صحيح، ومنهم العبادلة، وألحق بهم بعضهم غيرهم، مثل قتيبة بن سعيد؛ كما تقدم نقله عن الحافظ الذهبي غير مرة، وهذا من روايته عنه كما ترى، فالحديث غريب صحيح، وقد كنت ضعفته في بعض التخريجات القديمة مثل «غاية المرام» (423) ، وقبل اطلاعي على فائدة الذهبي المذكورة، ولذلك صرت بعدها أحاول الانتباه لها في كل الأحاديث التي يذكر

3464

فيها (ابن لهيعة) ؛ راجياً من الله التوفيق والسداد. وللشطر الأول منه شاهد من حديث أبي هريرة نحوه بألفاظ متقاربة، أخرجه ابن أبي عاصم في «الديات» (48) من طرق عنه، وأحدها مخرج في «الإرواء» (5/254/1428) من رواية الشيخين وغيرهما. والحديث قال المنذري في «الترغيب» (3/272/2) : «رواه أحمد، ورواته رواة «الصحيح» إلا ابن لهيعة، ورواه الترمذي وقال: «حديث غريب حسن، لا نعرف إلا من حديث ابن لهيعة» ... » . * من صفات المتحابين في الله ومنزلتهم عند الله 3464 ـ (إنّ للهِ عباداً ليسُوا بأنْبياءَ ولا شهداءَ، يغبِطُهم الشهداءُ والأنبياءُ يومَ القيامةِ؛ لقربِهم مِنَ الله تعالى ومجلِسهم منه. فجثَا أعرابيٌّ على ركْبتيه فقالَ: يا رسولَ الله! صفْهم لنا، وجَلِّهم لنا؟! قال: قومٌ من أفْناءِ النّاسِ؛ مِن نُزَّاعِ القَبائلِ، تصادقُوا في اللهِ، وتحابُّوا فيه، يضعُ اللهُ عزّ وجلّ لهم يومَ القيامةِ منابرَ من نورٍ، يخافُ الناسُ ولا يخافونَ، هم أولياءُ اللهِ عزّ وجلّ "الذين لا خوفٌ عليهم ولا هُم يحْزنُون") . أخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/170 ـ 171) : حدثنا أبو عبد الله محمد ابن عبد الله الزاهد الأصبهاني: ثنا أحمد بن يونس الضبي بـ (أصبهان) : ثنا أبو

بدر شجاع بن الوليد قال: سمعت زياد بن خيثمة يحدث عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال: «صحيح الإسناد ولم يخرجاه» ، ووافقه الذهبي. قلت: وهو كما قالا، رجاله ثقات مترجمون في «التهذيب» ؛ إلا من دون أبي بدر. أما أحمد بن يونس الضبي؛ فقال ابن أبي حاتم (1/1/81) : «سمعنا منه، وكان محله عندنا الصدق» . وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/51) ، وقال: «روى عنه الأصبهانيون» . وله ترجمة في «أخبار أصبهان» (1/81) ، و «تاريخ بغداد» (5/223 ـ 224) ، و «أعلام النبلاء» (12/595 ـ 596) . وأما أبو عبد الله محمد بن عبد الله الزاهد الأصبهاني؛ فهو الصَّفَّار، أكثر عنه الحاكم، ووصفه الحافظ الذهبي في «الأعلام» (15/437) بـ: «الإمام المحدث القدوة ... » . وللحديث شواهد: منها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره ببعض اختصار، وقال في آخره: «لا يخافون إن خاف الناس، ولا يحزنون إن حزن الناس» ، ثم تلا هذه الآية: "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".

أخرجه النسائي في «الكبرى» (6/362/11236) ، وأبو يعلى في «مسنده» (10/495/6110) ، ومن طريقه ابن حبان (2508) ، والطبري في «التفسير» (11/92 ـ الأميرية) ، وابن أبي الدنيا في «الإخوان» (45/5) ، والبيهقي في «الشعب» (6/485/8997) من طرق عن محمد بن فُضَيْل عن أبيه عن عُمَارة بن القعقاع عن أبي زرعة عنه به. قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وأعله البيهقي بما لا يقدح. ومنها: عن أبي مالك الأشعري؛ يرويه عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب: ثنا عبد الرحمن بن غَنْمٍ عنه. أخرجه أحمد (5/343) ، والبيهقي في «الشعب» (6/486/9001) و «الأسماء والصفات» (ص 467) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (3/329/3433) ، والبغوي في «التفسير» (4/139 ـ140) و «شرح السنة» (13/50/3464) كلهم من طريق عبد الرزاق، وهذا في «المصنف» (11/201 ـ202 /20324) عن معمر، وعبد الله بن المبارك في «الزهد» (248/714) ، وابن أبي الدنيا أيضاً (6) عن علي بن الجعد؛ ثلاثتهم (معمر وابن المبارك وابن الجعد) عن شهر به. قلت: وهذا إسناد حسن في الشواهد؛ لسوء حفظ شهر بن حوشب. وتسامح المنذري فقال في «الترغيب» (4/48/22) : «رواه أحمد، وأبو يعلى بإسناد حسن، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد» ! وعزوه للحاكم سهو أو تسامح آخر؛ فإنه لم يروه عن أبي مالك؛ وإنما عن ابن عمر؛ كما تقدم. *

3465

3465 ـ (من شَفَعَ لأَخِيه بشفَاعةٍ، فأهْدى له هديّةً عليها؛ فقَبِلها؛ فقدْ أتَى باباً عظِيماً منْ أبوابِ الرِّبا) . أخرجه أبو داود (3541) من طريق عمر بن مالك عن عبيد الله بن أبي جعفر عن خالد بن أبي عمران عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير القاسم ـ وهو ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن صاحب أبي أمامة ـ، وهو حسن الحديث كما استقر عليه رأي الحفاظ مع الخلاف المعروف فيه قديماً. ولذلك ساقه شيخ الإسلام ابن تيمية مساق المسلمات في بعض كتاباته، انظر مثلاً «مجموع الفتاوى» (31/286) . وتابع عمرَ بنَ مالكٍ ابنُ لهيعة: ثنا عبيد الله بن أبي جعفر به. أخرجه أحمد (5/261) . وتابع ابنَ أبي جعفر عبيدُ الله بنُ زَحْر عن عليّ بن يزيد عن قاسم به. أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/251/7853 و 283/7928) ، وعنه الشَّجَري في «الأمالي» (2/236) . هذا؛ وقد ترجم أبو داود للحديث بقوله: «باب في الهدية لقضاء الحاجة» . وعليه أقول: إن هذه الحاجة هي التي يجب على الشفيع أن يقوم بها لأخيه، كمثل أن يشفع له عند القاضي أن يرفع عنه مظلمة، أو أن يوصل إليه حقه، ونحو ذلك مما بسط القول فيه ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في المكان المشار إليه آنفاً؛ فليرجع إليه من شاء. وقد يتبادر لبعض الأذهان أن الحديث مخالف لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من صنع إليكم

3466

معروفاً؛ فكافئوه، فإن لم تستطيعوا أن تكافئوه؛ فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه» . رواه أبو داود وغيره، وتقدم تخريجه برقم (254) . فأقول: لا مخالفة، وذلك بأن يحمل هذا على ما ليس فيه شفاعة، أو على ما ليس بواجب من الحاجة. والله أعلم. (تنبيه) : لقد اشتط ابن الجوزي وغلا في قوله في تضعيفه لهذا الحديث وقوله في «العلل» (2/268) : «عبيد الله ضعيف عظيم، والقاسم أشد ضعفاً منه» ! قلت: عبيد الله وثقه الجمهور، وقول أحمد فيه: «ليس بالقوي» ؛ لا يعني أنه ضعيف، وإنما أنه ليس صحيح الحديث، بل حسن؛ بدليل قوله في رواية عنه: «لا بأس به» ، ولذلك؛ ذكره الذهبي في «المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد» (142/225) ، وحسبك أن الشيخين احتجا به. وأما القاسم؛ فهو وسط كما تقدم. * 3466 ـ (كانُوا إذا فَزِعوا فَزِعُوا إلى الصلاةِ. يعني: الأنبياءَ) . أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في «المعجم» (ق 33/2 ـ 34/1) : حدثنا محمد ابن السَّرِيِّ: حدثنا أحمد بن إبراهيم الدَّوْرَقي: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح، رِجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن السري ـ وهو ابن سهل القَنْطَري أبو بكر ـ، ترجمه الخطيب في «التاريخ» (5/318) ،

3467

وروى عن الدارقطني أنه سئل عنه؟ فقال: «ثقة» . والحديث قطعة من حديث طويل أخرجه الإمام أحمد في «المسند» قال (6/16) : ثنا عبد الرحمن بن مهدي به. وقال (4/333) : ثنا عفان ـ من كتابه ـ قال: ثنا سليمان ـ يعني: ابن المغيرة ـ بتمامه، وهو مخرج في «الصحيحة» برقم (2459) . * 3467 ـ (لما افتَتَحَ - صلى الله عليه وسلم - مكةَ؛ رَنَّ إبليسُ رنّةً اجتمعتْ إليه جنودُه، فقالَ: ايْأَسُوا أن نرى أمّةَ محمّدٍ على الشّركِ بعْدَ يومِكم هذا! ولكنِ افتنُوهم في دينِهِم، وأَفْشُوا فيهم النَّوحَ) . أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (12/11/12318) : حدثنا عبدان بن أحمد: ثنا عمرو بن العباس الرازي: ثنا عبد الرحمن بن مهدي: ثنا يعقوب القُمِّي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ... فذكره. ومن طريق الطبراني: أخرجه الضياء في «المختارة» (59/12/1) ، وذلك يقتضي أنه عنده حسن على الأقل، وهو كذلك عندي؛ لولا أن عمرو بن العباس الرازي شبه مجهول؛ فإني لم أجد له ترجمة؛ إلا أن ابن حبان ذكره في «ثقاته» (8/486) من رواية عبدان هذا ـ وهو الجواليقي الحافظ ـ، وقاعدة ابن حبان في توثيق المجهولين معروفة، ومع ذلك فقد قال فيه: «ربما خالف» . فإن تبين أن للرازي هذا متابعاً؛ فينقل إلى «الصحيحة» . والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم وجدت له متابعاً قويّاً، وكان ينبغي أن أتنبه له من قبل، ولكن هكذا قُدِّرَ، فقد ذكره الضياء عقب رواية الطبراني، لكن بخطه الدقيق وعلى الحاشية، رواه بإسناده عن أبي يعلى الموصلي: ثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة: ثنا عبد الرحمن ابن مهدي به. وإبراهيم بن عرعرة هذا ثقة؛ كما في «التقريب» ، فثبت الحديث بهذه المتابعة والحمد لله. وقد عزاه الحافظ في «المطالب العالية» (4/248/4363) لأبي يعلى، وكذا البوصيري في «إتحاف السادة المهرة» (2/99/1) وسكتا عنه! وقنع بذلك المعلق الشيخ الأعظمي على «المطالب» ، فسكت على سكوتهما! ثم رأيته في «المطالب العالية المسندة» (2/86/1) ، قال: قال أبو يعلى: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرعرة ... إلخ. (فائدة) : ذكر الحافظ في «التهذيب» أن ابن حبان نقل في «الثقات» عن أحمد بن حنبل توثيق جعفر بن أبي المغيرة هذا، وهو في «ثقات ابن حبان» (6/134) ، ولكن ليس فيه هذا التوثيق. نعم، هو في «العلل ومعرفة الرجال» لعبد الله بن أحمد؛ قال (2/159/1057) : «سمعت أبي يقول: جعفر بن أبي المغيرة القمي ـ وهو جعفر المصور ـ ثقة، وهو جعفر بن دينار» . وهذه فائدة عزيزة خلت منها الأمهات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وقد مضى الكلام عليه وعلى الراوي عنه يعقوب بن عبد الله القمي تحت الحديث (580) . *

3468

أثر الإخلاص لله في الأَعمال الصالحة والتوسل بها 3468 ـ (إنّ ثلاثةً كانُوا في كهْفٍ، فوقعَ الجبلُ على بابِ الكهْفِ فأَوصدَ عليهم، قالَ قائلٌ منهم: تذَاكرُوا؛ أيّكُم عملَ حَسَنَةً؛ لعلّ اللهَ عزّ وجلّ برحمتِه يرحمُنا! فقالَ رجلٌ منهم: قدْ عملتُ حسَنَةً مرّةً؛ كانَ لي أُجَراءُ يعملونَ، فجاءَ عمّالٌ لِي، فاستأْجرتُ كلّ رجلٍ منهُم بأجْرٍ معلومٍ، فجاءني رجلٌ ذاتَ يومٍ وسطَ النّهارِ، فاستأْجَرتُه بشَطْرِ أصحابِه، فعمِلَ في بقيّةِ نهارِه كما عملَ كلّ رجلٍ منهم في نهارِه كلّه، فرأيتُ عليّ في الذِّمامِ أنْ لا أنقصَه مما استأجرتُ به أصحابَه؛ لِما جَهِدَ في عملِه، فقالَ رجلٌ منهم: أتعطِي هذا مثْلَ ما أعطيتَني ولم يعملْ إلا نصْفَ نهارٍ؟! فقلتُ: يا عبدَ الله! لم أبخسْكَ شيئاً من شرْطِك، وإنّما هو مالي أحكمُ فيه ما شئتُ! قال: فغضبَ وذهبَ، وتركَ أجرَه. قال: فوضعتُ حقّه في جانبٍ من البيْتِ ما شاءَ اللهُ، ثمّ مرّتْ بي بعدَ ذلكَ بقرٌ، فاشتريتُ به فصِيلَة (¬1) من البقَرِ؛ فبلغتْ ما شاءَ اللهُ. فمرّ بي بعدَ حينٍ شيْخاً ضَعِيفاً لا أعرفُه، فقال: إنّ لي عندَك حقّاً؛ فذكَّرنِيه حتى عرفْته، فقلتُ: إيّاك أبْغي، هذا حقُّك، فعرضتُها عليهِ جميعها! فقالَ: يا عبدَ الله! لا تسخرْ بي! إنْ لم تصْدُقْ عليَّ فأَعطِني حقِّي، قلتُ: واللهِ! لا أسخَرُ بكَ؛ إنّها لحقّكَ، ما لي منها شيءٌ، فدفعتها إليهِ جميعاً، اللهمّ! إنْ كنتُ فَعلتُ ذلكَ لوجهِك؛ فافْرُج عنّا! قال: فانصدعَ الجبلُ حتّى رأوا منه وأَبْصَرُوا ¬

(¬1) هو ما فصل من اللبن من أولاد البقر: «نهاية» .

قال الآخرُ: قد عملتُ حسنةً مرّةً؛ كانَ لي فضْل، فأصابتِ الناسَ شدّةٌ، فجاءتْني امرأةٌ تطلبُ منِّي معرُوفاً، قال: فقلتُ: واللهِ ما هو دونَ نفسِكِ! فأبتْ عليّ فذهبتْ، ثم رجعتْ فذكَّرتْني باللهِ، فأَبيتُ عليها وقلت: لا واللهِ؛ ما هو دون نفسِك! فأبتْ عليّ وذهبتْ، فذكرتْ لزوجِها، فقال لها: أَعطيهِ نفسَكِ، وأَغْني عيالَك! فرجعتْ إليّ، فناشدتْني باللهِ، فأبيتُ عليها، وقلتُ واللهِ ما هو دون نفسِك! فلمّا رأتْ ذلكَ أسلمتْ إليّ نفْسها، فلمّا تكشَّفْتُها وهممت بها؛ ارتعدتْ من تَحتي، فقلتُ: ما شأْنُك؟! قالتْ: أخافُ اللهَ ربَّ العالمينَ! فقلتُ لها: خفتِيه في الشّدةِ، ولم أَخفْهُ في الرّخاءِ! فتركتُها وأعطيتُها ما يحقُّ عليّ بما تكشّفتها، اللهمّ! إنْ كنتُ فعلتُ ذلك لوجهكَ؛ فافْرُج عنّا! قال: فانصدعَ حتّى عرفُوا وتبيّن لهم. قال الآخرُ: عملتُ حسنةً مرة؛ كانَ لي أبَوانِ شيخانِ كبيرانِ، وكانَ لي غَنَمٌ، فكنتُ أُطعِم أبويَّ وأسقِيهما، ثمّ رجعتُ إلى غنمي، قال: فأَصابني يومُ غيْثٍ حَبَسنِي، فلمْ أبْرحْ حتّى أمسيْتُ، فأتيتُ أهْلي، وأخذتُ مِحلبي، فحلبتُ غنمِي قائمةً، فمضيتُ إلى أبويّ؛ فوجدتُهما قد ناما، فشقّ عليّ أن أُوقظَهما، وشقّ أنْ أتركَ غنمِي، فما برحتُ جالساً؛ ومِحلبي على يدي حتى أيقظَهما الصبْحُ فسقيتُهما، اللهمّ! إنْ كنتُ فعلتُ ذلكَ لوجهِك؛ فافْرُج عنّا! ـ قال النعمان: لكأنِّي أسمعُ هذِه من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ـ قال الجبل: طاق؛ ففرج الله عنهم فخرجوا) . أخرجه الإمام أحمد (4/274 ـ 275) : ثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن مَعْقِل

ابن مُنَبِّه: حدثني عبد الصمد ـ يعنى: ابن معقل ـ قال: سمعت وهباً يقول: حدثني النعمان بن بشير: أنه سمع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يذكر الرقيم فقال: ... فذكره. وعن إسماعيل هذا: أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (25/284/410) ، وفي «الدعاء» أيضاً (2/866/190) . وهو إسناد جيد متصل مسلسل بالتحديث. ثم أخرجه في «الدعاء» و «المعجم الأوسط» (3 /160ـ 162/ 2328 و 2329) من طرق أخرى عن وهب بن منبه؛ فهو صحيح؛ لأن وهباً هذا ثقة من رجال الشيخين. وأخرجه البزار أيضاً (4/52_ 54/3178_ 3180) من طرق أخر عن النعمان بن بشير نحوه. والحديث قال الهيثمي (8/142) : » رواه أحمد، والطبراني في «الأوسط» و «الكبير» ، والبزار بنحوه من طرق، ورجال أحمد ثقات» . ثم أخرجه من حديث أنس، وأبي هريرة، وعلي رضي الله عنهم بألفاظ متقاربة. وحديث علي أخرجه البزار أيضاً (2/1867) وإسناده جيد. وهو في «الصحيحين» وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر بنحوه. وإنما آثرت هنا تخريجه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه؛ لأنه حوى تفاصيل بعض الأمور التي لم ترد فيه، مع استقامة إسناده، والله سبحانه ولي التوفيق. *

3469

3469 ـ (يُبعَثُ الناسُ حفاةً عُراةً غُرْلاً، يُلْجِمُهم العَرَقُ، ويبلغُ شحمةَ الأُذنِ، قالتْ سَودةُ: قلت: يا رسولَ اللهِ! وا سوْءتاهُ! ينظرُ بعضُنا إلى بعْضٍ؟! قال: شُغِلَ الناسُ عن ذلكَ. وتلا " يومَ يفرُّ المرءُ من أخِيه *وأمِّه وأبيهِ *وصاحبتهِ وبنيهِ *لكلّ امْرئٍ منهم يوْمئذٍ شأْنٌ يغْنيهِ ") . أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (24/34/91) ، والحاكم (2/514 ـ 515) ، والبغوي في «تفسيره» (8/340) من طريق إسماعيل بن أبي أُويس: حدثني أبي عن محمد بن أبي عياش عن عطاء بن يسار عن سودة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره. والسياق للحاكم، قال: «صحيح على شرط مسلم» ! ووافقه الذهبي! قلت: محمد بن أبي عياش ليس من رجال مسلم، ولا غيره من الستة، وذكره البخاري في التاريخ (1/ 1/236 ـ 237/41) ، وابن أبي حاتم (4/1/84/352) ، وقالا: «محمد بن أبي موسى ـ ويقال: ابن أبي عياش ـ. . روى عنه عبد الحميد بن سليمان، وأبو أويس» . وكذا في «ثقات ابن حبان» (7/426) ؛ إلا أنه سقط منه: «ويقال» فصار أبو عياش جدَّه! ويبدو أنه سقط قديم؛ لأنه كذلك وقع في «ترتيب الثقات» ، والصواب ما في كتابي البخاري وابن أبي حاتم. والذي قال: (محمد ابن أبي موسى) هو (عبد الحميد بن سليمان) المذكور عندهما، فهو متابع لأبي أويس،

ومخالف له في اسم والد (محمد) ، كما شاركه في رواية الحديث عن عطاء بن يسار به، لكنه خالفه أيضاً في متنه، فزاد في آخره جملة، وفي إسناده فجعله من مسند (أم سلمة) رضي الله عنها؛ وقد خرجته في «الضعيفة» (5318) . والحديث قال المنذري في «الترغيب» (4/193/4) : «رواه الطبراني، ورجاله ثقات» . ونحوه قول الهيثمي (10/333) : «رواه الطبراني، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ غير محمد بن عباس (!) وهو ثقة» . كذا وقع فيه: «. . بن عباس» ، وهو خطأ، ولعله من الناسخ، والصواب: «.. بن أبي عياش» كما تقدم في إسناد الحديث، وفي ترجمته. وكذلك تحرف اسمه في حديث أم سلمة المشار إليه آنفاً إلى: (محمد بن موسى بن أبي عياش) ! وقد نبهت عليه هناك. ثم إن توثيق الهيثمي تبعاً للمنذري لـ (محمد) هذا؛ إنما هو من تساهلهما، تابعين في ذلك لابن حبان في توثيقه! فلا غرابة حينئذٍ أن يتقلد ذلك الجهلة الثلاثة في تعليقهم على «الترغيب» (4/ 288) ، وأن يستلزموا من ذلك ـ كعادتهم ـ ويقولوا: «حسن، قال الهيثمي ... » ! والصواب أن يقال: حسن لغيره؛ لأن له شاهداً من حديث عائشة رضي الله عنها؛ يرويه سعيد بن أبى هلال أنه سمع عثمان بن عبد الرحمن القرظي قال: قرأت عائشة رضي الله عنها قول الله عز وجل: " ولقد جئتمونا فرادى كما

خلقناكم أول مرة"، فقالت: يا رسول الله! وا سوءتاه! إن الرجال والنساء يحشرون جميعاً، ينظر بعضهم إلى سوءة بعض؟! فقال رسول الله: «"لكل امرئ منهم يومئذٍ شأن يغنيه"، لا ينظر الرجال إلى النساء، ولا النساء إلى الرجال، شغل بعضهم عن بعض» . أخرجه ابن أبي حاتم في «التفسير» (2/98/2 ـ 99/ 1) ، والحاكم (4/565) ـ والسياق له ـ من طريق سعيد بن أبي هلال به. وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» . ورده الذهبي بقوله: «قلت: فيه انقطاع» ! قلت: لم يظهر لي موضعه! والمتبادر أنه يعني: بين عثمان بن عبد الرحمن القرظي وعائشة رضي الله عنها، ولكني لم أعرف ابن عبد الرحمن هذا، ولم يسمه ابن أبي حاتم، وإنما ذكره بنسبته (القرظي) فقط، وحينئذٍ فيحتمل أن يكون هو (محمد بن كعب القرظي) ، فقد ذكروا في ترجمته ـ وهو ثقة ـ أنه روى عن عائشة رضي الله عنها، فإن ثبت أنه هو فلا انقطاع. والله سبحانه وتعالى أعلم. والحديث عزاه الحافظ في «الفتح» (11/387) للترمذي، والحاكم! ولم أره في «سنن الترمذي» ، ولعله سبق قلم من المؤلف أو الناسخ. وحديثها عند البخاري (6527) ، ومسلم (8/159) ، والنسائي في «الكبرى» (6/507 / 11648) ، وابن ماجه (4276) ، وأحمد (6/89 ـ 90) ، وابن أبي الدنيا في «الأهوال» (236/232) من طريق أخرى عن عائشة دون جملة الشغل. ثم رأيت الحافظ ابن كثير قد ساقه بتمامه في «النهاية» (2/285) من رواية

البيهقي من طريق إسماعيل بن أبي أويس بإسناده المتقدم، وقال: «إسناده جيد، وليس هو في «المسند» ، ولا في الكتب» ! كذا قال! ثم إنني لا أدري وجه تجويده لإسناده، وقد عرفت ما فيه؛ إلا أن يكون قد وجد له موثقاً غير ابن حبان، وهذا مما أستبعده! والله أعلم. ثم ساق (1/286 ـ 287) من رواية أبي يعلى من طريق كوثر عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً مثل حديث الترجمة دون تلاوة الآية؛ وفيه زيادة، فيها أمور منكرة. وقال: «هذا حديث غريب من هذا الوجه، ولبعضه شاهد في «الصحيح» ، كما سيأتي ... » . قلت: وعلته كوثر هذا ـ وهو ابن حكيم ـ؛ قال الحافظ الذهبي في «المغني» : «تركوا حديثه؛ وله عجائب» . ووقع في «النهاية» : «كرز» ! وهو خطأ من الطابع أو الناسخ، فصححته من «جامع المسانيد» (29/431/2869) ، و «المطالب العالية المسندة» (2/105/1) . وليس له ذكر في «مجمع الزوائد» ، ولا في «مسند أبي يعلى المطبوع فالظاهر أنه في «المسند الكبير» له، ولم يطبع، والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد خالف محمدَ بن أبي عياش في إسناده ومتنه: سعيدُ بن المَرْزُبان أبو سعد: فقال: عن عطاء عن الحسن بن علي رضي الله عنه مرفوعاً نحو حديث الترجمة مختصراً دون ذكر الآية والشغل؛ وزاد: قال: «إن الأبصار يومئذٍ شاخصة» .

3470

وهذه الزيادة في حديث ابن عمر المذكور آنفاً، وزاد أبو سعد أيضاً: فرفع بصره إلى السماء. فقالت: يا رسول الله! ادع الله أن يستر عورتي. قال: «اللهم! استر عورتها» . أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (1/133 ـ مخطوطة الظاهرية) و (3/93/2755ـ ط) ـ وسقط منه بعض السند ـ من طريق محمد بن الحسنالمزني عن عطاء بن أبي رباح عن الحسن بن علي. . . وهو بإسناده في «جامعالمسانيد» (3/487/2157) . وسعيد بن المرزبان؛ قال الحافظ في «التقريب» : «ضعيف مدلس» . قلت: وتركه بعضهم، ومع هذا الضعف والمخالفة؛ قال الجهلة الثلاثة فيتعليقهم على «الترغيب» (4/288) : «حسن بشواهده» ! * من أهوال العذاب في جهنم 3470 ـ (إنّ (الحميمَ) ليُصبُّ على رؤوسهم، فينفذُ (الحميمُ) حتّىيخلُصَ إلى جوْفِه؛ فيسْلُت ما في جَوْفِه؛ حتّى يَمْرُق من قدمَيْه، وهو (الصَّهر) ، ثم يعاد كما كان) . أخرجه ابن المبارك في «الزهد» (89/312 / زوائد نعيم) . ومن طريق ابنالمبارك: رواه الترمذي (2582) ، والحاكم (2/387) ، وعنه البيهقي في «البعث»

3471

(282/579) ، وأحمد (2/374) ، وابن أبي الدنيا في «صفة النار» (ق 5/2) ، وأبو نعيم في «الحلية» (8/182) ، والبغوي في «شرح السنة» (15/244/4406) ، و «التفسير» (5/374) ، وكذا ابن جرير في «تفسيره» (17/100) كلهم عن ابن المبارك: أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي السمح عن ابن حُجًيْرة عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح غريب، وابن حجيرة: هو عبد الرحمن بن حجيرة المصري، وسعيد بن يزيد: يكنى أبا شجاع، وهو مصري» . وأقره المنذري في «الترغيب» (4/234/2) . وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي! والذي أراه ـ والله أعلم ـ أنه حسن؛ للخلاف المعروف في أبي السمح ـ واسمه دراج ـ، وقد كنت ضعفت حديثه هذا قديماً كأحاديثه الأخرى، ثم ترجح عندي قول أبي داود في التفريق بين ما يرويه عن أبي الهيثم؛ فضعيف، وما يرويه عن ابن حجيرة؛ فمستقيم، كما سبق أن بينت ذلك، وهذا من روايته عنه. والله أعلم. * 3471 ـ (إنّ في الجنّةِ لَسُوقاً يأْتونَها كلَّ جُمُعةٍ؛ (فيه كُثْبانُ المسْكِ (، فَتَهُبُّ ريحُ الشّمالِ، فتحثُو في وُجوهِهم وثيابِهم (الْمسك (، فيزدادونَ حُسْناً وجَمَالاً، فيرجعونَ إلى أهْليهم، وقد ازدادُوا حُسْناً وجَمَالاً، فيقولُ لهم أهلُوهم: واللهِ! لقدِ ازددتُم بعدَنا حُسْناً وجمالاً، فيقولونَ: وأنتُم واللهِ! لقدِ ازددتُم بعدَنا حُسْناً وجمالاً) . أخرجه مسلم (8/145) ، وابن حبان (9/256 ـ 257/7382) ، وابن أبي

شيبة (13/150/ 962 15) ، وأحمد (3/284 ـ 285) ، وأبو نعيم في «صفة الجنة» (253/417) ، و «الحلية» (6/253) ، والبيهقي في «البعث» (209/415) ، والبغوي في «شرح السنة» (15/226 ـ 227/4389) و «التفسير» أيضاً (1/76) كلهم من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال البغوي: «هذا حديث صحيح» . والسياق لمسلم، والزيادتان لابن حبان وأحمد وغيرهما. وله طريق أخرى؛ فقال الدارمي في «سننه» (2/338 ـ 339) : أخبرنا يزيد ابن هارون: أنا حميد عن أنس به نحوه. قلت: وهذا إسناد صحيح، وهو ثلاثي؛ إن كان حميد ـ وهو الطويل ـ سمعه من أنس؛ فإن عامة حديثه عن أنس سمعه من ثابت؛ كما قاله غير واحد. وقد أوقفه بعضهم، فقال الحسين المروزي في «زوائد الزهد» (524 ـ 525/ 7491) : أخبرنا محمد بن أبي عدي: حدثنا حميد عن أنس قال:. . . فذكره ولم يرفعه. ورواه ابن أبي الدنيا في «صفة الجنة» (81/252) من طريق ابن المبارك: أنا حميد الطويل به موقوفاً. وتابعه عنده (251) من طريق ابن المبارك أيضاً، وهذا في «الزهد» (70/241 ـ نعيم) ، وابن أبي شيبة أيضاً (13/102/15822) كلهم من طريق سليمان التيمي عن أنس به موقوفاً. *

3472

3472 ـ (كان إذا دعَا دعَا ثلاثاً، وإذا سألَ سألَ ثلاثاً) . أخرجه مسلم (5/179 ـ 180) عن زكريا عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون الأَوْدي عن ابن مسعود قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت، وأبو جهل وأصحاب له جلوس، وقد نُحرت جزور بالأمس، فقال أبو جهل: أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه، فيضعه في كتفي محمد إذا سجد؟ فانبعث أشقى القوم، فأخذه، فلما سجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وضعه بين كتفيه، قال: فاستضحكوا، وجعل بعضهم يميل على بعض؛ وأنا قائم أنظر؛ لو كانت لي منعة طرحته عن ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والنبي - صلى الله عليه وسلم - ساجد ما يرفع رأسه، حتى انطلق إنسان فأخبر فاطمة، فجاءت ـ وهي جويرية ـ فطرحته عنه، ثم أقبلت عليهم تشتمهم، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته؛ رفع صوته ثم دعا عليهم، وكان إذا دعا. . . ثم قال: «اللهم! عليك بقريش» (ثلاث مرات) . فلما سمعوا صوته: ذهب عنهم الضحك، وخافوا دعوته، ثم قال: «اللهم! عليك بأبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، والوليد بن عقبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط» ، وذكر السابع ولم أحفظه. فوالذي بعث محمداً - صلى الله عليه وسلم - بالحق؛ لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سُحبوا إلى القليب: قليب بدر. قال أبو إسحاق: (الوليد بن عقبة) غلط في هذا الحديث. ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (2/278) . وروى منه أبو نعيم في «الحلية» (4/153 و 347) حديث الترجمة، وقال:

3473

«رواه سفيان الثوري، وزهير، وإسرائيل عن أبي إسحاق نحوه» . قلت: أخرجها عنهم البخاري، وعن شعبة أيضاً (240و520 و2934و3185 و3854 و2960) نحوه مطولاً ومختصراً، وكذا مسلم عنهم غير إسرائيل. وأخرجه النسائي (1/58) في «الكبرى» (8668و8669) ، وابن حبان (6536) ، وأحمد (1/393و417) ، والبزار (2398و2399) ، والطبراني في «المعجم الأوسط» (762 ـ دار الحرمين) ، والبيهقي أيضاً وفي «السنن الكبرى» (9/7 ـ 8) بعضهم من بعض الطرق المذكورة، وبعضهم من طرق أخرى. وفي حديث سفيان عند مسلم وغيره: وكان يستحب ثلاثً يقول: «اللهم! عليك بقريش، اللهم ... » . * 3473 ـ (كانَ إذا تَكلَّمَ بكلمَةٍ أعادَها ثلاثاً؛ حتّى تُفْهَمَ عنه، وإذا أتَى على قوْمٍ فَسَلَّمَ عليهم؛ سلّم عليهم ثلاثاً) . أخرجه البخاري (94 و 95 و 6244) ، والترمذي (2723 و3640) ، و «الشمائل» (120/192 ـ مختصر الشمائل) ، وأبو الشيخ في «أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -» (83) ، وأحمد (3/213و221) من طريق عبد الله بن المثنى قال: حدثنا ثمامة بن عبد الله عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه كان ... واللفظ للبخاري، وعنه البغوي في «شرح السنة» (1/304/141) ، وقال: «هذا حديث صحيح، قال: تسليمه ثلاثاً عند الاستئذان إذا لم يؤذن بمرة أو مرتين يسلم ثلاثاً، ثم ينصرف كما جاء في الحديث: الاستئذان ثلاث» . قلت: هذا متفق عليه كما يأتي بعده. وقال الترمذي في حديث الترجمة:

«حديث حسن صحيح غريب، إنما نعرفه من حديث عبد الله بن المثنى» . قلت: وهو مختلف فيه، وقد ذكر الحافظ أقوال العلماء فيه ما بين موثق، ومضعف، ومتوسط، ثم رجح توثيقه، فانظره إن شئت (1/189) . فأقول: في اعتقادي أن الرجل فيه نوع من الضعف، وحديثه هذا يدل على ذلك؛ فإنه اضطرب فيه اضطراباً عجيباً، ولكنه مع ذلك ليس من النوع الذي يعل به الحديث؛ لأنه لا تضاد بين رواياته، فهو أشبه ما يكون باختلاف التنوع، وهذا الذي خرجته نوع. ونوع ثانٍ: مختصر عنه، ولفظه: كان إذا سلم سلّم ثلاثاً، وإذا تكلّم بكلمة أعادها ثلاثاً. رواه البخاري، والترمذي وغيرهما في رواية. وثالث: أخصر منه، ولفظه: كان يعيد الكلمة لتعقل عنه. وهي رواية «الشمائل» ورواية له في «السنن» . وكنت ذكرت في التعليق على «مختصر الشمائل» أن الحاكم استدركه على الشيخين؛ وأن الذهبي تعقبه بقوله: «أخرجه البخاري سوى قوله: (لتعقل عنه) » . فتعقبته هناك بأنه لا وجه لهذا التعقب؛ لأن البخاري رواه ـ كما في حديث الترجمة ـ بلفظ: (حتى تفهم عنه) ؛ والمعنى واحد.

ورابع: بلفظ: كان إذا تكلم تكلّم ثلاثاً، وكان يستأذن ثلاثاً. وهو رواية لأحمد. وهذا في الحقيقة يفسر قوله: (فسلم عليهم) ؛ أي «للاستئذان» وبه فسَّره الحافظ فقال (1/189) : «قال الإسماعيلي: شبه أن يكون ذلك كان إذا سلم سلام الاستئذان على ما رواه أبو موسى وغيره، وأما أن يمر المار مُسَلِّماً؛ فالمعروف عدم التكرار. قلت (الحافظ) : وقد فهم المصنف هذا بعينه، فأورد هذا الحديث مقروناً بحديث أبي موسى في قصته مع عمر كما سيأتي في «الاستئذان» . لكن يحتمل أن يكون ذلك كان يقع أيضاً منه إذا خشي أن لا يسمع سلامه. وما ادعاه الكرماني من أن الصيغة المذكورة تفيد الاستمرار؛ مما ينازع فيه. والله أعلم» . وحديث أبي موسى المشار إليه هو الآتي. بقي شيء، وهو أن الشطر الثاني من الحديث له شاهد من حديث أبي أمامة مرفوعاً بلفظ: إذا تكلم تكلّم ثلاثاً؛ لكي يفهم عنه. أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (8/342/8095) : حدثنا أبو حبيب زيد ابن المهتدي المروزي: ثنا علي بن خَشْرَم: ثنا الفضل بن موسى عن الحسين بن واقد عن أبى غالب عنه. وهذا إسناد حسن؛ كما قال الهيثمي في «المجمع» (1/129) ، ورجاله كلهم معروفون من رجال «التهذيب» ؛ غير زياد بن المهتدي المروزي، ترجمه الخطيب في

3474

«التاريخ» (8/448) برواية ثلاثة من الحفاظ؛ منهم الطبراني ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ ووقع فيه: «المَرْوَ الرُّوذيّ» وهو الصواب. ويقال: (المرُّوذي) أيضاً؛ كما في «الأنساب» و «اللباب» . فما في «المعجم الكبير» : «المروزي» بالزاي بعد الراء خطأ! إنما هو بالذال، وانظر «الروض النضير» رقم (30) . * 3474 ـ (إذا استأْذنَ أحدُكم ثلاثاً فلمْ يُؤذَن لَه؛ فَلْيَرْجِعْ) . أخرجه البخاري (6245) ، ومسلم (6/177 ـ 179) ، وأبو داود (5180 ـ 5184) ، والترمذي (2690) ، والدارمي (2/274) ، وابن ماجه (3706) ، وابن حبان (5776) ، وأحمد (3/6 و19) عن أبي سعيد وغيره؛ قال أبو سعيد: كنت في مجلس من مجالس الأنصار؛ إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي، فرجعت، فقال: ما منعك؟ قلت: استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له؛ فليرجع» . فقال: والله! لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أبيّ ابن كعب: والله! لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك. والسياق للبخاري، ومسلم. وفي لفظ له ـ وهو لفظ الترمذي ـ: «الاستئذان ثلاث، فإن أُذن لك، وإلا؛ فارجع» . وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح» .

3475

وله شاهد من حديث جندب بن عبد الله البجلي مرفوعاً باللفظ الأول. أخرجه الطبراني في «لمعجم الكبير» (2/181/1687) و «الأوسط» أيضاً (7/313/7597 ـ الحرمين) من طريق العباس بن محمد: ثنا شَبَابة بن سَوَّار: ثناالمغيرة بن مسلم عن يونس بن عبيد عن الوليد بن مسلم عنه. قلت: وهذا إسناد جيد. وسكت عنه الحافظ (11/29) مشيراً إلى تقويته. وأما قول الهيثمي (8/46) : «رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» ، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ غير العباس بن محمد الدوري، وهو ثقة» ! ففيه تسامح؛ لأن المغيرة بن مسلم لم يرو له إلا البخاري، وفي «الأدبالمفرد» ، لا في «الصحيح» ! هذا.. وفي رواية لأبي داود (5183) من طريق أبي بردة بن أبي موسى عنأبيه بهذه القصة، قال: فقال عمر لأبي موسى: إني لم أتهمك، ولكن الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -شديد. وسنده جيد. * 3475 ـ (صلاةُ الرّجلِ في جماعةٍ تزيدُ على صَلاتِهِ وحدَه خمْساً وعشرينَ دَرجَةً، وإنْ صلاها بأرضِ فلاةٍ، فأتمّ وُضوءها وركوعَها وسجودَها؛ بلغتْ صلاتُه خمسينَ درجةٍ) . أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (2/479 ـ 480) : حدثنا أبو معاوية عن

هلال بن ميمون عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ومن طريق ابن أبي شيبة: أخرجه أبو يعلى في «مسنده» (2/291/1011) ، وعن هذا: ابن حبان (431 ـ موارد) . وأخرجه أبو داود (560) ، ومن طريقه: البغوي في «شرح السنة» (3/341/ 788) ـ وصححه (ص 339) ـ، والحاكم (1/208) ، ومن طريقه: البيهقي في «شعب الإيمان» (3/48/ 2831) من طرق أخرى عن أبي معاوية به، إلا أن الحاكم وقع في إسناده: (هلال بن أبي ميمونة) بزيادة: (أبي) بين الأب والابن! ولذلك قال: «حديث صحيح على شرط الشيخين، فقد اتفقا على الحجة بروايات هلال ابن أبي هلال، ويقال: ابن أبي ميمونة، ويقال: ابن علي، ويقال: ابن أسامة: وكله واحد» . قلت: وقد وافقه الذهبي! وهو وهم على وهم؛ وقع للحاكم في إسناده، خالف كل الطرق المشار إليها عن أبي معاوية ـ وهو محمد بن خازم ـ، وهذا إنما يروي عن هلال بن ميمون ـ وهو الجهني ـ، وثقه ابن معين وغيره، ولم يذكروا لأبي معاوية رواية عن هلال بن أبي ميمونة، فهو من أوهام الحاكم رحمه الله التي أشار إليها العلماء في ترجمته؛ مما وقع له في «مستدركه» . وإن مما يؤكد ذلك: أن رواية البيهقي المشار إليها آنفاً عنه سالمة من هذا الخطأ. ولم ينتبه له المعلق عليه، فقال: «أخرجه الحاكم (1/208) بنفس الإسناد وصححه، ووافقه الذهبي» !

وكذلك لم ينتبه له المنذري في «الترغيب» (1/152/1) ! وتبعه المعلق على «مسند أبي يعلى» ، وسقط منه لفظ: «فلاة» ! هذا.. والشطر الأول منه أخرجه ابن ماجه (788) من طريق آخر عن أبي معاوية به. وأخرجه البخاري (646) ، والبيهقي أيضاً (2830) و «السنن» (3/60) ، وأحمد (3/55) من طرق عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب عن أبي سعيد به. (تنبيه) : قال أبو داود عقب الحديث: «قال عبد الواحد بن زياد في هذا الحديث: «صلاة الرجل في الفلاة يضاعف على صلاته في الجماعة» وساق الحديث» . قلت: هذا معلق لم يسنده أبو داود عن عبد الواحد، ولا ندري هل أسنده أو أعضله؟! ولذلك لم ينشرح صدري لذكره في كتابي «صحيح الترغيب» في طبعته الجديدة، وهي وشيكة الصدور مع بقية الكتاب، ومع قسيمه «ضعيف الترغيب» إن شاء الله تعالى. وقد اختلف العلماء في قوله في حديث الترجمة: «وإن صلاها بأرض فلاة ... » هل يعني في جماعة؛ كما هو ظاهر الحديث؟! أو المنفرد؛ كما هو صريح رواية عبد الواحد؟! وإلى هذا مال الشوكاني في «نيل الأوطار» ؛ خلافا للحافظ في «الفتح» (2/134 ـ 135) . والغريب أنه سكت عن الرواية المذكورة، وقد عرفت ما فيها!! *

3476

3476 ـ (كان يعلّمُنا يقولُ: «لا تبادرُوا الإمامَ [بالرّكوعِ والسُّجود] : إذا كبَّر فكبِّروا، وإذا قال: " ولا الضالين " فقولُوا: (آمينَ) ؛ [فإنّه إذا وافقَ كلامُه كلامَ الملائكة غُفِرَ له] [ما تقدّم من ذنْبه] ، وإذا ركعَ فارْكعُوا، وإذا قالَ: (سمعَ اللهُ لمن حمِدَه) فقولُوا: (اللهمّ ربَّنا! ولكَ الحمْدُ) ، [ولا ترفعُوا قبلَه] ، [وإذا سجد فاسجدُوا] » ) . أخرجه مسلم (2/20) ، وأبو عوانة (2/121) ، والبيهقي في «سننه» (2/92) ، وأحمد (2/440) من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: ... فذكره. أخرجه مسلم وحده من طريق عيسى بن يونس: حدثنا الأعمش. . . والسياق له، والثلاثة الآخرون من طريق محمد بن عبيد: ثنا الأعمش به، والزيادة الأولى لأحمد، والثانية لأبي عوانة، والخامسة للبيهقي. وتابع الأعمشَ: سُمَيٌّ مولى أبي بكر عن أبي صالح به مختصراً، وفيه الزيادة الثالثة ولفظه: «إذا قال الإمام: "غير المغضوب عليهم ولا الضالين": فقولوا: آمين: فإنه من وافق قوله قول الملائكة؛ غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه» . أخرجه البخاري (782 و4475) ، والنسائي (1/147) وغيرهما. وتابعه أيضاً سهيل بن أبي صالح عن أبيه به أتم منه. أخرجه مسلم أيضاً، وأبو عوانة (2/144) ، وعندهما الزيادة الثالثة، وعند مسلم الزيادة الرابعة.

وقد تابع أبا صالح: خمسةٌ آخرون من الثقات بنحو حديث سُمَيٍّ عنه، وفيه عندهم الزيادة الثالثة، وأحاديثهم مخرجة عندي في أصل «صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -» تخريجاً مفصلاً مع بيان الاختلاف في بعض الألفاظ، ومخرج تخريجاً مجملاً في «الإرواء» (2/62/344) . إذا عرفت هذا؛ فإن مما ينبغي التنبيه عليه: أن الزيادة الثانية: «غفر له ... » قد وقعت عند أحمد والبيهقي بلفظ: «غفر لمن في المسجد» ! وقد عزاها الحافظ المنذري في «الترغيب» (1/177/1) للنسائي! ولم أجده عنده لا في «السنن الصغرى» ، ولا في «الكبرى» له، وقد أخرجه فيهما باللفظ الأول من أكثر الطرق المشار إليها آنفاً، علاوة على طريق سمي عن أبي صالح؛ فلعل ذكر (النسائي) فيه خطأ من بعض النساخ، أو سبق ذهن أو قلم من المؤلف، وقد بلوت ذلك منه في تحقيقي الجديد إياه، وهو تحت الطبع، فلعل الصواب: (البيهقي) أو: (أحمد) مكان: (النسائي) . والله أعلم! ثم هو بهذا اللفظ منكر جدّاً عندي؛ لمخالفته للفظ الأول: فإنه متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه، ومن الظاهر أن محمد بن عبيد ـ وهو الطنافسي ـ هو العلة، فإنه كان يضطرب فيه، فتارة يرويه بلفظ الجماعة: «غفر له» ، ولذلك؛ أودعه أبو عوانة في «صحيحه» ومن طريقه، وتارة يرويه باللفظ المخالف. فيبدو لي أن ابن عبيد هذا ـ مع اتفاق الحفاظ على توثيقه ـ كانت له بعض الأوهام، ولذلك قال الإمام أحمد ـ فيما رواه ابنه صالح عنه ـ قال: «كان يظهر السنة، وكان يخطئ ولا يرجع عن خطئه» ؛ كما في «تهذيب التهذيب» .

3477

وقد وقفت له على حديث صحيح المتن، رواه بإسناده المتقدم عن أبي هريرة، خالف فيه الجماعة، أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/41) من طريق العباس بنمحمد الدوري عنه به. وقال الدوري: «وهذا حديث غريب» . قال البيهقي: «وهذا؛ لأن الجماعة إنما رووه عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، ومحمد بن عبيد رواه عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة. والله أعلم» . قلت: فهذا خالف فيه الجماعة في الإسناد «فهو شاذ سنداً، وذاك خالف فيهالجماعة لفظاً، فهو شاذ متناً. وإن مما يؤكد نكارته: منافاته لسياق الحديث؛ فإنه ينهى عن مبادرة الإمامومسابقته في التأمين أيضاً، ويذكر لمن انتهى ووافق الملائكة في ذلك من الفضلما ذكر من المغفرة، وليس ذلك لمن خالف وسابق بداهة، ومن المشاهد أن أكثرالمصلين في المسجد يسابقونه في التأمين حتى قبل فراغه من"ولا الضآلين" فكيف يغفر للمخالف؛ بسبب الموافق؟! وفي النهي عن المبادرة بالركوع والسجود أحاديث أخرى من رواية أنس، ومعاوية، وأبي هريرة أيضاً من طريق الأعرج عنه، وهي مخرجة في «الإرواء» (2/289 ـ 290) . * 3477 ـ (يقولُ اللهُ عزّ وجلّ: استقرضْتُ عبدِي فلم يُقرضْنِي، وشتمَني عبدِي وهو لا يدْري (وفي روايةٍ: ولا ينبغِي له شتْمِي) ، يقولُ: وادهْراه! وادهراه! [ثلاثاً] ، وأنا الدهرُ) . أخرجه البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص 57) ، والحاكم في «المستدرك»

(1/418 و2/453) ، وابن جرير الطبري في «التفسير» (25/92) ، وأحمد (2/ 300 و506) ، وأبو يعلى (11/353/6466) كلهم من طريق محمد بن إسحاق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الحاكم:

«صحيح على شرط مسلم» ! ووافقه الذهبي! وأقره المنذري (3/290) ! كذا قالوا! وابن إسحاق لم يخرج له مسلم إلا متابعة، ثم إنه مدلس؛ وقد عنعنه عندهم جميعاً. لكن تابعه إبراهيم بن طهمان، أخرجه في «مشيخته» (158/105) عن العلاء بن عبد الرحمن به، والرواية الأخرى والزيادة له. وإبراهيم بن طهمان ثقة من رجال الشيخين، فبه صح الحديث. قال الذهبي في «الكاشف» : «من أئمة الإسلام، وفيه إرجاء، وثقه أحمد وأبو حاتم» وتابعه ابن أبي حازم عن العلاء به مختصراً. أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (1/265/598) . وقد جاء الحديث في «الصحيحين» وغيرهما من طرق أخرى عن أبي هريرة نحوه بألفاظ مختلفة، وقد خرجت بعضها فيما تقدم برقم (ا53 و532) . قلت: وهذا الحديث جاء على أسلوب الحديث القدسي الآخر: «إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضت فلم تعدني، قال: يا رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم

3478

تعده؟! أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟! ... » الحديث بطوله. أخرجه مسلم (8/13) ، والبخاري في «الأدب المفرد» (رقم 517) وغيرهمامن حديث أبي هريرة أيضاً. ثم رأيت الحديث قد أخرجه الحاكم من الوجه الأول في مكان آخر (2/491) بزيادة: ثم تلا أبو هريرة قول الله عز وجل: " إن تقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعفه لكم". وصححه هو والذهبي! كما تقدم. * 3478 ـ (ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ عزّ وجلّ، ويضحكُ إليهم، ويستبشرُ بهم: الذي إذا انكَشَفتْ فئةٌ؛ قاتلَ وراءَها بنفسِه لله عزّ وجلّ، فإمّا أنْ يُقتلَ، وإمّا أن يَنصُرَه اللهُ ويكفِيَه، فيقولُ اللهُ: انظرُوا إلى عبدِي كيف صَبَرَ لي نفسَه؟! والذي له امرأة حسناء، وفراش لين حسن، فيقوم من الليل، فـ[يقول:] يذر شهوتَه، فيذكُرني ويناجيني، ولو شاءَ رقَدَ! والذِي يكونُ في سَفَرٍ، وكانَ معَه ركْبٌ؛ فسهِرُوا ونصِبُوا ثمّ هَجَعُوا، فقامَ من السّحرِ في سرّاءَ أو ضرّاءَ) . أخرجه الحاكم (1/25) ، والبيهقي في «الأسماء والصفات» (ص 471 ـ 472) ـ والسياق له ـ من طريق فُضَيل بن سليمان: نا موسى بن عقبة: حدثني عبيد الله بن سلمان عن أبيه عن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الحاكم: «حديث صحيح، وقد احتجا بجميع رواته» ! كذا قال! وبيض له الذهبي. وعبيد الله بن سلمان ـ وهو الأغر ـ لم يخرج له مسلم إطلاقاً. وفضيل بن سليمان ـ وهو النُّميري ـ إنما خرج له البخاري متابعة؛ كما حققه الحافظ في «مقدمة الفتح» (435) ، وفيه كلام كثير، لخصه الحافظ في «التقريب» فقال: «صدوق، له خطأ كثير» . فمثله حديثه مرشح للتحسين، وأما الصحة فلا! وقد قال المنذري في «الترغيب» (1/219/32) : «رواه الطبراني في «الكبير» بإسناد حسن» ! وقال الهيثمي (2/255) : «قلت: روى أبو داود منه: «الذي كان في سرية» ـ فقط ـ رواه الطبراني، ورجاله رجال (الصحيح) » ! قلت: وما عزاه لأبي داود يوهم أنه عنده من حديث أبي الدرداء، وإنما هو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه! وقد رواه غيره بأتم منه، وهو من رواية حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن مرة الهمداني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «عجب ربنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه، من بين حِبِّه وأهله إلى صلاته؛ فيقول الله جل وعلا: انظروا إلى عبدي، ثار من فراشه ووطائه من بين

حبه وأهله إلى صلاته؛ رغبةً فيما عندي، وشفقة مما عندي. ورجل غزا في سبيل الله، وانهزم أصحابه، وعلم ما عليه في الانهزام، وما له في الرجوع؛ فرجع حتى يهريق دمه، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي؛ رجع رجاءً فيما عندي، وشفقة مما عندي، حتى يهريق دمه» . أخرجه ابن حبان (643و644ـ موارد) ، والبيهقي في «الأسماء» أيضاً و «السنن» (9/164) ، وابن أبي شيبة في «المصنف» (5/313 ـ 314) ، ومن طريقه: ابن أبي عاصم في «السنة» (1/249/569) ، وأحمد (1/416) ، وأبو يعلى (9/5272 و5361 و5362) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (10/221/10383) ، وأبو نعيم في «الحلية» (4/167) ، والبغوي في «شرح السنة» (4/42/930) . وروى منه أبو داود (2536) جملة الغازي؛ كما تقدمت الإشارة إليه، وكذا الحاكم (2/112) ، وهو رواية لـ «سنن البيهقي» (9/46) . وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي، وغيره ممن عاصَرْنَا!! وغفلوا أو غضوا النظر عما ذكره الحافظ أن حماد بن سلمة روى عن عطاء بن السائب بعد الاختلاط أيضاً، ففي هذه الحالة لا يجوز تصحيح حديثه عنه بحجة أنه روى عنه قبل الاختلاط، كما هو ظاهر لكل ذي بصيرة! ولعل الهيثمي لاحظ هذا، فلم يصححه، ولكنه توسط فقال (2/255) : «رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في «الكبير» ، وإسناده حسن» ! وقد خالفه حماد بن زيد؛ فرواه عن عطاء بن السائب به موقوفاً نحوه، وزاد في آخر كل من الرجلين: «فيقول [الله تعالى] : فإني قد أعطيته ما رجا، وأمَّنته مما خاف» .

أخرجه الطبراني في «الكبير» (9/104/8532) : حدثنا علي بن عبد العزيز: ثنا عارم أبو النعمان: ثنا حماد بن زيد ... قلت: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات كلهم. وحماد بن زيد سمع من عطاء ابن السائب قبل الاختلاط. ومع ذلك قال الهيثمي (2/256) أيضاً: «رواه الطبراني في «الكبير» ، وإسناده حسن» ! فلم يصححه، فلعل ذلك لأن عارماً أبا الفضل ـ واسمه محمد بن الفضل ـ كان اختلط، أو تغير. قال الحافظ في «التقريب» : «ثقة ثبت، تغير في آخر عمره» . وقال الذهبي في «الكاشف» . «.. الحافظ، وعنه (خ) .. تغير قبل موته؛ فما حدَّث» . وقال في «الميزان» : «حافظ صدوق مكثر» . ثم ذكر بعض الأقوال التي صرحت باختلاطه، ولكنه ذكر عن الدارقطني أنه قال: «تغير بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة» . وبه رد على ابن حبان الذي زعم أنه وقع في حديثه المناكير الكثيرة! قال الذهبي: «قلت: ولم يَقْدِرِ ابن حبان أن يسوق له حديثاً منكراً، فأين ما زعم؟!» .

3479

وكأنه لم يرتض رميه بالاختلاط، فأشار إلى توهين القول به في رسالته «المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد» فقال (169/306) : «ثقة شهير، يقال: اختلط بآخره» . والله سبحانه وتعالى أعلم. وعلى كل حال؛ فحمّاد بن زيد قد وافق حماد بن سلمة في روايته إياه سنداً ومتناً، وخالفه في رفعه، فإن كان وهم فيه؛ فإنما هو إيقافه إياه، فالخطب حينئذٍ سهل؛ لأنه في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال بمجرد الرأي كما هو ظاهر، وعليه يكون متابعاً قويّاً لحماد بن سلمة. والله ولي التوفيق. وقد رواه ابن أبي الدنيا في «التهجد» (36 ـ 37) من طريق خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب به موقوفاً. وللحديث شاهد من حديث أبي ذر مرفوعاً نحوه، وفي إسناده جهالة، وهو مخرج في «المشكاة» (1922/ التحقيق الثاني) . * 3479 ـ (مَثَلُ الذي يتعلَّمُ العِلْمَ ثمَّ لا يحدِّثُ به؛ كمَثَلِ الذي يكنِزُ الكنْزَ فلا ينفقُ منه) . أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/213/689) قال: حدثنا أحمد قال: نا يونس بن عبد الأعلى قال: نا عبد الله بن وهب قال: حدثني ابن لهيعة عن دَرَّاج أبي السمح عن أبي الهيثم وعبد الرحمن بن حجيرة عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن عزيز من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة، وهو صحيح

الحديث عنه، ومن رواية دراج عن ابن حجيرة، وهو حسن الحديث عنه؛ كما تقدم تقريره برقم (3350) ، وبقية رجاله ثقات من رجال مسلم؛ غير أحمد ـ وهو ابن علي الأبار ـ، وهو ثقة حافظ متقن. وقد توبع، فأخرجه ابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (1/122) من طريق سُحْنون: حدثنا ابن وهب به؛ إلا أنه لم يذكر في إسناده: (أبا الهيثم) . وغفل المنذري عن أن الحديث من رواية ابن وهب عن ابن لهيعة، فأعله في «الترغيب» (1/74/6) ، فقال: «رواه الطبراني في «الأوسط» ، وفي إسناده ابن لهيعة» ! يشير إلى ضعفه. وصرح بذلك الهيثمي فقال (1/164) : « ... وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف» ! وقد أخرجه أبو خيثمة في «العلم» (147/162) ، وأبو القاسم بن عبد الحكم في «فتوح مصر» (ص 281) ، وابن عدي في «الكامل» (3/115) ، وابن عبد البر أيضاً من طرق أخرى عن ابن لهيعة به. وله طريق أخرى يرويه إبراهيم عن أبي عياض عن أبي هريرة به. أخرجه الدارمي في «سننه» (1/134) ,وأحمد في «مسنده» (2/499) ، والخطيب في «اقتضاء العلم العمل» (165/12) . قلت: وإسناده حسن في المتابعات، رجاله كلهم ثقات عند الدارمي رجال مسلم؛ غير إبراهيم هذا ـ وهو ابن مسلم الهجري ـ؛ قال الحافظ في «التقريب» : «لين الحديث رفع موقوفات» .

3480

ومن طريقه: أخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (1/180/263) ، لكنه قال: عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله! وله شاهد؛ يرويه عمر بن يحيى بن نافع قال: حدثنا عيسى بن شعيب قال: حدثنا رَوْحُ بن القاسم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً به. أخرجه ابن عبد البر. وعمر بن يحيى بن نافع: هو الأبلي؛ كما في ترجمة شيخه عيسى بن شعيب من «تهذيب المزي» ، ولم أقف له على ترجمة. * 3480 ـ (من انتفَى من ولَدِه لِيفضَحه في الدُّنيا؛ فضَحَه اللهُ يومَ القيامةِ على رؤوس الأَشهادِ، قِصاصٌ بِقِصَاصٍ) . أخرجه أحمد (2/26) ، ومن طريقه: الطبراني في «المعجم الكبير» (12/400/13478) و «المعجم الأوسط» (4/312/4297 ـ حرمين) ، وعنه أبو نعيم في «الحلية» (9/223 ـ 224) : ثنا وكيع عن أبيه عن عبد الله بن أبي المجالد عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال «الصحيح» ؛ وفي أبي وكيع ـ واسمه: الجراح بن مَلِيح الرُّؤَاسي ـ ضعف لا ينزل حديثه إن شاء الله عن مرتبة الحسن. وعبد الله بن أبي المجالد؛ قال في «التقريب» : «يقال: اسمه محمد، ثقة» . قلت: وتابعه ليث بن أبي سليم عن مجاهد به نحوه.

3481

أخرجه الطبراني (12/407 ـ 408/13503) . وله طريق أخرى؛ يرويه سعيد بن بشير عن مطر الورَّاق عن نافع عن ابن عمر به. أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (8/332 ـ 333) . قلت: وهو إسناد جيد في الشواهد والمتابعات. وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً. أخرجه أبو داود وغيره؛ صححه ابن حبان، والدارقطني، والحاكم، والذهبي، وفي إسناده جهالة، كما كنت بينته في «الإرواء» (8/34 ـ 35) . * 3481 ـ (كانَ إذا خرجَ من الخَلاء؛ توضَّأ) . أخرجه أحمد (6/189) من طريق جابر عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ... قلت: ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين؛ غير جابر هذا ـ وهو ابن يزيد الجعفي ـ، وهو ضعيف. وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/241) : «رواه أحمد، وفيه جابر الجعفي، وثقه شعبة وسفيان، وضعفه أكثر الناس» . قلت: له شاهد مرسل صحيح، رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (1/193) : حدثنا جرير عن منصور عن إبراهيم قال: بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يدخل الخلاء إلا توضأ، أو مسح ماءً. قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد، رجاله ثقات رجال الشيخين. وقد رواه بعض الضعفاء موصولاً؛ فقال يحيى بن طلحة اليَربوعي قال:

3482

حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: ما رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - صائماً العشر قط، ولا خرج من الخلاء إلا مسَّ ماءً. أخرجه ابن حبان (69/165 ـ الموارد) . قلت: ويحيى هذا لم يوثقه غير ابن حان، ولكنه قال (9/264) : «وكان يغرب عن أبى نعيم» . قلت: وأخرج له في صحيحه ثلاثة أحاديث فقط؛ هذا أحدها، والحديث الثاني هو فيه متابع. والثالث قرنه بآخر ثقة، وهو في صحيح مسلم، مختصراً، والثاني في الموارد أيضاً، وفيه لفظة منكرة؛ كما سبق بيانه تحت الحديث (2757) . ولهذا؛ ضعفه آخرون، وقال الحافظ: «ليِّن الحديث» . وإن من ضعفه: خلطه بين حديث الترجمة، وحديث (صوم العشر) ؛ فإنهذا قد أخرجه مسلم وغيره من طرق عن الأعمش عن إبراهيم به. وخالفه هنادابن السري فقال: ثنا أبو الأحوص عن منصور به دون الشطر الثاني. أخرجه ابن ماجه، وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (2108) . * 3482 ـ (إنّه سينْهاهُ ما يقولُ) . أخرجه أحمد (2/447) : ثنا وكيع: ثنا الأعمش قال: أنا (كذا) أبو صالح عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن فلاناً يصلي بالليل، فإذا أصبح سرق؟! قال: ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد متصل ظاهر الصحة، رجاله ثقات رجال الشيخين. لكن له علة، وهي أن قوله: «أنا» تحرف على الناسخ والطابع، والصواب: «أرى أبا صالح ذكره عن أبي هريرة» . هكذا رواه إبراهيم بن عبد الله العَبْسي في «حديث وكيع بن الجراح» (ق 134/1 ـ مخطوطة الظاهرية) ، ومن طريقه: البيهقي في «شعب الإيمان» (3/174/ 3261) . ويؤيده: أن الحافظ ابن كثير ذكره في «تفسيره» (3/415) من رواية أحمدبسنده المذكور عن الأعمش قال: أرى أبا صالح عن أبي هريرة ... إلخ. ولعله سقط من الناسخ كلمة: «ذكره» . وزيادةً في التحقيق: رجعت إلى «أطراف المسند» للحافظ العسقلاني؛ فرأيته ساق الحديث (7/193/447) عقب حديث آخر بإسناد آخر عن أبي صالح ـ يعني عن أبي هريرة ـ. ثم ساق إسناد هذا إلى الأعمش قائلاً: «عنه به» ، فلم يسقهبتمامه لنتبين كيف وقع الإسناد في نسخته من «المسند» ؟! ونحوه قول الهيثمي في «المجمع» (2/258) : «رواه أحمد، والبزار، ورجاله رجال (الصحيح) » ! إلا أنه في مكان آخر أفاد مثل ما تقدم عن ابن كثير، فقال (7/89) : «رواه أحمد، ورجاله رجال «الصحيح» ؛ إلا أن الأعمش قال: أرى أبا صالحعن أبي هريرة» . وبالجملة؛ فهذا وما قبله يبين أن ما في «المسند» أن الأعمش قال: «أنا» تحريف من بعض النساخ، والله أعلم.

وقد تابع وكيعاً: جماعةٌ من الثقات، ولكنهم قالوا: عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ... فذكروه على الجادة. أخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (2/430) ، وابن حبان في «صحيحه» (4/116/ 2551) عن عيسى بن يونس، والبزار في «مسنده» (1/346/720) عن محاضر بن المُوَرِّعِ، كلاهما عن الأعمش به. وخالفهم جرير بن عبد الحميد فقال: عن الأعمش عن أبي صالح ـ قال: أراه ـ عن جابر ... وتابعه زياد بن عبيد الله عن الأعمش به؛ لكنه لم يقل: قال: أراه ... أخرجهما البزار (رقم 721 و722) . وزياد بن عبد الله: هو البكائي العامري من رجال مسلم، وجرير بن عبد الحميد من رجال الشيخين، وفيهما كلام يسير من جهة الحفظ. قلت: فالظاهر من مجموع ما تقدم: أن الأعمش كان يتردد في إسناده بين أبي هريرة وجابر، وذلك مما لا يضر إن شاء الله تعالى؛ لأن كلاً منهما صحابي جليل، والله سبحانه وتعالى أعلم. (تنبيه على أوهام) : أولاً: غفل المعلق الداراني على «موارد الظمآن» (2/ 378) عن أن هذا الاختلاف مداره على الأعمش، فقال في تخريجه لحديث أبي هريرة: «ويشهد له حديث جابر عند البزار ... » ! فجعل المشهود شاهداً، وهذا مما يدل على الحداثة في هذا العلم!

3483

ثانياً: جاء في «مختصر تفسير ابن كثير» للشيخ نسيب الرفاعي رحمه الله تعالى ما نصه (3/421) : «روى الحافظ أبو بكر البزار عن جابر أو عن رجل قال للنبي ... » ! وهذا خلط عجيب لا يخفى فساده، ولا حاجة إلى بيانه. ثالثاً: قول ابن بلده الشيخ الصابوني في «مختصره» (3/38) : «وروى الحافظ أبو بكر البزار قال: قال رجل ... » ! فهو ـ لجهله بهذا العلم الشريف ـ لما رأى الاختلاف المذكور في الأصل ـ أعني: «تفسير ابن كثير» ـ؛ لم يستطع أن يختصره بمثل قوله: «.. عن أبي هريرة أو جابر» ! ولو أنه كان عن واحد منهما؛ لاختصره منه وطبعه في التعليق موهماً القراء أنه من تخريجه، متشبعاً بما لم يعط؛ (شنشنة نعرفها من أخزم) ! والله المستعان. * 3483 ـ (تركَ كَيَّتَيْن، أو ثلاثَ كيّاتٍ! قاله لمن ماتَ وتركَ دينارينِ أو ثلاثة) . أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (3/372) : حدثنا عبد الله بن نمير: حدثنا فُضَيْل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: أُتيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجنازة رجل من الأنصار فصلى عليه، ثم قال: «ما ترك؟» . قالوا: ترك دينارين أو ثلاثة، قال: ... فذكره. وأخرجه أحمد (2/429) : ثنا يحيى بن سعيد عن فضيل بن غزوان به؛ ليس فيه: من الأنصار.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وتابعه هارون بن سعد، قال: سمعت أبا حازم الأشجعي ... أخرجه أحمد أيضاً (2/493) . وأبو حازم الأشجعي هذا: هو سَلَمَةُ بن دينار الأعرج، وقد ذكره المزي في الرواة عن أبي هريرة (34/375) رامزاً أن ذلك عند الشيخين والأربعة. وهارون بن سعد ـ وهو العجلي ـ من رجال مسلم، صدوق رمي بالرفض. ورواه يحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني عن ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم به؛ وزاد: فلقيت عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر، فذكرت ذلك له، فقال: ذاك رجل كان يسأل الناس تكثراً. أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/271/3515) . وعبد الله ابن القاسم هذا تابعي مجهول الحال، لم يوثقه غير ابن حبان، فهذه الزيادة مقطوعة لا تصح. ويحيى بن عبد الحميد الحماني؛ قال الذهبي في «المغني» : «حافظ، منكر الحديث، وقد وثقه ابن معين وغيره، وقال أحمد: كان يكذب جهاراً. وقال النسائي: ضعيف» . وقال الحافظ في «التقريب» : «حافظ؛ إلا أنهم اتهموه بسرقة الحديث» .

