سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين

الداني آل زهوي

مقدمة فضيلة الشيخ العلامة أبي عبد الرحمن عبد الله بن صالح العبيلان حفظه الله تعالى

مقدمة فضيلة الشيخ العلامة أبي عبد الرحمن عبد الله بن صالح العُبيلان حفظه الله تعالى إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد؛ فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- ردَّنا إلى كتابه وإلى سنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإلى أعلم الناس بكتابه وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقال تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، قال جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: "أولوا الفقه والخير". أخرجه ابن أبى شيبة وغيره؛ بإسناد جيد. وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: "لا يزال الناسُ بخير ما أتاهم العلمُ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن أكابِرِهم، فإذا جاء العلم من قِبَلِ أصاغرهم هلكوا". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" وغيره؛ بإسناد صحيح. فلا ريب أنهم كانوا أبرّ قلوبًا، وأعمق علمًا، وأَقَلَّ تكلُّفًا، وأحري بأن يوفَّقوا في فهم كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - بما لم يوفَّقْ له من لم يلزم طريقهم؛ لما خَصَّهم الله -عَزَّ وَجَلَّ- به من توقد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحُسن الإدراك وسرعته، وقلَّة المعارض أو عدمه، وحسن القصد، وتقوى الله تعالى. فالعربية سليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم، ولا حاجة لهم إلى النظر في الإسناد، وأحوال الرواة، وعلل الحديث، والجرح والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول، وأوضاع الأصوليين؛ بل قد غُنوا عن ذلك كله، فليس في حقهم إلا أمران: أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسوله كذا. والثاني: معناه كذا وكذا. وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين، وأحظى الأمة بهما.

ولذا فإن الله تعالى جعل ما كانوا عليه من دين، وعقيدة، ومنهاج، وعبادة وسلوك؛ هو الحق الذي يجبُ اتباعه، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} الآية. وقال تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} الآية. فالله سبحانه وتعالى جعلهم متبوعين، فمن جاء بعدهم فهو تابع لهم. ومن هنا جاءت كلماتُ أئمة أهلِ العلم في أنه لا يجوز الخروج عن ما كانوا، وإن اختلفوا على قولين فلا يجوز إحداث قول ثالث، لأن الحق لا يخرج عنهم؛ بل إن شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ- والذي عُرِفَ بسعة استقرائه لمسائل العلم - يقرِّرُ أنه لا يمكن أن ينفرد أحد الأئمة عن الباقين ويكون الصواب معه إلا وقد اعتمد على أثر جمع من الصحابة أو أحدهم. "منهاج السنة" (5/ 178). وابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- يعزو كثرة الاختلاف بين أهل العلم لعدم التقيّد بهذا المنهج؛ إما لعدم العلم بالآثار، أو تقليد الأئمة، فيقول: "فلو اتفقت كلمتهم على ذلك وانقاد كل واحد منهم لمن دعاهُ إلى الله ورسوله، وتحاكموا كلهم إلى السنة وآثار الصحابة؛ لقل الاختلاف وإن لم يعدم من الأرض". أعلام الموقعين 3/ 226. ولعل تشكيل مدارس أهل -على النحو المعروف- أَضعَفَ من الأخذ بآثار الصحابة؛ بل أَضْعَفَ من الأخذَ بالسنة. وهذا ما حذَّر منه الأئمة بقولهم: "خذوا من حيث أخَذْنَا". ولا يشك عاقل أن افتراق الأمة إلى بضع وسبعين فرقة سببه الأعظم هو ترك هذا المنهج المعصوم، كما أخبر بذلك المصطفى - عليه الصلاة والسلام -. وأعتقد أن الأمة لا يمكن أن تنهض من كبوتها إلا بالعودة إلى ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم -، قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ}. فكل جهد للإصلاح لا ينطلق من هذا الأساس فهو جهد ضائع، فاقتصادٌ في سنة خير من اجتهادٍ في بدعة. لذا كان من واجب أهل العلم العناية بآثار الصحابة - رضي الله عنهم -، ودراستها بتمييز ما يثبت عنهم من غيره، للحفاظ على الدين، ونبذ الاختلاف فيما لم نعلم أنهم اختلفوا فيه؛ فيرد إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

وأعتقد أن أهل السنة السائرين على طريق الصحابة لا يمكنهم أن يتميزوا عن غيرهم إلا بهذا. وقد نبَّهَ ابنُ عمر - رضي الله عنه - إلى هذا -وهو مخالفة من بعدهم لهم في فهم القرآن والسنة- فقال: "قاتل الله الخوارج؛ انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار فجعلوها في المسلمين" رواه البخاري. فإن فَهْمَ الدين مع البعد الزمني عن الصَّدر الأول يعظم خفاؤه، وهذا ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بقوله: "اتخذ الناسُ رؤوسًا جُهّالًا، فأفتوا برأيهم" وهذا لفظ البخاري. ولا يمكن ردّ هذا الرأي المخالف للدين إلا بالتزام فهم السلف الصالح. وقد وقفتُ على كتاب أخينا أبي عبد الله الداني بن منير آل زهوي "سلسلة الآثار الصحيحة"، فسرَّني ذلك جدًا؛ لما رأيتُ فيه من جهدٍ مشكور في دراسة الأسانيد دراسة علمية رصينة، والتنبيه على ما فيها من حِكَم وأحكام، من خلال كلام أهل العلم. كما اعتنى بدراسة آثار التابعين الذين أخذوا العلم عن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، لقرب عهدهم بنور النبوة، وإن لم يكن لآحادهم ما لآحاد الصحابة من وجوب الإتباع. وأرجو من الله أن يكون لهذه السلسلة من النفع والقبول ما كان لسابقتها في حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، للعلامة المحقق الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-. وأشدُّ على يدِ أخينا أبي عبد الله في مواصلة هذا العمل، فإن الأمة سيأتي عليها وقت تكون في أشد الحاجة إلى هذا الكتاب المبارك، كما ستكون خدمة عظيمة لأهل العلم الذين يعنون بفهم الصحابة لترجيح أقوال أهل العلم المختلفة. والحمد لله رب العالمين. وكتبه أبو عبد الرحمن عبد الله بن صالح العبيلان 3/ 1/ 1424 هـ

شكر وتقدير

شكر وتقدير الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. أما بعد؛ فعملًا بقول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"؛ فإني أتقدم بالشكر للشيخ الفاضل العلامة أبي عبد الرحمن عبد الله بن صالح العُبيلان -حفظه الله تعالى- على ما قام به من مراجعة هذا الكتاب، والتقديم له، وعلى حُسن ظنّه بأخيه وتشجيعه له، والحث على مواصلة هذا العمل. كما وأشكره على إفاداته وإرشاداته، وتفرغه لقراءة الكتاب ومراجعته، وهذا من شيمة الشيخ ومكارم أخلاقه، ولين جانبه، وتواضعه، فقد أخجلني الشيخُ - حفظه الله- جدًا واللهِ - بتواضعه الجمّ، ولين جانبهِ. فالله أسألُ أن يرفعَ من منزلة الشيخ عبد الله، في الدنيا والآخرة، وأن يجزيه خيرًا، ويسدّد خطاه، ويدفع عنه كل سوء، ويحفظه بما يحفظ به عباده الصالحين. قيَّد ذلك اعترافًا بالشكر لأهله أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي

سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين جمعها وخرّجها وذكر بعض فوائدها أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي راجعه وقدم له فضيلة الشيخ عبد الله بن صالح العبيلان حفظه الله تعالى المجلد الأول 1 - 350 دار الفاروق للطباعة والنشر والتوزيع

جميع الحقوق محفوظة الطبعة الأولى جمادى الأولى سنة 1424 آب (أغسطس) 2003 م دار الفاروق للطباعة والنشر لبنان - بيروت - ص. ب: 5140/ 15 - الرمز البريدي: 11012020 هاتف وفاكس: 804520 (009615) - محمول: 954661 (009613)

سلسلة الآثار الصحيحة أو الصحيح المسند من أقوال الصحابة والتابعين

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم وبه أستعين، وعليه اتّكالي، وإليه مآبي إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هَادِي له. وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]. {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70 - 71]. أما بعد؛ فإن أَصْدَقَ الكلامِ كلامُ الله، وخيرَ الهَدْي هَدْيُ محمدٍ - صلى الله عليه وعلى آله وسلّم -، وشرَّ الأمورِ مُحْدَثَاتُها، وكُل مُحْدَثَةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة. فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- أنعم علينا معاشر المسلمين بشريعة غرّاءَ نقيّةٍ، واضحةِ المعالِم، متينة في أُسِّها، وَارِفَة الظِّلاَلِ، يَنْعم فيها المرءُ بالسعادة الأبدية التي وعد اللهُ من التزم بها وتمسّك بعُراها. وكان من تمام نِعَمِ اللهِ تعالى أن أيَّد هذا الدين برسوله الأمين - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، فبعثَهُ هَاديًا وبشيرًا، رحمةً للعباد، معلّمًا لهم، ومربيًا، وإمامًا.

وأيَّد اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- رسوله صلوات الله وسلامه عليه بكتابه المبين، فشرَع به الشراثع، وأحل به الحلال، وحرّم به الحرام، وأنذر به العباد؛ فقصَّ عليهم أنباء من قبلهم من الأمم، ورغبهم فيه بما أعدّ لمطيعهم من الثواب والنعيم المقيم، وأنذرهم وحذّرهم بما أعدَّ لمخالفيه من النقمة والعذاب الأليم. وكانت من ثَمَّ السُّنَّةُ النبويَّةُ متمّمة لهذه الغاية، ولهذا المطلب، فبُيِّنَ بها ما أجمل، وفُسِّرَ بها ما خَفِيَ وأُبهِمَ، فكانت السُّنّةُ للقرآن كالأغصان والأوراق للأشجار، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. وكان من نعم الله أيضًا على هذه الأمة أن حفظ لهم كتابه العظيم من تلاعب المتلاعبين، ومن عبث العابثين، فحفظه من الزيادة والنقصان والتحريف (¬1)، فقال عز من قائل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (¬2). ومن تمام النعمة على هذه الأمة أيضًا، أن حفِظَ ربنا سُنَّةَ نبيِّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، وذلك بأن قيد لنبيه أُناسًا يحفظون عنه أقواله، وَيرْوُونَ عنه أفعالَهُ، ويُخبِرُونَ عن أحوالِهِ وصِفَاتِهِ؛ وعلى رأسِ هؤلاء؛ أصحابه - رضي الله عنهم - وأرضاهم، فقد كانوا خيرَ الناسِ قلوبًا، وأصدقهم حالًا ومقالًا، باعوا أنفسَهُم لله تعالى، وجاهدوا في الله حقَّ الجهادِ؛ ومن جهادِهم أن حفظوا لنا سنّة نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم -، فنقلوها للأجيال من بعدهم، وحدّث العالِم منهم بها من جَهِلَهَا. لكن لم يتمّ للسنةِ ما تمَّ للقرآنِ الكريم من تمامِ الحفْظ والصَّوْنِ، فقد امتدَّت أيدي العابثين لما حُفِظَ من السنةِ النبوَيةِ، فدَسَّ الدَّاسُّون فيها، وكذَبَ الكذابون، وافترى المفترون ... وما ذلك إلا لحكمة يعلمها فاطر السموات والأرض، وخالق الخلق أجمعين. ومع ذلك فإن الذي حَفِظَ كتابَهُ العظيم من التَّلاعُبِ والعَبَثِ حَفِظَ أيضًا سُنَّةَ نبيهِ - ولكن بدرجةِ أقل من درجة حِفْظِ الكتاب، وبنوعٍ من الحِفْظِ غير النوع الذي حَفِظَ به القرآن. ¬

_ (¬1) ومن قال غير هذا واعتقد خلاف ذلك؛ فقد خرج من دائرة الإسلام، عياذًا بالله تعالى. (¬2) سورة الحجر: 9.

من ذلك أن صاحبَ هذه السنة صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر -فيما تواتر عنه- أنه سيكون من بعده من يكذِبُ عليه، ومن يحدّثُ عنه بالكَذَبِ ... فكان أصحابهُ من بعده يتحرون في الرواية عنه، ويحرصون على التثبتِ، وعلى أخذ الحديث من الثقات العدول سماعًا وكتابةً ... وكذا سار التابعون من بعدهم، إلى أن ظهر الكذب، وانتشر هذا الدين في أرجاء الأرض، فاندسَّ أعداء الله وأعداء دينه لينالوا من حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعدما علموا أنهم لن يستطيعوا النيل من الكتاب الكريم. فظهر الكذب والوضع في الحديث، فما كان من العلماء الأتقياء النجباء إلا أن انبروا لهؤلاء وتصدّوا لهم؛ بأن جعلوا للرواية عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضوابط وقواعد وقيودًا، كبّلوا بها أيدي هؤلاء المعتدين، فنخّلوا الحديث تنخيلًا؛ فميزوا صحيحه من سقيمه، ودوَّنُوهُ في كتبهم، ومَيَّزُوا الرواةَ صادِقهم من كاذبهم، بل حتى من لم يعرف بالضبط والسماع -وإن كان في نفسه صادقًا- لم يقبلوا الرواية عنه، وغير ذلك من الأمور التي محلّ بسطها في دواوين كتب مصطلح الحديث. فتوالى العلماء منذ عصر التابعين -بل منذ عصر الصحابة- على تمحيص السنة، والتدقيق في رواتها، وتمييزهم، فكان يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وشعبة بن الحجاج، وابن حبان، والعقيلي، وابن الجوزي، والذهبي، وابن حجر -وغيرهم كثير مما لا يحصى عددهم- حَمُوا حِيَاضَ السُّنَّةِ وذَبّوا عنها. وكان في عصرنا الحاضر الإمام المحدّث شامة الشام، وريحانة الزمان، وقِبْلَةُ أهل الحديث في هذا العصر؛ العلامة الشيخ محمد ناصر الدين بن نوح نجاتي الألباني -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- وأسكنه فسيح الجنة - الذي إذا ذُكر اسمه طَرِبَت له قلوبُ أهلِ الحديثِ ومُحِبِّي سُنَّةِ المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، جدَّدَ اللهُ تعالى به معالم الدين بعدما اندرست، وتذاكرنا به عصر أحمد وابن معين وعبد الرزاق وابن المبارك ... كيف كانوا يرحلون في طلب الحديث، وكيف كان يُرحَلُ إليهم، فإني لا أعلم رجلًا رَحَلَ الناسُ إليه في هذا العصر مثل ما رحل الناس إلى محدث الدنيا.

كانت السُّنَّةُ قَبلَهُ نَسْيًا مَنْسيًّا -إلا قليلًا- وكان الحديث غريبًا -حتى بين أهله-! لا يميزون صحيحًا من سقيمِ، ولا مقبولًا من مردودٍ، يستدلُّ الخطباء والفقهاء والمدرسون والوعاظ بما وضع على نبيهم! جهلًا منهم بالأمر والخطب. فبعث الله تعالى لهذه الأمة على رأس المائة الرابعة عشر من يجدّد لهذه الأمة أمر دينها، فلمع اسم الألباني، فعرفَهُ القاصي والدَّاني، ورحَلَ إليه القريب والبعيد، بل الصديق والعدو. عاش -رَحِمَهُ اللهُ- من أجل خدمة السُّنَّةِ النبوية، وتمييز صحيحها من سقيمها، ووضع لنفسه مشروعه الكبير: "تقريبُ السُّنةِ بين يدي الأمة"، فألَّف الكتب الكثيرة الفريدة النادرة، وحقَّق الكثير من كتب الحديث تحقيقًا لا يوجد له نظير. ولعلَّ من أهمّ هذه الكتب: "سلسلتي الأحاديث؛ الصحيحة، والضعيفة"، حيث جمع -رَحِمَهُ اللهُ- كَمًّا هائلًا من الأحاديث النبوية، ومن ثمَّ درس أسانيدها وتتبَّع طرقها، ثم فصل الصحيح منها في سلسلة، والضعيف في السلسلة الأخرى. فـ-رَحِمَهُ اللهُ- وجزاه عن الدّين كل خير. ولما كان من أُسُسِ الدين؛ التمسّك والسير على آثار السَّالفين، ومعرفة ما كان عليه أهل القرون الثلاثة الأول، وفهم الكتاب والسنة بفهمهم، والتمسك بهديهم؛ كان لأقوال وآثار أصحاب هذه القرون -وعلى رأسهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أهمية في ديننا، ومنزلة في شرعنا. فكان من اهتمام العلماء بالسنة أن اهتموا بنقل وحفظ وتدوين آثار الصحابة والتابعين، فهم المبلّغين عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، الكاشفين لما أُبْهِمَ وخَفِيَ من فَهْم سُنَّتِهِ، كما أن السنّةَ مُبَيِّنَةٌ للقرآنِ، فآثارهم وأقوالهم تبيِّن السنة. ولا شك أنه يجري على آثار الصحابة ما يجري على الأحاديث النبوية؛ من تمحيص أسانيدها والبحث في حال رجالها ورواتها، كي يُنْسَبَ القولُ إلى قائله منهم. ولمَّا لم يكن لهذه الآثار السَّلفية كتاب جامع ككتب السنة ودواوينها؛ عزمت على جمع ما أقف عليه من الآثار، ثم أُخرِّجُهَا وفق الطريقة المتّبعة في

سبب تأليف الكتاب

تخريج الأحاديث النبوية، وأدرس رجال الإسناد وحالهم، مع البحث على شواهد ومتابعات إن وجدت، وإن كان لأهل العلم كلام وقفتُ عليه حول أثر ما؛ أُثبِتُهُ دون تردّدٍ. وفي هذا العمل تحقيق أمنية تمنَّاها المحدِّثُ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في جمع هذه الآثار والاعتناء بها؛ كما هو الحال في الأحاديث النبوية المرفوعة، وكانت هذه الإشارة إلى هذا العمل عبر سؤالٍ وجهه الشيخ الفاضل عبد الله بن صالح العبيلان -حفظه الله تعالى- للشيخ -رَحِمَهُ اللهُ-. وَتَيَمُّنًا بصنيع المحدث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في سلسلتيه الصحيحة والضعيفة؛ إذ أَوْدَعَ ما صحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في سلسلة، وما لم يصح في الأخرى؛ فكذا كان صنيعي في هذا العمل. ولمّا كان من العسير جمع هذه الآثار على الأبواب الفقهية وترتيبها في كتاب واحد؛ لما يحتاجه هذا العمل من الوقت الطويل والجهد الكبير والإحاطة بما هو مطبوع ومخطوط؛ فقد اتبعتُ أيضًا طريقة الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" و"الضعيفة"، وذلك بذكرِ ما يعرضُ لي وما أقِفُ عليه، ثم أرتّبُ هذه الآثار على أبوابها الفقهية في فهرس الكتاب كي يتسنَّى للباحِثِ والقارئ الوقوف على مراده منها. أما عن الفرق بين عملي في هذا الكتاب وعمل الشيخ زكريا بن غلام قادر الباكستاني في كتابه: "ما صَحَّ من آثار الصحابة في الفقه" -والذي صدر عن دار الخرَّاز ودار ابن حزم -فالفرق بين العملين يتلخَّص فيما يلي: أولًا: أن كتابه خاص بآثار الصحابة -في الفقه- دون التابعين، وكتابي جمع آثار الصحابة والتابعين. ثانيًا: أن كتابه -وفقه الله- خاص بالفقه دون غيره من أبواب الدين؛ أما كتابي فإنه شامل غير مختص بباب معين. ثالثًا: أنه قد فات الشيخ -وفقه الله- كثير من الآثار التي تتعلق بكتابه؛ لم يودعها، ولعلّ ذلك يعود لصعوبة احتواء هذه الآثار في أبواب فقهية -كما أسلفت- وكما سيتبين من خلال هذه السلسلة إن شاء الله. رابعًا: أن الشيخ اعتمد في كتابه على مصادر قليلة جدًا، أهمها: "الأوسط" لابن المنذر، و"المصنف" لابن أبي شيبة، و"مصنف عبد الرزاق"، وغيرها.

أما في هذه السلسلة فإني سأجمع -إن شاء الله- آثار الصحابة والتابعين من كتب الحديث المطبوعة -بما في ذلك السنن والمسانيد والمجاميع والأجزاء الحديثية- وما أقف عليه من مخطوطها. خامسًا: أني أفصّل في حكمي على الأثر بالإعتماد على كلام أهل العلم السابقين -إن وجد- وإلا بيَّنتُ ذلك بذكر طرق الأثر، وتخريجه تخريجًا علميًا على قواعد تخريج الأحاديث المرفوعة. وهذا هو المجلد الأول من قسم الصحيح من هذه الآثار، وهو يحتوي على ثلاثمائة وخمسين أثرًا، على أن تصدر هذه السلسلة تباعًا إن شاء الله تعالى، يسّر الله أمرنا وأمدّنا بعونه ورحمنا برحمته. هذا؛ وأسألُ الله تعالى أن يتقبَّلَ مِنَّا أعمالنا، وأن يكتب لنا فيها الإخلاص والقبول، وأن لا يجعلَ لأحدٍ من خلقه في المقصد والمأربِ نصيبًا. وهذا الكتاب أيها القارئ بين يَدَيكَ، وهو عمل بشر يعتريه الخطأ والزَّلَل، والحقُّ والصواب؛ فإن كانت الأولى فإني أستغفر الله تعالى من كل خطإٍ أو زللٍ، وأرجو ممن وقف على ذلك التصحيح والتنبيه، فإن العلم رَحِمٌ بين أهله، والنُّصح من مهمات هذا الدين. وإن كانت الثانية -وأسال الله تعالى أن يوفّقنا إليها- فهو فضل من الله ونعمة، وإكرام منه ومنّة، والحمد لله على كل حال. اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صَلَّيْتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. كتب ذلك: الفقير إلى عَفْوِ ربّه الرحيم أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي كان الله له الجية، منطقة جبل لبنان لثلاثٍ خلون من شهر صفر، سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة وألف

أثر عبد الله بن مسعود في بيان منزلة الصحابة

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم يَسِّر وأعِنْ 1 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إن اللهَ نَظَرَ في قلوب العباد فوجَدَ قَلْبَ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - خير قلوب العباد؛ فاصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ، فَابْتَعَثَهُ برسالته ثم نَظَرَ في قلوب العباد بعد قَلْبِ محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - فَوَجَدَ قلوبَ أصحابه خيرَ قلوب العباد؛ فَجَعَلَهُمْ وزراءَ نبيه؛ يقاتلون على دينِهِ؛ فما رآهُ المَسلمونَ حَسنًا فهو عند اللهِ حَسَنٌ، وما رَأَوْهُ سيئًا فهو عند الله سيِّئٌ". أثر حسن. أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 379) أو رقم (3600 - شاكر) والقطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة" (541) والحاكم في "المستدرك" (3/ 78) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8582) والآجري في "الشريعة" (2/ 413، 414/ 1204، 1205، 1206) والبزار (5/ 212/ 1816 - البحر الزخار) أو (1/ 81/ 130 - كشف الأستار) وأبو بكر بن النقور في "الفوائد" (32) وابن الأعرابي في "معجمه" (2/ 443/ 861). من طريق: أبي بكر بن عياش، عن عاصم بن أبي النجود، عن زر، عن عبد الله بن مسعود به. قال الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرح علل الترمذي" (2/ 788): "قال حنبل بن إسحاق، ثنا مسدد، ثنا أبو زيد الواسطي، عن حماد بن سلمة، قال: كان عاصم يحدثنا بالحديث الغداة عن زر، وبالعشي عن أبي وائل. قال العجلي: عاصم ثقة في الحديث، لكن يختلف عليه في حديث زر وأبي وائل". وقال الدارقطني في "العلل" (5/ 66 - 67/ 711): "يرويه عاصم؛ واختلف فيه، فرواه أبو بكر بن عياش وابن عيينة عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، وخالفهما المسعودي وحمزة الزيات، فروياه عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله.

وخالفهم نصر بن أبي الأشعث؛ رواه عن عاصم، عن المسيب بن رافع ومسلم بن صبيح، عن عبد الله. ورواه الأعمش، واختلف عنه؛ فقال عبد السلام بن حرب، عن الأعمش عن شقيق، عن عبد الله. وقال ابن عيينة: عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الله". قلت: حديث المسعودي أخرجه: الطيالسي في "مسنده" (246) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8583) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 375) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 422/ 445) وفي "تاريخ بغداد" (4/ 165) والبيهقي في "الإعتقاد" (ص 448 ط دار الفضيلة) والبغوي في "شرح السنة" (1/ 214/ 105) وابن الأعرابي في "معجمه" (2/ 444/ 862) والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (رقم: 49). من طريق: المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود به. والمسعودي اختلط، لكن الراوي عنه هنا في بعض الطرق أبو داود الطيالسي، وسماعه منه قبل الإختلاط. وتابعه عبد السلام بن حرب، عن الأعمش، عن أبي وائل به؛ عند الطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 8593) وفي "الأوسط" (رقم: 3602) والبزار كما في "كشف الأستار" (2367). وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 422 - 423/ 446) من طريق: الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله به. ويُروى مرفوعًا عن أنس بإسناد ضعيف جدًا؛ انظر "الضعيفة" (532). والأثر حسّنه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (959) والعجلوني في "كشف الخفاء" (2/ 188) والألباني في "الضعيفة" (2/ 17). * * * 2 - قال الحافظ أبو جعفر محمد بن سليمان المصيصي المعروف بـ"لوين" في جزئه (ص 68/ رقم: 21 - ط. مكتبة الرشد بالرياض):

خبر عروة البارقي مع الدهقان الذي فقأ عين فرسه

حدثنا أبو بحر بن عياش، عن عبد الملك بن عُمير، عن محمد بن المنقشر، عن عروة البارقي، قال: "كان لي أفراسٌ فيها فَحْلٌ شَرْوُهُ عشرون ألف درهم، ففقأ عينه دهقان؛ فأتيتُ عمر - رضي الله عنه -، فكتب إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: أن خيّر الدِّهْقَان بين أن يُعْطِيَهُ عشرين ألفًا ويأخذ الفرس، وبين أن يغرم ربع الثمن. فقال لي الدهقان: ما أصنع بالفرس؟! فغرم ربع الثمن". أثر حسن. رجاله كلهم ثقات، وعبد الملك بن عمير اللخمي قال عنه الحافظ: "ثقة فصيح عالم، تغير حفظه، وربما دلس". قلت: بل هو صدوق حسن الحديث إن شاء الله تعالى، كما تراه على التفصيل في "تحرير تقربب التهذيب" (2/ 386 - 387/ 4200)؛ فانظره. والدّهقان: يأتي بمعنى التاجر، أو المتصرف بحدة، أو زعيم فلاحي العجم، أو رئيس الإقليم ... وفي الأثر بيان أن كتابة الأحاديث والأحكام كان على عهد الخلفاء الراشدين خلافًا لما يزعمه البعض. وهذا الأثر يضاف إلى مقدمتي لكتاب "تقييد العلم" -للخطيب البغدادي- ط. المكتبة العصرية، في الفصل الذي كتبته عن تدوين الحديث. وفيه أيضًا بيان الحكم الشرعي فيمن فقأ عين فرس غيره، كما هو مفصل في هذا الأثر. * * * من أَدَبِ المَجْلِس: 3 - عن جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا إذا أتينا النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - جَلَسَ أحدُنا حيث ينتهي". أئر صحيح. أخرجه: أحمد (5/ 91، 107 - 108) أو رقم (20924، 21116 - قرطبة) وابنه عبد الله في زوائده على "المسند" (5/ 98) أو (21004 - قرطبة) وأبو داود (4825) والبخاري في "الأدب المفرد" (1141) والنسائي في

الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة

"الكبرى" (3/ 453/ 5899) والترمذي (2725) وزهير بن حرب في "العلم" (رقم: 100) وأبو جعفر المصيصي لوين في "جزئه" (رقم: 22) وابن حبان (14/ 345/ 6433) والطيالسي (780) والبيهقي (3/ 231) والطبراني في "الكبير" (2/ رقم: 1951) والمعافى بن عمران في "الزهد" (رقم: 132) وأبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان" (299). من طريق: شريك بن عبد الله، عن سماك، عن جابر بن سمرة به. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب، وقد رواه زهير عن سماك أيضًا". قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (1/ 2/ 648/ رقم: 330): "شريك فيه ضعف من قبل حفظه، لكن متابعة زهير إياه تقويه، وهو زهير بن معاوية بن حُديج، وهو ثقة من رجال الشيخين". فقه الأثر: قال العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-: "وفي الحديث تنبيه على أدب من آداب المجالس في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، طالما أهمله الناس اليوم -حتى أهل العلم- وهو أن الرجل إذا دخل المجلس يجلس فيه حتى ينتهي به المجلس، ولو عند عتبة الباب، فإذا وجد مثله فعليه أن يجلس فيه، ولا يترقَّب أن يقوم له بعض أهل المجلس من مجلسه؛ كما يفعل بعض المتكبرين من الرؤساء والمتعجرفين من المتمشيخين" اهـ. * * * 4 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "الإقتصادُ في السُّنّةِ خيرٌ من الإجتهاد في البدعة". أثر صحيح. أخرجه: الحاكم في "المستدرك" (1/ 103) وأحمد في "الزهد" (رقم: 869 - ط. دار الكتاب العربي) والدارمي في "مسنده" أو "سننه" (1/ 83/ 217 - ط. دار الكتاب العربي) أو (1/ 223/296 - ط. حسين سليم أسد) واللالكائي (1/ 61، 99/ 13، 14، 114) والمروزي في "السنة" (رقم: 90 - ط. العاصمة) وابن بطة في "الإبانة" (1/ رقم: 161، 201، 246، 247)

استفهام عمر بن الخطاب لصهيب في ثلاثة أمور

وأبو ذر الهروي في "ذم الكلام وأهله" (3/ 70/ 429، 430 - ط. العلوم والحكم) أو (2/ 344، 345/ 437، 438 - ط. الغرباء الأثرية) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 383/ 391) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 1179/ 2334) -معلقًا-. من طريق الأعمش، عن عمارة بن عمير ومالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله بن مسعود به. وإسناده صحيح. وله طريق أخرى عند الطبراني في "الكبير" (10/ رقم: 10488) فيها ضعف، بسبب محمد بن بشير الكندي، وانظر "مجمع الزوائد" (1/ 173). وله طرق أخرى عند المروزي في "السنة" (91) وابن بطة في "الإبانة" (1/ رقم: 178، 179) وأبو جعفر الطوسي في "الأمالي" (رقم: 484). ورُوي الأثر عن أبي الدرداء وأُبي بن كعب. والأثر صحّحه المحدث الألباني في "صلاة التراويح " (ص 6 - ط. المكتب الإسلامي). وأثر أبي الدرداء؛ أخرجه ابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 102) وابن بطة (232) واللالكائي (115) وغيرهم، وهو صحيح أيضًا. * * * 5 - عن حمزة بن صهيب؛ أن صهيبًا كان يكنى أبا يحيى، ويقول: إنه من العرب، ويطعم الطعام الكثير، فقال له عمر: "يا صهيب؛ مالك تكنى أبا يحيى وليس لك ولد؟ وتقول: إنك من العرب، وتطعم الطعام الكثير؛ وذلك سرف في المال؟! فقال صهيب: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كناني أبا يحيى. وأما قولك في النسب؛ فأنا رجلٌ من النمر بن قاسط، من أهل الموصل، ولكني سُبيتُ غلامًا صغيرًا، قد غفلتُ أهلي وقومي. وأما قولك في الطعام؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "خياركم من أطعمَ

الطعامَ وردَّ السلام"؛ فذلك الذي يحملني على أن أُطعِمَ الطعام". أثر حسن. أخرجه: أحمد في "المسند" (6/ 16) أو رقم: (34032 - قرطبة) وابن ماجه -مختصرًا- (3738) والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ رقم: 7310) ولوين في "جزئه" (رقم: 63) وابن سعد في "الطبقات" (3/ 170 - 171) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 340) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 153). من طريق: عبد الرحمن بن مهدي، عن زهير، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن حمزة بن صهيب به. قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (1/ 1/ 110): "وإسناده حسن، وهو وإن كان فيه زهير؛ وهو ابن محمد التميمي الخراساني، فإنه من رواية غير الشاميين عنه، وهي مستقيمة. لكن حمزة لم يوثقه غير ابن حبان، وما روى عنه إلا اثنان، لكنه تابعي، فيمكن تحسين حديثه" اهـ. وقال الحافظ أبو نعيم في "الحلية": "رواه يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن صهيب نحوه". ثم ساقه من رواية محمد بن بشر، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى به. وخالفه سعيد بن يحيى الأموي؛ فرواه عن أبيه، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه به. أخرجه الحاكم (3/ 398) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/ 218/ 285). وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/ رقم: 7297) والتيمي في "سير السلف الصالحين" (2/ 455 - 456). من طريق: ربيعة بن عثمان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه به. وضعَّف إسناده الشيخ الألباني. وأخرجه أحمد (6/ 333) من طريق: بهز، عن حماد بن سلمة، عن زيد بن أسلم؛ أن عمر بن الخطاب قال لصهيب ... فذكره.

مشروعية الاكتناء لمن لا ولد له

رهو منقطع بين زيد بن أسلم وعمر بن الخطاب. قال الشيخ الألباني: "وبالجملة" فالحديث قوي بهذه الطرق، وقد ذكر نحوه ابن حجر في "الفتح" (4/ 413) اهـ. "الصحيحة" (رقم: 44). من فوائد الحديث: [الكلام تحت هذا العنوان للعلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-]. "وفي هذا الحديث فوائد: الأولى: مشروعية الإكتناء لمن لم يكن له ولد؛ بل قد صحّ في البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كنى طفلة صغيرة حينما كساها ثوبًا جميلًا، فقال لها: "هذا سنا يا أم خالد! هذا سنا يا أم خالد". وقد هجر المسلمون -لا سيما الأعاجم منهم- هذه السنة العربية الإسلامية، فقلّما تجد من يكتني منهم، ولو كان له طائفة من الأولاد، فكيف من لا ولد له؟! وأقاموا مقام هذه السنة ألقابًا مبتدعة؛ مثل: الأفندي، والبيك، والباشا، ثم السيد، أو الأستاذ، ونحو ذلك مما يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة؛ فليتنبه لهذا. الثانية: فضل إطعام الطعام، وهو من العادات الجميلة التي امتاز بها العرب على غيرهم من الأمم، ثم جاء الإسلام وفد ذلك أيما توكيد؛ كما في هذا الحديث الشريف، بينما لا تعرف ذلك أوروبا، ولا تستذوقه، اللهم! إلا من دان بالإسلام منها؛ كالألبان ونحوهم. وإن مما يؤسف له أن قومنا بدؤوا يتأثرون بأوروبا في طريقة حياتنا -ما وافق الإسلام منها وما خالف- فأخذوا لا يهتمون بالضيافة، ولا يلقون لها بالًا؛ اللهم! إلا ما كان منها في المناسبات الرسمية، ولسنا نريد هذا، بل إذا جاءنا أي صديق مسلم؛ وجب علينا أن نفتح له دورنا، وأن نعرض عليه ضيافتنا؛ فذلك حقٌّ له علينا ثلاثة أيام؛ كما جاء في الأحاديث الصحيحة. وإن من العجائب التي يسمعها المسلم في هذا العصر الإعتزار بالعربية لمن لا يقدرها قدرها الصحيح، إذ لا نجد في كثير من دعاتها اللفظيّين من تتمثّل فيه

جواز الكلام في الأذان والإقامة للحاجة

الأخلاق العربية؛ كالكرم، والغيرة، والعزة، وغيرها من الأخلاق الكريمة التي هي من مقوّمات الأمم. ورحم الله من قال: وإنما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت ... فإن همُ ذهبت أخلاقُهم ذهبوا" اهـ. * * * 6 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: "حدثنا مسدد، قال: حدثنا حماد، عن أيوب وعبد الحميد صاحب الزيادي وعاصم الأحول، عن عبد الله بن الحارث، قال: "خطبنا ابن عباس في يوم رَزْغٍ، فلما بلغ المؤذن: (حيَّ على الصلاة)؛ فأمره أن يناديَ: الصلاة فى الرحال، فنظر القوم بعضهم إلى بعض، فقال: فعل هذا من هو خير منه، وإنها عزمة". أخرجه: البخاري (616، 668، 901) ومسلم (699) وأبو داود (1066) وابن ماجه (939) ولوين في "جزئه" (رقم: 76). من طريق: عبد الحميد به. فقه الأثر: هذا الأثر أخرجه الامام أبو عبد الله البخاري في "صحيحه" -كتاب الأذان (10) - باب: الكلام في الأذان. ثم قال: "وتكلم سليمان بن صُرَد في أذانه". هكذا ذكره معلقًا. "وقد وصله أبو نعيم شيخ البخاري في كتاب "الصلاة" له، وأخرجه البخاري في "التاريخ" عنه -وإسناده صحيح- ولفظه: "أنه كان يؤذن في العسكر فيأمر غلامه بالحاجة في أذانه" اهـ. كلام الحافظ ابن حجر. قلت: والأثر أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 192). أما الكلام في الأذان والإقامة؛ فقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رَحِمَهُ اللهُ- في "فتح الباري" (3/ 490 - 491 - ط. ابن الجوزي": "واختلف العلماء في الكلام في الأذان والإقامة على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه لا بأس به فيهما، وهو قول الحسن والأوزاعي. والثاني: يكره فيهما؛ وهو قول ابن سيرين والشعبي والنخعي وأبي حنيفة ومالك والثوري والشافعي، ورواية عن أحمد. وكلهم جعل كراهة الكلام في الإقامة أشد. وعلى هذا؛ فلو تكلم لمصلحة، كرد السلام وتشميت العاطس، فقال الثوري وبعض أصحابنا: لا يكره. والمنصوص عن أحمد في رواية علي بن سعد أنه يكره، وهو قول مالك وأبي حنيفة. وقال أصحاب الشافعي: لا يكره، وتركه أولى. وكذلك الكلام لمصلحة، فإن كان لغير مصلحة كُرِهَ. وقال إسحاق: إن كان لمصلحة غير دنيويّة؛ كرد السلام، والأمر بالمعروف، فلا يكره، وإلا كره، وعليه حمل ما فعله سليمان بن صرد. ووافق ابن بطة من أصحابنا قول إسحاق، إن كان لمصلحة. ورخّص في الكلام في الأذان عطاء وعروة. والقول الثالث: يكره في الإقامة دون الأذان؛ وهو المشهور عن أحمد، والذي نقله عنه عامة أصحابه، واستدل بفعل سليمان بن صرد. وقال الأوزاعي: يرد السلام في الأذان، ولا يرده في الإقامة. وقال الزهري: إذا تكلم في إقامته يعيد. والفرق بينهما؛ أن مبنى الإقامة على الحدر والإسراع، فالكلام ينافي ذلك. ثم قال: وحاصل الكلام في الأذان شبيه بكلام الخاطب في خطبته. والمشهور عن أحمد أنه لا يكره الكلام للخاطب، وإنما يكره للسامع" اهـ. قوله: "في يوم رزغ" .. بالزاي وبالغين المعجمة؛ هو: الوحل. أما أمره المؤذن أن يقول: "الصلاة في الرحال"؛ فقد اختُلف فيه متى يقوله؛ قال الحافظ في "الفتح" (2/ 117): "بوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري حذف "حي على الصلاة يوم المطر"، وكأنه نظر إلى

التحذير من الفتن

المعنى، لأن حيَّ على الصلاة، والصلاة في الرحال، وصلوا في بيوتكم؛ يناقض ذلك. وعند الشافعية وجه: أن يقول ذلك بعد الأذان، وآخر: أنه يقوله بعد الحيعلتين، والذي يقتضيه الحديث ما تقدم". وقال النووي في "المنهاج" -شرح صحيح مسلم- (5/ 207): "يجوز بعد الأذان وفي أثنائه لثبوت السنة فيهما، لكن قوله بعده أحسن؛ ليبقى نظم الأذان على وضعه" اهـ. وقوله: "فإنها عزمة" أي: ضد الرخصة. * * * 7 - عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - قال: "إن الفتنةَ وكلت بثلاث: بالحادّ النحرير الذي لا يرتفع له شيءٌ إلا قمعه بالسيف، وبالخطيب الذي يدعو إليها، وبالسيد، فأما هذان فتبطحهما لوجوههما، وأما السيد فتجتثه حتى تَبْلُوَ ما عنده". صحيح. أخرجه أحمد في "الزهد" (2/ 136 - ط. النهضة) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (15/ 17 - 18 - ط. الهند) أو (7/ 450/ 37124 - ط. العلمية) ونعيم بن حماد في "الفتن" (رقم: 352) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 274) وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (رقم: 28). من طريق: الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة به. فقه الأثر: في الأثر تحذير من الخطباء الذين يوطفون خطبهم لإشعال الفتن، أو الدعوة إليها، ومن هؤلاء الخطباء الحركيين الحزبيين الذين يدعون إلى الخروج على الحكام، أو يهيجون الشباب المسلم بالكلام في خطبهم حول الحكام وسياستهم، دون أن يوجّهوا الشباب الى العلم والحض عليه، والأولى بهم أن يعلموا الناس دينهم، وأن يحذروهم عن الشرك والبدع المتفشيان في الأمة، والله أعلم.

الأمر بالمحافظة على صلاة الجماعة

8 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "من سرَّهُ أن يلقى الله غدًا مُسْلِمًا فليحافظ على هؤلاء الصلواتِ حيثُ ينادى بهنَّ، فإن الله شَرَعَ لنبيّكُم - صلى الله عليه وسلم - سُنَنَ الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صلَّيتُم في بيوتكم كما يصلِّي هدا المُتَخَلِّفُ في بيته لتركتُم سُنَّةَ نبيكم، ولو تركتُم سُنَّةَ نبيكم لَضَلَلْتُمْ. وما من رجلِ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثم يَعْمِدُ الى مسجد من هذه المساجد إلا كَتَبَ الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعُهُ بها درجة، ويحطُّ عنه بها سيئة. ولقد رأيتُنَا وما يتخلَّفُ عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجلُ يؤتى به يُهَادَي بين الرجلين حتى يقامَ في الصف". أخرجه: مسلم (654) وأبو داود (550) والنسائي في "الكبرى" (1/ 297/ 922). ووقع في رواية أبي داود: " .. ولو تركتم سنة نبيكم لكفرتم .. " بدل "لضللتم". وهي رواية ضعيفة كما قال الشيخ الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب" (1/ 127/ 232). فقه الأثر: - بيان عظم قدر الصلاة ومنزلتها في الإسلام. - المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، ووجوب حضورها في الجماعة لمن تجب في حقه الجماعة. - بيان خطورة التخلف عن صلاة الجماعة، وأن التخلف عنها من صفات المنافقين، والعياذ بالله تعالى. - بيان عظم الأجر في المسير إلى المسجد. - يهادى بين الرجلين: أي يممثعي مستندًا بعضدين على رجلين. - فيه بيان حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على سنن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم وهديه، وعدم التهاون بتركها.

الحث على العمل ومشاركة العمال في أعمالهم

9 - قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري: حدثنا أبو نعيم، كال: حدثنا حنش بن الحاوث، عن أبيه [الحارث بن لقيط]، قال: "كان الرجلُ مِنَّا تُنتِجُ فرسه؛ فينحرها، فيقول: أنا أعيشُ حتى أركبَ هذه؟! فجاءنا كتاب عمر: أن أصلحوا ما رزقكم الله؛ فإن في الأمر تنفُّسًا". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 478) - باب (222) - اصطناع المال، ووكيع في "الزهد" (رقم: 470) وهناد في "الزهد" (رقم: 1289). وصححه الشيخ الألباني في "الصحيحة! " (1/ القسم الأول/ 38 - 39/ تحت الحديث رقم: 9). وانظر "فضل الله الصمد شرح الأدب المفرد" للجيلاني (1/ 563). * * * 10 - وقال البخاري: حدثنا أبو حفص بن علي، قال: حدثنا أبو عاصم قال: حدثنا عمرو بن وهب الطائفي، قال: حدثنا غطيف بن أبي سفيان، أن نافع بن عاصم أخبره، أنه سمع عبدَ الله بن عمرو كال لابن أخٍ له خرج من الوهط: "أيعملُ عُمّالُكَ؟ قال: لا أدري! قال: أما لو كنتَ ثَقفِيًّا لعلمتَ ما يعملُ عمالكَ. ثم التفتَ إلينا، فقال: إن الرجلَ إذا عَمِلَ مع عماله في داره -وقال أبو عاصم مرة: في ماله- كان عاملًا من عُمّال الله -عَزَّ وَجَلَّ-". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (448)، وقال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ الله- في "الصحيحة" (1/ 1/ 39/ رقم: 9): "وسنده حسن إن شاء الله". فقه الأثر: - الوهط: موضع بالطائف، وهي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص. - فيه: الحث على العمل، وأن يشارك عماله في أعمالهم.

النهي عن رفع الصوت في المساجد

11 - عن السائب بن يزيد قال: "كنتُ قائمًا في المسجد، فحصبني رجلٌ، فنظرتُ فإذا عمر بن الخطاب، فقال: اذهب فأتني بهاذين، فجئته بهما، قال: من أنتما -أو: من أين أنتما-؟ قالا: من أهل الطائف. قال: لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"!. أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم: 470) - 8 - كتاب الصلاة، (83) باب رفع الصوت في المسجد. فقه الأثر: قوله: "فحصبني"؛ أي: رماني بالحصباء. قال الحافظ ابن رجب في "فتح الباري" (2/ 565 - 566 - ط. ابن الجوزي): "وفيه أن التنبيه في المسجد بالحصب بالحصى جائز .. ". قال الحافظ ابن رجب (2/ 565): "إنما فرَّق عمر بين أهل المدينة وغيرها في هذا؛ لأن أهل المدينة لا يخفى عليهم حرمة مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه، بخلاف من لم يكن من أهلها؛ فإنه قد يخفى عليه مثل هذا القدر من احترام المسجد، فعفى عنه بجهله". أما حكم رفع الصوت في المسجد؛ فقال عنه ابن رجب (2/ 567): "ورفع الأصوات في المسجد على وجهين: أحدهما: أن يكون بذكر الله وقراءة القرآن والمواعظ وتعليم العلم وتعلّمه، فما كان من ذلك لحاجة عموم أهل المسجد إليه، مثل الأذان والإقامة وقراءة الإمام في الصلوات التي يجهر فيها بالقراءة، فهذا كله حسن مأمور به. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب علا صوتُه واشتد غضبُه؛ كأنه منذر جيش، يقول: "صبَّحكم ومسَّاكم"، وكان إذا قرأ في الصلاة بالناس تُسمع قراءته خارج المسجد، وكان بلال يؤذن بين يديه ويقيمُ في يوم الجمعة في المسجد. وقد كره بعض علماء المالكية في مسجد المدينة خاصة لمن بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يزيد في رفع صوته في الخطب والمواعظ على حاجة إسماع الحاضرين، تأدبًا مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - حاضر يسمع ذلك، فيلزم التأدب معه، كما لو كان حيًا. وما لا حاجة إلى الجهر فيه؛ فإن كان فيه أذًى لغيره ممن يشتغل بالطاعات

استنكار الإمام الشافعي من الحميدي -لما سأله عن حديث رواه-: أتعمل به؟!

- كمن يصلي لنفسه ويجهر بقراءته، حتى يُغلّط من يقرأ إلى جانبه أن يصلي؛ فإنه منهي عنه. وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة على أصحابه وهم يصلُّون في المسجد ويجهرون بالقراءة، فقال: "كلكم يناجي ربه، فلا بجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وفي رواية: "فلا يُؤْذِ بعضكم بعضًا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". خرَّجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد. وكذلك رفع الصوت بالعلم زائدًا على الحاجة مكروه عند أكثر العلماء، وقد سبق ذكره مستوفًى في أوائل "كتاب العلم" في باب: رفع الصوت بالعلم. الوجه الثاني: رفع الصوت بالإختصام ونحوه من أمور الدنيا؛ فهذا هو الذي نهى عنه عمر وغيره من الصحابة. ويشبهه: إنشاد الضالة في المسجد، وفي "صحيح مسلم" عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كراهته والزجر عنه، من رواية أبي هريرة وبريدة. وأشد منه كراهة: رفع الصوت بالخصام بالباطل في أمور الدين؛ فإن الله ذمّ الجدال في الله بغير علم، ولا جدال بالباطل، فإذا وقع ذلك في المسجد ورُفعت الأصوات به تضاعف قبحه وتحريمه، وقد كَرِهَ مالكٌ رفعَ الصوت في المسجد بالعلم وغيره. ورخَّصَ أبو حنيفة ومحمد بن مسلمة -من أصحاب مالك - في رفع الصوت في المسجد بالعلم والخصومة، وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس؛ لأنه مجمعهم ولا بد لهم منه" اهـ. * * * 12 - قال الحميدي: ذكر الشافعيُّ يومًا حديثًا؛ فقال له رجل: أتقول به يا أبا عبد الله؟ فاضطرب وقال: "يا هذا! أرأيتني نصرانيًا؟! أرأيتني خارجًا من كنيسة؟! أرأيتَ في وسطي زنارًا؟! أروي حديثًا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أقول به"!! أثر صحيح. أخرجه البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/ 174) وأبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان" (1/ 183) وفي "حلية الأولياء" (9/ 106) من طرق؛ عن الحميدي به.

حسد اليهود للمسلمين في نزول آية المائدة: {اليوم أكملت لكم دينكم}

وأورده السيوطي في "مفتاح الجنة في الإعتصام بالسنة" (ص 16/ رقم: 6 - ط. بدر البدر). وأخرج نحوه الهروي في "ذم الكلام" (2/ 262/ 330) عن أحمد بن نصر من قوله. فقه الأثر: في هذا الأثر الجميل ردٌّ واضح على المقلّدة الذين يققدون إمامًا معينًا أو مذهبًا معينًا؛ وإذا أتاهم الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أعرضوا عنه، وقالوا: نحن على مذهب الشافعي! أو على مذهب أبي حنيفة!! وهكذا. فها هو الإمام الشافعي يضطرب ويستغرب ويستنكر من الرجل الذي سأله: هل تأخذ بالحديث الذي ترويه؟ وانظر يا أخا الإسلام كيف كان رد الإمام الشافعي؛ فقد شبه الذي يدع حديث النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا يأخذ به بالنصراني والذمي الكافر، والعياذ بالله تعالى. وهذا مصداق قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. وقد استوعب المحدث الإمام محمد ناصر الدين الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم في وجوب اتباع الحديث الصحيح والسنة النبوية، وعدم الاعتماد والأخذ بأقوالهم إذا خالفت السنة، وأن الأصل هو: كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. استوعب هذه النقول في مقدمة كتابه الماتع "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -" فارجع إليه، هُدِيتَ للحقّ. * * * 13 - عن طاروق بن شهاب، قال: قالت اليهود لعمر بن الخطاب: إنكم تقرؤون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتّخذنا ذلك اليوم عيدًا.

الأعياد في الإسلام لا تكون إلا بالتشريع، لا بالرأي والاختراع

قال عمر: "وأي آية"؟ قالوا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]. قال عمر: (والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، والساعة التي نزلت فيها؛ نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشية عرفة، في يوم جمعة". أخرجه البخاري (45، 4407، 4606، 7268) ومسلم (3017) والنسائي في "الكبرى" (6/ 332 - 333/ 11137) وفي "المجتبى" (رقم: 3002، 5012) والترمذي (3043). فقه الأثر: فيه: "أن الاعياد لا تكون بالرأي والاختراع كما يفعله أهل الكتابين من قبلنا، وإنما تكون بالشرع والإتباع. فهذه الآية تضمنت إكمال الدين وإتمام النعمة، أنزلها الله في يوم شَرَعَهُ عيدًا لهذه الأمة من وجهين: أحدهما: أنه يوم عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة. والثاني: أنه يوم عيد أهل الموسم، وهو يوم مجمعهم الأكبر وموقفهم الأعظم. وقد قيل: إنه يوم الحج الأكبر. وقد جاء تسميتُه عيدًا في حديث مرفوع خرّجه أهل السنن، من حديث عقبة بن عامر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق؛ عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب". اهـ[فتح الباري/ لابن رجب (1/ 159 - 158)]. وفي الآية فوائد عظيمة، منها: ما قاله العلامة محمد سلطان المعصومي -رَحِمَهُ اللهُ-: "فطرق الدين والعبادات الصحيحة إنما هي ما بيّنه الذي خَلَقَ الخَلْقَ على لسان رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، فمن زاد على هذا أو نقص فقد خالف الحكيم الخلّاق

الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم وعلمائهم

العليم؛ بتركيبه الأدوية من عند نفسه، فربما صار دواؤه داءً، وعبادته معصية، وهو لا يشعر؛ لأن الدين قد كمل تمام الكمال، فمن زاد شيئًا فيه نقد ظنّ الدين ناقصًا، وهو يكمله باستحسان عقله الفاسد، وخياله الكاسد". وقال الإمام الشوكاني -رَحِمَهُ اللهُ-: "فإذا كان الله قد أكمل دينه قبل أن يقبض نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، فما هذا الرأي الذي أحدثه أهله بعد أن أكمل الله دينه؟! إن كان من الدين في اعتقادهم، فهو لم يكمل عندهم إلا برأيهم؛ وهذا فيه ردٌّ للقرآن. وإن لم يكن من الدين؛ فأي فائدة في الإشتغال بما ليس من الدين؟! وهذه حجة قاهرة، ودليل عظيم، لا يمكن لصاحب الرأي أن يدفعه بدافع أبدًا، فاجعَل هذه الآية الشريفة أول ما تصل به وجوه أهل الرأي، وترغم به آنافهم، وتَدْحَضُ به حججهم" اهـ. نقلًا من كتاب "البدعة وأثرها السيّئ في الأمة" (ص 27 - 28) للشيخ الفاضل: سليم بن عيد الهلالي وفقه الله تعالى. وفي مضمون الآية المذكورة؛ قال إمام دار الهجرة: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة، لأن الله يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا". وسيأتي تخريج هذا الأثر وشرحه في هذه السلسلة إن شاء الله تعالى. * * * 14 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "لا يزال الناس بخير ما أتاهم العِلْمُ من أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن أكابرهم، فإذا جاء العلمُ من قِبَلِ أَصَاغِرِهِمْ هَلَكُوا". أثر صحيح. أخرجه: عبد الله بن المبارك في "الزهد" (رقم: 815) وعبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 249، 257/ 20446، 20483) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 155/ 776 - ط ابن الجوزي) وفي "نصيحة أهل الحديث" (رقم: 6) والهروي في "ذم الكلام" (5/ 77/ 1412) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 616، 1057/ 617، 1058، 1060)

والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8589، 8590) وفي "المعجم الأوسط" (7/ 311/ 7590 - الحرمين) وابن عدي في مقدمة كتابه "الكامل" (1/ 164 - الفكر) أو (1/ 260، 261) وابن الأعرابي في "معجمه" (رقم: 926) واللالكائي في "شرح الأصول" (رقم 101) وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 49). من طرق؛ عن أبي إسحاق السبيعي، عن سعيد بن وهب، عن عبد الله به. وإسناده صحيح؛ وإن كان فيه أبو إسحاق السبيعي، فقد رواه عنه جمع من الثقات؛ منهم سفيان الثوري، وهو من أثبت الناس فيه كما في "تهذيب الكمال" للحافظ المزي (22/ 109). وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8591، 8592) من طريقين؛ عن شعبة وزيد بن حبان، عن زيد بن وهب، عن أبي إسحاق به. قال الطبراني: "هكذا رواه شعبة عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب. وتابعه زيد بن حبان: اهـ. تنبيه: وهم محقق "مجمع البحرين" للهيثمي (1/ 210) -ط. الرشد- في اعتبار سعيد بن وهب، أنه الثوري الهمداني الكرفي، ثم نقل قول الحافظ عنه أنه "مقبول". والصواب: أن سعيد بن وهب الذي في الإسناد هو: الهمداني الخيواني الكوفي والد عبد الرحمن بن سعيد بن وهب، المترجم قبل السابق، وهو ثقة، وهو الذي يروي عن عبد الله بن مسعود، أما السابق فلا رواية له عنه، والله أعلم. فقه الأثر: هذا أثر عظيم عزيز، فيه أصل عظيم من أصول العلم؛ وهو وجوب أخذ العلم عن الأكابر، وقد وردت الآثار الكثيرة في ذلك. والمقصود بالأصاغر هنا: "أهل البدع، أو: من لا علم عنده. ويحتمل أن يُراد بهم: من لا قَدْرٌ له ولا حال، ولا يكون ذلك إلا بنبذ الدين والمروءة، فأما من التزمهما فلا بد أن يسمو أمره ويعظم قدره". ["الحوادث والبدع" للطرطوشي (ص 80 - ط. ابن الجوزي)].

التحذير من أخذ العلم من الصغار والأحداث

وقال ابن قتيبة في شرح هذا الأثر: "يريد: لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، ولم يكن علماؤهم الأَحْداث، لأن الشيخ قد زالت عنه مُتْعَةُ الشباب، وحِدَّتُه، وعجلتُه، وسفهه، واستصحب التجربة والخبرة، فلا يدخل عليه في علمه الشبهة، ولا يغلب عليه الهوى، ولا يميل به الطمع، ولا يستزته الشيطان استزلال الحدَث، ومع السن الوقار والجلالة والهَيْبَة، والحدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمِنَتْ على الشيخ، فإذا دخلت عليه وأفتى؛ هلك وأهلك". أخرجه عنه الخطيب البغدادي في "نصيحة أهل الحديث" (رقم: 7) بإسناد حسن. قلت: ورحم اللهُ ابنَ قتيبة كأنه يحكي واقعنا وما نعايشه في هذا الزمان، من تولي الأحداث والشباب، والإعراض عن العلماء الكبار الثقات، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وانظر للمزيد من الفائدة مقدمة العلامة الفقيه عبد المحسن العبَّاد -حفظه الله- لكتاب "مدارك النظر" ففيه حكاية عن هذا الواقع، والله المستعان. وقد روى الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 670) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 324/ 1039) عن مالك قال: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة، فقال: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه، فقال له: أدَخَلَت عليك مصيبة؟ فقال: لا؛ ولكن استُفتِيَ من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم". قال الخطيب البغدادي: "ينبغي لإمام المسلمين أن يتصفح أحوال المُفْتِينَ، فمن كان يَصلُحُ للفتوى أَقَرَّهُ عليها، ومن لم يكن من أهلها منَعَهُ منها، وتقدَم إليه بأن لا تعرض لها، وأوعده بالعقوبة إن لم ينتهِ عنها". قلت: كيف لو رأى ربيعة ومالك والبغدادي حال زماننا؛ وقد انتصب للفتوى فيه أهل البدع والجهل، ومن لا يحسنون السُّنّة، إنما يدينون بالبدعة؟! كيف لو رأوا الشباب اليوم يترك ويعرض عن علماء الأمة الثقات الأكابر، ويركن إلى الأغمار الأصاغر، فيأخذ منهم الفتوى في مسائل عظيمة، يجسر العلماء الكبار عن الكلام فيها، فيأتي هؤلاء المرتزقة فيتكلمون ويفتون؛ فيكفّرون الأمة، ويتهمون من لم يوافقهم بالإرجاء! وبالتّجهُّم!! هذه التُّهمَ يتّهمون بها

الدين الحنيف قائم على الشرع والوحي، لا الأهواء ورأي العقول والاستحسانات

العلماء الكبار المحدِّثين؛ الذين قضوا عمرهم في الدفاع عن السنة ونشرها وتنقيتها من كل شائبة، يتهمون العلماء الذين أصّلُوا قواعد الدين والمنهج! فلا حول ولا قوة إلا بالله. * * * 15 - عن سعد بن أبي وقاص في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} الآية [يوسف: 3]؛ قال: "أنزل الله القرآن على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فتلاهُ عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسول الله؛ لو قصَصْتَ علينا! فأنزل الله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} الآية [يوسف: 1 - 2] فتلاهُ عليهم زمانًا. قالوا: يا رسول الله؛ لو حدَّثْتَنَا! فأنزل الله: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} الآية [الزمر: 23]، كل ذلك يؤمرون بالقرآن. زاد خلّاد -[أحد رجال الإسناد]-: وزادني فيه غيره: قالوا: يا رسول الله؛ لو ذكّرتنا! فأنزل الله: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16]. أثر حسن. أخرجه البزار كما في "البحر الزخار" (رقم: 1152، 1153) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (7/ 2099 - 1300/ 1323، 11325) وابن جرير الطبري في " تفسيره" (12/ 90 - مختصرًا) أو رقم (18776 - شاكر) وابن حبان في "صحيحه" (14/ 92/ 6209) والحاكم (2/ 345) والواحدي في "أسباب النزول" (ص: 269 - ط. الحميدان) وإسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" (رقم: 3634 ط. العاصمة) وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 87 - 88/ 740). من طرق؛ عن خلاد الصفار، عن عمرو بن قيس الملائي، عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد به. وليس عند بعضهم الزيادة الأخيرة. وهذا إسناد حسن؛ كما قال البوصيري في "الإتحاف"، والحافظ في "المطالب".

القتال مع أئمة الجور والضلال

وحسنه أيضًا شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (17/ 40)، وصححه العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 88). فقه الأثر: هذا أثر عظيم؛ يبيُّن أن الدين قائم على الشرع والوحي المنزّل، لا على الأهواء والآراء، ولا على ما تستحسنه العقول، وتحبه النفوس وتميل إليه. وقد روى أبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 203) بإسناده، عن رجل من أشجع، قال: "سمع الناسُ بالمدائن أن سلمان (الفارسي) في المسجد، فأتوه؛ فجعلوا يثوبون إليه حئى اجتمع إليه نحو من ألف. قال: فقام، فجعل يقول: اجلسوا، اجلسوا .. فلما جلسوا؛ فتح سورة يوسف يقرؤها، فجعلوا يتصدّعون ويذهبون، حتى بقي منهم في نحو من مائة! فغضب وقال: "الزخرف من القول أردتم! ثم قرأت كتاب الله عليكم ذهبتم! ". قال الشيخ المفضال عبد المالك الرمضاني الجزائري -وفقه الله- في كتابه الماتع "مدارك النظر في السياسة" (ص 141): "قلتُ: لعلّ اختيار سلمان - رضي الله عنه - لسورة يوسف دون غيرها؛ لما فيها من معاني القناعة بقصص كتاب الله دون ما تصبو إليه النفوس من حكايات وأحاجي، وهو قول الله: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ}، واقتداءً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حين سُئل قصصًا غير قصص القرآن، فتلى عليهم ما أنزل الله عليه من هذه السورة، وكذلك فعل عمر - رضي الله عنه - حين رأى من أقبل على كتاب فيه عجائب الأولين، فرضي الله عنهم جميعًا؛ ما أشدّ حرصهم على الهدي النبوي" اهـ. * * * 16 - عن سليمان بن قيس اليشكري، قال: قلتُ لجابر بن عبد الله: يكون علينا الإمام الجائر الظالم؛ أقاتل معه أهل الضلالة؟ قال: "نعم؛ عليه ما حُمّل وعليكم ما حُمِّلْتُم". أثر صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (12/ 449 - 450/

الأمر بصوم يوم عاشوراء

15225) أو (6/ 512/ 33367 - ط. العلمية) وحنبل في "جزئه - التاسع من فوائد ابن السماك" (رقم: 77) - واللفظ له. من طريق: حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان، عن سليمان بن قيس به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه مسلم (1846) والآجري في "الشريعة" (1/ 160 - 161/ 73) عن وائل الحضرمي، قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيتَ إن قامت علينا أمراء، فسألونا حقهم، ومنعونا حقنا، فما تأمرنا"؟ فأعرض عنه، ثم سأله الثانية أو في الثالثة؛ فجذبه الأشعث بن قيس، وقال: "اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمّلوا وعليكم ما حُمّلتم". * * * 17 - عن الأسود بن يزيد، قال: "ما رأيتُ أحدًا ممّن كان بالكوفة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - آمر بصوم عاشوراء من عليّ عليه السلام وأبي موسى الأشعري". أخرجه: ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 312/ رقم: 9361، 9362 - العلمية) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 1212) وعبد الرزاق في "مصنفه" (4/ رقم: 7836) والبيهقي في "سننه الكبرى" (4/ 286) وأبو القاسم البغوي في "الجعديات حديث علي بن الجعد" (2/ 230/ 2536 - ط. الخانجي المصرية) أو (رقم: 2524 - ط. الكتب العلمية) أو (رقم: 2618 - الطبعة الكويتية) -[وفي الطبعتين الأخيرتين عنوان الكتاب: مسند ابن الجعد!!]- وأبو ذر الهروي في "جزء من فوائد حديثه" (رقم: 11 - ط. الرشد بالرياض) وابن عبد البر في "التمهيد" (22/ 150) وأبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في "تاريخه"- كما في "اللفظ المكرم بفضل عاشوراء المحرم" ضمن "مجموع فيه رسائل الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي"/ ص 74 - ط. ابن حزم) - ولوين في "جزئه" (رقم: 42)، من طرق كثيرة؛ عن أبي إسحاق، عن الأسود به.

تفسير قول الله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}

وإسناد الأثر صحيح؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (رقم: 1077 - ط. العاصمة). * * * 18 - عن مجاهد -رَحِمَهُ اللهُ- في تفسير قوله تعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 269] قال: "العلمَ والفقهَ". أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 531/ 2823) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 132، 133/ 105، 106، 107) والآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 1) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/ 90) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 270). من طرق؛ عن ليث بن أبي سُليم، عن مجاهد به. وهذا إسناد ضعيف لأجل ليث بن أبي سُليم؛ "صدوق اختلط جدًا" كما في "التقريب". لكن يشهد له ما أخرجه الآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 2) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 271) وابن أبي حاتم (7/ 2119/ 11452) والطبري (7/ 178). من طريق: شبابة، أنبأنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: {آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا} [يوسف: 22]، قال: "الفقه والعقل والعلم". وهذا إسناد صحيح، والله تعالى أعلم. * * * 19 - عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - في تفسير قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، قال: "أولوا الفقه والخير". أثر حسن. أخرجه ابن أبي شيبة فى "مصنفه" (6/ 421/ 325231 - العلمية) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 988/ 5533) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 94) والآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 5) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 768/ 1419) والبيهقي في "المدخل" (268).

من طريق: عبد الله بن عقيل، عن جابر به. وعبد الله بن عقيل بن أبي طالب؛ "صدوق في حديثه لين، ويقال: تغير بأخرة! [تقريب]. قلت: ومثله حديثه حسن إن شاء الله تعالى. وأخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 126/ 91) والبيهقى في "المدخل" (268) من طريق: محمد بن حميد، ثنا إبراهيم بن المختار، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر به. وهذا إسناد ضعيف؛ لكنه حسن بما قبله. وانظر الأثر الذي بعده. وصحّ عن عطاء مثل هذا التفسير عند ابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 147) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (رقم: 101)، وانظر "سنن الدارمي" (1/ 297/ 225). * * * 20 - عن مجاهد في قول الله: {وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، قال: "الفقهاء والعلماء". أثر صحيح. أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 94) والآجري فى "أخلاق العلماء" (رقم: 6) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم: (1/ 768/ 1418) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 128، 129/ 96، 97، 98) وسعيد بن منصور في "سننه" (4/ 1290/ 656 - ط. الصميعي) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 151 - 152/ 228، 229) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 989/ 5535) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 293 - 294). من طرق؛ عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد به. وليث تقدم أنه ضعيف، لكنه توبع؛ تابعه الأعمش عن مجاهد به، أخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 127، 128/ 93، 94) وابن جرير الطبري (5/ 149) وسعيد بن منصور في "سننه" (4/ 1287/ 653 - الصميعي) وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 292) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 62).

تعقب على محقق كتاب "الفقيه والمتفقه" للخطيب البغدادي الأستاذ يوسف العزاري في تصحيحه لأثر مجاهد

والأعمش مدلس، لا سيما عن مجاهد. فتصحيح إسناده -كما فعل محقق كتاب "الفقيه والمتفقه" ط. دار ابن الجوزي- بعيد جدًا. وتابعه ابن أبي نجيح، عن مجاهد به، أخرجه: عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 166) وابن جرير في "تفسيره" (8/ 501/ 9272 - شاكر) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (12/ 213/ 05) وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 293). وإسناده صحيح. وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 128/ 95) من طريق: تليد، عن منصور، عن مجاهد به. وتليد بن سليمان؛ ضعيف. خلاصة الكلام: أن الأثر صحيح، فلله الحمد والمنة. * * * 21 - عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال: "علمٌ لا يُقال به ككنزٍ لا ينفق منه". أخرجه: ابن أبى شيبة في "مصنفه" (13/ 334/ 16514) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 12) والدارمي في "مسنده" (1/ 461/ 574). من طريق: أبي معاوية، عن الأعمش، عن صالح بن خباب، عن حصين بن عقبة، عن سلمان به. قال الشيخ الألباني في تحقيقه لكتاب "العلم": "إسناد هذا الأثر جيد". * * * 22 - عن زيد بن أرقم قال: "أول من صلّى مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ علي" - وفي لفظ: "أول من أسلم علي". أخرجه: أحمد في "المسند" (4/ 368، 370) وفي "الفضائل" (1000، 1004) وابن أبي شيبة في "المغازي" (رقم: 61) والترمذي (3735) والنسائي في

تفسير قوله تعالى: {اتقوا الله حق تقاته}

"خصائص علي بن أبي طالب" (رقم: 2، 3، 4، 5) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 678) والطبري في "تاريخه" (2/ 211 - 212) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 21 - ط. صادر) والطبراني في "الأوائل" (رقم: 53) وفي "الكبير" (5/ رقم: 50502) و (11/ رقم: 12151) وابن أبي عاصم في "الأوائل" (ص 46) والحاكم في "المستدرك" (3/ 136) والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/ 206) وابن عبد البر في "الإستيعاب" (3/ 32) والخوارزمي فى "المناقب" (رقم: 22). من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرة، عن أبي حمزة، عن زيد بن أرقم به. وهذا إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين، سوى أبي حمزة، واسمه: طلحة بن يزيد، وهو من رجال البخاري. * * * 23 - عن ابن مسعود - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102]، قال: "أن يُطَاعَ فلا يُعصى، وأن يُذكرَ فلا يُنسى، وأن يُشكرَ فلا يُكْفَر". أخرجه: الحاكم في "المستدرك" (2/ 294) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 772/ 3908) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (7/ 65/ 7526 - شاكر) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (رقم: 93 - ط. المكتبة العصرية) وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (رقم: 475) والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص 84 - 85) والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ رقم: 8501، 8502). من طريق: زُبيد اليامي، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله بن مسعود موقوفًا. قال الهيثمي في "المجمع" (6/ 326): "رواه الطبراني بإسنادين؛ رجال أحدهما رجال الصحيح، والآخر ضعيف". وقال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (1/ 505): "إسناده صحيح موقوف". تنبيه: عزا الحافظ ابن كثير الأثر للحاكم، وقال: "كذا رواه الحاكم من حديث مسعر، عن زبيد، عن مرة، عن ابن مسعود مرفوعًا.

تحريم سفك الدم الحرام

قال الشيخ المحدث أحمد محمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ- في "عمدة التفاسير" (2/ 14 - 15): "إن الرواية عند الحاكم موقوفة، وكذلك ثبتت في مخطوطة مختصره للذهبي، إلا أن يكون الحاكم رواه في موضع آخر مرفوعًا؛ ولا أظنه" اهـ. * * * 24 - قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثني أحمد بن يعقوب، حدثنا اسحاق بن سعيد، قال: سمعتُ أبي يحدّث عن عبد الله بن عمر، قال: "إن من وَرْطَاتِ الأمور التي لا مخرج لمن أَوْقَعَ نفسَه فيها؛ سفكَ الدّم الحرام بغير حِلّه". أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم: 6863). فقه الأثر: في الأثر دلالة واضحة على عظم سفك الدم الحرام، ذلك أن القاتل إذا قتل أو سفك دمًا حرامًا لا يحل له قتله؛ فقد ورّط نفسه؛ "فإن زوال الدنيا أعظم عند الله من قتل رجل مسلم" كما صحّ بذلك الحديث. واعلم؛ أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أمر الذابح إذا أراد أن يذبح ذبيحته، بأن يحد شفرته كي يريحَ ذبيحته رفقًا بهذا الحيوان الذي أحل الله ذبحه وأكله، فكيف بالإنسان وهو أكرم من الحيوان بكثير وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآية. وقد وردت الأحاديث الكثيرة التي تحرم التعرض للمسلم بالأذى فضلًا عن تحريم قتله وسفك دمه؛ فماذا عسى أن يقول هؤلاء الذين يبيحون لأنفسهم قتل المسلمين والأبرياء والمستأمنين، من الجماعات التي تدّعي الإسلام، والتي تقاتل باسم الإسلام، والتي تزعم أنها تريد تحكيم شريعة الله! فها هي شريعة الله تحرم قتل المؤمن، وها هم يقتلون المسلمين والأبرياء، فهم أول من نقض حكم الله، وحكّموا أهواءهم، وفاقد الشيء لا يعطيه، فهل عسى سيتبصّر الشباب المسلم؟! * * * 25 - عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: "اجتنبوا الخمرَ فإنها أم الخبائث، إنه كان رجلٌ ممن خلا قبلكم تعبَّدَ، فعلِقَتْهُ امرأةٌ

الرمل في الجنازة من هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم

غويّة، فأرسلت إليه جاريتها، فقالت له: إنا ندعوك للشهادة؛ فانطلق مع جاريتها، فطفقت كُلّما دخل بابًا أغلقته دونه، حتى أفضى الى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمرٍ، فقالت: اني واللهِ ما دَعَوْتُكَ للشهادة؛ ولكن دعوتك لتقع عليَّ، أو تشربَ من هذه الخمرة كأسًا، أو تقتُلَ هذا الغلام! قال: فاسقني من هذا الخمر كأسًا، فسَقَتْهُ كأسًا، قال: زيدوني، فلم يَرِمْ حتى وقع عليها، وقتل النفس. فاجتنبوا الخمر؛ فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن تُخرج أحدهما صاحبَهُ". أثر صحيح. أخرجه النسائي في "المجتبى" (8/ 315) أو رقم (5682، 5683 - المعرفة"، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي" (رقم: 5236 - المكتب الإسلامي). فقه الأثر: فيه بيان (ذكر الآثام المتولدة عن شرب الخمر من ترك الصلوات، ومن قتل النفس التي حرّم الله، ومن وقوع على المحارم) كما بوّب بذلك الحافظ النسائي -رَحِمَهُ اللهُ-. * * * 26 - عن عبد الرحمن بن يونس، قال: "شهدتُ جنازة عبد الرحمن بن سَمُرة وخرج زيادٌ يمشي بين يدي السرير، فجعل رجالٌ من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير ويمشون على أعقابهم ويقولون: رُوَيْدًا رُوَيْدًا بارك الله فيكم، فكانوا يدِبُّون دبيبًا، حتى إذا كنا ببعض طريق المِرْبَد لحقنا أبو بكرةَ على بغلة، فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى اليهم بالسَّوْطِ، وقال: خلُّوا؛ فالولّذي كرم وجه أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -؛ لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإنا لنكادُ نرمُلُ بها رَمَلًا؛ فانبسط القوم". أثر صحيح. أخرجه النسائي في "المجتبى" (السنن الصغرى) - (4/ 42 - 43) أو رقم (1911 - المعرفة) وأخرجه أبو داود (3182، 3183) بنحوه

مختصرًا، وأحمد (5/ 36 - 38) والطيالسي في "مسنده" (883) والبيهقي (4/ 22) والحاكم (1/ 355). وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي" (رقم: 1804). فقه الأثر: قال القرطبي في "التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة" (1/ 92 - 93 - ط. المكتبة العصرية) -نقلًا عن ابن عبد البر-: "والذي عليه جماعة أهل العلم في ذلك الإسراع فوق السجية قليلًا، والعجلة أحب إليهم من الإبطاء، ويُكره الإسراع الذي يشق على ضعفة من يتبعها. وقال إبراهيم النخعي: انشطوا بها قليلًا، ولا تدبّوا دبيب اليهود والنصارى". وقال العلامة ابن قيم الجوزية في "زاد المعاد" (1/ 517 - الرسالة): "وكان يأمر بالإسراع بها، حتى إن كانوا ليرملون بها رملًا، وأما دبيب الناس اليوم خطوة خطوة؛ فبدعة مكروهة مخالفة للسنة، ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب؛ اليهود، وكان أبو بكرة يرفع السوط على من يفعل ذلك، ويقول: لقد رأيتنا ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نرمُلُ رملًا". وانظر "الأمر بالاتباع" للسيوطي (ص 251) و"أحكام الجنائز" للعلامة الألباني (ص 314 - المعارف). * * * 27 - عن الأعمش، قال: سمعتُ سالمًا قال: سمعتُ أم الدرداء تقول: دخل أبو الدرداء وهو مُغضَبٌ، فقلتُ: ما أغضبكَ؟ فقال: "والله ما أعرف من أمّة محمد - صلى الله عليه وسلم - شيئًا إلا أنهم يُصلُّونَ جميعًا". أخرجه البخاري (650) وأحمد في "مسنده" (5/ 195) و (6/ 443) أو رقم (21790، 27607، 27608 - قرطبة) وفى "الزهد" (2/ 60 - ط. دار النهضة) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 196) وابن بطة في "الإبانة" (725). من طرق؛ عن الأعمش به.

بكاء أنس بن مالك من تأخير الصلاة عن وقتها

فقه الأثر: قال الحافظ في "الفتح" (2/ 162): قوله: "يصلّون جميعًا": أي: مجتمعين، ومراد أبي الدرداء: أن أعمال المذكورين حصل في جميعها النقص والتغيير إلا التجميع في الصلاة، وهو أمر نسبي لأن حال الناس في زمن النبوة كان أتم مما صار إليه بعدها، ثم كان في زمن الشيخين أتم مما صار إليه بعدهما، وكان ذلك صدر من أبي الدرداء في أواخر العصر الفاضل بالصفة المذكورة عند أبي الدرداء؛ فكيف بمن جاء بعدهم من الطبقات إلى هذا الزمان؟! وفي هذا الحديث جواز الغضب عند تغير شيء من أمور الدين، وإنكار المنكر بإظهار الغضب إذا لم يستطع أكثر منه، والقسم على الخبر لتأكيده في نفس السامع". * * * 28 - قال الزهري: دخلتُ على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي، فقلتُ ما يبكيك؟! فقال: "لا أعرف شيئًا مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيّعَتُ". أخرجه البخاري (530)، وأخرجه برقم (529) وأحمد في "المسند" (3/ 100 - 101، 270) والترمذي (2447) وابن المبارك في "الزهد" (1512) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (193) والضياء في "المختارة" (رقم: 1723، 1724) وأبو يعلى في "مسنده" (6/ 74 - 75/ 3330) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 718). من طرق؛ عن أنس به. فقه الأثر: قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (3/ 56 - ط ابن الجوزي): "إنما كان يبكي أنس بن مالك في تضييع الصلاة إضاعة مواقيتها" اهـ. ذلك أن الحجاج كان يؤخر الصلاة عن وقتها؛ فكان يصلي الظهر والعصر مع غروب الشمس!

النهي عن الابتداع، وبيان أن البدع سبب في ذهاب السنن

ففي الأثر تعظيم قدر الصلاة، وشأن الإعتناء بها، وإقامتها في وقتها المأمور به، وعدم تأخيرها عن وقتها، أو الجمع بين الصلاتين إلا من عذر أو حاجة. وفيه: جواز البكاء عند رؤية المحدثات والمخالفات، وهذا يدلّك على شدّة حرص أصحاب النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على أمر الدين، والله أعلم. * * * 29 - عن حسان بن عطية، قال: "ما أحدث قومٌ بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدُها إليهم إلى يوم القيامة". أخرجه: الدارمي في "مسنده" (1/ 231/ 99 - حسين سليم) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 90) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 73) ويعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 386) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (1/ 104/ 129) وابن بطة في "الإبانة" (1/ 351/ 328) والهروي في "ذم الكلام" (4/ 151/ 927) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/ 440 - ط دار الفكر). من طرق؛ عن الأوزاعي، عن حسان به. * * * 30 - كتب عديُّ بن أرطاة إلى عمر بن عبد العزيز يستشيره في القدرية، فكتب إليه عمر بن عبد العزيز: "أما بعد؛ أوصيكَ بتقوى الله، والإقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وتَرْكِ ما أَحدَثَ المحدِثونَ بعدما جرت به سُنّته، وكفوا مؤنته. فعليك بلزوم السنة، فإنها لك -بإذن الله- عِصْمَة. ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها، أو عبرة فيها؛ فإن السنة إنما سنَّها من قد علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارضَ لنفسك ما رضي به القوم لأنفسهم؛ فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافدٍ كفوا، وهم على كشف الأمور كانوا أقوى،

وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم اليه، ولئن قلتم: إنما حدث بعدهم؛ ما أحدثه الا من اتبع غير سبيلهم وركب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلّموا فبه بما يكفي، ووصفوا منه ما يشفي، فما دونهم من مُقَصِّرِ، وما فوقه من محسر، وقد قصرَ قوم دونهم فَجَفُوا، وطمع عنهم أقوام فغلوا، وإنهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم. كتبتَ تسأل عن الإقرار بالقدر؛ فعلى الخبير -بإذن الله- وقعتَ؛ ما أعلم ما أحَدْثَ الناسُ من مُحْدَثَةِ، ولا ابتدعوا من بدعة هي أبين أثرًا ولا أثبتُ أمرًا من الإقرار بالقدر. لقد كان ذكره في الجاهلية الجهلاء؛ بتكلّمون به في كلامهم وفي شعرهم، يُعَزُّون به أنفسهم على ما فاتهم، ثم لم يَزِدْهُ الإسلام بعدُ الا شدّة، ولقد ذكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غير حديث ولا حديثين، وقد سمعه منه المسلمون، فتكلّموا به في حيانه وبعد وفاته، يقينًا وتسليمًا لربهم، وتضعيفًا لأنفسهم؛ أن يكون شيء لم يُحِط به علمه، ولم يحصه كتابه، ولم يمضِ فيه قَدَرُه، وإنه مع ذلك في مُحْكَم كتابه؛ منه اقتبسوه، ومنه تعلّموه، ولئن قلتم: لم أنزل الله آية كذا؟ ولمَ قال كذا؟ لقد قرأوا منه ما قرأتم، وعلموا من تأويله ما جهلتم، وقالوا بعد ذلك: كله بكتاب وقَدرٍ، وكتبت الشقاوة، وما يُقْدَرُ يكن، وما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا نملك لأنفسنا ضرًا ولا نفعًا، ثم ركبوا بعد ذلك ورهبوا". أخرجه أبو داود (4612) وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 338) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 163) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 16) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 74) والفريابي في "القدر" (رقم: 445) والآجري في "الشريعة" (1/ 443 - 446/ 570، 571). من طرق صحيحة. والأثر صححه الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح سنن أبي داود" بقوله: "صحيح مقطوع". قلت: وهو موصول عند بقية من خرّجه.

فقه الأثر: قوله: "أوصيك بتقوى الله .. إلخ". قال شرف الحق العظيم آبادي صاحب "عون المعبود" (12/ 201 - وما بعدها- ط. دار إحياء التراث العربي): "والحاصل أنه أوصاه بأمور أربعة: أن يتقيَ الله تعالى، وأن يقتصد -أي: يتوسط بين الإفراط والتفريط- في أمر الله -أي: فيما أمره الله تعالى- لا في يد على ذلك ولا ينقص منه، وأن يستقيم فيما أمره الله تعالى؛ لا يرغب عنه إلى اليمين ولا إلى اليسار، وأن يتبع سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وطريقه، وأن يترك ما ابتدعه المبتدعون". وقوله: "كفوا مؤنته"؛ قال العظيم آبادي: "أي: أغناهم الله تعالى عن أن يحملوا على ظهورهم ثقل الإحداث والإبتداع، فإنه تعالى قد أكمل لعباده دينهم، وأتمَّ عليهم نعمته، ورَضِيَ لهم الإسلام دينًا؛ فلم يترك إليهم حاجة للعباد في أن يُحْدِثوا لهم في دينهم -أي: يزيدوا عليه شيئًا، أو ينقصوا منه شيئًا، وقد قال - صلى الله عليه وآله وسلم -: "شر الأمور محدثاتها". - قوله: "فارضَ لنفسك ما رضي فيه القوم"؛ "أي: الطريقة التى رضي بها السلف الصالحون- أي: النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه". - قوله: "من محسر": أي: مكتشف، من حَسَرَ الشيء إذا كشفه. - وقوله: "كتبت تسأل عن الإقرار بالقدر .. إلخ". قال العظيم آبادي: "يقول: إن الإقرار بالقدر هو أبين أثرًا وأثبت أمرًا في علمي من كل ما أحدثه الناس من محدثة وابتدعوه من بدعة لا أعلم شيئًا مما أحدثوه وابتدعوه أبين أثرًا وأثبت أمرًا منه؛ أي: من الإقرار بالقدر، وإنما سمي الإقرار بالقدر محدثًا وبدعة لغة، نظرًا إلى تأليفه وتدوينه، فإن تأليفه وتدوينه محدث وبِدْعَة لغة بلا ريب. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدونه ولا أحد من أصحابه. ولم يسمه محدثًا وبدعة باعتبار نفسه وذاته، فإنه باعتبار نفسه وذاته سنة ثابتة ليس ببدعة أصلًا كما صرّح به فيما بعد" اهـ. وفي هذا الأثر بيان ذم البدعة وما أحدَثه المبتدعون، كيف لا؛ والمبتدع كما يقول الشاطبي في "الإعتصام" (1/ 62 - ط. الشيخ مشهور): "المبتدع معاند

القراءة في صلاة المغرب، وأقوال العلماء فيها

للشرع، ومشاقّ له، لأن الشارع قد عيّن لمطالب العبد طرقًا خاصة على وجوه خاصة، وقصر الخلق عليها بالأمر والنهي والوعد والوعيد، وأخبر أن الخير فيها، وأن الشرَّ في تعدّيها إلى غيرها؛ لأن الله يعلم ونحن لا نعلم، وأنه إنما أرسل الرسول - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين، فالمبتدع رادٌّ لهذا كله؛ فإنه يزعم أن ثمَّ طرقًا أُخر، وليس ما حصره الشارع بمحصور، ولا ما عينه بمتعيّن، وأن الشارع يعلم ونحن أيضًا نعلم، بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع أنه علم ما لم يعلمه الشارع! وهذا إن كان مقصودًا للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع، وإن كان غير مقصود فهو ضلال مبين! اهـ. * * * 31 - عن عروة بن الزبير، عن مروان بن الحكم، قال: "قال لي زيد بن ثابت: ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصّل؛ وقد سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بطولى الطولين"؟ قال: قلت: وما طولى الطولين؟ قال: "الأعراف". أخرجه البخاري (764) وأبو داود (812) والنسائي (2/ 170). فقه الأثر: هذا الأثر مما تكلّم الحفاظ في إسناده لاختلاف رواته فيه؛ كما تراه مفصّلًا في شرح الحافظ ابن رجب -رَحِمَهُ اللهُ- على "صحيح البخاري" (4/ 426 - وما بعدها). كما أن الشرّاح والفقهاء اختلفوا في فقهه؛ وأنا ألخص كلامهم بما يلي: قال الحافظ ابن رجب: "ذهب أكثر العلماء إلى استحباب تقصير الصلاة في المغرب. روى مالك في "الموطأ" بإسناده عن الصّنابحي، أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصلى وراء أبى بكر الصدّيق المغربَ، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليَينِ بأم القرآن وسورة من قصار المفصل ... وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري؛ أن يقرأ في صلاة المغرب بقصار المفضل ذكره الترمذي تعليقًا، وخرجه وكيع.

وروى وكيع في كتابه، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: سمعت عمر يقرأ في المغرب في الركعة الأولى بالتين والزيتون، وفي الثانية {أَلَمْ تَرَ} و {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1)}. وعن الربيع، عن الحسن؛ أنه كان يقرى فى المغرب {إِذَا زُلْزِلَتِ} والعاديات، لا يدعهما ... وخرّج أبو داود في "سننه" [815] عن ابن مسعود؛ أنه كان يقرأ في المغرب {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1)}. وعن هشام بن عروة؛ أن أباه كان يقرأ في المغرب بنحو ما تقرؤون، والعاديات ونحوها من السور. وهذا ما يُعَلَّلُ به حديثه عن مروان، عن زيد بن ثابت، كما تقدم. وذكر الترمذي: أن العمل عند أهل العلم على القراءة في المغرب بقصار المفضل، وهذا يشعر بحكاية الإجماع عليه". ثم ذكر الأحاديث والآثار التي تدل على القراءة بقصار المفصل. ثم قال: "وأشار أبو داود إلى نسخ القراءة بالأعراف، واستدلّ له بعمل عروة بن الزبير بخلافه، وهو رواية". ثم قال: "فإن قرأ في المغرب بهذه السور الطوال نفي كراهته قولان: أحدهما: يكره؛ وهو قول مالك. والثاني: لا يكره، بل يُستحَبُّ؛ وهو قول الشافعي؛ لصحة الحديث بذلك. حكى ذلك الترمذي في "جامعه"، وكذلك نص أحمد على أنه لا بأس به. ولكن إن كان ذلك يشق على المأمومين فإنه يكره أن يشقَّ عليهم كما سبق ذكره". اهـ. قلت: وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ بالمطول وبالقصار. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 290 - 291): "وطريق الجمع بين هذه الأحاديث أنه - صلى الله عليه وسلم - كان أحيانًا يطيل القراءة في المغرب؛ إما لبيان

حصب ابن عمر لمن لا يرفع يديه عند الركوع والرفع منه

الجواز، وإما لعلمه بعدم المشقة على المأمومين. وليس في حديث جبير بن مطعم (¬1) دليل على أن ذلك تكرر منه، وأما حديث زيد بن ثابت ففيه إشعار بذلك لكونه أنكر على مروان المواظبة على القراءة بقصار المفصل، ولو كان مروان يعلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - واظب على ذلك لاحتج به على زيد؛ لكن لم يُرِدْ زيد فيما يظهر المواظبة على القراءة بالطوال، وإنما أراد منه أن يتعاهد ذلك كما رآه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وفي حديث أم الفضل (¬2) إشعار بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في الصحة بأطول من المرسلات لكونه كان في حال شدة مرضه؛ وهو مظنة التخفيف، وهو يردُّ على أبي داود ادعاء نسخ التطويل، لأنه روى عقب حديث زيد بن ثابت من طريق عروة أنه كان يقرأ في المغرب بالقصار، قال: وهذا يدل على نسخ حديث زيد، ولم يبين وجه الدلالة. وكأنه لما رأى عروة راوي الخبر عمل بخلافه حمله على أنه اطلع على ناسخه. ولا يخفى بُعدُ هذا الحمل، وكيف تصح دعوى النسخ وأم الفضل تقول: إن آخر صلاة صلاها بهم قرأ بالمرسلات. قال ابن خزيمة في "صحيحه": هذا من الإختلاف المباح؛ فجائز للمصلي أن يقرأ في المغرب وفي الصلوات كلها بما أحب، إلا أنه إذا كان إمامًا استحب له أن يخفف في القراءة كما تقدم" اهـ. * * * 32 - عن نافع: "أن ابن عمر رضي الله عنه -ما كان إذا رأى رجلًا لا يرفع يدبه إذا ركع وإذا رفع؛ رماه بالحصى". أخرجه البخاري في "جزء رفع اليدين" (رقم: 15 - جلاء العينين) والحميدي في "مسنده" (2/ 277 - 278/ 615) وأحمد في "مسائل ابنه عبد الله" ¬

_ (¬1) وهو ما رواه البخاري عنه؛ أنه قال: "سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرا في المغرب بالطور". (¬2) وهو ما أخرجه البخاري أيضًا عن ابن عباس، أن أم الفضل سمعته يقرأ {والمرسلات عرفًا} فقالت: "يا بني، والله لقد ذكرتني بقراءتك هذه السورة إنها لآخر ما سمعتُ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ بها في المغرب".

الأمر بوضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة

(ص 70) وابن عبد البر في "التمهيد" (5/ 56) والدارقطني (1/ 289) والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 218) وابن الجوزي في "مناقب الإمام أحمد" (ص 83، 88) والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص 433). من طرق؛ عن الوليد بن مسلم، قال؛ سمعتُ زيد بن واقد، عن نافع به. والوليد بن مسلم مدلس؛ لكنه صرّح بالتحديث هنا. فقه الأثر: فيه أن السنة هي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه، كما تراه مفصلًا في كتاب الإمام البخاري "جزء رفع اليدين". وقال الإمام الشافعي: "لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رفع اليدين في افتتاح الصلاة وعند الركوع والرفع من الركوع؛ أن يترك الإقتداء بفعله - صلى الله عليه وسلم -". انظر "طبقات الشافعية الكبرى" للسبكي (2/ 100) ترجمة أبي إبراهيم إسماعيل بن يحيى المزني. وانظر لتمام الفاثدة "القول المبين في أخطاء المصلين" (ص 100 - 105) للشيخ الفاضل مشهور بن حسن آل سلمان وفقه الله. * * * 33 - عن سهل بن سعد، قال: "كان النَّاسُ يؤمرونَ أن يضعَ الرَّجُل يَدَهُ اليُمْنَى على ذِرَاعِهِ اليُسْرَى في الصَّلاةِ". قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. أخرجه البخاري (745) ومالك في "الموطأ" (1/ 159/ 47) - 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، (15) باب وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة. وأحمد في "المسند" (5/ 336) أو رقم (22956 - قرطبة). من طريق: أبي حازم، عن سهل به. فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح" (2/ 262): "هذا حكمه الرفع؛ لأنه محمول على أن الآمر لهم بذلك هو النبي - صلى الله عليه وسلم -".

مخالفة بعض المالكية الذين يرسلون أيديهم في الصلاة، للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان أن مذهب مالك هو القبض لا الإرسال

قلت: وهذا واضح وبيّن، يبيّنه قول أبي حازم: "لا أعلمه إلا ينمي ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -"، ومعنى ينمي: يُرْفَعُ ويُسْنَدُ. وفيه: أن السُّنَّةَ هي: وضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى في الصلاة. ويؤيّد هذا ما رواه ابن عباس رضي الله عنه -ما، أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: "إنا معشر الأنبياء أُمرنا أن نؤخّرَ سحورنا ونُعَجِّلَ فِطرَنَا، وأن نمسِكَ بأيماننا على شمائلنا في صلاتنا". أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (رقم: 1767). ومنه حديث وائل بن حجر، أنه قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه حين دخل في الصلاة فكبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى .. " أخرجه مسلم (401) وغيره. والآثار في ذلك كثيرة جدًا عن الصحابة والتابعين، لعلنا نخرج بعضها في هذه السلسلة إن شاء الله تعالى. قال الإمام أبو عيسى الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ- في "جامعه" (2/ 33): "العمل عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين ومن بعدهم على هذا؛ يَرَوْنَ أن يضعَ الرجلُ يمينَه على شماله في الصلاة". وقال ابن عبد البر -كما في "الفتح" (2/ 263) -: "لم يأتِ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه خلاف، وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين، وهو الذي ذكره مالك في الموطأ، ولم يحكِ ابن المنذر وغيره عن مالك غيره، وروى ابن القاسم عن مالك الإرسال، وصار إليه أكثر أصحابه، وعنه التفرقة بين الفريضة والنافلة .. ". وانظر "التمهيد" (5/ 59 - الطبعة المرتبة - دار الفاروق) أو (20/ 74 - المغربية). قال أبو عبد الله -غفر الله له-: وبهذا تعلم ما عليه بعض المالكيين (المنتسبين إلى المذهب المالكي) وبخاصة في الشمال الإفريقي من مخالفتهم للسنة النبوية، بل ولإمام مذههم الامام مالك -رَحِمَهُ اللهُ-، عندما يسدلون أيديهم في الصلاة، فقد تبيَّن لك أيها السُّنيّ أن الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - قُدْوَتنا جميعًا نحن معاشر المسلمين - أنه قبض يديه في الصلاة، بل وأن الإمام

قصة الخوارج الذين قتلوا بالشام، ونصيحة أبي أمامة لأبي غالب البصري

مالك روى هذا الأثر العظيم في "موطئه"، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟! أين يضع المصلّي يديه في الصلاة؟ السنة أن يضعَ المصلّي يده اليمنى على اليسرى على صدره. والدليل على ذلك حديث وائل بن حجر المتقدم، لكن ليس عند مسلم ذكر الصدر، وإنما هي عند أبي داود وابن خزيمة، وتفصيل هذا المبحث في "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - للعلامة الألباني (ص 88 - ط. المعارف) و"لا جديد في أحكام الصلاة" للشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -حفظه الله ودفع عنه كل سوء- (ص 17 - وما بعدها). وانظر "فتح الغفور في وضع اليدين على الصدور" للعلامة السندي -رَحِمَهُ الله. * * * 34 - عن أبي غالب البصري حزوّر، فال: كنتُ بالشام، فبعث المهلّب سبعين رأسًا من الخوارج، فنُصِبُوا على درج دمشق، وكنتُ على ظهر بيتٍ لي، فمرَّ أبو أمامة، فنزلتُ فاتبعتُه، فلما وقف عليهم دمعت عيناه، وقال: سبحان الله! ما يصنع الشيطان ببني آدم! -قالها ثلاثًا-، كلاب جهنم، كلاب جهنم، شرُّ قتلى تحت ظل السماء -ثلاث مرات- خير قتلى من قتلوه، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه. ثم التفت إليَّ فقال: يا أبا غالب! إنك بأرض هم بها كثير، فأعاذك الله منهم. قلت: رأيتك بكيتَ حين رأيتهم؟! قال: بكيتُ رحمة حين رأيتُهم؛ كانوا من أهل الإسلام، هل تقرأ سورة آل عمران؟ قلتُ: نعم. فقرأ: {الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} حتى بلغ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ} [آل عمران: 7]. وإن هؤلاء كان في قلوبهم زيغٌ فزِيغَ بهم.

ثم قرأ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} إلى قوله: {فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران: 105 - 107]. قلتُ: هم هؤلاء يا أبا أمامة؟ قال: نعم. قلت: من قِبَلِكَ تقول، أو شيء سمعته من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إني إذن لجريءٌ؛ بل سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا مرة، ولا مرتين .. حتى عدّ سبعًا. ثم قال: "إن بني إسرائيل تفرّقوا على إحدى وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة تزيد عليها فرقة؛ كلها في النار إلا السواد الأعظم. قلت: يا أبا أمامة؛ ألا ترى ما يفعلون؟ قال: {عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ} [سورة النور: 54]. أثر حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (15/ 307 - 308/ 19738) وأحمد (253/ 5، 256) أو رقم (22283، 22308 - قرطبة) والترمذي (3000) وابن ماجه (176) والحميدي في "مسنده" (2/ 404/ 908) وعبد الرزاق في "مصنفه" (10/ 152/ رقم: 18663) والطيالسي (1136) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 594/ 3180) - وسقط ذكر أبي غالب عنده من الإسناد- و (5/ 1429/ 8150) -مختصرًا جدًا- والطبراني في "المعجم الكبير" (15/ رقم: 8033 - 8036، 8049، 8056) والآجري في "الشريعة" (1/ 154 - 156/ 62، 63، 64) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 188) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 151، 152) والطحاوي في مشكل الآثار" (6/ 338 - 339/ 2519) وابن أبي عاصم فى "السنة" (رقم: 68) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 56 - ط. العاصمة) -ووقع عنده: أبو أسامة بدل أبي أمامة-. من طرق؛ عن أبي غالب به. وهذا إسناد حسن.

ذم الخوارج

أبو غالب البصري؛ ضعيف يعتبر به في الشواهد والمتابعات. وخبره هذا مشهور عنه. وقد توبع؛ تابعه صفوان بن سُليم عند أحمد في "المسند" (5/ 269) أو رقم (22251 - قرطبة) وابنه عبد الله في "السنة" (رقم: 1546) بإسناد صحيح. كما تابعه سيار الأموي عند أحمد (5/ 250). وقال الخليلي في "الإرشاد" (2/ 468): "وروى عن أبي غالب حديث الخوارج أكثر من بضع وسبعين نفرًا من أهل الكوفة وأهل البصرة .. ". وحسنه الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-. في "المشكاة" (رقم: 3554). * * * 35 - عن عمرو بن قرة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: سألتُ أبي {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)} [الكهف: 103]؛ هم الحرورية؟ قال: "لا؛ هم اليهود والنصارى، أما اليهود فكذّبوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وأما النصارى كفروا بالجنة، وقالوا: لا طعام فيها ولا شراب، والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه". وكان سعدٌ يسمّيهم الفاسقين. أخرجه البخاري (4728). وأخرجه النسائي في "الكبرى" (2/ 26 - 27/ 333) - تفسير النسائى- وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 413) والحاكم في "المستدرك" (2/ 370) وابن جرير في "تفسيره" (16/ 32 - 33) وابن أبي حاتم في "تفسيره"، ولفظه: "قلت لأبي: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 104]؛ أهم الحرورية؟ قال: "لا؛ أولئك أصحاب الصوامع، ولكن الحرورية الذين قال الله: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] ". فقه الأثر: قال الشاطبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الإعتصام" (1/ 90 - وما بعدها - ط. الشيخ مشهور) أو (1/ 84 - وما بعدها - ط. ابن عفان): "ففي هذه الروايات عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه - أن قوله تعالى:

قصة عمر بن عبد العزيز مع غيلان الدمشقي

{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} [البقرة: 27] الآية؛ يشمل أهل البدعة، لأن أهل حروراء اجتمعت فيهم هذه الأوصاف التي هي نقضُ عهد الله، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، والإفساد في الأرض. فالأول: لأنهم خرجوا عن طريق الحق بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنهم تأوَّلوا فيه التأويلات الفاسدة، وكذا فعل المبتدعة، وهو بابهم الذي دخلوا منه. والثاني: لأنهم تصرّفوا في أحكام القرآن والسنة هذا التصرف. فأهل حروراء وغيرهم من الخوارج قطعوا قوله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} 1 [الأنعام: 57] عن قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95] وغيرها، وكذا فعل سائر المبتدعة .. ثم قال: والثالث: لأن الحرورية جرّدوا السيوف على عباد الله، وهو غاية الفساد في الأرض، وذلك في كثير من أهل البدع شائع، وسائرهم يفسدون بوجوه من إيقاع العدواة والبغضاء بين أهل الإسلام. وهذه الأوصاف الثلاثة تقتضيها الفُرقة التي نبّه عليها الكتاب والسنة" اهـ. * * * 36 - عن عمرو بن مهاجر، قال: بلغ عمر بن عبد العزيز -رَحِمَهُ اللهُ- أن غيلان القدري يقول في القدر. قال: فبعث إليه فحجبه أيامًا ثم أدخله عليه، فقال: "يا غيلان! ما هذا الذي بلغني عنك"؟! قال عمرو بن مهاجر: فأشرتُ اليه أن لَّا يقول شيئًا. قال: فقال: نعم يا أمير المؤمنين؛ إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (1) إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3)} [الإنسان: 1 - 3]. قال عمر. "اقرأ من آخر السورة: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (31)} [الإنسان: 30 - 31].

من لم يتم ركوعه وسجوده ومات على ذلك؛ مات على غير الفطرة

ثم قال: ما تقول يا غيلان"؟ قال: أقول: قد كنتُ أعمى فبصّرتني، وأصم فأسمعتني، وضالًا فهديتني. فقال عمر: "اللهم إن كان عبدك غيلان صادقًا، وإلا فاصْلُبه". قال: فأمسك عن الكلام في القدر. فولّاه عمر دار الضرب بدمشق، فلما ماث عمر وأفضت الخلافة إلى هشام؛ تكلّم في القدر، فبعث إليه هشام فقطع يده، فمرّ به رجلٌ والذباب على يده، فقال له: يا غيلان! هذا قضاء وقدر. قال: كذبت لعمر الله؛ ما هذا قضاء ولا قدر! فبعث إليه هشام؛ فصلبه. أثر حسن. أخرجه الفريابي في "القدر" (رقم: 288) والآجري في "الشريعة" (2/ 918 - 920/ 514 - الوطن) أو (1/ 438/ 555 - الوليد سيف النصر) وعبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (2/ 429/ 948) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 567) واللالكائي (رقم: 1325) بإسناد حسن. * * * 37 - عن زيد بن وهب قال: رأى حذيفةُ رجلًا لا يتم الركوع والسجود؛ قال: "ما صلَّيتَ؛ ولو مُتَّ متَّ على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه البخاري (791). وأنظر لفقه الأثر: "القول المبين في أخطاء المصلين" (ص 119 - 121) ففيه كلام نفيس. * * * 38 - عن عمرو بن مالك النُّكري، قال: سمعتُ أبا الجوزاء -وذكر أهل الأهواء- فقال: "لأن تمتلئ داري قردةً وخنازيرَ أحبُّ إليَّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء". حسن. أخرجه الهروي في "ذم الكلام" (4/ 59 - 60/ 790) والفريابي في

بيان أن حد الزاني المحصن هو الرجم

"القدر" (رقم: 370) والآجري في "الشريعة" (3/ 581/ 2110 - ط. الوليد سيف النصر) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (7/ 224) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 231) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 466 - 469) وابن أبي زمنين في "السنة" (238) من طرق؛ عن عمرو بن مالك به. وعمرو بن مالك؛ وثقه الذهبي في "الميزان"، وقال ابن حبان: "يعتبر حديثه من غير رواية ابنه عنه". فحديثه حسن إن شاء الله. * * * 39 - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه -ما، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه -: "لقد خَشِيتُ أن يَطُولَ بالناسِ زَمَانٌ حتى يقولَ قائلٌ: لا نَجِدُ الرَّجمَ فى كتاب الله! فيضلُّوا بترك فريضة أنزلها اللهُ، ألا وإن الرَّجمَ حقٌّ على مْن زنى وقد أَحْصَنَ؛ إذَا قامت البَيِّنَةُ، أو كان الحمل، أو الإعتراف ألا وقد رَجَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجمنا بعده". أخرجه: البخاري (6829) -واللفظ له- ومسلم (1691) وأحمد (1/ 29، 40، 47) وأبو داود (4418) والنسائي في "الكبرى" (4/ 273، 274) والترمذي (1432) وابن ماجه (2553) وغيرهم. * * * 40 - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - أنه قال: "يا معشر القُرَّاء! استقيموا، فقد سَبَقتم سبقًا بعيدًا، وإن أخذتم يمينًا وشمالًا؛ لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا". أخرجه البخاري (7282) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 379) والبزار في "مسنده" (7/ 359/ 2956) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 947/ 1809) وابن نصر في "السنة" (رقم: 88 - العاصمة) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 13، 15) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 280) والخطيب في

الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع

"تاريخ بغداد" (3/ 446) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 387 - 388/ 473) واللالكائي في "شرح الأصول" (رقم: 119) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 196) وابن المبارك فى "الزهد" (رقم: 47) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 273) وعبد الله بن أحمد في "السنة" (106). من طريق: الأعمش، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن حذيفة به. فقه الأثر؛ قوله: (يا معشر القراء)؛ المراد بهم: العلماء بالقرآن والسنة العُبّاد. (استقيموا): أي: اسلكوا طريق الإستقامة، وهي الكناية عن التمسك بأمر الله فعلًا وتركًا. قوله: (فإن أخذتم يمينًا وشمالًا ..)؛ أي: خالفتم الأمر المذكور، وهذا الكلام منتزع من قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}. والذي له حكم الرفع من كلام حذيفة هذا: الإشارة إلى فضل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، الذين مضوا على الإستقامة .. انظر "فتح الباري" (13/ 271). * * * 41 - قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -: "اتبِعُوا ولا تَبْتَدِعُوا؛ فقد كُفيتم، وكل بدعة ضلالة". أخرجه: وكيع في "الزهد" (رقم: 315) وأحمد في "الزهد" (رقم: 894 - الكتاب العربي) أو (2/ 110 - دار النهضة) والدارمي في "مسنده" (1/ 288/ 211 - حسين سليم) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 79) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8770) والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (1/ 294/ 476) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 175) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 104) وابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 11) والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (رقم: 204) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 14) وبحشل في "تاريخ واسط" (ص 198 - 199) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 16 - 17).

الوصية بالعلم

كلهم من طريق: الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن عبد الله به. والأعمش وحبيب؛ مدلسان. لكن أخرجه أبو خيثمة في "العلم" (رقم: 54) من طريق: جرير، ثنا العلاء، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود به. قال الشيخ الألباني: "هذا إسناد صحيح؛ وابراهيم -وهو ابن يزيد النخعي - وإن كان لم يدرك عبد الله -وهو ابن مسعود- فقد صح عنه أنه قال: إذا حدّثتكم عن رجل عن عبد الله فهو الذي سمعتُ، واذا قلتُ: قال عبد الله؛ فهو عن غير واحد عن عبد الله". * * * 42 - وقال عبد الله بن مسعود أيضًا: "عليكم بالعلم قبل أن يُقْبَضَ، وقَبْضُهُ بذهاب أهله. علكيم بالعلم؛ فإن أحدكم لا يدري متى يَفْتَقِرُ أو يُفْتَقَرُ إلى ما عنده، وستجدون أقوامًا يزعمون أنهم يَدْعونَ إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم، وإياكم والتبدُّع والتنطع والتعمّق، وعليكم بالعتيق". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 252/ 2065) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8845) والدارمي (1/ 251 - 252/ 145) وابن نصر في "السنة" (رقم: 86) والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (رقم: 387) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 169) واللالكائي (رقم: 108) وابن وضاح في "البدع" (رقم: 60) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 167/ 156) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 1517/592) -معلقًا- وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 37) والأصبهاني في (الحجة في بيان المحجة) (1/ 303/ رقم: 168). من طريق: أبي قلابة، عن ابن مسعود به. وأبو قلابة لم يسمع من ابن مسعود؛ فهو منقطع، انظر "المجمع" (1/ 126). لكن قال البيهقي في "المدخل": "هذا مرسل، وروي موصولًا من طريق الشاميين".

ابن عباس ترجمان القرآن

ثم أخرجه (388) من طريق: أبي إدريس الخولاني عن ابن مسعود، بإسناد صحيح؛ فصحّ الخبر، والحمد لله. * * * 43 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "والذي لا إله غيره؛ ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلمُ فيمن نزلت، وأين نزلت، ولو أعلمُ مكانَ أحدٍ أعلمَ بكتاب الله منِّي تنالُه المطايا لأتيتُه". أخرجه البخاري (5002) ومسلم (2463) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8429، 8430، 8443) والبزار (رقم: 1957، 1958) وابن أبي داود في "المصاحف" (ص 16) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/ 80/ رقم: 83 - شاكر) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 342) والخطيب البغدادي في "الرحلة في طلب الحديث" (ص 94 - 95/ رقم: 25، 26). من طريق: الأعمش، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن عبد الله به. وأخرجه البخاري (5005) ومسلم (2462) والنسائي في "الكبرى" (5/ 8/ 7997) وابن سعد (2/ 343 - 344) وابن أبي داود في "المصاحف" (ص 15). من طريق: الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله به نحوه. * * * 44 - وعنه أنه قال: "لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عاشره منا أحدٌ، ونعم ترجمان القرآن ابن عباس". أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 1860، 1861) والطبري في "تفسيره" (رقم: 104) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (12/ 110 - 111) والخطيب البغدادي في "تاريخه" (1/ 174) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 48) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 366 - صادر) والحاكم في "المستدرك" (3/ 537) والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 193) وفي "المدخل إلى السنن الكبرى" (1/ 128، 129/ 125، 126) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 494 - 495)، وغيرهم.

إن الله لا يعذب على كثرة الصلاة، ولكن يعذب على مخالفة السنة

من طريق: الأعمش، عن مسلم بن صبيح أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود به. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. * * * 45 - عن سعيد بن المسيّب: أنه رأى رجلًا يُصَلّي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين؛ يكثر فيها الركوع والسجود، فنهاه سعيد عن ذلك. فقال: يا أبا محمد؛ يُعذّبني الله على الصلاة؟ ا قال: "لا؛ ولكن يُعَذِّبُكَ على خلاف السنة". أثر حسن. أخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 404/ 450 - حسين سليم أسد) والبيهقي (2/ 466) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 4755). من طريق: سفيان، عن أبي رباح شيخ من آل عمر، عن سعيد به. وهذا إسناد جيد. أبو رباح هو عبد الله بن رباح القرشي، ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (5/ 85) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/ 52) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. لكن روى عنه أكثر من واحد، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 3). وصحّح إسناده الألباني في "إرواء الغليل" (2/ 236). وأخرجه الخطيب البغدادي بنحوه في "الفقيه والمتفقه" (1/ 381/ 387) من طريق: مخلد بن مالك الحزاني، نا عطاف بن خالد، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد به. وإسناده حسن. فقه الأثر: قال العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الإرواء" (2/ 236): "وهذا من بدائع أجوبة سعيد بن المسيب -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، وهو سلاحٌ قويٌّ على المبتدعة الذين يَسْتَحْسِنُونَ كثيرًا من البدع باسم أنها ذِكرٌ وصلاة، ثم ينكرون على

السنة أن يلي الإمام أولوا الفقه والعلم

أهل السنة انكار ذلك عليهم، ويتَّهِمُونَهُم بأنهم ينكرون الذِّكرَ والصلاة!! وهم في الحقيقة إنما ينكرون خلافهم للسنة في الذكر والصلاة ونحو ذلك" اهـ. * * * 46 - قال الإمام الحافظ ابو عبد الرحمن النسائي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا محمد بن عمر بن علي بن مقدم، قال: حدثنا يوسف بن يعقوب، قال: أخبرنا التيمي، عن أبي مجلز، عن قبس بن عُبَادٍ، قال: "بينا أنا في المسجد في الصف المقدّم فجبذني رجلٌ من خلفي جَبْذَةً، فنَحَّاني وقام مقامي، فوالله ما عَقَلْتُ صلاتي، فلما انصرف فإذا هو أبيّ بن كعب، فقال: يا فتى! لا يَسُؤْكَ اللهُ؛ إن هذا عهدٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلينا أن نَلِيَهُ، ثم استقبل القبلةَ فقال: هَلَكَ أهلُ العُقَدِ وربّ الكعبة -ثلاثًا- ثم قال: والله ما عليهم آسى، ولكن آسى على من أضلُّوا. قلت: يا أبا يعقوب! ما يعني بأهل العُقد؟ قال: الأمراء". أخرجه النسائي في "السنن الصغرى" -المجتبى- (2/ 88) أو رقم (807 - المعرفة) وفي "الكبرى" (1/ 287/ 882) وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم: 1573) وعبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 53 - 54/ 2460) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 133). وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (1/ 174/ رقم: 778). فقه الأثر: فيه: أن السنَّة أن يَلِيَ الإمامَ أولوا الأحلام والنهى، وأنهم هم أحق بالصف الأول، وهذا يؤيده قول النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "ليلني منكم أولوا الأحلام والنُّهَى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ... ". والمقصود بأولي الأحلام والنهى؛ أولوا العلم والفقه والفطنة، ذلك أنه ربما احتاج الإمام إلى من يفتح عليه في القراءة إن كان في صلاة جهرية، أو يحتاج لمن يستخلفه إذا أحدث، أو لأن يُذكَّرَ إن سهى ... وهكذا.

قصة الوليد بن عقبة بن أبي المطيع وشربه للخمر، وإقامة عثمان بن عفان الحد عليه

47 - قال الإمام مسلم -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب وعلي بن حُجْرٍ، قالوا: حدثنا اسماعيل -وهو ابن عُلَيَّة- عن ابن أبي عروبة، عن عبد الله الدَّاناج. ح وحدثنا اسحاق بن ابراهيم الحنظلي - واللفظ له- أخبرنا يحيى بن حماد، حدثنا عبد العزبز بن المختار، حدثنا عبد الله بن فيروز مولى ابن عامر الداناج - حدثنا حُصين بن المنذر أبو ساسان، قال: شهدتُ عثمان بن عفان وأُتِيَ بالوليد قد صلّى الصبح ركعتين، ثم قال: أزيدُكم؟! فشهد عليه رجلان؟ -أحدهما حمران- أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ. فقال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها. فقال: يا علي؛ قم فاجلده. فقال علي: قم يا حسن فاجلده. فقال الحسن: ولِّ حارّها من تولّى قارها -فكأنه وجد عليه- فقال: يا عبد الله بن جعفر؛ قم فاجلده، فجلده وعليٌّ بعد، حتى بلغ أربعين. فقال: أمسِك، ثم قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحبُّ إليَّ". أخرجه مسلم (1707) وأحمد (1/ 82) أو رقم (624 - شاكر) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ رقم: 28398 - العلمية) وأبو داود (4480، 4481) من طريق: سعيد بن أبي عروبة به. فقه الأثر: الوليد هو: ابن عقبة بن أبي معيط. توله: "فشهد حمران أنه شربها، وشهد آخر أنه رأه يتقيأ .. "؛ "فيه من الفقه تلفيق الشهادتين إذا أدّتا إلى معنى واحد، فإن أحدهما شهد برؤية الشرب، والآخر بما يستلزم الشرب، ولذلك قال عثمان: إنه لم يتقيأ حتى شربها". قاله أبو العباس القرطبي في "المفهم" (5/ 134). وقال النووي في "المنهاج" -شرحه لمسلم- (11/ 219): "هذا دليل لمالك وموافقيه في أن من تقيأ الخمر يُحدُّ حدَّ الشارب، ومذهبنا أنه لا يُحَدُّ

بمجرد ذلك؛ لاحتمال أنه شربها جاهلًا كونها خمرًا، أو مكرهًا عليها أو غير ذلك من الأعذار المسقطة للحدود. ودليل مالك هنا قوي؛ لأن الصحابة اتفقوا على جلد الوليد بن عقبة المذكور في هذا الحديث. وقد يجيب أصحابنا عن هذا بأن عثمان - رضي الله عنه - علم شرب الوليد فقضى بعلمه في الحدود؛ وهذا تأويل ضعيف، وظاهر كلام عثمان يرد هذا التأويل، والله أعلم!. ومعنى قول الحسن: "ولّ حارّها من تولّى قارّها"؛ هذا مثل من أمثال العرب، قال الأصمعي: معناه: ولّ شدّتها من تولى هنيئَها. ومعناه: ولّ إقامة الحدّ من تولى إمرة المسلمين وتناول حلاوة ذلك. وقوله: "فكأنه وجد عليه"؛ أي: غضب عليه لأجل توقفه فيما أمره به، وتعريضه بالأمراء. "المفهم" (5/ 135). وقوله: "فجلده وعليّ يعد ... إلخ"؛ فيه: أن عليًا - رضي الله عنه - مذهبه في شارب الخمر أن يُحَدَّ بأربعين جلدة؛ لكن هذا يعارضه ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم: 3696) من أنه جلد الوليد ثمانين جلدة، وأنه جلد الرجل المعروف بالنجاشي ثمانين جلدة. وانظر كلام النووى حول هذه المسألة. وفيه "دليل واضح على اعتقاد علي - رضي الله عنه - صحة إمامة الخليفتين أبي بكر وعمر، وأن حكمهما يقال عليه: سنة، خلافًا للرافضة والشيعة، وهو أعظم حجة عليهم؛ لأنه قول متبوعهم الذي يتعضبون له ويعتقدون فيه ما يتبرأ هو منه. وكيف لا تكون أقوال أبي بكر وعمر وأفعالهما سنة وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر" (¬1)؟! اهـ. من "المفهم" لأبي العباس القرطبي (5/ 136). * * * 48 - قال الحافظ سعيد بن منصور -رَحِمَهُ اللهُ-: ثنا سفيان، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود في قوله ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (5/ 382) والترمذي (3663) وابن ماجه (97) وغيرهم، وصححه الألباني.

تفسير قول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله}

تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، قال: "حبل الله؛ القرآن". أخرجه الحافظ سعيد بن منصور في "سننه" (3/ 1083/ 519 - ط. آل حميد) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (7/ 72/ رقم: 7570 - شاكر) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9032) وابن نصر في "السنة" (رقم: 24 - ط. العاصمة). من طريق الأعمش به. لاسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرج ابن جرير (7/ 71/ 7562، 7563 - شاكر) وسعيد بن منصور (3/ 1084/ 520) والطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 9033). من طرق؛ عن الشعبي، عن ابن مسعود قال: "حبل الله؛ هو الجماعة". وهذا إسناد ضعيف لإنقطاعه؛ فالشعبي لم يسمع من عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. لكن أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 723/ 3916 - الباز) قال: حدثنا علي بن إبراهيم الواسطي، ثنا يزيد بن هارون، عن إسماعيل، عن الشعبي، عن ثابت بن قطبة، قال: سمعتُ عبد الله بن مسعود يخطب وهو يقول: "يا أيها الناس! عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنهما حبل الله الذي أمر به". وهذا إسناد صحيح متصل؛ فصحّ الأثر والحمد لله. وانظر رقم (57، 114). * * * 49 - عن عائشة - رضي الله عنه -اقالت: "الحمد لله الذي وَسِعَ سمعُه الأصوات، لقد جاءت المجادِلة تشكو الى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنا في جانب البيت، وإنه ليخفى عليَّ بعض كلامها، فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}. أخرجه البخاري في "صحيحه" معلّقًا مجزومًا به (13/ 384) - 97 - كتاب

التوحيد، 9 - باب (وكان الله سميعًا بصيرًا). ووصله: الامام أحمد في "مسنده" (6/ 46) أو رقم (24306 - قرطبة) والنسائي في "المجتبى" -الصغرى- (6/ 168) وفي "الكبرى" (6/ 482/ 11570) وابن ماجه (188، 2063) والطبري في " تفسيره" (28/ 5، 6) والحاكم (2/ 481) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 382) وفي "الأسماء والصفات" (1/ 457 - 458/ 385) وفي "الإعتقاد" (ص 85 - ط. أبو العينين) وابن أبي عاصم في "السنة" (رقم: 625) وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (رقم: 1514) وأبو يعلى في "مسنده" (8/ 214/ 4780) والتيمي في "الحجة في بيان المحجة" (2/ 135 - 136/ 61) وابن منده في "التوحيد" (رقم: 400، 414) والآجري في "الشريعة" (2/ 71 - 72/ 704، 705 - ط. الوليد سيف النصر) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 689) وأبو الشيخ في "العظمة" (2/ 536 - 537/ 189) وعثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على المريسي" (رقم: 61/ ص 135 - ط. أضواء السلف) وعمر بن شبة في "تاريخ المدينة" أو -أخبار المدينة- (2/ 13) وابن حجر العسقلاني في "تغليق التعليق" (5/ 338 - 339). من طرق؛ عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة، عن عائشة به. وهذا إسناد صحيح. قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. وقال البيهقي في "الأسماء والصفات": "أخرجه البخاري في الصحيح". قلت: لكنه معلقٌ. وقال في الإعتقاد: "وفي هذا إثبات السمع لله -عَزَّ وَجَلَّ-". وقال ابن منده: "هذا حديث مجمع على صحته، رواه جماعة عن الأعمش". وصححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (7/ 175). * * * 50 - عن معرور بن سويد الأسدي، قال: خرجتُ مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من مكة إلى المدينة، فلما أصبحا صلّى بنا الغَدَاة، ثم

القرآن أنزل إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك مفرقا

رأى الناس يدهبون مذهبًا، قال: "أين يذهب هؤلاء"؟ قيل: يا أمير المؤمنين؟ مسجد صلّى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هم يأتون يصلون فيه. فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا؛ يتبعون آثارَ أنبيائهم فيتَّخِذُونها كنائسَ وَبِيعًا، من أَدْرَكَتهُ الصلاة في هذا المسجد فَلْيُصَلِّ، ومن لا فَلْيَمْضِ ولا يتعمَّدها". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 118 - 119/ 2734) وابن أبي شيبة (2/ 376 - 377) والطحاوي في "مشكل الآثار" (14/ 397) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم 103، 104). من طرق؛ عن الأعمش؛ عن معرور بن سويد به. وإسناده صحيح. * * * 51 - قال الحافظ ابو عبيد القاسم بن سلام: حدثنا يزيد، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، ثم قرأ: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106)} [الإسراء: 106]. أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 367 - 368 - ط. ابن كثير) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 533 - الهندية) أو (6/ 144/ 30178 - العلمية) والنسائي في "الكبرى" (5/ 6/ 7989، 7990 - العلمية) و (6/ 421/ 11372) والطبري في "تفسيره" (15/ 119) والحاكم (2/ 222، 368) والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 131 - 132) وفي "السنن" (4/ 306) وفي "الأسماء والصفات" (1/ 571/ 497) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (رقم: 116، 117). من طريق: داود بن أبي هند به. قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي. وصحّح إسناده الحافظ

ابن كثير في مقدمة تفسيره (1/ 141 - ط. ابن الجوزي). وأخرجه ابن أبى شيبة (10/ 533) أو (6/ 144/ 35181 - العلمية) والنسائي في "الكبرى" (5/ 7/ 7991) والحاكم (2/ 223، 615) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (119) والبزار (3/ رقم: 2290 - كشف الأستار) والطبراني في "الكبير" (/ 12 رقم: 123781، 12382) والبيهقى في "الأسماء والصفات" (1/ 570/ 496). من طريق الأعمش، عن حسان بن أبي الأشرس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وصححه الحاكم. وفي إسناد الطبراني عمرو بن عبد الغفار؛ وهو ضعيف، لكنه توبع عند الآخرين. وأخرجه الطبري في "تفسيره" (30/ 166 - 167) والحاكم (2/ 222، 530) والنسائي في "الكبرى" (6/ 519/ 11689) والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 131) وفي "الأسماء والصفات" (1/ 569/ 495) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (118). من طريق: منصور بن المعتمر، عن سعيد بن جبير به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وأخرجه الحاكم (2/ 477) من طربق: هشيم، عن حصين بن عبد الرحمن، عن سعيد بن جبير به. وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. ولكنه أسقط حكيم بن جبير من السند، فإنه أخرجه (2/ 530) وذكر فيه حكيم بن جبير، وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي أيضًا! لكن حكيم بن جبير لم يخرج له الشيخان شيئًا، ثم هو ضعيف. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" (رقم: 1479 - الحرمين) أو (رقم: 1502 - المعارف) وفي "الكبير" (11/ رقم: 11839) من طريق: عمران القطان، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس به.

قال الهيثمي في "المجمع" (7/ 145): "وفيه عمران القطان؛ وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات". * * * 52 - عن محمد بن سيرين، عن أبي صالح، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "إني لأرجو أن أكونَ أنا وعثمان وطلحة والزبير ممّن قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} [الحجر: 47] ". أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (2/ 766/ 1057) -زيادات القطيعي- من طريق: جعفر بن محمد، نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، نا الأشعث، عن محمد بن سيرين به. وهذا إسناد صحيح -كما قال محققه الدكتور وصيّ الله عباس حفظه الله. وأخرجه (1/ 535، 634/ 698، 851) -زيادات القطيعي- (1/ 553/ 729) والخلال في "السنة" (2/ 390/ 556) والخطيب البغدادي في تاريخه (14/ 432) عن أم عمر بنت حسان بن زيد أبي الغصن، قالت: سمعت أبي يقول: فذكره. وأخرجه أحمد في "الفضائل" (2/ 930، 934/ 1291، 1299) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (8/ رقم: 2706) من طريق: منصور، عن إبراهيم النخعي، قال: استأذن ابن جرموز الذي قتل الزبير على علي .. فذكره. وهذا إسناد منقطع؛ فإن إبراهيم النخعي لم يلقَ عليًا - رضي الله عنه -. وأخرجه البيهقي في "الإعتقاد" (ص 528) من طريق: محمد بن يوسف، قال: ذكر سفيان عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قال علي: ... فذكره. وهذا منقطع أيضًا. وأخرجه أحمد في "الفضائل" (2/ 932/ 1295) من طريق: طلحة بن يحيى، قال: حدثني أبو حبيبة، قال: جاء عمران بن طلحة إلي علي فقال: .. فذكره.

قضاء ابن عمر ركعتي الفجر بعد الضحى

وأخرجه أحمد في "الفضائل" (2/ 933/ 1298) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 224) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (14/ 25 - 26) والحاكم في "المستدرك" (3/ 476) من طريق: أبي مالك الأشجعي، عن أبي حبيبة به. وأخرجه أحمد في "الفضائل" (2/ 935/ 1300) وابن سعد (3/ 225) وابن جرير (14/ 25) من طريق: أبان بن عبد الله البجلي، عن نعيم بن أبي هند، عن ربعي بن حراش، عن علي به. وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 816/ 1250 - جوابرة) من طريق: يوسف بن يعقوب، عن الصلت بن عبد الله بن الحارص بن نوفل، حدثني أن أباه حدثه، قال: قدمت مع علي الكوفة ... فذكره. وفي إسناده الصلت بن عبد الله؛ مقبول كما في "التقريب". وأخرجه الحاكم (3/ 105) من طريق: يعقوب بن عبد الله القمي، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: .. فذكره. وإسناده ضعيف؛ لضعف يعقوب بن عبد الله وهارون بن عنترة. وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (7/ رقم: 2573) وابن الأعرابي في "معجمه" (2/ 856/ 1774 - ابن الجوزي) والخلال في "السنة" (2/ 390/ 555) من طريق: شعبة، عن حبيب بن الزبير، عن عبد الرحمن بن الشرود، عن علي به. وأخرجه عمر بن شبة في "أخبار المدينة" (4/ 1266) من طريق: محمد بن عبيد الله الأنصاري، عن أبيه، قال؛ كنت وعليًا ... نذكره. * * * 53 - قال الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة -رَحِمَهُ الله: حدثنا وكيع، عن فضيل بن فزوان، عن نافع، عن ابن عمر؛ "أنه جاء إلى القوم وهم في الصلاة، ولم يكن صلَّى الركعتين، فدخل معهم ثم جلس في مصلاه، فلما أضحى قام فقضاهما". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 59/ 6444 - العلمية)، وإسناده صحيح.

من خصال النفاق

وأخرج نحوه عبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 4517) ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" (5/ 227) عن معمر، عن أيوب، عن نافع. فقه الأثر: فيه من الفقه: أنه من لم يتمكن من صلاة ركعتي الفجر قبل صلاة الصبح، فإنه يصلّيهما بعد طلوع الشمس. قال إسحاق بن إبراهيم النيسابوري في "مسائل الإمام أحمد" (1/ 105/ 522): "وسمعته يقول: إذا فاتت الرجل ركعتا الفجر فإنه يصليهما إذا طلعت الشمس، وابن عمر كان يجعلهما من صلاة الضحى". * * * - من خصال النفاق: 54 - عن الحسن البصري أنه قال: "كان يقال: إن من النفاق اختلاف السرّ والعلانية، والقول والعمل، والمدخل والمخرج، وأصل النفاق الذي يُبنى عليه النفاق؛ الكذب". أخرجه: الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (رقم: 112) وجعفر بن محمد الفريابي في "صفة النفاق وذم المنافقين" (ع 54 - ط. دار ابن زيدون) وأبو نعيم الأصبهاني في "صفة النفاق ونعت المنافقين" (رقم: 130 - ط دار البشائر). من طريق: مروان بن معاوية الفزاري، عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن الحسن البصري به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه أبو نعيم في "صفة النفاق" (رقم: 128) من طريق: خالد بن الحارث، ثنا عوف به. وأخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (رقم: 481 - ط. دار الكتاب العربي) من طريق: إسحاق الأزرق، عن عوف به. وأخرجه أبو نعيم (129) من طريق: يحيى بن سعيد، ثنا عبيد الله بن العيزار، عن الحسن به.

وأخرجه ابن أبي شيبة (14/ 40) ومن طريقه الفريابي في "صفة النفاق" (ص 54) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 910) والخلال في "السنة" (رقم: 1644). من طريق: أبي الأشهب، عن الحسن به. * * * 55 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "الإثم حوّازُ القلوب، فما حَاكَ في شيءٍ من قلبك فَدَعْهُ، وكل شيءٍ فيه نَظِرَة فإن للشيطان فيه مطمعًا". أخرجه ابن أبي حاتم في "الزهد" (رقم: 32) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 133) وهناد في "الزهد" (رقم: 934) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8749). من طريق: الأعمش، عن أبي جعفر محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي عمر العدني كما في "المطالب العالية" (رقم: 1590 - العاصمة) والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/ رقم: 5434) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 132) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 134) والطبراني في "المعجم الكبير" (رقم: 8748). من طريق: منصور، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود به. وهذا إسناد صحيح أيضًا. والأثر صحّحه الحافظ ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" (2/ 96)، والعلامة الألباني في "الصحيحة" (رقم: 2613). غريب الأثر: حوّاز القلوب: قال ابن الأثير في "النهاية" (1/ 377): "الحواز؛ هي الأمور التي تحزّ فيها، أي: تؤثر كما يؤثر الحزّ في الشيء ... أي: يحوزها ويمتلكها ويغلب عليها".

الأمر بلزوم الجماعة

56 - عن أبي الشعثاء، قال: خرجنا مع أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -، فقلنا له: اعهَدْ الينا. فقال: "عليكم بتقوى الله، ولزوم الجماعة، فإن الله لم يكن ليجمع أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - على ضلالة، وإن دين الله واحد، وإياكم والتلوّن في دين الله، وعليكم بتقوى الله، واصبروا؛ حتى يستريح برّ، أو يستراح من فاجر". أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/ 506 - 507) من طريق: محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا واصل بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن فضيل، ثنا أبو مالك الأشجعي، عن أبي الشعثاء به. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 162) من طريق: الأعمش، عن المسيب بن رافع، عن أبي مسعود به. ثم أخرجه برقم (163) من طريق: مهدي بن ميمون، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن أبي مسعود به. وأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (رقم: 85) والحاكم (4/ 555 - 556) والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ رقم: 665 - 667) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 423/ 447) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 244 - 245) والحافظ ابن حجر في "موافقه الخُبَر الخَبَر" (1/ 114 - 115). من طرق؛ عن يُسير بن عمرو، عن أبي مسعود به. وقال المحدث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "ظلال الجنة": "إسناده جيد، موقوف، رجاله رجال الشيخين". وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 423 - 424/ 448) والحافظ ابن حجر في "موافقة الخُبر الخَبر" (1/ 115) من طريق: أبي عتبة، عن بقية، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، حدثنا ابن حلبس، قال: قال بشير بن أبي مسعود - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره. قال الحافظ: "وإسناده حسن، وسقط من أصل سماعي "عن أبيه"، ولا بد

منه فألحقتها، لأن هذا الكلام مشهور عن أبي مسعود .. ". وقوله: وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ يعود إلى أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه -، كما أشار إلى ذلك الخطيب والحافظ -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-. فالأثر صحيح ثابت، ولله الحمد والمنة. * * * 57 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "يأيها الناس؛ عليكم بالطاعة والجماعة؛ فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة". أخرجه: الحاكم في "المستدرك" (4/ 555) مطولًا، وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 133، 173) والآجري في "الشريعة" (1/ 123 - 124/ 17) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 158) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 723/ 3916) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (7/ 75 - 76/ 7579، 7580، 7581). من طرق؛ عن عامر الشعبي، عن ثابت بن قطبة، عن عبد الله بن مسعود به. وهذا إسناد حسن. ثابت بن قطبة؛ وثقه ابن حبان والعجلي، وقال ابن سعد في "الطبقات" (6/ 197): "كان ثقة كثير الحديث". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"! وثابت بن قطبة لم يخرجا له، والله أعلم. * * * - صفهُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: 58 - قال عبد الرزاق: ثنا معمر، عن أبي إسحاق، قال: "رأيتُ عليًا على المنبر؛ أبيض اللحيةِ والرأسِ، عليه إزارٌ ورداء".

الصحابة كانوا ينامون ثم يقومون للصلاة ولا يتوضؤون

وزاد بعضهم: "أَصْلَعَ أبيَضَ اللحية ... ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 156/ 20188) و (3/ 189 - 190/ 2567) وأبن أبي شيبة (8/ 257/ 5112) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (3/ 25، 26) و (6/ 314) والإمام أحمد في "التاريخ والعلل" (1/ 403/ 2620) وفي "فضائل الصحابة" (رقم: 934 - زوائده) وأبو زرعة في "تاريخه" (رقم: 2020) والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 93/ 152 - 155) والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (2/ 621، 670) وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/ 136، 138/ 153، 157) وأبو نعيم في "الإمامة" (رقم: 81) وفي "معرفة الصحابة" (1/ 282/ 294) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 216/ 6415) والدينوري في "المجالسة" (2/ 130 - 133/ 266) وابن عساكر في "تاريخه" (ق: 12/ 120) و (ق: 13/ 545) وغيرهم. من طرق كثيرة؛ عن أبي إسحاق السبيعي عمرو بن عبد الله الهمداني به. * * * 59 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينامون ثم يقومون فيصلّون ولا يتوضؤون". أخرجه: مسلم (125/ 376) وأبو عوانة في "مسنده" - أو مستخرجه على صحيح مسلم- (1/ 223/ 738) وأحمد (3/ 277) أو رقم (13976 - قرطبة) وأبو داود (200) والترمذي (78). من طريق: شعبة، عن قتادة، عن أنس به. وأخرجه الدارقطني (1/ 130) من طريق: معمر، عن قتادة به، ولفظه: "لقد رأيت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوقظون للصلاة، حتى إني لأسمع لأحدهم غطيطًا، ثم يصلون ولا يتوضؤون". قال ابن المبارك: هذا عندنا وهم جلوس. (صحيح). ثم أخرجه (1/ 131) وابن أبي شيبة في "مصنفه " (1/ 123/ 1398 -

جواز المسح على النعلين، وأنه يجوز خلعهما بعد المسح، والصلاة بعد ذلك

العلمية) من طريق: وكيع، نا هشام الدستوائي، عن قتادة به بنحوه. ومسألة نقض الوضوء بالنوم؛ فيها تفصيل طويل لأهل العلم، ينظر في مظانه من كتب الشروح والفقه، إذ لا مجال لتفصيل ذلك هنا، والله المستعان. * * * 60 - عن أبي ظبيان: "أنه رأى على بن أبي طالب - رضي الله عنه - بال قائمًا، ثم دعا بماء فتوضأ، ومسح على نعليه، ثم دخل المسجد فخلع نعله، ثم صلَّى". أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 97) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 173/ 1998 - العلمية) والبيهقي (1/ 288) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 783). من طريقين عن أبي ظبيان به. الأولى: رواه عنه الأعمش. والثانية: رواه عنه سلمة بن كهيل. وهذا إسناد صحيح كما قال العلامة الألباني في تعليقه على "المسح على الجوربين" (ص 47) وفي "تمام النصح في أحكام المسح" الملحق بكتاب "المسح على الجوربين" للعلامة القاسمي (ص 87). فقه الأثر: - جواز المسح على النعلين -إذا كان لبسهما على طهارة- خلافًا لمن منع ذلك من المتعصّبين المذهبيين. - أن خلع النعل بعد المسح عليه لا ينقض الوضوء، كما هو مذهب كثير من علماء السلف قديمًا وحديثًا، وممن اختار هذا القول؛ شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللهُ- كما في "الأخبار العلمية من الإختيارات الفقهية" (ص 26 - ط. العاصمة) وهو اختيار العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- كما في "تمام النصح"، وشيخ القصيم محمد بن صالح العثيمين -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في "مجموع فتاويه" (7/ 162). - وفيه جواز البول قائمًا إذا احتاج لذلك.

التدرج في نزول الحلال والحرام في القرآن

61 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا ابراهيم بن موسى، أخبرنا هشام ين يوسف؛ أن ابن جُريج أخبرهم، قال: وأخبرني يوسف بن ماهك، قال: إني عند عائشة أمّ المؤمنين - رضي الله عنها - إذ جاءها عراقيّ فقال: أي الكفن خير؟ قالت: "ويحكَ! ما يَضُرُّكَ"؟! قال: يا أمّ المؤمنين؛ أريني مُصْحَفَكِ. قالت: "لِمَ"؟! قال: لعلّي أُؤَلِّفُ القرآن علبه، فإنه يُقرأُ غير مؤلَّف. قالت: "وما يَضُرُّكَ أَيُّهُ قرأتَ قَبْلُ! إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المُفَصَّلِ فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثابَ الناسُ إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أولُ شيء: لا تشربوا الخمرَ؛ لقالوا: لا نَدَعُ الخمرَ أبدًا! ولو نزَلَ: لا تَزْنوا؛ لقالوا لا نَدَعُ الزنَا أبدًا! لقد نزل بمكة على محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - وإني لجارية ألعبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)}. وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده". قال: فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السّور. أخرجه البخاري في "صحيحه" (رقم: 4993) والنسائي في "الكبرى"- فضائل القرآن- (5/ 5 - 6/ 7987 - العلمية) عن ابن جريج به. وانظر لفقه الأثر "فتح الباري" (8/ 656 - وما بعدها) و"تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير (1/ 226 - وما بعدها، ط. ابن الجوزي) ففيه فوائد نفيسة وشرح ممتع قد لا تجده في موضع آخر. * * * 62 - قال الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة -رَحِمَهُ اللهُ-، حدثنا محمد بن عبيدة، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن أبي عمار، قال: قال حذيفة: "إن الفتنة لتعرضُ على القلوب؛ فأيّ قلب أُشْرِبها نقط على قلبه نقط سود،

وأيّ قلب أُنكرَهَا نقط على قلبه نقطة بيضاء، فمن أحبَّ منكم أن يعلم أصابته الفتنة أم لا؛ فلينظر؛ فإن رأى حرامًا ما كان يراه حلالًا أو يرى حلالًا ما كان يراه حرامًا فقد أصابته". أخرجه: ابن أبى شيبة في "مصنفه" (15/ 88) أو (7/ 474/ 37332 - العلمية) والحاكم في "المستدرك" (4/ 467) ونعيم بن حماد في "الفتن" (رقم 130) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 272 - 273) وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (رقم: 26). من طرق؛ عن الأعمش به. وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين" ووافقه الذهبي. * * * 63 - عن حذيفة - رضي الله عنه -، أنه قال: "إن للفتنة وقفات وبعثات، فمن استطاع أن يموت في وقفاتها فليفعل". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 448، 451/ 37107، 37128 - العلمية) والحاكم (4/ 433، 501) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 274) وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (رقم: 180) ونعيم بن حماد في "الفتن" (رقم: 165). من طريقين: الأولى: عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن حذيفة. الثانية: عن الحارث بن حصيرة، عن زيد به. وإسناد الأثر صحيح، والحمد لله. وزاد الحاكم في الموضع الثاني: "سئل حذيفة - رضي الله عنه -: ما وقفاتها؟ قال: إذا غمد السيف. قال: وما بعثاتها؟ قال: إذا سُلَّ السيف".

فضل نبينا صلوات الله وسلامه عليه على جميع الأنبياء

64 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -ما، قال: "إن الله فضَّلَ محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على الأنبياء -عليهم السلام- وعلى أهل السماء". فقالوا: يا ابن عباس؛ بمَ فضَّله على أهل السماء؟ قال: "إن الله قال لأهل السماء: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29)} [الأنبياء: 29]. وقال الله تعالى لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 1 - 2]. قالوا: فما فَضْلُه على الأنبباء عليهم السلام؟ قال: "قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} الآية [إبراهيم: 4]. وقال الله -عَزَّ وَجَلَّ- لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28] فأرسله إلى الجن والإنس". أخرجه الدارمي في "مسنده" -أو سننه- (1/ 193 - 194/ 47 - ط. حسين سليم أسد) والحاكم (2/ 350) والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 11610). من طريق: يزيد بن أبي حكيم، حدثني الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي. وأخرجه البيهقي في "دلائل النبوة" (5/ 486 - 487) من طريق: حفص بن عمر العدني، حدثنا الحكم بن أبان به. * * * 65 - قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا صدقة بن الفضل، نا يحيى، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: قال عمر: "عليٌّ أَفضَانَا، وأُبيٌّ

أَقْرَؤُنَا، وإنا لنَدَعُ من لَحْنِ أبيّ، وأبيّ يقول: أخذتُه من فِيِّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا أتركه لشيءٍ، قال الله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106]. أخرجه: البخاري (4481، 5005) وأحمد (5/ 113) أو رقم (21161، 21162، 21163 - قرطبة) والنسائي في "الكبرى" (6/ 289/ 10995) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 339) والحاكم (3/ 305) والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 155) وفي "المدخل" (رقم: 77) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 65) وابن شبة في "أخبار المدينة" (2/ 272) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 518 - 519) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 481). من طريقين: الأولى: عن سفيان الثوري به. والثانية: عن سفيان الأعمش، عن حبيب به. وأخرجه الطوسي في "الأمالي" (رقم: 445) من طريق: منصور بن حازم، عن حبيب به. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات" (3/ 339) ووكيع في "أخبار القضاة" (1/ 88) والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (15/ 67) وفي "تذكرة الحفاظ" (3/ 820) من طريق: شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس، عن عمر قال: "عليٌّ أقضانا، وأبي أقرؤنا". وروُي مرفوعًا، لكنه لا يصح، وانظر "العلل" للدارقطني (1/ 84/ 128). * * * 66 - قال عمرو بن الحارث: "ما تَرَكَ رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - دينارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا ولا أَمَةً ولا شيئًا، الا بغلته البيضاء وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة". أخرجه البخاري (2739، 2873، 2912، 3098، 4461) والنسائي (6/ 229) وأحمد (4/ 279) والترمذي في "الشمائل" (رقم: 402) والدارقطني (4/ 84) والبيهقي (6/ 160) والطبراني في "المعجم الكبير" (17/ رقم: 92، 93، 94).

قلت: وهذا الأثر يؤيد ما رواه مالك والبخاري ومسلم وغيرهم، من حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - مرفوعًا: "لا نورّث، ما تركنا فهو صدقة". وما أخرجه أبو داود وابن ماجه وغيرهما، من حديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - مرفوعًا: "إن الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا ... الحديث". * * * 67 - قال الإمام الحافظ ابو محمد عبد الله الدارمي: أخبرنا أبو المنيرة، حدثنا الأوزاعي، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: "كان من مضى من علمائنا يقولون: الإعتِصَامُ بالسنة نجاة، والعلمُ يُقْبَضُ قبضًا سريعًا، فَنَعْشُ العلمِ ثباتُ الدين والدنيا، وفي ذهاب العلمِ ذهابُ ذلك كله". أخرجه الدارمي في "سننه" -أو مسنده- (1/ 97/230 - حسين سليم أسد) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 136) والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (رقم: 860) وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 369) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 159). من طريق: الأوزاعي به. وهذا إسناد صحيح. لكن سقط ذكر يونس بن يزيد عند ابن بطة، فليتنبه. وأخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (رقم: 817) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 386) والآجري في "الشريعة" (2/ 104/ 764 - الوليد سيف النصر) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 137) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 592/ 1018، 1019) والهروي في "ذم الكلام وأهله" (2/ 404 - 406/ 495 و 4/ 110/ 865) والدينوري في "المجالسة" (2/ 235/ 363). من طريق: يونس بن يزيد به.

ذهاب الدين يكون بترك السنن

68 - وقال أبو محمد الدارمي: أخبرنا أبو المنيرة، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي عمرو السَّيباني، عن عبد الله بن الدَّيلمي، قال: "بلغني أن أول ذهاب الدين ترك السُّنة؛ يذهب الدين سنة سُنَّة، كما يذهب الحبل قوة قوة". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 230/ 98) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 386) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 127) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 229) وابن وضاح القرطبي في "البدع والنهي عنها" (رقم: 191). من طريق: يحيى بن أبي عمرو السيباني به. ووقع في مطبوعة "مسند الدارمي": الشَّيباني بدل السيباني، فليصحح. * * * 69 - قال الدارمي: أخبرنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا وهيب، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، قال: "ما ابتدع الرجل بدعة إلا استحلَّ السيف". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 231/ 100) والفريابي في "القدر" (رقم: 376، 368 - ط. ابن حزم) والآجري في "الشريعة" (1/ 200/ 145 - ط. الوليد سيف النصر) أو (رقم: 138، 2052، 2055 - دار الوطن) واللالكائي في "شرح الأصول" (رقم: 247) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (7/ 134). من طرق: عن أيوب به. * * * 70 - قال الدارمي: أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، قال: "إن أهلَ الأهواء أهلُ الضّلالة، ولا أرى مَصِيرَهُم إلا إلى النار، فجرّبهم، فإنه ليس أحد منهم ينتحلُ قولًا -أو قال: حديثًا- فيتناهى به الأمر دون السيف. وإن النفاق كان ضُرُوبًا، ثم تلا: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75)} [التوبة: 75] {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ

الورع في التحديث والفتيا

وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة: 61]. فاختلف قولهم واجتمعوا في الشكّ والتكذيب، وإن هؤلاء اختَلَفَ قولُهم واجتمعوا في السيف، ولا أرى مصيرَهم إلا إلى النار". صحيح. أخرجه: الدارمي (1/ 231 - 232، 387/ 101، 405) والبيهقي في "الإعتقاد" (ص 319 - ط أبي العينين) والفريابي في "القدر" (رقم: 366، 370) والهروي في "ذم الكلام" (4/ 92/ 839) وابن سعد في "الطبقات" (7/ 134) والآجري في "الشريعة" (1/ 200/ 143) -مختصرًا- وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/ 58) وابن وضاح في "البدع" (رقم: 132) -بلفظ آخر- واللالكائي (رقم: 243، 244) وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 284، 287) ومن طريقه الذهبي في "السير" (4/ 472) وابن أبي زمنين في "السنة" (رقم: 233) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 389) وعبد الله بن أحمد في "السنة" (رقم: 99) والخلال في "السنة" (ق: 181 - أ) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 363، 364، 367، 369) والتيمي الأصبهاني في "الترغيب" (رقم: 462). من طريق: حماد بن زيد به. بعضهم باللفظ المذكور، وبعضهم بلفظ: "لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم، فإني لا آمن أن يغمسوكم في ضلالتهم ويلبّسوا عليكم ما كنتم تعرفون". * * * 71 - قال الدارمي: أخبرنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عطاء بن السائب، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: "لقد أدركتُ في هذا المسجد عشرين ومائة من الأنصار، وما منهم من أحدِ يحدّثُ بحديث إلا ودَّ أن أخاه كفاهُ الحديث، ولا يُسألُ عن فتيا إلا ودّ أن أخاه كفاه الفتيا". أخرجه الدارمي (1/ 248 - 249/ 137) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6/ 74) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 58) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1120/ 2199) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 23 -

24/ 640، 641) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 817). من طريق: سفيان به. وهذا إسناد صحيح. سماع سفيان من عطاء قبل الإختلاط. وأخرجه ابن سعد (6/ 74 - 75) والآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 76) من طريق: شعبة، عن عطاء به. وسماع شعبة عن عطاء قديم، فصح هذا السند أيضًا. وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1121 - 1122/ 2201، 2202) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 21) من طريق: جرير، عن عطاء به. * * * 72 - قال الدارمي: أخبرنا محمد بن قدامة، حدثنا أبو أسامة، عن مسعر، قال: أخرج إليَّ معن بن عبد الرحمن كتابًا، فحلف لي بالله أنه خطُّ أبيه، فإذا فيه: قال عبد الله: "والذي لا إله إلا هو؛ ما رأيت أحدًا كان أشدّ على المتنطّعين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما رأيتُ أحدًا كان أشدّ عليهم من أبي بكر - رضي الله عنه -، وإني لأرى عمر - رضي الله عنه - كان أشدّ خوفًا عليهم أو لهم". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 249 - 250/ 140) وأبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" (9/ 50/ 6485) وأبو يعلى في "مسنده" (8/ 437/ 5022) والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ رقم: 10367). من طريق: أبي أسامة به. وإسناده صحيح. * * * 73 - قال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة -هو:

كيفية القضاء

ابن عمير- عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: أكثروا على عبد الله ذات يوم، فقال عبد الله: "إنه قد أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك، ثم إن الله -عَزَّ وَجَلَّ- قدَّر علينا أن بلغنا ما تَرَوْنَ، فمن عُرِض له منكم قضاء بعد اليوم فليقضِ بما في كتاب الله، فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله فليقضِ بما قضى به نبيُّهُ - صلى الله عليه وسلم -، فإن جاء أمر ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيُّه - صلى الله عليه وسلم -؛ فليقضِ بما قضى به الصالحون، فإن جاء أمرٌ ليس في كتاب الله ولا قضى به نبيُّهُ - صلى الله عليه وسلم - ولا قضى به الصالحون؛ فَلْيَجْتَهِدْ رَأيَهُ، ولا يقول: إني أخافُ! فإن الحلالَ بيِّنٌ والحرامَ بيِّنٌ، وبين ذلك أمورٌ مشتبهات، فدَعْ ما يُريبُكَ إلى ما لا يُرِيبُكَ". أخرجه النسائي في "الصغرى" -المجتبى- (8/ 230) وفي "الكبرى" (3/ 468 - 469/ 5945) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 847/ 1597) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 493/ 536) والدارمي (1/ 270/ 272). من طريق: الأعمش به. قال النسائي: "هذا الحديث جيّد جيّد". وصحّح إسناده المحدّث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح سنن النسائي" (3/ 1092 - 1093/ 4987). وأخرجه الدارمي (1/ 264، 269/ 167، 171) والنسائي في "الصغرى" (8/ 230 - 231) وفي "الكبرى" (3/ 469/ 5946) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 494/ 537) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 282 - 283/ 369). من طريق: الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن حريث بن ظُهير، عن ابن مسعود به. وأظن هذا الإختلاف في السند آتٍ من قبل الأعمش كما في إسناد الخطيب.

وحريث بن ظهير؛ مجهول كما قال الحافظ في "التقريب"، وقال الذهبي في "الميزان": "عن عبد الله بن مسعود، وعنه عمارة بن عمير؛ لا يعرف". ولا عبرة بقول محقق "المسند" -أو السنن- للدارمي، الأستاذ حسين سليم أسد الداراني وفقه الله. وانظر لزامًا "إكمال تهذيب الكمال" (4/ 41) وحاشيته. تنبيه: الحديث كما ترى جاء من طريقين: الأولى: عن عبد الرحمن بن يزيد. والثانية: عن الحريث بن ظهير. فقد خلط الأستاذ الداراني في تخريج الحديث ولم يميز بين الطريقين، فجعلهما طريقًا واحدة. وكذا فعل محقق "جامع بيان العلم" أبو الأشبال الزهيري، ومحقق كتاب "الفقيه والمتفقه" عادل بن يوسف العزازي، وفق الله الجميع لكل خير. والأثر أخرجه الخطيب أيضًا (1/ 532/ 572) بإسناد ضعيف جدًا؛ لأجل روح بن جناح. وقد ثبت الأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أيضًا. أخرجه: النسائي (8/ 231) وفي "لكبرى" (3/ 468/ 5944) والدارمي (1/ 265 - 266/ 169) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 846، 847/ 1595، 1596) والبيهقي في "الكبرى" (10/ 115) والخطب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 492/ 534). من طريق: أبي إسحاق الشيباني، عن الشعبي، قال: كتب عمر إلى شريح: .. فذكره بنحو منه. وهذا إسناد صحيح كما قال الشيخ الألباني في "صحيح سنن النسائي" (3/ 1093/ 4989). * * * 74 - قال الدارمي: أخبرنا عبد الله بن محمد، حدثنا ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: "كان ابنُ عباس - رضي الله عنهما - إذا سُئِلَ عن الأمر فكان في القرآن أخبر به، وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول

من علم علما فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم

الله - صلى الله عليه وسلم - أخبر به، فإن لم يكن؛ فعن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فإن لم يكن؛ قال فيه برأيه". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 265/ 168) والحاكم (1/ 127) والبيهقي (10/ 115) وفي "المدخل" (رقم: 73) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 497، 498/ 542، 543). من طرق؛ عن سفيان به. وصحّح إسناده البيهقي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-. * * * 75 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "أيها الناس؛ من عَلِمَ منكم علمًا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل لما لا يعلم: الله أعلم. فإن من علم المرء أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم. وقد قال الله لرسوله: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)} [ص: 86]. أخرجه البخاري في "صحيحه" (1007، 1020، 4693، 4774، 4809، 4821، 4822، 4823، 4824) وفي "خلق أفعال العباد" (رقم: 222) ومسلم (2798) وأحمد (1/ 380 - 381، 431، 441) والحميدي في "مسنده" (1/ 63 - 64/ 116) والترمذي (3254) والطبري في "تفسيره" (25/ 111، 112) والدارمي في "سننه" (1/ 273/ 179) وابن حبان في "صحيحه" (11/ 80/ 4764 و 14/ 548/ 6585) والبيهقي في "السنن" (3/ 352) وفى "دلائل النبوة" (2/ 324 - 326) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ رقم: 1556، 1557، 1559) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 362 - 363/ 1105) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 67) والآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 96). من طريق: الأعمش ومنصور، عن مسلم، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود به.

العالم والمتعلم في الأجر سواء

76 - عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: "العالم والمتعلّمُ في الأجر سواء، وسائر الناس هَمَجٌ لا خير فيهم". حسن. أخرجه: ابن المبارك في "الزهد" (رقم: 543) وعبد الله بن أحمد في "الزهد" (رقم: 731 - الكتاب العربي) والآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 32). من طريق: ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أبي الدرداء به. وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه؛ فإن خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء - رضي الله عنه -. وأخرجه: عبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد" (رقم: 727 - الكتاب العربي) أو (2/ 57 ط. دار النهضة) والدارمي في "سننه" (1/ 313، 353/ 253، 337) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 542) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ رقم: 138، 140) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 212 - 213). من طريق: الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي الدرداء به. وإسناده كسابقه؛ فإن سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي الدرداء أيضًا. وأخرجه أحمد في "الزهد" (رقم: 726) أو (2/ 57 - النهضة) من طريق: عبد الرحمن، ثنا معاوية -[بن صالح]- عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء به. وهذا إسناد حسن، وبه يُحسَّنُ الأثر، فلله الحمد والمنة. * * * 77 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "مُعَلِّمُ الخير يستغفر له كل شيءٍ، حتى الحوت في البحر". حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 727/ 6164) والدارمي في "سننه" (1/ 363/ 355) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 498/ 796) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 60). من طريق: الأعمش، عن شمر به عطية، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وأخرجه الآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 34) من طريق: قيس بن الربيع، أنبأنا شمر به عطية به.

من لم يعرف الناسخ والمنسوخ هلك وأهلك

وقيس بن الربيع فيه كلام، لكن تابعه الأعمش كما تقدم في الطريق الأولى. وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 171/ 180) من طريق: عبيد الله بن موسى، عن أبي حمزة، عن سعيد بن جبير به. وأبو حمزة هذا مجهول. وأخرجه البيهقي في "المدخل" (رقم: 391) من طريق: أبي قتيبة، ثنا شمر بن عطية به. وأخرجه (برقم: 390) من طريق سفيان، عن الأعمش، عن رجل، عن سعيد به. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 469) وابن عبد البر (1/ 172/ 181) عن معمر، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير به. هكذا دون واسطة. وعلى كل حال فالأثر حسن بما تقدم، والله أعلم. * * * 78 - عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: مرَّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - على قاصٍّ يقصّ، فقال: "أتعرفُ الناسخَ والمنسوخ"؟ قال: لا. قال: "هلكتَ وأهلكتَ". أخرجه: الزهري في "الناسخ والمنسوخ" (ص 13) وأبو جعفر النحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص 7 - ط. مؤسسة الكتب الثقافية) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 130) وأبو بكر الهمداني في "الإعتبار في الناسخ والمنسوخ" (رقم: 3) وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" (رقم: 1) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 117) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (رقم: 3 - ط. المكتبة العصرية). من طريق: سفيان الثوري، عن أبى حصين، عن أبي عبد الرحمن به. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه لكتاب "العلم" لأبي خيثمة (ص 31): "إسناده صحيح على شرط الشيخين". وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 244/ 239) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 184) والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص 7) والزهري (ص 14) وابن الجوزي (رقم: 4). من طريق: شعبة، عن أبي حصين به.

النهي عن المراء

وله طرق أخرى انظرها في "نواسخ القرآن" لابن الجوزي. ورواه ابن عباس أيضًا: أخرجه: البيهقي في "المدخل" (185) وأبو عبيد (2) وابن الجوزي (8) والهمداني (6) والزهري (ص 14) والنحاس (ص 8). من طريق: سلمة بن نبيط، عن الضحاك، عن ابن عباس به. وإسناده صحيح أيضًا. * * * 79 - قال مسلم بن يسار -رَحِمَهُ اللهُ-: "إيّاكم والمِرَاءَ؛ فإنها ساعة جَهْلِ العالمِ، وبها يبتغي الشيطان زلَّته". صحيح. أخرجه: الآجري في "الشريعة" (1/ 187 - 188/ 118، 119 - ط. الوليد سيف النصر) والدارمي في "سننه" (1/ 389/ 410) وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 294) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 547 - 550) وأبو ذر الهروي في "ذم الكلام" (4/ 86 - 87/ 828). من طريق: حماد بن زيد، عن محمد بن واسع، عن مسلم بن يسار به. * * * 80 - قال أيوب السختياني -رَحِمَهُ اللهُ-: "ينبغي للعالم أن يضعَ الترابَ على رأسه تواضعًا لله -عَزَّ وَجَلَّ-". صحيح. أخرجه: الآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 42) وفي "أخلاق حملة القرآن" (رقم: 61) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 300/ 1857) وفي "المدخل" (رقم: 509) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 229 - 230/ 899) وابن بطة في "إبطال الحيل" (ص 24 - المكتب الإسلامي). من طرق؛ عن حماد بن زيد، عن أيوب به. * * * 81 - عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: "إن أخوفَ ما أخافُ؛ إذا وقفتُ على الحساب أن يُقال: قد علمتَ؛ فماذا عمِلْتَ فيما علِمْتَ"؟! حسن لغيره. أخرجه: ابن المبارك في "الزهد" (رقم: 39) وأحمد في

"الزهد" (رقم: 730 - ط. الكتاب العربي) أو (2/ 58 - ط. دار النهضة) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 311) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 680/ 1201) والآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 53). من طريق: سليمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال، عن أبي الدرداء به. وهذا إسناد منقطع؛ فإن حميد بن هلال بن سويد العدوي لم يدرك أبا الدرداء، انظر "جامع التحصيل" (ص 202/ رقم: 147). وأخرجه: الدرامي (1/ 321/ 275) والخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (رقم: 54) من طريق: أبي قدامة الحارث بن عبيد، ثنا مالك بن دينار، عن أبي الدرداء به. وإسناده ضعيف منقطع. الحارث بن عبيد الإيادي؛ ضعيف. ومالك بن دينار لم يدرك أبا الدرداء - رضي الله عنه -. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 286/ 1783) وفي "المدخل" (رقم: 492) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 682/ 1204). من طريق: معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن كثير بن مرة، عن أبي الدرداء به. وسقط ذكر كثير من عند البيهقي. وإسناده منقطع كسابقه. وأخرجه الخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (رقم: 55) من طريق: عمران بن عبد الرحيم، ثنا الحسين بن حفص، قال: سمعتُ سفيان يقول: قال أبو الدرداء ... فذكره. وهذا إسناد معضل. وأخرجه الخطيب (رقم: 53) من طريق: عبد الرحمن بن محمد الحارثي، ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن أبي عوف، عن أبي الدرداء به. قال العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-: "موقوف حسن الإسناد، وفي الحارثي

كلام يسير، لا سيما وهو يتقوى بالسند الآتى بعد". وأخرجه عبد الرزاق (11/ 253) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 489) من طريق: معمر، عن قتادة، عن أبي الدرداء به. قال محقق "المدخل إلى السنن الكبرى" الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي (2/ 57): "إسناده صحيح"! قلت: لا؛ فإن قتادة لم يسمع من أبي الدرداء - رضي الله عنه -، فقد قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث": "لم يسمع من أحد من الصحابة غير أنس بن مالك". فالإسناد منقطع، والمنقطع من قسيم الضعيف. قلت: لكن الأثر بمجموع هذه الطرق يكون حسنًا لغيره، والله تعالى أعلم. * * * 82 - عن عبد الله بن عكيم، قال: سمعتُ عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في هذا المسجد -يعني: مسجد الكوفة- بدأ باليمين قبل أن يحدّثنا، فقال: "والله ما منكم من أحدٍ إلّا وإن ربّه سيخلو به، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، ثم يقول: يا ابن آدم! ما غرَّكَ بي -ثلاث مرات - ماذا أجبتَ المرسلين، كبفَ عمِلتَ فيما علمتَ". أخرجه: الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 52) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 131). من طريق: أبي عوانة، أنبا هلال بن أبي حُميد، عن هلال الوزّان، عن عبد الله بن عكيم به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه: النسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" (7/ 70 - 71/ 9345) -[وهو غير موجود في مطبوعة "السنن الكبرى"، وقد أشار الحافظ المزّي -رَحِمَهُ اللهُ- إلى أن كتاب المواعظ غير موجود في الرواية المشهورة للسنن]- وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 38) وأسد بن موسى في "الزهد" (رقم: 96)

وجوب العمل بالعلم

والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8900) وابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 363 - 364/ 217) وعبد الله بن أحمد في "السنة" (1/ 258، 259/ 474، 475) والدينوري في "المجالسة" (1/ 298/ 8). من طريق: شريك بن عبد الله النخعي، عن هلال الوزان به. وشريك ضعيف، لكنه متابع بما قبله. وقد خالف فيه؛ فرواه مرفوعًا، انظر "المعجم الأوسط" (1/ 279/ 452)، والصواب وقفه، والله تعالى أعلم. * * * 83 - وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أنه قال: "لا تكون عالمًا حتى تكون بالعلم عاملًا". أخرجه: الدارمي (1/ 336 - 337/ 301) والخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (رقم: 17) وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 35) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 488). من طريق: برد بن سنان، عن سليمان بن موسى الدمشقي، عن أبي الدرداء له. وإسناده منقطع. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 213) من طريق: ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن ضمرة بن حبيب، عن أبي الدرداء به. وضمرة سمع من أبي الدرداء. وأخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 220) والخطيب في "اقتضاء العلم العمل" (رقم: 16) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 488). من طريق: جعفر بن برقان، عن فرات بن سلمان، عن أبي الدرداء به. وإسناده منقطع. وأخرجه الآجري في "أخلاق العلماء" (رقم: 54) من طريق: معاوية بن صالح، عن حبيب بن عبيد، عن أبي الدرداء به.

حصول الفتنة في هذه الأمة بكرة القراء وقلة الفقهاء

وهو منقطع أيضًا. فالأثر الصحيح برواية أبي نعيم، والله أعلم. * * * 84 - قال الدارمي: أخبرنا يعلى، حدثنا الأعمش، عن شقيق، قال: قال عبد الله -[يعني: ابن مسعود]-: "كيف أنتم إذا لَبَسَتْكُمْ فتنةٌ؛ يهرَمُ فيها الكبير، ويربو فيها الصغير، ويتحذها الناسُ سُنَّة، فإذا غُيّرت قالوا: غيِّرَتِ السنةُ"! قالوا: ومتى ذلك يا أبا عبد الله؟! قال: "إذا كثُرَت قرَّاؤُكم، وقلَّت فقهاؤُكم، وكثُرَث أمراؤُكم، وقلَّت أمناؤكُم، والتُمِسَت الدنيا بعمل الآخرة". أخرجه: الدارمي (1/ 278/ 191) والحاكم في "المستدرك" (4/ 514 - 515) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 858). من طريق: يعلى بن عبيد به. وإسناده صحيح كما قال الذهبي في "التلخيص". لكن وقع عند البيهقي: عن الأعمش، عن شعبة، عن شقيق به، فزاد فيه شعبة. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (15/ 34/ 19003) أو (7/ 452/ 37145 - العلمية) من طريق: أبي معاوية، عن الأعمش به. وأخرجه ابن وضّاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 285) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (رقم: 1135) وابن حزم في "الإحكام في أصول الأحكام" (7/ 881) ونعيم بن حماد في "الفتن" (52). من طريق: سفيان الثوري، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابراهيم، عن علقمة، عن عبد الله به. وأخرجه الدارمي (1/ 278/ 192) من طريق: خالد بن عبد الله، عن يزيد به.

ويزيد بن أبي زياد هو الشامي؛ ضعيف. وأخرجه اللالكائي (رقم: 123) من طريق: ابن فضيل، عن يزيد به. وخالف سفيانَ وخالدًا وابنَ فضيل؛ محمدُ بن نبهان، فرواه عن يزيد مرفوعًا، كما في "الحلية" (1/ 136). ومحمد بن نبهان ضعيف، وقال أبو نعيم بعد أن ذكره: "كذا رواه محمد بن نبهان مرفوعًا، والمشهور من قول عبد الله بن مسعود موقوف". وأخرجه ابن وضاح (رقم: 80) من طريق: زبيد اليامي، عن عبد الله بن مسعود. وزبيد لم يسمع من عبد الله؛ فهو منقطع. وأخرجه: معمر في "جامعه" المطبوع مع مصنف عبد الرزاق (11/ 359 - 360/ 20742) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 758) والخطابي في "العزلة" (ص 11). من طريق: معمر، عن قتادة، عن عبد الله به. وقتادة لم يسمع من أحد من الصحابة خلا أنس بن مالك، كما قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" وابن أبي حاتم في "المراسيل" وغيرهما، فالإسناد منقطع. وأخرجه أبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن" (رقم: 281) من طريق: سعيد بن سنان، عن عمرو بن مرة، عن مرة بن شراحيل، عن عبد الله به. وإسناده ضعيف جدًا. والأثر صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 155/ 111) وفي "صلاة التراويح" (ص 5). فقه الأثر: - فيه تشخيصٌ دقيق لواقعنا في هذا الزمان من تبدّل الحال على ما كان عليه الزمن الأول؛ زمن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وأصحابه.

- أن العبرة ليست بكثرة العُبّاد والقرّاء، بل العبرة بفقه هذه العبادة والقراءة والعمل بها وتنزيلها في الحياة. وأدلّ دليلٍ على هذا؛ حال الخوارج -وقد وصفهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بكثرة العبادة والقراءة، لكن هذه العبادة والقراءة لم تنفعهم، إذ هم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"، فالعبرة إذًا بموافقة السنة، والله الموفق. - فيه أن الناس إذا اعتادوا أمرًا جعلوه سنة، وهذا مشاهد في عصرنا؛ إذ فشت البدع وسمّيت سننًا، فإذا جاء السُّنيُّ ينكرها أنكر الناس عليه ذلك واتهموه في دينه. وإذا أتى يقيم السنة استنكروا واستغربوا، كأنها بدعةٌ تقام، ولا حول ولا قوة إلا بالله. - وفيه أيضًا تشخيص لحال الفقهاء والقراء الذين اتخذوا هذا الأمر مهنة ووظيفة، فالتمسوا الدنيا بعمل الآخرة، فصارت النيات زائغة عند الكثير، فهو يريد أن يكون قارئًا كي يدرَّ عليه من المال الوفير، وآخر إن رُتّب له راتب من المال دعا إلى الله، وإلا فلا!! وهذا الأثر يعدُّ من أعظم الآثار الواردة عن الصحابة وأجلّها، وفيه فوائد وعبر كثيرة غير ما ذكرنا، وهذا ما فتح أدنه به، والحمد الله أولًا وآخرًا. * * * 85 - قال معاذ بن جبل - رضي الله عنه -: "يُفْتَحُ القرآنُ على الناسِ؛ حتى يقَرأَهُ المرأةُ والصَّبيُّ والرجلُ، فيقول الرجلُ: قد قرأتُ القرآنَ فلم أُتَّبَع؛ والله لأقومنَّ به فبهم لعلّي أُتَّبَعُ، فيقوم به فيهم؛ فلا يُتَّبَعُ، فيقول: قد قرأتُ القرآن فلم أُتَّبَعُ، وقد قمتُ به فيهم فلم أُتَّبَعْ؛ لأحتظِرن في بيتي مسجدًا لعلّي أُتَّبَعُ، فيحتظر في بيته مسجدًا؛ فلا يُتَّبَعُ، فيقول: قد قرأتُ القرآنَ فلم أُتَّبَعْ، وقُمتُ به فبهم فلم أُتَّبَعْ، وقد احتظرتُ في بيتي مسجدًا فلم أُتَّبَعْ؛ والله لآتينَّهُم بحديثٍ لا يجدونه في كتاب الله جل وعلا، ولم يسمعوه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لعلّي أُتَّبَعُ! قال معاذ: فإياكم وما جاء به، فإن ما جاء به ضلالة". صحيح. أخرجه: أبو داود (4611) -نحوه- والدارمي (1/ 284/ 25)

تفسير مجاهد لقول الله تعالى: {ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم}

ومعمر في جامعه- المطبوع في نهاية المصنف لعبد الرزاق- (11/ 363 - 364/ 20750) والآجري في "الشريعة" (1/ 172 - 173/ 96، 97) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 232) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 834) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 321 - 322، 719) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 143) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 116، 117) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 59، 63) والفريابي في "صفة النفاق" (ص 18 - 20) والهروي في "ذم الكلام" (4/ 32 - 750). من طرق؛ عن معاذ به. وهو أثر صحيح، جاء من طرق صحيحة، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (رقم: 3855). * * * 86 - قال الدارمي: أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: {وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: 153] قال: "البدعُ والشُّبهات". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 286/ 209) وابن جرير الطبوي في "تفسيره" (8/ 88) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1422/ رقم: 8104) وإسحاق بن راهويه في "مسنده" كما في "إتحاف الخيرة المهرة" (8/ 74/ 7666) و"المطالب العالية" (رقم: 3598 - العاصمة) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 20، 21 - العاصمة) والهروي في "ذم الكلام" (4/ 54 - 56/ 785) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 134) وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 293) والبيهقي في "المدخل" (1/ 185/ 201). من طرق؛ عن ابن أبي نجيح به. غير إسحاق بن راهوية، فأخرجه عن أبي أسامة، عن بعض المكيين، عن مجاهد.

قصة عبد الله بن مسعود مع أصحاب الحلق

87 - قال الدارمي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا الحكم بن المبارك، أنبانا عمرو بن يحيى، قال: سمعتُ أبي يحدّثُ عن أبيه، قال: كنا نجلسُ على باب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مَشَينَا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه، فقال: "أخرَجَ إليكم أبو عبد الرحمن"؟ قلنا: لا؛ بعدُ. فجلس معنا حتى خرج، نلما خرج قمنا اليه جميعًا، فقال له أبو موسى: "يا أبا عبد الرحمن: إني رأيتُ في المسجد آنفًا أمرًا أنكرتُهُ، ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟ فقال: إن عِشتَ فستراه. قال: رأيتُ في المسجد قومًا حِلَقًا جلوسًا ينتظرونَ الصلاة، في كل حَلَقة رجل، وفي أيديهم حصًا، فيقول: كبِّرُوا مئة، فيكَبِّرونَ مئة، فيقول: هلِّلُوا مئة، فيهلّلونَ مئة، ويقول: سبّحوا مئة، فيسبّحونَ مئة. قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئًا انتظار رأيكَ، أو انتظار أمركَ. قال: أفلا أمرتَهم أن يعدُّوا سيئاتهم، وضَمِنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم". ثم مضى ومضينا معه، حتى أتى حلَقة من تلك الحِلَقِ، فوقف عليهم فقال: "ما هذا الذي أراكم تصنعونَ"؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن؛ حصًا نعدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح. قال: "فعدُّوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيعَ من حسناتكم شيءٌ؛ وَيحَكُمْ يا أمةَ محمد! ما أسرعَ هلكتَكُم، هؤلاء صحابة نبيُّكم - صلى الله عليه وسلم - متوافرون، وهذه ثيابُه لم تَبْلَ، وآنينُه لم تُكْسَرْ، والذي نفسي بيده؛ إنكم لعلى ملَّة هي

أهدى من ملّة محمد - صلى الله عليه وسلم - أَو مفتتِحو باب ضلالة". قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: "وكم من مريدِ للخير لن يصيبَ؛ إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حدّثنا أن قومًا يقرؤونَ القرآن لا يجاوزُ تراقيهم، وأيمُ الله؛ ما أدري لعل أكثرهم منكم". ثم تولَّى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحِلَق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج. صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 286 - 287/ 210) وبحشل في "تاريخ واسط" (ص 198 - 199) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (15/ 306/ 19736). من طريق: عمرو بن يحيى به. وهذا إسناد جيد. عمرو بن يحيى؛ ترجمه البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 382) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (6/ 382)، ووثقه ابن حبان في "الثقات" (8/ 480) والعجلي في "ثقاته". وروى ابن أبي حاتم عن ابن معين ثوثيقه، لكن الحافظ ابن حجر ذكر في "لسان الميزان" (4/ 378) عن ابن معين تليينه لعمرو بن يحيى. والأقرب هو توثيق الرجل: أولًا: لأن الجرح هنا غير مفسّر، ثم إنه لم يذكر فيه ما يقدح في روايته. يضاف إلى هذا رواية جمع من الثقات عنه كما ذكر ابن أبي حاتم. وأبو يحيى بن عمرو؛ ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (9/ 176) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقد روى عنه جمع من الثقات، ووثقه العجلي بقوله: "كوفي ثقة"، يضاف إلى هذا قول المحدّث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (1/ 12): "ويكفي في تعديله رواية شعبة عنه، فإنه كان ينتقي الرجال الذين كان يروي عنهم، كما هو مذكور في ترجمته .. ". وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8636) من طريق:

حماد بن زيد، عن مجالد بن سعيد، عن عمرو بن سلمة به. ومجالد بن سعيد؛ ضعيف يعتبر به. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8630 - 8633) وعبد الرزاق في "المصنف" (رقم: 5409) وعبد الله بن أحمد في زوائد "الزهد" (رقم: 2089) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 380 - 381). من طريق: عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن عبد الله به، بنحو منه. قال الهيثمي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في "مجمع الزوائد" (1/ 181): "فيه عطاء بن السائب؛ وهو ثقة، ولكنه اختلط". وفي هامش "المجمع" (1/ 182) - وهو من كلام الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "أبو البختري لم يسمع من ابن مسعود، فالحديث منقطع". قلت: عطاء بن السائب روى عنه جمع قبل اختلاطه منهم حماد بن سلمة، وقد وقع عند الطبراني في هذا الأثر الرواية عنه، فصحّ السماع، وانتفت علّة الإختلاط عن عطاء. أما علة الإنقطاع؛ فإن أبا البختري توبع؛ تابعه أبو عبد الرحمن السلمي عند الطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 8633). فصحّ الإسناد والحمد لله. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 5408) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8629) من طريق: سفيان بن عيينة، عن بيان، عن قيس بن أبي حازم عن عبد الله بن مسعود به. وهو صحيح كما في "المجمع" (1/ 181). وأخرجه أبو نعيم (4/ 381) والطبرانى (9/ رقم: 8628) من طريق: سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء عبد الله بن هانئ، عن عبد الله بن مسعود به. وإسناده حسن؛ أبو الزعراء فيه كلام لا ينزله عن درجة الحسن إن شاء الله تعالى.

وأخرجه ابن وضاح في "البدع" (رقم: 9) من طريق: الربيع بن صبيح، عن عبد الواحد بن صبرة، عن ابن مسعود به. وإسناده ضعيف؛ لأجل الربيع بن صبيح؛ "صدوق سيّيء الحفظ". وأخرجه ابن وضاح (برقم: 17) من طريق: عبيد الله بن عمر، عن سيّار أبي الحكم، عن ابن مسعود به. وهو منقطع بين سيار وابن مسعود. خلاصة الكلام: أن الأثر صحيح ثابت، وقد أورده المحدث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (رقم: 2005). فقه الأثر: هذا الأثر من أعظم الآثار والقصص الثابت عن الصحابة - رضي الله عنهم -، وفيه قواعد جليلة عليها أُسُّ الشريعة، وبها يتوضح مفهوم العبادة في شرعنا الحنيف، وإليك بيان بعض هذه الفوائد بما يفتح الله تعالى به: 1 - فيه: أن الغايات والمقاصد لا تبرّر الوصيلة، فإنه قد تكون الغاية صحيحة ومقصودة، لكن الوسيلة إلى هذه الغاية غير مشروعة، أو منهي عنها، فتكون والحال هذه المقاصد بحكم الوسائل. فإن المرء قد يقصد إلى الصلاة فيشرع فيها ويخلص لله تعالى حق الإخلاص، ثم يتذكر أنه على غير وضوء، فيقطع صلاته، ثم يتوضأ ليعيد الصلاة التي صلّاها. فالسؤال الموَجَّهُ إلى مستحسني البدع: هذا رجل أخلص لله تعالى في صلاته، فهل تقبل منه هذه الصلاة؟ لا شكّ أن جواب كل مسلم عاقل: الصلاة غير صحيحة؛ لأنه لم يأت بشرط صحتها وهو الوضوء. ولو أن رجلًا صلّى المغرب قبل وقتها مع الخشوع والإخلاص؛ فهل تُقبل منه هذه الصلاة؟ لا شكّ أيضًا أن الصلاة غير صحيحة لأنه صلّاها في غير وقتها.

فالمقصد هنا صحيح -وهو: إخلاص العبادة لله والخشوع له- لكن الوسيلة لم تصح؛ لأن الله فرض الصلاة بشروط معينة، وأوقات محدّدة، فمن سلك مسلكًا لهذه العبادة بغير ما أمر الله به وشرعه على لسان رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - كانت عبادته هباء منثورًا. ونقول أيضًا: أرأيت يا من تحسّن البدع والإحداث في دين الله! لو أن رجلًا استبدل لفظ التكبير (الله أكبر) المأمور به في الصلاة عند افتتاحها والشروع بأعمالها بلفظ التسبيح (سبحان الله) فبدل أن يفتتح بالتكبير صلاته افتتحها بالتسبيح! فهل تصحّ منه هذه الصلاة؟ لا شك بأن الجواب هو: كلا؛ لأنه لم يأت باللفظ المأمور به، المشروع له. فنقول: مع أن هذا الرجل لم يقل أمرًا منكرًا بل سبّح الله، والله يحبُّ تسبيحه وحمده، والتسبيح ذكر! فلا شك أنك ستقول: نعم، إن التسبيح ذكر، والله يحبه، وشرعه لنا؛ ولكن ليس في هذا الموضع، بل المشروع هنا والمأمور به هو التكبير. فنقول لك -فدِيتَ للحق-: كذا الأمر في جميع العبادات والأذكار، فما شرعه الله وأمر به على وجه العموم فأتِ به على وجه العموم، وما شرعه على وجه الخصوص فأتِ به على وجه الخصوص، وما لم يرد الدليل به ولا ثبت عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فعله؛ فلا تفعله لأنه لا خير إلا في هديه صلوات الله وسلامه عليه. فإذا أنكر عليك السُّنّيُّ المتبع لهدي إمامه ورسوله - صلى الله عليه وآله وسلم - الزيادة على الأذان بالصلاة والسلام على رسول الله، فلا تقل له: إنكم تكرهون الصلاة على النبيّ - صلى الله عليه وسلم -! لا يا أخي الحبيب؛ إن أهل الحديث والمتمسكين بسنة نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - هم أحب الناس إلى نبيهم لحرصهم على اتباعه، ومن هديه صلوات الله وسلامه عليه، وهدي أصحابه؟ أنهم كانوا لا يزيدون هذه الصلاة في الأذان، فعليك إن كنت محبًا لنبيك بالتزام هديه.

وهكذا في جميع أمور العبادات، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. 2 - ومن فوائد هذا الأثر: حرص الصحابة على مصاحبة العلماء وتوقيرهم. 3 - أنه ينبغي للمسلم إذا نزلت به نازلة أو رأى أمرًا غريبًا أو غير معهود لديه؛ أن يتوقف في الكلام فيه حتى يسأل من هو أعلم منه، كما فعل أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -. 4 - أن العبرة؛ بموافقة الشرع في الأعمال؛ لا بكثرتها، كما قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]، ولم يقل: أيكم أكثر عملًا. وقال جلّ وعلا: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]. وقال أيضًا: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104)} [الكهف: 103 - 104]. فأثبت الله -عَزَّ وَجَلَّ- لهؤلاء العمل في الآيتين التاليتين، لكنه بيّن أن هذا العمل لا عبرة به، وليس له وزن. وكذلك من عمل عملًا -وإن كان في الأصل فيه خير فيما يرى المرء- لكنه لم يسبقه إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا أصحابه فلا عبرة بعمله هذا ولا وزن له، إذ من شروط قبول العمل: أولًا: الإخلاص لله -عَزَّ وَجَلَّ- في هذا العمل. ثانيًا: متابعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وموافقة هديه فيه. فاعقل هذا جيدًا، وإياك والحيدة عنه. 5 - أن البدعة مآلها إلى الخطر والإنسلاخ من الدين وربما الخروج على المسلمين، وهذا مُبين في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]، وكما قال - عليه الصلاة والسلام -: "وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". 6 - الإنكار على المبتدعة وزجرهم ووعظهم بما يليق بحال المُنكِرِ والمنكَر عليه، ضمن الضوابط الشرعية المرعية في هذا الجانب.

7 - قال العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (5/ 1312 - 14): "وإنما عُنيتُ بتخريجه من هذا الوجه لقصة ابن مسعود مع أصحاب الحلقات؛ فإن فيها عبرة لأصحاب الطرق وحلقات الذكر على خلاف السنة، فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم مُنكِرٌ ما هم فيه اتهموه بإنكار الذِّكْرِ من أصله! وهذا كفرٌ لا يقع فيه مسلم في الدنيا، وانما المنكر ما أُلصِقَ به من الهيئات والتجمعات التي لم تكن مشروعة على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فما الذي أنكره ابن مسعود - رضي الله عنه على أصحاب تلك الحلقات؟ ليس هو إلا التجمع في يوم معين، والذكر بعدد لم يَرِدْ، وإنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة، ويأمرهم به من عند نفسه، وكأنه مشرّعٌ عن الله تعالى! {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ}. زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه - صلى الله عليه وسلم - فعلًا وقولًا إنما هي التسبيح بالأنامل، كما هو مبين في "الرد على الحبشي"، وفي غيره. ومن الفوائد التي تؤخذ من الحديث والقصة؛ أن العبرة ليست بكثرة العبادة، وإنما بكونها على السنة، بعيدة عن البدعة، وقد أشار إلى هذا ابن مسعود - رضي الله عنه - بقوله أيضًا: "اقتصاد في سنة خير من اجتهادٍ في بدعة" (¬1). ومنها: أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة، ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بَعْدُ من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب؟ فهل من مُعتبر؟! " اهـ. * * * 88 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا أبو النعمان، حدثنا أبو عوانة، عن بيان أبي بشر، عن قيس بن أبي حازم، قال: دخلَ أبو بكر على امرأة من أحمسَ (¬2) يقال لها زينب، فرآها لا تتكلّم، فقال: "ما لها لا تتكلّم"؟ ¬

_ (¬1) وهو مخرّج في هذه السلسلة برقم (4). (¬2) قبيلة من بجيلة.

ما الذي يهدم الإسلام؟!

قالوا: حجَّت مُصمتة. فقال لها: "تكلّمي، فإن هذا لا يحلُّ، هذا من عمل الجاهلية". فتكلّمت فقالت: من أنت؟ قال: "امرؤٌ من المهاجرين". قالت: أيُّ المهاجرين؟ قال: "من قريش". قالت: من أيّ قريش أنت؟ قال: "إنكِ لسؤُولٌ؛ أنا أبو بكر". قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟ قال: "بقاؤكم عليه ما استقامت بكم أئمتكم". قالت: وما الأئمة؟ قال: "أما كان لقومكِ رؤوسٌ وأشرافٌ يأمرونهم فيطيعونهم"؟ قالت: بلى. قال: "فهم أولئك على الناس". أخرجه البخاري (3834) والدارمي (1/ 293 - 294/ 218). * * * 89 - قال أبو محمد الدارمي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا محمد بن عيينة، أنبأنا علي -هو: ابن مسهر-، عن أبي إسحاق، عن الشعبي، عن زياد بن حُدير، قال: قال لي عمر: "هل تعرفُ ما يَهْدِمُ الإسلام"؟ قال: قلتُ لا. قال: "يَهْدِمُهُ زَلَّةُ عالمٍ، وجدال المنافق بالكتاب، وحُكمُ الأئمّة المُضِلّين". أخرجه الدارمي (1/ 295/ 220) والآجري في "تحريم النرد والشِّطْرَنج

علامة هلاك الناس

والملاهي" (رقم: 48) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 641، 643) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 559/ 607) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 979، 980/ 1867، 1868، 1869، 1870) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 641، 643) والفريابي في "صفة النفاق" (ص 42) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 196). من طرق؛ عن عامر بن شراحيل الشعبي به. وإسناده صحيح؛ كما قال المحدث الألباني في تحقيقه على "مشكاة المصابيح" (1/ 89/ 269). وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (رقم: 1475 - زوائد المروزي) وجعفر بن محمد الفريابي في "صفة النفاق" (ص 43) والهروي في "ذم الكلام" (1/ 375 - 376/ 80). من طريق: مالك بن مغول، عن أبي حصين، يذكر عن زياد بن حدير به. وأخرجه البيهقي في "المدخل" (رقم: 833) من طريق: داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن عمر بن الخطاب به. وهو منقطع. وله طريق أخرى عند الهروي (1/ 375/ 79). وانظر "الإعتصام" (2/ 464 - 465). * * * 90 - قال الدارمي -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أبو النعمان، حدثنا ثابت بن يزيد، حدثنا هلال بن خباب، قال: سألتُ سعيد بن جبير؛ قلتُ: يا أبا عبد الله؛ ما علامة هلاك الناس؟ قال: "إذا هَلَكَ علماؤهم". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 309/ 247) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (15/ 40) وابن عبد البر فى "جامع بيان العلم" (1/ 595 - 596/ 1023). من طريق: ثابت بن يزيد به.

ذهاب العلم بذهاب العلماء

وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6/ 183) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 154/ 148) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 253/ 1662) وابن وضاح في "البدع" (رقم: 213) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 276) والمزي في "تهذيب الكمال" (10/ 365). من طرق؛ عن هلال بن خباب به. * * * 91 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: "هل تدرونَ ما ذهاب العلم"؟ قالوا: لا. قال: "ذهاب العلماء". أخرجه الدارمي (1/ 310/ 249) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 53) من طريق؛ قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس به. وإسناده صحيح. * * * 92 - عن الأحنف، قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "نفقَّهُوا قبلَ أن تُسَوَّدُوا". أخرجه: ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 729/ 6167) والدارمي (1/ 314 - 315/ 256) وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 9) ووكيع في "الزهد" (رقم: 102) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 153 - 154/ 772، 773) وفي "نصيحة أهل الحديث" (رقم: 3) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 366، 367/ 508، 509) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 255/ 1669) وفي "المدخل" (رقم: 373) وأبو عبيد الهروي في "غريب الحديث" (3/ 369). من طريق: عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين، عن الأحنف به. (وسقط ذكر ابن سيرين من عند أبي خيثمة). وهذا إسناد صحيح كما قال الحفاظ في "الفتح" (1/ 200). وقد علّقه البخاري في "صحيحه" (3 - كتاب العلم، 15 - باب الإغتباط في العلم والحكمة).

النهي عن الخصومة في الدين

فقه الأثر: أمر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بالفقه للمرء قبل أن يسوّد، لأن السيادة قد تكون سببًا للمنع من التفقه في الدين؛ إما للإنشغال بها، أو للإستحياء، لأن الرئيس والسيد في قومه قد يمنعه الكبر والإحتشام أن يجلس مجلس المتعلمين. وانظر: "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (1/ 200) و"غريب الحديث" للهروي (3/ 369). * * * 93 - عن محمد بن سيرين، قال: كان أنس - رضي الله عنه - قليلَ الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان إذا حدَّثَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أو كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 654/ 6274) وابن ماجه (24) والدارمي (1/ 327/ 284) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 342 - 343/ 461) والخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص 206) وفي (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 28/ رقم: 1117 - ط. الرسالة) والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (376). من طريق: عبد الله بن عون، عن محمد بن سيرين به. وصحّح إسناده البوصيري والألباني -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-. وأخرجه الدارمي (1/ 327 - 328/ 285) والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 27/ 1116) من طريق: حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين به. وفي الأثر دلالة على جواز الرواية بالمعنى، والإحتياط في التحديث، والله أعلم. * * * 94 - عن عمر بن عبد العزيز، قال: "من جعل دينَهُ غَرَضًا للخصوماتِ أكثرَ التَّنَقُّلَ". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 342/ 312) وابن سعد في "الطبقات" (5/

أهمية آثار الصحابة وأنها من السنن

273) والآجري في "الشريعة" (1/ 189/ 122) وابن بطة في "الإبانة" (566، 568، 569، 577 - 580) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 216) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 562/ 612) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 931/ 1770) وابن قتيبة في "عيون الأخبار" (2/ 132/ رقم: 357 - ط. المكتبة العصرية) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (رقم 1610). من طرق؛ عن عمر به. وأخرجه أحمد في "الزهد" (رقم: 1744 - ط. الكتاب العربي) من طريق: إسماعيل، عن يونس، قال: نُبئتُ أن عمر بن عبد العزيز قال: .. فذكره. * * * 95 - عن صالح بن كيسان، قال: "اجتمعتُ أنا والزهري ونحن نطلب العلم، فقلنا: نكتب السُّنَنَ، فكتبنا ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم قال: نكنب ما جاء عن أصحابه؟ فإنه سنة. فقلتُ أنا: ليس بسنة؛ فلا نكتبه. قال: فكتب ولم كتب، فأنجح وضيَّعتُ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 258 - 259/ 20487) - الجامع لمعمر- وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (2/ 288 - 289) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 332، 333/ 441، 442) والخطيب البغدادي في "تقييد العلم" (رقم: 221 - ط. المكتبة العصرية) وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 360 - 361) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 637، 641). من طريق: معمر، عن صالح بن كيسان به. وفي الأثر بيان أهمية كتب العلم، لا سيما الآثار عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأصحابه، وأن الآثار عن الصحابة من السنة، فينبغي الإهتمام بها. * * * 96 - عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "لقد نزلت آيةُ الرَّجْمِ ورضعاتُ الكبير عشرًا، وكانت في ورقة تحت سريرٍ في بيتي، فلما

اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تشاغلنا بأمره، فدخَلَتْ دُويبةُ لنا فأكلتها" - تعني: الشاة. حسن. أخرجه أحمد (6/ 269) أو رقم (26426 - قرطبة) وابن ماجه (1944) والدارقطني (179/ 4) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (رقم: 14 - ط. المكتبة العصرية). من طريق: محمد بن إسحاق، قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة به. وهذا إسناد حسن، فيه محمد بن إسحاق؛ مدلس، لكنه صرّح بالتحديث في هذا الإسناد، فانتفت العِلّة. والأثر حسّنه المحدث الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (رقم: 1580). تنبيه: هذا الأثر أنكره السرخسي في "أصوله" (2/ 79 - 80) فقال: "وحديث عائشة لا يكاد يصح .. "! وكذا القرطبي في "تفسيره" (14/ 113) فقال: "وأما ما يحكى من أن تلك الزيادة كانت في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها داجن؛ فمن تأليف الملاحدة والروافض .. "! أقول: تبيّن أن الأثر صحَّ من الناحية الإسنادية، وهو مما تلقّته الأمة بالقبول؛ إذ له شواهد كثيرة، وقد مرّ معنا في هذه السلسلة قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في آية الرجم -انظر رقم (39)، وقد عدّ العلماء هذه الآثار وأمثالها من قبيل الناسخ والمنسوخ. انظر "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة (ص 372) و"حاشية السندي على سنن ابن ماجه" (1/ 599). وقد عدّ شيخ الإمامية الشيخ الطوسي في تفسيره المسمى بـ "التبيان" (1/ 13) هذا الأثر من باب الناسخ والمنسوخ، فقال: "إن هذا من باب نسخ التلاوة والحكم معًا"، ولم يعقب عليه بالإنكار كما فعل آخرون! -والله المستعان- فاتهموا أهل السنة بأنهم يقولون بالتحريف في القرآن!! اعتمادًا منهم على هذا الأثر وأمثاله، وهو يعلم أن هذه الآثار والأخبار وردت في باب الناسخ والمنسوخ، لكن تجاهل هذا أو جهله!

ثبوت نزول آية الرجم

وانظر لمناقشة أمثال هؤلاء تحقيقي لكتاب "نواسخ القرآن" ط. المكتبة العصرية، صيدا - بيروت، والحمد لله على توفيقه. وانظر الأثر الذي بعده. * * * 97 - وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: "كان فيما أُنزِلَ من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نُسِخَت بخمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي ممَّا يُقرأُ من القرآن". أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 116) - 30 - كتاب الرضاع، (3) باب جامع ما جاء في الرضاعة. ومسلم (1452) وأبو داود (2062) والنسائي (6/ 100) وفي "الكبرى" (3/ 298/ 5448) والترمذي (3/ 456) - 10 - كتاب الرضاع، وابن ماجه (1942) وابن حبان (10/ رقم: 4221، 4222) والبيهقي (7/ 454) والدارمي في "سننه -أو- مسنده" (3/ 1444 - 1445/ 2299) وأبو جعفر النحاس في "ناسخ القرآن" (ص 11) وابن أبي داود كما في "نواسخ القرآن" (ص 33). من طريق: مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عائشة به. ووقع في مطبوعة الترمذي بتحقيق محمد فؤاد الباقي، وفي طبعة تحفة الأحوذي: حدثنا مالك حدثنا معن .. !، وهو تحريف فليصحّح. فقه الأثر: فيه توضيح للأثر السابق في أن آية الرضاع منسوخة التلاوة، فقولها -أي عائشة - رضي الله عنها -: "فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهي مما يقرأ من القرآن"؛ هذا لقرب عهد النسخ بوفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فلو بقيت الآية كما هي لأثبتت في المصحف، وقد اتفق جمهور العلماء على أنها منسوخة. قال الإمام البغوي -رَحِمَهُ اللهُ- في كتابه العظيم "شرح السنة" (9/ 81): "اختلف أهل العلم فيما تَثْبتُ به الحرمة من الرضاع؛ فذهب جماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم إلى أنه لا تثبت بأقل من خمس رضعاتٍ متفرقات، وبه كانت تفتي عائشة وبعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو قول عبد الله بن الزبير، وإليه ذهب

الشافعى وإسحاق، وقال أحمد: إن ذَهَبَ ذاهِبٌ إلى قول عائشة في خمس رضعات فهو مذهب قوي. وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره مُحَرِّمٌ؛ يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والزُّهري، وهو قول سفيان الثوري ومالك والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأصحاب الرأي، وذهب أبو عبيد وأبو ثور وداود إلى أنه لا يحرم أقل من ثلاث رضعات، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرّم المصة والمصّتان"، ويُحكى عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات؛ وهو قول شاذ. وقول عائشة: "فتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي فيما يقرأ من القرآن"؛ أرادت به قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حتى كان بعض من لم يبلغه النسخ يقرؤه على الرسم الأول، لأن النسخ لا يتصور بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة؛ كالرجم في الزنى حكمه باقٍ مع ارتفاع التلاوة في القرآن، لأن الحكم ثبت بأخبار الآحاد، ويجب العمل به، والقرآن لا يثبت باخبار الآحاد، فلم تجز كتابته بين الدفتين" اهـ. وقال الحافظ ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" أو"ناسخ القرآن ومنسوخه" (ص 34 - ط. المكتبة العصرية): "قلت: أما مقدار ما يحرم من الرضاع؛ فعن أحمد بن حنبل -رَحِمَهُ اللهُ- فيه ثلاث روايات: الأولى: رضعة واحدة؛ وبه قال أبو حنيفة ومالك، أخذًا بظاهر القرآن في قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23]، وتركًا لذلك الحديث. والثانية: ثلاث؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرم المصة والمصتان" (¬1). والثالثة: خمس؛ لما روينا في حديث عائشة. وتأوّلوا قولها: "وهى مما يقرأ من القرآن"؛ أن الإشارة إلى قوله: {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}، وقالوا: لو كان يقرأ بعد وفاة رسول الله {وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} لنقل ¬

_ (¬1) أخرجه مسلم (1450).

إلينا نقل المصحف، ولو بقي من القرآن شيء لم ينقل لجاز أن يكون ما لم ينقل ناسخًا لما نقل، فذلك محال" اهـ. وانظر للتفصيل: "فتح الباري" (9/ 147) و"شرح صحيح مسلم" للنووي (10/ 21) و"المغني" لابن قدامة (9/ 192 - 194) و"المحلّى" لابن حزم (11/ 88 - مسألة: 1872) و "سبل السلام" (6/ 329 - ط. ابن الجوزي) و"التمهيد" (8/ 263 - 271) و"نيل الأوطار" (6/ 250) و"الإعتبار فى الناسخ والمنسوخ" (ص 188) و"رسوخ الأخبار في منسوخ الأخبار" (ص 462 - 463) و"أحكام الرضاع في الفقه الإسلامي" للدكتور محمد عمر الغروي (ص 81 - وما بعدها). * * * 98 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يُصَلِّي على راحلته تطوّعًا أينما توجَّهَتْ به، وهو جاي من مكة إلى المدينة" ثم قرأ: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}، فقال ابن عمر: "في هذا أنزلت الآية". أخرجه: مسلم (750) وأحمد (2/ 20) أو رقم (4714 - شاكر) والترمذي (2958) والنسائي في "الصغرى - المجتبى-" (1/ 212/ 1121) وابن خزيمة في "صحيحه" (2/ 252 - 253/ 1267، 1269) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/ 503) والدارقطني (1/ 272) والبيهقي (2/ 4) وأبو يعلى في "مسنده" (10/ 17/ 5647) وأبو عوانة في "مسنده" (2/ 244) وأبو جعفر النحاس في "ناسخه" (ص 17) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (رقم: 19 - ط. المكتبة العصرية) والواحدى في "أسباب النزول" (ص 38 - ط. الحميدان) وغيرهم. من طرق؛ عن سعيد بن جبير، عن ابن عمر به. * * * 99 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -، في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} الآية. [البقرة: 180]، قال: فسختها: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} [النساء: 7]. أخرجه أبو داود (2869) والنسائي (رقم: 206، 207) والبيهقي (6/

265) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 245/ 240) وابن الجوزي في "ناسخه" (رقم: 29). من طريق: أحمد بن محمد المروزي، قال: حدثني علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس به نحوه. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (رقم: 3493) بقوله: "حسن صحيح". وأخرجه: ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 299/ 1604) وأبو عبيد الهروى في "الناسخ والمنسوخ" (رقم: 423) والنحاس في "ناسخه" (ص 21) وابن الجوزي في "ناسخه" (رقم: 28). من طريق: حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به. وأخرجه: ابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/ 291/ 2652 - شاكر) وسعيد بن منصور في "سننه " (2/ 663/ 252 - ط. آل حميد) والبيهقي (6/ 65 و 7/ 427 - 428) والحاكم (2/ 273) وأبو عبيد في "ناسخه" (رقم: 421). من طريق: إسماعيل بن إبراهيم ابن عُلَيَّة، عن يونس بن عبيد، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس به. وأخرجه ابن الجوزي في "ناسخه" (رقم: 30) من طريق: النضر بن شميل، قال: ثنا ابن عون، عن ابن سيرين به. ومحمد بن سيرين لم يسمع من ابن عباس، لكنه يشهد له ما قبله. فالأثر صحيح والحمد لله. * * * 100 - وعنه - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقره: 183]. قال: "يعني بدلك أهل الكتاب. وكان كتاب على أصحاب محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ أنَّ الرجل كان يأكل ويشرب

وبنكح، ما بينه وبين أن يصلِّيَ العَتَمَةَ أو يرتد، واذا صلَّى العتمة أو رقد مُنِعَ ذلكَ إلى مثلها، فنسختها هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ...} [البقرة: 187]. حسن. أخرجه أبو داود (2313) من طريق: علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس. وعلي بن الحسين بن واقد؛ "صدوق يهم". وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره (1/ 305/ 1628) وأبو عبيد الهروي في "ناسخه" (رقم: 51) وابن الجوزي في "النواسخ" (رقم: 37). من طريق: حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس به. وهو منقطع بين عطاء وابن عباس، وابن جريج مدلس وقد عنعنه. وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 251/ 248) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (رقم: 36). من طريق: يونس بن راشد، عن عطاء الخراساني، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وهذا إسناد حسن. وبه يكون الأثر حسنًا. وقد قال المحدّث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح سنن أبي داود" (رقم 2028): "حسن صحيح". * * * 101 - وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: "كان أصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - إذا كان الرجلُ صائمًا فحضَرَ الإفطارُ، فنامَ قبل أن يُفْطِرَ لم يكل ليلته ولا يومه حتى يُمسي، وإن قيس بن صِرْمَة كان صائمًا، فلما حضره الإفطار أتى امرأته، فقال: هل عندَكِ من طعام؟ قالت: لا؛ ولكن أنطلقُ فأطلُبُ لكَ، فغلبته عينه، وجاءته امرأته، فلما رأته قالت: خيبة لك. فأصبح، فلما انتصَفَ النهار غشي عليه، فذكر ذلك للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت

نسخ الإطعام في رمضان لمن شق عليه الصوم

هذه الآية: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}. أخرجه. البخاري (1915) وأحمد (4/ 295) أو رقم (18665 - قرطبة) وأبو داود (2314) والترمذي (2968) والنسائي في "المجتبى" (4/ 147) وفي "الكبرى" (6/ 297/ 11023) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 50 - 51) وابن الجوزي في "ناسخه" (رقم 38 - المكتبة العصرية) والطبري (2/ 95 - 96) والبيهقي (4/ 201) والدارمي (2/ 1053 - 1054/ 1735 - حسين سليم أسد) وابن حبان (8/ 240، 241/ 3460، 3461) وأبو جعفر النحاس في "ناسخه" (ص 29). من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء به. * * * 102 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: قال ابن نمير: حدثنا الأعمش، حدثنا عمرو بن مرة، حدثنا ابن أبي ليلى، حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -: "نزل رمضان فشُقَّ عليهم، فكان من أطعم كل يوم مسكينًا ترك الصوم ممن يطيقه، ورُخِّصَ لهم في ذلك، فنسختها: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} فأمروا بالصوم". أخرجه البخاري معلقًا -30 - كتاب الصوم، (39) باب: وعلى الذين يطيقونه فدية. ووصله أبو نعيم في "المستخرج" كما في "الفتح" (4/ 223) وابن أبى حاتم في "تفسيره" (1/ 306، 309/ 1632، 1646). وأخرجه أبو داود (506) -ضمن حديث طويل- من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرة به. وأخرجه الطبري أيضًا (3/ 415/ 2731) وأبو عبيد في "ناسخه" (رقم: 58). وأخرجه أحمد (5/ 246 - 247) وأبو داود (507) والطبري (3/ 414/ 2729 - شاكر) والحاكم (2/ 274). من طريق: المسعودي، عن عمرو به. والمسعودي؛ صدوق، لكنه اختلط، لذا قال الحافظ في "العجاب في بيان الأسباب" (1/ 430): "رواية شعبة أصحّ".

103 - وعن سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - قال: "لما نزلت: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}؛ كان من أراد أن يفطر ويفتدي فعل، حتى نزلت الآية التي بعدها فنسختها". أخرجه البخاري (4557) ومسلم (1145) وأبو داود (2315) والنسائي في "المجتبى" (4/ 190) وفي "الكبرى" (6/ 295 - 296/ 11017) والترمذي (798) والحاكم (1/ 423) وابن حبان (15/ 198/ 3469) والبيهقي (4/ 200) وابن خزيمة (1903) وأبو عبيد في "ناسخه" (رقم: 61) وابن الجوزي في "ناسخه" (رقم: 44) وأبو جعفر النحاس (ص 26) وابن جرير الطبري (2/ 78 - 79) والدارمي في "مسنده" (رقم: 1775) والطبراني في "الكبير" (7/ رقم: 6302). من طرق؛ عن بُكَير بن عبد الله الأشج، عن يزيد مولى أم مسلمة، عن سلمة بن الأكوع به. إلا الدارمي فإنه أسقط منه ذكر بكير بن عبد الله. وانظر الأثر الذي بعده؛ إذا أنكر عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - دعوى النسخ. وهذا معارض لهذا الأثر، ولما رواه البخاري (4506) عن ابن عمر - رضي الله عنهما - في الآية بأنها منسوخة. والذي رجّحه ابن الجوزي في "النواسخ" (ص 65 ط. المكتبة العصرية) وأبو عبيد (ص 47) وغيرهما؛ النسخ. والله تعالى أعلم. * * * 104 - قال البخاري: حدثني إسحاق، أخبرنا روح، حدثنا زكريا بن إسحاق، حدثنا عمرو بن دينار، عن عطاء؛ سمع ابن عباس يقرأ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ}. قال ابن عباس: "ليست بمنسوخة؛ هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يومٍ مسكينًا".

سبب نزول قوله تعالى: {لا إكراه في الدين}

أخرجه البخاري (4505) والنسائي في "المجتبى -الصغرى-" (4/ 190 - 191) وفي "الكبرى" (6/ 296/ 11018) وعبد الرزاق في "مصنفه" (4/ رقم: 7577) وابن أبي حاتم (1/ 407/ 1634) والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 11388) والحاكم (1/ 440) والبيهقي (4/ 271) والدارقطني (2/ 205) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/ 431/ 2778، 2785) وابن الجوزي في "ناسخه" (رقم: 46). من طرق؛ عن عمرو بن دينار به. فقه الأثر: قال الحافظ في "الفتح" (8/ 29): "هذا مذهب ابن عباس، وخالفه الأكثر، وفي هذا الحديث ما يدل على أنها منسوخة .. ". ثم قال: "وفي الحديث حجة لقول الشافعي ومن وافقه أن الشيخ الكبير ومن ذُكرَ معه إذا شق عليهم الصوم فأفطروا فعليهم الفدية، خلافًا لمالك ومن وافقه .. ". * * * 105 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "كانت المرأة من الأنصار مِقْلاتًا -لا يكاد يعيش لها ولد- فتجعل على نفسها إن عاشَ لها ولدٌ أن تُهَوِّدَهُ، فلما أُجْلِيَتْ بنو النضير كان فبهم من أبناء الأنصار، فقالوا: لا ندعُ أبناءنا، فانزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]. أخرجه أبو داود (2682) والنسائي في "الكبرى" (6/ 304/ 11048) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 493/ 2609) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 408/ 5813) وابن حبان في "صحيحه" (1/ 352/ 140) والنحاس في "ناسخه" (ص 76) وفي "معاني القرآن" (1/ 266 - 267) والبيهقي (9/ 186) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 83) والخطابي في "غريب الحديث" (3/ 80 - 81). من طرق؛ عن شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس

قول عبد الله بن عباس في قوله عز وجل: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم}، وأنها آخر آية نزلت ولم ينسخها شيء

وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين. وصححه العلامة الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (رقم: 2333). وقال علّامة اليمن الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 47): "رجاله رجال الصحيح". فقه الأثر: - قوله: "كانت المرأة" إلخ؛ أي: في الجاهلية، قبل مجيء الإسلام. (أن تهوّده)؛ أي: تجعله بين اليهود. قال الخطابي في "المعالم": "في الحديث دليل على أن من انتقل من كفر وشرك إلى يهودية أو نصرانية قبل مجيء دين الإسلام فإنه يقرّ على ما كان انتقل إليه، وكان سبيله سبيل أهل الكتاب في أخذ الجزية منه وجواز مناكحته واستباحة ذبيحته، فأما من انتقل من شرك إلى يهودية أو نصرانية بعد وقوع نسخ اليهود وتبديل ملّة النصرانية؛ فإنه لا يُقَرُّ على ذلك. وأما قوله سبحانه وتعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} فإن حكلم الآية مقصور على ما نزلت فيه من قصة اليهود، وأما إكراه الكافر على دين الحق فواجب، ولهذا قاتلناهم على أن يسلموا أو يؤذوا الجزية ويرضوا بحكم الدين عليهم" اهـ. وانظر لمزيد من التفصيل "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (3/ 285 - وما بعدها). * * * 106 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، حدثنا مغيرة بن النعمان، قال: سمعتُ سعيد بن جبير، قال: "آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلتُ إلى ابن عباس؛ فسألته عنها، فقال: نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء". أخرجه البخاري (4590، 4763) ومسلم (3023) وأبو داود (4275)

والنسائي في "المجتبى" (7/ 85 و 8/ 62) وفي "الكبرى" (6/ 326، 421/ 11115، 11371) وابن الجوزي في "ناسخه" (رقم: 124) وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (حديث علي بن الجعد) (1/ 163/ 475 - ط. مكتبة الخانجي) أو (رقم: 471 - ط. عامر حيدر، واسمه على لوحة الكتاب: مسند ابن الجعد! - وهو خطأ، فليتنبه إليه). من طريق: شعبة به. وأخرجه البخاري (4766) وفيه أن سعيد بن جبير قال: "أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس ... ". وانظر لفقه الأثر "فتح الباري" (8/ 354)، ففيه مبحث لطيف عزيز للحافظ ابن حجر رحمة الله عليه. * * * 107 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: "يُبصِرُ أحَدُكُم القذَاةَ في عَيْنِ أخيهِ، وينسَى الجِذْلَ -أو الجِذْعَ- في عين نفسه". [قال البخاري: قال أبو عبيد: الجدل: الخشبة العالية الكبيرة]. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 592) وأحمد في "الزهد" (رقم: 992 - ط. دار الكتاب العربي) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (رقم: 194). من طريق: جعفر بن برقان، عن يزيد الأصم، عن أبي هريرة به. ورواه عن جعفر اثنان: مسكين بن بكير، وكثير بن هشام. ومسكين بن بكير؛ صدوق يخطئ، لكن متابعة كثير بن هشام تقوي الأثر، فهو ثقة من رجال مسلم، وقال العجلي: "من أروى الناس لجعفر بن برقان". وقد رُوي مرفوعًا: رواه محمد بن حمير، عن جعفر بن برقان به. أخرجه: ابن حبان في "صحيحه" (13/ 73 - 74/ 5761) وابن صاعد في زوائد "الزهد" لابن المبارك (رقم: 212 - ط. الأعظمي) أو رقم (200 - ط. أحمد فريد) وأبو الشيخ في "الأمثال" (رقم: 217) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 99) والقضاعي في "مسند الشهاب" (610).

قال أبو نعيم: "غريب من حديث يزيد، تفرد به محمد بن حمير عن جعفر". ومحمد بن حمير وإن كان صدوقًا؛ فقد قال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به"، وقال الذهبي في "الميزان": "له غرائب وأفراد". فرواية الوقف أصح، وهذا ما رجّحه العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (1/ 1/ 74/ رقم: 33) وفي "الأدب المفرد" (ص 202/ رقم: 592). * * * 108 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما مَاتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أُحِلَّ له أن ينكح ما شاء". يعني: نساء جميع القبائل من المهاجرات وغير المهاجرات. أخرجه: أحمد (6/ 180، 201) أو رقم (25574، 25760 - قرطبة) والنسائي في "المجتبى" (6/ 56) وفي "الكبرى" (6/ 434/ 11415) وابن سعد في "الطبقات" (8/ 141) والحاكم (2/ 437) وابن حبان في "صحيحه" (14/ 281/ 6366) والبيهقي (7/ 54) والطبري في "تفسيره" (22/ 32) والدارمي في "سننه" (3/ 1439/ 2287 - ط. حسين سليم أسد) وابن الجوزي في "ناسخه" (رقم: 195). من طريق: ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة به. وإسناده صحيح، صرّح فيه ابن جريج فيه بالتحديث في بعض طرقه. وصحّح إسناده المحدث الألباني في "صحيح سنن النسائي" (2/ 674/ 3004). وأخرجه: أحمد (6/ 41) أو رقم (24246 - قرطبة) والنسائي في "المجتبى" (6/ 56) والحميدي في "مسنده" (1/ 115/ 235) والترمذي (3216) والطبري في "تفسيره" (22/ 24) والبيهقي (7/ 54) وابن سعد في "الطبقات" (8/ 140) والشافعي في "الأم" (2/ 140) والنحاس في "ناسخه" (ص 207). من طريق: سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن عائشة به. وإسناده صحيح؛ انظر "صحيح سنن النسائي" (2/ 674/ 3003).

موت العالم ثلمة في الإسلام

109 - عن الحسن البصري، قال: "كانوا يقولون: موتُ العالم ثُلْمَةٌ فى الإسلام لا يسدُّها شيءٌ ما اختلف الليل والنهار". أخرجه أحمد في "الزهد" (رقم: 1478 - ط. الكتاب العربي) والدارمي فى "مسنده - أو سننه" (1/ 351/ 333). من طريق هشام بن حسان، عن الحسن به. وإسناده صحيح. وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 595/ 1021) من طريق: أبي الوليد الطيالسي، حدثنا أبو الأشهب جعفر بن حيان العطاردي، عن الحسن به. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 268/ 1719) من طريق: ابن المبارك، نا هشام بن حسان، عن الحسن، قال: قال ابن مسعود: ... فذكره. والحسن لم يسمع من ابن مسعود. ووهم محقق "مسند الدارمي" الأستاذ حسين سليم أسد الداراني، فجعل أبا هريرة بدل ابن مسعود. وروي هذا الأثر مرفوعًا؛ لكنه موضوع، انظر "الضعيفة" (رقم: 4668). * * * 110 - قال الدارمي: حدثنا سعيد بن عامر، عن أسماء بن عُبيد، قال. "دخل رجلان من أصحابِ الأهواءِ محلى ابن سيرين، فقالا: يا أبا بكر؛ نُحَدِّثُكَ بحديثٍ"؟ قال: "لا". فالا: فنقرأ عليك آيةً من كتاب الله؟ قال: "لا؛ لنقومانِ عني، أو لأقومنَّ". قال: فخرجا. فقال بعض القوم: يا أبا بكر؛ وما كان عليك أن يقرءا عليك آية من كتاب الله تعالى؟

موقف ابن سيرين من أهل الأهواء

قال: "إني خشيتُ أن يقرءا عليَّ آيةً فيحرّفانها، فيقرُّ ذلك في قلبي". أخرجه الدارمي (1/ 389 - 390/ 411) والآجري في "الشريعة" (1/ 191/ 127 - ط. الوليد سيف النصر) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 498، 652) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 242) وابن سعد في "الطبقات" (7/ 197). من طريق: سعيد بن عامر به. وإسناده صحيح. ووقع عند الآجري: أسماء بن خارجة؛ ونبّه إلى ذلك محقق الكتاب - جزاه الله خيرًا. وأخرجه ابن وضاح في "البدع" (رقم: 150) من طريق: مؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن زيد، عن أيوب قال: دخل على محمد بن سيرين يومًا رجل ... فذكره بنحوه. ومؤمل بن إسماعيل ضعيف. * * * 111 - قال الدولابي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرني أحمد بن شعيب، عن عمرو بن علي، قال: أخبرني سهل بن زياد أبو زياد الطحان، قال: حدثنا الأزرق بن قيس، قال: "رأيتُ أنس بن مالك أَحْدَثَ؟ فغسلَ وجهه ويديه، ومسح على جوربين من صوف. فقلتُ: أتمسحُ عليها؟! فقال: "إنهما خُفَّانِ؛ ولكنهما من صوف". أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/ 181). قال العلامة المحدّث أحمد شاكر -محدّث مصر -رَحِمَهُ اللهُ- في مقدمة

كتاب "المسح على الجوربين" للشيخ العلامة محمد جمال الدين القاسمي -رَحِمَهُ اللهُ- (ص 13 - 15): "وهذا إسناد صحيح. أحمد بن شعيب؛ هو النسائي الحافظ صاحب السنن. عمرو بن علي؛ هو الفلاس، الحافظ الحجة. أبو زياد سهل بن زياد الطحان؛ ثقة، ترجمه البخاري في "الكبير" (2/ 2/ 103 - 104) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 1/ 197)، فلم يذكرا فيه جرحًا، فهو ثقة عندهما. وذكره ابن حبان في "الثقات" كما في "لسان الميزان" (ج 3/ ص 118). وذكر أن الأزدي قال فيه: "منكر الحديث"، دون بيان سبب الجرح. والأزدي ينفرد بجرح كثير من الثقات، فلا يؤبه لتجريحه إذا تفرّد به. والأزرق بن قيس؛ تابعي ثقة مأمون، مترجم في التهذيب، وهذا الحديث موقوف على أنس من فعله وقوله. ولكن وجه الحجة فيه أنه لم يكتفِ بالفعل، بل صرّح بأن الجوربين "خفان، ولكنهما من صوف". وأنس بن مالك صحابي من أهل اللغة، قبل دخول العُجمة واختلاط الألسنة. فهو يبين أن معنى "الخف" أعم من أن يكون من الجلد وحده، وأنه يشمل كل ما يستر القدم ويمنع وصول الماء إليها (¬1). إذ أن الخفاف كانت في الأغلب من الجلد، فأبان أنس أن هذا الغالب ليس حصرًا للخفّ في أن يكون من الجلد. وأزال الوهم الذي قد يدخل على الناس من واقع الأمر في الخفاف إذ ذاك. ¬

_ (¬1) علّق الشيخ الألباني قائلًا: "قوله: ويمنع وصول الماء إليها" قلتُ: لعل هذا القول سبق قلم من العلامة أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ-، فإنه ليس في أثر أنس المذكور هذا القيد أو الشرط، بل هو أعم من ذلك، بدليل أن الصوف لا يمنع وصول الماء إلى القدم كما هو معلوم بالتجربة. فأرى أن الصواب حذف هذا القول من سياق كلام العلامة -رَحِمَهُ اللهُ-، لأنه لا دليل عليه كما سبق، ولأنه أليق بموضوع رسالة العلامة القاسمي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، الذي اختار جواز المسح على الجورب الرقيق، وهو الحق. وهذا القول ينافيه مما لا يخفى" اهـ.

ولم يأتِ دليلٌ من الشارع يدلُّ على حصر الخفاف في التي تكون من الجلد فقط. وقول أنس في هذا أقرى حُجَّةً ألفَ مرّةٍ من أن يقول مثله مؤلّف من مؤلّفي اللغة؛ كالخليل والأزهري والجوهري وابن سيدة وأضرابهم. لأنهم ناقلون للُّغة، وأكثر نقلهم يكون من غير إسناد، ومع ذلك يحتج بهم العلماء. فأولى ثم أولى إذا جاء التفسير اللغوي من مصدر أصلي من مصادر اللغة؛ وهو الصحابي العربي من الصدر الأول، بإسنادٍ صحيحٍ إليه. وقد أشار الإمام ابن القيم إلى مثل هذا المعنى -وإن لم يكن صريحًا تمامًا- فيما نقلناه عنه آنفًا، من قوله: "وإنما عمدته هؤلاء الصحابة وصريح القياس، فإنه لا يظهر بين الجوربين والخفين فرقٌ مؤثر يصحُّ أن يُحالَ الحكم عليه". فجعل ابن القيم أن "الجوربين" مقيسان على "الخفين" قياسًا جَلِيًّا، "من غير فرق مؤثر يصح أن يحال الحكم عليه". ولكن المعنى في حديث أنس أدقّ؛ فليس الأمر قياسًا للجوربين على الخفين، بل هو: أن الجوربين داخلان في مدلول كلمة "الخفين" بدلالة الوضع اللغوي للألفاظ على المعاني. والخفان ليس المسح عليهما موضع خلاف، فالجوربان من مدلول كلمة "الخفين"، فيدخلان فيهما بالدلالة الوضعية اللغوية. وقد ثبت -من غير وجه- عن أنس أنه مسح على الجوربين. فهو يؤيد رواية الدولابي التي ذكرنا. وانظر "المحلّى" لابن حزم بتحقيقنا (ج 2/ ص 84 - 85). والحمد لله رب العالمين" اهـ. * * * 112 - قال البيهقي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد، ثنا يحيى بن معين، ثنا عبد الرزاق، قال: سألتُ معمرًا عن الخَرْقِ يكون في الخُفِّ، فقال:

"إذا خرج من مواضع الوضوء شيء فلا تمسح عليه واخلع". قال: وحدثنا عبد الرزاق، قال: سمعت الثوري يقول: "امسح عليها ما تعلَّقا بالقدم وإن تخرَّقا". قال: "وكانت كذلك خِفَاتُ المهاجرين والأنصار مخرَّقة مشقَّقة". أخرجه البيهقي في "الكبرى" (1/ 283) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 753). وصحّحه الشيخ الألباني في "تمام النصح في أحكام المسح" (ص 84) - الملحق برسالة "المسح على الجوربين" للعلامة القاسمي بقوله: "فقد صحّ عن الثوري ... ". قال الشيخ الألباني: "وأما المسح على الخف أو الجورب المخرق، فقد اختلفوا فيه اختلافًا كثيرًا؛ فأكثرهم يمنع منه على خلاف طويل بينهم، تراه في مبسوطات الكتب الفقهية، و"المحلّى". وذهب غيرهم إلى الجواز، وهو الذي نختاره. وحجّتنا في ذلك أن الأصل الإباحة، فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حدًّا، فهو مردود لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" متفق عليه. وأيضًا فقد صحّ عن الثوري" .. ثم ذكر الأثر المذكور أعلاه بشطره الثاني. ثم قال: "وقال ابن حزم (2/ 100): "فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولًا أو عرضًا فظهر منه شيء من القدم؛ أقل القدم أو أكثرها أو كلاهما؛ فكل ذلك سواء، والمسح على كل ذلك جائز، ما دام يتعلّق بالرجلين منهما شيء، وهو قول سفيان الثوري، وداود، وأبي ثور، واسحاق بن راهويه، ويزيد بن هارون". ثم حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بينها من اختلاف وتعارض، ثم ردَّ عليها، وبيَّن أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي وختم ذلك بقوله: "لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين

سبب نزول قوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}

اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء. بهذا جاءت السنة {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64]، وقد علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين، ومُسِحَ على الجوربين - أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقًا فاحشًا أو غير فاحش، وغير المخرق، والأحمر والأسود والأبيض، والجديد والبالي، فما خصَّ عليه السلام بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحي به، ولا أهمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المفترض عليه البيان -حاشا له من ذلك- فصحَّ أن حكم ذلك المسح على كل حال، والمسح لا يقتضي الإستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "اختياراته" (ص 13): "ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين، حكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيًا، والمشي فيه ممكنًا، وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء". قلت: ونسبه الرافعي في "شرح الوجيز" (2/ 370) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة، فوجب أن يمسح. ولقد أصاب -رَحِمَهُ اللهُ-" اهـ. * * * 113 - قال أسلم بن يزيد التُّجيبي أبو عمران: "غزونا من المدينة نريد القسطنطينية، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والرومُ مُلْصِقُو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجلٌ منا على العدُوّ، فقال الناس: مَهْ مَهْ! لا اله الا الله! يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب الأنصاري: "إنما تأوّلونَ هده الآية هكذا؛ أن حَمَلَ رجلٌ يقاتلُ يلتمسُ الشهادة، أو يُبْلي من نفسه! إنما نزلت هذه الآيةُ فينا معشر الأنصار-، لمَّا نَصَر اللهُ نَبيَّهُ وأظهر الإسلام؛ قلنا بيننا خفيًّا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هَلُمَّ نقيمٌ في أموالنا وَنُصْلِحُها، فأنزل الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي

سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، فالإلقاء بالأيدي إلى التَّهْلُكَةِ؛ أن نقيمَ في أموالنا ونصلحها وندع الجهادَ". قال أبو عمران: فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دُفِنَ بالقسطنطينية". صحيح. أخرجه: أبو داود (2512) والنسائي في "الكبرى" (6/ 298 - 299/ 11028، 11029) والترمذي (2972) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 330) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/ 590 - 592/ رقم: 3179، 3180) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 599) وابن حبان في "صحيحه" (11/ 9 - 10/ 4711) والحاكم (2/ 84، 275) والبيهقي (9/ 99) والطبراني في "المعجم الكبير" (4/ رقم: 4060) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 57 - 58). من طريق: حيوة بن شريح، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أسلم أبي عمران به. وبعضهم أخرجه من طريق: ابن لهيعة وحيوة بن شريح به. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب". -كذا في المطبوعة من "الجامع"- وفي "العجاب في بيان الأسباب" للحافظ ابن حجر (1/ 479 - ط. ابن الجوزي): "قال الترمذي: حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. وقال العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (1/ 1/ 47): "وقد وهما؛ فإن الشيخين لم يخرجا لأسلم هذا؛ فالحديث صحيح فقط". وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه على "تفسير الطبري"، والشيخ الألباني في "الصحيحة" (رقم: 13) وهو في "الصحيح المسند من أسباب النزول" للعلامة مقبل بن هادي الوادعي -رَحِمَهُ اللهُ- (ص 34 - 35). تنببه: 1 - وقع في رواية الترمذي: "وعلى الجماعة فضالة بن عبيد .. " بدل عبد الرحمن بن خالد.