وللحديث شاهد من حديث سلمة بن الأكوع، عند البخاري وغيره، وهو مخرج في «أحكام الجائز» (ص 110 ـ المعارف) . وآخر من حديث عبد الله بن مسعود، رواه ابن حبان وغيره بسند حسن، وهو مخرج في «الترغيب» (2/43) . ثم إن حديث الحماني هذا، قد وقع فيه للمنذري وهم عجيب؛ فإنه جعله (2/3/10) من حديث مسعود بن عمرو رضي الله عنه! وإنما هو من حديث أبي هريرة؛ كما رأيت. وأظن أنه التبس عليه بحديث آخر في الباب لمسعود بن عمرو، بلفظ: «لا يزال العبد يسأل وهو غني، حتى يَخلَقَ وجهه، فما يكون له عند الله وجه» . أخرجه البزار في «مسنده» (1/434/919 ـ الكشف) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (20/333/760) من طريق ابن أبي ليلى عن عبد الكريم عن سعيد بن يزيد عنه مرفوعاً به. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ كما قال الحافظ في «مختصر الزوائد» (1/383/ 628) ، وأشار المنذري في «الترغيب» (2/3/4) ، ثم الهيثمي في «المجمع» (3/96) إلى إعلاله بـ (محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى) . وقال الآخر: «وفيه كلام» . قلت: ولخصه الحافظ في «التقريب» بقوله: «صدوق سيّئ الحفظ جدّاً» .

قلت: وشيخه عبد الكريم ـ وهو ابن أبي المخارق البصري ـ ضعيف أيضاً. وسعيد بن يزيد؛ الظاهر أنه أبو سلمة الأزدي البصري؛ وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: «صالح» . فقه الحديث: أقول: لعل الرجل الذي جاء فيه هذا الوعيد الشديد: إنما كان لأمر غير مجرد تركه دينارين أو ثلاثة؛ لأن مثل هذا الأمر لا يستحق صاحبه النار باتفاق العلماء، ألا ترى إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «إنك أنْ تدع ورثتك أغنياء: خير من أن تدعهم يتكففون الناس» . متفق عليه، وهو في «الإرواء» (3/416 ـ 417) . وقوله - صلى الله عليه وسلم - للنجدي جواباً على سؤاله: هل علي غيرهن؟ قال: «لا، إلا أن تطوع» . رواه الشيخان، وهو مخرج في «صحيح أبي داود» (415) ، ونحوهما في السنة كثير؟! ومن أبواب الإمام البخاري في «صحيحه» : «باب ما أدِّي زكاته فليس بكنز؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة» ... » . وانظر «فتح الباري» (3/271 ـ 273) . وعلى هذا؛ فلعل الرجل كان قد أخل بالقيام ببعض الواجبات المتعلقة بحقوق المال، مثل الإنفاق على العيال، أو إطعام الجائع، وكسوة العاري، أو التظاهر بالفقر؛ كما في مرسل علقمة المزني قال:

3484

كان أهل الصفة يبيتون في المسجد، فتوفي رجل منهم، ففتح إزاره، فوجد فيه ديناران، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كيتان» . أخرجه عبد الرزاق في «مصنفه» (1/421/1649) . أو سؤال الناس تكثراً كما تقدم في أثر مولى أبي بكر، ونحو ذلك! والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3484 ـ (إنّ الصّدقة لَتطفئُ عن أهْلِها حرَّ القُبورِ، وإنّما يستظلُ المؤمنُ يومَ القيامةِ في ظلِّ صَدَقَتِه) . أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (17/ 286/788) : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح: ثنا سعيد بن أبي مريم: ثنا رِشدين بن سعد: حدثني عمرو بن الحارث وابن لهيعة والحسن بن ثوبان عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ومن هذا الوجه وعن هذا الشيخ: أخرجه البيهقي في «الشعب» (3/212/ 3347) ، إلا أنه قال: عنه: نا أبو صالح كاتب الليث: حدثني ابن لهيعة ورشدين ابن سعد عن (!) الحسن بن ثوبان عن عمرو بن الحارث و (!) يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير.....به. قلت: وأنا أظن أن قوله: «عن الحسن بن ثوبان» خطأ من الطابع أو الناسخ، صوابه: «والحسن بن الثوبان» ، وعلى العكس من ذلك قوله بعد: «ويزيد بن أبي حبيب» ، صوابه: «عن يزيد بن أبي حبيب» ؛ كما في «الطبراني» ؛ (لأن عمرو ابن الحارث) ليس من طبقة (يزيد بن أبي حبيب) ؛ وإنما من الرواة عنه؛ بخلاف (الحسن بن ثوبان) ؛ فإنه من طبقة (ابن لهيعة) و (رِشدين) !

وأما قوله: «أبو صالح كاتب الليث» مكان: «سعيد بن أبي مريم» ؛ فإنه إن لم يكن خطأً أيضاً؛ فهو انتقال من شيخ إلى شيخ أخر؛ لأن كلاً منهما من شيوخ يحيى بن عثمان بن صالح المصري، وهذا صدوق؛ كما قال الذهبي والعسقلاني، لكن الأول منهما ـ وهو سعيد بن أبي مريم ـ ثقة ثبت من رجال الشيخين، بخلاف أبي صالح؛ فهو من شيوخ البخاري، وفيه كلام معروف. وجملة القول؛ أن إسناد الطبراني جيد بالمتابعات المذكورة: (عمرو بن الحارث) ، و (ابن لهيعة) ، و (الحسن بن ثوبان) عن يزيد بن أبي حبيب. وبهذا التحقيق يتبين تقصير المنذري في قوله في «الترغيب» (2/25) : «رواه الطبراني في «الكبير» ، والبيهقي، وفيه ابن لهيعة» ! ونحوه قول الهيثمي في «المجمع» (3/110) : «رواه الطبراني في «الكبير» ، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام» ! ففاتهما متابعة الحسن بن ثوبان وعمرو بن الحارث المقوية له، مما ورطني قديماً ـ وقبل طبع «المعجم الكبير» ـ أن أخرج الحديث في «الضعيفة» برقم (3021) متابعة مني لهما، ولا يسعني إلا ذلك؛ ما دام المصدر الذي عزواه إليه لا تطوله يدي؛ كما كنت بينت ذلك في مقدمة كتابي «صحيح الترغيب» ، أما وقد وقفت عليه الآن، وعلمت أن ابن لهيعة قد توبع ـ خلافاً لما أوهما ـ؛ فقد قررت إيداعه في «صحيح الترغيب» ، لا سيما والشطر الثاني منه قد رواه بعض الثقات ـ غير من تقدم ـ عن يزيد بن أبي حبيب، وهو مخرج في «تخريج أحاديث مشكلة الفقر» (رقم 118) . *

3485

3485 ـ (أتانِي جبريلُ في خَضِرٍ معلّقٍ به الدُّرُّ) . أخرجه أحمد (1/407) : ثنا زيد بن الحُبَاب: حدثني حسين: حدثني حُصين: حدثني شَقِيق قال: سمعت ابن مسعود يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وأخرجه أبو الشيخ في «العظمة» (2/774 ـ 475/349) ، والدارقطني في «الغرائب والأفراد» (ق 224/1 ـ الأطراف) من طرق أخرى عن زيد بن الحباب به. وقال الدارقطني: «تفرد به الحسين بن واقد، وعنه زيد بن الحباب وغيره، وبه عن الحسين عن عاصم» . قلت: وهذا إسناد جيد؛ كما قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» (4/251) ، ورجاله ثقات رجال مسلم، وفي بعضهم كلام لا ينزل به حديثه عن مرتبة الحسن. وأما الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فقال (5/330) : «إسناده صحيح» ! وأعله أخونا الفاضل رضى المباركفوري في تعليقه على «العظمة» بقوله: «فيه حصين بن عبد الرحمن، وهو ثقة تغير حفظه بالأخرة، ولم يذكر حسين بن واقد فيمن سمع منه قبل التغير» ! فأقول: المتغير لا يساق مساق المختلط، ولا يعامل معاملته فيما أعلمه من صنيع أهل العلم في تخريجاتهم وتصحيحاتهم، ويقوون حديثه؛ لأن التغير أقل سوءاً من الاختلاط، فحديثه على أقل الدرجات حسن، لا سيما إذا توبع؛ كما يأتي.

ورواه أحمد قبيل هذا، وبالإسناد نفسه؛ إلا أنه جعل مكان (حصين) : عاصم ابن بهدلة ... بلفظ: «رأيت جبريل على السدرة المنتهى، وله ستُّ مئة جناح» . قال: سألت عاصماً عن الأجنحة؟ فأبى أن يخبرني، قال: فأخبرني بعض أصحابه: أن الجناح ما بين المشرق والمغرب. وكذا أخرجه ابن جرير (27/29) . وقد تابعه على هذا الإسناد: حماد بن سلمة عن عاصم ابن بهدلة؛ إلا أنه قال: عن زر عن ابن مسعود. أخرجه أحمد (1/412 و460) ، والنسائي في «السنن الكبرى» (6/473/ 11542) ، وابن جرير أيضاً , وابن خزيمة في «التوحيد» (ص 133) ، والبيهقي في «دلائل النبوة» (2/372) كلهم عن حماد به، ولفظه: «رأيت جبريل عند سدرة المنتهى؛ عليه ستُّ مئة جناح، ينتثر من ريشه التهاويل: الدر والياقوت» . وهذا إسناد جيد قوي؛ كما قال ابن كثير. ورواه شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بلفظ: «يسقط من جناحه ـ من التهاويل والدر والياقوت ـ ما الله به عليم» . أخرجه أحمد (1/395) . وشريك ضعيف. وله طريق أخرى؛ عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله في قوله: "ما كذب الفؤاد ما رأى" قال: رأى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جبريلَ في حُلة من رَفْرف، قد ملأ ما بين السماء والأرض.

أخرجه أحمد (1/394 و 418) ، والنسائي (11531 ـ الكبرى) ، وابن خزيمة أيضاً، وكذا ابن جرير، والطبراني في «المعجم الكبير» (9/245/9050) ، وأبو الشيخ (2/766/341) ، وابن منده في «الإيمان» (2/731/751) . وهذا إسناد على شرط الشيخين؛ لولا اختلاط أبي إسحاق وعنعنته، وإسرائيل سمع منه بعد الاختلاط. لكن في رواية لابن منده (752) قد تابعه سفيان عن أبي إسحاق به. وسفيان ـ وهو الثوري ـ سمع منه قبل الاختلاط. وله طريق أخرى عن ابن مسعود؛ يرويه شعبة، وسفيان أيضاً، وغيرهما: عند ابن خزيمة، والطبراني (9051و9053) ، وابن منده (747 ـ750) ، وأحمد أيضاً (1/449) ، ولفظ ابن خزيمة: رأى رفرفاً أخضر سد أفق السماء. وسنده صحيح. وله شاهد من حديث عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رأيت جبريل عليه السلام منهبطاً، قد ملأ ما بين السماء والأرض، وعليه ثياب سندس، معلقاً به اللؤلؤ والياقوت» . أخرجه أحمد (6/120) : ثنا عفان: ثنا حماد قال: أخبرنا عطاء بن السائب عن الشعبي عن مسروق عنها. ومن هذا الوجه أخرجه أبو الشيخ أيضاً (رقم 343) . وهو إسناد صحيح؛ إن كان حماد ـ وهو ابن سلمة ـ سمعه من عطاء قبل الاختلاط، وإلا؛ فهو شاهد قوي لما تقدم.

3486

وخالف عون بن عمارة؛ فقال: ثنا الخليل بن أحمد عن عاصم عن الشعبي عن عائشة به. أخرجه أبو الشيخ في «طبقات الأصبهانيين» (1/216/125) . قلت: وعون هذا ضعيف، لكن الراوي عنه ـ وهو علي بن بشر الأموي ـ أشد ضعفاً منه، قال أبو الشيخ: «كان يضعَّف، حدث عن يزيد بن هارون عن يحيى عن أنس مرفوعاً: رأيت في الجنة ذئباً» ! قال الذهبي في «الميزان» : «وهذا من بلاياه» . وبالجملة؛ فالحديث من الطريق الأولى عن ابن مسعود حسن، وهو صحيح بالطرق الأخرى والشاهد عن عائشة رضي الله تعالى عنها. ولقد كنت أوردته في «ضعيف الجامع» ؛ اغتراراً مني بالمناوي الذي نقل في «فيض القدير» عن الدارقطني أنه ضعفه في «الأفراد» ! والآن وقد وقفت على إسناده بواسطة «أطرافه» لابن طاهر المقدسي، وليس فيه ما يشعر بتضعيفه، ولو سلمنا به فرضاً؛ فهو مدفوع بما ذكرت من ثقة رجاله، وطرقه وشاهده، ولذلك فقد نقلته من «ضعيف الجامع» إلى «صحيحه» . والله تعالى ولي التوفيق؛ وأسأله المزيد من فضله! * 3486 ـ (لمّا نزلتْ هذه الآيةُ: "ليسَ على الذينَ آمنُوا وعمِلُوا الصالحاتِ جُناحٌ فيما طَعِمُوا إذا ما اتَّقَوا وآمنُوا وعمِلُوا الصالحاتِ ثم اتّقَوا وآمنُوا ثم اتّقَوا وأحسَنُوا والله يحب المحسنين"؛ قال لي [يعني: ابن مسعود] : «قيل لي: أنت منهم» ) . أخرجه مسلم (7/147) ، والترمذي (3053) ، والنسائي في «السنن الكبرى»

(6/337/11153) ، وابن جرير الطبري في «التفسير» (7/25) ، وكذا ابن أبي حاتم (4/1201/6776) من طريق علي بن مُسْهِر عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: ... فذكره. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح» . وتابعه قيس بن الربيع عن الأعمش به. أخرجه ابن أبي حاتم (6778) . وخالفهما سليمان بن أرقم عن الأعمش به؛ فزاد في متنه فقال: لما نزلت تحريم الخمر؛ قالت اليهود: أليس إخوانكم الذين ماتوا كانوا يشربونها؟! فأنزل الله عز وجل: "ليس على الذين.. " ... » وذكر الحديث. أخرجه الطبراني (10/95/15011) ، والحاكم (4/143 ـ 144) ، وقال: «صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، إنما اتفقا على حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء مختصراً» ! كذا قال! ووافقه الذهبي على التصحيح، وفي ذلك نظر من وجوه: الأول: أن سليمان بن أرقم سيِّئ الحفظ كما في «التقريب» ؛ فلا وجه لتصحيح حديثه! الثاني: أنه خالف عليَّ بنَ مسهر الثقة ومتابعه، فتكون زيادته عليه منكرة، لكن قد جاء ما يشهد لها، فلننظر هل ذلك مما يقويها؟! فلننتظر. الثالث: أنه خفي عليه أن مسلماً قد أخرجه؛ فنفيه إياه وهم من أوهامه؛ إلا أن يعني بالزيادة، وهو ما أستبعده! وقد جاءت أحاديث أخرى في نزول هذه الآية عن جمع آخر من الصحابة،

لا بأس من تخريجها للفائدة، ولأنه وقع في بعضها علة خفيت على بعضهم فصححه، وهم أنس بن مالك، وأبو هريرة، وعبد الله بن عباس، والبراء بن عازب، وجابر بن عبد الله. 1 ـ أما حديث أنس؛ فله عنه طريقان: الأولى: عن حماد بن زيد: أخبرنا ثابت عنه قال: كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة، وما شرابهم إلا الفضيخ: البسر والتمر، فإذا منادٍ ينادي: «ألا إن الخمر قد حرمت» . قال: فَجَرَتْ في سكك المدينة، فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها، فهرقتها. فقالوا ـ أو قال بعضهم ـ: قُتل فلان، قتل فلان وهي في بطونهم! قال ـ فلا أدري هو من حديث أنس ـ: فأنزل الله عز وجل: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات". أخرجه البخاري (4620) ، ومسلم (6/87) ـ والسياق له ـ، والبيهقي (8/286) ، وأحمد (3/227) ، وأبو يعلى (6/ 3362 و 3462) . والأخرى: عن عَبَّاد بن راشد عن قتادة عن أنس قال: بينا أنا أدير الكأس على أبي طلحة، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسهيل ابن بيضاء، وأبي دجانة ـ حتى مالت رؤوسهم ـ ... الحديث نحوه، وفيه: وتوضأ بعضنا واغتسل بعضنا ثم خرجنا إلى المسجد، وإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: " أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل

الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" إلى قوله: "فهل أنتم منتهون"؛ فقال رجل: يا رسول الله! فما منزلة من مات منا وهو يشربها؟! فأنزل الله تعالى: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا ... " الآية. فقال رجل لقتادة: سمعته من أنس بن مالك؟ قال: نعم، وقال رجل لأنس ابن مالك: أنت سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: نعم، أو حدثني من لم يكذب، والله! ما كنا نكذب، ولا ندري ما الكذب. أخرجه ابن جرير (7/24 ـ 25) ، والبزار (3/351/2922) . وإسناده حسن، وسكت عنه ابن كثير في «التفسير» (2/93- 94) ، وكذا الحافظ في «الفتح» (8/279) ، وعزاه لابن مردويه فقط كشاهد للزيادة التي شك فيها حماد في الطريق الأولى. وعزاه السيوطي في «الدر المنثور» (2/ 321) لأبي الشيخ أيضاً. 2 - وأما حديث أبي هريرة؛ فيرويه أبو معشر عن أبي وهب عنه قال: حرمت الخمر ثلاث مرات: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنهما؟ فأنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: "يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ... " إلى آخر الآية، فقال الناس: ما حُرِّمَ علينا، إنما قال: "فيهما إثم كبيرة"! وكانوا يشربون الخمر، حتى إذا كان يوم من الأيام؛ صلى رجل من المهاجرين ـ أمَّ أصحابه في المغرب ـ خلط في قراءته، فأنزل الله فيها آية أغلظ منها: "يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون".

وكان الناس يشربون حتى يأتي أحدهم الصلاة وهو مُغْبِق (¬1) ؛ ثم أنزلت آية أغلظ من ذلك: "يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون"، فقالوا: انتهينا ربنا! فقال الناس: يا رسول الله! ناس قتلوا في سبيل الله، أو ماتوا على فرشهم؛ كانوا يشربون الخمر، ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجساً ومن عمل الشيطان؟ فأنزل الله: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا ... " إلى آخر الآية، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لو حرمت عليهم؛ لتركوها كما تركتم» . أخرجه أحمد (2/ 351- 352) . قلت: وهو إسناد ضعيف؛ أبو وهب هذا لا يعرف. وأبو معشر- واسمه نجيح-؛ ضعيف. وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/51) : «رواه أحمد، وأبو وهب مولى أبي هريرة لم يجرحه أحد ولم يوثقه، وأبو نجيح ضعيف لسوء حفظه، وقد وثقه غير واحد» ! وسكت عنه الحافظ في «الفتح» (10/31) . 3- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه ربيعة بن كلثوم بن جبر عن أبيه عن سعيد بن جبير عنه قال: ¬

(¬1) الأصل: (مغيق) وكذا في «المجمع» ! والتصحيح من «تفسير ابن كثير» . وهو اسم فاعل من (الغبوق) ، وهو ما يشرب بالعشي.

نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا حتى إذا نهلوا؛ عبث بعضهم ببعض، فلما صحوا؛ جعل الرجل يرى الأثر بوجهه وبرأسه وبلحيته، فيقول: قد فعل بي هذا أخي- وكانوا إخوةً ليس بينهم ضغائن-! والله! لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا! فوقعت في قلوبهم الضغائن، فأنزل الله عز وجل: " إنما الخمر والميسر" إلى قوله: "فهل أنتم منتهون". فقال ناس: هي رجس، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وفلان قتل يوم أحد؟! فأنزل الله عز وجل: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات". أخرجه النسائي في «الكبرى» (11151) ، والحاكم (2/ 141- 142) ، والبيهقي (8/ 285- 288) ، والطبراني في «الكبير» (12/ 56 ـ 57/12459) . وصححه الحاكم، وقال الذهبي في «تلخيصه» : «قلت: على شرط مسلم» . وقال الهيثمي (7/18) : «رواه الطبراني، ورجاله رجال (الصحيح) » . قلت: وهو كما قالا؛ لكن في ربيعة بن كلثوم بن جبر وأبيه كلام يسير لا ينزل به حديثهما عن مرتبة الحسن. وصححه الحافظ في «الفتح» (10/31) . وقد تابعه سماك عن عكرمة عن ابن عباس بالشطر الأخير منه في نزول آية: "ليس على الذين آمنوا ... ". أخرجه الترمذي (3052) ، والحاكم (4/143) ، وا بن جرير (7/ 24) ، وأحمد (1/295) . وقال الترمذي:

«حسن صحيح» ! وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ! ووافقه الذهبي، وكذا الحافظ، فقال في «الفتح» (10/31) بعدما عزاه لأحمد: «وسنده صحيح» ! وكل ذلك وهم؛ فإن الحافظ نفسه قال في «التقريب» : «سماك بن حرب صدوق، وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وقد تغير بأخرة، فكان ربما تلقن» . 4- وأما حديث البراء بن عازب؛ فيرويه إسرائيل وشعبة عن أبي إسحاق عنه بالشطر الأخير المشار إليه آنفاً. أخرجه الترمذي (3050، 3051) ، وابن حبان (5356 و 5357) ، والطيالسي في «مسنده» (715) ، ومن طريقه: ابن أبي حاتم (رقم 6775) ، وأبو يعلى (1719- 1720) ، والرُّوياني (1/229/324) . وزاد أبو يعلى في رواية صحيحة إلى شعبة قال: قلت: أسمعته من البراء؟ قال: لا. وهذا معناه أنه دلس الواسطة بينه وبين البراء، فهو معلول بجهالة الواسطة. وقد تجاهل هذا الأخ الداراني في تعليقه على «أبي يعلى» فقال: «إسناده صحيح» ! وأكد تجاهله المذكور في تعليقه على «الموارد» ؛ فقال (4/340) : «إسناده صحيح، شعبة قديم السماع من أبي إسحاق السبيعي..» ، ثم أخذ في تخريجه باختصار على خلاف عادته؛ لأنه عزاه لأبي يعلى، وقال:

«وهناك استوفينا تخريجه» ! فلم يستفد من الإحالة عليه إلا تأكيداً لغفلته، وتغريراً بقرائه، والله المستعان! نعم؛ الحديث صحيح بالشواهد التي قدمتها بين يديه. 5- وأما حديث جابر؛ فيرويه سفيان عن عمرو بن دينار سمع جابر بن عبد الله يقول: اصطبح ناس الخمر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم قُتلوا شهداء يوم أحد، فقالت اليهود: فقد مات بعض الذين قتلوا وهي في بطونهم! فأنزل الله: "ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا". رواه أبو بكر البزار في «مسنده» ، ثم قال: «وهذا إسناد صحيح» ؛ كما في «تفسير ابن كثير» (2/95) ؛ وقال: «وهو كما قال، ولكن في متنه غرابة» . قلت: لعل وجهه أن البخاري أخرجه في «صحيحه» من طرق عن سفيان -وهو ابن عيينة - دون جملة اليهود، وزاد في رواية له (4618) : وذلك قبل تحريمها. وإنما نقلته من «التفسير» ؛ لأني لم أره في «كشف الأستار عن زوائد البزار» للهيثمي، ولا في «مختصره» للحافظ العسقلاني، وكنت أود الرجوع إلى أصله «البحر الزخار» المعروف بـ «مسند البزار» ، وقد صدر منه حتى الآن ثمانية أجزاء، ليس فيها مسند جابر رضي الله عنه، وقد عزاه إليه الحافظ أيضاً في «الفتح» (8/279) ! والله سبحانه وتعالى أعلم. *

3487

3487 ـ لما انتهيْنا إلى بيْتِ المقْدِس؛ قال جبريلُ بإصبعهِ فخرجَ به الحَجَر، وشدّ به البُراق) . أخرجه الترمذي (3132) ، وا بن حبان (34- موارد) ، والحاكم (2/ 360) من طريق أبي تُمَيْلة عن الزبير بن جنادة عن ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال الحاكم: «صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وأبو تميلة، والزبير؛ مروزيان ثقتان» . ووافقه الذهبي. وأما الترمذي؛ فقال: «حسن غريب» . ولم ترد كلمة: «حسن» في بعض النسخ منه، ولا ذكرها المزي في «التحفة» . (تنبيه) : كنت ضعفت الحديث في بعض التعليقات القديمة، ولما قسمت السنن الأربعة إلى قسمين «الصحيح» و «الضعيف» ، ومنها «سنن الترمذي» ؛ اقتضاني إعادة النظر في بعض أحاديثه ومنها هذا، فثبتت لي صحته، وأن قول الذهبي في (الزبير بن جنادة) من «المغني» : «فيه جهالة» ! وإشارته إلى تمريض توثيق ابن حبان بقوله في ترجمته من «الكاشف» : «وثق» ! ومثله قول الحافظ في «التقريب» : «مقبول» ! أن ذلك كله مرجوح عندي لتوثيق ابن معين للزبير هذا، وبخاصة لما رأيت الذهبي نفسه قد خطأ من قال: «فيه جهالة» ؛ يعني: ابن الجوزي، فكأنه كان اتبعه في قوله هذا، فلما تبين له خطؤه رجع عنه؛ فكأنه أصابه ما أصابني!

3488

ولذلك بادرت يومئذ إلى تدارك الخطأ في تحقيقي الثاني على «مشكاة المصابيح» أداةً للأمانة العلمية، ثم أكدت ذلك في مقدمتي لكتابي الحديث «صحيح موارد الظمآن» ، وهو تحت الطبع؛ يسر الله إتمامه ونشره بمنه وكرمه. * 3488 ـ (كان يصلِّي الهَجِيرَ (¬1) ، ثمّ يصلِّي بعدَها ركعتَينِ، ثم يصلِّي العصْرَ، ثم يصلِّي بعدَها ركعتَينِ) . أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسند عائشة» (3/894/031 1) ، ومن طريقه: السَّرَّاج في «مسنده» (ق 131/2) قال إسحاق: أخبرنا عبيد الله (زاد السراج: ابن موسى، والنضر بن شميل، قالا:) نا إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة عن صلاة رسوله الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف كان يصلي؟ فقالت: ... فذكره. قلت: فقد كان عمر يضرب عليهما، وينهى عنهما؟! فقالت: كان عمر رضي الله عنه يصليهما، وقد علم أن رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصليهما، ولكن قومك أهل اليمن قوم طَغَام، يصلون الظهر، ثم يصلون ما بين الظهر والعصر، ويصلون العصر، ثم يصلون ما بين العصر والمغرب (¬2) ، فضربهم عمر، وقد أحسن. قلت: وهذا إسناد صحيح عزيز، رجاله كلهم ثقات رجاله الشيخين؛ غير المقدام بن شريح عن أبيه، وهما ثقتان من رجال مسلم. وقد أخرجه أحمد (6/145) ، والطحاوي، وابن حبان من وجه آخر عن المقدام به مختصراً قال: سألت عائشة عن الصلاة بعد العصر؟ فقالت: ¬

(¬1) أراد صلاة الظهر؛ بحذف المضاف. (¬2) الأصل: (الظهر والعصر) ! وهو خطأ ظاهر، لعله طبعي، والتصحيح من «السراج» .

صلِّ! إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قومك أهل اليمن عن الصلاة إذا طلعت الشمس. انظر «صحيح الموارد» (625) . ثم روى أحمد (6/254) طرفاً آخر منه. ومن وجه آخر عن إسرائيل به، وهو صلاته ركعتي الهجير. وفي قول عائشة الموقوف فائدة عزيزة لم يذكرها الحافظ في «فتح الباري» ، وهي أن عمر رضي الله عنه لم ينه عن الركعتين بعد العصر إنكاراً لشرعيتهما، وإنما من باب سد الذريعة، وخشية أن يصلوها في وقت التحريم، وهو عند غروب الشمس. وقد جاء ما يشهد له من رواية تميم الداري، وزيد بن خالد الجهني، وقد سكت عنهما الحافظ في «الفتح» (2/65) ، وحسن إسناد زيد: الهيثميُّ؛ كما يأتي. أما حديث تميم؛ فيرويه هشام بن عروة عن أبيه قال: خرج عمر على الناس يضربهم على السجدتين بعد العصر، حتى مربـ (تميم الداري) ، فقال: لا أدعهما، صليتها مع من هو خير منك؛ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقال عمر: إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبالِ. أخرجه أحمد (4/101) بإسناد رجاله ثقات رجال الشيخين. لكن قال الهيثمي (2/222) : «وعروة لم يسمع من عمر» . لكن رواه عبد الله بن صالح: حدثني الليث عن أبي الأسود عن عروة بن الزبير أنه قال: أخبرني تميم الداري - أو أخبرت-:

أن تميماً الداري ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب عن الصلاة بعد العصر، فأتاه عمر، فضربه بالدَّرَّة، فأشار إليه تميم: أن اجلس، وهو في صلاته، فجلس عمر حتى فرغ تميم، فقال لعمر: لم ضربتني؟! قال: لأنك ركعت هاتين الركعتين؛ وقد نهيت عنهما، قال: ... (فذكره، وزاد) فقال عمر: إني ليس بي إياكم أيها الرهط! ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون بعد العصر إلى المغرب؛ حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تصلوا فيها، كما يصلون بين الظهر والعصر، ثم يقولون: قد رأينا فلاناً وفلاناً يصلون بعد العصر! أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (2/48/ 281 1) ، و «الأوسط» (8/296/8684 - الحرمين) ، وقال: «لا يروى عن تميم إلا بهذا الإسناد، تفرد به الليث» . قلت: هو ومن فوقه ثقات رجال الشيخين، فهو إسناد صحيح إن سلم من الانقطاع، ومن ضعف في ابن صالح - وهو كاتب الليث-. وبه أعله الهيثمي، فقال بعدما عزاه لـ «المعجمين» : «وفيه عبد الله بن صالح، قال فيه عبد الملك بن شعيب: «ثقة مأمون» ، وضعفه أحمد وغيره» . وأما حديث زيد بن خالد الجهني؛ فيرويه أبو سعد الأعمى عن رجل يقال له: السائب مولى الفارسيين عنه: أنه رآه عمر بن الخطاب - وهو خليفة- ركع بعد العصر ركعتين، فمشى إليه فضربه بالدرة، وهو يصلي كما هو، فلما انصرف قال زيد: اضرب يا أمير المؤمنين!

فو الله! لا أدعهما أبداً بعد إذ رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليهما، قال: فجلس إليه عمر، وقال: يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذها الناس سُلَّماً إلى الصلاة حتى الليل؛ لم أضرب فيهما. أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (2/ 431- 432) - والسياق له-، وعنه وعن غيره: أحمد (4/115) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (5/260/5166 و 67 51) . وقال الهيثمي بعدما عزاه لأحمد والطبراني: «وإسناده حسن» . قلت: أبو سعد الأعمى لم يوثقه أحد ولا ابن حبان، ولذلك قال الحافظ في «التقريب» : «مجهول» . فلعل الهيثمي يعني أنه حسن لغيره بالنظر إلى ما تقدم. والله أعلم. هذا.. وقد روي عن عائشة ما يخالف استحسانها المتقدم، وهو ما رواه المغيرة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة أنها قالت: أتضرب عليهما؟! ما دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط إلا صلاهما. أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (3/52/ 1570- الإحسان) من طريق خالد ابن عبد الله عن المغيرة به. قلت: ورجاله كلهم ثقات. وقد خالفه جرير فقال: عن مغيرة به دون جملة الضرب.

3489

أخرجه النسائي (1/67) . ورجاله ثقات أيضاً. وخالفهما في إسناده إسرائيل فقال: عن المغيرة عن أم موسى قالت: سألت عائشة عن الركعتين بعد العصر؟ فقالت: ما أتاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم؛ إلا صلى بعد العصر ركعتين. أخرجه أحمد (6/109) . قلت: فهذا هو المحفوظ في حديث عائشة من طرق عنها، دون جملة الضرب، فإن كانت محفوظة في طريق خالد عن المغيرة؛ فالعلة منه؛ وهو المغيرة بن مقسم الضبي؛ فإنه كان يدلس وبخاصة عن إبراهيم؛ كما في «التقريب» . وإبراهيم- وهو ابن يزيد النخعي- لا يحتمل مثل هذا الشذوذ والمخالفة. وتخريج ابن حبان لـ (المغيرة) هذا الحديث بخاصة، وأحاديث أخرى له بعامة: مما ينافي شرطه الخامس الذي وضعه في مقدمة «صحيحه» لأحاديثه، وهو أن يتعرى الخبر عن التدليس! لأن (المغيرة) هذا مدلس عنده أيضاً! بل هو قد أخل بسائر شروطه، كما حققته في مقدمتي لـ «صحيح الموارد» ، و «ضعيف الموارد» ؛ فلتراجع فإنها هامة جدّاً. * 3489 ـ (لَتَنهكُنَّ الأصابعَ بالطَّهور؛ أو لَتَنْهَكَنَّها النّارُ) . أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/122 /2674) : حدثنا إبراهيم قال: نا شيبان بن فَرُّوخ قال: نا أبو عوانة عن أبي مسكين عن هُزَيل بن شُرَحْبيل عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال:

«لم يروه عن أبي عوانة إلا شيبان» . قلت: وهما ثقتان، أبو عوانة: هو الوضاح اليشكري؛ ثقة ثبت من رجال الشيخين. وشيبان بن فروخ؛ من رجال مسلم، وفيه كلام لا ينزل حديثه عن مرتبة الحسن، ولذلك قال الحافظ: «صدوق يهم» . وسائر الرواة ثقات: أما هزيل بن شرحبيل؛ فثقة من رجال البخاري. وأما أبو مسكين؛ فهو حُرّ بن مسكين؛ فقال ابن معين: «ثقة» وقال أبو حاتم: «لا بأس به» . وذكره ابن حبان في «الثقات» (6/239) . وخفي حاله على الحافظ، فلم يذكر في ترجمته من «التهذيب» إلا ما ذكره ابن حبان، ففاته أنه روى عنه جماعة من الثقات، وتوثيق ابن معين وأبي حاتم إياه! ولذلك قال في «التقريب» : «مقبول» ! فتنبه. وأما إبراهيم شيخ الطبراني؛ فهو: إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي، وثقه الدارقطني؛ كما في «تاريخ بغداد» .

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/236) : «رواه الطبراني في «الأوسط» ، ووقفه في «الكبير» على ابن مسعود؛ وإسناده حسن» ! فأقول: إسناد «الكبير» صحيح؛ فإنه أخرجه (9/ 282/ 1 921 و 2 921) من طريق الثوري وزائدة عن أبي مسكين به موقوفاً؛ ولكنه في معنى المرفوع فلا يعل به المرفوع، كما هو ظاهر. ثم رأيت ما تقدم عن الهيثمي قد ذكره المنذري في «الترغيب» (1/103/4) ، بل ظننت أنه تابع له، إلا أنه زاد عليه؛ فقال: «وفي رواية له في «الكبير» موقوفة: قال: خللوا الأصابع الخمس؛ لا يحشوها الله ناراً» . قلت: أخرجه الطبراني (9213) من طريق طلحة بن مُصَرِّف قال: حُدِّثتُ عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ... فذكره. ورجاله ثقات؛ غير الرجل الذي لم يسم. ثم قال المنذري: «قوله: «لتنتهكنها» ؛ أي: لتبالغن في غسلها، أو لتبالغن النار في إحراقها. و (النهك) : المبالغة في كل شيء» . وتفسير (النهك) بما ذكر معروف، لكنه لا يتناسب مع اللفظ الذي وقع عنده في الحديث، ولذلك تعقبه الحافظ الناجي بقوله في «عجالته» (ص 42) : «قوله: «لتنتهكن الأصابع بالطهور، أو لتنتهكنها النار» ، وتفسيره لذلك - بزيادة تاء وكسر الهاء - من (الانتهاك) ليس مراداً هنا قطعاً.

ثم قوله: «والنهك: المبالغة في كل شيء» تناقض عجيب وتصحيف! وقد رأيته في الحديث المذكور كذلك في «مجمع الزوائد» للهيثمي! ولعله قلده أو وقع كذلك في نسختهما بالأصل، وليس كذلك بلا إشكال. وإنما هو: «لتنهكن» ، أو: «لَتَنهَكَنَّها» بلا تاء أخرى وبفتح الهاء، مأخوذة من (النَّهك) الذي ذكره بعد. وهكذا ذكره أهل اللغة والغريب بلا نزاع بينهم. وقد أعاد المصنف في «الجهاد والترغيب في الشهادة» تفسير (النهك) ، ووقع له وهم في ضبط قوله: «انهكوا» ، أشبعنا الكلام عليه هناك؛ والله المستعان» . قلت: ومن الغرائب تتابع كثير من المصادر على هذا التصحيف؛ غير «الترغيب» و «المجمع» ؛ فإنه كذلك وقع في مصدر الحديث «المعجم الأوسط» في الموضع المشار إليه آنفاً، وأعني طبعة الحرمين، وكذلك هو في طبعة المعارف (2695) ، وفي النسخة المصورة التي عندي منه (1/1150/2832) بترقيمي لكن بالمثناة من تحت: «لينتهكن» أو: «لينتهكنها» ، وهكذا هو في الرواية الموقوفة في «المعجم الكبير» . لكنه على الصواب وقع في «مجمع البحرين» (1/340 - تحقيق عبد القدوس نذير) ، وكذلك في نسخة مخطوطة من «الترغيب» أشار إليها في الهامش المعلقون الثلاثة، ورمزوا إليها بحرف (ب) ، ولكنهم- لجهلهم- لم يتبنوها، فأثبتوا اللفظ المحرف؛ تقليداً لما في «مجمع الزوائد» ! (تنبيه) : كنت منذ نحو أربعين سنة- وقبل تحصيلي على كتاب ابن أبي حاتم «الجرح والتعديل» - ذهبت إلى تضعيف حديث الترجمة، مستنداً على ما جاء في كتاب «تهذيب الحافظ» و «التقريب» مما تقدمت الإشارة إليه، ولذلك؛ لم أودعه في الطبعات السابقة من كتابي «صحيح الترغيب والترهيب» . والآن ونحن في صدد إعادة النظر في بعض كراريس قسيمه «ضعيف الترغيب» ، والتحقيق في

ضبط الكلمة التي وقع فيها التصحيف من الحديث؛ وجدت في «التعليق الرغيب» ما حفزني إلى إعادة النظر في سنده، فانكشف لي تقصير الحافظ في ترجمة (أبي مسكين) الراوي له، وأنه ليس مجهولاً؛ كما كنت استلزمت ذلك عنه، بل هو ثقة؛ كما قدمت. وكان قد انضم إلى التقصير المذكور ما كنت نقلته في «التعليق الرغيب» عن ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال: «حديث منكر» ؛ فربطت يومئذ بين هذا، وبين مستندي المذكور، فظننت أن النكارة سببها الجهالة، الأمر الذي دعمت به التضعيف. والآن؛ فقد تبين لي شيء جديد يدعم صحة الحديث، ويخالف النكارة المدعاة، ذلك أن ابن أبي حاتم قد ساق إسناد الحديث من طريق آخر غير طريق شيبان المتقدم، فذكر في «العلل» (1/ 70/176) أنه سأل أباه عن حديث رواه يزيد ابن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري عن أبي مسكين ... به مرفوعاً؟ فقال: «سمعت أبي يقول: رفعه منكر» . فتبين لي بهذا التخريج، ومقابلة هذا الطريق بما تقدم: أن علة النكارة عنده ليست الجهالة؛ كما ظننت يومئذٍ، وإنما المخالفة. وكأن أبا حاتم يشير إلى ما قدمته من طريقي الثوري وزائدة عن أبي مسكين ... موقوفاً، وأتبعتهما بقولي: «إنه لا مخالفة بين المرفوع والموقوف» . والآن - وبعد وقوفي علي هذا الطريق الآخر - قد ازددت ثقة بصحة المرفوع، وأنه لا وجه لإعلاله بالنكارة؛ لهذه المتابعة القوية من الثوري لأبي عوانة؛ فإن الذي رفعه عن الثوري - زيد بن أبي الزرقاء- ثقة بلا خلاف، بل إن له خصوصية قلما تذكر في غيره من الرواة عن سفيان؛ وقد كان عنده «جامع سفيان» ، فهو من أعرف الناس به، وأحفظ الناس لحديثه، يضاف إلى ذلك قول أحمد بن أبي رافع:

3490

«كان زيد يُلقي ما في الحديث من غلط وشك، ويحدث بما لا شك فيه» ؛ كما في ترجمته من «التهذيبين» . (فائدة) : (الطُّهور) بالضم: التطهر، وبالفتح: الماء الذي يتطهر به كـ (الوُضوء) و (الوَضوء) ، و (السُّحور) و (السَّحور) : «نهاية» . * 3490 - (لا آمرُ أحَداً أنْ يسجُدَ لأحَدٍ، ولو أمرْتُ أحداً أنْ يسجُدَ لأحدٍ؛ لأمرتُ المرأةَ أن تسْجدَ لزوجِها) . أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/356/12003) : حدثنا العباس ابن الفضل الأسفاطي: ثنا أبو عون الزِّيَادي: ثنا أبو عَزَّة الدَّبَّاغ عن أبي يزيد المديني عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً من الأنصار كان له فحلان؛ فاغتلما فأدخلهما حائطاً، فسدَّ عليهما الباب، ثم جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأراد أن يدعو له، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قاعد ومعه نفر من الأنصار، فقال: يا نبيَّ الله! إني جئت في حاجة، وإن فحلين لي اغتلما، فأدخلتهما حائطاً، وسددت الباب عليهما، فأحب أن تدعو لي أن يسخِّرهما الله لي! فقال لأصحابه: «قوموا معنا» . فذهب حتى أتى الباب، فقال: «افتح» . ففتح الباب؛ فإذا أحد الفحلين قريب من الباب، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد له، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

«ائتني بشيء أشد به رأسه، وأمكنك منه» . فجاء بخِطام، فشد به رأسه وأمكنه منه. ثم مشيا إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر، فلما رآه؛ وقع له ساجداً، فقال للرجل: «ائتني بشيء أشد به رأسه» . فشد رأسه، وأمكنه منه، وقال: «اذهب؛ فإنهما لا يعصيانك» . فلما رأى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك «قالوا: يا رسول الله! هذان فحلان لا يعقلان سجدا لك؛ أفلا نسجد لك؟ قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات معروفون، وإليك البيان: 1 - عكرمة - وهو مولى ابن عباس-؛ ثقة ثبت من رجال الشيخين، أشهر من أن يذكر. 2 - أبو يزيد المديني؛ ثقة روى له البخاري؛ كما في «الكاشف» . وأما قول الحافظ فيه: «مقبول» ! فهو مرفوض! كيف لا وقد وثقه ابن معين وأحمد، وروى له البخاري؟! 3- أبو عَزَّة الدباغ، اسمه الحكم بن طهمان، وهو ثقة، وثقه جماعة منهم ابن حبان. انظر «تيسير الانتفاع» .

4- أبو عون الزيادي؛ اسمه محمد بن عون، وثقه أبو حاتم، وكذا أبو زرعة بروايته عنه. 5 - العباس بن الفضل الأسفاطي؛ لم يذكر السمعاني هذه النسبة، واستدركها عليه ابن الأثير في «لبابه» ، وقال: «هذه النسبة إلى بيع (الأسفاط) (¬1) وعملها» . ثم ذكر هذا الشيخ العباس، ثم قال: «سمع أبا الوليد الطيالسي، وعلي بن المديني، وغيرهما. روى عنه أبو القاسم الطبراني» . قلت: وسمع منه أحمد بن عبيد في إسناد آخر للبيهقي في «السنن الكبرى» (8/65) ؛ فأرى أنه من شيوخ الطبراني المستورين؛ فقد روى له في «المعجم الأوسط» اثنين وعشرين حديثاً، وثلاثة أخرى في «مسند الشاميين» ، وكلها معروفة المتون، وإن كان بعض أسانيدها لا تخلو من ضعف أو علة، فلا تُعصب به، ثم الله أعلم بعدد ما روى له من الأحاديث في «المعجم الكبير» غير هذا، والغالب على الظن أنها أكثر بكثير، ولهذا؛ فقد اطمأننت لثبوت حديثه هذا؛ لا سيما وله شواهد: منها عن أبي هريرة عند ابن حبان نحوه بسند حسن، وهو مخرج في «الإرواء» (7/54) ، وعن أنس عند أحمد، جود إسناده المنذري في «الترغيب» (3/75) . ثم رأيت للأسفاطي متابعاً لا بأس به في الشواهد على الأقل، يقوي ما ذكرت فيه آنفاً؛ فقد ساق حديثه الحافظ ابن كثير في «البداية» (6/136) برواية الطبراني، وعقب عليهما بقوله: ¬

(¬1) جمع (السفَط) محركة: كالجوالق أو كالقفة: «قاموس» .

«هذا إسناد غريب، ومتن غريب» ! كذا قال! أما الإسناد؛ فالظاهر أنه لم يعرف بعض رجاله؛ مثل (الزيادي) و (الدباغ) ؛ فإنهما ليسا من رجال «التهذيب» . وأما المتن؛ فما وجه الغرابة فيه مع وجود الشاهدين اللذين أشرت إليهما آنفا؟! ثم قال الحافظ ابن كثير: «ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه «دلائل النبوة» عن أحمد ابن حمدان الحيري (الأصل: السحري) عن عمر بن محمد بن بجير البجيري (الأصل: البحتري!) عن بشر بن آدم عن محمد بن عون أبي عون الزيادي به. وقد رواه أيضاً من طريق مكي بن إبراهيم عن فائد أبي الورقاء عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحو ما تقدم عن ابن عباس» . قلت: أبو الورقاء هذا متروك؛ فلا يستشهد به، وحديثه عند أبي نعيم في «دلائل النبوة» (ص 329) . والشاهد من قول الحافظ: رواية بشر بن آدم - وهو البصري-؛ قال الحافظ العسقلاني: «صدوق فيه لين» . فهو شاهد قوي لحديث شيخ الطبراني العباس بن الفضل الأسفاطي، ودليل على أنه قد حفظه، فلا وجه لاستغراب إسناده ومتنه، وبخاصة وقد شهد له ما تقدمت الإشارة إليه. والله أعلم. ثم وجدت له شاهداً ثالثاً قوياً، يرويه عمرو بن أبي عمرو عن رجل من بني سلمة - ثقة- عن جابر بن عبد الله:

3491

أن ناضحاً لبعض بني سلمة اغتلم فصال عليهم ... الحديث نحوه وفيه: فقالوا: سجد لك يا رسول الله حين رآك! فقال: «لا تقولوا ذلك لي، لا تقولوا ما لم أبلغ، فلعمري ما سجد لي؛ ولكن الله عز وجل سخَّره لي» . أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (6/28) . قلت: ورجال إسناده كلهم ثقات، فهو إسناد جيد؛ على الخلاف المعروف في توثيق من لم يسم، وهو الرجل من بني سلمة. ولكنه - على كل حال- تابعي، ومن قبيلة جابر بن عبد الله الأنصاري السَّلمي، فالنفس تطمئن لرواية مثله، لا سيما في الشواهد والمتابعات. والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم دلّني بعض الأخوة - جزاه الله خيراً - على ما يزيدني اطمئناناً لما ذهبت إليه من الوثوق بحديث (العباس الأسفاطي) ، وهو أن الدارقطني قال في «سؤالات الحاكم له» (ص 129) : «صد وق» . فالحمد الله على توفيقه، وأسأله المزيد من فضله! * 3491 - (يا أبا ذرّ! ما أحبُّ أنّ لي أُحُداً ذهَباً وفضّة أُنفقُه في سبيلِ اللهِ؛ أموتُ يومَ أموتُ فأدعُ منه قِيراطاً، قلتُ: يا رسولَ اللهِ! قِنطاراً؟ قالَ: يا أبا ذرّ! أَذهبُ إلى الأقلِّ وتذهبُ إلى الأكثَر؟! أريد الآخرة وتريد الدنيا؟! قيراطاً؛ فأعادها عليَّ ثلاث مرات) . قلت: هو من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه في بعض الروايات، وله بهذا التمام طريقان:

الأولى: عن سعيد بن كثير المدني قال: حدثني كلثوم بن جبر وموسى- ولم ينسبه- أنهما سمعا عبيد الله بن عباس قال: قال لي أبو ذر: يا ابن أخي! كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخذاً بيده، فقال: ... فذكره. أخرجه البزار في «مسنده» (9/342/3899) ، (4/252/ 3657- كشف الأستار) ، (2/492/2277 - مختصر الزوائد) من طريق سعيد بن كثير المدني، قال: ... فذكره. وقال البزار: «قد روي عن أبي ذر من غير وجه، ولا نعلم روى عبيد الله بن عباس عن أبي ذر إلا هذا الحديث» . قلت: وهذا إسناد مشكل؛ فإني لم أجد لسعيد بن كثير المدني ترجمةً في شيء من كتب الرجال التي عندي، حتى ولا في «ثقات ابن حبان» ، ولعل نسبة: (المدني) محرفة من: (الملائي) ؛ فإنه من هذه الطبقة، وهو ثقة. ولعله لذلك قال المنذري في «الترغيب» (2/43/23) : «رواه البزار بإسناد حسن» . وكذا قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/239) . وأشكل منه أن عبيد الله بن عباس لم يذكروا له رواية عن أبي ذر، وإنما ذكروا أخاه عبد الله بن عباس، فلعله لذلك جعله المنذري عبد الله بن عباس! لكن الحديث هنا - كما ترى- إنما هو من رواية كلثوم بن جبر وموسى - معاً-؛ ولم يذكروا أحداً منهما في الرواة عن عبد الله بن عباس، بل ذكر الحافظ المزي في ترجمة موسى بن جبر أنه:

«روى عن عبيد الله بن عباس، وقيل: عن عباس بن عبيد الله بن عباس، وهو الصحيح» . وتبناه الحافظ ابن حجر في «تهذيبه» ؛ فذكره في شيوخه، وإذا كان الأمر كذلك؛ فهو يعني: أنه سقط من الناسخ أو بعض الرواة، فهو: عباس بن عبيد الله ابن عباس. وله حديث آخر من روايته عن الفضل بن عباس؛ وأعلوه بالانقطاع، وهو مخرج في «ضعيف أبي داود» برقم (114) . وأما إعلال ابن القطان إياه بقوله: «لا يعرف حاله» ، ونحوه قول الحافظ فيه: «مقبول» ؛ فهو مردود، ومستدرك برواية أربعة من الثقات عنه، وذكر ابن حبان إياه في «الثقات» (5/258) . ونحوه موسى - وهو ابن جبر الأنصاري-؛ فقد قال فيه ابن القطان أيضاً: «لا يعرف حاله» ، وقال الحافظ: «مستور» ! مع أنه قد روى عنه جمع كبير من الثقات، لكن قال ابن حبان في «ثقاته» : «ثقة يخطئ» ! وهذا لا يضره، فهو وسط؛ لا سيما وقرينه كلثوم بن جبر أخرج له مسلم ووثقه جمع، فالإسناد حسن؛ كما تقدم عن المنذري والهيثمي، إن كان سعيد بن كثير المدني هو الملائي. ومهما يكن من أمر؛ فهو قوي بالطريق الآتية، وهي: الثانية: ما يرويه محمد بن فضيل قال: حدثنا سالم بن أبي حفصة وأبو منصور الجهني عن زيد بن وهب عن أبي ذر ... فذكره نحوه ولفظه: قال: قال رسول الله:

3492

«أي جبل هذا؟» ، قلت: أحد. قال: «والذي نفسي بيده! ما يسرني أنه لي ذهباً قطعاً أنفقه في سبيل الله؛ أدخر منه قيراطاً» ، قال: قلت: قنطاراً؟ قال: «قيراطاً» . قال: قلت: قنطاراً؟ قال: «قيراطاً» . قال: قلت: قنطارا؟ قال مراراً، فقال: «إنما أقول الذي هو أقل، ولا أقول الذي هو أكثر» . أخرجه أحمد (5/149) ، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار» (مسند ابن عباس) (ص 247/ 407) ، والطبراني في «المعجم الأوسط» (3/284/3159) . قلت: وهذا إسناد صحيح؛ لأن أبا منصور الجهني ـ واسمه ميمون ـ؛ ثقة؛ كما قال ابن معين، ولا يضره ضعف سالم بن أبي حفصة؛ فإنه مقرون. والحديث مخرج في «الصحيحين» وغيرهما أتم منه، دون قول أبي ذر: قلت: يا رسول الله! قنطاراً ... إلخ. وهو مخرَّج في الباب السادس من كتاب (24- كتاب التوبة والزهد) من «صحيح الترغيب» . * 3492 ـ (أمّا إبراهيمُ؛ فانْظُروا إلى صاحِبكم، وأمّا مُوسى؛ فرجُلٌ آدمُ جعْدٌ على جَمَل أحمر مخطومٍ بخُلْبةٍ، كأنِّي أنظرُ إليه إذا انحدرَ في الوادي يُلبّي) أخرجه البخاري (3355 و 5913) ، ومسلم (1/106) ، والبيهقي (5/176) ، وأحمد (1/277) عن مجاهد قال:

3493

كنا عند ابن عباس رضي الله عنهما، فذكروا الدجال، فقال: إنه مكتوب بين عينيه: كافر. قال: فقال ابن عباس: لم أسمعه قال ذاك، ولكنه قال: ... فذكره. (تنبيه) : أورد الحديث السيوطي برواية أحمد والشيخين عن ابن عباس بشيء من التقديم والتأخير لا يوافق سياق أحدهم. * 3493 - (أمّا أولُ أشْراطِ السّاعةِ؛ فنارٌ تخرجُ من المشْرقِ، فتحشرُ النّاسَ إلى المغربِ، وأمّا أوّلُ ما يأْكلُ منه أهْلُ الجنّة؛ زيادةُ كبِدِ الحوتِ، وأمّا شَبَهُ الولَد أباهُ وأمَّه؛ فإذا سبقَ ماءُ الرجُل ماءَ المرأةِ؛ نزعَ إليه الولدُ، وإذا سبقَ ماءُ المرأةِ ماءَ الرجُل؛ نزعَ إليها) . أخرجه أحمد (3/108) قال: ثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس: أن عبد الله بن سلام أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقدمه المدينة، فقال: يا رسول الله! إني سائلك عن ثلاث خصال، لا يعلمهن إلا نبي؟ قال: «سَلْ» . قال: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول ما يأكل منه أهل الجنة؟ ومن أين يشبه الولد أباه وأمه؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخبرني بهن جبريل عليه السلام آنفاً» . قال: ذلك عدو اليهود من الملائكة! قال: ... فذكر الحديث. قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله؛ وقال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بُهُتٌ، وإنهم إن يعلموا بإسلامي يبهتوني عندك، فأرسل إليهم، فاسألهم عني: أي رجل ابن

3494

سلام فيكم؟ قال: فأرسل إليهم، فقال: «أي رَجُلٍ عبد الله بن سلام فيكم؟» . قالوا: خيرنا وا بن خيرنا، وعالمنا وا بن عالمنا، وأفقهنا. قال: «أرأيتم إن أسلم تسلمون؟» . قالوا: أعاذه الله من ذلك! قال: فخرج ابن سلام، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. قالوا: شرنا وابن شرنا، وجاهلنا وابن جاهلنا. فقال ابن سلام: هذا الذي كنت أتخوف منه! قلت: وهذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه البخاري (3329 و 3938 و4480) ، والنسائي في «السنن الكبرى» (5/338/9074) ، وابن حبان (9/146/7117) ، وأحمد أيضاً (3/189 و271) من طرق أخرى عن حميد به. وتابعه ثابت عن أنس. أخرجه ابن حبان (7380) . * 3494 ـ (أمّا بعدُ: فو الله! إنِّي لأعْطي الرجُلَ و [أدعُ الرجلَ] ، والذي أدعُ أَحَبُّ إليَّ من الذي أعطي، ولكنْ أُعْطي أقواماً لِما أرى في قلوبهم من الجَزَع والهلَعِ، وأَكِلُ أقواماً إلى ما جَعَل اللهُ في قلوبهم من الغنَى والخير، منهم: عمرو بنُ تغْلب) . أخرجه البخاري (923 و3145 و 7535) ، والطيالسي رقم (1170) ، وأحمد

3495

(5/69) كلهم من طريق الحسن يقول: حدثنا عمرو بن تغلب: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتيَ بمال- أو سَبْي - فقسمه، فأعطى رجالاً وترك رجالاً، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال: ... فذكر الحديث. قال عمرو: فو الله! ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُمْرَ النَّعَمْ! والزيادة بين المعكوفتين رواية للبخاري. * 3495 - (أمّا قطْعُ السّبيل؛ فإنّه لا يأْتي عليك إلا قليلٌ حتّى تخرجَ العيرُ إلى مكةَ بغير خَفيرٍ. وأمّا العَيلةُ؛ فإن السّاعةَ لا تقومُ حتّى يطوفَ أحدُكم بصدَقته؛ لا يجدُ من يقبلُها منه، ثم لَيَقِفَنَّ أحدُكم بين يديِ اللهِ ليس بينَه وبينَه حجابٌ ولا تُرجُمان يترجمُ له، ثم ليقولنّ له: أَلم أُوتكَ مالاً؟! فليقولنَّ: بلى. ثمّ ليقولنّ: ألمْ أرْسل إليكَ رسُولاً؟! فليقولَنّ: بلى. فينظرُ عن يمينه؛ فلا يرى إلا النّار، ثم ينظرُ عن شِمالِه؛ فلا يرى إلا النّار. فلْيَتقيَنَّ أحدُكم النّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ، فإنْ لم يجدْ؛ فبكلمةٍ طيّبةٍ) . أخرجه البخاري (1413) ، وا بن حبان (7330) ، والطبراني في «المعجم الكبير» (17/94/224) كلهم من طريق مُحِل بن خليفة الطائي قال: سمعت عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول: كنت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجاءه رجلان: أحدهما يشكو العيلة، والآخر يشكو قطع السبيل! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *

3496

3496- (إن تَطعنوا في إمارتِه - يريدُ أسامةَ بنَ زيدٍ-؛ فقدْ طعنتُم في إمارةِ أبيه من قبْلِه، وايْمُ اللهِ! إنّ كان لَخليقاً لها، وايم اللهِ! إنْ كان لأحبَّ الناسِ إليَّ، وايمُ اللهِ! إنّ هذا لَخليقاً لها- يريد أسامةَ بن زيدٍ- وايْمُ اللهِ! إنْ كان لأحبَّهم إليَّ من بعدِه؛ فأُوصِيكم به؛ فإنه من صَالحيكم) . أخرجه مسلم (7/ 131) ، وابن سعد (4/66) ، وأحمد (2/89 و 106) من طريق سالم عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو على المنبر: ... فذكره. وتابعه عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر به، دون قوله في آخره: «فأوصيكم به ... » . أخرجه البخاري (3730 و4250 و 4469 و 6627 و7187) ، ومسلم (7/131) ، وابن حبان (7004 و 7019) ، والترمذي (3816) - وصححه-، وابن سعد (4/65) ، والبيهقي (3/128 و 8/154 و 10/44) ، وأحمد (2/10 و 110) كلهم من طريق عبد الله بن دينار به. * 3497- (إنْ يَعشْ هذا الغلامُ؛ فعسَى أنْ لا يدركَه الهَرَمُ حتّى تَقومَ السّاعةُ) . ثبت من حديث أنس، وعائشة. أما حديث أنس؛ فله طرق: الأولى: عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك: أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: متى تقوم الساعة؟ وعنده غلام من الأنصار ـ يقال له: محمد ـ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره.

أخرجه مسلم (8/209) ، وأحمد (3/228 و 269) . الثانية: عن قتادة عن أنس: أن رجلاً من أهل البادية أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! متى الساعة قائمة؟ قال: «ويلك! وما أعددت لها؟!» . قال: ما أعددت لها؛ إلا أني أحب الله ورسوله. قال: «إنك مع من أحببت» . فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: «نعم» . ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً، فمر غلام للمغيرة- وكان من أقراني- فقال: «إن أُخِّر هذا؛ فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة» . أخرجه البخاري (6167) ، ومسلم، وأحمد (3/192) . الثالثة: عن الحسن عن أنس: أن أعرابيّاً سأل رسول الله عن قيام الساعة؟ فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ما أعددت، لها؟!» . قال: لا؛ إلا أني أحب الله ورسوله. قال: «المرء مع من أحب» ، ثم قال: «أين السائل عن الساعة؟» . قال: وثَمَّ غلام، فقال: «إن يعش هذا؛ فلن يبلغ الهرم حتى تقوم الساعة» . أخرجه أحمد (3/213 و 283) ، وزاد في الرواية الثانية:

3498

قال الحسن: وأخبرني أنس: أن الغلام كان يومئذٍ من أقراني. قلت: وإسناده حسن، وانظر الحديث المتقدم (3253) . وأما حديث عائشة؛ فيرويه هشام بن عروة عن أبيه عنها قالت: كان الأعراب إذا قدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ سألوه: متى الساعة؟ فنظر إلى أحدث إنسان منهم، فقال: «إن يعش هذا، فلم يدركه الهرم، قامت عليكم ساعتكم» . أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (15/168/19405) ، ومن طريقه: مسلم. * 3498- (انتدبَ اللهُ عزّ وجلّ لمن خرجَ في سبيله ـ لا يخرجُ إلا جِهاداً في سبيلي، وإيماناً بِي ,وتصدِيقاً برسولِي ـ؛ فهو عليَّ ضامنٌ أنْ أدْخلَه الجنّةَ، أو أَرجِعَهُ إلى مَسْكنهِ الذي خرجَ منهُ؛ نائلاً ما نالَ من أَجْرٍ أو غنيمةٍ. والذي نفْس محمّدٍ بيده! ما من كَلْمٍ يُكْلَمُ في سبيل الله؛ إلا جاءَ يومَ القيامةِ كهيئتهِ يومَ كُلِمَ؛ لوْنه لونُ دمٍ، وريحُه ريحُ مسكٍ. والذي نفسُ محمّدٍ بيدِه! لولا أنْ أشقَّ على المسلِمينَ؛ ما قعدتُ خلافَ سَرِيَّة تغزُو في سبيلِ اللهِ أبداً؛ ولكنِّي لا أجدُ سَعَة فيتبعُوني، ولا تطيبُ أنفُسُهم فيتخلفونَ بعْدي. والذي نفسُ محمّد بيدِه! لوددتُ أنْ أغزوَ في سبيلِ اللهِ فأُقْتَل، ثمَّ أغزُوَ فأُقتل، ثم أغزُوَ فأُقتل) . أخرجه البخاري (36) ، ومسلم (6/33) ، وأبو عوانة (5/24) ، والبيهقي

3499

(9/157) ، وأحمد (2/ 231 و 384) من طريق عمارة بن القعقاع: ثنا أبو زرعة - واسمه هَرِمُ بن عمرو بن جرير- أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكروه، يزيد بعضهم على بعض، والسياق للإمام أحمد. وللحديث طرق كثيرة عن أبي هريرة، مطولاَ ومختصراً، يطول الكلام جدّاً بتخريجها، وبيان الفرق بينها، تقدم بعضها تحت رقم (2896) . * 3499- (أُنْزل عليَّ آيات لم يُرَ مثلُهنَّ [قطّ] : "قُل أعوذُ بربّ الفلقِ" إلى آخر السورة، و "قلْ أعوذُ بربّ الناس" إلى آخر السورة) . قلت: هو من حديث عقبة بن عامر، وله عنه طرق: الأولى: عن قيس عن عقبة بن عامر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. أخرجه مسلم (2/200) ، والد ارمي (2/ 462) ، والترمذي (2902 و 3367) - وصححه-، والنسائي (1/ 151 و 2/313) - والسياق له-، وأحمد (4/144 و150 و151و 152) . الثانية: عن أبي عمران عن عقبة بن عامر أنه قال: اتبعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو راكب، فوضعت يدي على قدمه، فقلت: أقرئني سورة هود، أو سورة يوسف، فقال: «لن تقرأ شيئاً أبلغ عند الله من "قل أعوذ برب الفلق"، [فإن استطعت أن لا تفوتك؛ فافعل] » . أخرجه النسائي أيضاً، وابن حبان (2/ 84/792) ، والحاكم (2/540) ، وأحمد (4/149 و 159) - والسياق له-.

وقال الحاكم - والزيادة له -: «صحيح الإسناد» . ووافقه الذهبي. الثالثة: عن القاسم أبي عبد الرحمن عن عقبة بن عامر قال: بينا أنا أقود برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نقب من تلك النقاب؛ إذ قال لي: «يا عقبة! ألا تركب؟!» . قال: فأجللت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أركب مركبه، ثم قال: «يا عقيب! ألا تركب؟!» . قال: فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل الرسول - صلى الله عليه وسلم - وركبت هُنيَّة، ثم ركب، ثم قال: «يا عقيب! ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟!» . قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: فأقرأني "قل أعوذ برب الفلق" و "قل أعوذ برب الناس"، ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ بهما، ثم مر بي، قال: «كيف رأيت يا عقيب؟! اقرأ بهما كلما نِمْتَ، وكلما قُمْتَ)) . أخرجه أبو داود (1462) ، وأحمد (4/144) - والسياق له-. الرابعة: عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عقبة نحوه. رواه أبو داود (1463) . وا بن إسحاق مدلس. الخامسة: عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر أنه قال: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أهديت له بغلة شهباء فركبها، فأخذ عقبة يقودها له؛ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعقبة:

3500

«اقرأ» . فقال: وما أقرأ يا رسول الله؟! قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اقرأ: "قل أعوذ برب الفلق"» ؛ فأعادها عليه حتى قرأها، فعرف أني لم أفرح بها جدّاً! فقال: «لعلك تهاونت بها! فما قمت تصلي بشيء مثلها» . رواه أحمد (4/ 149) . * 3500 - (إنّ آثارَكم تُكْتَبُ) . أخرجه الترمذي (3226) ، والطبري في «التفسير» (10/100) ، وابن أبي حاتم في «التفسير» (0 1/3190) ، والحاكم (2/428) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3/67/2890) كلهم من طريق أبي سفيان طَرِيف بن شهاب عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: كانت بنو سَلِمَة في ناحية المدينة، فأرادوا النُّقلة إلى قرب المسجد، فنزلت هذه الآية: "إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم"، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذ كره، قال: فلم ينتقلوا. وقال الحاكم: «صحيح الإسناد» ! ووافقه الذهبي. وأما الترمذي؛ فقال: «حديث حسن غريب» .

قلت: وقد بين وجه الغرابة: الحافظ ابن كثير فقال في «التفسير» : «وفيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية، والسورة بكمالها مكية، والله أعلم» . قلت: وإسناده ضعيف؛ لضعف طريف. لكن يقويه أن له شاهداً من حديث ابن عباس؛ يرويه سماك عن عكرمة عنه قال: كانت الأنصار بعيدةً منازلُهم من المسجد، فأرادوا أن يقتربوا، فنزلت: "ونكتب ما قدموا وآثارهم". قال: فثبتوا. أخرجه ابن ماجه (785) ، وابن جرير أيضاً. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن تكلم بعضهم في سماك، لا سيما في روايته عن عكرمة. ومع ذلك قال المنذري في «الترغيب» (1/27/ 10) : «رواه ابن ماجه بإسناد جيد» ! وقواه الحافظ في «الفتح» ! فالحديث بمجموع الطريقين صحيح، لا سيما وله شواهد أخرى مختصرة، دون ذكر الآية. منها: عن أنس رضي الله عنه قال: أراد بنو سَلِمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أن تعرى المدينة وقال: «يا بني سَلِمة! ألا تحتسبون آثاركم؟!» . فأقاموا. أخرجه البخاري (655 و 6 65 و 1887) ، وابن ماجه (784) ، والبيهقي في «شعب الإيمان» (3/66/2887) ، وأحمد (3/106 و 182 و 263) .