الأمر بالاعتصام بحبل الله

وعند النسائي وغيره: "وعلى الشام فضالة بن عبيد .. " وهو الأصحّ، والله أعلم. 2 - وهَمَ الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في عزوه للأثر في "فتح الباري" (8/ 185) لمسلم؛ فهو غير موجود فيه، والله تعالى أعلم. * * * 114 - عن عبد الله بن مسعود، قال: "إن الصِّرَاطَ مُحْتَضَرٌ؛ تَحْضُرُهُ الشياطينُ، يِنَادُونَ: يا عبدَ الله: هَلُمَّ هذا الطريق؛ ليصدُّوا عن سبيل الله، فاعتصموا بحبل الله، فإن حبلَ اللهِ هو كتابُ الله". أخرجه الدارمي في "مسنده" -أو- "سننه" (4/ 2091/ رقم: 3360) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 22، 23 - ط. العاصمة) وابن جرير الطبري (7/ 72/ رقم: 7566 - شاكر) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9031) وأبو عبيد الهروي في "فضائل القرآن" (ص 75 - ط. دار ابن كثير) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (رقم: 74) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 355/ 2025) والآجري في "الشريعة" (1/ 123/ 16 - ط. الوليد سيف النصر) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 135). من طريق: أبي وائل، عن عبد الله به. ورواه عن أبي وائل اثنان: 1 - الأعمش عنه به. 2 - منصور بن المعتمر عنه به. فصحّ السند، والحمد لله. * * * 115 - عن عاصم الأحول قال: قال لنا أبو العالية: "تعلَّموا الإسلامَ، فإذا تَعَلَّمْتُمُوهُ فلا ترغبوا عنه، وعليكم الصراط المستقيم؛ فإنه الإسلام، ولا تُحرِّفوا الصراط يمينًا وشمالًا، وعلكيم بسنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم -، والذي كانوا عليه من قبل أن يقتلوا صاحبهم ويفعلوا الذي فعلوا، فإنا قد قرأنا القرآن من قبل

أدب الصحابة بعضهم مع بعض

أن يقتلوا صاحبهم، ومن قبل أن يفعلوا الذي فعلوا بخمس عشرة سنة. وإياكم وهذه الأهواء الني نلقي بين الناس العداوة والبغضاء". قال عاصم الأحول: فأخبرت به الحسن -[يعني: البصري]- فقال: صدق ونصح. وحدَّثتُ به حفصة بنت سيرين، فقالت لي: بأهلي أنت! هل حدَّثتَ بهذا محمدًا -[تعني: ابن سيرين]-؟ قلت: لا. قالت: فحدّثه اياه. أخرجه: ابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 27 - ط. العاصمة) والآجري في "الشريعة" (1/ 124/ رقم: 19) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 136، 202) وابن وضاح في "البدع" (رقم: 77) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 17، 214) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 218) والهروي في "ذم الكلام" (5/ 9 - 10 - ط. الشبل) أو (4/ 67 - 68، 74 - 75/ 804، 805، 815 - ط. الغرباء الأثرية) ومعمر في جامعه كما في "المصنف" لعبد الرزاق (11/ 367/ 20758) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 17). من طرق؛ عن عاصم الأحول به. رواه عنه: ابن المبارك، وحماد بن زيد، ومعمر، وابن عيينة، وشعبة. وصحّح إسناده العلامة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله تعالى في تحقيقه الماتع على كتاب "الإعتصام" للشاطبي (1/ 141). - قال الآجري -رَحِمَهُ اللهُ- بعد أن أخرج الأثر: "علامةُ من أرادَ اللهُ به خيرًا؛ سلوك هذا الطريق: كتاب الله، وسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسنن أصحابه - رضي الله عنهم - ومن تبعهم بإحسان، وما كان عليه أئمة المسلمين في كل بلد إلى آخر ما كان من العلماء، مثل الأوزاعي، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، والقاسم بن سلام، ومن كان على مثل طريقتهم، ومجانبة كل مذهب يذمه هؤلاء" اهـ.

116 - قال الشعبي -رَحِمَهُ اللهُ-: ذهب زيدُ بن ثابت يركب، فأخذ ابن عباس بركابه، فقال زيد: "لا تفعلْ يا ابن عمِّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". فقال: "هكذا أُمِرْنَا أن نفعلَ بعلمائنا". فقال زيد: "أرني يدَكَ". فأخرج يده، فقبَّلها زيدٌ، وقال: "هكذا أُمِرْنَا أن نفعلَ بأهلِ بيتِ نبينا - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه: البيهقي في "المدخل" (رقم: 93) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 197/ 854) وفي "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/ 283/ 310، 311 - الرسالة) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 484) والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 4746) وابن سعد فى "الطبقات" 21/ 360) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/ 325 - 326). من طرق؛ عن أبي رزين، عن الشعبي به. ورواه عن أبى رزين جمع؛ منهم: عبيد الله بن موسى وأبو نعيم معًا، عنه به. وسفيان الثوري عنه به. وأبو نعيم وحده عنه به. وصحّح إسناده الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (1/ 543). وذكره ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 514/ 832) والذهبي في "السير" (2/ 313) وابن قتيبة في "عيون الأخبار" وغيرهم. وله طرق أخرى انظرها في تحقيق العلامة مشهور بن حسن آل سلمان -جزاه الله خيرًا- على "المجالسة" للدينوري (4/ 146/ 1314). * * * 117 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا محمد بن يوسف، ثنا مالك بن مِغْوَلٍ، ثنا طلحة -هو: ابن مصرّف- سألتُ عبد الله بن أبي أوفى: أوصى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "لا".

قال: قلتُ: فكيف كتب على الناس الوصية، أمروا بها ولم يوصِ؟! قال: "أوصى بكتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-". أخرجه البخاري (2740، 4460، 5522) ومسلم (1634) وأحمد (4/ 354، 355، 381) والنسائي (6/ 240) والترمذي (2119) وابن ماجه (2656) والحميدي في "مسنده" (2/ 315/ 722) والدارمي (4/ 2029 - 2030/ 3224) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (11/ 206/ 10986) وابن حبان في "صحيحه" (رقم: 6023). من طرق؛ عن مالك بن مغول به. فقه الأثر: قال الحافظ ابن كثير -رَحِمَهُ اللهُ- في مقدمة تفسيره (1/ 256 - ط. ابن الجوزي): "وهذا نظير ما تقدّم عن ابن عباس أنه ما ترك إلا ما بين الدَّفتين. وذلك أن الناس كُتِبَ عليهم الوصية في أموالهم كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180]. وأما هو - صلى الله عليه وسلم - فلم يترك شيئًا يورث عنه، وإنما ترك مالَهُ صدقة جارية من بعده فلم يَحْتَجْ إلى وصية في ذلك. ولم يوصِ إلى خليفة يكون بَعْدَهُ على التنصيص؛ لأن الأمر كان ظاهرًا من إشارته وإيماءاته إلى الصِّدّيق، ولهذا لما هم بالوصية إلى أبي بكر ثمَّ عَدَلَ عن ذلك، وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" (¬1)، وكان كذلك، وإنما أوصى الناسَ باتباع كلام الله". * * * 118 - عن أبي ذرّ - رضي الله عنه -، قال: "تركَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وما طائرٌ يطيرُ بجناحَيْهِ إلا عندنا منه علمٌ". أخرجه ابن حبان في "صحيحه" (1/ 267/ 65) والبزار (1/ 88/ 147 - ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري ومسلم، وغيرهما.

كشف الأستار) والطبراني في "المعجم الكبير" (2/ رقم: 1647). من طريق: محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ، ثنا سفيان بن عيينة، عن فطر، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر به. وهذا إسناد صحيح. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 264): "ورجال الطبراني رجال الصحيح؛ غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ؛ وهو ثقة". وصحّحه الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح موارد الظمآن" (1/ 119/ 62). قال البزار: "رواه بعضهم عن فطر عن منذر، قال أبو ذر .. ؛ ومنذر لم يدرك أبا ذر". قلت: يشير إلى ما أخرجه أحمد (5/ 162) أو رقم (21521 - قرطبة) من طريق: حجاج، ثنا فطر، عن المنذر، عن أبي ذر به. وهو منقطع كما أشار إلى ذلك البزار. وأخرجه أحمد (5/ 153، 162) أو رقم (21441، 21520 - قرطبة) والطيالسي (رقم: 479). من طريق: شعبة، عن سليمان، عن المنذر الثوري، عن أشياخ لهم، عن أبي ذر به. وإسناده ضعيف لجهالة الراوي عن أبي ذر. لكنه يصح بما قبله (أي ما أخرجه ابن حبان والطبراني والبزار). وأخرجه الطبراني من حديث أبي الدرداء كما ذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 264)، وقال: "ورجاله رجال الصحيح". تنبيه: عزا الشيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي الأثري -حفظه الله تعالى ودفع عنه كيد الكائدين- هذا الأثر في تحقيقه و"مفتاح دار السعادة" (3/ 172) لابن حبان والطبراني والبزار، لكنه قال: "من طريق: أبي الطفيل عن أبي الدرداء"! وإنما هو عندهم عن أبي ذر كما تقدم، فليصحّح.

تحريم جر الثوب، وإنكار أبي هريرة على شاب يجر شملة له

فقه الأثر: قال أبو حاتم محمد بن حبان بعد أن أخرج الأثر: "معنى (عندنا منه)؛ يعني: بأوامره ونواهيه وأخباره وأفعاله وإباحته - صلى الله عليه وسلم -". وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللهُ- في "النهاية في غريب الحديث والأثر" (3/ 136 - ط. العلمية) أو (3/ 150 - الطبعة القديمة): "يعني: أنه استوفى بيان الشريعة وما يُحتاج إليه في الدين، حتى لم يَبْقَ مُشْكِلٌ، فضرب ذلك مثلًا. وقيل: أراد أنه لم يترك شيئًا إلا بيّنه حتى بين لهم أحكام الطير وما يحلُّ منه وما يحرم، وكيف يُذبح، وما الذي يفدي منه المحرم إذا أصابه، وأشباه ذلك. ولم يُرِدّ أن في الطير علمًا سوى ذلك علّمهم إياه، أو رخَّص لهم أن يتعاطوا زَجْرَ الطير كما كان يفعله أهل الجاهلية!. * * * 119 - عن أبي سلمة، قال: مرّ أبو هريرةَ برجلِ من قريش يجرُّ شملةً، فقال له: "يا ابن أخي؛ سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من جرَّ ثوبَهُ من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة". قال الفتى: قد سمعنا ما تقول. ثم مرَّ به مرَّة أخرى وهو كذلك، فقال له أبو هريرة مثل ذلك، فقال: قد سمعنا ما تقول؛ لئن عُدْتَ الثالثة لأحملتك على عنقي ثم لأكبن بك في الأرض. فقال أبو هريرة: "لا أعودُ". أخرجه علي بن حجر السَّعدي في "حديثه عن إسماعيل بن جعفر المدني" (رقم: 144) والخلال في "كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص 56). من طريق: محمد بن عمرو، عن أبي سلمة به. وهذا إسناد حسن. والشطر المرفوع منه أخرجه البخاري (5451، وفي مواضع أخرى) ومسلم (2087) وغيرهما.

جزاء الصدق وجزاء الكذب

وإنما ذكرته في هذه السلسلة للقصة التي فيه، وللفائدة التي حوتها وفيها: - وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وفيه أن جرّ الثوب من الأمور المنكرة، والأحاديث كثيرة في هذا الباب، ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "ما تحت الكعبين من الإزار في النار". وفي هذا الأثر بيان لأهل زماننا -وبالأخص بعض من ينتسب إلى العلم- من شنيع هذه الخصلة، وأنت إذا جئتَ تيصح أحدَهم وتقول له: يا أخي؛ ارفع إزاركَ. نظر إليك وثار في وجهك كأنه بغلٌ شموس، وكأنك تأمره بالمنكر وتنهاه عن المعروف، فإنّا لله وإنَّ إليه راجعون. * * * 120 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "إن أحسنَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهدي هديُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ لأمورِ مُحْدَثَاتُها، وإنَّ ما توعدونَ لآتِ؛ وما أنتم بمعجزين، وإنما بعيدٌ ما ليسَ آتيًا. ألا وعليكم بالصدق؛ فإنه يهدي إلى البِّرِّ، وإنَّ البِّرِّ يهدي إلى الجنة، وما يزالُ الرجلُ يصدقُ حتى يُكتَبَ عند اللَّهِ صدّيقًا، ويثبتُ البرُّ في قلبه، فلا يكون للفجور موضع إيرة يستقرُّ فيها. وإياكم والكذب؛ فإنه يهدي إلى الفجور، وإن الفجورَ يهدي إلى النار، ولا يزال الرجلُ يكذبُ حتى يُكتَبَ عند الله كذابًا، ويثبتُ الفجورُ في قلبه، حتى ما بكون للبرّ موضع إبرة يستقرُّ فيها". أخرجه البخارى (7277) - مختصرًا، إلى قوله: "وما أنتم بمعجزين"، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 403) وعبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 116) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/ 482 - 483، 588، 589/ 413، 515، 516) وفي "المدخل" (رقم: 425، 426، 785) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8518 - 8532) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 77 - العاصمة) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (رقم: 443، 468) ووكيع في "الزهد" (رقم: 398).

كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة

من طرق، عن عبد الله بن مسعود به. بعصْهم رواه مطولًا، وبعضهم مختصرًا. فقد رُوي بعض أجزائه مرفوعًا. وانظر لمزيد من الفائدة "فتح الباري" (10/ 527 و 13/ 266). * * * 121 - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -، قال: "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناسُ حسنَةَ". أخرجه ابن نصر المروزي (رقم: 83) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (1/ رقم: 126) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 205) والبيهقي في المدخل، (رقم: 191). من طرق، عن هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر به. وهذا إسناد صحيح. * * * 122 - عن عمر بن عبد العزيز -رَحِمَهُ اللهُ-، أنه حقب إلى الناس: "إنه لا رَأيَ لأحد مع سُنَّةِ سَنَّها رسول اللَّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -". حسن صحيح. أخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 182 رقم: 113 - ط. الوليد سيف النصر) أو (1/ 423/ 157 - ط. الدميجي) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 100) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 299/ 391 و 4/ 82/ 821). من طريق: بقية بن الوليد، حدثنا سوادة بن زياد، وعمرو بن مهاجر، عن عمر به. وهذا سند حسن؛ بقية بن الوليد مدلّس؛ لكنه صرّح هنا بالتحديث. وأخرجه ابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 96) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ رقم: 1456).

من طريق: إسماعيل بن عياش، عن سوادة بن زياد وعمرو بن مهاجر به. وهذا إسناد حسن أيضًا؛ فإسماعيل بن عياش روايته عن أهل بلده (الشاميين) مستقيمة، وهذا منها. وأخرجه الدارمي في "مسنده" -أو سننه- (1/ 401/ 446) من طريق الحسن بن بشر، حدثنا المعافى، عن الأوزاعي، قال: كتب عمر بن عبد العزيز -رَحِمَهُ اللهُ-: "أنه لا رأي لأحد في كتاب الله، وإنما رأيُ الأئمة فيما لم ينزل فيه كتاب ولم تمضِ به سنة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا رأي لأحد في سنة سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". وهو منقطع بين الأوزاعي وعمر، فقول الأستاذ الداراني: "إسناده صحيح"! ليس بصحيح. وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 508/ 556) من طريق: سفيان بن عامر، عن عتاب بن منصور، عن عمر به. وإسناده ضعيف؛ لكنه يصح بما قبله. * * * 120 - عن أبي إدريس الخولاني -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "لأن أرى في المسجد نارًا لا أستطيعُ إطفاءها أحبّ إليَّ من أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها". أخرجه ابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 101) والهروي في "ذم الكلام" (4/ 73 - 74/ 813) وابن وضاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 87، 88) وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 124) والفريابي في "القدر" (رقم: 446 - ابن حزم) وابن بطة في "الإبانة" (599). من طرق؛ عن عائذ بن عبد الله أبي إدريس الخولاني (من كبار التابعين). وهو صحيح بمجموع هذه الطرق كما قال العلامة المحقق مشهور بن حسن آل سلمان في تحقيقه الماتع على كتاب "الإعتصام" (1/ 135). وعند الفريابي زيادة فى آخره؛ لكنها لا تصح كما أشار محقق الكتاب الشيخ عمرو بن عبد المنعم سليم وفقه الله تعالى.

124 - عن حسان بن عطية -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "كان جبريل ينزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسُّنّةِ كما ينزل بالقرآن، يعلّمُه إيَّاها كما يعلّمه القرآن". أثر صحيح. أخرجه الدارمي في "المسند" (1/ 474/ 608) وأبو داود في "المراسيل" (ص 361/ رقم: 536 - ط. الرسالة) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 90، 219، 220) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 104، 436) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 266 - 267/ 268 - 270) وفي "الكفاية في علم الرواية" (ص 44، 47) أو (رقم: 16، 23 - بتحقيقي) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 99) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 61 - 62/ 216 - ط. الشبل) أو (2/ 148 - 149/ 224 - الغرباء) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1193/ 2350) - معلّقًا- ونعيم بن حماد في زوائده على "الزهد" لابن المبارك (ص 23/ رقم: 91) والبيهقي في "المدخل" كما في "مفتاح الجنة" للسيوطي (ص 15). من طرق؛ عن الأوزاعي، عن حسان به. قال الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في "الفتح" (13/ 355): "أخرجه البيهقي بسند صحيح". وصحّح إسناده المحدّث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه لكتاب "الإيمان" لشيخ الإسلام (ص 36)، * * * 125 - عن يحيى بن كثير أنه قال: "السُّنّةُ قاضيةٌ على الكتاب، وليس الكتابُ قاضٍ على السُّنَّة". أثر صحيح. أخرجه الدارمي في "مسنده -أو- سننه" (1/ 474/ 607) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 88، 89) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1194/ 2353 - معلّقًا) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 144 - 145/ 219) وابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة" (رقم: 49) والخطيب البغدادي في "الكفاية" (ص 47) أو رقم (21 - بتحقيقي) والحازمي في "الإعتبار في الناسخ والمنسوخ" (ص 26 - ط. حمص) أو (1/ 170/ 60 - ط. ابن حزم).

من طرق؛ عن الأوزاعي، عن يحيى به. وقد رواه عن الأوزاعي غير واحدٍ من الثقات. وأغلب من أخرج الأثر أخرج بعده قول الإمام أحمد أنه سئل عن هذا الأثر، فقال: "ما أجرؤ على هذا أن أقول؛ لكن السنة تفسّر القرآن وتبيّنه". وقال البيهقي: "ومعنى ذلك أن السنة مع الكتاب أقيمت مقام البيان عن الله، كما قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، لا أن شيئًا من القرآن يخالف السنة". وانظر: "مسائل الإمام أحمد" -رواية أبي داود- (ص 276) و"الطيوريات" (ص 738/ رقم: 1355) و"تفسير القرطبي" (1/ 39) و"طبقات الحنابلة" (1/ 252) و"مفتاح الجنة" للسيوطي (ص 73). * * * 126 - عن عمر بن عبد العزيز -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "سَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وولاةُ الأمرِ بعدَهُ سُنَنًا؛ الأَخْذُ بها تصديق لكتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واستكمال لطاعة الله، وقوَّة على دين الله، من عَمِلَ بها مُهْتَدٍ، ومن استنصر بها منصور، ومن خالفها اتَّبَعَ غير سبيل المؤمنين، وولَّاه اللهُ ما تولَّى". أخرجه الخلّال في "السنة" (4/ 127/ 1329) وعبد الله بن أحمد في "السنة" (1/ 357/ 766) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 235) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1176/ 23262). من طريق: عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بن أنس، قال: قال عمر بن عبد العزيز .. فذكره. وهذا إسناد صحيح إلى مالك بن أنس، لكنه لم يسمع من عمر بن عبد العزيز. وأخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 5 - بتحقيقي، ط. عالم الكتب) من هذه الطريق؛ إلا أنه لم يذكر عمر بن عبد العزيز، بل جعله من قول مالك بن أنس.

النهي عن بيع الأجل بزيادة

وأخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 174، 200/ 98، 146) من طريق: مطرف بن عبد الله، عن مالك، عن عمر به. وأخرجه ابن بطة في "الإبانة" (رقم: 231) من طريق: أبي داود، قال: فرئ على الحارث بن مسكين -وأنا أشهد؛ أخبركم ابن القاسم، عن مالك، قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول: .. فذكره. وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 134) ويعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 386) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 435/ 455). من طريق: سعيد بن أبي مريم، عن رشدين بن سعد، قال: حدثنا عقيل، عن ابن شهاب، عن عمر بن عبد العزيز به. وهذا إسناد ضعيف لأجل رشدين بن سعد. والأثر ذكره التيمي الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/ 109). ومما تقدم يتبيّن أن الأثر ثابت، والله تعالى أعلم. * * * 127 - عن الأوزاعي أنه قال: "عليك بآثار من سَلَفَ وإن رفضَكَ الناسُ، وإيَّاكَ ورَأْيَ الرجالِ وإن زخرفوه بالقولِ، فإن الأمرَ ينجلي وأنتَ على طريق مستقيم". أخرجه: الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 6) والآجري في "الشريعة" (1/ 193/ 133) والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (رقم: 233) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1071/ 2077) والهروي في "ذم الكلام" (1/ 431/ 120) و (2/ 259/ 324 - الغرباء). من طريق: العباس بن الوليد بن مزيد، أخبرني أبي، قال: سمعتُ الأوزاعي .. وإسناده صحيح.

آخر آية نزلت هي آية الربا

128 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "لا تَصْلُحُ صفقتان في صفقة، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لَعَنَ آكِلَ الرِّبا ومُوكِلَهُ وكاتبه وشاهده". حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 393، 398) أو رقم (3725، 3783 - شاكر) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 119) أو (4/ 312/ رقم: 20447 - العلمية) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 198 - 202) وعبد الرزاق في "مصنفه" (8/ 138 - 139/ 14636) وابن حبان (3/ 331/ 1053) والبزار (1277، 1278 - كشف) وابن خزيمة (176) والطبراني في "الكبير" (9609). من طريق: سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه به. وهذا إسناد حسن. وقد صحّ سماع عبد الرحمن بن عبد الله من أبيه. وسماك بن حرب فيه كلام لا ينزله عن درجة الحسن، لذا قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "صدوق .. ". وجاء في رواية للأثر: "صفقتان في صفقة ربا؛ أن يقول الرجل: إن كان نقدًا فبكذا وكذا، وإن كان إلى أجل فبكذا وكذا". وأخرجه ابن أبي شيبة عن مسروق، عن عبد الله به، "المصنف" (5/ 12/ 23237 - العلمية). وانظر "الصحيحة" (5/ 420 - 421/ تحت الحديث رقم: 2326). وقد صحّ الشطر الثاني من الأثر مرفوعًا. كما صحّ عنه - صلى الله عليه وسلم - قوله: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا". أخرجه أبو داود (3477) وغيره. * * * 129 - عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: "إن آخر ما أُنزِلَ على النبي - صلى الله عليه وسلم - آية الربا، فتوفي ولم يُفَسِّرْها لنا، فدعوا الربا والريبة". أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 36، 50) أو رقم (246، 350 - شاكر)

سماع سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب

وابن ماجه (2276) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (6/ 37 - 38/ 6308) والبيهقي في "دلائل النبوة" (7/ 138) وابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 208) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (رقم: 23) وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 57/ 44 - المآثر). من طريق: سعيد بن أبي عَرُوبَة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن عمر به. قال محقق كتاب "السنة" الدكتور عبد الله بن محمد البصيري -وفقه الله-: "رجاله ثقات، إلا أنه منقطع؛ سعيد لم يدرك عمر .. ". قلت: بلى أدركه، وهذا مما لا خلاف فيه، لكن الشأن في سماعه منه، لذا قال المحدث أحمد محمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ-: "إسناده ضعيف، لإنقطاعه، سعيد بن لمسيب لم يسمع من عمر .. ". قلت: وفي هذا خلاف كبير بين العلماء قديمًا وحديثًا، والذي يترجّح وتطمئن إليه النفس صحّة سماعه منه؛ هذا لأمور، منها: - أن سعيد بن المسيب أدرك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهو وإن توفي وسعيد بن المسيب صغير السن، لكن صحّ أنه سمع عمر بن الخطاب يخطب على المنبر قبل وفاته؛ قال الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في ترجمة سعيد بن المسيب من "تهذيب التهذيب" (2/ 45 - ط. الرسالة): "وقد وقع لي حديثٌ بإسناد صحيح لا مطعن فيه، فيه تصريحُ سعيد بسماعه من عمر؛ قرأتُه على خديجة بنت سلطان؛ أنبأكم القاسم بن مظفَّر شفاهًا، عن عبد العزيز بن دُلَف، أن عليَّ بن المبارك بن نَغُوبَا أخبرهم؛ أخبرنا أبو نعيم محمد بن أبي البركات الجُمَّازي، أخبرنا أحمد بن المظفّر بن يزداد، أخبرنا الحافظ أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان السَّقَّاء، حدثنا ابن خليفة، حدثنا مسدّد في مسنده، عن ابن أبي عَدِي، ثنا داود -وهو: ابن أبي هند- عن سعيد بن المسيّب قال: سمعتُ عمر بن الخطاب على هذا المنبر يقول: "عسى أن يكون بعدي أقوام يكذبون بالرجَّم، يقولون: لا نجده في كتاب الله. لولا أن أزيد في كتاب الله ما ليس فيه لكتبت أنه حق؛ قد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجم أبو بكر، ورجمتُ". هذا الإسناد على شرط مسلم" اهـ.

ومما يؤيد هذا أيضًا ما رواه ابن قتيبة، قال: نا عبد الرحمن، عن عمه الأصمعي، عن طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب، عن أبيه؛ أن سعيد بن المسيب قال: "إني لفي أغيلمة الذين يجرون جعدة إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى ضربه". أخرجه ابن قتيبة في "غريب الحديث" (2/ 25) والدينوري في "المجالسة" (5/ 53/ 1851). وقد أخرج الفريابي في "كتاب الصيام" (رقم: 40 - الدار السلفية) من طريق ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 58/ 15756 - الهندية) قال: حدثنا غندر، عن شعبة، عن إياس بن معاوية، قال: جلست إلى سعيد بن المسيب، فقال مِمَّن أنتَ؟ قلت: من مُزَينة. قال" إني لأذكر يوم نعى عمرُ بن الخطاب النعمانَ بن مقرن على المنبر". [تنبيه: قد وقفتُ على هذا الخبر الأخير بواسطة الشيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي -حفظه الله وجزاه خير الجزاء- وذلك عندما أرسلتُ إليه سائلًا عن رأيه -حفظه الله ورعاه- فى صحّة سماع سعيد بن المسيب من عمر بن الخطاب؛ فأرسل -جزاه الله خيرًا- إليّ بصورة هذا الأثر من كتاب "الصيام" للفريابي، فليُعْلَمْ. أُدَوِّنُ هذا اعترافًا بالفضل لأهل الفضل ..]. ولتفصيل المسألة انظر: "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد (1/ 199 - 200، 288/ رقم: 197، 464) و"كتاب بحر الدم" لابن عبد الهادي (ص 177/ رقم: 369) و"شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (1/ 68 و 206) و"الباعث الحثيث" (2/ 522) و"التاريخ الكبير" للإمام البخاري (3/ 591) و"التاريخ الأوسط" (1/ 87/ رقم: 42) و"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 61) و"جامع التحصيل" للعلائي (ص 184) و"سير أعلام النبلاء" (4/ 222 - 223). والأثر أورده المحدث الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (2/ 28/ 1846 - ط. المكتب الإسلامي) مصحّحًا له. وأخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 246 - 247/ 131) عن الشعبي عن عمر - رضي الله عنه -، لكنه منقطع. وانظر الأثر رقم (223).

حد الزاني والزانية في الإسلام

130 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال في قوله تعالى {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [النساء: 15]. قال: "كانت المرأة إذا زَنَتْ حُبِسَت في البيت، حتى نزلت هذه الآية: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ}، وإن كانا محصنين رُجِمَا". أخرجه: البزار (3/ 44/ 2199 - كشف الأستار) ومحمد بن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 361) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 894/ 4978) والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 11134) والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" (ص 94). كلهم من طريق: مسلم بن كيسان الضبي، عن مجاهد، عن ابن عباس به. عدا البزار فإنه أخرجه من طريق: علي بن مسهر، عن مجاهد به. وهذا إسناد ضعيف؛ أما الأول: فإن مسلم بن كيسان ضعيف. وطريق البزار لا تصح للمتابعة كما قال محقق كتاب "السنة" للمروزي، فإنها منقطعة، علي بن مسهر لم يدرك مجاهد، بينهما إحدى عشر سنة. لكن له طرق أخرى عن ابن عباس. فقد أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 895 - 896/ 4988) والطبري في "تفسيره" (8/ 74، 85/ 8797، 8822) وأبو عبيد فى "الناسخ والمنسوخ" (رقم: 239) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 211) وأبو جعفر النحاس في "ناسخه" (ص 94) وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (رقم: 108 - ط المكتبة العصرية). من طريق: أبي صالح، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 892 - 893/ 4970) وأبو عبيد في "ناسخه" (رقم: 238) من طريق: حجاج، عن ابن جريج وعثمان بن عطاء، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس به. فالأثر صحيح ثابت، والحمد لله.

الأمير أحق بالصلاة على الميت من وليه

131 - عن أبي حازمٍ أنه قال: "إني لشَاهِدٌ يوم مات الحسنُ بنُ عليِّ، فرأيتُ الحسينَ بنَ عليِّ يقول لسعيد بن العاص - وهو يطعنُ في عنقه، ويقول: "تقدَّم فلولا أنها سُنَّةٌ ما قَدَّمْتُكَ"، وسعيدٌ أميرٌ على المدينة يومئذٍ، وكان بينهم شيء. فقال أبو هريرة: أَتُنَفِّسُونَ على ابنِ بنيِّكُم بتربةٍ تدفنونه فيها، وقد سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أحبَّهما فقد أحبَّني، ومن أبغضهما فقد أبغضني". أخرجه: عبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 6369) والطبراني في "المعجم الكبير" (3/ رقم: 2912، 2913) والبزار (1/ 385 - 386/ 814 - كشف الأستار) والحاكم (3/ 171) والبيهقي (4/ 28) -واللفظ لهما-. من طريق: سفيان الثوري، عن سالم بن أبي حفصة، عن أبي حازم به. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وانظر "أحكام الجنائز" للمحدث الألباني (ص 129). وأخرجه أحمد (2/ 531) بنحو منه وليس فيه قصة التقديم، إنما أشار إليها. فقه الأثر: 1 - فيه أن الواليَ أو نائبه أحق بالإمامة في الصلاة على الجنازة من وليّ الميت؛ كما قال الشيخ الألباني في المصدر المشار إليه (ص 128/ رقم: 66). 2 - حال آل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - مع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبناءهم، ومحافظتهم على السنة، بخلاف ما عليه من يدّعي اتّباعهم كذبًا وزورًا. 3 - حرص الصحابة -وبالأخص منهم (أبو هريرة - رضي الله عنه -) - على رواية فضائل أهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعدم مُحَاباتهم في ذلك أحدًا، وهذا مما يدلُّ على صدقهم، بخلاف ما يدّعيه شانؤوهم.

السنة في صلاة القيام (التراويح) أن تكون إحدى عشر ركعة

132 - عن السائب بن يزيد أنه قال: "أَمَرَ عمرُ بن الخطاب أُبَيَّ بن كعبِ وتميمًا الدَّارِيّ أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة. قال: وقد كان القارئ يقرأ بالمئين، حتى كلنا نعتمد على العصيّ من طول القيام، وما كنا ننصرف إلا في بزوغ الفجر". أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 137/ 248) عن محمد بن يوسف، عن السائب به. قال العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في كتابه الممتع "صلاة التراويح" (ص 45 - 46 - ط. المكتب الإسلامى): "وهذا سند صحيح جدًا، فإن محمد بن يوسف شيخ مالك ثقة اتفاقًا، واحتجّ به الشيخان. والسائب بن يزيد صحابي؛ حجَّ مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو صغير. ومن طريق مالك أخرجه أبو بكر النيسابوري في "الفوائد" (135/ 1) والفريابي (75/ 2 - 1/ 76) والبيهقي في "السنن الكبرى" (1/ 496) " اهـ. قلت: وأخرجه البيهقي أيضًا من طريق مالك في "معرفة السنن والآثار" (4/ 42/ 5413). قال الشيخ الألباني: "وقد تابع مالكًا على الإحدى عشرة ركعة يحيى بن سعيد القطان عند ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 89/ 2)، وإسماعيل بن أمية، وأسامة بن زيد، ومحمد بن إسحاق عند النيسابوري، وإسماعيل بن جعفر المدني عند ابن خزيمة في حديث علي بن حجر (4/ 186/ 1)؛ كلهم قالوا: عن محمد بن يوسف به، إلا ابن إسحاق فإنه قال: "ثلاث عشرة ركعة" ... " اهـ. ثم بيَّن -رَحِمَهُ اللهُ- تفرّد ابن إسحاق برواية (الثلاث. عشرة ركعة)، وأثبت أن الصواب رواية (الإحدى عشرهّ ركعة) بما لا مزيد عليه، فانظره هناك. * * * 133 - عن أمّ المؤمنين عائشةَ - رضى الله عنها -، أنها قالت: "إذا أعجبَكَ حسنَ عملِ امرئٍ؛ فقل: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]، ولا يستخِفَنَّكَ أحدٌ". علّقه الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه" (13/ 512) - 97 - كتاب

صفة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم

التوحيد، (46) باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}. ووصله في "خلق أفعال العباد" (رقم: 186) قال: حدثنا يحيى بن كثير، ثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - وذكرت الذي كان من شأن عثمان بن عفان-: "وددتُ أني كنتُ نسيًا منسيًا، فوالله ما أحببتُ أن يُنتَهَكَ من عثمان أمر قط إلا قد انتُهِكَ مني مثله، حتى والله لو أجبت قتله لقتلت؛ يا عبد الله بن عدي! لا يغرنك أحد بعد الذي تعلم، فوالله ما احتقرت أعمال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى نجم النفر الذين طعنوا عثمان، فقالوا له قولًا لا يحسن مثله، وقرؤوا قراءة لا يحسن مثلها، وصلوا صلاة لا يصلى مثلها، فلما تدبرت الصنيع إذا هم والله ما يقاربون أعمال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أعجبك حسن قول امرئ فقل: {اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}، فلا يستخفنك أحد". وإسناده صحيح، كما قال محققه الأستاذ الفاضل بدر البدر. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (6/ 1877/ 10054) من طريق: يونس، عن الزهري، عن عروة به، وأخرجه معمر في "جامعه" كما في نهاية "مصنف عبد الرزاق" (11/ 447/ 20967). * * * 134 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: "لم يكن أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُتَحَزِّقِينَ ولا مَتَمَاوتينَ، وكانوا يتناشدونَ الشِّعْرَ في مجالسهم، ويذكرونَ أمرَ جاهليتهم، فإذا أُريدَ أحدٌ منهم على شيءٍ من أمر الله دارَتْ حماليقُ عَيْنَيْهِ كأنه مجنون". حسن. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 555) وعبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد" (رقم: 1199 - ط دار الكتاب العربي) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 279 - 280/ 26049 و 7/ 169/ 34946 - العلمية) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 335 - 331 - ط. دار الخير) وابن أبي الدنيا في "اصطناع المعروف" (رقم: 40 - ط ابن حزم).

ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام الفيل

من طريق: محمد بن فُضيل، ثنا الوليد بن جُميع، عن أبى سلمة به. وحسَّن إسناده المحدّث الألباني في "الصحيحة" (1/ 2/ 797) وفي تعليقه على "الأدب المفرد" (ص 190). تنبيه: تحرَّفت في مطبوعة "الأدب المفرد": (محمد بن فضيل) إلى: محمد بن الفَضْل. غريب الحديث: متحزّقين: أي منقبضين ومجتمعين. متماوتين: أي: مظهرين للتخافت والتواضع والتضاعف. حماليق العيون: جمع حملاق العين؛ وهو ما يسوده الكحل من باطن أجفان العين، وهو كناية عن فتح العين والنظر بشدة. * * * 135 - عن ابن عباسيٍ - رضي الله عنهما -، قال: "وُلِدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عامَ الفِيلِ". أخرجه: ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (1/ 101 - صادر) أو (1/ 47 - إحياء التراث العربي) والبزار (1/ 121/ 226 - كشف الأستار) والحاكم (2/ 603) والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/ 75) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (رقم: 345) والطبرانن في "المعجم الكبير" (12/ رقم: 12432) والذهبي في "تاريخ الإسلام- السيرة النبوية" (1/ 22 - ط. الكتاب العربي) أو (1/ 33 - الرسالة) وابن سيد الناس في "عيون الأثر" (1/ 79 - 80). من طريق: حجاج بن محمد، ثنا يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال الذهبي في "السيرة النبوية": "صحيح".

وصحّحه المحدّث الألباني بموافقته لتصحيح الحاكم له، في "صحيح السيرة النبوية" (ص 13). وقد رواه بحضهم بلفظ "يوم الفيل"؛ قال الحاكم -رَحِمَهُ اللهُ-: "تفرد به حميد بن الربيع بهذه اللفظة في هذا الحديث ولم يتابع عليه". قلت: ويعكّر عليه متابعة يحيى بن معين له، عن حجاج بن محمد به، عند البيهقي وابن سعد. ووقع عند ابن سعد: "ولد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الفيل، يعني: عام الفيل". وانظر الذي يليه. * * * 136 - قال قيس بن مخرمة بن المطّلب: "ولدتُ أنا ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عامَ الفيلِ، فنحن لِدَتَان". أخرجه: ابن إسحاق في "سيرته" كما في "السيرة النبوية" لابن هشام (1/ 206 - ط. العبيكان) أو (1/ 184 - ط. دار الريان للتراث) وأحمد (4/ 215) أو رقم (17946 - قرطبة) والترمذي (3619) والطبراني في "المعجم الكبير" (18/ رقم: 872، 873) والحاكم (2/ 603) والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/ 76، 77) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (رقم: 85) وخليفة بن خياط في "تاريخه" (ص 26). من طريق: محمد بن إسحاق، قال: حدثني المطلب بن عبد الله بن قيس بن مخرمة، عن أبيه، عن جده قيس به. قال الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ-: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من طريق محمد بن إسحاق". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"! ووافقه الذهبي! مع أنه حسَّنه في "السيرة النبوية" (تاريخ الإسلام: 1/ 23 - الكتاب العربي) أو (1/ 33 - الرسالة). وقال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- بعد أن نقل تصحيح الحاكم وموافقة الذهبي له-: "وإنما هو حسن فقط". "صحيح السيرة النبوية" (ص 13).

النهي عن التكلف للضيف

وكان الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ- قد قال في: "ضعيف سنن الترمذي" (رقم: 744 - ط. المكتب الإسصلامي): "ضعيف الإسناد". قلت: ولعلّ هذا أقوى؛ فإن المطّلِب بن عبد الله بن قيس؛ مجهول، لم يروِ عنه غير محمد بن إسحاق، وقال الحافظ في "التقريب": "مقبول". لكن يشهد له ما قبله، فبه يكون حسنًا، والله تعالى أعلم. * * * 137 - عن شقيق أبي وائل، قال: دخلتُ أنا وصاحبٌ لي على سلمان - رضي الله عنه -، فقرَّبَ إلينا خبزًا وملحًا، فقال: "لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن التكلّف لنكلَّفْتُ لكم". فقال صاحبي: لو كان في ملحنا سعتر! قبعث بمطهرته إلى البقَّال، فرهنها؛ فجاء بسعتر، فألقاه فيه، فلما أكلنا قال صاحبي: الحمد لله الدي قنعنا بما رزقنا. فقال سلمان: "لو قَنعْتَ بما رُزِقْتَ لم تكن مطهرتي مرهونة عند البقَّال". أخرجه أحمد (5/ 441) أو رقم (23846 - قرطبة) والطبراني في "المعجم الكبير" (6/ رقم: 6083) وفي "المعجم الأوسط" (6/ 154/ 5935 - الحرمين) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 1404 - 1408). من طريق: قيس بن الربيع، ثنا عثمان بن سابور، عن شقيق به -مختصرًا-، شطره الأول. وهذا إسنادٌ ضعيف؛ قيس بن الربيع ضعيف. وعثمان بن سابور؛ جاء في سند الإمام أحمد: "رجل من بني أسد"، ولم أقف له على ترجمهْ فيما بين يديّ من مصادر. وانظر "معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني" (3/ 94). وأخرجه بتمامه: الحاكم في "المستدرك" (4/ 123) والطبراني في "المعجم الكبير" (6/ رقم: 6084، 6085) والسهمى في "تاريخ جرجان" (ص 162) والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 94/ 9598) وفي "الآداب" (رقم: 84) وابن عدي في "الكامل" (4/ 239 - العلمية).

من طريق: حسين بن محمد (¬1)، ثنا سليمان بن قرم، عن الأعمش، عن شقيق به. وصحّح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي! وليس كما قالا؛ فإن سليمان بن قرم ضعيف؛ ضعفه ابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم. لكن الأثر حسن بما قبله. وانظر "الصحيحة" (رقم: 2392). * * * 138 - قال الإمام الحافظ وكيع بن الجرَّاح: حدثنا جعفر بن بُرقان، عن ميمون بن مهران، قال: "لا بكون الرجلُ تَقِيًّا حتى يُحَاسِبَ نفسَهُ محاسبةَ شريكه، وحتى يعلمَ من أين ملبسه ومشربه ومطعمه". حسن. أخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 239) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 201، 235/ 35261، 35614 - العلمية) وهناد في "الزهد" (رقم: 1117). من طرق؛ عن جعفر بن برقان به. * * * 139 - عن حذيفه أنه قال: "ما تلاعَنَ قومٌ قطُّ؛ إلَّا حقَّ عليهم القول". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 474/ 37330 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (10/ 413) والبغوي في "شرح السنة" (13/ 136 - 137) والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (رقم: 70 - بتحقيقي) والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 318) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 279) وهناد في "الزهد" (1317). من طريق: سفيان الثوري، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن حذيفة به. وصحّح الإسناد العلامة الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد". * * * ¬

_ (¬1) وتصحّفت في مطبوعة الشعب للبيهقي (دار الكتب العلمية) إلى: حسن؛ فلتصحح.

ترتيل القرآن وتحسين الصوت به

140 - قال أبو عبيد: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن ابراهيم، قال: "قرأ علقمة على عبد الله، فكأنما عَجَل، فقال عبد الله: فِدَاكَ أبى وأمّي؛ رَتِّل، فإنه زينُ القرآن". قال. وكان علقمة حسنُ الصوت بالقرآن. أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 157 - ابن كثير) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 256/ 8724 و 6/ 141/ 30143) والبخاري في "خلق أفعال العباد" (رقم: 260) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 54) وفي "شعب الإيمان" (5/ 124/ 973) وسعيد بن منصور في "سننه" (رقم: 54 - ط آل حميد) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8695) وابن نصر في "قيام الليل" (ص 121) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 99) وابن الأعرابي في "المعجم" (1/ 258/ 475) وابن سعد في "الطبقات" (6/ 90) و"العجلي في "تاريخ الثقات" (ص 340). من طرقٍ؛ عن المغيرة به. وإسناده صحيح. 141 - قال أبو عبيد: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم، عن أيوب، عن أبي جَمْرَة، قال: قلت لابن عباس: إني سريعُ القراءة، وإني أقرأ القرآن في ثلاث. فقال: "لأَن أقرأُ البقرة في ليلة فأدبَّرَها وأُرَتِّلَها أحبُّ إليَّ من أن أقرأَ كما تقول". أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 157) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 396 و 3/ 13) وفي "شعب الإيمان" (2/ 360/ 2040 - العلمية) والآجري في "أخلاق حملة القرآن" (رقم: 89 - بتحقيقي) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 1193) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 4187) وابن نصر في "قيام الليل" (ص 60).

دعاء ختم القرآن

من طرق؛ عن أبي جمرة به -ووقع عند أبي عبيد والبيهقي في "السنن": أبي حمزة؛- فليصحح. ورواه عن أبي جمرة: أيوب، وشعبة وحماد -كلاهما- ومعمر. فالأثر صحيح، والحمد لله. * * * 142 - عن ثابت، قال: "كان أنسٌ إذا ختم القرآن جمع ولدَهُ وأهلَ بيته فدعا لهم". أخرجه الدارمي في "المسند" (4/ رقم: 3517 - ط. حسين سليم أسد) والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ رقم: 674) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 368/ 1070 - العلمية) وجعفر بن محمد الفريابي في "فضائل القرآن" (رقم: 83) وسعيد بن منصور في "سننه" (1/ 140/ 27 - التفسير- ط. الصميعي). من طريق: جعفر بن سليمان، عن ثابت به. وهذا إسناد صحيح؛ كما قال العلامة الألباني في تعليقه على كتاب "لفتة الكبد" لابن الجوزي (ص 7) -[بواسطة "مرويات دعاء ختم القرآن" للشيخ بكر أبو زيد حفظه الله]. وأخرجه جعفر بن محمد الفريابي في "فضائل القرآن" (رقم: 84) من طريق: محمد بن الحسن البلخي، عن ابن المبارك، عن همام، عن ثابت به. وخالفه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 109 - ابن كثير) فرواه عن أحمد بن عثمان الخراساني، عن عبد الله بن المبارك، عن همام بن يحيى، عن قتادة، عن أنس به. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/ 129/ 30029 - العلمية) والفريابي في "فضائل القرآن" (رقم: 85، 86) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (رقم: 84). من طريق: وكيع، عن مسعر، عن قتادة به. وأخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (رقم: 809) عن مسعر به.

وانظر للفائدة حول الأثر كتاب الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد "مرويات دعاء ختم القرآن"؛ فإنه نفيس. * * * 143 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "من أرادَ العِلْمَ فليثور القرآن، فإن فيه علم الأوَّلينَ والأخرين". صحيح. أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" (رقم: 814) وأبو الليث السمرقندي في "تفسيره" (1/ 252 - 254) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 485/ 10067 - الهندية) أو (6/ 127/ 30509 - العلمية) وأبو عبيد الهروي في "فضائل القرآن" (ص 96 - ابن كثير) والفريابي في "فضائل القرآن" (رقم: 78). من طريق: سفيان الثوري، عن أبي إسحاق السبيعي، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود. وهذا إسناد صحيح، فيه أبو إسحاق السبيعي، وهو مدلس، لكن رواية سفيان عنه مأمونة. وأخرجه مسدّد في "مسنده" كما في "المطالب العالية" (رقم: 3100 - العاصمة) وعبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد" (رقم: 854) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8666). من طريق: شعبة، عن أبي إسحاق به. وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وأخرجه ابن أبي شيبة (14/ 94/ 17688 - الهندية) أو (7/ 256/ 35828 - العلمية) من طريق: زهير، عن أبي إسحاق به. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8664، 8665) من طريق: إسرائيل وزهير معًا - عن أبي إسحاق به. وأخرجه سعيد بن منصور في "سننه" -التفسير- (1/ 7/ 1 - ط. سعد آل حميد) ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 332/ 1960). من طريق: حديج بن معاوية، عن أبي إسحاق به.

من كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله

تنيه: استفدتُ من التخريج السابق من تحقيق الدكتور سعد آل حميد على "السنن" لسعيد بن منصور، ط. دار الصميعي؛ فليُعْلَمْ. * * * 144 - وعن عبد الله بن مسعود أنه قال: "لا يضرُّ الرجل أن لا يسأل عن نفسه؛ إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن فإنه يحبُّ اللهَ ورسوله - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8657) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 353/ 2017 - العلمية). من طريق: شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبن مسعود به، ولفظه عندهما: "من أراد أن يحلم أنه يحب الله ورسوله فلينظر؛ فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله". وهذا إسناد صحيح. وأخرجه الطبراني (9/ رقم: 8656) وأبو جعفر الفريابي في "فضائل القرآن" (رقم: 6، 7). من طريق: سفيان الثوري، عن أبي إسحاق به. وأخرجه أبو عبيد الهروي في "فضائل القرآن" (ص 51 - 52 - ابن كثير) وأبو القاسم البغوي في "حديث علي بن الجعد" (2/ 52/ 973 - ط. الخانجي) أو (2/ 774/ 2020 - ط. الفلاح). من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق به. * * * 145 - عن أبي مالك الأشجعي، قال: "قلتُ لأبي: يا أبَتِ؛ قد صَلَّيْتَ خَلْفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي بن أبي طالب هاهنا بالكوفة خمس سنين؛ أكانوا يقنتون؟ قال: أى بنيّ؛ مُحْدَثٌ". صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 472 و 6/ 394) أو رقم (15924، 27320 - قرطبة) والنسائى في "الكبرى" (1/ 227/ 667) وفي "الصغرى" -المجتبى- (2/ 204) رقم: (1080) والترمذي (402، 403) وابن

القلب الذي ليس فيه شيء من كتاب الله كالبيت الخرب

ماجه (1241) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 102/ 6960، 6962 - العلمية) والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ رقم: 8177، 8179) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 213) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 249) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 1328). من طرق؛ عن أبي مالك الأشجعي به. وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 401 - ط الباز). وصححه العلامة الألباني في "إرواء الغليل" (2/ 182/ 435). * * * 146 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أنه قال: "إن هذا القرآن مأدبةُ الله، فخذوا منه ما استطعتم، فإني لا أعلمُ شيئًا أصْفَرَ من خير من بيت ليس فيه من كتاب الله شيء، وإن القلبَ الذي ليس فيه من كتاب الله شيءٌ؛ خَرِبٌ كخرابِ البيت الدي لا ساكِنَ له". أخرجه الدارمي في "مسنده" (4/ رقم: 3350 - حسين سليم) من طريق: أبي سنان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود به. وأبو إسحاق السبيعي مدلّس، وسماع أبي سنان منه متأخر. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 486/ 10071 - الهندية) من طريق: أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي الأحوص به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 5998) ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8642) من طريق: معمر، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص به. ومعمر متأخر السماع من أبي إسحاق، لكن الأثر صحيح بما قبله. * * * 147 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: "إن البيتَ ليتَّسِعُ

عائشة أم المؤمنين كانت أعلم الناس بالفرائض

على أهله، وتحضُرُه الملائكةُ، وتَهْجُرُهُ الشياطين، وبكثر خيرُه؛ إنْ يُقْرَأْ فيه القرآن. وإن البيتَ ليضيقُ على أهله، وتهجُرُهُ الملائكة، وتحضرُه الشياطين، ويقلُّ خيرُه؛ إنْ لا يُقْرَأْ فيه القرآن". صحيح. أخرجه الدارمي في "مسنده" (4/ رقم: 3352) من طريق: معاذ بن هانئ، ثنا حرب بن شداد، حدثنا يحيى بن أبي كثير، حدثني حفص بن عنان، عن أبي هريرة به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 487/ 10076 - الهندية) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 795) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (رقم: 185). من طريق: سليمان بن المغيرة، ثنا ثابت البناني، عن أبي هريرة به. وهذا إسناد منقطع؛ ثابت البناني لم يسمع من أبي هريرة. * * * 148 - عن مسلم بن صُبيح الهمداني قال: سَأَلْنَا مسروقًا: كانت عائشةُ تُحسِنُ الفرائض؟ فقال: "والذي لا إله غيرُه؛ لقد رأيتُ الأكابر من أصحابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسألونها عن الفرائض". أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (8/ 66) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (11/ 234/ 11084 - الهندية) أو (6/ 241/ 31028 - العلمية) والدارمي في "مسنده" (4/ رقم: 2901 - الداراني) والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (1/ 115/ 110) والحاكم (4/ 11) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 489) والطبراني في "الكبير" (23/ رقم: 1/ 29). من طريقين: عن مسلم بن صبيح به. الأولى: عن الأعمش عنه به.

حرص عبد الله بن عباس على طلب العلم

والثانية: عن أبي معاويه عنه به. وحسَّن إسناده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 242). قلت: إسناده صحيح على شرط الشيخين. * * * 149 - عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: "لما توفِّيَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قلتُ لرجلِ من الأنصار: يا فلان؛ هَلُمَّ فَلْنَسأَلْ أصحابَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنهم اليوم كثير. فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناسَ يحتاجون إليكَ وفي الناسِ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترى؟! قال: فتركَ ذلك، وأقبلتُ على المسألة وتَتَبُّع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن كان لَيَبْلُغنِي الحديثُ عن الرجلِ فآتيه -وهو قَائِلٌ-، فأتوَسَّدُ ردائي على بابه، فَتُسْفِي الريحُ على وجهي الترابَ، فيخرجُ فيراني، فيقول: يا ابن عمّ رسول الله؛ ما جاء بك؟ ألا أرسَلْتَ إليَّ فآتيك. فأقول: لا؛ أنا أحقُّ أن آتيكَ. فأسألَهُ عن الحديث. قال: فبقي الرجلُ حتى رآني؛ وقد اجتمع الناسُ عليَّ؛ فقال: كان هذا الفتى أعقلَ منّي". صحيح. أخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 467 - 468/ 595 - الداراني) والحاكم في "المستدرك" (1/ 156) والخطيب البغدادي في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (1/ 235 - 236/ 219 - الرسالة) والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ رقم: 10592) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 365 - 366/ 507 - ابن الجوزي) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 542). من طريق: يزيد بن هارون، ثنا جرير بن حازم، عن يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عباس به. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، وهو أصل في طلب الحديث وتوقير المحدّث".

شفاعة القرآن لصاحبه

ما يستفاد من الأثر: 1 - أهمية العلم وحرص أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عليه. 2 - أهمية الطلب في الصِّغَر، وأنه يؤتي ثمارًا أكثر مما يؤتيها التعلّم في الكِبَر. 3 - توقير أهل العلم، والصبر على تحصيل العلوم منهم. 4 - حرص عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - على العلم وتعلّمه وصبره في سبيل ذلك. 5 - توقير الصحابة لأهل بيت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وتبجيلهم. * * * 150 - عن مجاهد بن جبر -رَحِمَهُ اللهُ- أنه قال: "القرآن يَشْفَعُ لصاحبه يوم القيامة؛ يقول: يا ربّ؛ جعلتني في جوفه، فأسهرتُ ليلَهُ، ومنعتُهُ كثيرًا من شهوته؛ ولكل عامِل عَمَالة. فيقول: ابسُط يدَكَ -أو قال: يمينك- فيملأها من رضوانه، فلا يسخطُ عليه بعدها، ثم يقال: اقرأ وارقه؛ فيرفعُ له بكلّ آية درجة، وبكلِّ آية حسنة". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 496، 499/ 10098، 10107 - الهندية) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 806) وسعيد بن منصور في "سننه" (رقم: 22 - ط، الصميعي) وابن الضريس في "فضائل القرآن" (رقم: 103). من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن مجاهد به. وهذا إسناد صحيح. وللأثر طرق أخرى عن مجاهد، أصحها هذا الطريق الذي ذكرناه، ومن أراد الاستزادة فليراجع تحقيق الدكتور سعد آل حميد على "السنن" لسعيد بن منصور (1/ 113 - وما بعدها). * * * 151 - عن طارق بن شهاب، قال: خرجَ عمر بن الخطاب إلى الشام، ومعنا أبو عبيدة بن الجراح، فأتوا على مخاضة، وعمر على ناقة له، فنزل

العزة إنما تكون بالإسلام والانتماء إليه

عنها وخلع خُفَّيهِ فوضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته، فخاض بها المخاضة، فقال أبو عببدة: "يا أمير المؤمنين؛ أأنتَ تفعلُ هذا؟! تخلعُ خُفَّيْكَ وتضعهما على عاتِقِكَ، وتأخذُ بزمام ناقتِكَ، وتخوضُ بها المخاضة! ما يسرُّني أن أهل البلد استشرفوكَ"! فقال عمر: "أوه! لو يَقُل ذا غيرك أبا عبيدة؛ جعلتُه نكالًا لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم -. إنا كُنَّا أذَلَّ قومٍ، فأعَزَّنا اللهُ بالإسلام، فمهما نطلبُ العِزَّ بغير ما أعزنا اللهُ به؛ أذلَّنا الله". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (13/ 41، 263 - 264 - الهندية) أو (8/ 146 - الفكر) أو (7/ 28، 113/ 33836، 34433 - العلمية) والحاكم في "المستدرك" (1/ 62 و 3/ 82) وهناد في "الزهد" (رقم: 817) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (ص 2 - ترجمة عمر- دار الفكر) والدينوري في "المجالسة" (2/ 273/ 418). من طريق: أبي معاوية، عن الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه الحاكم (1/ 61 - 62) وأبو داود السجستاني في "الزهد" (رقم: 69) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 584) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/ 291/ 8196) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 47). من طريق: سفيان بن عيينة، ثنا أيوب بن عائذ الطائي، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب به. وبعضهم أسقط من الإسناد أيوب بن عائذ. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين .. "، ووافقه الذهبي. وقال الشيخ الألباني في"الصحيحة" (1/ 118 - المعارف): "وهو كما قالا".

الصيام في شهر رجب

152 - عن خَرَشَة بن الحُر، قال: رأيتُ عمرَ بن الخطاب يَضرِبُ أَكُفَّ الناسِ في رَجَبَ، حتى يضعوها في الجفَانِ، ويقول: "كلوا؛ فإنما هو شهرٌ كان يُعَظِّمُهُ أهلُ الجاهلية، فلما جاء الإسلامُ تُرِكَ". أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 345/ 9758 - العلمية) والطبراني في "المعجم الأوسط" (7/ 327/ 7636 - الحرمين) أو (8/ 310/ 7632 - الطحان). من طريق الأعمش، عن وَبَرة بن عبد الرحمن المُسْلِيّ، عن خرشة به. قال الشيخ الألباني في "النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان لكتب الأئمة الرجيحةأ" (ص 211): "إسناده صحيح"، وكذا قال في "الإرواء" (4/ 113/ 957)، وصححه شيخ الإسلام كما في "مجموع الفتاوى" (25/ 290 - 291). فقه الأثر: - أن الكراهة الواردة في الأثر هي صوم شهر رجب كلّه، أو اتّخاذ هذا الصوم عادة. والدليل على هذا؛ ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح -كما قال الشيخ الألباني-"أن ابن عمر إذا رأى الناس وما يعدّونه لرجب؛ كره ذلك". وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 292/ 7854) - بإسناد صحيح، كما قال الألباني- عن عطاء، قال: "كان ابن عباس بنهى عن صيام رجب كلّه؛ لئلا يُتَّخذَ عيدًا". قال الإمام اْبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتابه الماتع "الحوادث والبدع" (ص 141 - 142 - ط. ابن الجوزي): "وفي الجملة: أنه يُكرهُ صومُه على أحد ثلاثة أوجه: أحدها: أنه إذا خصَّه المسلمون بالصوم في كل عام؛ حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة -مع ظهور صيامه- أنه فرض كرمضان. أو: أنه سنة ثابتة خصَّهُ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالصوم كالسنن الراتبة. أو: أن الصومَ فيه مخصوصٌ بفضل ثواب على سائر الشهور، جارٍ مجرى صوم عاشوراء، وفضل آخر الليل على أوله في الصلاة، فيكون من باب الفضائل لا من باب السُّنَنِ والفرائض، ولو كان من باب الفضائل

لسَنَّةُ - عليه السلام - أو فعله ولو مرَّة في العمر؛ كما فعل في صوم عاشوراء، وفي الثُّلث الغابر من الليل، ولمَّا لم يفعله؛ بَطُلَ كونه مخصوصًا بالفضيلة، ولا هو فرض ولا سُنَّةٌ باتفاق، فلم يبقَ لتخصيصه بالصيام وَجْهٌ؛ فَكُرِهَ صيامُه والدوام عليه؛ حذرًا من أن يُلْحَقَ بالفرائض والسُّنَن الراتبة عند العوام. فإن أحبَّ امرؤٌ أن يصومَهُ على وَجْهِ تُؤْمَنُ فيه الذريعةُ وانتشارُ الأمر حتى لا يُعَدَّ فرضًا أو سنة؛ فلا بأس بذلك" اهـ. * * * 153 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كانت أمي تُعَالِجُنِي للسُّمُنَةِ، نريدُ أن تدخلَني على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فما استقامَ لها ذلك حتى أكلتُ القِثَّاء بالرُّطَبِ، فسَمِنْتُ كأَحسن سمنة". أخرجه أبو داود (3903) والنسائي في "الكبرى" (4/ 167/ 6725) وابن ماجه (3324) وأبو نعيم في "الطب" (ق 140/ 1) - كما في "الصحيحة" (1/ 123 - المعارف). من طريق: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به. وصحح إسناده الألباني في "الصحيحة" (1/ 123). والقثاء: نوع من أنواع اللقطين، يشبه البطيخ. ومما يدلُّ عليه الأثر أن أكل القثَّاء بالرطب يسمن البدن، وقد فضل ابن القيم في فوائد القثَّاء والرطب في الطب النبوي من "زاد المعاد" فليراجع. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يأكل الرطب بالقثاء. أخرجاه في الصحيحين. * * * 154 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قرأ على المنبر: {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31)} [عبس: 31] فقال: "هذه الفاكهة قد عَرَفْنَاها؛ فما الأبّ"؟ ثم رجع إلى نفسه، فقال: "لعمركَ؟ إن هذا لهو التكَلُّف يا عمر". صحيح، أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (1/ 181/ رقم: 43 - ط.

الصميعي) وابن أبي شيبة في "المصنف" (10/ 512 - 513/ 15154 - الهندية) أو (6/ 136/ 30096 - العلمية) وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 375 - أبن كثير) والحاكم (2/ 514) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 229 - 230/ 2084). من طريق: يزيد بن هارون، ثنا حميد الطويل، عن أنس به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا. وأخرجه الحاكم (2/ 290) من طريق: عبد الله بن المبارك، عن حميد به. وأخرجه الهروي في "ذم الكلام وأهله" (3/ 35/ 530 - الغرباء) من طريق: حماد، عن ثابت وحميد، عن أنس به. (ووقع في المطبوعة: "ثنا حماد بن ثابت، وحميد .. "! وهذا تصحيف؛ فليصحَّح). وأخرجه البخاري (7293) من طريق: حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس به مختصرًا. وانظر "الفتح" (13/ 271). وأخرجه الهروي (3/ 34 - 35/ 528) من طريق: حماد، عن يونس بن عبيد، عن ثابت به. وأخرجه الحاكم (2/ 514) والبيهقي في "الشعب" (5/ 230) والطبري (30/ 60) والهروي في "ذم الكلام" (3/ 35/ 529) من طرق؛ عن الزهري، عن أنس به. * * * 155 - عن محمد بن سيرين، قال: سألتُ عَبيدَة السَّلماني عن آية من كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ-، فقال: "عليكَ بتقوى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، والسَّدَادِ، فقد ذهب الذين كانوا يعلمون فيمَ أنزل القرآن". أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (1/ 185/ 44 - الصميعي) وابن أبي شيبة

خبر ابن عمر مع مولاه لما مرا براع ينفخ بزمارة

في "المصنف" (10/ 511/ 10148 - الهندية) أو (6/ 136/ 30090 - العلمية) والطبري في "تفسيره" (1/ 86/ 97) وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 377 - ابن كثير) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 230/ 2085) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 9 - ط. الحميدان). من طرق؛ عن ابن عون، عن محمد بن سيرين به. وإسناده صحيح. * * * 156 - عن نافع مولى ابن عمر، أن ابن عمر سمع صوت زمارة راعٍ، فوضع أُصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: "يا نافع؛ أتسمع"؟ فأقول: نعم. فيمضي، حتى قلتُ: لا. فوضع يديه، وأعاد راحلته إلى الطريق، وقال: "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وسمع زمّارة راعٍ - فصنع مثلَ هذا". صحيح. أخرجَهُ أحمد (2/ 8، 38) أو رقم (4535، 4965 - شاكر) وأبو داود (4924) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 222) وابن حبان في "صحيحه" (2/ 468/ 693 - الإحسان) أو (2013 - موارد الظمآن) وأبو بكر الآجري في "تحريم النرد والشطرنج" (رقم: 64) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 129) وأبو بكر الخلال في "كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص 89 - 90) وابن أبي الدنيا في "كتاب الورع" (رقم: 79/ ص 68) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 232). من طرق؛ عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن نافع به. قال أبو علي اللؤلؤي -كما في "السنن" لأبي داود- (5/ 141): "سمعتُ أبا داود يقول: هذا حديث منكر". قال شرف الحق محمد أشرف العظيم آبادي صاحب "عون المعبود في شرح سنن أبي داود" (13/ 286): "هكذا قال أبو داود! ولا يُعْلَمُ وَجْهُ النكارة، فإن هذا الحديث رواته كلهم ثقات، وليس بمخالف لرواية أوثق منه. وقد قال السيوطي: قال الحافظ شمس الدين ابن عبد الهادي: هذا حديث ضعّفه

محمد بن طاهر، وتعلّق على سليمان بن موسى، وقال: تفرَّد به؛ وليس كما قال، فسليمان حَسَنُ الحديثِ، وثَّقَهُ غير واحد من الأئمة، وتابعه ميمون بن مهران عن نافع، وروايته في "مسند أبى يعلى"، ومطعم بن المقدام الصنعاني عن نافع؛ وروايته عند الطبراني، فهذان متابعان لسليمان بن موسى" اهـ. قلت: رواية ميمون بن مهران أخرجها أبو داود (4926) والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 222) وفي "شعب الإيمان" (4/ 283/ 5120). من طريق: أبي المليح الحسن بن عمر الرَّقي، عن ميمون بن مهران، عن نافع به. قال أبو داود: "وهذا أنكرها"! فتعقبه شرف الحق العظيم آبادي: "ولا يعلم وجه النكارة، بل إسناده قوي، وليس بمخالف لرواية الثقات". أما رواية مطعم بن المقدام الصنعاني؛ فأخرجها: أبو داود (4925) والبيهقي (10/ 222) والآجري "تحريم النرد" (رقم: 65) والطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 13) أو رقم (11 - بتحقيقي- يسّر الله إتمامه). من طريق: محمود بن خالد، عن أبيه، عن مطعم بن المقدام، عن نافع به. وهذا إسناد حسن في الشواهد. والأثر صحّحه الشيخ أحمد شاكر، والعلامة الألباني في "تحريم آلات الطرب" (ص 116). وله طريق أخرى عن محمد بن يوسف الفريابي، قال: حدثني ثعلبة بن أبي مالك التميمي، عن ليث بن أبي سُليم، عن مجاهد، عن ابن عمر نحوه. أخرجه ابن ماجه (1894) وابن أبي الدنيا في "الورع" (رقم: 83). وإسناده ضعيف لأجل ليث بن أبي سُليم. وقال البوصيري في "الزوائد على السنن": "كذا وقع عند ابن ماجه: ثعلبة بن أبي مالك؛ وهو وهم من الفريابي، والصواب ثعلبة بن سهيل أبو مالك، كما ذكره المزي في التهذيب والأطراف" اهـ.

فقه الأثر: هذا الأثر يدلُّ على حرص الصحابة على عدم استماع المعازف المحرّمة، وعلى الحمل بما أمرهم به رسولهم صلوات الله وسلامه عليه، على عكس ما نراه اليوم في زماننا من شباب ونساء المسلمين؟؛ يترنّمون بغناء ومعازف أهل الكفر والفسوق والعصيان، وكيف يحفظون الأغاني الماجنة كما يحفظون أسماءهم! وهم بالتالي لا يحفظون من كتاب الله إلا الفاتحة وسورة الناس! هذا إن كانوا من المصلّين!! وفيه بُعد من يفتي في زماننا بجواز استماع بعض أنواع الغناء والمعازف بزعم أنها روحية أو وطنية! أو بزعم أنها لا تثير الحماسة العاطفية! ولا تهيّج المشاعر!! كذا يقول الأفّاكون. وقد استدلّ بعضهم -كابن حزم وغيره- بهذا الأثر على جواز سماع المعازف! فقالوا: لو كان حرامًا ما أباح رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لابن عمر أن يسمع، ولا أباح ابن عمر لنافع أن يسمع .. !! قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ- ردًا على هذه الشبهة كما في "مجموع الفتاوى" (30/ 212): "وهذا الحديث -إن كان ثابتًا- فلا حجة لهم فيه على إباحة الشبابة، بل هو على النهي عنها أولى؛ من وجوه: أحدها: أن المحرّم الإستماع لا السماع، فالرجلُ لو سَمِعَ الكفرَ والكذبَ والغيبةَ والغِنَاءَ والشبابةَ من غير قصد منه -كأن يكون مجتازًا بطريق؛ فسمع ذلك- لم يأثم ذلك باتفاق المسلمين. ولو كان الرجلُ مارًا فسمع القرآن من غير أن يستمع إليه؛ فلم يؤجر على ذلك، وإنما يؤجَرُ على الإستماع الذي يقصد. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - مع ابن عمر مارًا مُختَارًا، لم يكن مستمعًا، وكذلك ابن عمر مع نافع. الثاني: إنه إنما سدَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أذنيه؛ مبالغة في التحفُّظ، حتى لا يسمع أصلًا. فتبيَّن بذلك: أن الإمتناع من أن يسمعَ ذلك خير من السماع، وإن لم يكن في السماع إثم، ولو كان الصوتُ مباحًا لما كان يسدُّ أذنيه عن سماع المباح، بل

سدَّ أذنيه لئلا يسمعه، وإن لم يكن السماع محرّمًا: دلّ على أن الإمتناع من الإستماع أولى، فيكون على المنع من الإستماع أَدَلّ منه على الإذن فيه. الثالث: أنه لو قدّر أن الإستماع لا يجوز؛ فلا سدَّ هو ورفيقه آذانهما لم يعرفا متى ينقطع الصوتُ، فيترك المتبوع سدّ أذنيه. الرابع: أنه لم يعلم أن الرفيق كان بالغًا، أو صغيرًا دون البلوغ، والصبيان يُرَخَّصُ لهم في اللعب ما لا يرخّص فيه للبالغ" ... قلت: رحم الله شيخ الإسلام ما أوسع علمه، وأقوى حجته، وأحسن دلالته. وانظر لمزيد من الفائدة حول الموضوع كتاب العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- "تحريم آلات الطرب" فإنه نفيس جداً، والله الهادي إلى سواء السبيل. * * * 157 - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، أنه قال: "لقد عِشْنَا بُرْهَةً من دَهْرِنَا وإن أحدَنَا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد - صلى الله عليه وسلم - فنتعلمُ حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقفَ عنده منها، كما تتعلّمون أنتم القرآن. ثم قال: لقد رأيتُ رجالًا يؤتى أحدَهم القرآن؛ فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقفَ عنده منه، ينثرُهُ نَثرَ الدَّقل". أخرجه الحاكم (1/ 35) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 120) وابن منده في "الإيمان" (2/ 369 - 370/ 207) والهروي في "ذم الكلام" (5/ 143/ 1458 - الغرباء). من طريق: عبيد الله بن عمرو الزقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن القاسم بن عوف الشيباني، قال: سمعتُ ابن عمر يقول: .. فذكره. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولا أعرف له علّة"، ووافقه الذهبي. وفال ابن منده: "هذا إسناد صحيح على رسم مسلم والجماعة؛ إلا البخاري".

وأخرج نحوه الهروي في "ذم الكلام" (5/ 144/ 1459) من طريق أخرى عن ابن عمر. وأخرج ابن ماجه (61) وابن منده (2/ 370/ 208) والبيهقي (3/ 120) من طريق: وكيع، عن حماد بن نجيح، عن أبي عمران الجوني، عن جندب بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: "كنا غلمانًا حزاورة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيعلّمنا الإيمان قبل القرآن، ثم يعلّمنا القرآن، فازددنا به إيمانًا، وإنكم اليوم تعلّمون القرآن قبل الإيمان! ". قال البوصيري في الزوائد: "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات". وصححه الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (رقم: 52 - المكتب الإسلامي). قوله في أثر عبد الله: "ينثره نثر الدقل"؟ قال ابن الأثير في النهاية (2/ 119 - مادة دقل): "هو رديء التمر ويابسه، وما ليس له اسم خاص، فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثورًا". * * * 158 - عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "لمَّا قدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة وُعِكَ أبو بكر وبلال، فكان أبو بكر إذا أخذته الحمَّى قال: كل امرئ مصبَّح في أهله ... والموتُ أدنى من شِرَاكِ نعلِهِ وكان بلال إذا أقلع عنه تغنَّى، فقال: ألا ليت شعري هل أبيتَن ليلة ... بوادِ وحولي إذخر وجليل وهل أَرِدَنْ يومًا مياه مَجَنَّةٍ ... وهل يَبدُوَن لي شامة وطفيل اللهم اخْزِ عتبة بن ربيعة، وأمية بن خلف، كما أخرجونا من مكة". أخرجه أحمد (6/ 82 - 83) من حديث أم المؤمنين - رضي الله عنها -. وأصله في البخاري ومسلم، وهو مخرج في "الصحيحة" (رقم: 2584) فانظرها.

159 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أنه دخل على أخيه البراء وهو مُسْتَلْقٍ؛ واضعًا إحدى رجليه على الأخرى يتغنَّى، فنهاه. فقال: "أترهبُ أن أموتَ على فراشي وقد تفرَّدتُ بقتل مائة من الكفّار، سوى من شَرَكني فيه الناس". صحيح. أخرجه عبد الرزاق فى "مصنفه" (233/ 5/ 9469) ومعمر في جامعه - المطبوع في آخر "المصنف" (11/ 6/ 19742) والطبراني في "الكبير" (2/ رقم: 1178، 1179) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (3/ 64/ 1125، 1126) وفي "حلية الأولياء" (1/ 350) وأحمد بن منيع كما في "المطالب العالية" (رقم: 4086 - العاصمة) وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/ 817/ 179 - الباز). من طريق: محمد بن سيرين، عن أنس به - بعضهم مختصرًا، وبعضهم مطولًا. وأخرجه الحاكم (3/ 291) من طريق: ثمامة بن أنس، عن أنس به. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "تحريم آلات الطرب" (ص 128). وصحّح إسناده الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (1/ 147). وانظر لفقه الأثر وتوجيهه "تحريم آلات الطرب" (ص 129 - وما بعدها). * * * 160 - قال ابن وهب: أخبرني هشام بن سعد، من زيد بن أسلم، عن أبيه؛ أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ركب برذَوْنًا، فجعل يتَبَخْتَرُ به، فجعل يضربه؛ فلا يزدادُ إلا تبخترًا، فنزل عنه، وقال: "ما حملتموني إلا على شيطان، ما نزلتُ عنه حتى أنكرتُ نفسي". أخرجه ابن وهب كما في "تفسير القرآن العظيم" للحافظ ابن كثير (1/ 415 - ط. ابن الجوزي) ومن طريقه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (1/ رقم: 136 - شاكر).

صيام يوم عاشوراء

وقال الحافظ ابن كثير: "إسناده صحيح". وقال الشيخ أبو إسحاق الحويني وفقه الله: "وسنده جيد، وهشام بن سعد فيه مقال؛ لكنه أثبت الناس في زيد بن أسلم، كما قال أبو داود، وروايته هنا عنه، والله أعلم" اهـ. * * * 161 - عن الحكم بن الأعرج، قال: "انتهيتُ إلى ابن عباس - رضي الله عنه - وهو متوسِّدٌ رِدَاءَهُ عند زمزم، فقلتُ له: أخبرني عن صوم يوم عاشوراء. فقال: "إذا رأيتَ هلال المحرّم فاعدد، وأصْبحْ يومَ التاسع صائمًا". قلتُ. هكدا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه؟ قال: "نعم". أخرجه مسلم (1133) وأحمد (1/ 239) أو رقم (2135 - شاكر) وأبو داود (2446) والنسائي في "الكبرى" (2/ 162/ 2859) والترمذي (754) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 313 - 314/ 9380 - العلمية) وابن خزيمة في "صحيحه" (3/ 291/ 2096 - 2098). من طرق؛ عن الحكم بن الأعرج به. فقه الأثر: قال ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- في "زاد المعاد" (2/ 75 - 76): "فمن تأمل مجموع روايات ابن عباس تبيَّن له زوال الإشكال، وسعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو يوم التاسع؛ بل قال للسائل: "صم يوم التاسع"، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعدّه الناسُ كلهم يومَ عاشوراء، فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه، وأخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصومه كذلك. فإما أن يكون فعل ذلك هو الأولى، وإما يكون حمل فعله على الأمر به وعزمه عليه في المستقبل ... " اهـ.

الصلاة فيما بين المغرب والعشاء

قلت: وقوله: "هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصومه"؟ وإجابة عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - بـ"نعم"؛ إنما يدل على أمره به وعزمه عليه لا على فعله، فإن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يَصُمْ يوم التاسع، بل قال: "لئن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع"، وفي رواية: "فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع"، قال عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: "فلم يأتِ العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه مسلم (1134) وغيره، والله تعالى أعلم. * * * 162 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17)} [الذاريات: 17]. قال: "كانوا يُصَلُّون فيما بين المغرب والعشاء". وفي رواية: في قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16]. قال: "كانوا يتيقَّظون ما بين المغرب والعشاء". صحيح. أخرجه أبو داود (1321، 1322) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 15/ 5929 - العلمية) والحاكم (2/ 467) والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 19). من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس به. قال العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "إرواء الغليل" (2/ 222/ 469): "إسناده صحيح على شرط الشيخين، كما قال الحاكم، ووافقه الذهبي. وقد تابعه يحيى بن سعيد -وهو الأنصاري القاضي- عن أنس، بلفظ: "إن هذه الآية {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} نزلت في انتظار هذه الصلاة التي تدعى العتمة". أخرجه الترمذي (2/ 207) وقال: "حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". قلت - (الألباني) -: وإسناده صحيح، ورجاله رجال البخاري؛ غير شيخ الترمذي عبد الله بن أبي زياد، وهو ثقة.

كراهة رفع الصوت عند الجنازة والقتال

وأما قوله: "لا نعرفه إلا من هذا الوجه"؛ فقد عرفه أبو داود ومن ذكرناه من الوجه الأول" اهـ. * * * كراهة رفع الصوت عند الجنائز والقتال، والذِّكْرِ: 163 - عن قيس بن عباد، قال: "كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رَفْعَ الصوتِ عند الجنائز، وعند القتال، وعند الذكر". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 99) أو (2/ 143، 517/ 30165، 33409 - العلمية) ووكيع في "الزهد" (2/ 462/ 211) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 247) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 74) والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (8/ 91) وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 58) وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 389/ 3056). وأخرجه أبو داود (2656) والحاكم (2/ 116) -وليس فيه إلا ذكر القتال-. كلهم من طريق: هشام -وتحرفت في مطبوعة "الزهد" لابن المبارك إلى همام! - صاحب الدستوائي، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس به. وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2/ 505/ 2314 - المكتب الإسلامي". * * * 164 - وعن سعيد بن جبير -رَحِمَهُ اللهُ-؛ "أنه كَرِهَ رفع الصوت عند الجنازة، وعند قراءة القرآن، وعند القتال". أخرجه ابن أبي شيبة (6/ 517/ 33410 - العلمية) ووكيع في "الزهد" (2/ 463/ 212) وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 439 - 440/ 6243). من طريق: شعبة، عن أبي العلاء، عن سعيد به. وهذا إسناد صحيح.

165 - عن ابراهيم النخعي -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "كانوا إذا شهدوا جنازة؛ فيظلُّون الأيام محزونين، يُعْرَفُ ذلك فيهم". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 211/ 35378 - العلمية) وأحمد في "الزهد" (ص 365 - العلمية) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 246) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (4/ 228). من طريق: حسين بن علي، عن محمد بن سوقة، قال: زعموا أن إبراهيم كان يقول: "كنا إذا حضرنا جنازة، أو سمعنا بميت يُعْرَفُ ذلك فينا أيامًا؛ لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمر صَيَّرَهُ إلى الجنة أو النار، وأنكم تتحدثون في جنائزكم بحديث دنياكم". وأخرجه أحمد في "الزهد" (ص 265) ووكيع في "الزهد" (2/ 460/ 257) وابن أبي الدنيا في "القبور" (رقم: 31 - الغرباء) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 227 - 228). من طريق: سفيان الثوري، عن محمد بن سوقة به. وهو صحيح. وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 210/ 35358 - العلمية) عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن يحيى بن وثاب، قال: "كانوا إذا كانت فيهم جنازة عُرِفَ ذلك في وجوههم أيامًا". وإسناده صحيح. ولا حول ولا قوة إلا بالله. * * * 166 - عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -؛ أنها قالت للسائب: "ثلاثُ خِصَالِ لتَدَعْهُنَّ أو لأناجِزَنَّكَ". قال: وما هي؟ قالت: "إيَّاك والسَّجَع؛ لا تسجع؛ فإن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه لا يسجعونَ،

واذا أنيتَ قومًا يتحدَّثون فلا تَقْطَعَنَّ حديثَهم، ولا تُمِلَّ الناسَ من كتاب الله، ولا تُحدِّثْ في الجمعة الا مرَّة، فإن أبيتَ فمرَّتين". أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (7/ 448 - 449/ 4475) قال: حدثنا إبراهيم، حدثنا حماد، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق؛ أن عائشة قالت للسائب: .. فذكره. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه أحمد في "المسند" (6/ 217) أو رقم (25929 - قرطبة) من طريق: إسماعيل، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: قالت عائشة لابن أبي السائب -قاصّ أهل المدينة- ... فذكره. وهذا إسناد منقطع؛ الشعبي لم يدرك عائشة - رضي الله عنها -. لكن الأثر صحيح بما قبله، وانظر "مجمع الزوائد" (1/ 191). وقولها: "لأناجزنك" أي: لأخاصمنك. * * * 167 - عن مجاهد قال: "دخلتُ أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - جالسٌ إلى حجرة عائشة، وإذا ناسٌ يُصَلُّونَ في المسجد صلاة الضحى. قال: فسألناه عن صلاتهم. فقال: "بدعة". ثم قال له: كم اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "أربعًا، إحداهُن في رجب". فكرهنا أن نَرُدَّ عليه. قال: وسمعنا اسْشتِنَانَ عائشة أم المؤمنين في الحجرة، فقال عروة: يا أمَّاه، يا أمَّ المؤمنين؛ ألا تسمعبن ما يقول أبو عبد الرحمن؟! قالت: "وما يقول"؟ قال: يقول: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتمر أربع مرَّات؛ إحداهنَّ في رجب".

قول ابن عمر في صلاة الضحى

قالت: "يرحمُ الله أبا عبد الرحمن، ما اعتمر عمرة الا وهو شاهده، وما اعتمر في رجب قط". أخرجه البخاري (1775، 1776، 4253، 4254) ومسلم (1255) وأحمد (2/ 72، 55، 157) والنسائي في "الكبرى" (471/ 4222) والترمذي (936) وابن ماجه (2998) وغيرهم. فقه الأثر: قول ابن عمر - رضي الله عنهما - عن صلاة الضحى إنها بدعة؛ هذا هو المشهور عنه، فإنه - رضي الله عنه - كان لا يراها من الصلاة التي ثبت عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه صلّاها، فقد روى البخاري (برقم: 1175) عن مورّق قال: "قلت لابن عمر - رضي الله عنهما -: أتصلّي الضحى؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلتُ: فالنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا إخاله". وروى سعيد بن منصور بإسناد صحيح -كما في "الفتح " (3/ 63/ تحت الحديث: 1175) - عن مجاهد عن ابن عمر أنه قال: "إنها محدثة، وإنها لمن أحسن ما أحدثوا". وأخرج ابن أبي شيبة بإسناد صحيح -كما في "الفتح" أيضًا- عن الحكم بن الأعرج، عن الأعرج، قال: سألتُ ابن عمر عن صلاة الضحى. فقال: "بدعة ونعمت البدعة". قال الحافظ في "الفتح" (3/ 64): "وفي الجملة؛؟ ليس في أحاديث ابن عمر هذه ما يدفع مشروعية صلاة الضحى، لأن نفيه محمول على عدم رؤيته، لا على عدم الوقوع فى نفس الأمر، أو الذي نَفَاهُ صفة مخصوصة .. قال عياض وغيره: إنما أنكر ابن عمر ملازمتها وإظهارها في المساجد وصلاتها جماعة، لا أنها مخالفة للسنة. ويؤيده ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود أنه رأى قومًا يصلُّونها فأنكر عليهم، وقال: إن كان ولا بدّ ففي بيوتكم" اهـ. قلت: وصلاة الضحى ثابتة في أحاديث كثيرة، لكن لعل الأمر -كما ذكر غير واحد من أهل العلم- خفي على عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.

مناقشة بين أسماء بنت أبي بكر وعبد الله بن عمر في مسائل ثلاث: العلم في الثوب، والأرجوان، وصوم رجب كله

وقد توسع العلامة علي بن خلف ابن بطال في الكلام على هذه المسألة في "شرحه على صحيح البخاري" فانظره (3/ 165 - وما بعدها. ط مكتبة الرشد). قوله: "فكرهنا أن نردَّ عليه"؛ فيه أدب من آداب العلم، وأن العالم إذا أخطأ أو نسي لا يُباشر المتعلّم أو السائل إلى ردّه، بل يسأل من هو أعلم منه؛ كما فعل مجاهد وعروة -رَحِمَهُمَا اللهُ-، فوكلا الأمر إلى أم المؤمنين - رضي الله عنها، ثم هي ردّت وَهْمَ عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - بأدب جمّ. قال الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في "الفتح" (3/ 793): "ذكرته بكنيته تعظيمًا له، ودعت له إشارة إلى أنه نسي". ثم قال: "ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا قوله: إحداهن في رجب". قال النووي -رَحِمَهُ اللهُ- في شرحه على "صحيح مسلم" (4/ 496): "هذا يدل على أنه اشبه عليه، أو نسي، أو شكَّ؛ ولهذا سكت على الإنكار على عائشة ومراجعتها بالكلام .. " قلت: سكوته - رضي الله عنه - ورد بزيادة عند مسلم وغيره: "وابن عمر يسمع، فما قال لا ولا نعم، سكت". والله تعالى أعلم. * * * 168 - قال الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا خالد بن عبد الله، عن عبد الملك، عن عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر -وكان خال ولد عطاء- قال: أرسلتني أسماءُ إلى عبد الله بن عمر، فقالت: "بلغني أنكَ تحرِّمُ أشياءَ ثلاثة: العَلَمُ في الثوب، ومِيثَرَةُ الأَرجوان، وصوم رجبَ كلَّه". فقال لي عبد الله: "أمَّا ما ذَكَرَتَ من رجب، فكيف بمن يصوم الأبد؟! وأما ما ذكرت من العَلَمِ في الثوب؛ فإني سمعتُ عمر بن الخطاب يقول: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما يلبسُ الحريرَ من لا خَلاَقَ له"، فخِفْتُ أن يكون العَلَمُ منه. وأما ميثرة الأَرجوان؛ فهذه منيرة عبد الله" -فإذا هي أرجوان-.

فرجعتُ إلى أسماء، فخيَّرتُها، فقالت: "هذه جُبَّةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"، فأخرجت جبة طَيَالسيةِ كِسْرَوَانية، لها لِبنَةُ ديباج، وفَرْجَيْها مكفوفين بالديباج، فقالت: "هذه كانت عند عائشة حتى قُبِضَتْ، فلما قُبِضَتْ قبضتُها، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُسْتَشْفَى بها". أخرجه مسلم (2069) وأحمد (1/ 26) أو رقم (181 - شاكر) -مختصرًا- من طريق يحيى به. وأخرجه أبو داود (4054) وابن ماجه (3594) من طريق المغيرة بن زياد، عن عبد الله أبو عمر مولى أسماء بنت أبي بكر، قال: "رأيتُ ابن عمر في السوق اشترى ثوبًا شاميًا، فرأى فيه خيطًا أحمر؛ فردّه، فأتيتُ أسماء فذكرتُ ذلك لها، فقالت: يا جارية؛ ناوليني جبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخرجت جبة طيالسية مكفوفة الجيب والكمين والفرجين بالديباج". فقه الأثر: فيه المنع من لبس الحرير، ومذهب عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - فيه المنع العام، سواء كان خالصًا، أو عَلَمًا، وذلك تمسُّكًا منه - رضي الله عنه - بعموم النهي عن لبس الحرير. والرخصة في لبس الثوب الذي فيه العَلَم من الحرير؛ ثابتة عن كثير من فقهاء الصحابة؛ بل قد روى مسلم (2067) عن سويد بن عفلة، أن عمر بن الخطاب خطب بالجابية، فقال: "نهى نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم - عن لُبسِ الحرير إلا موضع أصبعين، أو ثلاث، أو أربع". وقوله في رجب: "فكيف بمن يصوم الأبد"؛ قال أبو العباس القرطبي في "المفهم" (5/ 392): "معناه: إذا كان صوم الأبد جائزًا؛ فكيف لا يكون صوم رجب كله جائزًا؛ وهذا تكذيب لمن نقل عنه، وإبطال لقول من يقول بذلك. وقد تقدم في كتاب الصوم الإختلاف في صوم الأبد" اهـ. وفيه: جواز التبرك والإستشفاء بآثار النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهذا ثابت في السُّنَّة الصحيحة، وانظر كتاب "التبرك أنواعه وأحكامه" للدكتور ناصر بن

عبد الرحمن الجديع (ص 252 - وما بعدها. ط. مكتبة الرشد بالرياض). قو له: طيالسية: أي: غليظة. كسروانية: أي: منسوبة إلى كسرى، على قول. والأَرجوان -بفتح الهمزة-: الأحمر. والميثرة: وِطَاءٌ محشو يُترك على رحل البعير تحت الراكب، قاله ابن الأثير في "النهاية" (1/ 322 - مادة: ميثر/ باب: الميم مع الياء). * * * 169 - عن أم المؤمنين عائشة بنت الصدّيق - رضي الله عنها - وعن أبيها، قالت: "تزوَّجَني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في شَوَّال، وأُدْخِلْتُ عليه في شوَّال؛ فأيَّ نسائه كانت أَحْظَى عنده منّي؟ ". فكانت عائشة - رضي الله عنها - تستحبُّ أن تُدْخِلَ نساءَها في شوال. أخرجه مسلم (1423) وأحمد (6/ 54، 206) أو (رقم: 24383، 25825 - قرطبة) والنسائي في "المجتبى" (6/ 70، 133) أو رقم (3236، 3377) وفي "الكبرى" (3/ 274، 333 - 334/ 5353، 5572 - العلمية) والترمذي (1093) وابن ماجه (1990) والدارمي (رقم: 2257) وعبد الرزاق في "مصنفه" (10459) وعبد بن حميد كما في "المنتخب" (رقم: 1508) والبغوي في "شرح السنة" (2259) والبيهقي في "السنن الكبرى- أو الكبير-" (7/ 290) والطبراني في "المعجم الكبير" (23/ رقم: 68) وابن حبان في "صحيحه" (9/ 365/ 4058 - الإحسان) وغيرهم. من طرق؛ عن سفيان، عن إسماعيل بن أمية، حدثني عبد الله بن عروة، عن أبيه عروة، عن عائشة به. فقه الأثر: قال النووي -رَحِمَهُ اللهُ- (5/ 226): "فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نصّ أصحابنا على استحبابه، واستدلُّوا بهذا الحديث. وقصدت عائشة بهذا الكلام ردَّ ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيَّلُه بعضُ

العوام اليوم من كراهة التزويج والتزوّج والدخول في شوال؛ وهذا باطل لا أصل له، وهو من آثار الجاهلية؛ كانوا يتطيرون بذلك؛ لما في اسم شوال من الإشالة والرفع" اهـ. والعرب في الجاهلية كانوا يتطيرون من هذا الإسم، ويقولون: إن لبن الإبل يشول؛ أي: يولي ويدبر، وكذلك الإبل في اشتداد الحر وانقطاع الرطب، فكانوا يتطيرون من عقد النكاح والدخول في هذا الشهر، ويقولون: إن المنكوحة تمتنع من ناكحها كما تمتنع طروقة الجمل إذا لقحت وشالت بذنبها! فأبطل النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هذه الطِّيَرة والعادة الجاهلية. * * * 170 - عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، قال: "صحبتُ ابنَ عمر في طريق مكة، قال: فصلَّى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جاء رَحْلَهُ، وجلس وجلسنا معه، فحانَتْ منه التِفَاتَةٌ نحو حيث صلَّى، فرأى ناسًا قيامًا، فقال: "ما يصنعُ هؤلاء؟ ". قلت: يُسَبِّحون. قال" لو كنتُ مُسَبِّحًا لأتممتُ صلاتي، يا ابن أخي؛ إني صَحِبْتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - في السفر؛ فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصحبتُ أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبتُ عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبتُ عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. أخرجه البخاري (1101، 1102) ومسلم (689) -واللفظ له- وأبو داود (1223) والنسائي (3/ 123) وابن ماجه (1071) وغيرهم. وانظر لفقه الأثر: "الفتح" (3/ 672 - 673) و"المفهم" (2/ 330). وخلاصة كلامهما: أن التطوع جائز في السفر، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه كان يتطوع على راحلته ...

الصلاة إنما فرضت ركعتين ركعتين

171 - عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "فَرَضَ اللهُ الصَّلاةَ حين فرضَهَا ركعتين، ثم أتمَّها في الحَضَرِ، وأُقِرَّت صلاةُ السَّفَرِ على الفَرِيضَةِ الأولى". قال الزهري: فقلتُ لعروة: ما بال عائشةَ تُتِمُّ. قال: "تأوَّلت ما تأوَّلَ عثمان". أخرجه البخاري (355، 1090، 3935) ومسلم (685) وأبو داود (1198) والنسائي في "المجتبى" (1/ 225) وغيرهم. من طرق؛ عن عروة به، بألفاظ متعدّدة. فقه الأثر: الأثر في ظاهره مخالف لفعل عائشة - رضي الله عنها -، وهذا ما استغربه الزهري، فسأل عروة بن الزبير عنه، فأجاب بأن أم المؤمنين تأوّلت ما تأوّل عثمان؛ أي أن القصر رخصة لا واجب. وانظر لتفصيل الكلام حول الخلاف في أن الصلاة إنما فرضت في أول الأمر ركعتين -كما في هذا الأثر-، أو أربع -كما في أثر ابن عباس قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعًا، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة". أخرجه مسلم (687) - انظر التفصيل في "فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني (1/ 553 - 554 و 2/ 664 - 666) و"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (2/ 323 - 328). وفيهما أيضًا ذكر الخلاف في القصر هل هو عزيمة أم رخصة، لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "صدقة تصدّق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته" أخرجه مسلم (686) وغيره. وإن كان العمل على قصر الصلاة في السفر -لا الإتمام- كما قال الإمام الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ- في "جامعه" بعد الحديث رقم (544). وقد أشبع العلماء قديمًا وحديثًا في كتبهم الفقهية الكلام على هذه المسألة،

والذي رجّحه شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم والشوكاني والألباني وغيرهم أن القصر عزيمة. والمجال لا يتَّسع هنا للبسط والبحث، فاطلب ذلك من مظانّه، والله الموفق. وانظر لزامًا "السلسلة الصحيحة" للمحدث الألباني (رقم: 2814). * * * 172 - عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، قال: "هم الذين هاجروا مع محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - من مكة إلى المدينة". حسن، أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 273، 319، 324، 354) أو رقم (2463، 2928، 2989، 3321 - شاكر) والنسائي في "الكبرى" (6/ 313/ 11072 - الحلمية) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (4/ 29) أو (7/ 101/ 7606 - شاكر) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 732/ 3968) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 135/ 445) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (12/ 155 - الهندية) أو (6/ 401/ 32339 - العلمية) وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 331/ 801) والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ رقم: 12303) والحاكم في "المستدرك" (2/ 294) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 771/ 1426). كلهم من طريق: إسرائيل، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وجوَّد إسناده الحافظ في "الفتح" (8/ 73 - تحت الحديث رقم: 4557). وسماك بن حرب صدوق في روايته عن غير عكرمة، وهذا منها؛ فالإسناد حسن، والله أعلم. * * * 173 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ

لِلنَّاسِ} [آل عمران: 110]، قال: "نحنُ خير الناس للناس؛ نَجِيءُ بهم الأغلال في أعناقهم، فَنُدْخِلُهُم في الإسلام". أخرجه البخاري (4557) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (4/ 29 - 30) والنسائي في "الكبرى" (6/ 313/ 11071) وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 332/ 803) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (732/ 3971) والحاكم (4/ 84). من طرق؛ عن أبي حازم، عن أبي هريرة به. وقد وهم الحاكم في إخراجه واستدراكه، فقد أخرجه البخاري كما رأيت، والله أعلم. * * * 174 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "كانوا يَكرَهُونَ أن يَرْضَخُوا لأنسبائهم من المشركين، فنزلت هذه الآية: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272)} [البقرة: 272] ". صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 305 - 306/ 11052) والبزار (3/ 42/ 2193 - كشف الأستار) وابن جرير الطبري (3/ 63) أو (5/ 587/ 6202 - 6205 - شاكر) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 537/ 2852) والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ رقم: 12453) والحاكم (2/ 285 و 4/ 156 - 157) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 191) والفريابي في "تفسيره" كما في "العجاب" للحافظ ابن حجر (1/ 628) وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 39/ 1). كلهم من طريق: سفيان الثوري، عن الأعمش، عن جعفر بن إياس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الصحيح. وصححه الحاكم والذهبي. وصححه أيضًا المحدث العلامة مقبل بن هادي الوادعي -رَحِمَهُ اللهُ- في

سبب نزول قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله}

"الصحيح المسند في أسباب النزول" (ص 49 - 50). تنبيه: أورد الأثر الحاكم في "مستدركه" في موضعين كما تقدم، لكنه سقط عنده في الموضع الأول ذكر الأعمش في الإسناد، والله أعلم. فقه الأثر: قوله: "يرضخوا لأنسبائهم"؛ أي: يعطوا أنسباءهم، رضخ له من ماله، أي: أعطاه. وأنسبائهم: أقربائهم. قال الحافظ ابن جرير الطبري في "تفسيره": "يعني تعالى ذكره بذلك: ليس عليك يا محمد هدي المشركين إلى الإسلام، فتمنعهم صدقة التطوع، ولا تعطيهم منها؛ ليدخلوا في الإسلام، حاجة منهم إليها، ولكن الله يهدي من يشاء من خلقه إلى الاسلام فيوفقهم له، فلا تمنعهم الصدقة" اهـ. * * * 175 - عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه -، قال: "قلتُ لعائشةَ زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا يومئذٍ حديثُ السِّنّ-: أرأيتِ قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158]، فما أرى على أحدٍ شيئًا ألَّا يَطَّوَّفَ بهما. قالت عائشة: "كلا؛ لو كانت كما تقول؛ كانت لا جناح عليه ألَّا يطَّوَّفَ بهما، إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار؛ كانوا يُهِلُّون بمناة، وكانت مناةُ حَذوَ قُدَيدِ، وكانوا يتحرَّجُونَ أن يطوفوا بين الصَّفَا والمروةَ، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؛ فأنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. أخرجه البخاري (1643، 1790، 4495، 4861) ومسلم (1277) ومالك في "الموطأ" (1/ 373) - كتاب الحج، (42) باب جامع السعي. وأحمد في "المسند" (6/ 144، 162، 227) أو رقم (25223، 25404، 26015 - قرطبة) وأبو داود (1901) والنسائي في "المجتبى" (5/ 237 - 239) أو رقم (2967، 2968) وفي "الكبرى" (2/ 415، 411/ 3960، 3961) و (6/ 293/ 11009) والترمذي (2965) وابن ماجه (2986) وابن جرير الطبري في "تفسيره"

(2/ 29، 31) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 46) وابن أبي حاتم فى "تفسيره" (1/ 266/ 1430، 1431) والبغوي في "شرح السنة" (رقم: 1920) وفي "تفسيره" (1/ 133) والبيهقي في "السنن الكبير -أو الكبرى" (5/ 96 - 97) والحميدي في "مسنده" (1/ 107/ 219) وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم: 2766، 2768، 2769) وأبو يعلى في "مسنده" (8/ 175 - 176/ 4730) وغيرهم. من طريقين: 1 - الزهري، عن عروة به. 2 - هشام بن عروة، عن أبيه به. * * * 176 - عن عاصم الأحول، قال: "قلتُ لأنس بن مالك - رضي الله عنه -: كتم تكرهون السَّعْيَ بين الصفا والمروة؟ قال: "نعم؛ لأنها كانت من شعائر الجاهلية، حتى أنزل الله: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. أخرجه البخاري (1648، 4496) ومسلم (1278) والنسائي في "الكبرى" (2/ 410/ 3959) والترمذي (2966) وابن خزيمة (4/ 235/ 2768) وعبد بن حميد في "المنتخب" (2/ 246/ 1224 - العدوي) والبيهقي (5/ 97) والحاكم (2/ 270) والطبري (2/ 28 - 29) وابن أبي حاتم (1/ 267/ 1432) وغيرهم. * * * 177 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: "كان القِصاصُ في بني اسرائيل، ولم يكن فيهم الدِّيَة، فقال الله تبارك وتعالى لهذه الأمة: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ} إلى قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178]، فالعفو أن تُقْبَلَ الدِّيةُ في العَمْدِ، واتباعٌ بالمعروف: أن تتبع هذا بمعروف، وتؤدّى هذا بإحسان؛ فخُفِّفَ عن هذه الأمة". أخرجه البخاري (4498، 6881) والنسائي في "المجتبى" (8/ 36) أو رقم

(4781) وفي "الكبرى" (6/ 295/ 11014) والطبري في "تفسيره" (2/ 65) أو رقم (2594 - 2596) والشافعي في "مسنده" (2/ 99) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 175/ 4995) وابن حبان في "صحيحه" (13/ 362 - 363/ 6010) وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 775) والدارقطني (3/ 86) والبيهقي (8/ 51، 52) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 67) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 458/ 27962 - العلمية) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 293/ 1573) وسعيد بن منصور في "سننه" -التفسير- (2/ 652/ 246 - آل حميد) والنحاس في "ناسخه" (ص 21) والحاكم (2/ 273). من طريق: عمرو بن دينار، قال "سمعتُ مجاهدًا، عن ابن عباس به. ورواه عن عمرو بن دينار جماعة؛ منهم: سفيان بن عيينة، ومعمر بن راشد، ومحمد بن مسلم. وخالفهم ورقاء بن عمرو؛ فرواه عن مجاهد، دون ذكر ابن عباس. أخرجه النسائي في "المجتبى" (8/ 37) أو رقم (4782)، وهي رواية شاذة. وخالفهم أيضًا حماد بن سلمة، فرواه عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس. أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/ 367/ 2574 - شاكر) والحاكم (2/ 273). وهي رواية شاذة أيضًا. قال الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" (5/ 223): "قلت: وافق ابن عيينة محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، أخرجه الطبري. وكذا رواه ابن أبي نجيح، عن مجاهد. وخالف، الجميع حماد بن سلمة؛ فقال: عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس. أخرجه الطبري، والأول هو المحفوظ" اهـ. ورواية ابن أبي نجيح أخرجها عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 67) وابن النحاس في "ناسخه" (ص 21) وابن جرير الطبرى (3/ 367 - 368/ 2577) والطبراني في "الكبير" (11/ رقم: 11155).

بكاء فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لموت أبيها

178 - عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - قال: "نزلت هذه الآية: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ}، فكان رجالٌ إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رِجْلِهِ الخيطَ الأبيض، والخيط الأسود، ولا يزال يأكل ويشربُ حتى يتبيَّن له رؤيتهما، فأنزل الله تبارك وتعالى بعد ذلك: {مِنَ الْفَجْرِ} فعَلِمُوا أنما يعني بذلكَ الليلَ والنهارَ". أخرجه البخاري (1917، 4511) ومسلم (1091) وابن جرير الطبري (2/ 100) والنسائي في "الكبرى" (6/ 297/ 11022) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 46 - 47) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 318/ 1687) والطبراني في "الكبير" (6/ رقم: 5791) والبيهقي (4/ 215) والبغوي في "تفسيره" (1/ 158). من طريق: أبي غسان، حدثني أبو حازم، عن سهل به. * * * 179 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أن فاطمة - رضي الله عنها - قالت: "يا أنس؛ كيف طابت أنفسكم أن تَحْثُوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التراب! وقالت: يا أبتاهُ! مِنْ رَبِّهِ ما أَدْنَاهُ. وا أَبتَاهُ! جنةُ الفردوسِ مأواهُ. وا أبتاهُ! إلى جبربلَ ننعاهُ. وا أبتاهُ! أجابَ رَبًّا دَعَاهُ". قال حماد بن زيد: "حين حدَّثَ ثابتٌ بكى، وقال ثابت: حين حدَّث به أنس بكى". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 88/223 - حسين سليم أسد) وابن حبان (14/ 592/ 6622) من طريق حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس به. وانظر: "صحيح البخاري" (4462) و"مسند أحمد" (3/ 197) و"سنن النسائي الكبرى" (1/ 606/ 1971) و"صحيح ابن حبان" (14/ 591/ 6621) و"مصنف عبد الرزاق" (6673) و"دلائل النبوة" للبيهقي (7/ 212 - 213).

الكلام على جعفر بن سليمان الضبعي، وأن روايته حسنة -إن لم تكن صحيحه

180 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "لما كان اليوم الذي دخَلَ فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينةَ؛ أضاء منها كل شيء، فلما كان اليوم الذي مات فيه؛ أظلمَ منها كل شيء. وما نفضنا عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الأيدي -وإنا لفي دفنه- حتى أَنْكَرْنَا قلوبَنَا". صحيح. أخرجه أحمد (3/ 221، 268) أو رقم (13336، 13858 - قرطبة) والترمذي في "جامعه" (3622) وفي "الشمائل المحمدية" (رقم: 395) وابن ماجه (1631) والبغوي في "شرح السنة" (14/ 49 - 50/ 3834) وفي "الأنوار في شمائل النبي المختار" (2/ 756 - 757/ 1210) وابن حبان في "صحيحه" (14/ 601/ 6634) وأبو يعلى في "مسنده" (6/ 51/ 3296) والحاكم (3/ 57) وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (2/ 1287/280) وابن سعد في "الطبقات" (2/ 274). من طريق: جعفر بن سليمان الضّبَعي، عن ثابت، عن أنس به. وهذا إسناد حسن. في جعفر بن سليمان كلام، لا ينزله عن مرتبة الحسن، لذا قال الحافظ: "صدوق زاهد، لكنه يتشيع". قلت: وأحسن ما قيل فيه؛ قول ابن شاهين في "المختلف فيهم": "إنما تُكُلّمَ فيه لعلة المذهب، وما رأيتُ من طعن في حديثه إلا ابن عمار بقوله: جعفر بن سليمان ضعيف". وقال البزار: "لم نسمع أحدًا يطعن عليه في الحديث، ولا في خطأ فيه، إنما ذُكِرَت عنه شيعيته، وأما حديثه فمستقيم". انظر "تهذيب التهذيب" (1/ 308 - ط الرسالة). قلت: وقد تكلم بعضهم في روايته عن ثابت؛ ولكني لم أجد من طعن فيه بسبب هذه الرواية، وإنما تكلموا في الإكثار من روايته عن ثابت. وقد احتجّ به مسلم وغيره. فتصحيح إسناده -كما فعل محقق مسند أبي يعلى، ومحقق صحيح ابن حبان -فيه نظر يسير، والصواب -والله أعلم- أنه حسن فقط.

تعقب الشيخ مصطفى العدوي في تضعيفه لإسناد فيه جعفر بن سليمان، والصواب أنه حسن

وتضعيف إسناده - كما فعل الشيخ مصطفى العدوي في تحقيقه على "المنتخب من المسند" لعبد بن حميد - غير سديد، والله أعلم. قلت: لم ينفرد به عن ثابت، بل تابعه عليه حماد بن سلمة عن ثابت به. أخرجه أحمد (3/ 122، 240، 287) أو رقم (12255، 13547، 14101 - قرطبة) وابن أبي شيبة (11/ 516) والدارمي في "مسنده" (1/ 223/ 89 - حسين سليم أسد) والحاكم (3/ 57). فالأثر صحيح كما قال العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "مختصر الشمائل" (196/ 329) وفي "صحيح موارد الظمآن" (2/ 331 - 332/ 1812). * * * 181 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "اقرؤوا سورة البقرة في بيوتكم؛ فإن الشيطان لا يدخلُ بيتًا يُقْرَأُ فبه سورة البقرة". أخرجه النسائي في "الكبرى" -عمل اليوم والليلة- (6/ 240/ 10800) - نحوه- والدارمي في "مسنده" (4/ رقم: 3422 - حسين سليم أسد) والحاكم (1/ 561) و (2/ 259 - 265) وأبو عبيد الهروي في "فضائل القرآن" (ص 76) والفريابي في "فضائل القرآن" (رقم: 39، 40). من طريق: شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الأحوص، عن عبد الله به. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". وقال في الموضع الثاني: "صحيح الإسناد". ووافقه الذهبي، ووافقهما الألباني في "الصحيحة" (4/ 26). قلت: لكن البخاري ما روى لأبي الأحوص عن ابن مسعود. ثم إن رواية سلمة بن كهيل عن أبي الأحوص ليست من شرطهما، فإنهما لم يخرجاها. فالإسناد صحيح فقط؛ كما قال الحاكم في الموضع الثاني من المستدرك. وأخرجه الحاكم (1/ 561) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 452/ 2376) والطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 8643، 8644).

من طريق: عاصم بن أبي النجود، عن أبي الأحوص، عن عبد الله به موقوفًا عليه. وهذا الإسناد قد اختُلِفَ فيه. فرواه عاصم بن أبي النجود، عن أبي الأحوص، عن عبد الله به مرفوعًا. أخرجه الحاكم (1/ 561) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 452، 453/ 2377، 2380). وأخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 240/ 10799) والبيهقي في "شعب الإيمان" (2/ 453/ 2379) وابن مردوية كما في "تفسير ابن كثير" (1/ 27). من طريق محمد بن عجلان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لا ألفينَّ أحدكم يضع إحدى رجليه على الأخرى يتغنى وباع سورة البقرة يقرؤها؛ فإن الشيطان ينفر من البيت تقرأُ فيه سورة البقرة، وإن أصفر البيوت؛ الجوف الصُّفر من كتاب الله". وتابعه -أي محمد بن عجلان- حلو بن السري، عن أبي إسحاق به. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم: 2248، 7766 - الحرمين) وفي "الصغير" (1/ 53). وأخرجه الفريابي في "فضائل القرآن" (رقم: 41) من طريق: زكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله موقوفًا. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 369/ 5998) والطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 8642) من طريقه - عن معمر، عن أبي إسحاق به. وأخرجه ابن الضريس في "فضائل القرآن" (ص 175) من طريق: شعبة، عن أبي إسحاق به. فالصواب في هذه الرواية الوقف، أما الرفع فلا يصح. لكن للمرفرع منه شواهد؛ منها: ما أخرجه مسلم (780) وغيره من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "لا تجعلوا بيوتكم قبورًا؛ فإن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان". والحمد لله على إنعامه وامتنانه.

الدين ليس بالرأي

الدِّينُ ليس بالرأي: 182 - عن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه، قال: "لو كان الدِّينُ بالرَّأي لكانَ أَسْفَلُ الخُفِّ أَوْلَى بالمَسْحِ من أَعْلَاهُ، وقد رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يَمْسَحُ على ظَاهِرِ خُفَّيْهِ". أخرجه أبو داود (162) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 165/ 1895 - العلمية) والبيهقي في "المدخل" (1/ 201 - 202/ 219) وابن حزم في "الإحكام" (6/ 1020). من طريق: حفص بن غياث، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن علي به. وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (رقم: 60 - ط سمير الزهيري)، وفي "الفتح" (13/ 352)، وصحّحه في "التلخيص"، وصححه الألباني في "صحيح سنن أبي داود" رقم (147). ولفظ ابن أبي شيبة: "لو كان الدين بالرأي كان باطن القدمين أولى وأحق بالمسح من ظاهرهما، ولكني رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مسح ظاهرهما". وانظر "المسند" للإمام أحمد (1/ 95) و"المسند" للحميدى (1/ 26). وهذا لا يعارض لفظ أبي داود، بل يؤكده، والدليل على هذا أن وكيعًا رواه عن الأعمش بهذا اللفظ، ثم قال -أي وكيع-: يعني: الخفين. (ذكره أبو داود). ثم إنه أخرجه برقم (164) بهذا اللفظ وفي آخره: " .. وقد مسح النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على ظهر خُفَّيْهِ". ثم إن ابن أبي شيبة أخرج في "مصنفه" (1/ 165/ 1894) عن حفص، عن عبد الملك بن سلع، عن عبد خير؛ أن عليًا مسح على الخفين. والآثار عن علي وغيره من الصحابة كثيرة في الباب، وهي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - متواترة. ثم بعد ذلك تنكر الطائفة التي تدَّعي أنها تَتَّبعُ أهلَ البيتِ هذه الآثار

النهي عن القتال في الفتنة

والأحاديث، وتحكم بالتحريم في مسألة المسح على الخفين! ولا حول ولا قوة إلا بالله. * * * 183 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: "نزلت هذه الآية فينا؛ كانت الأنصارُ إذا حَجُّوا فجاؤوا لم يدخلوا من قِبَلِ أبواب بيوتهم، ولكن من ظهورها، فجاء رجلٌ من الأنصار فَدَخَلَ من قِبَلِ بَابه؛ فكأنَّهُ عُيِّرَ بذلكَ، فنزلت: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189]. أخرجه البخاري (1803) ومسلم (3026) والنسائي في "الكبرى" (2/ 479/ 4251 و 6/ 297/ 11024) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 717) وأبو يعلى في "مسنده" (3/ 274 - 275/ 1732) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (2/ 186) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 35) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 323/ 1709). من طريق: شعبة، عن أبي إسحاق، عن البراء به. وأخرجه البخاري (4512) وابن جرير الطبري (2/ 186) من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق به. * * * 184 - عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -؛ أن رجلًا جاءه، فقال: يا أبا عبد الرحمن؛ ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] إلى آخر الآية. فما يمنعك أن لا تُقاتِلَ كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: "يا ابن أخي، أُعَيَّرُ بهذه الآية ولا أُقَاتِلُ، أحبّ إليَّ من أن أُعَيَّر بهذه الآية التي يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] إلى آخرها". قال: فإن الله يقولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. قال ابن عمر: "قد فعلنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ كان الإسلامُ قليلًا،

عن الواشمات والمستوشمات

فكان الرجلُ يُفْتَنُ في دِينِه؛ إما أن يَقْتُلُوهُ، وإما يوثِّقُوهُ، حتى كَثُرَ الإسلامُ فلم تكن فتنة". فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد؛ قال: فما قولُكَ في عليِّ وعثمان؟ قال ابن عمر: "ما قولي في عليّ وعثمان! أما عثمان؛ فكان اللهُ قد عَفَا عنه، فكرهتم أن يَعْفُوَ عنه. وأما عليّ؛ فابن عمّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخَتَنَه -وأشار بيده-: وهذه ابنته أو بنته حيث تَرَوْنَ". أخرجه البخاري (4650) وانظر رقم (4513 - 4515) منه. وانظر الذي بعده. * * * 185 - عن سعيد بن جبير، قال: "خَرَجَ إلينا ابنُ عمر، ونحن نرجوا أن يحدثنا حديثًا عجيبًا، فَبَدَر إليه رجلٌ بالمسألة، فقال: با أبا عبد الرحمن؛ ما يمنَعُكَ من القتال، والله تعالى يقول: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: 193]. قال: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! أتدري ما الفتنة؟ إنما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقاتل المشركين، وكان الدخول في دينهم فتنةً، وليس يقاتِلُهم على المُلْكِ". أخرجه البخاري (4651، 7095) والنسائي في "الكبرى" (6/ 298، 352/ 11026، 11207) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 327/ 1733). من طريق: بيان، عن وبرة، عن سعيد به. * * * 186 - قال الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا إسحاق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة -واللفظ لأسحاق- أخبرنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله (ابن مسعود) - رضي الله عنه، قال: "لَعَنَ اللهُ الواشِمَاتِ والمُسْتَوْشِمَاتِ، والنَّامِصَاتِ والمُتَنَمِّصَات، والمُتَفَلِّجَاتِ

للحُسْنِ؛ المُغَيِّراتِ خَلْقَ اللَّهِ". قال: فبَلَغَ ذلكَ امرأَةَ من بني أَسَدٍ، يقال لها: أمُّ يعقوبَ -وكانت تقرأ القرآن- فَأَتَتْهُ، فقالت: ما حديثٌ بلغني عنك؛ أنكَ لعنتَ الواشماتِ والمستوشماتِ، والمتنمّصات، والمتفلّجات للحسن المغيرات خلق الله؟! ققال عبد الله: "وما لي لا أَلْعَنُ من لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو في كتاب الله؟! فقالت المرأة: لقد قرأتُ ما بين لوحي المصحف، فما وجدثُه! فقال: "لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه؟ قال الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] ". قالت المرأة: فإني أرى شيئًا من هذا على امرأتِكَ الآن. قال: "اذهبي فانظري". قال: فدَخَلَت على امرأةِ عبد الله؛ فلم تَرَ شيئًا. فجاءت اليه، فقالت: ما رأيتُ شيئًا. قال: "أما لو كان ذلك لم نُجَامِعْهَا". أخرجه البخاري (4886، 4887، 5931، 5939، 5943، 5948) ومسلم (2125) وأبو داود (4169) والنسائي في "المجتبى" (8/ 146) أو رقم (5114) وفي "الكبرى" (5/ 422/ 9380، 9381) -مختصرًا- والترمذي (2782) وابن ماجه (1989) وأحمد (1/ 454) والآجري في "الشريعة" (1/ 181، 182/ 109 - 111 - الوليد سيف النصر) وابن بطة في "الإبانة" (1/ رقم: 68، 69) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1181، 1182/ 2336، 2337) والحميدي في "مسنده" (رقم: 97)، وغيرهم كثير. من طريق: منصور به. فقه الأثر: الواشمة: فاعلة الوشم؛ وهي أن تغرز إبرة أو مسلَّة أو نحوها في ظهر

الكف أو المعصم أو نحوه، حتى يسيل الدم، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل، فيخضر. والنامصة: هي التي تزيل الشعر من الوجه. والمتفلّجة: هي التي تعالج أسنانها فتفرق بينها، أو تحدّها وترقّها إذا كبرت في السنّ حتى تشبه الشابات. وفي الأثر تحريم هذه الأمور، ولعن من فعلها. واختلف العلماء في النامصة؛ هل لها أن تحلق لحيتها إن نبت لها لحية، أو أن ترقّق حواجبها إن طلب زوجها ذلك منها. فقد قال أبو جعفر الطبري -فيما نقله عنه أبو العباس القرطبي في "المفهم" (5/ 45) -: "لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خَلْقها الذي خلقها الله تعالى عليه بزيادة أو نقص؛ التماس الحسن لزوج أو غيره، سواءٌ فلَّجت أسنانها، أو وشرتها، أو كان لها سن زائدة فأزالتها، أو أسنان طوال فقطعت أطرافها. وكذلك لا يجوز لها حَلْقَ لحيةِ أو شارب، أو عنفقة إن نبتت لها؛ لأن كل ذلك تغيير لخلق الله تعالى". وقد استثنى الإمام النووي -رَحِمَهُ اللهُ- من النمص ما إذا نبت للمرأة لحية أو شارب .. وقال: لا يحرم عليها إزالتها؛ بل يستحب. انظر "المنهاج شرح صحيح مسلم" (14/ 105 - 107) و"فتح الباري" (10/ 390 - 391/ تحت الحديث رقم: 5939). وفي الأثر بيان أن سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وما قاله بمنزلة ما جاء في القرآن الكريم، فلا يجوز لأحد أن يفصل بين الكتاب وبين السنة، ومن فعل ذلك فقد ضل ضلالًا بعيدًا، بل من أنكر السنة فقد كفر. قوله: "لم نجامعها"؛ قد يكون المقصود به الوطء، وقد يكون المقصود به المساكنة والإجتماع، والأخير مال إليه الحافظ في "الفتح". * * * 187 - عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ

خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، قال: "كان ناسٌ يُحجُّونَ بغير زَادٍ، فنزلت {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. أخرجه البخاري (1523) وأبو داود (1730) والنسائي في "الكبرى" (6/ 300/ 11033) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (2/ 162) أو (4/ 156/ 3730 - شاكر) والبيهقي في "السنن" (4/ 332) وفي "شعب الإيمان" (3/ 397/ 1153) والواحدي في "الوسيط" (1/ 294) وفي "أسباب النزول" (ص 42) وابن حبان (6/ 409/ 2691). من طريق: عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وروي عن عكرمة مرسلًا، ورواية الوصل أصح. * * * 188 - عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "كانت قُريش تَقِفُ بالمزدلفة -ويُسمَّون الحُمْسَ- وسائر العرب تَقِفُ بعرفة، فأمر اللهُ نبيَّهُ - صلى الله عليه وسلم - أن يَقِفَ بعرفة، ثم يَدْفَعَ منها، فأنزل اللهُ تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: 199]. أخرجه البخاري (1665، 4525) ومسلم (1219) والنسائي في "المجتبى" (5/ 255) أو رقم (3012) وفي "الكبرى" (2/ 425/ 4013 و 6/ 300/ 11034) وأبو داود (1910) والترمذي (884) وابن ماجه (3018) وابن خزيمة في "صحيحه" (4/ 353/ 3058) وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (9/ 169/ 3856) والبيهقي (5/ 113) والطبري في "تفسيره" (2/ 162) أو رقم (3831 - شاكر) والبغوي في "شرح السنة" (رقم: 1925) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 43) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 354/ 1860). من طرق؛ عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به. * * * 189 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا عمرو بن عاصم، حدثنا همام، عن قتادة، قال: قلتُ لأنس: أكانت المصافحة في أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال: "نعم". أخرجه البخاري في "صحيحه" (6263) والترمذي (2729) والبيهقي في

السنة عند اللقاء المصافحة وعند القدوم من السفر المعانقة

"السنن الكبرى" (7/ 99) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 246) والخطيب البغدادي في "المتفق والمفترق" (3/ 2119/ 1825) وابن حبان (492) والبغوي في "شرح السنة" (12/ 288 - 289/ 3325) وأبو يعلى في "مسنده" (5/ 252/ 2871). من طرق؛ عن قتادة به. * * * 190 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: "كان أصحابُ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدِموا من سَفَرٍ تعانقوا". أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 37/ 97 - الحرمين) قال: حدثنا أحمد بن يحيى بن خالد الرقي، نا يحيى بن سليمان الجُعفي، نا عبد السلام بن حرب، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس به. وإسناده حسن كما تراه مفصّلًا في "الصحيحة" (6/ رقم: 2647). وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 246) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 281) والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 100) بنحو منه عن الشعبي. وقال الألباني في "الصحيحة" (6/ القسم الأول/ ص 304): "بإسناد جيد كما قال الحافظ ابن مفلح الحنبلي في "الآداب الشرعية" (2/ 272) ". * * * 191 - عن أبي مدينة الدارمي -وكانت له صحبة- قال: "كان الرجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا التقيا لم يَفْتَرِقَا حتى يقرأَ أحدهما على الآخر: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)}، ثم يُسَلِّمُ أحدهما على الآخر". أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5/ 215/ 5124 - الحرمين) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/ 501/ 9057 - الهندية) من طريق: حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي مدينة به. وصححه الألباني في "الصحيحة" (6/ رقم: 2648).

192 - عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -، قال: "كانت اليهودُ تقولُ في الرجل يأتي امرأته من قِبَلِ دُبُرِهَا في قُبُلِهَا إن الولدَ يكون أحولَ، فأنزل الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. أخرجه البخاري (4528) ومسلم (1435) وأبو داود (2163) والنسائي في "الكبرى" (5/ 314/ 8974. 8975 و 6/ 302/ 11038، 11039) والترمذي (2978) وابن ماجه (1925) والطبري في "تفسيره" (2/ 234 - 235) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 404/ 2133) وابن حبان في "صحيحه" (9/ 474، 512/ 4166، 4197) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 48) وابن أبي شيبة (4/ 229) والبيهقي في"السنن" (7/ 194، 195) وفي "معرفة السنن والآثار" (10/ 160/ 14052) والدارمي في "مسنده" (رقم: 1172، 2260 - الداراني) وعبد الرزاق في "سننه"- التفسير- (3/ 845/ 367 - الصميعي) والحميدي في "مسنده" (2/ 532/ 1263) وأبو يعلى في "مسنده" (4/ 21/ 2024) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (3/ 40، 41) والبغوي في "تفسيره" (1/ 198) وفي "شرح السنة" (9/ 105/ 2296) وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (رقم: 1739) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 89) والسهمي في "تاريخ جرجان" (رقم: 610، 971). كلهم من طرق؛ عن محمد بن المنكدر، عن جابر به. * * * 193 - عن معقل بن يسار - رضي الله عنه -، قال: "كانت لي أختٌ تُخطَبُ؛ فأمنعُها، فخطبها ابن عَم لي، فزوَّجتها إياه، فَاصطَحَبَا ما شاء اللهُ أن يَصطَحِبَا، ثم طلَّقها طلاقًا له عليها رجعةٌ، فتركها حتى انقضَت عدّتُها وخطبها الخُطَّاب؛ جاء فخطبها، فقلتُ: يا لُكَعُ! خطبتَ أختي فمنعتُها الناسَ وآثرتُكَ بها؛ طلَّقَتها، فلما انقَضَت عِدَّتُها جئتَ تخطِبُها! لا والله الدي لا إله إلا هو؛ لا أُزَوِّجُكُما. ففيَّ نزلت هذه الآية: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ} [البقرة: 232]. فقلتُ: سمعًا وطاعةً كَفَّرْتُ عن يميني، وأنكحتُها". أخرجه البخاري (4529، 5130، 5330) وأبو داود (2087) والنسائي في

قول عائشة أم المؤمنين في أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر

"الكبرى" (6/ 302، 303/ 11041، 11042) والترمذي (2981) وابن جرير الطبري (2/ 297) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 426 - 427/ 2254) والطيالسي (930) والطبراني في "الكبير" (20/ رقم: 467، 468، 475، 477) والدارقطني في "السنن" (3/ 222 - 224) والحاكم (2/ 174، 280) والبيهقي في "السنن" (7/ 138) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 94) والبغوي في "تفسيره" (1/ 210) والواحدي في "الوسيط" (1/ 334) وفي (أسباب النزول" (ص 56 - 57). من طرق، عن الحسن البصري، عن معقل بن يسار به. فقه الأثر: قال الإمام الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ-: "وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا يجوز النكاح بغير ولي؛ لأن أخت معقل بن يسار كانت ثيبًا، فلو كان الأمر اليها دون وليِّها لزوَّجَت نفسها، ولم تَحتَجْ إلى وليها معقل بن يسار، وإنما خاطب اللهُ في الآية الأولياء، فقال: {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ}، ففي هذه الآية دلالة على أن الأمر إلى الأولياء، في التزويج مع رضاهن" اهـ. ونحو هذا قال ابن جرير الطبري وغيره. قلت: ويدل على ذلك أيضًا قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "لا نكاح إلا بولي ... ". وقوله: "يا لكع"؛ اللكع عند العرب: العبد، أو هو استعمال للدلالة على الحمق والذّم، ويخاطب به عادة اللئيم. * * * 194 - عن أبي يونس -مولى أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، قال: أمرتني عائشةُ أن أكتبَ لها مصحفًا، وقالت: "إذا بلغتَ هذه الآية فآذِني: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]. فلما بلغتها آذنتُها، فأملَتْ عليَّ: "حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى، وصلاة العصر، وقوموا لله قانتين. ثم قالت: سمعتُها من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه مسلم (629) ومالك في "الموطأ" (1/ 138/ 25) كتاب صلاة

نسخ إباحة الكلام في الصلاة

الجماعة، باب: الصلاة الوسطى، وأبو داود (410) والنسائي في "المجتبى" (1/ 236) أو رقم (472) وفي "الكبرى" (1/ 154/ 366 و 6/ 304/ 11046) والترمذي (2982) وأحمد في "المسند" (6/ 73، 178) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (2/ 349) والبييهقي في "السنن" (1/ 462) وابن أبي داود في "المصاحف" (ص 84) والبغوي في "تفسيره" (1/ 220) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 172). من طريق: زيد بن أسلم، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس به. * * * 195 - عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه - قال: (كلنا نتكلَّمُ في الصلاة؛ يكلِّمُ أحدُنا صاحِبَهُ فيما بينه وبينه، حتى نزلت هذه الآية: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأُمرنا بالسكوت". أخرجه البخاري (1200، 4534) ومسلم (539) وأبو داود (949) والنسائي في "المجتبى" (3/ 18) أو رقم (1219) وفي "الكبرى" (6/ 304/ 11047) والترمذي (405، 2986، 4070) وأحمد (4/ 368) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (2/ 354) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 449/ 2377) وابن خزيمة في "صحيحه" (2/ 856/34، 857) وعبد بن حميد في "المنتخب" (رقم: 260) وسعيد بن منصور في "سننه"- التفسير- (408/ 923/3 - الصميعي) والبيهقي في "السنن" (2/ 248) وابن حبان في "صحيحه"- الإحسان- (6/ 17، 21، 27/ 2245، 2246، 2250) والخطابي في "غريب الحديث" (1/ 691) وأبو عبيد في "غريبه" (1/ 134) وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 229 - 230/ 1565، 1566) والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 5062 - 5064) وأبو عوانة (2/ 139) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 170) وأبو جعفر النحاس في "معاني القرآن" (1/ 240 - 241) وفي "ناسخه" (ص 19) والبغوي في "تفسيره" (1/ 221) وفي "شرح السنة" (رقم: 722). من طرق؛ عن أبي عمرو الشيباني، عن زيد به.

961 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: "كان أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يتماشون؛ فإذا استقبلتهم شجرة أو أَكمة؛ فتفرقوا يمينًا وشمالًا ثم التقوا من ورائها؛ سلَّمَ بعضهم على بعض". صحيح. أخرجه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم: 241) من طريق: حماد بن سلمة، ثنا ثابت وحميد، عن أنس به. وإسناده صحيح كما قال الألبانىِ في "الصحيحة" (المجلد الأول/ ص 363 - المعارف). وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (8/ 69/ 7987 - الحرمين) من طريق: موسى بن هارون، ثنا سهل بن صالح الأنطاكي، عن يزيد بن أبي منصور، عن أنس به. وحسن إسناده الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 34)، وقال الألباني - في المصدر السابق-: "وهو إسناد رباعي جيد". وأخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 1011) من طريق: الضحاك بن نبراس أبي الحسن، عن ثابت، عن أنس به. والضحاك بن نبراس؛ ليّن الحديث، ومثل هذا الإسناد حسن في الشواهد والمتابعات. * * * 197 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: أخبرنا محمد بن جعفر بن أبي كثير، قال: أخبرني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس؛ أنه أتاه رجُل، فقال: إني خطبتُ امرأةَ، فأبت أن تنكحني، وخطبها غيري؛ فأحبَّت أن تنكِحَهُ، فغرتُ عليها فقتلتُها؛ فهل لي من توبة؟ قال: "أمُّكَ حية"؟ قال: لا. قال: "تُبْ إلي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وتقرَّب إليه ما استطعتَ".

الكبائر تسع

فذهبتُ فسألتُ ابنَ عباس: لمَ سألتَهُ عن حياة أمه؟ فقال: "إني لا أعلمُ عملًا أقربُ إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- من برِّ الوالدة". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 4) والبيهقي في "شعب الإيمان" (7913/ 205/6) من طريق: زيد بن أسلم به نحوه. وقال العلامة الألباني في (الصحيحة" (6/ 711): "صحيح على شرط الشيخين". * * * 198 - وقال البخاري: حدثنا مسدّد، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا زياد بن مِخرَاق، قال: حدثني طَيْسَلَة بن ميَّاس، قال: كنتُ مع النَّجَدات، فأصبتُ ذنوبًا لا أراها إلا من الكبائر، فذكرتُ ذلك لابن عمر. قال: "ما هي"؟ قلتُ: كذا وكذا. قال: "ليست هذه من الكبائر؛ هُن تسع: الإشراكُ بالله، وقَتلُ نَسَمةِ، والفرارُ من الزَّحفِ، وقَذفُ المُحْصَنَة، وأكل الربا، وأكلُ مالِ اليتيم، وإلحادٌ في المسجد، والذي يَسْتَسْخِرُ، وبكاءُ الوالدينِ من العقوقِ". قال لي ابن عمر: "أتفرَقُ النارَ وتحبُّ أن تدخُلَ الجنة" قلتُ: إي والله! قال: "أَحَيُّ والداكَ"؟ قلتُ: عندي أمي. قال: فوالله؛ لو ألَنتَ لها الكلامَ، وأطعمتَها الطعامَ؛ لتَدْخُلَنَّ الجنَّة ما اجتنبتَ الكبائر". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 8)، وقال الألباني: "صحيح". غريب الأثر: النجدات: أصحاب نجدة بن عامر الخارجي، وهم فرقة من الحرورية الخوارج. يستسخر: أي يسخر ويستهزئ. أتفرق: أتخاف وتفزع.

رد عائشة على عبد الله بن عمرو في أمره النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن

199 - وقال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، قال: حدثنا سعيد بن أبي بردة، قال: سمعتُ أبي يُحدّثُ؛ أنه شهد ابن عمر ورجلٌ يماني يطوفُ بالبيت، حمل أمَّهُ وراء ظهره، يقول: إني لها بعيرُها المذلِّل ... إن أُذعِرَتْ ركابُها لم أُذْعَرْ ثم قال: يا ابن عمر؛ أتُراني جزيتها؟ قال: لا؛ ولا بزفرة واحدة". ثم طاف ابنُ عمر، فأتى المقام، فصلَّى ركعتين، ثم قال. "يا ابن أبي موسى! إن كل ركعتين تكفِّران ما أمامهما". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 11) وابن المبارك في "البر والصلة" (رقم: 38) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/ 259/ 7926) وابن الجوزي في "البر والصلة" (رقم:5) من طريق: شعبة به. وصحح إسناده الشيخ الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد" (ص 17). وأخرجه البزار (2/ 371/ 1872 - كشف الأستار) مرفوعًا، ولا يصح إسناده. * * * 200 - عن عُبيد بن عمير، قال: بَلَغَ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتَسَلنَ أن يَنقُضنَ رُؤوسَهُن. فقالت: "يا عجبًا لابن عمروِ هذا! يأمرُ النساء إذا اغْتَسَلْنَ أن ينقُضنَ رؤوسَهُنَّ! أفلا يأمُرُهُنَّ أن يَحْلِقْنَ رؤوسَهُنَّ؟! لقد اغتَسَلتُ أنا ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد؛ ولا أزيدُ على أن أُفرِغَ على رأسي ثلاثَ إفراغاتِ". أخرجه مسلم (331) وأحمد (6/ 43) أو رقم (24269 - قرطبة) والنسائي في "المجتبى" (1/ 203) أو رقم (416) وابن ماجه (604) وابن أبي شيبة (1/

يكفي في المني إذا أصاب الثوب أن يفرك

73/ 793 - العلمية) والبيهقي في "السنن" (1/ 81) وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 133) -مختصرًا بنحوه-. من طريق: أبي الزبير، عن عبيد بن عمير به. وانظر لفقه الأثر "الصحيحة" (1/ 367 - المعارف). تنبيه: عزا الشيخ الفاضل زكريا بن غلام الباكستاني في كتابه القيم "ما صحَّ من آثار الصحابة في الفقه" (1/ 110) هذا الأثر لابن المنذر فقط، وأورده مختصرًا، والأولى أن تُذكر الرواية المذكورة هنا، والله أعلم. وقد فات الشيخ الفاضل -وفقه الله- كثير من الآثار الصحيحة في هذا الباب - باب الفقه- وكثير منها في الكتب الستة وغيرها، فلعله يستدركها في الطبعات السابقة، ويستفيد من كتابنا هذا- فقد أوردتُ عددًا منها في هذا الجزء، والذي بعده- كما أني قد استفدتُ من كتابه كثيرًا، فجزاه الله خيرًا، وهكذا فإن العِلْمَ رَحِمٌ بين أهله، نسألُ الله تعالى أن نكون من أهله. * * * 201 - عن همام بن الحارث، قال: نزل بعائشة ضيفٌ، فأمرَت له بملحفة لها صفراء، فنام فيها، فاحتلمَ؛ فاستحيى أن يُرْسِلَ بها وفيها أثر الاحتلام. قال: فغمسها في الماء، ثم أرسل بها. فقالت عائشة: "لِمَ أفسدَ علينا ثوبنا؟! إنما كان يكفيه أن يفركه بأصبعه، لربما فركته من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصابعي". أخرجه مسلم (1/ 201) -كتاب الطهارة- (32) باب حكم المنيّ،- بسنده دون المتن - وأحمد (6/ 43) أو رقم (24267 - قرطبة) والترمذي (116) وابن ماجه (538) والحميدي في "المسند" (1/ 97/ 186) وابن أبي شيبة (1/ 83/ 920 - العلمية) وأبو عوانة في "مسنده" (1/ 175/ 532). من طريق: إبراهيم، عن همام به. وفيه دليل قوي على أن المنيّ طاهر؛ إذ لو كان نجسًا لما كانت أم المؤمنين تفركه، بل كان الواجب غسله، وتفصيل هذه المسألة في مظانه من كتب الفقه.

202 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال"كان رجلٌ من الأنصار أَسلَمَ ثم ارتدَّ، ولحِقَ بالشركِ، ثم نَدِم؛ فأرسَلَ إلى قومه: سَلُوا رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ هل لي من توبة؟ فجاء قومُه إلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالوا: إن فلانًا قد نَدِمَ، وإنه قد أمرنا أن نسألَكَ: هل له من توبة؟ فنزل قول الله: {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} [آل عمران: 86] إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 89]، فأرسل إليه؛ فأسلم". صحيح. أخرجه أحمد (1/ 247) أو رقم (2218 - شاكر) والنسائي في "المجتبى" (7/ 107) أو رقم (4079) وفي "الكبرى" (6/ 311/ 11065) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/ 241 - 242) أو (6/ 572 - 573/ 736 - شاكر) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 699/ 3789) وابن حبان في "صحيحه" (10/ 329/ 4477) والحاكم (2/ 142 و 4/ 366) والبيهقى في "السنن" (8/ 195) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 114 - ط. الريان والذخائر). من طريق: داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وصحّح إسناد المحدث أحمد شاكر، وصححه العلامة المحدث مقبل بن هادي الوادعي-رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 53 - 54)، والعلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح سنن النسائي" (3/ 853/ 3792 - المكتب الإسلامي). وقد رواه الواحدي (ص 113) من طريق علي بن عاصم، عن خالد بن مهران الحذاء وداود، عن عكرمة به. وعلي بن عاصم بن صهيب؛ "صدوق يخطئ"، والمحفوظ رواية داود وحده، والله تعالى أعلم. * * * 203 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: " {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} قالها إبراهيم - عليه السلام - حين أُلقيَ في النار، وقالها محمد - صلى الله عليه

وآله وسلم - حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173]. أخرجه البخاري (4563، 4564) والنسائي في "الكبرى" (6/ 154، 316/ 10439، 11081) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 818/ 4521) وابن المنذر في "تفسيره" (2/ 504/ 1197 - دار المآثر) والبغوي في "تفسيره" (1/ 375 - المعرفة) والحاكم (2/ 298) والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/ 317) وفي "الأسماء والصفات" (1/ 212/ 146 - ط السوادي). من طرق؛ عن أبي حصين، عن أبي الضحى، عن ابن عباس به. * * * 204 - عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه -، قال: "ما زالَ أَمْرُ بني إسرائيل مُعتدِلًا، ليس فيه شيءٌ؛ حتى نَشَأَ فيهم المُوَلَّدُونَ أبناءُ سبايا الأمم؛ أبناء النساء التي سَبَتْ بنو إسرائيل من غيرهم، فقالوا فيهم بالرَّأْيِ؛ فأَضَلُّوهم". صحيح. أخرجه الدارمي في"مسنده" (1/ 241/ 122 - ط الداراني) من طريق: محمد بن عيينة، ثنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة به. قال محققه: "إسناده جيد؛ محمد بن عيينة الفزاري ترجمه البخاري في "الكبير" (1/ 204)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/ 42)، ولم يوردا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 54 - 55) اهـ. قلت: وعلي بن مسهر؛ ثقة مُحتَجٌ به في "الصحيحين"، لكن قال الحافظ في "التقريب": "ثقة له غرائب بعد أن أضر"، وتعقبه صاحبا "التحرير" (3/ 55)، والذي يظهر أن قول الحافظ له وجه. وقد خالفه في هذا الأثر من هو أوثق منه وأضبط؛ فقد رواه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1047/ 2015) عن ابن وهب، قال: أخبرني يحيي بن أيوب، عن هشام بن عروة، أنه سمع أباه يقول: ... فذكره.

وهذا إسناد صحيح. ثم أخرجه (2/ 1052/ 1031) والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1/ 188/ 335 - قلعجي) وفي "المدخل" (1/ 204 - 205/ 222) والهروي في "ذم الكلام" (1/ 354 - 355/ 64). من طريق: سفيان بن عيينة، عن هشام به. وأخرجه الهروي في المصدر السابق، من طريق: عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام به. وأخرجه الفسوي -كما في ذيل "المعرفة والتاريخ" (3/ 393) و"تاريخ بغداد" (13/ 394) من طريق: إسماعيل بن عياش، ثنا هشام به. ورُوِي مرفوعًا؛ لكنه لا يصح، وقال الهروي -رَحِمَهُ اللهُ-: "هذا حديث عجيب"! ثم ذكر أن المحفوظ رواية عروة بن الزبير. وأخرجه الشافعي في "السنن" (2/ 52/ 356) والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (1/ 187/ 333) والهروي في "ذم الكلام" (1/ 355 - 356/ 65) من قول عمر بن عبد العزيز -رَحِمَهُ اللهُ-. وإسناده ضعيف. * * * 205 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "أَبخَلُ الناسِ من بَخِلَ بالسلام، وأعجَزُ الناسِ من عَجِزَ عن الدعاء". صحيحٌ موقوفٌ، ورُوي مرفوعًا. أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (12/ 5/ 6449) ومن طريقه ابن حبان في "صحيحه" (10/ 349 - 350/ 4498 - الرسالة) والبيهقي في "شعب الإيمان" (8769/ 429/6 - العلمية) ومحمد بن فضيل الضبي في "الدعاء" (ص 220/ رقم: 54 - الرشد). من طريق: عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي هريرة به موقوفًا. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في "فتح الباري" (9/ 565) تحت الحديث رقم (5441).

ورواه عن عاصم: محمد بن فضيل الضبي - وهو ثقة. وإسماعيل بن زكريا -هو: الخُلقاني-"صدوق يخطئ قليلًا" كما في "التقريب"، وأخرج له البخاري متابعة. قلت: وخالفهما حفص بن غياث، فرواه مرفوعًا. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/ 274/ 5587 - الطحان) أو (5/ 371/ 5591 - الحرمين) وفي "الدعاء" (رقم: 60) والبيهقي في "شعب الإيمان" (6/ 429/ 8767، 8768) وأبو الشيخ في "الأمثال" (ص 289) والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص 337) والمقدسي في "الترغيب في الدعاء" (ص 27). من طريق: مسروق بن المرزبان، ثنا حفص بن غياث، عن عاصم الأحول به رفعه. قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (2/ 150/ 601):"وهذا سند حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين؛ غير مسروق، وهو صدوق له أوهام، كما قال الحافظ، فمثله حسن الحديث .. ". قلت: وتحسين هذا الإسناد فيه نظر لما يلي: مسروق بن المرزبان له أوهام كما ذكر الشيخ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهذا منها فإن المحفوظ في هذا الإسناد الوقف. وكذا حال حفص بن غياث؛ فهو -وإن كان ثقة- لكنه تغير حفظه قليلًا كما ذكر الحافظ، وهو إنما اعتمد البخاري في روايته عن الأعمش. ولذا فإن الحافظ الدارقطني أعلّ الحديث في العلل، ورجّح رواية الوقف. قلت: لكن الحديث صحيح لغيره (مرفوعًا)، فإن له شواهد من حديث أنس بن مالك، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن مغفل، وجابر بن عبد الله. وأفضلها حديث عبد الله بن مغفل، وقد ذكره الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة"، وباقي الشواهد ذكرها محقق كتاب (المطالب العالية" - الجزء (25 - 26/ المجلد الثالث عشر/ ص 827 - 830/ رقم: 3342 - ط دار العاصمة)، ومحقق هذا الجزء هو قاسم بن صالح القاسم. والحمد لله على نعمه كلها.

وضوء ابن عمر لكل صلاة

206 - قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري، ثم المازني مازن بني النجار، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، قال: قلتُ له: أرأيتَ وضوءَ عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرًا كان أو غير طاهر؛ عَمَّ هو؟ فقال: "حدَّثَثهُ أسماء بنت زيد بن الخطاب، أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر بن الغسيل، حدَّثها؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كانَ أمر بالوضوءِ لكل صلاة؛ طاهرًا كان أو غير طاهر، فلما شَقَّ ذلك على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حَدَث. قال: فكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك، كان يفعله حتى مات". حسن. أخرجه الإمام أحمد في (المسند" (5/ 225) أو رقم (22055 - قرطبة) وأبو داود (48) وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 11، 71 - 72/ 15، 138) والحاكم (1/ 156) والبيهقي (1/ 37) والحازمي في "الإعتبار" (ص 55 - ط حمص). من طريق: محمد بن إسحاق به. وهذا إسناد حسن، كما قال الحافظ ابن حجر -كما في حاشيته على نسخته من "السنن" للإمام أبي داود السجستاني، انظر "السنن" لأبي داود (1/ 171) بتحقيق محمد عوامة، وانظر "فتح الباري" (1/ 316) و "التلخيص الحبير" (1/ 68). وحسنه أيضًا الحازمي، والشيخ الألباني في: "صحيح سنن أبي داود" (رقم: 38). تنبيه: وقع عند أبي داود في "السنن" وفي"صحيح السنن": "عبد الله بن عبد الله بن عمر" بدل عبد الله. وأشار محمد عوامة أنه وقع في نسخة ابن الأعرابي: "عبيد الله بن عبد الله".

207 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثني إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، أن ابن جريج أخبرهم؛ عن ابن أبي مُليكة، أن علقمة بن وقاص أخبره؛ أن مروان قال لبوَّابه: اذهَب يا رافعُ إلي ابن عباس، فقل: لئن كان كل امرئ فَرِحَ بما أوتي، وأحبَّ أن يُحْمَدَ بما لم يعمل معذَّبًا لنُعَذَّبَنَّ أجمعون. فقال ابن عباس: "ما لكم ولهذه؟! إنما دعا النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يهودَ، فسألهم، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم. ثم قرأ ابن عباس: {وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} كذلك حتى قوله: {يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران: 188]. أخرجه البخاري (4568) ومسلم (2778) وأحمد (1/ 298) أو رقم (2712 - شاكر) والنسائي في "الكبرى" (6/ 318/ 11086) والترمذي (3014) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 141 - 142) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (4/ 138) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 839/ 4647) وابن المنذر في "تفسيره" (2/ 528 - 529/ 1253) والطبراني في "الكبير" (10/ رقم: 10730) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 137 - 138 - الحميدان) والحاكم (2/ 299) والبغوي في "تفسيره" (1/ 384). من طريق: ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره أن مروان ... ثم ذكره. خلا البخاري فأخرجه عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن علقمة بن وقاص كما تقدم. ومن هذا الطريق أخرجه ابن المنذر (2/ 529/ 1254). ثم قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: "حدثنا مقاتل، أخبرنا الحجاج، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة، عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنه أخبره أن مروان، بهذا". قلت وهذا الحديث مما انتُقِد على الشيخين -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى- كما ذكر الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري"، بسبب جهالة بواب مروان رافع،

وبسبب الإختلاف في الإسناد على ابن جريج فيه، وقد تكلم الحافظ على هذا بشيء من التفصيل في "الفتح" (8/ 82 - 83) فانظره. وانظر الأثر الآتي. * * * 208 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثني زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: "إن رجالًا من المنافقين على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى الغزو تخلَّفوا عنه، وفرِحُوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبوا أن يُحْمَدُوا بما لم يفعلوا، فنزلت: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية. أخرجه البخاري (4567) ومسلم (2777) وابن جرير الطبري (4/ 138) وابن حبان في"صحيحه" (11/ 34/ 4732) وابن أبو حاتم (4746/ 839/3) وابن المنذر (2/ 530/ 1257) والبغوي في "تفسيره" (1/ 384) والبيهقي في "السنن" (9/ 36) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 136). من طريق: سيد بن أبي مريم به. * * * 209 - عن ابن شهاب الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير؛ أنه سألَ عائشة - رضي الله عنها - عن قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3]. قالت: "يا ابن أختي؛ هي اليتيمةُ تكون في حِجرِ وليها تشرَكُهُ في مالها، فيُعجبُهُ مالُهَا وجمَالُها، فيريدُ وليُّها أن يتزوَّجها بغير أن يسقط في صَدَاقِهَا، فيُعطِيَهَا مثل ما يُعطِيَهَا غيرُه؛ فنُهُوا أن ينكِحُوهُنَّ إلا أن يُقسِطوا لهنَّ، ويَبلُغُوا بِهنَّ أعلى سُنَّتِهِنَّ في الصَّدَاقِ، فأُمِرُوا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سِواهُنَّ.

قال عروة: قالت عائشة: ثم إن الناسَ استَفتَوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - بعد هذه الآية، فانزل الله تبارك وتعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [النساء: 127]. قالت عائشة: وقول الله -عَزَّ وَجَلَّ- في الآية الأخرى: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} رغبةَ أحدِكم عن يتيمتهِ حين تكون قليلة المال، قليلة الجمال. قالت: فنُهُوا أن ينكحوا من رغبوا في ماله وجماله من يتامى النساء؛ إلا بالقسط، من أجل رغبتهم عنهُنَّ إذا كُن قليلات المال والجمال". أخرجه البخاري (2494) و (4574) ومسلم (3018) والنسائي في "الكبرى" (6/ 319 - 320/ 11090) والبيهقي في "السنن" (7/ 141 - 142) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (4/ 155) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 857/ 4745) و (3/ 858/ 4751) وابن المنذر في (تفسيره، (2/ 553/ 1323) والبغوي في "تفسيره" (1/ 390) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 147). من طريق: ابن شهاب الزهري به - مطولًا ومختصرًا. ورواه غير واحد، عن هشام بن عروة به مختصرًا. * * * 210 - عن أبي نضرة، قال: "قَدِمَ أبو سلمة -وهو ابن عبد الرحمن- فنزل دار أبي البشبر، فأتيتُ الحسن، فقلتُ: إن أبا سلمة قدم، وهو قاضي المدينة وفقيههم، انطلِق بنا اليه. فأتيناهُ، فلما رأى الحسنَ، قال: "من أنتَ"؟ قال: أنا الحسن بن أبي الحسن. قال: "ما كان بهذا المِصرِ أحدٌ أَحَب إليَّ أن ألقاهُ منك، وذلك أنه بلغني أنك تُفتي الناسَ، فاتَّقِ الله يا حسن، وأفتِ الناسَ بما أقول لك: أَفتِهِم بشيء من القرآن قد علِمتَهُ، أو سُنةٍ ماضيةِ قد سَنَّهَا الصالحون والخلفاء، وانظر رأيَكَ الذي هو رأيكَ؛ فألقِه". أخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 344 - 345/ 1071)

غضب ابن مسعود ممن ينشد ضالته في المسجد

من طريق: عبد الأعلى، عن الجريري، عن أبي نضرة به. وهذا إسناد صحيح، الجريري؛ هو: سعيد بن إياس، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ممن روى عنه قبل الإختلاط، وروايته عنه من أصحّ الروايات. وأخرجه الدارمي في (المسند) (1/ 263/ 165) من طريق: أبي عقيل، عن سعيد الجريري به نحوه. قال الخطيب بعد ذكره للأثر: "ولن يقدر المفتي على هذا إلا أن يكون قد أكثر من كتاب الأثر، وسماع الحديث". وفي الأثر بيان ذمّ الرأي في الدين، وأنه لا عبرة به، بل العبرة بالكتاب والسنة، وما جاء فيهما، أو ما جاء عن السلف الصالح مما سنّه الخلفاء الراشدون. * * * 211 - عن أبي عثمان النهدي، قال: سمع ابن مسعود رجلًا ينشدُ ضَالَّة في المسجد، فغضب وسَبَّهُ، فقال له الرجل: ما كنت فحَّاشًا يا ابن مسعود! قال: "إنا كنا نُؤْمَرُ بذلك". أخرجه ابن خزيمة في"صحيحه" (2/ 273 - 274/ 1303) والبزار في "البحر الزخار" (5/ 268 - 269/ 1883) والحافظ ابن حجر في"نتائج الأفكار" (1/ 293 - دار ابن كثير). من طريق: محمد بن فضيل، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان به. قال الحافظ: "هذا حديث صحيح". وقال الشيخ الألباني في تعليقه على "صحيح ابن خزيمة": "إسناده جيد". وأخرجه ابن السني في "عمل اليوم" (153 - عجالة الراغب) من طريق: سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، قال: سمع عبد الله .. فذكره. وهذا إسناد منقطع، فالشعبي لم يدرك عبد الله بن مسعود.

وأخرجه عبد الرزاق في"مصنفه" (1724) والطبراني في"الكبير" (9/ رقم: 19268) عن معمر، عن عاصم، عن ابن سيرين أو غيره، عن عبد الله به. وهو منقطع أيضًا، كما فيَ "المجمع" (2/ 25). فالأثر صحيح بالطريق الأولى. وقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: "إنا كنا نؤمر بذلك"؛ يشير إلى ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "من سمع رجلًا ينشد ضالته في المسجد؛ فليقل له: لا ردها الله عليك، فإن المساجد لم تُبْنَ لهذا". أخرجه مسلم (568) وغيره. * * * 212 - عن أبي وائل؛ أن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "يا جارية؛ انظري هل طلعت الشمس"؟ فقالت: لا. ثم واصل فسبَّح، فقال لها ثانية: "انظري؛ هل طلعت الشمس"؟ فقالت: لا. ثم قال لها الثالثة: "طلعت الشمس"؟ قالت: نعم. قال: "الحمد لله الذي وهب لنا هذا اليوم، وأقالنا فيه عثراتنا". صحيح. أخرجه ابن السني في "عمل اليوم" (رقم: 149) وابن حجر في "نتائج الأفكار" (2/ 415). من طريق: بشر بن موسى، قال: حدثنا يحيى بن إسحاق السيلحيني، قال: حدثنا مهدي بن ميمون، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل به. قال الحافظ: "هذا موقوف، صحيح السند". * * * 213 - عن عائشة - رضي الله عنها - قالت:"سَلُوا اللهَ كل شيءِ؛ حتى الشَّسْعَ، فإن اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- إن لم يُيسِّرْهُ لم يتيسَّرْ". أخرجه أبو يعلى في"مسنده" (8/ 44 - 45/ 4560) ومن طريقه ابن السني في "عمل اليوم" (356) عن محمد بن عبد الله بن نمير، قال: حدثنا هاشم بن القاسم، عن محمد بن مسلم بن أبي الوضاح، عن هشام بن عروة، عن عائشة به.

اختلاف علي وعثمان رضي الله عنهما في متعة الحج

قال الشيخ الألباني في"الضعيفة" (3/ 540/ 1363): "وهذا سند موقوف جيد" رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، وفي ابن أبي الوضاح كلام يسير لا يضر إن شاء الله تعالى". وحسَّن إسناده أيضًا في "الضعيفة" (1/ 76 - المعارف). * * * 214 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن علي بن حسين، عن مروان بن الحكم، قال: "شهدتُ عثمانَ وعليًا - رضي الله عنهما -، وعثمانُ ينهى عن المتعة وأن يُجمَعَ بينهما، فلما رأى عليٌّ؛ أهلَّ بهما: لبيك بعمرة وحجة. قال: "ما كنتُ لأدعَ سنةَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد". أخرجه البخاري (1563) و (1569) والنسائي في"المجتبى" (5/ 148) والدارمي (رقم: 1964 - الداراني) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 226/ 293 - الغرباء". من طريق: شعبة به. وأخرج مسلم (1223/ 159) وأحمد (1/ 136) وغيرهما، عن سعيد بن المسيب، قال: اجتمع علي وعثمان - رضي الله عنهما - بعُسْفَان ... فذكره بنحو منه. وانظر "الفتح" (3/ 497). * * * 215 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "الإِضْرارُ في الوصية من الكبائر، ثم تلا: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} [النساء: 13، 14]. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 320/ 11092) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (4/ 195) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 888، 889، 890،

891/ 4940، 4944، 4952،4961،4962) وابن أبي شيبه في "مصنفه" (11/ 204 - 205) أو (6/ 229/ 30923، 30927 - العلمية) وابن المنذر في "تفسيره" (2/ 596، 598/ 1453، 1460) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 16456) وسعيد بن منصور في "سننه" (رقم: 342، 343، 344 - الأعظمى) والبيهقي (6/ 271). كلهم؛ من طرق كثيرة، عن داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وخالفَ عمر بن المغيرة الثقات؛ فرواه عن داود به مرفوعًا. أخرجه ابن جرير الطبري (4/ 195) وابن أبي حاتم (3/ 888، 889/ 4939، 4943) والعقيلي في "الضعفاء" (3/ 189 - قلعجى) والبيهقى (6/ 271) والدارقطني (4/ 151). قال العقيلي: "لا يتابع على رفعه". وعمر بن ربيعة هذا "منكر الحديث" كما قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-. فالصحيح أنه موقوف، ولا يصح رفعه. * * * 216 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه - في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 19]. قال: "كان الرجلُ إذا ماتَ كان أولياؤه أحقَّ بامرأته؛ إن شاء بعضُهم تزوَّجَها، وإن شاء زوَّجوها، فهم أحقُّ بها من أهلها، فنزلت هذه الآية في ذلك". أخرجه البخاري (4579) و (6948) وأبو داود (2589) والنسائي في "الكبرى" (6/ 321/ 11094) وابن جرير في "تفسيره" (4/ 207) وابن أبي حاتم في" تفسيره" (3/ 902/ 5029) والبيهقي في "السنن" (7/ 137) وابن المنذر في "تفسيره" (2/ 611/ 1496) والواحدي في "الأسباب" (ص 146). من طريق: سليمان بن أبي سليمان أبي إسحاق الشيباني، عن عكرمة، عن ابن عباس به.

217 - وعن أبي أمامة أسعد بن سهل بن حنيف - رضي الله عنهما -، قال: "لما توفي أبو قيس بن الأسلت أرادَ ابنُه أن يتزوَّج امرأته من بعده، فكان ذلك لهم في الجاهلية، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} [النساء: 19]. حسن. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 321/ 11095) وابن جرير الطبري (4/ 207) أو (8/ 105/ 8870 - شاكر) وابن أبي حاتم (3/ 902/ 5030). من طريق: محمد بن فضيل، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن أبي أمامة، عن أبيه به. وهذا إسناد حسن كلما قال الحافظ في "الفتح" (8/ 247) والسيوطي في الباب النقول" (ص 65) والعلامة أحمد شاكر في تحقيقه على تفسير الطبري"، وذكره العلامة مقبل بن هادي الوادعي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 75). * * * 218 - عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -، قال: "ما من رجلٍ مسلمٍ يتوضأ، ثم يأتي المسجد لا يأتيه إلا لعبادة؛ إلا كان زائرًا لله -عَزَّ وَجَلَّ-، وحق على المَزُورِ أن يُكْرِمَ الزائر". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 319) أو (7/ 132/ 34606 - العلمية) وأبو عبيد الهروي في"الطهور" (رقم: 6، 9) وهناد في "الزهد" (2/ 471/ 952) والامام أحمد في (الزهد) (ص 151) أو (2/ 88 - 89 - النهضة) أو رقم (818 - دار الكتاب العربي). من طرق؛ عن أبي عثمان النهدي، عن سلمان به. ورُوي مرفوعًا، انظر "الصحيحة" (رقم: 1169).

سؤر المرأة وفضل طهورها

سُؤْر المرأة: 219 - عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه سئل عن سُؤْرِ المرأة، فقال: "هي ألطَفُ بَنَانًا، وأطيبُ ريحًا". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 33) أو (1/ 38/ 348 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 107/ 380) وأبو عبيد الهروي في "الطهور" (رقم: 196). من طريق: إبراهيم بن محمد، عن أيوب، عن أبي يزيد المدني، عن ابن عباس به. ووقع في مطبوعة كتاب "الطهور" لأبي عبيد، بتحقيق الشيخ مشهور: "عن أبي زيد المدني". وهو على الصواب في طبعة دار الصحابة، بتحقيق مسعد السعدني (ص 132/ رقم: 209). وفي "مصنف ابن أبي شيبة": "أبي يزيد المدينيّ"! قلت: والإسناد حسن. أبو يزيد المدني؛ قال عنه الحافظ في "التقريب": "مقبول"، وتعقبه صاحبا "التحرير" بقولهما: "بل صدوق حسن الحديث ... "، وهو الأظهر. وصحّح إسناده مسعد السعدني في تحقيقه على الطهور، وإنما هو حسن فقط. فقه الأثر: تحت هذا الأثر مسألتان: الأولى: الشرب من سؤر المرأة؛ وهو جائز بالإجماع. وكذا التوضوء من فضل سؤرها -وفيه خلاف-. أما التوضوء من فضل طهور المرأة -وهي المسألة الثانية- ففيه كلام للعلماء، فمنهم من يمنع ذلك لحديث: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن فضل طهور المرأة". أخرجه أحمد وأصحاب السنن، وهو مخرج في "إرواء الغليل" (رقم: 11).

ومنهم من يجيز ذلك لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في جفنة، فأراد رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم - أن يتوضأ منه، فقالت: يا رسول الله؛ إني كنتُ جنبًا. فقال: إن الماء لا يجنب". قال الإمام الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ-: "وكره بعض الفقهاء الوضوء بفضل طهور المرأة؛ وهو قول أحمد وإسحاق؛ كَرِهَا فضل طَهُورها، ولم يريا بفضل سؤرها بأسًا". قلت: وذهب المالكية والشافعية إلى جواز ذلك، وقالوا إن حديث النهي محمول على التنزيه، والله أعلم. ومن رَامَ التفصيل فمحلّ ذلك كتب الفقه، ولا مجال هنا للتوسع في بحث المسألة، والله الموفق. * * * 220 - عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، أنه "كان لا يرى بأسًا بسؤر المرأة، إلا أن تكون حائضًا أو جنبًا". أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 52/ 86) -كتاب الطهارة، (22) باب جامع غسل الجنابة. وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 33) أو (1/ 38/ 347 - العلمية) وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 108/ 386) والدارمي في "مسنده" (1/ 702/ 1095 - الداراني) وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 293) وأبو عبيد في "الطهور" (رقم: 197) وابن حزم في "المحلى" (1/ 213). من طرق؛ عن نافع به. قلت: وقد ثبت عن غير واحد من الصحابة والتابعين جواز التوضؤ من فضل سؤر المرأة، وهو الذي تدل عليه أكثر الأحاديث في الباب، والله تعالى أعلم.

طهارة سؤر الهر

طهارة سؤر الهر: 221 - عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه كان يصغي الإناء للهر فيشرب منه، ويقول: "إنما هو من متاع البيت". أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 31) أو (1/ 36/ 324 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 99، 105/ 346، 350) والبيهقي في "السنن" (1/ 246) وأبو عبيد في "الطهور" (رقم: 208). من طرق؛ عن أبي قتادة به. قلت: وفيه طهارة سؤر الهرة، وقد صح ذلك عن أبي قتادة من حديثه مرفوعًا؛ أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السنن وغيرهم، عن كبشة بنت كعب بن مالك -وكانت تحت ابن أبي قتادة- أن أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءًا، فجاءت هرة تشرب منه، فأصغى لها أبو قتادة الإناء حتى شربت. تالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا بنت أخي؟ قالت: فقلت: نعم. فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم أو الطوافات". قلت: وقد ذهب بعض أهل العلم إلي كراهة الوضوء من فضل سؤر الهرة، ويجاب عليه بما قاله الإمام الشافعي- وما أجمل ما قال- فيما نقله الإمام النووي في "المجموع" (1/ 175): "قال الشافعي: الهرة ليست بنجس، فنتوضأ بفضلها، ونكتفي بالخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يكون في أحد قول خلا قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم - حجَّة". * * * 222 - وعن ابن عباس - رضي الله عنه -، أنه قال في الهرة: "هي من متاع البيت". أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 33) أو (1/ 37/ 328 - العلمية) وعبد الرزاق (1/ 102، 103/ 358، 359) وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 301) وأبو عبيد

آخر آية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

في "الطهور" (210). من طريق: عكرمة، عن ابن عباس به. * * * آخر آية نزلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 223 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -، في قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]. قال: "إنها أخر آية أنزلت على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 307/ 11057، 11058) والطبري في "تفسيره" (3/ 76) والنحاس في "معاني القرآن" (1/ 312) والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ رقم: 12040) والبيهقى في "دلائل النبوة" (7/ 137). من طريق: الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح. وسقط ذكر يزيد من"معاني القرآن". وأخرجه الواحدي في "أسباب النزول" (ص 10) وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 64 - 65/ 64) من طريق: الضحاك، عن ابن عباس. وهو منقطع. وأخرجه ابن المنذر (1/ 65/ 65) والبيهقي في "الدلائل" (7/ 137). من طريق: الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. وإسناده تالف: لأجل الكلبي. وأخرج البخاري (4544) عن ابن عباس أنه قال: "آخر آية نزلت على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - آية الربا". وصحّ ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كما تقدم في هذا الجزء (رقم: 129). وللجمع بين هذا الأثر وأثر آية الربا انظر قول الحافظ في "الفتح" (8/ 53/ تحت الحديث رقم: 4544).

المسبية إذا انقضت عدتها واستبرئت جاز نكاحها وإن كانت ذات بعل، فنكاحها من بعلها يفسخ بسبيها

224 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أنه قرأ هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} حتى بلغ: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [البقرة: 282 - 283]، فقال: "هذه نَسَخَتْ ما قبلها". حسن. أخرجه ابن ماجه (2365) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 232) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (6/ 50/ 6337 - شاكر) وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 68/ 74) والبيهقى في "السنن" (10/ 145). من طريق: محمد بن مروان، أخبرنا عبد الملك بن أبي نضرة، عن أبيه، عن أبي سعيد به. وهذا إسناد حسن، وحسّنه الشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (2/ 43/ 1915 - المكتب الإسلامي). وأنكر ابن العربي المالكي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الناسخ والمنسوخ" (ص 63 - ط- دار الكتب العلمية) نسبة هذا القول لأبي سعيد الخدري، والله تعالى أعلم. * * * 225 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -؛ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم حُنَينِ بَعَثَ جيشًا إلي أَوطَاس، فلقوا عدوًّا، فقاتلوهم؛ فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبابا، فكان ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تحرَّجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، "فهُنَّ حلالٌ إذا انقضت عِدَّتُهُنَّ". أخرجه مسلم (1456) وأحمد (3/ 84) أو رقم (11813 - قرطبة) وأبو داود (2155) والنسائي في "الكبرى" (3/ 308/ 5492) و (6/ 321/ 11096) وفي"الصغرى" -المجتبى- (6/ 110) والترمذي (1132، 3016) والطبري في "تفسيره" (5/ 3) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 153 - 154) -[لكنه قال: عن أبي الخليل -أو غيره- عن أبي سعيد،- وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 916/ 5113) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 149 - الحميدان) والطيالسي في "مسنده" (2239) والبيهقي في "السنن" (7/ 167) وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 486/ 1318) وغيرهم.

سماع صالح بن أبي مريم أبي الخليل من أبي سعيد الخدري صحيح خلافا لما ذهب إليه الحافظان المزي وابن حجر

من طريق: قتادة، عن صالح بن أبي مريم أبي الخليل، عن أبي علقمة، عن أبي سعيد به. وخالف عثمانُ البتي قتادةَ؛ فرواه عن صالح أبي الخليل، عن أبي سعيد، دون ذكر علقمة في الإسناد. أخرجه مسلم (1456/ 35) وأحمد (3/ 72) أو رقم (11708 - قرطبة) والنسائي فى "الكبرى" (3/ 308/ 5491) و (6/ 321/ 11097) والترمذي (1132) و (3017) والطبري (5/ 3) وابن المنذر (2/ 635/ 1565) والواحدي (ص 148) وأبو يعلى (2/ 381، 48/ 11429، 1231). قال الإمام النووي في "شرح مسلم" (10/ 34 - 35): "ويحتمل أن يكون إثباته وحذفه كلاهما صواب، ويكون أبو الخليل سمع بالوجهين، فرواه تارة كذا وتارة كذا". وقال العلامة أحمد شاكر في تعليقه على "تفسير ابن جرير" (8/ 154/ 8970):"وقد جزم المزي في "تهذيب الكمال" وتبعه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"بأن رواية أبي الخليل عن أبي سعيد مرسلة! هكذا دون دليل، مع أن مسلمًا روى الحديث بالوجهين؛ أمارة صحتها عنده" اهـ. وفي الأثر من الفقه: أن المسبية إذا انقضت عدْتها واستُبرِئَت، جاز نكاحهما وإن كانت ذات بعل، وأن نكاحها من بعلها المشرك ينفسخ بسبيها، وهذا ما بوَّب به مسلم -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-. * * * فضلُ أهل الشام: 226 - عن خُريم بن فاتك الأسدي - رضي الله عنه - قال: "أهل الشام سوطُ الله في الأرض، يننقم بهم ممن يشاء كيف يشاء، وحرامٌ على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم، ولن يموتوا إلا هَمَّا، أو غيظًا، أو حَزَنًا". أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 499) أو رقم (16113 - قرطبة) من طريق: هيثم بن خارجة، ثنا محمد بن أيوب بن ميسرة بن خالد، قال: سمعتُ

أبي، سمع خريم بن فاتك الأسدي يقول: .. فذكره. وهذا إسناد صحيح كما قال المحدث الألباني في "الضعيفة" (1/ 69 - المعارف). وروي مرفوعًا؛ فقد رواه الوليد بن مسلم، عن محمد بن أيوب به، لكنه رفعه. ولا يصح؛ انظر "الضعيفة" "رقم: 13). ولذا قال المنذري في "الترغيب": "رواه الطبراني مرفوعًا، وأحمد موقوفًا- ولعله الصواب-، ورواتهما ثقات". * * * 227 - عن ميمون بن مهران -رَحِمَهُ اللهُ-، في قوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]. قال: "إلي كتاب الله، والرذ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قُبِضَ؛ إلي سُنَّتِهِ". أخرجه ابن المنذر في "تفسيره" (2/ 768) وابن جرير الطبري (8/ 505/ 9883 - شاكر) والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 474) وابن شاهين في "شرح مذاهب أهل السنة" (ص 44/ رقم: 45 - ط. مؤسسة قرطبة) أو (ص 102/ رقم: 46 - الغرباء الأثرية) وابن بطة في "الإبانة" (1/ 217، 218، 251 - 252/ 58، 59، 85) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 76) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 766/ 1414 - ابن الجوزي) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 375/ 375، 376) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 152 - 153/ 230 - الغرباء الأثرية). من طريقين: عن جعفر بن برقان، عن ميمون به. الأولى: وكيع بن الجراح عنه به. والثانية: محمد بن كناسة عنه به. وهذا اسناد صحيح. وتحرفت في مطبوعة "الإبانة" لابن بطة من محمد بن كناسة التي محمد بن عكاشة! ولم يتنبه إليه محققه؛ فليصحَّح.

وفي الباب عن مجاهد، وعطاء بن أبي رباح. فأمَّا أثر عطاء؛ فقد أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 147) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 1413/765) وابن بطة في "الإبانة" (1/ 252/ 86) والآجري في "الشريعة" (1/ 182/ 112 - ط الوليد سيف النصر). من طرق؛ عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء به. وهو حسن. وأثر مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم وابن جرير واللالكائي وغيرهم، وإسناده ضعيف. * * * 228 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -، في قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6]. قال: "نزلت في الغناء وأشباهه". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 1265) وابن أبي شيبة (6/ 310) أو (4/ 373/ 21130 - العلمية) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (21/ 40) والبيهقي في"السنن الكبرى" (10/ 221، 223) وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (ص 42) وابن الجوزي في"تلبيس إبليس" (ص 263 - ط دار الخير)، من طريق: عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح كما قال الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد" (ص 464). * * * 229 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال في هذه الآية: "هو الغناء والذي لا اله إلا هو"- يردّدها ثلاث مرات. أخرجه ابن أبي شيبة في"مصنفه" (6/ 310) أو (21123/ 373/4 - العلمية) وابن جرير الطبري (21/ 40) والحاكم في "المستدرك" (2/ 411)

سنية رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه

والبيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 223) وفي "شعب الإيمان". (4/ 278/ 5096) وابن أبي الدنيا في "ذم الملاهي" (ص 40) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 263 - ط دار الخير). من طريق: حميد الخراط، عن عمارة بن معاوية الدهني، عن سعيد بن جبير، عن أبي الصهباء، عن ابن مسعود به. قال الحاكم: "صحيح الإسناد". وقال الذهبي: "حميد بن زياد؛ صالح الحديث". قلت: كأنه يعني أن الإسناد إلى الحسن أقرب منه إلى الصحة، وهو هكذا. وقال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "تحريم آلات الطرب" (ص 143): "قال الحاكم: صحيح الإسناد ووافقه الذهبي، وهو كما قالا، وصححه ابن القيم". قلت: الإسناد كما أسلفت حسن؛ حميد بن زياد الخراط؛ قال عنه الحافظ: "صدوق يهم"، وقال صاحبا "التحرير" (1/ 327/ 1546) "بل صدوق حسن الحديث ... "، وهو الأقرب، والله تعالى أعلم. والأثر حسَّن إسناده الشيخ علي الحلبي حفظه الله في "المنتقى النفيس من تلبيس إبليس" (ص 303 - دار ابن الجوزي). * * * سُنِّيَّةُ رفع الأيدي عند الركوع وعند الرفع منه: 230 - عن الحسن البصري -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "كان أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يرفعون أَيدِيَهُم إذا كبَّرُوا، وإذا ركعوا، وإذا رفعوا رؤوسَهُم من الركوع، كأنها المَرَاوح". أخرجه البخاري في "جزء رفع اليدين" (رقم: 29 - جلاء العينين) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 235) أو (1/ 212/ 2432 - العلمية) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 75) وفي "معرفة السنن والآثار" (1/ 218) وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 138) وابن حزم في "المحلى" (4/ 89).

رد ابن عمر على ابن عباس في إباحته نكاح المتعة

من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن عبد البر في "التمهيد" (9/ 217) من طريق: شعبة، عن قتادة به. وفي الأثر أن رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه هو السنة، وهذا بخلاف ما عليه كثير من المالكية والحنفية من عدم القول بهذه السنة، ومخالفتهم لها تعصُّبًا لمذهبهم، ومخالفة لسنة أبي القاسم صلوات الله وسلامه عليه، وقد ثبت الرفع عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في أحاديث كثيرة، ذكرها الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- في "جزء رفع اليدين"، وسيأتي تخريج بعض الآثار في ذلك. ومنه تعلم أن قول بَعض متعصّبي الحنفية بفساد صلاة من يرفع يديه عند الركوع والرفع منه؛ أنه نكوص عن السنة، والله المستعان. * * * تحريم نكاح المتعة: 231 - قال الإمام أبو القاسم الطبراني -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا هاشم بن مَرثَد، قال: حدثنا المعافى بن سليمان، قال: حدثنا موسى بن أعين، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، قال: "أتى عبد الله بن عمر، فقيل له: إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة. فقال ابن عمر: سبحان الله! ما أظنُّ ابنَ عباس يفعل هذا"! قالوا: بلى؛ إنه يأمر به. فقال: "وهل كان ابن عباس إلا غلامًا صغيرًا إذ كان رَسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -". ثم قال ابن عمر: "نهانا عنها رسول - صلى الله عليه وسلم -، وما كنَّا مسافحين". أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (10/ 137 - 138/ 9291 - الطحان) أو (9/ 119/ 9295 - الحرمين). وهذا إسناد حسن؛ رجاله ثقات من رجال الصحيح، خلا المعافى بن

سليمان؛ وهو ثقة، انظر "مجمع الزوائد" (4/ 256). وقال الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (3/ 1171): "إسناده قوي". فقه الأثر: فيه بيان تحريم نكاح المتعة، وقد كانت المتعة حلالًا في أول الإسلام ثم نسخت بالتحريم عام خيبر، كما في حديث علي بن أبي طالب - عليه السلام - في "الصحيحين". وقد ثبت حرمتها عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في غير ما حديث، وكذا عن الصحابة - رضي الله عنهم -. وخالفهم بذلك عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، وقد ردّ عليه هذا القول جمع من الصحابة منهم أمير المؤمنين علي - رضي الله عنه - كما في "الصحيحين"، بل قال له: "إنك رجل تائه، نهانها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها يوم خيبر". واللفظ لمسلم. وفيه من الفقه؛ أن المخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة يردُّ عليه مخالفته، أيًّا كان. وفيه: التَّثبُّت إذا ما بلغ عن رجل أمرٌ ينكر ولا يظن بمثله أن يقوله، وإحسان الظن به. وقوله: "وهل كان ابن عباس إلا غلامًا صغيرًا .. "؛ ذلك أن ابن عباس - رضي الله عنه - كان له من العمر عشر سنين لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وقيل: ثلاث عشرة سنة. وفيه: أن المتعة من جنس السفاح لا النكاح، والله تعالى أعلم. * * * 232 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -، في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النساء: 33]. قال: "كان المهاجرون حين قَدِمُوا المدينةَ يرِثُ الأنصارَ دون رَحِمِهِ للأُخُوَّةِ التي آخى النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - بينهم، فلما نزلت الآية: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ

سبب نزول آية التيمم

وَالْأَقْرَبُونَ}. قال: فنسختها: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ}؛ من النَّصْرِ والنَّصِيحِ والرِّفَادة، ويوصي له، وقد ذهَبَ الميراث". أخرجه البخاري (2292) و (4580) و (6747) وأبو داود (2922) والنسائي في "الكبرى" (4/ 90/ 6417) و (6/ 322/ 1103) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 937/ 5236) وابن جرير الطبري (8/ 277/ 9275 - شاكر) وابن المنذر (2/ 682/ 1694) وأبو جعفر النحاس في "ناسخه" (ص 101 - ط الكتب الثقافية). من طريق: أبي أسامة، ثنا إدريس بن يزيد الأودي، ثنا طلحة بن مصرّف، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. * * * سبب نزول آية التيمّم: 233 - عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعضِ أسفاره، حتى إذا كان بالبيداء، أو بدات الجيش- انقطَعَ عقدٌ لي فأقام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على التماسه، وأقام الناسُ معه؛ وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناسُ إلى أبي بكر، فقالوا: ألا ترى ما صنَعَتْ عائشةُ! أقامت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالناس؛ وليسوا على ماء، وليس معهم ماء! فجاء أبو بكر ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واضع رأسَه على فخذي- قد نام، فقال: حبستِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والناس- وليسوا على ماء، وليس معهم ماء؟! فقال أبو بكر ما شاء أن يقول، وجَعَلَ يطعنُ بيده في خاصِرَتي؛ فلا يمنعني من التحرُّك إلا مكانُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على فخذي، فنام رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أصبح على غير ماءِ؛ فأنزل الله آية التيمّم (فتيمموا) [النساء: 43]. فقال أُسيد بن حضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر. قالت عائشة: فبعثنا البعير الذي كنتُ عليه، فوجدنا العقد تحته". أخرجه البخاري (334، 3672، 4607، 6844) ومسلم (367) ومالك 225

في "الموطأ" (1/ 59 - 60/ 147) والنسائي في "المجتبى" (1/ 163) أو (309) وفي "الكبرى" (1/ 132/ 299 و 6/ 6/ 323/ 11107) وأحمد (6/ 179) أو رقم (25562 - قرطبة) والطبري في "تفسيره" (8/ 400 - 401/ 9635 - شاكر) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 154 - الحميدان) والشافعي في "مسنده" (ص 160) مختصرًا. من طريق: عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة به. * * * 234 - عن عائشة - رضي الله تعالى عنها، في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128]. قالت: "هي المرأة عند الرجل، لا يستكثر منها، فيريدُ أن يطلِّقَهَا ويتزوَّجَ غيرها، فتقول: احبسني ولا تطلّقني؛ وأنت في حِلٍّ من النفقة عليَّ والقسمة لي، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا}. أخرجه البخاري (1531، 460، 5205) ومسلم (3021) وابن أبي حاتم (4/ 1081/ 6045) والنسائي في "الكبرى" (6/ 329/ 11125) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 185 - الحميدان). من طريق: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به. وللآية سبب آخر في نزولها سيأتي تخريجه في هذه السلسلة إن شاء الله تعالى. * * * 235 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال، {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]- قال: "عن بدرٍ، والخارجونَ إلى بدرٍ، قال عبد الرحمن بن جحش الأَسْدِيّ وعبد الله -وهو ابن أم مكتوم-: إنا أعميان يا رسول الله؛ فهل لنا رخصة؟ فنزلت: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً}، فهؤلاء القاعدون غير أولي الضرر، {وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ

لا يركع المأموم حتى يمكن الإمام جبهته من الأرض

عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ} على القاعدين من المؤمنين غير أولي الضرر". أخرجه البخاري (3954، 4595) - مختصرًا- والنسائي في "الكبرى" (6/ 326 - 327/ 11117) والترمذي (3032). من طريق: سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عباس به. * * * 236 - عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، قال: "لما نزلت هذه الآية: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء: 95]، دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدًا، فجاء بكَتِفِ؛ فكتبها. قال: فجاء ابن أم مكتوم؛ فشكا ضرارته إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزلت: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} ". اْخرجه البخاري (2831، 4593، 4594) ومسلم (1898) وأحمد (4/ 282، 284، 299 - 300، 301) أو رقم: (18536، 18559، 18707، 18608 - قرطبة) والنسائي في "الكبرى" (6/ 327/ 11118) وفي "المجتبى" (6/ 10) والترمذي (1670، 3031) والدارمي في "المسند" (3/ رقم: 2464 - الداراني) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (4/ 154) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 705) وابن حبان في "صحيحة" (1/ 228، 229, 303/ 40، 41، 42) والطبري (5/ 228) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 176، 177) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 1043/ 5845) وأبو يعلى في "مسنده" (3/ 269/ 1725) والبيهقي في "السنن" (9/ 23) والبغوي -أبو القاسم- في "الجعديات" (رقم: 2605 - الكويت) أو (2/ 225/ 2523 - الخانجي). من طرق؛ عن أبي إسحاق، عن البراء به. * * * لا يسجد المأموم حتي يمكِّنَ الإمام جبهته من الأرض: 237 - قال الإمام أبو داود -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا الربيع بن نافع، حدثنا أبو إسحاق -يعني الفزاري- عن أبي إسحاق، عن محارب بن دثار، قال:

قول ابن عمر في متعة الحج؛ وأنها السنة، وأن الواجب الأخذ بما جاء في السنة

سمعتُ عبد الله بن يزيد يقول على المنبر: حدثني البراء: (أنهم كانوا يصلُّون مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا ركع ركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده؛ لم نَزَلْ قيامًا حتى يَروْهُ قد وضَعَ جَبهَتَهُ بالأرض، ثم يَتْبَعُونَهُ - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه مسلم (474/ 199) وأبو داود (622) وأبو عوانة في "مسنده" (1/ 497/ 1853) والبيهقي في "السنن" (2/ 92) وأبو يعلى في "مسنده" (3/ 238/ 1686). من طريق: أبي إسحاق الفزاري به. وأخرج البخاري (690 - انظر أطرافه) ومسلم (474) وأحمد (4/ 284، 285) أو رقم (18562، 18568 - قرطبة) وأبو داود (621) والنسائي في "المجتبى" (2/ 96) أو رقم (828) وفي "الكبرى" (1/ 291/ 903) والترمذي (281) والطيالسي (رقم: 718) وابن حبان في "صحيحه" (5/ 605، 606/ 2226، 2227 - الإحسان) والبيهقي في "السنن الكبرى" (2/ 92) والبغوي في "شرح السنة" (رقم: 847) وأبو يعلى في "مسنده" (3/ 251 - 252/ 1697) وغيرهم، من طرق؛ عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن يزيد، عن البراء به نحوه. * * * 238 - عن ابن شهاب الزهري، أن سالم بن عبد الله حدَّثه؛ أنه سمع رجلًا من أهل الشام - وهو يسأل عبد الله بن عمر عن التَّمَتُّعِ بالعمرة إلى الحج، فقال عبد الله بن عمر: "هي حلال". فقال الشامي: إن أباك قد نهى عنها! فقال عبد الله بن عمر: "أرأيتَ إن كان أبي نهى عنها؛ وصنعها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ أأمر أبي يُتَّبَعُ أم أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"؟ فقال الرجل: بل أمر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فقال: "لقد صنعها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه الترمذي (824) وقال: "حديث حسن صحيح".

النهي عن منع النساء من الذهاب إلى المساجد

وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن الترمذي". وفي الأثر: أن الأصل في مسائل الشرع أخذها من الكتاب والسنة، لا من آراء الرجال - مهما كانت منزلتهم. فهذا عبد الله بن عمر يردّ رأي أبيه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب؛ لأنه خلاف فعل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ففيه مدى صدق الصحابة وإخلاصهم واقتفائهم للسنة والحرص عليها، ولو كان في ذلك خلاف ما عليه آباءهم. فكيف الحال اليوم بمن يقدمون آراء الرجال -عالمهم وجاهلهم- على هدي نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله. * * * 239 - عن سالم بن عبد الله بن عمر، قال: قال عبد الله بن عمر: "سمعت رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: "لا تَمْنَعُوا نسَاءَكُم المساجدَ إذا استأذنكم إليها". فقال بلال بن عبد الله: "والله لنَمْنَعُهُنَّ؛ إذًا يتَّخِذْنَهُ دَغَلًا". قال: فأقبل عليه عبد الله، فسبَّه سبَّا سيئًا - ما سمعتُه سبَّهُ مثلَهُ قط، وقال: "أُخبِرُكَ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وتقول أنت: لنَمْنَعُهُنَّ! ". أخرجه مسلم (442) وأبو عوانة (1/ 395/ 1439) من طريق ابن شهاب، عن سالم به. ثم أخرجه مسلم (442) وأحمد (2/ 36، 43، 49، 145) أو رقم (4933، 5021، 5101) شاكر، وأبو داود (568) والترمذي (575) والطيالسي (1894) وأبو عوانة في "مسنده" -أو مستخرجه- (1/ 395/ 1442) وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 147/ 5158) والطبراني في "الكبير" (12/ رقم: 13471، 13472) والبيهقي (3/ 132) وابن حبان (5/ 587 - 588/ 2210). من طرق؛ عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر به.

النهي عن بيع الذهب إلا مثلا بمثل

240 - عن عطاء بن يسار -رَحِمَهُ اللهُ-؛ أن معاوية باع سقاية من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها، فقال له أبو الدرداء: "سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن مثل هذا إلا مِثْلًا بمثل". فقال معاوية: "ما أرى بهذا باسًا". فقال أبو الدرداء: "من يعذرني من معاوية! أُحدِّثهُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وُيخبرني عن رأيه! لا أُسَاكِنُكَ بأرضِ أنت بها". ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ فذكر ذلك له، فكتب عمر التي معاوية: أن لا تَبعْ ذلك إلاَّ مِثلًا بِمثلِ، وورنًا بوزنٍ". أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 133/ 33) -31 - كتاب البيوع، 16 - باب: بيع الذهب بالفضة تبرًا وعينًا، وفي "موطأ مالك" لمحمد بن الحسن الشيباني- روايته- (ص 290/ رقم: 818 - ط دار القلم) والشافعي في "الرسالة" (ص 446/ رقم: 1228) وأحمد (6/ 448) -مختصرًا- والنسائي في "المجتبى" (7/ 279) وفي "الكبرى" (4/ 30/ 6164) وابن بطة في "الإبانة" (1/ 257 - 258/ 94) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 227 - 228/ 294) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 280). من طريق: مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء به. وصححه العلامة أحمد محمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ- في تعليقه على "الرسالة" للإمام الشافعي، وكذا العلامة الألباني في "صحيح سنن النسائي" (رقم: 4236) وقد اختُلِفَ في سماع عطاء من أبي الدرداء - رضي الله عنه -؛ انظر "التمهيد" لابن عبد البر (4/ 70 - وما بعدها). وانظر لفقه الأثر: "التذكرة" للإمام القرطبي (2/ 245 - 246 - ط المكتبة العصرية). وسيأتي مزيد من الكلام على فقهه في الأثر الآتي.

مناقشة عبادة بن الصامت لمعاوية بن أبي سفيان في بيع الذهب بالذهب

241 - وعن أبي قلابة، قال: "كنتُ بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قال: قالوا: أبو الأشعث أبو الأشعث. فجلس، فقلتُ: حدَّث أخانا حديث عبادة بن الصامت. قال: "نعم؛ غزونا غزاة - وعلى الناس معاوية -، فَغَنِمنَا غنائمَ كثيرة، فكان فيما غنمنا؛ آنية فضة، فأمر معاوية رجلًا أن يبيعها في أعطيات الناس، فتسارع الناسُ في ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام فقال: "إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن بيع الذهَب بالذَّهَب، والفضة بالفضَّةِ، والبُرِّ بالبُرِّ، والشعير بالشعير، والتمرِ بالتمرِ، والملحَ بالملح؛ إلا سواءَ بسواء، عينًا بعين، فمن زادَ أو ازدادَ فقد أَرْبَى". فردَّ الناسُ ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبًا، فقال: "ألا ما بالُ رجال يتحدَّثون عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحاديثَ قد كُنَّا نشهدُه ونصحبُه؛ فلم نَسمَعْهَا منه"! فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة، ثم قال: "لنَتَحَدَّثَن بما سمعنا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كَرِهَ معاوية- وفى رواية: وإن رغم أنف معاوية-، ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء". أخرجه مسلم (1587) والدارمي (3/ 1685/ 2621 - الداراني) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 277) وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 78 - 79 - الطبعة المغربية) والهروي في "ذم الكلام " (2/ 233/ 301). من طريقين عن أبي قلابة به: 1 - خالد الحذاء عنه به. 2 - أيوب عنه به. وأخرجه أحمد (5/ 319) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 104/ 2535) والنسائي في "الكبرى" (4/ 29/ 16159) وفي "المجتبى" (7/ 319) أو رقم (4580) والبيهقي (5/ 478) والمزي في "تهذيب الكمال" (7/ 164) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 234/ 302) وابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 76، 76 - 77).

جواز الهجر لمن خالف السنة أو أخذ برأيه مقابل السنة

من طريق: إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر، عن عبادة بن الصامت به بنحو منه. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن ماجه (1/ 8) مقدمة السنن، وابن بطة (256 - 257/ 93) من طريق: برد بن سنان، عن أبي إسحاق بن قبيصة، عن أبيه، عن عبادة به. فقه الأثر: قال ابن بطة -رَحِمَهُ اللهُ- في "الإبانة" (1/ 259 - 265): "فاعتبروا يا أولي الأبصار! فشتَّان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار الذين ملئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم، والشح على أديانهم؛ وبين زمان أصبحنا فيه وناس نحن منهم وبين ظهرانيهم -هذا عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وسيد ساداتهم- يقطع رَحِمَهُ، ويهجُرُ حميمه؛ حين عارضه في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وحلف أيضًا على قطيعته وهجرانه، وهو يعلم ما في صلة الأقربين وقطيعة الأهلين. وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء - سمَّاهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حكيم هذه الأمة - وأبو سعيد الخدري؛ يظعنون عن أوطانهم، وينتقلون عن بلدانهم، ويظهرون الهجرة لإخوانهم؛ لأجل من عارض حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتوقَّفَ عن استماع سُنَّتِهِ. فيا ليت شعري! كيف حالنا عند الله -عَزَّ وَجَلَّ- ونحن نلقى أهل الزيغ صباحنا ومساءنا - يستهزئون بآيات الله، ويعاندون سنة رسول - صلى الله عليه وسلم -؛ حائدين عنها، وملحدين فيها؟! سلَّمنا اللهُ وإياكم من الزيغ والضلال" اهـ. وقال الحافظ ابن عبد البر الأندلسي في "التمهيد" (4/ 86 - 87): "فقول عبادة: (لا أساكنك بأرض أنت بها)، وقول أبي الدرداء على ما في حديث زيد بن أسلم - يحتمل أن يكون القائل ذلك قد خاف على نفسه الفتنة لبقائه بأرض ينفذ فيها في العلم قول خلاف الحق عنده، وربما كان ذلك منه أَنَفَةَ لمجاورة من ردَّ عليه سنَّةَ علمها من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برأيه، وقد تضيقُ صدور العلماء عند مثل هذا، وهو عندهم عظيم - ردُّ السنن بالرأي.

وجائزٌ للمرء أن يهجُرَ من خاف عليه ولم يسمع منه، ولم يطعه، وخاف أن يُضِلُّ غيره، وليس هذا من الهجرة المكروهة - ألا ترى أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمر الناس أن لا يُكَلِّمُوا كعبَ بن مالك حين أحدَثَ في تخلفه عن تبوك ما أحدث- حنى تاب الله عليه؛ وهذا أصل عند العلماء في مجانبة من ابتدع، وهجرته، وقطع الكلام معه" اهـ. * * * 242 - وعن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه -، أنه رأى رجلًا يخذف، فقال له: "لا نخذف؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الخذف، وقال: "إنه لا يُصَادُ به صَيدٌ، ولا يَنكأُ به عدوّ، ولكنها قد تكسِّر السن، وتفقأ العين". ثم رآه بعد ذلك يخذف، فقال له: "أحدِّثُكَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الخذف؛ وأنت نحذف! لا أكلمك أبدًا". أخرجه البخاري (4841، 5479، 6220) ومسلم (1954) وأحمد (4/ 86) و (5/ 54، 55، 56) أو رقم (20596، 20607، 20617 - قرطبة) وأبو داود (5270) والنسائي (8/ 47) -المجتبى- وابن ماجه في مقدمة "السنن" (1/ 8/ 17) ورقم (3226، 3227) والحميدي في "مسنده" (2/ 393 - 394/ 887) والدارمي في "مسنده" (1/ 406، 407/ 453، 454) وابن حبان في "صحيحه" (13/ 278/ 5949) والبغوي في "شرح السنة" (10/ 267/ رقم: 2574، 2575) والطيالسي (914، 919) والبيهقي (9/ 248) والحاكم (4/ 283) وابن بطة في "الإبانة" (1/ 259/ 96) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 257 - 258/ 322). من طرق؛ عن عبد الله بن مغفل به. فقه الأثر: قال الإمام النووي -رَحِمَهُ اللهُ- في "المنهاج" شرح الجامع الصحيح لإمام مسلم بن الحجاج (13/ 106): "فيه هجران أهل البدع والفسوق ومنابذي السُّنَّة مع العلم، وأنه يجوز هجرانه دائمًا، والنهي عن الهجران فوق ثلاثة أيام- إنما هو فيمن هجر لحظّ نفسه ومعايش الدنيا، وأما أهل البدع ونحوهم- فهجرانهم دائمًا،

قصة هجر عائشة لعبد الله بن الزبير ئم رجوعها عن ذلك

وهذا الحديث مما يؤيده مع نظائر له؛ كحديث كعب بن مالك وغيره" اهـ. ونحوه في "الفتح" (9/ 608) للحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ-. * * * هجرُ عائشةَ لعبد الله بن الزبير، ثم رجوعها عن ذلك: 243 - عن عوف بن الحارث -وهو ابن أخي عائشة لأمها-[كما في "المسند" للإمام أحمد]؛ أن عائشة حدَّثته: أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته: "والله لتنتهينَّ عائشةُ؛ أو لأحجُرَنَّ عليها"! فقالت: "أهو قال هذا"؟! قالوا: نعم. قالت: "هو لله عليَّ نَذْرٌ أن لا كلِّمَ ابنَ الزبير أبدًا". فاستَشْفَعَ ابنُ الزبير إليها حين طالت الهجرة، فقالت: "لا والله؛ لا أشفع فيه أبدًا، ولا أتحنَّثُ إلي نذري". فلما طال ذلك على ابن الزبير؛ كلَّمَ المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغو-وهما من بني زهرة- وقال لهما: "أنشدُكما بالله؛ لمَا أدخَلْتُمَاني على عائشة، فإنها لا يحلُّ لها أن تنذرَ قطيعتي". فأقبل به المسورُ وعبد الرحمن مُشْتَمِلَيْنِ بأرديتهما، حتى أستأذنا على عائشة، فقالا: "السلامُ عليكِ ورحمةُ الله وبركاته؛ أندخُلُ"؟ قالت عائشة: "ادخلوا". قالوا: "كلنا"؟ قالت: "نعم؛ ادخلوا كلكم" -ولا تعلم أن معهما ابنَ الزبير- فلما دخلوا دخل ابنُ الزبير الحجاب، فاعتنق عائشة، وطفِقَ يناشِدُها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يُنَاشِدَانِهَا إلا ما كلَّمَتهُ وقبِلَت منه، ويقولان: "إن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عما قد علمتِ من الهجرة؛ فإنه لا يحل لمسلم أن يهجُرَ أخاه فوق ثلاث ليالٍ".

تعجب الجن من طواعية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لنبيهم

فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج؛ طفقت تذكِّرُهما وتبكي، وتقول: "إني نذرتُ؛ والنذرُ شديدٌ". فلم يزالا بها حتى كلَّمت ابنَ الزبير، وأعتَقَت في نذرها ذاك أربعين وقية. وكانت تذكرُ نذرَها بعد ذلك فتبكي حتى تبلَّ دموعها خمارَها". أخرجه البخاري في "الصحيح" (6073، 6075) وفي "الأدب المفرد" (397) وأحمد (4/ 327، 328) أو رقم: (18974 - 18976 - قرطبة) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 402 - 403). من طريق: الزهري، عن عوف به. ووقع اختلاف في اسم عوف؛ فمنهم من قال: عوف بن الحارث، ومنهم من قال: الطفيل بن الحارث، ومنهم من قال: عوف بن مالك بن الطفيل. والراجح ما ذكرناه هنا في الإسناد، وانظر للتفصيل والإستزادة كتاب "الهجر" للعلامة مشهور بن حسن آل سلمان -حفظ الله تعالى- (ص 165 - 166). وأخرجه البخاري (3505) من طريق: أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال: "كان عبد الله بن الزبير أحبَّ البشر إلى عائشة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، ... " فذكره بنحو منه. * * * 244 - قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا مؤمل؛ قال أبو عوانة: حدثنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن أبن عباس، قال في قول الجن: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19] [الجن: 19]، قال: "لما رَأَوْهُ يُصَلي بأصحابه، ويصلُّونَ بصلاته، ويركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده؛ تعجَّبُوا من طَوَاعِيَةِ أصحابه له، فلما رجعوا إلى قومهم قالوا: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ} -يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - {يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} ". صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 252، 270) أو رقم (2271،

استماع الجن للقرآن

2431 - شاكر) - واللفظ للموضع الثاني- ولفظه في الموضع الأول: قال ابن عباس: (ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجن ولا رآهم؛ انطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طائفة سن أصحابه عامدين إلى سوف عكاظ- وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسِلَت عليهم الشُّهُب- قال: فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأُرسلت عليا الشهبُ. قال: فقالوا: ما حَالَ بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حَدَثَ، فاضربوا مشارقَ الأرض ومغاربها - فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء. قال: فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها - ببتغون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء. قال: فانصرف النفر الذين توجهوا نحو تهامة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر- قال: فلما سمعوا القرآن استمعوا إليه، وقالوا: هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء. قال: فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، فقالواة يا قومنا {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} الآية. فأنزل الله على نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ}، وإنما أوحي إليه قولُ الجن". قلت: وبهذين اللفظين أو أحدهما أخرجه: البخاري (773، 4921) ومسلم (449) والنسائي في "الكبرى" (6/ 499/ 11624) والترمذي (3323) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (29/ 118) والبغوي في، تفسيره - معالم التنزيل" (4/ 173) والطبراني في "الكبير" (12/ رقم: 12449) وابن حبان (14/ 460/ 6526) والحاكم (2/ 553) والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 225 - 226) وأبو عوانة (2/ 452، 453/ 3794، 3795). من طرق؛ عن أبي عوانة به. فقه الأثر: قول ابن عباس - رضي الله عنهما -: "ما قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الجن وما رآهم". قال البيهقي في "الدلائل" (2/ 227): "وهذا الذي حكاه عبد الله بن عباس

استلام الحجر الأسود وتقبيله

إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعلمت بحاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليه ولم يرهم كما حكاه. ثم أتاه داعي الجن مرّة أخرى؛ فذهب معه، وقرأ عليهم القرآن -كما حكاه عبد الله بن مسعود، ورأى آثارهم وآثار نيرانهم- والله أعلم، وعبد الله بن مسعود حفظ القصتين معًا" اهـ. وفيه: حقيقة الجن، وأنهم مخلوقون، ومنهم الكافر ومنهم المؤمن؛ كما تواترت بذلك دلائل الشريعة من كتاب وسنة، ومن أنكر ذلك كان كافرًا لإنكاره آيات الكتاب المبين، وأحاديث رسول الله الأمين - صلى الله عليه وآله وسلم -. وفيه: الطواعية التي كانت عند الصحابة لنبيهم صلوات الله وسلامه عليه، وأن هذه الطواعية بلغت مبلغًا أن أعجبت الجن منهم، فرضي الله عنهم، وحشرنا معهم، بمنه وكرمه. * * * 245 - عن الزبير بن عربي، قال: سأل رجلٌ ابن عمر - رضي الله عنه - عن استلام الحجر، فقال: "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويُقَبلُهُ". قال: أرأيتَ إن زُحِمْتُ، أرأيتَ إن غُلِبتُ؟! قال: "اجعل أرأيتَ باليمن، رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمه ويقبله". أخرجه البخاري (1611) وأحمد (2/ 152) والنسائي في "المجتبى" (5/ 231) أو رقم (2946) والترمذي (861) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 1864) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 223/ 289). من طرق؛ عن حماد بن زيد، عن الزبير بن عربي به. ووقع عند النسائي: الزبير بن عدي. فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/ 475): "وإنما قال له ذلك لأنه فهم منه معارضة الحديث بالرأي فأنكر عليه ذلك، وأمره إذا سمع الحديث أن يأخذ به ويتقي الرأي" اهـ.

جواز تقبيل الصائم لزوجه

246 - عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: قال عمر: "إذا رميتم الجمرة، وذبحتم، وحلَّقتم؛ فقد حَلَّ لكم كل شيء حَرُمَ عليكم - إلا النساء والطيب". قال سالم: "وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "طَيَّبتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لحرمه قبل أن يُحرِمَ، ولحِلِّهِ بعد ما رمى الجمرة وقبل أن يزور". قال سالم: "وسنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن تُتَّبَعَ". أخرجه الحميدي في "مسنده" (1/ 105/ 212) والشافعي في "المسند" (2/ 298 - 299) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 135) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 228 - 229/ 295). من طريق: سفيان بن عينة، ثنا عمرو بن دينار، عن سالم به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 231/ 4044) من طريق: أبي حذيفة، ثنا سفيان، ثنا عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عمر، قال عمر: .. فذكره. وقال في آخره: "فسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق أن يؤخذ بها من سنة عمر". وأخرجه أحمد (6/ 106) أو رقم (24862 - قرطبة) من طريق: مؤمل، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، قال سالم: ... فذكره. * * * جواز تقبيل الصائم لزوجه: 247 - عن أبي النضر -مولى عمر بن عبيد الله- أن عائشة بنت طلحة أخبرته: أنها كانت عند عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -، فدخل عليها زوجها هناك -وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق- وهو صائم. فقالت عائشة: "ما يمنعُكَ أن تدنو من أَهلِكَ فتقبِّلَها وتلاعبَها"؟ فقال: أقبِّلُها وأنا صائم؟!

قالت. "نعم". أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 193/ 16) - 18 - كتاب الصيام، (5) باب ما جاء في الرخصة في القُبلة للصائم. وفي "الموطأ" برواية محمد بن الحسن الشيباني (ص 125/ رقم: 353) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 95/ 3399). من طريق: مالك، عن أبي النضر به. وهذا إسناد صحيح؛ كما قال المحدث الألباني في "الصحيحة" (1/ 432). فقه الأثر: فيه جواز القبلة للصائم وأنه مما لا يفطر به، وبهذا تواترت الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم -. وفرَّق بعض العلماء بين الشاب والشيخ الكبير. قال الزرقاني في شرحه على الموطأ (2/ 216 - ط. المكتبة العصرية): "ولعلها قصدت إفادة الحكم؛ وإلا فمعلوم أنه لا يقتلها بحضور عمته أم المؤمنين. وقال أبو عبد الملك: تريد: ما يمنعك إذا دخلتما، ويحتمل أنها شكت لعائشة قلة حاجته إلى النساء، وسألتها أن تكلمه؛ فأفتته بذلك - إذ صحَّ عندها ملكه لنفسه. (فقال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم) وفي هذا دلالة على أنها لا توى تحريمها، ولا أنها من الخصائص، وأنه لا فرق بين شاب وشيخ؛ لأن عبد الله كان شابًا .. " اهـ. * * * 248 - عن حكيم بن عقال، قال: سألتُ عائشة - رضي الله عنها -: "ما يَحرُمُ عليَّ من امرأتي وأنا صائم"؟ قالت: "فرجها". أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 95/ 3400) قال: حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا شعيب، قال: ثنا الليث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن أبي مرة -مولى عقيل- عن حكيم بن عقال به.

يحل للرجل من امرأته وهو صائم كل شيء إلا الجماع

وهذا إسناد صحيح؛ كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 177) تحت الحديث رقم (1927)، والشيخ الألباني في "الصحيحة" (1/ 435). وعلّقه البخاري في"صحيحه" -30 - كتاب الصوم، (23) باب المباشرة للصائم. قال: وقالت عائشة - رضي الله عنها -: "يحرم عليه فرجها". فقه الأثر: فيه دليل بأن الصائم يحل له الإستمتاع بامرأته دون الجماع، فيجوز له المباشرة والتقبيل، وغير ذلك. قال الحافظ ابن خزيمة -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه" (3/ 242): "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم، والدليل على أن اسم الواحد قد يقع على فعلين -أحدهما مباح، والآخر محظور- إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع، ودلَّ الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور، قال المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: "إن الجماع يفطر الصائم"، والنبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - قد دلَّ بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة" اهـ. * * * 249 - عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، أن ابن مسعود - رضي الله عنه - "كان يباشر امرأته نصف النهار وهو صائم". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (317/ 2/ 9430 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (190/ 4) والبيهقي في "السنن" (4/ 234). من طريق: زكريا، عن الشعبي، عن أبي ميسرة به. وصحح إسناده الألباني في "الصحيحة" (1/ 436) على شرط الشيخين. * * * 250 - وعن مسروق، قال: سألت عائشة: ما يحلُّ للرجل من امرأته صائمًا؟ قالت: "كل شيءٍ إلا الجماع". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 190) عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن مسروق به،

سورة المائدة آخر سورة نزلت

وصحح إسناده الحافظ في "الفتح" (4/ 177). * * * 251 - وسأل رجلٌ سعدَ بن أبي وقاص: أَتُبَاشِرُ وأنتَ صائم؟ قال: "نعم، وآخذ بجهازها". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 317/ 9429) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 95/ 3397). من طريق: الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن سالم الدوسي، عن سعد به. وهذا إسناد صحيح على شرط الإمام مسلم؛ كما قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (1/ 436 - 437). وليس عند الطحاوي زيادة: "وآخذ بجهازها". * * * 252 - عن جُبير بن نفير، قال: دخلتُ على عائشة، فقالت لي: "هل تقرأُ سورة المائدة"؟ قلت: نعم. قالت: "أما إنها آخر سورة نزلت؛ فما وجدتم فيها من حلالٍ فاستحلُّوه، وما وجدتم فيها من حرامٍ فحرِّموه". قال: وسألتها عن خُلُقِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: "القرآن". صحيح. أخرجه أحمد (188/ 6) أو رقم (25655 - قرطبة) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/ 333/ 11138) والحاكم (2/ 311) والبيهقي (7/ 172) والنحاس في "ناسخه" (ص 141) وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 239 - ابن كثير). من طريق: معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير به. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي.

الكفر بالرجم كفر بالقرآن

وإنما هو على شرط مسلم دون البخاري - فإن معاوية عن أبي الزاهرية، وجبير بن نفير؛ لم يخرج لهم البخاري. ومعاوية بن صالح بن حدير؛ صدوق له أوهام - كذا قال الحافظ في "التقريب"، قلت: وقد وثَّقه جمع كبير. وأبو الزاهرية؛ هو: خدير بن كريب؛ وثقه جمع من الأئمة، وقال أبو حاتم والدارقطني: "لا بأس به". * * * 253 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال "من كَفَرَ بالرَّجم فقد كفرَ بالقرآن من حيث لا يحتسِبُ، وذلك قولُ الله تعالى: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة: 15]، فكان ممَّا أخفوا الرجمَ". صحيح. أخرجه النسائي في"الكبرى" (4/ 275/ 7162 و 6/ 333/ 11139) والطبري في "تفسيره" (6/ 103) وابن حبان (10/ 276 - 277/ 4430) والحاكم (4/ 359). من طريق. علي بن الحسين بن واقد، ثنا أبي، حدثني يزيد النحوي، حدثني عكرمة، عن أبن عباس به. وهذا إسناد صحيح؛ كما قال الحاكم والذهبي. * * * 254 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عمرو بن عباس، حدثنا عبد الرحمن، حدثنا سفيان، عن واصل، عن أبي وائل، قال: جلست إلى شيبة في هذا المسجد، قال: جلس إلي عمر في مجلسِكَ هذا، فقال: "هممتُ أن لا أدَعَ فيها صفراءَ ولا بيضاءَ إلا قسَمْتُها بين المسلمين". قلتُ: ما أنتَ بفاعل. قال: "لمَ"؟! قلتُ: لم يَفعَلْهُ صاحِبَاكَ.

ذم القياس في الدين

قال: "هما المرآنِ يفتَدَى بهما". أخرجه البخاري (7275). فقه الأثر: قوله: (جلست إلى شيبة)؛ هو: ابن عثمان بن طلحة العبدري حاجب الكعبة. فتح (13/ 266). قوله: (صفراء): كناية عن الذهب. وبيضاء: كناية عن الفضة. قوله: (أن لا أدع فيها) .. قال ابن بطّال في شرحه على "صحيح البخاري" (10/ 333 - 334 - الرشد): "يعني: ذهبًا ولا فضة؛ أراد أن يقسم المال الذي يجمع بمكة، وفضل نفقتها ومؤنتها، ويضعه في مصالح المسلمين. فلما ذكره شيبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر لم يعرضا له؛ لم يسعه خلافهما، ورأى أن الإقتداء بهما واجب .. ". وقال الحافظ في "الفتح" (13/ 266) - بعد ذكره لكلام ابن بطال-: "وتمامه: أن تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - منزل منزَّلٌ حكمه باستمرار ما ترك تغييره؛ فيجب الإقتداء به في ذلك، لعموم قوله تعالى: {وَاتَّبِعُوهُ}، وأما أبو بكر- فدلَّ عدم تعرُّضِه؛ على أنه لم يظهر له من قوله - صلى الله عليه وسلم - ولا من فعله ما يعارض التقرير المذكور، ولو ظهر له لفعله -لا سيما مع احتياجه للمال لقلته في مدَّته- فيكون عمر مع وجود كثرة المال في أيامه أولى بعدم التعرض" اهـ. * * * ذم القياس في الدِّين: 255 - عن ابن سيرين -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "أوَّل من قاسَ إبليسُ، وما عُبدَت الشمسُ والقمرُ إلا بالمقاييس". حسن. أخرجه الدارمي في"مسنده" (1/ 280/ 195 - الداراني) والطبري في "تفسيره" (8/ 98) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 892/ 1675) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 466/ 506) وابن حزم في "الإحكام" (8/ 1381) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 281/ 364 - الغرباء) والبيهقي في "المدخل" (1/ 206/ 223).

من طريق: يحيى بن سُليم الطائفي، قال: سمعتُ داود بن أبي هند، عن ابن سيرين به. وهذا إسناد حسن. يحيى بن سُليم الطائفي؛ وثقه ابن معين وابن سعد، وقال النسائي: "ليس بالقوي"، وقال الحافظ: "صدوق سيّئ الحفظ". قلت: وهو إن شاء الله لا ينزل عن رتبة الحسن؛ فإنما أنكر عليه روايته عن عبيد الله بن عمر، فقد قال البخاري: "يروي أحاديث عن عبيد الله بن عمر؛ يهم فيها". * * * 256 - عن مسروق، قال: "إني أخافُ أن أقيسَ؛ فتزِلَّ قدمي". صحيح. أخرجه الدارمى (1/ 281/ 197) وابن عبد البر فى "جامع بيان العلم" (2/ 892 - 893/ 1676 - 1678) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 458/ 489). من طرق؛ عن الشعبي عنه. * * * 257 - وعن الشعبي أنه قال: "والله لئن أَخَذتُم بالمقاييس؛ لتُحَرِّمُن الحلالَ، ولتُحِلُّنَّ الحرامَ". أخرجه الدارمي (1/ 281/ 198) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 281/ 366) من طريق: صدقة بن الفضل، عن أبي خالد الأحمر، عن إسماعيل، عن الشعبي به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 893/ 1679) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 460، 461/ 494، 497) والبيهقي في "المدخل" (225) من طريق. عيسى بن أبي عيسى الحناط، عن الشعبي به.

السنة في الطواف أن يستلم الرجل الحجر الأسود والركن اليماني فقط

وهذا إسناد تالف؛ الحناط هذا متروك، لكنه يصح بما قبله، تنبيه: 1 - لم ينبه محقق كتاب "جامع بيان العلم" ط ابن الجوزي لطريق الدارمي هذه. 2 - قال محقق كتاب "الفقيه والمتفقه" ط ابن الجوزي: "رواه الدارمي (1/ 47) من طريق: عيسى الحناط به"!! وإنما هو من طريق أبي خالد الأحمر كما تقدم، ولم يروه من طريق عيسى هذا. * * * 258 - عن أبي الطفيل، قال: كنتُ مع ابن عباس، ومعاوية - لا يمرُّ بركن إلا استلمه. فقال ابن عباس: "إن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم - لم يكُن يَسْتَلِمُ إلا الحجَرَ الأسودَ والرُّكنَ اليماني". فقال معاوية: "ليس شيءٌ من البيت مهجوراً". [فقال ابن عباس: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]. فقال معاوية: "صَدَقتَ"]. أخرجه الترمذي (858) وأحمد (1/ 246، 332، 372) أو رقم (2210، 3074، 3532 - شاكر) عن أبي الطفيل به. وأخرجه البخاري (1608) عن أبي الشعثاء نحوه. وأخرجه أحمد (1/ 217) أو رقم (1877 - شاكر) من طريق: خُصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس به، والزيادة الأخيرة له. وصحّح إسناده العلامة أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ-. فقه الأثر: فيه: أن السنة استلام الركن اليماني والحجر الأسود فقط في الطواف في الحج. قال الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ- مجيباً عن قول من قال: "ليس شيء من البيت مهجوراً"-:"بأنا لم نَدَعْ استلامهما هجراً للبيت، وكيف يهجره وهو يطوف به؟ ولكنا نتبع السنة فعلاً وتركاً، ولو كان ترك استلامهما هجراً لهما؛ لكان ترك

السنة إذا دخل الرجل المسجد والناس ركوع أن يركع دون الصف ثم يدب ماشيا إلى أن يصل الصف وهو راكع

استلام ما بين الأركان هجراً لها، ولا قائل به" اهـ. من "تحفة الأحوذي" (3/ 701 - ط دار إحياء التراث العربي). * * * - السنة للرجل إذا دخل المسجد والناس ركوع أن يركع ويمشي حتى يدخل الصف: 259 - قال الإمام الطبراني -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا محمد بن نصر، ثنا حرملة بن يحيى، ثنا ابن وهب؛ أخبرني ابن جريج، عن عطاء؛ أنه سمع ابن الزبير على المبنر بقول: "إذا دخل أحدُكُم المسجدَ والناسُ ركوعٌ فليركعْ حين يَدْخُلَ، ثم يَدِبُّ راكعاً حتى يدخُلَ في الصَّفِّ؛ فإن ذلك السنة". قال عطاء: وقد رأيتُه يصنع ذلك. قال ابن جريج: وقد رأيتُ عطاء يصنع ذلك. أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8/ 11/ 7012 - الطحان) أو (7/ 115/ 7016 - الحرمين) وابن خزيمة (رقم: 1571) والحاكم (1/ 214) والبيهقي (3/ 106). من طريق: ابن وهب به. وصححه الحاكم والذهبي، ووافقهما الألباني في "الصحيحة" (1/ 454). وقال الشيخ الألباني بعد قول الطبراني:"لا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد، تفرَّد به حرملة". قال الألباني: "قلت: وهو ثقة من رجال مسلم، ومن فوقه ثقات من رجال الشيخين. ومحمد بن نصر؛ هو ابن حميد الوازع البزَّار، وسمّاه غير الطبراني أحمد كما ذكر الخطيب (ج 3/ ترجمته 1411، وج 5/ ترجمته 2625)، وقال: "وكان ثقة". والحديث قال الهيثمي (2/ 96): "رواه الطبراني في "الأوسط"، ورجاله رجال الصحيح".

قلت: فالسند صحيح إن كان ابن جريج سمعه من عطاء؛ فقد كان مدلّساً، وقد عنعنه، ولكن قوله في آخر الحديث: "وقد رأيتُ عطاء يصنع ذلك"؛ مما يشعر أنه تلقَّى ذلك عنه مباشرة؛ لأنه يبعد جدًّا أن يكون سمعه عنه بالواسطة، ثم يراه يعمل بما حدّث به عنه، ثم لا يسأله عن الحديث ولا يعلو به، هذا بعيد جدًّا، فالصواب أن الإسناد صحيح. ثم رأيتُ في "مصنف عبد الرزاق" (2/ 284/ 3386) ما يؤيد ما ذكرته من التلقي عن عطاء مباشرة" اهـ. قال أبو عبد الله -عفا الله عنه-: قول الطبراني: "تفرَّد به حرملة"؛ مُتَعَقَّبٌ برواية سعيد بن الحكم بن أبي مريم، قال: أخبرني عبد الله بن وهب به - عند ابن خزيمة والحاكم والبيهقي. وقول العلامة الألباني بأن محمد بن نصر؛ هو: ابن حميد الوازع البزار؛ غير دقيق، والأقرب أنه: محمد بن نصر أبو جعفر الهمداني حمويه؛ وهو الذي يروي عن حرملة بن يحيى، وهو صدوق رحَّال؛ كما في "تاريخ الإسلام" (ص 300/ حوادث: 291 - 300) و"بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني" للعلامة حماد الأنصاري -رَحِمَهُ اللهُ- (ص 313/ رقم: 621). وقول محقق"مجمع البحرين" الأستاذ عبد القدوس بن محمد نذير (2/ 91): "محمد بن نصر القطان؛ لم أجده"! بعيد. والله تعالى أعلم. * * * 260 - وعن زيد بن وهب، قال: خرجتُ مع عبد الله- يعني: ابن مسعود -من داره إلى المسجد، فلما توسَّطنا المسجد؛ ركع الإمام، فكبَّرَ عبدُ الله وركع وركعتُ معه، ثم مشينا راكعَيْنِ، حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسَهُم، فلما قضى الإمام الصلاة؛ قمتُ وأنا أرى أني لم أدْرِكْ، فأخذ عبدُ الله بيدي وأجلسني، ثم قال: "إنك قد أدركتَ". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 229/ 2622 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 283/ 3381) والطحاوي في "شرح معانى الآثار" (1/ 397/ 2322 - عالم الكتب) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9353، 9354، 9355) والبيهقي (2/ 90 - 91).

من طرق؛ عن زيد بن وهب به. وصححه الألباني في "الصحيحة" (1/ 455). فقه الأثر: 1 - فيه أن إدراك الركوع مع الإمام إدراك الركعة. 2 - أن السنة إذا دخل الرجل المسجد والإمام راكع أن يكبر ثم يركع ويمشي راكعاً حتى يصل الصف. وفي الباب آثار عن عدد من الصحابة؛ انظر"المصنف" لابن أبي شيبة، و"مصنف عبد الرزاق" و"شرح المعاني" للطحاوي و"الصحيحة" للألباني تحت الحديث رقم: (229). وانظر لزاماً "الصحيحة" (1/ 457 - 461/ 230) لدفع التعارض مع حديث آخر في الباب. * * * 261 - عن عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما -، قال:"نزلت هذه الآية في النجاشي وأصحابِهِ: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: 83]. صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 336/ 11148) والطبري في "تفسيره" (7/ 5) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1185/ 6689). من طريق: عمرو بن علي الفلاس، ثنا عمر بن علي بن مقدّم، قال: سمعتُ هشام بن عروة، يُحَدِّثُ عن أبيه، عن عبد الله به. وهذا إسناد صحيح. وعمر بن علي بن عطاء، ثقة - شديد التدليس؛ لكنه صرَّح هنا بالسماع. والأثر أودعه الشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 99 - 100).

262 - عن هُزيل بن شرحبيل، قال: جاء رجلٌ إلى أبي موسى الأشعري وسلمان بن أبي ربيعة؛ فسألهما عن: ابنة، وابنة ابن، وأخت لأب، وأم؟ فقالا: "لابنته النصف، والأخت من الأب والأم النصف، ولم يورث ابنة الابن شيئاً، وائْتِ ابنَ مسعودٍ؛ فإنه سيتابعنا". فأتاه الرجلُ، فسألَهُ، وأخبره بقولهما، فقال: "لقد ضَلَلْتُ إذاً وما أنا من المهتدين، ولكني سأقضي فيها بقضاء النبي -صلى الله عليه وسلم -؛ لابنته النصف، ولابنة الابن سهم تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت من الأب والأم". قال: فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: "لا تسألوني ما دام هدا الحَبْرُ فيكم". أخرجه البخاري (6736، 6742) وأحمد في المسند" (1/ 389، 428) أو رقم (3691، 4073 - شاكر) والنسائي في "الكبرى" (4/ 70/ 6328) وأبو داود (2890) والترمذي (2093) وابن ماجه (2721) والطيالسي في "مسنده" (375) والدارمي (4/ رقم: 2932) والبيهقي (6/ 230) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (11/ 245 - 246) وابن الجارود (962) والطحاوي في "مشكل الآثار" (4/ 392) والحاكم (4/ 334 - 335) وأبو يعلى في "مسنده" (9/ 44 - 45، 153/ 5108، 5235) والبغوي في "شرح السنة" (8/ 333/ 2218) وغيرهم. من طرق؛ عن أبي قيس الأودي، عن هزيل به. بعضهم بهذا اللفظ، وبعضهم بنحوه. فقه الأثر: فيه: وجوب الرجوع إلى السنة عند معرفتها واستبيانها، وعدم الركون إلى الرأي. وفيه: أن الإعتداد بالرأي والاعراض عن السنة ضلال مبين. وفيه: فضيلة لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وأنه حَبْرٌ من أحبار هذه الأمة؟ والحبر هو العالم؛ سُمِّيَ بذلك لتحبيره في العلم، وقيل: لتحبيره العلوم وتحسينها.