3501

ومنها: عن جابر من طرق عنه نحو حديث أنس. أخرجه مسلم (2/131) ، وأبو عوانة (1/387) ، وابن حبان (2040) ، وأحمد (3/332 و 371 و390) . * 3501 - (إنّ إبراهيمَ حرَّم مكةَ، ودعا لها، وحرَّمْتُ المدينةَ، كما حرّمَ إبراهيمُ مكةَ، ودعوتُ لها في مُدِّها وصاعِها، مثلَ ما دعا إبراهيمُ عليه السلام لمكةَ) . أخرجه البخاري (2129) ، ومسلم (4/112) ، والبيهقي (5/197) ، وأحمد (4/40) كلهم من طريق عَبَّاد بن تميم الأنصاري عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. ورواه مسلم أيضاً، والبيهقي (5/197 و198) ، وأحمد (4/141) من حديث رافع بن خَدِيج مختصراً بلفظ: «إن إبراهيم حرّم مكة، وإني أُحرّم ما بين لابَتَيْهَا» - يريد المدينة-. وأخرجه مسلم (4/118) من حديث أبي سعيد الخدري مثله. * 3502 - (إنَّ أتقاكم وأعلمَكم باللهِ أنا) . أخرجه البخاري (20) ، وأحمد (6/56 و61) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمرهم؛ أمرهم من الأعمال ما يطيقون. قالوا: إنا لسنا كهيئتك يا رسول الله! إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟!

3503

فيغضب حتى يُعرف الغضب في وجهه، ثم يقول: ... فذكره. والسياق للبخاري. ولفظ أحمد في الموضع الثاني: «والله! إني لأعلمكم بالله عز وجل، وأتقاكم له قلباً» . * 3503- (إنّ أدنَى أهلِ الجنَّةِ منزلةً: رجلٌ صرفَ اللهُ وجهَه عن النارِ قِبَل الجنةِ، ومثّل له شجرةً ذاتَ ظلٍّ، فقالَ: أيْ ربِّ! قدِّمني إلى هذه الشجرةِ؛ فأكونَ في ظلِّها! فقال الله: هل عسيتَ إن فعلتُ أن تسألني غيرها؟ قال: لا وعزَّتكَ! فقدَّمه اللهُ إليها، ومثّل له شجرةً ذاتَ ظلٍّ وثَمرٍ، فقال: أيْ ربِّ! قدّمني إلى هذِه الشجرةِ؛ أكونُ في ظلّها، وآكلُ من ثَمَرها! فقال اللهُ له: هل عسيْتَ إن أعطيتُك ذلكَ أن تسأَلني غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتك! فيقدِّمه اللهُ إليها، فتُمثّل له شجرةٌ أخرى ذات ظلٍّ وثمرٍ وماءٍ، فيقولُ: أيْ ربّ! قدّمني إلى هذه الشّجرةِ؛ أكونُ في ظلّها، وآكلُ من ثمرها، وأشربُ من مائها! فيقولُ له: هل عسيتَ إن فعلتُ أن تسأَلني غيرَه؟ فيقولُ: لا وعزَّتك! لا أسأَلكَ غيرَه. فيقدِّمه اللهُ إليها، فيبرز له بابُ الجنّةِ، فيقولُ: أيْ ربِّ! قدّمني إلى بابِ الجنّة؟ فأكونَ تحتَ

3504

نجافِ الجنّة، وأَنظرَ إلى أهلها! فيقدّمه اللهُ إليها، فيرَى أهلَ الجنّةِ وما فيها، فيقولُ: أيْ ربِّ! أدْخِلني الجنّةَ. قال: فيدخلُه اللهُ الجنّةَ، قال: فإذا دخلَ الجنّةَ قال: هذا لي؟! قال: فيقولُ الله عزّ وجلّ له: تمنَّ! فيتمنَّى، ويذكِّره اللهُ: سلْ من كذا وكذا؛ حتّى إذا انقطعت به الأمانيُّ؛ قال اللهُ عزّ وجلّ: هو لكَ، وعشَرةُ أمثالهِ. قال: ثمّ يدخلُ الجنّةَ، يدخلُ عليه زوجتَاه من الحورِ العين، فيقولانِ له: الحمْدُ لله الذي أَحياك لنا، وأحيانا لكَ! فيقولُ: ما أُعطِيَ أحدٌ مثْلَ ما أُعطيتُ! قال: وأَدنى أهلِ النّار عذَاباً؟ يُنْعَلُ من نارٍ بنعلينِ؛ يغْلي دماغُه من حرارةِ نعْلَيه) . أخرجه مسلم (1/ 0 2 1 و5 3 1) ، وأبو عوانة (1/163) ، وأحمد (3/27) ، - والسياق لأحمد - كلهم عن النعمان بن أبي العياش عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وله طريق أخرى مختصرة عند ابن حبان رقم (7335) . وله شاهد من حديث ابن مسعود تقدم برقم (3129) . * 3504- (إنّ الأشْعريّين إذا أرملُوا في الغزْو، أو قلَّ طعامُ عِيالهم بالمدينةِ؛ جمعُوا ما كانَ عندَهم في ثوْبٍ واحدٍ، ثم اقتسمُوه بينهم في إناءٍ واحدٍ بالسَّوِيَّةِ، فهم منّي وأنا منهم) . أخرجه البخاري (2486) ، ومسلم (7/ 171) ، والبيهقي (10/ 132) ، والبغوي

3505

في "شرح السنة" (10/215) كلهم من طريق أبي بردة عن أبي موسى قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. * 3505- (إنّ الشهر يكون تسعةً وعشرينَ يوماً) . حديث متواتر جاء عن جماعة من الصحابة: أخرجه البخاري (1910 و 5202) ، ومسلم (3/126) ، وابن ماجه (2061) ، وأحمد (6/315) كلهم عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - آلى من نسائه شهراً، فلما مضى تسعة وعشرون يوماً؛ غدا- أو راح-، فقيل له: إنك حلفت أن لا تدخل شهراً؟! فقال: ... فذكره. 2- أخرجه البخاري (378 و1911 و5201 و 6684) ، والترمذي (690) ، وابن حبان (4263) ، والبيهقي (7/381) ، وابن أبي شيبة (3/85) كلهم عن أنس بن مالك بمثله. 3- أخرجه مسلم (3/125 و 4/194) ، والبيهقي في "السنن " (7/38) وفي "الدلائل " (1/336) ، وأحمد (6/105 و163 و 243) . وفيه عند مسلم قصة الإيلاء مطولاً، وفيه عن عائشة قالت: لما مضى تسع وعشرون ليلة؛ دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدأ بي. فقلت: يا رسول الله! إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهراً، وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدّهن؟! فقال: ... فذكره. ورواه أحمد (2/56) من طريق أخرى عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الشهر تسع وعشرون "؛ فذكروا ذلك لعائشة؟! فقالت:

3506

يرحم الله أبا عبد الرحمن! وهل هجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهراً، فنزل لتسع وعشرين؟! فقيل له؟! فقال: "إن الشهر قد يكون تسعاً وعشرين ". قلت: وإسناده حسن. لكن توهيل عائشة لابن عمر غير وجيه؛ فإنه قد صح عن ابن عمر مثل ما قالت عائشة. رواه الشيخان، وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (2008) . 4- أخرجه مسلم (3/125) ، وابن حبان (3443) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: اعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهراً، فخرج إلينا صباح تسع وعشرين، فقال بعض القوم: يا رسول الله! إنما أصبحنا لتسع وعشرين؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الشهر يكون تسعاً وعشرين "، ثم طبق النبي - صلى الله عليه وسلم - بيديه ثلاثاً مرتين بأصابع يديه كلها، والثالثة بتسع منها. * 3506- (إن الشيطانَ إذا سمعَ النِّداء بالصّلاة؛ ذهبَ حتّى يكون مكانَ الرّوحاء) . أخرجه مسلم (2/5) ، وأبو عوانة (1/333) ، وابن خزيمة في "صحيحه " (1/ 205/393) ، وابن حبان (1662) ، والبيهقي (1/ 432) ، والبغوي في "شرح السنة" (2/276) ، وابن أبي شيبة (1/228- 229) ، وأحمد (3/316) كلهم عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره.

3507

قال سليمان- هو الأعمش-: فسألته عن الروحاء؟ فقال: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلاًً. ثم رواه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة نحوه أتم منه؛ دون ذكر الروحاء، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (529) . والحديث له طريق أخرى رواه ابن لهيعة: ثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعاً نحوه. أخرجه أحمد (3/336) . * 3507- (أليسَ الذي أمشاهُ على الرِّجلين في الدُّنيا قادراً على أن يُمشِيَهُ على وجْههِ يومَ القيامة؟!) . أخرجه البخاري (4760 و6523) ، ومسلم (8/135) ، وابن حبان (7279) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/420/11367) ، والطبري في "التفسير" (19/9) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/343) ، والبغوي في"شرح السنة" (15/126) ، وأحمد (3/229) كلهم من طريق قتادة: حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا نبي الله! يُحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟! قال: ... فذكره. قال قتادة: بلى وعزة ربنا! ولفظ النسائي من بينهم جميعاً: "إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم ". وبنحو هذا اللفظ أورده السيوطي في "الزيادة" من رواية الشيخين وأحمد والنسائي!

3508

وإنما قلت: بنحو ... ؛ لأنه ساقه بلفظ: "أقدامهم " وزاد: "في الدنيا" و: "يوم القيامة "؛ لفّقهما من رواية الجماعة! وله طريق أخرى عن أنس لا يفرح بها: يرويها إسماعيل بن أبي خالد عن أبي داود السبيعي عنه. أخرجه الحاكم (2/402) ، وصححه هو والذهبي؛ توهماً منهما أن (أبا داود السبيعي) هو غير (أبي داود الأعمى) ! وهو هو، واسمه (نُفيع) ؛ ذكروه في الرواة عن أنس، وفي شيوخ إسماعيل بن أبي خالد. * 3508- (1- تعبدُ (وفي رواية: اعبد) الله ولا تشركُ به شيئاً. 2- وتقيمُ الصلاة المكتوبة. 3- وتؤدّي الزكاة المفروضة. 4- وتصومُ رمضان. 5- وتحجّ وتعتمرُ. 6- وانظر ما تحبّ من النّاس أن يأتوه إليك؛ فافعله بهم، وما كرهت أن يأتوه إليك؛ فذرهم منه) . أخرجه الدّولابي في "الكنى" (1/56) من طريق ابن عون قال: ثنا محمد أبن جُحادة عن رجل عن زميل له من بني العنبر عن أبيه- وكان يكنى: أبا المنتفق- قال: أتيت مكة، فسألت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: هو بعرفة، فأتيته؛ فذهبت أدنو منه فمنعوني، فقال:

"اتركوه ". فدنوت منه، حتى إذا اختلفت عنق راحلته وعنق راحلتي، فقلت: يا رسول الله! نبئني بما يباعدني من عذاب الله، ويدخلني الجنة؟ قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير (الزميل) ؛ فهو مجهول. وأما قوله: (عن رجل) فأظنه مقحماً؛ فإن أصل النسخة غير جيدة! يؤيده: أن الحافظ ابن حجر ساقه في ترجمة (أبي المنتفق) من "الإصابة" من رواية الطبراني من طريق عبد الله بن عون به دون قوله: (عن رجل) . ويشبه هذا التحريف ما وقع في "مجمع الزوائد" (1/43- 44) : "وعن حجير عن أبيه- وكان يكنى (أبا المنتفق) - قال: أتيت مكة ... " فساق الحديث. وقال: "رواه الطبراني في "الكبير"، وفي إسناده حجير- وهو ابن الصحابي-، ولم أر من ذكره "! كذا قال! ثم ذكر حديثاً يشبهه، فقال: "وعن سويد بن حجير، قال: حدثني خالي قال: لقيت النبي - صلى الله عليه وسلم -! بين عرفة والمزدلفة، فأخذت بخطام ناقته، فقلت: يا رسول الله! ما يقربني من الجنة؟ وما يباعدني من النار؟ فقال: "أما لئن كنت أوجزت المسألة؛ قد أعظمت وأطلت: أقم الصلاة المكتوبة. وأدّ الزكاة المفروضة. وحُجّ البيت. وما أحببت أن يفعله الناس بك؛ فافعله بهم، وما كرهت أن يفعله الناس بك؛ فدع الناس منه. خلّ زمام الناقة ". وقال: "رواه الطبراني في "الكبير"؛ وفي إسناده قزعة بن سويد؛ وثقه ابن معين وغيره، وضعفه البخاري وغيره ". وللحديث طريق أخرى عن أبي المنتفق- ويقال: ابن المنتفق-؛ لا بأس بها، من رواية المغيرة بن عبد الله اليشكري عن أبيه قال: انطلقت إلى الكوفة لأجلب بغالاً، فقال: فأتيت السوق ولم تقم. قال؛ قلت لصاحب لي: لو دخلنا المسجد- وموضعه يومئذ في أصحاب التمر-؛ فإذا فيه رجل من قيس- يقال له: ابن المنتفق-، وهو يقول: وصف لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحُلِّيَ لي. فطلبته بمنى، فقيل لي: هو بعرفات. فانتهيت إليه فزاحمت عليه، فقيل لي: إليك عن طريق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فقال: "دعوا الرجل، أربٌ ما له ". قال: فزاحمت عليه، حتى خلصت إليه. قال: فأخذت بخطام راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ـ أو قال: زمامها؛ هكذا حدث محمد- حتى اختلفت أعناق راحلتينا. قال: فما يزعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- أو قال: ما غير عليّ؛ هكذا حدث محمد-، قال: قلت: اثنتان أسألك عنهما:

ما يُنَجِّيني من النار؟ وما يدخلني الجنة؟ قال: فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء، ثم نكس رأسه، ثم أقبل علي بوجهه، قال: "لئن كنت أوجزت في المسألة؛ لقد أعظمت وأطولت، فاعقل عني إذاً: اعبد الله لا تشرك به شيئاً. وأقم الصلاة المكتوبة.

وأد الزكاة المفروضة. وصم رمضان. وما تحب أن يفعله بك الناس؛ فافعله بهم، وما تكره أن يأتي إليك الناس؛ فذر الناس منه ". ثم قال: "خل سبيل الراحلة". أخرجه أحمد (6/383) من طريق محمد بن جحادة قال: حدثني المغيرة بن عبد الله اليشكري ... إلخ. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ غير عبد الله اليشكري- وهو ابن أبي عقيل-؛ قال الحافظ في "التعجيل ": "ليس بالمشهور". وقال الهيثمي (1/43) : "رواه أحمد، والطبراني في "الكبير"، وفي إسناده عبد الله بن أبي عقيل اليشكري، ولم أر أحداً روى عنه غير ابنه المغيرة بن عبد الله ".

3509

ثم ساقه عن المغيرة بن سعد عن أبيه، أو عن عمه، قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة ... فذكر الحديث نحوه. وقال: "رواه عبد الله من زياداته والطبراني في "الكبير" بأسانيد، ورجال بعضها ثقات؛ على ضعف في (يحيى بن عيسى) كثير". وجملة القول؛ أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح؛ لخلو غالبها من الضعف الشديد، بل أرى أن إسناد اليشكري حسن على الأقل لغيره. والله أعلم. ويشد من عضده: أن له شواهد متفرقة في أحاديث عدة، معروفة مشهورة في "الصحاح " وغيرها؛ غير الفقرة الأخيرة، فراجع لها إن شئت الحديث المتقدم برقم (72) . * 3509- (استوصُوا بالأنصار خيراً- أو قال: معرُوفاً-؛ اقبلُوا من مُحْسِنهم، وتجاوزُوا عن مُسيئهم) . أخرجه أحمد (3/ 241) قال: ثنا مؤمَّل: ثنا حماد- يعني: ابن سلمة-: ثنا علي بن زيد قال: بلغ مصعب بن الزبير عن عريف الأنصار شيء؛ فهمّ به، فدخل عليه أنس ابن مالك، فقال له: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. فألقى مصعب نفسه عن سريره؛ وألزق خده بالبساط، وقال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على الرأس والعين؛ فتركه. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل مؤمل- وهو ابن إسماعيل-، وعلي بن زيد- وهو ابن جدعان-.

3510

لكن الحديث له شواهد كثيرة تدل على أنه له أصلاً، تقدم بعضها برقم (916 و917 و3430) . * 3510- (اغتسلُوا يوم الجمعة، واغسلُوا رؤوسَكُم، وإن لم تكونوا جنُباً) . أخرجه ابن خزيمة (3/129/1759) ، وابن حبان (4/196/2771) ، وأحمد (1/265) كلهم عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري عن طاوس اليماني قال: قلت لابن عباس: زعموا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره، وزاد: "ومسّوا من الطيب "؟ قال ابن عباس: أما الطيب؛ فلا أدري، وأما الغسل؛ فنعم. وقد تابعه شعيب بن أبي حمزة عن الزهري به. أخرجه البخاري (884) ، والبيهقي (1/297) . وتابع الزهري: إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به. أخرجه البخاري (885) ، ومسلم (3/ 4) . ولفظ حديث شعيب عند أحمد (1/130) ؛ قال: سئل الزهري: هل في الجمعة غسل واجب؟ فقال: حدثني سالم بن عبد الله ابن عمر أنه سمع عبد الله بن عمر يقول: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من جاء منكم الجمعة فليغتسل ".

3511

وقال طاوس: قلت لابن عباس: ذكروا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث بتمامه. (تنبيه) : لقد قصر الحافظ السيوطي في تخريج هذا الحديث؛ فإنه اقتصر في "الزيادة على الجامع " على عزوه لأحمد وابن حبان فقط! وأما جملة (مس الطيب) التي لم يعرفها ابن عباس؛ فقد صحت عن غير ما واحد من الصحابة؛ منهم: أبو سعيد الخدري. رواه الشيخان، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (372) . ومنهم: عبد الله بن عمرو؛ عند ابن خزيمة وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (375) . * 3511- (إنّ الكافر ليزيدُه الله عز وجل ببكاءِ أهلهِ عذاباً) . أخرجه البخاري (1287 و1288) ، ومسلم (3/42- 43) ، وابن حبان (5/54/ 3126) ، وأحمد (1/41- 42) كلهم من طريق عبد الله بن أبي مُليكة قال: كنت عند عبد الله بن عمر، ونحن ننتظر جنازة أم أبان ابنة عثمان بن عفان، وعنده عمرو بن عثمان، فجاء ابن عباس يقوده قائد، قال: فأراه أخبره بمكان ابن عمر، فجاء حتى جلس إلى جنبي، وكنت بينهما؛ فإذا صَوْتٌ من الدار، فقال ابن عمر: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه "، فأرسلها عبد الله مرسلة. قال ابن عباس: كنا مع أمير المؤمنين عمر، حتى إذا كنا بالبيداء؛ إذا هو برجل نازل في ظل

شجرة، فقال لي: انطلق فاعلم من ذاك؟ فانطلقت؛ فإذا هو صهيب، فرجعت إليه فقلت: إنك أمرتني أن أَعْلَمَ لك من ذاك؟ وإنه صهيب. فقال: مروه فليلحق بنا. فقلت: إن معه أهله! قال: وإن كان معه أهله- وربما قال أيوب مرة: فليلحق بنا-! فلما بلغنا المدينة؛ لم يلبث أمير المؤمنين أن أصيب، فجاء صهيب، فقال: واأخاه! واصاحباه! فقال عمر: ألم تعلم- أو لم تسمع- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه "؟! فأما عبد الله فأرسلها مرسلة، وأما عمر فقال: "ببعض بكاء ... ". فأتيت عائشة- رضي الله عنها-، فذكرت لها قول عمر؟ فقالت: لا والله! ما قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن الميت يعذب ببكاء أحد! ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكرت الحديث. [قالت] : وإن الله لهو أضحك وأبكى، {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ! قال أيوب: وقال ابن أبي مليكة: حدثني القاسم قال: لما بلغ عائشة رضي الله عنها قول عمر وابن عمر؛ قالت: إنكم لتحدثوني عن غير كاذبين، ولا مكذبين، ولكن السمع يخطئ. وأخرجه النسائي (1/263) ببعض اختصار. (تنبيه) : من الواضح من السياق المتقدم: أن السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها تخطِّئ عمر، وابنه- رضي الله عنهما- فيما. سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الميت ليعذب ببكاء- أو ببعض بكاء- أهله عليه ". وعللت ذلك بأن السمع يخطئ، فتذهب إلى أن الصواب في الحديث: أن الكافر هو الذي يعذب ببكاء أهله.

3512

ونحن نقول: إن التعليل المذكور يرد عليها أيضاً، بل هي به أولى؛ لأنها فرد وهما اثنان، كيف ومعهما ثالث وهو: المغيرة بن شعبة؟! انظر حديثه في "أحكام الجنائز" (41/7) ، ومعهم رابع وهو: عمران بن حصين؛ "أحكام الجنائز" (40/6) ، فتخطئة هؤلاء من أجل فرد أبعد ما يكون عن الصواب. لكني أقول: إنه لا ضرورة لتخطئة أم المؤمنين عائشة، بل إنها قد حدثت بما سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولعل ذلك كان لمناسبة وفاة أحد الكفار من اليهود أو غيرهم؛ علماً بأنه لا منافاة بين حديثها وحديث الجماعة؛ فإن لفظ: "الميت " عندهم يشمل الكافر كما هو ظاهر. والله أعلم. وأما احتجاجها بقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} ؛ فغير وارد على كل ميت، وإنما المراد به الميت الذي لم يَنْهَ أهله عن البكاء عليه، وهو يعلم عادتهم، ونحو ذلك من التأويل الذي لا بد منه لدفع التعارض المُدّعى. والله أعلم. * 3512- (إنَّ اللهَ ليُملي للظّالمِ، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه. قال: ثم قرأ: {وكذلك أخذُ ربِّك إذا أخذ القُرى وهي ظالمةٌ إن أخذه أليم شديد} ) . أخرجه البخاري (4686) ، ومسلم (8/19) ، وابن حبان (7/307/5153) ، والترمذي (8/271) ، والنسائي في"السنن الكبرى" (6/365/11245) ، وابن ماجه (4018) ، والبيهقي (6/94) ، والبغوي في "شرح السنة " (14/358) كلهم من طريق أبي بردة عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله: ... فذكره. *

3513

3513- (إنّ الله عز وجل يبسط يده بالليل؛ ليتوب مُسيءُ النهار، ويبسط يده بالنهار؛ ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها) . أخرجه مسلم (8/99- 100) ، والبيهقي في"سننه " (8/136 و10/188) وفي "الأسماء والصفات " (321) ، وأحمد (4/395 و404) من طريق أبي عبيدة يحدث عن أبي موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. * 3514- (إنّ الله يحب العبد التقيَّ الغنيَّ الخفيَّ) . أخرجه مسلم (8/214-215) ، وأحمد (1/168) ، وأبو نعيم في"الحلية" (1/24- 25 و368) ، والبغوي في"شرح السنة" (15/ 21- 22) من طريق عامر ابن سعد قال: كان سعد بن أبي وقاص في إبله، فجاءه ابنه عمر، فلما رآه سعد؛ قال: أعوذ بالله من شر هذا الراكب! فنزل، فقال له: أنزلت في إبلك وغنمك، وتركت الناس يتنازعون الملك بينهم؟! فضرب سعد في صدره فقال: اسكت! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. ورواه كثير بن زيد الأسلمي عن المطلب عن عمر بن سعد عن أبيه أنه قال: جاءه ابنه عامر، فقال: أي بُني! أفي الفتنة تأمرني أن أكون رأساً؟! والله! حتى أعطى سيفاً؛ إن ضربت مسلماً نبا عنه، وإن ضربت به كافراً قتله، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكر الحديث. رواه أحمد (1/177) ، ومن طريقه: أبو نعيم في "الحلية" (1/94) ؛ لكنه قال:

3515

قال لي: ... ولم يذكر جملة: وجاءه ابنه عامر ... وهذا هو الصواب الذي تشهد له الطريق الأولى. على أن كثير بن زيد الأسلمي كان يخطئ؛ كما في "التقريب ". * 3515- (إن الله يغار، وإنّ المؤمن يغارُ، وغيرةُ الله: أن يأتي المؤمن ما حرم عليه) . أخرجه البخاري (5223) ، ومسلم (8/101) ، وابن حبان (293) ، والترمذي (1168) - وصححه-، والبيهقي في "سننه " (10/225) وفي "الأسماء والصفات " (482) ، وأحمد (2/343 و519-520 و536 و539) كلهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. * 3516- (إن الله- عز وجل- يقول: إن الصوم لي، وأنا أجزي به. إن للصّائم فرحتين: إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله فجزاهُ فرح. والذي نفس محمد بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) . أخرجه مسلم (3/158) ، والنسائي (2/309 و310) ، وأحمد (3/5) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وأخرجه البخاري (1904 و7492) من طريق أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة يقول: ... فذكره؛ بتقديم وتأخير. وله طرق أخرى بألفاظ مختلفة؛ جمع الكثير الطيب منها؛ الحافظ المنذريّ

3517

في أول (9- كتاب الصوم) من "الترغيب والترهيب ". * 3517- (إن المرأة خلقت من ضلع، لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها؛ استمتعت بها وبها عِوَجٌ، وإن: ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها) . هو من حديث أبي هريرة، وله عنه طرق: الأ ولى: عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه مسلم (4/178) ، وابن حبان (4167) ، والحميدي (1202) ، وأحمد (2/449 و530) عنه. الثانية: عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه؛ بزيادة ونقص. أخرجه الشيخان، وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء" برقم (1997) . الثالثة: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً فذكره مختصراً. أخرجه مسلم أيضاً، والترمذي (1188) . وقال: "حديث حسن صحيح غريب ". الرابعة: عن ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه، دون قوله: "وإن ذهبت ... ". أخرجه ابن حبان (4168) ، وسنده حسن. وللحديث شواهد مخرجة في "الإرواء "، وتجد ألفاظها في "الترغيب والترهيب " (3/ 72/ 6- 7) . *

3518

3518- (إنّ أول الناس يقضى يوم القيامة عليه: رجل استشهد، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال: جريءٌ؛ فقد قيل. ثم أمربه؛ فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجلٌ تعلم العلم وعلمه، وقرأ القرآن، فأتي به، فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالمٌ، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئٌ، فقد قيل. ثم أمر به؛ فسحب على وجهه حتى ألقي في النار. ورجل وسع الله عليه، وأعطاهُ من أصناف المال كله، فأُتي به، فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيل تحبُّ أن يُنفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكئك فعلت ليقال: هو جوادٌ، فقد قيل. ثم اُمر به؛ فسحب على وجهه ثم ألقي في النار) . أخرجه مسلم (6/47) ، والنسائي (2/58) ، والحاكم (1/107و2/ 110) ، والبيهقي (9/168) ، وأبو نعيم في "الحلية" (2/192) ، والخطيب في "تقييد العلم " (197) ، وأحمد (2/322) كلهم من طريق سليمان بن يسار قال: تفرق الناس عن أبي هريرة، فقال له ناتل أهل الشام: أيها الشيخ! حدثنا حديثآ سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال. نعم، سمعت رسول الله يقول: ... فذكره.

3519

وللحديث طريق أخرى عن أبي هريرة به نحوه، وفيه قصة، وهو مخرج في " التعليق الرغيب " (1/29-30) . * 3519- (إنّ أول زمرة يدخلون الجنة: على صورة القمر ليلة البدر، والذين يلونهم: على أشدّ كوكب دري في السّماء إضاءةً؛ لا يبولون، ولا يتغوّطون، ولا يمتخطون، ولا يتفلون، أمشاطهم الذهب، ورشحُهم المسكُ، ومجامرهم الألوّة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقُهم على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدم؛ ستون ذراعاً في السماء) . أخرجه البخاري (3327) ، ومسلم (8/146) ، وا بن ماجه (4333) ، وابن حبان (7394) ، والبغوي في "شرح السنة" (4373) من طريق أبي زرعة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وتابعه همام بن مُنبه عن أبي هريرة مرفوعاً بزيادة ونقص: أخرجه البخاري (3245) ، ومسلم (8/147) ، وابن حبان (7393) ، وابن المبارك في "الزهد" (130/433) ، وعبد الرزاق في " مصنفه " (20866) ، وأحمد (2/316) . وتابعه الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً نحوه. أخرجه البخاري (3246) . وتابعه أيضاً عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة مرفوعاً بزيادة ونقص. أخرجه البخاري (3254) . وتابعه أبو صالح عن أبي هريرة نحوه. أخرجه مسلم، وأحمد (2/231- 232 و 253) .

3520

وتابعهم محمد بن سيرين عن أبي هريرة نحوه بنقص وزيادة، ومنها قوله: "وما في الجنة أعزب ". أخرجه مسلم، وعبد الرزاق (20879) . وتابعهم أبو سلمة عن أبي هريرة بالشطر الأول منه، وزاد قصة عكاشة. أخرجه الدارمي (2/333- 334) بسند حسن. * 3520- (إنّ أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون، ولا يتفلون، ولا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يمتخطون. قالوا: فما بال الطعام؟! قال: جُشاءٌ، ورشح كرشح المسك، يُلهمون التسبيح والتحميد، كما يلهمون النفس) . هو من حديث جابر، وله عنه طرق: الأولى: عن أبي سفيان عن جابرقال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. أخرجه مسلم (8/147) ، وابن حبان (7392) ، وأحمد (3/316) . ولأبي داود (4741) منه الطرف الأول إلى قوله: "ويشربون ". الثانية: عن أبي الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه مسلم (8/147) ، وأحمد (3/349 و384) ، وكذا الدارمي (2/335) . الثالثة: عن ماعز التميمي عن جابر بن عبد الله قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيأكل أهل الجنة؟ قال:

3521

" نعم، ويشربون، ولا ... "إلخ. أخرجه أحمد (3/ 354) . وإسناده جيد في المتابعات، ماعز هذا لم يوثقه غير ابن حبان. * 3521- (إنّ أهل الجنّة ييسرون لعمل أهل الجنة، وإنّ أهل النار ييسرون لعمل أهل النار) . أخرجه مسلم (1/29- 30) - ولم يسق لفظه-، وكذا ابن أبي عاصم في " السنة " (1/57/ 124) ، وأبو داود (4696) - والسياق له-، ومن طريقه: ابن عبد البر في "التمهيد" (6/6- 7) ، وأحمد (1/27) كلهم من طريق عثمان بن غياث قال: حدثني عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر وحميد بن عبد الرحمن قالا: لقينا عبد الله بن عمر، فذكرنا له القدر وما يقولون فيه ... فذكر نحوه، زاد: قال: وسأله رجل من مزينة- أو جهينة-، فقال: يا رسول الله! فيما نعمل؟ أفي شيء قد خلا أو مضى، أوفي شيء يستأنف الآن؟ قال: ""في شيء قد خلا ومضى". فقال الرجل أو بعض القوم: ففيم العمل؟! قال: ... فذ كره. قلت: ويشير أبو داود بقوله: "فذكر نحوه " إلى ما رواه هو، ومسلم، وابن حبان، وغيرهما من طريق أخرى عن ابن بريدة، القصة بتمامها، لكن ليس فيها حديث الترجمة؛ وهي مخرجة في " الإرواء " (1/33- 34) ، وفي " الصحيحة " (2903) . وقال ابن عبد البر عقبه: "وروي هذا المعنى عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طرق، وممن روى هذا المعنى

3522

في القدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: علي بن أبي طالب، وأبي بن كعب، وابن عباس، وابن عمر، وأبو هريرة، وأبو سعيد الخدري، وأبو سريحة الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وذو اللحية الكلابي، وعمران بن حصين، وعاثشة، وأنس بن مالك، وسُراقة بن جُعشُم، وأبو موسى الأشعري، وعبادة بن الصامت؛ وأكثر أحاديث هؤلاء لها طرق شتى". * 3522- (إن بين يدي السّاعة لأياماً ينزلُ فيها الجهلُ، ويرفعُ فيها العلمُ، ويكثرُ فيها الهرجُ. [قال أبوموسى:] الهرج: القتل [بلسان الحبشة] ) . أخرجه البخاري (7062 و7063 و7064 و7065و7066) ، ومسلم (8/58 و 59) ، والترمذي (2200) ، وابن ماجه (4050 و4051) ، وأبو نعيم في "الحلية" (4/112) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (18971) ، وأحمد (1/402 و4/392 و405) ، كلهم عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى فقالا: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. والزيادتان للبخاري في رواية. * 3523- (إنّ ثلاثةً في بني إسرائيل: أبرص، وأقرع، وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أيّ شيء أحبّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ، وجلدٌ حسنٌ، ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه، فذهب عنه قذره، وأعطي لوناً حسناً، وجلداً حسناً، قال: فأي المال أحب إليك، قال: الإبل- أو قال: البقر؛ شك إسحاق؛ إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدُهما: الإبلُ، وقال الآخرُ: البقرُ-، قال: فأعطي ناقةٌ عُشراءَ، فقال: بارك الله لك فيها! قال:

فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ، ويذهبُ عئي هذا الذي قذرني الناسُ، قال: فمسحه، فذهب عنه، واُعطي شعراً حسناً، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: البقرُ، فأعطي بقرةً حاملاً، فقال: بارك الله لك فيها! قال: فأتى الأعمى، فقال: أي شيء أحبّ إليك؟ قال: أن يردّ الله إليّ بصري، فأبصر به الناس، قال: فمسحه، فردّ الله إليه بصره، قال: فأي المال أحبّ إليك؟ قال: الغنم، فأعطي شاةً والداً، فأنتج هذان، وولد هذا، قال: فكان لهذا واد من الإبل، ولهذا واد من البقر، ولهذا واد من الغنم. قال: ثم إنّه أتى الأبرص في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، قد انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي أعطاك اللون الحسن، والجلد الحسن، والمال- بعيراً أتبلغ عليه في سفري، فقال: الحقوقُ كثيرةٌ، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص، يقذرك الناس؟! فقيراً فأعطاك الله؟! فقال: إنّما ورثت هذا المال كابراً عن كابر! فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال: وأتى الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، وردّ عليه مثل ما رد على هذا، فقال: إن كنت كاذباً؛ فصيرك الله إلى ما كنت! قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته، فقال: رجلٌ مسكين، وابن

سبيل، انقطعت بي الحبالُ في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك- بالذي ردّ عليك بصرك- شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنتُ أعمى، فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت، ودع ما شئت، فوالله! لا أجهدك اليوم شيئاً أخذته لله! فقال: أمسك مالك؛ فإنما ابتليتم، فقد رضي [الله] عنك، وسخط على صاحبيك) . أخرجه مسلم (8/213- 214) ، وابن حبان (314) ، والبيهقي (7/219) كلهم من طريق شيبان بن فَرّوخ: حدثنا همام: حدثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة أن أبا هريرة حدثه أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذ كره. وتابعه عمرو بن عاصم عن همام به. أخرجه البخاري معلقاً عليه؛ إلا أنه لم يسق منه إلا طرفه الأول. ووصله برقم (3464) فقال: حدثنا محمد بن إسحاق: حدثنا عمرو بن عاصم به؛ إلا أنه لم يسق لفظه، وإنما ساقه تحويلاً، فقال عقبه: وحدثني محمد: حدثنا عبد الله بن رجاء: أخبرنا همام ... فساقه بتمامه؛ إلا أنه وقع في متنه: "بدا لله عز وجل أن يبتليهم " مكان قوله في الرواية الأولى: "فأراد الله أن يبتليهم ". ولا شك عندي أن هذه أولى من الأخرى لسببين: الأول: اتفاق ثقتين عليها- وهما شيبان، وعمرو بن عاصم-.

والآخر: أن نسبة: "البداء" لله عز وجل محال، ومما يدل على تحريف التوراة أنه جاء فيها: أنه بدا لله خلق السماوات والأرض! ولذلك؛ تكلف الحافظ ابن حجر بتأويل هذه الجملة المستنكرة بقوله: "أي: سبق في علم الله، فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأن ذلك محال في حق الله تعالى، وقد أخرجه مسلم عن شيبان بن فروخ عن همام بهذا الإسناد بلفظ: "أراد الله أن يبتليهم "، فلعل التغيير فيه من الرواة". قلت: نقول للحافظ: اجعل (لعل) عند ذاك الكوكب! وقد عرفت اتفاق الثقتين على اللفظ الأول: "أراد الله "؛ فمخالفة عبد الله بن رجاء أقل ما يقال فيها: إنها مرجوحة، لا سيما والحافظ نفسه قد قال في ترجمته من "التقريب ": "صدوق يهم قليلاً". وإن من عجائب الحافظ- النابعة من أشعريته-: أنه تأول الرواية الأولى عقب ما سبق نقله عنه: "مع أن في الرواية أيضاً نظراً؛ لأنه لم يزل مريداً"!! قلت: فليت شعري ماذا يقول الحافظ في الآيات التي فيها نسبة الإرادة إلى الله في القرآن الكريم كمثل قوله: {وإذا أراد الله بقوم سوءاً فلا مرد له} ْ، وقوله: {فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما} ونحو ذلك من الآيات الكثيرة؟! هل يقول فيها كما قال في الحديث: "فيها نظر"؟! فقبح الله علم الكلام الذي أودى بكبار العلماء إلى مثل هذا الكلام! *

3524

3524- (إنّ جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرةً، وإنّه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، [فاتقي الله، واصبري؛ فإني نعم السلف أنا لك] ) . أخرجه البخاري (3624 و6285 و6286) ، ومسلم (7/143) ، والنسائي في " الكبرى" (8368) ، وابن ماجه (1621) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/48 و49) ، وابن سعد (2/247- 248 و8/27) ، وأحمد (6/282) ، وأبو نعيم في "الحلية " (2/ 40) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/155) أخرجوه من حديث عائشة عن فاطمة رضي الله عنهما، والسياق للبخاري في الموضع الآخر، والزيادة له من الموضع الأول، وكذلك رواها الطحاوي وأبو نعيم. * 3525- (إنّ حقاً على الله: أن لا يرفع شيئاً من الدنيا إلا وضعه) . أخرجه البخاري (6501) ، وابن حبان (701) ، والنسائي (2/122) ، وأبو داود (4802) ، والبيهقي في "الشعب " (7/341/10510) ، وأحمد (3/103) من حديث أنس قال: كانت ناقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسمى العضباء، وكانت لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود له، فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين، وقالوا: سُبقت العضباء! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ثم رواه البيهقي (10511) من طريق أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال: قال يحيى: أخبرني ابن شهاب قإل: سمعت سعيد بن المسيب يقول: ... فذكر القصة، وقال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

3526

"إن الناس لا يرفعون شيئاً إلا وضعه الله ". قلت: وهذا مرسل ضعيف. * 3526- (إنّ حوضي لأبعدُ من أيلة إلى عدن، والذي نفسي بيده لآنيتهُ أكثر من عدد النجوم، ولهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل. والذي نفسي بيده! إني لأذود عنه الرجال كما يذود الرجل الإبل الغريبة عن حوضه. قيل: يا رسول الله! أتعرفنا؟ قال: نعم، تردون علي غراً محجلين؛ من أثر الوضوء، ليست لأحد غيركم) . أخرجه مسلم (1/ 150) ، وابن ماجه (4302) من طريق ربعيّ عن حذيفة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره، والسياق لابن ماجه، وليس عند مسلم جملة: " النجوم " إلى قوله: " العسل ". لكنها عنده (7/69) من حديث أبي ذر، وكذلك هو عند ابن أبي عاصم، وغيره، وهو مخرج في "ظلال الجنة " برقم (721) . والحديث رواه مسلم أيضاً وغيره من حديث أبي هريرة بزيادة ونقص، وسيأتي تخريجه برقم (3952) . * 3527- (إن داود النبي عليه السلام كان لا يأكل إلا من عمل يده) . أخرجه البخاري (2073 و3417) ، وابن حبان (6194) كلاهما من طريق عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام به.

3528

وللحديث شاهد من حديث المقدام بن معدي كرب عند البخاري أيضاً، وهو مخرج في "غاية المرام " (121/163) . * 3528 (¬1) - (.........................................) . * 3529- (إنّ الله حبس عن مكة القتل- أو الفيل، شك أبو عبد الله-، وسلط عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، ألا وإنها لم تحلّ لأحد قبلي، ولم تحل لأحد بعدي، ألا وإنها حلت لي ساعة من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه حرامٌ؛ لا يختلى شوكها، ولا يعضدُ شجرها، ولا تلتقط ساقطتها إلا لمنشد، فمن قُُتلَ؛ فهو بخير النظرين: إما أن يعقل، وإما أن يُقاد أهل القتيل) . أخرجه البخاري (112 و2434و6880) ، ومسلم (4/110) ، والدارمي (2/265) ، وأحمد (2/238) ، وعنه أبو داود (2017) ، والدارقطني (3/96/58) ، والبيهقي في "السنن " (8/52) و"الدلائل " (5/84) كلهم من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة: أن خُزاعة قتلوا رجلاً من بني ليث عام فتح مكة بقتيل منهم قتلوه، فأخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فركب راحلته فخطب فقال: ... فذكره. وزاد الشيخان وغيرهما: فجاء رجل من أهل اليمن فقال: اكتب لي يا رسول الله! فقال: "اكتبوا لأبي فلان ". فقال رجل من قريش: إلا الإذْخِرَ يا رسول الله! فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ¬

(¬1) كان هنا الحديث: "إن الله استقبل بي الشام ... !، وكان الشيخ- رحمه الله- قد تراجع عنه في المجلد الأول من "الصحيحة" الطبعة الجديدة ونقله إلى "الضعيفة" (5848) ، فحذفنا هذا.

3530

"إلا الإذخر". زاد مسلم: قال الوليد: فقلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله!؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-. * 3530- الا تسألني امرأةً منهن إلا أخبرتها، إنّ الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً؛ ولكن بعثني معلماً ميسراً) . أخرجه مسلم (4/187- 188) ، والبيهقي (7/38) ، وأحمد (3/328) من طريق أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله.. الحديث، وفيه: والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس حوله نساؤه؛ يسألنه النفقة، ونزول قوله تعالى: {يا أيها النبي قل لأزواجك} حتى بلغ: {للمحسنات منكن أجراً عظيماً} ، فقال: "يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمراً؛ أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك". قالت: وما هو يا رسول الله؟! فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله! أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأةً من نسائك بالذي قلته. قال: ... فذكر الحديث. وأبو الزبير مدلس؛ ولم أقف الآن على تصريح له بالتحديث في هذه القصة. لكن لها شاهد في الجملة في حديث ابن عباس الطويل بنحو هذه القصة وفي آخرها: قال معمر. فأخبرني أيوب أن عائشة قالت: لا تخبر نساءك أني اخترتك. فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -:

3531

"إن الله أرسلني مُبلِّغاً، ولم يرسلني مُتعنِّتاً". وقد سبق تخريجه برقم (1516) . * 3531- (إنّ عاشوراء يومٌ من أيام الله، فقن شاء صامه، ومن شاء تركه) . أخرجه مسلم (3/147) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (3/55) ، وأحمد (2/143) ، والبيهقي في "السنن " (4/289) من طريق نافع عن ابن عمر: أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله: ... فذكره. * 3532- (إنّ عبد الله بن قيس- أو الأشعري- أعطي مزماراً من مزامير آل داود) . أخرجه مسلم (2/192- 193) ، والبخاري في" الأدب المفرد" (805) وابن أبي شيبة في "المصنف " (12/122/12308) ، وأحمد (5/351) ، وابن سعد في "الطبقات " (4/107) كلهم من طريق مالك بن مغول عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ورواه النسائي في "السنن الكبرى" (5/23/8058) من طريق أخرى عن مالك به، ولفظه: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - على أبي موسى ذات ليلة وهو يقرأ، فقال: ... فذكره. وزاد: فلما أصبح ذكروا ذلك له، فقال: لو كنت أعلمتني؛ لحبرت ذلك تحبيراً. وإسناده صحيح. *

3533

3533- (إنّ عبد الله رجلٌ صالحٌ؛ لو كان يكثرُ الصلاة من الليل) . أخرجه ابن ماجه (2/1291 /3919) من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: كنت غلاماً شاباً عزباً في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -؛ فكنت أبيت في المسجد، فكان من رأى منّا رؤيا؛ يقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقلت: اللهم! إن كان لي عندك خير؛ فأرني رؤيا يعبرها لي النبي - صلى الله عليه وسلم - فنمت فرأيت ملَكين أتياني فانطلقا بي، فلقيهما ملك آخر، فقال: لم تُرع، فانطلقا بي إلى النار؛ فإذا هي مطوية كطيّ البئر، وإذا فيها ناس قد عرفت بعضهم، فأخذوا بي ذات اليمين، فلما أصبحت ذكرت ذلك لحفصة! فزعمت حفصة أنها قصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكر الحديث. قال: فكان عبد الله يكثر الصلاة من الليل. قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير عبد الله بن معاذ الصنعاني- وهو صاحب معمر-، قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق، تحامل عليه عبد الرزاق ". وتابعه عبد الرزاق عند البخاري (3738) ، ومسلم (7/158) ، وهشام بن يوسف عند البخاري أيضاً (7030) كلاهما عن معمر به. وزاد هشام بعد قوله: (لن تراع) : "إنك رجل صالح ". وتابع سالماً: نافعٌ أن ابن عمر قال: ... فذكر القصة نحوها.

3534

أخرجه البخاري (7028 و7029) ، ومسلم أيضاً، والطيالسي في "مسنده " (1588) . ورواه الترمذي (3825) - مختصراً-، وأحمد (2/ 5) . وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". * 3534- (إن فاطمة بضعةٌ منّي، وأنا أتخوف أن تفتن في دينها، وإني لست أحرم حلالاً، ولا أحلّ حراماً، ولكن والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدوِّ الله مكاناً واحداً أبداً- وفي رواية: عند رجل واحد أبداً-) أخرجه أحمد (4/326) ، والبخاري (3110 و3729) ، ومسلم (7/141) ، وأبو داود في " السنن " (2/556/2069) ، والنسائي في "الخصائص" (147/137) ، وابن ماجه (1999) ، والبيهقي (7/308) من طريق علي بن الحسين أن المسور بن مخرمة حدث: أنهم حين قدموا المدينة من عند يزيد بن معاوية- مقتل حسين بن علي- لقيه المسور بن مخرمة فقال: هل لك إلي من حاجة تأمرني بها؟ قال: فقلت له: لا، قال له: هل أنت معطي سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإني أخاف أن يغلبك القوم عليه، وايم الله! لئن أعطيتنيه؛ لا يخلص إليه أبداً حتى تبلغ نفسي؛ إن علي بن أبي طالب خطب ابنة أبي جهل على فاطمة، فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب الناس في ذلك على منبره هذا، وأنا يومئذ محتلم- فقال: ... فذكره. قال: ثم ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال:

3535

"حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي؛ وإني لست أحرم حلالاً ... " الحديث. والسياق لأحمد ومسلم، والرواية الثانية لهما. وأخرجه البخاري (5230) ، والآخرون من طريق ابن أبي مليكة عن المسور ابن مخرمة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر: "إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن، ثم لا آذن، ثم لا آذن؛ إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم؛ فإنما هي بضعة مني؛ يريبني ما أرابها، ويؤذيني ما آذاها". وهو مخرج في "الإرواء" برقم (2676) ، وفي "صحيح أبي داود" (1805و1806) . * 3535_ (إن فضل عائشة على النساء؛ كفضل الثريد على سائر الطعام) . ورد من حديث أنس وأبي موسى وعائشة. أما حديث أنس؛ فيرويه عبد الله بن عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. أخرجه البخاري (3770 و5419 و5428) ، ومسلم (7/138) ، والترمذي في"السنن" (3887) - وصححه-، والدارمي في "السنن " (2/106) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (6692) ، وابن ماجه (3281) ، وأحمد في"المسند" (3/156) . 2- وأما حديث أبي موسى؛ فأخرجه البخاري (3769) ، ومسلم (7/132-133) ، والنسائي (8381 و8895) ، والترمذي (1834) - وصححه-،

3536

والطيالسي (504) ، وكذا ابن ماجه (3280) ، وأحمد (4/394) . 3- وأما حديث عائشة؛ فأخرجه النسائي (8896) من طريق الحارث بن عبد الرحمن عن أبي سلمة عنها به. قلت: وإسناده جيد. * 3536- (إن في الجنة شجرةً، يسيرُ الراكب الجواد المضمّر السريع مئة عام ما يقطعها) . جاء من حديث أبي سعيد وأبي هريرة وسهل بن سعد وأنس بن مالك. أما حديث أبي سعيد؛ فأخرجه البخاري (6553) ، ومسلم (8/144) ، والدولابي في "الكنى" (1/ 160) من طريق النعمان بن أبي عياش عنه. وتابعه عطية عن أبي سعيد به نحوه، وزاد: وقال: "ذلك (الظل الممدود) ". وأما حديث أبي هريرة؛ فله طرق كثيرة، أذكر أهمها: الأولى: عن الأعرج عن أبي هريرة نحوه، وزاد: "في ظلها". وفي آخره: "واقرؤوا إن شئتم (وظل ممدود) ". أخرجه البخاري (4881) ، ومسلم (8/144) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (234/403) . الثانية: عن عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه مثله.

أخرجه البخاري (3252) ، وأحمد (2/482) ، وعنه أبو نعيم في "صفة الجنة" (235/403) . الثالثة: عن أبي سعيد المقبري عنه مختصراً. أخرجه مسلم، وأبو نعيم (233/ 401) . الرابعة: عن محمد بن زياد عنه به. أخرجه أحمد (2/469) ، والبيهقي في "البعث " (168/295 و 296) . واسناده صحيح. الخامسة: يرويها محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه. أخرجه الدارمي (2/338) ، وابن ماجه (4335) ، وأحمد (2/438) . وسنده حسن. وطرقه الأخرى في "سنن الدارمي " (2/338) ، و"مسند الطيالسي " (2547) ، و"مسند أحمد " (2/404 و455 و462) ، وأبو نعيم (ص 236) . وأكثرها لا تخلو أسانيدها من ضعف. وأما حديث سهل؛ فيرويه أبو حازم عنه. أخرجه البخاري (6552) ، ومسلم (8/ 144) ، والدولابي (2/ 160) ، وأبو نعيم (237/ 405) ، والبيهقي (168/297) . وأما حديث أنس بن مالك؛ فيرويه قتادة عنه. أخرجه البخاري (3251) ، والترمذي (3293) ، وأحمد (3/110 و135) ،

3537

وأبو نعيم في "صفة الجنة " (234/402) وفي "الحلية" (9/ 30) وفي "أخبار أصبهان " (2/306) ، والبيهقي في " البعث " (168/296) . (تنبيه) : عزا السيوطي في "الجامع " حديث أنس لمسلم أيضاً! وما نراه إلا وهماً، ولم يعزه إليه المزي في "التحفة ". * 3537- (إنّ في أمتي اثني عشر منافقاً، لا يدخلون الجنّة ولا يجدون ريحها؛ حتى يلج الجملُ في سمّ الخياط؛ ثمانيةٌ منهم تكفيكهم الدّبيلة: سراجٌ من نار يظهرُ في أكتافهم حتى ينجم من صدورهم) . أخرجه مسلم (8/123) ، وأحمد (4/ 320) ، والبيهقي في "الدلائل " (5/262) ، والبغوي في "التفسير" (4/69) من طريق شعبة عن قتادة عن أبي نضرة عن قيس بن عُباد قال: قلنا لعمار: أرأيت قتالكم؛ أرأياً رأيتموه؛ فإن الرأي يخطئ ويصيب، أو عهداً عهده إليكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ما عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً لم يعهده للناس كافة. وقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث. * 3538- (إنّ في ثقيف كذاباً ومُبِيراً) . ورد من حديث أسماء بنت- أبي بكر الصديق، وعبد الله بن عمر، وسلامة بنت الحرّ الجعفية. 1 ـ أما حديث أسماء؛ فأخرجه مسلم (7/ 190- 191) ، والحاكم في " المستدرك " (3/553) ، وأبو داود الطيالسي في " المسند" (1641) ، وأبو نعيم في

"الحلية" (2/57) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/481) من طريق أبي نوفل بن أبي عقرب عنها: أنها قالت للحجّاج: أما إن رسول الله حدثنا: ... فذكر الحديث. قالت: فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فلا إخالك إلا إياه. والسياق للطيالسي، وفيه عند مسلم قصة صلب الحجاج لعبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، ومرور ابن عمر به، وثنائه عليه، وأنه كان قد نصحه بأن لا يخرج على الخليفة ... إلخ. وأبو نوفل بن أبي عقرب اسمه: مسلم، وقيل غير ذلك، وهو ثقة من رجال البخاري أيضاً. وقد تابعه جمع: منهم: أبو الصديق الناجي: أن الحجاج بن يوسف دخل على أسماء بنت أبي بكر بعدما قتل ابنها عبد الله بن الزبير، فقال: إن ابنك ألحد في هذا البيت، وإن الله عز وجل أذاقه من عذاب أليم، وفعل به ما فعل، فقالت: كذبت! كان برّآ بالوالدين، صواماً قواماً، والله! لقد أخبرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه: "سيخرج من ثقيف كذابان؛ الآخر منهما شر من الأول، وهو مبير". أخرجه أحمد (6/351) ، وابن سعد في " الطبقات " (8/254) كلاهما بإسناد واحد صحيح. ومنهم: عنترة بن عبد الرحمن قال:

لما قتلَ الحجاجُ ابن الزبير وصلبه منكوساً، فبينا هو على المنبر؛ إذ جاءت أسماء ومعها أمةٌ تقودها؛ وقد ذهب بصرها، فقالت: أين أميركم؟ ... فذكر قصة، فقالت: كذبت، ولكني أحدثك حديثاً سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يخرج من ثقيف كذابان؛ الآخر منهما أشر من الأول، وهو مبير". أخرجه أحمد (6/352) وإسناده جيد. ومنهم: أم أبي المحياة قالت: لما قتل الحجاج بن يوسف عبد الله بن الزبير؛ دخل الحجاج على أسماء بنت أبي بكر، فقال لها: يا اُمّه! إن أمير المؤمنين أوصاني بك، فهل لك من حاجة؛ فقالت: لست لك بأم! ولكني أم المصلوب على رأس الثنية، وما لي من حاجة، ولكن انتظر حتى أحدثك بما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "يخرج من ثقيف كذاب ومبير". فأما الكذاب؛ فقد رأيناه، وأما المبير؛ فأنت "! فقال الحجاج: مبير المنافقين. أخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 481- 482) . وأبو المحياة، ثقة، اسمه يحيى بن يعلى، لكني لم أعرف أمه. ومنهم: القاسم بن محمد الثقفي: أن أسماء أتت الحجاج بعدما ذهب بصرها ومعها جواريها ... الحديث. أخرجه ابن سعد. والثقفي هذا؛ لم أعرفه.

3539

2- وأما حديث ابن عمر؛ فيرويه شَريك عن أبي عُلوان عبد الله بن عصمة عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله يقول: ... فذكر الحديث. أخرجه الترمذي (2220 و3944) ، والطيالسي (1925) ، وأحمد (2/ 26 و87 و91 و92) ، والدولابي في "الكنى" (2/36) ، والبيهقي في "الدلائل " (6/482) . وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك ". 3- وأما حديث سلاّمة بنت الحر؛ فترويه أم غراب عن عقيلة مولاة أم البنين عن سلامة بنت الحر مرفوعاً. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (24/310/782) . قلت: وهذا إسناد مجهول. (تنبيه) : لقد أخرج الطبراني هذه الطرق وغيرها في ترجمة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما؛ ومنها طريق أبي نوفل بن أبي عقرب التي أخرجها مسلم؛ فخفي هذا على الهيثمي، فذكره في "مجمع الزوائد" (7/226) ، وقال: " رواه الطبراني، ورجاله رجال (الصحيح) "! * 3539- (إنّ في عجوة العالية شفاءً، أو إنّها ترياق أول البكرة) . أخرجه مسلم (6/124) ، وأحمد (6/105 و152) من طريق شريك بن أبي نمر عن عبد الله بن أبي عتيق عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث. قلت: شريك هذا؛ وإن كان من رجال الشيخين؛ فهو صدوق يخطئ؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، وهو الذي روى قصة الإسراء والمعراج، وخالف في

3540

بعض المواضع منها الثقات، ومنها: أنه جعلها مناماً؛ فخطأه العلماء من أجل ذلك، ولهذا؛ فالحديث لا يتجاوز عندي مرتبة الحسن. والله أعلم. * 3540- (إن لله ملائكة سيّاحين في الأرض؛ فُضُلأ عن كُتَّاب الناس [يلتمسون أهل الذكر] ؛ فإذا وجدُوا قوماً يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون فيحفُّون بهم إلى السّماء الدنيا، فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجِّدونك، ويذكرونك، فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف [لو رأوني] ؟ فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميداً وتمجيداً وذكراً، فيقول: فأي شيء يطلبون؟ فيقولون: يطلبون الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد عليها حرصاً، وأشد لها طلباً، قال: فيقول: ومن أي شيء يتعوذون؟ فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها هرباً، وأشد منها خوفاً، قال: فيقول: إني أشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: فيقولون: فإن فيهم فلاناً الخطّاء؛ لم يردهم، إنما جاء لحاجة؟! فيقول: همُ القوم لا يشقى بهم جليسهم) . أخرجه البخاري (6408) ، ومسلم (8/68) ، وأبو نعيم في "الحلية" (8/117) ، والحاكم في "المستدرك " (1/495) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (207) ، و"الشعب " (1/399/ 531) ، والبغوي في "شرح السنة" (5/11و12/1241) ، وأحمد في "المسند" (2/ 251 و252 و 358 و359 و 382 و 383) عن أبي صالح

3541

عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث. والسياق لأحمد، والزيادة للحاكم وغيره. * 3541- (إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة، طولها ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضاً) . أخرجه البخاري (3243) ، ومسلم (8/148) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (13/105/ 15831) ، والدارمي (2/336) ، وأحمد (4/ 400 و 411و419) ، وابن أبي الدنيا في "صفة الجنة" (95/317) كلهم من طريق همام بن يحيى عن أبي عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى بن قيس عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. والسياق لمسلم. وتابعه الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني به. أخرجه مسلم، وأبو نعيم في "صفة الجنة" رقم (398) ، والبيهقي في "البعث " (374) . وخالفهما عبد العزيز بن عبد الصمد فقال: حدثنا أبو عمران الجوني به؛ إلا أنه قال: "عرضها ستون ميلاً". أخرجه البخاري (4879) ، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة " (15/216/4289) و " تفسيره " (7/ 458) ، ومسلم (8/ 148) ، والترمذي (2528) - وصححه-، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/479) ، وأحمد (4/411) كلهم عن عبد العزيز

3542

به؛ إلا أن النسائي لم يذكر إلا الطرف الأول منه دون ما بعدها من الطول أو العرض. ولعل ذلك للخلاف المذكور بين عبد العزيز واللذين ذكرا الطول مكان العرض. ومن الغرائب أن الحافظ ابن حجر لم يتعرض للتوفيق بين اللفظين؛ لا في شرحه لحديث همام (6/323- 324) ، ولا في شرحه لرواية عبد العزيز (8/624- 625) ! كل ما في الأمر: أنه ذكر الخلاف بين رواية عبد العزيز والحارث بن عبيد بلفظ: "ستون " ورواية همام بلفظ: "ثلاثون "! كذا قال: "ثلاثون "؛ هكذا وقعت روايته عنده في متن "البخاري "! ولا أشك أنه خطأ، وإن كنت لا أدري ممن هو؛ لأنه مخالف لجميع من رواه من المخرّجين الذين سبق ذكرهم. هذا.. ولعل الجمع بين الروايتين؛ أن يقال بصحة كل منهما، ويكون المعنى بأن طول الخيمة مساوٍ لعرضها؛ فإن صح هذا فبها ونعمت، وإلا؛ فرواية الطول أرجح؛ لاتفاق ثقتين عليها. والله أعلم. * 3542- (إنّ معَ الدّجال إذا خرج ماءً وناراً، فأما الذي يرى الناسُ أنها النار؛ فماءٌ باردٌ، وأما الذي يرى الناسُ أنه ماءٌ باردٌ؛ فنار تحرق، فمن أدرك منكم؛ فليقع في الذي يرى أنها نار؛ فإنه عذبٌ باردٌ) . أخرجه البخاري (3450 و7130) ، ومسلم (8/196) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (19351) ، وأحمد (5/395) ، والمحاملي في "الأمالي " (315) ، والطبراني (17/ 231- 232) من طريق عبد الملك عن ربعي بن حراش قال: قال عقبة بن عمرو لحذيفة: ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! قال: إني سمعته يقول: ... فذكر الحديث. زاد الشيخان وغيرهما: فقال عقبة: وأنا قد سمعته؛ تصديقاً لحذيفة.

3543

وتابعه نعيم بن أبي هند عن ربعي بن حراش به مثله. أخرجه مسلم، والمحاملي (312) . وتابعهما أبو مالك الأشجعي عن ربعي به نحوه، وزاد: "فإما أدركن أحدٌ؛ فليأت النهر الذي يراه ناراً، وليغمض ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه؛ فإنه ماء بارد. وإن الدجال ممسوح العين؛ عليها ظفرة غليظة، مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن؛ كاتب وغير كاتب ". أخرجه مسلم، وابن أبي شيبة (19318) . وتابعهم منصور عن ربعي به نحوه موقوفاً وفيه الزيادة بلفظ: قال أبو مسعود البدري: هكذا سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول. أخرجه أبو داود (4315) . * 3543- (إنّ مكة حرّمها الله ولم يحرّمها الناس، فلا يحلّ لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دماً، ولا يعضد بها شجرة؛ فإن أحدٌ ترخّص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها؛ فقولوا: إنّ الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم، وإنما أذن لي فيها ساعةً من نهار، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس، وليبلغ الشاهدُ الغائب) . أخرجه البخاري (104 و 1832 و4295) ، ومسلم (4/110) ، والترمذي (809) ، والنسائي (2/ 32) ، والبيهقي (7/60 و9/212) ، وأحمد (4/ 31 و 6/ 385) . وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". *

3544

3544- (إنّ من الشجر شجرةً لا يسقط ورقها، وإنها مثلُ المسلم، فحدثوني ما هي؟ فوقع الناسُ في شجر البوادي. قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة، فاستحييتُ. ثم قالوا: حدثنا ما هي يا رسول الله؟! قال: هي النخلة) . قلت: هو من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وله عنه طرق: الأولى: عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. أخرجه البخاري (61 و62 و131) ، ومسلم (8/137) ، والترمذي (2867) ، وابن جرير الطبري في "تفسيره " (13/137 و138) ، والبغوي في "شرح السنة" (1/307/ 143) وفي " تفسيره " (4/ 348) . الثانية: عن مجاهد قال: صحبت ابن عمر إلى المدينة، فلم أسمعه يحدث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا حديثاً واحداً، قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأتي بجمّار فقال: ... فذكره نحوه. أخرجه البخاري (72 و 5448) ، ومسلم (8/137) ، وأحمد (2/ 12) ، والطبري (13/137) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (13508 و13513 و13517 و13521) . الثالثة: عن نافع عن ابن عمر قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره نحوه، وزاد في آخره:

3545

قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، ورأيت أبا بكر وعمر لا يتكلمان، فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئاً، فقال عمر: لأن تكون قلتها؛ أحب إلي من كذا وكذا. ! خرجه مسلم (8/138) ، والطبري (13/138) . * 3545- (إنّ منهم من تأخذه النارُ إلى كعبيه، [ومنهم من تأخذه النار إلى ركبتيه] ، ومنهم من تأخذه إلى حُجْزَته، ومنهم من تأخذه إلى عنقه) . أخرجه مسلم (8/ 150) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (16026) ، وأحمد (5/ 10 و18) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (6969 و6970) من طريق، أبي نضرة عن سمرة بن جندب أنه سمع نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكر الحديث. والسياق لمسلم مع الزيادة. ورواه الطبراني (6889) من طريق سعيد بن بشير عن الحسن عن سمرة به نحوه. * 3546- (إنّ هذا اخترط سيفي وأنا نائمٌ، فاستيقظت وهو في يده صلتاً، فقال لي: من يمنعك مني؟ قلت: الله، فها هو ذا جالسٌ) . أخرجه البخاري (4134 و4135) ، ومسلم (7/62) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (8772 و 2 885) ، والبيهقي في " السنن " (6/319) وفي "دلائل النبوة " (3/373) ، وأحمد (3/3311) من طريق سنان بن أبي سنان وأبي سلمة عن جابر بن عبد الله:

3547

أنه غزا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل نجد، فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وتفرق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت سمُرة، فعلق بها سيفه. قال جابر: فنمنا نومة؛ فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعونا، فجئناه؛ فإذا عنده أعرابي جالس، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث، وزاد البخاري وغيره: ثم لم يعاقبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. * 3547- (إنّ هذا بكى؛ لما فَقَدَ من الذِّكر) . أخرجه البخاري (2095و3584) ، وأحمد (3/300) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 560) من طريق عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب إلى جذع نخلة، قال: فقالت امرأة من الأنصار- كان لها غلام نجار-: يا رسول الله! إن لي غلاماً نجاراً، أفآمره أن يتخذ لك منبراً تخطب عليه؟ قال: "بلى"؛ قال: فاتخذ له منبراً، قال: فلما كان يوم الجمعة؛ خطب على المنبر. قال: فأنّ الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. والسياق لأحمد. * 3548- (إنّ هذا يومٌ كان يصومه أهل الجاهليّة، فمن أحب أن يصومه؛ فليصمه، ومن أحب أن يتركه؛ فليتركه) . أخرجه مسلم (3/147- 148) ، والبيهقي في "السنن " (4/290) من طريق الوليد بن كثير: حدثني نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدثه أنه سمع

3549

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في يوم عاشوراء: ... فذكر الحديث. وأخرجه البخاري (1892و4501) ، ومسلم أيضاً، وأحمد (2/57و143) من طرق أخرى عن نافع به نحوه، وزاد البخاري ومسلم: وكان عبد الله رضي الله عنه لا يصومه؛ إلا أن يوافق صيامه. وتابعه سالم عن أبيه مرفوعاً مختصراً جداً بلفظ: "يوم عاشوراء إن شاء صامه ". أخرجه البخاري (2000) . * 3549- (إنّ هذه الصّلاة عرضت على من كان قبلكم فضيّعوها، فمن حافظ عليها؛ كان له أجرُه مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهدُ- والشاهدُ: النّجم-) . أخرجه مسلم (2/208) ، وأبو عوانة في "المسند" (1/359) ، والنسائي (1/90) ، وابن جرير الطبري (2/351) ، والدّولابي في"الكنى والأسماء " (1/18) ، وأحمد (6/396- 397) ، والبيهقي في" السنن " (2/452) ، والطبراني في " المعجم الكبير" (2166) من طريق أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العصر بالمُخَمَّصِ، فقال: ... فذكر الحديث. وخالف محمد بن إسحاق فقال: عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي تميم الجيشاني عن أبي أيوب قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/219/4084) .

3550

قلت: وهذا إسناد منكر؛ لعله من قبل عنعنة ابن إسحاق. فقد أخرجه مسلم من طريق ابن إسحاق أيضاً قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب عن خير بن نعيم الحضرمي عن عبد الله بن هبيرة السبائي- وكان ثقة- عن أبي تميم الجيشاني عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول - صلى الله عليه وسلم -العصر ... بمثله. ومن هذا القبيل: ما رواه عبد الرزاق في "المصنف" (1/579/2209) عن ابن أبي سبرة عن عبد الله بن عبد الرحمن عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي نصرة الغفاري قال: ... فذكر الحديث نحوه، وزاد: "وفُضِّلَت على ما سواها بستة (!) وعشرين درجة". قلت: كذا قال: (أبو نصرة) بالصاد والنون! وهو منكر إسناداً ومتناً، وآفته ابن أبي سبرة- وهو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة-؛ في اسمه اختلاف، وقد رموه بالوضع. * 3550- (يمين الله ملأى، لا يغيضُها نفقة، سحّاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق مذ خلق السّماء والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، قال: وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القبضُ، يرفعُ ويخفض) . قلت: هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وله عنه طريقان: الأولى: عن همام بن منبه- أخي وهب بن منبه- قال: هذا ما حدثنا به أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. أخرجه مسلم (3/78) ، وأحمد (2/313) .

3551

والأخرى: عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره نحوه، وفيه: "الميزان" مكان: " القبض ". أخرجه البخاري (4684 و7411) ، ومسلم (3/77) ، والترمذي (3045) ، وابن ماجه في "السنن" (197) ، وأحمد (2/242 و500) . * 3551- (إنّا قد اتخذنا خاتماً، ونقشنا فيه نقشاً، فلا ينقش أحدٌ على نقشه) . أخرجه البخاري (5874) ، والنسائي (9510 و9511 و9534) ، وابن ماجه (3640) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: اتخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتماً، ونقش عليه نقشاً قال: ... فذكر الحديث. واللفظ للنسائي؛ وزاد: ثم قال أنس: فكأني أنظر إلى وبيصه في يده. وللحديث شاهد من رواية ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه. رواه الشيخان وغيرهما، وصححه الترمذي، وهو مخرج في "مختصر الشمائل " (61/81) . * 3552- (إنّك دعوتنا خامس خمسة، وهذا رجلٌ قد تبعنا، فإن شئت أذنت له، وإن شئت تركته. قال: بلٌ أذنتُ له) . أخرجه البخاري (5434 و5461) ، ومسلم (6/115- 116) ، والترمذي (1099) ، والنسائي في"السنن الكبرى" (6614 و6615) ، والدارمي (2/105-

3553

106) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 524- 532) ، والبغوي في "شرح السنة" (9/145) من طريق أبي مسعود الأنصاري قال: كان من الأنصار رجل يقال له: أبو شعيب، وكان له غلام لحام، فقال: اصنع لي طعاماً أدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خامس خمسة، فتبعهم رجل، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. والسياق للبخاري. * من معجزاته - صلى الله عليه وسلم -، وبطولات بعض أصحابه 3553- (إنك كالذي قال الأول: اللهم! أبغني حبيباً هو أحبّ إلي من نفسي) . أخرجه مسلم (5/190) من طريق إياس بن سلمة: حدثني أبي قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ونحن أربع عشرة مئة، وعليها خمسون شاة لا تُرويها، قال: فقعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جَبَا الرّكية، فإما دعا وإما بصق فيها، قال: فجاشت، فسقينا واستقينا. قال: 2- ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعانا للبيعة في أصل الشجرة، قال: فبايعته أوّل الناس، ثم بايع وبايع، حتى إذا كان في وسط من الناس قال: "بايع يا سلمة! ". قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله! في أول الناس! قال: " وأيضاً ". قال: ورآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزلاً (يعني: ليس معه سلاح) قال: فأعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجفة أو درقة، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال:

"ألا تبايعني يا سلمة؟! ". قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله! في أول الناس وفي أوسط الناس! قال: "وأيضاً". قال: فبايعته الثالثة، ثم قال لي: "يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ ". قال: قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلاً فأعطيته إياها، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ... فذكر الحديث. ثم إن المشركين راسلونا الصلح، حتى مشى بعضنا في بعض واصطلحنا، قال: وكنت تبيعاً لطلحة بن عبيد الله، أسقي فرسه وأحسهُ وأخدمه، وآكل من طعامه، وتركت أهلي ومالي مهاجراً إلى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض؛ أتيت شجرة فكسحت شوكها، فاضطجعت في أصلها، قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة، فجعلوا يقعون في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فأبغضتهم، فتحولت إلى شجرة أخرى، وعلقوا سلاحهم واضطجعوا، فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قُتل ابن زنيم، قال: فاخترطت سيفي، ثم شددت على أولئك الأربعة وهم رقود، فأخذت سلاحهم، فجعلته ضغثاً في يدي، قال: ثم قلت: والذي كرم وجه محمد؛ لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له: مكرزٌ؛ يقوده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فرس مجفف، في سبعين من المشركين، فنظر إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "دعوهم؛ يكن لهم بدءُ الفجور وثناهُ".

فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنزل الله: {وهو الذي كل أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ... } الآية كلها. قال: 7- ثم خرجنا راجعين إلى المدينة، فنزلنا منزلاً، بيننا وبين بني لحيان جبل، وهم المشركون، فاستغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن رقي هذا الجبل الليلة؛ كأنه طليعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثاً. 8ـ ثم قدمنا المدينة، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع رباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه، وخرجت معه بفرس طلحة أندّيه مع الظهر، فلما أصبحنا؛ إذا عبد الرحمن الفزاريّ قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاستاقه أجمع، وقتل راعيه، قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله، وأخبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن المشركين قد أغاروا على سرحه، قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت المدينة، فناديت ثلاثاً: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل وأرتجز أقول: أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضّع فألحقُ رجلاً منهم فأصكّ سهماًفي رحله، حتى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضّع قال: فوالله! ما زلت أرميهم أعقرُ بهم، فإذا رجع إلي فارس؛ أتيت شجرة فجلست في أصلها، ثم رميته فعقرت به، حتى إذا تضايق الجبل، فدخلوا في تضايقه؛ علوت الجبل فجعلت أرديهم بالحجارة! قال: فما زلت كذلك أتبعهم،

حتى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا خلفته وراء ظهري؛ وخلوا بيني وبينه، ثم اتبعتهم أرميهم، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بُردة وثلاثين رمحاً يستخفون، ولا يطرحون شيئاً إلا جعلت عليه آراماً من الحجارة يعرفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، حتى أتوا متضايقاً من ثنية، فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري. فجلسوا يتضحون (أي: يتغدَّون) ، وجلست على رأس قرن، قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البرح، والله! ما فارقنا منذ غلس يرمينا، حتى انتزع كل شيء في أيدينا، قال: فليقم إليه نفر منكم أربعة، قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل، قال: فلما أمكنوني من الكلام؛ قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع، والذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم -! لا أطلب رجلاً منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيدركني، قال أحدهم: أنا أظن. 9- قال: فرجعوا، فما برحت مكاني حتى رأيت فوارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخللون الشجر، قال: فإذا أولهم الأخرم الأسدي على إثره أبو قتادة الأنصاري، وعلى إثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنة حق والنار حق؛ فلا تحُل بيني وبين الشهادة! قال: فحليته، فالتقى هو وعبد الرحمن، قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه، وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحول على فرسه. ولحق أبو قتادة فارس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الرحمن، فطعنه فقتله، فوالذي كرم وجه محمد - صلى الله عليه وسلم -! لتبعتهم أعدو على رجلي، حتى ما أرى ورائي من أصحاب

محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا غبارهم شيئاً، حتى يعدلوا قبل غروب الشمس إلى شعب فيه ماء يقال له: (ذو قرد) ؛ ليشربوا منه وهم عطاش، قال: فنظروا إلي أعدو وراءهم؛ فحليتُهم عنه (يعني: أجليتهم عنه) ، فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية، قال: فأعدو، فألحق رجلاٌ منهم فأصُكُهُ بسهم في نغض كتفه، قال: قلت: خذها وأنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضّع قال: يا ثكلتهُ أمّه! أكوعهُ بكرة؟! قال: قلت: نعم يا عدو نفسه! أكوعُك بُكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنية، قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 10- قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقةٌ من لبن وسطيحة فيها ماء، فتوضأت وشربت، ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على الماء الذي حليتهم عنه؛ فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخذ تلك الإبل، وكل شيء استنقذته من المشركين وكل رمح وبردة، وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم، وإذا هو يشوي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كبدها وسنامها. قال: قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مئة رجل فأتبع القوم؛ فلا يبقى منهم مُخبرٌ إلا قتلته، قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه في ضوء النار. فقال: "يا سلمة! أتراك كنت فاعلاً؟ ". قلت: نعم، والذي أكرمك! فقال: "إنهم الآن ليقرون في أرض غطفان"؛ قال: فجاء رجل من غطفان "؛فقال: نحر لهم فلان جزوراً، فلما كشفوا جلدها رأوا غباراً، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين.

11- فلما أصبحنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة ". قال: ثم أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهمين؛ سهم الفارس وسهم الراجل، فجمعهما لي جميعاً، ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة. 12- قال: فبينما نحن نسير- قال: وكان رجل من الأنصار لا يُسبق شدّاً-، قال: فجعل يقول: ألا مسابق إلى المدينة، هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلما سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريماً ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا؛ إلا أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلت: يا رسول الله! بأبي وأمي ذرني فلأسابق الرجل! قال: "إن شئت ". قال: اذهب إليك، وثنيت رجلي، فطفرت، فعدوت، قال: فربطت عليه شرفاً أو شرفين أستبقي نفسي، ثم عدوت في إثره فربطت عليه شرفاً أو شرفين، ثم إني رفعت حتى ألحقه، قال: فأصُكّه بين كتفيه، قال: قلت: قد سُبقت والله! قال: أنا أظن، قال: فسبقته إلى المدينة. 13- قال: فوالله! ما لبثنا إلا ثلاث ليال، حتى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم: تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا وأنزلن سكينةً علينا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من هذا؟ ". قال: أنا عامر. قال:

"غفر لك ربك! ". قال: وما استغفر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإنسان يخصّه إلا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطاب وهو على جمل له: يا نبي الله! لولا متعتنا بعامر! 14- قال: فلما قدمنا خيبر؛ قال: خرج ملكهم مرحب يخطرُ بسيفه ويقول: قدعلمت خيبرأني مرحبُ شاكي السلاح بطل مُجربُ إذا الحروب أقبلت تلهبُ قال: وبرز له عمي عامر، فقال: قدعلمت خيبرأني عامرُ شاكي السلاح بطل مغامر قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفُل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسه. 15- قال سلمة: فخرجت؛ فإذا نفر من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقولون: بطل عملُ عامر؛ قتل نفسه. فال: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! بطل عملُ عامر؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال ذلك؟! ". قال: قلت: ناس من أصحابك، قال: "كذب من قال ذلك! بل له أجره مرتين ". ثم أرسلني إلى عليّ وهو أرمدُ، فقال: "لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله؛ أو يحبه الله ورسوله ".

قال: فأتيت علياً، فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فبسق في عينيه، فبرأ وأعطاه الراية، وخرج مرحب، فقال: قدعلمت خيبرأني مرحبُ شاكي السلاح بطل مجربُ إذا الحروب أقبلت تلهبُ فقال علي: أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره أوفيهمُ بالصاع كيل السندره قال: فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه. قلت: هكذا بهذا التمام أخرجه مسلم من طريق عكرمة- وهو ابن عمار- قال: حدثني إياس بن سلمة به. وكذلك رواه إبراهيم- وهو أبو إسحاق إبراهيم ابن محمد بن سفيان النيسابوري الفقيه، راوية "صحيح مسلم "-. وأخرجه الإمام أحمد (4/48) - كُله أو جُله-، والبيهقي- مفرقاً- في "دلائل النبوة" (4/138 و182و207) . وأخرج هو (4/ 137 و180 و181- 206) ، وكذا أبو داود رقم (2654 و 2752) ، وكذلك أحمد (4/46 و47 و49- 50 و50-51 و 52- 53) ، والرّوياني في "مسنده " (1128 و 1130 و 1131و 1143 و 1149 و1156 و1172) ، والطبراني في "معجمه " (7/8- 13 ورقم 6233 و 6242 و 6243 و 6246 و 6252 و 6256 و 6268 و 6269 و 6274 و 6278 وا 628 و 6284 و 6286 و 6287 و 6294 و6295 و6300) ، وكذا ابن أبي شيبة في "المصنف" (14/ 440- 443) أخرجوا منه من طرق عن سلمة فقرات؛

منها المطول، ومنها المختصر، وأتمها طريق عكرمة بن عمار في "صحيح مسلم ". وهو- أعني: عكرمة بن عمار- جيد الحديث في روايته عن غير يحيى بن أبي كثير، أما روايته عنه خاصة؛ فقد تكلموا فيها؛ ولذلك قال الحافظ في ترجمته: "صدوق؛ يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن له كتاب ". قلت: ومن ذا الذي لا يغلط؟! وإن روايته لهذا الحديث لأكبر دليل على حفظه وضبطه لما يرويه. وقد تابعه غير ما واحد عن سلمة في بعض فقراته، وبعضها في "الصحيحين "، فانظر إن شئت (4532 و4540 و4543 و4551) في "تحفة الأشراف ". وقد وجدت له متابعاً على حديث الترجمة؛ لكن فيه من لا يُفرح بمتابعته؛ فقال الطبراني بالرقم المتقدم (6300) : حدثنا محمد بن يونس: ثنا ناصر بن علي: أنا حماد بن مسعدة عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة قال: جاء عامر عمي، فقال: أعطني سلاحك، فأعطيته، ثم جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: أبغني سلاحاً، قال: "فأين سلاحك؟ "، قلت: أعطيته عامراً عمي، قال: "ما أجد أحداً يشبهك إلا الذي قال: هب لي أخاً أحب إليّ من نفسي "؛ فأعطاني قوسه ومجنه وثلاثة أسهم من كنانته. قلت: ومحمد بن يونس هذا: هو العصفري- وهو المعروف بالكديمي-؛ وهو متهم بوضع الحديث. *

3554

3554- (قال الله تبارك وتعالى: إذا أحب عبدي لقائي أحببتُ لقاءه، وإذا كره لقائي كرهتُ لقاءه) . هو من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وله عنه طرق: الأولى: عن الأعرج عنه. أخرجه مالك، والنسائي (1835- أبو غدة) من طريقه وغيره، وأحمد (2/418) . قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. الثانية: عن شريح بن هانئ عنه به قال: فأتيت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين! سمعت أبا هريرة يذكر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، إن كان كذلك فقد هلكنا، فقالت: إن الهالك من هلك في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما ذاك؟ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... (فذكر الحديث) . وليس منا أحد إلا وهو يكره الموت؟! فقالت: قد قاله رسول الله؛ وليس بالذي تذهب إليه، ولكن إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، واقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع؛ فعند ذلك: "من أحب لقاء الله؛ أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه ". أخرجه مسلم (8/66) ، والنسائي (1834) . الثالثة: عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً به. أخرجه أحمد (2/ 451) . وسنده حسن. (تنبيه) : عزا الحديث المنذري في "الترغيب " (4/168/3) لـ: " مالك، والبخاري- واللفظ له-، ومسلم، والنسائي ". ذكره بلفظ: " قال:

3555

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يعني: عن الله عز وجل "! قلت: وفيه ملاحظتان: الأولى: أنه ليس عند أحد من المذكورين قوله: "يعني: عن الله "؛ وإنما هو عندهم كما ذكرت آنفاً. والأخرى: ذكرُهُ البخاريّ معهم! وهو وهم، تبعه عليه السيوطي في "جامعيه "! ولم يعزه إليه المزي في "التحفة" (10/206/13908) ، ولا أصحاب الفهارس، ولا الحافظ في "فتح الباري/ كتاب الرقائق ". * 3555- (إئكم سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها، قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟! قال: أدّوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم) . أخرجه البخاري (7052) ، ومسلم (6/17- 18) ، والترمذي (2190) ، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/146) ، وأحمد (1/433) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10073) من طريق زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكر الحديث. * 3556- (لا يجلس الرجلُ بين الرجل وابنِه في المجلس) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (4/358-359/4429) من طريق عبد الله بن محمد بن عبد العزيز- وهو البغوي-، وهذا في "حديث علي بن الجعد" (ق175/1 ورقم 3057- ط) : ثنا محمد بن حبيب بن محمد الجارودي فال: نا عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ... فذكره.

قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير الجارودي هذا، وقد ترجمه الخطيب في "التاريخ " فقال (2/277) : "بصري، قدم بغداد وحدّث بها عن عبد العزيز بن أبي حازم. روى عنه أحمد بن علي الخزاز، والحسن بن عليل العنزي، وعبد الله بن محمد البغوي، وكان صدوقاً". وذكره ابن حبان في "الثقات "، وقال: "روى عن [ابن] أبي حازم، حدثنا عنه عبد الله بن محمد البغوي ". ومن الغريب أن الهيثمي لم يعرفه، فقال في "مجمع الزوائد" (8/ 61) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه من لم أعرفه "! مع أنه ذكره في كتابه "ترتيب ثقات ابن حبان "، فلم يتذكره؛ فسبحان من أحاط بكل شيء علماً! وأما المناوي؛ فأقر الهيثمي على قوله المتقدم، ولخص ذلك في "التيسير" فقال: "وفيه مجهول "! وهذا منه غير جيد؛ لأنه لا يلزم من عدم معرفة الهيثمي إياه أن يكون مجهولاً، والمثال بين يديك! فتنبه. وللحديث شاهد من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما". أخرجه أبو داود (4844) ، وإسناده حسن. *

3557

3557- (كانَ تنامُ عيناهُ، ولا ينام قلبُه) . أخرجه الحاكم (2/431) من طريق يعقوب بن محمد الزهري: ثنا عبد العزيز ابن محمد عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس رضي الله عنه قال: ... فذ كره. وقال: "صحيح على شرط مسلم "! كذا قال! وردّه الذهبي بقوله: "قلت: يعقوب ضعيف، ولم يرو له مسلم ". وأقول: هذا الحديث من الأحاديث المشهورة عند السلف، بحيث يغني ذلك عن الإسناد، وأصل ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما في صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الليل: ثم اضطجع فنام حتى نفخ، ثم قام إلى صلاة الفجر فصلى ولم يتوضأ. أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (1224- 1229) مطولاً ومختصراً. ففي رواية للبخاري (138- فتح) في هذا الحديث من طريق سفيان عن عمرو بن دينار ... فساق الحديث، وفيه: قلنا لعمرو: إن ناساً يقولون: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنام عينه ولا ينام قلبه ... وإن مما لا شك فيه: أن الناس الذين يشير إليهم عمرو: هم من الصحابة الذين لقيهم عمرو، أو من كبار التابعين، ولهذا جزم به سفيان في رواية مسلم (2/180) ، فقال: قال سفيان: وهذا للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة؛ لأنه بلغنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه، ولا ينام قلبه.

ومن هذا القبيل: ما أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/132) بسند رجاله ثقات عن إبراهيم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نام في المسجد حتى نفخ، ثم قام فصلى ولم يتوضأ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - تنام عيناه ولا ينام قلبه. وإبراهيم هذا: هو ابن يزيد النخعي التابعي الفقيه. فأقول: هذه المراسيل والمعاضيل؛ اجتماعها يعطي قوة للحديث. ومن ذلك حديث شهر بن حوشب: قال ابن عباس: حضرت عصابة من اليهود نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، فقالوا: يا أبا القاسم! حدثنا عن خلال نسألك عنهن لا يعلمهن إلا نبي؟ قال: "سلوني ما شئتم ... ". فذكر أسألتهم وجواب النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم، وفيه أنه قال لهم: "هل تعلمون أن هذا النبي الأمي تنام عيناه ولا ينام قلبه؟! ". قالوا: اللهم! نعم. وقد جاءت هذه القصة بسند آخر خير من هذا؛ أخصر من هذه؛ وفيها أنهم قالوا: أخبرنا عن علامة النبي؟ قال: "تنام عيناه، ولا ينام قلبه ". رواه جمع منهم الترمذي وصححه؛ وهو مخرج في "الصحيحة " (1873) . فهذا يبين أن أصل تلك المراسيل وكذا حديث أبي هريرة؛ إنما هو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا رواه محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة عنه - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو مخرج في "الصحيحة " أيضاً (696) .

3558

وأقوى من ذلك كله: حديث عائشة قالت: يا رسول الله! أتنام قبل أن توتر؟ قال: "يا عائشة! إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي ". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج هناك؛ وفي "صحجح أبي داود" (1212) . فصح الحديث والحمد لله. * 3558- (كان ضخم اليدين والقدمين، حسن الوجه، لم أرَ بعدَه ولا قبله مثله) . أخرجه البخاري (5906- 5912) ، وأحمد (3/125) ، وابن سعد في "الطبقات " (1/414) من طرق عن قتادة عن أنس به؛ والسياق للبخاري. وعزاه في " الفتح الكبير"- للنبهاني- للبخاري؛ بزيادة فقال: كان ضخم الرأس واليدين والقدمين. وهذه الزيادة مقحمة في هذا الحديث، ليس لها أصل عند البخاري ولا عند الآخرين، فلعله سبق قلم منه! ومن المصادفات الغريبة: أن الحافظ ابن حجر- أو ناسخ كتابه "الفتح"- وقع في مثله؛ فإنه لما نقل المتن لشرحه ذكره (10/358) بلفظ: ضخم الرأس والقدمين! وهذه الجملة: ضخم الرأس.. قد جاءت من طرق عن علي رضي الله عنه، وقد مضى تخريجه برقم (2053) . *

3559

3559- (أفشِ السَّلام وابذلِ الطعامَ. واستحي من الله استحياءك رجُلاً من أهلك. وإذا أسأت فأحسن، ولتُحسن خُلقك ما استطعت) . أخرجه ابن نصر المروزي في "الإيمان " (ق 226/ 1) ، والبزار (2172- كشف الأستار) عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثه إلى قوم، فقال: يا رسول الله! أوصني؟ قال: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد ضعيف لحال ابن لهيعة. وبه أعله الهيثمي (8/23) ؛ وعزاه للبزار فقط! وقد أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/272- 273) من طريق أبي عبد الملك عن القاسم عن أبي أمامة في حديث طويل في غزوة خيبر، وفيه ذكر أبي الطفيل، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: ... فذكر الحديث؛ إلا أنه قال: "واذا أسأت فأحسن؛ فإن الحسنات يذهبن السيئات ". وأعله الهيثمي (6/148) بقوله: "رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد، وهو ضعيف "! قلت: وهو أبو عبد الملك الراوي عن القاسم-وهو ابن عبد الرحمن- صاحب أبي أمامة. وان من تخاليط المناوي: أنه نقل عن الهيثمي إعلال حديث أبي أمامة بابن لهيعة! وإنما هو في حديث معاذ كما سبق، ولم يعزه إليه السيوطي.

3560

هذا.. وقد كنت برهة من الزمن حشرت هذا الحديث في "سلسلة الأحاديث الضعيفة"، ثم تبينت أن له شواهد توجب نقله إلى هنا "الصحيحة"، وقد سبق تخريجها؛ فأنا أحيل عليها؛ ليكون القراء على بينة من الأمر، فأقول: أما الفقرة الأولى؛ فقد تقدمت من حديث عبد الله بن سلام برواية جمع منهم الترمذي وصححه، وقد تقدم (569) . وأما الفقرة الثانية؛ فمضت من حديث سعيد بن يزيد الأنصاري برواية أحمد وغيره بسند جيد، وتقدم (741) . وأما الفقرة الثالثة والأخيرة؛ فسبقت من حديث عبد الله بن عمرو برواية ابن حبان وغيره بسند حسن، وتقدم (1228) . فصح الحديث والحمد لله. * 3560- (ألا إنّ لكل شيء تركة وضيعة، وإن ترِكَتي وضيعتي الأنصار، فاحفظوني فيهم) . أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (5/309/5398) من طريق الوليد بن شجاع قال: نا عمر بن حفص بن ثابت الأنصاري عن عبد الرحمن بن أبي الرّجال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن أنس بن مالك قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره. وقال: "لم يروه عن ربيعة إلا ابن أبي الرجال، تفرد به عمر بن حفص الأنصاري". قلت: لم أجد له ترجمة إلا في "التاريخ الكبير" للبخاري، فذكر أنه روى عن أبيه، سمع النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وقال داود بن رشيد: حدثنا عمر ابن حفص بن عمر بن ثابت أبو سعد الأنصاري عن أبيه ... فساق له أثراً عن عائشة. وقال:

3561

"في الشاميين ". قلت: فاستفدنا من هذا النص فائدتين: إحداهما: أنه شامي، فهو على شرط ابن عساكر، ولم يورده في"تاريخ دمشق" والأخرى: أنه روى عنه داود بن رُشيد، وهو ثقة، ومثله الوليد بن شجاع، فهذان ثقتان رويا عنه، فهو على شرط ابن حبان في "ثقاته "، وقد ذكره فيهم (8/439- 440) برواية داود بن رشيد فقط. ولعله لهذا قال الهيثمي في "المجمع " (10/32) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وإسناده جيد". والأحاديث في الوصية بالأنصار خيراً كثيرة مشهورة، وأحدها عن أنس من طريق آخر عنه، وقد تقدم تخريج الكثير الطيب منها برقم (916 و 917 و3430) . * 3561- (لم يبعث الله نبياً إلا بلغة قومه) . أخرجه أحمد (5/158) : ثنا وكيع عن عمر بن ذرّ قال: قال مجاهد: عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري، لكن قال أبو حاتم: "مجاهد عن أبي ذر مرسل ". وبهذا أعله الهيثمي في "المجمع " (7/43) . لكن الحديث صحيح قطعاً؛ لأنه يشهد له قوله تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم} . ويشير إلى ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -:

3562

"وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة". متفق عليه؛ وهو مخرج في "الإرواء" (1/315- 316) . * 3562- (لو جعل القرآن في إهاب، ثم ألقي في النار؛ ما احترق) . أخرجه الدارمي في "سننه " (2/ 430) ، والطحاوي في"مشكل الآثار" (1/390) ، وأحمد (4/151) ، وأبو القاسم بن عبد الحكم في "فتوح مصر" (288) ، وأبو يعلى في "مسنده " (3/284/1745) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 308) ، وابن عدي في "الكامل " (6/469) ، والبيهقي في "الشعب " (2/554/2699) وفي "الأسماء والصفات " (264) ؛ أخرجوه من طرق، منها: عبد الله بن يزيد المقرئ عن عبد الله بن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن عقبة بن عامر قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات؛ على ضعف في مشرح بن هاعان؛ كما بينت في "تيسير الانتفاع "، ردّاً على قول الحافظ فيه: "مقبول "! وقد قال فيه ابن عدي: "صدوق، لا بأس به ". وعبد الله بن لهيعة هنا صحيح الحديث؛ كما هو معروف من ترجمته، فقد غفل عن هذه الحقيقة الهيثمي فأعله به. فقال (7/158) : "رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وفيه ابن لهيعة، وفيه خلاف "! ونقله الأخ حسين في تعليقه على "مسند أبي يعلى" وأقره! بل إنه صرح فقال في مطلع التخريج:

"إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة"! ثم إن الحديث قد روي عن صحابيين آخرين: أحدهما: عصمة بن مالك الخطمي. والآخر: سهل بن سعد الساعدي. أما الأول، فيرويه الفضل بن المختار عن عبد الله بن موهب عنه به. أخرجه الطبراني (17/186/498) ، والبيهقي في "الشعب " (2/555/ 2700) . وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه الفضل بن المختار، وهو ضعيف ". وأما حديث سهل؛ فيرويه عبد الوهاب بن الضحاك: ثنا ابن أبي حازم عن أبيه عنه. أخرجه الطبراني في"الكبير" (6/212/5901) ، وابن عدي في "الكامل" (1/32 و5/295) . وقال الهيثمي: "رواه الطبراني، وفيه عبد الوهاب بن الضحاك، وهو متروك ". والحديث تكلم عليه المناوي في "فيض القدير"، ونقل أقوال العلماء الذين أعلوه من جميع طرقه، واستدرك عليهم بقوله: "لكنه يتقوى بتعدد طرقه ". وقد أطال النفس في شرحه وبيان المراد منه دون طائل، والظاهر أن المراد ما قاله أئمة الحديث، منهم البيهقي، فقال في "الشعب " عن أبي عبد الله: "يعني: أن من حمل القرآن وقرأه؛ لم تمسه النار".

3563

وأبو عبد الله: هو البوشنجي. وروى مثله في "الأسماء" عن الإمام أحمد. وإن مما لا شك فيه: أن المراد حامل القرآن وحافظه وتاليه لوجه الله تبارك وتعالى، لا يبتغي عليه جزاءٌ ولا شكوراً إلا من الله عز وجل، وإلا؛ كان كما قال أبو عبد الرحمن- وهو عبد الله بن يزيد المقرئ- كما في "مسند أبي يعلى": "تفسيره: أن من جمع القرآن، ثم دخل النار؛ فهو شر من خنزير". * 3563- (إذا ضحّى أحدكم، فليأكل من أُضْحِيَّتِهِ) ، أخرجه أحمد (2/ 391) ، وابن عدي (88/ 1- 2) ، والخطيب في "التاريخ " (7/34) من طريقين عن الحسن بن صالح عن ابن أبي ليلى عن عطاءعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير ابن أبي ليلى- واسمه محمد بن عبد الرحمن الكوفي القاضي الفقيه-؛ أورده الذهبي في " الضعفاء "، وقال: "صدوق سيئ الحفظ ... ". وقال الحافظ في "التقريب ": "صدوق سيئ الحفظ جدّاً". وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال؛ كما حكاه عنهما ابن أبي حاتم في "العلل " (2/38 و41) ! والذي وصله ثقة، فالعلة ما ذكرته. وإذا عرفت هذا؛ فقول الهيثمي (4/25) - كان تابعه المناوي-: "رواه أحمد ورجاله رجال (الصحيح) "!

ليس بصحيح؛ فإن ابن أبي ليلى- مع ضعفه المذكور- لم يُخرّج له في "الصحيح "، ولعلهما ظناه عبد الرحمن بن أبي ليلى والد محمد؛ فهو الذي خُرّج له في "الصحيحين "؛ ولكن ليس به، فتنبه. نعم؛ يمكن أن يقال: إن الحديث حسن بشاهده المروي عن ابن عباس مرفوعاً: "ليأكل كل رجل من أضحيته ". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/174/1) ، وعنه أبو نعيم في "الحلية" (4/362) من طريق عبد الله بن خراش عن العوام بن حوشب عن عبد الله ابن أبي الهُذيل عن ابن عباس مرفوعاً. وقال أبو نعيم: "غريب من حديث عبد الله، لم نكتبه إلا بهذا الإسناد". قلت: وهو ضعيف جداً؛ فإن عبد الله بن خراش متفق على تضعيفه. وقال الساجي: "ضعيف الحديث جدّاً، ليس بشيء، كان يضع الحديث". ونحوه قول البخاري: "منكر الحديث ". وجملة القول؛ أنه شديد الضعف؛ فلا يصلح للاستشهاد به، فيبقى الحديث على ضعفه. والله أعلم. ثم وجدت ما يقويه من رواية شريك عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه وقتادة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كلوا لحوم الأضاحي وادّخروا". أخرجه أحمد (3/48) .

3564

ثم أخرجه (3/85) ، وكذا مسلم وغيره من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري وحده بلفظ: " كلوا، وأطعموا، واحبسوا ". والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، وقد خرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (2503) ، و"الإرواء" (4/369- 370) ، وتقدم بعضها في "الصحيحة " (2969) . من أجل ذلك؛ رأيت إيداع حديث الترجمة في"الصحيحة " أيضاً. * 3564- (من أُعْمِر شيئاً فهو لمُعمَرِهِ؛ محياهُ ومماتهُ، ولا ترقبوا؛ فمن أرقب شيئاً؛ فهو سبيله. وفي رواية: سبيلُ الميراث) . أخرجه أبو داود (3559) ، والنسائي (2/135) ، وابن ماجه (2381) مختصراً-، وكذا ابن حبان (1149 و1150) ، وأحمد (5/182 و186 و189) ، والطبراني في"المعجم الكبير" (5/179- 182) من طرق عن حُجر المدريّ عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح. وله شاهد من حديث جابر عند مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1607- 1609) . (فائدة) : روى أبو داود (3560) بسند جيد عن مجاهد قال: " (العمرى) : أن يقول الرجل للرجل: هو لك ما عشت. و (الرقبى) : هو أن يقول الإنسان: هو للآخر مني ومنك ". وقال أبو الحسن السندي في "حاشية النسائي": " (الرّقبى) على وزن (حُبلى) ، وصورتها: أن يقول: جعلت لك هذه الدار،

3565

فإن مت قبلك فهي لك، وإن مت قبلي عادت إلي؛ من المراقبة؛ لأن كلاً منهما يراقب موت صاحبه ". وقال، في (العمرى) : "هي ك (حبلى) كما سبق؛ اسم من أعمرتك الدار؛ أي: جعلت سكناها لك مدة عمرك ". قلت: وكل من (العمرى) و (الرقبى) توجبان الملك لـ (المعمر) و (المرقب) ، ولعقبه من بعده، ولا رجوع فيهما، كما قال الشوكاني وغيره، انظر "الروضة الندية " (2/167- 168) . * 3565- (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمّة الله وذمّة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته) . أخرجه البخاري (391) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (2/530/ 11728) ـ دون جملة الذمة- من طريق منصور بن سعد عن ميمون بن سياه عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن؛ فإن ميمون بن سياه- مع أنه من رجال البخاري- ففيه كلام أشار إليه الحافظ بقوله في "التقريب ": "صدوق عابد يخطئ ". وهو تلخيص لقول ابن عدي في آخر ترجمته من "الكامل " بعد أن ساق له أحاديث هذا أحدها (6/414- 415) : "أحد من كان يعد في زهاد البصرة، ولعل ليس له من الحديث غير ما ذكرت

3566

من المسند، والزهاد لا يضبطون الأحاديث كما يجب، وأرجو أنه لا بأس به ". قلت: فأنا أخشى أن يكون وهم في ذكر جملة الذمة في الحديث، دخل عليه حديث في حديث؛ فإنها معروفة وثابتة في أحاديث: "من صلى صلاة الصبح؛ فهو في ذمة الله ... " إلخ، وقد سبق تخريجه برقم (2890) . وميمون نفسه لم يذكرها في رواية عنه، فقال حميد: سأل ميمون بن سياه أنس بن مالك قال: يا أبا حمزة! ما يحرم دم العبد وماله؟ فقال: من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم. أخرجه البخاري (393) . ولعل الإمام النسائي أشار إلى ما ذكرت من الخشية بحذفه الجملة المذكورة. والله سبحانه وتعالى أعلم. * 3566- (من مات يشرك بالله شيئاً؛ دخل النّار) . هو من حديث ابن مسعود، يرويه عنه شقيق أبو وائل، وله عنه طرق: الأولى: الأعمش: حدثنا شقيق به؛ وزاد: وقلت أنا (يعني: ابن مسعود) : من مات لا يشرك بالله شيئاً؛ دخل الجنة. أخرجه البخاري (1238 و4497 و6683) ، ومسلم (1/65) ، والنسائي في "الكبرى" (6/294/11011) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 233) ، وأحمد (1/462 و464) من طرق عن الأعمش به.

الثانية: سيّار أبو الحكم عن أبي وائل به. أخرجه ابن خزيمة، وأحمد (1/374) . الثالثة: المغيرة عن أبي وائل به. أخرجه ابن حبان (1/235/251) ، وأحمد أيضاً؛ قرنه بـ (سيار) . الرابعة: عاصم عن شقيق به. أخرجه الطبراني في"المعجم الكبير" (10/231/ 10410) ، ولفظ الموقوف: قال عبد الله: وأخرى لم أسمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أرجو أن يكون حقاً: لا يموت عبد وهو لا يجعل لله ندّاً؛ إلا أدخله الله الجنة. وإسناده حسن. ثم روى (10416) من طريق آخر عن عاصم به المرفوع فقط. وله طريق أخرى عن ابن مسعود؛ يرويه أبو بحر البكراوي عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عنه بالمرفوع والموقوف. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (4/348) ، وقال: "تفرد به عبد الرحمن بن عثمان البكراوي عن شعبة". قلت: والبكراوي هذا ضعيف، والمحفوظ عن شعبة الرواية الأولى عن الأعمش، وستأتي الإشارة إلى روايته عنه في كلام ابن خزيمة الآتي قريباً إن شاء الله تعالى. (تنبيه) : واعلم أنه قد وقع لبعض الرواة الحفاظ خطأ فاحش في هذا الحديث، ونحوه لأحد الحفاظ المتأخرين.

أما الأول؛ فهو أبو معاوية فقال: ثنا الأعمش عن شقيق به؛ إلا أنه انقلب عليه متنه؛ فجعل المرفوع موقوفاً، والموقوف مرفوعاً. أخرجه ابن خزيمة أيضاً، وأبو عوانة في"صحيحه" (1/17) ، وأحمد أيضاً (1/382 و425) . وقال ابن خزيمة- بعد أن عقب عليه برواية ابن نمير عن الأعمش مثل رواية الجماعة عنه-: "قلب ابن نمير المتن على ما رواه أبو معاوية؛ وتابع شعبة في معنى المتن، وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية، وتابعهما أيضاً سيار أبو الحكم ... " فساق روايته. ولذلك قال الحافظ في "الفتح " (3/ 111) : "ولم تختلف الروايات في " الصحيحين " في أن المرفوع: الوعيد، والموقوف: الوعد، وزعم الحميدي في "الجمع "- وتبعه مغلطاي في "شرحه "، ومن أخذ عنه- أن في رواية مسلم من طريق وكيع وابن نمير بالعكس؛ بلفظ: "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة"، وقلت أنا: من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار. وكأن سبب الوهم في ذلك: ما وقع عند أبي عوانة والإسماعيلي من طريق وكيع بالعكس؛ لكن بين الإسماعيلي أن المحفوظ عن وكيع كما في "البخاري"، قال: وإنما المحفوظ أن الذي قلبه أبو معاوية (¬1) وحده، وبذلك جزم ابن خزيمة في "صحيحه "، والصواب رواية الجماعة. وهذا هو الذي يقتضيه النظر؛ لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن، وجاءت السنة على وفقه؛ فلا يحتاج إلى استنباط، بخلاف ¬

(¬1) الأصل (أبو عوانة) ، وفي الهامش: في نسخة: "أبو معاوية ". قلت: وهو الصواب، ولا يستقيم المعنى إلا به.

جانب الوعد؛ فإنه في محل البحث؛ إذ لا يصح حمله على ظاهره؛ كما تقدم. وكأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ: قيل: يا رسول الله! ما الموجبتان؟ قال: "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار" ... ". وكذا أبو عوانة (1/18) ، وأحمد (3/391) . وأقول: لقد ألقي في نفسي أن قول ابن مسعود هذا يشبه إلى حد كبير قول ابن عمر في (التحيات) بعد الشهادة: وزدت فيها: وحده لا شريك له ... وهي ثابتة في (تحيات) غير واحد من الصحابة (¬1) ، فالظاهر أنهما قالا ما قالا؛ اعتماداً على غيرهما من الصحابة الذين سمعوا ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - دونهما، فلم يرفعاه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد يشير إلى هذا - بالنسبة لابن مسعود- قوله في رواية عاصم المتقدمة: لم أسمعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلعل هذا أولى من تأويل أنه قال، ذلك استنباطاً؛ تمسكاً بدليل الخطاب. والله سبحانه وتعالى أعلم. وأما الحافظ المتأخر؛ فهو الإمام السيوطي؛ فإنه أورد الموقوف على ابن مسعود في "الجامع الكبير" (2/835) من رواية (حم، خ، م) عن ابن مسعود. (حم، والدارمي، طب، والبغوي) عن أبي أيوب. (حم، بز، وابن خزيمة، ن، حل) عن أبي الدرداء. (ع) عن أبي سعيد". فأوهم أن الحديث مرفوع عند الشيخين؛ كما هو عند الآخرين، وزاد في الإيهام في كتابه الآخر "الجامع الصغير"؛ فإنه اختصر التخريج فيه، فلم يذكره إلا من رواية ابن مسعود برمز (حم، ق) ! ¬

(¬1) انظر"صفة الصلاة" (163) .

3567

وإن من غرائبه: أنه أخلى "جامعيه " من حديث ابن مسعود هذا المرفوع، وهذا نوع جديد من القلب. والله المستعان. * 3567- (نهى أن يضعَ (وفي رواية: يرفعَ) الرّجل إحدى رجليه على الأخرى- زاد في الرواية الأخرى- وهو مستلق على ظهره) . أخرجه أبو داود في "سننه " (4865) هكذا: حدثنا قتيبة بن سعيد: حدثنا الليث. (ح) وحدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا حماد عن أبي الزبير عن جابر قال: ... فذكره، واللفظ الثاني، والزيادة لقتيبة. ورواية الليث أخرجها مسلم، وأحمد (3/349) من طرق أخرى عنه باللفظ الثاني والزيادة. وذكره باللفظ الأول والزيادة الحافظ ابن عبد البر في"التمهيد" (9/204) من رواية الليث بن سعد وابن جريج وحماد بن سلمة؛ رووه عن أبي الزبير عن جابر به. ورواية ابن جريج: عند مسلم، وأحمد أيضاً باللفظ الأول نحوه. وقد كنت خرجت الحديث مبسطاً فيما مضى برقم (1255) ، وفاتني هناك عزوه لرواية أبي داود، والآن- وأنا في صدد تهذيب "صحيح الجامع "، و"ضعيف الجامع " منذ بضعة أشهر- وجدت السيوطي قد أورد حديث الترجمة باللفظ الأول من رواية (حم- عن أبي سعيد) ، فاستغربت عزوه لحديث أبي سعيد؛ فإني لما رجعت إلى التخريج المبسط؛ وجدته مخرجاً من حديث جابر، وابن عباس، وأبي هريرة دون أبي سعيد، فرابني الأمر، فأخذت أبحث من جديد، واضعاً نصب عيني احتمال أن يكون فاتني الوقوف عليه يومئذ، ولكن دون جدوى، فلم أجد له أثراً فيما لدي من المصادر أصولها وفروعها، ومن هذه "مجمع الزوائد". ولكني

3568

رأيت المناوي قد انطلى عليه عزو السيوطي، وغفل عن الخطأ الذي فيه، فأقره عليه، بل واستدرك عليه، فقال: "ورواه الطبراني أيضاً، ورمز المصنف لحسنه، وهو تقصير، بل حقه الرمز لصحته، فقد قال الهيثمي: رجاله ثقات "! والهيثمي إنما قال هذا في رواية الطبراني عن جابر، ولم يذكره ألبتة من حديث أبي سعيد! ثم قال المناوي: "وظاهر صنيع المصنف أنه لا يوجد مخرجاً في أحد "الصحيحين "، بل ولا لأحد من الستة؛ وإلا لما اقتصر على غيره، وهو غفلة؛ فقد خرجه مسلم والبخاري في اللباس باللفظ المذكور، لكنه قال: (يرفع) بدل (يضع) "! وهذا خطأ آخر ومزدوج؛ فإن مسلماً أخرجه باللفظين؛ كما تقدم. وأما البخاري؛ فلم يخرجه مطلقاً، لا في (اللباس) ، ولا في غيره. ومن عجائبه: قوله في آخر كلامه: ".. وذهل عن رد الحافظ ابن حجر له بأنه عند البخاري في (اللباس) "! والحافظ نفسه إنما عزاه في آخر (اللباس) (10/399) لمسلم فقط! نعم؛ لقد ذكر رحمه الله في (الاستئذان) (11/ 81) بأنه قد سبقه القلم في (أبواب المساجد) فكتب "صحيح البخاري "، والمراد "صحيح مسلم ". * 3568- (نهى عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضّة) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/149/16632) ، وكذا البيهقي

3569

(1/28) من طريق إبراهيم بن طهمان عن الحجاج بن الحجاج عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك قال:.. فذكره مرفوعاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. ثم روى البيهقي من طريق يونس بن عبيد عن أنس بن سيرين قال: كنت مع أنس بن مالك عند نفر من المجوس، قال: فجيء بفالوذج على إناء من فضة، قال: فلم يأكله، فقيل له: حوّله، قال: فحوله على إناء من خلج (شجر معروف) ، فجيء به، فأكله. ورجاله ثقات؛ غير أحمد بن عمرو القطواني؛ فلم أعرفه الآن. ثم رأيته في "السير" (13/506) وموصوفاً بـ"المحدّث المعمّر، الثقة "، ونسبته (القطراني) . وللحديث شاهد من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، رواه الشيخان وغيرهما بنحوه، وهو مخرج في " الإرواء " (32) . * 3569- (نهى عن المخابرة) . أخرجه ابن أبي شيبة في"المصنف" (6/346/1296) ، ومن طريقه: أبو داود (3407) ، وعنه البيهقي (6/133) ، وأحمد (5/187 و188) من طريق جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج عن زيد بن ثابت قال: ... فذكره مرفوعاً. قلت: وما المخابرة؟ قال: أن تأخذ الأرض بنصف، أو ثلث، أو ربع. قلت: إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات.

وهذا التفسير للمخابرة؛ الظاهر أنه من زيد بن ثابت، فهو الذي ينبغي أن يعتمد من بين الأقوال التي ذكرها ابن الأثير في "النهاية"؛ لأنه تفسير صحابي، وراو للحديث؛ فهو أدرى بمرويّه من غيره. وقد جاء بيان سبب نهيه - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة في طريق آخر؛ يرويه عروة بن الزبير قال؛ قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج! أنا والله أعلم بالحديث منه؛ إنما أتى رجلان اقتتلا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كان هذا شأنكم؛ فلا تكروا المزارع ". قال: فسمع رافع قوله: "لا تكروا المزارع". أخرجه أحمد (5/182 و187) ، وسنده حسن. قلت: وهذه الرواية تفيدنا فائدة هامة، وهي أن النهي عن (المخابرة) ليس لذاتها، وإنما ما قد ينتج من النزاع بين صاحب الأرض والمستأجر، وما ذاك إلا بسبب شروط توضع من أحد الفريقين غير مشروعة فيقع النزاع. وهذا هو ما أفادته مجموع روايات حديث رافع بن خديج، كما كنت حققته في "إرواء الغليل " (5/297- 302) ، ومن أبينها رواية لمسلم وغيره من طريق حنظلة بن قيس قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به؛ إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا، ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، وأما شيء مضمون؛ فلا بأس به. *

3570

3570- (هذا رمضانُ قد جاءكم، تفتح فيه أبوابُ الجنة، وتغلقُ فيه أبواب النار، وتسلسلُ فيه الشياطينُ) . أخرجه النسائي (1/296) ، وأحمد (3/236) من طريق ابن إسحاق قال: وذكر محمد بن مسلم عن أويس بن أبي أويس- عديد بني تيم- عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال النسائي: "هذا الحديث خطأ". قلت: يعني: إسناده. وقد بين ذلك أبو حاتم؛ وقد سأله عنه ابنه في "العلل" (1/ 240/ 700) فأجابه بقوله: "هذا خطأ، إنما هو عن الزهري عن ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت (ابن أبي حاتم) : فإنه روى ابن إسحاق على أثر هذا الحديث عن الزهري قال: حدثني ابن أبي أنس أنه سمع أبا هريرة يحدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنحوه؟ قال أبي: وهذا أيضاً: ابن أبي أنس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ". قلت: والخلاصة أن الحديث حديث أبي هريرة- لا أنس- وأنه عن ابن أبي أنس عن أبيه عنه. وهكذا أخرجه الشيخان وغيرهما من طرق عن ابن شهاب به؛ وقد سبق تخريجه برقم (1307) مع طريق آخر عن أبي هريرة. وهذه المخالفة من ابن إسحاق ليست غريبة " فإنه معروف عند الحفاظ بأن في حفظه شيئاً، ولذلك؛ لم يخرج له الشيخان إلا مسلماً؛ فإنه أخرج له في المتابعات، يضاف إلى هذا أنه موصوف بالتدليس، وقد اجتمعت فيه هنا العلتان، فإنه- مع المخالفة المذكورة- لم يصرح بالتحديث، وإنما ذكره معلقاً مُنقطعاً!! وقد روى هذا الحديث بإسناد آخر وزيادة في المتن، فقال:

3571

عن الفضل الرقاشي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك مرفوعاً به نحوه، وزاد: "بُعداً لمن أدرك رمضان ولم يغفر له، إذا لم يغفر له فيه؛ فمتى؟ ". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (3/2) ، والطبراني في"الأوسط " (7/323/7627) . لكن العلة في هذا ممن فوقه. ولذلك قال الهيثمي (3/143) : "رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي، وهو ضعيف ". قلت: ومثله شيخه يزيد- وهو ابن أبان الرقاشي-، وهو عمه كما وقع في إسناد ابن أبي شيبة، قال الحافظ في "التقريب ": "ضعيف". * 3571- (الوسيلةُ درجة عند الله؛ ليس فوقها درجة، فسَلُوا الله أن يؤتيني الوسيلة) . أخرجه أحمد (3/83) : ثنا موسى بن داود عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ على ضعف في حفظ ابن لهيعة؛ لكنه قد توبع، فدل على أنه قد حفظ؛ فقال الطبراني في "المعجم الأوسط " (1/89/263) : حدثنا أحمد بن رشدين قال: نا روحُ بن الصلاح قال: نا سعيد بن أيوب عن عُمارة بن غزية به. وهذه متابعة قوية، لكن السند إليها ضعيف.

3572

إلا أنه قد صح إلى متابع آخر ثقة، فقال في"الأوسط" أيضاً (2/126/1466) : حدثنا أحمد قال: نا يحيى بن محمد بن السكن قال: نا محمد بن جهضم قال: نا إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية به، وزاد في آخره: "على خلقه ". وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات من رجال "التهذيب "؛ غير أحمد هذا- وهو ابن محمد بن صدقة-، من شيوخ الطبراني الذين أكثر عنهم، وهو حافظ متقن. ومن هذا التخريج يتبين للباحث تقصير الهيثمي في تخريج الحديث والحكم عليه " بقوله (1/332) : "رواه أحمد، والطبراني في "الأوسط "، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وقال الطبراني فيه: فسلوا الله عز وجل أن يؤتيني الوسيلة على خلقه "!! فأوهم أن إسناد الطبراني بهذا اللفظ الأخير فيه ابن لهيعة أيضاً! وليس كذلك كما بينا. وللحديث شاهد من حديث عبد الله بن عمرو أتم منه. رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1/259/242) ، و"صحيح أبي داود" (536) . * 3572- (الوزغُ فُوَيْسِقٌ) . جاء من حديث عائشة، وسعد بن أبي وقاص. أما حديث عائشة؛ فيرويه ابن شهاب عن عروة بن الزبير عنها أن رسول

الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قالت: ولم أسمعه أمر بقتله. أخرجه البخاري (1831 و3306) ، ومسلم (7/42) ، والنسائي (2/63) ، وابن ماجه (3230) ، وابن حبان (3952) ، والبيهقي (5/210-211) ، وأحمد (6/87- 271 و279) . وقال ابن حبان: "وهذا غريب "! قلت: ولم يظهر لي وجه استغرابه إياه؛ ورجاله جبال في الحفظ، ولا سيما ويشهد له الحديث الثاني: 2- وأما حديث سعد بن أبي وقاص؛ فيرويه مسلم، وأبو داود (5262) ، وابن حبان (5606) ، وأحمد (1/176) من طريق الزهري أيضاً عن عامر بن سعد ابن أبي وقاص عنه مرفوعاً. هذا؛ ولا يخفى أن قول عائشة: (ولم أسمعه أمر بقتله) ؛ مما لا ينفي أن يكون غيرها سمعه منه - صلى الله عليه وسلم -، ومن هنا قيل: من علم حجة على من لم يعلم؛ فهذا سعد قد علم ما لم تعلم؛ كما أنه ثبت عن أم شريك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الوزغ؛ كما في البخاري وغيره، ومضى تخريجه برقم (1581) ، وقد خرجت هناك رواية عن عائشة نفسها أنها كانت تقتل الأوزاغ، فإن صح ذلك! فتكون قد رجعت إلى حديث غيرها ممن سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم -. (تنبيه) : قول عائشة المذكور لم يقع في رواية ابن حبان للحديث، وغفل المعلق عليه (9/277) ؛ فلم يعزه إلا للبخاري! *

3573

3573- (لا تصومُوا هذه الأيام؛ فإنّها أيامُ أكل وشرب) . أخرجه أحمد في"المسند" (3/494) من طريق قتادة عن سليمان بن يسَار عن حمزة الأسلمي: أنه رأى رجلاً على جمل يتبع رحال الناس بمنى؛ ونبي الله - صلى الله عليه وسلم - شاهد، والرجل يقول: ... فذكره. قال قتادة: فذكر لنا أن ذلك المنادي كان بلالاً. ومن هذا الوجه أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (2/165/2875/ 1) دون قول قتادة؛ وذكر الخلاف في إسناده على سليمان بن يسار، وأنه اتفق سالم أبو النضر وعبد الله بن أبي بكر عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن حذافة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن ينادي في أيام التشريق: "إنها أيام أكل وشرب ". قلت: وهذا إسناد صحيح. ثم ذكر خلافاً آخر على سليمان بن يسار. ثم ذكر له بعض الشواهد، منها: عن عمرو بن دينار عن نافع بن جبير بن مطعم عن بشر بن سحيم مرفوعاً نحوه. وإسناده صحيح أيضاً. وفي الباب عن جمع آخر من الصحابة؛ خرج أحاديثهم الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 202- 204) .

ومنها: ما رواه صالح بن كيسان عن عيسى بن مسعود الزرقيّ عن جدته حبيبة بنت شريق: أنها كانت مع أمها ابنة العجماء في أيام الحج بمنى، قال: فجاء بُديلُ بن ورقاء على راحلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برحله، فنادى: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان صائماً فليفطر؛ فإنهن أيام أكل وشرب ". أخرجه الحاكم (2/250) ، والطبراني في "الأوسط " (4/27/3526) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/342/1) . قلت: وهذا إسناد جيد رجاله ثقات؛ غير عيسى بن مسعود بن الحكم الزرقي، وقد وثقه ابن حبان (7/236) وقد روى عنه ثلاثة من الثقات؛ ذكر منهم اثنين في "التهذيب "، وفاتهما هذا الثالث- وهو صالح بن كيسان-، وهو ثقة ثبت فقيه. وهذا الحديث قال الهيثمي: "رواه أحمد، والطبراني في"الأوسط "، وفي إسناد أحمد رجل لم يسم"! فلم يتكلم عن إسناد الطبراني بشيء! ورجاله كلهم ثقات. ويظهر أن هذا الحديث مما سقط من بعض نسخ"المسند"؛ ومنها النسخة المطبوعة في مصر، وقد عزاه أيضاً لأحمد الحافظ ابن كثير في"جامع المسانيد" (2/15) ، وكذلك صنع الحافظ في "أطراف المسند" (1/572/1113) ، ولذلك؛ صدره محققه الدكتور زهير ناصر بقوله: "لم أجده". فلعل القائمين على طبع "المسند" في "مؤسسة الرسالة" يستدركون هذا الحديث مع أحاديث أخرى سقطت من المطبوعة، سبق التنبيه على بعضها.

3574

(تنبيه) : سكت الحاكم عن حديث بديل هذا، بل إنه عقب عليه بقوله: "هذا الحديث ليس من جملة هذا الكتاب "! قلت: فلم أفهم مراده منه، ولا ذكره الذهبي في "تلخيصه ". والله سبحانه وتعالى أعلم. ثم رأيت لـ (عيسى بن مسعود الزرقي) متابعاً، وهو أخوه (يوسف بن مسعود ابن الحكم الزرقي) ، أخرجه البيهقي في "سننه " (4/298) ، والمزي في ترجمة (يوسف) من "التهذيب " (32/461) أخرجاه من طريقين عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن يوسف بن مسعود به. وعلقه النسائي في "السنن الكبرى" (2/168/2885) بصيغة الجزم، فقال: "وقد روى هذا الحديث يحيى بن سعيد عن يوسف بن مسعود بن الحكم ... ". وذكر المزي أنه وصله من طريق عيسى بن حماد عن ليث بن سعد عن يحيى ابن سعيد الأنصاري. ولم أره عند النسائي هكذا موصولاً. والله أعلم. ويوسف هذا وثقه ابن حبان أيضاً (5/551) . * 3574- (لا صاعَيْ تمرٍ بصاعٍ، ولا صاعَيْ حنطةٍ بصاعٍ، ولا درْهَمَ بدرهمَينِ) . هو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وله عنه طريقان: الأولى: عن أبي سلمة عنه قال: كنا نُرزقُ تمر الجمع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الخلط من التمر-؛ فكنا

نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ... فذكره. أخرجه البخاري (2080) ، ومسلم (5/48) - والسياق له-، والنسائي (2/ 220-221) ، والبيهقي (5/291) ، وأحمد (3/49 و50-51) من طريق يحيى بن أبي كثير به. وتابعه الحارث بن عبد الرحمن: عند الطحاوي في "الشرح " (2/234) . ورواه الشيخان وغيرهما من طريق سعيد بن المسيب عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً نحوه؛ وهو مخرج في "الإرواء" (1340) . والطريق الأخرى: عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد به. أخرجه ابن حبان (5024/ المؤسسة) من طريق الوليد عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثيرعنه. قلت: وإسناده صحيح؛ لولا عنعنة الوليد- وهو ابن مسلم- في إسناده. لكنه قد توبع، فرواه يحيى بن حمزة قال: حدثنا الأوزاعي به مختصراً. أخرجه النسائي. ورواه معاوية بن سلام: أخبرني يحيى بن أبي كثير قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر يقول: سمعت أبا سعيد يقول: جاء بلال بتمر برّني، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أين هذا؟ ". فقال بلال: تمر كان عندنا رديء؛ فبعت منه صاعين بصاع لمطعم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك:

3575

"أوّه؛ عين الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتري التمر؛ فبعه ببيع آخر، ثم اشتر به ". أخرجه البخاري (2312) ، ومسلم، وابن حبان (5022) ، وأحمد (3/62) ؛ وزاد في آخره: "ما بدا لك ". وسنده جيد. ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي سعيد مرفوعاً بلفظ: "لا يصلح صاع تمر بصاعين، ولا درهم بدرهمين، والدرهم بالدرهم، والدينار بالدينار؛ ولا فضل بينهما إلا وزناً ". أخرجه ابن ماجه (2256) ، وابن أبي شيبة في"المصنف" (7/102/2529) . قلت: وإسناده حسن. * 3575- (إنما هو جبريلُ؛ لم أرَهُ على صُورته التي خُلق عليها إلا هاتين المرتين؛ رأيته مُنهبطاً من السّماء، سادّاً عِظَمُ خَلْقِه ما بين السماء والأرض) . رواه مسلم (1/ 110) - واللفظ له-، وأحمد (6/236 و241) ، والطيالسي (1408) ، والنسائي في "الكبرى" (11532) ، والترمذي (3068) ، وإسحاق بن راهويه في"مسنده " (884) ، وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 145- 146) ، وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (485) من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي عن مسروق قال: كنتُ مُتكئاً عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة! ثلاث من تكلم بواحدة منهنّ

3576

فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئاً فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين! أنظريني ولا تعجليني، ألم يقل الله- عز وجل-: {ولقد رآه بالأفق المبين} ، {ولقد رآه نزلة أخرى} ؟! فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: ... فذكره. فقالت: أولم تسمع أن الله يقول: {لا تدركه الأبصار وهو يُدركُ الأبصار وهو اللطيف الخبير} ؟! أولم تسمع أن الله يقول: {وما كان لبشر أن يُكلمه الله إلا وحياً أومن وراء حجاب أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليٌ حكيم} ؟! قالت: ومن زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئاً من كتاب الله؛ فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} . قالت: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد؛ فقد أعظم على الله الفرية، والله يقول: {قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله} . * 3576- (إنما مثل المهجّر إلى الصلاة: كمثل الذي يُهدي البدنة، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي البقرة، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي الكبش، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي الدجاجة، ثم الذي على إثره: كالذي يُهدي البيضة) . هو من حديث أبي هريرة، وله عنه طرق: الأولى: الأغرّ عنه: رواه البخاري (929) ، ومسلم (3/7-8) ، والنسائي (1/138) - واللفظ له-

و (1/205-206) ، والدارمي (1/362) ، وابن أبي شيبة (2/ 152) ، وعبد الرزاق (5562) ، وأحمد (2/259 و280 و499 و505) ، والطحاوي في"مشكل الآثار" (2600 و2601) وفي"شرح معاني الآثار" (4/ 180) ، والبيهقي (3/226) ، وأبو يعلى (6158) . الثانية: عن أبي سلمة عنه: رواه الطحاوي في "المشكل" (2603) وفي" الشرح" (4/ 180) ، وأبو الشيخ في "الأمثال" (2 31) ، وابن خزيمة (1768) من طريقين عنه عن أبي هريرة. (تنبيه) : أعلّ أبو حاتم- كما في "العلل" (600) لابنه - رواية ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة بالوقف! وابن العشرين متابع من مُبشر بن إسماعيل- في رواية ابن خزيمة- عن الأوزاعي به. ومُبشر ثقة، والطرق قبله تؤيد روايته. وقد رواه البخاري (3211) ، والنسائي في "الصغرى" (2/116) و"الكبرى" (936) ، وأحمد (2/512) من طريق أبي سلمة والأغر- معاً- عنه بألفاظ. الثالث: عن سعيد بن المسيّب عنه: رواه مسلم (3/8) - ولم يسق لفظه-، وأحمد (2/239) ، وابن خزيمة (1769) ، وابن ماجه (1092) ، والبيهقي (3/225-226) ، والبغوي في "شرح السنة" (1061) ، والطحاوي في "المشكل " (2602) وفي "شرح المعاني" (4/180) .

3577

الرابع: هلال المدني عنه: رواه أحمد (2/499) . وهلال هذا مجهول. ولكن الطرق قبله تثبت روايته. وفي معنى هذه الرواية أحاديث متعددة عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره. * 3577- (إنما مثلُ صاحب القرآن: كمثل صاحب الإبل المُعَقَّلَةِ؛ إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت) . جاء من حديث ابن عمر، وله عنه طريقان: الأول: عن نافع: رواه البخاري (5031) ، ومسلم (1/190-191) ، والنسائي في " الصغرى" (2/154) و"الكبرى" (1/327) ، وابن ماجه (3783) ، وابن حبان (761 و762) ، ومالك (1/202) ، وابن أبي شيبة (2/500و10/476) ، وعبد الرزاق (5971 و5972 و6032) ، وأحمد (2/17و24و30 و 64) ، والبيهقي (2/395) ، والبغوي في"شرح السنة" (1221) من طرق عنه. الثاني: عن سالم: رواه عبد الرزاق (5972) . * 3578- (إنّما هلك من كان قبلكم: باختلافهم في الكتاب) . رواه مسلم (7/57) ، والنسائي في" الكبرى" (8095) ، وأحمد (2/ 192) ، والآجُرّي في "الشريعة" (ص 67) من حديث عبد الله بن عمرو قال:

3579

هجّرتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً قال: فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- يُعرفُ في وجهه الغضب -؛ فقال: ... فذكره. * 3579- (إنّه اتبعنا رجلٌ لم يكن معنا حين دعوتنا؛ فإن أذنتَ له دخل) . جاء من حديث أبي مسعود البدري، وجابر بن عبد الله. أما حديث أبي مسعود، فقد رواه البخاري (5434 و5461) ، ومسلم (6/115- 116) ، والترمذي (1099) - واللفظ له-، والدارمي (2/105-106) ، وأبوعوانة (5/373-375) ، وابن حبان (5276) ، وأحمد (4/ 121) من طرق عن الأعمش عن أبي وائل عن أبي مسعود البدري الأنصاري قال: جاء رجل- يقال له: أبو شعيب- إلى غلام له لحام، فقال: اصنع لي طعاماً يكفي خمسة؛ فإني رأيت في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الجوع. قال: فصنع طعاماً، ثم أرسل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدعاه وجُلساءه الذين معه، فلما قام النبي - صلى الله عليه وسلم - اتبعهم رجل لم يكن معهم حين دعوا، فلما انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الباب " قال لصاحب المنزل: ... فذكره. قال: فقد أذنّا له؛ فليدخل. وأما حديث جابر؛ فقد رواه مسلم (6/116) - ولم يسق لفظه-، وأبو عوانة (5/375) ، وأحمد (3/353) من طريق عمار بن رُزيق. ومسلم- أيضاً- ولم يسق لفظه-، وأبو عوانة أيضاً، وأحمد (3/396) من طريق زهير: كلاهما عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر. *

3580

3580- (إنّه لم يُقبض نبيٌ حتّى يُرى مقعدُه من الجنة، ثم يُخيّر) . رواه البخاري (4463) - واللفظ له-، و (4437) ، ومسلم (7/137- 138) ، وأحمد (6/89) من طريق عروة وسعيد بن المسيّب أن عائشة قالت: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو صحيح: ... فذكرته. فلما نزل به- ورأسه على فخذي- غشي عليه، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت، ثم قال: "اللهم! الرفيق الأعلى". فقلت: إذن؛ لا يختارنا، وعرفتُ أنه الحديث الذي كان يحدثنا وهو صحيح. قالت: فكان آخر كلمة تكلم بها: "اللهم! الرفيق الأعلى". * 3581- (إئه ليأتي الرّجل العظيمُ السّمين يومَ القيامة؛ لا يزنُ عندَ الله جناح بعوضة) . رواه البخاري (4729) - واللفظ له-، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة " (4327) ، ومسلم (8/25) من طريق أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. وقال: اقرؤوا: {فلا نُقيم لهم يوم القيامة وزناً} . قال الحافظ ابن حجر في"الفتح " (8/426) تعليقاً على قوله: "اقرؤوا": "القائل يُحتمل أن يكون الصحابي، أو هو مرفوع من بقية الحديث ".

3582

قلت: وليس في رواية مسلم قوله: "وقال ". وللحديث طريق آخر نحوه؛ رواه ابن أبي حاتم- كما في"تفسير ابن كثير" (3/107) - من طريق ابن أبي الزناد عن صالح مولى التوأمة؛ وفيه قوله: "وقال " ورواه ابن جرير في "تفسيره " (16/29) من الطريق نفسه، وليس فيه قوله: "وقال ". وقد أورد السيوطي الحديث في "الزيادة على الجامع الصغير" (2403- "صحيح الجامع ") بدون الزيادة مطلقاً. والله تعالى أعلم. * 3582- (إنها حرمٌ آمنٌ) . رواه مسلم (8/118) ، وابن أبي شيبة (12/182 و14/198- 199) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/192) ، والبيهقي في "سننه " (5/195) ، وأحمد (3/486) ، والطبراني في "الكبير" (5610 و5611 و5612) من طريق يُسير بن عمرو عن سهل بن حنيف قال: أهوى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده إلى المدينة، فقال: ... فذكره. (تنبيه) : وقع في بعض المصادر تكرار لفظ حديث الترجمة مرتين، وبعضها بلفظ: "حرام ". * 3583- (إنها طَيْبةُ، تَنفِي الخَبَثَ؛ كما تنفِي النارُ خَبَثَ الفِضّةِ) . جاء من حديث زيد بن ثابت، وأبي هريرة، وجابر، وأبي أمامة، وأبي قتادة:

أما حديث زيد؛ فإنه من طريق شعبة عن عدي عن عبد الله بن يزيد عن زيد ابن ثابت رضي الله عنه: {فما لكم في المنافقين فئتين} ، رجع ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أحد، وكان الناس فيهم فرقتين؛ فريق يقول: اقتلهم، وفريق يقول: لا، فنزلت: {فما لكم في المنافقين فئتين} ، وقال: ... فذكره. رواه البخاري (4589) قال: حدثني محمد بن بشار: حدثنا غندر وعبد الرحمن قالا: حدثنا شُعبة به. ورواه الترمذي (¬1) (3028) ، والنسائي في "الكبرى" (1113) - عن محمد بن بشار-، وأحمد (5/188) - عن فيّاض بن محمد- كلاهما عن غندر عن شعبة به. وتابع غندراً على هذا اللفظ: 1 ـ معاذ العنبري: عند مسلم (1384) . 2- وعفان: عند أحمد (5/187) . 3- وأبو داود الطيالسي: عند الطبري في "تفسيره " (5/121) . 4- وأبو أسامة: عند ابن أبي شيبة (14/406) ، والطبري (5/121) - ولم يسق لفظه-. 5- وبهز: عند أحمد (5/184) . وخالفه في لفظه اثنان: ¬

(¬1) وعنده: "..خبث الحديد

1ـ أبوالوليد الطيالسي: عند البخاري (4055) بلفظ: "تنفي الذنوب ". وكذا عند البغوي في "تفسيره " (2/259) . ووقعت رواية أبي الوليد عند البيهقي في "الدلائل " (3/222) ، والفسوي في "المعرفة " (1/348) - مقروناً مع سليمان بن حرب-: موافقة لرواية غندر! 2- سليمان بن حرب: عند البخاري (1884) بلفظ: "إنها تنفي الرجال كما تنفي النارُ خبثَ الحديد" (¬1) . ووقعت رواية سليمان هذه عند عبد بن حميد في "مسنده " (242- المنتخب) موافقة لرواية غندر! (تنبيه) : قال الحافظ ابن حجر في"الفتح " (7/356) : "لفظ: " تنفي الخبث " هو المحفوظ ". وأما حديث أبي هريرة؛ فله عنه طرق: سعيد بن يسار عنه: رواه البخاري (1871) : حدثنا عبد الله بن يوسف: أخبرنا مالك عن يحيى ابن سعيد قال: سمعت أبا الحباب سعيد بن يسار يقول: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت بقرية تأكل القرى؛ يقولون: يثرب! وهي المدينة؛ تنفي الناس كما تنفي الكير خبث الحديد". ¬

(¬1) وبهذا اللفظ: أورده السيوطي في " الزيادة على الجامع الصغير " (1103- صحيحة) ، عازياً إياه للشيخين وأحمد!