عدة المتوفى عنها زوجها

وفيه: أن الحجة عند التنازع سنة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيرجع إليها، ولا يُلتفت حينئذٍ إلى الآراء والمذاهب وغير ذلك، ولا تُعارض بقياس أو اجتهاد أو رأي. وفيه: ما كان عليه الصحابة من الإنصاف والرجوع إلى الحق، وعدم الإصرار على الخطأ بعد تبيّن الحق. وانظر: "الفتح" (12/ 19). * * * 263 - عن سليمان بن يسار؛ أن أبا هريرة وابن عباس وأبا سلمة بن عبد الرحمن تذاكروا في المتوفَّى عنها الحامل؛ تضع عند وفاة زوجها- فقال ابن عباس: "تعتدُّ آخر الأجلين". فقال أبو سلمة: "تَحِلُّ حين تضع". فقال أبو هريرة: "وأنا مع ابن أخي". فأرسلوا إلى أم سلمة، فقالت: "قد وضَعَتْ سُبَيْعَةُ بعد وفاة زوجها بيسير، فأمرها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم - أن تتزوَّج". أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 104/ 86) ومسلم (1485) وأحمد (6/ 314) أو رقم (26784 - قرطبة) والترمذي (1194) والبيهقي (7/ 429) وأبو يعلى في "مسنده" (12/ 412 - 413/ 6978) والدارمي (3/ رقم: 2325 - الداراني) وابن حبان (10/ 133/ 4296) والنسائي في "المجتبى" (6/ 192، 193) وابن الجاورد في "المنتقى" (762). من طرق؛ عن سليمان به. وأخرجه مالك (2/ 103/ 83) والبخاري (4909) و (5318) والنسائي في "الكبرى" (6/ 494/ 11606) وفي "المجتبى" (6/ 192) والشافعي في "الأم" (5/ 224) وابن حبان (10/ 132/ 4295). من طريق: أبي سلمة به. * * * 264 - عن علقمة والأسود، قالا: أُتِيَ عبدُ الله بن مسعود في رجلٍ تزوَّج

المتوفى عنها زوجها ولم يكن دخل بها لها مثل صداق نسائها وتعتد العدة المعروفة

امرأةَ ولم يَفْرِضْ لها؛ فتوفِّيَ قبل أن يدخُلَ بها. فقال عبدُ الله: "سَلُوا هل تجدون فيها أثراً"؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن؛ ما نجدُ فيها -يعني: أثراً-. قال: "أقولُ برأيي؛ فإن كان صواباً فمن الله، [وإن كان خطأً فمني ومن الشيطان، واللهُ ورسولُه منه برآء]- لها كمهر نسائها لا وَكْسَ ولا شطَطَ، ولها الميراثُ، وعليها العِدَّةُ". فقام رجل من أَشْجَعَ-[أبو سنان الأشجعي]- فقال: في مثل هذا قضى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فينا في امرأة يقال لها: بروع بنتُ واشق- تزوَّجْتْ رجلاً، فمات قبل أن يدخلَ بها، فقضى لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بمثل صَدَاقِ نسائها، ولها الميراث، وعليها العدة. فرفع عبد الله يديه وكبَّر. [قال: ما رئِيَ عبدُ الله فَرِحَ فرحةً يومئذ إلا بإسلامه] ". صحيح، أخرجه النسائي في "الكبرى" (3/ 316/ 5515) وفي "المجتبى" (6/ 121) أو رقم (3354 - المعرفة) وابن حبان (9/ 409 - 410/ 4100). من طريق: مصعب بن المقدام، ثنا زائدة، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود به. وهذا إسناد صحيح، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (2/ 706/ 3145 - المكتب الإسلامي). وأخرجه أحمد (3/ 279، 480) وأبو داود (2115) والنسائي في "الكبرى" (3/ 316/ 5516) وفي "المجتبى" (6/ 121 - 122) والترمذي (1145) وابن ماجه (1891) وابن أبي شيبة (4/ 300) وابن الجارود (718) وعبد الرزاق في "مصنفه" (6/ 294/ 10898) والطبراني في "الكبير" (20/ رقم: 543) وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (9/ 409/ 4099) والبيهقي (7/ 245) والدارمي (3/ 1441/ 2292 - الداراني). من طريق: سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

كتاب نجدة بن عامر الحروري إلى ابن عباس

وأخرجه أحمد (4/ 280) والنسائي في "الكبرى" (3/ 317/ 5518) وفي "المجتبى" (6/ 122) والترمذي (1145) وابن أبي شيبة (4/ 301 - 302) والطبراني في "الكبير" (20/ رقم: 542) وابن حبان (9/ 410 - 411/ 4101) والبيهقي (7/ 245) والحا كم (2/ 180). من طريق: داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن علقمة به. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. وأخرجه ابن أبي شيبة (4/ 300) وأحمد (4/ 280) وأبو داود (2114) والنسائي في "الكبرى" (3/ 317/ 5517) وفي "المجتبى" (6/ 121) وابن ماجه (1891) والطبراني (20/ رقم: 245، 246) وابن حبان (9/ 407 - 408/ 4098) والبيهقي (7/ 245) والحاكم (2/ 180 - 181). من طريق: فراس الهمداني، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله به. وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين؛ كما قال الحاكم والذهبي. وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 555) وأبو داود (2116) وأحمد (4/ 279) والبيهقي (7/ 246). من طريق: قتادة، عن خلاس بن عمرو وأبي حسان، يحدثان عن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن مسعود به. وللاثر طرق أخرى، نكتفي بهذا القدر منها، والحمد لله أولاً وآخراً. * * * 265 - عن يزيد بن هرمز، قال: كتب نَجْدَةُ بن عامر الحروري إلى ابن عباس يسأله عن خِلاَلٍ -فقال ابن عباس: "إن الناسَ يقولون: إن ابن عباس يُكَاتِبُ الحرورية، ولولا أني أخافُ أَنْ أَكْتُمَ علماً؛ لم أكتُبْ إليه"- فكتب إليه نجدة: أما بعد؛ فأخبرني: هل كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ وهل كان يَضرِبُ لهُنَّ بسهم؟ وهل كان يقتل الصبيان؟ ومتى ينقضي يُتْمُ اليتيم؟ وعن الخُمْسِ؛ ما هو؟ فكتب إليه ابن عباس:"كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هل كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يغزو بالنساء؟ - وقد كان يغزو بهنَّ؛ فيُدَاوِينَ الجرحى، ويُحْذَيْنَ من الغنيمة، وأما بسهمٍ؛

فلم يضرِبْ لهنَّ. وإن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يقتل الصبيان؛ فلا تقتلِ الصبيان. وكَتَبْتَ تسألُني: منى ينقضي يُتْمُ اليتيم؟ - فلعمري إن الرجُلَ لتنبُتُ لحيتُه وإنه لضعيف الأخذ لنفسه، ضعيف العطاء منها، فإذا أخذ لنفسه من صالح ما يأخُذُ الناس؛ فقد ذهبَ عنه اليُتْمُ. وكتبتَ تسألُني: عن الخُمْسِ؛ لمن هو؟ - وإنا كنا نقول: هو لنا؛ فأبى علينا قومُنا ذلك". أخرجه مسلم (1812) وأحمد (1/ 224، 248، 249، 294، 308، 320) أو رقم (1967، 2235، 2685، 2812، 2943 - شاكر) وأبو داود (2727، 2728) والنسائي في "المجتبى" (7/ 128 - 129) أو رقم (4144، 4145 - المعرفة) وفي "الكبرى" (3/ 44/ 4435، 4436) والترمذي (1556) والدارمي (3/ رقم: 2514 - الداراني) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (12/ 408 - 409) أو (6/ 521/ 33439 - العلمية) وابن نصر في "السنة" (رقم: 159، 160 - العاصمة) وأبو عبيد في "الأموال" (رقم: 851 - 853) وابن زنجويه في "الأموال" (2/ 736 - 737) وسعيد بن منصور في "سننه" (2/ 329 - 330) والحميدي في "مسنده" (1/ 244/ 532) وأبو يعلى في "مسنده" (4/ 423 - 424/ 2550) و (5/ 41، 42/ 2630، 2531) وابن حبان (11/ 155 - 156/ 4824) والبيهقي (6/ 332) والطحاوي في "شرح المعاني" (3/ 235) والبغوي في "شرح السنة" (رقم: 2723) والشافعي في "مسنده" (2/ 122 - 123). من طرق؛ عن يزيد بن هرمز به. إلا أن أحمد في الموضع الأول (1/ 224) رقم (1967) وأبو يعلى في الموضع الثاني (5/ 41/ 2630) وابن نصر في الموضع الأول (159)، أخرجوه من طرق؛ عن عطاء، عن ابن عباس به. وله عندهم جميعاً ألفاظ مختلفة، بعضها مطولاً، وبعضها مختصراً. غريب الأثر: الحرورية: هم الخوارج، سموا بذلك نسبة إلى قرية حروراء بالكوفة.

يُحْذَين: فسرها الإمام الترمذي، فقال؛ "ومعنى قوله: "ويُحْذَينَ من الغنيمة"؛ يقول: يرضَخُ لهنَّ بشيء من الغنيمة، يُعْطَيْنَ شيئاً" اهـ. فقه الأثر: فيه: أن النساء لا يضرب لهن بسهم وإن قاتَلْنَ في المعركة، وإنما يعطى لهن من الغنيمة. وهذا مذهب الجمهور -خلا الإمام الأوزاعي -رَحِمَهُ اللهُ- كما أشار إلى ذلك الامام أبو عيسى الترمذي. وقال الإمام مالك: لا يُرْضَخُ لهن، ولم يبلغني ذلك. وفيه: أن اليُتم لا يرتفع عن اليتيم بالبلوغ؛ بل حتى يُؤنس منه الرشد وحسن التصرف في أموره. والخمس المذكور في الأثر هو خمس الخمس لا خمس الغنيمة - كما أشار إلى ذلك أبو العباس القرطبي في "المفهم" (3/ 688 - 689). * * * 266 - عن أمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، في قول الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [المائدة: 89]. قالت: "هو قولُ الرجلِ: لا والله، بلى والله". أخرجه البخاري (6663) والنسائي في "الكبرى" (6/ 336/ 11149) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1189/ 6701) وابن الجاورد في "المنتقى (رقم: 925) والبيهقي (10/ 48) ومالك في "الموطأ" (2/ 477/ 9) والشافعي في "مسنده" (2/ 74) والطبري في "تفسيره" (2/ 240، 241) والبغوي في "تفسيره" (1/ 201) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 15951، 15952) بعضهم ذكر الآية، وبعضهم لم يذكرها - كمالك والشافعي. من طريق: هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة به. وروي مرفوعاً: أخرجه أبو داود (3254) والبيهقي (10/ 49) وابن حبان (10/ 176/ 4333). من طريق: حسان بن إبراهيم، عن إبراهيم الصائغ، قال: سألت عطاء عن اللغو في اليمين؟ فقال: قالت عائشة: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: .. فذكره.

قلت: وأخرجه ابن أبي حاتم (4/ 1190/ 6705) والشافعي (2/ 74) والبيهقي (10/ 49) عن عطاء به موقوفاً. وقد أشار إلى ذلك الحافظ أبو داود، وقد صحّح الدارقطني وقفه - كما في "التلخيص" (4/ 167)، وانظر "إرواء الغليل" (8/ 194/ 2567). * * * 267 - عن حُميد بن هلال، انه قال: حدثنا أبو قتادة، عن عبادة بن قرط؛ أنه قال: "إنكم لتعملون اليومَ أعمالاً -هي أدَقّ في أعينكم من الشَّعْرِ- كنا نعدّها على عهدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من الموبقات". [قال حميد]: فقلتُ لأبي قتادة: فكيف لو أدرك زماننا هذا؟ فقال أبو قتادة: "لكان لذلك أَقْوَل". أثر صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 79) أو رقم (20807، 20809 - قرطبة) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 181) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 379، 380) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 1353/ ص 193) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 7259/454، 7260) وابن قانع فى "معجم الصحابة" (رقم: 690). من طريق: قرة بن خالد، وسليمان بن المغيرة، عن حميد به. وهذا إسناد صحيح. وخالف أيوبُ قرةَ وسليمانَ؛ فرواه عن حميد بن هلال، قال: قال عبادة بن قرط، ولم يذكر أبا قتادة العدوي. أخرجه أحمد (5/ 79) أو رقم (20806) والدارمي (3/ رقم: 2810 - الداراني) والبخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 94). وفي الباب عن أنس بن مالك عند البخاري (6492) وغيره، وعن أبي سعيد الخدري عند أحمد (3/ 3) وغيره.

268 - وعن الزهري -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: عن عروة، قال: سمعتُ عائشة تقول: "قال لَبِيدُ: ذهَبَ الذين يُعَاشُ في أَكْنَافِهِمْ ... وبَقيتُ في نَسْلِ كجلدِ الأَجْرَبِ يَتَحَدَّثُونَ مخافةَ ومَلاذَةَ ... ويُعَابُ قائلُهم وإن لم يَشْغبِ فالت: فكيف لو أدركَ لبيد قوماً نحن بين ظهرانيهم"؟ قال عروة: "كيف بعائشةَ لو أَدْرَكَتْ من نحن بين ظهرانيه"؟ قال الزهري: "كيف لو أدرك عروة من نحن بين ظهرانيهم اليوم"؟ أثر صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (11/ رقم: 20448) - عن معمر في "جامعه" -وعبد الله بن المبارك في "الزهد" (رقم: 183) والبيهقي في "الزهد" (رقم: 214، 216) والخطابي في "العزلة" (ص 185) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 320). من طريق: معمر، عن الزهري به. وأخرجه أبو داود من طريق: صالح بن كيسان، عن الزهري به، وكذا البيهقي في الموضع الأول. وأخرجه البيهقي (رقم: 215) والخطابي في "العزلة" (184 - 185) والسِّلَفي في "الطيوريات" للمبارك بن عبد الجبار الطيوري (ص 92 - 93/ رقم: 147 - ط. البشائر) والحارث بن أبي أسامة كما فى "بغية الباحث" (2/ 845) والدينوري في "المجالسة" (8/ 143 - 144/ 3453). من طرق؛ عن هشام بن عروة، عن أبيه به. * * * 569 - عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصدّيق، قال: سُئِلَ ابنُ عباس: عن الرجل يَجْتَهِدُ في العمل؛ ويصيبُ من الذنوب، ورجلٌ لا يجتهدُ ولا يذنب؟

رجوع ابن عباس عن قوله في ربا الصرف بعد تذكير أبي سعيد الخدري له

فقال: "السلامةُ أحبّ إليَّ". صحيح. أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (رقم: 66) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 343) ووكيع في "الزهد" (2/ 534 - 535/ 272) وهناد في "الزهد" (رقم: 902) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 196) أو (7/ 149/ 34760) والنسائي في "الكبرى" -المواعظ -كما في "تحفة الأشراف" (5/ 191) للمزي- والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 467/ 7309 - العلمية). من طريق: يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد به. وهذا إسناد صحيح. * * * - تراجع عبد الله بن عباس عن القول في ربا الصَّرف: 270 - عن حَيَّان العَدَوِي، قال: سئلَ لاحق بن حميد؛ أبو مجلز -وأنا شاهدٌ- عن الصَّرْفِ؟ فقال: "كان ابنُ عباس لا يرى به بأساً زماناً من عمره؛ حتى لقِيَهُ أبو سعيد الخدري، فقال له: "يا ابن عباس؛ ألا تتَّقِي اللهَ! حتى متى تُوكِل الناسَ الرِّبا؟ أما بَلَغَكَ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذاتَ يوم -وهو عند أُمِّ سلمة زوجته-: "إني أشتهي ثَمْرَ عجوة"، وأنها بعثت بصاعين من تَمْرِ عتيق إلى منزل رجلِ من الأنصار، فأُتيت بدلهما ثمر عجوة، فقدَّمته إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛فأعجبه، فتناول تمرة، ثم أَمْسَكَ، فقال: "من أين لكم هذا"؟ قالت: "بَعَثْتُ بصاعين من تمر عتيق إلى منزل فلان، فأتينا بدلهما من هذا الصاع الواحد". فألقى التمرةَ من يده وقال: "رُدُّوهُ، ردُّوه؛ لا حاجةَ لي فيه، التمرُ بالتمرِ، والحِنطةُ بالحنطةِ، والشَّعيرُ بالشَّعِيرِ، والذَّهَبُ بالذَّهَب، والفضَّةُ بالفضَّةِ -يداً بيد، مِثْلاٍ بمِثْلٍ، ليس فيه زيادة ولا نقصان، فمَن زادَ أو نقص فقد أربي- في كل ما يُكالُ أو يوزن".

فقال: "ذكَّرتني يا أبا سعيد أمراً نسيتُه، أستغفر الله وأتوب إليه"، وكان ينهى بعد ذلك أشدَّ النهي". حسن. أخرجه ابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 184 - العاصمة) والحاكم في "المستدرك" (2/ 42 - 43) والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/ 286) وابن عدي في "الكامل" (2/ 831 - الفكر) أو (3/ 346 - العلمية) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 372 - 373/ 372). من طريق: حيان به. وهذا إسناد حسن. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح .. ". وتعقبه الذهبي: "حيان فيه ضعف، وليس بالحجة". وحيان بن عبيد الله العدوي فيه كلام؛ لكنه لا ينزل عن رتبة الحسن -إن شاء الله تعالى- فقد وثقه روح بن عبادة كما في إسناد المروزي، وابن حبان في "الثقات" (6/ 230) وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 246): "صدوق". وقال الحافظ علاء الدين المارديني قي "الجوهر النقي" في حاشية "السنن الكبرى" (5/ 286):"أخرج هذا الحديث الحاكم في مستدركه، وقال: صحيح الإسناد. وحيان هذا ذكره ابن حبان في "الثقات" من أتباع التابعين، وقال الذهبي في "الضعفاء": جائز الحديث. وقال عبد الحق في أحكامه: قال أبو بكر البزار: حيان رجل من أهل البصرة؛ مشهور ليس به بأس. وقال فيه أبو حاتم: صدوق. وقال بعض المتأخرين فيه: مجهول! ولعله اختلط عليه بحيان بن عبيد الله المروزي" اهـ. قلت: فالإسناد حسن كما أسلفت، والله أعلم. وانظر في تراجع ابن عباس - رضي الله عنه - عن قوله في ربا الفضل "انفرادات ابن عباس عن جمهور الصحابة في الأحكام الفقهية" لمحمد سميعي الرستاقي (ص 292 - 300 - ط مكتبة الفرقان بعجمان). * * * 271 - عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: "إِنْ كان الرجُلُ ليتكلَّمُ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالكلمة؛ فيصيرُ بها منافقاً، وإني لأسمعُها اليوم من

أحدكم عشر مرَّاتِ". أخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 476) وأحمد في "المسند" (5/ 386، 390) أو رقم (23385،23419 - قرطبة) وابن أبي عاصم في "الزهد" (رقم: 69) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 915) وابن أبي شيبة في "المصنف" (15/ 44 - 45) وأبو نعيم في "صفة النفاق" (رقم: 118، 119) وفي "حلية الأولياء" (1/ 279). من طريق: رَزين بن حبيب الجهني، عن أبي رُقاد العبسي، عن حذيفة به. وإسناده ضعيف لجهالة أبي رُقاد العبسي؛ انظر"مجمع الزوائد" (10/ 297) و"تخريج الإحياء" للحافظ العراقي (1/ 122). لكن له شواهد؛ منها: ما أخرجه أحمد (5/ 391) أو رقم (23429 - قرطبة) وأبو نعيم في "صفة النفاق" (رقم: 120) من طريق: محمد بن عبد الله بن الزبير، ثنا سعد بن أوس، عن بلال العبسي، عن حذيفة، قال: "إنكم معشر العرب اليوم لتأتون أموراً إنها لفي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -النفاقُ على وجهه". وهذا إسناد صحيح. وأخرجه أحمد (5/ 384) أو رقم (23369 - قرطبة) من طريق: ليث بن أبي سُليم، عن بلال، عن شُتير بن شكل، وعن صلة بن زفر، وعن سليك بن مسحل الغطفاني، قالوا: خرج علينا حذيفة ونحن نتحدث، فقال: "إنكم لتكلمون كلاماً؛ إن كنا لنعده على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -النفاق". وإسناده ضعيف. لكنه صحيح بما قبله. * * * 272 - عن أبي الشعثاء سليم بن أسود، قال: كنتُ قاعداً مع حذيفةَ وابنِ مسعودٍ، فقال حذيفةُ: "ذهَبَ النفاقُ؛ فلا نفاق، إنما هو الكفر بعد الإيمان". فقال له عبد الله: "تعلم ما تقول"؟ قال: فقرأ حذيفة: {وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ

كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إلى قوله: {وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]. قال: فضحِكَ. قال: فقلنا لأبي الشعثاء: مما ضحك، فإن الرجلَ ربما ضحك من الشيء ينكره، وربما ضحك من الشيء يعرفه؟ قال: فقال: لا أدري. ثم قال شعبة: "ذهب النفاق، وإنما هو الكفر بعد الإيمان". صحيح. أخرجه أبو نعيم في "صفة النفاق" (114، 115، 116) وفي "الحلية" (1/ 180) وعلي بن الجعد -أخرجه عنه البغوي في حديثه عنه- (1/ 404 - 405 - الفلاح) أو رقم (549 - ط. عامر حيدر) أو (1/ 185/ 551 - الخانجي) والطبري في "تفسيره" (18/ 123) والبخاري في "صحيحة" (رقم: 7114) -شطره الأول فقط- وابن أبي حاتم في "تفسيره" (8/ 2627/ 14762) والهروي في "ذم الكلام" (1/ 398/ 95 - الغرباء) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 913). من طرق؛ عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الشعثاء به. ورواه عنه: شعبة، ومسعر بن كدام. بعضهم مطولاً، وبعضهم اقتصر على الشطر الأول فقط. ومقصود حذيفة - رضي الله عنه - بذهاب النفاق؛ أي: الذي هو إظهار الاسلام وإبطان الكفر، وإلا فإن النفاق بأشكاله وصوره وخصاله باقٍ إلى يوم القيامة كما دلَّت الأحاديث والآثار، والله تعالى أعلم. * * * 273 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال:"ما في السموات سماءٌ منها موضع إلا وعليها جبهةُ مَلَكٍ أو قَدَمَاهُ، قائماً أو ساجداً ثم قرأ: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ (164)} [الصافات: 164]. صحيح. أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (23/ 71) وعبد الرزاق في

كيفية خلق السموات والأرض

"تفسيره" (2/ 158/2) وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 260 - 261/ 254) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9042) والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 177 - 178/ 159). من طريق: الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن ابن مسعود به. وهذا إسناد صحيح كما قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (3/ 49)، وقال: "هو في حكم المرفوع". ورُوي مرفوعاً: أخرجه ابن جرير الطبري (23/ 71) وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 260/ 253) وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (3/ 984 - 985/ 508). من طريق: أبي معاذ النحوي الفضل بن خالد، ثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعتُ الضحاك بن مزاحم؛ يحدث عن مسروق، عن عائشة مرفوعاً. قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (3/ 49/ 1059): "وهذا إسناد حسن في الشواهد، رجاله ثقات -غير الفضل هذا-، فقد ترجمه ابن أبي حاتم (3/ 2/ 61) من رواية ثقتين عنه، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً". تنبيه: أورد الحافظ نور الدين الهيثمي أثر عبد الله بن مسعود المتقدم في "مجمع الزوائد" (7/ 98) وقال: "رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم، وهو ضعيف". قلت: قد تابعه غير واحد، فصحَّ السند، والحمد لله. * * * 274 - عن عبد الله بن سلاَّم - رضي الله عنه -، أنه قال: "خلَقَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- الأرضَ يومَ الأحد والإثنين، وقدَّرَ فيها أَقْوَاتَهَا، وجعَلَ فيها رواسِيَ من فوقها يومَ الثلاثاء والأربعاء، ثم استوى إلى السماء وهي دُخَان؛ فخلقها يوم الخميس ويوم الجمعة، وأوحى في كل سماءٍ أمرها، وخلَقَ آدمَ عليه السلام في آخر ساعة من أيَّام الجمعة -على عَجَلِ- ثم تَرَكَهُ أربعين ينظر اليه، ويقول: (تبارك الله أحسن الخالقين)، ثم نفخ روحَهُ، فلما دخل في

بعضه الروح ذهبَ ليجلس، فقال اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، فلما تتابع فيه الروح عطَسَ؛ فقال الله -عَزَّ وَجَلَّ- له: "قل: الحمد لله". فقال: الحمدُ لله. فقال الله تعالى له: "يرحمك اللهُ ربُّكَ". ثم قال له: "اذهَبْ إلى أهل ذلك المجلس من الملائكة، وسَلِّمْ عليهم". ففعل. فقال: "هذه تحِيَّتُكَ وتَحِيَّةُ ذريَّتكَ". ثم مسَحَ ظَهْرهُ بيديه، فأخرج منها من خالقٌ من ذريَّته إلى أن تقومَ الساعةُ، ثم قَبَضَ يديه، وقال:"اخْتَرْ يا آدم". فقال: اختَرْتُ يمينَك يا رب، وكلتا يديك يمين. فبسطها فإذا ذريته من أهل الجنة. فقال: ما هؤلاء يا رب؟ قال: "هم من قضيتُ أن أخلق من ذريتك من أهل الجنة إلى أن نقوم الساعة". فإذا فيهم من له وَبِيصٌ (¬1)، فقال: من هؤلاء يا رب؟ قال: "هم الأنبياء". قال: فمن هذا الذي له فَضْلُ وبيص؟ فال: "هو ابنُكَ داود". قال: فكم جعلتَ عمره؟ فال: "ستين سنة". قال: فكم عمري؟ قال: "ألف سنة". قال: فزِدْهُ يا ربّ من عمري أربعين سنة. قال: "إن شِئْتَ". قال: فقد شئتُ. قال: "إذاً يُكتب، ثم يُخْتَمُ، ثم لا يُبَدَّلُ". ثم رأى في أحد كفَّي الرحمن منهم آخر له فضل وَبيصِ، قال: فمن هذا يا ربّ؟ قال: "هذا محمد؛ هو آخِرُهم، وأوَّلُّهم أُدْخِلُهَ الجنّةَ". فلما أتاه مَلَكُ الموتِ ليقبِضَ نفسَه؛ قال: إنه قد بقي من عمري أربعون سنة. قال: أَوَلَمْ تكن وهبتها لابنك داود؟! قال: لا. قال: فنسي آدمُ؛ فنسيت ذريَّتُه، وجَحَد آدمُ؛ فجحدت ذريَّتُه، وعصى آدمُ؛ فعصَتْ ذريَّتُه. وذلك أول يوم أمر بالشهداء". أخرجه النسائي في "الكبرى"-عمل اليوم والليلة- (6/ 63/ 10047) - جملة العطاس والسلام فقط - والفريابي في "القدر" (رقم:1) - واللفظ له- ومن طريقه الآجري في "الشريعة" (1/ 407 - 408/ 473 - ط. الوليد سيف النصر) وابن بطة في الإبانة" -الكتاب الثاني- رقم (1591). ¬

_ (¬1) الوبيص: البريق.

من طريق: قتيبة بن سعيد، نا الليث بن سعد، عن محمد بن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن عبد الله بن سلاَّم به. وهذا إسناد حسن؛ محمد بن عجلان حسن الحديث، تكلم فيه بعض الحفاظ بكلام يسير، وقد روى له مسلم متابعة، وبالجملة؛ فحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن-إلا أن الحافظ ذكر في "تهذيب التهديب" نقلاً عن ابن معين أنه اختلطت عليه أحاديث سعيد بن أبي سعيد المقبري، ولهذا: فقد خالف محمدَ بن عجلان؛ الحارثُ بن عبد الرحمن بن أبي ذباب؛ فرواه عن سعيد المقبري، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعاً به. أخرجه الترمذي (3368) والنسائي في "الكبرى" (6/ 36/ 10046) والحاكم (1/ 64 و 4/ 263) وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (14/ 40 - 41/ 6167) وابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 160 - 161/ 89) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 140 - 141/ 708) وابن أبي عاصم في "السنة" (رقم: 206 - المكتب الإسلامي) أو (1/ 162/ 212 - الجوابرة) -مختصراً- وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (5/ 1567/ 1035) وابن جرير الطبري في "تاريخه" (1/ 96) ومحمد بن نصر المروزي كما في "شفاء العليل" لابن القيم (1/ 72 - 73 - ط. العبيكان). قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه". وقال الحاكم: "على شرط مسلم"، ووافقه الذهبي. وقال النسائي: "خالفه محمد بن عجلان فيه" ثم ذكره، وقال: "وهذا هو الصواب، والآخر خطأ". وحسَّن إسناده المحدث الألباني في تخريجه لكتاب"السنة" لابن أبي عاصم (ص 91/ رقم: 206)، وقال: "والحارث بن عبد الرحمن هو ابن عبد الله بن سعد بن أبي ذباب؛ فيه كلام يسير، لا ينحط به حديثه عن مرتبة الحسن .. ". قلتُ: تشدَّد الشيخ عمرو بن عبد المنعم سليم في تحقيقه لكتاب "القدر" (ص 19) في الحارث، فقال: "الحارث هذا ليس بالقوي، صاحب مناكير، وقد خالفه ابن عجلان، وهو ثقة .. ".

قلت: قوله: "ليس بالقوي"؛ تفرَّد بها أبو حاتم الرازي -رَحِمَهُ اللهُ-، وقد خالفه أبو زرعة فقال: "ليس به بأس"، ووثقه ابن حبان، والذهبي، واحتج به مسلم، وقال الحافظ، "صدوق يهم". أما قول الشيخ وفقه الله: "صاحب مناكير"! فلم أجد من الحفَّاظ من أطلق عليه هذا القول، غاية ما في الأمر أن أبا حاتم قيَّد ذلك بروايته عن الدراوردي، فقال: "يروي عن الدراوردي أحاديث منكرة"، فلا يصحّ والحال هذه إطلاق القول بأنه صاحب مناكير! أما توثيقه لابن عجلان؛ فنعم، لكن تقدم نقل الحافظ ابن حجر عن الإمام يحيى بن معين أنه اختلطت عليه أحاديث سعيد المقبري. فالذي يترجّح هو: صحَّة رواية أبي هريرة المرفوعة، سيما وأن لها طريقاً آخر: نقد أخرج الترمذي (3076) وابن سعد في "الطبقات" (1/ 27 - 28) والحاكم (2/ 325، 585 - 586) وابن جرير في "تاريخه" (1/ 96) والفريابي في "القدر" (رقم: 19). من طريق: الفضل بن دكين، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة به. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وخالف عبدُ الله بن وهب، الفضلَ، فرواه عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة به. أخرجه الفريابي في "القدر" (20). وخالفهما جعفر بن عون؛ فرواه عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي هريرة به، دون واسطة. أخرجه إسحاق بن راهويه كما في "شفاء العليل" لابن القيم (1/ 73 - العسكان). ورواية الفضل هي الأصح، والله أعلم. وقال الحاكم: "وله شاهد صحيح"، ثم ساقه من طريق: أبي خالد الأحمر، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن أبي هريرة به.

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 63) وابن جرير في "التاريخ" (1/ 96) وأبو الشيخ في "العظمة" (5/ 1566/ 1034). وحسَّن إسناده الشيخ الألباني في "ظلال الجنة". وحكم النسائي على هذه الطريق بالنكارة! خلاصة الكلام: أن حديث أبي هريرة المرفوع صحيح، فإن له أكثر من طريق - وإن تكُلّم في بعضها؛ فبمجموعها يصح. أما أثر عبد الله سلَّام فله حكم الرفع فهو لا يقال من جهة رأيه ولا ريب، ويشهد له الرواية المرفوعة. والحمد لله على ما أنعم وأجزل وأكرم. * * * 275 - عن أبي وائل، انه قال: لما قدم سهل بن حنيف من صفين أتيناه نستخبره، قال: فقال: "اتَّهِمُوا الرَّأْيَ على الدين، فلقد رأيتني يوم أبي جندل؛ لو أستطيع أن أردَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره لرددتُ، واللهُ ورسولُه أعلم، وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا في أمر يُفْظِعُنا إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسُدُّ منه خصماً إلا انفجر علينا خصم، ما ندرى كيف نأتي إليه". أخرجه البخاري (4189) و (7308) والبيهقي في "المدخل" (1/ 200 - 201/ 218) وابن حزم في "الإحكام" (6/ 1022) من طريق البخاري، حدثنا الحسن بن إسحاق، ثنا محمد بن سابق، ثنا مالك بن مغول، قال: سمعث أبا حصين، قال: قال وائل ... فذكره. فقه الأثر: قوله: "فلقد رأيتني يوم أبي جندل .. "؛ فسَّره رواية البخاري في التفسير (4844) عن حبيب بن ثابت، قال: أتيث أبا وائل أسأله، فقال: كنا بصفين، فقاله رجل: ألم تر إلى الذين يدعون إلى كتاب الله؟ فقال علي: "نعم". فقال سهل بن حنيف: "اتهّموا أنفسكم، فلقد رأيتنا يوم الحديبة -يعني: الصلح الذي

كان بين النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشركين- ولو نرى قتالاً لقاتلنا، فجاء عمر، فقال: ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟ أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: "بلى". فقال: ففيم نعطي الدَّنيَّة في ديننا، ونرجع ولم يحكم الله بيننا؟ فقال: "يا ابن الخطاب؛ إني رسول الله، ولن يضيعني الله أبداً". فرجع متغيظاً فلم يصبر حتى جاء أبا بكر، فقال: يا أبا بكر؛ ألسنا على الحق، وهم على الباطل؟ قال: يا ابن الخطاب؛ إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولن يضيعه الله أبداً، فنزلت سورة الفتح". فيه: وجوب طاعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وطاعة الأمير من بعده، واتهام الرأى إن خالف ما رآه الأمير. قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (8/ 453): "قوله: (وقال سهل بن حنيف: اتهموا أنفسكم): أي: في هذا الرأي، لأن كثيراً منهم أنكروا التحكيم، وقالوا: لا حكم إلا لله. فقال علي: "كلمة حق أُريد بها باطل". وأشار عليهم كبار الصحابة بمطاوعة علي وأن لا يخالف ما يشير به؛ لكونه أعلم بالمصلحة، وذكر لهم سهل بن حنيف ما وقع لهم بالحديبية، وأنهم رأوا يومئذ أن يستمروا على القتال ويخالفوا ما دعوا إليه من الصلح، ثم ظهر أن الأصلح هو الذي كان شرع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه" اهـ. وانظر "فتح الباري" أيضاً (13/ 302 - 303) تحت الحديث رقم (7308). * * * 276 - عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، أنه غُشى على عبد الرحمن ابن عوف غشية، فظنوا أنه قد فاض منها، حتى قاموا من عنده، وجلَّلوه ثوباً، وخرجت أم كلثوم ابنة عقبة -امرأة عبد الرحمن-إلى المسجد، نستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، فلبثوا ساعة - وعبد الرحمن في غشيته، ثم أفاق عبد الرحمن، فكان أوّل ما تكلَّم به أن كَبَّرَ، وكبَّر أهلُ الببت ومن يليهم. فقال لهم عبد الرحمن: "أغشي عليَّ آنفاً"؟ قالوا: نعم. قال: "صدقتم؛ فإنه انطلق بي في غشيتي رجلان - أجدُ منهما شدَّة وغِلْظَة، فقالا: انطَلِق نحاكمك إلى العزيز الأمين. فانطلقا بي حتى لقيا رجلاً،

أصحاب الرأي أعداء السنن

فقال: أين تذهبان بهذا؟ قالا: نحاكمه إلى العزيز الأمين. قال: فأرجعاه؛ فإنه ممن كتب الله لهم السعادة والمغفرة وهم في بطون أمهاتهم، وإنه يستمتع به بنوه ما شاء الله". قال: فعاش بعد ذلك شهراً ثم مات. صحيح. أخرجه معمر في "جامعه" -كما في آخر "المصنف" لعبد الرزاق (11/ 112/ 20065) والفريابي في "القدر" (رقم: 434، 435) ومن طريقه الآجري في "الشريعة" (1/ 410 - 411/ 476، 477) وابن بطة في "الإبانة" (1568، 1587) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 1220) والحاكم (3/ 307) والبرتي في "مسند عبد الرحمن بن عوف" (رقم: 23) وابن سعد في "الطبقات" (3/ 134) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1/ 383/ 481) وإسحاق بن راهويه كما في "المطالب العالية" (رقم: 3976 - العاصمة) و"إتحاف الخيرة المهرة" (7/ 222 - 223/ 6712 - الوطن) والدينوري في "المجالسة" (2/ 247/ 378). من طريقين: 1 - الزهري، عن إبراهيم بن عبد الرحمن به. 2 - الزهري، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أم كلثوم ابنة عقبة به، ورواه عن الزهري معمر وغيره، وصرَّح الزهري في بعض طرقه بالتحديث. وصحّح إسناده البوصيري في "الإتحاف" (7/ 223)، والشيخ المحدث مقبل بن هادي الوادعي في "القدر" (ص 495) والعلامة الباحث مشهور بن حسن آل سلمان في تحقيقه على المجالسة. * * * - أصحاب الرأي أعداد السُّنن: 277 - عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: "إن أصحابَ الرأي أعداءُ السُّنَن؛ أَعْيَتْهُم أن يحفظوها، وتفلَّتَتْ منهم أن يعوها، واستحَيوا حين سُئِلوا أن يقولوا: لا نعلم؛ فعارضوا السُّنن برأيهم؛

فإياكم وإياهم". حسن لغيره. له عن عمر طرق: منها: 1 - ما أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 201) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1042/ 2004) والبيهقي في "المدخل" (1/ 196/ 213) وابن حزم في "الإحكام" (6/ 1019) والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 452 - 453/ 476). من طريق: عبد الرحمن بن شريك، نا أبي، عن مجالد، عن الشعبي، عن عمرو بن حريث، عن عمر به. وهذا إسناد ضعيف. عبد الرحمن بن شريك؛ "صدوق يخطئ" كما في "التقريب". ومجالد بن سعيد؛ ضعيف. 2 - وأخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 454/ 478) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 200/ 267) والأصبهاني قوام السنة في "الحجة" (1/ 205). من طريق: سعيد بن المسيب، عن عمر به. وقد تقدَّم الكلام في سماع سعيد بن المسيب عن عمر - رضي الله عنه -. 3 - وأخرجه ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 8) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1042/ 2003). من طريق: ابن وهب، قال: أخبرني رجل من أهل المدينة، عن ابن عجلان، عن صدقة بن عبد الله؛ أن عمر قال ... فذكره. وعلّقاه عن ابن وهب. وهذا إسناد ضعيف. 4 - وأخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 453/ 477) من طريق: عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن عمر به. وهذا إسناد تالف؛ لأجل عبد الملك بن هارون؛ فهو متروك. وأبوه

ضعيف. 5 - وأخرجه الخطيب في "الفقيه والمتفقه" (1/ 454/ 479) من طريق: عكرمة بن عمار، عن يحيى، وحمزة المديني وغيرهما، قالا: قد سمعناه من الفقهاء، عن عمر به. وهذا إسناد ضعيف؛ فيه جهالة الفقهاء الذين روى عنهم يحيى وحمزة. وعكرمة بن عمار؛ "صدوق يغلط" كما في "التقريب". 6 - وأخرجه الخطيب (1/ 455/ 480) من طريق: داود بن الزبرقان، عن محمد العزرمي، عن عطاء بن أبىِ رباح، عن عمر به. وإسناده ضعيف جداً؛ داود بن الزبرقان ومحمد العزرمي؛ متروكان. 7 - وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1042/ 2005) وابن حزم في "الإحكام" (1019) من طريق: أبي بكر بن أبي داود، ثنا محمد بن عبد الملك القزاز، ثنا ابن أبي مريم، ثنا نافع بن يزيد، عن ابن الهادي، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عمر به. 8 - وأخرجه الهروي في "ذم الكلام" (2/ 201/ 268) من طريق: خالد بن الهياج، عن أبيه، عن إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عبيد، يرده على علىِ بن شهاب، عن عمر به. وإسناده فيه ضعف. قال ابن القيم في "أعلام الموقعين" (1/ 54 - 55): "وأسانيد هذه الآثار عن عمر في غاية الصحة". قلت: أغلب أسانيده ضعيفة، لكن بمجموعها يرتقي إلى درجة الثبوت، فهو إن شاء الله صحيح لغيره، والله أعلم. * * * 278 - عن ابن عمر - رضي الله عنه -، قال: "احتجبَ اللهُ من خلقه بأربع: نارٌ وظُلْمَة، ونورٌ وظلمة". أخرجه ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 42) وعثمان بن سعيد

الدارمي في "الرد على الجهمية" (رقم: 118) وفي "رده على المريسي" (رقم: 248 - ط أضواء السلف) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 729) وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (2/ 675/ 268) والحاكم (2/ 319). من طريق: سفيان الثوري، عن عبيد المكتب، عن مجاهد، عن ابن عمر به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على المريسي" (رقم: 251) من طريق: يحيى بن أيوب، عن المثنى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعاً. وإسناده ضعيف؛ لأجل المثنى بن الصباح؛ فهو ضعيف. * * * 279 - وعن سعيد بن المسيب، قال: "صَلَّيْتُ وراء أبي هريرة على صبيِّ لم يعمل خطيئةَ قطُّ، سمعتُه يقول: "اللهمَّ أعِذْهُ من عذاب القبر". أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (11/ 374) والبيهقي في "السنن الكبرى" (4/ 9) وفي "إثبات عذاب القبر" (رقم: 178) وابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 83). من طرق؛ عن يحيى بن سعيد، عن سعيد به. وأخرجه الخطيب البغدادي (11/ 374) والبيهقي في "إثبات عذاب القبر" (رقم: 177) من طريق: علي بن الحسن بن عبد الله، عن شاذان، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد به؛ لكنه رفعه. قال الخطيب البغدادي: "تفرد برواية هذا الحديث هكذا مرفوعاً- علي بن الحسن، عن أسود بن عامر، عن شعبة. وخالفه غيره؛ فرواه عن أسود موقوفاً". وقال البيهقي: "هكذا رواه مرفوعاً، وإنما رواه غيره عن شاذان موقوفاً" قلت: رواه عن شاذان -أسود بن عامر-؛ غير واحد من الثقات موقوفاً قال الخطيب: "وهكذا رواه أصحاب شعبة عنه -[أي موقوفاً]-، وكذلك

شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة

رواه مالك والحمادان وغيرهم عن يحيى بن سعيد موقوفاً على أبي هريرة، وهو الصواب" اهـ. * * * 280 - عن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -، أنه قال: "يجمعُ اللهُ الناسَ يومَ القيامة في صعيدٍ واحدٍ- حُفَاةً عُرَاةً كما خُلِقُوا، يسمعهم الداعي، وبنفذهم البصر، ولا تتكلَّمُ نفسٌ إلا بإذنه؛ فأولُ من يُدْعَى محمد- يا محمد! فيقول: لبيك وسَعْدَيكَ، والخيرُ في يديكَ، والشرُّ ليس إليك، والمَهْدِيُّ من هَدَيْتَ، وعَبْدُكَ بين يَدَيْكَ، ومنك وإليك، ولا مَلْجَأَ منكَ إلا إليك، تباركتَ وتَعالَيْتَ، وعلى عرشِكَ استويتَ، سبحانك ربَّ البيتِ. ثم يقال له: اشْفَعْ. قال: فذلك المقام المحمود الذي وعده الله -عَزَّ وَجَلَّ-". صحيح موقوفاً. أخرجه ابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 99) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (11/ 484). من طريق: يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه، عن صلة بن زفر، قال: سمعتُ حذيفة يقول: ... فذكره به. وأبو إسحاق السبيعي مدلِّس، وقد عنعنه، وابنه يونس ممن روى عنه بعد الإختلاط كما في "الكواكب النيرات" (ص 347) و"شرح علل الترمذي" للحافظ ابن رجب (2/ 710). لكنه توبع، وصرَّح أبو إسحاق بالتحديث في طرق أخرى. فقد أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 381/ 11294) والطبري في "تفسيره" (15/ 97) والبزار في "مسنده" (4/ رقم: 3462 - كشف الأستار) والطيالسي في "مستده" (رقم: 414) ومسدد كما في "المطالب العالية" (رقم: 4572 - العاصمة). من طريق: شعبة، عن أبي إسحاق، قال: سمعتُ صلة بن زفر، يقول: .. فذكره.

وهذا إسناد صحيح؛ صرَّح أبو إسحاق فيه بالتحديث، وشعبة ممن روى عنه قبل الإختلاط، وهو من أثبت الناس في أبي إسحاق، انظر "شرح العلل" (2/ 710). وأخرجه الطبري في "نفسيره" (15/ 98) وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 387) من طريق سفيان الثوري ومعمر، عن أبي إسحاق به. وأخرجه الطبري (15/ 98) وابن أبي الدنيا في "الأهوال" (رقم: 151) وابن أبي عمر -كما في "المطالب" (رقم: 4573) - من طريق: معمر، عن أبي إسحاق له. وأخرجه الطبري (15/ 98) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 2095). من طريق: سفيان الثوري، عن أبي إسحاق به. وسفيان من أوثق الناس في أبي إسحاق، وهو ممن روى عنه قبل الإختلاط. وأخرجه اللالكائي (رقم: 2086) من طريق: أبي بكر بن عياش، عن أبي إسحاق به. وأخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" -كما فى "بغية الباحث"- (4/ 1343/ 1104) والحاكم في "المستدرك" (3/ 54) وأسد بن موسى فى "الزهد" (رقم: 61). من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. هذا ما تيسَّر الوقوف على طرقه الموقوفة، وهي صحيحة، والحمد لله. ورُوي مرفوعاً؛ فقد خالف هؤلاء الثقات كل من: عبد الله بن المختار، وليث بن أبي سُليم. فأخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 353/ 789 - المكتب الإسلامى) أو (1/ 529/ 808 - الجوابرة) واللالكائي (رقم: 2094). من طريق: حماد بن سلمة، عن عبد الله بن المختار، عن أبي إسحاق به مرفوعاً - مختصراً.

قال ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 217/ 2140): "سألتُ أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن عبد الله بن المختار، عن أبي إسحاق، عن صلة بن زفر، عن حذيفة؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يجمع الله الخلق يوم القيامة في صعيد واحد، ينفذهم البصر، ويسمعهم الداعي .. " وذكر الحديث؟ قال أبي: لا يرفع هذا الحديث إلا عبد الله بن المختار، وموقوف أصح" اهـ. قلت: ورفعه أيضاً ليث بن أبي سُليم؛ أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (2/ 9/ 1058 - الحرمين) أو (2/ 36/ 1062 - الطحان) والحاكم (4/ 573). من طريق: موسى بن أعين، عن ليث بن أبي سُليم، عن أبي إسحاق به مرفوعاً. وليث بن أبي سُليم مختلط. والصواب وقفه على حذيفة لرواية الثقات عن أبي إسحاق وكثرتهم، وهو في حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي، والله أعلم. * * * 281 - عن عمر بن محمد، قال: سمعتُ سالم بن عبد الله بن عمر، وسأله رجل؛ فقال له: الزنا مقدَّر؟ فقال: "نعم". قال: كلُّ شيء كتبَهُ الله عليَّ؟ قال: "نعم". كتبه عليَّ ويعذّبني عليه؟! قال: فأخذ سالم الحصى فحصبه. أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في "السنة" (2/ 424/ 933) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 1270) وابن بطة في "الإبانة" (1437) والخلال في "السنة" (رقم: 898) وابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 126). من طريق: سفيان الثوري، عن عمر بن محمد به. وعمر بن محمد هو: ابن زيد بن عبد الله بن عمر - ابن أخي سالم.

لو أراد الله أن لا يعصى لما خلق إبليس

ووقع عند عبد الله بن أحمد وابن بطة وابن أبي زمنين: عمرو بن محمد. والصواب عمر بن محمد كما أثبتناه، والله أعلم. وأخرجه ابن بطة (2009) والآجري في "الشريعة" (1/ 455/ 587) من طريق: إسماعيل بن عياش، عن عمر بن محمد العدوي به. وإسماعيل بن عياش روايته عن أهل الحجاز ضعيفة؛ لكن يشهد لها ما قبلها. فالأثر صحيح، والله أعلم. * * * 282 - عن عمر بن عبد العزيز -رَحِمَهُ اللهُ-، أنه قال: "إن اللهَ لو أرادَ أن لا يُعْصَى؛ لم يَخْلُقْ إبليس"، ثم قرأ: {مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ (162) إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ (163)} [الصافات: 162 - 163]. صحيح. أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/ 425/ 936) والآجري في "الشريعة" (1/ 327 - 328، 440، 441/ 350، 561، 562، 563، 566، 567) من طريق الفريابي في "القدر" (رقم: 309، 310، 311، 312، 313، 314) وابن بطة في "الإبانة" (1476، 1846) واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (1245) وابن أبي زمنين (128) والبيهقي في "الإعتقاد" (ص 185، 186 - ط. أبي العينين) وفي "إثبات القدر" (ق: 33/ ب و 90/ ب) أو (ص: 248، 433 - 434 - ط دار بيروت المحروسة) وفي "الأسماء والصفات" (1/ 401، 402 - 403، 449/ 327، 329، 373 - الحاشدي) وابن عدي في "الكامل" (6/ 203 - العلمية). من طرق كثيرة، عن عمر بن ذر، عن عمر بن عبد العزيز به. وعمر بن ذر هو: ابن عبد الله بن زرارة الهمداني؛ "ثقة رمي بالإرجاء" كما في "التقريب". وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد" لأبيه (رقم: 1725) من طريق: الحكم بن أبي غيلان، عن مصعب بن أبي أيوب، قال: سمعت عمر بن عبد العزبز .. فذكره.

هذا الأثر روي مرفوعا ولكنه لا يصح

وهو صحيح بما قبله. ورُوي مرفوعاً؛ لكنه لا يصح. أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 1101) والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/ 402/ 328). من طريق: أبي الربيع الزهراني، ثنا عباد بن عباد المهلبي، عن زيد بن عبد الرحمن، عن إسماعيل بن عبد السلام، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعاً، ولفظه: "لو أراد الله أن يُعصى ما خلق إبليس". وسقط عند اللالكائي ذكر (زيد بن عبد الرحمن). وهذا إسناد تالف؛ قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (1/ 468): "إسماعيل بن عبد السلام عن زيد بن عبد الرحمن، عن عمرو بن شعيب؛ قال ابن قتيبة في "اختلاف الحديث": لا يعرف هو ولا شيخه" اهـ. وعباد هو: ابن عباد بن حبيب المهلبي؛ وهو ثقة. وأخطأ العلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- باعتباره عباد بن عباد هو: ابن علقمة المازني المصري. وقد نبَّه على ذلك محقق"الأسماء والصفات". وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 112 - 113/ 2648 - الحرمين) أو (3/ 311 - 312/ 2669 - الطحان) من طريق: محمد بن يعلى زنبور، عن عمر بن الصبح، عن مقاتل بن حيان، عن عمرو بن شعيب به. وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن مقاتل إلا عمر، تفرد به محمد بن يعلى". قلت: لم ينفرد به عمر ولا محمد بن يعلى كما تقدم، وكما سيأتي. وقال الحافظ نور الدين الهيثمي في "مجمع البحرين في زوائد المعجمين" (5/ 371): "هذا كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وآفته عمر بن الصبح؛ أقرِّ على نفسه بالوضع، وكان من أهل البدع". وأخرجه البيهقي في "الإعتقاد" (ص 186) وفي "القدر" (ص 247 - 248 - ط دار بيروت المحروسة) وفي "الأسماء والصفات" (1/ 402 - 403/ 329) وابن عدي في "الكامل" (5/ 1767) أو (6/ 203 - 204 - العلمية). من طريق: أبي الربيع الزهراني، ثنا عباد بن عباد، عن عمر بن ذر،

حدثني مقاتل بن حيان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده؛ "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر - رضي الله عنه -: "يا أبا بكر؛ لو أراد الله أن لا يعصى؛ ما خلق إبليس". وهذا إسناد ظاهره الصحة؛ لكنه مُعَلٌّ. فقد تقدَّم بهذا الإسناد موقوفاً على عمر بن عبد العزيز. ثم إن مقاتل بن حيان لا رواية له عن عمرو بن شعيب. فلعله أخطأ فيه بعض الرواة فبدل أن يقول مقاتل بن سليمان؛ قال: مقاتل بن حيان. والحديث قال عنه الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (1/ 690 - الريان) - عند تفسير الآية رقم: (79) من سورة النساء -: "ذُكر حديث غريب يتعلق بقوله تعالى: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} " ثم ذكر حديث البزار الآتي - وقال: "قال شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية: هذا حديث موضوع مختلق باتفاق أهل المعرفة". وأخرجه البزار (2153 - كشف الأستار) من طريق: السكن بن سعيد، عن عمر بن يونس، عن إسماعيل بن حماد، عن مقاتل به -مطوّلاً-. قال الحافظ ابن حجر في "مختصر الزوائد" (رقم: 1597): "هذا خبر منكر، وفي الإسناد ضعف". وأخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 394/ 454) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 1559) وبيبي بنت عبد الصمد في "جزئها" (رقم: 105/ ص 76) ومن طريقها ابن الجوزي في "الموضوعات" 7/ 448 - 449/ 530 - ط أضواء السلف والتدمرية). من طريق: أبي القاسم البغوي عبد الله بن محمد، قال: نا داود بن رشيد، نا يحيى بن زكريا، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله به مرفوعاً - مطولاً ومختصراً. ووقع عند ابن الجوزي: "يحيى أبو زكريا".

تعقب محقق كتاب "الأسماء والصفات" -للإمام البيهقي- للحافظ الذهبي، وخطؤه في هذا التعقب

قال الذهبي في "الميزان" (4/ 374/ 9506): "يحيى بن زكريا -صوابه: يحيى أبو زكريا- عن جعفر بن محمد الصادق وغيره - بخبر باطل؛ في أن أبا بكر وعمر تحاورا في القدر. رواه ابن أبي شريح الهروي وابن أخي ميمي عن البغوي عن داود بن رُشيد، عن يحيى بن زكريا عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير. وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر .. الحديث". ثم قال: "إن الحمل في هذا الحديث على يحيى بن زكريا؛ هذا المجهول التالف". وقال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (6/ 253/ 898) "وصوابه: يحيى أبو زكريا، لكن هكذا وقع عند البغوي: يحيى بن زكريا .. "اهـ. وتعقب محقق كتاب "الأسماء والصفات" للبيهقي -عبد الله الحاشدي- (1/ 40) الحافظ الذهبي بكلام طويل؛ خلُصَ فيه إلى توهيم الذهبي بتعقبه على اسم الراوي. والصواب هو قول الذهبي -إن شاء الله- فقد أخرجه ابن بطة في "الإبانة" (رقم: 1991) من طريق أبي العوام، قال: حدثنا يحيى بن سابق المدني، ثنا موسى بن عقبة، عن أبي الزبير المكي قال: فذكره. وأسقط منه جعفر بن محمد وأباه وجابراً. ويحيى بن سابق هو أبو زكريا، وكذا وقع عند ابن بشران في "أماليه" كما في "تنزيه الشريعة" (1/ 316) و"الميزان" قبله. فتبين وهم البغوي في الإسم. ويحيى بن سابق هذا "متروك"، وهو ممن روى عنه داود بن رُشيد أيضاً، وروى هو عن موسى بن عقبة. وقد نقل الحافظ البيهقي في "إثبات القدر" (ق: 32/ ب) أو (ص 248 - 249 - ط دار بيروت المحروسة) بعد إخراجه لطريق محمد بن يعلى المتقدم- قال: "وقد روي من وجه آخر أصحّ من هذا إسناداً، غير أني أخاف أن يكون غلطاً" ثم ساق رواية جابر هذه فتبين أن الذهبي لم ينفرد بهذا القول بل سبقه البيهقي، وتبعه ابن حجر، وأكد ذلك روإية ابن بطة وابن بشران، وبه يتبين خطأ الحاشدي، والله أعلم.

خطر رمي المسلم بالكفر

وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 92) من طريق: ابن مصفى، ثنا بقية، عن علي بن أبي جملة، عن نافع، عن ابن عمر به نحوه مرفوعاً. قال الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (4/ 197): "بقية مدلّس، وقد عنعنه. وعلي بن أبي جملة؛ لم أجد له ترجمة؛ سوى أن أبا نعيم ذكره في كتابه مقروناً مع رجاء بن أبي سلمة، ووصفهما بأنهما العابدان الراويان، فهو من شيوخ بقية المجهولين" اهـ. وفي "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 435/ 2809) قال: "سألتُ أبي عن حديث رواه بقية عن محمد بن أبي جميلة .. فذكره. قال: فسمعتُ أبي يقول: هذا حديث منكر، ومحمد مجهول". قلت: وانظر لزاماً كلام محقق كتاب "الشريعة" للآجري الوليد بن نبيه سيف النصر - جزاه الله خيراً (1/ 397 - 398) فإنه مهم. خلاصة الكلام أن الخبر لا يصح مرفوعاً بل هو منكر، وقد حكم بذلك جمع من الحفاظ؛ منهم: ابن تيمية -كما تقدم- والحافظ ابن كثير، والذهبي، وابن حجر، وابن الجوزي، والسيوطي في "اللآلئ المصنوعة" (1/ 255) وابن قتيبة في "تأويل مختلف الحديث" (ص 236)، وابن أبي حاتم، وأبوه أبو حاتم، والهيثمي، وابن عراق في "تنزيه الشريعة" (1/ 316) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 506) والعلامة مقبل بن هادي الوادعي في "أحاديث معلّة ظاهرها الصحة" (ص 93 - 94/ رقم: 87 - الطبعة الثانية، دار الآثار) وفي "القدر" (ص 519). وصححه الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني لغيره في "الصحيحة" (رقم: 1642)، والراجح قول من تقدم من الحفاظ، والله تعالى أعلم. * * * - خطر رَمْي المسلم بالكفر: 283 - عن أبي سفيان طلحة بن نافع الواسطي، قال: سأل رجلٌ جابرَ بن عبد الله: هل كنتم تُسَمُّونَ أحداً من أهل القِبْلَةِ كافراً؟ قال: "مَعَاذَ اللهِ".

قال: فهل تُسَمّونَهُ مشركاً؟ قال: "لا". صحيح. أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (4/ 207/ 2317) وأبو عبيد القاسم بن سلام في "الإيمان" (رقم: 29) والطبراني في "المعجم الأوسط" (7/ 230/ 7354 - الحرمين) أو (8/ 173 - 174/ 7350 - الطحان) والأصبهاني في "الترغيب" (2/ 423) وابن أبي زمنين في أصول السنة" (رقم: 144) وابن عساكر في "تبيين كذب المفتري" (ص 405). من طريق: الأعمش، عن أبي سفيان به. وأبو سفيان أحاديث الأعمش عنه مستقيمة. قال الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في "المطالب العالية" (رقم: 2998 - العاصمة): "صحيح موقوف". وقال العلامة الألباني في تحقيقه لكتاب "الإيمان" لأبي عبيد (ص 98): "صحيح علي شرط مسلم". وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (10/ 461/ 19708) عن معمر، عن قتادة، عن جابر - رضي الله عنه -، ولفظه: "هل في المصلين مشرك؟ قال: "لا". وأخرج الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" -كما في "بغية الباحث" (رقم: 34) و "المطالب العالية" (رقم: 2997) و"إتحاف الخيرة المهرة" (1/ 160/ 171 - الوطن) - ومن طريقه أبي نعيم في "صفة النفاق" (136/ ص 153)، قال: ثنا إسماعيل بن عبد الكريم، ثنا إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، عن وهب -يعني: ابن منبه- قال: سألتُ جابراً - رضي الله عنه -: هل في المصفين طواغيت؟ قال: "لا". وسألته: هل فيهم مشرك؟ قال: "لا". وهذا إسناد منقطع؛ فإن وهب بن منبه لم يدرك جابراً، ولم يسمع منه. وأخرجه أبو نعيم في "صفة النفاق" (ص 154/ رقم: 137) من طريق: ابن لهيعة، عن أبي الزبير، أنه سأل جابراً ... ثم حوله من طريق: عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن أبي الزبير، قال: سألت جابراً: أكنتم تعدُّون الذنوب شركاً؟ فقال: "معاذ الله! ولم نكن ندعوا منافقاً

مشركاً، ولم نكن نرى في المصلين شركاً". وإسناده حسن. وأخرج ابن أبي عاصم في "السنة" (2/ 459/ 976 - المكتب الإسلامى) أو (2/ 671/ 1010 - الجوابرة) من طريق: يحيى بن عباد، ثنا سعيد بن زيد، ثنا الجعد بن دينار؛ أبو عثمان، ثنا سليمان بن قيس اليشكري الأعور، قال: سألتُ جابر بن عبد الله: هل كنتم ترون الذنوب شركاً؟ فقال: "معاذ الله! ما كنا نزعم أن في المصلين مشركاً". ووقع في الأصل: يحيى بن عبادة، وصححه الشيخ الجوابرة، وأشار إلي ذلك في هامش الكتاب. قال العلامة الألباني: "إسناده ضعيف، ورجاله موثقون؛ غير يحيى بن عبادة- والظاهر أنه الذي في "الجرح والتعديل" (4/ 2/ 173): "يحيى بن عبادة بن عبيد الله العمري؛ روى عن القاسم بن محمد، روى عنه الفزاري؛ سمعت أبي يقول: لا أعرفه". وحسِّن إسناده الشيخ باسم الجوابرة حفظه الله، وهو الأصوب - لأن الصواب في اسم يحيى؛ هو: ابن عباد، وهو الضبعي؛ "صدوق". وأخرج أبو يعلى في "مسنده" (7/ 136 - 137/ 3144) قال: حدثنا أبو خيثمة، حدثنا عمر بن يونس، حدثنا عكرمة، حدثنا يزيد الرقاشي، عن أنس بن مالك، قال: قلتُ: يا أبا حمزة؛ إن قوماً يشهدون علينا بالكفر والشرك! قال أنس: "أولئك شرُّ الخلق والخليقة". وله تتمة .. قال الهيثمي في "المجمع" (1/ 107): "رواه أبو يعلى، وفيه يزيد الرقاشي؛ وقد ضعفه الأكثر، ووثقه أبو أحمد بن عدي، وقال: عنده أحاديث صالحة عن أنس، وأرجو أنه لا بأس به". فقه الأثر: فيه خطر رمي المسلم بالكفر والشرك، وأنهما لا يطلقان على أهل القبلة وأهل الإسلام. وهذا الأثر عظيم جليل، فيه ردٌّ الجماعات التي تكفّر المسلمين اليوم، وتطلق ألفاظ الكفر والشرك على من يقع في بعض المعاصي والمنكرات.

ذم التلون والنفاق

بل ولا يجوز إطلاق هذه الكلمة على من وقع في الكفر نفسه؛ فإن من وقع في الكفر أو الشرك؛ لم يقع الكفر والشرك عليه، كما قرَّره شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من العلماء المحققين. وللتكفير شروط وموانع لتحققه في المعين - كما هو معلوم عند أهل العلم ممن وفقهم الله لإتباع السنة. لكنَّ الزائغين المنحرفين لا يعبؤون بهذا التقرير، فيكفّرون المسلمين! وإخراج المسلم من الإيمان لا يتأتى إلا بيقين، كما أن دخوله بالإسلام لا يتأتى إلا بيقين. والكلام يطول في هذه المسألة، ولقد كتب العلماء قديماً وحديثاً في تأصيل هذه المسألة، وإنما جرَّنا للكلام فيها ما نراه من حال بعض الأفراد المتسرعين في إطلاق التكفير على المسلم، وهؤلاء المساكين لا يعلمون أن هذه السِّمة من سمات الخوارج! نعوذ بالله من الضلال بعد الهداية. وإني أنصح إخواني أن يقرؤوا كتاب "الإيمان الأوسط" لشيخ الإسلام ابن تيمية وهو ضمن المجلد السابع من "مجموع الفتاوى"، وقد طبع مفرداً؛ ففيه تقرير سني سلفي لهذه المسألة. كما أنصحهم بالرجوع إلى كتاب "التحذير من فتنة التكفير" للشيخ الفاضل علي بن حسن بن عبد الحميد الحلبي الأثري -وفقه الله تعالى- وهو في الأصل تقريرات للعلامة المحدث السَّلفي السُّنّي الأثري محمد ناصر الدين الألباني، وعلّق عليه العالمان الإمامان السلفيان ابن باز وابن عثيمين -رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-، وجزاهما ومن قبلهما عن الإسلام خيراً. * * * 284 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا أبو نعيم، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عمر، عن أبيه، قال: قال أناسٌ لابن عمر: إنا ندخُلُ على سلطاننا؛ فنقول لهم بخلاف ما نتكلم إذا خرجنا من عندهم. قال: "كنا نعدُّها نفاقاً". أخرجه البخاري (7178) وحنبل في "جزئه" (ص 62/ رقم: 1) وأبو نعيم

في "صفة النفاق" (رقم: 98) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 164) والحسن بن سفيان في "مسنده" والإسماعيلي في "المستخرج" - كما في "الفتح" (13/ 182). من طريق: عاصم بن محمد به. وله طرق أخرى عن ابن عمر: - فقد أخرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" -كما في "بغية الباحث" (رقم: 1095) - وأبو نعيم في "صفة النفاق" (رقم: 94) والفريابي في "صفة النفاق" (رقم: 65 - البدر) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 920). من طريق: الأوزاعي، حدثني الزهري، عن عروة، قال: قلت لعبد الله بن عمر: .. فذكر نحوه. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه الفريابي في "صفة النفاق" (رقم: 64) والبيهقي (8/ 165) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 376 - 377). من طريق: ابن شهاب الزهري، حدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت، عن عروة بن الزبير به. وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة حال عبد الله بن خارجة. لكن هو صحيح بما قبله، والزهري مشهور بروايته عن عروة، فجائز أن يكون رواه عن عبد الله بن خارجة، ثم رواه عن عروة، وقد رواه عن خارجة بن زيد أبي عبد الله بن خارجة. أخرجه أبو نعيم في "صفة النفاق" (رقم: 95) من طريق: الأوزاعي، حدثني الزهري، حدثني خارجة بن زيد بن ثابت، عن عروة به. وأخرجه أبو نعيم (رقم: 96) والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (رقم: 300). من طريق: الحسن بن قزعة، ثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، قال: قلنا لابن عمر. فذكره. وهذا إسناد صحيح.

وجوب طاعة الأمير والصبر على جوره

وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 105) أو رقم: (5829 - شاكر) والنسائي في "الكبرى" (5/ 231/ 8759) وابن ماجه (3975) وأبو نعيم في "صفة النفاق" (97) وابن أبي الدنيا في "الصمت" (رقم: 279 - الحويني) وفي "ذم الغيبة" (رقم: 142) وابن أبي شيبة -كما في "الفتح" (13/ 182) - وابن عساكر في "جزء ذم ذي الوجهين واللسانين" (رقم: 10) والأصبهاني التيمي في "الترغيب والترهيب" (1/ 109 - 110 - ط شعبان) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 922). من طريق: يعلى بن عبيد الطنافسي، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي الشعثاء، قال: قلنا لابن عمر: .. فذكره بنحوه. وصحّح إسناده العلامة أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه على "المسند". وأخرجه أحمد (2/ 69) أو رقم (5373 - شاكر) من طريق: يزيد بن الهاد، عن محمد بن عبد الله، أنه حدّثه: أن عبد الله بن عمر .. فذكره مطولاً. وصحّح إسناده العلامة أحمد شاكر، وأخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (278) وفي "ذم الغيبة" وابن نصر في "تعظيم قدر الصلاة" (2/ رقم: 681) وابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 168) وعبد الرحمن الأصبهاني في "الإيمان" كما في "الفتح" (13/ 182). من طريق: أبي إسحاق السبيعي، عن عريب الهمداني، قال: قلت لابن عمر: .. فذكره. وإسناده ضعيف. خلاصة الكلام أن الأثر صحيح جداً، والحمد لله، وله طرق كثيرة عن ابن عمر - رضي الله عنه -. * * * 285 - قال الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، قال: ثنا سفيان، عن إبراهيم بن عبد الأعلى، عن سويد بن غفلة، قال: قال لي عمر: "يا أبا أمية؛ إني لا أدري لعلّي أن لا ألقاك بعد عامي هذا؛ فاسْمَعْ وأَطِعْ - وإن أُمِّرَ عليك عبدٌ حبَشِيٌّ مجدع، إن ضَرَبَكَ فاصْبِرْ، وإن حَرَمَكَ فاصْبِرْ، وإن أرادَ أمراً ينتقِصُ دينَكَ؛ فقل: سمعٌ وطاعة، دمي دون ديني،

التحذير من مجالسة المفتونين وأهل الأهواء

فلا تفارق الجماعة". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 548/ 33700 - العلمية) وابن أبي زمنين في "أصول السنة" (رقم: 205) والبيهقي في "الكبرى" (8/ 159) والخلال في "السنة" (رقم: 54). من طريق: سفيان به. وإسناده صحيح. * * * 286 - عن مصعب بن سعد، أنه قال: "لا تُجالِسْ مَفْتُوناً؛ فإنه لن يُخْطِئَكَ منه إحدى خِصْلَتَيْنِ: إما أن يُفْتِنَكَ فتُتَابِعه، أو يُؤْذِيَكَ قبل أن نُفَارِقَهُ". أخرجه البيهقي في "الإعتقاد" (ص 320 - ط أبي العينين) وابن بطة في "الابانة" (رقم: 393، 433). من طريق: سفيان بن دينار، قال: سمعت مصعب بن سعد يقول: فذكره. ورواه عن سفيان؛ يعلى بن عبيد، وابن المبارك. فالأثر صحيح. * * * 287 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: "إن أهل مكة سألوا نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُرِيَهُم آية؛ فأراهم انشِقَاق القمر مرَّتين". أخرجه البخاري (3637، 3868، 4867، 4868) ومسلم (2802) وأحمد (3/ 165، 257، 220، 275) أو رقم (12711 - قرطبة، وانظر أطرافه هناك) وابنه عبد الله في زوائد "المسند" (3/ 278) والنسائي في "الكبرى" (6/ 476/ 11554) والترمذي (3286) والطيالسي (1960) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (27/ 50) والبيهقي في "دلائل النبوة" (2/ 262 - 263) وفي "الإعتقاد" (ص 359) وعبد بن حميد في "المنتخب من المسند" (رقم: 1185) والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 303) وأبو يعلى في "مسنده" (رقم: 2929، 2930، 3113، 3141، 3187، 3254) واللالكائي في "شرح الأصول" (رقم:1461 - 1463) وغيرهم.

وزاد بعضهم قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} الآية. واقتصر بعضهم على حكاية الإنشقاق. * * * 288 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "انشقَّ القمرُ بمكةَ حتى صار فرقتين، فقال كفار أهل مكة: هدا سِحْرٌ سحَركم به ابن أبي كبشة! انظروا السّفار؛ فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا ما رأيتم؛ فهو سحر سحركم به. قال: فسُئِلَ السّفار؛ وقدموا من كل وَجْهٍ، فقالوا: رأينا". أخرجه الطيالسي في "مسنده" (295) والبيهقي في "الدلائل" (2/ 266) وفي "الإعتقاد" (ص 359 - 365) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (ص 235 - 236) واللالكائي في "شرح الأصول" (رقم: 160). من طريق: مغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله به. وهذا إسناد صحيح. وأصله في الصحيحين مختصراً. * * * 289 - قال الإمام الحافظ أبو محمد الدارمي -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عمرو بن محون، عن خالد بن عبد الله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، في قوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]. قال: "يأتي أهلَهُ كيف شاء؛ هي قائماً، أو قاعداً، وبين يديها، ومن خَلْفِهَا". أخرجه الدارمي في "مسنده" -أو سننه- (1/ 731/ 1173 - الداراني) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 229) أو (3/ 509/ 16658 - العلمية) من طريق: خالد الحذاء به. وإسناده صحيح.

سبب نزول تحريم الخمر

290 - وقال الدارمي: حدثنا عبد الله بن سعيد الأشج، حدثنا ابن إدريس، عن أبيه، عن يزيد بن الوليد، عن إبراهيم - في قوله تعالى: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222]. قال: "في الفَرْجِ". أخرجه الدارمي (1/ 731/ 1174) وابن أبي شيبة (4/ 232) أو (3/ 510/ 16673 - العلمية). من طريق ابن إدريس به. وهذا إسناد صحيح. * * * 291 - عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شَرِبُوا حتى إذا نَهِلُوا؛ عَبَثَ بعضُهم ببعضِ، فلما صَحَوْا؛ جعل الرجلُ يرى الأثر برأسه وبوجهه وبلحيته، فيقول: قد فعل بي هذا أخي! - وكانوا إخوةَ ليس في قلوبهم ضَغَائِنُ-، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما فعل بي هذا. فوقعت في قلوبهم الضَّغَائِنُ، فأنزل اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 95 - 91]. فقال ناسٌ: هي رجس! وهي في بَطْنِ فلان قُتِلَ يومَ بدر! وفلان قتل يوم أحد! فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [المائدة: 93]. حسن. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 337/ 11151) والطبري في "تفسيره" (7/ 23) والطبراني في "المعجم الكبير" (12/ رقم: 12459) والحاكم في "المستدرك" (4/ 141 - 142) والبيهقي في "السنن" (8/ 285 - 286). من طريق: ربيعة بن كلثوم، عن أبيه كلثوم بن جبر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وهذا إسناد حسن، ربيعةُ بن كلثوم وأبوه كلثوم بن جبر، فيهما كلام يسير، وهما حسنا الحديث إن شاء الله. ووقع في مطبوعة المستدرك: كلثوم بن جبير؛ فليصحح.

النهي عن المخابرة

والأثر أورده العلامة مقبل بن هادي الوادعي في "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 100 - 101) مصححاً له. * * * 292 - عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، أنه كان يكري أرض آل عمر، فسأل رافع بن خديج؛ فأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض. فترك ذلك ابن عمر. وفي رواية: "كُنَّا نُخَابر، ولا نرى بذلك بأساً؛ حتى زعم رافع بن خديج أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها، فتركناها من أجل ذلك". أخرجه البخاري (2343، 2344) ومسلم (1547/ 109، 110، 111) والنسائي في "المجتبى" (7/ 46، 47) أو رقم (3920، 3921، 2922، 2923، 2924 - المعرفة) وفي "الكبرى" (3/ 102، 103/ 4645، 4641، 4642، 4643، 4644) وابن ماجه (2453) أو (2498 - ط الشيخ علي الحلبي) وأحمد (3/ 465 و 4/ 140) أو رقم (15860، 17304 - قرطبة) والحازمي في "الإعتبار" (ص 172 - حمص) أو (رقم: 271) والبيهقي (6/ 130) والخطيب في "تاريخه" (1/ 357) وفي "الفقيه والمتفقه" (1/ 368/ 367)، وغيرهم. من طرق؛ عن نافع، عن ابن عمر به. وله ألفاظ متعددة. وأخرجه البخاري (2345) ومسلم (1547/ 112) وأحمد (3/ 465) أو رقم (15868 - قرطبة) وأبو داود (3394) والنسائي في "الكبرى" (3/ 100/ 4633) وفي "المجتبى" (7/ 44 - 45) أو رقم (3913 - المعرفة) والبيهقي (6/ 129) والطحاوي (2/ 256) والحازمي في "الإعتبار في الناسخ والمنسوخ" (ص 172 - حمص) أو رقم (270 - ابن حزم). من طريق: ابن شهاب الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن أبيه به. ولفظه: "أن عبد الله بن عمر كان يكري أرضه، حتى بلغه أن رافع بن خديج الأنصاري كان ينهى عن كراء الأرض، فلقيه عبد الله، فقال: يا ابن خديج! ماذا

تحدّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في كراء الأرض؟ قال رافع: سمعتُ عمَّيَّ - وكانا قد شهدا بدراً- يحدثان أهل الدار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن كراء الأرض. قال عبد الله: لقد كنت أعلم في عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن الأرض تكرى. ثم خشي عبد الله أن يكون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدَثَ في ذلك شيئاً لم يكن علِمَهُ فترك كراء الأرض". وفات الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الإرواء" (5/ 298) عزوه للبخاري. والرواية الثانية المذكورة؛ أخرجها مسلم (1547/ 106) وأحمد (1/ 234 و 2/ 11 و 3/ 465 و 4/ 142) أو رقم (2087، 2086، 4586 - شاكر) و (15867، 17328 - قرطبة) والنسائي في "الكبرى" (3/ 103، 104/ 4646، 4647، 4648) وفي "المجتبى" (7/ 48) أو رقم (3926 - 3928 - المعرفة) والطيالسي (رقم: 965) والشافعي في "الرسالة" (ص 445/ رقم: 1225) والحميدي في "مسنده" (1/ 198/ 405) وابن عبد البر في "التمهيد" (3/ 42 - ط المغرب). من طرق؛ عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر به. وللأثر طرق أخرى، انظرها في "الإرواء" (رقم: 1478). فقه الأثر: فيه النهي عن كراء الأرض، وعن المخابرة. وكراء الأرض: استئجارها. وصورة النهي في كراء الأرض: هو استئجارها مقابل الثلث أو الربع أو النصف .. وهكذا. أما كراء الأرض بأجرة معلومة؛ فجائز، ودليله حديث رافع بن خَدِيج نفسه؛ فعن حنظلة بن قيس - رضي الله عنهما -، قال: سألتُ رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والفضة. فقال: لا بأس به؛ إنما كانوا يُؤَاجِرُون على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على الماذِيانات، وأقبال الجداول، وأشياءَ من الزرع؛ فيهلك هذا، ويَسْلَمُ هذا، ويسلم هذا، ويهلَكُ هذا، ولم يكن للناس كراءٌ إلا هذا؛ فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون؛ فلا بأس به". رواه مسلم (1547) وغيره، وأصله عند البخاري (2347). قال الحافظ ابن حجر في "بلوغ المرام" (ص 46/ الجزء الثاني/ رقم: 907 -

ط الزهيري): (وفيه بيانٌ لما أُجْمِلَ في المتَّفَقِ عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض". وبوب البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه": (باب: كراء الأرض بالذهب والفضة). قال الحافظ في "الفتح" (5/ 31): (كأنه أراد الإشارة إلى أن النهي الوارد عن كراء الأرض محمول على إذا ما أكريت بشيء مجهول - وهو قول الجمهور، أو بشيء مما يخرج منها ولو كان معلوماً، وليس المراد النهي عن كرائها بالذهب والفضة". وانظر بقية كلامه في حكاية الخلاف في المسألة، وكلام الحازمي في "الإعتبار" (ص 170 - 174 - حمص) أو (2/ 610 - وما بعدها، ط ابن حزم) وغيرهما من كتب الفقه. والمخابرة: هي مزارعة الأرض بجزء مما يخرج منها كالثلث أو الربع، أو بجزء معين من الخارج منها. وفيه: وجوب الأخذ بخبر الواحد إن أتى بدليل، فهذا ابن عمر - رضي الله عنه أخذ بخبر رافع لما أخبره بالنهي المذكور. وفيه: ما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ورضي عنهم- من الرجوع إلى الحق، وعدم الإعتداد برأي إن خالف الدليل. قال الإمام الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الرسالة" (ص 445/ رقم: 1226): "فإن ابن عمر قد كان ينتفع بالمخابرة ويراها حلالاً، ولم يتوسَّع؛ إذا أخبره واحدٌ لا يتهمه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عنها- أن يُخابر بعد خبره، ولا يستعمل رأيه مع ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولا يقول: ما عاب هذا علينا أحد، ونحن نعمل به إلى اليوم! ". * * * 293 - وعن طاوس، قال: كنتُ مع ابن عباس إذ قال له زيد بن ثابت: "أَتُفْتِي أن تَصْدُرَ الحائضُ قبل أن يكون آخرُ عهدها بالبيت"؟

فقال له ابن عباس: "إمَّالَى! فَاسْأَلْ فلانة الأنصارية؛ هل أمرها بدلك النبيُّ"؟ فرجع زيدُ بن ثابت يضحك، وبقول: "ما أراكَ إلَّا قد صَدَقْتَ". أخرجه مسلم (1328/ 381) وأحمد (1/ 226، 348) أو رقم (1990، 3256 - شاكر) والشافعي في "الرسالة" (ص 439 - 441/ رقم: 1216) وفي "الأم" (2/ 181) وفي "المسند" (1/ 132 - العلمية) والبيهقي في "الكبرى" (5/ 163) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 367/ 366). من طريق: ابن جريج، أخبرني الحسن بن مسلم، عن طاوس به. قال الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الرسالة" (ص 441 - 442/ رقم: 1217): "سمع زيدٌ النهي أن يصدر أحد من الحج حتى يكون آخر عهده بالبيت، وكانت الحائض عنده من الحاج الداخلين في ذلك النهي، فلما أفتاها ابن عباس بالصَّدْر إذا كانت قد زارت بعد النحر - أنكر عليه زيدٌ، فلما أخبره عن المرأة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها بذلك، فسألها فأخبرته؛ فصدَّق المرأة، ورأى عليه حقاً أن يرجع عن خلاف ابن عباس، وما لابن عباس حجة غيرُ خبر المرأة" اهـ. * * * 294 - وعن سفيان الثوري -رَحِمَهُ اللهُ-، أنه قال: "ليس بعاقلٍ من لم يعدّ البلاء نعمةً، والرَّخاءَ مصيبة". أخرجه ابن المبارك في "الزهد"- زوائد نعيم- (ص 25) وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 55 و 8/ 242) والدينوري في "المجالسة" (1/ 420 - 421/ 118). من طرق؛ عن سفيان به. * * * 295 - عن سعيد بن المسيّب -رَحِمَهُ اللهُ- قال: "الأوَّاب: الذي يُذْنِبُ ثم يتوبُ، ثم يذنبُ ثم يتوبُ، ثم يذنب ثم يتوب". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 376) وابن جرير الطبري

في "تفسيره" (15/ 70) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 1094) وهناد في "الزهد" (رقم: 906) وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 165) وابن عساكر في "التوبة" (رقم: 14). من طريق: يحيى بن سعيد، عن سعيد به. * * * 296 - عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قول الله تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77]. قال: "مكثَ ألف عامٍ، ثم قال: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} ". صحيح. أخرجه الطبري في "تفسيره" (25/ 59) وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 2/ 202) وأسد بن موسى في "الزهد" (رقم: 4) وابن أبي الدنيا في "صفة النار" (رقم: 85 - ابن حزم). من طريق: عطاء بن السائب، عن أبي الحسن، عن ابن عباس به. وهذا إسناد جيد. وأخرجه الحاكم (2/ 448) ومن طريقه البيهقي في "البعث والنشور" (رقم: 588) من طريق: قبيصة، ثنا سفيان، عن عطاء، عن عكرمة، عن ابن عباس به. * * * 297 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، أنه قال في قول الله تعالى: {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} [النحل: 88]، قال: "عقاربُ أنيابها كالنَّخْلِ الطِّوَالِ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 158 - 159) أو (7/ 74/ 34127 - العلمية) وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 2/ 362) وأسد بن موسى في "الزهد" (رقم: 26) وهناد في "الزهد" (رقم: 260) وأبو يعلى في "مسنده" (5/ 65 - 66/ 2659) والطبري في "تفسيره" (14/ 160 - 161) والحاكم (2/ 355 - 356 و 4/ 593 - 594) والبيهقي في "البعث والنشور" (رقم: 560) وابن أبي الدنيا في "صفة النار" (رقم: 93) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9105،9104).

من طريق: الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن مسروق، عن عبد الله به. وهذا إسناد صحيح. وقد رواه عن الأعمش غير واحد؛ منهم شعبة، فانتفى التدليس. وأخرجه الطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 9103) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله به. * * * 298 - وعن مجاهد بن جبر، أنه قال: "يُلقَى الجرَبُ على أهل النار، فيحكُّون حتى يبدو العظم، فيقولون: بمَ أصابنا هذا؟! فيقال: بأذاكم المؤمنين". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 161/ 15990 - الهند) أو (7/ 75/ 34132 - العلمية) وأسد بن موسى في "الزهد" (رقم: 39) وهناد في "الزهد" (278) وابن أبي الدنيا في "صفة النار" (رقم: 124). من طريق: أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد به. وإسناده صحيح. * * * 299 - عن طارق بن شهاب، قال: عادَ خبابَ بن الأرتّ بقايا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: أبشِرْ أبا عبد الله؛ إخوانك تَقْدُمُ عليهم غداً. فبكى، فقال: "أما إنني ليس بجزع، ولكنكم ذكرتموني أقواماً، وسمَّيتموهم لي إخواناً، وإن أولئك قد مَضَوْا بأجورهم كما هي، وأخافُ أن يكون ثواب ما تذكرون من تلك الأعمال ما أوتينا من بعدهم". صحيح. أخرجه الحميدي في "مسنده" (1/ 86/ 158) وابن سعد فى "الطبقات" (3/ 124) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 522) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 274) والطبراني في "الكبير" (4/ رقم: 3616) والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 384/ 10674) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 145 - 146). من طريق: مسعر، ثنا قيس بن مسلم، عن طارق به. وهذا إسناد صحيح.

أهمة اتباع الأثر

300 - عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -، قال: "اعبد اللهَ كأنك ترَاهُ، وعُدَّ نفسَكَ مع الموتى، وإيَّاكَ ودعوة المظلوم، واعلم أن قليلاً يكفِيكَ خيرٌ من كثيرٍ يُلْهِيكَ. واعلم أنَّ البِرَّ لا يَبْلَى، وأن الإثمَ لا ينسى". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 167) أو (7/ 127 - 128/ 34569 - العلمية) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 240) ووكيع في "الزهد" (رقم: 13) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 1155 - زوائد المروزي) وأحمد في "الزهد" (رقم: 716 - الكتاب العربي) أو (2/ 56 - ط دار النهضة) وهناد في "الزهد" (رقم: 508) والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 381 - 382/ 10664) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 211 - 212) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/ 761 - 762). من طرق؛ عن عبد الله بن مرة، عن أبي الدرداء به. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 382/ 10665) وابن عساكر (13/ 762) من طريق: أبي وائل، عن أبي الدرداء به. وأخرجه ابن المبارك (1551) وابن أبي حاتم في "الزهد" (رقم: 20 - دار أطلس) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/ 762) والخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (رقم: 18). من طريق: يزيد بن إبراهيم، عن الحسن البصري، عن أبي الدرداء به. والحسن لم يلقَ أبا الدرداء. * * * 301 - قال سفيان الثوري -رَحِمَهُ اللهُ-: "إنما الذينِ بالآثار، إنما الذينُ بالآثار، إنما الدِّينُ بالآثار". صحيح. أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (1/ 782/ 1458 و 2/ 1049/ 2022) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 367) و (7/ 57) والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (1/ 214 - 215/ 235 - أضواء السلف) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 264/ 334).

من طريق: محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة، عن أبيه، قال: سمعتُ عبد الله بن المبارك يقول: سمعتُ سفيان الثوري يقول: فذكره. ولفظه عند البيهقي وأبي نعيم: "إنما العلم كله العلم بالآثار". وهذا إسناد صحيح؛ محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وأبوه ثقتان. وأخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (ص 34 - 35/ رقم: 3 - ط عالم الكتب، بيروت) من طريق: عبد الله بن وهب الدينوري، ثنا زيد بن أخزم، ثنا أبو داود الطيالسي، قال: قال سفيان: فذكره. وهذا إشاد ضعيف جدًا؛ لأجل عبد الله بن وهب الدينوري، قال الدارقطني: "متروك". لكنه صحيح بما قبله. ويستغرب من قول الشيخ عمرو بن عبد المنعم سليم من قوله في تعليقه على طبعته من كتاب "شرف أصحاب الحديث" (ص 24 - مكتبة ابن تيمية) عن إسناد ابن عبد البر: "وفيه من لم أعرف"! * * * 302 - وعن محمد بن سيرين -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قال: "كانوا يَرَوْنَ أنه على الطَّرِيق ما دَامَ علي الأثَرِ". صحيح. أخرجه الدارمي في "مسنده" -أو سننه- (1/ 251/ 142، 143 - الداراني) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1049/ 2019، 2525) واللالكلائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 109، 110) والبيهقي في "المدخل" (1/ 211 - 212/ 230). من طرق؛ عن ابن عون، عن ابن سيرين به. وأخرجه البيهقي في "المدخل" (رقم: 220) من طريق: محمد بن سليمان بن حبيب، ثنا أزهر، عن ابن عون، عن ابن سيرين، عن ابن عمر من قوله به: "لا يزال الناس على الطريق ما اتبعوا الأثر".

المعتكف إذا جامع بطل اعتكافه

3531 - وعن عبد الله بن المبارك -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "ليكنُ الذي تَعْتَمِدُ علبه هو الأثر، وخُذْ من الرأي ما يُفَسِّرُ لك الحديث". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 346/ 1573) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (8/ 165) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1050/ 2523) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 240). من طرق؛ عن عبدان بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك به. * * * 304 - وقال أيضًا: "إن ابْتُلِيتَ بالقضاء؛ فعليك بالأثر". صحيح. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (8/ 166) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1049/ 2021). من طريق: علي بن حسن بن شقيق، قال: سمعتُ عبد الله بن المبارك، يقول: .. فذكره. * * * 305 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "إذا جَامَعَ المُعْتَكِفُ بطلَ اعتكافُه؛ واسْتَأْنَفَ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 338/ 9680 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 363) وحرب في "مسائلة" -كما في "الفروع" لابن مفلح (3/ 191). من طريق: وكيع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس به. وهذا إسناد صحيح؛ كما قال ابن مفلح، والألباني في "إرواء الغليل" (4/ 148/ 976). * * * 306 - عن مالك بن أنس -رَحِمَهُ اللهُ-، قال: "كُلَّما جاءنا رجلٌ أَجْدَل من

رجُلٍ؛ تَرَكْنَا ما نزل به جبربلُ على محمد - صلى الله عليه وسلم - لجَدَلِهِ"؟! صحيح. أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 293) والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 1) والهروي في "ذم الكلام" (4/ 113/ 869، 870 - ط الغرباء) والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/ 99). من طرق؛ عن إسحاق بن عيسى، قال: سمعتُ مالكًا يقول: .. فذكره. * * * 307 - قال الإمام الطحاوي -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا محمد بن خزيمة، حدثنا مُعَلَّى بن أسد العَمِّي، ثنا عبد العزيز بن المختار ين عبد الله الداناج، قال: "شهدتُ أبا سَلَمة ابن عبد الرحمن جلسَ في مسجدٍ في زمن خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد. قال: فجاء الحسن فجلس إليه فتحدَّثا، فقال أبو سلمة: "حدثنا أبو هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن الشمسَ والقمرَ يُكَوَّرانِ في النار يومَ القيامة". قال: فقال الحسن: ما ذنبهما؟! فقال: إنما أُحدِّثُكَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". فسكتَ الحسنُ. صحيح. أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 66 - 67) وصالح ابن الإمام أحمد في "مسائل أبيه" (ص 132/ رقم: 491 - ط دار الوطن) وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 70) والبيهقي في "البعث والنشور"، والبزار والإسماعيلي والخطابي - كما في "الفتح" (6/ 346) تحت الحديث رقم (3200). كلهم من طريق: يونس بن محمد، حدثنا عبد العزيز بن المختار به. عدا الطحاوي وابن بطة؛ فمن طريق: معلَّى بن أسد به. قال الشيخ الألباني عن الطريق الأولى: "وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري، وقد أخرجه في "صحيحه" -مختصرًا- ... وليس عنده قصة أبي سلمة مع الحسن وهي صحيحة" اهـ. "الصحيحة" (رقم: 124).

مناظرة ابن عباس للخوارج

فقه الأثر: قال العلامة الألباني في "الصحيحة" (1/ 244 - 245): "وليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري؛ أن الشمس والقمر في النار يُعَذَّبان ميها عقوبة لهما؛ كلَّا! فإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا يُعذِّب من أطاعه من. خلقه، ومن ذلك الشمس والقمر؛ كما يشير إليه قول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: 18]، فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا؛ كلما قال الطحاوي، وعليه؛ فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين: الأول: أنهما من وقود النار؛ قال الإسماعيلي: "لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما؛ فإن لله في النار ملائكة وحجارة وغيرها؛ لتكون لأهل النار عذابًا، وآلة من آلات العذاب، وما شاء الله من ذلك؛ فلا تكون هي معذبة". الثاني: أنهما يلقيان فيها تبكيتًا لعُبَّادِهما. قال الخطابي: "ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك، ولكنه تبكيتٌ لمن كان يعبدهما في الدنيا؛ ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلة". * * * 308 - قال الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: حدثنا عكرمة بن عمار، قال: حدثني أبو زميل، قال: حدثني عبد الله بن عباس، قال: "لمَّا خرجَت الحرورية اعتزلوا فيٍ دارِ، وكانوا ستة آلاف، فقلتُ لعليٍّ: يا أمير المؤمنين؛ أَبْرِدْ بالصلاة؛ لعلِّي أُكَلِّمُ هؤلاء القوم". قال: "إني أخافهم عليك". قلتُ: "كلَّا". فلبستُ وترَجَّلْتُ، ودخلتُ عليهم في دارِ، نصفَ النهار -وهم قائلون- فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس! فما جاء بك؟! قلت لهم: "أتيتُكم من عند أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -

المهاجرين والأنصار، ومن عند ابن عمِّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وصهره- وعليهم نزل القرآن، فهم أعلم بتأويله منكم، وليس فيكم منهم أحد؛ لأبلِّغكم ما يقولون، وأبلغهم ما تقولون". فانتحى إليَّ نَفَرٌ منهم. قلتُ: "هاتوا ما نَقَمْتُمْ على أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وابن عمّه". قالوا: ثلاث. قلتُ: "ما هُنَّ". قالوا: أما إحداهنَّ: فإنه حَكَّمَ الرجالَ في أمر الله، وقال الله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (¬1). ما شأن الرجال والحكم؟! قلتُ: "هذه واحدة". قالوا: وأما الثانية: فإنه قَاتَلَ ولم يَسْبِ ولم يَغْنَمْ؛ إن كانوا كُفَّارًا لقد حَلَّ سَبْيُهُم، ولئن كانوا مؤمنين ما حلَّ سَبْيُهُم ولا قتالُهم. قلتُ: "هذه ثِنْتَان؛ فما الثالثة"؟ قالوا: محَى عن نفسه (من أمير المؤمنين)؛ فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين!! قلتُ: "هل عندكم شيء غير هذا"؟ قالوا: حسبنا هذا. قلتُ لهم: "أرأيتكم إن قرأتُ عليكم من كتاب الله جلَّ ثناؤه، وسنة نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - ما يردُّ قولكم؛ أترجعون"؟ قالوا: نعم. ¬

_ (¬1) سورة يوسف: 40، 67.

قلتُ: "أما قولُكم: حَكمَ الرجالَ في أمر الله؛ فإني أقرأُ عليكم في كتاب الله أَنْ قد صَيَّرَ اللهُ حُكمَهُ إلى الرجال في ثمن ربع درهم، فأَمَرَ اللهُ تبارك وتعالى أن يَحْكُمُوا فيه؛ أرأيتَ قولَ الله تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬1) وكان من حُكِمْ الله أن صَيَّرَهُ إلى الرجال يَحْكُمُونَ فيه، ولو شاء لحَكمَ فيه، فجاز من حكم الرجال. أنشدكم بالله؛ أَحُكم الرجالِ في صلاح ذاتِ البَيْنِ وحَقْن دمائهم أفضل أو في أرنب"؟! قالوا: بلى؛ بل هدا أفضل. "وفي المرأة وزوجها: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} (¬2) فنشدنكم بالله؛ حكم الرجال في صَلاحَ ذات بينهم أفضل من حكمهم في بضع امرأة؟! خرجتَ من هذه"؟ قالوا: نعم. قلتُ: "وأما قولُكم: قاتَلَ ولم يَسْبِ ولم يَغْنَمْ؛ أَفَتَسْبُونَ أُمَّكُم عائشة؛ تَستَحِلُّون منها ما تستحِلُّون من غيرها وهي أمُّكم؟! فإن قُلْتُم: إنا نَستَحِلُّ منها ما نستحِلُّ من غيرها؛ فقد كفرتُم. وإن قلتمُ: ليستْ بأُمِّنَا؛ فقد كفرتُم، لأن الله تعالى يقول: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} (¬3) فأنتم بين ضلالتين؛ فَأْتُوا منها بمخرج. أفخرجْتَ من هذه"؟ قالوا: نعم. "وأما محي نفسه أمير المؤمنين؛ فأنا آتيكم بما ترضون؛ إن نبيَّ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يوم الحديبية صَالَحَ المشركين، فقال لعليٍّ: ¬

_ (¬1) سورة المائدة: 95. (¬2) سورة النساء: 35. (¬3) سورة الأحزاب: 6.

"اكتُبْ يا عليّ: هذا ما صَالَحَ عليه محمد رسول الله". قالوا: لو نعلمُ أنك رسولُ الله ما قاتلناك! فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "امحُ يا عليّ، اللهم إنك تعلمُ أني رسول الله، امحُ يا علي واكتب: هدا ما صَالَحَ عليه محمد بن عبد الله". واللهِ لرسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - خيرٌ من عليّ، وقد محى عن نفسه، ولم يكن مَحْوُه نفسه ذلك محاه من النبوة، أخَرَجْتَ من هذه"؟ قالوا: نعم. فرجَعَ منهم ألفان، وخَرَجَ سائرهم، فقُتلوا على ضلالتهم، فقتلهم المهاجرون والأنصار". حسن. أخرجه: النسائي في "السنن الكبرى" (5/ 165 - 167/ 8575) أو (رقم: 190) من "الخصائص" وأحمد في "المسند" (1/ 342) أو رقم (3187 - شاكر) -مختصرًا- وأبو داود (4037) - مختصرًا، وليس عنده هذا السياق- وعبد الرزاق في "المصنف" (10/ 157/ 18678) والحاكم (2/ 150) و (4/ 182) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 179) والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ رقم: 15098) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 962/ 1834) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 318 - 320) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 522 - 524) والخوارزمي في "المناقب" (244) وأبو عبيد القاسم بن سلام في "الأموال" (رقم: 444) وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 91 - 93) والمعافى النهرواني في "الجليس الصالح" (1/ 558 - 560 - عالم الكتب). من طريقين عن عكرمة بن عمار به: 1 - عبد الرحمن بن مهدي عنه به. 2 - عمر بن يونس اليمامي عنه به. وصحَّح إسناده المحدث أحمد شاكر في تحقيقه علي "المسند" (5/ 67 / 3187)، وحسَّن إسناده المحدث الألباني في "صحيح سنن أبي داود" رقم (3406).

والتحسين هو الأقرب؛ للكلام الذي في عكرمة بن عمار -وهو كلام يسير لا يضر- لذا قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "صدوق يغلط". ومن العلماء والحفاظ من أطلق القول بتوثيقه -وهم كُثر- والله تعالى أعلم. فقه الأثر: في هذا الأئر العظيم فوائد ومعانٍ كثيرة وجليلة، منها: 1 - الحرص على الجماعة وعدم الإعتزال عنها، إذ الإعتزال عن جماعة المسلمين من علامات الخوارج كما تقدم من سِمَةِ هؤلاء الخوارج بأنهم اعتزلوا في دارٍ وكانوا ستة آلاف. 2 - أنه لا يناظر المخالف أو المبتاع أو الضال إلا رجل عالم متمكن، فإن لم يكن أهلًا ولا عالمًا بشبهات المخالفين، ومتمسكًا بالطريق المستقيم، ضابطًا للعلوم وأصولها .. ؛ فلا يناظر. فأنت ترى أن عبد الله بن عباس وهو حبر الأمة، ومن أبرز فقهاء الصحابة وعلمائهم، قد خاف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه من الخوارج. ويحتمل الخوف أن يكون هنا: إما لإلحاق الضرر به من قتل أو حبسٍ أو غيرهما. أو لاحتمال عدم تمكن ابن عباس من مناظرتهم لأجل شبهاتهم، أو أن أمير المؤمنين خاف عليه أن تعلق شبهة من شبه القوم في قلبه .. وكل هذا جائز، والله أعلم بالصواب. 3 - رأيتَ كيف أن الخوارج الحرورية لم يسلّموا على ابن عباس؛ إنما قالوا: "مرحبًا بك يا ابن عباس"! وهذا من سماتهم -أنهم يحكمون على من خالفهم بالكفر- مهما كانت منزلته، فيعاملونه معاملة الكافر، وعلى هذا جماعات التكفير والهجرة في عصرنا، والله المستعان. 4 - أن أي قوم أو فرقة أو مذهب أو طائفة لم تكن معتصمة بما كان عليه أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فهي على ضلال وانحراف، أرأيت كيف احتج ابن عباس - رضي الله عنه - على الخوارج بأنهم ما كان فيهم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أحد.

5 - أن الواجب على المتعلم أو العالم أو الإمام أن يرشد الضال والمنحرف، ويبين له ما خفي عليه بالدليل، فهذا عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - لما رأى أنه الخوارج تمسّكوا بشبه ظنوا أنها دين وحق، قارعهم بالحجة من كتاب الله وسنة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم -، وأرشدهم إلى الصواب، وعلَّمهم كيف يستدلّون، لأن المخالف قد يظن أن القول الذي يعتقده هو محض الصواب؛ وخلافه باطل وداحض، فيحارب عليه، ويوالي ويعادي على ذلك، وهذا لأنه لم يفهم الكتاب والسنة على ما فهم أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، لهذا قدَّمَ عبدُ الله بن عباس بالمقدمة الآنفة الذكر واحتجَّ عليهم بأنه ليس من أحد من الصحابة بينهم، فكان هذا سبب انحرافهم وضلالهم وبعدهم عن الحق، وفي هذا تأصيلٌ منهجي عزيز، فعُضَّ عليه أيها السُّني وتمسَّك بعراه. 6 - فيه أن المخالفين الأولين كانوا على جانب كبير من الأنصاف والأوبة للحق إذا بأن لهم، فقد رأيتَ كيف رجع مع ابن عباس ألفان، بعكس ما نراه من مخالفي زماننا من ركوب الرأس والتعنت، والصد عن الحق، والنكوص عنه، وعدم اتباع الدليل إذا بان ولاح، والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا به. هذا ما فتح الله به من ذكر بعض فوائد هذه المناظرة العظيمة، ولا شك أن فيها الدُّرَّ الثمين، والله نسأل أن يعلمنا ويفقهنا ويسدّدنا. وانظر الذي بعده فإنه متعلق به. * * * 309 - قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا إسحاق بن عيسى الطبَّاع، حدثني يحيى بن سُليم، عن عبد الله بن عثمان بن خُثيم، عن عبيد الله بن عياض بن عمروٍ القاري، قال: جاء عبدُ الله بن شدَّاد، فدخل على عائشةَ، ونحن عندها جلوس، مَرْجعَهُ من العراق لَيَالِيَ قُتِلَ عليٌّ، فقالت له: "يا عبد الله بن شدَّاد؛ هل أنتَ صَادِقي عما أسالُكَ عنه؟ تحدّثني عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليّ"؟ قال: "وما لي لا أَصْدُقُكِ"!

قالت: "فحدِّثني عن قصّتهم". قال: "فإنَّ عليًّا لمَّا كاتَبَ معاويةَ، وحكم الحكمان؛ خرجَ عليه ثمانيةُ آلاف من قُرَّاء الناس، فنزلو بأرض يُقَالُ لها: حَرُورَاء، من جانب الكوفة، وإنهم عَتَبُوا عليه؛ فقالوا: انسَلَخْتَ من قميص ألبَسَكَهُ اللهُ تعالى، واسم سَمَّاكَ الله تعالى به، ثم انطَلَقْتَ فَحَكَّمْتَ في دينِ الله، فلا حُكْم إلَّا لله تعالى! فلمَّا أَنْ بلغَ عليًّا ما عتبوا عليه وفارقوه عليه؛ فأمر مؤذّنًا، فأذَّن: أن لا يَدْخُلَ على أمير المؤمنين إلَّا رجلٌ قد حَمَلَ القرآن. فلمَّا أنِ امتلأت الدَّارُ من قُرَّاءِ الناس؛ دَعَا بمصحفِ إمام عظيم، فوضَعَهُ بين يَدَيهِ، فجعلَ يَصُكُّهُ بيده، ويقول؟ أيها المصحف! حدِّثِ الناسَ"! فناداه الناسُ؛ فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ ما تسأل عنه؟! إنما هو مِدَادُ في ورقٍ! ونحن نتكَلَّمُ بما روينا منه؛ فماذا تريد؟ قال: "أصحابُكم هؤلاء الذين خرجوا؛ بيني وبينهم كتاب الله، يقولُ الله تعالى في كتابه؛ في امرأة ورجل: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا} (¬1)، فأمّةُ محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - أعظمُ دَمًا وحُرمةً من امرأةٍ ورجلٍ؟! ونقَمُوا عليَّ أَنْ كاتَبْتُ معاويةَ: كتبَ عليٌّ بن أبي طالب .. وقد جاءنا سهيل بن عمرٍو ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بالحديبية حين صَالَحَ قومَه قريشًا، فكتبَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: بسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا تكتُبْ بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: "كيف نكتُب"؟! فقال: اكتب بِاسْمِكَ اللهمَّ. فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "فاكتُبْ: محمد رسول الله". ¬

_ (¬1) سورة النساء: 35.

الإسناد من الدين

فقال: لو أعلمُ أنك رسول الله؛ لم أُخَالِقكَ. فكتَبَ: هدا ما صَالَحَ محمد بن عبد الله قريشًا. يقولُ اللهُ تعالى في كتابه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (¬1). فبعثَ إليهم عليٌّ عبدَ الله بن عباس، فخرجتُ معه، حتى إذا توسَّطْنَا عسكرهم؛ قام ابن الكوَّاء يخطبُ الناسَ، فقال: يا حملةَ القرآن؛ إن هذا عبدَ الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفُه فأنا أُعَرِّفُه من كتاب الله ما يعرفه به؛ هذا ممَّن نزلَ فيه وفي قومه: {قَوْمٌ خَصِمُونَ} (¬2)، فَرُدُّوهُ إلي صاحبه، ولا تُوَاضِعُوهُ كتابَ اللهِ. فقام خطباؤهم، فقالوا: والله لنُوَاضِعَنَّهُ كتابَ الله؛ فإن جاء بحقٍّ نَعْرِفُهُ لنَتَّبِعَنَّهُ، وإن جاء بباطل لنُبَكِّتَنَّهُ بباطله. فواضَعُوا عبدَ الله الكتابَ ثلاثةَ أيام، فرجع منهم أربعةُ آلاف؛ كلّهم تائب - فيهم ابن الكوَّاء- حتى أدخَلَهُم على عليٍّ الكوفةَ. فبعثَ عليٌّ إلى بقيتهم، فقال: قد كان من أمرنا وأمر الناسِ ما قد رأيتُم، فقفوا حيث شئتم، حتى تجتمع أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، بيننا وبينكم أن لَّا تسفكوا دمًا حرامًا، أو تقطعوا سبيلًا، أو تَظلِمُوا ذِمَّةً؛ فإنكم إن فعلتُم؛ فقد نبذنا إليكم الحربَ على سواءٍ، إن الله لا يحب الخائنين". فقالت له عائشةُ: "با ابن شدَّاد؛ فقد قتلهم"؟ نقال: والله ما بعث إليهم حتى قطعوا السبيلَ، وسفكوا الدَّمَ، واستحلُّوا أهل الذِّمَّةَ. فقالت: "الله"؟! قال: "آللهِ الذى لا اله إلا هو؛ لقد كان". ¬

_ (¬1) سورة الأحزاب: 21. (¬2) سورة الزخرف: 58.

قالت: "فما شيءٌ بلَغَنِي عن أهل الذّمّةِ، يتحدّثونه؛ يقولون: ذو الثُّدَيّ، وذو الثُّدَيّ"؟ قال: قد رأيتُه وقمتُ مع عليّ عليه في القتلى، فدعا الناسَ، فقال: "أتعرفون هذا"؟ فما أكثر من جاء يقول: قد رأيتُه في مسجد بني فلان يصلّي، ورأيتُه في مسجد بني فلان يصلي، ولم يَأْتوا فيهِ بثَبْتٍ يُعْرَفُ إلا ذلك. قالت: "فما قول عليّ حين قام عليه كما يزعم أهل العراق"؟ قال: سمعتُه يقول: "صَدَقَ اللهُ ورسولُه". قالت: "هل سمعتَ منه أن قال غير ذلك"؟ قال: اللهمَّ لا. قالت: "أجل؛ صدقَ اللهُ ورسولُه، يرحمُ اللهُ عليًّا؛ إن كان من كلامه لا يرى شيئًا يعجبُه إلا قال: صَدَقَ اللهُ ورسولُه؛ فيذهبُ أهلُ العراق يكذبون عليه في الحديث". صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 86 - 87) أو رقم (656 - شاكر) وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 367 - 370/ 474) والحاكم (2/ 151 - 153) والبيهقي في "السنن الكبرى" (8/ 179 - 180). مق طريق: يحيى بن سليم به. وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/ 281) والعلامة المحدث أحمد شاكر في تحقيقه على "المسند" والألباني في "الإرواء" (رقم: 2459). * * * 310 - عن الإمام التقي الورع عبد الله بن المبارك -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- أنه قال: "الإسنادُ عندي من الدين، ولولا الإسناد لقالَ من شاءَ ما شَاءَ". أخرجه الإمام مسلم في مقدمة "صحيحه" (1/ 15) والترمذي في "العلل الصغير" (10/ 439 - تحفة الأحوذي) والحاكم في "معرفة علوم الحديث"

علامة أهل السنة حب أهل الحديث وعلامة أهل البدع بغض أهل الحديث

(ص 6) والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 74 - ط عالم الكتب ببيروت) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1/ 16) وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام وأهله" (4/ 214/ 1016 - ط الغرباء الأثرية) والسمعاني في "أدب الإملاء والإستملاء" (ص 6 - 7). من طرق؛ عن عبدان، عن ابن المبارك به. وأخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 73) من طريق: أبي بكر الطالقاني، عن ابن المبارك به، ولفظه: "الإسناد من الدين". وإسناده حسن كما تجده في تحقيقي على الكتاب. وللأستاذ عاصم القريوتي وفقه الله رسالة جميلة فى معنى هذا الأثر وأهميته ومنزلته في ديننا وشرعنا، فانظرها بوركت وهُدِيتَ للحق والطريق المستقيم. * * * 311 - وعنه -رَحِمَهُ اللهُ- أنه قال: "مَثَلُ الذي يَطلُبُ أَمْرَ دِينِهِ بلا إسنادِ، كمثل الذي يرتقي السَّطْحَ بلا سُلَّمِ". أخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 75) والسمعاني في "أدب الإملاء والإستملاء" (ص 6). من طريق: محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: سمعتُ أحمد بن نصر المقرئ يقول: سمعتُ إبراهيم بن معدان يقول: قال ابن المبارك: .. فذكره. وإسناده جيد. وأخرجه الهروي في "ذم الكلام" (4/ 215/ 1017) من طريق أخرى. وبوَّب الخطيب -رَحِمَهُ اللهُ- على هذا الأثر والذي قبله بقوله: "البيان أن الإسناد هي الطريق إلى معرفة أحكام الشريعة". * * * 312 - قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "من تَعَلَّمَ القرآنَ عَظُمَت قيمَتُهُ، ومن نَظَرَ في الفِقْهِ نَبُلَ مِقْدَارُهُ، ومن كتبَ الحديثَ قَوِيَتْ حُجَّتُهُ، ومن نظَرَ في اللغة رقَّ قَلْبُهُ، ومن نظَرَ في الحسابِ

جزلَ رأيُهُ، ومن لم يَصُنْ نفسَهُ؛ لم ينفعه عِلْمُهُ". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (7/ 276) وفي "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 143 - ط عالم الكتب) وفي "الفقيه والمتفقه" (1/ 151/ 139 - ط ابن الجوزي) والبيهقي في "مناقب الشافعي" (1/ 281 - 282) وفي "المدخل إلى السنن" (رقم: 511) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (9/ 123) وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" (4/ 278 - 279/ 1122). من طرق؛ عن المزني، عن الشافعي به. * * * - حبُّ أهل الحديث علامة أهل السنة، وبغضهم علامة أهل البدع: 313 - عن قتيبة بن سعيد، أنه قال: "إذا رأيتَ الرجُلَ يُحِبُّ أهلَ الحديثِ- مثل يحيى بن سعيد القطَّان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وذكر قومًا آخرين - فإنه على السُّنَّةِ، ومن خَالَفَ هذا فاعلم أنه مُبْتَدِعٌ". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 148) وأبو عثمان إسماعيل الصابوني في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (رقم: 172 - ط بدر البدر) أو (ص 307 - 309 - ط دار العاصمة) واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة" (رقم: 59). من طرق صحيحة، عن قتيبة بن سعيد به. * * * 314 - وعن أحمد بن سنان القطان، قال "ليس في الدنيا مُبْتَدِعٌ إلا وهو يُبغِضُ أهلَ الحديث، واذا ابتدَعَ الرجلُ نُزِعَ حلاوةُ الحديثِ من قَلْبِهِ". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث" (رقم: 151) والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 4) وأبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في "عقيدة السلف أصحاب الحديث" (رقم: 163 - ط بدر البدر) أو (ص 299 - 300 - ط العاصمة) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 158/ 237 - ط الغرباء الأثرية).

من طريق: أبي علي الحسين بن علي الحافظ، قال: سمعتُ جعفر بن محمد بن سنان الواسطي يقول: سمعتُ أحمد بن سنان القطان يقول: .. فذكره. وهذا إسناد صحيح. * * * 315 - وعن أبي نصر بن سلام، قال: "ليس شيءٌ أثقل على أهل الإلحادِ ولا أبغض إليهم من سماع الحدبث وروايته بإسناده". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 152) والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 4) وأبو عثمان الصابوني في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (رقم: 165) أو (ص 302 - العاصمة) وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" (2/ 159/ 239). من طريق: أبي نصر أحمد بن سهل الفقيه، عن أبي نصر بن سلام به. * * * 316 - قال الخطيب أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي: وأخبرنا أبو بكر- أحمد بن محمد بن عبد الواحد المروروذي، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: سمعتُ أبا الحسين بن أحمد الحنظلي يقول: سمعتُ أبا إسماعيل محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: "كنتُ أنا وأحمد بن الحسن الترمذي عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فقال له أحمد بن الحسن: يا أبا عبد الله؛ ذكروا لابن أبي قتيلة بمكة أصحابَ الحديث، فقال: أصحابُ الحدبثِ قومُ سوءِ! فقام أبو عبد الله وهو بنفضُ ثوبه، فقال: "زنديقٌ، زنديقٌ، زنديقٌ" ودخل البيتَ". أثر لا باس به، جيد. أخرجه الخطيب في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 153) والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 4) والصابوني في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (رقم: 164 - ط البدر) أو (ص 301 - العاصمة) والهروي في "ذم الكلام" (2/ 160/ 241) وابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة" (1/ 38 و 280) وابن الجوزى فى "مناقب الإمام أحمد" (ص 233).

من طريق: أبي الحسين الحنظلي به. وذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (11/ 299). وأبو الحسين الحنظلي هو: محمد بن أحمد؛ ذكره الخطيب في "تاريخ بغداد" (1/ 283) وذكر أن فيه لينًا. * * * - ذمَ الرأي: 317 - عن عامر بن شراحيل الشعبي، أنه قال: "ما كلمة أبغض إليَّ من: (أرأيتَ"). صحيح. أخرجه ابن بطة في "الإبانة" (رقم: 605) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1076/ 2095) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 226). من طريق: الأشجعي، عن ابن أبي خالد، عن الشعبي به. وهذا إسناد صحيح. وأخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 281/ 199 - الدارائي)، قال: أخبرنا الحسن بن بشر، حدثنا أبي، عن إسماعيل، عن عامر الشعبي به، ولفظه: "ما أبغض إليَّ أرأيتَ؛ أرأيتَ يسأل الرجل صاحبه، فيقول: أرأيت"! وكان لا يُقَايِسُ. وإسناده ضعيف؛ بشر بن سَلْم "منكر الحديث"، كما قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 358). لكن الأثر صحيح بما قبله. * * * 318 - وقال الدارمي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا صدقة بن الفضل، حدثنا يحيى بن سعيد، عن الزبرقان، قال: "نهاني أبو وائل أن أُجَالِسَ أصحابَ أرأيتَ". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 282/ 200 - الداراني) وابن بطة في "الإبانة" (رقم 415, 416، 654) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1076/ 2094). من طرق؛ عن الزبرقان السرَّاج به.

319 - عن عروة بن الزبير- رضي الله عنهما - أنه قال: "السُّنَنُ، السُّنَنُ؛ فإن السُّنَنَ قِوَامُ الدِّينِ". صحيح. أخرجه ابن نصر المروزي في "السنة" (رقم: 112 - ط العاصمة) والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (رقم: 221). من طريق: يحيى بن أيوب، عن هشام بن عروة، عن عروة به. وعلَّقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 2029/1051) عن ابن وهب، عن يحيى به. * * * 320 - قال الحافظ محمد بن سعد الزهري -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثنا صالح بن مسلم، قال: كنتُ مع الشَّعبي، وبدي في يده، أو يده في يدي، فانتهينا إلى المسجد؛ فإذا حَمَّاد في المسجد، وحوله أصحابه، ولهم ضوضاة وأصوات، قال: فقال: "لقد بغَّضَ إليَّ هؤلاء هذا المسجد، حتى تركوه أبغض إليَّ من كناسة داري؛ معاشر الصعافقة". فانصاع راجعًا، ورجعنا. وفي رواية: فقلتُ: مِمَّ يا أبا عمرو؟ قال: "هؤلاء الرَّائيُّون أصحاب الرأي، لمَّا أَغيَتهُمْ أحاديثُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يحفظوها؛ يجادلون". صحيح. أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6/ 251). وأخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1048/ 2017) والخطيب البعدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 462/ 499) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 320). من طريق: إسماعيل بن إبراهيم -[الشهير بابن عُلَيَّة]-، ثنا صالح بن مسلم به.

وهذا إسناد صحيح. وصالح بن مسلم هو: البكري، ترجمه ابن أبر حاتم في "الجرح والتعديل" (4/ 413/ 1817) وذكر توثيقه عن أحمد، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين وغيرهم. وقد وهم الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي في تحقيقه لكتاب "المدخل" للبيهقي (1/ 198 - ط أضواء السلف) باعتبار صالح بن مسلم؛ هو: صالح بن صالح بن مسلم بن حي! وكذا وهم محقق كتاب "جامع بيان العلم" أبو الأشبال الزهيري (2/ 1048 و 1074 - ط ابن الجوزي) باعتباره صالح بن مسلم بن رومان! وهذا بعيد جدًا. ومثله صنيع محقق "الإبانة" لابن بطة (2/ 515). والأثر أخرجه أيضًا ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 1074/ 2089) والبيهقي في "المدخل" (1/ 197 - 198/ 215) وابن بطة في "الإبانة" (رقم:602). من طريق: المبارك بن سعيد الثوري، ثنا صالح بن مسلم به. وإسناده صحيح أيضًا. وأخرجه ابن حبان في الثقات" (6/ 464) والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 462/ 500). من طريق: محمد بن كناسة، ثنا صالح بن مسلم به. وأخرجه ابن بطة في "الإبانة" (رقم: 603) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 228) من طريق: يحيى بن سعيد، عن صالح به. وأخرجه ابن بطة في "الإبانة" (رقم 600) من طريق: يحيى بن أيوب البجلي، عن يونس، قال: قال لي الشعبي: "ما مجلس أجلسه أحبّ إليَّ من المسجد إذ كنَّا نجلس فيه إلى أبيك، ثم نتحول إلى الربيع بن خثيم، فيقرينا القرآن، حتى نشأ هؤلاء الصعافقة؛ والله لئن أجلس على كناسة أحبّ إليَّ من أن أجلس معهم".

وجوب تلقي العلم من أهل العدالة والديانة

وأخرجه (رقم: 601) من طريق: عبد الله بن محمد الزهري، ثنا سفيان، عن يونس بن أبي إسحاق به نحوه. والصعافقة: هم الذين يدخلون السوقَ بلا رأس مال، فإذا اشترى التاجر شيئًا دخل معه فيه، وواحدهم: صعفق. أراد: هؤلاء لا علم عندهم، فهم بمنزلة التجار الذين ليس لهم رأس مال. قاله ابن الأثير في "النهاية" (3/ 31). * * * 321 - عن محمد بن سيرين -رَحِمَهُ اللهُ- قال: "إنَّ هذا العِلْمَ دِينٌ؛ فانظروا عَمَّن تأخذون دينَكُم". أخرجه مسلم في مقدمة "صحيحه" (1/ 27 - 28) - 5 - باب: بيان أن الإسناد من الدين، وأن الرواية لا تكون إلا عن الثقات ... ، والدارمي في "مسنده" (1/ رقم: 399، 438، 343) والخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص 121 - 122) وفي "الفقيه والمتفقه" (1/ 191، 192، 378/ 844، 845، 846، 1133، 1134) وابن سعد في "الطبقات الكبري" (7/ 194) وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 278) وابن خير في "الفهرسة" (ص 18) وابن سمعون في "أماليه" (رقم: 73) والجوهري في "مسند الموطأ" (ص 36) والسَّلَفي في "الطيوريات" (رقم: 57، 58. 60) وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 15) وابن عدي في مقدمة "الكامل" (1/ 252 - 254 - العلمية) والهروي في "ذم الكلام" (5/ 58 - 60/ 1381). من طرق كثيرة، عن محمد بن سيرين به. وقد رُوي مرفوعًا؛ لكنه لا يصح؛ وتفصيل الكلام عليه في "الضعيفة" (رقم: 2481). وهذا الأثر بابٌ عظيمٌ من أبواب الدين، وأصلٌ أصيل، فعُضَّ عليه أيها السُّنيّ واعمل به بعد فقهه، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه.

خروج الإمام لصلاة الجمعة يقطع صلاة النفل، وصعوده المنبر يقطع الكلام

322 - عن عامر بن شراحيل الشعبي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- قال: "ما حَدَّثُوكَ عن أصحابِ محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فَخُذهُ، وما قالوا برأيهم؛ فَبُلْ عليه". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 256) وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 319) والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 154) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 776 / 1438) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 814). من طريق: عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان الثوري، عن ابن أبجر، قال: قال لي الشعبي: .. فذكره. وإسناده صحيح. * * * - من فقه صلاة الجمعة: 323 - عن ثعلبة بن أبي مالك القُرَظي، قال: "كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّونَ يومَ الجمعة، حتى يَخرُجَ عُمَرُ، فإذا خرجَ عمرُ، وجلسَ على المنبر، وأذَّنَ المؤذِّنون -قال ثعلبة-: جلسنا نَتَحَدَّثُ، فإذا سَكَتَ المؤذِّنونَ، وقامَ عمرُ يخطبُ؛ أنْصَتْنَا، فلم يتكلَّمْ منَّا أحدٌ". قال ابن شهاب -راوي الخبر عن ثعلبة-: "فخروجُ الإمام يقطعُ الصلاةَ، وكلامُهُ يقطعُ الكلامَ". صحيح. أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (1/ 66/ 7) والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 217) والشافعي في "الأم" (1/ 175) وفي "المسند" (1/ 139) والبيهقي في "الكبرى" (3/ 192). من طريق ابن شهاب، عن ثعلبة به. وصححه الحافظ النووي -رَحِمَهُ اللهُ- في "المجموع" (4/ 220) والألباني في "تمام المنة" (ص 339) وفي "الضعيفة" (1/ 201 - 202). وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 448، 458/ 5173، 5296 - العلمية) من طريق: عباد بن العوام، عن يحيى بن سعيد، عن يزيد بن عبد الله،

عن ثعلبة قال: "أدركتُ عمر وعثمان؛ فكان الإمام إذا خرج يوم الجمعة تركنا الصلاة، فإذا تكلَّم تركنا الكلام". وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في "تمام المنة" (ص 340). وأخرجه البيهقي (3/ 193) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 408) من طريق أخرى عن ثعلبة به. فقه الأثر: 1 - فيه جواز الكلام يوم الجمعة ولو كان الخطيب على المنبر، وأن هذا الكلام لا ينقطع إلا بابتداء الخطيب بالكلام. 2 - وجوب الإنصات للخطيب وسماع كلامه. 3 - جواز الصلاة قبل صعود الإمام على المنبر؛ كصلاة النافلة وتحية المسجد وغيرها، وأن الصلاة لا تنقطع إلا بصعود الإمام على المنبر. 4 - قال الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في (تمام المنة) (ص 340) -: " (فائدة): في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن، لجريان العمل في عهد عمر على التحدُّث في أثناء الأذان، وسكوت عمر عليه، وكثيرًا ما سئلتُ عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب؟ فأجبتُ بهذا، والله أعلم" اهـ. * * * 324 - وعن السائب بن يزيد، قال: "كُنا نُصَلِّي في زمن عمر يوم الجمعة، فإذا خَرَجَ عمرُ وجلس على المنبر؛ قَطَعْنَا الصلاةَ. وكُنا نَنَحَدَّثُ ويُحَدِّثُنا، فإذا سكت المؤذن خطب فلم نتكلم حتى يفرغَ من خطبته". أخرجه إسحاق بن راهوية في "مسنده" كلما في "المطالب العالية" (رقم: 712 - ط العاصمة) من طريق: أبي عامر العقدي، حدثني عبد الله بن جعفر -من ولد المسور- عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن السائب بن يزيد به. وصحَّح إسناده الحافظ ابن حجر؛ فقال: "هذا إسناد صحيح موقوف". ورجاله رجال الصحيحين؛ عدا عبد الله بن جعفر؛ فهو من رجال مسلم.

ذم الكلام وأهله

- ذم أصحاب الكلام: 325 - قال الإمام الشافعي -رَحِمَهُ اللهُ-: "حُكمِي في أصحاب الكلامِ أن يُضرَبُوا بالجريد، وُيحْمَلُوا على الإبلِ، ويُطَافَ بهم في العشائرَ والقبائل، ويُنَادى عليهم: هذا جزاءُ من ترَكَ الكتابَ والسنةَ وأخد في الكلام". صحيح. أخرجه البيهقي في "مناقب الشافعي" (1/ 462) والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 163) وابن عبد البر في "الانتقاء في مناقب الأئمة الثلاثة الفقهاء" (ص 123 - 124) والبغوي في "شرح السنة" (1/ 218) والهروي في "ذم الكلام" (4/ 294 - 295/ 1142) وأبو نعيم في "الحلية" (9/ 116) وابن حجر العسقلاني في "توالي التأسيس" (ص 111). من طرق صحيحة ثابتة. والأثر أورده الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (10/ 29) وابن أبي العز الحنفي في "شرح العقيدة الطحاوية" (ص 75 - المكتب الإسلامي) أو (1/ 120 - ط الرسالة) وعلي القاري في "شرح الفقه الأكبر" (ص 2 - 3) والسيوطي في "الأمر بالإتباع والنهي عن الإبتداع" (ص 72) وابن مفلح الحنبلي في "الآداب الشرعية" (1/ 225). * * * 326 - قال أبو الطفيل: قال حذيفة بن اليمان: "ليس من ماتَ فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء وقيل له: يا أبا عبد الله! وما ميت الأحياء؟ قال: "الذي لا يعرفُ المعروفَ بقلبه، ولا يُنكِرُ المنكر بقلبه". أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" -الذي قام على جمعه وتخريجه الشيخ البحَّاثة مشهور بن حسن آل سلمان- (ص 26 - 27/ رقم: 27) ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 383/ 10670) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/ 190)، وأخرجه ابن أبي شيبة فى "المصنف" (15/ 172 - 173)

كيف كان حال الصحابة إذا قرؤوا القرآن؟

وأبو بكر الشافعي في "الغيلانيات" (رقم: 423) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (12/ 190 - 191). من طريق: سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل به. وهذا إسناد صحيح. قاله الشيخ مشهور - وفقه الله تعالى. * * * - كيف كان حالُ الصحابة إذا قرؤوا القرآن: 327 - قال الحافظ الإمام سعيد بن منصور -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا سعيد، نا هشيم، قال: نا حصين، عن عبد الله بن عروة بن الزبير، قال: "قلتُ لجدَّتي أسماء: كيف كان يَضنَعُ أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قرؤوا القرآن"؟ قالت: "كانوا كما نَعَتَهُم اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: تَدْمَعُ أَعْيُنُهُمْ، وتَقْشَعِرُّ جلودُهم". قلتُ: "فإنَّ أُنَاسًا ههُنَا إذا سَمِعُوا ذلك تأخذهم عليه غَشْيَة"؟! قالت: "أعوذُ باللهِ من الشيطان". صحيح. أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (2/ 330 - 133/ 95 - ط آل حميد) ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 24/ 1900) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (ص 20/ تراجم النساء) والبغوي في "معالم التنزيل"- تفسيره- (4/ 77) وأبو محمد الضراب في "ذم الرياء" (رقم: 142، 1430) -كما في تحقيق كتاب "الإعتصام" للشاطبي (2/ 108) بتحقيق الشيخ مشهور بن حسن. وإسناده صحيح. فقه الأثر: - فيه الهدي الصحيح - وهو هدي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عند تلاوة القرآن، وأنهم كانوا إذا قرؤوا القرآن تدمع أعينهم، وتقشعِرُّ جلودهم. - وفيه بيان انحراف كثير من مدَّعي التصوّف والزهد عندما يسمعون القرآن

أو يقرؤونه؛ يتصدّعون أو يصعقون أو يغشى عليهم؛ واستعاذة أسماء بنت الصديق من هذا العمل، وأنه من فعل الشيطان الرجيم. - فيه قاعدة مهمة؛ وهي أن الأعمال الصالحة كالزهد والخوف والإخبات لا تؤخذ بالمظاهر، إنما تؤخذ بموافقة الكتاب والسنة وهدي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. * * * - فضلُ طلب الحديث: 328 - قال سفيان الثوري -رَحِمَهُ اللهُ-: "ما أعلمُ على وَجْهِ الأرضِ من الأعمال أفضل من طَلَبِ الحديثِ لمن أرادَ وَجْهَ اللهِ". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث" (رقم: 169، 276) والبيهقي في "المدخل" (رقم: 470، 471) وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 266) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 211/ 227). من طرق؛ عن وكيع، عن سفيان به، وانظر الأثر الذي بعده. * * * 329 - وقال أيضًا: "لا أعلمُ شيئًا أفضل منه -يعني: الحديثَ- لمن أراد الله به". وقال: "إن الناسَ يحتاجون اليه في طعامهم وشرابهم". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 171) وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 365، 369) وأحمد في "الزهد" (ص 438) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 242 - 243، 241 - 252/ 272، 297). من طرق؛ عن وكيع، عن سفيان به. وأخرجه الخطيب (170) بنحو منه.

الزهد في الدنيا: 330 - عن ابي واقد الليثي - رضي الله عنه -، قال: "تابَعْنَا الأعمالَ في الدنيا؛ فلم نَجِدْ شيئًا أبلغَ في عمل الآخرة من الزهد في الدنيا). حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 133/ 34613 - العلمية) وأحمد في "الزهد" (رقم: 1108) (رقم: 1108) وابنه عبد الله في زوائده على "الزهد" (رقم: 955) وهناد في "الزهد" (رقم: 546) وأبو نعيم في "الحلية" (8/ 359) والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 385/ 10682) وأبو داود في "الزهد" (رقم: 385). من طريق: محمد بن عمرو بن علقمة، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: قال أبو واقد: ... فذكره. وإسناده حسن. وأخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 2) من طريق: سفيان، عن عمرو بن علقمة، عن أبي واقد به. وإسناده ضعيف؛ لأجل حال عمرو بن علقمة بن وقاص؛ فهو مقبول، لكن تابعه يحيي بن عبد الرحمن في الإسناد السابق، فالأثر حسن. وقول أبي واقد: (تابعنا الأعمال)؛ أي: مارسنا الأعمال وأحكمناها معرفة وممارسة. * * * 331 - وقال سفيان الثووي-رَحِمَهُ اللهُ-: "الزهدُ في الدنيا: قصر الأمل، ليس بأكل الغليظ، ولا لبس العبابة". وفي لفظ: "الزهد في الدنيا: قصر الأمل، وليس بلبس الصوف". أخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 6) وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" (رقم: 32 - ط ابن حزم) وفي "ذم الدنيا" (رقم: 109) والبيهقي في "الزهد الكبير" (رقم: 466 - ط مؤسسة الكتب الثقافية) وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 386) وفي "أخبار أصبهان" (2/ 141) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 726/ 1335).

الوضوء من ماء البحر

من طريق: وكيع، عن سفيان به. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 240/ 35672 - العلمية)، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، عن سفيان به. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (6/ 386) وابن الجوزي في "مناقب أحمد" (ص 194) عن سفيان به نحوه. * * * الوضوء من ماء البحر: 332 - قال الحافظ ابن أبي شيبة -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عبدة، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن سنان بن سلمة؛ أنه سأل ابن عباس عن ماء البحر. فقال: "بحران لا يَضُرُّكَ من أيهما توضَّأتَ؛ ماء البحر، وماء الفُرات". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 121/ 1382 - العلمية). وإسناده رجاله ثقات؛ لكن قتادة مدلّس؛ وهو لم يسمعه من سنان، كما نصّ على ذلك يحيى بن سعيد القطان؛ فقد ذكر الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في "تهذيب التهذيب" (118/ 2 - ط الرسالة) - ترجمة (سنان بن سلمة بن المحبق) - قال: "وقال إبراهيم بن الجنيد: قلتُ لابن معين: إن يحيى بن سعيد يزعم أن قتادة لم يسمع من سنان بن سلمة الهُذلي حديث ذؤيب الخزاعي في البُدْن، فقال: ومن يشك في هذا؟! إن قتادة لم يسمع منه ولم يلقه" اهـ. قلت: لكن للأثر متابعات وشواهد: فقد أخرجه مسدَّد -كما في "المطالب العالية" (رقم: 2) - وأبو عبيد في "الطهور" (رقم: 243 - ط الشيخ مشهور). من طريق: شعبة، عن قتادة، عن كريب، عن ابن عباس به. قال الحافظ ابن حجر في "المطالب": "هذا موقوف، رجاله ثقات". قلت: وقد صرَّح قتادة بالسماع من كريب عند أبي عبيد.

وأخرجه البزار (1/ 143/ 273 - كشف الأستار) من طريق: معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن موسى بن سلمة، قال: "أوصاني سنان بن سلمة أن أسال ابن عباس عن ماء البحر .. ". فذكره بنحو منه. ومعاذ بن هشام؛ قال عنه الحافظ: "صدوق ربما وهم". قلت: وهو من رجال الشيخين. وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 279) أو رقم (2518 - شاكر) وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 248/ 161). من طريق: حماد بن سلمة، أخبرنا أبو التياح، عن موسى بن سلمة، قال: حججتُ أنا وسنان بن سلمة .. ثم ذكر قصة وفي آخرها: "وسأله عن ماء البحر؟ فقال: ماء البحر طهور". ولم يذكر ابن المنذر القصة. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 215 - 216): "رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح". وصحح إسناده المحدث أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ-. وأخرجه الدارقطني في "سننه" (1/ 135/ 10) من طريق: سُريج بن النعمان، ثنا حماد بن سلمة، عن أبي التياح، عن موسى بن سلمة، عن ابن عباس به. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 140) من هذا الوجه لكنه رفعه. وقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (1/ 23): "رواه الحاكم والدارقطني، ورواته ثقات، لكن صحَّح الدارقطني وقفه". * * * 333 - عن أبي الطفيل -رَحِمَهُ اللهُ- قال: قال: سُئِلَ أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه -: أَيُتَوَضَّأُ من ماءِ البحر؟ فقال: "هو الطهورُ ماؤه، الحِلُّ مَيْتته". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 121/ 1379 - العلمية)

حد السارق إذ سرق أكثر من مرة

وأبو عبيد الهروي في "الطهور" (رقم: 238) وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 248) والدارقطني في "السنن" (1/ 35) وفي "العلل" (1/ 240 - 241) والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 4). من طرق، عن عمرو بن دينار، عن أبي الطفيل به. وصححه الدارقطني في "العلل" (1/ 221). وروي مرفوعًا عن أبي بكر الصديق؛ لكنه لا يصح كما قال الدارقطني في "العلل" (11/ 221، 240). لكن صحَّ المرفوع منه من حديث أبي هريرة وغيره. * * * - حدُّ السارق إذا سرق أكثر من مرة: 334 - عن عبد الله بن سَلِمة، قال: أُتِيَ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - بسارق؛ فقطع يده، ثم أُتِيَ به الثانية؛ فقطع رجله، ثم أُتي به الثالثة؛ فقال: "أَقطَعُ يَدَهُ؛ بأيّ شيء يأكل؟! بأيّ شيء يمسح؟ أقطعُ رجلَه؛ على أيّ شيء يمشي؟! إني لأستحيي من الله -عَزَّ وَجَلَّ-. فضربه، وحبسه. لا بأس به. أخرجه أبو القاسم البغوي في الجعديات" -حديث علي بن الجعد- (1/ 23/ 61 - ط الخانجي بمصر) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (9/ 512/ 8329 - الهندية) أو 51/ 487/ 28261 - العلمية). من طريق: شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعتُ عبد الله بن سلمة يقول: .... فذكره. وإسناده لا بأس به؛ عبد الله بن سَلِمة؛ "صدوق تغيَّر حفظه" كما في "التقريب". وأخرجه الدارقطني في "سننه" (3/ 180) من طريق: محمد بن الحسن، عن أبي حنيفة، عن عمرو بن مرة به، بنحوه. وقد ثبت عن علي - رضي الله عنه - وغيره من الصحابة في هذا الباب بنحو

من هذا الأثر؛ انظر "المصنف" لابن أبي شيبة، وسيأتي تخريج بعض هذه الآثار في هذه السلسلة إن شاء الله تعالى. فقه الأثر: قال الإمام البغوي الفراء -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرح السنة" (10/ 326): "اتفق أهل العلم على أن السارق إذا سرق أول مرة تقطع يده اليمنى، ثم إذا سرق ثانيًا؛ تقطع رجله اليسرى، واختلفوا فيما إذا سرق ثالثًا بعد قطع يده ورجله؛ فذهب أكثرهم إلى أن تقطع يده اليسرى ... وذهب قوم إلى أنه إذا سرق بعد ما قطعت إحدى يديه وإحدى رجليه؛ لم يقطع، وحبس، يُرْوَى ذلك عن علي - رضي الله عنه -، وبه قال الشعبي، والنخعي، وحماد بن أبي سليمان". * * * 335 - عن مخلد بن الحسين، قال: قال لي الأوزاعي: "يا أبا محمد؛ إذا بلَغَكَ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ؛ فلا تَظُنَّنَّ غيره، فإن محمدًا إنما كان مُبَلِّغًا عن ربه". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 387/ 400). من طريق: عبد الكريم بن الهيثم، عن سعيد بن المغيرة، عن مخلد بن الحسين به. وإسناده صحيح. ومخلد بن الحسين؛ هو نزيل المصيصة؛ الأزدي المهلبي، أبو محمد البصري- وسعيد بن المغيرة؛ هو: أبو عثمان الصياد؛ ثقة. وعبد الكريم؛ هو: ابن الهيثم الديرعاقولي، ثقة ثبت، كما في "تاريخ بغداد" (11/ 78). وأخرجه البيهقي في "المدخل" (رقم: 234) من طريق: أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي، قال: سمعتُ سعيد بن المغيرة يقول: سمعتُ عامر بن يساف، يقول: سمعتُ الأوزاعي يقول: "إذا بلغك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإياك يا عامر أن تقول بغيره، فإن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان مبلّغًا عن الله تبارك وتعالى". وإسناده صحيح أيضًا.

سبب نزول سورة (المنافقون)

3361،- عن زيد بن أرقم، قال: "غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا ناسٌ من الأعراب، وكنَّا نَبْتَدِرُ الماءَ، وكان الأعرابُ يَسْبِقُونَا، فيسبقُ الأعرابيُّ أصحابَهُ؛ فيملأُ الحوضَ، ويجعلُ حولَهُ حجارةً، ويجعل عليه النَّطْعَ، حتى بجيءَ أصحابُه. قال: فجاء رجلٌ من الأنصار؛ فأَزْخَى زِمَامَ ناقتِه لتشربَ، فأبى أن يدَعَهُ، فانتزَعَ حجرًا ففاضَ الماءُ. قال: فرفعَ الأعرابيُّ خشبةً يضربُ بها رأسَ الأنصاريّ؛ فشَجَّهُ، فأتى عبدَ الله بن أُبيّ -رأسَ المنافقين- فأخبرَهُ -وكان من أصحابه-. قال: فغضِبَ عبدُ اللهِ بن أُبيّ، وقال: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} -يعني: مَنْ حولَهُ مِنَ الأعراب- وكانوا يَحْضُرُونَ رسولَ الله يكونِ عند الطعام، فقال عبدُ اللهِ لأصحابه: إذا انفضُّوا من عند محمد؛ فأتوا محمدًا بالطعام، فَلْيَأْكُلْ هو ومن عنده. ثم قال لأصحابه: إذا رجعتم إلى المدينة فَلْيُخرِجَنَّ الأعزُّ منكم الأذَلَّ. قال زيْدٌ: -وأنا رَدِيفُ عمي- فسمعتُ عبدَ الله -وكنَّا أخوالَهُ- فأخبرتُ عمي, فانطلق؛ فأخبر رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأرسل اليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَحلَفَ وجحَدَ. قال: فصدَّقَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذَّبني، فجاء إليَّ عمي؛ فقال: ما أردتَ الَّا أَنْ مَقَتَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكذَّبَكَ المسلمون! قال: فوقع عليَّ من الهَمِّ ما لم يقَعْ على أحدٍ قطُّ. قال: فبينا أنا أسِيرُ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفَرٍ؛ إِذ خَفَقَنِي رأسي من الهمِّ، إذ أتاني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فعَرَكَ أُذني، وضحكَ في وجهي، فما كان يسرُّني أنَّ لى بها الخُلْدَ أو الدنيا، ثم إنَّ أبا بكر لحقني، فقال: "ما قال لك رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -"؟

قال: قلتُ: ما قال لي شيئًا؛ إلا أنه عَرَكَ أذني، وضحك في وجهي. قال: "أبشِرْ". ولحقني عمر؛ فقلتُ له قولي لأبي بكر. فلما أصبحنا؛ قرأ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - سورةَ "المنافقون) ". حسن صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "المسند" (521) والترمذي (3313) وابن سعد في "الطبقات" (2/ 65) والبيهقي في "السنن الكبير" (8/ 198) وفي "دلائل النبوة" (4/ 54 - 55) والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 5041) والحاكم (2/ 488 - 489) وأبو نعيم في "صفة النفاق" (رقم: 13) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 430 - 431) وعبد بن حميد في "المنتخب" (رقم: 262). من طريق: عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السُّدي، عن أبي سعيد الأزدي، حدثنا زيد بن أرقم به. وهذا إسناد حسن. وسقط ذكر السُّدّي عند الواحدي. وأخرجه البخاري (4902) وأحمد (4/ 368 - 369، 370) أو رقم (19340، 19350، 19351 - قرطبة) والنسائي في "الكبرى" (6/ 491 ت 492/ 11597 - العلمية) والترمذي (3314) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (28/ 71). من طريق: محمد بن كعب القرظي، عن زيد به، نحوه. وأخرجه البخاري (4900، 4901، 4903، 4954) ومسلم (2772) والنسائي في "الكبرى" (6/ 492/ 11598) والترمذي (3312) وأحمد (4/ 373) أو رقم (19388، 19389) والطبري في "تفسيره" (28/ 70) والبيهقي في "الدلائل" (4/ 55) والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 5050، 5051) وأبو نعيم في "صفة النفاق" (رقم: 14، 15).

من طريقين؛ عن أبي إسحاق به: 1 - زهير، عنه به. 2 - إسرائيل عنه به. وله طرق أخرى، نكتفي بهذا منها، والحمد لله على إنعامه وإكرامه. * * * 337 - عن غُنَيْم بن قيس، قال: "كُنَّا نَتَوَاعَظُ في أولِ الإسلام: ابنَ آدم؛ اعمَل في فراغِكَ قبلَ شُغلِكَ، وفي شبابِكَ لكبرك، وفي صحَّتِكَ لهرمِكَ، وفي حياتِكَ لموتِكَ، وفي دنياكَ لآخرتك". حسن. أخرجه الخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم والعمل" (رقم: 171/ ص 101) وهناد في "الزهد" (511) وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1/ 416/ 1173 - ط الخانجي بمصر) أو رقم (1451 - العلمية) وابن أبي الدنيا في "قصر الأمل" (رقم: 112) والمزي في "تهذيب الكمال" (23/ 122). من طريق: شعبة، عن سعيد بن إياس الجُريري، قال: سمعتُ غنيم بن قيس يقول: .. فذكره. وهذا إسناد حسن. سعيد بن إياس الجُريري؛ ثقة، لكنه اختلط قبل موته، ورواية شعبة عنه قبل اختلاطه. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (رقم: 3) من طريق: كهمس بن الحسن، عن أبي السليل، عن غنيم بن قيس به. وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده علي "الزهد" (رقم: 1383 - ط الكتاب العربي) وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 200) من طريق: إسماعيل بن عُليَّه، عن الجريري، عن أبي السليل، عن غنيم به. وإسماعيل بن علية روى عن سعيد الجُريري بعد اختلاطه، فتكون رواية شعبة أصحّ، والله أعلم. تنبيه: ذكر الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه لكتاب "اقتضاء العلم

سبب نزول قوله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم}

العمل" (ص 101) أن سعيدًا الجريري لم يسمع الأثر من غنيم بن قيس؛ لأن بينهما رجلًا كما في رواية أبي نعيم. قلت: قد صرَّح سعيد بسماعه من غنيم في طريق شعبة، ورواية شعبة أصح من رواية إسماعيل، والله أعلم. تنبيه آخر: تحرفت في مطبوعة "الحلية" لأبي نعيم كلمة (غنيم) إلى (غنم)؛ فلتصحَّح. كما تحرف في مطبوعة "الزهد" -دار الكتاب العربي- من (غنيم بن قيس) إلى (غنيم عن قيس)؛ فليصحَّح أيضًا. * * * 338 - عن سعد بن أبي وقاص، قال: "فيَّ نزلت: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} [الأنعام: 52]. قال: نزَلَتْ في ستة: أنا وابنُ مسعودٍ منهم، وكان المشركون قالوا له: تُدْني هؤلاء"! وفي رواية لمسلم: قال: "كنا مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ستَّةَ نفرِ، فقال المشركون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اطرُدْ هؤلاء؛ لا يجترئون علينا. قال: وكنتُ أنا وابنُ مسعود، ورجلٌ من هُذَيلٍ، وبلالٌ، ورجلان لستُ أُسَمِّيهما. فوقع في نفس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شاء الله أن يقعَ، فحدَّثَ نفسَهُ، فأنزل اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ}. أخرجه مسلم (2413) والنسائي في "الكبرى" (5/ 73/ 8264) و (6/ 340/ 11163) وابن ماجه (4128) والطبري في "تفسيره" (7/ 128) والواحدي في "أسباب النزول" (ص 163) أو (ص 216 - 217 - الحميدان) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1298) والبيهقي في "الدلائل" (1/ 353) والحاكم (3/ 319) وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (14/ 535 - 536/ رقم: 6573) وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 826/141) وعبد بن حميد في "مسنده" -كما في

التكبيرات الخمس على الجنائز

"المنتخب"- (رقم: 131) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 345 - 346). من طرق؛ عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد به. * * * 339 - قال علي بن الجعد: حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعتُ ابن أبي ليلى: كُنَّا إذا أتينا زيدَ بن أرقم؛ فنقول: حدَّثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فيقول: "إنا قد كبرْنَا ونسينا، والحديثُ عن رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - شديدٌ". صحيح. أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" -حديث علي بن الجعد- (1/ 69/25 - ط الخانجي المصرية) وأبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 54 - 7 - 755 - الهندية) أو (5/ 295/ 26216 - العلمية) ومن طريقه ابن ماجه في مقدمة "سننه" (رقم: 25) وأحمد في "المسند" (4/ 370، 370 - 371، 372) أو رقم (19359، 19360، 19379 - قرطبة) والطيالسي في "مسنده" (رقم: 676) والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 4978) والرامهرمزي في "المحدّث الفاصل" (ص 550/ رقم: 737) والخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية" (ص 171) والبيهقي (10/ 11). من طريق: شعبة به. وإسناده صحيح. وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (رقم: 23). * * * - سُنَّة التكبيرات الخمس على الجنائز: 340 - عن عبد الرحمن بن ابي ليلى، قال: "كان زيدُ بن أرقم يُكَبِّرُ على جنائزنا أربعًا، وأنه كبَّرَ على جنازة خمسًا. فسألناه عن ذلك؛ فقال: "كبَّرَهُن رسولُ - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه مسلم (72/ 957) وأحمد (4/ 367، 372) أو رقم (19327، 19375 - قرطبة) وأبو داود (3197) والنسائي في "الكبرى" (1/ 642/ 2109 - العلمية) وفي "المجتبى" -الصغرى- (4/ 72) والترمذي (1023) وابن ماجه

(1505) وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1/ 25/ 70) والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 4976) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 496/ 11448 - العلمية) والطيالسي في "مسنده" (674) والبيهقي (4/ 36) والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 493/ 2826). من طرق؛ عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي ليلى به. قال الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ-: "حديث زيد بن أرقم حديث حسن صحيح، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وغيرهم؛ رأوا التكبير على الجنازة خمسًا .. ". وللأثر طرق أخرى عن زيد؛ انظرها في "المسند" (4/ 370، 371) أو رقم (19355، 19367 - قرطبة) و "السنن" للدارقطني (2/ 72 - 73) و"شرح معاني الآثار" (1/ 494) وغيرها. * * * 341 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "حبَّذا المكروهان؛ الموتُ والفقرُ، وأَيمُ الله؛ ما هو إلا الغنى والفقر، وما أُبالي بأيهما ابتليتُ؛ لأن حقَّ اللهِ تعالى في كل واحدِ منهما واجب، وإن كان الغنى؛ إن فيه العَطفَ، وإن كان الفقرُ؛ إنَّ فيه الصَّبْرَ". حسن. أخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 132) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 566) وأحمد في "الزهد" (رقم: 844 - ط دار الكتاب العربي) أو (2/ 104 - ط دار النهضة) وهنَّاد في "الزهد" (رقم: 605) وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 132) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8505) والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 196/ 9975) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (33/ 170 - 171). من طريق: عبد الرحمن المسعودي، عن علي بن بذيمة، عن قيس بن حبتر، عن عبد الله به. وهذا إسناد حسن. المسعودي كان قد اختلط؛ لكن رواية وكيع عنه قبل الإختلاط، وهو ممن روى عنه هذا الأثر.

القراءة في الركعتين اللتين بعد التشهد

ثم إنه قد توبع؛ تابعه جعفر بن عون عن علي بن بذيمة - عند البيهقي في "الشعب". * * * 342 - عن أبي عبد الله الصنابحي، قال: "قَدِمتُ المدينةَ في خلافة أبي بكر الصدّيق؛ فصلَّيتُ وراءَهُ المغربَ، فقرأَ في الركعتين الأُوَلَيَيْنِ بأمِّ القرآن، وسورةِ سورةِ من قصارِ المفضَّل، ثم قام في الثالثة، فدنوتُ منه حتى إن ثيابي لتكادُ أن تمسَّ ثيابَهُ، فسمعتُه قرأ بأم القرآن وبهده الآية: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} [آل عمران: 8]. صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 79/ 25) ومن طريقه الشافعي في "مسنده" (ص 215 - ط العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 2698) وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 112). من طريق: عبادة بن نُسيّ، عن قيس بن الحارث، عن أبي عبد الله الصنابحي به. وهذا إسنادٌ صحيح. وأبو عبد الله الصنابحي؛ هو: عبد الرحمن بن عسيلة. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 325 - 327/ 326 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (رقم: 2699). من طريق: ابن عون، عن رجاء بن حيوة، عن محمود بن الربيع، عن الصنابحي به نحوه. وهذا إسناد صحيح أيضًا. * * * 343 - عن مجاهد، قال: قلتُ لابن عباس: "أنسجدُ في (ص)؟ قال: فقرأ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} حتى أتى {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 84 - 90]. فقال ابن عباس: "نبيُّكم - صلى الله عليه وآله وسلم - ممّن أُمِرَ أن يقتدى بهم". أخرجه البخاري (3421، 4632، 4806، 4857) وأحمد (1/ 360)

ليس على أهل البوادي والقرى جمعة ولا تشريق، والخلاف في هذه المسألة وترجيح الصواب فيها

والنسائي في "الكبرى" (6/ 342/ 11169) وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم: 552) وابن حبان في "صحيحه" - الإحسان (6/ 471 - 472/ 2766 - الرسالة). من طرق؛ عن العوام بن حوشب، عن مجاهد به. * * * - ليس على أهل البوادي جمعة ولا عيد ... وذكر الخلاف في المسألة: 344 - عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - عليه السلام -، قال: "لا جمعة ولا تشريق، ولا صلاة فطر، ولا أضحى؛ إلا في مِضرٍ جَامِعٍ، أو مدينةٍ عظيمة". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 439/ 5059 - العلمية) و (1/ 440/ 5564) - بنحوه- والمروزي في "الجمعة وفضلها" (رقم: 71) وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 27/ 1748) والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 179) وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 168/ 5176، 5177) وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (2/ 398/ 3017 - ط الخانجي) والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 188/ 189) وأبو عبيد في "غريب الحديث" (3/ 452). ولفظ أكثرهم: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع". من طريق: سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، عن علي به. ورواه عن سعد؛ الأعمش، وطلحة بن مُصَرِّف، وزبيد اليامي، ومنصور، وغيرهم. وأعلّه الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ- بالإنقطاع ببن الأعمش وسعد بن عبيدة؛ كما في مسائل إسحاق المروزي عنه (ص 219). قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الضعيفة" (2/ 317 - المعارف): "لكن لم يتفرد به الأعمش، بل تابعه طلحة -وهو ابن مُصَرِّف- عند ابن أبي شيبة، وزبيد اليامي عند الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 54) والبيهقي أيضًا في "السنن" (3/ 179)، كلاهما عن سعد بن عبيدة به.

وسعد بن عبيدة؛ ثقة من رجال الستة، ومثله أبو عبد الرحمن السُّلمي، فالسند صحيح موقوفًا. وصححه ابن حزم في "المحلى" (5/ 53)، وهو مقتضى أبي جعفر الطحاوي؛ ولكنه قال: "لم يقله عليٌّ - رضي الله عنه - رأيًا، إذ كان مثله لا يقال بالرأي، وإنما يقال بتوقيف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"! كذا قال: وفيه نظر واضح، فإن القلب يشهد أن ذلك يقال بالرأي والإجتهاد، ولذلك ظلت المسألة من موارد النزاع، وقد صحَّ خلافه عن عمر بن الخطاب، أفيقال: إنه توقيف أيضًا، مع أنه هو الصواب؟! فروى ابن أبي شيبة في "باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها"، من طريق: أبي رافع، عن أبي هريرة؛ أنهم كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة. فكتب: "جَمَّعُوا حيثما كنتم". قلت -[القائل هو الألباني]-: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وأبو رافع هذا اسمه نُفيع بن رافع الصائغ المدني، واحتج بهذا الأثر الإمام أحمد على تضعيف أثر علي، وزاد: "وأول جمعة جُمِّعَتْ بالمدينة؛ جمَّع بهم مصعب بن عمير، فذبح لهم شاة، فكفتهم، وكانوا أربعين، وليس ثَمَّ أحكام تجري". قال إسحاق المروزي: "قلتُ له: أليس ترى في قرى مرو لو جمَّعوا؟ قال. نعم". ثم روى ابن أبي شيبة (1/ 2/204) بسند صحيح عن مالك، قال: "كان أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمّعون". وروى البخاري (2/ 316 بشرح الفتح) وأبو داود (1068) وغيرهما، عن ابن عباس، قال: "إن أول جُمعة جُمِّعتْ في الإسلام بعد جمعة جُمِّعت في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة لجمعةٌ جُمِّعت بـ (جُوثاء) -قرية من قرى البحرين- وفي رواية: قرية من قرى عبد القيس". وترجم له البخاري وأبو داود بـ "باب الجمعة في القرى". قال الحافظ: "ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما عرف من عادة الصحابة من عدم الإستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لو كان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدلَّ جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل، فلم ينهوا عنه".

الأمر بمخالطة الناس

قلت-[الألباني]-: وفي هذه الآثار السلفية عن عمر ومالك وأحمد من الإهتمام العظيم اللائق بهذه الشعيرة الإسلامية الخالدة؛ صلاة الجمعة، حيث أُمروا بادائها والمحافظة عليها، حتى في القرى وما دونها من أماكن التجمع، وهذا -دون أثر علي- هو الذي يتفق مع عمومات النصوص الشرعية وإطلاقها، وبالغ التحذير من تركها، وهي معروفة، وحسبي الآن أن أذكر بآية من القرآن: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ}، وصلاة الظهر بعدها ينافي تمامها؛ {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ} " اهـ. * * * 345 - عن مسروق بن الأجدع الهمداني، قال: "إن المرءَ لحقيقٌ أن يكون له مجالس يخلو فيها؛ فيذكرُ فيها ذنوبَهُ، فَيَسْتَغفِرُ منها". صحيح. أخرجه أحمد في "الزهد" (ص 349 - 350 - العلمية) أو (رقم: 2046 - الكتاب العربي) أو (2/ 286 - النهضة) وابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 403/ 16720 - الهندية) أو (7/ 160/ 34859 - العلمية) والدارمي في "المسند" -أو- "السنن" (1/ 347/ 323 - الداراني) وهناد في "الزهد" (2/ 459، 580) وابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6/ 80) والخطابي في "العزلة" (ص 35) وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 97). من طريق: الأعمش، عن مسلم، عن مسروق به. وإسناده صحيح. وقد وقع سقط في سنده ومتنه في مطبوعة "الحلية"؛ فتنبه. * * * - الأمر بمخالطة الناس: 346 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "خالِطُوا الناسَ، وزَايلُوهُم، وصَافِحُوهُم، ودينكم لا تَكْلِمُوهُ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 753/ 6272 - الهندية)

أو (5/ 294/ 26212 - العلمية) ووكيع في "الزهد" (رقم: 531) وهناد في "الزهد" (2/ 588/ 1247) والبيهقي في "الزهد الكبير" (رقم: 190) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9757) والخطابي في "العزلة" (ص 99) والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 204). من طريق: حبيب بن أبي ثابت، عن عبد الله بن باباه، قال: قال عبد الله بن مسعود ... فذكره. وسقط ذكر عبد الله بن باباه عند ابن أبي شيبة. ورجاله ثقات؛ لكن حبيب بن أبي ثابت مدلّس كثير الإرسال. وهذا لا يعكّر على الإسناد إن شاء الله؛ فقد رواه عنه شعبة بن الحجاج عند بعض من أخرجه، وشعبة شديد في التدليس والرواية عن المدلّسين. ثم إن له طريقًا أخرى؛ فقد أخرجه الطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 9756) من طريق: شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود به. والأئر علَّقه الإمام البخاري في "صحيحه" -كتاب الأدب- 81 - باب الإنبساط للناس. غريب الأثر: - قوله: (خالطوا الناس وزايلوهم)؛ أي: خالطوهم بالمعاشرة والأخلاق، وزايلوهم بأعمالكم؛ أي: فارقوهم في الأفعال التي لا ترضي الله ورسولَه. - قوله: (ودينكم لا تَكْلِمُوه)، أي: لا تجرحوه وتقدحوا فيه بسبب مخالطتكم الناس. * * * 347 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، قال: "كانت المرأة تطوفُ بالبيت في الجاهلية؛ وهي عريانة، وعلى فَرْجِهَا خِرْقَة، وهي نقول: اليومَ يبدُو كُلُّهُ أو بعضُه ... وما بدا منه فلا أُحِلُّهُ فنزلت: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. أخرجه مسلم (25/ 3028) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/ 245/

طلب العلم أفضل من صلاة النافلة

11182) وفي "المجتبي" -السنن الصغرى- (5/ 233 - 234) أو رقم (2956 - المعرفة) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1464/ 8375) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (8/ 119 - 120) والحاكم في "المستدرك" (2/ 319 - 320). من طريق: شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعتُ مسلم البطين يحدِّثُ عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وقد وهم الحاكم في استدراكه؛ فقد أخرجه مسلم كما رأيت. * * * - طلب العلم أفضل من صلاة النافلة: 348 - عن الإمام محمد بن إدريس الشافعي المطَّلبي، قال: "طلبُ العِلْمِ أفضَلُ من صلاةِ النافلة". صحيح. أخرجه ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه" (ص 97) والخطيب البغدادي في "شرف أصحاب الحديث" (رقم: 241 - ط. عالم الكتب) والبيهقي في "مناقب الشافعي" (2/ 138) ؤفي "المدخل" (رقم: 474) وابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (118/ 123/1) وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (9/ 119). من طرق، عن الربيع بن سليمان، قال: سمعتُ الشافعيَّ يقول: .. فذكره. * * * 349 - عن علي بن أبي طالب - عليه السلام -، قال: "قال أبو جهل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: قد نَعْلَمُ يا محمد أنَّكَ تَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُق الحديثِ، ولا نكذِّبُكَ، ولكن نُكَدِّبُ الذى جئْتَ به، فأنزلَ اللهُ تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33] ". صحيح. أخرجه الترمذي (3064) والحاكم (2/ 315) وابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1282/ 7234). من طريق: أبي إسحاق، عن ناجية بن كعب، عن علي به. ورواه عن أبي إسحاق كل من:

ا- إسرائيل بن يونس. 2 - سفيان الثوري. وقال الترمذي بعده: "حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن ناجية؛ أن أبا جهل قال للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: .. فذكر نحوه، ولم يذكر فيه: عن علي؛ وهذا أصحَّ". قلت: رواه ابن مهدي عن سفيان هكذا مرسلًا. ورواه معاوية بن هشام، عن سفيان موصولًا، كما رواه عن إسرائيل موصولًا أيضًا. قال العلامة المعلّمي اليماني -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في "رفع الإشتباه عن معنى العبادة والإله" -وهو جزء من كتاب "العبادة" الكبير- ط المكتبة العصرية ببيروت بتحقيقي (ص 45): "أقول: ابن مهدي أثبت من معاوية، ولكن رواية "المستدرك" من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن ناجية، عن علي. وقال ابن مهدي: إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري". وقال العلامة المحدث أحمد محمد شاكر في "عمدة التفسير" (5/ 25): "ولكن رواية الحاكم موصولة بإسناد آخر غير إسناد الترمذي. فالوصل زيادة من ثقتين، فهي مقبولة على اليقين. وقد تعقَّب الذهبيُّ تصحيح الحاكم إيَّاه على شرط الشيخين؛ بأنهما لم يخرجا لناجية شيئًا. وهذا صحيح؛ فإن الشيخين لم يخرجا لناجية بن كعب الأسدي شيئًا، ولكنه تابعيٌّ ثقة. فالحديث صحيح، وإن لم يكن على شرطهما" اهـ. وتعقَّب الإمام المعلميّ الذهبي قائلًا: "أقول: أجل لم يخرجا لناجية، ولكن قد وثَّقَهُ العجليُّ وابنُ حبان، وقال ابن معين: صالح الحديث. فأما قول ابن المديني: ما روى عنه غير أبي إسحاق؛ وهو مجهول.

القمر يبكي من خشية الله

فالمجهول عندهم هو: من لم يروِ عنه إلا واحد؛ قد يكون محتجًّا به، ذلك إذا وُثِّقَ. قال السخاوي في "فتح المغيث": وخصَّ بعضهم القبول بمن يزكيه مع رواية الواحد أحد من أئمة الجرح والتعديل، واختاره ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" وصحَّحه شيخنا، وعليه يتمشَّى تخريج الشيخين في صحيحهما لجماعة ... ". فتح المغيث ص 135. أقول: وبهذا الإعتبار يصح قول صاحب "المستدرك": "على شرط الشيخين". فأما قول الجوزجاني في ناجية: "مذموم"! فهو مردودٌ عليه؛ لأن الجوزجاني منحرف عن علي - عليه السلام -، مُسْرِفٌ في الطعن على أصحابه. فمراده بقوله "مذموم"؛ أنه كان يحبُّ عليًا، وهذا في الحقيقة مدحٌ لا قدح - (وتلك شِكَاةٌ ظاهرٌ منك عارُها) - وقد ذكر الحافظ وغيره في مواضع؛ أن الجوزجاني لا يقبل طعنه في أصحاب علي - عليه السلام -" اهـ. فالأثر صحيح، والحمد لله. * * * - القمر يبكي من خشية الله: 350 - عن ابن أبي مليكة، قال: قال: مرَّ رجُلٌ على عبد الله بن عمرو، وهو ساجد في الحِجْرِ؛ وهو يبكي، فقال: "أتعجبُ أن أبكي من خَشيَةِ الله، وهذا القمر يبكي من خشية الله"؟! قال: ونظر إلى القمر حين شفَّ أن يغيبَ. صحيح. أخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 25) وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 1504) والمروزي في "قيام الليل" -كما في مختصره للمقريزي- (ص 100). من طريق: نافع بن عمر الجمحي، عن ابن أبي مليكة به. والرجل الذي مرَّ بعبد الله وقع التصريح باسمه عند ابن المبارك، وهو: ابن طارق. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 35523/226 - العلمية) قال:

حدثنا علي بن هاشم، عن ابن أبي ليلى، عن ابن أبى مليكة، قال: رأيتُ عبد الله بن عمرو وهو يبكي .. فذكره بنحوه. وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى؛ صدوق، سيّئ الحفظ جدًا. وابن أبي مليكة لم يرَ عبد الله بن عمرو وهو يبكي، بل الذي رآه هو ابن طارق كما في الإسناد السابق، وهذا من سوء حفظ ابن أبي ليلى. * * * انتهى الجرء الأول من الكتاب، ويليه -إن شاء الله- الجزء الثاني وأوله قصة (ساريه الجبل)

سِلْسِلَةُ الآثَارِ الصَّحِيحَةِ أَوْ الصَّحْيحُ المُسْنَدُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ جَمَعَهَا وَخَرَّجَهَا وَذَكَرَ بَعْضَ فَوَائِدِهَا أَبُو عَبْدُ اللهِ الدَّانِي بْنُ مُنِيرِ آلِ زُهْوِي رَاجَعَهُ وَقَدَّمَ لَهُ فَضِيلَةُ الشَّيْخِ عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحِ العُبَيْلَانِ حَفِظَهُ اللهُ تَعَالَي المُجَلَّدُ الثَّانِي 351 - 700 دَارُ الْفَارُوقِ لِلطِّبَاعَةِ وَالنَّشْرِ وَالتَّوْزِيعِ

جَمِيع الحقُوق مَحفوظة الطّبعَة الأولي جَمَادَي الآخِرَة 1427 هـ تَمّوزْ (يوليْو) 2006 م دار الفاروق للطباعة والنشر وَالتوزيع لبْنانْ - بَيْرُوتْ - صَ بْ: 15/ 5140 - الرّمْز البَريدي: 11012020 هَاتفْ وَفاكسْ: 804520 (009615) - محْمول: 954661 (009613)

سِلْسِلَةُ الآثَارِ الصَّحِيحَةِ أَوْ الصَّحْيحُ المُسْنَدُ مِنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤلف

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وبه ثقتي، وعليه اعتمادي وتوكّلي الحمدُ للهِ المَشْكُورِ على النِّعَمِ بحقِّ ما يطولُ به منها، وعند شُكْرِهِ بحقِّ ما وَفَّقَ له من شُكْرِهِ عليها، فالنِّعَمُ منه، والشُّكْرُ له، والمزيدُ في نِعَمِهِ بشُكْرِهِ، والشُّكْرُ من نِعَمِهِ؛ لا شريكَ له. المحمودِ على السَّرَّاءِ والضَّرَّاءِ، والمُتَفَرِّدِ بالعِزِّ والعَظَمَةِ والكِبْرِيَاءِ. العالمِ قبل وجودِ المعلومات، والباقي بعد فَنَاءِ الموجودات. المبتدئِ بالنِّعَمِ قبل استحقاقِها، والمُتَكَفِّلِ لِلْبَرِيةِ بِأَرْزَاقِهَا قَبْلَ خَلْقِهِا. أَحْمَدُهُ حَمْدُا يُرْضِيهِ وَيُزَكِّينَا لَدَيْهِ. وصلَّى اللهُ أولى صلواته على النبيِّ الطَّاهِرِ؛ عَبْدِهِ ورسولِهِ، مفتاحِ الرَّحْمَةِ، وخَاتِم النُّبُوَّةِ، الأوَّلِ مَنْزِلَة، والآخِرِ رسالة، الأمين فيما اسْتُوْدِعَ، والصَّادِقِ فيمَا بَلَّغَ. أمَّا بَعْدُ؛ يا إخواني؛ عَصَمَنَا اللهُ وإيَّاكم من غَلَبَةِ الأَهْوَاءِ، ومُشَاحَنَةِ الآراءِ. وَأعَاذَنَا وإيَّاكم من نُصْرَةَ الخَطَإِ وشماتَةِ الأعداءِ. وأَجَارَنَا وإيَّاكم من غِيَرِ الزَّمانِ، وزخارِيفِ الشَّيْطَانِ. فقد كَثُرَ المُغْتَرُّونَ بتمويهاتها، وتَبَاهَى الزَّائغون والجاهلونَ بلبسةِ حلَّتِهَا؛ فأصبحنا وقد أَصَابَنَا ما أصابَ الأمم قبلنا، وحَلَّ الذي حَذَّرَنَاهُ نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - = مِنَ الفُرْقَةِ والإختلافِ، وتَرْكِ الجماعةِ والإئتلافِ، وَوَاقَعَ أكثرُنا الذي عنه نُهِينَا، وتَرَكَ الجمهورُ مِنَّا ما به أُمِرْنَا؛ فَخُلِعَتْ لبْسَةُ الإسلام، ونُزِعَتْ حِلْيَةُ الإيمانِ، وانكشَفَ الغطَا، وبَرَحَ الخَفَا؛ فَعُبِدَتِ الأهواءُ، واسْتُعْمِلَتِ الآراءُ، وقامت سوقُ الفِتْنَةِ، وانتشرت أعْلَامُها، وظَهَرَت الرِّدَّة، وانكشفَ قناعُها، وقدحتْ زِنَادُ الزندقةِ فاضطرمت نيرانُها، وخُلِّفَ محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - في أُمَّتِهِ بأقبح خَلَفٍ! وعَظُمَتِ البَلِيَّةُ، واشْتَدَّتِ الرَّزِيَّةُ. وظهَرَتِ البِدَعُ، ومات الوَرَعُ، وهُتِكَتْ سجفُ (¬1) المُشَايَنَةِ، ¬

_ (¬1) السجف: الستر.

وشُهِرَ سيفُ المحاشةِ (¬1)؛ بعد أَنْ كان أمرُهم هَيِّنًا، وحدُّهم ليِّنًا، وذاك حتى كان أمرُ الأمة مُجْتَمِعَا، والقلوبُ متآلفة، والأئمةُ عادلةً، والسلطانُ قاهرًا، والحقُّ ظاهرًا. فانقلبت الأعيانُ، وانعكَسَ الزَّمانُ، وانفردَ كلُّ قوم بِبِدْعَتِهِمْ، وَحُزِّبَ الأحزابُ، وخُولِفَ الكتابُ، واتُّخِذَ أَهْلُ الإلحادِ رؤوسَا أربابًا، وتحوَّلت البدعةُ إلى أهلِ الإتّفاقِ، وتهوَّكَ في العسرةِ العامة وأهل الأسواقِ، ونعقَ إبليسُ بأوليائه نعقةً، فاستجابوا له من كلِّ ناحيةٍ، وأقبلوا نحوَهُ مُسْرِعينَ من كلِّ قَاصِيَةِ؛ فأُلْبِسُوا شِيَعًا، وَمُيِّزُوا قِطَعًا، وشَمَتَتْ بهم أهلُ الأديانِ السَّالِفَةِ، والمذاهب المخالفةِ - فإنَّا لِلَّهِ وإنَّا إليْهِ راجِعُون-. وما ذاكَ إلَّا عُقُوبَة أَصَابَت القومَ عندَ تركهم أَمْرَ اللهِ، وصَدْفِهِمْ عن الحقِّ، وميْلهم إلى الباطلِ، وإيثارهم أهواءهم، ولله -عَزَّ وَجَلَّ- عقوبات في خَلْقِهِ عند ترْكِ أَمْرِهِ، ومخالفةِ رُسُلُهِ؛ فأُشْعِلَتْ نيرَانُ البدع في الدِّينِ، وصاروا إلى سبيل المخالفين؛ فأصابهم ما أصابَ مَنْ قبلهم من الأمم الماضين، وصرنا في أهل العَصرِ الذين وردت فيهم الأخبارُ، ورُوِيَتْ فيهم الآثارُ (¬2). لكن اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- وَعَدَ بالتَّمْكِينِ والظُّهُورِ لأَتْبَاعِ رُسُلِهِ؛ المؤمنينَ به، والنَّاصِرِينَ لِدِينِهِ، والصابرين على أذَى النَّاسِ، الذين تمسَّكوا بكتاب ربهم، وعضُّوا على سُنَّةِ نبيّهم - صلى الله عليه وسلم - بالنواجذ. وهؤلاء هم الذين أَخْبَرَ عنهم النبيُّ الكريمُ - صلوات الله وسلامه عليه - بقوله: "لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الحقِّ، لا يضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ". وفي رواية: "لا تزالُ طائفةٍ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ ... ". وأهمّ ما يُمَيِّزُ هذه الطائفة -الموعودة بالنصر والتمكين والظهور- هي أنَّها تتمسَّكُ بالحقّ الذي بُعِثَ به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وتتحرَّى سُنَّتَهُ، وتَعْرِضُ عن آراء الرجال، وعلوم الكلامِ، والأفكارِ التي دخَلَتْ على أهل الإسلامِ. ولشدَّة تمسُّك هذه الطائفة بسنّةِ نبيّها - صلى الله عليه وسلم - عُرِفَتْ - على مرَّ العصور - باسم ¬

_ (¬1) أي: شُهِرَ سيفُ الفرقة والإختلاف. (¬2) من مقدمة الإمام أبي عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري لكتابه العظيم: "الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية" (1/ 163 - 165).

جميل جليل شريف = وهو: أهل الحديث (¬1). وذلك لشدّة تمسُّكها، وحرصها على العمل بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -. في حين أعرض عن هذا (التمسك) كثير من المسلمين، فدخلت فيهم الآراء، وعلوم الكلام، والفلسفة، وتكلم فيهم أهل المنطق!، فقدَّموا كل هذا على سُنَّةِ نبيهم - صلى الله عليه وسلم - من حيث يشعرون، أو لا يشعرون-! فحق فيهم تحذير الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)} [الحجرات: 1]. ومرَّ على المسلمين عصور وقرون وهم: تَتَجَارَى بهم تلكم المناهج = الفلسفية، المنطقية، الكلامية، العقلانية!! و .. و .. وعاش جيل كثير من المسلمين، وتربَّى، وتعلَّم، ونشأ ... على آراء الرجال، دون معرفة الدليل والحجة، من الكتاب والسنَّة. ومع ذلك كله، وفي وطأة هذا الظلام؛ لا يزال ربُّ العرةِ ذي الجلال، يضيء للمستبصرين نور أهل الحديث، في كل عصر وزمان؛ فيعلّمون الناس: أن الدِّينَ، والشرعَ، والفقهَ، والخُلُقَ، والعبادةَ ... لا تؤخذ إلا من الوَحْيَيْنِ: الكتابِ والسُّنَّة. وهذان المصدران يشترطُ لإقامة الدليل بهما أمران اثنان: الأول: إثبات النص. الثاني: فهم النص. أما الأول: فبالنسبة للقرآن؛ فلا يتكلم فيه مسلمان، فالقرآن ثابت نصُّه بالتواتر، لا يجادل في ذلك ذو دين وعقل وإيمان، فالله تكفَّل بحفظه. فيبقى المصدر الثاني = وهو السُّنَّةُ النبوية =؛ فإنه من المعلوم لدى أكثر المسلمين أن السُّنَّةَ لم يحصل لها ما حصل للقرآن من الحفظ التام -كما أشرتُ إليه في مقدمة المجلد الأول من هذه السلسلة المباركة-. ¬

_ (¬1) انظر في فضلهم، وشرفهم، ومكانتهم: كتاب "شرف أصحاب الحديث" للإمام الخطيب أبي بكر أحمد بن علي ثابت البغدادي -رَحِمَهُ اللهُ-، و "مكانة أهل الحديث ومآثرهم الحميدة" للشيخ العلامة أبي محمد ربيع بن هادي المدخلي - حفظه الله، وأمدّ في عمره، وشافاه، وعافاه-.

فلا بُدَّ -والحالة هذه- من إثبات النص النبوي -أوَّلاً-، أي: لا يُستَدَلُّ على أمور الدين إلا بما صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتَيَقَّنَ المسلم -أو غلب على ظنّه- أن هذا القول قاله المصطفى الكريم، وأنَّه لم يُكذبْ عليه، أو يُنْسَبْ إليه- صلوات الله وسلامه عليه-. وأما الأمر الثاني -وهو فَهْمُ النص-، فهنا - بيت القصيد -كما يقال-. إنَّ الناظرَ والمتَأمِّلَ في اختلاف المسلمين -فيما بينهم- ليعجب عندما يدرك، أو يعلم، أو يسمع أكثرهم وهو يقول: نحن على الكتاب والسُّنة! لكن يزول عجبه وينقضي عندما يُدْرِكُ أن هذه الدعوى فارغة -عند كثير منهم- من حقيقتها. وذلك لأمور -أهمها-: - إما لأن ذلك مجرد دعوى، لا تخرج عن كونها ادِّعاءَ باللسان، لم تقرُّه الجنان والأركان. - وإما لِلْخَلَلِ الذي يقع فيه كثير من المسلمين - فيما أشرنا إليه -أولاً- من مسألة إثبات النص-، فينسبُ للنبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله، فيبني على هذا الحديث المكذوب -أو الضعيف الذي لا يصح- عقيدته، أو عبادته ... - وإما بسبب معارضتهم لهذا النص بأقوال الرجال، فيقَدِّمون قولهم على قوله - صلى الله عليه وسلم -!! - وإما بسبب عدم فهمهم للنص الفهم الصحيح. وهذا ما أشرتُ إليه -آنفَا-. وهنا يقع أكثر الخلاف، والنزاع، وهنا تفترق الطرق، وتتشعّبُ الاتجاهات، ولكل وجْهَةٌ هو مولِّيها؛ فهذا يفهم نصوص القرآن والسنة بفهم أهل الكلام، وهذا بفهم طائفته وجماعته، لا يخرج عنها قيد أُنملة، وهذا بفهم أهل اللغات، وهذا بفهم الرجال ... وإن أهم ما يميز الطائفة المنصورة، وأهل الحق، وأهل الحديث عن غيرهم، هو: أنهم إنما يفهمون الكتاب والسُّنة كما فهمها السَّلَفُ الأول من أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - وأَهْلِ بيتِهِ الكرام. ولا مجال -هنا- لكي أنقل ما استدل به أهلُ الحديثِ على هذا الأمر المهم، والأصل العظيم، فإن هذا يحتاج إلى موضع آخر، وحسبي أن كثيرًا من

العلماء قد بيَّنَ هذْه المسألة، وذكَرَ أَدلّتها، ومن هؤلاء العلماء في هذا العصر: الإمام المحدث محمد ناصر الدين الألباني- رحمة الله عليه-، لا سيَّما في مقدِّمة كتابه الجليل: "صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد (دَنْدَنَ) حول هذه المسألة طيلة حياته -رَحِمَهُ اللهُ- في مجالسه، وكتاباته. وإني أهيبُ بإخواني المسلمين -جميعًا-، وأخصُّ علماءنا الكرام، والدُّعاة الفضلاء، والمبلِّغين لهذا الدين: أن يولوا هذا الأصل اهتمامهم، فقد مرَّت سنون طويلة ونحن نستدل ونُرَبي النَّشأ على قول فلان وفلان، ونذكر الآية والحديث وبعده: قالت المالكية، والشافعية، وقال فلان ... (¬1) وأنا لا أنْتَقِصُ أو أُقَلِّلُ من شأن هذه المذاهب وعلمائها الأبرار الكرام، ولا أُنْكِرُ علمهم، ولكن حُقَّ لَنَا أن نَذكرَ ونقدمَ قول أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وابن مسعود ... وغيرهم من سادات الصحابة وفقهائهم، على من هو دُونَهُم في الفضل والعلم. إن الصحابةَ -يا إخوتاه- هم الذين عايَشُوا التنزيل، وفهموا مَعَانِيَ القرآن، وخُوطِبُوا به، وهم الذين سَمِعُوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - مشافهة دون واسطة، فوعوا ما أراد، وهم الذين طبَّقوا هذا الفهم بمرأى منه - صلى الله عليه وسلم -، فهم أهل القوس وهم براتها! أفيُعْرَضُ عن أقوالهم، وفقههم، وعلمِهم، ويؤخذُ بقول من بعدهم مِمَّنْ لم يتحقّق فيه ما ذكرنا؟! وانظُرْ معي يا أُخَيَّ الحبيب إلى قول ربنا الكريم: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} [التوبة: 100]. فانظر كيف مَدَحَ وأثنى على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وعلى: أتباعِهم (الذين اتبعوهم بإحسان)، فسلكوا سبيلهم، واقتدوا بهديهم؛ فتحقَّق لهم ما تحقق لمتبوعيهم من الرضا والفوز العظيم، جزاءً بالحسنى. ومفهوم المخالفة من الآية: أنه لا يجوز مخالفة هؤلاء السابقين من ¬

_ (¬1) لا يفهمَنَّ أحدّ أني أدعو إلى إهدار جهود هؤلاء الأعلام، ومذاهبهم، إنما الذي أعنيه: أنه ينبغي لنا أن نقدم قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفهمهم، على قول أصحاب المذاهب وفهمهم.

المهاجرين والأنصار من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا مخالفة هديهم، وفهمهم، والإعراض عن فقههم وآرائهم، بفقه وآراء غيرهم. لأن المخالف لهم لا يكون متبعًا لهم بإحسان، وإن ادَّعى ما ادَّعى. ولو أن المسلمين سلكوا هذا المسلك، وانتهجوا هذا المنهج؛ لقل فيهم الخلاف، ولكانوا للحقّ أهلاً، ولتحقّق لهم وعد الله بالرضى عنهم، والرضى عنه. يقول شيخُنا الفاضل العلامة أبو عبد الرحمن عبد الله بن صالح العبيلان - حفظه الله ورعاه- في مقدمة كتابه الماتع "النكت العلمية على الروضة الندية": "فقد كنتُ أتساءلُ عن الأسباب التي جعلَتْ بعضَ العلماءِ يكونون مَحَلَّ ثِقَةِ وقَبُولٍ عند كافةِ أهلِ العلم -على اختلافِ مذاهبهم-، وأتعجَّبُ من قلَّتِهم وكثرةِ الفقهاء الذين لا يكادونَ يُعْرَفُونَ إلَّا من خلال كتب التراجم، مع صلاحِهم، واستقامتِهم، وربما جهادِهم؛ فَتَبَيَّنَتْ ليَ الأَسبابُ التالية: أولاَ: التجرُّدُ لله -تبارك وتعالى-، وهذا أخصُّ من الإخلاص في العبادة. الثاني: التجردُ في مُتَابَعَةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: تعظيم آثار الصحابة - رضي الله عنهم - قولاً وعملاً في فَهْمِ الكتاب والسُنَّة. الرابع: الإطّلاع الواسع على السُّنَنِ النبوية، والقُدْرةُ على معرفةِ صحيحها من سَقيمِها. الخامس: المعرفة التَّامَّةُ بآثار الصحابة وفتاواهم، وقرنها بالحديث النبويّ لمعرفة المراد منه. السادس: العلمُ بقواعد الشريعة ومقاصدها. السابع: الإلمام بأقوال أهل العلم على اختلاف مذاهبهم. الثامن: القدرة على التوفيق بين ما يُظَنُّ فيه التعارض عن غيرهم. التاسع: معرفة الناس على اختلاف طبائعهم. وإليك بعض الأسباب التفصيلية التي ذكرها شيخ الإسلام، وكانت سببًا في الإعراض عن النصوص والآثار: يقول شيخُ الإسلام ابن تيمية -رَحِمَهُ اللهُ-: "قلتُ: لفظُ المُجْمَلِ، والمُطْلَقِ، والعامِ؛ كان في اصطلاحِ الأئمة - كالشافعي، وأحمد، وأبي عبيد، وإسحاق، وغيرهم- سواء؛ لا يريدون بالمُجْمَلِ ما لا يُفْهَمُ منه -كما فَسَّرَهُ به بعضُ المتأخرين، وأخطأ في ذلك- بل المُجْمَل: ما لا يكفي وحده في العَمَلِ به،

وإن كان ظاهرُهُ حقًّا، كما في قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}، فهذه الآية ظاهرها ومعناها مفهوم، ليست ممَّا لا يُفْهَمُ المراد به؛ بل نفس ما دلتْ عليه لا يكفي وحده في العمل، فإنَّ المأمورَ به صَدَقة تكون مطهِّرة مزكيّة لهم، وهذا إنما يُعْرَفُ ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولهذا قال أحمد: يحذرُ المتكلِّمُ في الفقه هذين الأصلين: المُجمل، والقياس. يريد بذلك: أن لا يحكم بما يدلُّ عليه العام والمُطلق قبل النظر فيما يخصّه ويقيده، ولا يعمل بالقياس قبل النظر في دلالة النصوص؛ هل تدفعه؟ فإنَّ أكثرَ خطإ الناس: تمسكُهم بما يظنونه من دلالة اللفظ والقياس، فالأمور الظنيّة لا يعمَلُ بها حتى يبحثَ عن المُعَارض بحثًا يطمئن القلب إليه، وإلا أخطأ من لم يفعل ذلك. وهذا هو الواقع في المتمسكين بالظواهر والأقيسة، ولهذا جعل الإحتجاج بالظواهر مع الإعراض عن تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ طريق أهل البدع، وله في ذلك مُصَنَّفٌ كبير. وكذلك التمسُّك بالأقيسة مع الإعراض عن النصوص والآثار؛ طريق أهل البدع. ولهذا كان كل قول ابتدعه هؤلاء، قولاً فاسدًا، وإنما الصواب من أقوالهم ما وافقوا فيه السَّلَفَ من الصحابة والتابعين لهم بإحسان" (¬1). ثم إن ابنَ القيم -رَحِمَهُ اللهُ- بيَّن في "أعلام الموقّعين" أخطاء أهل الظاهر: فقال: "فنفاة القياس لما سدُّوا على نفوسهم باب التمثيل، والتحليل، واعتبار الحكم والمصالح -وهو الميزان والقسط الذي أنزله الله- احتاجوا إلى توسعة الظاهر والإستصحاب، فحملوهما فوق الحاجة، ووسَّعوهما أكثر ممَّا يسعانه، فحيث فهموا من النص حُكْمًا أثبتوه، ولم يبالوا بما وراءه، وحيث لم يفهموا منه؛ نفوه، وحملوا الإستصحاب، وأحسنوا في اعتنائهم بالنصوص ونصرها، والمحافظة عليها، وعدم تقديم غيرها عيها- من رأي، أو قياس، أو تقليد، وأحسنوا في رد الأقيسة الباطلة، وبيانهم تناقض أهلها في نفس القياس، وتركهم له، وأخذهم بقياس وتركهم ما هو أولى منه، ولكن أخطأوا من أربعة أوجه: ¬

_ (¬1) "مجموع الفتاوى" (7/ 391 - 392).

أحدها: ردّ القياس الصحيح، ولا سيما المنصوص على علّتِه التي يجري النصُّ عليها مجرى التنصيص على التعميم باللفظ. ولا يتوقف عاقل في أنَّ قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمَّا لَعَنَ عبدَ اللهِ حمارًا على كثرة شربه للخمر: "لا تَلْعَنْهُ؛ فإنَّهُ يحبُّ اللهَ ورسولَه"، بمنزلة قوله: لا تلعنوا كل من يحبُّ اللهَ ورسولَه. وفي أنَّ قولَه: "إن اللهَ ورسولَه ينهيانكم عن لحوم الحمر؛ فإنها رِجْسٌ"، بمنزلة قوله: ينهيانكم عن كل رجس. وفي أنَّ قولَه تعالىَ: {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] نهي عن كل رِجْسِ. وفي أنَّ قوله في الهِرِّ: "ليست بنجسٍ؛ إنها من الطوَّافين عليكم والطوافات"، بمنزلة قوله: كل ما هو من الطوَّافين عَليكم والطوَّافات؛ فإنَّه ليس بنجس. ولا يستريب أحدٌ في أنَّ من قال لغيره: لا تأكل من هذا الطعام، فإنه مسموم. نَهْيٌ له عن كل طعام كذلك. وإذا قال: لا تشرب هذا الشراب، فإنَّه مسكر. نهى له عن كل مسكر. ولا تتزوج هذه المرأة، فإنها فاجرة. ومثال ذلك. الخطأ الثاني: تقصيرهم في فهم النصوص؛ فكم من حُكْم دلَّ عليه الخص، ولم يفهموا دلالته عليه. وسبب هذا الخطأ: حصرُهم الدلالة في مجرَّد ظاهر اللفظ، دون إيمائه، وتنبيهه، وإشارته، وعُرْفِهِ عند المخاطبين؛ فلم يفهموا من قوله: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23] ضَرْبَا، ولا سَبًّا، ولا إهانة؛ غير لفظة (أُف)، فقصروا في فهم الكتاب، كما قصروا في اعتبار الميزان. الخطأ الثالث: تحميل الإستصحاب فوق ما يستحقّه، وجزمهم بموجبه؛ لعدم علمهم بالناقل، وليس عدم العلم علمًا بالعدم" (¬1). ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ-: "الخطأ الرابع لهم: اعتقادُهم أنَّ عقودَ المسلمين وشروطهم، ومعاملاتهم، كلّها على البطلان، حتى يقوم دليل على الصحَّة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحَّة شرطِ، أو عقدٍ، أو معاملةٍ، استصحبوا بطلانه، فأفسدوا بذلك كثيرًا من معاملات الناس وعقودهم وشروطهم، بلا برهان من الله، بناء على هذا الأصل! وجمهور الفقهاء على خلافه، وأن الأصل في العقود والشروط: الصحة؛ إلا ما أبطله الشارع، أو نهى عنه. وهذا القول هو الصحيح؛ فإن الحكمَ ببطلانها ¬

_ (¬1) "أعلام الموقعين" (3/ 98 - 99 ط. دار ابن الجوزي).

حكم بالتحريم والتأثيم، ومعلوم أنه لا حرامَ إلا ما حرَّمه الله ورسولُه ولا تأثيمَ إلا ما أَثم الله ورسولُه به فاعلَه، كما أنه لا واجبَ إلا ما أوجبَه الله، ولا حرامَ إلا ما حرَّمه الله، ولا دِينَ إلا ما شرعه؛ فالأصل في العبادات: البطلان حتى يقومَ دليل على الأمر، والأصل في العقود والمعاملات: الصحة حتى يقومَ دليل على البطلان والتحريم" (¬1). وبيَّن -أي ابن القيم- أخطاء أصحاب الرأي والقياس، فقال: "وأمَّا أصحاب الرَّأي والقياس: فإنهم لما لم يعتنوا بالنصوص، ولم يعتقدوها وافية بالأحكام، ولا شاملة لها، وغلاتُهم على أنها لم تَفِ بعُشر معشارها! فوسَّعوا طرق الرأي والقياس، وقالوا بقياس الشَبَهِ، وعلَّقوا الأحكام بأوصاف لا يُعْلَمُ أن الشارعَ علَّقها بها، واستنبطوا عِلَلاً لا يُعْلَمُ أن الشارعَ شرعَ الأحكام لأجلها، ثم اضطرهم ذلك إلى أَنْ عارضوا بين كثير من النصوص والقياس؛ ثم اضطربوا: فتارة يقدّمون القياس، وتارة يقدِّمون النص، وتارة يفرِّقون بين النص المشهور وغير المشهور، واضطرهم ذلك -أيضًا- إلى أنِ اعتقدوا في كثير من الأحكام أنها شُرِعَتْ على خلاف القياس؛ فكان خطؤهم من خمسة أوجه: أحدها: ظنهم قصور النصوص عن بيان جميع الحوادث. الثاني؛ معارضة كثير من النصوص بالرأي والقياس. الثالث: اعتقادُهم في كثير من أحكام الشريعة أنها على خلاف الميزانِ والقياسِ -والميزان هو العدل-؛ فظنُّوا أن العدلَ خلاف ما جاءت به هذه الأحكام. الرابع: اعتبارُهم عللاً وأوصافًا لم يعلم اعتبار الشارع لها، وإلغاؤهم عللاً وأوصافًا اعتبرها -كما تقدم بيانُه-. الخامس: تناقضهم في نفس القياس -كما تقدم أيضًا-" (¬2). ثم قال في بيان فضل الصحابة في العلم على من بعدهم: "هذا فيما انفردوا به عنَّا، أما المدارك التي شاركناهم فيها -من دلالات الألفاظ والأقيسة-؛ فلا ريب أنهم كانوا أَبَرَّ قلوبًا، وأعمقَ علمًا، وأقل تكلُّفًا، وأقربَ إلى أن يوفَقُوا فيها لِمَا لَمْ نُوَفَّقْ له نحن، لما خصَّهم الله تعالى به من توقُّدِ الأذهان، وفصاحةِ اللسان، وسعةِ العلمِ، وسهولةِ الأخذِ، وحُسْنِ الإدراكِ ¬

_ (¬1) "إعلام الموقعين" (3/ 107 - ط. ابن الجوزي). (¬2) "إعلام الموقعين" (1/ 349). أو (3/ 115 - ط. ابن الجوزي).

وسُرعتِهِ، وقِلَّةِ المُعَارِضِ أو عَدَمِهِ، وحُسْنِ القَصْدِ، وتقوى الرَّبَّ تعالى؛ فالعربيَّةُ طبيعتهم، وسليقتُهم، والمعاني الصحيحةُ مركوزةٌ في فِطَرِهم وعقولِهم، ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسنادِ، وأحوالِ الرواةِ، وعِلَلِ الحديثِ، والجَرْحِ والتعديل، ولا إلى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين؛ بل قد غنوا عن ذلك كلَّه، فليس في حقهم إلا أمران: أحدهما: قال الله تعالى كذا، وقال رسولُه كذا .. والثاني: معناه كذا وكذا. وهم أَسْعَدُ الناسِ بهاتين المقدّمتين، وأحظى الأمَّة بهما، فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما، وأما المتأخّرون؛ فقواهم متفرقة، وهممهم متشعِّبة، فالعربية وتوابعها قد أخذت من قوى أذهانهم شعبة، والأصول وقواعدها قد أخذت منها شعبة، وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد أخذ منها شعبة، وفكرهم في كلام مصنفيهم وشيوخهم -على اختلافهم، وما أرادوا به- قد أخذ منها شعبة، إلى غير ذلك من الأمور، فإذا وصلوا إلى النصوص- وإن كان لهم همم تسافر إليها- وصلوا إليها بقلوب وأذهان قد كَلَّتْ من السَّيْرِ في غيرها، وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها. والمقصود: أنَّ الصحابةَ أغناهم الله تعالى عن ذلك كله، فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط، هذا؛ إلى ما خُصُّوا به من قوى الأذهان وصفائها، وصختها، وقوة إدراكها وكمالها، وكثرةِ المعاون، وقِلةِ الصارفِ، وقُرْبِ العهد بنور النبوَّة والتلقّي من تلك المشكاة النبوية. فإذا كان هذا حالُنا وحالُهم فيما تميزوا به علينا، وما شاركناهم فيه؛ فكيف نكون -نحن، أو شيوخنا، أو شيوخهم، أو مَنْ قلّدناه- أسعدَ بالصواب منهم في مسألة من المسائل؟! ومن حدَّثَ نفسَه بهذا؛ فَلْيَعْزِلْهَا من الدين والعلم، والله المستعان" (¬1). ولعل انتساب كثير من أهل العلم إلى المذاهب الأربعة، ومذهب أهل الظاهر، ساعَدَ في ضعف الأخذ بآثار الصحابة والعناية بها كالعناية بالحديث النبوي، روايةَ ودِرَايةَ، وقد أشار إلى هذا ابن القيم -رَحِمَهُ اللهُ- (¬2). ولا يعني هذا أنَّ أتباع الأئمة جانبوا الصواب في معرفة الأحكام؛ ¬

_ (¬1) "إعلام الموقعين" (4/ 148 - 150). (¬2) انظر: الإعلام (2/ 226).

فأصول مذاهبهم معتمدة على الحديث والأثر، وبهذا كان ينادي الأئمة. فما كان من تقريراتهم على منهاج الأئمة؛ فهو الحق، وبهذا جصل اتفاقُ الأَتْبَاعِ؛ لأن المشكاة واحدة، وما كان سوى ذلك؛ فهو مَكْمَنُ الخلاف بين الأَتْبَاعِ؛ وبهذا يتبيَّن أن أعلم الناس بالحديث والأثر -سندًا ومتنًا- أسعد بالصواب في كافة أبواب العلم". انتهى كلام شيخنا -حفظه الله تعالى-. وبهذا يتبين لك أخي المسلم الكريم: أهمية هذا المنهج الربَّاني السديد، وأنه لا بدّ من الإعتناء بفقه الصحابة، وعلمهم، وهديهم - رضي الله تعالى عنهم -. وكان من توفيق الله لي: أن يسَّرَ لي وأعانني إلى جمع هذه الآثار السَّلفيَّة، فخرج -بحمد الله وتوفيقه- المجلد الأول من هذه السلسلة المباركة -إن شاء الله-، وتلقّاه أهل العلم وطلابه بالقبول والثناء، والدعاء بالتوفيق والسداد. وها هو المجلد الثاني يخرج إلى النور -بعد طول انتظار-، فأحمد الله الذي له المحامد كلها. وهو كصنوه الأول؛ يحوي بين دفتيه ثلاث مئة وخمسين أثرَا من آثار الصحابة والتابعين، في أبواب الدين جلها؛ من عقيدة، وأخلاق، وعبادات، ومعاملات ... إلخ. واعلم -وفقني الله وإياك- أن هذا العمل ليس من خالص فكري، ولا من إنشاء قلمي؛ بل كما ذكرت على غلافه: جمعها وخرَّجها وذكر بعض فوائدها. فليس لي فيه إلا الجمع والتخريج، وذكر الأسانيد والبحث فيها، وبيان حال رجالها، ونقل كلام أهل العلم، وترتيب المادة، وما يتعلق بذلك. لذا؛ أدعو أهل العلم وطلابه -الكرام- للمشاركة في الأجر = بالتنبيه، والتصحيح، والتوجيه، والتسديد، كي يكتمل العمل، وتحصل به الفائدة المرجوة - بإذن الله-. أمَّا عن تساؤل بعض الأخوة الكرام عن سبب إيرادي لأقوال أئمة ليسوا هم من الصحابة ولا التابعين، وهذا ليس على شرط الكتاب؟ فأجيب: بأن هذا قليل في الكتاب، وإنما أُورد بعض الآثار المهمة في بعض الأبواب لأهميتها وفائدتها الكبيرة، وإن كانت ليست على شرط الكتاب؛ فاقتضى التنبيه. ولا يفوتني في ختام هذه المقدمة أن أشكر كل من نصح وحثَّ على مواصلة هذا العمل، أو أبدى نُصحًا وتوجيهًا وتصحيحًا، ولكل من مدَّ يدَ العون.

ولا يزال لسان الشكر موصولاً لشيخنا الأريب، والفقيه الفهَّامة، صاحب الجناب المكرَّم، والفضل الباذح المقدَّم، ومن يعجز لسان الثناء عن ذكر مزاياه، وعدّ أياديه -وكم له من أيادِ عليَّ-؛ صاحب الفضيلة شيخنا الحبيب: أبي عبد الرحمن عبد الله بن صالح العبيلان- رفع الله منزلته، وزاده فضلاً وعلمًا، وأكرم جنابه-. فلا زال الشيخ -حفظه الله ورعاه- يحثُّني على مواصلة العمل، مشجِّعًا ناصحًا، وموجهًا فاضلاً، وأخًا كريمًا، فالله أسأل أن يجازيَه خير الجزاء. وليس يزيدُ الشمسَ نورًا وبهجةً ... إطالة ذي وَصْفٍ وإكبارُ مادحِ كما وأشكر الأخ الفاضل أبا عمر أحمد بن عبد الرحمن كنفاني- صاحب دار الفاروق-، والذي يتكبَّد معنا إخراج هذا العمل، ويتكفل بطباعة الكتاب ونشره، فالله أسأل أن يجازيَه خير الجزاء، وأن يوفّقنا وإيَّاه لما فيه رضاه، وأن يخلص نياتنا وأعمالنا، وأن يكتب لنا الأجر وحسن الختام. وأشكرُ الأخَ مازن بن عبد الرحمن البُحصلي البيروتي -وفقه الله- على قيامه بتصحيح تجارب الكتاب الأخيرة، وإبداء ملاحظاته، فجزاه الله خيرًا. اللَّهمَّ صلِّ على محمدٍ واَل محمد في العالمين إنك حميد مجيد. كتبه أبو عبد الله الداني بن منير آل زهوي -كان الله له- في الجيّة، بساحل جبل لبنان ليلة الخميس، الرابع عشر من شهر ربيع الثاني، عام 1427.

الأثر الأول من هذا المجلد، وفيه قصة سارية الجبل لما ناداه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وبيان إحدى كراماته

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم يَسّر وأعِنْ - قصة سارية والجبل: 351 - عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: "بَعَثَ عمرُ جيشًا وأَمَّرَ عليهمِ رجلًا يُدْعَى سارية. قال: فبينا عمر يخطبُ الناسَ يومًا، قال: فجَعَل يصيحُ: يا سارِيَ؛ الجبل! يا سارِيَ؛ الجبل!. قال: فقدم رسولُ الجيشِ، فسأله، فقال: يا أمير المؤمنين؛ لقيَنَا عدوُّنا فهزمونا، فإذا صائحٌ يصيح: يا سارِيَ؛ الجبل، فأَسْنَدْنا ظهورَنَا إلى الجبلِ؛ فهزمهم الله. فقيل لعمر: إنك كنتَ تصيحُ بذلك". حسن. أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على "فضائل الصحابة" (1/ 269 - 275) والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 370) وأبو نعيم في "دلائل النبوة" (526)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد -كرامات الأولياء-" (7/ 1409 - 4110/ 2537) وابن الأعرابي في "كرامات الأولياء" -كما في "الإصابة" (3/ 5) -. من طريق: ابن وهب؛ أخبرني يحيى بن أيوب، عن ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر به. وهذا إسنادٌ حسن، كما قال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (7/ 131)، والحافظ ابن حجر في "الإصابة" (3/ 5)، والمحدث الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم: 1110). وله طرق أخرى؛ لكنها لا تصح، وانظر للتفصيل: "الصحيحة" (3/ 101 - 154/ رقم: 1110).

غسل عبد الله بن عمر ليوم الفطر كان قبل غدوه إلى المصلى

- الغسل يوم الفطر: 352 - عن نافع: "أن عبدَ اللهِ بن عمر كان يَغْتَسِلُ يومَ الفِطْر؛ قبلَ أن يَغْدُوَ إلى المُصَلَّى". صحيح، أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 115/ 2) - 510 - كتاب العيدين، (1) باب: العمل في غسل العيدين .. ومن طريقه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 309/ رقم: 5753) والإمام الشافعي في "الأم" (2/ 488/ رقم: 505 - ط. دار الوفاء) وفي "المسند" (1/ 316)، والفريابي في "أحكام العيدين" (رقم: 13، 14)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 278)، وابن المنذر فى "الأوسط" (4/ 256/ رقم: 2114). وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 550/ رقم: 5772، 5773 - العلمية)، والفريابي في "أحكام العيدين" (رقم: 15). من طريق: عبيد الله بن عمر، عن نافع: "أن ابن عمر كان يغتسل للعيدين، ويغدو قبل أن يطعم". والزيادة الأخيرة للفريابي. وأخرجه الإمام عبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (3/ 309/ رقم: 5752)، والفريابي (رقم: 17). من طريق: موسى بن عقبة، عن نافع: "أن ابن عمر كان يغتسل ويتطيب يوم الفطر والأضحى". وأخرج الحارث بن أبي أسامة في "مسنده " -كما في "المطالب العالية" (رقم: 753 - العاصمة) - قال: حدثنا يزيد، حدثنا محمد بن إسحاق، قلت لنافع: كيف كان ابن عمر- رضي الله عنهما - يصلي يوم العيد؟ قال: "كان يشهدُ صلاة الفجر مع الإمام، ثم يرجع إلى بيته، فيغتسل غسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده، ثم يخرج حتى يأتي المصلَّى، فيجلس فيه، حتى يجيء الإمام، فإذا جاء الإمام صلَّى معه، ثم يرجع فيدخل مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فيصلي فيه ركعتين، ثم يأتي بيته". وإسناده حسن.

أوقات الغسل

- أوقاتُ الغُسْل: 353 - عن زاذان، قال: "سألَ رجلٌ عليًّا - عليه السلام - عن الغسل؛ فقال: أَغْتَسِلُ كل يومٍ إنْ شِئتُ؟ فقال: "لا؛ الغُسْلُ الذي هو الغُسْلُ: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الأضحى، ويوم الفِطْرِ". حسن. أخرجه مسدّد -كما في "المطالب العالية" (رقم: 693 - العاصمة)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 434/ رقم: 5552)،- بنحوه مختصرًا- وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 256/ رقم: 2112)، والبيهقي (3/ 278). من طرق؛ عن عمرو بن مرة، عن زاذان به. ورواه عن عمرو كل من: شعبة بن الحجاج، وحجاج بن أرطأة. * * * 354 - قال مسروق: "ما غبطتُ أحدًا ما غبطتُ مؤمنًا في اللَّحْدِ؛ قد استراحَ من نَصَبِ الدّنيا، وأَمِنَ عَذَابَ اللهِ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 537) أو (7/ 106/ 34854 - العلمية)، من طريق وكيع في "الزهد" (1/ 313/ رقم: 87)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 97)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (57/ 435)، وابن أبي الدنيا في "القبور" (رقم: 141 - الغرباء). من طريق؛ مسعر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن مسروق به. وإسناده صحيح. ولفظه عندهم: "ما من بيت - (شيء) - خير للمؤمن من لحدٍ؛ قد استراح من هموم الدنيا، وأمن من عذاب الله". وأخرجه ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" (رقم: 55/ ص 37 - 38 - ط. الشيخ مشهور) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (57/ 435 - 436) وأحمد في "الزهد" (ص 350). من طرق؛ عن وائل بن داود، عن خفاف بن أبي سرعة، عن مسروق به.

خروج أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد صلاة العصر والحسن بن علي رضي الله عنه يلعب مع الصبيان، وحمل أبي بكر له، ووصفه بأنه يشبه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشبه أباه، وضحك علي - رضي الله عنه - عند سماعه ذلك

وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (رقم: 274) عن رجل، عن وائل بن داود، عن رجل، عن مسروق به. وإسناده ضعيف؛ لكنه صحيح بما قبله. * * * - شبه الحسن بن علي بجدّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 355 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا أبو عاصم، عن عمر بن سعيد بن أبي حُسين، عن ابن أبي مليكة، عن عقْبةَ بن الحارث، قال: "صلَّى أبو بكر - رضي الله عنه - العصر، ثم خرج يمشي، فرأى الحَسَن يلعبُ مع الصبيان، فحمَلَهُ على عاتقه، وقال: "بأبي شَبيهٌ بالنبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، لا شبيهٌ بعليّ"، وعليٌّ يضحَكُ". أخرجه البخاري في "صحيحه" (3542، 3750) وأحمد في "المسند" (1/ 8) أو رقم (40 - شاكر) وفي "فضائل الصحابة" (2/ 962/ رقم: 1351)، وأبو بكر المروزي في "مسنده" (144 - 145)، والطبراني في "المعجم الكبير" (3/ رقم: 2527)، والحاكم في "المستدرك" (3/ 168)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق الكبير" (14/ 14 - 16 ط دار إحياء التراث العربي). من طريق: عمر بن سعيد به. إلا الحاكم فقال: "أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد القنطري ببغداد، ثنا أبو قلابة، ثنا أبو عاصم، حدثني عمر بن سعيد بن أبي حُسين، عن أبيه، عن ابن أبي مليكة .. ". فزاد "عن أبيه"، لذا قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي -رَحِمَهُ اللهُ- في تعليقه على طبعته من "المستدرك" (3/ 199/ 4849): "الظاهر أن لفظة (عن أبيه) زائدة". قلت: الأمر كما قال، وقد وهم الحاكم في استدراك الحديث؛ فهو عند البخاري.

تفسير ابن عباس لقول الله تعالى: {إلا المودة في القربى}

فقه الأثر: - فيه: أن الحسن بن علي بن أبي طالب - عليهما السلام - كان شبيهًا بجده رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. - وفيه: "رضا علي بقول أبي بكر وتصديقه له"، وذلك بتبسمه أو ضحكه من قول أبي بكر - رضي الله عنه -. - وفيه: "فضل أبي بكر ومحبته لقرابة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -". - وفيه: "ترك الصبي المميّز يلعب؛ لأن الحسن إذْ ذاك كان ابن سبع سنين، وقد سمع من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وحفظ عنه، ولعبه محمول على ما يليق بمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة؛ بل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك .. ". انظر "فتح الباري" (6/ 656). قلت: وقد ثبت في غير ما حديث شبه الحسن بالنبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، منها حديث أبي جحيفة - رضي الله عنه -، قال: "رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكان الحسن يشبهه". (البخاري: 3543، 3544). * * * 356 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثني محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: سمعتُ طاوُسًا؛ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه سُئِلَ عن قوله: {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23]، فقال سعيد بن جبير: "قربى آلِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -". فقال ابن عباس: "عجلتَ؛ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن بَطْنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة". أخرجه البخاري (3497، 4818)، وأحمد في "المسند" (1/ 229، 286) أو رقم: (2024، 2599 - شاكر)، والترمذي (3251)، والنسائي في "الكبرى" (11474)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (25/ 15) أو (25/ 35 - ط. دار إحياء التراث)، والحاكم الحسكاني في "شواهد التنزيل" (رقم: 830، 831)، وابن حبان (6262).

النهي عن زخرفة المساجد

من طريق: شعبة به. فقه الأثر: هذا التفسير عن ابن عباس هو أصحَّ ما ورد في تفسير الآية، وقد ورد فيها بعض التفاسير -ومنها عن ابن عباس- لكنها لا تصح؛ كتفسيرها بأن (القربى) هم: (فاطمة وأولادها) - عليهم السلام-، وهذا لم يصح عن ابن عباس سندًا، أضف إلى ذلك أن الآية مكية، والحسن والحسين - عليهما السلام - لم يكونا ولدًا بعد، فكيف يفسّرها بعض الناس بذلك؟! وانظر: "إحياء الميت بفضائل أهل البيت" للسيوطي - بتحقيقي، يسَّر الله نشره- الحديث الأول والثاني. * * * - النهي عن زخرفة المساجد: 357 - قال عبدُ الله بن عباس - رضي الله عنه -: "لتُزَخْرِفُنَّهَا -[أي: المساجد]-كما زَخَرَفَتِ اليهودُ والنصَارَى". علّقه البخاري في "صحيحه" (8) - كتاب "الصلاة"- 62 - باب بنيان المسجد. ووصله أبو داود في "السنن" (رقم: 448)، فقال: "حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان، أخبرنا سفيان بن عُيينة، عن سفيان الثوري، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "ما أُمِرْتُ بتشييد المساجد". قال ابن عباس: "لتُزَخْرِفُتَهَا كما زخرفت البهود والنصارى". وهذا إسناد صحيح، كما قال الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2/ 347 - 348/ رقم: 475 - (الأم) - ط. دار غراس)، وتمام كلامه: "وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم؛ غير محمد بن الصباح، وهو ثقة. وأبو فزارة: اسمه راشد بن كيسان. وصححه ابن حبان (1613).

التعجيل بالصلاة والإفطار هو السنة

والحديث أخرجه البيهقي (2/ 438 - 439)، وابن حزم (4/ 440) من طريق المؤلف ... " اهـ. قلت: وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 274/ رقم:3147 - العلمية) من طريق: سفيان به. ولكنه ذكر قول ابن عباس فقط. فقه الأثر: فيه: النهي عن تشييد المساجد؛ والمقصودب "تشييد المساجد"، رفع بنائها وتطويله، والمبالغة في ذلك، لما فيه من التشبه باليهود والنصارى في بناء كنائسهم وبِيَعِهِم. وفيه النهي عن زخرفة المساجد؛ لأنها إنما بُنيت للعبادة والذّكر، لا للمباهاة والمفاخرة والزينة. فأنت ترى أخي المسلم كيف يتباهى المسلمون اليوم في تشييد المساجد والإسراف في زخرفتها وبنائها، وحُقَّ لهؤلاء صرف هذه الأموال الطائلة في إطعام جياع المسلمين، أو بناء المعاهد والمدارس والمساجد الأخرى، بدل إنفاقها على الزخرفة والزينة، وحُق للمسلمين أن يَعْمرُوا مساجدهم بالصلاة والذكر والعبادة؛ لا بالزخرفة والزينة ومضاهاة الكافرين في أماكن عبادتهم، والله المستعان، وهو الموفق والهادي سبحانه. * * * - التعجيل بالصلاة والإفطار هو السُّنَّة: 358 - عن أبي عَطِيَّةَ [الوادعي الهمداني]- قال: دخلت أنا ومسروق على عائشةَ، فقلنا: "يا أمَ المؤمنينَ؛ رجُلَانِ من أصحَاب محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -؛ أحدُهما يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ ويُعَجّلُ الصَّلاةَ، والآخَر يؤخِّرُ الإفْطارَ ويؤخِّرُ الصَّلَاةَ"! قالت: "أيهُمَا الذي يُعَجِّلُ الإِفْطَارَ ويُعَجِّلُ الصَّلاَةَ"؟. قال: قلنا: "عبدُ اللهِ" - (يعني ابنَ مَسْعُودٍ) -. قالت: "كذلكَ كانَ يَصْنَعُ رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -".

لمة الملك، ولمة الشيطان

أخرجه مسلم (1099) -واللفظ له- وأبو داود (2354)، والنسائي في "الكبرى" (2/ 78، 79/ رقم: 2468، 2469، 2470، 2471) - لكن في الموضحين الأولين بلفظ: " .. أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور .. "، ففيه ذكر السحور بدل الصلاة- وفي "المجتبى" (4/ 143 - 144) أو رقم: (2157، 2158، 2159، 2160 - المعرفة) - وفيه في الموضعين الأولين ما تقدم في "الكبرى"- وأخرجه الترمذي (702)، وأحمد في "المسند" (6/ 48) وغيرهم، من طرق عن أبي عطية به. وقد ورد ذكر الصحابي الآخر عند بعض من أخرجه؛ وهو أبو موسى الأشعري. قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وأبو عطية اسمه: مالك بن أبي عامر الهمداني، ويقال: مالك بن عامر الهمداني، وابن عامر أصحّ". * * * 359 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268] قال: "إنَّ للمَلَكِ لَمَّةٌ، وللشيطانِ لمَّةٌ، فلَمَّة المَلَكِ إيعادٌ بالخير، وتصديقٌ بالحقّ؛ فمن وجَدَها فليَحْمَدِ اللهَ. ولَمَّةُ الشيطانِ إيعادٌ بالشَّرِّ، وتكذيبٌ بالحقّ؛ فمن وجَدَها فليسْتَعِذْ باللهِ". حسن. أخرجه- عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 109) ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (3/ 106 - ط. دار إحياء التراث) عن معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن مسعود به. وهذا إسناد ضعيف لإنقطاعه؛ فعبيد الله بن عبد الله بن عتبة لم يسمع من عمّ أبيه عبد الله بن مسعود. لكن للأثر طرق أخرى كما سيأتي. تنبيه: 1 - وقع تصحيف وسقط وتحريف في إسناد الأثر في مطبوعة "التفسير" للإمام عبد الرزاق؛ فَلْيُصَحَّح.

2 - صحَّح المعلّق على "صحيح ابن حبان" (3/ 278 - ط. مؤسسة الرسالة) - إسناد هذا الأثر! فلم يصب، بسبب الإنقطاع كما تقدم. وأخرجه الطبري في "تفسيره" (3/ 106) من طريق: ابن حميد، ثنا الحكيم بن بشير بن سليمان، ثنا عمرو، عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله به. وعمرو هو: ابن قيس الملائي. ثم أخرجه (3/ 156) من طريق: ابن علية، ثنا عطاء، عن أبي الأحوص، أو عن مرة، عن عبد الله به. ثم أخرجه من طريق: حماد بن سلمة، عن عطاء، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود به. ثم أخرجه من طريق: جرير بن عبد الحميد، عن عطاء، عن مرة به. ثم أخرجه من طريق: سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن فطر، عن المسيب بن رافع، عن عامر بن عبدة، عن عبد الله به. وبهذه الطرق -التي لا تخلو من مقال- يكون هذا الأثر حسنًا بمجموعها. وقد رُوي الخبر مرفوعًا: أخرجه: النسائي في "الكبرى" (6/ 305/ رقم: 11051)، والترمذي (2988)، والطبري في "تفسيره " (3/ 106)، وابن حبان (3/ 478/ رقم: 4999)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 529/ رقم: 2810)، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 50/ رقم: 35 - ط. دار الخير). من طريق: أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود به مرفوعًا. قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، وهو حديث أبى الأحوص؛ لا نعرفه مرفوغا إلا من حديث أبي الأحوص". قلت: عطاء بن السائب اختلط، وسماع أبي الأحوص منه بعد الإختلاط. قال ابن أبي حاتم في "العلل" (2/ 244 - 245/ رقم: 2224): "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه أبو الأحوص عن عطاء بن السائب، عن عبد الله، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن للملك لمَّة، وللشيطان لمَّة ... " الحديث، فقال أبو زرعة:

سنة صلاة ركعتين بالزوجة ليلة البناء = الدخول بها

الناسُ يوقفونه عن عبد الله؛ وهو الصحيح. فقال أبي: رواه حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب، عن مرة، عن عبد الله موقوفًا. قلت: فأيها الصحيح؟ قال: هذا من عطاء بن السائب؛ كان يرفع الحديث مرة، ويوقفه أخرى، والناس يحدثون من وجوه عن عبد الله موقوف، ورواه الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن مسعود موقوف. وذكر أشياء من هذا النحو موقوف" اهـ. فالأثر يصحُّ موقوفا لا مرفوغا؛ كما قال أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان. وقال العلّامة أحمد محمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ- في "عمدة التفسير" (2/ 181): "وكذلك رواه الطبري (6170)، وإسناده وإسناد ابن أبي حاتم صحيحان، ثم رواه الطبري بأسانيد أُخر موقوفًا (6171 - 6176)، والترمذي وابن كثير يشيران من طرف خفي إلى تعليل المرفوع بالروايات الموقوفة، وما هي بعلة بعد صحَّة الإسناد، ثم هو مما لا يعلم بالرأي ولا يدخله القياس، فالموقوف لفظًا -فيه- مرفوع حكمًا، على اليقين" اهـ. ونحو هذا الكلام الأخير في تعليقه على "تفسير ابن جرير الطبري" (5/ 572). قلت.: وتصحيح الشيخ لإسناد المرفوع غير دقيق لما تقدم من العلة فيه، والصواب قول من أعله. لكنه كما قال؛ فإن الأثر له حكم المرفوع، والله أعلم. وانظر: "صحيح موارد الظمآن" (1/ 110 - 111/ رقم: 38)، و"النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان لكتب الأئمة الرجيحة" (ص 108/ رقم: 34) للعلامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-. * * * - صَلاَةُ ركعتين بالزَّوْجَةِ ليلةَ البناءِ والدُّخُولِ بها: 360 - عن أبي سعيد مولى أبي أُسيد [مالك بن ربيعة الأنصاري]، قال: "تَزَوَّجْتُ وأنا مملوك، فدَعَوْتُ أصحابَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فيهم أبو ذر،

صاحب البيت أحق بالصلاة إماما، حتى ولو كان مملوكا

وابن مسعود، وحُذيفة-، فتقدّمَ حُذيفةُ ليُصَلّي بهم، فقال أبو ذر -أو رجل-: ليس لك ذلك، فقدَّموني وأنا مملوك، فأممتهم، فعلَّموني؛ قالوا: "إذا أُدْخِلَ عليكَ أَهْلُكَ فَصَلِّ ركعتين، ومُرْهَا فلتُصلِّ خلفَكَ، وخُذْ بناصِيَتِهَا، وسَلِ اللهَ خيرها، وتعوَّذ باللهِ من شرِّها". لا بأس به. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 393 /رقم: 3821) و (6/ 191 - 192/ رقم: 15462) -واللفظ له في الموضع الثاني- وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 30 - رقم: 6153 - العلمية). من طريق: داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد به. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "آداب الزفاف" (ص 95 - المكتبة الإسلامية): "وسنده صحيح إلى أبي سعيد، وهو مستور، لم أجد من ذكره؛ سوى أن الحافظ أورده في "الإصابة" فيمن روى عن مولاه أبي أسيد مالك بن ربيعة الأنصاري، ثم رأيته في ثقات ابن حبان؛ قال (5/ 588) هندية: "يروي عن جماعة من الصحابة، روى عنه أبو نضرة". ثم ساق هذه القصة دون قوله: فقالوا ... إلخ، وهو رواية لابن أبي شيبة (2/ 23/ 1) " اهـ. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2/ 392/ رقم: 3818) عن معمر، عن قتادة: "أن أبا سعيد صنع طعامًا، ثم دعا أبا ذر، وحذيفة، وابن مسعود، فحَضَرت الصلاة، فتقدم أبو ذر ليصلي بهم، فقال له حذيفة: وراءك، رب البيت أحقُّ بالإمامة. فقال له أبو ذر: كذلك يا ابن مسعود؟ قال: نعم. قال: فتأخَّر أبو ذر". وهذا إسناد مرسل؛ أرسلَهُ قتادة. وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 233/ رقم: 2587) من طريق: وهب بن جرير، ثنا هشام، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد به. فقه الأثر: فيه: استحباب إجابة الدعوة ولو كانت من مملوك، وقد ذهب جمع من

ما يقال عند البناء بالزوجة

أهل العلم إلى وجوب إجابة الدعوة إلا من عذر؛ وهو الراجح. وفيه من الفقه: استحباب صلاة الركعتين بالزوجة عند الدخول بها والبناء ليلة العُرس. وفيه: أن الرجل يؤمّ في سلطانه وبيته، ولا يتقدم أحد للإمامة ولو كان عالمًا وصاحب منزلة. * * * 361 - عن شقيق -أبي وائل- قال: جاءَ رجل يُقَالُ له (أبو حَرِيز) فقال: إني تزوَّجْتُ جاريةً شابة بِكْرًا، وإني أَخاف أن تفْرُكَني. فقال عبدُ الله-[يعني: ابن مسعود]-: "إنَّ الإلْفَ من اللهِ، والفِرْكَ من الشيطان، يريدُ أن يُكَرّهَ إليكم ما أَحَلَّ الله لكَم، فإذا أَتَتْكَ فَأْمُرْها أن تُصَليَ وراءَكَ ركعتين". وفي رواية زيادة: "وقل: اللَهُمَّ بَارِكْ لي في أهلي، وبَارِكْ لهم فِيَّ، اللهم ارزقني منهم، وارْزقهم منّي، اللَهمَّ اجْمَعْ بيننا ما جمعتَ بخيرٍ، وفزقْ بيننا إذا فرَقْتَ إلى خَيْرِ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (6/ 191/ رقم: 10460، 10461)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 556 / رقم: 17150 - العلمية) والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8993). من طريق: الأعمش، عن أبي وائل به. ورواه عن الأعمش كل من: سفيان الثوري، ومعمر، وأبو معاوية. وأخرجه الطبراني (9/ رقم: 8994) من طريق: حماد بن زيد، عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي؛ أن رجلاً أتى ابن مسعود، فقال .... فذكره. وقد خالف الحسين بن واقد حمادَ بن سلمة؛ فرواه عن عطاء به مرفوعًا، أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4/ 217/ 4018 - الحرمين).

السنة في البكر والثيب؛ كم يقيم عندهما

لكنه لا يصح، وانظر التفصيل في "آداب الزفاف" للشيخ الألباني (ص 96 - 97). - السُّنَّة في البِكْرِ والثَّيِّبِ، كم يقيم عندهما عند الزواج: 362 - عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: "مِنَ السُّنَّةِ إذا تزوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ على الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعَا وقَسَمَ، وإذا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ على البِكْرِ أقَامَ عِنْدَهَا ثلاثَا ثم قَسَمَ". قال أبو قلابة: "ولو شئتُ لقلتُ: إن أنسًا رفعَهُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه البخاري (5213، 5214)، ومسلم (1461)، وأبو داود (2124)، والترمذي (1139) وغيرهم. من طريق: خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة، عن أنس به. قال الإمام أبو عيسى الترمذي: "والعمل على هذا عند بعضِ أهلِ العلمِ؛ قالوا: إذا تزوَّجَ الرجلُ امرأةً بِكْرًا على امرأتِهِ؛ أقامَ عندها سَبْعًا، ثم قَسَمَ بينهما بعدُ بالعَدْلِ، وإذا تزوَّجَ الثَّيِّبَ على امرأتِهِ أقامَ عندها ثلاثًا، وهو قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وقال بعض أهل العلم من التَّابعين: إذا تزوَّج البِكْرَ على امرأته أقامَ عندها ثلاثا، وإذا تزوج الثَّيِّبَ أقام عندها ليلتين، والقول الأول أصح" اهـ. * * * - التأدُّب مع حديث رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: 363 - عن عليّ بن أبي طالب - عليه السلام -، قال: "إذا حُدِّثْتُمْ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فظُنُّوا به الذي هو أَهْدَى، والذي هو أَتْقَى، والذي هو أَهْيَأ". صحيح. أخرجه ابن ماجه (20)، والدارمي في "مسنده" -أو سننه- (1/

476/ رقم: 612 - الداراني)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (ص 16/ رقم: 99)، وأحمد في "المسند" (1/ 122، 124، 135) أو رقم (986، 987، 1039، 1581 - شاكر)، وأخرجه ابنه عبد الله في زوائده على "المسند" (1/ 131) أو رقم: (1092 - شاكر) وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 443 - 444/ رقم: 591)، وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 103)، ومسدد كما في "إتحاف الخيرة المهرة" (1/ 228/ رقم: 331 - دار الوطن) وأحمد بن منيع كما في المصدر السابق. من طرق؛ عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي به. قال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (1/ 228): "هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين". وصحَّحه الحافظ البوصيري في "مصباح الزجاجة"، وصححه الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه على "المسند"، والشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه". وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 122،130) أو رقم (1080،1985 - شاكر) - والموضع الثاني من زيادات ابنه عبد الله - من طريق: الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن علي به، دون ذكر أبي عبد الرحمن السلمي. وهو منقطع، والأول أصح. كما أخرجه عبد الله بن أحمد (1/ 130) أو رقم (108) من طريق: الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي من قوله. وقد رُوي عن عبد الله بن مسعود؛ لكنه لا يصح. أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 385، 415) أو رقم (3645،3940 - شاكر)، والدارمي (1/ 476/ رقم: 611)، وأبو يعلى في "مسنده" (9/ 170/ رقم: 5259). من طريق: محمد بن عجلان، عن عون بن عبد الله، عن ابن مسعود به. وهذا إسناد ضعيف لإنقطاعه؛ كما قال الشيخ العلّامة أحمد شاكر، والشيخ

إصلاح الحسن بن علي عليه السلام سبط النبي صلى الله عليه وسلم في أمة جده

الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (رقم: 1). فصخ الأثر من قول علي بن أبي طالب، ولم يصح من قول ابن مسعود، - رضي الله عنهما -. * * * 364 - قال الإمام أحمد بن حنبل: نا محمد بن أبي عدي، عن ابن عون، عن أنس -يعني: ابن سيرين-، قال: قال الحسنُ بن علي يومَ كلَّمَ معاويةَ: "ما بين جابرس وجابلق رجلٌ جدُّهُ نبيٌّ غيري، وإني رأيتُ أن أُصْلِحَ بين أُمَّةِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم -، وكنتُ أَحَقّهم بذاك، إلا أَنَّا قد بايَعْنَا معاوية، ولا أدري لعلَّهُ فتنةٌ لكم ومتاعٌ إلى حينٍ". صحيح. أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 1355) ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (14/ 97 - 98. إحياء) بهذا الإسناد. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 452/ رقم: 25980)، ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (3/ رقم: 2748)، والبيهقي في "الدلائل" (6/ 444)، والآجري في "الشريعة" (3/ 317/ رقم: 1719 - الوليد سيف النصر). من طريق: معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين به. وفيه بَعْدُ: "قال معمر: جابرس وجابلق: المغرب والمشرق". ووقع في طبعة "المصنف": (حالوس وحابلق)! وابن سيرين الذي في الإسناد هو أنس بن سيرين الأنصاري؛ أبو موسى، مولى أنس بن مالك. والذي يظهر من صنيع الحافظ الطبراني أنه اعتبره محمد بن سيرين؛ إذْ أوردَ هذا الأثر تحت باب (محمد بن سيرين عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما-). وعلى كل حال فإسناد الأثر صحيح، والحمد لله.