ورواه مسلم (1382) عن قتيبة بن سعيد عن مالك به. ورواه أحمد (2/237 و247) من طريق مالك به. وهو في "الموطأ" (3/84- رواية يحيى بن يحيى الليثي) بسنده. ثم رواه مسلم من طريقين عن يحيى بن سعيد به. وقال: "وقالا: "كما ينفي الكير الخبث"، ولم يذكر: "الحديد" ... ". وله طريق ثالث عن يحيى بن سعيد به: عند الفسوي في "المعرفة" (1/384) بلفظ: "شرار الناس ". 2- عبد الرحمن بن يعقوب المدني: رواه مسلم (1381) ، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " (1/349) ، وابن حبان (3726 و6737) ، والطبراني في"المعجم الأوسط " (2804 و2805) عن قتيبة بن سعيد عن عبد العزيز الدراوردي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مطولاً، وفيه: "ألا إن المدينة كالكير، تُخرج الخبثَ، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها؛ كما ينفي الكيرُ خبث الحديد". 3- أبو صالح مولى السعديّين: رواه أحمد (2/439) ، والبيهقي في "الشعب " (3881) عن ابن نمير قال: حدثنا هاشم بن هاشم قال: حدثني أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وفيه: "والذي نفسي بيده! إنها لتنفي أهلها؛ كما ينفي الكير خبث الحديد".

وأبو صالح هذا لا بأس به، كما قال أبو زرعة، كما في "الجرح والتعديل " (9/392) أما حديث جابر؛ فله طرق وألفاظ، ويرويه عنه جماعة: … ا- زيد بن أسلم عنه: رواه أحمد (3/292) من طريق زهير عن زيد به، وفيه: "وذلك يوم تنفي المدينة الخبث؛ كما ينفي الكير خبث الحديد". 2- الحارث بن أبي يزيد عنه: رواه أحمد (3/385) من طريق محمد بن أبي يحيى عن الحارث به، وفيه: "إنما المدينة كالكير؛ تنفي الخبث؛ كما ينفي الكير خبث الحديد". 3- أبو الزبير عنه: رواه أبو يعلى (2174) من طريق الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير به، وفيه: "إنها طيبة؛ تنفي خبث الرجال؛ كما ينفي الكير خبث الحديد". أما اللفظ الآخر، وهو: "المدينة كالكير؛ تنفي خبثها، وتنصع طيبها ": فقد رواه البخاري (1883و7209) و (7211و7216و7322) من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله: أن أعرابيّاً بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام، فأصاب الأعرابيَّ وعكٌ بالمدينة،

فأتى الأعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! أقِلْني بيعتي. فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جاء فقال: أقلني بيعتي. فأبى، ثم جاءه فقال: أقلني بيعتي. فأبى، فخرج الأعرابي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقد رواه مسلم (1383) ، ومالك (3/ 84) ، والنسائي (7/151) ، والترمذي (3920) ، والحميدي (1241) ، وأ حمد (3/306 و307 و365 و 392) ، والطيالسي (2629 و2728- ترتيبه) ، وا بن حبان (3724 و3727) ، والبغوي في "شرح السنة " (2015) ، وأبو يعلى (2023) ، وعبد الرزاق (17164) ، وابن أبي شيبة (12472) ، والفسوي (1/347) من طريق محمد بن المنكدر به. أما حديث أبي أمامة؛ فيرويه ابن ماجه (4077) ضمن حديث طويل، وفيه: ".. فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فلا يبقى منافق ولا منافقة إلا خرج إليه [أي: الدجال] ، فتنفي الخبث منها؛ كما ينفي الكير خبث الحديد ... ". وهو- بطوله- ضعيف؛ وقد خرجته في "المشكاة" (6044) ، و"ظلال الجنة " (391) . وأما حديث أبي قتادة؛ فرواه عمر بن شبة في "تاريخ المدينة" (1/163) من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه مرفوعاً، ولفظه: " هذه طيبة أسكنيها ربي؛ تنفي خبث أهلها؛ كما ينفي الكير خبث الحديد ... ". وقد قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري " (4/97) - بعد ذكره شيئاً من ألفاظ حديث الترجمة: " الرجال " و" الذنوب " و" الخبث "، مشيراً إلى اللفظ الأخير: "الخبث "، وأنه من رواية غندر-:

3584

".. أثبت الناس في شعبة، وروايته توافق رواية حديث جابر الذي قبله، حيث قال فيه: "تنفي خبثها"، وكذا أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: "تخرج الخبث "، ومضى- في أوائل فضائل المدينة- من وجه آخر عن أبي هريرة: "تنفي الناس "، والرواية التي هنا- بلفظ: "تنفي الرجال "- لا تنافي الرواية بلفظ: " الخبث "، بل هي مفسرة للرواية المشهورة، بخلاف: "تنفي الذنوب "، ويحتمل أن يكون فيه حذف تقديره: "أهل الذنوب "، فليتم مع باقي الروايات ". قلت: والخلاصة عندي: أن أصح الألفاظ رواية؛ إنما هو لفظ: "الخبث "، والألفاظ الأخرى دونه صحة، وبعضها- كلفظ: "الرجال "، و"الناس "- يمكن اعتبارها مفسرة للخبث؛ كما ذكر الحافظ رحمه الله. وسبب ورود الحديث- في رواية محمد بن المنكدر عن جابر- صريح في ذلك، والله أعلم. * 3584- (للمهاجرين منابرُ من ذهبٍ يجلسون عليها يوم القيامة، قد أمنوا من الفزع) أخرجه ابن حبان (1582) - من طريق إبراهيم بن حمزة الزبيري-، والبزار (2/306/1753) - عن سفيان بن حمزة-، والحاكم (4/76) - من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: حدثني عمي- ثلاثتهم عن كثير بن زيد عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قال أبو سعيد الخدري: والله! لو حبوت بها أحداً؛ لحبوت بها قومي. وقال الحاكم:

"صحيح الإسناد"! ورده الذهبي بقوله: "قلت: أحمد- يعني: ابن عبد الرحمن بن وهب- واه ". قلت: هو عند ابن حبان والبزار من غير طريقه كما سبقت الإشارة إليه. وأما قوله المناوي في "فيض القدير": "فتعقبه الذهبي بأن أحمد بن سليمان بن بلال- أحد رواته- واه؛ فالصحة من أين؟! "! أقول: أحمد بن سليمان بن بلال شخصية لا وجود لها، وإنما رواه الحاكم من طريق أحمد بن عبد الرحمن بن وهب: حدثني عمي: أخبرني سليمان بن بلال ... قلت: فتأمل كيف اختلط الأمر على المناوي، فتركب في ذهنه من ثلاثة أسماء في هذا الإسناد ذاك الاسم الذي لا وجود له! والذي دارت عليه الطرق: كثير بن زيد- وهو الأسلمي المدني- مختلف فيه، وقد قال فيه أبو زرعة- وتبعه الذهبي في "الكاشف "-: "صدوق، فيه لين ". وقال العسقلاني: "صدوق يخطئ ". وقد ساق له ابن عدي في "الكامل " (6/67ـ 69) أحاديث من رواية بعض الثلاثة عنه، وقال: "ولم أر بحديثه بأساً ". قلت: ويبدو لي من قوله هذا، وأقوال الأئمة الآخرين: أنه وسط حسن الحديث ما لم يخالف، ولذلك حسنت له بعض الأحاديث فيما تقدم من هذه

"السلسلة"، فانظر مثلأ (1128 و 1296) من المجلد الثالث. هذا.. ولم يتنبه الشيخ الغماري في كتابه الحاوي الذي أسماه "المداوي لعلل الجامع الصغير وشرحي المناوي " للخلط الذي وقع فيه المناوي بين الأسماء الثلاثة! وانما تعقبه فيما قاله في رواية البزار بلفظ: "إن للمهاجرين " لقوله في شيخ البزار: "مجهول "، وعقب عليه برواية الحاكم المتقدمة، وقال: "فإن كان البزار رواه من غير طريقه (يعني: أحمد بن عبد الرحمن) ؛ فهو شاهد جيد له "! قلت: وهذا- مع الأسف- مما يشعر الباحث أن الشيخ الغماري رحمه الله يهتم بنقد الأشخاص وتتبع زلاتهم كأنها غاية عنده، ولا يهتم بنقد الحديث وتتبع طرقه وبيان صحيحه من ضعيفه، وهو الغاية عند أهل العلم؛ كما لا يخفى! فانشغل بالوسيلة عن الغاية، ألا تراه علق قوله: "فهو شاهد جيد" على كون طريق البزار من غير طريق (أحمد بن عبد الرحمن) ، وهذا صريح في أنه لم يرجع إلى "البزار" فضلأ عن "ابن حبان "!! ثم كيف يكون شاهداً جيداً، وهو لا يدري هوية الشاهد، فلعله يكون كذاباً أو متروكاً لا يصلح للشهادة؟! ثم لنفترض أنه صالح- كما هو الواقع-؛ فكان عليه أن يتم المداواة والمعالجة؛ بأن يبين سلامة الحديث من العلة، وصلاحيته للحجة- كما قدمنا-؛ أو إذا كان معلولأ عنده ممن فوق المتابعين، حتى تتم الفائدة من النقد. والله المستعان. وأما الهيثمي؛ فقال في "المجمع " (5/254- 255) : "رواه البزار عن شيخه حمزة بن مالك؛ ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات"!

3585

قلت: هو- أولاً-متابع كما تقدم، وثانياً: روى عنه أبو حاتم؛ ولم يضعفه. * 3585- (إنها مباركة، إنها طعامُ طُعْمٍ) . جاء من حديث أبي ذر، وابن عباس: أولاً: حديث أبي ذر، وله عنه طريقان: الأول: عن عبد الله بن الصامت: رواه مسلم (3/152- 155) من طريق حميد بن هلال عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: خرجنا من قومنا غفار- وكانوا يحلون الشهر الحرام-، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا، وأحسن إلينا، فحسدنا قومه، فقالوا: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس، فجاء خالنا، فنثا علينا الذي قيل له، فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدَّرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقربنا صرمتنا فاحتملنا عليها، وتغطى خالنا ثوبه، فجعل يبكي، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها، فأتيا الكاهن، فخير أنيساً، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها، قال: وقد صليت يا ابن أخي! قبل أن ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: لله، قلت: فأين توجه؟ قال: أتوجه حيث يوجهني ربي، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل، ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس، فقال أنيس: إن لي حاجة بمكة فاكفني، فانطلق أنيس، حتى أتى مكة، فراث علي، ثم جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بمكة على دينك، يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس: لقد سمعت قول

الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله! إنه لصادق، وإنهم لكاذبون، قال: قلت: فاكفني حتى أذهب فأنظر، قال: فأتيت مكة، فتضعّفت رجلاً منهم، فقلت: أين هذا الذي تدعونه الصابىء؟ فأشار إلي، فقال: الصابىء؟! فمال على أهل الوادي بكل مدرة وعظم حتى خررت مغشياً علي، قال: فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر، قال: فأتيت زمزم، فغسلت عني الدماء، وشربت من مائها، ولقد لبثت- يا ابن أخي- ثلاثين بين ليلة ويوم، ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عُكَن بطني، وما وجدت على كبدي سخفة جوع، قال: فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان؛ إذ ضرب على أسمختهم، فما يطوف بالبيت أحد، وامرأتان منهم تدعوان إسافاً ونائلة، قال: فأتتا علي في طوافهما، فقلت: أنكحا أحدهما الأخرى، قال: فما تناهتا عن قولهما، قال: فأتتا علي، فقلت هن مثل الخشبة، غير أني لا أكني، فانطلقتا تولولان وتقولان: لو كان هاهنا أحد من أنفارنا! قال: فاستقبلهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وهما هابطان، قال: "ما لكما؟ "، قالتا: الصابىء بين الكعبة وأستارها، قال: "ما قال لكما؟ "، قالتا: إنه قال لنا كلمة تملأ الفم، وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى استلم الحجر، وطاف بالبيت هو وصاحبه، ثم صلى، فلما قضى صلاته قال أبو ذر: فكنت أنا أول من حياه بتحية الإسلام، قال: فقلت: السلام عليك يا رسول الله! فقال: "وعليك ورحمة الله "، ثم قال: "من أنت؟ "، قال: قلت: من غفار، قال: فأهوى بيده، فوضع أصابعه على جبهته، فقلت في نفسي: كره أن انتميت إلى غفار؟! فذهبت آخذ بيده، فَقَدَعَنِي صاحبه- وكان أعلم به مني- ثم رفع رأسه، ثم قال: "متى كنت هاهنا؟ "، قال: قلت: قد كنت هاهنا منذ ثلاثين بين ليلة ويوم، قال: "فمن كان يطعمك؟ "،

قال: قلت: ما كان لي طعام إلا ماء زمزم، فسمنت حتى تكسرت عُكن بطني، وما أجد على كبدي سُخفة جوع، قال: ... فذكره. فقال أبو بكر: يا رسول الله! ائذن لي في طعامه الليلة؟! فانطلق رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وابوبكر، وانطلقت معهما، ففتح أبوبكر باباً، فجعل يقبض لنا من زبيب. الطائف، وكان ذلك أول طعام أكلته بها، ثم غَبَرْتُ ما غَبَرْتُ، ثم أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل، لا أراها إلا يثرب؛ فهل أنت مُبَلِّغٌ عني قومك، عسى الله أن ينفعهم بك وبأجرك فيهم ". فأتيت أنيساً، فقال: ما صنعت؟ قلت: صنعت أني قد أسلمت وصدقت، قال: ما بي رغبة عن دينك؛ فإني قد أسلمت وصدقت، فأتينا أمَّنا فقالت: ما بي رغبة عن دينكما، فإني قد أسلمت وصدقت، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفاراً، فأسلم نصفهم، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة الغفاري، وكان سيدهم، وقال نصفهم: إذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة أسلمنا، فقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فأسلم نصفهم الباقي، وجاءت أسلم، فقالوا: يا رسول الله! إخوتنا؛ نسلم على الذي أسلموا عليه! فأسلموا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "غفار غفر الله لها، وأسلم سالمهاالله". وقد رواه عن حميد جماعة- مطولاً ومختصراً-: أولهم: خالد الحذاء: وهي رواية مسلم- المتقدمة-. ورواه أيضاً البزار في "مسنده " (1171) بلفظ: "زمزم: طعام طعم، وشفاء سقم "، والفاكهي في "أخبار مكة" (1080) بلفظ: "إنهاطعام طعم، وشفاء سقم ".

الثاني: سليمان بن المغيرة: رواه ابن أبي شيبة (18447) بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم "، وابن حبان (7133) ، وأحمد (4/174-175و175) من طريقين عن سليمان بن المغيرة - ولم يسق متنه في الموضع الثاني-، والطيالسي (61) ، وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/219- 222) ، والفاكهي في "أخبار مكة " (1081) - وعزا المتن دون إيراده لما قبله، وقال: وزاد فيه: "إنها مباركة "، والبيهقي في "الدلائل " (2/ 211) و"السنن " (5/147) بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم، وشفاء سقم "، وأبو نعيم في "الدلائل " (ص 207- 210) - دون قوله: "وشفاء سقم "، وفي "الحلية" (1/157 و 159) مختصراً جذاً، ولم يسق حديث الترجمة. الثالث: ابن عون: رواه الأزرقي في "تاريخ مكة " (2/53) بلفظ: "إنها طعام طعم "، والبزار (1172) - ولم يسق لفظه-، والفاكهي (1082) - ولم يسق لفظه-، وابن عدي في "الكامل " (6/ 2301) بلفظ: "زمزم طعام طعم، وشفاء سقم ". الرابع: عبد الله بن بكر المزني: رواه الطبراني في "المعجم الصغير" (947- " الروض النضير") بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم، وشفاء سقم ". الخامس: أبو هلال الراسبي: رواه أبو نعيم في "الحلية" (1/157- 159) مختصراً جذاً، وليس فيه حديث الترجمة.

السادس: عبد العزيز بن المختار: رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1640) بلفظ: "إنها مباركة؛ إنها طعام طعم ". السابع: عمرو بن مرة: رواه الطبراني في "الكبير" (1639) - ولم يسق لفظه-. قلت: وقد شذت رواية الطحاوي في "مشكل الآثار" (1863) عن رواية الجماعة المذكورين عن حميد، فجاءت عنده من طريق الطيالسي عن سليمان بن المغيرة (عن أبي عمران الجوني) عن عبد الله به! وقد أورد الحافظ الحديث في "المطالب العالية " (1404- النسخة المسندة) عاطفاً إسناده على إسناد ابن أبي شيبة من طريق سليمان بن المغيرة على الجادة. وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (3524- المسندة) : "إسناده صحيح ". أما الطريق الثاني عن أبي ذر؛ فهو من طريق أبي ليلى الأشعري عنه: وهو في "معجم الطبراني الكبير" (773) و"الأحاديث الطوال " (رقم: 5) له، وعنه: أبو نعيم في "الحلية" (1/157- 158) ، والحاكم (3/ 341) ، وسكت عنه! وقال الذهبي في "التلخيص ": "إسناده صالح ". وأما حديث ابن عباس؛ فقد رواه الطبراني وغيره بلفظ: "خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم؛ فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم ". وهو مخرج فيما تقدم من هذه "السلسلة" (برقم 1065) . *

3586

3586- (إن المؤمن لَيُنْضِي شياطينه؛ كما يُنضِي أحدكم بَعيرَه في السفر) . أخرجه أحمد (2/380) قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي هريرة مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد حسن؛ لأن ابن لهيعة صحيح الحديث من رواية قتيبة؛ كما قدمت أكثر من مرة. وموسى بن وردان صدوق؛ كما قال الذهبي وغيره، ومرت له أحاديث، فانظر مثلأ المجلد الأول رقم (225 و 467) . والحديث عزاه السيوطي في "الجامع " للحكيم أيضاً، وابن أبي الدنيا في "مكايد الشيطان "، فقال المناوي: "قال الهيثمي- تبعاً لشيخه الحافظ العراقي-: فيه ابن لهيعة. وأقول: فيه أيضاً سعيد بن شرحبيل، أورده الذهبي في "الضعفاء"، وعده من المجاهيل. وفي "الميزان ": قال أبو حاتم: مجهول. وموسى بن وردان ضعفه ابن معين، ووثقه أبو داود "! قلت: ابن شرحبيل هذا ليس له ذكر في إسناد أحمد، خلافاً لما أوهمه كلام المناوي. وموسى بن وردان؛ الراجح فيه أنه وسط حسن الحديث كما تقدم، وإلى ذلك يشير قول الذهبي المذكور. ومثله- أو نحوه- قول الحافظ في "التقريب ": "صدوق ربما أخطأ". ثم رأيت الشيخ أحمد الغماري قد حمل في كتابه "المداوي " على المناوي حملة

3587

شعواء لوهمه المذكور، وأطال النفس في ذلك في صفحتين (2/414- 415) دون فائدة تذكر بالنسبة لمتن الحديث؛ فإنه سكت عن ابن لهيعة وإعلال العراقي ثم الهيثمي الحديث به، فلا يدري القارئ بعد قراءته الصفحتين ما موقفه من الحديث ورواية ابن لهيعة؟ هل هو عنده ضعيف مطلقاً لسوء حفظه؟! أم يفرق بين ما يرويه جمهور الرواة عنه فهو على الضعف، وما يرويه العبادلة ونحوهم ممن سمع منه قديماً مثل قتيبة بن سعيد الراوي عنه هنا، كما عليه المحققون من الحفاظ؟ هذا هو المهم في نقد الرجال، سواءً كانوا من رواة الحديث أو من المخرجين له. لكن الشيخ الغماري - عفا الله عنه- قد شغف قلبه بنقد المناوي وتتبع زلاته، وشغله ذلك عن الغاية من نقد الرجال، كما ذكرت في الحديث الذي قبل هذا بحديث، إلى سلاطة باللسان ومبالغة في الكلام؛ يذكرني بمن قال في ابن حزم رحمه الله: (السان ابن حزم وسيف الحجاج قرينان) . ولا أدل على ذلك من قوله في تضاعيف حملته المذكورة. "فإن أكثررجال "الصحيح " بل كلهم متكلّم فيهم "! * 3587- (إنّها لايُرمى بها لموت أحدٍ ولا لحياته؛ ولكن ربّنا تبارك وتعالى اسمه إذا قضى أمراً؛ سبّح حملت العرش، ثم سبّح أهل السماء الذين يلونهم،. حتى يبلغ التسبيح أهل هذه السماء الدنيا، ثم قال الذين يلون حملة العرش لحملة العرش: ماذا قال ربكم؟ فيخبرونهم ماذا قال، قال: فيستخبر بعض أهل السماوات بعضاً، حتى يبلغ الخبر هذه السماء الد نيا، فتخطف الجن السمع، فيقذفونّ إلى أوليائهم، ويرمون به، فما جاؤوا به على وجهه؛ فهو حق، ولكنّهم يقرفون فيه ويزيدون) . رواه مسلم (7/36) من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب عن

علي بن حسين أن عبد الله بن عباس قال: أخبرني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنصار: أنهم بينما هم جلوس ليلة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ رمي بنجم، فاستنار، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ماذا كنتم تقولون في الجاهلية إذا رمي بمثل هذا؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم! كنا نقول: ولد الليلة رجل عظيم، ومات رجل عظيم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإنها ... " فذكره. ورواه الترمذي (3224) ، والنسائي في "السّنن الكبرى " (11272) ، وعنه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2334) ، وأحمد (1/218) ، والبيهقي في " الدلائل " (2/236- 237) وفي "الأسماء والصفات " (203- 204) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/143) من طرق عن الزهري به. وقد وقع في بعض هذه المصادر: عن رجال ... ، وهو رواية عند مسلم أيضاً، وهي بمعنى الرواية الأولى؛ بقوله فيها: "إنهم ... ". ورواه الترمذي (3224) ، وأحمد (1/218) ، والبيهقي في " الدلائل " (2/238) ، وعبد بن حميد (682) من طرق عن الزهري عن علي بن حسين عن ابن عباس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... به. قلت: والأسانيد كلها صحيحة؛ فسواء كان راويه ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو ابن عباس عن صحابي آخر عنه - صلى الله عليه وسلم -، فالأمر واسع بحمد الله، والصحابة كلهم عدول مأمونون. وللحديث شاهد عن عائشة بنحوه مختصراً: رواه البخاري (5762 و 7561) ، ومسلم (7/ 36) ، وأحمد (6/87) . *

3588

3588- (إنّهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم) . رواه مسلم (7/171) من طريق سماك بن حرب عن علقمة بن وائل عن المغيرة بن شعبة قال: ئما قدمت نجران سألوني، فقالوا: إنكم تقرؤون: (يا أخت هارون) ، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟! فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ سألته عن ذلك؟ فقال: ... فذ كره. ورواه الترمذي (3155) ، والئسائي في " الكبرى" (11315) ، وأحمد (4/252) ، وابن حبان في "صحيحه " (6250- الإحسان) ، والبغوي في "شرح السنة " (3362) وفي " تفسيره " (5/ 229) ، والطبري في " تفسيره " (16/ 59) ، والطبرا ني في " المعجم الكبير" (20/ رقم 986) ، والبيهقي في "الدلائل " (5/393) من طرق عن سماك به. * 3589- (إنّهم خيروني (بين) أن يسألوني بالفُحشِ، أويُبخّلوني؛ فلستُ بباخِلٍ) . رواه مسلم (3/103) ، وأحمد (1/20 و35) من ثلاثة طرق عن الأعمش عن أبي وائل عن سلمان بن ربيعة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: قَسَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسماً، فقلت: والله يا رسول الله! لَغَيْرُ هؤلاء كان أحقّ به منهم؟ قال: ... فذكره. والزيادة لأحمد في الموضع الثاني. وقد اختلف على الأعمش فيه:

فرواه الحاكم في "المستدرك " (1/46) ، وأبو يعلى في "المسند الكبير"- كما في "مسند الفاروق " (1/ 260) لابن كثير، و"مجمع الزوائد" (3/94- 95) للهيثمي- من طريق عبد الله بن بشر عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن عمر مرفوعاً. وصححه الحاكم على شرط الشيخين. وقال الهيثمي: "رجاله ثقات ". ورواه أحمد (3/4 و17) ، والحا كم (1/ 46) ، والبزار (925- زوائده) ، وا بن حبان (3414- الإحسان) من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري عن عمر مرفوعاً. ورواه أبو يعلى (1327) ، والبزّار (924) من طريق جرير عن الأعمش عن عطية عن أبي سعيد قال: ... فذكر الحديث بنحوه، مع القصّة. وفيها بعد: فقال عمر ... وقد قال الحاكم في حديث عبد الله بشر: "هذا الحديث ليس بعلة لحديث الأعمش. عن أبي صالح؛ فإنه شاهد له بإسناد آخر". قلت: والجادة- والله أعلم- رواية مسلم؛ لأنها من رواية جماعة- وهم ثقات أثبات- عن الأعمش بسنده المذكور. ويحتمل أن تكون رواية عبد الله بن بشر طريقاً آخر- كما أشار الحاكم -؛ فإن الأعمش حافط متسع الرواية.

3590

وأما الروايتان الأخريان؛ ففي أسانيدهما مغمز؛ سواء رواية أبي بكر بن عياش، أو رواية جرير- وهو ابن عبد الحميد الضبي -؛ فإن في حفظهما كلاماً. * 3590- (إنّي أُعطِي قُريشاً أتألّفهم؛ لأنهم حديثُ عهدٍ بجاهليةٍ) . رواه البخاري في "صحيحه " (3146) من طريق أبي الوليد: حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ورواه- أيضاً- (4334) من طريق محمد بن جعفر- غندر- عن شعبة قال: سمعت قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ناساً من الأنصار، فقال: "إن قريشاً حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألّفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا، وترجعون برسول الله- صلى الله عليه وسلم -- إلى بيوتكم؟! ". قالوا: بلى. قال: "لو سلك الناس وادياً، وسلكت الأنصار شعباً؛ لسلكت وادي الأنصار، أو شعب الأنصار". قلت: ويستفاد من هذه الرواية سبب ورود حديث الترجمة. ورواه مسلم (3/ 106) ، والترمذي (3901) ، وأحمد (3/ 172) ، وأبو يعلى (3002) من طرق عن غندر به. ورواه البخاري (3147 و 4331) ، ومسلم (3/ 105) ، وعبد الرزاق (19908) ، وابن حبان (7278) ، وأبو يعلى (3594) من طرق عن الزهري عن أنس مرفوعاً بلفظ: "إني لأعطي رجالاً حديثي عهد بكفر؛ أتألفهم ". *

3591

3591- (إنّي أُعطِي قوماً؛ أخافُ ظَلَعَهُم وجَزَعهُم، وأَكِلُ أقواماً إلى ما جعل الله في قلوبهم من [الغنى و] الخير؛ [منهم عمرو بن تغلب] ) . رواه البخاري (923 و3145 و7535) ، وأحمد (5/69) من طرق عن جرير ابن حازم عن الحسن: سمعت عمرو بن تغلب قال: أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوماً، ومنع آخرين؛ فكأنهم عتبوا عليه، فقال: ... فذكره. فقال عمرو بن تغلب: ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم. واللفظ للبخاري - في الموضع الثا ني منه-، والزيادتان من الموضعين الآخرين. وله طريق آخر عن الحسن: رواه الطيالسي في "مسنده " (1170) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (1665) من طريق مبارك عن الحسن به. ومبارك: هو ابن فضالة؛ مدلس مشهور. وما قبله مُغْنٍ عنه. وله شاهد عن سعد بن أبي وقاص مرفوعاً: "إني لأعطي رجالاً، وأدع من هو أحبُّ إلي منهم- فلا أعطيه شيئاً-؛ مخافة أن يُكَبُّوا في النار على وجوههم ". رواه البخاري (27 و1478) ، ومسلم (1/ 91- 92 و 3/ 104) ، وأبو داود (4685) ، والنسائي في "السنن الصغرى" (8/103- 104 و 104) و"الكبرى"

3592

(11723) ، وابن حبان (163) ، وابن أبي شيبة (11/31) ، وابن نصر في "الصلاة" (560) ، واللالكائي في "شرح أصول أهل السنة" (1496) ، وابن منده في "الإيمان " (161) ، والطيالسي (27- 28) ، وأحمد (5/69) ، والحميدي (68) ، وعبد بن حميد (140) ، وأبو يعلى (733 و 778) ، والهيثم الشاشي (91) ، والبزار (1087 - البحر الزخار) ، والطبري في "تهذيب الآثار" (ص680 - مسند ابن عباس) ، وأبو نعيم في "الحلية" (6/191) ، والخطيب في "تاريخه " (3/119) من طرق عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه مرفوعاً. وألفاظهم متفاوتة، والسياق لأ حمد. وقال البزار عقب روايته: "وهذا الكلام روي عن سعد، وعن عمرو بن تغلب، وعن غيرهما، وحديث سعد إسناد صحيح؛ فاقتصرنا عليه ". قلت: وقوله: "ظلعهم "؛ معناه: ميلهم عن الحق، وضعف إيمانهم. وقيل: ذنبهم. وأصله: داء في قوائم الدابة تغمز منه، ورجل ظالع؛ أي: مائل مذنب. كذا في "النهاية" (3/159) لابن الأثير. * 3592- (إنّي خرجت لأخبركم بليلة القدر، وإنه تلاحى فلان وفلان؛ فرُفِعت، وعسى أن يكون خيراً لكم، التمسُوها في السَّبع والتِّسع والخّمسِ) . رواه البخاري (49 و2023 و6049) ، والشافعي في "مسنده " (737) ،

والد ارمي (2/27-28) ، والنسائي في " الكبرى " (3394 و3395) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (2/514 و3/73) ، وابن خزيمة (2198) ، وابن حبان (3679) ، والبغوي في "شرح السنة " (1821) ، والبيهقي (4/ 311) ، وأحمد (5/313 و 319) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (2/200) من طرق عن حميد عن أنس قال: أخبرني عبادة بن الصامت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يخبر بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: ... فذ كره. وأخرجه الطيالسي (576) ، وأحمد (5/313) من طريق ثابت وحميد (¬1) عن أنس عن عبادة. ورواه أحمد (5/424) من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل عن عمر بن عبد الرحمن عن عبادة قلت: ولعله من أوهام ابن عقيل هذا، فالحديث حديث حميد عن أنس عن عبادة. ورواه مالك (1/298) ، ومن طريقه: النسائي في " الكبرى " (3396) عن حميد عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال ابن عبد البر في "التمهيد" (2/200) : "هكذا روى مالك هذا الحديث، لا خلاف عنه في إسناده ومتنه، وإنما الحديث لأنس، عن عبادة بن الصامت ... "؛ وأقرّه الحافظ في "الفتح " (4/268) . ¬

(¬1) وهذا يؤيد ما ذكر في ترجمته من أن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت، فانظر "تهذيب التهذيب " (3/39) للحافظ ابن حجر.

3593

وعقّب المزي في "تحفة الأشراف " (1/ 201) على رواية النسائي عن أنس بقوله: "رواه جماعة عن حميد، فزادوا في الإسناد: عبادة". وله شاهد عن الفَلَتَانِ بن عاصم: رواه الطبراني في " الكبير" (18/334 و335/857 و 860) ، والبزار (3384- زوائده) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (2/514- 515) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (1040) - كلاهما مختصراً- من طرق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن الفلتان ... فذكره بنحوه. وقال الهيثمي في "المجمع " (¬1) (3/178) : "رواه الطبراني في " الكبير"، ورجاله رجال (الصحيح) "! وقال (7/348) : "رواه البزار، ورجاله ثقات "! قلت: وعليه في هذا مؤاخذتان: الأولى: أن كليبا لم يخرج له صاحبا "الصحيح " شيئأ! والثانية: أن عاصماً صدوق- حسب-؛ كما قال الحافظ في "التقريب ". فالإسناد حسن. * 3593- (إنّي ذاكرٌ لك أمراً، فلا عليك أن تستعجلِي؛ حتى تستأمِري أبويك، ثم قال: إن الله قال: (يا أيها النَّبيُّ قل لأزواجك ... ) إلى تمام الآيتين) . جاء من حديث عائشة، وله عنها طرق: ¬

(¬1) تصحف اسم (الفلتان) فيه إلى: (الغلبان) ! وهو تصحيف طريف!!

الأول: أبو سلمة بن عبد الرحمن: رواه البخاري (4785) ، ومسلم (4/185-186) ، والنسائي في "سننه الصغرى" (6/55- 56) و"الكبرى" (5309 و5312 و5632) ، والترمذي (3204) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/36- 37) ، والبغوي في "شرح السنة " (216) ، والطبري في "التفسير" (21/100- 101) ، وأحمد (6/77- 78 و 78 و125- 153) من طرق عن ابن شهاب عنه أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتخييرأزواجه؛ بدأ بي فقال: ... فذكره (الجملة الأولى) . قالت: وقد علم أن أبوي لم يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: ... فذكره (الجملة الثانية) . فقلت له: ففي أي شيء أستأمر أبوي؟! فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. وعلقه البخاري (4786) : وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب ... فذكره. الثاني: عروة: رواه مسلم (4/194) ، والترمذي (3318) ، وا بن ماجه (2053) ، والنسائي في "الصغرى" (6/160) ، وابن سعد في "الطبقات " (8/68) ، والبيهقي في "سننه " (7/38) و"الدلائل " (1/336) ، وأحمد (6/163 و185و 248 و 263- 264) من طرق عن عروة عنها به. وعلقه البخاري عقب (4786) ، ولم يسق المتن. الثالث: عَمْرَة: رواه الطبري في "تفسيره " (21/100- 101) من طريق عبد الله بن أبي بكر عن عمرة به.

وله شاهد عن جابر قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجد الناس جلوساً ببابه لم يؤذن لأحد منهم، قال: فأذن لأ بي بكر، فدخل، ثم أقبل عمر، فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي - صلى الله عليه وسلم - جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً، قال: فقال: لأقولن شيئاً أضحك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله! لو رأيت بنت خارجة ساْلتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "من حولي كما ترى يساْلنني النفقة "، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول؛ تساْلن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده، فقلن: والله! لا نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً أبداً ليس عنده، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعاً وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: (يا أيها النبي قل لأزواجك) له حتى بلغ (للمحسنات منكن أجراً عظيماً) ؛ قال: فبدأ بعائشة، فقال: "يا عائشة! إني أريد أن أعرض عليك أمراً، أحب أن لا تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك "، قالت: وما هو يا رسول الله؟! فتلا عليها الآية، قالت: أفيك يا رسول الله! أستشير أبوي؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسالك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت، قال: (لا تساْلني امرأة منهنَّ إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولامتعنِّتاً؛ ولكن بعثني معلماً ميسراً) . رواه مسلم (4/187-188) ، والبيهقي في "سننه " (7/38) ، وأبو يعلى (2253) ، والبغوي في "تفسيره " (6/346) ، وأحمد (3/328) من طرق عن زكريا ابن إسحاق عن أبي الزبير عنه به.

3594

هكذا وقع عندهم جميعاً بعنعنة أبي الزبير. وقوله في آخر الحديث: (ولكن بعثني معلماً ميسراً) ؛ فيه شاهد لا بأس به لحديث ابن عمرو بلفظ: (إنما بعثت معلماً) . وقد كنت خرجته في "الضعيفة" برقم (11) من أجل المناسبة التي ورد فيها. وبينت ضعف إسناده، ونصها: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بمجلسين، فقال: "كلاهما على خير ... " وفي آخره اللفظ المذ كور. ولم أستحضر يومئذ- وذلك قبل أكثر من أربعين سنة- شاهده هذا، فاقترح الأخ الذي ذكرني به- جزاه الله خيراً- أن أجعل المناسبة مكان اللفظ المذكور ثمة، وأذكر له هذا الشاهد، فرأيته اقتراحاً جيداً، فبادرت إلى التنبيه عليه هنا، وكتبت نحوه في نسختي من "الضعيفة"، لكي يلحق بطبعته الجديدة إذا يسر الله ذلك؛ بحياتي أو بعد وفاتي، سائلاً المولى أن يختم لي ولكل محب بالإيمان؛ فإنه خير مسؤول. * 3594- (ذكرتُ [وأنا في الصلاة] شيئاً من تِبْرٍ [من الصدقة] عند نا، فكرهت أن يحبسني (وفي رواية: أن يُمْسِيَ- أو يبيتَ- عند نا) ؛ فأمرتُ بقسمته) . رواه البخاري (851 و1221و1430و6275) من طرق عن عمر بن سعيد قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عقبة قال:

3595

صليت وراء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة العصر، فسلم، ثم قام مسرعاً، فتخطى رقاب الناس إلى بعض حُجَر نسائه، ففزع الناس من سرعته، فخرج عليهم، فرأى أنهم عجبوا من سرعته، فقال: ... فذكره. والسياق من الموضع الأ ول من "الصحيح "، والزيادة الأولى والرواية للموضع الاْول، والزيادة الثانية للموضع الثالث من "الصحيح ". والموضع الرابع مقتصرٌ على طرف من القصة، ليس فيه شيء من حديث الترجمة. ورواه النسائي (3/84) ، وأحمد (4/7- 8 و8 و 384) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (476 و 477) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/354/979) من طرق أيضاً عن عمر بن سعيد به. * 3595- (إنّي رأيتُ في المنام كأنّ جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رِجلَيَّ، يقولُ أحدُهما لصاحبه: اضرب له مثلاً، فقال: اسمع سمعَت أذنُك، واعقِلْ عَقَلَ قلبُك؛ إنّما مثلُك ومَثَلُ أمتك: كمَثَل ملك اتخَذَ داراً، ثم بنى فيها بيتاً، ثم جعل فيها مائدةً، ثم بعث رسولاً يدعو الناس إلى طعامه؛ فمنهم من أجاب الرسول، ومنهم من تركه؛ فالله هو الملك، والدار الإسلام، والبيت الجنة، وأنت- يا محمد- رسول؛ فمن أجابك دخل الإسلام، ومن دخل الإسلام دخل الجنة، ومن دخل الجنة أكل ما فيها) . رواه الترمذي (2860) ، ومن طريقه: الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق "

(5/320) ، والطبري في "تفسيره " (11/73) من طريق قتيبة وحجاج عن الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال أن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً، فقال: ... فذكره. وقال الترمذي: "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد أصح من هذا؛ هذا حديث مرسل؛ سعيد بن أبي هلال لم يدرك جابر بن عبد الله ". وعلقه البخاري (7281/ م) عَقِيبَ حديث سعيد بن ميناء عن جابر- الآتي ذ كره-. وقال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف " (2/184) معقباً على كلام الترمذي: "قد أخرجه الحاكم في "المستدرك " من طريق أبي صالح- كاتب الليث- عن الليث؛ فزاد فيه بين سعيد بن أبي هلال وجابر: (عطاءً) ". قلت: هو فيه (4/393) ، وصححه، ووافقه الذهبي! ورواية الترمذي- من غير ذكر عطاء- أصح؛ لوجوه: الأول: أن أبا صالح هذا- واسمه عبد الله بن صالح- صدوق كثير الغلط، ثبت في كتابه، وكانت فيه غفلة؛ كما قال الحافظ في "التقريب ". الثاني: أن اثنين من الثقات- وهما قتيبة والحجاج- كما سبق روياء عن الليث بدونه! الثالث: أن أبا صالح اضطرب فيه؛ فرواه هكذا- مرة-، وجعله- مرة أخرى- من طريق محمد بن علي بن الحسين عن جابر!

وفوق هذا كله؛ فإن أصل الإسناد- عند سائر المخرجين فيه سعيد بن أبي هلال، وهو مختلط؛ كما تقدم مراراً في هذه "السلسلة "، و"السلسلة" الأخرى. ولكن.. للحديث شاهد يقويه: فقد أخرج البخاري (7281) من طريق سُلَيْم بن حيان: حدثنا سعيد بن ميناء: حدثنا- أو سمعت- جابر بن عبد الله يقول: جاءت ملائكة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو نائم، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً، قال: فاضربوا له مثلاً. فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي؛ دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي؛ لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أوِّلوها له يفقهها، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن أطاع محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فقد أطاع الله، ومن عصى محمداً - صلى الله عليه وسلم -؛ فقد عصى الله، ومحمد فرق بين الناس ". والحديث في "صحيح مسلم " (7/65) من طريق سليم به، بلفظ: "مَثَلي ومَثَلُ الأنبياء: كمثل رجل بنى داراً، فأتمها وأكملها؛ إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها، ويقولون: لولا موضع اللبنة! ". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فأنا موضع اللبنة؛ جئت فختمت الأنبياء". ورواه الترمذي (2862) من طريق سليم به بالقطعة الأولى فقط.

3596

قلت: وفي الباب عن أبي هريرة، وهو مخرج في تعليقي على "فقه السيرة" (ص 135) . وعن أبي قلابة- مرسلاً- عند الطبري في "تفسيره " (11/73) . * 3596- (ألا أدُلُّكِ على ما هو خيرٌ لك من خادم؟! تُسَبِّحين ثلاثاً وثلاثين، وتحمدين ثلاثاً وثلاثين، وتكبِّرين أربعاً وثلاثين حين تأخذين مضجعك) . رواه مسلم (7/84- 85) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة: أن فاطمة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - تساله خادماً، وشكت العمل، فقال: "ما ألْفَيْتِيه عند نا! "، قال: ... فذ كره. ورواه البغوي في "شرح السنة " (1321) من الطريق نفسه، وزاد: ".. عند كل صلاة". وللحديث شاهد عن علي رضي الله عنه، وهو مخرج في كتابي "ضعيف الأدب المفرد" تحت الحديث رقم (98) ، وهو في "الصحيحين ". وشاهد آخر عن أنس- بسند ضعيف- عند البخاري في "الأدب المفرد" (98) . تم رأيت طريقاً أخرى لحديث أبي هريرة؛ عند ابن أبي الدنيا في "الدعاء" كما في "إتحاف السادة المتقين " (10/ 100) للزبيدي- بنحو لفظ حديث الترجمة عن أبي هشام الرفاعي عن أبي أسامة عن الأعمش عن أبي صالح به، وزاد: "وتقولين: اللهم رب السماوات السبع! ورب العرش العظيم! ربنا ورب كل

3597

شيء! منزل التوراة والإنجيل والقرآن! أعوذ بك من شر كل شيء أنت أخذ بناصيته، اللهم! أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عني الدين، وأغنني من الفقر". قلت: وهذه الزيادة- مستقلة- هي في "صحيح مسلم " (8/79) أيضاً من طريقين عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة بقصة فاطمة، دون التسبيح والذكر ... قلت: فلعل الجمع بين الحديثين من تخاليط أبي هشام الرفاعي، فهو متفق على تضعيفه، كما قال البخاري. * 3597- (ألا إنّ الفتنة ها هنا؛ من حيث يطلع قرنُ الشيطان) . جاء من حديث ابن عمر، وأبي مسعود الأنصاري، وابن عباس، وأبي هريرة: أما حديث ابن عمر؛ فله عنه طرق: الأ ولى: عبد الله بن دينار: رواه البخاري (3279 و 5296) - واللفظ له -، وا بن حبان (6648 و 6649) ، وأحمد (2/23 و50و73 و111) ، والبغوي في "شرح السنة" (4005) ، وأبو نعيم (6/348) ، والفسوي في "المعرفة والتاريخ " (2/749) من طرق عنه به. الثانية: سالم بن عبد الله بن عمر: رواه البخاري (3511 و7092) ، ومسلم (8/180 و181) ، والترمذي (2268) ، وعبد الرزاق (21016) ، وأحمد (2/23 و26 و40 و 72 و121 و 143) ، وأبو يعلى

(5449 و5510) ، والطبراني في "الأوسط " (4092) ، وأبو نعيم في "الحلية " (6/133) ، والدولابي في "الكنى" (1/168) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (1/ 130- 132) ، والفسوي في "المعرفة والتاريخ " (2/748) من طرق عنه به. وقد تكلمت عليه- باختصار- في كتابي "تخريج أحاديث فضائل الشام " (ص 25) . الثالثة: نافع مولى ابن عمر: رواه البخاري (3104 و 7093 و 7094) ، ومسلم (8/180و181) ، وأحمد (2/18 و92) ، والطرسوسي في "مسند ابن عمر" (69) ، والفسوي (2/748) ، وابن عساكر (1/133- 136) . الرابعة: بشر بن حرب الندبي: رواه أحمد (2/124) ، وابن عساكر (1/137) . وبشر: صدوق فيه لين؛ كما في "التقريب ". (تنبيه) : في بعض هذه الروايات لفظ: "ألا إن الكفر ها هنا ... "، وفي بعض آخر: "الزلازل والفتن ... "، وفي بعض ثالث: قصة ابن عمر مع أهل العراق لما سألوه عن دم البعوض! وأما حديث أبي مسعود: فرواه البخاري (3302 و 3498 و 4387 و5303) ، ومسلم (1/51) ، وأبو عوانة (1/58 و59) ، والحميدي (458) ، وابن أبي شيبة (12/182) ، وأحمد في "المسند" (4/118و5/273) وفي "فضائل الصحابة" (1608) ، وابن منده في "الإيمان "

(425 و 426 و427) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (803) ، والقضاعي في "مسند الشهاب " (163) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ رقم 564 و 569 و 577) من طريقين عن قيس بن أبي حازم عنه به، ولفظه- كما عند البخاري-: أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده نحو اليمن، فقال: "الإيمان يمان- ها هنا-، ألا إن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قرنا الشيطان، في ربيعة ومضر". و (الفدادين) : جمع (فدان) ، والمراد به: البقر التي يحرث عليها. كذا في "الفتح " (6/352) ، وذكر وجوهاً أخرى في معناها. وأما حديث ابن عباس: فرواه الطبراني في "المعجم الكبير" (12553) ، وابن عساكر (2/ 138) من طريق إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعاً، وفيه: "إنها بها [أي: العراق] قرن الشيطان، وتهيُّج الفتن، وإن الجفاء بالمشرق ". وإسحاق وأبوه ضعيفان؛ كما في "لسان الميزان " (1/365- 366) ، و"التهذيب " (5/371) كلاهما للحافظ ابن حجر. وقد قال المنذري في "الترغيب " (2/144) : "رواته ثقات "! وتابعه الهيثمي في "المجمع " (3/305) ! وهو وهم منهما، بينته في "التعليق الرغيب " (2/144) .

3598

وأما حديث أبي هريرة: فرواه البخاري (4389) من طريق ثور بن يزيد عن أبي الغيث عنه به مرفوعاً، بلفظ: "الإيمان يمان، والفتنة ها هنا؛ ها هنا يطلع قرن الشيطان". وله في "صحيح مسلم " (1/52) ، و"مسند أحمد" (2/252) طرق أخرى. ثم رأيت الحديث في "المعرفة والتاريخ " (2/750) للفسوي، ومن طريقه: ابن عساكر (1/128) عن الحسن ... مرسلاً. وإسناده إليه صحيح. * 3598- (ألآ إنِّي أَبرأُ إلى كُلِّ خِلٍّ من خِلِّهِ، ولو كنتُ متخذاً خليلاً، لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً؛ إنّ صاحبَكم خليلُ الله) . جاء من حديث ابن مسعود، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وعبد الله بن الزبير، وأبي المعلى الأ نصاري، وجندب البجلي، وأبي هريرة، وعائشة، وأنس، وجابر، وأبي واقد، والبراء. 1- أما حديث ابن مسعود؛ فله عنه طرق: الأول: أبو الأحوص- واسمه: عوف بن مالك-: رواه مسلم (7/108 و109) ، والترمذي (3655) ، وابن ماجه (93) ، والنسائي في " الكبرى " (8104 و1805) ، وابن حبان (6855 و6856) ، وعبد الرزاق في "المصنف " (20398) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (11/473 و12/5) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/441- 443) ، والبغوي في "شرح السنة" (3866 و3687)

وفي "التفسير" (2/292) ، وابن أبي عاصم (1226) ، والطيالسي (300 و314) ، والحميدي (113) ، وأحمد في "المسند" (1/377 و389 و408 و409 و412 و433 و434 و437 و439 و463) وفي "فضائل الصحابة" (69 و155 و156 و157 و158 و159 و160 و192 و193 و671) ، والشاشي (720-726) ، وأبو يعلى (5149 و5180 و 5308) ، والطبراني في "الأوسط " (773 و1393 و8347) و"الكبير" (10106) و (10107) ، وابن سعد في "الطبقات " (3/176) من طرق عدة عن أبي الأحوص عنه به. الثاني: خالد بن ربعيّ: رواه أحمد (1/395 و410) ، وعبد الرزاق في "تفسيره " (1/ 174) ، وابن حبان (6426) ، والطبراني في "الكبير" (10546) من طريقين عنه موقوفاً ومرفوعاً. ولا يتعارضان؛ فالموقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي. وخالد بن ربعي مجهول، لم يرو عنه غير واحد، ولم يوثقه إلا ابن حبان. الثالث: ابن أبي مليكة: رواه مسلم (7/109) من طريق أبي عميس عنه به. وهي رواية غريبة؛ وقعت في "الصحيح " بين مجموع روايات عبد الله بن مسعود- هكذا-: عن ابن أبي مليكة عن عبد الله [هكذا مهملاً] قال: ... فذكر الحديث. وسبب استغرابي لها أمور: أ- أن الحافظ المزي لم يذكرها في "تحفة الأشراف " بهذا الإسناد!

ب- أن المزي- نفسه- رحمه الله لم يذكر في "التهذيب " ابن مسعود في شيوخ ابن أبي مليكة، ولا ذكر ابن أبي مليكة في تلاميذ ابن مسعود. ج- أن الحافظ ابن حجر لم يورد هذه الرواية في كتابه "إتحاف المهرة ... "، ومن ضمن شرطه كتاب "مسند أبي عوانة" (¬1) ؛ الذي هو مستخرج على "صحيح مسلم "، ولم يطبع القسم الذي فيه هذا الحديث من "أبي عوانة". د- أني لم أر هذه الرواية على هذا النسق في أي مصدر آخر مما بحثت؛ على كثرة من خرج حديث ابن مسعود منهم؛ كما ترى. هـ- وقع في القلب أن يكون وقع سقط في الإسناد، وأن الجادةّ فيه رواية أبي الأحوص عن ابن مسعود، يرويها عنه ابن أبي مليكة! ولكنهم لم يذكروا أبا الأحوص في شيوخ ابن أبي مليكة! ولم يذكروا ابن أبي مليكة في تلاميذ أبي الأحوص!! فيحتمل أن يكون الأرجح التالي. وفقد رأيت البخاري في "صحيحه " (3658) قد أخرجه من: 4- حديث عبد الله بن الزبير: يرويه عنه ابن أبي مليكة، وهو من تلاميذه؛ كما في "تهذيب الكمال " (15/256) ، و"تحفة الأشراف " (4/232) - وقد ذكر الحديث فيه-. ويرويه عن ابن أبي مليكة عن ابن الزبير- تصريحاً- اثنان: 1- أيوب: عند البخاري. ¬

(¬1) وقد ذكر في "الإتحاف ... " (10/427) روايات أبي الأحوص عند أبي عوانة، وهي في (المناقب) عنده.

2- ابن جريج: عند أحمد في "مسنده " (4/4وه) وفي "فضائل الصحابة" (637) . فلعل روايتهما- على هذا النسق- تكون- على الأقل- رافعة للإهمال في رواية مسلم، ودافعة للإشكال الذي ذكرته قبل. ومما يغلب على ظني أنه- بسبب إهمال اسم (عبد الله) الواقع في طريق ابن أبي مليكة- وَهَلَ أحد نساخ "صحيح مسلم "- أو بعض رواته-؛ فحشر هذا الطريق- على سبيل التوهم- بين طرق وروايات حديث ابن مسعود، وهي كثيرة. وبخاصة أن من المعلوم لدى المشتغلين بهذا العلم الشريف أنه إذا أطلق (عبد الله) ؛ فإن المراد به ابن مسعود. ومثل هذا- أو أشد- قد يقع خطأً، أو سهواً، ويستمر على ما هو عليه! كحديث أبي هريرة في ذكر (السبعة الذين يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله) ، حيث وقع في رواية مسلم: ".. حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله "- على القلب! - مخالفاً روايات هذا الحديث في "البخاري " وغيره بصورة خاصة، والسنة بصورة عامة. ولا يزال هذا القلب في نُسخ "الصحيح " إلى هذه الساعة، مع تنبيه من ينبّه عليها من أهل العلم. ولقد كنت نبهت- قديماً- على هذا القلب في "الإرواء" (887) أثناء تخريجي للحديث المذكور. ثم رأيت في "فضائل الصحابة" (181) - للإمام أحمد- الحديث عن ابن أبي مليكة مرسلاً!

يرويه عنه عبد الجبار بن ورد؛ وهو إلى الثقة أقرب، لكنه يخطئ ويهم؛ كما قال ابن حبان! فلعل هذا من أوهامه، والله أعلم. ولحديث ابن الزبير طريقان آخران: عند أحمد (4/4) ، وأبي نعيم (4/307) ، وعبد الرزاق (19049) . ولْنَعُد إلى حديث ابن مسعود؛ فإن له طريقاً أخرى، وهي: الرابعة: عن شقيق: رواه الطبراني في "الأوسط " (6265) من طريق إبراهيم بن محمد الشافعي عن سفيان عن الأعمش عنه به. وإبراهيم بن محمد هذا: هو ابن عم الإمام الشافعي؛ وهو صدوق؛ كما قال الحافظ في "التقريب ". وبقية رجاله ثقات، فالسند حسن. 2- وأما حديث ابن عباس: فقد رواه البخاري (467) ، والنسائي في "الكبرى" (8102) ، وابن أبي عاصم في "السنة " (1463) ، وابن حبان (6860) ، وأحمد في "المسند" (1/270) وفي " الفضائل " (67) ، وابن سعد (2/227- 228) ، وأبو يعلى (2584) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/441) ، والقطيعي في "زياداته " على "الفضائل " (134) ، والطبراني في "الكبير" (1193 و11974) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/342- 343) ، والبيهقي في "الدلائل " (7/167) من طريق عكرمة عنه به.

3- أما حديث أبي سعيد الخدري: فقد رواه البخاري (466) ، ومسلم (7/108) ، والنسائي في "الكبرى" (8103) ، وابن حبان (6861) ، وأحمد في " المسند " (3/18) ، والترمذي (3660) ، والدارمي (1/36) ، وابن سعد (2/228 و 232) ، والبغوي في "شرح السنة" (3821) ، والخطيب في "تاريخه " (13/63) من طريقين عنه به. 5- وأما حديث أبي المُعلّى بن لَوْذَانَ: فقد رواه الترمذي (3659) ، وأحمد (3/478 و 4/211) ، وابن السنّي (436) ، والدولابي في " الكنى" (1/56) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (34/309) . ورواه أحمد (3/477- 478) ؛ فجعله من مسند أبي سعيد بن المعلّى! وأفاد الحافظ في "أطراف المسند" (7/86) أنه وقع- كذلك- في "مسند أبي يعلى"! وقد قال الحافظ ابن كثير في "جامع المسانيد" (14/125) : "يُحتمل أنه غلط "! وصرح بالصواب فيه في "البداية والنهاية" (5/ 230) . قلت: وهو ضعيف الإسناد: ابن أبي المعلى لا يعرف! 6- وأما حديث جندب بن عبد الله البجلي: فقد رواه مسلم (7/108) ، والنسائي في "الكبرى" (11123) ، وأبو عوانة (1/401) ، وابن سعد في "الطبقات " (2/240) ، والطبراني في "الكبير" (1686) ، والحاكم (2/550) ، والبيهقي في "الدلائل " (7/176-177) من طرق عن عبيد الله ابن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث النّجرانيّ قال: حدثني جندب ... فذكره.

ورواه ابن حبان (6425) من طريق أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث عن جميل النجراني عن جندب ... وقد نقل الحافظ ابن حجر في "النكت الظّراف " (2/443) عن الإمام الدارقطني ترجيحه الرواية الأولى، بقوله: "هي أشبه بالصواب ". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي!! قلت: بل هو في "صحيح مسلم "! 7- أما حديث عائشة: فرواه أحمد في "الفضائل " (565) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (2055) من طريق معلى بن عبد الرحمن الواسطي عن عبد الحميد بن جعفر عن الزهري عن عروة عنها به. والواسطي متروك، كذبه غير واحد، كما في "الميزان " (4/148) وغيره. 8- أما حديث أنس: فرواه الطبراني في "مسند الشاميين " (154) ، والبزار في "مسنده " (2484) من طريق عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي عن ابن ثوبان عن حميد عنه به. والطرائفي ضعيف؛ كما قلته في غير موضع؛ من آخرها "السلسلة " الأخرى (5/363) . 9- أما حديث جابر: فرواه عبد الله بن أحمد في "زوائده " على "فضائل الصحابة " (21) من طريق

مجالد عن الشعبي عن جابر. ومجالد مشهور بالضعف؛ كما نبهت عليه مراراً. 10- أما حديث أبي واقد الليثي: فرواه الطبراني في "الكبير" (3297) من طريق الحِمّاني عن أبيه عن عبد الرحمن بن آمين عن سعيد بن المسيّب عنه به. وقد أورده الهيثمي في "المجمع " (9/45) ، وأعله بـ (يحيى بن عبد الحميد الحماني) . قلت: وأبوه صدوق سيئ الحفظ. وابن آمين- ويقال: ابن يامين- منكر الحديث؛ كما في "المغني " (1/376 و 389) للذهبي. 11- أما حديث البراء: فرواه الخطيب في "تاريخه " (3/134) من طريق علي بن إبراهيم الواسطي عن وهب بن جرير عن شعبة عن أبي إسحاق عنه به. قلت: ورجاله كلهم ثقات؛ لكنه شاذ؛ فقد نقل الخطيب- عقبه- عن الدارقطني قوله: " تفرد به علي بن إبراهيم عن وهب بن جرير عن شعبة! والمحفوظ عن أبي إسحاق عن عبد الله ". قلت: وقد تقدم هكذا على الصواب.

3599

12- أما حديث أبي هريرة: فقد أخرجه الترمذي (3661) ، والطبراني في "الأ وسط " (5729) من طريق داود بن يزيد الأودي عن أبيه عنه به. قلت: وإسناده ضعيف؛ كما بينته- قديماً- في "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" (¬1) (ص 17) . (تنبيه) : ألفاظ هذه الطرق والروايات مختلفة- بزيادة أو نقص-، ولكنها جميعاً متفقة على جملة: " لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ خليلاً "، وهي الأصل في الحديث كما لا يخفى. والحمد لله على توفيقه. * 3599- (ألا إنَّ ربِّي أمرني أنّ أعلِّمَكم ما جهلتُم مما علَّمني يومي هذا؛ كلُّ مال نَحَلْتُهُ عبداً حلالٌ، وإنّي خلقتُ عبادي حُنفاء كلّهم، وإنّهم أتتهم الشياطين فاجتالتهُم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهُم أن يشركوا بي ما لم أُنزِّل به سلطاناً، وإنّ الله نَظَرَ إلى أهل الأرض فمقتهم؛ عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنّما بعثتُك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلتُ عليك كتاباً لا يغسله الماءُ، تقرؤه نائماً وبقظان، وإنّ الله أمرني أن أحرِّق قريشاً، ¬

(¬1) وقد نشره المكتب الإسلامي دون مراجعة مني له، وقد كتب عليه (صاحبه) (!) تعليقات له- كعادته -! وكان منها- على هذا الحديث- أن عزاه لمسلم عن أبي سعيد! وفاته أنه في البخاري- أيضاً-!! - كما تقدم-.

فقلتُ: ربّ! إذاً يثلغُوا رأسِي؛ فيدَعُوه خُبْزة! قال: استخرجهم كما استخرجُوك، واغزُهم نُغزِكَ، وأنفقْ فسننفق عليك، وابعث جيشاً نبعث خمسةً مثله، وقاتل بمن أطاعك من عصاك. قال: وأهل الجنّة ثلاثةٌ: ذو سلطان مُقسطٌ متصدِّقٌ موفَّق، ورجلٌ رحيمٌ رقيقٌ القلب لكلِّ ذي قُربى ومسلمٍ، وعفيفٌ متعفِّفٌ [متصدق] ذو عيالٍ قال: وأهلُ النّار خمسةٌ: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تبعاً لا يتبَعُون أهلاً ولا مالاً، والخائن الذي لا يخفى له طمَعٌ - وإن دقَّ- إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعُك عن أهلِك ومالِك- وذكر البخل أو الكذ ب -، والشِّنظير الفحَّاش، وإن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحدٌ على أحدٍ، ولا يبغي أحدٌ على أحدٍ) . رواه مسلم (8/159) - والسياق له-، والنسائي في "الكبرى" (8070 و 8071) ، وعبد الرزاق (20088) ، والطيالسي (1079) ، وابن حبان (653 و654) ، وأحمد (4/162 و266) - والزيادة منه-، والبيهقي (9/ 60) ، والطبراني في "الكبير" (17/ رقم: 987 و992 و993 و994و995 و996 و997) ، وابن قانع في "معجم الصحابة " (2/278 و 279) ، وابن أبي عاصم "الآحاد والمثاني " (1196) من طريقين- قتادة والحسن البصري- عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن عياض ابن حمار: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبته ... فذكره.

وقد روى أبو داود (4895) ، وابن ماجه (4214) فقرة التواضع منه، وهومخرج فيما سبق (570) . وتابع مطرِّفاً: عبد الرحمن بن عائذ؛ عند أبي عوانة في "مسنده "- كما في "إتحاف المهرة" (12/635) للحافظ ابن حجر-. وقد قال همام- شيخ عفان؛ شيخ أحمد في هذا الحديث-: قال بعض أصحاب قتادة- ولا أعلمه إلا قال: يونس الإسكاف-: قال لي: إن قتادة لم يسمع حديث عياض بن حمار من مُطرف، قلت: هو حدثنا عن مطرف، وتقول أنت: لم يسمعه من مطرف؟! قال: فجاء أعرابي، فجعل يساله واجترأ عليه، قال: فقلنا للأعرابي: سله: هل سمع حديث عياض بن حمار عن مطرف؟ فساْله؟ فقال: لا؛ حدثني أربعة عن مطرف؛ فسمى ثلاثة- الذين قلت لكم-. قلت: ويونس الإسكاف: هو ابن أبي الفرات، ثقة، ترجمه المزي في "تهذيب الكمال " (32/535- 537) . وتصريح قتادة بالتحديث عن مطرف جاء من طريق شعبة عنه: عند أحمد؛ وشعبة كفانا- كما صح عنه- تدليس قتادة. والذي يبدو- جمعاً بين هذا وذاك؛ والله أعلم-: أن قتادة سمعه من مطرف بعد أن لم يكن سمعه، فنزل به، ثم علا! وبهذا- فيما أرى- يندفع إشكال التعارض بين إثبات السماع- في السند-، ونفيه- في المحاورة المذكورة -! والمثبت مقدم على النافي، ولا سيما أنه متابع من الحسن، كما تقدم، بل لمطرف نفسه متابع؛ كماسبق. والله أعلم بالصواب. *

3600

3600- (ألا تُبايعون رسولَ الله؟! - فردَّدها ثلاث مرات-: على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس- وأسرَّ كلمة خفيَّة-[و] أن لا تسألوا الناس شيئاً) . رواه عنه - صلى الله عليه وسلم -: عوف بن مالك؛ ورواه عن عوف ثلاثة: 1- أبو مسلم الخولاني: رواه مسلم (3/97) ، والنسائي (1/229) - واللفظ له -، وأبو داود (1642) ، وابن ماجه (2867) ، والطبراني في " الكبير" (18/ رقم 67) ، والمزي في "تهذيب الكمال " (34/292) من طريق أبي إدريس الخولاني عنه به. 2- أبو إدريس الخولاني: رواه ابن حبان (3385) ، والطبراني في "الكبير" (18/ رقم 68) من طريق ربيعة بن يزيد عنه به. قلت: ولا تعارض بين الطريقين؛ فالعلو والنزول من الطرائق المعروفة عند أهل الحديث؛ فكون أبي إدريس سمعه من أبي مسلم: لا يُعارض سماعه من عوف مبا شرة. 3- ربيعة بن لقيط: رواه أحمد (6/27) ، والطبراني (18/ رقم130) من طريق قتيبة بن سعيد عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عنه به مختصراً بنحوه. ورواية قتيبة عن ابن لهيعة مقبولة؛ كما نبهت عليه في مواضع من كتاباتي أخيراً.

3601

وربيعة بن لقيط وثقه ابن حبان والعجلي، وروى عنه جماعة. فالسند جيد- إن شاء الله-. ولفظ حديث الترجمة من رواية مسلم أطول مما أوردناه؛ فهو عن أبي مسلم الخولاني قال: حدثني الحبيب الأمين- أما هو؛ فحبيب إليّ، وأما هو عندي؛ فأمين- عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: "ألا تبايعون رسول الله؟! "؛ وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟! "؛ فقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! ثم قال: "ألا تبايعون رسول الله؟! "؛ قال: فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله! فعلام نبايعك؟ قال: "على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، والصلوات الخمس وتطيعوا- وأسر كلمة خفية- ولا تساْلوا الناس شيئاً". فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم، فما يسأل أحداً يناوله إياه. * 3601- (ألا رجلٌ يمنحُ أهلَ بيتٍ [لا درَّ لهم] ناقةً [من إبله] ؛ تغدُو بعُسٍّ، وتروح بعُسٍّ؟ إنَّ أجرها لعظيمٌ) . رواه مسلم (3/88) - واللفظ له-، وأحمد (2/242) ، وأبو يعلى (6268) من طرق عن سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة يَبْلُغُ به (¬1) . ورواه الحسين المروزي في "زوائده " على "الزهد" (780) لابن المبارك من طريق سفيان عن ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مرفوعاً. والزيادتان منه. ¬

(¬1) أي: إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ورواه الحميدي في "مسنده " (1062) من طريق سفيان به، وزاد: "ويكتب الله له بكل حلبة حلبها حسنة- أو قال: عشر حسنات-، بقدر ما كانت؛ بَكّأت أوغزرت ". وابن عجلان حسن الحديث؛ كما تقدم مراراً. ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (4/184) من طريق سفيان عن أبي الزناد به، وزاد في أوله: "أفضل الصدقة المنيحة ... ". وجعل مكان: "بِعُسّ"- في الموضعين-: "برفد". وهما بمعنى. ورواه الحميدي (1061) بنفس الإسناد، بلفظ: "أفضل الصدقة المنيحة؛ تغدو بعسّ، أو تروح بعسّ". (تنبيه) : أورد الحديث السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير" بلفظ: ".. تغدو بغداء، وتروح بعشاء (¬1) ... " من رواية مسلم! وليست هي هكذا لا عند مسلم، ولا عند غيره!! وهو هكذا في "صحيح الجامع الصغير وزيادته ". (رقم 2650) ، فليُصَحّح. و"العُسّ": هو القدح الكبير. ¬

(¬1) وتحرف كذلك في "مسند أبي يعلى"؛ لكنه جعل الموضعين: "بعشاء"!