وأخرج نحوه الحاكم في "المستدرك" (3/ 175)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 39)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (14/ 98 - 99)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 444). من طريق: سفيان بن عيينة، عن مجالد بن سعيد، عن الشَعبي، قال: "لما صالح الحسن بن علي - رضي الله عنه - معاوية، قال له معاوية: قم فتكلم، فقام، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "إن أكيس الكيس التُّقى، وإن أعجز العجز الفجور، وإن هذا الأمر الذي اختلفتُ فيه أنا ومعاوية حقٌّ لامرئ، وكان أحق بحقه مني أو أحق لي فتركته لمعاوية؛ إرادة استضلاع المسلمين وحقن دمائهم، {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (111)}، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم". قلت: إسناده فيه ضعف؛ لأجل مجالد بن سعيد، قال عنه الحافظ في "التقريب": "ليس بالقوي، وقد تغيَّر في آخر عمره". وأحبُّ أَنْ أَنقُلَ هنا كلامًا جميلاً للإمام الآجرّي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-؛ حيث قال في كتابه النفيس "الشريعة" (3/ 317): "انظروا -رحمكم الله- وميزوا فعل الحسن الكريم ابن الكريم، أخي الكريم، ابن فاطمة الزهراء، مهجة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، الذي قد حوى جميع الشرف، لما نظرْ إلى أنه لا يتم ملك من مُلْكِ الدنيا إلا بتلف الأنفس، وذَهَابِ الدِّينِ، وفِتَن متواترة، وأمور يتخوّف عواقبها على المسلمين؛ صان دينَهُ وعرضَه، وصان أمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولم يحب بلوغ ما له في حط من أمور الدنيا- وقد كان لذلك أهلاً-، فترك ذلك بعد المقدرة منه على ذلك؛ تنزيهَا منه لدينه، ولصلاح أهة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، ولشرفه، وكيف لا يكون ذلك! وقد قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -" "إن ابني هذا سيد، وإن الله -عَزَّ وَجَلَّ- يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فكان كما قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. رضيَ اللهُ عن الحسن والحسين، وعن أبيهما، وعن أمهما، ونفعنا بحبهم" اهـ.

المعاصي سبب في نسيان العلم

365 - عن جُبير بن نفير الحضرمي، قال: قلتُ للحسن بن علي: إن الناسَ يزعمونَ أنك تريدُ الخلافة؟ فقال: "كانت جَمَاجِمُ العربِ بيديَّ؛ يُسَالِمُونَ من سالَمْتُ، ويحاربون من حَارَبْتُ، فتركتُها ابتغاءَ وَجْهِ الله تعالى؛ ثُمَّ أُثيرها بأتياس أهل الحجاز؟ ". وفي رواية: "ابتغاء وجه الله وحقن دماء أَمة محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -" .. صحيح. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 36 - 37)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (14/ 104 - إحياء التراث). من طريق: شعبة، عن يزيد بن خمير، قال: سمعتُ عبد الرحمن بن جبير بن نفير الحضرمي يحدِّثُ عن أبيه ... فذكره. وهذا إسناد صحيح. يزيد بن خمير؛ هو أبو عمر الرحبي الحمصي؛ ثقة. * * * - المعاصي سبَبٌ في نسيان العلم: 366 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "إني لأَحْسَبُ الرَّجُلَ ينسى العِلْمَ كانَ يَعْلَمُهُ؛ للخَطِيئَةِ يَعْمَلُهَا". صحيح. أخرجه وكيع في "الزهد" رقم: (269) ومن طريقه أحمد في "الزهد" رقم: (851 - ط دار الكتاب العربي)، والبيهقي في "المدخل" (2/ 55/ رقم: 487). من طريق: المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه به. وإسناده صحيح. المسعودي؛ هو عبد الرحمن بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي؛ ثقة،

خروج النساء إلى المسجد

لكنه اختلط قبل موته، لكن رواية وكيع عنه صحيحة، فقد سمع منه قبل الإختلاط؛ كما في "شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/ 570). وعبد الرحمن بن مسعود في روايته عن أبيه خلاف؛ الراجح فيه صحة السماع، وانظر "معجم أسامي الرواة الذين ترجم لهم العلامة الألباني جرحًا وتعديلاً " (2/ 484 - 486). وأخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 269)، وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 83)، وأبو خيثمة في "العلم" (رقم: 132)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم:.8930)، والخطيب البغداذي في "اقتضاء العلم العمل" (رقم: 96)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (1/ 131)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (1/ 675 /رقم: 1195). من طريق: المسعودي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله به. وإسناده منقطع؛ القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من جده. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 199): "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون؛ إلا أن القاسم لم يسمع من جده". قلت: لكنه صحَّ بما قبله، والله أعلم. * * * - خروج النساء إلى المسجد: 3671،- عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما -، قال: "كانت امرأةٌ لعُمر تَشْهَدُ صلاةَ الصُّبْحِ والعشَاءِ في الجماعَةِ في المسجد، فقيل لها: لِمَ تَخْرُجِينَ وقد تَعْلَمِين أن عُمَرَ يَكْرَهُ ذلك ويَغَارُ؟ قالت: وما يمنعُهُ أن يَنْهَاني؟ قال: يمنعُهُ قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللهِ مَسَاجِدَ اللهِ".

بيان حال نساء زماننا من خروجهن من بيوتهن لغير حاجة، وخروجهن متعطرات متزينات

أخرجه البخاري (900). وانظر لزامًا "فتح الباري" (2/ 445 - 446). * * * 368 - عن أمّ المؤمنينَ عائشةَ - رضي الله عنها -، قالت: "لو أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - رأى ما أَحْدَثَ النِّسَاءُ لمَنَعَهُنَّ المسجِدَ؛ كما مُنِعَتْ نسَاءُ بني إسرائيلَ". أخرجه البخاري (869)، ومسلم (445)، وأحمد (6/ 91) أو رقم: (24714 - قرطبة)، وأبو داود (569) وغيرهم. من طريق: يحيى بن سعيد، عن عَمْرَة بنت عبد الرحمن، عن عائشة به. وفي آخره: قال يحيى: "فقلتُ لعَمْرَة: أَمُنِعَهُ نساءُ بني إسرائيل؟ قالت: نعم". فقه الأثر: فيه من الفقه: أن المرأة يجوز لها أن تخرج إلى المسجد للعبادة شرط أن تلتزمَ الضوابط الشرعية في خروجها؛ من لبس الثياب المحتشمة المأمورة بها شرعَا، وعدم التزين والتطيّب، وعدم الإختلاط بالرجال، وغير ذلك من الأمور المقررة في شرعنا المطهَّر. أمَّا ما يحدث في مجتمعاتنا اليوم من خروج النساء بزينتهنَّ وعطرهنَّ! ومخالطة الرجال ومزاحمتهم؛ فهذا مما منعه الشرع وحرَّمه. إذِ العبرة من خروج المرأة إلى المسجد هي: العبادة، والتعلم ... وبالأحرى نقول: مرضاةُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ-. فلمَّا تخرج المرأة بالصورة التي ذكرناها تكون قد نالت سَخَط اللهِ، ومرضاةُ اللهِ لا تنالُ بسَخَطهِ. وقد وردت الأحاديثُ والآثارُ الكثيرة في التشديد على خروج المرأة من بيتها لغير حاجة، حتى إلى المسجد، بل من العلماء من خصَّ جواز خروجها إلى المسجد بصلاتي الصبح والعتمة (العشاء)؛ لورود الأدلة بذلك؛ لذا بوَّب الإمام

البخاري -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- فقال: (بابُ خروج النساء إلى المسجد بالليل والغلس). وقال أيضًا: (باب سرعة انصراف النساء من الصبح وقلة مقامهن في المسجد). قالت عائشة - رضي الله عنها -: "كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يصلي الصُّبْحَ بغلس، فينصرفْنَ نساءُ المؤمنين؛ لا يُعْرَفْنَ من الغَلَسِ، أو لا يعرف بعضهن بعضًا". متفق عليه. هكذا كان حال النساء المؤمنات الأوائل. أما عن حال نساءِ المسلمين اليوم؛ فحدِّث ولا حرج! خروج إلى الأسواق بالليل والنهار، لحاجة ولغير حاجة. عطور فوَّاحة، مزاحمة للرجال، واختلاط فاحش، حِشْمَةٌ مَعْدومَةٌ، سفور ظاهر، عُريٌّ خليع فاضح!!. هذا؛ عدا الإختلاط في الحفلات والأعراس، وما يحدث هناك من الرقص والفجور والخَنَا. هذا؛ وارتقى الحال بجنود إبليس إلى أن خرجت النساء إلى دور الأزياء فتعرّيْنَ من كل حشمة وحياء، وأظهرنَ أجسادهن عاريات! فكَثُرَ الفُحش والخبَثُ، وانعدم الحياء والغيرة؛ إلا من رحم الله، والله المستعان على تردّي أحوال المسلمين. فيا أيتها المسلمة! أين حجابك؛ فاحفظيه، وأين بيتك؛ فالزميه، وأين حياؤك؛ فلا تخدشيه. ويا عقلاء! يا أهل الغيرة! احفظوا بناتكم ونساءكم من هذا التردِّي والإنحطاط، وارجوا اليوم الآخر، وارجعوا إلى ربكم العزيز الجبَّار، وخافوه إنه شديد العقاب. اللهم يا ربّ؛ هوِّن وارحم واعصِم، وأنت أرحم الراحمين.

نكاح الجاهلية، وصوره

- كيف كان النكاحُ في الجاهلية؟: 369 - عن أُمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "إنَّ النكاحَ في الجاهِليةِ كان على أربعةِ أنحاء: فنكاحٌ منها؛ نكاحُ الناسِ اليوم؛ يخطِبُ الرجلُ إلى الرجلِ وليته -أو ابنته- فيصدقُها، ثم ينكحُها. ونكاحٌ آخر؛ كان الرجلُ يقولُ لامرأتِهِ إذا طهرتْ من طمثها: أَرْسِلي إلى فلان، فاسْتَبْضِعي منه، ويَعْتَزِلُها زوجُها، ولا يمسها أَبَدًا حتى يتبينَ حَمْلُها من ذلك الرجل الذي تَسْتَبْضِعُ منه، فإذا تبيَّنَ حملُها أصابَهَا زوجُها إذا أَحَبَّ؛ وإنما يفعلُ ذلك رغبة في نجابَةِ الولد، فكان هذا النكاح نكاح الإسْتِبْضَاع. ونكاحٌ آخر؛ يجتمعُ الرَّهطُ ما دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يُصيبُها، فإذا حملَتْ ووضَعَتْ ومرَّ ليالِ بعدَ أن تضَعَ حَمْلَها أرْسَلَتْ إليهم، فلم يستطعْ رجلٌ منهم أن يمتنِعَ، حتى يجتمعوا عندها، تقولُ لهم: قد عرفتُم الذي كان من أمركم، وقد ولدتُ، فهو ابنك يا فلان؛ تُسمِّي من أحبَّتْ باسمه، فيلحق به ولدها؛ لا يستطيع أن يمتنعَ منه الرجلُ. ونكاحٌ رابع؛ يجتمعُ الناسُ الكثير، فيدخلونَ على المرأة؛ لا تمنع من جاءَها -وهُنَّ البغايا- كُن ينصِبْنَ على أبوابِهِنَّ راياتِ تكون عَلَمًا، فمن أرادَهُنَّ دخَلَ عليهنَّ، فإذا حملَتْ إحداهُنَّ ووضعتْ حملَها؛ جُمِعُوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدَهَا بالذي يَرَوْنَ، فالتاطته به، ودُعيَ ابنه؛ لا يمتنعُ من ذلك. فلما بُعِثَ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - بالحقِّ هدَمَ نكاحَ الجاهلية كلَّهُ؛ إلا نكاح الناسِ اليوم". أخرجه البخاري (5127)، وأبو داود (2272) من طريق: يونس بن يزيد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به.

التوسط في الحب والبغض

- التوسُّط في الحبّ والبغضِ: 370 - عن أَسْلَم العدوي، قال: قال لي عمر بن الخطاب: "يا أسلم؛ لا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا، ولا يكن بغضُكَ تَلَفًا". قلت: وكيف ذلك؟ قال: "إذا أَحْبَبْتَ فلا تَكْلَفْ كما يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بالشيءِ يُحِبُّهُ، وإذا أَبْغَضْتَ فلا تبغضْ بُغْضًا تُحِبُّ أن يَتْلَفَ صاحبُكَ ويَهْلَكَ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (11/ 181/ رقم:20269)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 1322)، وابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 223 - 224/ رقم: 484، 486 - مسند عمر)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 261/ رقم 6598 - العلمية) والبغوي في "شرح السُنَّة" (3/ 65/ رقم: 3581)، والخرائطي في "اعتلال القلوب" (رقم: 370) -مختصرًا- والخطابي في "العزلة" (ص 238). من طرق: عن زيد بن أسلم، عن أبيه به. قال الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي -رَحِمَهُ اللهُ- في رسالته "الجواب الذي انضبط عن لا تكن حُلْوًا فتُسترط" (ص 64): "ومعناه: إذا أحببتَ فلا تُفرط؛ فتكون مثل كَلَف النساء والصبيان، وإذا أبغضتَ فلا تفرط إفراطًا تود أن من تبغضه يتلفه" اهـ. تنبيه: استفدتُ تخريجَ الأثر من تخريج الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان -وفقه الله- في تحقيقه للرسالة المذكورة؛ فليُعْلَمْ. * * * 371 - وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: "أَحْبِبْ حَبيبَكَ هَوْنًا ما؛ عسى أن يكونَ بَغِيضَكَ يومًا ما، وأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا ما؛ عسى أن يكونَ حَبِيبَكَ يومًا ما". رُوِيَ موقوفًا ومرفوعًا.

أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 1321)، وابن أبي شيبة في الأوائل من "مصنفه" (14/ 102/ رقم: 17725 - الهندية). من طريق: مروان بن معاوية، ثنا محمد بن عُبيد الكِندي، عن أبيه، قال: سمعتُ عليًّا يقول لابن الكوَّاء: "هل تدري ما قال الأول "؟ ... ثم ذكره. وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد والمتابعات -على ضَعْفٍ فيه-. محمد بن عُبيد الكندي؛ أبو جابر الكوفي، روى عنه سفيان الثوري ومروان بن معاوية الفزاري. وذكره ابن حبان فى "الثقات"، وقال الحافظ فى "التقريب": "مقبول". وأبوه عُبيد الكندي؛ روى عنه ابنه محمد، وقال عنه الذهبي فى "ميزان الإعتدال" (5/ 32/ 5458 - العلمية): "لا يُعرف؛ تفرد عنه ولده محمد". وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "مقبول". وأخرجه عمر بن شبّة في "أخبار المدينة" (4/ 1266)، والبلاذري فى "أنساب الأشراف" (5/ 95). من طريق: عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أُنيسة، عن محمد بن عُبيد الأنصاري، عن أبيه به. [وتحرَّفت في مطبوعة "أخبار (تاريخ) المدينة" من "زيد بن أبي أُنيسة" إلى "زيد بن أبي أمية"! وعنده أيضًا: "محمد بن عبيد الله الأنصاري"]. وعبيد الله بن عمرو؛ هو الرَّقي، أبو وهب الأسدي، وهو ثقة. وزيد بن أبي أنيسة؛ ثقة أيضًا، وزاد الحافظ: "له أفراد". محمد بن عُبيد [أبو عبيد الله] الأنصاري، وأبوه؛ لم يتَبَيَّنَا لي، فلينظرا. وأخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 484)، وابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 222/ رقم: 482)، وفي مسند علي بن أبي طالب - (ص 285/ رقم: 441)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (9/ 720 و 13/ 142 - ط. المجمع العلمي بدمشق)، وعبد الله بن أحمد في "السنَّة" (2/ 588 /رقم: 1394).

من طريق: شهاب بن خراش، ثني الحجاج بن دينار، عن أبي معشر، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة بن قيس، عن علي بن أبي طالب به؛ مطوَّلاً. وهذا إسناد ضعيف. شهاب بن خراش؛ حسن الحديث إن شاء الله. والحجاج بن دينار؛ هو الواسطي، ثقة. وأبو معشر؛ هو نجيح بن عبد الرحمن المدني، وهو ضعيف. وأخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ 222/ رقم: 480) و (ص 284/ رقم:440 - مسند علي) والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 260/ رقم: 6593). من طريق: عطاء بن السائب، عن أبي البختري، عن علي به. وعطاء بن السائب مختلط، وهو منقطع بين أبي البختري وعلي - رضي الله عنه -. وأخرجه ابن جرير في "تهذيب الآثار" (1/ 221 - 222/ رقم: 478) و (ص 284/ رقم: 438 - مسند علي)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 260/ 6594). من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هبيرة [بن يريم]، عن علي به. وهذا إسناد لا بأس به. وتابعَ إسرائيلَ سعيدُ بن أبي عروبة عند مسدد في "مسنده" -كما في "المطالب العالية" (رقم: 763)، و"إتحاف الخيرة المهرة" (6/ 106/ رقم: 5430 - الوطن). وقال البوصيري: "هذا حديث موقوف؛ إسناده حسن، هبيرة مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات". وأخرجه ابن جرير في "تهذيب الآثار" (ص 184/ رقم: 439 - مسند علي)، و (1/ 222 / رقم: 479، 481 - مسند عمر). من طريق: شعبة، عن عقيل بن طلحة، قال: سمعتُ مولى لقريظة بن كعب، قال: سمعتُ عليًّا يخطب ... فذكره.

حديث: "أحبب حبيبك هونا ما ... " الصواب فيه الوقف، وروايته المرفوعة لا تصح

وأخرجه ابن جرير (ص 285/ رقم: 441) من طريق: عباد بن يعقوب الأسدي، ثنا عبد الله بن بكير وبشر بن عمارة، عن محمد بن سوقة، عن العلاء بن عبد الرحمن، قال: حدثني شيخ أن عليًّا قال لرجل ... فذكره. وإسناده ضعيف. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 260/ رقم: 6595) من طريق: محمد بن عيسى بن السكن، ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا حماد، عن أيوب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن علي به. وقد اختُلِفَ في هذا الإسناد كما سيأتي. هذه الطرق التي وقفتُ عليها من الروايات الموقوفة على عليّ- رضي الله عنه- في هذا الأثر، وبمجموعها يكون الأثر حسنَا عن علي - عليه السلام -موقوفًا. وقد رُوي مرفوعًا؛ ولا يصح، وإليك البيان: فقد أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (5/ 260 - 261/ رقم: 6596، 6597)، وابن جرير في "تهذيب الآثار" -مسند علي- (ص 183/ رقم: 438)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (113)، وتمام في "الفوائد" (1541، 1542)، والخرائطي في "اعتلال القلوب" (رقم: 371). من طريق: الحسن بن أبي جعفر، عن أيوب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن علي به مرفوعًا. قال ابن حبان في "المجروحين" (1/ 347 - 348): "وهو خطأ فاحش". قلت: وسببه أن حماد بن سلمة رواه عن أيوب، عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا كما سيأتي. كما رواه حماد عن أيوب، عن حميد بن عبد الرحمن، عن علي موقوفًا، كما تقدم عند البيهقي في "الشعب". ورواه عن أيوب هارون بن إبراهيم الأهوازي، عن ابن سيرين، عن حميد بن عبد الرحمن، عن علي؛ مرفوعًا.

كما في "الفوائد" لتمام الرازي (1539، 1540)، و"الأمثال" لأبي الشيخ (112). وقال البيهقي في "السنن الكبير" (5/ 261): "والمحفوظ الموقوف". وانظر "العلل" للد ارقطني (4/ 33 - 34/ رقم: 419). وقال ابن عساكر في "تاريخ دمشق " (45/ 5): "والصحيح أنه موقوف على علي". أما حديث أبي هريرة المشار إليه آنفًا؛ فقد أخرجه الترمذي (1997)، وابن جرير فىِ "تهذيب الآثار" (1/ 223/ رقم: 483)، وتمام الرازي في "الفوائد" (1544، 1545)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 712 - الفكر)، وابن حبان في "المجروحين" (1/ 347)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (114)، والبيهقي في "الشعب" (5/ 260/ رقم: 6596). من طريق: سويد بن عمرو الكلبي، عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -أراه رفعه-. قال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه، وقد رُوي هذا الحديث عن أيوب بإسناد غير هذا؛ رواه الحسن بن أبي جعفر -وهو حديث ضعيف أيضا- بإسناد له عن علي، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، والصحيح عن علي موقوفٌ من قوله". وأعلَّه ابن حبان بسويد بن عمرو. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "غاية المرام" (ص 216/ رقم: 472): "إسناد حديث أبي هريرة عندي جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ليس فيهم من ينظر في حاله سوى سويد بن عمرو الكلبي، وقد قال النسائي وابن معين: "ثقة". وقال العجلي: "ثقة ثبت في الحديث، وكان رجلاً صالحًا متعبدًا". ولم يتكلم فيه غير ابن حبان كما رأيت، فلا يلتفت إليه؛ لا سيما وهو من رجال مسلم، فاتفاق الجماعة على توثيقه مما يوهن كلام ابن حبان فيه، ولقد أحسن الذهبي حين قال في "الميزان": "وأما ابن حبان؛ فأسرف واجترأ، فقال: كان يقلب الأسانيد .. " ثم نسي الذهبيُّ هذا فأورده في "الضعفاء" من أجل كلام

ابن حبان هذا؛ وقال الحافظ في "التقريب": "أفحش ابنُ حبان القول فيه، ولم يأتِ بدليل". ولذلك لم يعرج الخزرجي عليه، فلم يذكر في المترجم غير توثيق الأئمة الثلاثة الذين ذكرناهم، وهذا هو الصواب إن شاء الله تعالى؛ فالإسناد صحيح، واستغراب الترمذي لا وجه له. ولذلك قال المناوي: "وقد استدرك الحافظ العراقي على الترمذي دعواه غرابته وضعفه، فقال: قلتُ: رجاله رجال مسلم، لكن الراوي تردَّدَ في رفعه، انتهى. والمصنف (يعني السيوطي) رمز لحسنه". والتردد الذي ذكره في رفعه لم أره في شيء من طرقه عن أبي هريرة، ثم بدا لي أنه يشير إلى قوله: "أراه رفعه". والله أعلم. وقد وجدتُ له طريقًا آخر عن ابن سيرين يرويه الحسن بن دينار عنه به. أخرجه تمام [في الفوائد، رقم: 1543]، وأبو الحسن الحربي في "الفوائد المنتقاة" (2/ 153/ 1)، وابن عدي في "الكامل" (ق 84/ 2) [2/ 711 - الفكر] والخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 427). لكن ابن دينار هذا متروك فلا يستشهد به. فالإعتماد على الطريق الأولى". انتهى كلام الشيخ الألباني. قلت: وكلام الشيخ في إسناد رواية أبي هريرة حق؛ لولا الإختلاف الذي في السند كما تقدم، ومثل هذا الإسناد يُعَلُّ ولا يصحَّح، وهذا ما ذهب إليه جمع من الحفاظ والمحدثين: كالترمذي، والدارقطني، والبيهقي، والبغوي، وابن عساكر، والذهبي، وغيرهم. وأخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 357/ رقم: 3395) و (6/ 200 - / 201 رقم: 6185 - الحرمين) أو (4/ 234/ رقم: 3419) و (7/ 105 - 106/ 6181 - الطحان). من طريق: أحمد بن محمد بن ماهان بن أبي حنيفة، قال: ثنا أبي، عن عبَّادِ بن كثير، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة به مرفوعًا. وهذا إسناد ضعيف. محمد بن ماهان بن أبي حنيفة؛ مجهول، كما قال أبو حاتم. وكذا أبوه.

وعباد بن كثير ضعيف. ورُوي من حديث عبد الله بن عمر مرفوعًا. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" -كما في "مجمع الزوائد" (8/ 88) - وفي "المعجم الأوسط" (رقم: 5119 - الحرمين) أو (رقم: 5115 - الطحان) وتمام في "الفوائد" (رقم: 1546)، وابن حبان في "المجروحين" (2/ 152)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (رقم: 739)، والقزويني في "التدوين في تاريخ قزوين" (3/ 18 - 19). من طريق: أبي الصلّت عبد السلام بن صالح الهروي، نا عباد بن العوام، عن جميل بن زيد، عن ابن عمر به مرفوعًا. وهذا إسناد ضعيف جدًّا. أبو الصلت الهروي؛ صدوق له مناكير. وجميل بن زيد الطائي الكوفي؛ ضعيف جدًّا، ثم هو لم يسمع من ابن عمر. وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص؛ فأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" -كما في "مجمع الزوائد" (8/ 91) - وفي "الأوسط" (رقم: 5120 - الحرمين). من طريق: محمد بن هشام المستملي، نا محمد بن كثير الفهري، نا ابن لهيعة، عن أبي قبيل، عن عبد الله بن عمرو به مرفوعًا. وهذا إسناد ضعيف جدًا. محمد بن كثير الفهري: ضعيف جدًّا؛ بل متروك. وأبو قبيل: صدوق يهم. وابن لهيعة الكلام فيه مشهور معروف. فالحديث لا يصح مرفوعًا، والصواب أنه موقوفٌ على عليّ - رضي الله عنه، كما حكم بذلك جمع من الحفاظ كما تقدم، والله أعلم.

إثبات صفة الإستواء لله عز وجل

- إثباتُ صِفَة الإستواء لله تعالى: 372 - جاء رجلٌ إلى الإمام مالك بن أنس -رَحِمَهُ اللهُ- فقال: يا أبا عبد الله؛ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}؛ حيف استوى؛! فَأطْرَقَ مالكْ وأخذتْهُ الرُّحضَاء، ثم رفع رأسه، فقال: "الإستواءُ غير مَجْهُولِ، والكَيْفُ غير معقول، والإيمانُ به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراكَ إلا مُبْتَدِعًا". فَأمَرَ به أن يُخْرَجَ. صحيح. ورواه عن مالك كل من: 1 - جعفر بن عبد الله: أخرجه: عثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (رقم: 104)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (6/ 325 - 326)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 664)، وإسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني في "عقيدة السلف وأصحاب الحديث" (رقم: 25، 26 - ط. البدر) أو (ص 181 - 184 - ط. العاصمة). من طرق؛ عن مهدي بن جعفر، عن جعفر بن عبد الله به. وعند الدارمي -قال: "ثنا مهدي بن جعفر، ثنا جعفر بن عبد الله- وكان من أهل الحديث -ثقة- عن رجل قد سمَّاه لي، جاء رجل إلى مالك .. " فذكره. ولعلَّ هذا الاضطراب آتٍ من مهدي بن ميمون، والله أعلم. وأخرجه ابن عبد البرّ في "التمهيد" (7/ 151) من طريق: مهدي بن جعفر عن مالك به، ولم يذكر واسطة. 2 - يحيى بن يحيى التميمي: أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 305 - 306/ رقم: 867 - الحاشدي)، وفي "الإعتقاد" (ص 119 - ط. أبي العينين). من طريق: عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان، ثنا أبو جعفر أحمد بن زيرك اليزدي، قال: سمعتُ محمد بن عمرو بن النضر النيسابوري يقول: سمعتُ يحيى بن يحيى يقول: ... فذكره عن مالك.

3 - عبد الله بن وهب: أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 304 - 305/ رقم: 866) من طريق: أحمد بن محمد بن إسماعيل بن مهران، ثنا أبي، حدثنا أبو الربيع - ابن أخي رشدين بن سعد-، قال: سمعتُ عبدَ الله بن وهب يقول: ... فذكره. وصحَّح إسناده الحافظ الذهبي في "كتاب العرش" (2/ 181/ رقم: 156 - ط. أضواء السلف)، وجوَّد إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح" (13/ 406 - 407). 4 - جعفر بن ميمون: أخرجه الصابوني في "عقيدة السلف" (رقم: 24 - ط. البدر) أو (ص 180 - 181 ط. العاصمة). من طريق: أبي الحسن بن أبي إسحاق المزكى بن المزكى، ثنا أحمد بن الخضر أبو الحسن الشافعي، ثنا شاذان، ثنا ابن مخلد بن يزيد القُهستاني، ثنا جعفر بن ميمون به. هذا ما وقفتُ عليه من الأسانيد إلى الإمام مالك في هذا الأثر، وهو صحيحٌ عنه، صححه جمع من الحفَّاظ، وتلقَّوه عنه بالقبول. ورُوِيَ عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ انظر الأثر القادم. تنبيه: هذا الأثر ليس على شرطي في الكتاب، ولكن أوردته هنا لأهميته، فليُعْلَمْ. * * * 373 - عن سفيان بن عُيينة، قال: سُئِلَ ربيعةُ عن قول الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5)}؛ كيف استوى؟! قال: "الإستواءُ غير مجهول، والكيفُ غير معقول، ومِنَ اللهِ الرسَالةُ، وعلى الرسولِ البلاغ، وعلينَا التَّصْدِيقُ". صحيح. أخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 665) وعنه ابن قدامة في "العلو" (رقم: 90).

من طريق: أبي بكر أحمد بن محمود بن يحيئ النهاوندي، ثنا أحمد بن محمد بن صدقة، ثنا أحمد بن محمد، عن يحيى بن سعيد القطان، عن يحيى بن آدم، عن ابن عُيَيْنَةَ به. وأبو بكر النهاوندي هذا ضعيف. وتابعه أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار النحوي عند ابن بطة في "الإبانة" - الكتاب الثالث، الرد على الجهمية- (ج 3/ ص 163 - 164/ رقم: 121). وأخرجه العجلي في "تاريخه" (ص 358/ رقم: 466)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (2/ 306/ رقم: 868)، والذهبي في "العلو" (2/ 911/ رقم: 322 - دار الوطن). من طرق أخرى. وصححه الألباني في "مختصر العلو" (ص 132/ رقم: 111). * * * 347 - وعن مالكٍ، قال: "اللهُ تعالى في السماء، وعلمه في كل مكانٍ؛ لا يخلو منه شيء". حسن. أخرجه أبو داود في "مسائل الإمام أحمد" (ص 263)، وعبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (1/ 106 - 107، 280/ رقم: 11، 532)، والآجري في "الشريعة" (3/ 1076 - 1077/ رقم: 652 - 653 - الوطن) أو (2/ 67 - 68/ رقم: 695 - الوليد سيف النصر)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 673)، وابن منده في "التوحيد" (3/ 307/ رقم: 893)، وابن بطة في "الإبانة" -الرد على الجهمية- (3/ 163 / رقم: 110)، وابن عبد البر في "التمهيد" (7/ 138). من طرق؛ عن عبد الله بن نافع، عن مالك به. وصححه الألباني في "مختصر العلو" (ص 140). تنبيه: هذا الأثر خارج عن شرطي في الكتاب.

الصلاة على ولد الزنا إذا مات

- الصلاة على ولد الزنا إذا مات: 365 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: ثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، قال ابن شهاب: "يُصَلَّى على كلِّ مولودٍ متوفَّى، وإن كان لِغَيَّةٍ - من أَجْلِ أنه وُلِدَ على فِطْرَةِ الإسلام؛ يدَّعي أبواه الإسلام، أو أبوه خاصة، وإن كانت أمُّهُ على غير الإسلام- إذا اسْتَهَلَّ صَارِخًا صُلِّيَ عليه، ولا يُصَلَّى على من لا يستهِلُّ؛ من أَجْلِ أنَّهُ سِقْطٌ. فإن أبا هريرة - رضي الله عنه - كان يُحدِّثُ: قال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولودٍ إلا يولَدُ على الفِطْرَةِ، فأبواه يهوّدانه، أو ينضرانه، أو يُمَجِّسَانِهِ، كما تُنتجُ البهيمةُ بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"؟ ثم يقول أبو هريرة: {فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30] ". أخرجه البخاري (1358). وهذا الخبر مما هو على شرطنا في هذا الكتاب -وإن كان ورد في سياقه حديث مرفوع- ففيه أثر موقوف من كلام ابن شهاب. فقه الأثر: قوله: "لِغيَّة": أي: من زنًى. وفيه من الفقه: جواز الصلاة على ابن الزنى، وأنه يُحْكَمُ له بالأصل تبعًا لوالديه، أو أحدهما، لأن الأصل فيه أنه يولد على الفطرة. وفيه أن الطفلَ يُصَلَّى عليه إذا استهلَّ؛ خلافًا لمن ذهب إلى أنه لا يصلَّى عليه إلا إذا بلغ!. * * * - الإقعاء بين السجدتين: 376 - قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا أحمد بن النضمر العسكري، حدثني عبد الرحمن بن عبيد الله الحلبي؛ نا سفيان بن عيينة، عن عبد الكريم، عن طاوس، عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: "من السُّنَّةِ في الصَّلاَةِ أن تضَعَ إِلْيَتَيْكَ على عَقِبَيْكَ بَيْنَ السَّجْدَتَينِ".

صحيح. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 11015). قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "السلسلة الصحيحة" (1/ 734/ رقم: 383): "قلتُ: وهذا إسناد صحيح - إن كان عبد الكريم هذا هو ابن مالك الجزري الحراني، وأما إن كان هو ابن أبي المخارق المعلم البصري؛ فهو ضعيف-، وليس بين يدي ما يرجح أحد الإحتمالين على الآخر؛ فإن كلًّا منهما روى عن طاوس، وروى عن كل منهما ابن عيينة". قلتُ: والراجح هو الثاني -أي: ابن أبي المخارق-، ذلك أنه في "معجم الطبراني" قبل هذه الرواية وبعدها صُرَّح باسمه، والله أعلم. ثم قال الشيخ الألباني: "بيد أن الحديث صحيح على كل حال؛ فقد رواه ابن عيينة أيضا عن إبراهيم بن ميسرة عن طاوس به نحوه. أخرجه الطبراني-[(11/ رقم: 11015)]-: حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن ابن عيينة، وهو في "مصنف عبد الرزاق" (2/ 191/ 3033). قلت: وهذا إسناد جيد. وأخرج (3/ 105/ 2) بهذا الإسناد عن ابن جريج؛ أخبرني أبو الزبير؛ أنه سمع طاوسًا يقول: "قلت لابن عباس في الإقعاء على القدمين؟ قال: هي السنة. قلت: إنا لنراه جفاء بالرجل! قال: هي سُنَّة نبيك". وقد أخرجه مسلم وأبو عوانة في "صحيحيهما"، والبيهقي (2/ 119) من طريق أخرى عن ابن جريج به. وهذا سند صحيح؛ صرَّح فيه كل من ابن جريج وأبي الزبير بالتحديث. وله طريق أخرى عن ابن عباس يرويه ابن إسحاق، قال: حدَّثَني عن انتصاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على عقبيه وصدور قدميه بين السجدتين إذا صلَّى - عبد الله بن أبي نجيح المكي، عن مجاهد بن جبر أبي

تفسير قوله تعالى: {الذين هم عن صلاتهم ساهون (5)}

الحجاج، قال: سمعتُ عبدَ الله بن عباس يذكره. قال: فقلت له: يا أبا العباس؛ والله إنْ كُنَّا لنعدُّ هذا جفاءً ممَّن صنعه! قال: فقال: "إنها سُنَّة". أخرجه البيهقي. قلت: وإسناده حسن، صرَّح فيه ابن إسحاق أيضًا بالتحديث. ثم روى بإسناد آخر صحيح عن أبي زهير معاوية بن خديج، قال: "رأيتُ طاوسًا يقعي، فقلتُ: رأيتُكَ تَقعي! قال: ما رأيتني أقعي؛ ولكنها الصلاة، رأيتُ العبادلة الثلاثة يفعلون ذلك- عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير - يفعلونه. قال أبو زهير: وقد رأيتُه يقعي". فقه الأثر: قلتُ -الألباني-: ففي الحديث وهذه الآثار دليل على شرعية الإقعاء المذكور، وأنه سُنَّة يتعبَّد بها، وليست للعذر كما زعم بعض المتعصّبة، وكيف يكون كذلك وهؤلاء العبادلة اتفقوا على الإتيان به في صلاتهم، وتبعهم طاوس التابعي الفقيه الجليل. وقال الإمام أحمد في "مسائل المروزي" (19): "وأهل مكة يفعلون ذلك". فكفى بها سلفًا لمن أراد أن يعمل بهذه السُّنَّة ويحييها. ولا منافاة بينها وبين السُّنَّة الأخرى- وهي الافتراش-، بل كلٌّ سُنَّة، فيفعل تارة هذه وتارة هذه؛ اقتداءً به - صلى الله عليه وسلم -، وحتى لا يضيع عليه شيء من هَدْيهِ عليه الصلاة والسلام". انتهى كلام الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-. * * * 377 - قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا أبو الربيع، حدثنا حماد، عن عاصم، عن مصعب بن سعد، قال: "قلتُ لأبي: يا أبتاه، أرأيت قولَه: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)}؛ أينا لا يسهو؟! أينا لا يُحَدّثُ نفسَهُ؟!. قال: "ليس ذاكَ؛ إنما هو إضاعةُ الوقت؛ يلهو حتى يضيعَ الوقتُ".

حسن. أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (2/ 63 - 64/ رقم: 704)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (30/ 251 - ط. الميمينة) أو (30/ 378 - ط. دار إحياء التراث)، والبيهقي في "السنن الكبير" (2/ 214). من طرق؛ عن عاصم به. وهذا إسناد حسن؛ لأجل الكلام المذكور في عاصم بن بهدلة. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 325): "رواه أبو يعلى، وإسناده حسن". وأخرجه الطبري (35/ 102)، والبيهقي (2/ 214) من طريق: خلف بن حوشب، عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد به. وقد اخْتُلِفَ في إسناده؛ فرُوِيَ مرفوعًا -ولكنه لا يصح-. أخرجه ابن جرير الطبري (30/ 201)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 140/ رقم: 822)، والبيهقي (2/ 214)، والبزار (رقم: 392 - كشف الأستار)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (2/ 377/ رقم: 2276 - الحرمين)، والدولابي في "الكنى والأسماء" (2/ 827/ رقم: 1445 - ط. ابن حزم)، والعقيلي في "الضعفاء" (3/ 377 - قلعجي) أو (3/ 1078/ رقم: 1417 - ط. الصميعي) وابن أبي حاتم في "علل الحديث" (1/ 187/ رقم: 536). من طريق: عِكْرِمَة بن إبراهيم الأزدي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: "سألتُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قوله: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)}. قال: "هم الذين يؤخرون الصلاةَ عن وقتها". قال البزار: "ولا نعلمُ أحدًا أسنده إلا عكرمة؛ وهو لين الحديث. وقد رواه الثقات الحفاظ عن عبد الملك، عن مصعب، عن أبيه موقوفًا". وقال البيهقي: "وهذا الحديث إنما يصحُّ موقوفًا، وعكرمة بن إبراهيم قد ضعَّفه يحيى بن معين وغيره من أئمة الحديث". وقال الطبراني: "لم يرفع هذا الحديث عن عبد الملك بن عمير إلا عكرمة بن إبراهيم".

زهد سلمان الفارسي رضي الله عنه

وقال العقيلي: "عكرمة بن إبراهيم الأزدي الموصلي؛ عن عاصم وعبد الملك بن عمير، يخالف في حديثه، وفي حفظه اضطراب". وقال أبو زرعة: "هذا خطأ؛ والصحيح موقوف"، -كما في "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 188) -. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 325): "رواه أبو يعلى والبزار مرفوعًا، وموقوفًا، وفيه عكرمة بن إبراهيم؛ ضعفه ابن حبان وغيره". وقال (7/ 143): "رواه الطبراني في "الأوسط"؛ وفيه عكرمة بن إبراهيم، وهو ضعيف جدًا". وقال الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 371/ رقم: 576): "حسن موقوف". * * * - الزهد في الدنيا: 378 - قال الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني -المعروف بابن ماجه-: حدثنا الحسن بن أبي الربيع، ثنا عبد الرزاق، ثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، قال: "اشتكى سلمان -[الفارسي]- فعاده سعد-[بن أبي وقاص]-، فرآه يبكي، فقال له سعد: "ما يبكيكَ يا أخي؟! أليس قد صحِبْتَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ أليس، أليس ... ؟ قال سلمان: "ما أبكي واحدةً من اثنتين؛ ما أبكي ضنًّا للدنيا، ولا كراهيةً للآخرة، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَهِدَ إليَّ عَهْدًا، فما أَراني إلا قد تعدَّيتُ". قال: "وما عَهِدَ إليكَ"؟ قال: "عهِدَ إليَّ: أنه يكفي أحدَكم مثلُ زادِ الراكب؛ ولا أُراني إلا قد تعدَّيتُ".

وأمَّا أنتَ يا سعدُ؛ فاتَّقِ اللهَ عند حُكْمِكَ إذا حَكَمْتَ، وعند قَسْمِكَ إذا قسَمْتَ، وعند هَمِّكَ إذا همَمْتَ". قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهمًا؛ من نفقةٍ كانت عنده. صحيح. أخرجه ابن ماجه (4104) أو رقم (4179 - ط. المعارف بتحقيق الشيخ علي الحلبي)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (23/ 319 - ط. دار إحياء التراث العربي) من طريق: الحسن بن أبي الربيع الجرجاني به. قال الألباني في "الصحيحة" (4/ 295): "وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال مسلم؛ إلا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني؛ وهو ثقة .. ". وقال البوصيري في "مصباح الزجاجة": "هذا إسناد فيه مقال؛ جعفر بن سليمان الضبعي أخرج له مسلم في "صحيحه" عن ثابت، عن أنس عدَّة أحاديث، ووثقه ابن معين. قال ابن المديني: "هو ثقة عندنا، أكثر عن ثابت؛ وفيها أحاديث منكرة". وقال البخاري في "الضعفاء": "يخالف في بعض حديثه". وقال ابن حبان في "الثقات": "كان يبغض أبا بكر وعمر، وكان يحيى بن سعيد يستضعفه". وباقي رجال الإسناد ثقات؛ لكن لم ينفرد به جعفر بن سليمان، فقد روى هذا الحديث بتمامه محمد بن يحيى بن أبي عمر في "مسنده"، عن عبد الوهاب الثقفي، عن هشام، عن الحسن، عن سلمان، وسياقه أتم. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده"، عن معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن أشياخه، قال: دخل سعد بن أبي وقاص؛ فذكره، وسياقه أتم" اهـ. وأخرجه ابن أبي الدنيا في "كتاب المحتضرين" (رقم: 275) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (23/ 318 - 319) من طريق: أبي بكر بن أبي الدنيا، نا

أبو بكر محمد بن سهل التميمي، نا عبد الرزاق، نا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، قال: "دخل عبد الله بن مسعود وسعد على سلمان عند الموت ... " فذكره بنحو منه. ورواه بنحو منه الحسن البصري، وله عنه طرق كثيرة: فقد أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 438) أو رقم: (23824 - قرطبة) وفي "الزهد" (ص 28 - 29)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 306/ رقم: 10397 - العلمية)، وابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" (رقم: 94)، وفي "كتاب المحتضرين" (رقم: 174)، والدينوري في "المجالسة" (3/ 511 - 514/ رقم: 1124)، وابن السني في "القناعة" (رقم: 20)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (23/ 321 - 322 ط. دار إحياء التراث). من طريق: هشيم، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، قال: "لما احْتَضَرَ سلمانُ بكى ... " فذكره بنحو منه. والحسن البصري لم يدرك سلمان الفارسي. ورواه عن الحسن -كما تقدم- جمع، منهم: السري بن يحيى، ويزيد بن إبراهيم، وجرير بن حازم، وهشام بن حوشب، وفرات بن سليمان، وحفص البصري وغيرهم- بألفاظ متعددة، مختصرًا ومطولاً ... انظر: "الزهد" لوكيع (رقم: 67)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 195 - 197)، و"الزهد" لأبي حاتم الرازي (رقم: 19)، و"الزهد" لابن أبي عاصم (169)، و"المجالسة" (3/ 510/ رقم: 1123)، و"شعب الإيمان" للبيهقي (7/ 365 - 366/ رقم: 10598)، و"الزهد" لأبي داود (رقم: 34)، و"الزهد" لابن الأعرابي (رقم:100)، و"الزهد" لأحمد (2/ 16 - ط. النهضة)، و"الطبقات الكبير" لابن سعد (4/ 91)، و"الزهد" لابن المبارك (رقم: 966 - زوائد المروزي)، و"المصنف" لعبد الرزاق (1/ 313/ رقم: 25632)، و"القناعة" لابن السني (رقم: 19، 26)، و"الترغيب والترهيب" للأصبهاني (رقم: 1474)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (23/ 320، 322 - دار إحياء التراث).

وله طريق آخر عن سلمان: أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 220)، وهناد في "الزهد" (رقم: 566)، وأحمد في "الزهد" (رقم: 822 - دار الكتاب العربي)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (4/ 90 - 91)، وأحمد بن منيع -كما في "المطالب العالية" (رقم: 4014 - العاصمة) -، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (23/ 320 - ط. دار إحياء التراث العربي)، وابن الأعرابي في "الزهد" (رقم: 88)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 317)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 305/ رقم: 10395). من طريق: أبي معاوية [محمد بن خازم الضرير]، عن الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن أشياخه، قال: دخل سعد على سلمان ... فذكره. وإسناده ضعيف لجهالة أشياخ طلحة بن نافع. وأخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 195) من طريق: محمد بن عيسى الدامغاني، عن جرير، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر ... فذكره. وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (23/ 320، 321)، وابن الأعرابي في "الزهد" (رقم: 87)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 306/ رقم: 10396). من طريق: الأعمش، عن أبي سفيان، قال: دخل سعد على سلمان ... وذكره هكذا دون واسطة. ورواه عن الأعمش؛ زائدة بن قدامة، وجرير بن حازم. وأخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ رقم: 430 - مسند عبد الله بن عباس)، وابن أبي عاصم في "الزهد" (رقم: 169)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 305/ رقم: 10394)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 195)، وابن السنّي في "القناعة" (رقم: 23)، والأصبهاني في "الترغيب" (2/ 933/ رقم: 2282)، والدولابي في "الكنى" (1/ 78 - 79)، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/ رقم: 6160). من طرق؛ عن حماد بن سلمة، عن حميد الطويل، عن مورق العجلي: أن

سعد بن مالك وعبد الله بن مسعود دخلا على سلمان ... فذكره. وهو منقطع. وأخرجه ابن عساكر (23/ 323)، والمروزي في زوائد "الزهد" لابن المبارك (رقم: 967) من طريق: محمد بن أبي عدي، نا حميد الطويل، عن مورق العجلي، عن بعض أصحابه ممن أدرك سلمان قال: ... فذكره. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" (رقم: 169)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (4/ 91)، والطبراني في "المعجم الكبير" (6/ رقم: 6160)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (23/ 323)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 196)، والأصبهاني في "الترغيب" (2/ 933/ رقم: 2282)، وابن السني في "القناعة" (رقم: 24)، والبخاري في "التاريخ الأوسط" (1/ 166/ رقم: 239)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (رقم: 718). من طريق: حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، وعن حميد، عن مورق العجلي به. وبعضهم لم يذكر حميد ومورق. وأخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" (1/ رقم: 439 - مسند عبد الله بن عباس)، وابن حبان في "صحيحه" (2/ 481/ رقم: 706) - الإحسان، ط. مؤسسة الرسالة- والطبراني في "المعجم الكبير" (6/ رقم: 6182)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 197)، وابن السني في "القناعة" (رقم: 25)، وابن عساكر (23/ 320). من طريق: ابن وهب، عن أبي هانئ، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عامر بن عبد الله بن لحي: أن سلمان الخير حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع. قالوا: ما يجزعك يا أبا عبد الله! ... وإسناده حسن. وتحرف اسم عامر بن عبد الله في مطبوعة "تاريخ دمشق" -دار إحياء التراث- إلى عاصم! فليصحَّحْ. وانظر: "الصحيحة" (رقم: 1716).

من السنن المهجورة: سنة حل الأزرار

تنبيه: استفدتُ في تخريج الأثر السابق كثيرًا من تحقيق الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان على "المجالسة"، وتحقيق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي على "الزهد" للإمام وكيع بن الجراح. * * * - من السّنَنِ المهجورة: سُنَّهُ حلّ الأزرار: [وتحته أحاديث] (¬1) 379 - عن محمد بن علي بن الحسين-[الإمام الباقر]- قال: "دخلنا على جابر بن عبد الله، فسأل عن القوم، حتى انتهى إليَّ، فقلتُ: أنا محمد بن علي بن الحسين، فأهوى بيده إلى رأسي؛ فنزَعَ زرّي الأعلى، ثم نزَعَ زرّي الأسفل، ثم وضَعَ كفَّهُ -بين ثَدْيَيَّ- وأنا يومئذٍ غلامٌ شابٌ- فقال: "مرحبًا بِكَ يا ابن أخي؛ سَلْ عمَّا شِئْتَ". فسَألْتُهُ -وهو أعمى-، وحضر وقت الصلاة .. ". الحديث؛ وفيه ذِكْرُ جابر لحجَّةِ النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -. أخرجه مسلم (1218) من طريق: ابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 319 / 14752 - العلمية) وغيرهما. * * * 380 - وعن عمرو بن ميمون، قال: "ما أَخْطَأَني ابنُ مسعودٍ عَشِيَّةَ خميسٍ إلا أَتَيتُهُ فيه. قال: فما سمِعْتُهُ يقول بشئٍ قطُّ: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. فلما كان ذات عَشِيَّةٍ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ¬

_ (¬1) انظرها في "تذكير الطائفة المنصورة ببعض السنن المهجورة" لأبي معاذ محمود بن إمام بن منصور، نشر دار المآثر بالمدينة النبوية.

قال: فنكسَ. قال: فنظرْتُ إليه وهو قائم مُحَلَّلَةً أزرارُ قميصِهِ، قد اغْرَوْرَقَتْ عَينَاهُ، وانتفخَتْ أوداجُه - قال: أو دون ذلك، أو فوق ذلك، أو قريبًا من ذلك، أو شبيهًا بذلك". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 294 - 295/ رقم: 26213 - العلمية) وأحمد في "المسند" (1/ 452) أو رقم (4321 - شاكر) أو (7/ 343/ رقم: 4321 - الرسالة)، وابن ماجه (23)، والدارمي في "مسنده" -أو "سننه"- (1/ 325/ رقم: 278 - الداراني)، والشاشي في "مسنده" (رقم: 668)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8617)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 111). من طريق: ابن عون، حدثني مسلم بن البطين، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، عن عمرو بن ميمون به. وهذا إسناد صحيح؛ كما قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 48)، والشيخ المحدث أحمد محمد شاكر في تحقيقه على "المسند"، والشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه". وسقط من "المعجم الكبير" من السند: "عن أبيه". قال البوصيري: "وقد اختُلِفَ فيه على مسلم بن عمران البطين اختلافًا كثيرًا؛ فقيل: عنه عن أبي عمرو الشيباني. وقيل: عنه عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود. وقيل: عنه عن أبي عبد الرحمن السُّلمي. وقيل: عنه عن إبراهيم التيمي، عن عمرو بن ميمون. وقيل: عنه عن عمرو بن ميمون. كلهم؛ عن ابن مسعود. قال البيهقي في "المدخل": "ورواية ابن عون أكملها إسنادًا ومتنًا، وأحفظها، والله أعلم". ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن المسعودي: ثنا مسلم البطين، عن عمرو بن ميمون، قال: اختلفتُ إلى عبد الله سنة لا أسمعه يقول فيها: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ إلا أنه جرى ذات يوم حديث، فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛

مكوث أهل النار فيها، وحالهم فيها -أجارنا الله من عذابها-

فعلاه كرْب، وجعل العرق ينحدر عن جبينه، ثم قال: إما فوق ذلك، أو دون ذلك، أو قريبًا من ذلك" اهـ. قلتُ: وما أشار إليه الحافظ البوصيري؛ أخرجه: الطيالسي في "مسنده" (رقم: 326)، والشاشي في "مسنده" (667)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8612، 8615، 8616)، والرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (رقم: 734)، والحاكم (3/ 314). من طريق: مسلم بن البطين، عن عمرو بن ميمون به. غريب الأثر: قوله: "ما أخطأني" أي: ما فاتني لقاؤه. "اغرورقت": دمعت. وانظر باقي الآثار في الكتاب المشار إليه آنفًا "تذكير الطائفة المنصورة". وانظر رقم (415). 381 - عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه -، قال: "إنَّ أَهْلَ النَّارِ يدعونَ مالكًا، فلا يُجِيبُهم أربعينَ عامًا، ثم يقولُ: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ} [الزخرف: 77] ثم يَدْعُونَ ربَّهُم، لْيقولونَ: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107)} [المؤمنون: 107]،فلا يجيبُهم مثل الدنيا، ثم يقول: {اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون: 108]. ثم يَيْأَسُ القومُ؛ فما هو إلا الزَّفِيرُ والشهيقُ، تُشْبِهُ أصواتُهم أَصْوَات الحَمِيرِ، أوَّلُها شهيق، وآخرها زفير". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 152 - 153/ رقم: 15969 - الهندية) أو (7/ 72/ رقم: 34111 - العلمية)، ومن طريقه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (رقم: 168)، والبيهقي في "البعث والنشور" (648)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 395 و 4/ 598)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (8/

2509/ رقم: 14047)، ونعيم بن حماد في "زوائد الزهد" لابن المبارك (رقم: 319)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (15/ 254 - 255/ رقم: 4420)، وابن جرير في "تفسيره" (25/ 99)، والدينوري في "المجالسة" (5/ 420 - 421/ رقم: 2293). من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو به. [ووقع في طبعة دار الكتب العلمية! من "المصنف": "عن سعيد، عن ابن أبي عروبة"!!]. قال الحاكم -في الموضع الأول-: "هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه". وفي الموضع الثاني: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10/ 296): "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح". وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 393/ رقم: 5432 - ط. دار ابن كثير): "رواه الطبراني موقوفًا، ورواته محتجٌّ بهم في الصحيح. . .". وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 487/ رقم: 3691). 382 - عن ابن أبي مليكة، قال: جلسنا إلى عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- في الحِجْرِ، فقال: "ابكوا؛ فإن لم تَجدُوا بكاءً فتباكوا، لو تعلمونَ العِلْمَ لصَلَّى أحدُكم حتى ينكسِرَ ظَهْرُهُ، ولبَكَى حتى ينقطَعَ صَوْتُهُ". صحيح. أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/ 578 - 579) أو (5/ 42/ رقم: 8786 - ط الشيخ الوادعي بدار الحرمين). من طريق: الحسن بن محمد بن القباني، ثنا عمرو بن علي، ثنا يحيى بن سعيد، عن عثمان بن الأسود، حدثني ابن أبي مليكة به.

منقبة لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأنه أقرب الناس سمتا وهديا بالنبي

ووقع في مطبوعة "المستدرك" -الهندية-: "القيساني"! وصوّبه الشيخ مقبل الوادعي -رَحِمَهُ اللهُ-. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (رقم: 1007 - زوائد المروزي) من طريق: الفضل بن موسى، عن عثمان بن الأسود به. وأخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 20)، وأحمد في "الزهد" -كما في "الدر المنثور" (3/ 265) - وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 289). من طريق: عبد الجبار بن ورد ونافع بن عمر، عن ابن أبي مليكة به بنحو منه. وأخرجه هناد في "الزهد" (457) من طريق: أبي معاوية، عن حجاج، عن ابن أبي مليكة به. والأثر صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 301/ رقم: 3328). - مَنْقَبَةٌ لعبدِ اللهِ بن مسعود - رضي الله عنه -: 383 - قال الحافظ الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: سَألْنَا حذيفَةَ عن رجُلٍ قريبِ السَّمْتِ والهَدْي من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حتى نَأْخُذَ عنه؟ فقال: "مَا أَعْرِفُ أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا، وهَدْيًا، ودَلًّا بالنبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم - من ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ". أخرجه البخاري (3762). وأخرجه برقم (6097) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: قلتُ لأبي أسامة: حدّثكم الأعمش: سمعتُ شقيقًا قال: سمعتُ حذيفة يقول: "إن أشْبَهَ الناسِ دلًّا، وسَمْتًا، وهَدْيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لابْنُ أمّ عبد؛ من حين يخرجُ من بيته إلى أن يرجِعَ إليه، لا ندري ما يصنعُ في أهلِهِ إذا خلا".

وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 389، 395، 401، 402) أو رقم (33415، 23457، 2315، 23520 - قرطبة)، وفي "فضائل الصحابة" (رقم: 1541، 1544)، والترمذي (3815)، والنسائي في "الكبرى" (5/ 73/ رقم: 8265)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (3/ 54)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8487، 8488، 8489)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 540، 543)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (3/ 388)، والطيالسي في "مسنده" (رقم: 426) أو (2/ 151/ رقم: 2563 - منحة المعبود)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 126 - 127). من طرق؛ عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد به. وأخرجه أحمد في "المسند" (5/ 394) رقم (23448، 23449 - قرطبة)، وفي "فضائل الصحابة" (رقم: 1543)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (3/ 154)، والبزار (1/ 282)، والحاكم في "المستدرك" (3/ 315)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 126)، والطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 8480 - 8486). من طرق؛ عن شقيقٍ أبي وائل به. وقد وهم الحاكم بقوله: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". فقد أخرجه البخاري بنفس الإسناد كما تقدم. غريب الأثر: قوله: "دَلًّا"؛ أي: سيرة وحالاً وهيئة. 384 - وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: "لقد قدِمْتُ أنا وأخي من اليمن، وما نرَى حينًا إلَّا أنَّ عَبْدَ اللهِ بن مسعودٍ رجُلٌ من أَهْلِ بَيْتِ النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ لِمَا نرى من دخوله ودخولِ أَمِّهِ على النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه البخاري (3763، 4384)، ومسلم (4620)، وأحمد في "المسند" (4/ 401)، والطبراني في "الكبير" (9/ رقم: 8497) و (رقم: 8498) - بنحو منه- وكذا النسائي في "الكبرى" (5/ 72/ رقم: 8263)، والحاكم (3/ 314 - 315)، وغيرهم.

السنة أن يأكل الرجل قبل أن يخرج إلى صلاة عيد الفطر، ويوم النحر يخرج ثم يطعم بعدما يعود

من طرق؛ عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن أبي موسى به. وقد وهم الحاكم في استدراكه. 385 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، قال: "من السُّنَّةِ ألَّا تَخْرُجَ يَوْمَ الفِطْرِ حتَى تَطْعَمَ، ولا يوم النحْرِ حتَّى تَرْجِعَ". صحيح. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (1/ 143/ رقم: 451 - الحرمين) أو (1/ 280/ رقم: 454 - الطحان)، قال: حدثنا أحمد بن خُليد، قال: حدثنا إسحاق بن عبد الله التميمي الأذَني، قال: حدثنا إسماعيل ابن عُلية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس به. وحسَّن إسناده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 199). وتعقّبه الألباني في "الصحيحة" (7/ 8 (2)؛ فانظره لزامًا. وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 484/ 5583 - الهندية)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 11296)، والدارقطني في "السنن" (2/ 44)، والفريابي في "أحكام العيدين" (رقم: 4). من طريق: عبد الرحيم بن سليمان، عن حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: "إن من السُنَّة أن لا تخرجَ يوم الفطر حتى تطعمَ، وأن تُخْرِجَ صدقةَ الفطر قبل الصلاة". وإسناده فيه ضعف؛ لأجل حجاج بن أرطأة، لكن يشهد له ما قبله. وأخرجه ابن عبد البرّ في "الاستذكار" (7/ 40/ رقم: 9581 - قلعجي) أو (3/ 25 - مؤسسة النداء) من طريق: ابن أبي عمر، ثنا سفيان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: سمعتُ ابن عباس يقول: "لا يغدو أحدٌ يوم الفطر حتى يطعم". وأخرجه البزار في "مسنده" (1/ 312/ 651 - كشف الأستار) من طريق: إبراهيم بن هانئ، ثنا محمد بن عبد الواهب، عن أبي شهاب عبد ربه بن نافع -كوفي مشهور- عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح، عن ابن عباس، قال: "من السُّنَّة أن يطعم قبل أن يخرج؛ ولو بتمرة".

سبب نزول قول الله تعالى: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه}

قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (2/ 199): "وفي إسناد البزار من لم أعرفه". وتعقَّبه ابن حجر في "مختصره" (1/ 299/ رقم: 457)، فقال: "لا أدري من عنى بهذا! فكلُّهم ثقات معروفون، والإسناد متَّصل". وانظر لزامًا: "الصحيحة" للعلامة الألباني (7/ 80 - 84/ رقم: 3038). تنبيه: قول الصحابي: "من السُّنَّةِ كذا. . ." هو في حكم المرفوع. * * * 386 - عن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما - قال: "جَادَلَ المُشْرِكُونَ المسلمينَ؛ فقالوا: ما بالُ ما قَتَلَ اللهُ لا تأكلونَهُ، وما قَتَلْتُمْ أنتُم أكَلْتُمُوهُ، وأنتُم تَتَّبِعونَ أَمْرَ الله؟! فأنزلَ اللهُ: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ (121)} [الأنعام: 121] ". صحيح. أخرجه الطبري في "تفسيره" (8/ 13) أو (8/ 23 - ط. دار إحياء التراث العربي)، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/ 342/ رقم: 11171)، وفي "المجتبى" -"السنن الصغرى"- (7/ 237) أو رقم (4449 - المعرفة) وأبو جعفر النحاس فىِ "ناسخ القرآن" (ص 178)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 233). من طريق: سفيان، حدثني هارون بن أبي وكيع -[هو هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني]-، عن أبيه، عن ابن عباس به. وصحَّح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي. وقال الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (8/ 166 - غراس): "وهو كما قالا". وأخرجه أبو داود (2818)، وابن ماجه (3173)، والطبري (8/ 13) أو (8/ 23)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1380/ رقم: 7845)، والحاكم (4/ 113، 231)، والبيهقي في "السنن الكبير" (9/ 241). من طريق: إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: "إن

الشياطين ليوحون إلى أوليائهم، فيقولون: ما ذُبِحَ لله فلا تأكلوه، وما ذبحتم أنتم فكلوه. فأنزل الله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} ". [وسقط ذكر (عكرمة) من الطريق الأولى عند الحاكم!]. قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم". وسكت عنه الذهبي. وصحَّح إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح" (9/ 264). وقال الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (8/ 164/ رقم: 2509 - غراس): "قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم؛ لكن في رواية سماك -وهو ابن حرب- عن عكرمة ضعف، لكنه توبع كما سأبينه إن شاء الله تعالى". ثم ذكر -رَحِمَهُ اللهُ- هذه المتابعات؛ فانظرها هناك. وأخرجه ابن جرير الطبري (8/ 23) من طريق: عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس به نحوه. وإسناده ضعيف، لكنه يصح بما قبله. وقد أخرج أبو داود (3819)، والترمذي (3069)، والطبري في "تفسيره" (8/ 24)، والطبراني في "المعجم الكبير" (رقم: 12295)، والبيهقي (9/ 240). من طريق: عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "أتى أناس النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله؛ أنأكل ما نقتلُ ولا نأكلُ ما يقتلُ الله؟! فأنزل الله: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} الآية". وعطاء بن السائب كان قد اختلط، وانظر "صحيح أبي داود" (8/ 165 - 167). وفي لفظ أبي داود: "جاءت اليهود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. .". وهي لفظة منكرة. قال الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (2/ 231): "وفيه نظر من وجوه ثلاثة: أحدها: أن اليهود لا يرون إباحة الميتة حتى يجادلوا.

إكثار أبي هريرة من الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم

الثاني: أن الآية من (الأنعام) وهي مكيّة. الثالث: أن هذا الحديث رواه الترمذي عن محمد بن موسى الجرشي، عن زياد بن عبد الله البكائي، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ ورواه الترمذي بلفظ: "أتى ناس النبي - صلى الله عليه وسلم -. . .". * * * - إكثار أبي هريرة من الرواية عن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: 387 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: "إنَّ الناسَ يقولونَ: أكثَرَ أبو هريرة! ولولا آيتان في كتاب اللهِ ما حَدَّثْتُ حديثًا، ثم يتلو: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)} [البقرة: 159 - 160]. وإنَّ إخوانَنا من المهاجرينَ كان يَشْغَلُهُم الصَّفْقُ بالأسْوَاقِ، وإنَّ إخوانَنَا من الأنصار كان يَشْغَلُهم العملُ في أموالهم، وإنَّ أبا هريرة كان يلزمُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بشبع بَطْنِهِ، ويحضُرُ ما لا يحضرونَ، ويحفُظُ ما لا يحفظونَ". أخرجه البخاري (118، 2047، 2350، 7354)، ومسلم (2492)، وأحمد (2/ 240، 274)، والنسائي في "الكبرى" (3/ 438 - / 440 رقم: 5866 - 5868)، وابن ماجه (262)، وأبو خيثمة في "العلم" (96)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 378 - 379)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (5/ 230)، وغيرهم. * * * 388 - عن قتادة - في قوله تعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]. قال: "القرآنُ والسُّنَّةُ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 116)، وابن نصر المروزي في "السُّنَّة" (رقم: 430، 431، 432 - العاصمة) وابن جرير الطبري في

تفسير قوله تعالى: {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة}

"تفسيره" (22/ 9)، وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 91). من طرق؛ عن قتادة به. ورواه عن قتادة: معمر، وشيبان، وسعيد. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (5/ 199) لابن سعد وابن أبي حاتم وابن المنذر، إضافة لابن جرير وعبد الرزاق. وعند بعضهم قال: "السُّنَّة"، دون ذكر القرآن. * * * 389 - عن صفوان بن عبد الله بن صفوان، قال: لا استأذنَ سعدُ على ابن عامرٍ -وتحته مَرافق من حريرٍ-، فأمر بها فرُفِعتْ، فدخلَ عليه وعليه مِطْرَفُ خَزٍّ، فقال له: "اسْتَأْذَنتَ عليَّ وتحتي موافق من حريرٍ، فأموتُ بها فَرُفِعَتْ". فقال له: "نِعْمَ الرجل أنتَ يا ابنَ عامر؛ إن لم تكُنْ مِمَّنْ قالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} [الأحقاف: 20]، والله لأن أضطجع على جمرِ الغضا أحبُّ إليَّ من أن أضطجِعَ عليها". صحيح. أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 455) من طريق: علي بن حمشاذ العدل، ثنا بشر بن موسى، ثنا الحميدي، ثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار؛ سمع صفوان بن عبد الله بن صفوان يقول:. . . . فذكره. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي. وتعقبهما الألباني في "الصحيحة" (1/ 738) قائلاً: "إنما هو على شرط مسلم وحده؛ لأن صفوان بن عبد الله لم يخرج له البخاري في "الصحيح"، وإنما روى له في "الأدب المفرد". اهـ. وكذا تعقبهما الشيخ مقبل الوادعي في تعليقه على طبعة "المستدرك" (2/ 535/ رقم: 3754 - دار الحرمين)؛ فقال: "صفوان بن عبد الله ليس من رجال البخاري، فهو على شرط مسلم فحسب". وفات صاحب كتاب "تنبيه الواهم" تعقبهما.

كان ابن عباس يجعل الكبل في رجل عكرمة على تعليم القرآن والفقه

والأثر صححه الألباني أيضًا في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 467/ رقم: 2055 - المعارف). غريب الاثر: قوله: (مَرافق من حرير): المرافق -بفتح الميم- جمع (مِرْفقة): وهي شيء يتكأ عليه شبيه بالمخدة. (جمر الغضا). أي: الجمر المتولد من الخشب. 390 - عن عكرمة، قال: "كان ابنُ عباس يجعلُ الكَبْلَ في رِجْلي على تعليم القرآن والفقه". صحيح. علَّقه البخاري في "صحيحه" -44 - كتاب الخصومات، (7) - باب التوثق ممن تُخشى مَعَرَّتُه، قال: "وقيَّد ابنُ عباس عكرمة على تعليم القرآن والسُّنن والفرائض". ووصله البيهقي في "السنن الكبير" (6/ 209)، وفي "المدخل إلى السنن" (1/ 362/ رقم: 402)، والدارمي في "مسنده" -أو: سننه- (1/ 460/ رقم: 572 - الداراني)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (1/ 527) و (2/ 5)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (5/ 287)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 277/ رقم: 172 - ط. ابن الجوزي)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 326). من طريق: حماد- بن زيد، عن الزبير بن الخريت، عن عكرمة به. وإسناده صحيح. ورواه بعضهم يلفظ: ". . القرآن والسُّنَّة". والكبل: هو القيد يوضع في الرجل، أو ما يكبل (يقيد) به الإنسان. وفيه: جواز إجبار الرجل لمن له ولاية عليه على تعلم العلم والفقه.

كان ابن مسعود يتخول أصحابه بالموعظة مخافة السآمة عليهم

391 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، قال: كان عبدُ الله يُذكِّرُ الناسَ في كلِّ خميس، فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن، لوَدِدْتُ أنَّكَ ذكَّرْتَنَا كلَّ يوم. قال: "أما إنَّه يَمْنَعُني من ذلكَ أنّي أكْرَهُ أن أُمِلَّكُم، وإنّي أتخوَّلُكُم بالموعِظَة كما كان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يتخوَّلُنَا بها مَخَافَةَ السَّآمةِ علينا". أخرجه البخاري (70)، وأحمد في (المسند، (1/ 427، 465) أو رقم (4060، 4439 - شاكر)، وابن حبان (10/ 382 - 383/ رقم: 4524 - الرسالة)، وأبو يعلى في "مسنده" (9/ 68/ رقم: 5135). من طريق: جرير به. وأخرجه البخاري (6411)، ومسلم (2821). من طريق: الأعمش، عن شقيق (أبي وائل)، قال: "كنا جلوسًا عند باب عبد الله ننتظره، فمرَّ بنا يزيدُ بن معاوية النَّخعي، فقلنا: أَعْلِمْهُ بمكاننا. فدخل عليه، فلم يلبث أن خرج علينا عبدُ الله، فقال: إني أُخْبَرُ بمكانكم؛ فما يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهية أن أُمِلَكم، إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يتَخوَّلُنَا بالموعظة في الأيام، مخافة السَّآمة علينا".- واللفظ لمسلم-. وأخرجه أيضًا: "الحميدي في "مسنده" (1/ 60/ رقم: 107 - الأعظمي) أو (1/ 213 - / 214 ر قم: 107 - الداراني)، وأحمد في "المسند" (1/ 377، 378، 425، 440، 462) أو رقم: (3581، 3587، 4041، 4188، 4409 - شاكر) وأبو يعلى في "مسنده" (9/ 146 - 147/ رقم 5226). من طريق: الأعمش، عن شقيق به. وأخرجه مسلم (2821)، والطبواني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 10531). من طريق: الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن أبي وائل به.

وهذا من المزيد في متصل الأسانيد. وقال الدارقطني في "العلل" (5/ 129) عن طريق الأعمش، عن أبي وائل: "وهو الصحيح". وأفاد الحافظ في "الفتح" (1/ 152) أن الأعمش سمعه من أبي وائل بلا واسطة، وسمعه عنه بواسطة. وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (8/ 445/ رقم: 5042) من طريق: أبي عوانة، عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي وائل به. فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (1/ 196): "ويستفاد من الحديث: استحباب ترك المداومة في الجد في العمل الصالح خشية الملال، وإن كانت المواظبة مطلوبة؛ لكنها على قسمين: إما كل يوم مع عدم التكلّف. وإما يومًا بعد يوم؛ فيكون يوم الترك لأجل الراحة ليقبل على الثاني بنشاط. وإما يومًا في الجمعة، ويختلف باختلاف الأحوال والأشخاص. والضابط: الحاجة مع مراعاة وجود النشاط. واحتمل عمل ابن مسعود مع استدلاله أن يكون اقتدى بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى في اليوم الذي عيَّنَهُ، واحتمل أن يكون اقتدى بمجرد التخلل بين العمل والترك الذي عبَّر عنه بالتخوّل، والثاني أظهر. وأخذ بعض العلماء من حديث الباب: كراهة تشبيه غير الرواتب (¬1) بالرواتب؛ بالمواظبة عليها في وقت معين دائمًا، وجاء عن مالك ما يشبه ذلك" اهـ. * * * ¬

_ (¬1) أي: الفرائض والواجبات.

الاستحياء في العلم، ومدى حرص ابن عباس على العلم، وبيان أدبه وحيائه رضي الله عنه

- الإستحياء في العلم: 392 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "مَكَثْتُ سَنَةَ أُرِيدُ أنْ أَسْأَلَ عمرَ بن الخطَاب - رضي الله عنه - عن آيةٍ؛ فما أستطيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيبَةً له، حتى خرَجَ حَاجًّا؛ فخرجْتُ معه، فلما رجعتُ -وكنا ببعض الطريق-؛ عدَلَ إلى الأراك -لحاجةٍ له-، فوقفتُ له؛ حتى فرغَ، ثم سرتُ معه، فقلتُ له: يا أميرَ المؤمنين؛ من اللَّتَانِ تظَاهَرَتَا على النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - من أزواجه-؟ فقال: تلكَ حفصة وعائشة. فقلتُ: واللهِ إِنْ كُنْتُ لأريدُ أن أَسْأَلَكَ عن هذا منذ سنة؛ فما أستطيعُ هيبةً لك. فقال: فلا تَفْعَلْ؛ ما ظننتَ أن عندي من علم؛ فاسألني، فإن كان لي علم خبَّرتُكَ به". الحديث. أخرجه البخاري (4913). وله بقية؛ فانظرها هناك. وإنما اقتصرتُ على هذا القدر لما فيه من الفائدة: من أن الحياء والهيبة لا ينبغي أن تكونا حاجزًا دون تعلم العلم. وفيه أدب عبد الله بن عباس وحُسْن طلبه للعلم، مع الحرص عليه. * * * 393 - وعن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "نِعْمَ النساءُ نساءُ الأنصارِ؛ لم يكن يَمْنَعُهُنَّ الحياءُ أَن يَتَقَقهْنَ في الدِّينِ". علَّقه البخاري في "صحيحه" (1/ 276 - فتح) - 3 - كتاب العلم، (50) باب الحياء في العلم -مجزومًا به-. ووصله مسلم في "صحيحه" رقم: (61/ 332) في آخر حديث سؤال أسماء بنت يزيد الأنصارية لما سألت النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - عن غسل المحيض.

لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر

وأخرجه أبو داود (316)، وابن ماجه (642)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 180)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 374 - 375/ رقم: 525) وغيرهم. * * * 394 - وقال مجاهد -رَحِمَهُ اللهُ-: "لا يَتَعَلَّمُ العلمَ مُسْتَحْي ولا مُسْتَكْبِرٌ". صحيح. علَّقه البخاري في "صحيحه"- 3 - كتابَ العلم، (50) باب الحياء في العلم، -مجزومًا به-. ووصله أبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 287) من طريق: علي بن المديني، عن ابن عيينة، عن منصور، عن مجاهد به. وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري -كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 276) -. لكن وقع في مطبوعة "الحلية" (مسعر) بدل منصور، والله أعلم. وأخرجه أبو نعيم (3/ 287)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 301/ رقم: 1008)، والبيهقي في "المدخل" (410) عن مجاهد به. وأخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 300/ رقم: 1007) من طريق: سلم الخواص؛ أخبرني ابن عيينة، عن مجاهد به. هكذا دون واسطة. وأخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 459/ رقم: 570) قال: أخبرنا إبراهيم بن إسحاق، عن جرير، عن رجل، عن مجاهد به. * * * 395 - عن أُبيّ بن كعب - رضي الله عنه -، قال: "عليكم بالسَّبيل والسُّنَّة" فإنه ما على الأرض من عَبْدٍ على السَّبِيل والسُّنَّةِ ذَكَرَ اللهَ، ففاضَتْ عَيْنَاهُ من خَشْيَةِ رَبِّهِ؛ فيعذّبه اللهُ أبدًا. وما على الأرضِ من عَبْدٍ على السَّبِيلِ والسُّنَّةِ ذَكَرَ اللهَ في نفسِهِ فاقشعَرَّ جلدُه من خشيةِ اللهِ إلا كانَ مَثَلُهُ كَمَثَلِ شجرة قد يبسَ ورقُها،

فهي كذلكَ إذا أصابتها ريحٌ شديدة، فتحاتّ عنها ورقها؛ إلا حطَّ اللهُ عنه خطاياهُ، كما تحاتّ عن ذلك الشجرة ورقها. وإن اقتصادًا في سبيل وسُنَّةٍ خيرٌ من اجتهادٍ في خلافِ سبيل وسُنَّةٍ -، فانظروا أن يكون عملكم -إن كان اجتهادًا أو اقتصادًا- أن يكونَ على منهاج الأنبياء وسُنَّتِهِمْ". أخرجه عبد الله بن المبارك في "الزهد" -زوائد نعيم بن حماد- رقم (87)، ومن طريقه أبو نعيم في: "حلية الأولياء" (1/ 252 - 532)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (1/ 59 - 60/ رقم: 10)، وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 250)، والتيمي الأصبهاني في "الترغيب" (رقم: 469)، وابن الجوزي في "تلبيس إبليس" (ص 21 - ط. دار الخير)، وأبو داود في "الزهد" (رقم: 199)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد" (رقم: 1091 - ط. دار الكتاب العربي). من طرق؛ عن ابن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن أبي داود، عن أُبي بن كعب به. لكن وقع عند أبي نعيم في "الحلية" وابن الجوزي في "التلبيس": (عن أبي العالية) بدل (أبي داود)، وعند أحمد في "الزهد" (أبي قتادة). وحسَّن الشيخ علي الحلبي وفقه الله إسناد عبد الله بن أحمد في "المنتقى النفيس من تلبيس إبليس" (ص 33). - مع التنبيه أن الذي أخرجه عبد الله بن أحمد لا الإمام أحمد-. ورواية أبي العالية صحيحة عن أبي بن كعب. لكن أبا داود هذا لم يتبين لي من هو، والله أعلم. * * * 396 - قال الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري: حدثنا حجاج بن الشاعر، حدثنا الفضل بن دُكين، حدثنا أبو عاصم -يعني: محمد بن أبي أيوب- قال: حدثني يزيد الفقير، قال: كنت قد شَغَفَنِيَ رأيٌ من رَأْي الخوارِج، فخرجنا في

اتباع السبيل الصحيح والحذر مما يخالف منهج النبي صلى الله عليه وسلم وهديه

عِصَابةٍ ذوي عددٍ نريدُ أن نحجَّ، ثم نخرج على الناس. قال: فمررنا على المدينة؛ فإذا جابر بن عبد الله يُحدّثُ القومَ -جالسٌ إلى سارية- عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فإذا هو قد ذكر الجهنَّمِيين. قال: فقلتُ له: يا صاحبَ رسول الله! ما هذا الذي تحدّثون؟! والله يقول: {إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} [آل عمران: 192] و {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا} [السجدة: 20]، فما هذا الذي تقولون؟!. قال: فقال: "أَتَقْرَأُ القُرْآنَ"؟ قلتُ: نعم. قال: "فهل سَمِعْتَ بمقامِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - يعني الذي يبعثهُ الله فيه-"؟. قلت: نعم. قال: "فإنه مقامُ محمد - صلى الله عليه وسلم - المحمود، الذي يُخْرِجُ اللهُ به من يُخْرِج". قال: ثم نَعَتَ وَضْعَ الضراطِ ومرّ الناس عليه. قال: وأخافُ أن لا أكون أحفظُ ذلك. قال: غير أنه قد زعَمَ أن قومًا يخرجون من النار بعد أن يكونوا فيها. -قال: يعني: فيخرجون كأنهم عيدان السماسم-. قال: فيدخلون نهرًا من أنهار الجنة فيغتسلون فيه، فيخرجونَ كأنهم القراطيسُ. فرجعنا فقلنا: ويحكم أترونَ الشيخَ يكذِبُ على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فرجعنا، فلا واللهِ ما خرجَ منَّا غير رجلٍ واحد". أخرجه مسلم في "صحيحه" (191/ 320).

عظم حرمة المؤمن

فقه الأثر، وذكر ما يسْتَفَادُ منه (¬1): 1 - ضرورة لزوم منهج السلف في الفهم والإستدلال؛ فهؤلاء فهموا أن الإنسان إذا دخل النار، فإنه لا يخرج منها! وهذه شبهة تورث الفتنة، وفعلاً - لما حصلت في قلوبهم هذه الشبهة، ورأوا الناس على غير ما هم عليه- أرادوا أن يقاتلوا الناس وأن يخرجوا عليهم. 2 - أنه لا يكفي حسن القصد بغير منهج صحيح؛ فهؤلاء لمَّا تبيَّن لهم الحق رجعوا عن ذلك المنكر الذي أرادوا فعله. إذن؛ كانت نيتهم صادقة وحسنة، إلا أن هذا لا يعفيهم عند الله -عَزَّ وَجَلَّ-. 3 - ويستفاد منه: بيان فضل العلماء، وكيف أنهم يكونون أطباء للمرضى المبتلين بالشبهات. 4 - أن الرجوع إلى الحق من موانع الفتنة، فهؤلاء لما رجعوا إلى الحق صار هذا مانعًا لهم من أن يقعوا في الفتنة. * * * - عِظَمُ حُرْمَةِ المؤمن: 397 - عن نافع، قال: نظر ابن عمر يومًا إلى الكعبة، فقال: "ما أعظَمَكِ وأعظَمَ حرمتكِ؛ والمؤمن أعظم حُرْمَةَ عند اللهِ منكِ". حسن. أخرجه الترمذي (2032)، وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (13/ 75 - 76/ رقم: 5763 - الرسالة)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (13/ 104/ رقم: 3526). من طريق: الفضل بن موسى، ثنا الحسين بن واقد، عن أوفى بن دلهم، عن نافع، عن ابن عمر به. ¬

_ (¬1) ما تحت هذه الفقرة من الفقه والفوائد هو من كلام شيخنا العلّامة عبد الله بن صالح العُبيلان -حفظه الله تعالى-، نقلته من محاضرةٍ له بعنوان "الفتن"- الشريط الأول/ الوجه الأول - بتصرف.

لو قضي أن يكون بعد محمد - صلى الله عليه وسلم - نبي عاش ابنه،

وقبل هذا الجزء الموقوف -عندهم- روى ابن عمر حديثًا مرفوعًا: "يا معشر من أسلم بلسانه. .". وحسَّنه الألباني في "غاية المرام" (ص 197/ رقم: 435). * * * 398 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا ابن نمير، حدثنا محمد بن بشر، حدثنا إسماعيل: قلتُ لابن أبي أوفى: رأيتَ إبراهيم ابن النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال: "ماتَ صغيرًا، ولو قُضِيَ أن يكونَ بعد محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - نبيّ؛ عاش ابنُه، ولكن لا نبيَّ بعده". أخرجه البخاري (6194)، وأحمد في "المسند" (4/ 353) أو رقم (19164 - قرطبة)، وابن ماجه (1510). * * * 399 - وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: "رحمةُ اللهِ على إبراهيم (¬1)؛ لو عاشَ كان صدّيقًا نبيًّا". أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 133، 280 - 281) أو رقم (12380، 14023 - قرطبة). من طريق: أبي عوانة، عن إسماعيل السدي، عن أنس به. قال الشيخ الألباني في في "الضعيفة" (1/ 388 - المعارف): "بسند صحيح على شرط مسلم، ورواه ابن منده، وزاد: "ولكن لم يكن ليبقى؛ لأن نبيكم آخر الأنبياء" -كما في "الفتح" للحافظ ابن حجر (10/ 476) - وصححه" اهـ. * * * ¬

_ (¬1) المقصود به ابن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

تحريم غيبة المسلم

- تحريم غيبة المسلم: 400 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- حدثنا ابن نمير، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا إسماعيل، عن قيس، قال: كان عمرو بن العاص يسيرُ مع نَفَرٍ من أصحابه، فمرَّ على بغلٍ ميْتٍ قد انتفخَ، فقال: "واللهِ؛ لأن يأكُلَ أحدُكُم هذا حتى يَمْلأَ بَطْنَهُ؛ خيرٌ من أن يأكُلَ لحْمَ مُسْلمٍ". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 736)، ووكيع في "الزهد" (رقم: 433)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 387)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (رقم: 202)، وابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (رقم: 177، 187)، وفي "ذم الغيبة" (رقم: 38)، وهناد في "الزهد" (رقم: 1069)، وأبو الشيخ في "التوبيخ والتنبيه" (رقم: 208). من طريق: إسماعيل بن أبي خالد به. وإسناده صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 79/ رقم: 2738). * * * 401 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عمر بن حفص، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، حدثنا شقيق بن سلمة، قال: خطَبَنَا عبدُ الله، فقال: "واللهِ لقد أَخَذْتُ من فِيِّ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بضْعًا وسبعينَ سورة؛ واللهِ لقد عَلِمَ أصحابُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنّي من أعلَمِهَم بكتابِ اللهِ، وما أنا بخيرهم". أخرجه البخاري (5000). وأخرجه مسلم (2462) من طريق الأعمش به، ولفظه عنده: "عن عبد الله؛ أنه قال: {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، ثم قال: "على قراءة من تأمروني أن أقرأ؟ فلقد قرأتُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بضعًا وسبعين سورة، ولقد علم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني أعلمهم بكتاب اللهِ، ولو أعلم أن أحدًا أعلمُ مني لرحلتُ إليه". قال شقيق: "فجلستُ في حِلَقِ أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فما سمعتُ أحدًا يردُّ ذلك عليه، ولا يعيبُه".

ذم الخوارج

والزيادة الأخيرة عند البخاري أيضًا. فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9/ 51): "وفي الحديث جواز ذكر الإنسان نفسه بما فيه من الفضيلة بقدر الحاجة، ويحمل ما ورد من ذمّ ذلك على من وقع ذلك منه فخرًا وإعجابًا" اهـ. * * * - ذمُّ الخوارج: 402 - عن سعيد بن جُمهان، قال: أتيتُ عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوبُ البصر، فسلَّمْتُ عليه، قال لي: "من أنتَ"؟ فقلتُ: أنا سعيد بن جُمْهَان. قال: "فما فَعَل والدُكَ"؟ قال: قلتُ: قتَلَتْهُ الأزارقة. قال: "لعَنَ اللهُ الأزارقة؛ حدّثَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إنهم كلابُ النار". قال: قلت: الأزارقة وحدهم؛ أم الخوارج كلّها؟ قال: "بل الخوارج كلها". قال: قلت: فإن السلطان يظلم الناس، ويفعل بهم! قال: فتناول يدي، فغمزها بيده غمزة شديدة، ثم قال: "وَيْحَكَ يا ابنَ جُمهان! عليكَ بالسواد الأعظم، عليكَ بالسواد الأعظم؛ إن كان السلطان يسمعُ منكَ؛ فَأتِهِ في بيته فأخبره بما تعلم، فإن قبل منك؛ وإلَّا فَدَعْهُ، فإنك لسْتَ بأعلم منه". حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (4/ 382 - 383) أو رقم (19473 - قرطبة) وابن أبي عاصم في "السُّنَّة" (رقم: 905 - المكتب الإسلامي) أو (2/

الصلاة خلف الإمام المفتون

623/ رقم: 937 - الجوابرة)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (رقم: 822) والحاكم (3/ 571) - مختصرًا. من طريق: حشرج بن نباتة، عن سعيد بن جمهان به. قال الشيخ الألباني في "ظلال الجنة في تخريج السُّنَّة" (ص 424/ رقم: 906 - المكتب الإسلامي): "إسناده حسن، رجاله ثقات، وفي حشرج بن نباتة كلام من قبل حفظه، وفي "التقريب": "صدوق يهم". ونحوه سعيد بن جُمهان". قلتُ: وقد تابع حشرجَ عبدُ الوارث عند اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 2313) من طريق: قطن بن نُسير، عن عبد الوارث به. وقَطَن بن نُسير: ضعيف. لكن الأثر حسن بهذين الطريقين. * * * 403 - عن جرير بن حازم، قال: سمعتُ ابنَ سيرين ذكر رجلاً، فقال: "ذاك الأسود". ثم قال: "أستغفر الله؛ أخافُ أن أكون قد اغتبتُه". صحيح. أخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 434)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (رقم: 213 و 753)، وهناد في "الزهد" (رقم: 1191)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 268). من طرق؛ عن جرير به. * * * - الصلاة خلف الإمام المفتون: 404 - قال أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: قال لنا محمد بن يوِسف: حدَّثنا الأوزاعيُّ، حدثنا الزهري، عن حُميد بن عبد الرحمن، عن عُبيد الله بن عَدِيِّ بن خيار؛ أنه دخل على عثمان بن عفّان - رضي الله عنه - وهو محصور، فقال: "إنك إمام عامَّةٍ، ونزَلَ بِكَ ما نرى، ويصلّي لنا إمام فتنةٍ؛ ونتحرَّج"؟ فقال: "الصَّلاةُ أحسنُ ما يَعْمَلُ الناسُ، فإذا أَحْسَنَ الناسُ فأَحْسِنْ معهم، وإذا أساؤوا فاجْتَنِبْ إساءَتَهُم".

الصلاة مع الأمراء

أخرجه البخاري (695)، وابن شبة في "أخبار المدينة" (4/ 1216). وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 520/ رقم: 1991)، وابن شبة في "أخبار المدينة" (4/ 1215 - 1216). من طريق: معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، عن عبيد الله بن العدي بن الخيار؛ أنه دخل على عثمان بن عفّان وهو محصور -وعليٌّ يصلي بالناس-، فقال: يا أمير المؤمنين؛ أنا أتحرَّج أن أصلّي مع هؤلاء وأنت الإمام! ... قلتُ: ورواية البخاري هي المحفوظة، وقال الحافظ فىِ "الفتح" (2/ 221 - 222): "قوله: (إمام فتنة)؛ أي: رئيس فتنة. واختُلِفَ في المُشَارِ إليه بذلك؛ فقيل: هو عبد الرحمن بن عديس البلوي -أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان- قاله ابن وضّاح فيما نقله عنه ابن عبد البر وغيره. وقاله ابن الجوزي، وزاد: إن كنانة بن بشر -أحد رؤوسهم صلّى بهم أيضًا-. قلتُ: وهو المراد هنا؛ فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في "كتاب الفتوح" من طريق أخرى عن الزهري بسنده، فقال فيه: "دخلتُ على عثمان وهو محصور وكنانة يصلِّي بالناس، فقلتُ: كيف ترى" ... الحديث. وقد صلَّى بالناس يوم حُصِرَ عثمان: أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري؛ لكن بإذن عثمان، ورواه عمر بن شبة (¬1) بسند صحيح. ورواه ابن المديني من طريق أبي هريرة. وكذلك صلَّى بهم علي بن أبي طالب- فيما رواه إسماعيل الخطي في "تاريخ بغداد" من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني، قال: فلما كان يوم عيد الأضحى جاء على فصلَّى بالناس. وقال ابن المبارك -فيما رواه الحسن الحلواني-: لم يصلّ بهم غيرها. وقال غيره: صلَّى بهم عدة صلوات. وصلَّى بهم أيضًا سهل بن حنيف، رواه عمر بن شبة بإسناد قوي. وقيل: صلى بهم أيضًا أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد الله. ¬

_ (¬1) في "أخبار المدينة" (4/ 1218).

وليس واحد من هؤلاء مرادًا بقوله: "إمام فتنة" ... " اهـ. وانظر بقية فقهه هناك في "الفتح" (2/ 222). * * * 405 - قال الحافظ عبد الله بن أبي شيبة: حدثنا وكيع، ثنا بسطام، قال: سألتُ أبا جعفر عن الصلاة مع الأمراء؟ فقال: "صَلِّ معهم، فإنا نُصَلِّي معهم؛ قد كان الحسنُ والحسينُ يبتدران الصلاةَ خلفَ مروان". قال: فقلت: الناسُ يزعمون أن ذلك تقيَّة؟ قال: "وكيف؛ إن كان الحسنُ بن علي يسبُّ مروان فى وجهه وهو على المنبر، حتى تولَّى"؟!. صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 154 - / 155 رقم: 7567 - العلمية). وهذا إسناد صحيح. بسطام هو: ابن مسلم بن نمير العوذي البصري: ثقة. وأبو جعفر: هو الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - (عليهم السلام) - المعروف بالإمام الباقر. وأخرجه الإمام الشافعي في "الأم" (2/ 303/ رقم: 285 - ط. دار الوفاء) قال: أخبرنا حاتم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن الحسن والحسين - رضي الله تعالى عنهما- كانا يصلِّيان خلف مروان. قال: فقال: أما كانا يصليان إذا رجعا إلى منزلهما؟ فقال: "لا والله؛ ما كانا يزيدان على صلاة الأئمة". وأخرجه البيهقي في "السنن الكبير" (3/ 122)، وفى "معرفة السنن الآثار" (2/ 399 - 400) بهذا الإسناد. وهذا إسناد حسن؛ لأجل الكلام الذي في حاتم بن إسماعيل.

تفسير قوله تعالى: {فليغيرن خلق الله}

406 - وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، ثنا سفيان، عن إبراهيم بن أبي حفصة، قال: قلتُ لعليّ بن حسين: إن أبا حمزة الثُّمالي -وكان فيه غلوّ- يقول: لا نصلّي خلف الأئمة، ولا نناكح إلا من يرى مثل ما رأينا! فقال علي بن حسين: "بل نُصَلّي خلفهم، ونناكحهم بالسُّنَّةِ". لا بأس به. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 155/ رقم: 7568 - العلمية). وإبراهيم بن أبي حفصة ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 8)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 282/ 909)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 96 - 97/ 263)، وقال: "روى عن سعيد بن جبير وعلي بن الحسين ومسلم البطين، روى عنه الثوري، سمعتُ أبي يقول ذلك". وذكره الطوسي في "رجاله" (ص 82) في أصحاب علي بن الحسين - عليه السلام -. * * * 407 - عن إبراهيم النخعي -رَحِمَهُ اللهُ- في قوله تعالى: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ} [النساء: 119]- قال: "دين الله". أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" -التفسير- (4/ 1374/ رقم: 689 - ط آل حميد) وابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 330 - ط. دار إحياء اتراث) أو (9/ 218/ رقم: 10467 - شاكر)، والبيهقي في "السنن الكبير" (10/ 25)، والهروي في "ذم الكلام" (4/ 91/ رقم: 837 - الغرباء). من طرق؛ عن مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم به. وهذا إسناد ضعيف؛ مغيرة بن مقسم ثقة متقن؛ لكنه يدلّس لا سيّما عن إبراهيم النخعي. لكن تابعه قيس بن مسلم عند ابن جرير الطبري (5/ 330) أو (8/ 219/ رقم: 10469 - شاكر)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 173).

أول جمعة جمعت في الإسلام

وقيس بن مسلم الجدلي أبو عمرو الكوفي: ثقة. فصحَّ الأثر والحمد لله. ولم ينبِّه الدكتور سعد آل حميد محقق "سنن سعيد بن منصور" لهذه المتابعة، فليستدرك عليه. وأخرج عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 173) قال: أنا معمر، عن قتادة، مثله. * * * -أول جمعة جمعت في الإسلام: 408 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا محمد بن المثنَّى، قال: حدثنا أبو عامر العَقَدِيُّ، قال: حدثنا إبراهيم بن طَهْمَانَ، عن أبي جَمْرَةَ الضُّبَعي، عن ابن عباس، أنه قال: "إن أوَّلَ جُمعةِ جُمِعَتْ - بعد جمعةِ في مسجدِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في مسجدِ عبد القيسِ، بِجُوَاثَى من البحرين". أخرجه البخاري (892) و (4371)، وأبو داود (1068)، وابن أبي عاصم في "الأوائل" (41). من طريق: إبراهيم بن طَهمان به. وأخرجه ابن أبي عاصم (42) من طريق: الحسن بن علي، ثنا يحيى بن آدم، ثنا يزيد بن عبد العزيز، عن أبي سلمة محمد بن أبي حفصة، عن أبي جمرة به. * * * - حفظ اللسان: 409 - عن زيد بن أسلم، عن أبيه؛ أنَّ عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - دخَلَ على أبي بكرٍ الصدّيق- رضي الله عنه - "وهو يجبذُ لسانَهُ، فقال له عمر: "مَهْ! غَفَرَ اللهُ لَكَ"!

فقال أبو بكر- رضي الله عنه -: "إنَّ هذا أوردني الموارد". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 988/ 12) أو (510/ 4 - 511/ رقم: 2000 - ط. الشيخ سليم الهلالي)، وابن وهب في "الجامع" (1/ 423 / رقم: 308)، و (2/ 520/ رقم: 412)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 33)، و (9/ 17)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (9/ 66/ رقم: 6551) أو (8/ 589/ رقم: 26910)، و (13/ 469/ رقم: 38044 - ط. الرشد)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على زهد أبيه (رقم: 579)، وابن أبي عاصم في "الزهد" (18) و (22)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 256/ رقم: 4990 - العلمية) أو (7/ 57/ رقم: 4636 - الرشد) والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل المدرج من النقل" (1/ 242 - 243 ط ابن الجوزي). من طرق؛ عن زيد بن أسلم به. ورواه عن زيد جماعة من الثقات الكبار؛ منهم: مالك بن أنس الإمام، ومحمد بن عجلان، وعبيد الله بن عمر، وأسامة بن زيد الليثي، وغيرهم. قلت: هذا هو الصحيح عن زيد بن أسلم، وقد اختُلِفَ فيه عليه -كما سيأتي-. وصحَّحه من هذه الطريق الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 94/ رقم: 2873)، وفي "المشكاة" (4869). ورواه سفيان الثوري عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي بكر - رضي الله عنه -، ولم يذكر فيه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. أخرجه عبد الله بن المبارك (369)، ووكيع (287)، وابن أبي عاصم (19)، وأحمد (رقم: 561)، وهنّاد (1093)، وأبو داود (30) -كلهم في في "الزهد"-، والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل" (1/ 243). من طريق: سفيان الثوري به. لكن هناد بن السّري، قال: نا قبيصة، عن سفيان، عن زيد بن أسلم: أن أبا بكر. . ولم يذكر فيه أسلم. قال الدارقطني في "العلل" (1/ 161): "ويُقَال: إنَّ هذا وَهْمٌ من الثوري".

ورواه عبد الصمد بن عبد الوارث، عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر ... فذكره، لكن زاد في آخره رواية مرفوعة، بعد قول أبي بكر - رضي الله عنه -: "إن هذا أوردني الموارد"، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس شيء من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حِدَّتِهِ". وفي رواية: "إلا وهو يشكو ذِرْبَ اللسان على حدّته". أخرجه: أبو يعلى في "مسنده" (1/ 17/ رقم:5)، وابن السُّنّي في "عمل اليوم والليلة" (7)، وأبو بكر بن النقور في "الفوائد الحسان" (رقم: 13)، وابن المقرئ في "المعجم" (823)، وأبو نعيم في "تسمية الرواة عن سعيد بن منصور" (رقم: 25)، والخطيب البغدادي في "الفصل للوصل" (1/ 240، 241)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 244/ رقم: 4947 العلمية) أو (7/ 24 - 25/ رقم: 4596 - الرشد)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (13)، وفي "الورع" (92). من طريق: عبد الصمد به. قال الدارقطني في "العلل" (1/ 160): "ووهم فيه على الدراوردي". ثم صحَّح رواية من رواه عن زيد بن أسلم موقوفًا- مثل الرواية الأولى-. قال الخطيب البغدادي في "الوصل" (1/ 242): "أما المسند المذكور في هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنما يرويه الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن رسول الله مرسلاً، لا ذكر فيه لأبي بكر، ولا لعمر، ولا لأسلم. وأما الموقوف؛ فهو كما ساق عبد الصمد من أول حديثه إلى آخر قول أبي بكر: "هذا أوردني الموارد". وكذلك رواه مالك بن أنس، عن زيد بن أسلم؛ لم يذكر المسند. وروى سفيانُ الثوري الحديثَ الموقوف عن زيد بن أسلم؛ لم يذكر المسند، واختُلِفَ عليه فيه؛ فرواه وكيع بن الجراح، وعبد الله بن المبارك، وعبد الرحمن بن مهدي؛ عن سفيان، عن زيد بن أسلم، عن أبيه عن أبي بكر الصدّيق.

ورواه قبيصة بن عقبة، عن سفيان، عن زيد، عن أبي بكر الصدّيق يه، ولم يذكر أسلم فيه. وخالفَ الجميعَ هشامُ بن سعد؛ فرواه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، عن أبي بكر الصدّيق. وروى عبد الله بن عمران العابدي (¬1) عن عبد العزيز الدراوردي الحديثَ الذي سُقْنَاهُ عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن الدراوردي بطوله؛ إلا أنه فصل كلام أبي بكر الصدّيق من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأفرد كلّ واحدٍ متهما إسنادًا". ثم ذكر -رَحِمَهُ اللهُ- إسناد كل رواية، ثم قال: وأما حديث عبد الله بن عمران العابدي عن الدراوردي -الذي فصَلَ فيه المتن المرفوع من الموقوف، وساقهما بإسنادين-؛ فأخبرنيه الحسين بن محمد ين طاهر، وحمدان بن سلمان، قالا: نا محمد بن عبد الرحمن الذهبي، نا يحيى بن محمد بن صاعد، نا عبد الله بن عمران العابدي- بمكة-، نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب اطلع على أبي بكر وهو مدلع لسانه؛ آخذه بيده، فقال: "ما تصنع يا خليفة رسول الله"؟! قال: "وهل أوردني الموارد إلا هذا"! قال ابن صاعد: هذا آخر الحديث. ثم ابتدأ الحديث الآخر بعده في إثره، وقال: نا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من عضو من الأعضاء إلا وهو يشتكي إلى الله ما يلقى من اللسان على حدّته". قال الخطيب: ليس في هذا الحديث إشكال يتخوف منه اختلاط كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلام أبي بكر الصدّيق، وإنما المشكل منه: أن عبد الصمد ين عبد الوارث روى حديث أبي بكر وأتبعه بكلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير فاصلة، فشيه بذلك أن أبا بكر هو الذي رواه إثر قوله، ونسَقه على كلامه، ولو ذُكِرَ في أحاديث من وصل المرسل المقطوع بالمتصل المرفوع لكان لائقًا بذلك الباب، والله الموفق لإدراك الصواب" اهـ. ¬

_ (¬1) تحرفت في مطبوعة "الفصل" إلى: العبادي.

قلت: فيتبين من ذلك: أن عبد الصمد بن عبد الوارث وهم في إلحاق المرفوع بمسند زيد بن أسلم عن أبيه، وقد خالف الثقات في ذلك، وقد ذكرنا بعضًا منهم. قال البزار في "البحر الزخار" (1/ 163): "وهذا الحديث رواه عبد الصمد عن عبد العزيز الدراوردي، وقد حدثونا عن الدراوردي عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أن عمر دخل على أبي بكر وهو آخذ بلسانه، وهو يقول: "هذا الذي أوردتي الموارد". فلم نذكر حديث عبد الصمد؛ إذْ كان منكرًا". وهذه الزيادة المرفوعة صحَّحها العلّامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (535) وقال: "وقال ابن النقور: "تفرَّد بهذا الحديث أبو أسامة زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب- مخرج عنه في الصحيحين- رواه عن أبيه أبي خالد أسلم -وهو من سبي اليمن-، يقالط: كان بجاويًا؛ حديثه عند البخاري وحده. واختلف عن زيد؛ فرواه هشام بن سعد، ومحمد بن عجلان، وداود بن قيس، وعبد الله بن عمر العمري - كرواية عبد العزيز التي رويناها [عنه]. ورواه سفيان الثوري عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي بكر، وقال فيه: إن أسلم قال: رأيتُ أبا بكر. وقيل: إن هذا وهم من الثوري. ورواه سُعَيْر بن الخِمْس عن زيد، عن عمر، عن أبي بكر؛ لم يذكر فيه أسلم. والصحيح من ذلك: رواية عبد العزيز بن محمد بن أبي عبيد الدراوردي ومن تابعه، عن زيد، عن أبيه، عن عمر، عن أبي بكر -كما أوردناه-، والله أعلم". قلت (الألباني): فالحديث صحيح الإسناد على شرط البخاري؛ فإن الدراوردي ثقة، وإن كان من أفراد مسلم، فقد تابعه الجماعة الذين ذكرهم ابن النقور، فالحديث عن زيد بن أسلم صحيح مشهور". قال أبو عبد الله -غفر الله له-: الجماعة الذين تابعوا عبد العزيز

الدراوردي إنما تابعوه على وقفه -كما تقدم-، ولم يتابعوه على الرَّفع -كما فهم الشيخ ناصر -رَحِمَهُ اللهُ-. ثم رأيت الشيخ سليم بن عيد الهلالي تعقَّب الشيخ الألباني بنحو ما قلتُه، فقال -وفَّقه الله- في "عجالة الراغب المتمني" (421): "قلت: الجماعة الذين ذكرهم ابن النقور متابعة للدراوردي ذكروا الموقوف دون المرفوع، ومراد ابن النقور: المتابعة على أصل الرواية، فلو وقف شيخنا -رَحِمَهُ اللهُ- على الطرق الموقوفة التي وقفتُ عليها لكان له كلام آخر، بخاصَّة مع توهيم أهل العلم لعبد الصمد بن عبد الوارث الذي روى المرفوع عن الدراوردي، وخالف الجماعة في روايته، والمعصوم من عصمه الله". قلت: وللأثر طريقان آخران: فقد رواه ابن وهب في "الجامع، (307) قال: وحدّثني عبيد الله بن عمر، وهشام بن سعد، ويحيى بن عبد الله وغيرهم، عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب دخل ... فأسقط ذكر أسلم. وهذه الرواية وهم أيضًا. وأخرجه أحمد في "العلل" (2/ 132/ رقم: 1785)، والعقيلي في "الضعفاء" (4/ 290 - قلعجي) أو (4/ 1416 - الصميعي)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (19). من طريق: النضر بن إسماعيل أبي المغيرة القاص، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، قال: رأيتُ أبا بكر. . فذكره. قال الإمام أحمد: "هو حديث منكر، وإنما هو من حديث زيد بن أسلم". انظر: "تهذيب التهذيب" (4/ 221 - الرسالة). خلاصة الكلام: أن الأثر إنما يصح من طريق: زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطّاب - رضي الله عنه -، وما سوى ذلك فوهم من الرواة. وإليك رسم الطرق الواردة في الخبر:

الوتر ليس بواجب

رواه: 1 - مالك بن أنس 2 - محمد بن عجلان 3 - عبيد الله بن عمر 4 - أسامة بن زيد الليثي 5 - هشام بن سعد كلهم عن: زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر به. وخالفهم سفيان الثوري؛ فرواه عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن أبي بكر، دون ذكر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وخالفهم عبد الصمد بن عبد الوارث؛ فرواه: عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر به، وفي آخره المرفوع منه. ورواه ابن وهب عن: عبيد الله بن عمر وهشام بن سعد ويحيى بن عبد الله عن: زيد بن أسلم، عن عمر به، دون ذكر أسلم. ورواه النضر بن إسماعيل، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن أبي بكر به. * * * 401 - روى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبَّان، عن ابن مُحيريزٍ؛ أن رجلاً من بني كنانة- يُدْعَى: المُخْدجي-، سمع رجلًا بالشام -يُكْنَى: أبا محمد- يقول: إن الوِتْرَ واجب. فقال المخدجي: فرُحتُ إلى عُبادة بن الصامت، فاعترضتُ له وهو رائح إلى المسجد، فأخبرتُه بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: "كذَبَ أبو محمد!

سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "خمسُ صلواتِ كتبهنَّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- على العباد. . " الحديث. صحيح. أخرجه مالك في الموطأ" (1/ 123)، وأحمد في "المسند" (5/ 315 - 316، 319، 322)، وأبو داود (1420)، والنسائي فى "المجتبى" (1/ 230)، وفي "الكبرى" (1/ 142 - 143/ رقم 322)، وابن ماجه (1401)، والحميدي في "مسنده" (1/ 191/ رقم: 388 - الأعظمي) أو (1/ 375 - 376/ رقم: 392 - الداراني)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 296 - الهندية) أو (2/ 92/ رقم: 6861 - العلمية)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 5/ رقم: 4575)، والدارمي في "مسنده" (1/ 85/ رقم: 1618 - الداراني) وابن حبان في "صحيحه" (5/ 21/ رقم: 1731 و 6/ 174/ رقم: 2417 - الإحسان، ط. الرسالة)، وابن أبي عاصم في "السُّنَّة" (رقم: 967 - المكتب الإسلامي) -المرفوع منه فقط- والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 361 و 2/ 8، 467 و 10/ 217)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (4/ 103 - 104/ رقم: 977). من طريق: محمد بن يحيى بن حبان به. وهذا إسناد ضعيف؛ أبو رافع المخدجي مجهول، لم يوثقه غير ابن حبان. لكنه توبع؛ تابعه عبد الله الصنابحي، أخرجه أحمد (5/ 217)، وأبو داود (425)، والبيهقي (2/ 215) و (3/ 367)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (4/ 105/ رقم 978)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 130). من طريق: محمد بن مطرف، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن عبد اللهِ الصنابحي، عن عبادة به. ووقع عند البيهقي: عن أبي عبد الله الصنابحي. وهو الصواب. وأخرجه أيضًا الطبراني في "الأوسط" (5/ 56/ رقم: 4658 و 9/ 126/ رقم: 9316). وأبو عبد الله الصنابحي هو: عبد الرحمن بن عسيلة المرادي. وانظر "النكت الظراف" (4/ 255)، و"تهذيب التهذيب" (2/ 462 - 463

وجوب الصلاة إلى سترة

و 533 - الرسالة) وتحقيق العلّامة أحمد شاكر على "الرسالة" للإمام الشافعي (ص 217 - وما بعدها). وتابعه أيضًا أبو إدريس الخولاني عند الطيالسي (573). فصحَّ الأثر بهاتين المتابعتين. وصححه الشيخ الألباني في "ظلال الجنة" (رقم: 967). وأيو محمد المذكور في الخبر اسمه: مسعود بن زيد بن سبيع، كما جزم به ابن حِيان والبغوي -فيما نقله عنهما الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (9/ 187) -. * * * - وجوب الصلاة إلى سترة: 411 - عن قرة بن إياس، قال: "رآني عمر وأنا أصلّي بين أسطوانتين، فأخذ يققائي، فأدناني إلى السترة، فقال: "صَلِّ إليها". حسن - أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 370 - الهندية) أو (2/ 148/ رقم- 7501 - العلمية) من طريق: محمد بن يزيد، عن أيوب، عن أبي العلاء، عن معاوية بن قرة، عن أبيه به. وعلَّقه اليخاري مجزومًا به (1/ 687 - فتح) - 8 - كتاب الصلاة، (95) - باب الصلاة إلى الأسطوانة. ولفظه عنده: "ورأى عمر رجلاً يصلّي بين أسطوانتين قأدتاه إلى سارية، فقال: صلّ إليها". * * * - القراءة في صلاة الجنازة: 412 - عن طلحة بن عبد الله بن عوف، قال: "صَلَّيتُ خَلْفَ ابنِ عباس - رضي الله عنهما - على جنازةٍ، فقرأ بفاتحة الكتاب، قال: "ليعلموا أنها سُنَّة". وفي رواية، قال: "صلَّيتُ خلف ابن عباس - رضي الله عنهما -

السنة في الصلاة على الجنازة

على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغَ أخذتُ بيده؛ فسألتُه، فقال: "سنَّةٌ وحقٌّ". أخرجه البخاري (1335) - الرواية الأولى- وأبو داود (3198)، والشافعي في "الأم" (2/ 607/ رقم 672)، وفي "المسند" (2/ 1903/ رقم: 1676 ط دار البشائر) وعبد الرزاق (3/ 489/ رقم: 6427)، وابن الجارود في "المنتقى" (534، 536)، والبيهقي (4/ 38)، والحاكم (1/ 358)، والدارقطني (2/ 72). من طريقين عن سعد بن إبراهيم، عن طلحة به: 1 - سفيان عنه به. 2 - شعبة عنه به. وقد وهم الحاكم في استدراكه. وله طرق أخرى؛ انظر: "إرواء الغليل" (3/ 178 - 179/ رقم: 731). ويحمل جهر ابن عباس هنا على التعليم كما جاء في رواية لابن الجارود. وأخرجه النسائي في "المجتبى" (4/ 74 - 75)، وفي "الكبرى" (1/ 644/ رقم: 2114) باللفظ الثاني. * * * 413 - عن أبي أمامةَ بن سهل بن حنيف - رضي الله عنهما -، قال: "السُّنَّةُ في الصلاةِ على الجنازةِ: أن يقرأَ في التكبيرة الأولى بأُمِّ القرآن مخافتةً، ثم يُكَبِّر ثلاثًا، ثم يسلّم عند الآخرة". وفي رواية: أنه أخبره رجالٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أَنَّ السُّنَّةَ في الصلاةِ على الجنازةِ: أن يُكَبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتاب بعد التكبيرةِ الأولى سرًّا في نفسه، ثم يصلِّيَ على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، ويخلصَ الدعاءَ للميت -[في التكبيرات الثلاث]- لا يقرأ في شيء منهنَّ، ثم يسلّم سرًّا في نفسه".