3602

و"المنيحة": "أن يمنح الرجل أخاه ناقة أو شاة؛ حتى يحتلبها عاماً أو أقل أو أكثر، فينتفع بدرها، ثم يردها: فجائز ... ". قاله البغوي في "شرح السنة" (6/164) . ثم رأيت ابن المبارك يروي الحديث في "الزهد" (779) عن المبارك بن فضالة عن الحسن مرسلاً بنحوه. والمبارك بن فضالة مدلس، على إرساله. * 3602- (أيعجزُ أحدُكم أن يكسبَ كلَّ يومٍ ألفَ حسنةٍ؛! فسأله سائلٌ من جُلسائِه: كيف يكسبُ أحدُنا ألف حسنةٍ؟! قال: يسبّحُ مئةَ تسبيحةٍ، فيُكتبُ له ألفُ حسنةٍ، أويُحطُّ عنه ألفُ خطيئةٍ) . رواه مسلم (8/71) ، والترمذي (3463) ، والنسائي في "عمل اليوم والليلة " (152) ، وابن حبان (825) ، وأحمد (1497 1563 و1612 و1613) ، والهيثم الشاشي في "مسنده " (66) ، وعبد بن حميد في "مسنده " (134- "المنتخب منه ") ، والحميدي (80) ، وابن أبي شيبة (10/ 294) ، والطبراني في "الدعاء " (1702 و1703 و1704و 1705 و 1706) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (129) و"الشُّعَب " (600) ، والبغوي في "شرح السنة" (1266) ، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة " (537) و"أخبار أصبهان " (1/83) ، وأ بو يعلى (723 و 829) ، والبزار (1160- زوائده) ، والحسن بن عرفة في "جُزئه " (79) من طرق عن موسى الجهني عن مصعب بن سعد: حدثني أبي قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره.

3603

(فائدة) : قال الإمام النووي في "شرح مسلم " (17/ 20) - تعليقاً على قوله: "أو يحط "-: "هكذا هو في عامة نسخ "صحيح مسلم ": "أو يحط " بـ (أو) ، وفي بعضها: "ويحط "- بالواو-، وقال الحميدي في "الجمع بين الصحيحين ": كذا هو في كتاب مسلم: "أو يحط" بـ (أو) ، وقال البرقاني: ورواه شعبة، وأبو عوانة، ويحيى القطان عن [موسى] (¬1) الذي رواه مسلم من جهته، فقالوا: "ويحطّ "- بالواو- ". قلت: وقد جاءت الروايات في مصادر التخريج- المتقدمة- بالوجهين، والخلاف فيه سهل؛ لأن (أو) تأتي بمعنى (الواو) . * 3603- (إيه يا ابن الخطّاب! والذي نفسي بيده! ما لَقِيكَ الشيطانُ سالكاً فجّاً؛ إلا سلك فجّاً غير فجك) . رواه البخاري (3294 و3683 و6085) ، ومسلم (7/114- 115) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (8130- فضائل الصحابة) و (10035- عمل اليوم والليلة) ، وابن حبان في "صحيحه " (6893- "الإحسان ") ، وابن أبي شيبة (14/83) ، وأحمد في "مسنده " (1/171 و 182 و 184 و 187) وفي "فضائل الصحابة" (301 و 302) ، وابن أبي عاصم في "السنة " (2/582) ، وأبو يعلى (810) ، والبزار (115- مسند سعد) ، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (202) ، والبغوي في "شرح السنة" (3874) ، والشاشي في "مسنده " (118) من طرق عن الزهري عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب عن محمد بن سعد عن أبيه قال: ¬

(¬1) تحرف في "شرح مسلم " إلى: يحيى! والتصحيح من " الترغيب والترهيب " (2/ 244- التعليق الرغيب) .

استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعنده نسوة من قريش، يسألنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر تبادرن الحجاب، فأذن له النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يضحك، فقال أضحك الله سنك يا رسول الله! بأبي أنت وأمي؟! فقال: "عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي، لّما سمعن صوتك تبادرن الحجاب! ". فقال: أنت أحقُّ أن يهبن يا رسول الله! ثم أقبل عليهن، فقال: يا عدوّات أنفسهن! أتهبنني ولم تهبن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟! فقلن: إنك أفظ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وللحديث طريق آخر عند ابن أبي عاصم (1260) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً، بلفظ: "والذي نفسي بيده! ما سلك الشيطان طريقاً يمر فيه عمر". وإسناده حسن، رجاله رجال الشيخين؛ إلا شيخ ابن أبي عاصم- فيه-: ابن كاسب- واسمه يعقوب-؛ فإنه لا يرتفع حديثه إلى درجة الصحة. (فائدة) : قول النسوة: (إنك أفظُّ وأغلظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -) ؛ مما خرج على غير بابه؛ كما يقول أهل اللغة؛ ذلكم أن الفظاظة والغلظة منفيان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بنص القرآن الكريم صراحة. والله أعلم. *

3604

3604- (إيّاكم والوصال- مرتين-، قيل: إنك تواصل؟! قال: إنّي أبيت يُطعمُني ربّي وبسقيني؛ فاكلَفُوا من العمل ما تطيقون) . جاء من حديث أبي هريرة، وله عنه طرق: أولاً: همام: رواه عبد الرزاق (7754) ، وعنه البخاري (1966) ، وأحمد (2/315) ، والبغوي (1736) ، والبيهقي (4/282) من طريق عبد الرزاق عن معمر عنه به. ثانياً: أبو سلمة: رواه عبد الرزاق (7753) ، وعنه أحمد (2/ 261 و 281، 516) ، والبخاري (1965 و 7299) ، ومسلم (3/133) ، وا بن حبان (3575) ، والدارمى (2/8) ، والبيهقي (4/282) من طرق عن الزهري عنه به. ثالثاً: الأعرج: رواه مالك (1/301) ، ومن طريقه: الد ارمي (2/7) ، والبغوي (7/173) ، ومسلم (3/134) ، وا بن حبان (3576) ، والحميدي (1009) ، وأحمد (2/244 و 257 و418) من طرق عن أبي الزناد عنه به. رابعاً: أبو زرعة بن عمرو بن جرير: رواه مسلم (3/ 134) ، وابن خزيمة (2070) ، وابن أبي شيبة (3/83) ، وإسحاق ابن راهويه في "مسنده " (168) ، وأحمد (2/231) ، وأبو يعلى (6088) من طرق عن عمارة بن القعقاع عنه به.

3605

خامساً: أبو صالح: رواه مسلم (3/133) ، وابن خزيمة (2072) ، والبغوي (1738) ، وابن أبي شيبة (3/ 82) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (5539) ، وأحمد (2/253 و 495-496) . سادساً: موسى بن يسار: رواه أحمد (2/257) عن يزيد عن محمد عنه به. ومحمد: هو ابن إسحاق. وموسى بن يسار: عمه. سابعاً: سعيد بن المسيّب: رواه البخاي (7242) من طريق الزهري عنه به. ثامناً: سليم بن حيان: رواه أحمد (2/345) عن عفان عنه به. وهذا من ثلاثيات أحمد، وسليم- بفتح السين وكسر اللام- ثقة من رجال الكتب الستة. وسنده صحيح على شرط الشيخين. قلت: وفي الباب عن غير واحد من الصحابة؛ فانظر "صحيح أبي داود" (2043 و 2044) ، و"صحيح الجامع الصغير وزيادته " (2495) . * 3605- (أيّما امرأة أصابت بخوراً؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) . رواه مسلم (2/ 34) ، وأبو داود (4175) ، والنسائي في " الصغرى " (8/ 154)

و" الكبرى " (9424 و 9430) ، والبيهقي (3/133) ، والبغوي في "شرح السنة " (861) ، وأبو عوانة في "مسنده " (2/ 17) ، وأبو يعلى (545) من طريق يزيد بن خُصَيْفَة عن بسر بن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قال النسائي: "لا نعلم أن أحداً تابع يزيد بن خصيفة عن بسر بن سعيد على قوله: (عن أبي هريرة) ! وقد خالفه يعقوب بن عبد الله بن الأشج؛ رواه عن بسر بن سعيد عن زينب الثقفية ". قلت: وهو عند مسلم- أيضاً- (2/33) من طريق بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر عن زينب. وقد تقدم تخريج روايته في هذه "السلسلة" (1094) . ويزاد على مصادر تخريجه- هناك-: رواه النسائي في "الكبرى" (9425) - وهي رواية يعقوب-، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (3212 و 3213) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ رقم: 718و719 و720 و722) - وهي رواية بكير-. ولقد رجح النسائي في "السنن الكبرى" رواية بكير على رواية يعقوب؛ وهما أخوان ثقتان، ويزيد- على ثقته- في بعض حديثه نكارة! ثم روى النسائي حديث زينب الثقفية من طريقين عن الليث بإسناده؛ أحدهما: يرويه الليث- وهو ابن سعد- عن عبيد الله بن أبي جعفر عن بكير به. والثاني: يرويه الليث عن بكير- بدون واسطة-.

3606

وقد رجح النسائي رحمه الله الرواية الأولى. ثم خرجه النسائي- بعد- من طرق أخرى عدة ليذكر وجوه الاختلاف فيه على إبراهيم بن سعد الزهري. قلت: وكل هذه الوجوه غير ضارة الحديث؛ فالأسانيد صحاح، والرواة ثقات. وللحديث شاهد من طريق آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: "إذا خرجت المرأة إلى المسجد؛ فلتغتسل من الطيب؛ كما تغتسل من الجنابة". وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة الصحيحة" (رقم: 1031) ، فليراجع. * 3606- (الأ نصار كَرِشي وعَيْبَتي، والناس سيكثرون، ويقلُّون فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم) . جاء من حديث أنس، وأسيد بن حضير، وأبي سعيد الخدري، وكعب بن مالك. أولاً: حديث أنس، وله عنه طرق: 1- قتادة: رواه البخاري (3801) - واللفظ له-، ومسلم (7/174) ، والنسائي في " الكبرى " (8325) ، والترمذي (3901) ، وابن حبان (7265) ، والبغوي في "شرح السنة " (3972) ، وأحمد في "مسنده " (3/176 و 272) وفي "الفضائل " (1464) ، وأبو يعلى (2994 و 3208) من طريق شعبة عنه به.

2- حميد: رواه النسائي في "الكبرى" (8326) ، وابن حبان (9268) ، وابن أبي شيبة (12/160) ، وسعيد بن منصور في "سننه " (2900) ، والبغوي (3976) ، وأحمد (3/188 و201) ، والقضاعي في "مسند الشهاب " (238) . 3- ثابت: أخرجه أحمد في "مسنده " (3/246) وفي "الفضائل " (1440) . 4- سعد بن عبد الرحمن بن هاشم: رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/59) . 5- محمد بن سعد ابن أخي سعد بن أبي وقاص: رواه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/59) . 6- أبو التَّيَّاح: أخرجه أبو يعلى (3229) . 7- علي بن زيد بن جدعان: أخرجه الحميدي (1201) . 8- النَّضر بن أنس: أخرجه أحمد (3/156) . 9- النعمان بن مرة الأنصاري: رواه الطبراني في "معجمه الصغير"، وهو مخرج عندي في "الروض النضير" (رقم: 34) .

10- هشام بن زيد: رواه البخاري (3799) وغيره. وهو مخرج في هذه "السلسلة" تحت رقم (3430) . ثانياً: حديث أسيد بن خضير رواه النسائي في " الكبرى " (8324) ، والطبراني في " الكبير" (552) من طريق حرمي بن عمارة عن شعبة عن قتادة عن أنس عن أسيد به. قال المزي في "تحفة الأشراف " (1/73) : "رواه غُندر عن شعبة، فلم يذكر أسيداً". قلت: وهو أرجح؛ فَحرمي: صدوق يهم، بينما غندر- وهو محمد بن جعفر- ثقة؛ وهو من أوثق الرواة في شعبة وأثبتهم. والرواية المشار إليها: هي الرواية الأولى المخرجة في حديث، أنس المتقدم. وقال الهيثمي في "المجمع " (10/37) : "ورجاله رجال (الصحيح) "! لكنه- رحمه الله- لم ينبه إلى هذه العلة الدقيقة. ثالثاً: حديث أبي سعيد الخدري: رواه الترمذي (3904) ، وأحمد (3/89) ، وأبو يعلى (1358) من طريق زكريا ابن أبي زائدة عن عطية العوفي عنه به. وعطية ضعيف؛ وفي متنه زيادة منكرة، ومن أجلها أوردته في "ضعيف الجامع الصغير وزيادته " (2174) ، وانظر "المشكاة" (6240) .

3607

رابعاً: حديث كعب بن مالك: وهو مخرج في هذه "السلسلة" تحت الحديث رقم (3430) . ويزاد على مصادره هناك: "الكنى والأسماء" (2/108) للدولابي. * 3607- (بسم الله الرحمن الرحيم: من محمد عبد الله ورسوله: إلى هرقل عظيم الروم؛ سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام: أسلم تسلم: يؤتك الله أجرك مرتين؛ فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين؛ و (يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون)) . رواه البخاري (رقم 7- واللفظ له - و 51 و 2681 و 2941 و 2979 و 3174 و 4553 و 5980 و 6260 و 7196) ، ومسلم (5/163 - 166) ، والترمذي (2717) ، والنسائي في "الكبرى" (11064) ، وعبد الرزاق (9724) ، وابن حبان (6555) ، وأحمد (1/263) ، وا بن منده في "الإيمان " (143) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1380و 1977) ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني " (488) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (4/380 - 381) -، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة " (1457) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (23/428) من طرق عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مادَّ فيها أبا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم

في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه، فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؛ فقال أبو سفيان: فقلت: أنا أقربهم نسباً، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليَّ كذباً لكذبت عنه، ثم كان أول ما سألني عنه؛ أن قال: كيف نسبه فيكم؛ قلت: هو فينا ذو نسب، قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا، قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون، قال: فهل يرتد أحد منهم سُخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا، قال: فهل كنت تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدَّة لا ندري ما هو فاعل فيها؟! قال: ولم تمكنِّي كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم، قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه، قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصِّلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه؟ فذكرت أنه فيكم ذو نسب؛ فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها، وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول؟ فذكرت أن لا؛ فقلت: لو كان أحد قال هذ القول قبله؛ لقلت: رجل يأتسي بقول قيل قبله، وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؛ فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك؛ قلت: رجل يطلب ملك أبيه، وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب

على الناس؛ ويكذب على الله، وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه؛ وهم أتباع الرسل، وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون؛ وكذلك أمر الإيمان حتى يتم، وسألتك: أيرتد أحد سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا؛ وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب، وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا؛ وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك: بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف؛ فإن كان ما تقول حقاً؛ فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه؛ لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده؛ لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه ... فذكره قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب؛ كثر عنده الصخب، وارتفعت الأصوات، وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة! إنه يخافه ملك بني الأصفر، فما زلت موقناً أنه سيظهر؛ حتى أدخل الله علي الإسلام. وكان ابن الناطور- صاحب إيلياء- وهرقل سُقُفَاً على نصارى الشام؛ يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء أصبح يوماُ خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حزَّاءً ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة - حين نظرت في النجوم - ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؛ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمَّنَّك شأنهم، واكتب إلى مدائن ملكك؛ فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم؛ أتي هرقل

برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما استخبره هرقل؛ قال: اذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب؟ فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يَرِمْ حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دَسْكَرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطَّلع فقال؛ يا معشر الروم! هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم، فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حُمُرِ الوحش إلى الأبواب؛ فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا ً؛ أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل. قلت: وقد ورد الحديث نفسه على وجه آخر: فرواه البخاري (2936 و 2940) ، وأبو داود (5136) ، والنسائي في " الكبرى " (5858 و 8845) ، وأحمد (1/162 - 263 و 263) ، والبيهقي في "الدلائل " (4/377 - 380) ، وابن عساكر في "تاريخه " (23/422) من طريق الزهري عن عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن عباس أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكر الحديث دون ذكر أبي سفيان مخبراً ابن عباس. وهذا معدود من مراسيل الصحابة؛ وهي مقبولة عند جماهير أهل السنة والحديث - بحمد الله تعالى -. (فائدة) : قول أبي سفيان- في الحديث -: (لقد أمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة) ؛ معناه - كما قال ابن الأثير في "النهاية" (4/144) -:

3608

"كان المشركون ينسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي كبشة؛ وهو رجل من خزاعة، خالف قريشاً في عبادة الأوثان، وعبد الشِّعرى والعَبُور (¬1) ، فلما خالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبادة الأوثان؛ شبهوه به ". و (أمر) : كثُرَ، وتمًّ. والحديث كنت قد خرجته- قديماً- في "الإرواء " (1/37) مختصراً. * 3608- (بَشِّروا خديجة في الجنة ببيت من قصبٍ , لا صخب فيه ولا نصَب) . جاء من حديث عبد الله بن أبي أوفى، وعائشة، وأبي هريرة، وعبد الله بن جعفر، ورجل من الصحابة: 1- أما حديث ابن أبي أوفى: فرواه البخاري (1792 و 3829) - واللفظ له-، ومسلم (7/133) ، والنسائي في "الكبرى" (8360) ، وابن أبي شيبة (12/133) ، وابن حبان (7004) ، وأحمد في "مسنده " (4/355 و 356 و381) وفي "الفضائل " (1577 و1581 و 1582) ، وابنه عبد الله في "زوائده " على "الفضائل " (1593 و 1594) ، والقطيعي في "زوائده " على "الفضائل " (1595) ، والحميدي (720) ، والطبراني في "الكبير" (23/ رقم 11) من طرق عن إسماعيل بن أبي خالد عنه به. 2- وأما حديث عائشة: فرواه البخاري (3826 و 3827) ، ومسلم (7/133) ، والترمذي (3876) ، ¬

(¬1) هي أسماء نجوم وكواكب؛ كما في "القاموس المحيط " (ص 534) .

والنسائي في "الكبرى" (8362) ، وأحمد في "مسنده " (6/58 و202 و 279) ، والحاكم في "المستدرك " (3/186) ، وإسحاق بن راهويه في "مسنده " (311) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها به. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي!! قلت: بل الحديث في "الصحيحين ". 3- أما حديث أبي هريرة: فرواه البخاري (3820 و7497) ، ومسلم (7/133) ، والنسائي في " الكبرى " (8358) ، وابن أبي شيبة (12/133) ، وابن حبان (7009) ، والحاكم (3/185) ، والبغوي (3953) ، وأحمد في " المسند " (2/ 231) وفى " الفضائل " (1588) ، وأبويعلى (6089) ، والطبراني (23/ رقم10) من طرق عن محمد بن فضيل عن عمارة عن أبي زرعة عنه به. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة"! ووافقه الذهبي! قلت: بلى؛ هو فيهما بالسياقة نفسها، والمعصوم من عصمه الله!! 4- وأما حديث عبد الله بن جعفر: فرواه ابن حبان (7005) ، والحاكم (3/ 184 و185) ، وأحمد في "المسند" (1/205) وفي "الفضائل " (1585 و1591) ، وأبو يعلى في "مسنده " (6795 و 6798) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/ رقم 13) من طرق عن ابن إسحاق: حدثني هشام بن عروة عن أبيه عنه به.

وهذا إسناد حسن؛ لحال محمد بن إسحاق. وقد قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه "! قلت: إنما أخرج مسلم لابن إسحاق متابعة!! 5- وأما حديث الرجل من الصحابة: فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف " (12/134) عن ابن نمير عن الأعمش عن أبي صالح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. وهذا إسناد صحيح، وعنعنة الأعمش عن أبي صالح لا تضر؛ لأنه أكثر عنه؛ كما قال الإمام الذهبي. وابهام الصحابي غير ضار- أيضاً -؛ إذ كلهم- رضي الله عنهم- عدول. وهنا فائدتان متعلقتان بالحديث: الأولى: روى عبد الرزاق (5/324 و11/ 430) ، وعنه أحمد في "الفضائل " (1574) عن عروة مرسلاً قال: توفيت خديجة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أُريت لخديجة بيتاً من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ". قال: وهو قصب اللؤلؤ. ورجاله ثقات.

3609

الثانية: روى أبو يعلى في "مسنده " (2047) من طريق مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله- ضمن حديث- قال: سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن خديجة - لأنها ماتت قبل الفرائض، وأحكام القرآن؟ فقال: "أبصرتها على نهر من أنهار الجنة، في بيت من قصب، لا صخب فيه ولا نصب ". قلت: وفيه مجالد- وهو ابن سعيد- من مشاهير الضعفاء. وبه أعله الهيثمي في "المجمع " (9/416) ، قائلاً: "وهذا مما مُدح من حديث مجالد". قلت. نعم؛ فلعله يتقوى بحديث الترجمة؛ لشموله عموم معناه، وكذا بالمرسل صحيح الإسناد. (تنبيه) : كنت قد خرجت الحديث- فيما تقدم من هذه "السلسلة" (1) برقم (1554) ، ويشاء الله سبحانه تكرار تخريجه هنا بعد أكثر من خمسة عشر عاماً! وما تراه هنا- إن شاء الله- فيه فوائد زوائد، والله المستعان. * 3609- (بين يدي الساعة، تقاتلون قوماً نعالهم الشعر؛ وهو هذا البارز (¬1) - وقال سفيان مرة: وهم أهل البازر (¬2) -) . جاء من حديث أبي هريرة، وعمرو بن تغلب، وأبي سعيد الخدري: ¬

(¬1) وكذا في تعليقي على "فقه السيرة" (ص 88) - مختصراً -. (¬2) انظر تعليقي على هذه الكلمة عند موضع هذا الحديث من كتابي الجديد: "تهذيب صحيح الجامع الصغير والاستدراك عليه "، يسر الله إتمامه!

أما حديث أبي هريرة؛ فله عنه طرق: 1- سعيد بن المسيب: رواه البخاري (2929) ، ومسلم (8/ 184) ، وأبو داود (4304) ، والترمذي (2215) ، وابن حبان (6746) ، والحميدي (1100) ، وأبو يعلى (5878) ، وعبد الرزاق (20781) ، وعنه أحمد (2/ 271) ، وابن ماجه (4096) من طريقين عن الزهري عنه به. 2- همام بن منبه: رواه عبد الرزاق في " المصنف " (20782) ، وعنه أحمد (2/319 و530) ، ومن طريقه: البخاري (3578) من طريق معمر عنه به. 3- الأعرج: رواه البخاري (2928 و3578) ، ومسلم (8/ 184) ، وابن ماجه (4097) ، وأحمد (2/ 530) ، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن " (452) من طريق أبي الزناد عنه به. 4- قيس بن أبي حازم: رواه البخاري (3591) - واللفظ له -، ومسلم (8/ 184) ، وأحمد (2/300 و475) ، وأبوعمرو الداني (450) من طريق إسماعيل بن أبي خالد عنه قال: أتينا أبا هريرة رضي الله عنه فقال: صحبت رسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاث سنين، لم أكن في سِنِّي أحرص على أن أعي الحديث مني فيهن، سمعته يقول- وقال هكذا بيده -: ... فذكره.

3610

5- أبو صالح: رواه مسلم (8/ 184) ، وأبو داود (4303) ، والنسائي (6/ 44- 45) ، وابن حبان (6745) من طريق يعقوب عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك؛ قوماً وجوههم كالمَجَانِّ المُطْرَقَةِ، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر". وأما حديث عمرو بن تغلب: فرواه البخاري (2927 و 3592) ، وابن ما جه (4098) ، وأحمد (5/69 و70) ، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/212) ، وأبو نعيم في "المعرفة" (ق 87/ أ) من طريق جرير بن حازم عن الحسن عنه به. وهو مخرج- باختصار- تحت الحديث رقم (2767) فيما تقدم من هذه "السلسلة". وأما حديث أبي سعيد: فهو مخرج- قبل- في هذه "السلسلة " برقم (2429) . والله الموفق. * 3610- (بينا أنا أسير في الجنة؛ إذ عُرضَ لي نهرٌ حافتاه قباب اللؤلؤ، قلت للملك: ما هذا [يا جبريل] ؟! قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله، قال: ثم ضرب بيده إلى طينه (¬1) ، فاستخرج مسكاً، ثم رُفعت لي سِدرةُ المنتهى، فرأيت عندها نوراً عظيماً) . رواه البخاري (6581) - والزيا دة منه -، وأبو داود (4748) ، والترمذي (3360) - ¬

(¬1) وقع في طبعة الدعاس لـ "الترمذي ": "طينة"!

واللفظ له -، وأحمد (3/103 و115- 116 و191 و207 و231- 232 و232 و 263 و 289) ، وابن حبان (6474) ، والآجري في "الشريعة " (395- 396) ، والطبري في "تفسيره " (30/209) من طرق عن قتادة قال: حدثنا أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وتابع قتادة عليه: حميد الطويل: رواه النسائي في "الكبرى" (11706) ، وابن أبي شيبة (11/13437/147) ، وأحمد (3/103 و115) ، وهناد بن السري في "الزهد" (134) ، وابن حبان (6472) ، والحاكم (1/ 80) ، والآجري في " الشريعة " (396) ، والطبري في "تفسيره " (30/209) ، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (327) ، والبغوي في "شرح السنة" (4343) ، وفي "تفسيره " (8/558) من طريقين عنه به مرفوعاً بلفظ: "دخلت الجنة ... ". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ". وعزاه السيوطي في "الجامع الصغير" (3360- صحيحه) إلى البخاري والترمذي! وليس فيهما هذا اللفظ، إنما فيهما اللفظ الأول. ورواه ثابت عن أنس بنحوه؛ وهو مخرج فيما تقدم من هذه "السلسلة" (برقم2513) . (فائدة) : عزا ابن كثير في "تفسيره " (4/557) حديث أنس من طريق قتادة إلى البخاري (ومسلم) ! وكذلك صنع المزي في "تحفة الأشراف " (1/337) ، لكنه عقب بقوله: "حديث مسلم هذا لم يذكره أبو مسعود، ووجدته ملحقاً في كتاب خلف ".

3611

ونكت الحافظ عليه- في الحاشية- بقوله: "أورده الحميدي في أفراد البخاري ". قلت: ويبدو أن هذا هو الصواب؛ إلا أن يكون قد وقع ذلك في بعض النسخ دون بعض! والله أعلم. * 3611- (بينما أنا نائمُ؛ أتيت بخزائن الأرض، فَوُضِعَ في يدي سِوَارَان من ذهب، فكَبُرا عليَّ وأهمَّاني، فأوُحي إليَّ: أن انفُخُهُما؛ فَنَفَخْتُهُما فذهبا؛ فأوَّلْتُهُما: الكذَّابَيْنِ اللذين أنا بينهما: صاحب صنعاء، وصاحب اليمامة) . رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة، ورواه عنه رضي الله عنه ثلاثة: الأول: همام بن منبه: رواه البخاري (4375 و 7037) ، ومسلم (7/58) ، وأحمد (2/ 319) - واللفظ له -، والبيهقي في " السنن الكبرى " (8/175) و" الدلائل " (5/335) ، والبغوي في "شرح السنة" (3297) من طريق معمرعنه به. الثاني: أبو سلمة: رواه أحمد (2/338 و344) ، وابن ماجه (3922) ، وابن أبي شيبة (11/58) ، وابن حبان (6653) من طريق محمد بن عمرو عنه به مختصراً. وإسناده حسن؛ لحال محمد بن عمرو بن علقمة.

الثالث: أبو صالح: رواه العقيلي في "الضعفاء" (4/29- 30) من طريق محمد بن أنس عن الأعمش عنه به. ورجاله ثقات؛ إلا محمد بن أنس هذا؛ قال فيه العقيلي: ".. عن الأعمش بأحاديث لم يتابعه عليها أحد.. "، ثم ذكر هذا الحديث. ثم أتبعه بقوله: "هذا يُروى من غير هذا الوجه بإسناد صالح ". ومحمد بن أنس هذا؛ ليس هو القرشي العدوي مولى عمر بن الخطاب؛ فإن هذا الأخير ثقة، وقد خلط بينهما محقق "الضعفاء"! عازياً في الحاشية- من ضمن ما عزا- إلى "تهذيب التهذيب "! مع أن فيه ترجيح أنهما اثنان!! وقد ورد الحديث- ضمن قصة- عن ابن عباس يرويه عن أبي هريرة رضي الله عنهما: فقد أخرج البخاري (3620 و 3621 و 4373 و 4374) ، ومسلم (7/58) ، وا بن حبان (6654) ، والطحاوي في "المشكل " (5843) ، والأصبهاني في "الدلائل " (126) ، والبيهقي في "الدلائل " (5/334) من طريق نافع بن أبي جبيرعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم مسيلمة الكذاب على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومعه ثابت بن قيس بن شماس- وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة جريد - حتى وقف على مسيلمة في أصحابه، فقال:

"لو ساْلني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أُريتُ فيك ما رأيتُ ". فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "بينما أنا نائم؛ رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام: أن أنفخهما، فنفختهما فطارا؛ فأوَّلتهما: كذابين يخرجان بعدي، فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة". وروى الترمذي (2292) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (7649) ، وأبو يعلى (5894) منه قصة الرؤيا. وروى البخاري (7461) ، والطبرا ني في "الكبير" (10750) ، والبغوي في "الأنوار" (869) منه قصة قدوم مسيلمة. ورواه البخاري (4378 و 4379) تاماً بنحوه من طريق صالح بن كيسان عن عبد الله بن عبيدة بن نشيط عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس ... فذكره. ورواه البخاري (7033 و7034) من هذا الوجه نفسه مختصراً. ووقع في رواية عند أحمد (1/263) ، والنسائي في "الكبرى" (7648) - في هذا الطريق نفسه- عدم ذكر (عبد الله بن عبيدة بن نشيط) . وأرى أن كلا الوجهين صحيح، فرواية صالح عن عبيد الله- في غير هذا الحديث- على شرط "البخاري "، وكذا رواية عبد الله بن عبيدة بن نشيط عن عبيد الله أيضاً. والله أعلم. *

3612

3612- (بينما أنا نائم؛ رأيت الناس يُعرَضُونَ عليّ وعليهم قُمُصٌ؛ منها ما يَبْلُغُ الثَّديَّ، ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك؛ فعُرِضَ عليَّ عُمَرُ وعليه قميص يَجُرُّهُ، قالوا: فما أوّلتَهُ يا رسول الله؟! قال: الدِّين) . رواه عبد الرزاق (20385) ، ومن طريقه: أحمد (5/373- 374) ، والترمذي (2285) - واللفظ له- عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. ورواه عن الزهري ثلاثة، فسموا الصحابي المبهم: أبا سعيد الخدري: فقد أخرج البخاري (23 و2390) ، ومسلم (7/112) ، والترمذي (2286) ، والنسائي في "الصغرى" (8/113- 114) و"الكبرى" (7645 و8121 و11742) ، وابن حبان في "صحيحه " (6890) ، وأحمد (3/86) ، والدرامي (2/127) ، وأبو يعلى (1290) ، وابن أبي عاصم في "السنة" (1259) ، والبغوي في "شرح السنة" (3294) من طريق صالح بن كيسان عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل بن حُنيف عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وتابع صالحاً: عقيل بن خالد: رواه البخاري (3691 و7009) ، وابن أبي عاصم (1258) . وتابعهما الزبيدي: رواه ابن أبي عاصم (1257) ، والآجري في "الشريعة " (1436) . ولقد قال الترمذي- عقب الرواية التي نصت على (أبي سعيد) -: "وهذا أصح". *

3613

3613- (بينما أيُّوب يغتسل عُرياناً؛ فخرَّ عليه جرادٌ من ذهب، فجعل أيُّوب يحتثي في ثوبه، فناداه ربُّه: يا أيوب! ألم أكن أغنيتُك عما ترى؟! قال: بلى وعزتك! ولكن؛ لا غنى بي عن بركتك) . رواه عنه - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة؛ ورواه عن أبي هريرة ثلاثة ثقات: الأول: همام بن منبِّه: رواه البخاري (279 و 3391 و 7493) ، وابن حبان (6229) ، وأحمد (2/314) ، والبغوي في "شرح السنة " (2027) وفي "تفسيره " (5/347) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 206) وفي "السنن الكبرى" (1/198) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق " (10/75) من طريق معمر عنه به. الثاني: بشير بن نَهِيكٍ: رواه الطيالسي (2455) ، وأحمد (2/304 و490 و551) ، وابن حبان (6230) ، والحاكم (2/582) ، وابن عساكر (10/76) من طريق النضر بن أنس عنه به. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه ". وقال الذهبي في " تلخيصه ": "خ. م ". وقال الإمام ابن كثير في "تاريخه " (1/323) : "وهو على شرط (الصحيح) ". الثالث: عطاء بن يسار: علقه البخاري في "صحيحه " (1/ 3811- "فتح ") ، ووصله النسائي (1/ 200) ،

ومن طريقه: الحافظ ابن حجر في "التعليق " (2/163) ، وأحمد (2/243) ، وابن عسا كر في "تاريخه " (10/76) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين. قلت وخالف هؤلاء الثلاثة في رفع الحديث عن أبي هريرة: ثلاثة آخرون: 1- الأعرج: رواه أحمد في "المسند" (2/243) ، ومن طريقه: ابن عساكر (10/74) عن سفيان عن أبي الزناد عنه به موقوفاً. وسنده صحيح على شرط الشيخين. 2- أبو زرعة: رواه أبو زرعة في " تاريخ دمشق " (10/77) من طريق الحسين بن محمد بن أبي معشر عن محمد بن ربيعة عن يحيى بن أيوب عنه به. وابن أبي معشر لم يكن بثقة؛ كما في "المغني " (1/155) للحافظ الذهبي. 3- أبو يونس مولى أبي هريرة: رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " (10/77) من طريق قتيبة عن ابن لهيعة عنه به. وأبو يونس اسمه: سليم بن جبير، وهو ثقة. ورواية قتيبة عن ابن لهيعة مأمونة إن شاء الله؛ كما بينته في مواضيع من هذه "السلسلة". قلت: ولا أرى هذا الوقف علة ً؛ وذلك لأمرين:

3614

الأول: ثقة الرافعين له؛ فهم أكثر وأوثق. الثاني: اختيار صاحب "الصحيح " لرواية الرفع في كتابه. ثم وجدت للحديث شاهداً: رواه ابن عساكر (10/77) من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً ... فذكره بمعناه. قلت: وجويبر من مشاهير المفسرين المتروكين! فهو ضعيف جداً. * 3614- (بينما أنا على بئر أَنْزِعُ منها؛ جاءني أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو، فنزع ذنوباً أو ذنوبين، وفي نزعه ضعف، والله يغفر له! ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقرياً من الناس يفري فريه، فنزع، حئى ضرب الناس بعطن ٍ) . جاء من حديث ابن عمر، وأبي هريرة، وأبي الطفيل. أما حديث ابن عمر؛ فرواه عنه اثنان: أولهما ة سالم - ولده-: رواه البخاري في (3633 و 3682 و7020) ، ومسلم (7/113) ، والترمذي (2289) ، والنسائي في " الكبرى " (7636) ، وأحمد في "مسنده " (2/28 و 39) وفي "الفضائل " (224) ، وابن أبي شيبة (11/62 و 12/ 21) ، والبيهقي (8/154) ، وأبو يعلى (5514 و 5524) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (13177) ، وابن أبي عاصم (1456) من طريقين عن سالم عنه به.

ثانيهما: نافع - مولاه-: رواه البخاري (3667 و 7019) ، وأحمد (2/107) من طريق صخر عنه به. أما حديث أبي هريرة؛ فرواه عنه جماعة: الأول: سعيد بن المسيب: رواه البخاري (3664 و7021 و 7475) ، ومسلم (7/112) ، وابن حبان (6898) ، والنسائي في "الكبرى " (8116) ، وابن أبي عاصم (1458) ، والبيهقي في "الدلائل " (6/ 344) ، والبغوي في "شرح السنة " (3881) ، من طرق عن الزهري عنه به. الثاني: أبو سلمة: رواه أحمد (2/450) ، وابن أبي شيبة (12/21) ، وابن أبي عاصم (1457) ، والبغوي (3883) من طريق محمد بن عمرو عنه به. وسنده حسن. الثالث: أبو صالح، يرويه عنه عاصم بن أبي النَّجود: أخرجه أحمد في "المسند" (2/368) وفي "الفضائل " (149) . وسنده حسن؛ لحال عاصم. الرابع: همام: أخرجه البخاري (7022) ، والبغوي (3882) . الخامس: الأعرج: أخرجه مسلم (7/113) .

السادس: أبو يونس: أخرجه مسلم (7/113) . السابع: ابن سيرين: أخرجه البيهقي في "الدلائل " (6/345) . أما حديث أبي الطفيل: فرواه أحمد (5/455) من طريق حماد بن سلمة: ثنا علي بن زيد عنه به. قال ابن كثير في "جامع المسانيد" (14/205) : "تفرد به"؛ يعني: أحمد. وقال الهيثمي في "المجمع " (5/180) : ".. وفيه علي بن يزيد، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات "! قلث: كذا! وانما هو علي بن زيد - وهو ابن جدعان -؛ أما علي بن يزيد؛ فهو الألهاني! نعم؛ كلاهما ضعيف!! (تنبيه) : الحديث رؤيا منامية؛ كما دلت عليه مجموع الروايات. " الذنوب ": الدلو. " غرباً ": هي الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور. " العبقري ": هو السيد القوي. "فريه ": أصل (الفري) : القطع؛ أي: يعمل عمله ويقطع قطعه. كذا في " النهاية "- ملخصاً بنحوه -.

3615

ثم رأيت الحديث في "فضائل الصحابة" لأحمد (150) عن الحسن ... مرسلا ً. * 3615- (البركةُ في نواصي الخيل) . رواه البخاري (2851 و3645) ، ومسلم (6/32) ، والنسا ئي (6/221) ، وابن حبان (4670) ، وابن أبي شيبة (12/481) ، وأحمد (3/114 و 127 و 171) ، وسعيد بن منصور في "سننه " (2427) ، والبيهقي (6/329) ، والبغوي (2643) ، والقضاعي (222) من طريق شعبة عن أبي التيََّاح عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره. (فائدة) : بوّب ابن حبان على الحديث في "صحيحه " (10/526 -" الإحسان ") بقوله: " ذكر إثبات البركة في ارتباط الخيل للجهاد في سبيل الله ". وقال الحافظ ابن حجر، في "الفتح " (6/55) معقباً على لفظ الحديث: "كذا وقع! ولابد فيه من شيء محذوف يتعلق به المجرور، وأولى ما يقدَّر: ما ثبت في رواية أخرى؛ فقد أخرجه الإسماعيلي من طريق عاصم بن علي عن (¬1) شعبة، بلفظ: " البركة تنزل في نواصي الخيل " ... ". قلت: وعاصم صدوق ربَّما وهم؛ كما قال الحافظ نفسُه في "التقريب "! وقد قال العيني في "عمدة القاري " (14/145) : ¬

(¬1) تصفحت في الطبعة السلفية من "الفتح " إلى: " بن "!

3616

"وقوله: "في نواصي الخيل " يتعلق بمحذوف تقديره. البركة حاصلة ٌ أو نازلة ٌ في نواصي الخيل ". * 3616- (تحرُّوا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان) . رواه البخاري (2017) من طريق أبي سهيل عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وأبو سهيل اسمه: نافع بن مالك بن أبي عامر الأصبحي. وأبوه مالك: هو جد الإمام مالك بن أنس. ورواه أحمد (6/73) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " (4/308) ، والبغوي في "شرح السنة" (1824) وفي "تفسيره " (8/487) من طريق أبي سهيل به. وروى الحديث عن عائشة - على وجه آخر-: عروة؛ دون ذكر لفظ: "الوتر": فرواه هكذ ا: البخاري (2019 - 2020) ، ومسلم (3/173) ، والترمذي (792) ، وابن أبي شيبة (2/511 و 3/75 و5/75) ، وأحمد (6/56 و 204) ، وإسحاق بن راهويه في "مسنده " (655 و670 و 842) ، وابن أبي داود في "مسند عائشة " (83) ، وابن نصر في "قيام الليل " (ص 105) ، والبيهقي (4/307) ، والبغوي (1822) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (5479) و"شرح معاني الآثار" (2/91) ، وابن عدي في "الكامل " (4/1517) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عنها رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ". (تنبيه) : أورد السيوطي الحديث في "الدر المنثور" (6/373) ، وعزاه للبخاري، وابن مردويه، والبيهقي

3617

وفاته النسبة للإمام أحمد، وهو أشهر وأعلى من الأخيرين!! * 3617- (تصدّقي، ولا تُوعي؛ فيُوعى عليك) . جاء من حديث أسماء، وعائشة: أولاً: حديث أسماء؛ وله طرق عنها: 1- رواه البخاري (2590) قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مُليْكة عن عبَّاد بن عبد الله عن أسماء رضي الله عنها - أو كانت [مُحصِية]- قالت: قلت: يا رسول الله! ما لي مالٌ إلا ما أدخل عليَّ الزبير، فأتصدق؟ قال: ... فذ كره. قلت: وعباد: هو ابن عبد الله بن الزبير بن العوام؛ ثقة. ورواه مسلم (3/92 - 93) ، والنسائي في " السنن الكبرى" (9193) ، وأحمد (6/353) ، والبغوي في "شرح السنة " (1654) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/187) من طرق عن ابن جريج: أخبرني ابن أبي مليكة به، بلفظ: "ارضخي ما استطعت، ولا توعي؛ فيوعي الله عليك ". ورواه البخاري (1434) ، وأحمد (6/354) -؛ ولم يسق المتن - من طريق ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة عن عباد بن عبد الله بن الزبير أخبره عن أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما -: أنها جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ... فذكره (¬1) . ¬

(¬1) ولكن جعل الجملة الأولى منه ثانية ً والثانية أولى!!

2-وقصَّر أيوب في روايته؛ فرواه عن ابن أبي مليكة عن أسماء؛ دون ذكر عباد: رواه هكذا الترمذي (1960) ، وأبو داود (1699) ، والنسائي في " الكبرى " (9192) ، وعبد الرزاق (20056) ، وأحمد (6/344 و 354) بلفظ: " أنفقي ولا توكي؛ فيوكى عليك ". لكن؛ تابعه محمد بن سليمان، وعبد الجبار بن ورد: رواه أحمد (6/353) عن وكيع عنهما به بلفظ قريب. 3- وله طريق ثالث: فقد رواه البخاري (1433) عن صدقة بن الفضل: أخبرنا عبدة عن هشام عن فاطمة [بنت المنذر] عن أسماء رضي الله عنها قالت: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا توكي؛ فيوكى عليك ". ثم رواه البخاري - عقبه -، والنسائي في "الكبرى " (9194) من طريقين عن عبدة به، بلفظ: " لا تحصي؛ فيحصي الله عليك ". ورواه مسلم (3/92) ، وأحمد (6/345 و 346 و 354) ، ومن طريقه: المِزِّي في "تهذيب الكمال " (14/13) ، والطبراني في "الكبير" (24/ رقم: 337 و 338 و 339) ، والبيهقي (4/186 - 187) من طرق عن هشام به بلفظ: "أنفقي - أو انْضَحِي، أو انفَحِي (¬1) -، ولا تحصي؛ فيحصيَ الله عليك ". وهذا لفظ مسلم، وهو في بقية المصادر بنحوه. ¬

(¬1) وقع في " تهذيب الكمال ": "انفخي "! بالمعجمة!! *

وقد رواه أبو أسامة عن هشام بن عَروة أيضاً على وجه آخر؛ جامعاً بين عباد وفاطمة عن أسماء: فقد رواه ابن حبان (3209) من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة عن عباد بن عبد الله بن الزبير وفاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر- وكانت إذا أنفقت شيئاً تحصي-؛ فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنفقي ولا تحصي؛ فيحصي الله عليك، ولاتوعي؛ فيوعي الله عليك ". قلت: أبو أسامة: هو حماد بن أسامة، من رجال الكتب الستة؛ ومع ذلك فقد قال فيه الحافظ في "التقريب ": " ثقة ثبت، ربما دلّس، وكان بأخرة يُحدّثُ من كتب غيره ". ورواه أحمد (6/354) - والزيادة له- عن محمد بن بشر عن هشام عن فاطمة عن أسماء مرفوعاً. 4- وقد رواه أحمد (6/346) أيضاً عن محمد بن بشر عن هشام؛ ولكن جعله: عن فاطمة وعبّاد بن حمزة عن أسماء مرفوعاً ورواه مسلم (3/ 92) ، والنسائي في " الصغرى " (5/73) و" الكبرى " (9195) من طريق أبي معاوية الضرير عن هشام به. قلت: وعباد هذا: هو ابن حمزة بني عبد الله بن الربير؛ ثقة أيضاً. وخلاصة الطرق المتقدمة: أن الحديث مروي عن أسماء، ويرويه عنها: - عباد بن عبد الله. - فاطمة بنت المنذر.

- عباد بن حمزة. ثم جاءت روايات على وجه الجمع والتفرد بين هؤلاء- جميعاً-: عباد بن عبد الله- وحده-، وفاطمة - وحدها -، وعباد بن عبد الله وفاطمة - معاً-، وعباد بن حمزة وفاطمة- معاً -. وثمة وجه آخر، هو: - ابن أبي مليكة. وهو- في الأصل- الراوي عن عباد عن أسماء؛ لكنه- في رواية- رواه عن أسماء مباشرة. وهذا محتمل، ولعله من المزيد في متصل الأسانيد؛ إذ إن له رواية معروفة عنها. وعن أسماء- في هذا الحديث- راويان آخران: 5- أبو بكر الحنفي: يرويه أحمد (6/352) - عنه- عن الضحاك بن عثمان عن وهب بن كيسان - عنها- مر فوعاً. 6- وكيع: يرويه أحمد (6/353- 354) - عنه- عن أسامة بن زيد عن محمد بن المنكدر- عنها- مرفوعاً. ثانياً: حديث عائشة: وهو مروي من طريق ابن أبي مليكة- نفسه -: رواه أبو داود (1700) ، وأحمد (6/108 و139و160) ، والدولا بي في "الكنى"

3618

(1/ 120) ، وإسحاق في "مسنده " (695 و 696 و 823 و1200) من طرق عن ابن أبي مليكة به مرفوعاً بلفظ: "أعطي، ولا تحصي؛ فيحصي الله عليك". وقد كنت خرجته- قديماً- في "صحيح سنن أبي داود" (1491) ، وذكرت له متابعين لرواية ابن أبي مليكة عن عائشة. فالحديث صحيح- إن شاء الله- عن أسماء، وعن عائشة رضي الله عنهما، وهما أختان. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. 3618- (تفضل صلاة الجميع صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين جزءاً، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر) . جاء من حديث أبي هريرة، ورواه عنه جماعة: 1- 2- سعيد بن المسيب وأبو سلمة: رواه البخاريّ (648 و 4717) - عنهما -، ومسلم (2/122) ، والنسائي (1/241) ، وأحمد (2/233) - ثلاثتهم- عن سعيد بن المسيب- وحده- بتمامه. ورواه أحمد (2/266) عن أبي سلمة- وحده- بتمامه. وروى القطعة الأولى منه عن سعيد عنه: مسلم (2/122) ، والترمذي (216) ، مالك (1/150) ، وابن ماجه (787) ، وابن خزيمة في "صحيحه " (1472) ، وابن حبان (2053) ، وابن شيبة (2/ 480) ، والدارمي (1/ 292) ، وأ بو عوانة (2/ 2) ، وأحمد (2/ 264 و 396 و 473) ، والبيهقي

(2/302) ، والبغوي (786) ، والطبراني في " المعجم الصغير" (1099- " الروض النضير") . وروى القطعة الأولى- أيضاً- عن أبي سلمة عنه: ابن حبان (2051) ، وعبد الرزاق (2001) ، وأحمد (2/501) ، وابن أبي شيبة (2/480) . 3- أبو صالح: رواه البخاري (477 و 647 و2119) ، ومسلم (2/128) ، وأبو داود (559) ، والترمذي (603) ، وابن ماجه (786) ، وابن خزيمة (1490) ، وابن حبان (2043) ، وأبوعوا نة (1/388 و 2/ 4) ، وأحمد (2/252 و520) ، والطيالسي (2412 و2414) بالقطعة الأولى منه. وروى ابن خزيمة (322) ، وابن حبان (2061) ، وأحمد (2/396) من طريق أبي صالح عنه القطعة الثانية منه بأطول منه. 4- سليمان الأغر: رواه مسلم (2/122) ، وأحمد (2/475 و485) ، وأبو عوا نة (2/2) ، والبيهقي (3/ 61) بالقطعة الأولى أيضاً. 5- أبو الأ حوص: رواه أحمد (2/328) - بلفظ: "سبعاً وعشرين درجة " -، و (2/ 454) - بلفظ: "سبعاً وعشرين درجة، أو خمساً وعشرين درجة "- بالقطعة الأولى أيضاً. وقد أشرت في "الروض النضير" (2/469) - قديماً- إلى اضطراب أبي الأحوص

3619

في روايته، مبيناً وجه الصواب في ذلك. 6- الأعرج: رواه الشافعي في "الأم " (1/137) ، ومن طريقه: البيهقي في "السنن " (3/ 51) بالقطعة الأولى أيضاً. 7- أبوجعفر: رواه ابن أبي شيبة (2/480) عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي جعفر، عن أبي هريرة موقوفاً بالقطعة الأولى أيضاً. وأبو جعفر: هو المدني؛ ثقة. ولكن خلف بن خليفة صدوق اختلط في الآخر، كما قال الحافظ في "التقريب "؛ فلعل روايته الحديث موقوفاً- دون جماعة الثقات- من تخاليطه! وفي الباب- في فضل صلاة الجماعة- عن أبي سعيد الخدري؛ وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (3475) . وفي اجتماع الملائكة عن أبي هريرة رواية أخرى، وهي مخرجة في "ظلال الجنة" (491) . * 3619- (تقيءُ الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأُسطُوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق، فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه، فلا يأخذون منه شيئاً) . رواه مسلم (3/ 84- 85) ، ومن طريقه: البغوي (4241) ، والترمذي (2208)

3620

عن واصل بن عبد الأعلى وغيره عن ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ورواه أبو يعلى (6171) ، وعنه ابن حبان (6697) عن واصل به. (تنبيه) : لفظ ابن حبان: "في هذأ قُطعتُ"! مُغايراً رواية أبي يعلى شيخه في هذا الحديث- نفسه!! ورواية مسلم والآخرين، ومنهم الترمذي؛ وقال: "هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ". والبغوي وقال: "هذا حديث صحيح ". * 3620- (ثلاثٌ إذا خرجنَ؛ " لا ينفعُ نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً ": طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) . رواه مسلم (1/ 95- 96) ، والترمذي (3072) ، وأبو عوانة (1/107) ، وابن أبي شيبة (15/178) ، وأحمد (2/445) ، وأبو يعلى (6170 و 6172) ، وابن منده في "الإيمان " (1023) ، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن " (695) ، والطبري في "تفسيره " (8/76) من طرق عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح ". (تنبيه) : وقع في طبعة "المسند"- بدلاً من: "الدجال "-: "الدخان "! ولا أراه إلا تصحيفاً. *

3621

3621- (ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظُرُ إليهم، ولا يزكِّيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضلِ ماء بالفلاة؛ يمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف له بالله: لأَخَذَها بكذا وكذا، فصدّقه، وهو على غير ذلك، ورجلٌ بايع إماماً؛ لا يُبايعُهُ إلا لدنيا؛ فإن أعطاه منها وفى، وإن لم يعطه منها لم يَفِ) . جاء من حديث أبي هريرة، ورواه عنه أبو صالح، وعن أبي صالح- فيه- راويان: الأول: الأعمش: رواه البخاري (2358 و 2672 و 7212) ، ومسلم (1/72) - واللفظ له -، والترمذي (1595) ، وأبو داود (3474) ، وابن ماجه (2207 و2870) ، وأحمد (2/253 و480) ، وابن منده في "الإيمان " (622 و625) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3488) ، والبيهقي (5/330) و (8/106) وفي "الأسماء والصفات " (1/353) ، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق " (125) من طرق عنه بلفظ حديث الترجمة. ورواه مسلم (1/ 72) ، والنسائي في " الصغرى " (7/246- 247) و" الكبرى " (6020) ، وأبو عوانة (1/41) ، وابن منده (623 و 624) ، والبيهقي (10/177) ، من طرق أيضاً عنه باللفظ نفسه؛ إلا أنه قال: "ورجل حلف لقد أعطي بسلعته أكثرمما أعطي "؛ بدل: "ورجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا".

الثاني: عمرو بن دينار: رواه البخاري (2369 و 7446) ، ومسلم (1/72) ، وابن حبان في "صحيحه " (4908 - "الإحسان ") ، وابن منده (626) ، والبيهقي في "السنن " (6/152 و10/177-178) و"الأسماء والصفات " (1/352- 353) ، والبغوي (1669 و 2516) من طرق عنه بلفظ رواية الأعمش الأخرى. وقال البغوي- في الموضعين -: "هذا حديث صحيح ". (فائدة) : قال الإمام البغوي في "شرح السنة" (10/143) : "قيل: إنما خص: "بعد العصر" بالذكر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد عظم شأن هذا الوقت، فقال: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى) [البقرة: 238] ؛ فروي عن جماعة من الصحابة أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ويجتمع فيها ملائكة الليل والنهار، وترفع فيها الأعمال التي اكتسبها العبد من أول النهار. ومما يؤكد تعظيم حرمة هذا الوقت: قول الله سبحانه زتعالى: (تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله) [المائدة: 106] قيل: أراد به صلاة العصر. قال الخطابي: ويحتمل أن يقال: إن الغالب من حال التاجر أنه إنما ينفق من ربح ربحه، أو فضل استفضله في بياض نهاره، وقد يتفق أن لا يربح ربحاً؛ وبعد العصر وقت منصرفه، فإذا اتفقت له صفقة بعد العصر؛ حرص على إمضائها باليمين الكاذبة؛ لينفق من الربح، ولا ينصرف من غير زيادة". (تنبيه) : نقل المعلق على "الإحسان " (!) - مقراً- تأويل صفتي الكلام والنظرمن صفات الله تعالى بالرضا والإعراض، ونحو ذلك!!

3622

وهذا من التأويل المذموم؛ المخالف لعقيدة السلف الصالح، والأصل إمرارها على ظاهرها على الوجه اللائق بعظمة الله وجلاله؛ كما في قوله سبحانه: (ليس كمثله شيء وهوالسميع البصيرة) . والموفق هو الله!! * 3622- (ثَمَنُ الكلب خبيثٌ، ومَهرُ البَغِيِّ خبيثٌ، وكسبُ الحَجّام خبيثٌ) . رواه مسلم (5/ 35) ، وأبو داود (3421) ، والترمذي (1275) ، والنسائي (7/190) ، وابن حبان (5152 و 5153) ، والحاكم (2/42) ، وابن أبي شيبة (6/246 و270) ، والدرامي (2/272) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/129) و"مشكل الآثار" (4650) ، والبيهقي (9/336- 337) ، والطيالسي (966) ، وأحمد (3/ 464 و465و4/141) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (4258 - 4260) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (2/266) من طرق عن السائب بن يزيد عن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه "! ووافقه الذهبي!! قلت: وهذا وَهَمٌ منهما رحمهما الله؛ فالحديث في "صحيح مسلم " كما ترى. ورواه مسلم (5/ 35) ، والنسائي (7/190) ، والبيهقي (9/337) ، وأحمد (4/140) ، والطبراني في "الكبير" (4263) وغيرهم من طرق عن السائب بن يزيد عن رافع مرفوعاً بلفظ:

3623

"شر الكسب: مهر البغي، وثمن الكلب، وكسب الحجام ". وللحديث شاهدعن ابن عباس بنحوه؛ وقد تقدم تخريجه في هذه "السلسلة" (1806) . (تنبيه) : رويت الفقرة الأولى من الحديث بزيادة في آخرها: ".. وهو أخبث منه "، وهي زيادة لا تصح؛ كما بينت ذلك في "السلسلة" الأخرى (3459) . * 3623- (الجُمعَةُ إلى الجُمُعةِ كفّارةُ ما بينهما؛ ما لم تُغْشَ الكبائر) . جاء من حديث أبي هريرة؛ ورواه عنه جماعة: أولاً: عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي: رواه مسلم (1/ 144) ، والترمذي (214) ، وابن ما جه (1086) - واللفظ له -، وابن خزيمة (314 و1814) ، وابن حبان (1733 و2488) ، وأبو عوانة (2/20) ، وأحمد (2/484) ، والبيهقي (2/467 و10/187) ، والبغوي في "شرح السنة " (345) ، وابن عبد البر في "التمهيد" (4/46) من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه. ثانياً: محمد بن سيرين: رواه مسلم (1/ 144) ، وأحمد (2/359) ، والبيهقي (2/466) من طريق هشام بن حسان عن ابن سيرين عنه. ثالثاً: إسحاق مولى زائدة: رواه مسلم (1/144) ، وأحمد (2/400) ، والبيهقي (10/187) من طريق حميد بن زياد عن عمر بن إسحاق مولى زائدة عن أبيه عنه

3624

رابعاً: الحسن البصري: رواه الطيالسي (2470) ، وأحمد (2/ 414) ، وابن عبد البر (4/ 49-50) من طرق عن الحسن عنه. خامساً: عطاء بن أبي مسلم: رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده " (377) ، ومن طريقه: ابن عدي في "الكامل " (6/2092) عن كلثوم بن محمدعن عطاء عنه. (تنبيه) : في عدد من المصادر- منها "صحيح مسلم "- زيادات في المتن، منها: "الصلوات الخمس "، ومنها: " رمضان إلى رمضان ". والله المستعان. * 3624- (الجنّةُ أقربُ إلى أحدِكم من شِراكِ نعلِه، والنّار مثْلُ ذلك) . رواه البخاري (515 و6488) ، وابن حبان (661) ، وأحمد (1/387 و 413 و442) ، والشاشي في "مسنده " (514 و515) ، والبغوي في "شرح السنة " (4174) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/368) ، وأبو يعلى (5211 و5280) ، والخطيب في "تاريخه " (11/388) ، وأبو نعيم في "الحيلة" (7/125) ، وابن عساكر في "تاريخه " (8/392) من طرق عن شقيق عن ابن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. * 3937- (اللهمّ! إنِّي أعوذُ بك من البخلِ، وأعوذُ بك من الجُبنِ، وأعوذُ بك أن أردّ إلى أرذلِ العُمُر، وأعوذُ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر) . أخرجه البخاري (6365 و 6370) ، والنسائي (2/314 و316) ، وأحمد

(1/183و186) ، وأبو بكر البزار في "مسند سعد"، وأبو يعلى في "مسنده " (2/71/716) ، والشاشي في "مسنده " (1/143/79) ، والبيهقي في "عذاب القبر" (113/183) من طرق عن شعبة: حدثنا عبد الملك بن عمير عن مصعب قال: كان سعد يأمر بخمسٍ، ويذكرهن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بهن ... فذكرهن. وزاد البخاري- بعد قوله: "فتنة الدنيا"-: يعني: فتنة الدجال. وقد ذكر الحافظ في "الفتح " (11/179) أنه من تفسير بعض الرواة. وتابعه جماعة عن عبد الملك بن عمير به. منهم: عييدة بن حميد في "مصنف ابن أبي شيبة" (3/376 و10/188/9179) ، ومن طريقه: أبو يعلى (2/110/ 771) . ومن هذا الوجه أخرجه البخاري (6390) بلفظ: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا هؤلاء الكلمات كما تعلم الكتابة. وكذا رواه ابن حبان في "صحيحه " (2/175/1000) . ومنهم: أبو عوانة عند البخاري (2822) قال: حدثنا عبد الملك بن عمير: سمعت عمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة، ويقول: إن رسول الله كان يتعوذ منهن دبر الصلاة ... فذكرهن. فحدثت به مصعباً فصدقه. وأخرجه النسائي (2/314) ، والبيهقي (114/184) .

3938

وتابعه إسرائيل عن عبد الملك بن عمير عن مصعب بن سعد وعمرو بن ميمون الأودي قال: كان سعد ... إلخ. أخرجه النسائي (2/316) . وتابعهما شيبان عن عبد الملك بن عميرعنهما به. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه " (1/367/746) ، وابن حبان (2022) . وتابعهم عبيد الله بن عمرو الكوفي عن عبد الملك بن عمير به. أخرجه النسائي (8/ 266) ، والترمذي (3567) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح من هذا الوجه ". ووقع في إسناد النسائي زيادة (إسرائيل) بين (عبد الله) و (عبد الملك) ؛ وهي خطأ. (تنبيه) : اختلف لفظ شعبة في "مسند الشاشي " في بعض فقراته؛ ومن ذلك أنه وقع مكان: "فتنة الدنيا": "فتنة المسيح الدجال "! وهو خطأ من شيخ الشاشي أبي قلابة عبد الملك بن محمد. كما أن لفظة: "الدنيا" في الحديث تحرفت عند بعض الحفاظ إلى: "النساء"، وقد بينت ذلك في "الضعيفة" (7050) بما لا تراه في غيره؛ والحمد لله. * 3938- (أقربُ العملِ إلى الله عز وجل: الجهاد في سبيل الله، ولا يقاربه شيء؛ [إلا من كان مثل هذا، وأشار النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى قائم لا يفترُ من قيامٍ وصيامٍ] ) . أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/2/152) من طريق سالم بن غيلان

3939

أنه عرض على يزيد بن أبي حبيب هذا الحديث بـ (عرفة) عن السائب بن مالك أنه سمع فضالة يقول: أقبل رجل فقال: يا رسول الله! صلى الله عليك، ما أقرب العمل إلى الجهاد؟ قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات، وفي سالم بن غيلان كلام لا يضر؛ ولذلك قال الذهبي في "الكاشف ": " صدوق ". وأخرج له ابن حبان في "صحيحه " بعد أن وثقه في "الثقات ". * 3939- (أعطيتُ ما لم يُعْطَ أحدٌ من الأنبياء. فقلنا: يا رسول الله! ماهو؟ قال: نُصِرْتُ بالرُّعبِ، وأُعطيتُ مفاتيحَ الأرض، وسُمّيتُ أحمدَ، وجُعلَ الترابُ لي طهوراً، وجُعلت أمّتي خير الأمم) . أخرجه أحمد (1/98) ، والبيهقي في "السنن " (1/213- 214) من طريق زهير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد حسن؛ للخلاف المعروف في ابن عقيل. ومحمد بن علي: هو ابن الحنفية، ثقة من رجال الشيخين مشهور. وزهير: هو ابن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني، ولا بأس به في غير

رواية الشاميين عنه، وهذه منها؛ لأنه عند أحمد من رواية عبد الرحمن عنه- وهو ابن مهدي-، وعند البيهقي من رواية يحيى بن أبي بكير، والأول بصري، والآخر يمامي. ومن طريق هذا: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (11/434/11693) ، والبيهقي في "الدلائل " أيضاً (5/472) ، وعزاه المعلق عليه لـ "مسند أحمد" (1/301) ! والرقم خطأ. وقد توبع زهير؛ فقال أحمد (1/158) : ثنا أبو سعيد: ثنا سعيد بن سلمة ابن أبي الحسام: ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن علي الأكبر به. (تنبيه) : من الملاحظ أنه لا اختلاف بين رواية زهير ورواية سعيد بن سلمة، وقد ذكر ابن أبي حاتم في "العلل " (2/399/2705) فرقاً نقلاً عن أبي زرعة؛ وما أظن ذلك صحيحاً، فلعله وقع له خطأ في الرواية. وقد كنت أشرت في "الإرواء" (1/317) إلى هذا الفرق أو الاضطراب معزواً لابن أبي حاتم قبل أن يتيسر لي هذا التحقيق؛ فاقتضى التنبيه. ثم إن الحديث صحيح؛ فقد جاء أكثر فقراته في أحاديث كثيرة صحيحة، فخرجته في "الإرواء" (1/315-317) . وفقرة: "وسميت أحمد" يشهد لها أحاديث "أنا محمد، وأحمد ... " الحديث؛ وبعضها مخرج في "الروض النضير" (401 و 1017) . وأكبر من ذلك شهادة القرآن الكريم على لسان عيسى عليه الصلاة والسلام: (ومبشراً برسول الله يأتي من بعدي اسمه أحمد) . وكذلك فقرة: "خير الأمم " يشهد لها قوله تبارك وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس ... ) الآية.

3940

أما فقرة: "وأعطيت مفاتيح الأرض "؛ فيشهد لها قوله - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت بجوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وبينا أنا نائم؛ أتيت بمفاتيح خزائن الأرض، فوضعت بين يدي ". رواه الشيخان، وابن حبان وغيرهم عن أبي هريرة، وهو مخرج في "التعليقات الحسان " (8/94/6329) . * 3940- (إنّي رأيتُ في منامي؛ كأنّ بني الحكمِ بن أبي العاصِ يَنْزُونَ على منْبري كما تنزُو القردةُ) . ورد من حديث أبي هريرة، وثوبان، ومرسل سعيد بن المسيب. 1- أما حديث أبي هريرة؛ فيرويه مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. فذكره. قال: فما رؤي النبي - صلى الله عليه وسلم - مستجمعاً ضاحكاً حتى توفي. أخرجه الحاكم (4/ 480) ، وقال: "صحيح على شرط الشيخين "!! كذا قال! ونحوه قول الذهبي: "على شرط مسلم "! وكلاهما مخطئ؛ فإن الزنجي ليس من رجال البخاري ولا مسلم! ثم هو ضعيف لسوء حفظه، قال الحافظ في "التقريب ": " فقيه، صدوق، كثيرالأوهام ".

ونحوه قول الذهبي في "المغني ": "صدوق يهم، وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وجماعة، وقال البخاري وأبوزرعة: منكر الحديث ". وغلا ابن الجوزي في "العلل المتناهية " (2/212- 213) ، فأعله أيضاً بـ (العلاء ابن عبد الرحمن) ، فقال: "قال يحيى: ليس حديثه بحجة، مضطرب الحديث، لم يزل الناس يتقون حديثه "! وهذا تنطع منه؛ فالرجل ثقة احتج به مسلم، وفيه كلام يسير لا يضره، قال الذهبي في "المغني ": "صدوق مشهور. قال ابن عدي: ما أرى بحديثه بأساً. وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وأنكر من حديثه أشياء". وقد توبع الزنجي؛ فقال أبو يعلى في "مسنده " (11/348/6461) : حدثنا مصعب بن عبد الله قال: حدثني ابن أبي حازم عن العلاء به. قلت: وهذا إسناد جيد، مصعب بن عبد الله- وهو الزبيدي- صدوق. ومن فوقه ثقات من رجال "الصحيح "؛ ولذا قال الهيثمي في "المجمع " (5/244) : "رواه أبو يعلى، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير مصعب بن عبد الله بن الزبير؛ وهو ثقة". وأعله ابن الجوزي بعلة غريبة، فقال في راوي "مسند أبي يعلى" أبي عمرو محمد بن أحمد الحِيرِيِّ: "كان متشيعاً"!

والجواب عليه من وجوه: الأول: أنني لم أجد- فيما وقفت عليه من المصادر في ترجمته- من رماه بالتشيع. الثاني: هب أنه كان فيه شيء منه؛ فهو ليس بجرح قادح إذا كان ثقة؛ وهو كذلك؛ فقد وصفه السمعاني في "الأنساب " بأنه كان من الثقات الأثبات. وذكر ابن العماد في "الشذرات " (3/87) : أنه كان مقرئاً عارفاً، بالعربية، له بصر بالحديث، وقدم في العبادة. الثالث: أن الحديث عزاه الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" المسندة (2/188/2) لأ بي يعلى أيضاً، وقد ذكر في المقدمة أنه يروي "مسنده " من طريق أبي بكر المقرئ عن أبي يعلى. وابن المقرئ: ثقة حافظ مأمون، فهو متابع قوي لأ بي عمرو الحيري. وبذلك يسقط إعلال ابن الجوزي الحديث به. 2- وأما حديث ثوبان , فيرويه يزيد بن ربيعة: ثنا الأشعث عن ثوبان به نحوه. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/92/1425) . ويزيد هذا متروك. 3- وأما حديث سعيد بن المسيب؛ فيرويه الشاذكوني عن يحيى بن سعيد عن سفيان عن علي بن زيد عنه ... مرسلاً نحوه. أخرجه الخطيب في "التاريخ " (9/44) . والشاذكوني كذاب. فالعمدة على حديث أبي هريرة. والله أعلم. *

3941

3941- (إذا مررتُم على أرضٍ قد أهلكت بها أمَّةٌ من الأمم؛ فأغِذُّوا السَّيْر) . أخرجه أبو الشيخ في "الطبقات " (ق 52/ 1) ، وعنه أبو نعيم في "أخبار أصبهان " (2/139) : حدثنا سلم بن عصام قال: وجدت في كتاب أبي قال: حدثني جهور بن سفيان الجرموزي قال: حدثني أبي سفيان بن الحارث قال: حدثني أبو غالب عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ سفيان بن الحارث مجهول، أورده ابن أبي حاتم (2/1/221) ، وقال: "روى عن محمد بن كعب، روى عنه عاصم بن كليب ". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، والظاهر أنه هذا، وعليه؛ كان ينبغي أن يذكر في الرواة عنه ابنه جهوراً، فقد ترجمه بأنه صدوق؛ فلعله لم يقف على هذه الرواية. ثم رأيته ذكر في ترجمة (الابن) أنه روى عن أبيه. وقد ذكر ابن حبان الأب في "الثقات " برواية ابنه جهور عنه. وعصام: هو سلم بن عبد الله بن أبي مريم أبو سلم بن عصام، قال أبو الشيخ: "من أهل المدينة، توفي سنة إحدى وثلاثين ومئتين، لم يخرج حديثه وتوفي وهو شاب "! ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. والحديث عزاه فى "الجامع الكبير" (1/82/2) للطبراني في "الكبير"؛ وهو فيه (8/333/ 8068 و8069) من طريقين آخرين عن جهور بن سفيان به. وقال الهيثمي في "المجمع " (10/ 290) : "رواه الطبراني، ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف".

3942

قلت: والظاهر أنه يشير إلى أبي غالب! والعلة- عندي- جهالة سفيان بن الحارث، كما تقدم. لكن الحديث له شواهد تقويه، منها حديث ابن عمر في النهي عن الدخول على القوم المعذبين، متفق عليه، وهو مخرج في "فقه السيرة" (ص408) ، و ((الصحيحة " (19) . زاد البخاري في رواية (4419) : وأسرع السير حتى أجاز الوادي. ولفظ مسلم (8/221) ، وابن جرير في "التفسير" (14/34) : ثم زجر (أي: ناقته) ، فأسرع حتى خلفها. ومنها حديث علي وجابر رضي الله عنهما في إسراعه - صلى الله عليه وسلم - في وادي محسر، ولفظ علي: ثم أفاض حتى انتهى إلى (وادي محسر) ، فقرع ناقته، فَخبَّت حتى جاز الوادي، فوقف ... الحديث. وهو مخرج في "جلباب المرأة المسلمة " (ص 62) . وحديث جابر راوه مسلم وغيره، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1699) . * 3942- (إذا ظننتُم فلا تُحَقِّقوا. وإذا حسدتُم فلا تبغُوا. وإذا تطيَّرتُم فامضوا؛ وعلى الله توكلوا. وإذا وُزنتُم فأرجحُوا) . أورده هكذا السيوطي في "الجامع الصغير" و"الكبير" من رواية ابن ماجه عن

جابر! وليس عند ابن ماجه منه إلا الجملة الأخيرة فقط. وأورده الحافظ في " تسديد القوس " بالطرف الأول، مشيراً إلى تمامه بقوله: "الحديث. ابن ماجه من رواية محارب عن جابر". وهذا يوهم أنه عند ابن ماجه بتمامه، وليس كذلك كما تقدم. وأورده الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (6/125) بتمامه دون الشطر الأخير منه، لكنه لم يقف على إسناده، فقال: "وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد لا أحفظه في وقتي هذا أنه قال ... " فذكره. وقد راجعت له "مسند الفردوس " بواسطة "الغرائب الملتقطة " فلم أره فيه؛ والنسخة فيها تشويش وخرم. والله أعلم. ومع ذلك؛ فإني أميل إلى ثبوت الحديث لشواهده: فالجملة الأولى والثانية قد رويتا من حديث أبي هريرة في لفظ: "في المؤمن ثلاث خصال ... ". رواه جمع منهم أبو الشيخ والبيهقي وغيرهما، وهو مخرج في الكتاب الآخر: "الضعيفة" (4019) . كما رويتا من حديث حارثة بن النعمان عند الطبراني بلفظ: "ثلاث لازمات أمتي ... " الحديث وفيه الجملة الثالثة أيضاً نحوه. وهو مخرج في "غاية المرام " (185/302) ، مع شاهدين مرسلين له، أحدهما من رواية عبد الرزاق، وقد أشار إليه الحافظ في "الفتح " (10/213) بقوله:

"وهذا مرسل أو معضل، وله شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه البيهقي في "الشعب ".... "؛ يشير إلى حديثه المذكور آنفاً. ثم قال: "وأخرج ابن عدي بسند لين عن أبي هريرة رفعه: "إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا " ... ". ومما يشهد لهذه الجملة الثالثة - سوى ما تقدم-: حديث ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطيرة شرك، وما منا إلا.. ولكن الله يذهبه بالتوكل ". رواه أصحاب "السنن " وغيرهم، وصححه جمع، وهو مخرج فيما تقدم برقم (429) ، وفي "غاية المرام " (186/303) . وأما الجملة الأخيرة: "واذا وزنتم فأرجحوا "؛ فقد تقدم أنه رواه ابن ماجه، وهو في "سننه " (2222) ، وإسناده صحيح على شرط البخاري؛ كما قال البوصيري. وله عنده وغيره من أصحاب "السنن " شاهد من حديث سويد بن قيس مرفوعاً نحوه؛ وصححه الترمذي والحاكم والذهبي؛ وهو كما قالوا. وقول المعلق على "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - " (ص 105/ دار الكتاب العربي) : "والحديث لا يصح "! فهذا جهل ظاهر، ويبدو من تعليقاته أن الرجل لا يحسن شيئاً من هذا العلم! وان مما يؤكد ذلك قوله- تعليقاً على حديث ".. فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بطنه عن حجرين " (ص 223) -: "لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع " ... "!

3943

قلت: ومع كون هذا التعليق لا صلة له بالمعلق عليه- لأن وضع الحجرين لم يكن اختياراً؛ بخلاف ماعلقه هذا الجاهل كما لا يخفى -؛ فإن هذا القول الذي نسبه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا أصل له! * 3943- (كان يقولُ في دعائِه: اللهم! إنّي أعوذ بك من جارِ السُّوء في دارِِ المُقامةِ؛ فإنَّ جارَ البادية يتحوّل) . أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (117) ، وابن حبان (2056) ، والطبراني في "الدعاء " (3/1425/1340) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (2/62/296) من طريق الحاكم، وهذا في "المستدرك " (1/532) من طريق سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان ... الحديث. ووقع في رواية البخاري في " الأدب ": " الدنيا" مكان: " البادية "! وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم "! ووافقه الذهبي! وفيه نظر؛ لأن مسلماً إنما أخرج لابن عجلان متابعة، وقال الحافظ: "اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة ". فالحديث حسن فقط أو قريب منه؛ لكنه صحيح بما يأتي له من الشواهد. وقد خالف أبا خالد في متن الحديث: يحيى بن سعيد؛ فقال: حدثنا محمد ابن عجلان به؛ إلا أنه قال: "تعوذوا بالله من جار السوء في دار المقام ... " الحديث مثله.

أخرجه النسائي (2/319) ، وهذا أصح؛ لأن ابن عجلان قد تابعه عليه عبد الرحمن بن إسحاق القرشي، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وقد سبق تخريجه برقم (1443) ، وذكرت له هناك شاهداً من حديث عقبة بن عامر، فلا داعي للإعادة. والمقصود: أن هذا الشاهد والمتابعة المذكور تؤكد شذوذ رواية سليمان بن حيان بلفظ: "الدنيا"، بل هو باطل؛ كما يدل عليه سياق الأحاديث كلها، فضلاً عن ألفاظها. وبهذه المناسبة؛ لا بد لي من بيان ما يأتي- دفاعاً عن الحديث النبوي، ورداً على من يتبع هواه فيضعف ما صح منه، ويصحح ما ضعف بل ما هو باطل-، أعني به هنا: الشيخ أحمد الغماري المغربي؛ فإنه تجاهل الشذوذ المشار إليه، بل إنه قلب الأمر فادعى صحته وضعف ما خالفه، وأنه من تصرف الرواة! فقد ذكر في كتابه "المداوي " (1/258) الحديث المعروف بوضعه وبطلانه: " ادفنوا موتاكم وسط قوم صالحين؛ فإن الميت يتأذى بجار السوء، كما يتأذى الحي بجار السوء"! فحلا له تصحيحه ولو بقلب الحقائق العلمية! فقد ساق طرقه، وتكلم على بعضها نقلاً عن ابن الجوزي وابن حبان، وأنه باطل موضوع؛ لأن فيه (سليمان بن عيسى السِّجزي) الكذاب، ولكنه سكت عن بعضها مما تعقب به السيوطي ابن الجوزي، وتساهله في ذلك معروف؛ ومنها حديث عليّ الطويل، وفيه: قيل: يا رسول الله! وهل ينفع الجار الصالح في الآخرة؛ قال: "هل ينفع في الدنيا؛ "، قالوا: نعم. قال: "كذلك ينفع في الآخرة"! قلت: وهذا أيضاً فيه الكذاب المذكور، والغماري يعلم ذلك من كتابي

"الأحاديث الموضوعة " (613) ، وهو كثير الاستفادة منه؛ ولكن على الصمت! كما يتبين ذلك لمن يقابل تخريجاتي فيه بما يخرجه هو في "المداوي "، فكتم علة هذا الحديث؛ تكثراً وتضليلاً للقراء، وإيهاماً لهم بأنه شاهد معتبر! ولو فرضنا أنه لم يقف على هذه العلة؛ لم يجزله جعله شاهداً مع جهله حال أحد من رواته؛ كما لا يخفى على أهل العلم. وإن من دعاويه الباطلة، وتضليله لتلامذته السٌّذَّجِ؛ قوله عقب تلك الأحاديث الباطلة: "قلت: غفل الحافظ السيوطي رحمه الله عن شاهد صحيح وجدته لهذا الحديث في "الأدب المفرد" للبخاري ... "! فساقه بإسناده، مع رواية الحاكم المخالفة لمتنه؛ وشاهدها المؤيد لها، ورد ذلك كله بشطبة قلم فقال: "وهو عندي من تصرف الرواة، والصحيح ما رواه البخاري (!) ؛ فإن (دار المقامة) في لسان الشرع هي الآخرة لا الدنيا. وأيضاً لا خصوصية للبادية على الحاضرة في هذا، فالحديث كما عند البخاري (!) يشير إلى سؤال مجاورة الصالحين في الدفن، فيكون شاهداً صحيحاً لحديث الكتاب. والله أعلم "!! فأقول- وبالله أستعين-: ما أظن- بعد كل ما تقدم- أن عامة القراء- فضلاً عن خاصتهم- بحاجة إلى مزيد من البيان لبطلان هذا الكلام الذي ختم به الرجل تصحيحه للحديث الباطل بالحديث الشاذ، ومع ذلك فإني أرى أن من الخير رده ببيان ما فيه من الزور والمغالطة، والتقول على الشارع الحكيم، فأقول: أولاً: قوله: " فإن (دار المقام) في لسان الشارع هي الآخرة لا الدنيا"!

قلت: وهذا كذب وزور، وتقوُّل على الشارع الحكيم بتحميل كلامه ما لا يتحمل؛ فإنه يشير بذلك إلى قوله تعالى في أهل الجنة: (جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤاً ولباسهم فيها حرير. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَنَ إن ربنا لغفور شكور. الذي أحلنا دار المُقَامة من فضله لا يمسُّنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لُغُوب) . فأنت ترى أن (دار المقامة) في الآية أريد بها الجنة؛ لأن من دخلها أقام فيها ولم يخرج منها ألبتة، بخلاف (النار) فليست كذلك " فإنه يخرج منها الموحدون كما هو معلوم، فوسع ذاك المأفون معنى هذه الكلمة، فقال: هي الآخرة، فدخل فيها النار أيضاً، وهذا باطل بداهة! فعل ذلك ليدخل فيها الحياة البرزخية؛ تمهيداً للاستشهاد بالحديث- مع شذوذه- على صحة الحديث الباطل! وقد أشار إلى هذا المعنى الذي ذكرته الراغب الأصبهاني في كتابه الفذ "المفردات في غريب القرآن " فقال (418/2) : "و (المقامة) : الإقامة، قال تعالى: (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) نحو (دار الخلد) ، و (جنات عدن) ". وقال قتادة في تفسير الآية: "أقاموا فلا يتحولون ولا يُحَوَّلون " (¬1) . فالكلمة معناها لغوي محض في القرآن والحديث، ليس لها معنى خاص في الشرع كما زعم المأفون، فهي تقابل معنى التحول الذي صرح به الحديث في قوله: "جار البادية يتحول ". ولهذا قال ابن الأثير في "غريب الحديث ": ¬

(¬1) " الدر المنثور" (5/ 254) . *

3944

"هو الذي يكون في البادية ومسكنه المضارب والخيام، وهو غير مقيم في موضعه، بخلاف جار المقام في المدن ". ثانياً: قوله: "وأيضاً لا خصوصية للبادية على الحاضرة في هذا"! قلت: هذه سفسطة ومكابرة ذات قرون؛ من ناحيتين: الأولى: ضربه للأحاديث الصحيحة- بالحديث الشاذ- المصرحة بالفرق الذي نفاه. والأخرى: جحده للمعروف عن أهل البادية أنهم لا يستقرون ولا يقيمون في مكان واحد، بل يتنقلون من مكان إلى آخر للماء والمرعى لمواشيهم، حتى إن بعض العلماء لم يوجبوا عليهم الجمعة؛ لأنهم غير مقيمين. ومما سبق؛ يتبين لكل ذي بصيرة سقوط ما نفاه من الحقائق العلمية في ختام كلامه، وهو قوله: "فالحديث كما عند البخاري يشير إلى سؤال مجاورة الصالحين في الدفن ... "!! وخلاصة ذلك؛ أن حديث البخاري في "الأدب المفرد" شاذ لا يستحق التحسين فضلاً عن التصحيح؛ وأن الصحيح إنما هو باللفظ المخالف له: "البادية". 3944- (إنِّي لكم فرَطٌ على الحوض، فإيّاي! لا يأتينّ أحدكم فيُذَبَّ عنِّي كما يُذبُّ البعير الضال، فأقول: فيم هذا؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك؟! فأقول: سُحْقاً) . أخرجه مسلم (7/67) ، والنسائي في "التفسير- الكبرى" (13/16/18173-تحفة الأشراف) ، وأحمد (6/297) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/297 و413) عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -أنها قالت:

3945

كنت أسمع الناس يذكرون الحوض؛ ولم أسمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان يوماً من ذلك والجارية تمشطني، فسمعت رسول الله يقول: "أيها الناس! ". فقلت للجارية: استأخري عني؛ قالت: إنما دعا الرجال، ولم يدعُ النساء! فقلت: إني من الناس! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. والسياق لمسلم؛ ولفظ أحمد: "أيها الناس! بينما أنا على الحوض؛ جيء بكم زُمراً، فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم: ألا هلموا إلى الطريق! فنادى مناد من بعدي: إنهم قد بدلوا بعدك، فقلت: ألا سحقاً! ألا سحقاً! ". وإسناده جيد على شرط مسلم. والحديث في "زوائد الجامع للسيوطي " برواية مسلم فقط؛ وقد سبقت الإشارة إليها تحت الحديث (2948) . * 3945- (إنِّي لم أُبعَث لعّاناً، وإنما بعثتُ رحمةً) . أخرجه مسلم (8/24) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (321) ، وأبو بكر أحمد ابن جرير السَّلَمَاسِيُّ في "حديث أبي علي اللحياني " (ق هـ- 6) من طريق مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله! ادع على المشركين. قال: ... فذكره. وتابعه هُيَّاج بن بسطام قال: حدثنا يزيد بن كيسان به؛ بتقديم الجملة الأخرى على الأولى.

أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/366) في ترجمة (هياج) هذا، وقال: "ولا يتابع عليه، ولا على شيء من حديثه. والحديث من غير هذا الطريق معروف بإسناد صالح ". قلت: كأنه يشير إلى ما قبله. والله أعلم. وللشطر الثاني من الحديث طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ: "يا أيها الناس! إنما أنا رحمة مهداة". وقد سبق تخريجه في المجلد الأول برقم (490) . وللجملة الأولى شاهد من حديث كريز بن أسامة مرفوعاً. رواه الطبراني بسند ضعيف؛ وقد كنت ذكرته تحت الحديث (3220- "الضعيفة") ؛ لتأكيد أن لفظ أبي بكر السلماسي لحديث الترجمة: "عذاباً" مكان: "لعاناً" شاذ. والله سبحانه وتعالى أعلم. ومن غرائب الشيخ الغماري، وإهماله الدفاع عن الحديث الصحيح، بل وموهماً القراء أنه حديث ضعيف بسبب تخصصه في نقد الشيخ المناوي وتتبع زلاته، وبعضها شكلي لا يخرج عن ملخص نقده إياه؛ من ذلك هذا الشاهد، فقد أعله المناوي بالجهالة، غاية الأمر أنه في "الشرح الكبير" نقل عن الهيثمي أن فيه من لم يعرفهم، وفي "الصغير" قال: "فيه مجهول "؛ فتنطع الشيخ الغماري، وسود صفحة كاملة (3/ 30- 31) في نقده، وبيان تناقض المناوي! وأما الحديث فسكت عنه، وأوهم القراء بذلك ضعفه، وكيف لا؛ وهو قد بين أن فيه ثلاثة مجاهيل؟!! فمن الواضح أنه كان عليه من الواجب أن يبين لقرائه أن متن الحديث صحيح لرواية مسلم إياه من طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه. فاللهم هداك!! *

3946

3946- (اتقُوا الله، واعدِلُوا بينَ أولادِكم؛ كما تُحبُّون أنْ يَبَرُّوكم) . ذكره السيوطي في "الجامعين ": "الكبير"، و"الصغير" من رواية الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث النعمان بن بشير، وسكت عنه كغالب عادته، ولم يورده الهيثمي في "مجمعه "؛ لأن أصله في "الصحيحين " وغيرهما " كما يأتي، لكن ليس فيهما جملة (الحب) ، فكان ذلك من الأسباب التي حملتني على إيراده في "ضعيف الجامع " يوم جعلت "الفتح الكبير في ضم الزيادة إلى الجامع الصغير" للشيخ النبهاني على قسمين: صحيح وضعيف، والآن وقد تفضل الله تبارك وتعالى علي بشيء من النشاط والقوة على البحث والكتابة في مرضي الذي اقعدني- وأنا في صدد تهذيب "الفتح الكبير"-؛ كان لا بد من تكوين رأي علمي حول هذا الحديث وأمثاله مما كنت بيضت له؛ للسبب المذكور ونحوه مما هو مشروح في مقدمة (القسمين) المشار إليهما، فقد جددت البحث عن الحديث؛ فلم أجده في "معجم الطبراني "؛ لأن المجلد الذي فيه من أول اسمه حرف النون لم يطبع بعد، لكن وفقني الله تعالى، فوجدته في مصدر؛ نادراً ما يرجع الباحثون إليه، ووجدت ما يشهد له ويقويه، فأقول: أخرجه مسلم الواسطي المعروف بـ (بحشل) في "تاريخ واسط " (224- 225) من طريق علي بن عاصم عن داود بن أبي هند وحصين بن عبد الرحمن وإسماعيل ابن أبي خالد ومطرف وأبي إسحاق الشيباني عن عامر قال؛ سمعت النعمان بن بشير وهو يخطب على المنبر فقال: تصدق أبي علي بصدقة، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهِِدَ عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى بشير رسول الله - صلى الله عليه وسلم -فقال: إني تصدقت على ابني

بصدقة، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "ألك بنون غيره؟ ". قال: نعم. قال: "فكلهم أعطيت مثلما أعطيت؟ ". قال: لا. قال: "هذا جور؛ فلا تشهدني عليه، اتقوا الله ... " الحديث. قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير علي بن عاصم، وهو صدوق يخطئ ويصر، كما قال الحافظ. ولكنه قد توبع، فأخرجه مسلم (5/66-67) ، وأبو داود (3542) ، وابن حبان (5084/الإحسان) ، والطحاوي في "شرح المعاني " (2/243- 244 و 244) ، والبيهقي (6/177-178و178) ، وأحمد (4/270) من طرق عن داود بن أبي هند عن الشعبي وإسماعيل بن سالم ومجالد- عند أحمد- ثلاثتهم عن الشعبي به نحوه، وفي حديث داود: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ "، قال: بلى، قال: " فلا إذن ". وذكر مجالد في حديثه: "إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم، كما أن لك عليهم من الحق أن يَبَرُّوك ". وأخرجه الطيالسي في "مسنده" (1/107/789) ، ومن طريقه: البيهقي (6/177) : ثنا شعبة عن مجالد به. وقال البيهقي: "تفرد مجالد بهذه اللفظة".

3947

يعني لفظة: "الحق "، لكن معناها صحيح، يشهد له مجموع روايات الحديث كما هو ظاهر. وللطرف الأول من الحديث: (التقوى والعدل) طرق أخرى في "الصحيحين " وغيرهما، وقد خرجت بعضها في "الإرواء" (6/ 41- 42) . وانما كان المقصود هنا العناية بتخريج الشطر الثاني منه، والتوصل إلى معرفة مرتبته، فقد تبين أنه صحيح، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. * 3947- (سِبَابُ المسلمِ أخاه فسوقٌ، وقتالُهُ كفرٌ، وحُرمَةُ مالِهِ كحُرمة دَمِهِ) . هو من حديث عبد الله بن مسعود، وله عنه طريقان: الأولى: عن إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه أحمد (1/416) . وإبراهيم هذا لين الحديث، لكن يقويه ما يأتي. ومن طريقه: أخرج جملة الحرمة: أبو نعيم في "الحلية"، وقد خرجتها مع طرق أخرى- يأتي بعضها قريباً- في "غاية المرام " (203-204/345) . والأخرى: عن ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/197/10316) . وليث بن أبي سليم ضعيف أيضاً.

3948

ولجملة (الحرمة) طريق ثالث: عند البزار (2/ 134/1372) وغيره عن أبي وائل عنه؛ وقد تكلمت عليها هناك. ومن هذا الوجه أخرج البخاري (88- فتح) ، ومسلم (1/57-58) ، وأبو عوانة (1/24- 25) وغيرهم من طريقين عن أبي وائل: الجملة الأولى فقط. ولسائره شاهد قوي من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه ". رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (2450) . وبذلك صح الحديث بشطريه. والحمد لله رب العالمين. * 3948- (ذمَّةُ المسلمينَ واحدةٌ، فإن جارَت عليهم جائرةٌ؛ فلا تُخفِرُوها؛ فإن لكل غادرٍ لواءً يُعرَفُ به يوم القيامة) . أخرجه أبو يعلى في "مسنده " (ق 202/ 1/ مصورة المكتب) : حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن سهم: ثنا أبو إسحاق الفزاري عن أبي سعد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي عن عائشة قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير أبي سعد؛ فلم أعرفه. وأما الهيثمي؛ فكأنه عرفه؛ فقد قال (5/329) : "رواه أبو يعلى، وفيه محمد بن أسعد، وثقه ابن حبان، وضعفه أبو زرعة، وبقية رجاله رجال (الصحيح) ". ثم قال في الصفحة التالية وقد ذكره عنها بلفظ آخر:

"رواه الطبراني في "الأوسط "، وأبو يعلى باختصار، ورجاله ثقات، وإسناد الطبراني ضعيف ". والحديث أخرجه الحاكم (2/ 141) من طريق محبوب بن موسى: ثنا أبو إسحاق الفزاري عن عمرو بن مرة به! كذا قال؛ لم يذكر في إسناده: (عن أبي سعد) ! وقال: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي! ثم بدا لي أمران: أحدهما: أني لم أجد من كنى (محمد بن أسعد) بـ (أبي سعد) ؛ وإنما كنوه بـ (أبي سعيد) ، مثل ابن أبي حاتم في "الجرح " (3/1/208) ، والدولابي في "الكنى" وغيرهما؛ ولم يذكر ابن أبي حاتم في شيوخه (عمرو بن مرة) ، وفي الرواة عنه (أبو إسحاق الفزاري) ! والآخر: أني وقفت بعد زمن على إسناد الطبراني في "المعجم الأوسط "؛ فإذا هو فيه (6/5/5628) من طريق أبي سعيد البقال، يرويه ضرار بن صرد أبو نعيم قال: نا علي بن هاشم بن البريد عنه عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عنها مرفوعاً بلفظ: "لكل غادر لواء يوم القيامة، ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، من أخفر مسلماً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل". فألقي في البال أن (أبا سعد) في الطريق الأولى؛ لعله (أبو سعد البقال)

3949

لاتحاد شيخهما، لكن ضرار بن صرد ضعيف لا يحتج به، بل هو متروك متهم. والله أعلم. وعلى كل حال؛ فقد قررت نقل الحديث إلى هذه "السلسلة الصحيحة" لشواهده الكثيرة. فالجملة الأولى في ذمة المسلمين؛ لها شواهد كثيرة، منها حديث علي: " المدينة حرم.. " وفيه: "وذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "الإرواء " (1058) . وجملة الغدر؛ جاءت بنصها عن جمع من الصحابة، وهو مخرج فيما تقدم برقم (1690) . * 3949- (إن لي حوضاً ما بينَ الكعبةِ وبيتِ المقدِسِ، أبيضَ مثلَ اللّبن؛ آنِيَتُةُ عدَدَ النُّجُومِ، وإني لأكثرُ الأنبياءِ تبعاً يومَ القيامةِ) . أخرجه ابن ماجه (4301) من طريق عطية عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً به. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل عطية- وهو العوفي- فإنه ضعيف ومدلس. لكن للحديث شواهد تدل على أنه صحيح، قد أخرج الكثير الطيب منها ابن أبي عاصم في "السنة"؛ فانظر الأحاديث (718 و 9 71 و 723- بتحقيقي) . *

3950

3950- (إن أربى الربِّا: استطالةُ المرءِ في عرضِ أخيهِ) . رواه البزار (3569) ، وابن عدي (311/2) ، والبيهقي في "الشعب " (2/309/1) ، وأبو بكر الشيرازي في "سبعة مجالس من الأمالي " (7/2) عن النعمان بن راشد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال: قال أبو علي الحافظ: "لم يقل أحد: عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة إلا النعمان "! وقال ابن عدي: "وعامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات "! كذا قال! وهو مختلف فيه، وأخرج له مسلم، وأقرب ما قيل فيه قول النسائي: "صدوق، فيه ضعف ". ولذلك قال في "التقريب ": "صدوق سيئ الحفظ ". وقال البزار عقبه: "لا نعلم رواه عن الزهري إلا النعمان، وحدث عمه جماعة جملة، منهم ابن جريج، وجرير بن حازم، ووهيب بن خالد". قلت: وقد روي من وجوه أخرى عن أبي هريرة: الأول: عن عبد الله بن سعيد المَقْبرِيِّ عن أبيه (وفي رواية: عن جده) عنه. أخرجه البزار (3570) ، وابن أبي الدنيا في "الصمت " (رقم 173) ،

والأصبهاني في"الترغيب" (2/579/1382- طبعة فدا) . قال البيهقي (2/140/1) : "وعبد الله ضعيف ". قلت: بل هو متروك، وعليه؛ فقول المنذري في"الترغيب" (3/296) : "رواه البزار بإسنادين أحدهما قوي "! فليس بالمسلَّم! ومثله قول الهيثمي (8/92) : "رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال "الصحيح "؛ غير محمد بن أبي نعيم، وهو ثقة، وفيه ضعف "! وهما يعنيان إسناد النعمان بن راشد، وقد أغمضا أعينهما عن الكلام الذي فيه مما أشرت إليه آنفاً الثاني: عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. أخرجه البيهقي (2/430/1) من طريقين عنه، وضعفهما. الثالث: عن جعفر بن محمد بن الحسن: ثنا قتيبة بن سعيد: ثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن يحيى بن النضر عنه. قلت: وهذا إسناد جيد؛ لولا أني لم أجد لجعفر هذا ترجمة. وسائر رواته ثقات، وقتيبة ممن سمع من ابن لهيعة قديماً قبل احتراق كتبه. ثم تبينت أن جعفراً هذا: هو أبو بكر الفريابي، وهو ثقة حافظ مأمون، مترجم في "تاريخ بغداد" (7/199-203) ، و"تذكرة الحفاظ "، فصح الحديث والحمد لله.

وله شاهد من حديث سعيد بن زيد: عند أحمد (1/190) ، والبيهقي في "الشعب " (5/297/6710) بسند صحيح. الرابع: عن زهير بن محمد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه بلفظ: "من الكبائر: استطالة الرجل في عرض رجل مسلم، ومن الكبائر: السَّبَّتان بالسبة". أخرجه ابن أبي الدنيا (727) ، وكذا أبو داود (4877) . ورجاله كلهم ثقات رجال "الصحيح "؛ غير أن زهيراً هذا ضعيف في رواية الشاميين عنه، وهذه منها، فهي صالحة في المتابعات. وبالجملة؛ فالحديث صحيح بهذه الطرق، وبما له من الشواهد، فأذكر ما تيسر لي منها: الأول: عن سعيد بن زيد عن النبي- صلى الله عليه وسلم -قال: "إن من أكبر الكبائر: استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر: السَّبَّتان بالسبة ". أخرجه أبو داود (4876) ، والبيهقي (2/301/1) ، وأحمد (1/ 190) . قلت: وإسناده صحيح. الثاني: عن قيس بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "إن أربى الربا: أن يستطيل الرجل في شتم أخيه، وإن أكبر الكبائر: أن يشتم الرجل والديه "؛ قالوا: وكيف يشتمهما يا رسول الله؟! قال: "يشتم الرجل فيشتمهما". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (18/353/899) من طريق طاهر بن

خالد بن نزار، حدثني أبي: ثنا سفيان بن عيينة عن أبي نجيح عن أبيه عنه. قال الهيثمي في "المجمع " (8/73) : "رواه الطبراني، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير طاهر بن خالد بن نزار، وهو ثقة، وفيه لين "! كذا قال! وفاته أن أباه خالد بن نزار ليس من رجال "الصحيح "، ثم هو صدوق يخطئ كما في "التقريب ". ولكن حديثه هذا صحيح بلا ريب؛ فإن شطره الأول يشهد له ما قبله، وشطره الآخر يشهد له حديث ابن عمرو في "الصحيحين " نحوه، ولفظ مسلم (1/ 64- 65) إليه أقرب. وقد خالفه في الشطر الأول: إسحاق بن إسماعيل الطالقاني، في إسناده ومتنه، فقال: حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره مرسلاً بلفظ: "أربى الربا: تفضيل المرء على أخيه بالشتم ". أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت " (174) عنه. وإسناده صحيح؛ لولا أنه مرسل. الثالث: عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: "أخبروني بأربى الربا؟ ". قالوا: الله ورسوله أعلم! قال؛ "فإن أربى الربى عند الله عز وجل: استحلال عرض المسلم "، ثم قرأ: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) .

3951

أخرجه أبو يعلى (¬1) ، والبيهقي وغيرهما بسند ضعيف. وقول المنذري- ثم الهيثمي-: "رواته رواة (الصحيح) "! من أوهامهما؛ كما بينته في "غاية المرام " (438) ؛ فليراجعه من شاء التفصيل. 3951- (أَتاني رجُلان، فأَخذاَ بضَبعَيَّ، فأَتيَا بي جَبَلاً وعراً، فقالا: اصعد. فقلتُ: إنِّي لا أُطِيقُه. فقالا: إنّا سنُسهّله لك. فصعِدتُ حتّى إذا كنتُ في سَواءِ الجبَل؛ إذا أنا بأصواتٍ شديدةٍ، قلتُ: ما هذه الأصواتُ؟ قالوا: هذا عُواء أهلِ النّارِ ثم انطلقَا بي؛ فإذا أنا بقوم معلَّّقينَ بعَراقِيبهم، مشقّقة أشداقُهم، تسيلُ أشداقُهم دماً، قال، قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومِهم. فقال: خابتِ اليهودُ والنّصارى- فقال سليمان (¬2) : ماأدري أسمعه أبو أمامة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أم شيءٌ من رأيه؟! -. ثمّ انطلقا [بي] ؛فإذا بقومٍ أشدَّ شيءٍ انتفاخاً، وأنتنِهِ ريحاً، وأسودِهِ منطَراً، فقلت: من هؤلاء؟ فقال: هؤلاءِ قتلَى الكفار. ثم انطلقا بي، فإذا بقوم أشدَّ شيءٍ انتفاخاً، وأنتنِهِ ريحاً، كأن ريحَهم المراحيضُ، قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزّانُون والزّواني. ¬

(¬1) وتحرّف في "مطبوعته " (8/ 145) إلى: "أزنى الزِّنى"!! * (¬2) هو: ابن عامر أبو يحيى الراوي عن أبي أمامة رضي الله عنه. *

ثم انطلقا بي؛ فإذا أنا بنساء تنهشُ ثُديَّهنَّ الحيّاتُ. قلتُ: ما بالُ هؤلاء؟! قال: هؤلاءِ اللاتي يمنعنَ أولادَهنّ ألبانَهُنَّ. ثم انطلقا بي؛ فإذا أنا بغِلمانٍ يلعبونَ بين نهرَينِ، قلتُ: من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء ذراري المؤمنينَ. ثم أشرفا بي شرفاً؛ فإذا أنا بنفرٍ ثلاثة يشربونَ من خمر لهم، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء جعفرٌ وزيدٌ وابنُ رواحةَ. ثم أشرفا بي شرفاً آخر؛ فإذا أنا بنفر ثلاثة، قلت: من هؤلاء؟ قال: هذا إبراهيمُ ومُوسَى وعيسَى، وهم ينتظرونَكَ) . أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (4/2/246/3286) - مختصراً-، وابن خزيمة في "صحيحه " (3/237/1986) ، وعنه ابن حبان في "الموارد" (445/1800) ، والحاكم (1/430و2/209) ، وعنه البيهقي (4/266) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7667) ، والأصبهاني في "الترغيب " (2/608-609) من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم بن عامر أبي يحيى: حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. والسياق لابن خزيمة وغيره؛ مع تصحيح بعض الأخطاء وقعت فيه. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ". ووافقه الذهبي. ومن هذه الطريق ذكره الحافظ ابن كثير في "تاريخه " من طريق أبي زرعة؛ وهو- كما قال ابن كثير-: "الإمام العالم الحافظ أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي نضر الله وجهه؛ في كتابه "دلائل النبوة"، وهو كتاب جليل ".

ولم يعزه إلى غيره، ومنه صححت بعض الأخطاء. وقد تابع ابن جابر: معاوية بن صالح عن سليم بن عامر به. أخرجه الطبراني برقم (7666) . وأورد الحافظ المنذري في "الترغيب والترهيب " (2/74/2) إلى قوله: "قبل تحلة صومهم "، وقال: "الحديث رواه ابن خزيمة، وابن حبان في "صحيحيهما" ... "! قلت: فقصر؛ لأنه لم يعزه إلى الحاكم بل ولا النسائي، وقد روى منه جملة المفطرين؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك. وإن مما يحسن التنبيه عليه: أن الشيخ النابلسي في كتابه "الذخائر" (3/135) عزاه للنسائي في (الصوم) ، وليس هو عنده في "سننه الصغرى"، كما هو اصطلاح النابلسي في "ذخائره "؛ فقد خالف بذلك شرطه الذي نص عليه في المقدمة " أنه لا يخرج للنسائي إلا من "سننه الصغرى". ثم رأيت الحافظ الناجي في "عجالة الإملاء" (ق/124/2) تعجب من المؤلف لعزوه الحديث لابن خزيمة وابن حبان؛ قال: "مع كونه في "النسائي الكبير"! ". (تنبيه) : قلت في تعليقي على "صحيح موارد الظمآن " ما نصه: "أقول: هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلاً؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة"، وذكرت هناك ما مفاده أن من شؤم الاعتماد على المؤذنين الذين يؤذنون على التوقيت الفلكي المذكور في (الروزنامات) ؛ أن بعض الناس سيفطر قبل الوقت؛

3952

فإن بعضهم يؤذن قبل الوقت، وبعضهم بعد الوقت، وهذا أمر شاهدناه بأعيننا، وسمعناه بآذاننا، فعلى المسلمين أن يحافظوا على الأذان الشرعي الذي يختلف وقته من بلد إلى بلد آخر، وأن يؤدوا العبادات في مواقيتها الشرعية!. 3952- (تَرِدُ عليَّ أمتي الحوض، وأنا أذود الناس عنه؛ كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله، قالوا: يا نبي الله! أتعرفنا؟ قال: نعم، لكم سيما ليست لأحد غيركم، تردون علي غراً محجلين من آثار الوضوء. وليصدن عني طائفة منكم، فلا يَصِلُون، فأقول: يا رب! هؤلاء من أصحابي؟! فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟!) . قلت: هذا حديث صحيح من رواية أبي هريرة- رضي الله عنه-، وله عنه طرق وألفاظ، بعضها مطول كهذا، وبعضها مختصر، وإليك البيان: الطريق الأولى: عن أبي حازم عن أبي هريرة مرفوعاً به. أخرجه مسلم (1/150) - والسياق له-، وأبو عوانة (1/137) ، والبيهقي في "البعث والنشور" (102/158) . الثانية: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه كان يحدث- وفي رواية عن ابن المسيب أنه كان يحدث- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي، فيُجْلَوْن عن الحوض، فأقول: يا رب! أصحابي؟! فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك؛ إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى ".

الثالثة: عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً نحو حديث الترجمة؛ وفي آخره: "ألا ليُذَادَنَّ رجال عن حوضي؛ كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلمَّّ! فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً! ". أخرجه مسلم (1/ 150-151) ، وأبو عوانة (1/138) ، والبيهقي (161) ، وأحمد (2/300و408) . الرابعة: عن محمد بن زياد: سمدت أبا هريرة رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده! لأذودن رجالاً عن حوضي؛ كما تذاد الغريبة من الإبل عن الحوض ". أخرجه البخاري (2367) - وهذا لفظه-، ومسلم (7/70) ، والبيهقي (165) ، والبغوي في "شرح السنة " (15/172/4345) ، وأحمد (2/298و454) . وقال البغوي: "هذا حديث متفق على صحته ". الخامسة: عن عبيد الله بن أبي رافع عنه مرفوعاً مختصراً جداً. أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (769) . السادسة: عن الوليد بن رباح عنه مرفوعاً مختصراً أيضاً. أخرجه ابن أبي عاصم (775) . وللحديث شواهد كثيرة، استوعب طائفة طيبة منها البخاري، وابن أبي عاصم، والبيهقي، وغيرهم بألفاظ مختلفة؛ منها المطول، ومنها المختصر. *

3953

3953- (لا تحلفُوا بآبائِكم (وفي رواية: بغيرِ الله) ، وإذا خلوتُم؛ فلا تستقبلُوا القِبلةَ ولا تستدبرُوها، ولا تستنجُوا بعظمٍ ولا بِبَعرٍ) . أخرجه الحاكم في "المستدرك " (3/412) - والسياق له-، وأحمد (3/487) - والرواية الأخرى له- كلاهما من طريق ابن جريج: أخبرني عبد الكريم بن أبي المخارق عن الوليد بن مالك- رجل من عبد القيس- عن محمد بن قيس- مولى سهل بن حنيف- عن سهل بن حنيف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدثه قال: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أنت رسولي إلى مكة؛ فأقرئهم مني لهم السلام، وقل لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يأمركم بثلاث: ... " فذكر الحديث. رواه الدارمي (1/172) مختصراً، لم يذكر من الثلاث إلا الجملة الأخيرة. قلت: وهذا إسناد ضعيف مسلسل بالعلل: الأولى: عبد الكريم بن أبي المخارق؛ فإنه ضعيف، كما قال الحافظ في "التقريب ". الثانية: الوليد بن مالك- وهو ابن عباد بن حنيف الأنصاري-، لم يذكروا عنه راوياً غير عبد الكريم بن أبي المخارق؛ ولذلك قال عنه الحسيني: "مجهول، غير مشهور". وأقره الحافظ في "تعجيل المنفعة" (432/1155) . والعجب من ابن حبان؛ فإنه ذكره في "الثقات " (7/552) من رواية عبد الكريم هذا عنه، وقد قال في ترجمة عبد الكريم من "ضعفائه ":

"كان كثير الوهم، فاحش الخطأ ... ". فكان الأحرى به أن يلحق الشيخ بالراوي عنه في "الضعفاء". والوليد هذا: هو غير ابن أبي مالك الهمداني الدمشقي، وهذا ثقة، ونبهت على هذا؛ لأن المترجم وقع في "المستدرك "، و"تلخيصه ": "الوليد بن أبي مالك "، فخشيت أن يلتبس بالمترجم. الثالثة: محمد بن قيس مولى سهل؛ فإنه مجهول أيضاً؛ لأنه لم يرو عنه إلا الوليد المجهول كما تقدم بيانه. وأما ما وقع في "الجرح والتعديل " (4/1/62) أنه روى عنه أيضاً عبد الكريم ابن أبي المخارق؛ فهو وهم، تبعه عليه الحسيني في كتابه، تعقبه عليه الحافظ ابن حجر في "التعجيل " (375/969) بقوله: "وانما روى عبد الكريم عنه بواسطة الوليد، كذا هو عند أحمد من طريق ابن جريج ... فذكر الحديث ". وكذلك ذكره البخاري في كتابه، وابن حبان في "ثقاته " (5/373) برواية الوليد بن مالك فقط. واذا عرفت هذا؛ تبين لك خطأ ابن حبان أيضاً في ذكر محمد بن قيس هذا في "الثقات "؛ لأنه برواية مجهول عنه. ومع هذا الضعف الظاهر في إسناد الحديث؛ فقد بيض له الحاكم، وتبعه الذهبي، ثم ابن الملقن في كتابه "مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم "، فلم يذكره فيه إطلاقاً!

وفي ظني أنهم أشاروا بذلك إلى أمرين اثنين: وضوح ضعف إسناده، والآخر صحة متنه، وهذا أمر لا يخفى على كل متشبع بالمعرفة بالسنة المحمدية؛ فإن الجمل الثلاث قد جاءت مفرقة في أحاديث عدة: 1- أما قوله: "لا تحلفوا بآبائكم "؛ فأخرجه البخاري، ومسلم في "صحيحيهما" من حديث ابن عمر، وهو مخرج في "الإرواء" (2560) ، وصح من حديث أبي هريرة أيضاً وغيره بزيادة في متنه، وهو مخرج في "المشكاة" (3418/ التحقيق الثاني) . 2- وأما جملة النهي عن الاستقبال والاستدبار؛ ففيه أحاديث؛ أصحها حديث أبي أيوب الأنصاري، بلفظ: "إذا أتيتم الغائط؛ فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا". رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " برقم (60) . 3- وأما الجملة الأخيرة؛ فلها شاهد من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نتمسح بعظم أو بعر. رواه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما"، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" برقم (29) . وله شاهد من حديث ابن مسعود مرفوعاً بزيادة: "فإنه زاد إخوانكم من الجن ". أخرجه مسلم، وأبو عوانة أيضاً، لكن في متنه اختلاف واضطراب كثير، كنت من أجله خرجته في "الأحاديث الضعيفة" برقم (1038) ، فراجعه إن شئت. هذا، ولقد كان من دواعي تخريج حديث الترجمة بهذا التحقيق الذي رأيته:

3954

أن أخانا الفاضل (أبا إسحاق الحويني) سئل في فصله الخاص الذي تنشره له مجلة (التوحيد) الغراء في كل عدد من أعدادها، فسئل- حفظه الله وزاده علماً وفضلاً- عن هذا الحديث في العدد (الثالث- ربيع أول- 1419) ؟ فضعفه، وبين ذلك ملتزماً علم الحديث وما قاله العلماء في رواة إسناده، فأحسن في ذلك أحسن البيان، جزاه الله خيراً، لكني كنت أود وأتمنى له أن يُتْبِعَ ذلك ببيان أن الحديث بأطرافه الثلاثة صحيح؛ حتى لا يتوهمن أحد من قراء فصله أن الحديث ضعيف مطلقاً سنداً ومتناً، كما يشعر بذلك سكوته عن البيان المشار إليه. أقول هذا؛ مع أنني أعترف له بالفضل في هذا العلم، وبأنه يفعل هذا الذي تمنيته له في كثير من الأحاديث التي يتكلم على أسانيدها، ويبين ضعفها، فيتبع ذلك ببيان الشواهد التي تقوي الحديث، لكن الأمر- كما قيل-: كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه. * 3954- (دخل النبي- صلى الله عليه وسلم - نخلاً لبني النّجار، فسمع أصوات رجالٍ من بني النجار ماتوا في الجاهلية، يعذَّبُون في قبورهم؛ فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَزِعاً، فأمر أصحابه أن يتعوذوا من عذاب القبر) . أخرجه عبد الرزاق في "المصنف " (3/584/6742) ، ومن طريقه: الإمام أحمد في "المسند" (3/295- 296) ، وكذا في كتاب "السنة" له (2/601/1432) من طريق ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم؛ كما قال الحافظ في "فتح الباري " (1/321) ؛ يرد به على من اعتمد على رواية ابن لهيعة بلفظ: "فسمعهم يعذبون في القبور بالنميمة"، وهو حديث منكر؛ كما بينته في " الضعيفة " برقم (6946) .

3955

وقد تابع ابن جريج: سفيان- وهو الثوري-: عند ابن أبي داود في "البعث " (42/13) ، وموسى بن عقبة: عند البزار في "كشف الأستار" (1/412/871) كلاهما عن أبي الزبير عن جابر به. ومن الغرائب: أن ابن لهيعة وافقهم جميعاً إسناداً ومتناً في رواية خرجها الشجري في "الأمالي "؛ كما ذكرت هناك في "الضعيفة ". ثم إن أبا الزبير قد خالفه أبو سفيان، فقال: عن جابر عن أم مبشِّر قالت: ... فذكرت الحديث. أخرجه ابن حبان وغيره، وسبق تخريجه برقم (1444) ، وهو مخرج أيضاً في " الظلال " برقم (875) . * 3955- (أتمّوا الصفوف (وفي رواية: استوُوا، استوُوا) [وتراصُّوا] ؛ فإني أراكم خلفَ ظهري [كما أراكم من بين يديَّ] ) . أخرجه مسلم (2/ 30- 31) ، وأبو عوانة (2/43) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس مرفوعاً مختصراً دون الزيادات. وأخرجه أبو عوانة أيضاً، وابن حبان برقم (2170) ، وأحمد (3/183و263) من طريق حميد عن أنس قال: أقبل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه حين قام إلى الصلاة قبل أن يكبر، فقال: ... فذكر الحديث، وفيه الزيادة الأولى. وتابعه ثابت عن أنس بالرواية الثانية، والزيادة الأخيرة. أخرجه أبو عوانة، وأحمد (3/268) .

3956

وقد مضى حديث حميد برواية البخاري بزيادة هامة في آخره في لصق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم من الصحابة؛ تجاوباً منهم مع أمر الرسول عليه السلام بالتراص، فراجعه برقم (31) . * 3956- (أُتيتُ بالبُراقِ، وهو دابةٌ أبيضُ طويلٌ، فوقَ الحمارِ ودونَ البغلِ، يضعُ حافرَه عند منتهى طرفهِ، قال: فركبتُه حتى أتيتُ بيت المقدس، قال: فربطتُه بالحلقة التي يربطُ بها الأنبياءًُ، قال: ثم دخلت المسجد فصلّيتُ فيه ركعتين، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السّلامُ بإناءٍ من خمرٍ، وإناءٍ من لبنٍ؛ فاخترتُ اللبن، فقال جبريل عليه السلام: اخترتَ الفِطرةَ ثم عُرجَ بنا إلى السّماءِ، فاستفتح جبريل، فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمدٌ. قيل: وقد بُعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليهِ، ففُتحَ لنا؛ فإذا أنا بآدم، فرحب بي ودعا لي بخيرٍ. ثم عُرجَ بنا إلى السماء الثانية، فاستفتح جبريل عليه السلام، فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمّدٌ. قيل: وقد

بُعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليهِ، ففتحَ لنا؛ فإذا أنا بابني الخالةِ: عيسى ابن مريم ويحيى بن زكريا صلوات الله عليهما، فرحّبا ودعَوا لي بخير. ثمَّ عُرجَ بي إلى السّماءِ الثالثة، فاستفتحَ جبريلُ، فقيل: من أنت؟ قال: جبريلُ. قيل: ومن معك؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -. قيل: وقد بُعثَ إليه؟ قال: قد بُعثَ إليه. ففتح لنا؛ فإذا أنا بيوسف- صلى الله عليه وسلم -؛ إذا هو قد أُعطيَ شطرَ الحُسنِ، فرحَّب ودعا لي بخير. ثم عُرجَ بنا إلى السماء الرّابعةِ، فاستفتح جبريل عليه السلام. قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قال: وقد بُعثَ إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففُتح لنا، فإذا أنا بإدريس، فرحّب ودعا لي بخير، قال الله عز وجل: (ورفعناه مكاناً علياً) . ثم عُرج بنا إلى السماءِ الخامسة، فاستفتح جبريل. قيل: من هذا؟ فقال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بُعث إليه؟ قال: قد بعث إليه. ففتح لنا، فإذا أنا بهارون- صلى الله عليه وسلم -، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السادسة، فاستفتح جبريل عليه السلام، قيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا؛ فإذا أنا بموسى - صلى الله عليه وسلم -، فرحب ودعا لي بخير. ثم عرج بنا إلى السماء السابعة، فاستفتح جبريل فقيل: من هذا؟ قال: جبريل. قيل: ومن معك؟ قال: محمد - صلى الله عليه وسلم -. قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بعث إليه، ففتح لنا؛ فإذا أنا بإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - مسنداً ظهره إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخلُه كلَّ يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ثم ذهب بي إلى السِّدرةِ المنتهى، وإذا ورقُها كآذان الفِيَلةِ، وإذا

ثَمَرُها كالقِلالِ، قال: فلما غَشِيَها من أمرِ اللهِ ما غَشِي؛ تغيرت، فما أحدٌ من خلقِ اللهِ يستطيعُ أن ينعتها؛ من حُسنها. فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض عليَّ خمسين صلاة في كل يوم وليلة، فنزلتُ إلى موسى- صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما فرضَ ربك على أمتك؟ قلت: خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف؛ فإن أمتك لا يُطيقون ذلك؛ فإني قد بلوتُ بني إسرائيل وخَبَرتهم. قال: فرجعتُ إلى ربِّي، فقلت: يا رب! خفّف على أمتي، فحَطَّ عني خمساً، فرجعتُ إلى موسى، فقلتُ: حطّ عني خمساً. قال: إنَّ أمتك لا يطيقون ذلك؛ فارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. قال: فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام؛ حتى قال: يا محمد! إنَّهن خمسُ صلوات كل يوم وليلة، لكلِّ صلاة عشر؛ فذلك خمسون صلاة. ومن همّ بحسنة فلم يعملها؛ كُتبت له حسنة، فإنْ عملها كُتبت له عشراً، ومن همَّ بسيئة فلم يعملها؛ لم تكتب شيئاً، فإن عملها كُتبت سيئة واحدة. قال: فنزلتُ حتى انتهيت إلى موسى- صلى الله عليه وسلم -فأخبرتُه، فقال: ارجع إلى ربِّك فاسأله التخفيف. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: فقلت: قد رجعت إلى ربي حتى استحييت منه) . أخرجه مسلم (1/99-101) ، وأبو عوانة (1/126-128) ، وأحمد (3/148) ،

من طريق حماد بن سلمة: حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره بطوله. وبإسناد مسلم المتقدم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أُتيت، فانطلقوا بي إلى زمزم، فشرح عن صدري، ثم غسل بماء زمزم، ثم أنزلت ... ". وتابعه شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مسجد الكعبة: أنه جاء ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام ... وساق الحديث بقصته، نحو حديث ثابت البناني؛ وقدم فيه شيئاً وأخر، وزاد ونقص. أخرجه البخاري (3570) ، ومسلم، وأبو عوانة (1/125-126و135-137) ولكنه لم يذكر: "وهو نائم " " إشارة منه إلى نكارة هذه الزيادة، وهي تنافي كل أحاديث الإسراء والمعراج التي تدل أنهما كانا يقظة لا مناماً، ولذلك عدهما العلماء من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - التي فضله الله بها على سائر خلقه. وإن مما يؤكد ذلك؛ رواية قتادة عن أنس عن مالك بن صعصعة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: "بينما أنا بين النائم واليقظان؛ إذ سمعت قائلاً يقول: أحد الثلاثة بين الرجلين، فأُتيت بطست ملئ حكمة وإيماناً، فشق من النحر إلى مَراقِّ البطن، ثم أخرج القلب؛ فغسل بماء زمزم، وملئ حكمة وإيماناً. وأتيت بدابة- دون البغل وفوق الحمار- أبيض، يقال له: البراق ... " وذكر الحديث.

3957

أخرجه البخاري (3207) ، ومسلم (1/103-104) ، وأبو عوانة (1/116) - والسياق له-. وصرح قتادة بالتحديث عند البخاري، وهو صريح في أنه لم يكن نائماً، وإنما كان بين النائم واليقظان حينما جاءه ثلاثة النفر، وشقوا بطنه- صلى الله عليه وسلم -. * 3957- (آمُركُم بأربعٍ، وأنهاكُم عن أربعٍ: الإيمان بالله، ثمّ فسّرها لهم، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله- وعقدَ واحدةً-، وإقامِ الصلاةِ، وإيتاءِ الزكاةِ، وأن تؤدُّوا خُمُسَ ما غنمتُم، وأنهاكُم عن الدُّبّاء، والحنتََم، والنَّقِير، والمقيَّر) . أخرجه البخاري (1/129/53- "فتح الباري ") ، ومسلم (1/35) ، وأبو داود (4/94/ 3692) ، والترمذي (2611) ، والنسائي (2/272) ، والبيهقي في "السنن " (6/294-295و303) وفي "شعب الإيمان " (1/ 50- 51) وفي "دلائل النبوة" (3/323-324) كلهم من طريق أبي جمرة عن ابن عباس قال: قدم وفد عبد القيس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله! إنا- هذا الحي-: من ربيعة، وقد حالت بيننا وبينك كفار مضر، فلا نخلص إليك إلا في شهر الحرام، فمُرنا بأمر نعمل به، وندعو إليه من وراءنا؟ قال: ... فذكره. وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري بنحوه. أخرجه مسلم (1/36) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (5/326) ، وأحمد (3/22/23) . *

3958

3958- (أحياناً يأتينِي في مثل صَلصلَةِ الجَرَسِ، وهو أشدُّه عليَّ، ثمّ يَفصِمُ عنِّي وقد وَعَيتُه، وأحياناً ملَكٌ في مثلِ صُورِة الرّجُلِ، فأَعِي ما يقولُ) . أخرجه البخاري برقم (2، 3215) ، ومالك في "الموطأ" (1/206-207) ، والترمذي (9/252-253) - وقال: "حديث حسن صحيح "-، والنسائي (1/147-148) ، وابن حبان في "صحيحه " (1/123-124/38) ، والبيهقي في "السنن " (7/152-153) ، والبغوي في "شرح السنة " (13/321-322/3737) ، وأحمد (6/158و163و256-257) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/293-294/3343و3344) كلهم من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة: أن الحارث بن هشام سأل النبي- صلى الله عليه وسلم -: كيف يأتيك الوحي؟ فقال: ... فذكره. وقال البغوي: "هذا حديث متفق على صحته ". قلت: وزاد الطبراني في رواية أخرى من روايتيه- بعد قوله في آخره-: "يكلمني كلاماً، وهو أهون عليّ "؛ فهذه الزيادة: "وهو أهون عليّ " في إسنادها عنده: عاصم بن هلال، وهو- كما قال الحافظ-: "فيه لين ". لكن ذكر في "فتح الباري " (1/ 20) أن هذه الزيادة عند أبي عوانة؛ إلا أنني لم أر الحديث في الجزء الأول من "صحيح أبي عوانة"، فلا أدري إذا كان عنده من طريق عاصم هذا، أو عن غيره؟!

3959

وأما قول الهيثمي عقب الحديث بهذه الزيادة: "رواه الطبراني بإسنادين، ورجال أحدهما ثقات "! قلت: ففيه وهم، أو تسامح في التخريج؛ لأن الإسناد الذي وثق رجاله هو عنده بدون الزيادة مثل رواية الجماعة، ولكنها غير منافية لروايتهم. (تنبيه) : من عجائب التخريج: أن المعلق على "شرح السنة" للبغوي لم يعزه لغير مسلم، مع أن البغوي عزاه للبخاري أيضاً!. * 3959- (إذا أحسَنَ أحدُكم إسلامَه؛ فكلُّ حسنةٍ يعمَلُها تُكتبُ بعشرِ أمثالِها؛ إلى سَبعِ مِئَةِ ضِعفٍ، وكلُّ سيئةٍ يعملُها تُكتبُ له بمثلها، حتّى يلقَى الله عزّ وجلّ) . أخرجه البخاري (42) ، ومسلم (1/82) ، وأبو عوانة (1/83-84) ، وابن حبان في "صحيحه " (1/226-228) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (ص 71) ، والبغوي في "شرح السنة " (14/339/4148) ، وأحمد (2/317) كلهم من طريق عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. وهو في "صحيفة همام بن منبه " (43/103) . (تنبيه) : وإن من عجلة المعلق على "البغوي "، وقلة تحقيقه: أنه عزاه للبخاري في "باب قول الله تعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) "!! وليس فيه هذا الحديث، وإنما فيه حديث آخر لأبي هريرة في الحسنات والسيئات، اشتبه عليه بهذا. *

3960

3960- (إذا اختلفتم في الطريق؛ جُعلَ عَرضهُ سبعَ أذرعٍ) . جاء من حديث أبي هريرة، وابن عباس، وعبادة بن الصامت، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله. 1- أما حديث أبي هريرة؛ فله عنه طرق: الأولى: عن خالد الحذاء عن يوسف بن عبد الله بن الحارث عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعاً به. أخرجه مسلم (5/59) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 71) ، وابن حبان في "صحيحه " (7/261/5044) ، والبغوي في "شرح السنة" (8/248/2175) ، وأحمد (2/228) ، وكذا البيهقي (6/154) . الثانية: عن المثنى بن سعيد الضُّبَعي عن قتادة عن بُشَير بن كعب العدوي عن أبي هريرة مرفوعاً نحوه. أخرجه أبو داود (4/48/3633) ، والترمذي (5/36/1356) - وصححه-، وابن ماجه (2338) ، والطحاوي (2/70) ، وأحمد (2/429و466و474) ، وابن أبي شيبة في "المصنف " (7/255/3075) . الثالثة: عن جرير بن حازم عن الزبير بن خِرِّيت عن عكرمة: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: قضى النبي- صلى الله عليه وسلم - إذا تشاجروا في الطريق المِيتاءِ: بسبعة أذرع. أخرجه البخاري برقم (2473- "فتح ") - واللفظ له-، وابن عدي في "الكامل " (2/127) ، ولفظه:

"إذا اشتجرتم في الطريق؛ فاجعلوها سبعة أذرع ". ونحوه في "مسند أحمد" (2/495) ، و"سنن البيهقي " (6/54) . وقال الحافظ في "الفتح " (5/119) : "وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في أفراد جرير بن حازم، فهو من غرائب "الصحيح "، لكن شاهده في "مسلم " من حديث عبد الله بن الحارث عن ابن عباس، وعند الإسماعيلي من طريق وهب بن إسماعيل عن أبيه: سمعت الزبير بن خريت ". قلت: وقوله: " (مسلم) من حديث عبد الله بن الحارث عن ابن عباس "! لعله سبق قلم منه؛ فإنما رواه مسلم كما تقدم من رواية عبد الله بن الحارث عن أبي هريرة. وما ذكره عن ابن عدي؛ فهو لأن الزبير بن خريت- مع كونه ثقة-؛ قد خالف جماعة من الثقات في متنه وإسناده. أما المتن: فهو أنه زاد فيه (الميتاء) ، وهي زيادة شاذة، لم ترد إلا في رواية المستملي عن البخاري، ولذلك قال الحافظ: "ولم يتابع عليه، وليست بمحفوظة في حديث أبي هريرة". ثم ساق لها ثلاثة أسانيد، وختمها بقوله: "وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال ". وسيأتي الكلام عليها قريباً إن شاء الله. وأما السند؛ فهو أن الزبير بن خريت خالف الجماعة، وفيهم بعض الثقات فقالوا: عن عكرمة عن ابن عباس؛ كما يأتي عقبه.

2- وأما حديث ابن عباس؛ فيرويه سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً. أخرجه ابن ماجه (2339) ، والطحاوي (2/70) ، والبيهقي (6/69و155) ، وابن أبي شيبة (3076) ، وأحمد (1/235و303و313و317) من طرق منها: سفيان الثوري عن سماك به، وزاد أحمد في رواية من طريق جابر عن عكرمة لفظة: " الميتاء "، وهي منكرة. 3- وأما حديث عبادة بن الصامت؛ فيرويه البيهقي (6/155) ، وعبد الله بن أحمد في "زوائده " (5/326-327) من طريق إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عنه قال: إن من قضاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: أنه قضى في الرحبة تكون بين الطريق، ثم يريد أهلها البناء فيها، فقضى أن يترك للطريق منها سبعة أذرع، قال: وكانت تلك الطرق تسمى (المئتاء) . قلت: وهذا إسناد منقطع ضعيف؛ من أجل إسحاق هذا، فقد قال الحافظ في " التقريب ": "أرسل عن عبادة، وهو مجهول الحال ". 4- وأما حديث أنس؛ فيرويه عباد بن المنصور الناجي عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عنه قال: قضى رسول الله- صلى الله عليه وسلم -في الطريق الميتاء الذي تؤتاه من كل مكان، إذا استأذن أهله فيه؛ فإن عرضه سبعة أذرع.

3961

قلت: هذا إسناد ضعيف، ومتن منكر، قال الحافظ: "عباد بن منصور الناجي؛ صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بآخرة". 5- وأما حديث جابر؛ فيرويه سويد بن عبد العزيز عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً مختصراً بلفظ: "حد الطريق سبعة أذرع ". أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (9/96/9224) ، وقال: "لم يروه عن أبي الزبير إلا سويد ". قلت: وهو ضعيف؛ كما في "التقريب ". وبه أعله الهيثمي؛ فقال في "المجمع " (4/160) . "وفيه سويد بن عبد العزيز، وثقه دحيم، وضعفه جمهور الأئمة". * 3961- (إذا استيقظَ أحدُكم من منامِه، فتوضّأَ؛ فليستنثر ثلاثاً؛ فإنّ الشّيطانَ يبيتُ على خَيشُومِه) . أخرجه البخاري (3295- "فتح ") ، ومسلم (1/146-147) ، وأبو عوانة (1/248) ، والنسائي (1/27) ، وابن خزيمة في "صحيحه " (1/77/149) ، والبيهقي (1/49) ، وأحمد (2/352) . * 3962- (إذا اصطحبَ رجلانِ مُسلمانِ، فحالَ بينهما شجَرٌ أو حجرُ أو مَدَرٌ؛ فليسلّم أحدُهما على الآخرِ، ويتبادلانِ السّلامَ) . أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (6/451/8860) من طريق بقية قال:

حدثنا عبد الله بن العوذ الأملوكي عن أبي أمين الحميري عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي الدرداء مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ بقية وإن كان قد صرح بالتحديث عن عبد الله ابن العوذ الأملوكي فإن هذا قد ترجمه ابن أبي حاتم فقال: (2/2/133) : "روى عن أبي أمين الحميري صاحب أبي الدرداء (؟) روى عنه بقية بن الوليد، وروى عبد السلام بن محمد الحضرمي المعروف بـ (سُليم الحمصي) عن جده عنه ". ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً؛ فكأنه من شيوخ بقية المجهولين. وقوله عنه: "صاحب أبي الدرداء"! لعله سبق قلم؛ فإن بينه وبين أبي الدرداء: القاسم بن عبد الرحمن- وهو الدمشقي-. وأبو أمين هذا له ترجمة في "تعجيل المنفعة" (465/1226) ؛ يؤخذ منها أنه مجهول الحال. وبالجملة؛ فهو إسناد مظلم، وقد أجمل الكلام فيه المناوي في "شرح الجامع " (1/288) ، فقال: "وفيه بقية، وحاله مشهور، لكن له شواهد، وذكر بعضهم أن المؤلف رمز لحسنه، ولم أره في خطه ". قلت: ومن الملاحظ أن الرمز للحديث في "نسخة الجامع " التي عليها شرح المناوي؛ إنما هو بالضعف، وهذا مما يشعر القارئ أن الشرح ليس على النسخة التي كان يملكها المناوي من "الجامع ". ثم إن بعض الشواهد التي أشار إليها المناوي صحيح عن أبي هريرة موقوفاً ومرفوعاً، وقد مضى تخريجه في المجلد الأول من هذه " السلسلة " برقم (186) . *

3963

3963- (إذا أُقعِدَ المؤمنُ في قبرِه؛ أُتي، ثمّ شهِدَ أن لا إله إلا اللهُ، وأنّ محمّداً رسولُ اللهِ، فذلك قولُه: (يثبّتُ اللهُ الذينَ آمنوا بالقولِ الثابتِ) [قال: نزلت في عذاب القبر] ) . أخرجه البخاري (1369 و 4699) - والزيادة له في الرواية الأخرى-، ولفظه في الرواية الأخرى: "المسلم إذا سئل في القبر؛ يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فذلك قوله: ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة! ". وبنحوه أخرجه مسلم (8/262) ، وأبو داود (4700) ، والترمذي (3120) ، والنسائي (1/ 290) ، وابن ماجه (4269) ، وابن حبان في "صحيحه " (206) ، والبغوي في "شرح السنة " (1520) ، والطيالسي (745) ، وأحمد (4/282 و 291-292) كلهم من طريق شعبة: أخبرني علقمة بن مرثد قال: سمعت سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب مرفوعاً به. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح ". وقالت البغوي: "حديث متفق على صحته ". وله طريق أخرى؛ يرويها سفيان عن أبيه عن خيثمة عن البراء بن عازب مختصراً بلفظ: " (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ؛ نزلت في عذاب القبر". وله طريق ثالثة عن البراء بن عازب مطولاً جداً، في نحو أربع صفحات.

3964

رواه أبو داود وغيره، وهو مخرج في "أحكام الجنائز" (198- 202) . ورواه الطبراني في "المعجم الصغير" (ص100- هندية) ، وفي "الأوسط " رقم (3664) قال: حدثنا شعيب بن عمران العسكري قال: نا عبدان بن محمد العسكري قال: نا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: نا الأعمش قال: حدثني سعد ابن عبيدة به وأتم منه، ولفظه: "يقال للكافر: من ربك؟ فيقول: لا أدري، فهو تلك الساعة أصمُّ أعمى أبكم، فيضرب بمَرْزَبَّة لو ضرب بها جبل؛ صار تراباً، فسمعها كل شيء غير الثقلين "، قال: وسمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قرأ: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين) . وقال: "لم يروه عن الأعمش إلا يحيى بن زكريا". قلت: وهما ومن فوقهما ثقات من رجال الشيخين؛ لكن العسكريان دونهما لم أعرفهما. * 3964- (إذا أقيمتِ الصّلاةُ وأحدُكم صائمٌ؛ فليبدَأ بالعَشَاءِ قبلَ صلاةِ المغربِ، ولا تَعجَلُوا عن عَشائكم) . أخرجه ابن حبان في "صحيحه " (2065) ، والطبراني في "المعجم الأوسط " (5075) ، أخرجاه من طريقين عن أحمد بن عبد الملك بن واقد الحراني قال: نا موسى بن أعين قال: نا عمرو بن الحارث عن ابن شهاب أنه سمع أنس بن مالك يخبر عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وقال الطبراني: "لم يقل في هذا الحديث: "وأحدكم صائم فليبدأ بالعشاء قبل صلاة المغرب " إلا عمرو بن الحارث، تفرد به موسى بن أعين ".

3965

قلت: كلاهما ثقة من رجال الشيخين، فلا يضر تفردهما، لا سيما والذين شاركوهم في رواية أصل الحديث قد رووه بألفاظ متقاربة، يزيد بعضهم على بعض في "الصحيحين " وغيرهما، وأقربهم ابن وهب قال: أخبرني عمرو عن ابن شهاب بتمامه نحوه؛ إلا أنه لم يقل: "وأحدكم صائم ". أخرجه مسلم (2/72) . وتابعه أيضاً بكر بن مضر عن عمرو بن الحارث به. أخرجه أبو عوانة (2/16) . وتابع عمراً: عقيل عن ابن شهاب به نحوه. أخرجه البخاري (672) . يضاف إلى ما سبق أن هذه الزيادة: "وأحدكم صائم " لا تنافي الروايات الأخرى، لأنها بإطلاقها وشمولها تشمل الصائم وغيره؛ كما هو ظاهر، بل الصائم هو أولى بهذه الرخص من غير الصائم، كما هو ظاهر. والله أعلم. * 3965- (إذا أمَمتَ قوماً؛ فأخِفَّ بهم الصلاة) . أخرجه مسلم (2/44) ، وأبو عوانة (2/96) ، وابن ماجه (988) ، والبيهقي (3/116) ، والطيالسي (129/940) ، وأحمد (4/22) من طريق شعبة عن عمرو ابن مرة قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: حدث عثمان بن أبي العاص قال: آخر ما عهد به إلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "إذا أممت ... " الحديث. وله في "مسلم "، و"أبي عوانة "، و"المسند" وغيرها طرق أخرى. وله شواهد عن جمع من الصحابة، منهم أبو هريرة نحوه، وحديثه أتم.

3966

أخرجه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في "إرواء الغليل " برقم (512) . * 3966- إذا بدا (وفي لفظ: طلع) حاجبُ الشّمسِ فأخِّروا الصّلاةَ حتى تَبرُزَ، وإذا غَابَ حاجبُ الشّمسِ؛ فأخِّروا الصّلاةَ حتّى تغيبَ) . أخرجه البخاري (583 و 3272) ، ومسلم (2/207-208) ، وأبو عوانة (1/383) ، والنسائي (1/66) ، والبيهقي (2/453) ، وأحمد (2/13و19/106) أخرجوه من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه عن ابن عمر مرفوعاً. وزاد أحمد في رواية له في أوله: "لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها؛ فإنها تطلع بين قرني شيطان، فإذا طلعت.... " الحديث. وكذلك هي عند البخاري، لكنه فصل بينهما في الرواية فقال (يعني: عروة) : حدثني ابن عمر، فذكر الشطر الثاني. والشطر الأول منه أخرجه مفصولاً عن الثاني: مسلم، وأبو عوانة (1/382) ، وهي رواية لأحمد (2/19و24و29و33و36و63و106) . وأخرجه- أعني: فقرة التحري-: مالك في "الموطأ" (1/ 221) عن نافع عن عبد الله عن ابن عمر مرفوعاً به. وأخرج حديث الترجمة عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ... فذكره هكذا مرسلاً لم يذكر ابن عمر، وليس بعلة؛ لإسناد الجماعة عنه. ولجملة التحري شاهد من حديث عائشة أنها قالت: لم يدع رسول الله الركعتين بعد العصر. قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "لا تتحروا ... " الحديث نحوه.

3967

أخرجه مسلم (1/ 210) . وفي رواية له عنها قالت: وهم عمر؛ إنما نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها. ورواها أبو عوانة (1/382) ، والنسائي (1/96) بلفظ: أوهم عمر. قلت: تشير السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها إلى ما ثبت عن عمر: أنه كان يضرب الذين يصلون الركعتين بعد العصر. وانظر تحقيق ذلك فيما تقدم من هذه "السلسلة" (6/1013) . * 3967- (إذا تَبعتُم جنازةً؛ فلا تجلسُوا حتَّى توضَعَ [في الأرض] ) . أخرجه مسلم (3/57) ، وأبو داود (3173) ، وابن حبان في "صحيحه " (3094) ، والبيهقي (4/26) - والزيادة له-، وأحمد (3/37-38) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. هكذا إسناده عندهم جميعاً؛ إلا ابن حبان فقال: عن سهيل بن أبي صالح عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد ... فإن صح هذا؛ فهو إسناد آخر لسهيل، وإلا؛ فهو شاذ. زاد البيهقي: قال سهيل: رأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال. رواه البيهقي، وكذا أبو نعيم في "المستخرج "؛ كما في "الفتح ". وقد تابع أبا صالح: أبو سلمة بن عبد الرحمن فقال: عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:

3968

"إذا رأيتم الجنازة، فقوموا، فمن تبعها؛ فلا يجلس حتى توضع ". أخرجه البخاري (1310) ، ومسلم، وكذا الترمذي (1043) ، والبيهقي، وأحمد (3/51) . وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح، وهو قول أحمد وإسحاق، قالا: من تبع جنازة؛ فلا يقعدن حتى توضع عن أعناق الرجال ". ثم روى أحمد (3/48) من طريق شريك عن سهيل عن أبيه عن أبي سعيد قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اتبع جنازة؛ لم يجلس حتى توضع. ومفهوم هذا- وكذا حديث الترجمة-: أنه يقعد بعد وضعها على الأرض، وبه ترجم البخاري للحديث، فقال: "باب: من تبع جنازة؛ فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام ". وأخرج الشيخان، وغيرهما من حديث عامر بن ربيعة مرفوعاً نحو حديث الترجمة. * 3968- (إذا لَعِبَ الشّيطانُ بأَحدِكم في منامِه؛ فلا يحدِّث به النّاسَ) . أخرجه مسلم (7/55) ، وابن ماجه (3912) ، وأحمد (3/315) من طريق أبي سفيان قال: أتى النبي رجل وهو يخطب، فقال: يا رسول الله! رأيت البارحة- فيما رأى

3969

النائم- كأن عنقي ضربت وسقط رأسي [فتدحرج] ، فاتبعته، فأخذته فأعدته؟ [فضحك النبي- صلى الله عليه وسلم -] ، فقال: ... فذكره، والزيادتان لمسلم. وفي لفظ له: "لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه ". وتابع أبا سفيان أبو الزبير بلفظ: "إذا حلم أحدكم؛ فلا يخبر أحداً بتلعب الشيطان به في المنام ". أخرجه مسلم (7/54) ، وابن ماجه (3913) ، وابن حبان (6024) ، وأحمد (3/350) من طريق الليث بن سعد عنه. وتابعه زكريا بن إسحاق: ثنا أبو الزبير: أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: ... فذكر القصة نحو حديث أبي سفيان؛ وفيه: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: "ذاك من الشيطان، فإذا رأى أحدكم رؤيا يكرهها؛ فلا يقصها على أحد، وليستعذ بالله من الشيطان ". أخرجه أحمد (3/383) ، وإسناده صحيح على شرط مسلم. وتابعه سفيان بن عيينة عن ابن الزبير مختصراً. * 3969- (على رِسلِكم! أَبشرُوا، إنّ من نعمةِ اللهِ عليكم: أنّه ليسَ أحدٌ من النّاسِ يصلِّي هذه السَّاعة غيرَكم) . أخرجه البخاري (567- "الفتح ") ، ومسلم (2/117) ، وأبو عوانة (1/363-364) عن أبي موسى قال: كنت أنا وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولاً في بقيع (بُطحَان) ، والنبي- صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، فكان يتناوب النبي - صلى الله عليه وسلم - عند صلاة العشاء كل ليلة نفر

3970

منهم، فوافقنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أنا وأصحابي؛ وله بعض الشغل في بعض أمره، فأعتَمَ بالصلاة حتى ابهارَّ الليل، ثم خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلى بهم، فلما قضى صلاته قال لمن حضره: ... فذكر الحديث؛ وزاد أو قال: "ما صلى هذه الصلاة أحد غيركم "، لا يدري أي الكلمتين قال؟! قال أبو موسى: فرجعنا فرحين بما سمعنا من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. قوله: (ابهار) ؛ أي: انتصف. وبهرة كل شيء: وسطه. وقيل: (ابهار الليل) : إذا طلعت نجومه واستنارت، والأول أكثر. * 3970- (أَبغضُ الرّجالِ إلى اللهِ: الألدُّ الخصِمُ) . أخرجه البخاري (4523و7188- " فتح ") ، ومسلم (8/57) ، والترمذي (2976) ، والنسائي (2/ 311) ، وابن حبان (5667) ، والبيهقي (10/108) وفي "الأسماء والصفات " (501) ، وأحمد (6/55و63و205) كلهم من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها. * 3971- (إذا راحَ أحدُكم إلى الجُمعةِ؛ فليغتسل) . أخرجه البخاري (882- "فتح ") ، ومسلم (3/3) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه " (2/94) ، وأحمد (1/46) عن أبي هريرة: أن عمر رضي الله عنه بينما هو يخطب يوم الجمعة؛ إذ دخل رجل (وفي رواية: عثمان) ، فقال عمر: لِمَ تحتبسون عن الصلاة؛! فقال رجل: ما هو إلا أن سمعت النداء توضأت! فقال: ألم تسمعوا النبي- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكر الحديث؟ ! . *

3972

3972- (إذا سألتُم اللهَ؛ فَسَلُوه الفِردوسَ؛ فإنه سرّ الجنّةِ، يقولُ الرّجلُ منكم لراعيهِ: عليكَ بسرِّ الوادِي؛ فإنّه أمرعُه وأعشبُه) . أخرجه البخاري في " التاريخ " (2/2/146) ، ويعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ " (2/348) - وسياق الإسناد له-، والبزار في "مسنده " (4/191/3512 - " كشف الأستار") ، والطبراني في "المعجم الكبير" (18/254/634) كلهم من طريق إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق قال: حدثني عمرو بن الحارث بن الضحاك قال: حدثني عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال: حدثني عبد الرحمن ابن أبي عوف؛ أن سويد بن جبلة حدثهم؛ أن عرباض بن سارية حدثهم يرده إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد فيه ضعف؛ ابن زبريق هذا؛ قال الحافظ في "التقريب ": "صدوق يهم كثيراً ". وشيخه ابن الضحاك؛ قال الحافظ: "مقبول ". وسويد بن جبلة صدوق عندي، ذكره ابن حبان في "الثقات " (4/325) ، وروى عنه أربعة من الثقات. وبقية رجال الإسناد ثقات معروفون. وللحديث شاهدان من حديث أبي هريرة، وعبادة بن الصامت، أتم منه، وسبق تخريجهما برقم (921 و 922) . (تنبيه) : تناقض الهيثمي، فذكر الحديث في موضعين، قال في الأول منهما (10/171) :

3973

"رواه الطبراني، ورجاله وثقوا "! وقال في الآخر منهما (10/398) : "رواه البزار، ورجاله ثقات "!. * 3973- (إذا شهَرَ المسلمُ على أخيهِ سلاحاً، فلا تزالُ ملائكةُ اللهِ تلعنُه حتّى يَشِيمَهُ عنه) . أخرجه البزار في "مسنده " (9/103/3641) من طريق سويد بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات؛ غير سويد بن إبراهيم- وهو أبو حاتم الحناط-، قال الهيثمي في "الزوائد" (7/291) : "رواه البزار؛ وفيه سويد بن إبراهيم، ضعفه النسائي، ووثقه أبو زرعة، وهو لين ". وعقب عليه المناوي في "فيض القدير" بقوله: "ومن ثم رمز المصنف (السيوطي) لحسنه "!! قلت: كيف وسويد هذا؛ كما قال الحافظ: "صدوق سيئ الحفظ، له أغلاط، وقد أفحش ابن حبان فيه القول "؟ ! ثم إن فيه عنعنة الحسن البصري، ومثله قتادة. لكن هذا قد توبع، فقال المبارك: سمعت الحسن يقول: أخبرني أبو بكرة قال: أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قوم يتعاطون سيفاً مسلولاً، فقال:

3974

"لعن الله من فعل هذا، أوليس قد نهيت عن هذا؟! "، ثم قال: "إذا سل أحدكم سيفه فنظر إليه، فأراد أن يناوله أخاه؛ فليغمده ثم يناوله إياه ". أخرجه أحمد (5/41- 42) . قلت: وهو إسناد حسن. وقال الحافظ في "الفتح " (13/25) : "رواه أحمد، والطبراني بسند جيد عن أبي بكرة". قلت: ولا يخفى أن متن هذا يختلف عن حديث الترجمة. غير أن الحديث له شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعاً نحوه، رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في "غاية المرام " برقم (446) . * 3974- (إذا قامَ أحدُكم إلى الصّلاةِ؛ فلا يبصق أمامَه؛ فإنما يناجِي الله ما دامَ في الصّلاةِ، ولا عن يمينِه؛ فإنَّ عن يمينِه ملكاً. وليبصق عن يَسارِه أو تحتَ قدمِه فيدفِنَها) . أخرجه البخاري (416- "فتح ") ، وابن حبان (2266) ، وأحمد (2/318) ، والسلمي في "صحيفة همام بن منبه " (45/119) كلهم من طريق عبد الرزاق، وهذا في "مصنفه " (1/431/1686) عن معمر عن همام سمع أبا هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. ورواه عبد الرزاق (1681) عن معمر عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة نحوه. وتابعه جماعة عن الزهري به، وقرن بعضهم مع أبي هريرة: أبا سعيد الخدري، وقد سبق تخريجه برقم (1274) .

3975

وللشطر الأول من الحديث شواهد صحيحة منها: ا- عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى بصاقاً في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: "إذا كان أحدكم يصلي؛ فلا يبصق قبل وجهه؛ فإن الله قبل وجهه إذا صلى". أخرجه البخاري (1/406) ، ومسلم (2/75) ، وأبو عوانة (1/403-404) عنه. 2- عن أنس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -رأى نخامة في القبلة؛ فشق ذلك عليه حتى رُئِيَ في وجهه؛ فقام فحكه بيده، فقال: "إن أحدكم إذا قام في صلاته؛ فإنه يناجي ربه- أو إنه بينه وبين القبلة-؛ فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته، ولكن عن يساره أو تحت قدميه ". ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه، ثم رد بعضه على بعض فقال: "أو يفعل هكذا". أخرجه البخاري (1/405) - والسياق له-، ومسلم (2/76) ، وأبو عوانة (1/405) ، وابن حبان (2264) ، والنسائي (1/119) من طريقين عن أنس. * 3975- (إذا قامَ أحدُكم من مجلِسه ثمّ رجعَ إليهِ؛ فهو أحقُّ به) . أخرجه مسلم (7/ 10) ، والبخاري في "الأدب المفرد" (1132) ، وأبو داود (4853) ، وابن ماجه (3717) ، وابن خزيمة (1821) ، وابن حبان (587) ،

وأحمد (2/263و283و342و389و446و447و483و527و537) من طريق سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وله شاهد من حديث وهب بن حذيفة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره بلفظ: "إذا قام الرجل من مجلسه فرجع إليه؛ فهو أحق به، وإن كانت له حاجة فقام إليها، ثم رجع؛ فهو أحق به ". أخرجه أحمد (3/422) ، والترمذي (2751) - بنحوه- من طريق خالد بن عبد الله الواسطي قال: ثنا عمرو بن يحيى عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان عن وهب بن حذيفة به. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب ". قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وخالفه إسماعيل بن رافع فقال: عن محمد بن يحيى عن عمه واسع بن حبان عن أبي سعيد الخدري، مرفوعاً مختصراً. قلت: وإسماعيل بن رافع ضعيف الحفظ؛ فهو بهذا الإسناد منكر. وله شاهد من حديث ابن عمر مرفوعاً نحوه. أخرجه أحمد (2/32) من طريق محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً نحوه. قلت: ورجاله ثقات، غير أن محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعنه. *

3976

من الحقوق المهجورة تجاه الزوجة 3976- (إذا قدم أحدكم ليلاً؛ فلا يأتينَّ أهلَه طُرُوقاً، حتى تستحدَّ المُغِيبَةُ، وتمتشط الشَّعِثَة) . أخرجه مسلم (6/55) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (5/362/9145) ، وأحمد (3/298و355) كلهم من طريق شعبة عن سيار عن عامر عن جابر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ومن هذا الوجه رواه البخاري (5243) مختصراً؛ لكنه قال: عن شعبة: حدثنا محارب بن دثار قال: سمعت جابر بن عبد الله قال. كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يكره أن يأتي الرجل أهله طروقاً. وتابعه هشيم: أخبرنا سيار به عن جابر قال: كنا مع رسول الله في سفر، فلما رجعنا؛ ذهبنا لندخل فقال: "أمهلوا حتى ندخل ليلاً- أي: عشاء-، لكي تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة". أخرجه أحمد (3/303) ، والبخاري (5079و5245و5247) ، ومسلم أيضاً، وأبو عوانة (5/114) ، وكذا النسائي (9144) ، وأبو داود (2778) - من طريق الإمام أحمد-. وقال أبو داود: "قال الزهري: الطروق بعد العشاء ". قال أبو داود: "وبعد المغرب لا بأس به ". وللحديث طرق وألفاظ أخرى متقاربة، أخرجها أحمد (229و308و310

3977

و314و358و362و391و395و396و399) ، وبعض هذه الطرق عند أبي داود أيضاً، وهي مخرجة في "صحيح أبي داود" (8480- 8482) . قلت: في هذا الحديث أدب رفيع، أخل به جماهير الأزواج- إلا من شاء الله-؛ فهم يباغتون زوجاتهم إذا رجعوا من سفرهم ليلاً، دون أي إخبار سابق، فعليهم أن يتأدبوا بهذا الأدب الرفيع؛ بأن يخبروا زوجاتهم بمجيئهم ليلاً بعد العشاء بواسطة ما؛ كشخص يسبقهم إلى البلد، أو بالهاتف، والله ولي التوفيق. * التفريق في الطاعة بين أمور الدين وأمور الدنيا المحضة 3977- (إذا كانَ شيءٌ من أمرِ دُنياكم؛ فأنتُم أعلمُ به، فإذا كانَ من أمر دينكم؛ فإليَّ) . أخرجه أحمد (3/152) من طريق حماد عن ثابت عن أنس قال: سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصواتاً، فقال: "ما هذا؟ "، قالوا: يلقحون النخل، فقال: "لو تركوه فلم يلقحوه لصلح "، فتركوه فلم يلقحوه، فخرج شيصاً، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "ما لكم؟ "، قالوا: تركوه لما قلت، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وأخرجه مسلم (7/95) ، وابن ماجه (2471) ، وابن حبان (1/112/22) من طرق أخرى عن حماد بن سلمة قال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. وعن ثابت عن أنس به. ولفظ مسلم- "أنتم أعلم بأمر دنياكم ". وله شاهدان؛ أحدهما: عن رافع بن خديج. أخرجه مسلم وابن حبان.

3978

والأخر عن موسى بن طلحة عن أبيه. أخرجه مسلم، وابن ماجه (2470) ، وأحمد (1/ 162) . (تنبيه) : لقد فرق الحافظ السيوطي في "الزيادة على الجامع الصغير" بين رواية مسلم فجعلها عن أنس، وبين رواية ابن ماجه فجعلها عن أنس وعائشة!! وهذا تفريق لا وجه له كما ترى. * 3978- (احشُدوا؛ فإنِّي سأقرأُ عليكم ثُلُثَ القُرآنِ، فحشدَ من حشَدَ، ثم خرجَ نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -فقرأ: (قل هو اللهُ أحدٌ) ألا إنَّها تعدلُ ثلث القُرآنِ) . أخرجه مسلم (2/200) ، والترمذي (2900) - وصححه-، وأحمد (2/ 429) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره إلى قوله: "سأقرأ عليكم ثلث القرآن "؛ وزاد: فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأ (قل هو الله أحد) ، ثم دخل. فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبر جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله، ثم خرج نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "إني قلت لكم: سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن ". والسياق لمسلم. ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 80) من هذا الوجه مختصراً. وروى منه ابن ماجه من طريق أخرى عن أبي هريرة: " (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن ". *

3979

3979- (إذا كانُوا ثلاثةً [في سفَرٍ] ؛ فليؤمّهم أحدُهم، وأحقّهم بالإِمامةِ أقرؤُهم) . أخرجه مسلم (2/33) ، والدارمي (286) ، والنسائي (1/ 153) ، وابن خزيمة (3/4/1508) ، وابن حبان (3/287/2129) ، والبيهقي (3/119) ، والطيالسي (386/2152) ، ومن طريقه: البيهقي أيضاً، وابن أبي شيبة (1/343) ، وأحمد (3/24و34و36و48و51و84) كلهم من طرق عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم - قال:..... فذكره. والزيادة لابن حبان، والطيالسي من طريق شعبة وهشام عن قتادة. * 3980- (إذا نزلَ أحدُكم منزلاً؛ فليقل: أعوذُ بكلماتِ اللهِ التامَّاتِ من شرّما خلَقَ؛ فإنه لا يضرّه شيءٌ حتّى يرتحلّ منه) . أخرجه مسلم (8/76) ، والدارمي (289) ، والترمذي (10/133) - وصححه-، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (560و561) ، وابن ماجه (2/1174/3547) ، وابن حبان (4/167/2689) ، والبيهقي (5/253) ، وأحمد (6/377) كلهم عن سعد بن أبي وقاص عن خولة بنت حكيم قالت: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وقال بعضهم في روايته: "من نزل منزلاً". وقد أورده السيوطي بهذا اللفظ في "الزيادة على الجامع الصغير" برواية أحمد ومسلم والترمذي عن خولة، ورواية الطبراني في "الكبير" عن عبد الرحمن بن عائش. *

3981

توجيه سديد للدُّعاةِ والوُعَّاظ 3981- (اذهب بنعليِّ هاتَين؛ فمَن لقِيتَ من وراءِ هذا الحائط يشهدُ أن لا إله إلا الله مُستَيقِناً بها قلبُه؛ فَبَشِّره بالجنّةِ) . أخرجه مسلم (1/44- 45) ، وأبو عوانة (1/9- 10) من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثني أبو كثير قال: حدثني أبو هريرة قال: كنا قعوداً حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من بين أظهرنا، فأبطأ علينا، وخشينا أن يُقتَطَعَ دوننا، وفزعنا فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً؛ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة- والربيع: الجدول-، فاحتفزت فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أبو هريرة؟ ". فقلت: نعم يارسول الله! قال: "ماشأنك؟ ". قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفزت كما يحتفز الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي! فقال: "يا أبا هريرة! "، وأعطاني نعليه، قال: ... (فذكر الحديث) . وقال: فكان أول من لقيت عمر، فقال: ما هاتان النعلان يا أبا هريرة؟! فقلت: هاتان نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بعثني بهما: من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه؛ بشرته بالجنة. فضرب عمر بيده بين ثديي، فخررت لاستي، فقال: ارجع يا أبا هريرة!

فرجعت إلى رسول الله عيشة، فأجهشت بكاء، وركبني عمر، فإذا هو على إثري؛ فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "مالك يا أبا هريرة؟ ! ". قلت: لقيت عمر، فأخبرته بالذي بعثتني به، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي؛ قال: ارجع! قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "يا عمر! ما حملك على ما فعلت؟! ". قال: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي، أبعثت أبا هريرة بنعليك؛ من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه، بشره بالجنة؟! قال: "نعم ". قال: فلا تفعل؛ فإني أخشى أن يتكل الناس عليها، فخلهم يعملون. قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "فخلِّهم ". قلت: وهذا إسناد حسن؛ فإن عكرمة بن عمار- وإن كان من رجال مسلم-، ففي حفظه كلام، وبخاصة فيما يرويه عن يحيى بن أبي كثير، وليس هذا من روايته عنه كما ترى. وقد رويت هذه القصة أنها وقعت بين جابر وعمر: أخرجه ابن حبان في "صحيحه " بسند صحيح، وقد سبق تخريجه برقم (2355) . وفي الحديث توجيه سديد للدعاة أن لا يحدثوا بأحاديث الترغيب والترهيب، إلا مع بيان المراد منها بالتفصيل؛ خشية أن يساء فهمها، فيتكلوا، فيبن مثلاً:

3982

أن الشهادة لله بالوحدانية يجب أن تفهم جيداً، بحيث تمنع قائلها من عبادة غير الله بأي نوع من أنواع العبادات المعروفة. وأن من شهد بها وقصر بالقيام ببعض الأحكام الشرعية، أو ارتكب بعض المعاصي؛ فذلك لا يعني أنه لا يستحق أن يعذب عليها؛ إلا أن يغفر الله له. * 3982- (أرى أن تجعلَها في الأقرَبِينَ) . أخرجه البخاري (1461) ، ومسلم (3/79) ، وأحمد (3/141و256) من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: (لن تنالوا البز حتى تنفقوا مما تحبون) ؛ قام أبو طلحة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله! إن الله تبارك وتعالى يقول: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) ؛ وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو بِرَّها وذُخْرَها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله. قال: فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح! وقد سمعت ما قلت، وإني أرى ... " فذكر الحديث.

3983

وقد توبع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس نحوه مختصراً ومطولاً، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1482) . * 3983- (أَراني اللّيلةَ عند الكعبةِ، فرأيتُ رجُلاً آدمَ، كأحسنِ ما أنتَ راءٍ من أُدمِ الرِّجالِ، له لِمَّةٌ كأحسنِ ما أنتَ راءٍ من اللِّمَم، قد رجَّلَها فهي تقطُر ماءً، متكئاً على رجُلين أو على عواتق رجلينِ، يطوفُ بالكعبةِ، فسألتُ: من هذا؟ قيل: هذا المسيحُ ابنُ مريمَ. ثمّ إذا أنا برجلٍ جَعدٍ قطَطٍ، أعور العينِ اليمنَى، كأنّها عِنّبةٌ طافية، فسألتُ: من هذا؟ فقيل لي: هذا المسيحُ الدّجالُ) . أخرجه مالك في "الموطأ" (3/107) قال: عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله! قال: ... فذكره. ومن طريق مالك: أخرجه البخاري (5902 و 6999) ، ومسلم (1/107) ، وأبو عوانة (1/149) كلهم عن مالك به. وتابعه موسى بن عقبة: عند مسلم، وأبي عوانة. وفليح بن سليمان: عند أحمد (2/126-127) . وتابع نافعاً: سالم عن ابن عمر بنحوه، ولفظه صريح بأنها رؤيا منامية؛ فإنه قال: "بينما أنا نائم؛ رأيتني أطوف بالكعبة ... ". وقد سبق تخريجه برقم (1857) . *

3984

3984- (أربعٌ من عَمَلِ الأَحياءِ يجرِي للأمواتِ: رجلٌ ترك عَقِباً صالحاً فيدعو، فيبلغه دعاؤهم. ورجل تصدق بصدقة جارية، له من بعده أجرها ما جَرَت. ورجل علَّم علماً يُُعمَلُ به من بعده، فله مثل أجر من عمل به؛ من غير أن ينتقص من [أجر] عمله شيئاً. ورجل مرابط يُنمَى له عمله إلى يوم الحساب) . أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "العيال " (2/613-431) - والسياق له-، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/328/6181) من طريق إسحاق بن عبد الله عن مكحول عن شرحبيل بن السمط عن سلمان قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره. ثم رواه ابن أبي الدنيا رقم (432) بالإسناد نفسه عن إسحاق بن عبد الله عن أبان بن صالح عن عامر بن سعد عن عبد الله بن مسعود عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ... مثله. قلت: ورجاله ثقات؛ غير إسحاق بن عبد الله- وهو ابن أبي فروة-؛ وهو ضعيف متروك. لكن الحديث حسن لغيره؛ لأنه جاء مفرقاً في جملة أحاديث، أصحها وأشهرها: "إذا مات الإنسان؛ انقطع عمله إلا من ثلاث ... " الحديث. رواه مسلم وغيره.

3985

وعدد "ثلاث " لا مفهوم له؛ للأحاديث المشار إليها؛ فراجعها إن شئت في "صحيح الترغيب " (3/ كتاب العلم) . (تنبيه) : سقطت الخصلة الرابعة من رواية الطبراني، وهي ثابتة في رواية ابن أبي الدنيا. كما أنه تحرفت كلمة: "للأموات " في "المعجم الكبير" إلى: "للأحياء"!! وهو خطأ مفسد للمعنى كما لا يخفى، ولعله خطأ مطبعي، فاقتضى التنبيه. * من تواضعه- صلى الله عليه وسلم - لربه: سجوده في ماء وطين 3985- (أُريتُ ليلةَ القدرِ، ثم أُنسيتُها، وأَراني صُبحَها أَسجدُ في ماءٍ وطينٍ) . أخرجه مسلم (3/173) ، والبيهقي (4/309) من طريق بسر بن سعيد عن عبد الله بن أنيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره؛ قال: فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين، فصلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانصرف؛ وان أثر الماء والطين على جبهته وأنفه. * 3986- (أُريتُ ليلةَ القدرِ، ثم أيقظَني بعضُ أَهلي، فنُسِّيتُها؛ فالتمِسُوها في العشرِ الغَوابرِ) . أخرجه مسلم (3/171) ؛ والدارمي (2/28) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (2/270/3392) ، وابن حبان (5/272/3670) ، والبيهقي (4/308) من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره.

3987

قلت: وله طريق أخرى أتم منه؛ يرويه المسعودي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "خرجت إليكم وقد بُيِّنت لي ليلة القدر، ومسيح الضلالة، فكان تلاح بين رجلين بسُدَّة المسجد، فأتيتهما لأحجز بينهما، فأنسيتهما، وسأشدو لكم شدواً، أما ليلة القدر؛ فالتمسوها في العشر الأواخر وتراً، وأما مسيح الضلالة؛ فإنه أعور العين، أجلى الجبهة، عريض النحر، فيه دفاً كأنه قطن بن عبد العزى". قال: يا رسول الله! هل يضرني شبهه؟ قال: "لا، أنت امرؤ مسلم، وهو امرؤ كافر". أخرجه أحمد في "المسند" (2/291) من طريقين من المسعودي به. قلت: ورجاله ثقات؛ غير أن المسعودي كان قد اختلط. * 3987- (أُرتيكِ في المنامِ مرّتينِ؛ ورجلٌ يحملُك في سَرَقة من حريرٍ، فيقولُ: هذه امرأتُك. فأقولُ: إن يكُ هذا من عندِ الله عز وجل يُمضِهِ) . أخرجه أحمد (6/41و128و161) - واللفظ له-، والبخاري (3895 و 5078و5125و7011و7012) ، ومسلم (7/134) ، وابن حبان (7051) ، وابن سعد في " الطبقات " (8/ 64 و 67) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 410) ، والبغوي في "شرح السنة " (12/236) ، والخطيب في "التاريخ " (5/428/2940) من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. ولفظ الآخرين كلفظ أحمد- ومنهم البخاري في رواية-؛ لكن في رواية له؛ وهي ذات الرقم (5078و5125) بلفظ: " أرتيك في المنام؛ يجيء بك الملك".

3988

أخرجهما من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة. ولقد كدت أن أقول بشذوذها؛ لولا أني وجدت لها شاهداً من طريق ابن أبي مليكة عن عائشة قالت: جاء بي جبريل عليه السلام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خرقة حرير فقال: "هذه زوجتك في الدنيا والآخرة". أخرجه ابن حبان، وغيره بسند صحيح على شرط مسلم. وانظر تعليقي على "المشكاة" (6182- التحقيق الثاني) . * 3988- (أسلَمُ سالَمها اللهُ، وغِفَارُ غفَرَ اللهُ لها، أمَا إنِّي لم أَقُلها، ولكن قالَها اللهُ عزّ وجلّ) . أخرجه مسلم (7/177) ، والحاكم (4/82) من طريق خثيم بن عراك عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجه البخاري إلا مختصراً من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة به، دون قوله: "أما إني ... "؛ وهو رواية لمسلم، وأخرجه أحمد (2/469) . واستدرك الحاكم حديث عراك على مسلم؛ فوهم! ولهذا القدر شاهد من حديث أبي ذر: أخرجه مسلم مختصراً هكذا في الموضع المشار إليه، وأخرجه في آخر حديث أبي ذر الطويل في خروجه مع أخيه أنيس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في مكة (7/152- 155) من طريق عبد الله بن الصامت قال: قال أبو ذر: ... فذكره بطوله.

وله طريق أخرى عن أبي ذر في "معجم الطبراني الأوسط " (1/23- 25) . وشاهد آخر من حديث جابر: عند مسلم من طريق أبي الزبير عنه. وتابعه عمرو بن دينار عن جابر بتمامه. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/316) من طريق الحسين بن إسماعيل: ثنا إسحاق بن بهلول: ثنا يحيى بن الحسين عن ابن عيينة عن عمرو بن دينار به. وقال: "غريب من حديث سفيان عن عمرو، لم نكتبه إلا من حديث الحسين ". قلت: والحسين- وهو ابن إسماعيل-: هو أبو عبد الله القاضي المحاملي، وهو حافظ ثقة، ومن فوقه ثقات؛ غير يحيى بن الحسين، فلم أعرفه. والله أعلم. ولحديث الترجمة شاهد آخر من حديث إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: ... فذكره بتمامه. أخرجه أحمد (4/48) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (7/23/6255) من طريق عمر بن راشد اليمامي قال: حدثنا إياس بن سلمة به. ورجاله ثقات؛ غير عمر بن راشد اليمامي؛ فإنه ضعيف. لكن تابعه علي بن يزيد بن أبي حكيم الأسلمي: حدثني إياس بن سلمة به. أخرجه الحاكم أيضاً شاهداً لحديث عراك، وذكر أن إسناده صحيح! وفيه نظر؛ لأن علي بن يزيد هذا ذكره ابن أبي حاتم من رواية ذؤيب بن العمامة السهمي والحميدي؛ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " (7/206) !

3989

فمثله يستشهد به، ويحسن حديثه في الشواهد على الأقل، والله أعلم. (تنبيه) : ابن أبي حكيم؛ هكذا وقع في "المستدرك " في هذا الحديث وآخر بعده! ووقع في "الجرح " و"الثقات ": (ابن أبي حكيمة) ، ولعله الصواب. والله أعلم. * 3989- (أفضَلُ الرِّقابِ أغلاها (وفي رواية: أكثرُها) ثمَناً، وأنفَسُها عند أهلِها) . أخرجه البخاري (2518) ، ومسلم (1/62) ، وأبو عوانة (1/62) ، وابن حبان (1/183/152و7/58/4577) ، والنسائي في "السنن الكبرى" (3/172/4894و4895) ، وابن ماجه (2/19) ، وأحمد (5/150و171) كلهم من طريق هشام ابن عروة عن أبيه عن أبي مراوح عن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي- صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله، وجهاد في سبيله ". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها". قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين ضائعاً، أو تصنع لأخرق ". قال: فإن لم أفعل؟ قال: "تدع الناس من الشر؛ فإنها صدقة تَصَدِّقُ بها على نفسك ". وخالف مالك في "الموطأ" (3/7- 8) فقال: عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي- صلى الله عليه وسلم -:

3990

أن رسول الله عن سئل عن الرقاب أيها أفضل؟ فقال: "أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها". فجعله من حديث عائشة، وهو شاذ. ولحديث الترجمة شاهد من حديث أبي أمامة في حديثه الطويل، وإسناده ضعيف؛ كما هو مبين في "الضعيفة" تحت الرقم (609) . وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة نحو حديث أبي ذر. أخرجه أحمد (2/388) بسند رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين؛ غير خليفة بن غالب الليثي، وهو صدوق؛ كما قال الحافظ في "التقريب "، فالإسناد جيد. * 3990- (أفضَلُ الصّومِ: صومُ أخي داود؛ كان يصُومُ يوماً، ويفطرُ يوماً، ولا يفرّ إذا لاقَى) . أخرجه الترمذي (770) ، وأحمد (2/164و190) من طريق وكيع عن مسعر وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي العباس عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وأخرجه البخاري (3419) ، ومسلم (3/165) من طريقين آخرين عن مسعر وحده بنحوه؛ غير أن مسلماً لم يسق لفظه. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح "!

قلت: وهو كما قال، لولا عنعنة حبيب بن أبي ثابت، لكن قد رواه عنه شعبة فقال: حدثنا حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت أبا العباس المكي ... فذكره نحوه. أخرجه البخاري (1979) ، ومسلم أيضاً، والنسائي (1/326) ، وابن حبان (6193) ، وأحمد (2/188-189) من طرق عن شعبة به نحوه. وتابعه عطاء: أنا أبو العباس الشاعر به نحوه. أخرجه البخاري (1977) ، ومسلم أيضاً، وكذا النسائي، وابن خزيمة (2109) ، وأحمد (2/199) . وتابع أبا العباس أبو سلمة بن عبد الرحمن أبو عوف قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص ... الحديث بنحوه. أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي سلمة. ورجاله ثقات؛ لولا عنعنة محمد بن إسحاق. (تنبيه) : حديث الترجمة ذكره السيوطي في "الجامع الصغير" برواية الترمذي والنسائي! ولقد كان الأولى به أن يرمز لأحمد مكان النسائي؛ لأن هذا لم يروه بلفظ الترجمة، وإنما رواه بنحوه من طريق شعبة كما تقدم. فإن قيل: لا بأس من العزو إليه؛ لأن الخلاف بين الروايتين قد يغض النظر عنه في مثله؟! قلت: إن كان الأمر كذلك؛ فكان الأولى أن يعزوه للشيخين؛ لأنهما أخرجاه من طريق شعبة أيضاً؛ كما سبق. والله أعلم. *

3991

3991- (اقتُلُوا الحيّاتِ والكلابَ، واقتلُوا ذا الطُّفيَتَينِ والأبتَرَ؛ فإنّهما يلتمسانِ البصَرَ، ويستسقطانِ الحَبَالى) . ورد من حديث ابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم: أ- أما حديث ابن عمر؛ فيرويه سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يأمر بقتل الكلاب، ويقول: ... فذكره. أخرجه مسلم (7/38) - هكذا بزيادة: "الكلاب " ... وأخرجه البخاري (3297) ، وأبو داود (5/411/5252) ، والترمذي (5/191/1528) - وصححه-، وابن ماجه (2/1169/3535) ، وابن حبان (7/461/5609) ، وأحمد (2/9و121) ، وليس عندهم لفظ: "الكلاب ". وقد جاءت من طريق نافع عن ابن عمر، عند الشيخين وغيرهما، وهو مخرج في " الإرواء " برقم (2549) . 2- وأما حديث عائشة؛ فله عنها طرق: الأولى: عن هشام بن عروة عن أبيه عنها رضي الله تعالى عنها. أخرجه البخاري (2308) ، وابن ماجه (2/1169/3534) ، وأحمد (6/29و52و134و230) مختصراً. الثانية: عن سائبة عنها رضي الله عنها. أخرجه أحمد (6/49و 83 و147) . وأخرجه مالك (3/142) عن السائبة مرسلاً.

3992

الثالثة: عن سعيد بن المسيب عن عائشة رضي الله عنها. أخرجه النسائي (2/27) بسند صحيح. الرابعة: عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عنها رضي الله عنها. أخرجه أحمد (6/157) من طريق الليث عنه. * 3992- (اقرؤوا القرآن؛ فإنّه يأتي يومَ القِيامِة شفيعاً لأصحابهِ؛ اقرؤوا الزّهراوينِ: البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ؛ فإنّهما تأتيانِ يومَ القِيامِة كأنّهما غمامتانِ، أو كأنّهما غيايتانِ، أو كأنّهما فِرقان من طيرٍ صوَافّ، تحاجَّانِ عن أصحابِهما؛ اقرؤوا سورةَ البقرِة؛ فإنّ أخذها برَكةٌ، وتركها حسرةٌ، ولا يستطيعها البَطَلةُ) . أخرجه مسلم (2/197) ، والبيهقي (2/395) ، والبغوي في "شرح السنة " (4/456) ، وأحمد (5/249و251و255و257) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/138/7542و139/7543و7544) كلهم من طريق أبي سلام يقول: حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. ورواه عبد الرزاق (3/ 365- 366) ، ومن طريقه أحمد (5/ 251) ؛ لكن وقع عندهما: (أبو سلمة) ، وزاد عبد الرزاق: (ابن عبد الرحمن) ! وكل ذلك خطأ. * 3993- (اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتُم فقومُوا عنه) . أخرجه البخاري (5060 و5061 و7364و7365) ، ومسلم (8/57) ، وابن حبان (2/69/756) ، والدارمي (442) ، والنسائي في " السنن الكبرى " (5/33) ،

3994

وأحمد (4/313) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (2/176/1674و1675) عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. * 3994- (أقيمُوا الصفَّ في الصّلاةِ؛ فإن إقامةِّ الصفِّ من حُسنِ الصّلاة) . أخرجه البخاري (722) ، ومسلم (2/31) ، وأبو عوانة (2/43) ، وابن حبان (3/303) ، والبغوي في "شرح السنة" (3/422) ، وأحمد (2/314) كلهم من طريق همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وله شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعاً به. أخرجه ابن خزيمة (1543) ، وأحمد (3/179) . وهو عند مسلم بلفظ: "سووا صفوفكم؛ فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ". وأخرجه الحاكم (1/217) مختصراً بلفظ: "من حسن الصلاة إقامة الصف ". وقال: "صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي. * 3995- (أكثرتُ عليكم في السِّواكِ) . أخرجه البخاري (888) ، وابن حبان (2/201/1063) ، والدارمي (174) ، والنسائي (1/6) ، والبيهقي (1/35) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه " (1/171) ، وأحمد (3/143) كلهم من طريق شعيب بن الحبحاب: حدثنا أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. *

3996

3996- (أكرم الناس: أتقاهم لله) . أخرجه البخاري (3383و3490و4689) ، ومسلم (7/103) ، والبغوي في "شرح السنة" (13/125) ، وأحمد (2/431) كلهم من طريق سعيد بن أبي سعيد (زاد بعضهم: عن أبيه) عن أبي هريرة رضي الله عنه: سئل رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: من أكرم الناس؟ قال: "أتقاهم لله ". قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: "فأكرم الناس: يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله ". قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال: "فعن معادن العرب تسألونني؟ الناس معادن؛ خيارهم في الجاهلية: خيارهم في الإسلام؛ إذا فقهوا". وتابعه محمد بن عمرو: ثنا أبو سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ: "إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم: يوسف بن يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم خليل الرحمن ". أخرجه أحمد (2/332و416) . قلت: وإسناده حسن. ويشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ... فذكره مثله. أخرجه البخاري (3382و3390و4688) ، وأحمد (2/96) .

3997

وله شاهد آخر من حديث ابن مسعود مختصراً، وزاد- بعد قوله: "إسحاق "-: "ذبيح الله ". وهو منكر بهذه الزيادة، ولذلك كنت خرجته في "الضعيفة " برقم (334) . * 3997- (اللهمَّ! اجعل بالمدينةِ ضِعْفي ما جعلتَ بمكَّةَ من البَركةِ) . أخرجه البخاري (1885) ، ومسلم (4/115) ، وأحمد (3/142) من طريق الزهري عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وللحديث شواهد من حديث أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعلي بن أبي طالب. أخرجها ابن حبان في "صحيحه " (3735 و 3736 و 3738 و 3739) بأسانيد صحيحة نحوه وأتم منه. وحديث أبي هريرة وأبي سعيد: في "صحيح مسلم " أيضاً (4/116- 118) . وحديث علي: أخرجه الترمذي وغيره، وهو مخرج في "التعليق الرغيب " (2/144) . * 3998- (اللهمَّ! [أنتَ] خلقتَ نفسِي وأنتَ توفَّاها، لكَ مماتُها ومحياها، إن أحييتَها فاحفظها، وإن أمتَّها فاغفِر لها. اللهمَّ! إنَّي أسالُك العافِيةَ) . أخرجه مسلم (8/78) ، وابن حبان (7/428/5516) ، والبيهقي في "الأسماء والصفات " (75) ، وأحمد (2/79) كلهم من طريق عبد الله بن الحارث عن عبد الله ابن عمر:

3999

أنه أمر رجلاً إذا أخذ مضجعه قال: ... فذكره؛ فقال له رجل: أسمعت هذا من عمر؟ فقال: من خير من عمر! من رسول الله- صلى الله عليه وسلم -. والسياق لمسلم. * 3999- (اللهمَّ! إنِّي أتّخذُ عندَك عهداً لن تُخلِفَنِيهِ، فإنّما أنا بشَرٌ؛ فأيُّ المؤمنينَ آذيتُه؛ شتمتُه، لعنتُه، جلدته؛ فاجعلها له صلاةً، وزكاةً، وقربةً تقرّبه بها إليكَ يومَ القيامةِ) . أخرجه مسلم (8/25) ، وأحمد (2/243و449) من طريق الأعرج عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذكره. وله طرق أخرى عن أبي هريرة: 1- منها: عن سالم مولى النصريين قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ... فذكره. أخرجه مسلم، وأحمد (2/493) . 2- عن أبي صالح عنه مختصراً. أخرجه مسلم أيضاً، وأحمد (2/488و496) ، وكذا الدارمي (2/ 314- 315) . 3- عن سعيد بن المسيب عنه. أخرجه مسلم ببعض اختصار. وعند البخاري (6361) منه قوله: "اللهم! فأيما مؤمن سببته؛ فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة".

4- عن همام بن منبه عنه. أخرجه ابن حبان (6482) ، والبيهقي (7/61) من طريق عبد الرزاق، وهذا في "المصنف " (11/190/20294) . 5- أبو يونس عنه مرفوعاً. أخرجه أحمد (2/390) من طريق يحيى بن إسحاق عن ابن لهيعة عنه. قلت: يحيى بن إسحاق- وهو السيلحيني- من قدماء أصحاب ابن لهيعة؛ فأمنا بذلك اختلاط ابن لهيعة. ثم أخرجه أحمد (3/33) من طريق محمد بن إسحاق بسنده عن أبي الهيثم عن أبي سعيد، وعن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وله شواهد: أولاً: عن عائشة قالت: دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان، فكلماه بشيء لا أدري ما هو؛ فأغضباه، فلعنهما وسبهما، فلما خرجا، قلت: من أصاب من الخير شيئاً ما أصابه هذان؟! قال: "وما. ذاك؟! ". قالت: قلت: لعنتهما وسببتهما. قال: "أو ما علمت ما شارطت عليه ربي؟! قلت: اللهمَّ! إنما أنا بشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته؛ فاجعله له زكاة وأجراً". أخرجه مسلم (8/24) . وله طريق أخرى؛ يرويه حماد عن سماك عن عكرمة عنها قالت:

4000

دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إزار ورداء، فاستقبل القبلة، وبسط يديه ... فذكره مختصراً نحوه. قلت: ورجاله رجال مسلم؛ لكن في رواية سماك- وهو ابن حرب- عن عكرمة اضطراب. ثانياً: عن أنس بن مالك. أخرجه مسلم وغيره، وسبق تخريجه تحت الحديث (83) . * 4000- (اعلِفهُ ناضحَك، وأطعمه رقيقكَ. يعني: كسبَ الحجّامِ) . أخرجه مالك (2/974) ، وأحمد (5/435- 436) ، وأبو داود (3422) ، والترمذي (1277) ، وابن ماجه (2166) ، وابن حبان في "صحيحه " (1121"موارد") من طرق عن الزهري عن حرام بن سعد بن محيصة: أن محيصة سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كسب حجام له؟ فنهاه عنه، فلم يزل به يكلمه؛ حتى قال: ... فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح؛ فإن حراماً هذا ثقة، وثقه ابن سعد. وقد توبع، رواه أبو عفير الأنصاري عن محمد بن سهل بن أبي حثمة عن محيصة بن مسعود الأنصاري: أنه كان له غلام حجام، يقال له: نافع أبو طيبة، فانطلق إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يسأله عن خراجه؟ فقال: "لا تقربه ".

فرده على رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: "اعلف به الناضح، واجعله في كرشه ". أخرجه أحمد. وأبو عفير هذا لا يعرف، ترجمه في "التعجيل ". وتابعه محمد بن أيوب: أن رجلاً من الأنصار حدّثه يقال له: محيصة؛ كان له غلام حجام، فزجره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كسبه، فقال: أفلا أطعمه يتامى لي؟ قال: "لا"، قال: أفلا أتصدق به؟ قال: "لا"، فرخص له أن يعلفه ناضحه. أخرجه أحمد (5/436) : ثنا عبد الصمد: ثنا هشام عن (¬1) يحيى عن محمد ابن أيوب به. قلت: وهذا إسناد ضعيف، محمد هذا لا يعرف، ذكره ابن أبي حاتم (3/2/197) بهذا الحديث، وقال: "سألت أبي عنه؟ فقال: هو مجهول ". وأفاد أنه روى عنه حُدَيج بن صومى أيضاً، وبروايته ذكره الذهبي في "الميزان " وقال أيضاً: "مجهول ". وللشطر الأول منه شاهد من حديث جابر: ¬

(¬1) تحرفت في مطبوعة "المسند" إلى: (بن) ! وهشام هو الدستوائي؛ ويحيى هو ابن أبي كثير، وانظر "تاريخ البخاري الكبير" (1/ 1/30) . *

4001

أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن كسب الحجام؟ فقال: ... فذكره. أخرجه أحمد (3/307و381) . وإسناده صحيح على شرط مسلم. وآخر من رواية أبي بلج يحيى بن أبي سليم قال: سمعت عباية بن رقاعة ابن رافع بن خديج يحدث: أن جده حين مات ترك جارية وناضحاً وغلاماً حجاماً وأرضاً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الجارية، فنهى عن كسبها (قال شعبة: مخافة أن تبغي) . وقال: "ما أصاب الحجام. فأعلفه الناضح ". وقال في الأرض: "ازرعها أو ذرها". أخرجه أحمد (4/ 141) - وهذا لفظه-، والطبراني (4405- 4408) . قلت: وأبوبلج هذا ثقة فيه ضعف؛ فالسند صحيح بما سبق. وشاهد ثالث يرويه يزيد بن ربيعة: ثنا أبو الأشعث عن ثوبان: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجره وقال: ... فذكره. أخرجه إلطبراني في "الكبير" (1422) . لكن يزيد هذا متروك. (تنبيه) : تقدم تخريج هذا الحديث برقم (1400) من هذه "السلسلة"، ولكن هنا فوائد ليست هناك. والحمد لله. 4001- (يكون في آخر أمتي خليفةٌ؛ يحثي المال حثياً؛ لا يعدُّه عداً) . أخرجه مسلم (8/185) ، وأحمد (3/317) عن الجريري عن أبي نضرة قال:

كنا عند جابر بن عبد الله فقال: يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم. قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل العجم يمنعون ذاك. ثم قال: يوشك أهل الشام أن لا يجبى إليهم دينار ولا مُدْيٌ، قلنا: من أين ذاك؟ قال: من قبل الروم. ثم سكت هُنَيَّةً، ثم قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... (فذكره) . قال: قلت لأبي نضرة وأبي العلاء: أتريان أنه عمر بن عبد العزيز؟ فقالا: لا. ثم أخرجه مسلم، والحاكم (4/454) من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عن أبي سعد وجابر بن عبد الله قالا: ... فذكراه مرفوعاً مختصراً بلفظ: "يكون في آخر الزمان خليفة؛ يقسم المال ولا يعده ". وأخرجه أحمد (3/49و60و96) من طرق أخرى عن أبي نضرة عن أبي سعيد وحده. ثم أخرجه (3/98) عن مجالد عن أبي الوداك عن أبي سعيد قال: قلت: والله ما يأتي علينا أمير إلا وهو شر من الماضي، ولا عام إلا وهو شر من الماضي. قال: لولا شيء سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقلت مثل ما تقول، ولكن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن من أمرائكم أميراً يحثي المال حثياً، ولا يعده عداً، يأتيه الرجل فيسأله، فيقول: خذ. فيبسط الرجل ثوبه فيحثي فيه- وبسط رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ملحفة غليظة كانت عليه؛ يحكي صنيع الرجل-، ثم جمع إليه أكنافها، فيأخذه ثم ينطلق ". ومجالد- وهو ابن سعيد- ليس بالقوي.

وفي رواية أخرى عنده (3/37) من طريق المعلى بن زياد: ثنا العلاء بن بشير عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "أبشركم بالمهدي، يبعث فيأتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً؛ كما ملئت جوراً وظلماً، يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض، يقسم المال صحاحاً". فقال له رجل: ما صحاحاً؟ قال: "بالسوية بين الناس ". قال: "ويملأ الله قلوب أمة محمد- صلى الله عليه وسلم -غنى، ويسعهم عدله، حتى يأمر منادياً فينادي فيقول: من له في مال حاجة؟ فما يقوم من الناس إلا رجل، فيقول: ائت السدان (يعني: الخازن) فقل له: إن المهدي يأمرك أن تعطيني مالاً، فيقول له: احث! حتى إذا جعله في حجره وأبرزه ندم، فيقول: كنت أجشع أمة محمد نفساً، أَوَعَجَزَ عني ما وسعهم؟! قال: فيرده فلا يقبل منه، فيقال له: إنا لا نأخذ شيئاً أعطيناه. فيكون كذلك سبع سنين، أو ثمان سنين، أو تسع سنين، ثم لا خير في العيش بعده، أو قال: ثم لا خير في الحياة بعده ". قلت: ورجاله ثقات رجال مسلم؛ غير العلاء بن بشير، وهو مجهول؛ كما في "التقريب ". لكن قد توبع على بعضه عند الحاكم (4/558) . ورواه عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ: "يخرج عند انقطاع من الزمان، وظهور من الفتن رجل يقال له: (السفاح) ، فيكون إعطاؤه المال حثياً ". أخرجه أحمد (3/80) . *

4002

4002- (كانَ يصلي والحسنُ والحسينُ يلعبانِ ويقعدانِ على ظهرِه، فأخذَ المسلمونَ يميطونَهما؛ فلمّا انصرفَ قال: ذرُوهما- بأبي وأمّي- من أحبّني؛ فليحبَّ هذَينِ) . أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/305) عن الحسين بن زريق الكوفي: ثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: ... فذكره مرفوعاً. وقال: "غريب من حديث عاصم، لم يروه إلا أبو بكر". قلت: وهما موثقان، لكن الحسين بن زريق الكوفي لم أجد له ترجمة. لكن تابعه الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة، فقال في "المصنف " (12/95/ 12223) : حدثنا أبو بكر بن عياش به. وأخرجه ابن خزيمة (887) ، وابن حبان (2233- "موارد") من طريق ثالث عن ابن عياش به. قلت: فالإسناد حسن. وهو صحيح بشواهده، أحدها من حديث شداد بن الهاد في "صفة الصلاة". * 4003- (من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة، فلينظر إلى الحسين بن علي) . أخرجه أبو يعلى في "مسنده 3/1874" (102/1- نسخة المكتب الثانية) ، وعنه ابن حبان (2237) عن الربيع بن سعد الجعفي عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر مرفوعاً.

قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن فيه علتان: الأولى: الانقطاع بين عبد الرحمن بن سابط وجابر؛ فقد سئل ابن معين: سمع عبد الرحمن من جابر؟ قال: "لا، هو مرسل ". الثانية: جهالة حال الربيع بن سعد الجعفي، قال الذهبي: "لا يكاد يعرف "؛ وساق له هذا الحديث من الطريق المذكورة. وأما ابن حبان؛ فذكره في "الثقات " على قاعدته! وهو عمدة قول الهيثمي في "مجمعه " (10/187) : "رواه أبو يعلى، ورجاله رجال "الصحيح "؛ غير الربيع بن سعد؛ وقيل: ابن سعيد، وهو ثقة"! وقد صح الحديث في حق عبد الله بن سلام في قصة رواها مسلم (7/161) ، وابن ماجه (2/454- 455) من حديث عبد الله بن سلام نفسه. ثم ترجح عندي ثبوت الحديث- والحمد لله- باندفاع العلتين المذكورتين: أما الأولى: فقد وجدت سماع عبد الرحمن بن سابط في حديث آخر، تقدم تخريجه برقم (2926) ، وانضم إلى ذلك شهادة ابن أبي حاتم باتصاله بقوله في ترجمة ابن سابط: "روى عن عمر مرسل، وعن جابر متصل ". وكذلك أثبته الحافظ في "الإصابة" وأما الأخرى؛ فبقول أبي حاتم في الربيع بن سعد: "لا بأس به ".

4004

وبتوثيق الفسوي أيضاً وابن شاهين إياه، ورواية خمسة من الثقات عنه، كما أثبته في كتابي الجديد "تيسير الانتفاع "؛ يسر الله إتمامه. ثم رأيت الحديث في "كشف الأستار عن زوائد البزار" (3/230/2637) : حدثنا إبراهيم بن سعيد: ثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير عن الربيع بن سعد بإسناده عن جابر نحوه بلفظ: "من سره أن ينظر إلى أشبه الناس برسول الله- صلى الله عليه وسلم -؛ فلينظر إلى الحسن بن علي ". وإسناده إلى الربيع صحيح على شرط مسلم. فلعل الربيع كان يروي بإسناده المذكور متنين، أحدهما: في الحسين، والآخر: في أخيه الحسن. والله أعلم. * 4004- (يا سفيان بن سهل! لاتُسبِل، فإنّ الله لا يحبُّ المسبِلين) . أخرجه ابن أبي شيبة (8/395) ، وعنه ابن ماجه (3574) ، وابن حبان (1449) ، وأحمد (4/246و250و253) ، والبغوي في "الجعديات " (101/2) عن شريك عن عبد الملك بن عمير عن حصين بن قبيصة عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لسوء حفظ شريك- وهو ابن عبد الله القاضي-. ثم وجدت للحديث شاهدين يتقوى بهما: الأول: عن أبي أمامة قال: بينما ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة:

إزار ورداء قد أسبل.. فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ".. يا عمرو بن زرارة! إن الله لا يحب المسبلين ". أخرجه الطبراني في "الكبير" (8/277-7909) من طريقين عن إبراهيم ابن العلاء الحمصي: ثنا الوليد بن مسلم عن الوليد بن أبي السائب عن القاسم عنه. وقد تقدم تحت الحديث (2682) ؛ ونقلنا هناك عن الهيثمي أنه قال (5/124) : "رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات ". وأقول الآن: والظاهر أنه يعني هذا الإسناد، وهو كما قال، وهو حسن لولا أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية. والآخر: يرويه أبو الحجاج عن سعيد الثقفي عن رجل من قومه قال: مر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل يجر إزاره، فقال له: "ارفع إزارك؛ فإن الله عز وجل لا يحب المسبلين ". فقال: إن في ساقي حموشة؟ ! فقال رسول الله: "ما بإزارك أقبح مما بساقك ". أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان " (2/232/2- 223/ 1) . قلت: ورجاله ثقات؛ غير أبي الحجاج وشيخه الثقفي؛ فلم أعرفهما. وبالجملة " فالحديث حسن بمجموع طرقه. والله أعلم. *

4005

4005- (اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم، وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) . أخرجه مسلم (8/81) ، والبغوي في "شرح السنة " (5/158) - وصححه-، وابن أبي شيبة (3/374) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/227/5085) من طريق عبد الله بن الحارث وأبي عثمان النهدي كلاهما عن زيد بن الأرقم قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول، كان يقول: ... فذكره. ورواه النسائي (2/315و322، وأحمد (4/371) ، وعبد بن حميد (1/245 /267) والطبراني في "المعجم الكبير" (5086و5088) كلهم عن عبد الله بن الحارث وحده، وزاد الطبراني- بعد قوله: "وعذاب القبر"-: "وفتنة الدجال "، وإسنادها حسن، ولكنها شاذة في هذا الحديث؛ إلا أنها قد ثبتت في غير ما حديث صحيح، ولعل هذا هو الذي سوغ للحافظ السيوطي أن يذكرها في الحديث برواية: (حم، عبد بن حميد، م، ن) ! وعلى ذلك؛ فقد قصر حيث لم يعزه للطبراني الذي تفرد بهذه الزيادة دون الآخرين. *

4006

4006- (أمَا إنِّها ستكون لكمُ الأنماطُ) . أخرجه البخاري (3631و5161) ، ومسلم (6/146) ، وأبو داود (4145) ، والنسائي (2/94) ، والترمذي (2774) - وصححه-، وأحمد (3/294) كلهم من طريق محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم -: "هل لكم من أنماط؟ ". قلت: وأنى يكون لنا الأنماط؟! قال: ... فذكره. قال جابر: فأنا أقول لها- يعني: امرأته-: أخِّري عنا أنماطك، فتقول: ألم يقل النبي- صلى الله عليه وسلم -: "إنها ستكون لكم الأنماط "؟ ! فأدعها!. * 4033- (قال الله عز وجل: افترضتُ على أمتك خمس صلوات، وعهدتُ عندي عهداً: أنه من حافظ عليهنَّ لوقتهنَّ؛ أدخلتُه الجنة، ومن لم يحافظ عليهنَّ؛ فلا عهدَ له عندي) . أخرجه ابن ماجه (1403) ، وابن نصر في "قيام الليل " (ص 113) من طريق بقية بن الوليد: ثنا ضبارة بن عبد الله بن أبي السليل أخبرني دويد بن نافع عن الزهري قال: قال سعيد بن المسيب: إن أبا قتادة بن ربعي أخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ... فذ كره. قلت: وهذا إسناد ضعيف، دويد موثق؛ لكن ضبارة مجهول؛ كما في "التقريب ". والحديث إنما يصح من قوله - صلى الله عليه وسلم -، وليس حديثاً قدسياً؛ كما ورد عن عبادة ابن الصامت: عند مالك، وأبي داود وغيرهما، وهو مخرج في "الترغيب" (1/142) .

4034

ثم وجدت للحديث شاهداً من حديث كعب بن عجرة من طريقين عنه، فاطمأنت النفس لثبوته عنه- صلى الله عليه وسلم -حديثاً قدسياً، فأوردته في هذه "السلسلة" من أجلهما، وفي "صحيح أبي داود" أيضاً برقم (455) . والله تعالى هو الهادي. * 4034- (إذا أبردتم إليَّ بَرِيداً؛ فابعثُوه حَسَنَ الوجهِ، حَسَنَ الاسمِ) . أخرجه البزار في "مسنده " بإسناده الصحيح عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه مرفوعاً. قلت: وهذا إسناد صحيح، وقد صححه الهيثمي، والحافظ ابن حجر العسقلاني في "مختصر الزوائد" (2/203/1700- المطبوعة) ، وذلك منهما إشعار بعدم اعتدادهما بعنعنة قتادة؛ فإنه كان معروفاً بالتدليس، ولعل ذلك لأنه كان لا يدلس إلا عن ثقة، كما نقله العلائي في "التحصيل " ص (112) ، أو لقلة تدليسه؛ فقد قال الحافظ في "مقدمة الفتح " (ص 436) : "أحد الأثبات المشهورين، كان يضرب به المثل في الحفظ؛ إلا أنه كان ربما دلس ". ولذلك اقتصر في "التقريب " على قوله: "ثقة ثبت ". فلم يتعرض لوصفه بالتدليس مطلقاً. ولذلك نجد كثيراً من الحفاظ المتقدمين يحتجون بحديثه، من ذلك حديثه عن قسامة بن زهير عن أبي هريرة بلفظ: "إذا حُضر المؤمن أتته ملائكة الرحمن ... "، صححه ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وسبق تخريجه برقم (1309) .

ومثله حديث أبي سعيد بلفظ: "ليأخذن الرجل بيد أبيه يوم القيامة ... " المروي في "صحيح الموارد" (18- باب) ، وهو مخرج في "التعليقات الحسان " (1/235/252) . وحديث علي بلفظ: "بول الغلام يُنْضَحُ، وبول الجارية يُغْسَلُ ". وإسناده صحيح؛ كما قال الحافظ، وصححه جماعة منهم الترمذي، والحاكم، والذهبي، وهو مخرج في "الإرواء " برقم (166) ، و"صحيح أبي داود" (402) . وحديث " المرأة عورة ... ". حسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان؛ وهو مخرج في "الإرواء" (رقم 273) ، وفيما تقدم من هذه "السلسلة" (2688) . وأكتفي الآن بهذه الأمثلة؛ فإني لا أزال في مرضي طريح الفراش؛ راجياً من الله الشفاء العاجل، مع استعانتي بابني عبد المصور، أسعده الله ووفقه. ولقد تجشمت وتكلفت إملاء هذا- على الرغم مما أنا فيه- حينما رأيت الأخ الفاضل (علي رضا) ذهب إلى تضعيف الحديث، معللاً إياه بعنعنة قتادة، وحكى هناك تصحيحه عن الهيثمي والسيوطي والألباني في "الصحيحة" (1186) ، وقد كنت خرجته هناك، وذكرت له بعض الشواهد، انتقدني فيها في كتابه الذي هو بعنوان: "لا تكذب عليه متعمداً"، وقد أهداه إلي جزاه الله خيراً بتاريخ 7/11/1418، ومع أنه قد صدر تضعيفه للحديث بقوله (ص 49) : "من أصعب علوم الحديث: الحكم على المتن؛ بالرغم من كون الأسانيد التي روي بها ذلك المتن متعددة وكثيرة؛ يمكن القول بتقوية الحديث بها"!

4035

ثم لا أدري ما الذي حمله على الجزم بضعف الحديث، وعدم تقويته بأسانيده المتعددة، كما هي القاعدة المعروفة في علم المصطلح؟! هذا على فرض التسليم بضعف حديث بريدة، فإن ضعفه ليس شديداً، وكذلك بعض شواهده التي كنت ذكرتها هناك، ونقلها هو عني مضعفاً. وفي ظني أن الحامل له على مخالفة القاعدة، توهمه أن الحديث يشبه بعض الأحاديث الصوفية المنكرة- بل الباطلة- كحديث: " من عشق فكتم فمات؛ مات شهيداً "!! والواقع أنه لا شيء من ذلك في هذا الحديث، بل هو على الجادة التي جاء ذكرها في أحاديث التفاؤل والنهي عن الطيرة، ومنها قوله عليه السلام: ".. ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة "، رواه الشيخان وغيرهما، وسبق تخريجه برقم (786) ، وراجع لمزيد الفائدة "الكلم الطيب " (60- فصل الفأل والطيرة/ ص 125- 127- بتخريجي) . * 4035- (إن كان في شيءٍ شفاءٌ؛ ففي شرطةِ مِحْجَمٍ، أو شَرْبَةِ عَسَلٍ، أو كَيّةٍ تصيبُ ألماً، وأنا أكرهُ الكيَّ ولا أحبُّه) أخرجه أحمد في "مسنده " (4/146) ، وكذا الطبراني في "المعجم الكبير" (17/288-289) ، وفي "الأوسط " (9339) من طريق عبد الله بن الوليد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. قلت: هذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عبد الله بن الوليد - وهو ابن قيس التُّجيبي البصري-، وقد روى عنه جماعة من الثقات، ووثقه ابن حبان. وقال الدارقطني: "لايعتبر به ".

لكن له شواهد؛ منها: عن معاوية بن حديج مرفوعاً مثله. أخرجه أحمد في "المسند" (6/401) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/430/1044) ، وفي "الأوسط " (9/134/9337) من طريق سعيد بن أبي أيوب: ثنا يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ... فذكره. وله شاهدان آخران من حديث جابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمر؛ وهما مخرجان فيما تقدم من هذا الكتاب برقم (245) . (تنبيه) : وقع في رواية عبد الله بن الوليد لفظ: "ثلاثة" في أوله، وهي منكرة أو شاذة؛ لما عرفت من حال عبد الله بن الوليد. ووقع في "مسند أحمد": "ثلاثاً "؛ على النصب، وهي أنكر؛ لأنه لا أصل له في شيء من الأحاديث المشار إليها آنفاً. وقد توهم السيوطي أن اللفظ الأول من صلب الحديث، فذكره تحت (حرف الثاء) : "ثلاث إن كان ... "! وقد نبهت على ذلك في التعليق عليه. هذا آخر ما حققه الشيخ من هذه "السلسلة" المباركة إن شاء الله، وكان ذلك أواخر شهر جمادى الأولى عام 1420، نسأل الله أن يجعله علماً نافعاً يجرى له أجره إلى يوم القيامة، إنه سميع مجيب. اللهم اغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم. *

§1/1