صحيح. أخرج الرواية الأولى: النسائي في "الكبرى" (1/ 644/ رقم: 2116)، وفي في "المجتبى" (4/ 75). من طريق: قتيبة بن سعيد، ثنا الليث، عن ابن شهاب، عن أبي أمامة به. ثم أخرجه من نفس الطريق - إلا أنه قال: عن ابن شهاب، عن محمد بن سويد الدمشقي، عن الضحّاك بن قيس، بنحو ذلك. وصحّح إسناده الإمام ابن قيم الجوزية في "جلاء الأفهام" (ص 193 - ط. ابن الجوزي). وقال الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 141 - المعارف): "بإسناد صحيح -كما قال الحافظ في "الفتح"، وسبقه النووي في "المجموع" (5/ 33) وزاد: "على شرط الشيخين" اهـ. وأخرج الرواية الثانية -هكذا، أو بنحو منها-: ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 490، 492/ رقم: 11379، 11397 - العلمية) وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 489/ رقم: 6428)، وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 437 - 438، 444/ رقم: 3165، 3178)، وابن الجارود في في "المنتقى" (رقم: 540)، وإسماعيل بن إسحاق الجهضمي في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (رقم: 94). من طريق: معمر، عن ابن شهاب الزهري، قال: سمعتُ أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدّث سعيد بن المسيّب، قال: ... فذكره. وهذا "إسناد صحيح رجاله رجال الشيخين، وإن كان صورته صورة المرسل، فقد بيَّنَتِ الرواية الأولى أن أبا أمامة تلقاه عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -". قال ذلك العلامة الألباني في "إرواء الغليل" (3/ 181). ويشير في الرواية إلى ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" (1/ 360)، والبيهقي (4/ 40)، من طريق: يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف - وكان من كبراء الأنصار وعلمائهم وأبناء الذين شهدوا بدرًا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبره رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فذكره.

نهي النساء عن اتباع الجنازة

قال الزهري: "حدثني بذلك أبو أمامة، وابن المسيّب يسمع؛ فلم ينكر ذلك عليه. قال ابن شهاب: فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة: "من السُنَّة في الصلاة على الميت ... " لمحمد بن سويد، قال: وأنا سَمِعْتُ الضحّاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة في صلاة صلاَّها على الميت مثل الذي حدثنا أبو أمامة". وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 500) من طريق: شعيب، عن الزهري به. وأخرجه الشافعي في "مسنده" (2/ 1905/ رقم: 1678 - ط البشائر) وفي "الأم" (2/ 608/ رقم: 674 - ط. دار الوفاء) ومن طريقه البيهقي (4/ 39)، وفي "معرفة السنن والآثار" (3/ 169/ رقم: 2149) عن مطرّف بن مازن، عن معمر، عن الزهري، قال: أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ... فذكره. وفيه مطرف بن مازن؛ كذّبه ابن معين وغيره. وتابعه عبيد الله بن أبي زياد الرصافي عند البيهقي في "المعرفة" (3/ 169). خلاصة الكلام: أنَّ الأثر صحيح ثابت، والحمد لله، وانظر: "الإرواء" (734). * * * - اتباع النساء الجنائز: 414 - عن أم عطية - رضي الله عنها -، قال: "نُهينا أن نَتْبَعَ الجنائز، ولم يُعْزَمْ علينا". أخرجه البخاري (1278)، ومسلم (945)، وأحمد (6/ 408)، وأبو داود (3167)، والترمذي (1040)، والنسائي في "المجتبى" (رقم: 1996)،

سنة حل أزرار القميص

وابن ماجه (1539)، وعبد الرزاق (3/ 454 - 455)، وابن الجارود في "المنتقى" (531)، والبيهقي (4/ 77) وغيرهم. * * * - سنَّةُ: حلّ الأزرار (¬1): 415 - قال الإمام أبو داود السجستاني: حدثنا النفيلي وأحمد بن يونس، قالا: أخبرنا زهير، أخبرنا عروة بن عبد الله،- قال ابن نفيل: ابن قشير أبو مَهَل الجعفي- حدثنا معاوية بن قرة، حدثني أبي، قال: "أتيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رهطِ من مُزَيْنَة، فبايعناه؛ وإن قميصَهُ لمطلق الأزرارِ. قال: فبايعتُه، ثم أدخلتُ يدي في جيبِ قميصِهِ، فمسَسْتُ الخاتم". قال عروة: "فما رأيتُ معاويةَ ولا ابنهُ قطُّ إلا مطلقي أزرارهما في شتاءٍ ولا حرِّ، ولا يزرران أزرارهما أبدًا". صحيح. أخرجه أبو داود (4082)، وابن ماجه (3578)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 385 - الهندية) أو (5/ 165/ رقم: 24791 - العلمية) والترمذي في "الشمائل" (رقم: 58) -مختصرًا- والطيالسي في "مسنده" (1072) -مختصرًا- وأحمد في "المسند" (3/ 434 و 4/ 19 و 5/ 35) أو رقم: (15623، 16293، 20420 - قرطبة)، وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (12/ 266 - 267/ رقم: 5452)، والبغوي في "الشمائل" (2/ 512 - 513/ رقم: 743)، وفي "شرح السُّنَّة" (6/ 154/ رقم: 2978)، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/ رقم: 49، 50، 64)، وابن سعد في "الطبقات" (1/ 460) وغيرهم. من طرق؛ عن معاوية به. والأثر صححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 126/ رقم: 45). * * * ¬

_ (¬1) تقدم في ذلك أثران، انظر رقم (379، 380) من هذا المجلد.

تفسير قتادة لقول الله عز وجل: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق} الآية

416 - عن قتادة - في قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ} [سبأ: 6]، قال: "أصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم -". صحيح. أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (22/ 62) أو (22/ 75 - ط. دار إحياء التراث العربي)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 769 - 770/ رقم: 1422). من طريق: سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة به. وعزاه في "الدر المنثور" (5/ 226) لابن المنذر، وابن أبي حاتم، وعبد بن حَميد. * * * 417 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، في تفسير قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] قال: "الكف ورقعةُ الوجه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 283) أو (3/ 540/ رقم: 16997 - العلمية) قال: حدثنا زياد بن الربيع، عن صالح الدهان، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس به. وإسناده صحيح = كما قال المحدث الألباني في "الرد المفحم" (ص 133)، وفيه مزيد تفصيل؛ فانظره. * * * 418 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عمرو بن مرزوق، قال: أخبرنا شعبة، عن قتادة؛ سمعَ مطرفًا قال: صحِبْتُ عمرانَ بنَ حُصين من الكوفة إلى البصرة، فقلَّ منزلٍ ينزلُه إلا وهو ينشدني شعرًا، وقال: "إنَّ في المعاريض لمندوحةً عن الكذِبِ". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 857 و 885)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (/ 8/ 723 رقم: 6147)، والطبراني في "المعجم الكبير"

شذوذ رواية "إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب" المرفوعة، وبيان أن الصواب هو الوقف

(18/ رقم: 201)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 203 - 204/ رقم: 4694)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (رقم: 173). من طريق: شعبة به. ورواه عن شعبة كل من: 1 - عقبة بن خالد. 2 - روح بن عبادة. 3 - أبو الوليد الطيالسي. 4 - آدم بن أبي إياس. 5 - بقية بن الوليد. 6 - عمرو بن مرزوق. وتابع شعبةَ سعيدُ بن أبي عروبة عند البيهقي في "السنن" (10/ 199)، و"شعب الإيمان" (4/ 203 - 204/ رقم: 4794). من طريق: روح بن عبادة، عن سعيد وشعبة به. ورواية روح عن سعيد قبل اختلاطه. وخالفه داودُ بن الزبرقان؛ فرواه عن سعيد بن أبى عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن أبي أوفى، عن عمران بن حصين مرفوعًا. أخرجه البيهقي في "السنن" (10/ 199)، وفي "الآداب" (رقم: 392)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 49 و 3/ 963 - الفكر) أو (1/ 108 و 3/ 567 - العلمية)، وابن الأعرابي في "معجمه" (2/ 513 - 514/ رقم: 993)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (119/ 2 - 120/ رقم: 1011)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (رقم: 235)، وابن الجوزي في "منهاج القاصدين" (1/ 87/ 1) -كما في "الضعيفة" (3/ 214) -. وهذا إسناد ضعيف جدًّا. قال ابن عدي: "وهذا الحديث لا أعلمه رواه عن سعيد بن أبي عروبة أحد

فرفعه غير داود بن الزبرقان". وقال البيهقي: "تفرد برفعه داود بن الزبرقان، ووقفه غيره"، وصحَّح البيهقي وقفه. وداود بن الزبرقان: متروك. وقد خالف سعيدُ بن أوس الثقات فيه عن شعبة؛ فرواه عنه، عن قتادة، عن مطرف، عن عمران به مرفوعًا. أخرجه ابن جرير الطبري في "تهذيب الآثار" -كما في "الفتح" (10/ 594) - ومن طريقه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم: 328). وهو شاذ -كما قال محقق: "عمل اليوم والليلة" -الشيخ سليم الهلالي- وفَّقه الله- في "عجالة الراغب المتمني"- قال: "ورجاله ثقات؛ غير سعيد بن أوس؛ وهو صدوق له أوهام -كما في "التقريب"-، وقد وهم في رفع هذا الحديث، وغلط على شعبة فيه، وخالف سائر الرواة؛ وهم أكثر وأوثق بكثير منه .. " وحكم الشيخ الألباني بضعفه مرفوعًا، وصحَّحه موقوفًا؛ انظر: "الضعيفة" (رقم: 1094). * * * 419 - قال الإمام محمد بن جرير الطبري: حدثني الحارث، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين، عن الحكم، عن مجاهد، عن ابن عباس- {فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [الأنفال: 1]، قال: "هذا تحريجٌ مِنَ اللهِ على المؤمنينَ أن يتَقُوا الله ويُصْلِحُوا ذاتَ بينهم". قال عباد: قال سفيان: "هذا حين اختلفوا في الغنائم يوم بدر". صحيح. أخرجه الطبري في "تفسيره" -جامع البيان- (9/ 210 - إحياء التراث العربي)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 392)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 150/ رقم: 34769 - العلمية)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1653/ رقم: 8767)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 487/ رقم: 11084).

الوتر سنة ليس بواجب

من طريق: عباد بن العوام به. وسقط ذكر الحكم في مطبوعة "جامع البيان" للإمام الطبري. ووقع في طبعة دار الكتب العلمية! للشعب: "هذا مخرج"! بدل: "هذا تحريج". والأثر صححه الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد" (ص 137) رقم: 392). * * * - الوتر سُنَّة؛ ليس بواجب: 420 - عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: "الوِتْرُ ليس بحَتْم كهيئةِ المكتوبَةِ، ولكنَّهَا سُنَّةٌ سنَّها رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". حسن. أخرجه النسائي في "الكبرى" (1/ 436/ رقم: 1385)، وفي "المجتبى" (3/ 229)، والترمذي (453، 454)، وابن ماجه (1169)، وأحمد في "المسند" (1/ 86، 98، 100، 107، 115) أو رقم: (652، 761، 786، 842، 927، 969 - شاكر)، وابنه عبد الله في زوائده على "المسند" (1/ 144، 145، 147) أو رقم: (1219، 1231، 1261 - شاكر)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (33/ رقم: 4569)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 92/ رقم: 684 و 7/ 309/ رقم: 36351 - العلمية)، وأبو القاسم البغوي في "حديث علي بن الجعد"- الجعديات- (2/ 46/ رقم: 1953)، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 268، 457/ رقم: 317، 618)، والدارمي في "مسنده" (2/ 986/ رقم: 1620 - الداراني)، وعبد بن حميد كما في "المنتخب من المسند" (رقم: 70)، والطيالسي في "مسنده" (رقم: 88)، وأبو إسحاق الفزاري في "السير" (314)، وابن خزيمة في "صحيحه" (2/ 136/ رقم: 1067)، والبيهقي (2/ 467 - 468)، والحاكم (1/ 300)، وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 167/ رقم: 2605)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (2/ 211/ رقم: 1760 و 5/ / 181 رقم: 5009 - الحرمين)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 331)، وفي

أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما كنا نبعد أن السكينة تنطق على لسان عمر"

"الحلية" (8/ 265)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (13/ 260)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (4/ 102/ رقم: 976)، والخطيب البغدادي في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (2/- 282) وغيرهم. وزاد بعضهم مرفوعًا: "يا أهل القرآن أوتروا فإن الله يحب الوتر". من طرق؛ عن أبي إسحاق السبيعي، عن عاصم بن ضمرة، عن علي به. قال الترمذي: "حديث حسن". وأبو إسحاق السبيعي مدلّس، وقد اختلط بأخرة. لكنه صرَّح بالسَّماع من عاصم عند أحمد رقم (842)، وعند الدارمي وأبي يعلى. وحدّث عنه في بعض طرقه شعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وغيرهما. ورواية شعبة عنه مبكرة قبل اختلاطه بكثير، وكان شعبة شديدًا في المدلّسين. وفي عاصم كلام لا يضر؛ وهو صدوق. وزاد الدارمي بعد قوله: "ولكنه سُنَّة": (فلا تدعوه). وإسناد الأثر حسن، أما من صححه - كمحقق "مسند أبي يعلى" و"مسند الدارمي" -الأستاذ حسين سليم أسد- فهو خطأ! فهو لا يرتقي لذلك، والله العالم. والأثر أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7/ 330/ رقم: 7641) من طريق: أبان بن تغلب، عن أبي إسحاق، عن الحارث الأعور، عن علي به. وإسناده ضعيف، والصواب الإسناد المتقدم. * * * - السكينة تنطق على لسان عمر- رضي الله عنه -: 421 - قال عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "ما كُنَّا نبعدُ أنَّ السَّكينةَ تنطِقُ على لسانِ عمر".

صحيح. روي عن علي وابن مسعود - رضي الله عنهما -. أما أثر علي - رضي الله عنه -؛ فأخرجه: أحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 522)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (11/ 222 /رقم: 20380). من طريق: معمر، عن عاصم، عن زر بن حبيش، عن علي به. وهو حسن. وأخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 310، 523، 601، 614، 634)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (23/ 12) أو (6/ 31965 - العلمية)، والبيهقي في "المدخل إلى السنن" (رقم: 67)، وأبو نعيم في "الحلية" (4/ 328)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 461 - 462)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (14/ 86/ رقم: 3877)، وأبو القاسم البغوي في "حديث علي بن الجعد" (رقم: 2419). من طرق؛ عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر بن شراحيل الشعبي، عن علي به. والشعبي لم يسمع من علي - عليه السلام -، ولكنه رآه. وأخرجه أحمد بن منيع - كما في "المطالب العالية" (رقم: 3883 - العاصمة). من طريق: حماد، عن مجالد، عن الشعبي، به. وأخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 707) من طريق: قيس بن الربيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي عمرو الشيباني، عن علي به. وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" (1/ 106) أو رقم: (834 - شاكر) - وفي أوله زيادة- وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 42). من طريق: يحيى بن أيوب البجلي، عن الشعبي، عن وهب السوائي أبي جحيفة، عن علي به. وإسناده جيد.

الصواب في هذا الأثر أنه من رواية علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأنه لم يصح عن ابن مسعود رضي الله عنه

وأخرجه الفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 462)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (5/ 359/ رقم: 5549 - الحرمين)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 42 و 4/ 152)، وفي "الإمامة" (رقم: 67)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 369)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/ 16). من طريق: أبي إسرائيل الملائي، عن الوليد بن العيزار، عن عمرو بن ميمون، عن علي به. وإسناده ضعيف -لكنه حسن في الشواهد والمتابعات-؛ لأجل أبي إسرائيل الملائي؛ "صدوق سيّئ الحفظ". قال أبو نعيم في "الحلية": "هذا حديث غريب من حديث عمرو والوليد، لم نكتبه إلا من هذا الوجه". وحسنه الهيثمي في "المجمع" (9/ 67). والأثر صحيح بما قبله. وأخرجه الدارقطني في "العلل" (4/ 139) من طريق: عمرو بن أبي قيس، عن أعين بن عبد اللهِ، عن أبي اليقظان، عن زاذان، عن علي به. أما أثر ابن مسعود - رضي الله عنه -: فأخرجه: الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8827) من طريق: شريك، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود به. وحسنه الهيثمي في "المجمع" (9/ 67)! فلم يصب. قلت: لم يصب الهيثمي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في تحسين إسناده؛ لأن شريك النخعي ضعيف بسبب سوء حفظه. وأبو إسحاق السبيعي مدلّس وقد عنعنه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود؛ فهو منقطع. والمحفوظ أنه من رواية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.

من أحكام الاعتكاف، وما ينبغي على المعتكف

- من أحكام الاعتكاف: 422 - قال الإمام أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، أخبرنا خالد، عن عبد الرحمن -يعني ابن إسحاق-، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة: أنها قالت: "السُّنَّةُ على المُعْتَكِفِ: أن لا يَعُودَ مريضًا، ولا يَشْهَدَ جنازةً، ولا يمسّ امرأةً، ولا يباشِرَهَا، ولا يخرجَ لحاجة إلا لما لا بُدَّ منهُ، ولا اعتكافَ إلا بصومٍ، ولا اعتكافَ إلا في مسجدٍ جامعٍ". حسن صحيح. أخرجه أبو داود في "السنن" (2473)، والبيهقي في "السنن الكبير" (4/ 317) من طريقه. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح سنن أبي داود" (7/ 236 - غراس): "وهذا إسناد حسن، ورجاله كلهم ثقات على شرط مسلم؛ على ضعف يسير في عبد الرحمن بن إسحاق، لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن". وانظر "إرواء الغليل" (4/ 139 - 140/ رقم: 966) ففيه مزيد تفصيل. * * * 423 - قال الحافظ ابن أبي شيبة: حدثنا هشيم، عن منصور [بن زاذان]، عن عطاء: "أن حبشيًا وقع في زمزم؛ فمات. قال: فأمر ابن الزبير أن ينزفَ ماءُ زمزم. قال: فجعل الماءُ لا ينقطع. قال: فنظروا؛ فإذا عينٌ تنبع من قِبَلِ الحجر الأسود. قال: فقال ابنُ الزبير: "حَسْبُكُمْ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 149 - 150/ رقم: 1721 - العلمية)، وأبو عبيد في "الطهور" (رقم: 176 - ط. الشيخ مشهور) أو (188 - ط. السعدني)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 17/ رقم: 31)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 274/ رقم: 193). من طريق: هشيم به. وهذا إسناد صحيح.

الأكل قبل الذهاب للصلاة يوم عيد الفطر

وروي عن ابن عباس مثله؛ لكنه لا يصح، انظر "سلسلة الآثار الضعيفة" (رقم: 42). * * * - الأكل قبل الذهاب للصلاة يوم عيد الفطر: 424 - قال الإمام مالك: عن هشام بن عروة، عن أبيه (عروة): "أنه كان يأكل يوم عيد الفطر قبل أن يغدو". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 190/ 6)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 306/ رقم: 5736)، وابن أبي شيبة (1/ 484/ رقم: 5586)، والشافعي في "الأم" (1/ 491/ رقم: 513 - ط. دار الوفاء)، والفريابي في "أحكام العيدين" (2 (2)، والبيهقي في "معرفة السنن الآثار" (3/ 36/ رقم: 1890 - 1891). من طرق؛ عن هشام به. وهذا إسناد صحيح. * * * 425 - وعن سعيد بن المسيّب، قال: "كان المسلمونَ يأكلونَ في يومِ الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك في النحر". وفي رواية: "أن الناسَ كانوا يؤمرون بالأكل قبل الغُدوّ يومَ الفطر". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 190/ 7)، والشافعي في "الأم" (1/ 491/ رقم: 512)، والفريابي في "أحكام العيدين" (19، 24)، وابن أبي شيبة (2/ 162)، وعبد الرزاق (3/ 306/ رقم: 5735)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 283)، وفي "معرفة السنن الآثار" (3/ 35 - 36/ رقم: 1888 - 1889). من طرق؛ عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب به.

426 - عن يزيد بن عميرَة، قال: لما حضَرَ معاذَ بن جبل الموتُ، قيل يا أبا عبد الرحمن، أَوْصِنَا. قال: "أجْلِسُوني؛ إن العلمَ والإيمانَ مكانهما من ابتغاهما وجدَهما، - يقول ذلك ثلاث مرات- التمسوا العلمَ عند أربعةِ رهْطٍ: عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام؛ كان يهوديًّا فأسلم، فإني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنه عاشر عشرة في الجنة". أخرجه النسائي في "الكبرى" (5/ 70/ رقم: 8253)، والترمذي (3813)، وأحمد (5/ 242 - 243) أو رقم (2203 - قرطبة)، والبخاري في "التاريخ الأوسط" (1/ 168/ رقم: 244 - الصميعي)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 98، 270، 416)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ رقم: 8514) و (20/ رقم: 229)، وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (16/ 123/ رقم: 7165 - الرسالة)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 467 - 468). من طريق: معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخَولاني، عن يزيد بن عميرة به. وهذا إسناد جيد - كما قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (3/ 313) -. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبير" (2/ 352 - 353) أو (4/ 361 - إحياء التراث). من طريق: حماد بن عمرو النصيبي، أخبرنا زيد بن رُفيع، عن معبد الجهني، عن يزيد بن عميرة به -مختصرًا-. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (20/ رقم: 228) من طريق: أنس بن سوار، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن يزيد بن عميرة به. وأخرجه الفسوي في "التاريخ والمعرفة" (2/ 550 - 551) من طريق: حماد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل كان يخدم معاذًا ... فذكره بنحوه. وقال الحاكم -في الموضع الأول-: "هذا حديث صحيح على شرط

فضل عبد الرحمن بن عوف

الشيخين، ويزيد بن عميرة السكسكي صاحب معاذ بن جبل، وقد شهد مكحول الدمشقي ليزيد بذلك، وهو مما يستشهد مكحول عن يزيد متابعة لأبي إدريس الخولاني". ثم ذكره من طريق: محمد بن شعيب بن شابور، حدثني النعمان بن المنذر، عن مكحول، قال: وجع معاذ بن جبل يومًا -وعنده يزيد بن عميرة الزبيدي- فذكره بنحو منه. وتصحيح الحاكم له على شرط الشيخين غير دقيق؛ نعم هو صحيح لكن ليس على شرط واحد منهما. وصححه الشيخ الألباني في "المشكاة" (5/ 485/ رقم: 6192 - هداية الرواة)، وفي "صحيح موارد الظمآن" (1904). * * * 427 - عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال -لما مات عبد الرحمن بن عوف-: "اذْهَبْ ابنَ عَوْفٍ؛ فقد أَدْرَكْتَ صَفْوَهَا، وسبَقْتَ رَنْقَهَا". صحيح. أخرجه الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 1257)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (3/ 135)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ رقم: 263)، والحاكم (3/ 308)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 100)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/ 140). من طريق: إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده به. وهذا إسناد صحيح. وإبراهيم بن سعد؛ هو: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. ووقع عند الإمام أحمد في "الفضائل": عن يعقوب، عن أبيه، عن جده به. وأخرجه برقم (1255)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 312)، والحاكم (3/ 306).

نزول قوله تعالى: {آتيناه آياتنا فانسلخ منها} في أمية بن الصلت

من طريق: شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعتُ إبراهيم بن قارظ، قال: سمعتُ عليًّا .... فذكره. ورنقها: أي: كدرها. * * * 428 - قال الإمام النسائي -رَحِمَهُ اللهُ-: أنبانا محمد بن عبد الأعلى، حدثنا خالد، حدثنا شعبة، أخبرني يعلى بن عطاء، قال: سمعتُ نافعَ بن عاصم يقول: قال عبد الله -[بن عمرو بن العاص]- قوله: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} [الأعراف: 175]- قال: "نزلت في أمية بن أبي الصَّلت". حسن. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 348/ رقم: 11192)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" -"جامع البيان"- (9/ 83)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (/ 5/ 1616 رقم: 8542). من طريق: شعبة به. وهذا إسناد حسن، لأجل نافع بن عاصم بن عروة بن مسعود الثقفي، وهو "صدوق" -كما في "التقريب"-. وأخرجه النسائي (6/ 348/ رقم: 11194)، وابن جرير (9/ 83). من طريق: سعيد بن السائب، عن غضيف بن أبي سفيان، عن يعقوب ونافع ابني عاصم به. وهذا إسناد حسن كالذي قبله. * * * 429 - وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في هذه الآية - قال: "هو بلعم". صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 348/ رقم: 11194)، والطبري (9/ 82)، وابن أبي حاتم (5/ 1616/ رقم: 8541)، والطبراني في "الكبير" (رقم: 9064)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 243).

هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه؟

من طرق؛ عن الأعمش ومنصور، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله به. وهذا إسناد صحيح. ولا تعارض بين هذا الأثر والذي قبله، فإن الآية نزلت في أمية بن أبي الصلّت، والمذكور في الآية هو بلعام أو بلعم. * * * - هل تصلِّي المرأة في ثوبٍ حاضت فيه؟: [430] قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: قالت عائشة: "ما كان لإحدانا إلَّا ثوبٌ واحدٌ، تحيضُ فيه، فإذا أصابَهُ شيء من دَمٍ، قالت برِيقِها، فقَصَعَتْهُ بظُفْرِها". أخرجه البخاري (312). وأخرجه أبو داود (358)، والبيهقي (2/ 455) من طريق: محمد بن كثير العبدي، أخبرنا إبراهيم بن نافع، قال: سمعتُ الحسن -يعني ابن مسلم- يذكر عن مجاهد به. وأخرجه أبو داود (364)، والبيهقي (1/ 14)، والدارمي (1/ 238)، وعبد الرزاق (1/ 320/ 1229). من طريق: سفيان بن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة به. قال البيهقي: "والمشهورة عن إبراهيم، عن الحسن بن مسلم بن ينَّاق، عن مجاهد. وعن ابن أبي نجيح، عن عطاء، عن عائشة - رضي الله عنها -. فهو صحيح من الوجهين" اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 492): "فائدة: طعن بعضهم في هذا الحديث من جهة دعوى الإنقطاع، ومن جهة دعوى الإضطراب.

التسليم لله والرضى بقضائه

فأما الإنقطاع، فقال أبو حاتم: لم يسمع مجاهد من عائشة. وهذا مردود؛ فقد وقع التصريح بسماعه منها عند البخاري في غير هذا الإسناد، وأثبته علي بن المديني، فهو مقدَّم على من نفاه. وأما الإضطراب، فلرواية أبي داود له عن محمد بن كثير، عن إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، بدل ابن أبي نجيح. وهذا الإختلاف لا يوجب الإضطراب؛ لأنه محمول على أن إبراهيم بن نافع سمعه من شيخين، ولو لم يكن كذلك، فأبو نعيم شيخ البخاري فيه أحفظ من محمد بن كثير شيخ أبي داود فيه، وقد تابع أبا نعيم خلادُ بن يحيى، وأبو حذيفة، والنعمان بن عبد السلام، فرجحت روايته، والرواية المرجوحة لا تؤثر في الرواية الراجحة، والله أعلم". * * * 431 - عن علقمة بن قيس -في قوله تعالى-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ} [التغابن: 11]، قال: "هو الرَّجلُ يُصَابُ بالمصيبةِ، فيعلم أنها من اللهِ، فيسلّم لذلك ويرضى". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (3/ 295)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (28/ 138)، وابن أبي الدنيا في "الرضا عن الله بقضائه" (رقم: 7)، والبيهقي في "السنن الكبير" (4/ 66)، وفي "شعب الإيمان" (7/ 196/ رقم: 9977). من طرق؛ عن الأعمش، عن أبي ظبيان حصين بن جندب، عن علقمة بن قيس به. * * * 432 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا يحيى، حدثنا وكيع، عن هشام، عن أبيه، عن عبد الله بن الزبير {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} [الأعراف: 199]- قال: "ما أنزل الله إلا في أخلاق الناس". وفي لفظ عنده -علَّقه-: "أمر الله نبيَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - أن يأخذَ العفوَ من أخلاق الناس".

دعاء الرجل لمولوده

أخرجه البخاري (4643)، واللفظ الثاني معلقًا بصيغة الجزم (4644) قال: عبد الله بن برَّاد: حدثنا أبو أسامة، حدثنا هشام .. " فذكره. وأخرجه أبو داود (4787)، والنسائي في "الكبرى" -التفسير- (6/ 348/ رقم: 11195)، وابن جرير في "تفسيره" (9/ 154)، وابن أبي حاتم (5/ 1637/ رقم: 8675)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (رقم: 16676)، والنحاس في "ناسخه" (ص 180). من طريق: هشام بن عروة به. وعزاه في "الدر المنثور" (3/ 153) لسعيد بن منصور، وابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في "الدلائل"، وغيرهم. * * * - دعاء الرجل لمولوده: 433 - قال البخاري: حدثنا محمد، قال: أخبرنا عبد الله، قال: أخبرنا حَزْم، قال: سمعت معاوية بن قُرَّةَ يقول: "لمَّا وُلِدَ لي إِياسٌ دعوتُ نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فأطعمتُهم، فدَعَوْا، فقلتُ: إنكم قد دعوتُم، فبارك الله لكم فيما دعوتُم، وإني إِنْ أدعو بدُعاءٍ فأَمِّنُوا، قال: فدعوت له بدعاءٍ كثير في دينه، وعقله وكذا. قال: فإني لأتعرَّفُ فيه دعاءَ يومئذٍ". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 1255). وصحّح إسناده الشيخ الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد" (ص 461 - ط. دار الصدّيق). وحزم بن أبي حزم القُطَعي، قال عنه الحافظ في "التقريب": "صدوق يهم"! وقد تعقبه صاحبًا "التحرير" (1/ 263 - / 264 رقم: 1190) بقولهما: "بل ثقة ... " وهو الحق إن شاء الله تعالى.

جواز تقبيل الخد

- جواز تقبيل الخد: 434 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا معتمر، عن إياس بن دغفل، قال: "رأيتُ أبا نضرة قبَّل خدَّ الحسن [بن علي عليهما السلام] ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 249 رقم: 25724 - العلمية) ومن طريقه أبو داود (5221)، وابن الأعرابي في "القبل والمصافحة" (رقم: 17)، والبيهقي في "السنن الكبير" (7/ 101). ووقع عند البيهقي: "الحسن البصري"! وهو خطأ. والصواب ما أثبته من "السنن" لأبي داود و"القبل" لابن الأعرابي. وفيه جواز تقبيل الرجل لخد أخيه المسلم، خلافًا لمن كرهه أو منعه، والله تعالى أعلم. * * * - ما يُقال عند العَطْسِ: 435 - قال أبو عيسى الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا حُميد بن مسعَدَة، حدثنا زياد بن الربيع، حدثنا حضرميُّ مولى آلِ الجارود، عن نافع، أن رجلًا عطس إلى جنب ابنِ عمر، فقال: الحمدُ لله، والسلامُ على رسولِ الله. قال ابن عمر: "وأنا أَقُولُ: الحمدُ للهِ، والسَّلامُ على رسولِ الله، وليس هكذا علَّمَنَا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، علَّمَنَا أن نقولَ: الحمدُ للهِ على كل حَالٍ". حسن لغيره. أخرجه الترمذي (2738)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 265 - 266)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (رقم: 809 - زوائده)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 24/ رقم: 9327 - العلمية) أو (11/ 488 - 489/ رقم: 8884 - الرشد)، والمزي في "تهذيب الكمال" (6/ 553). من طريق: زياد بن الربيع به. قال الترمذي: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع".

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، غريب في ترجمة شيوخ نافع، ولم يخرجاه". [ووقع عنده: "الحضرمي بن لاحق"! وكذا وقع في طبعة الشيخ مقبل -رَحِمَهُ اللهُ -ولم يتنبه إليه- (4/ 399 رقم: 7772). وهو خطأ؛ فليصحح. وانظر "موضح أوهام الجمع والتفريق" للخطيب البغدادي (1/ 227 - 230)]. وفيما قالاه نظر: أما قول الحاكم: "صحيح الإسناد"؛ فليس بصحيح -كما سيأتي-. وقول الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث زياد بن الربيع"؛ مردود بما أخرجه الطبراني -كما سيأتي-. وقال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "إرواء الغليل" (3/ 245): "وهو -[أي: زياد بن الربيع]- ثقة من رجال البخاري، وبقية الرجال ثقات، فالإسناد صحيح"! قلت: الحضرمي بن عجلان، مجهول الحال، مقبول إذا توبع، قال الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في "التقريب": "مقبول"، يعني إذ توبع، وقد توبع هنا. فالإسناد حسن لغيره. تابعه سليمان بن موسى عن نافع به. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/ 29/ رقم: 5698 - الحرمين) أو (6/ 326/ رقم: 5694 - الطحان) من طريق: محمد بن عبد الله الحضرمي، قال: ثنا سهيل بن صالح الأنطاكي، ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى، عن نافع به. وإسناده ضعيف. لكنه يصلح في المتابعات. فالأثر حسن لغيره، والله أعلم.

قلت: وأخرج البيهقي ما يضاد هذا الأثر، فقد أخرج في "شعب الإيمان" (7/ 24/ رقم: 9325 - العلمية) أو (11/ 487/ رقم: 8882:- الرشد) قال: أخبرنا أبو طاهر الفقيه، أنا أبو عبد الله الصفار، نا عبد الله بن أحمد، نا عباد بن زياد الأسدي، نا زهير، عن أبي إسحاق، عن نافع، قال: عطس رجلٌ عند ابن عمر؛ فحمد الله، فقال له ابن عمر: "قد بخلت؛ فهلَّا حيث حمدتَ اللهَ صلَّيتَ على النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -". وهذا إسناد ضعيف منقطع. عباد بن زياد الأسدي؛ قال أبو داود: "صدوق، أبياه كان يتهم بالقدر". وقال ابن عدي: "قال موسى بن هارون: تركتُ حديثه". قال ابن عدي: "له أحاديث مناكير في الفضائل". وهو لم يروِ عن زهير بن معاوية. وزهير بن معاوية ثبت ثقة؛ لكن سماعه من أبي إسحاق السبيعي بعد اختلاطه. فهذه ثلاث علل تقدح في صحة هذا الأثر. وانظر "الأدب المفرد" (ص 328 - بتعليق الشيخ الألباني). وأخرج البيهقي (7/ 24/ رقم: 9326 - العلمية) أو (11/ 488/ رقم: 8883 - الرشد) قال: وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد، نا عمر بن حفص بن عمر، قال: نا علي بن الجعد، أنا زهير، عن أبي همام الوليد بن قيس، عن الضحاك بن قيس اليشكري، قال: عطس رجل عند ابن عمر، فقال: الحمد لله رب العالمين. فقال عبد الله: "لو تممتها: والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة عمر بن حفص بن عمر. وأحمد بن عبيد: "لين الحديث". قال البيهقي: "الإسنادان الأولان أصحّ من رواية زياد بن الربيع، وفيهما

دلالة على خطأ رواية ابن الربيع، وقد قال البخاري: فيه نظر". قلت: قد تبين أن رواية زياد بن الربيع أصحّ، وأنها مُتَابَعَةٌ. والله تعالى أعلم. * * * 436 - قال البخاري: حدثنا أبو نعيم، حدثنا سفيان، عن عطاء، عن أبي عبد الرحمن، عن عبد الله [ابن مسعود] قال: "إذا عطسَ أحدُكُم فليقُلْ: الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ. وليقُلْ من يَرُدُّ: يرحَمُكَ اللهُ. وليقُلْ هو: يغفِرُ اللهُ لي ولكم". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 934)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 35/ 9346 - العلمية)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 266). من طريق: سفيان الثوري، عن عطاء به. قال البيهقي: "هذا موقوف، وهو الصحيح". وقال الحاكم: "هذا المحفوظ من كلام عبد الله، إذ لم يسنده من يعتمد روايته". وصحَّحه الألباني موقوفًا. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 690) رقم (6049)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (10/ 176) من طريق: محمد بن فضيل، وأبي عوانة، كليهما عن عطاء به. ورواية أبي عوانة ومحمد بن فضيل عن عطاء بعد الإختلاط. ولكنها صحيحة بالرواية الأولى من طريق سفيان الثوري، فإن روايته عن عطاء قبل الإختلاط. ورُوي مرفوعًا؛ لكنه لا يصح.

جواز تشميت الرجل للمرأة، ولا يشمت من لم يحمد الله

أخرجه النسائي في "الكبرى" -عمل اليوم والليلة- (رقم: 240)، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ رقم: 10326)، وفي "المعجم الأوسط" (6/ 25/ رقم: 5685)، وفي "الدعاء" (رقم: 1983)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم: 260 - عجالة الراغب المتمني)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (10/ 175/ رقم: 4009)، والبيهقي في "الشعب" (7/ 30/ رقم: 9347، 9348)، والحاكم (4/ 266). من طرق؛ عن أحمد بن عبد الله بن يونس، عن أبيض بن أبان القرشي، عن عطاء به مرفوعًا. وبعضهم: عن محمد بن عبد الله القرشي، عن جعفر بن سليمان، عن عطاء به. قال الحاكم: "هذا حديث لم يرفعه عن [أبي] عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود غير عطاء بن السائب، تفرَّد بروايته عنه جعفر بن سليمان الضبعي، وأبيض بن أبان القرشي، والصحيح فيه رواية الإمام الحافظ المتقن سفيان بن سعيد الثوري، عن عطاء بن السائب". وقال النسائي: "وهذا حديث منكر، ولا أرى جعفر بن سليمان إلا سمعه من عطاء بن السائب بعد الإختلاط". قلت: فالصواب وقفه على عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، ولا يصح رفعه. * * * - جواز تشميت الرجل للمرأة، ولا يُشَمِّتُ من لم يَحْمَدِ الله تعالى: 437 - قال الإمام مسلم -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثني زهير بن حرب ومحمد بن عبد الله بن نمير -واللفظ لزهير-، قالا: حدثنا القاسم مالك بن مالك، عن عاصم بن كُليب، عن أبي بردة، قال: "دخَلْتُ على أبي موسى -وهو في بيتِ بنتِ الفَضْلِ بن عباسِ-، فعَطَسْتُ، فلم يُشَمِّتْنِي، وعَطَسَث فَشَمَّتَهَا. فرجعتُ إلى أمي؛ فأَخْبَرْتُها.

لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد

فلما جاءت قالت: عطَسَ عندك ابني فلم تُشَمِّتْهُ، وعَطَسَتْ فَشَمَّتَّهَا!. فقال: إن ابنَكِ عطَسَ؛ فلم يحمَدِ اللهَ، فلم أُشَمِّتْهُ. وعطسَتْ؛ فحمِدَتِ اللهَ، فَشَمَّتُّهَا. سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول: "إذا عطسَ أَحَدُكُم فحَمِد اللهَ؛ فَشَمِّتُوهُ، فإن لم يحمدِ اللهَ فلا تُشَمِّتُوه". أخرجه مسلم (54/ 2992)، والبخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 941)، وأحمد في "المسند" (4/ 412) أو رقم (19750 - قرطبة)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (8/ 683/ رقم: 6025)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 25/ رقم: 9330)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 265)، والطبراني في "الدعاء" (رقم: 1997). من طريق: القاسم بن مالك به. وقد وهم الحاكم باستدراكه، فقد أخرجه مسلم بنفس الإسناد. "وابنة الفضل هي أم كلثوم بنت الفضل بن عباس امرأة أبي موسى الأشعري، تزوجها بعد فراق الحسن بن علي لها، وولدت لأبي موسى، ومات عنها، فتزوجها بعده عمران بن طلحة، ففارقها، وماتت بالكوفة، ودُفنت بظاهرها". قاله النووي في شرحه على مسلم (18/ 121). وفيه: جواز تشميت الرجل لمحارمه من النساء، وأن من لم يحمد الله تعالى فلا يُشَمَّت، كما نصَّ عليه الحديث. وهذا الأثر -وإن كان فيه جزء مرفوع- فإنما خرجته للقصة أو الحادثة التي فيه، فهو على شرطنا في هذا الكتاب، والحمد لله. * * * - لا أذان ولا إقامة لصلاة العيد: 438 - قال الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثني محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء، عن ابن عباس، وعن جابر بن عبد الله الأنصاري، قالا:

أين يقف الإمام في الصلاة على الجنازة

"لم يكُن يؤذَّن يوم الفطر، ولا يوم الأضحى". ثم سألته بعد حين عن ذلك، فأخبرني، قال: أخبرني جابر بن عبد الله الأنصاري: "أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعد ما يخرج، ولا إقامة، ولا نداء، ولا شيء، لا نداء يومئذٍ ولا إقامة". أخرجه مسلم (5/ 886)، وأخرج البخاري (960) شطره الأول. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (5627)، والبيهقي في "السنن الكبير" (2/ 284) وغيرهم. وانظر الذي بعده. * * * 439 - وقال الإمام مسلم: وحدثني محمد بن رافع، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن جريج، أخبرني عطاء: أن ابنَ عباس أرسلَ إلى ابن الزُّبير أوَّلَ ما بويعَ له: "أنه لم يكن يؤذَّن للصلاة يوم الفطر، فلا تؤذِّن لها". قال: فلم يؤذنْ لها ابنُ الزبير يومه. وأرسل إليه مع ذلك: "إنما الخطبة بعد الصلاة، وإن ذلك كان يُفعل". قال: فصلى ابن الزبير قبل الخطبة. أخرجه مسلم (886/ 6)، والبخاري (959)، وعبد الرزاق (5628)، والبيهقي (2/ 284) وغيرهم. * * * 440 - قال الإمام أبو عيسى الترمذي: حدثنا عبد الله بن منير، عن سعيد بن عامر، عن همام، عن أبي غالب، قال: "صلَّيتُ مع أنس بن مالك على جنازةِ رجل، فقامَ حيالَ رأسِهِ، ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش، فقالوا: يا أبا حمزة؛ صلِّ عليها. فقام حيالَ وسطِ السرير.

فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قام على الجنازةِ مقامَكَ منها، ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم. فلما فرغ قال: احفظوا". صحيح. أخرجه الترمذي في "جامعه" (1034)، وأبو داود (3194) -مطولًا- وابن ماجه (1494)، والطيالسي (2149)، وأحمد (3/ 118، 204)، والطحاوي (1/ 283)، والبيهقي (4/ 32) وغيرهم. من طرق؛ عن أبي غالب به. وانظر "أحكام الجنائز" (ص 139 - المعارف). قال الترمذي: "حديث أنس هذا حديث حسن، وقد روى غيرُ واحدٍ عن همام مثل هذا. وروى وكيع هذا الحديث عن همام، فوهم فيه، فقال: عن غالب، عن أنس. والصحيح: عن أبي غالب. وقد روى هذا الحديث عبد الوارث بن سعيد، وغير واحد، عن أبي غالب، مثل رواية همام. واختلفوا في اسم أبي غالب هذا، فقال بعضهم: يقال اسمه "نافع"، ويقال: "رافع". وقد ذهب بعضُ أهل العلم إلى هذا، وهو قول أحمد وإسحاق" اهـ. قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/ 111 - ط. إحياء التراث): "وهو قول الشافعي -وهو الحق-، وهو رواية عن أبي حنيفة. قال في "الهداية" [92/ 1]: وعن أبي حنيفة: أنه يقوم من الرجل بحذاء رأسه، ومن المرأة بحذاء وسطها؛ لأن أنسًا فعل كذلك، وقال: هو السُّنَّة. انتهى.

ما الحكم إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء؟

ورجَّح الطحاويُّ قولَ أبي حنيفة هذا على قوله المشهور، حيث قال في "شرح الآثار": قال أبو جعفر: والقول الأول أحبّ إلينا، لما قد شهده الآثار التي روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. وذهب الحنفية إلى أن الإمامَ يقوم بحذاء صدر الميت -رجلًا كان أو امرأة- وهو قول أبي حنيفة المشهور. وقال مالك: يقوم حذاء الرأس منهما، ونقل عنه: أن يقومَ عند وسط الرجل، وعند منكبي المرأة. وقال بعضهم: حذاء رأس الرجل، وثدي المرأة، واستدلَّ بفعل علي - رضي الله عنه -. وقال بعضهم: إنه يستقبل صدر المرأة، وبينه وبين السُّرَّة من الرجل. وقال الشوكاني ["نيل الأوطار": 4/ 76] بعد ذكر هذه الأقوال: وقد عرفتَ أن الأدلة دلَّت على ما ذهب إليه الشافعي، وأن ما عداه لا مستند له من المرفوع إلا مجرد الخطأ في الإستدلال، أو التعويل على محضِ الرأي، أو ترجيح ما فعله الصحابي على ما فعله النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإذا جاء نهرُ الله بطل نهر معقِلٍ ... " اهـ. * * * - إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء: 441 - قال الإمام أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرنا محمد بن رافع، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جُريج، قال: سمعتُ نافعًا يزعمُ: "أن ابنَ عمر صلَّى على تسع جنائزَ جميعًا، فجعل الرجال يلونَ الإمام، والنساء يلينَ القبلةَ، فصفَّهُنَّ صَفًّا واحدًا، ووضعت جنازةُ أمِّ كلثوم بنتِ علي، امرأة عمر بن الخطاب، وابنِ لها يقال له: زيد = وُضِعَا جميعًا، والإمامُ يومئذٍ سعيد بن العاص، وفي الناسِ ابنُ عباس، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة، فوُضِعَ الغلامُ مما يلي الإمام، فقال رجلٌ: فأنكرتُ ذلك، فنظرتُ إلى ابنِ عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة، فقلتُ: ما هذا؟ قالوا: هي السُّنَّة".

صحيح. أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (1/ 641/ رقم: 2105 - العلمية)، وفي "المجتبى" (4/ 71 - 72) أو رقم (1977 - المعرفة)، وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ 465/ رقم: 6337)، والبيهقي (4/ 33)، وابن الجارود في "المنتقى" (545)، والدارقطني (2/ 79 - 80). من طريق: ابن جريج به. وصحَّح إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (2/ 146). وصححه الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 132 - المعارف). فقه الأثر: - فيه جواز الصلاة على أكثر من جنازة في وقت واحد، نساءً ورجالًا، بل هذا من السُّنَّة -كما تبين-. - وأن الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة. - وفيه صلاة ابن عمر على أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب - رضي الله عنهم، وأنها كانت زوجة للخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وهذا ثابت معروف. * * * 442 - قال الإمام أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن موهب الرملي، حدثنا ابن وهب، عن ابن جريج، عن يحيى بن صبيح، قال: حدثني عمار -مولى الحارث بن نوفل-: "أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها، فجعل الغلام مما يلي الإمام، فأنكرتُ ذلك -وفي القوم: ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو قتادة، وأبو هريرة- فقالوا: هذه السُّنَّة". صحيح. أخرجه أبو داود (3193)، ومن طريقه البيهقي (4/ 33). وأخرجه النسائي في "الكبرى" (1/ 641/ رقم: 2104)، وفي "المجتبى" (4/ 71) من طريق: سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن عمار به -بنحو منه-.

تفسير قوله تعالى: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم}

443 - قال الحافظ سعيد بن منصور: نا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: في قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]- قال: "هم الأمراء". صحيح. أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" -التفسير- (1287/ 4/ رقم: 652 - ط. الصميعي)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 988/ رقم: 5530)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (12/ 212 - 215/ رقم: 12577 و 12585)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (8/ 498/ رقم 9856 - شاكر)، وابن المنذر في "تفسيره" (2/ 764/ رقم: 1925 - 1926). من طرق؛ عن الأعمش به. ورواه عن الأعمش، وكيع، وأبو معاوية، وحفص بن غياث. فالأثر صحيح. وصححه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/ 254)، والعلامة أحمد شاكر في تحقيقه على "جامع البيان". وقد تقدم في الجزء الأول برقم (19 و 20) تفسير الآية عن جابر ومجاهد، بأنهم "الفقهاء والعلماء". وكلاهما صحيح ثابت، والحمد لله. * * * - قصة أبي موسى الأشعري مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - في الإستئذان: 444 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا محمد بن سلام، أخبرنا مَخْلَدُ بن يزيد، أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرني عطاء، عن عُبيد الله بن عمير، "أن أبا موسى الأشعري استأذنَ على عمر بن الخطاب -- رضي الله عنه -فلم يؤذَنْ له، وكأنه كان مشغولًا، فرجع أبو موسى، ففَرَغَ عمر، فقال: "ألم أسمَعْ صَوْتَ عبد الله بن قيس؟! ائذنوا له". قيل: قد رجَعَ.

فدعاه، فقال: "كنَّا نؤمرُ بذلك". فقال: "تأتيني على ذلك بالبينة". فانطلق إلى مجلسِ الأنصار، فسألهم، فقالوا: لا يشهدُ لك على هذا إلا أصغرنا = أبو سعيد الخدري. فذهب بأبي سعيد الخدري، فقال عمر: "أَخَفِيَ هذا عليَّ من أَمْرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟! ألهاني الصَّفْقُ بالأسواقِ. يعني: الخروج إلى تجارة -". وقال في موضع آخر -ما لفظه-: حدثنا عليُّ بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا يزيد بن خُصَيفة، عن بُسْرِ بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: "كنتُ في مجلسِ من مجالسِ الأنصار؛ إِذْ جاء أبو موسى -كأنه مَذعُورٌ-، فقال: استأذنتُ على عمرَ ثلالًا، فلم يُؤْذَنْ لي، فرجعتُ، فقال: ما منعكَ؟! قلتُ: استأذنتُ ثلاثًا، فلم يؤذَنْ لي، فرجعتُ، وقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا استاذَنَ أحدُكم ثلاثًا، فلم يؤذن له، فليرجع". فقال: واللهِ لتُقِيمَنَّ عليه ببيِّنَةِ. أَمِنْكُمْ أحدٌ سمِعَهُ من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أُبيُّ بن كعب: واللهِ لا يقوم معك إلا أصغر القوم. فكنتُ أصغر القوم، فقمتُ معه، فأخبرتُ عمرَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك". أخرج الرواية الأولى: البخاري في "صحيحه" (2062، 7353)، وفي "الأدب المفرد" (1065)، ومسلم (2153/ 36)، وأحمد (4/ 400)، وأبو داود (5182). من طرق؛ عن ابن جريج به. والرواية الثانية: البخاري (6245)، ومسلم (2153/ 33، 34، 35)، ومالك في "الموطأ" (2/ 963)، وأحمد (3/ 6، 19)، و (4/ 393، 403، 410، 418)، وأبو داود (5180)، والترمذي (2690)، وابن ماجه (3706)، والطيالسي (2164)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (19423)، والدارمي (2671)، والبيهقي في "السنن الكبير" (8/ 239)، و"الآداب" (275)، وابن حبان (5810)، والحميدي (751).

من طرق؛ عن أبي سعيد الخدري به. ورواه عن أبي سعيد كل من أبي نضرة، وبسر بن سعيد. وللحديث طرق أخرى. فقه الأثر: قال الحافظ ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "التمهيد" (3/ 198 - 202): "زعم قومٌ أن في هذا الحديث دليلًا على أن مذهب عمر أن لا يقبل خبر الواحد، وليس كما زعموا؛ لأن عمر - رضي الله عنه - قد ثبت عنه استعمال خبر الواحد وقبوله، وإيجاب الحكم به؛ أليس هو الذي ناشد الناس بمنى: من كان عنده علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الدِّيَةِ فليخبرنا. وكان رأيه أن المرأة لا تَرِثُ من دية زوجها؛ لأنها ليست من عصبته الذين يعقلون عنه، فقام الضحّاك بن سفيان الكلابي، فقال: "كتب إليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: أَنْ أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها". وكذلك ناشد الناس في دية الجنين: من عنده فيه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فأخبره حمل بن مالك بن النابغة: "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قضى فيه بغرة عبد أو أمة"، فقضى به عمر. ولا يشك ذو لبّ ومن له أقل منزلة في العلم، أن موضع أبي موسى من الإسلام، ومكانه من الفقه والدين، أجل من أن يُرَدَّ خبرُه، ويُقبل خبر الضحّاك بن سفيان الكلابي، وحمل بن مالك الأعرابي -وكلاهما لا يقاس به في حال- وقد قال له عمر في حديث ربيعة هذا: "أما إني لم أتهمك، ولكني خشيتُ أن يَقولَ الناسُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -". فدل على اجتهاد كان من عمر -رَحِمَهُ اللهُ- في ذلك الوقت لمعنى الله أعلم به. وقد يحتمل أَنْ يكون عمر -رَحِمَهُ اللهُ- كان عنده في ذلك الحين من لم يصحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل العراق وأهل الشام؛ لأن الله فتح عليه أبيض فارس والروم، ودخل في الإسلام كثير ممن يجوز عليهم الكذب؛ لأن الإيمان لم يستحكم في قلوب جماعة منهم، وليس هذه صفة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لأن الله قد أخبر أنهم خير أمة أخرجت للناس، وأنهم أشدَّاء على الكفار، رحماء بينهم، وأثنى عليهم في غير موضع من كتابه.

حكم من غسل ميتا

وإذا جاز الكذبُ، وأمكن في الداخلين إلى الإسلام؛ فيمكن أن يكون عمر مع احتياطه في الدين يخشى أن يختلقوا الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الرهبة والرغبة، أو طلبًا للحجة، وفرارًا إلى الملجأ والمخرج مما دخلوا فيه، لقلّة علمهم بما في ذلك عليهم، فأراد عمر أن يُرِيَهُم أن من فعل شيئًا ينكر عليه، ففزع إلى الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه، ليثبت له بذلك فعله، وجب التثبت فيما جاء به، إذا لم تُعرَفْ حالُه، حتى يصح قوله، فأراهم ذلك، ووافق أبا موسى -وإن كان عنده معروفًا بالعدالة، غير مُتَّهم- ليكون ذلك أصلًا عندهم. وللحاكم أن يجتهد بما أمكنه إذا أراد به الخير، ولم يخرج عمَّا أبيح له. والله أعلم بما أراد عمر بقوله ذلك لأبي موسى، وعلى هذا قول طاوس، قال: "كان الرجلُ إذا حدَّث عن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أُخِذَ حتى يجيء ببيِّنة، وإلا عوقب" -يعني: ممن ليس بمعروف بالعدالة، ولا مشهور بالعلم والثقة". ثم قال: "وفي قول عمر -رَحِمَهُ اللهُ- في حديث عبيد بن عمير -الذي ذكرناه في هذا الباب- "خفي عليَّ هذا من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ألهاني عنه الصفق في الأسواق"، اعتراف منه بجهل ما لم يعلم، وإنصاف صحيح، وهكذا يجب على كل مؤمن. وفي قوله: "ألهاني عنه الصفق بالأسواق" دليل على أن طلب الدنيا يمنع من استفادة العلم، وأن كل ما ازداد المرء طلبًا لها ازداد جهلًا، وقلَّ علمه، والله أعلم". * * * - حكم من غسَّلَ ميتًا، هل يغتسل أم لا؟ 445 - قال الإمام الدارقطني: حدثنا ابن صاعد، ثنا محمد بن عبد الله المخرمي، ثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي، ثنا وهيب، ثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "كنَّا نغسِلُ الميِّتَ، فمِنَّا من يَغْتَسِلُ، ومنَّا من لا يَغْتَسِل". صحيح. أخرجه الدارقطني في "سننه" (2/ 72)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (5/ 424).

الاغتسال عند الإحرام وعند دخول مكة

من طريق: أبي هشام المخزومي به. وصحَّح إسناده الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 146)، والألباني في "أحكام الجنائز" (ص 72 - المعارف). فدلَّ الأثر على أن الاغتسال من غسل الميت مستحب لا واجب. وانظر: "النكت العلمية على الروضة الندية" لشيخنا الفاضل عبد الله العبيلان -حفظه الله- (ص 94 - 96). * * * - الإغتسال عند الإحرام وعند دخول مكة: 446 - قال الدارقطني: نا إبراهيم بن حماد، نا أبو موسى، نا سهل بن يوسف، نا حميد، عن بكر، عن ابن عمر، قال: "إنَّ مِنَ السُّنَّةِ أن يغتَسِلَ إذا أرادَ أن يُحْرِمَ، وإذا أرادَ أن يَدْخُلَ مكَةَ". صحيح. أخرجه الدارقطني (2/ 220)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 407 - 408/ رقم: 15599 - العلمية) -شطره الأول- والحاكم (1/ 447)، والبزار والطبراني في "المعجم الكبير" -كما في "مجمع الزوائد" (3/ 217) -. من طريق: سهل بن يوسف به. وبكر هو: ابن عبد الله المزني. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في "الإرواء" (1/ 179): "وإنما هو صحيح فقط، فإن فيه سهل بن يوسف، ولم يروِ له الشيخان". وأخرج مالك في "الموطأ" (1/ 214) -في الحج- باب الغسل للإهلال، عن نافع، "أن عبد الله بن عمر كان يغتسل لإحرامه قبل أن يحرم، ولدخوله مكة، ولوقوفه عشية عرفة". * * * 447 - قال الإِمام مسلم: حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد، حدثنا أيوب، عن نافع: "أن ابن عمر كان لا يقدم مكة إلا بات بذي طوى؛ حتى

ما يقال عند الخوف من السلطان

يصبح ويغتسل، ثم يدخلُ مكة نهارًا. ويذكرُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله". أخرجه مسلم (1259/ 27). وأخرجه البخاري (1573) بلفظ: "كان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيتُ بذي طوى، ثم يصلي الصبح ويغتسل. ويحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله". * * * - ما يقال عند الخوف من سطو السلطان: 448 - قال الإمام البخاري: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا يونس، عن المنهال بن عمرو، قال: حدثني سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "إذا أَتَيْتَ سُلطانًا مَهِيبًا، تخافُ أَنْ يَسْطُوَ بكَ، فقُلْ: الله اكبر، الله أعزُّ مِنْ خَلْقِهِ جميعًا، اللهُ أعزُّ ممَّا أخافُ وَأحْذَرُ، أعوذُ باللهِ الذي لا إله إلا هُوَ، المُمْسِكِ السموات السَّبْع أن يقَعْنَ على الأبيضِ إلا بإذنه: من شرِّ عَبْدِكَ فلان، وجَنودِهِ وأتْبَاعِهِ وأَشياعِهِ من الجن والإنسِ، اللَّهمَّ كن لي جارًا من شرِّهم، جلَّ ثناؤكَ، وعزَّ جَارُكَ، وتباركَ اسمُكَ، ولا إله غيرُكَ"- ثلاث مرات. صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (708)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 23/ رقم: 29168 - العلمية)، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ رقم: 10599)، وفي "الدعاء" (1060). من طريق: يونس بن أبي إسحاق، عن المنهال به. والأثر صحَّحه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 538/ رقم: 2238)، وفي تعليقه على "الأدب المفرد". وقد روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا وموقوفًا، والمرفوع منه ضعيف، والموقوف صحيح؛ كما تراه مفصَّلًا في "الضعيفة" (2400).

ما يفعل العائن إذا عان إنسانا

- ماذا يفعل العائن إذا عَانَ إنسانًا؟ 449 - قال الإمام أبو داود: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها -، قالت: "كان يُؤمَرُ العائنُ؛ فيتوضأ، ثم يغتسل منه المَعِينُ". صحيح. أخرجه أبو داود (3880)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبير" (9/ 351). وإسناده صحيح. فقه الأثر: فيه السُّنَّة المتَّبعة إذا أصاب إنسانٌ آخر بالعين، وهي أن يتوضأ له، ثم يغتسل المعين بهذا الوضوء. وقد ثبت هذا مرفوعًا في حديث أمامة بن سهل بن حُنيف، قال: "رأى عامرُ بنُ ربيعة سهلَ بنَ حُنيف يغتسل، فقال: والله ما رأيتُ كاليوم، ولا جلد مخبَّأة. قال: فلُبِطَ -أي: صُرِعَ وسقط إلى الأبيض- سهلٌ. فأُتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقيل له: يا رسول الله، هل لك في سهل بن حنيف، والله ما يرفع رأسه. فقال: "هل تتَّهمون له أحدًا"؟ فقالوا: نتَّهِمُ عامرَ بنَ ربيعة. قال: فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عامرًا، فتغلَّظ عليه، فقال: "عَلاَمَ يقتلُ أحدُكم ألا برَّكْتَ؟! اغْتَسِلْ له". فغسل له عامرٌ وجْهَهُ، ويديه، ومرفقيه، وركبتيه، وأطرافَ رجليه، وداخِلَةَ لإزاره؛ في قدحٍ، ثم صبَّ عليه، فراحَ مع الناس، ليس به بأس". وفي لفظ للإمام مالك -رَحِمَهُ اللهُ- قال أبو أمامة: "اغتسل أبي -سهلُ بنُ حُنيف -بالخرَّار- موضع قرب الجُحفة-، فنزَعَ جُبَّةٌ كانت عليه، وعامرُ بنُ ربيعة ينظر -قال: وكان سهلٌ رجلًا أبيضَ حسنَ الجلد-. قال: فقال له عامر بن ربيعة: ما رأيتُ كاليوم؛ ولا جلدَ عذراء!

الفصل بين صلاة الفرض وصلاة التطوع

قال: فوعك سهلٌ مكانَه، واشتدَّ وعْكُهُ. فأُتي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأُخْبِرَ أن سهلًا وُعِكَ، وأنه غير رائحٍ معك يا رسول الله. فأتاه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبره سهلٌ بالذي كان من شأن عامر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه؟! ألا برَّكْتَ! إن العينَ حقٌّ، توضأ له". فتوضأ له عامر، فراحَ سهلٌ مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليس به بأس". أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 938)، وأحمد (3/ 486 - 487)، وابن ماجه (3519)، والبيهقي (9/ 351 - 352) وغيرهم. وذكر البيهقي عقبه عن الزهري، قال: "الغسلُ الذي أدركنا علماءنا يَصفونَهُ: أن يؤتى الرجلُ الذي يعينُ صاحبَه بالقدح فيه الماء، فيُمْسَكُ له مرفوعًا من الأبيض، فيُدْخِلُ الذي يعينُ صاحِبَهُ يدَه اليمنى في الماء، فيصب على وجهه صبَّةً واحدةً في القدح، ثم يُدْخِلُ يدَهُ فيمضمضُ، ثم يمجَّه، ثم يدخل يده اليسرى، فيغترف من الماء، فيصبه في الماء، فيغسل يده اليمنى إلى المرفق بيده اليسرى صبة واحدة في القدح، ثم يدخل يديه جميعًا في الماء صبَّةً واحدةً في القدح، ثم يدخل يده فيمضمض ثم يمجه في القدح، ثم يدخل يده اليسرى، فيغترف من الماء، فيصبه على ظهر كفه اليمنى صبة واحدة في القدح، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق يده اليمنى صبة واحدة في القدح، وهو ثاني يده إلى عنقه، ثم يفعل مثل ذلك في مرفق يده اليسرى، ثم يفعلُ ذلك في ظهر قدمه اليمنى من عند الأصابع، واليسرى كذلك، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى، ثم يفعل باليسرى مثل ذلك، ثم يغمس داخلة إزاره اليمنى في الماء، ثم يقوم الذي في يده القدح بالقدح، فيصبه على رأس المعيون من ورائه، ثم يكفأ القدح على وجهه الأرض من ورائه". * * * - الفصل بين صلاة الفرض وصلاة التطوع: 450 - عن عمر بن عطاء بن أبي الخوار، أن نافع بن جبير أرسَلهُ إلى السائب ابن أخت نمر، يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة.

يوم الحج الأكبر: يوم النحر

فقال: "نعم، صلَّيْتُ معه الجمعة في المقصورة، فلما سلَّم الإمامُ قمتُ في مقامي، فصلَّيتُ، فلما دخلَ أرسل إليَّ، فقال: "لا تَعُدْ لما فعلتَ، إذا صَلَّيتَ الجمعةَ فلا تَصِلْهَا بصلاة حتى تكلَّمَ أو تخرجَ؛ فإنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا بذلك؛ أن لا تُوصَلَ صلاةٌ بصلاةٍ حتى نتكلَّمَ أو نخرجَ". أخرجه مسلم (883) وأبو داود (1129). وفيه من الفقه: أن من السُّنَّة أن يفصل بين صلاة الفرض والنفل في الجمعة وغيرها بقيام أو كلام أو نحوه. * * * - يومُ الحجِّ الأكبر: يومُ النحر: 451 - قال الإمام أبو داود: حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، أنَّ الحكمَ بن نافع حدَّثهم: حدثنا شعيب، عن الزهري، حدثني حميد بن عبد الرحمن، أنَّ أبا هريرة قال: "بَعَثَنِي أبو بكرِ فيمن يؤذِّنُ يومَ النَّحْرِ بمنى: أن لا يحجَّ بَعْدَ العام مشركٌ، ولا يطوفَ بالبيتِ عريان. ويوم الحجِّ الأكبر: يومُ النَّحْرِ، والحجُّ الأكبرُ: الحجُّ". صحيح. أخرجه أبو داود (1946). وأخرجه البخاري (1622)، ومسلم (1347) بنحوه. ولفظ مسلم: "قال أبو هريرة: بعثني أبو بكر الصديق في الحَجَّةِ التي أمَّرَهُ عليها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قبل حجة الوداع، في رهطٍ؛ يؤذّنونَ في الناس يوم النحر: لا يحجُّ بعد العام مشرك، ولا يطوفُ بالبيتِ عريانٌ. قال ابن شهاب: فكان حُميد بنُ عبد الرحمن يقول: يومُ النحرِ يومُ الحجّ الأكبر. من أجلِ حديث أبي هريرة".

من فضائل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

- من فضائل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: 452 - قال الإمام مسلم -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أبو كُريب، محمد بن العلاء، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا قطبة - (هو ابن عبد العزيز) - عن الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن أبي الأحوص، قال: كنا في دار أبي موسى مع نفرٍ من أصحاب عبد الله، وهم ينظرون في مصحفٍ، فقام عبد الله، فقال أبو مسعود: "ماَ أعلمُ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تَرَكَ بَعْدَهُ أَعْلَمَ بما أنزلَ الله من هذا القائم". فقال أبو موسى: "أمَا لئن قلتَ ذاكَ، لقد كان يَشْهَدُ إذا غِبْنَا، ويُؤْذَنُ له إذا حُجِبْنَا". أخرجه مسلم (2461)، والطبراني في "المعجم الكبير" (8/ رقم: 8495)، والحاكم (3/ 316)، وابن حزم في "الإحكام" (6/ 63)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (33/ 143 - 144). من طرق؛ عن الأعمش به. وسقط ذكر أبي الأحوص من إسناد الحاكم. * * * - ما جاء في الصُّوَر: 453 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثنا قتيبةُ، حدثنا الليثُ، عن بُكَيْرٍ، عن بُسْرِ بن سعيد، عن زيد بن خالد، عن أبي طلحة -صاحبِ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "إنَّ الملائكةَ لا تَدْخلُ بيتًا فيه الصُّورَةُ". قال بُسْرٌ: "ثم اشتكى زيدٌ، فعُدْنَاهُ، فإذا على بابه سِتْرٌ فيه صورة، فقلتُ لعبيد الله [الخولاني]-ربيب ميمونةَ زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: ألم يخبِرْنا زيدٌ عن الصُّوَرِ يومَ الأوَّلَ"؟! فقال عُبيد الله: "ألم تَسْمَعْهُ حين قال: إلا رَقْمًا في ثوبٍ"؟ ".

ما جاء في الصور

أخرجه البخاري (5958)، ومسلم (2106/ 85، 86). فقه الأثر: قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمة الله عليه- في "الجواب المفيد في حكم التصوير" (ص 19): "وأما قوله في حديث أبي طلحة، وسهل بن حنيف: (إلا رقمًا في ثوب)، فهذا استثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصوير، وذلك واضح من سياق الحديث، والمراد بذلك: إذا كان الرقمُ في ثوبٍ ونحوهِ يُبْسَطُ ويُمْتَهَنُ، ومثله الوسادة الممتهنة كما يدل عليها حديث عائشة المتقدم في قطعها الستر، وجعله وسادة أو وسادتين .. ". ثم قال -رَحِمَهُ اللهُ- (ص 23 - 25): "ومن تأمل الأحاديث المتقدمة تبيَّنَ له دلالتها على تعميم التحريم، وعدم الفرق بين ما له ظل وغيره، كما تقدم توضيح ذلك. فإن قيل: قد تقدم في حديث زيد بن خالد، عن أبي طلحة: أن بُسْرَ بنَ سعيد -الراوي عن زيد- قال: "ثم اشتكى زيدٌ، فعُدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة". فظاهر هذا يدلُّ على أن زيدًا يرى جواز تعليق الستور التي فيها الصور. فالجواب: أن أحاديث عائشة المتقدمة وما جاء في معناها دالة على تحريم تعليق الستور التي فيها الصور، وعلى وجوب هتكها، وعلى أنها تمنعُ دخولَ الملائكة. وإذا صَحَّت الأحاديثُ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم تجز معارضتها بقولِ أحدِ من الناس ولا فعله، كائنًا من كان، ووجَبَ على المؤمن اتباعها والتمسك بما دلَّتْ عليه، ورفض ما خالفه، كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]، وقال تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54)} [النور: 54]، فقد ضمن الله سبحانه في هذه الآية الهداية لمن أطاع الرسول. وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].

النهي عن نعي الميت

ولعلَّ زيدًا - رضي الله عنه - لم يعلم الصورة التي في الستر المذكور، أو عَلِمَها، لكن استجازه لأنه لم تبلغه الأحاديث الدالة على تحريم تعليق الستور التي فيها الصور، فأخذ بظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إلا رقمًا في الثوب)، فيكون معذورًا لعدم علمه بها. وأما من علم الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم نصب الستور التي فيها الصور؛ فلا عذر له في مخالفتها ... ". * * * 454 - وروى الإمام مالك، عن أبي النَّضْرِ، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبةَ بن مسعود، أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يَعودُهُ، قال: فوجَدَ عنده سهلَ بنَ حُنَيْفٍ، فدعا أبو طلحة إنسانًا، فنزعَ نَمَطًا من تحته، فقال له سهلُ بنُ حُنيفٍ: "لم تَنْزَعْهُ"؟!. قال: "لأن فيها تصاوير، وقد قال فيها رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما علِمْتَ". فقال سهل: "ألم يقُلْ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إلا ما كان رَقمًا في ثوب"؟ قال: بلى، ولكنه أطيبُ لنفسي". أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 966/ 7) في الاستئذان، وأحمد في "المسند" (3/ 486) أو رقم (16026 - قرطبة)، والترمذي (1750)، والنسائي في "الكبرى" (9766)، وفي "المجتبى" (8/ 212)، وغيرهم. من طريق: أبي النضر به. وصححه الترمذي، وقال الشيخ الألباني في "غاية المرام" (ص 134): "إسناده صحيح على شرط الشيخين". * * * - النهيُ عن نَعْيِ الميت: 455 - قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: ثنا يحيى بن آدم، ثنا حبيب بن سليم العبسي، عن بلال العبسي، عن حذيفة، أنه كان إذا ماتَ له ميتٌ، قال:

"لا تؤذنوا به أحدًا، إني أخافُ أن يكونَ نَعْيًا؛ إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ينهى عن النَّعْيِ". حسن. أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 406) أو رقم (23562 - قرطبة)، والترمذي (986)، وابن ماجه (1476)، والبيهقي (4/ 74). من طريق: حبيب بن سليم به. وحسنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (3/ 17)، والشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (ص 44 - المعارف). فقه الأثر: فيه النهي عن نعي الميت. والنعي المنهي عنه: هو الذي كان يفعله أهل الجاهلية، من الصياح على أبواب البيوت والأسواق، أما النعي بالإخبار، فهذا جائز لا إشكال فيه. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "أحكام الجنائز" (ص 44): "والنَّعيُ لغةً: هو الإخبار بموت الميت؛ فهو يَشْتملُ كلَّ إخبار، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدلُّ على جواز نوع من الإخبار، وقيَّدَ العلماءُ بها مُطْلَقَ النهي، وقالوا: إن المرادَ بالنعي الإعلانُ الذي يُشْبِة ما كان عليه أهلُ الجاهلية من الصياح على أبواب البيوتِ والأسواقِ، كما سيأتي، ولذلك قلت: النعيُ الجائز ... ". ثم ذكر -رَحِمَهُ اللهُ- أحاديث تدل على جواز النعي بإعلان الوفاة، فانظرها في المصدر السابق. قال ابن العربي المالكي في "عارضة الأحوذي" (4/ 206): "يؤخذ من مجموع الأحاديث ثلاثة حالات: الأولى: إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح؛ فهذا سُنَّة. الثانية: دعوة الحفل للمفاخرة؛ فهذه تكره. والثالثة: الإعلام بنوع آخر، كالنياحة ونحو ذلك؛ فهذا يحرم" اهـ.

من أحوال المنافقين

456 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا شعبة، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة بن اليمان، قال: "إنَّ المنافقِين اليومَ شرٌّ منهم على عهد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كانوا يومئذٍ يُسرُّونَ، واليومَ يَجْهَرُونَ". أخرجه البخاري (7113)، والنسائي في "الكبرى" (6/ 491/ رقم: 11595)، وأبو نعيم في "صفة النفاق" (112، 113)، وأبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (1/ 130)، والفريابي في "صفة النفاق" (76). من طريق: واصل الأحدب به. وأخرجه وكيع في "الزهد" (475)، والطيالسي في "مسنده" (410)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 280)، وفي "صفة النفاق" (110، 111)، والبزار في "مسنده" (7/ 283، 284/ رقم: 2870، 2871 - البحر الزخار)، والفريابي في "صفة النفاق" (75)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (15/ 109)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1/ 230/ رقم: 733 - ط. الخانجي)، والخلَّال في "السُّنَّة" (1643)، وأبو إسماعيل الهروي في "ذم الكلام" (1/ 397 - 398/ رقم: 94)، وابن بطة في "الإبانة" (912)، والخطيب البغدادي في "الموضح لأوهام الجمع والتفريق" (2/ 504). من طريق: سليمان بن مهران الأعمش، عن شقيق بن سلمة أبي وائل به. وأخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (313) من طريق: يعلى بن عبيد، ثنا أبو عمرو، عن عاصم، عن زر، عن حذيفة به. * * * 457 - قال الإمام محمد بن يزيد القزويني (ابن ماجه): حدثنا عمرو بن سوَّادٍ المصريُّ، ثنا عبدُ اللهِ بن وهبٍ، عن ابنِ لهيعة، عن عُقَيْلٍ، عن ابن شهاب، حدثني خالد بن أسلم -مولى عمر بن الخطاب- قال: خرجْت مع عبد اللهِ بن عمر، فلَحِقَهُ أعرابيٌّ، فقال له: قولُ اللهِ: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 34]؟ فقال له ابنُ عمر: "مَنْ كنزَهَا فلم يُؤَدِّ زكاتها؛ فويلٌ له، إنما كان هذا

قبلَ أن تُنَزَّلَ الزكاةُ، فلما أُنزِلَتْ جعلها اللهُ طَهُورًا للأموالِ". ثم التفت فقال: "ما أُبالي لو كان لي أُحدٌ ذهبًا؛ أعلمُ عدَدَهُ وأزكِّيه، وأعملُ فيه بطاعةِ الله". صحيح. أخرجه ابن ماجه (1787) أو (1814 - ط. الشيخ علي الحلبي)، والبيهقي في "السنن الكبير" (4/ 82)، وأبو داود في "الناسخ والمنسوخ" -كما في "الفتح" (3/ 320) -، وعلَّقه البخاري مجزومًا به برقم (1404، 4661) -طرفه الأول-. من طريق ابن شهاب به. وطريق: البيهقي وأبي داود والبخاري: عن أحمد بن شبيب بن سعيد، حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب به. قال البوصيري في زوائده على "السنن" لابن ماجه: "هذا إسناد ضعيف، لضعف ابن لهيعة، ورواه البخاري من طريق: الزهري، دون قوله: "ثم التفت، فقال" .. إلى آخره. ورواه أبو داود في "الناسخ والمنسوخ" عن يحيى بن محمد الذُّهلي، عن أحمد بن شبيب، عن أبيه، عن يونس، عن الزهري. ورواه الحاكم من طريق أحمد بن شبيب، ومن طريق الحاكم رواه البيهقي. ورواه ابن مردويه في "تفسيره" عن دعلج بن أحمد بن دعلج، عن أبي عبد الله بن علي بن زيد الصائغ، عن أحمد بن شبيب. ورواه أبو نعيم في المستخرج من طريق: موسى بن سعيد الدنداني، عن أحمد بن شبيب" اهـ. قلت: تضعيف إسناده لا يسلّم به، فهو من رواية عبد الله بن وهب عن ابن لهيعة، وهي رواية قديمة صحيحة قبل احتراق كتب ابن لهيعة. أضف إلى ذلك متابعة طريق أحمد بن شبيب. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (2/ 102 - 103): "وإسناده صحيح، وهو وإن كان موقوفًا فهو في حكم المرفوع؛ لأنه في أسباب

النزول، وذلك لا يكون إلا بتوقيف من الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وحديث ابن عمر هذا هامٌ جدًّا في تفسير آية الإنفاق هذه، فإن ظاهرها وجوب إنفاق جميع ما عند المسلم من الذهب والفضة، وقد أخذ بهذا الظاهر بعض الأحزاب الإسلامية في العصر الحاضر، ولم يلتفتوا إلى هذا الحديث المبيِّن للمراد منها، وأنها كانت قبل فرض الزكاة المطهِّرة للأموال، فلما نزلت قيدت الآية، وبينت أن المقصود منها إنفاق الجزء المفروض على الأموال من الزكاة، وعلى ذلك دلت سائر الأحاديث التي وردت في الترهيب من منع الزكاة، وكذلك سيرة السلف الصالح، فإن من المقطوع به أن عثمان وعبد الرحمن بن عوف وغيرهما من أغنياء الصحابة لم ينفقوا أموالهم كلها، بل ماتوا وقد خلَّفوا لورثتهم أموالًا طائلة، كما هو مذكور في كتب السيرة والتراجم. ثم قال: وقد روى مالك (1/ 256) عن عبد الله بن دينار أنه قال: سمعتُ عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو؟ فقال: "هو المال الذي لا تؤدَّى منه الزكاة". وإسناده صحيح غاية" اهـ. قلت: وانظر الأثر الذي بعده. * * * 458 - قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، ثنا وكيع، عن عبد العزيز، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "ما أُدِّيَ زكاته فليس بكنز؛ وإن كان تحت سبع أرضين، وما لم تؤدِّ زكاته فهو كنز وإن كان ظاهرًا". صحيح. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (6/ 1788 / رقم: 10081)، وابن جرير الطبري في "جامع البيان" (10/ 134 - 135). من طرق؛ عن نافع به. ورواه عن نافع: أيوب، وإسماعيل بن أمية، ويحيى بن سعيد، وغيرهم. * * * 459 - قال الإمام محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا محمد بن يحيى،

تحدي المشركين لأبي بكر الصديق في نزول قوله تعالى: {الم (1) غلبت الروم (2) في أدنى الأرض} الآيات

قال: ثنا سُرَيْجُ بنُ النعمان -صاحب اللؤلؤ-، عن ابن أبي الزناد، عن أبي الزناد، عن عروة بن الزبير، عن نِيَارِ بنِ مُكْرِم الأسلمي -صاحب وسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "لما نزلَتْ {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)}، خرج رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فجعل يقرأ: {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} {الم (1) غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ ...}. فقال رؤساء مشركي مكة: يا ابن أبي قحافة! هذا مما أتى به صاحبك. قال: "لا والله؛ ولكنه كلامُ اللهِ وقولُهُ". فقالوا: فهذا بيننا وبينك إن ظهرت الروم على فارس في بضع سنين، فتعالَ نُنَاحِبُكَ -يريدون: نراهنُكَ- وذلك قبل أن ينزلَ في الرهان ما نزل. قال: فراهنوا أبا بكر، ووضعوا رهائنهم على يدي فلان. قال: ثم بكَّروا، فقالوا: يا أبا بكر، البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فاقطع بيننا وبينك شيئًا ننتهي إليه". حسن. أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 504 - 405/ رقم 236)، وعبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (رقم: 116)، والبيهقي في "الإعتقاد" (ص 107 - 108/ ط. أبي العينين)، وفي "الأسماء والصفات" (1/ 585/ رقم: 510)، والتيمي الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/ 262 و 291/ رقم: 112 و 152)، والترمذي (3194) -بنحو منه- وابن بطة في "الإبانة" (2/ 483 - 484)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (5/ 374). وعلَّقه البخاري في "خلق أفعال العباد" (رقم: 92). من طريق: سُريج به. قال الحافظ البيهقي في "الأسماء والصفات": "وهذا إسناد صحيح".

أخذ الجزية من المجوس

قلت: بل هو حسن فقط؛ فإن فيه عبد الرحمن بن أبي الزناد، وهو حسن الحديث، قال الذهبي في "الميزان": "قد مشَّاه جماعة وعدّلوه، وكان من الحفاظ المكثرين، ولا سيما عن أبيه وهشام بن عروة، حتى قال يحيى بن معين: هو أثبت الناس في هشام". * * * - أخذ الجزية من المجوس: 460 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثنا عليُّ بن عبد الله، حدثنا سفيان، قال: سمعتُ عَمْرًا قال: "كنتُ جالسًا مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس، فحدَّثهما بجَالَةُ سنة سبعين -عام حجَّ مصعبُ بن الزبير بأهل البصرة- عند درج زمزم، قال: كنتُ كاتبًا لجَزْء بن معاوية -عمِّ الأحنف- فأتانا كتابُ عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: "فَرِّقوا بين كلِّ ذي مَحْرَمٍ من المجوس". ولم يكن عمرُ أخذَ الجزية من المجوس، حتى شهد عبدُ الرحمن بن عوف: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هَجَرَ". أخرجه البخاري (3156)، والنسائي في "الكبرى" (8768)، والحميدي في "مسنده" (رقم: 54)، وغيرهم. وانظر شرح الأثر في "الفتح". وقد رواه بعضهم بلفظ أتم مما هنا، كما في هذا الأثر: * * * 461 - عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعتُ بَجَالة التميمي، قال: "كنتُ كاتبًا لجَزْء بن معاوية -عمِّ الأحنف بن قيس-، فأتى كتابُ عمر قبل موتهِ بسنةٍ: "أنِ اقتلوا كلَّ ساحرِ، وفَرِّقوا بين كلِّ ذي مَحْرَمٍ من المجوسِ، وانْهَهُمْ عن الزَّمْزَمَةِ". قال: فقَتَلْنَا ثلاثَ سواحِرَ. قال: وصنَعَ جزءٌ طعامًا كثيرًا، فدعا المجوسَ، فألقوا أَخِلَّةَ كانوا

يأكلونَ بها قدر وقر بغلٍ أو بغلين من ورقٍ، وأكلوا بغير زَمْزَمَةٍ. قال: ولم يكن عمر أخَذَ الجزيةَ من المجوسِ حتى شَهِدَ عبد الرحمن بن عوف: أن رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أخذها من مجوس هجر". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (6/ 49/ رقم: 9972) و (10/ 180، 367/ رقم: 18746، 19390)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 136/ رقم: 9031 - الهندية)، والبخاري (3156) -مختصرًا- وأحمد في "المسند" (1/ 19 - 191) أو رقم (1657 - شاكر)، وأبو داود (3043)، والترمذي (1586)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 166 - 168/ رقم: 860، 861)، وأبو عبيد في "الأموال" (رقم: 77)، وابن زنجويه في "الأموال" (123)، والبيهقي (8/ 247 - 248) و (9/ 189)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 1105)، وأبو يوسف في "الخراج" (ص 139)، وغيرهم -وبعضهم رواه مختصرًا-. من طرق؛ عن عمرو بن دينار به. والزمزمة: كلام يقوله المجوس عند أكلهم بصوت خفي. وفي الأثر من الفقه: 1 - الأمر بقتل الساحر، وهذا الأمر لمن بيده الأمر وليس لكل أحد كما هو معلوم. 2 - التفريق بين كل ذي محرم من المجوس، إذ المجوس يتناكحون فيما بينهم بنكاح المحارم = كأن يتزوج الرجل أخته أو خالته أو عمته! .. وهكذا .. فأمر عمر بالتفريق بين كل متناكحين بهذا النكاح المحرم. 3 - وفيه أن المجوس يؤخذ منهم الجزية كما هو الأمر في أهل الكتاب. وهل المجوس يعاملون معاملة أهل الكتاب في كل أمورهم؟ محل خلاف بين أهل العلم، ليس هذا محل تفصيله، لكن الراجح فيه أنهم يعاملون معاملة أهل الكتاب فيما جاء الشرع بإقراره -كالجزية -كما حققه الشيخ تقي الدين ابن تيمية وغيره-، والله أعلم.

كيف يصنع المسلم إذا اقتتل المصلون؟

- كيف يممنع المسلم إذا اقتتل المصلُّون: 462 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن ربعي، قال: قال رجلٌ لحذيفة: حيف أصنعُ إذا اقتَتَلَ المصلُّونَ؟ قال: "تَدْخلُ بيتَكَ". قال: قلتُ: كيف أصنعُ إذا دخَلَ بيتي؟ قال: "قلْ: إني لنْ أقتُلكَ؛ إني أخافُ اللهَ ربَّ العالمين". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 450/ رقم: 37123 - العلمية)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 444 - 445). من طريق: سفيان به. ومنصور؛ هو: ابن المعتمر، وربعي؛ هو: ابن خراش. وصححه الحاكم على شرط الشيخين. وانظر "إرواء الغليل" (8/ 102). * * * - تلطيخُ رأسِ المولود بالخَلوق: 463 - قال الإمام الحافظ أبو داود السجستاني -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أحمد بن محمد بن ثابت، حدثنا علي بن الحسين، حدثني أبي، حدثنا عبد الله بن بريدة، قال: سمعتُ أبي -بُريدة- يقول: "كنَّا في الجاهليةِ إذا وَلِدَ لأحدِنَا غلامٌ ذبَحَ شاةً، ولطخَ رَأْسَهُ بدمِها، فلما جاء اللة بالإسلام كنَّا نذبحُ شاةً، ونحلق رأسَهُ، ونلطخهُ بالزعفران". حسن. أخرجه أبو داود (2843)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 456، 460)، والحاكم (4/ 238)، والبيهقي في "السنن الكبير" (9/ 302 - 303). من طريق: الحسين بن واقد به.

فضل أولي العزم

قال الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (4/ 389) -عقب نقله لتصحيح الحاكم للأثر على شرط الشيخين- قال: "إنما هو على شرط مسلم وحده، فإن الحسين بن واقد لم يخرج له البخاري إلا تعليقًا .. ". وقال في "صحيح أبي داود" (8/ 194/ رقم: 2533 - غراس): "وهذا إسناد حسن؛ رجاله ثقات رجال مسلم، على ضعف يسير في علي بن الحسين، وأبيه الحسين بن واقد". ثم ذكر الشيخ الروايات المرفوعة في الباب، فانظرها في "الإرواء". وفي الأثر: الدلالة على تحريم ما يفعله بعض الناس من تلطيخ رأس مولودهم بالدم، وأن هذا من عادات الجاهلية التي أبطلها الإسلام. * * * - فضلُ أولي العزم: 464 - قال الحافظ البزار: حدثنا عمرو بن علي، ثنا أبو أحمد، ثنا حمزة الزيّات، حدثني عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: "خيارُ ولدِ آدم خمسة: نوح، وإبراهيم، وعيسى، وموسى، ومحمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وخيرهم محمد - صلى الله عليه وسلم -، وصلَّى اللهُ عليهم أجمعين وسلَّم". حسن. أخرجه البزّار (3/ 114/ رقم: 2368 - كشف الأستار)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 546). من طريق: حمزة بن حبيب الزيّات به. وهذا إسناد حسن؛ إن لم يكن صحيحًا. ففي حمزة بن حبيب الزيّات كلام لا ينزله عن رتبة الحسن، بل قد أطلق توثيقه غير واحد، منهم الإمام أحمد وغيره، وما تكلم فيه غير الساجي، وإنما نقموا عليه وتكلموا فيه لأجل قراءته. وقال الهيثمي في "المجمع" (8/ 254): "رجاله رجال الصحيح". والأثر ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الجامع" (2876) بعد أن رمز في تخريجه لابن عساكر، ولم يذكر البزار ولا الحاكم، ولم أقف على إسناد

حرص التابعين على سماع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ورحلتهم من أجله

ابن عساكر، فلعله غير هذا الإسناد، ولعله روي عنده مرفوعًا، فلينظر، والله أعلم. * * * - حرص التابعين على سماع حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورحلتهم من أجله: 465 - قال الإمام أبو محمد الدارمي: أخبرنا عمرو بن زرارة، أنبانا أبو قطن عمرو بن الهيثم، عن أبي خلدة، عن أبي العالية، قال: "إِنْ كُنَّا نَسْمَعُ الرِّوايَةَ بالبَصْرَةِ عَنْ أَصْحَاب النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلم نَرْضَ حتَّى رَكِبْنَا إلى المدينةِ، فَسَمِعْنَاهَا مِنْ أَفْوَاهِهِمْ". صحيح. أخرجه الدارمي في "المسند" -أو السنن- (1/ 464 - 465/ رقم: 583 - الداراني)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 441 - 442)، والخطيب البغدادي في "الرحلة في طلب الحديث" (رقم: 21)، وفي "الجامع لأخلاق الراوي" (2/ 335 - 336/ رقم: 1746 - الرسالة)، وأبو زرعة الرازي في "تاريخه" (رقم: 924)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (1/ 56). من طريق: أبي قطن به. وأبو خلدة هو: خالد بن دينار التميمي السعدي البصري. وفي الأثر: بيان ما كان عليه التابعون من حرصٍ على سماع الحديث، والرحلة من أجل سماعه، زيادة في التثبُّت والضبط، فللَّه درّهم ما كان أعلى هممهم! * * * 466 - وعن سعيد بن المسيب، قال: "إِنْ كنتُ لأَرْحَلُ الأَيَّامَ واللَّياليَ في طَلَبِ الحديثِ الواحدِ". صحيح. أخرجه الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص 223/ رقم: 111). من طريق: مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب به. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبير" (2/ 381)، والفسوي في "التاريخ

فضل قراءة القرآن

والمعرفة" (1/ 468 - 469)، والخطيب البغدادي في "الرحلة في طلب الحديث" (رقم: 41، 42)، وفي "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 339/ رقم: 1750)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (/ 1/ 396 رقم: 570). من طرف، عن مالك، عن سعيد بن المسيب به. وهو منقطع بين مالك وسعيد، وقد جاء عند بعضهم: عن مالك بن أنس أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: ... فذكره. وأخرجه الخطيب في "الرحلة" (43، 44)، وفي "الجامع" (1751)، والحاكم في "معرفة علوم الحديث" (رقم: 14 - ط. ابن حزم)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 395/ رقم: 569). من طريق: مالك، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب به. * * * - فضل قراءة القرآن: 467 - قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا جرير، عن منصور، عن هلال، عن فروة بن نوفل الأشجعي، قال: "كنت جارًا لخبَّاب، فخرجتُ يومًا من المسجد -وهو آخِذٌ بيدي- فقال: "يا هنَّاه! تقرَّبْ إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- بما استطعتَ، فإنَّكَ لن تقرَّبَ إليه بشيءٍ أحب إليه من كلامه [يعني القرآن] ". صحيح. أخرجه أحمد في "الزهد" (رقم: 192 - ط. دار الكتاب العربي)، وابنه عبد الله في "السُّنَّة" (رقم: 111 - 113)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 510 - 511)، وعثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (رقم: 310)، والآجري في "الشريعة" (1/ 216/ رقم: 169 - ط. الوليد سيف النصر)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 77 - ط. دار ابن كثير)، والبيهقي في "الإعتقاد" (ص 108 - ط. أبي العينين)، وفي "الأسماء والصفات" (1/ 587، 588/ رقم: 513، 514 - ط. الحاشدي)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 441)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 558)، وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 19 - 20/ الرد على الجهمية). من طرق؛ عن منصور به.

مجيء وفد بزاخة أسد وغطفان إلى أبي بكر الصديق يسألونه الصلح، وحكاية ما جرى بينهم

والزيادة التي في آخره من "السُّنَّة" لعبد الله بن أحمد. ومنصور؛ هو: ابن المعتمر. وهلال؛ هو: ابن يِسَاف الأشجعي. والأثر صحَّح إسناده البيهقي والحاكم، والذهبي، وهو كما قالوا -رحمهم الله-. * * * 468 - قال ابن أبي شيبة -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن قيس بن أسدم، عن طارق بن شهاب، قال: "جاء وفدُ بزاخة أسد وغطفان إلى أبي بكر، يسألونه الصُّلحَ، فخيرهم أبو بكر بين الحرب المجلية أو السلم المخزية، قال: فقالوا: هذا الحربُ المجلية قد عرفناها، فما السلم المخزية؟. قال: قال أبو بكر: "تُؤَدُّونَ الحَلْقَةَ والكُرَاعَ، وتتركون أقوامًا تتبعون أذناب الإبل، حتى يُرِيَ اللهُ خليفةَ نبيِّهِ - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أمرًا يعذرونكم به، وتَدُونَ قتلانا ولا ندي قتلاكم، وقتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، وتردون ما أصَبْتُم منَّا، ونغنمُ ما أصبنا منكم". فقام عمر، فقال: "قد رأيتَ رأيًا، وسنشيرُ عليك، أما أن يؤدُّوا الحلقة والكراع، فنعمَ ما رأيتَ، وأما أن يتركوا أقوامًا يتبعون أذناب الإبل، حتى يُرِيَ اللهُ خليفةَ نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين أمرًا يعذرونهم به، فنعمَ ما رأيتَ، وأما أن نغنمَ ما أصبْنَا منهم ويردُّون ما أصابوا منَّا؛ فنعم ما رأيتَ، وأما أن قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة، فنعمَ ما رأيتَ، وأما أن لا ندي قتلاهم، فنعم ما رأيت، وأما أن يدوا قتلانا، فلا، قتلانا قُتِلُوا عن أمر الله، فلا ديات لهم". فتتابع الناسُ على ذلك. صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 440 - 441/ رقم: 32721 - العلمية)، وأحمد في "فضائل الصحابة" (رقم: 1698)، والطبراني في

من علامات الساعة

"المعجم الأوسط" (2/ 567 - 568/ رقم: 1974 - الطحان) أو (2/ 270/ رقم: 1953 - الحرمين)، والبيهقي في "السنن الكبير" (8/ 183، 184، 335). من طرق؛ عن قيس بن مسلم به. وهذا إسناد صحيح. وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (6/ 222): "رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه إبراهيم بن بشار الرمادي، وفقه ابن حبان وغيره، وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح". قلت: قد صحَّ الأثر من غير طريق، عن قيس بن مسلم به. وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/ 319): "رواه البخاري من حديث الثوري بسنده مختصرًا". * * * - مِنْ عَلامَاتِ السَّاعَةِ: 469 - قال أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا زيد بن حباب، قال: أخبرنا معاوية بن صالح، قال: أخبرني عمرو بن قيس الكندي، قال: سمعتُ عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَظْهَرَ القولُ ويخزن، ويرتفعَ الأشرارُ، ويُوضَعَ الأخيارُ، وتُقْرَأَ المثاني -وفي رواية: (المثناة) - عليهم؛ فلا يعيبها أحدٌ منهم". قال: قلتُ: ما المثاني - (المثناة) -؟ قال: "كل كتاب سوى كتابِ اللهِ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (15/ 165/ رقم: 19395 - الهندية) أو (7/ 501/ رقم: 37538 - العلمية)، وأبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 71 - ط. دار ابن كثير)، وفي "غريب الحديث" (4/ 281)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 554 - 555)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 305/ رقم: 1599)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/ 593)، وأبو عمرو الداني في

"السنن الواردة في الفتن" (رقم: 400، 403)، ونعيم بن حماد في "الفتن" (1/ 243). من طرق؛ عن عمرو بن قيس به. ورواه عنه: 1 - معاوية بن صالح. 2 - وإسماعيل بن عياش، وروايته صحيحة لأن عمرو بن قيس شامي حمصي. 3 - والأوزاعي. ورواه عنه يحيى بن حمزة مرفوعًا. أخرجه الحاكم (4/ 554). والأثر صحيح؛ صححه الحاكم، والذهبي، والألباني في "الصحيحة" (2821). فقه الأثر: قال العلّامة الألباني في "الصحيحة" (6/ 775 - 776): "هذا الحديث من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -، فقد تحقَّق كل ما فيه من الأنباء، وبخاصة منها ما يتعلق بـ (المَثْناة)، وهي كل ما كُتِبَ سوى كتاب الله، كما فسَّره الراوي، وما يتعلق به من الأحاديث النبوية والآثار السلفية، فكأن المقصود بـ (المثناة): الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين، التي صرفتهم -مع تطاول الزمن- عن كتاب الله، وسُنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، كما هو مشاهد اليوم -مع الأسف- من جماهير المتمذهبين، وفيهم كثير من الدكاترة والمتخرجين من كليات الشريعة، فإنهم جميعًا يتديَّنون بالتمذهب، ويوجبونه على الناس، حتى العلماء منهم، فهذا كبيرهم أبو الحسن الكرخي الحنفي يقول كلمته المشهورة: "كل آية تخالف ما عليه أصحابنا، فهي مؤولة أو منسوخة، وكل حديث كذلك، فهو مؤوَّل أو منسوخ"!!. فقد جعلوا المذهب أصلًا، والقرآن الكريم تبعًا، فذلك هو (المثناة) دون ما شك أو ريب.

النهي عن سؤال= (مساءلة) أهل الكتاب

وأما جاء في "النهاية" عقب الحديث، وفيه تفسير (المثناة): "وقيل: إن المثناة هي أخبار بني إسرائيل بعد موسى - عليه السلام -، وضعوا كتابًا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله، فهو (المثناة)، فكان ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب، وقد كان عنده كتب وقعت إليه يوم اليرموك منهم، فقال هذا لمعرفته بما فيها". قلتُ -الألباني-: وهذا التفسير بعيد كل البعد عن ظاهر الحديث، وأن (المثناة) من علامات اقتراب الساعة، فلا علاقة لها بما فعل اليهود قبل بعثته - صلى الله عليه وسلم -، فلا جرم أن ابن الأثير أشار إلى تضعيف هذا التفسير بتصديره إياه بصيغة "قيل". وأشد ضعفًا منه ما ذكره عقبه: "قال الجوهري: (المثناة): هي التي تسمى بالفارسية (دويبتي). وهو الفناء! " اهـ. وانظر: "إنها سلفية العقيدة والمنهج" للشيخ الفاضل علي الحلبي -حفظه الله- (ص 22 - 27). * * * 470 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ- حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عُبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: "يا مَعْشَرَ المسلمينَ، كيفَ تَسْألُونَ أَهْلَ الكتاب، وكتابُكم الذي أُنزِلَ على نبيِّهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -، أَحْدَثُ الأخبَارِ باللهِ، تقرؤونَهُ لم يُشَبْ، وقد حدَّثكم اللهُ أنَّ أَهْلَ الكتاب بدَّلُوا ما كتبَ اللهُ، وغيَّروا بأيديهم الكتابَ، فقالوا: هو من عندِ اللهِ، ليشتروا به ثمنًا قليلًا، أفلا يَنْهَاكُمْ ما جاءكم من العلمِ عن مسايَلَتِهِم؟! ولا واللهِ، ما رَأَيْنَا منهم رجُلًا قطُّ يسألُكم عن الذي أُنزِلَ عليكم". أخرجه البخاري في "صحيحه" (2685، 7363، 7523) من هذه الطريق. وأخرجه برقم (7522) من طريق: أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس به -مختصرًا-.

التثويب فى أذان الفجر

غريبُ الأثر: قوله: "لم يُشَبْ": أي: لم يخلط. قوله: "مسايلتهم" -بالياء تسهيلًا- ومعناه: سؤالهم. فقه الأثر: فيه من الفقه: 1 - أنه لا يجوز سؤال أهل الكتاب عن شيء من أمور الدين, لأن ديننا وكتابنا فيه كل شيء، ولأن كتابنا سَلِمَ مما أصاب كتبهم من التحريف والتبديل، ولأن ديننا أكمل الأديان وأتمها، بخلاف الأديان السابقة؛ فإنها كانت ممهِّدة لهذا الدين الحنيف، فلم تكن كاملة. 2 - أن دين من سبقنا أصابه التحريف والتبديل. 3 - أن أهل الكتاب من عادتهم أنهم لا يسألون المسلمين عن شيء من أمور دينهم، وذلك -والله أعلم- بسبب كفرهم بهذا الدين، أو بسبب إعراضهم واستكبارهم، والله أعلم. * * * - التثويبُ في أذان الفجرِ: 471 - قال الإمام علي بن عمر الدارقطني -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا الحسين بن إسماعيل، ثنا محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا أبو أسامة، ثنا ابن عون، عن محمد، عن أنس، قال: "مِنَ السُّنَّةِ إذا قالَ المؤذنُ للفَجْرِ: حَيَّ على الفلاح؛ قال: الصَّلاةُ خيرٌ منَ النَّوْمِ، الصَّلاةُ خيرٌ منَ النَّوْمِ -مرتين-، اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، لا إلهَ إلا الله". صحيح. أخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 243/ رقم: 38)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 423)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1/ 202/ رقم: 386). من طريق: محمد بن عثمان بن كرامة العجلي به.

حقيقة الزهد في الدنيا

وهذا إسناد صحيح -كما قال البيهقي-. وأبو أسامة هو: حماد بن أسامة. وابن عون -وتحرفت إلى (عوف) في مطبوعة "صحيح ابن خزيمة"-؛ هو: عبد الله بن عون. ومحمد هو: ابن سيرين. وهذا التثويب يكون في أذان الفجر الأول. * * * - حقيقةُ الزهد: 472 - قال الزهْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "الزُّهْدُ في الدُّنْيا: ما لم يَغْلِب الحرامُ صَبْرَكَ، وما لم يَغْلِبِ الحلالُ شُكْرَكَ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 240/ رقم: 35672 - العلمية) من طريق: أبي خالد الأحمر، عن سفيان بن عيينة به. وأخرجه الفسوي في "التاريخ والمعرفة" -المطبوع باسم: "المعرفة والتاريخ"- (2/ 635)، والبيهقي في "الزهد" (رقم: 34)، وفي "شعب الإيمان" (7/ 406/ رقم: 10776 - العلمية)، وابن الأعرابي في "الزهد" (ص 26)، وأبو نعيم في "الحلية" (7/ 278)، وابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" (رقم: 91، 93)، وغيرهم. من طرق؛ عن سفيان بن عيينة به. * * * - إثمُ من لم يتِمَّ الصفوف: 473 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا معاذ بن أسَدٍ، قال: أخبرنا الفضلُ بن موسى، قال: أخبرنا سعيدُ بن عُبيد الطائي، عن بُشير بن يَسَارٍ الأنصاري، عن أنس بن مالك، أنه قَدِمَ المدينةَ، فقيل له: ما أَنْكَرْتَ شيئًا، منذُ يومِ عهدتَ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ قال: "مَا أنكَرْتُ شيئًا، إلا أنّكم لا تُقِيمُونَ الصُّفُوفَ".

أخرجه البخاري في "الجامع الصحيح" -صحيحه- (رقم: 724) -10 - كتاب "الأذان"، (75) باب إثم من لم يتم الصفوف. ثم قال البخاري: "وقال عقبة بن عُبيد عن بُشَير بن يسار: قدم علينا أنس بن مالك المدينة .. بهذا". قلت: أخرجه أحمد (3/ 112 - 113، 114). فقه الأثر: - فيه وجوب إقامة الصفوف وتسويتها، وتحت هذا الباب أحاديث كثيرة مرفوعة، فيها الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها، وسد الفرج بين المصلين، خلافًا لما عليه أهل زماننا في مساجدهم من هجر هذه السُّنَّة -إلا من رحم الله- فإنك قل ما تدخل مسجدًا فترى المصلين يقيمون الصفوف، ويسوونها، ويسدون الفرج، ومن ذلك تغافل أئمة المساجد عن تنبيه المصلين على هذا الأمر، بل إنك ترى إعراضهم عن النصيحة، وعن أمر المصلين ومتابعتهم لتسوية صفوفهم، كما كان يفعل الصحابة، وعلى رأسهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -كما في الصحيح-، بل كما كان يفعل قدوتنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، فهل من ناصح ومُعْتَبِرِ ومتذكِّرٍ؟!. تنبيه: قد ذكرتُ في الجزء الأول من هذه السلسلة (رقم: 28) أثرًا عن أنس - رضي الله عنه -، وفيه: بكاء أنس - رضي الله عنه - لتضييع الصلاة في وقتها، وقوله: "لا أعرف شيئًا مما أدركتُ إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعَتْ". فلعلَّ قائلًا يقول: هذا يتعارض مع الأثر المذكور هنا، فإنه صرَّح في هذا الأثر أنه لم ينكر شيئًا. فنقول: الأثر الأول واقعته غير هذه الواقعة هنا، فالحادثتان مختلفتان، تلك كانت بالشام، وهذه بالمدينة. "وهذا يدل على أن أهل المدينة كانوا في ذلك الزمان أمثل من غيرهم في التمسك بالسنن". انظر: "الفتح" (2/ 246).

موقف الصحابة رضي الله عنهم ممن يتخلف عن صلاة الجماعة

مَوْقفُ الصحابه - رضي الله عنهم - ممَّن يتخلَّف عن صلاة الجماعة: 474 - عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: "كُنَّا إذا افْتَقَدْنَا الرَّجُلَ في صلاة الصُّبح والعشاء أَسأْنا به الظَّنَّ". صحيح. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (2/ 370 - 371/ رقم: 1485)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 332)، والبزار في "مسنده" (463 - كشف الأستار) أو (302 - زوائده)، وابن حبان في "صحيحه" -الإحسان- (5/ 455 - 456/ رقم: 2099)، والحاكم (1/ 211)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 59). من طريق: يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر به. غير أن البزار قال: "في صلاة الغداة" بدل صلاة الصبح والعشاء. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي. وصحَّحَ إسناده الحافظ ابن حجر في زوائده على "مسند البزار" (1/ 228/ رقم: 302). وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (1/ 279/ رقم: 417). وأخرجه البزار (462 - كشف) أو (301 - زوائده) من طريق: خالد بن يوسف، عن أبيه، عن محمد بن عجلان، عن نافع به. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (رقم: 13085) من طريق: سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيّب، عن ابن عمر به. * * * 475 - قال الإمام أحمد: ثنا روح، ثنا عبد الله بن عبيد الديلي، عن عديسة بنت أهبان بن صيفي، أنها كانت مع أبيها في منزله، فمرضَ؛ فأفاق من مرضه ذلك، فقام عليُّ بن أبي طالب بالبصرة، فأتاه في منزله حتى قام على باب حجرته، فسلَّمَ، وردَّ عليه الشيخُ السَّلامَ، فقال له عليٌّ: "كيفَ أنتَ يا أبا مُسْلِمٍ"؟ قال: بخير.

فقال عليّ: "ألا تخرج معي إلى هؤلاء القومِ فتعينني"؟ قال: بلى، إن رضيتَ بما أعطيكَ. قال عليٌّ: "وما هو"؟ فقال الشيخ: يا جارية؟ هَاتِ سَيْفِي. فأخرجَتْ إليه غمدًا، فوضَعَتْهُ في حجرِهِ، فاسْتَلَّ منه طائفةً، ثم رفَعَ رَأْسَة إلى عليّ - رضي الله عنه -، فقال: إنَّ خَلِيلَيَ - عليه السلام - وابنَ عَمّكَ عَهِدَ إليَّ: إذا كانت فتنة بين المسلمين أَنْ أتَّخِذَ سَيْفًا من خشَبٍ، فهذا سَيْفِي؛ فإن شِئْتَ خَرَجْت به معَكَ. فقال عليّ - رضي الله تعالى عنه -: "لا حَاجَةَ لنا فِيكَ ولا في سَيْفِكَ". فرجَعَ من بابِ الحُجْرَةِ، ولم يَدْخُلْ". حسن صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 69) أو رقم (20727 - قرطبة)، والترمذي (2204) -مختصرًا- وابن ماجه (3960)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 45)، وفي "التاريخ الأوسط" (1/ 187)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ رقم: 863 و 866)، وابن قانع في "معجم الصحابة" (2/ 526 - ط. الباز) أو (1/ 58 - ط. الغرباء)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/ 312/ رقم: 932)، والمزي في "تهذيب الكمال" (3/ 385 - 386)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (1/ 162). من طريق: عبد الله بن عبيد به. قال الترمذي: "وفي الباب عن محمد بن مسلمة، وهذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث عبد الله بن عُبيد" اهـ. قلت: لم يتفرد به عبد الله بن عبيد -كما سيأتي-. وإسناده هنا فيه ضعف. عبد الله بن عبيد الديلي -وذهب بضعهم إلى أنه الحميري المؤذن-، قال الحافظ ابن حجر في "تعجيل المنفعة" (1/ 70 - 751/ رقم: 564 - البشائر) - بعد ذكر تجهيل الحافظ محمد بن علي الحسيني له- قال: "فرقٌ بينه وبين عبد الله بن عبيد الحميري الذي أخرج له الترمذي والنسائي وابن ماجه، وجمع

بينهما المزّي، فذكر في ترجمة الحميري أنه روى عن عديسة بنت أهبان؛ وليس بجيد، بل لم يروِ الحميري إلا عن أبي بكر بن النضر، وأما الراوي عن عديسة، فقد أخرج حديثه أيضًا الترمذي والنسائي، وقال الترمذي: حسن غريب؛ وهذا يقتضي أنه عنده صدوق معروف. وذكر الطبراني في سياق حديثه من رواية يزيد بن زريع، ثنا عبد الله بن عبيد -مؤذن مسجد حرادان-، ثنا عديسة بنت أهبان، قال يزيد: وكان يونس بن عبيد حدثني عنه قبل أن ألقاه، فذكر الحديث ... وأخرج الطبراني حديثه أيضًا من طريق: أبي عمر صالح بن رستم عنه، ومن طريق: عثمان بن الهيثم -المؤذن- عنه. ومن يروي عنه هؤلاء العدد الكثير ويُحَسِّنُ له الترمذي، فليس بمجهول". قلت: على كل حال فعبد الله بن عبيد قد توبع -كما سيأتي-. لكن بقي في الإسناد حال عديسة بنت أهبان؛ قال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "مقبولة". قلت: قد توبعت هي أيضًا، وسيأتي. فقد أخرجه أحمد (6/ 393) أو رقم (27310 - قرطبة)، وابن الأثير في "أسد الغابة" (1/ 162)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ رقم: 867). من طريق: حماد بن زيد، عن عبد الكبير بن الحكم الغفاري وعبد الله بن عبيد، عن عديسة به. وعبد الكبير بن الحكم الغفاري ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه شيئًا، ووثَّقه ابن حبان. وأخرجه أحمد (5/ 69) و (6/ 393) أو رقم: (20728 و 27311، 27312 - قرطبة)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ رقم: 864). من طريق: حماد بن سلمة، عن أبي عمرو القسملي، عن ابنة أهبان بن صيفي به نحوه. وأبو عمرو القسملي قال عنه الحافظ في "التعجيل": "لا يُعرف". وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (1/ 530/ رقم: 97) من طريق: عبد السلام بن حرب، عن يونس بن عبيد، قال: أخبرتني عُديسة بنت أُهبان، قالت: جاء علي - رضي الله عنه - إلى أبي .. ثم ذكر نحوًا منه.

وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ رقم: 868)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (2/ 313/ رقم: 933)، والبخاري في "التاريخ الأوسط" (1/ 187/ رقم: 301)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 2696 - الفكر). من طريق: يحيى بن زهدم الغفاري البصري، قال: حدثني أبي زهدم بن الحارث، قال: قال لي أهبان بن صيفي ... فذكره. وإسناده لا بأس به، وهو صالح في المتابعات. يحيى بن زهدم بن الحارث الغفاري، قال أبو حاتم: "شيخ، أرجو أن يكون صدوقًا". وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به". وأبوه زهدم، ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه شيئًا، ووثقه ابن حبان (4/ 269). خلاصة الكلام: أنَّ الأثر حسن لغيره، وله شواهد أخرى انظرها في "الصحيحة" (رقم: 1380) بها يكون صحيحًا لغيره، كما قال المحدث الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-. فقه الأثر: قال الحافظ في "الفتح" (13/ 31): "في الحديث النهي عن الدخول في قتال وقع بين طائفتين من المسلمين، وقد احتجَّ به من لم يرَ القتال في الفتنة، وهم كل من ترك القتال مع سيدنا علي في حروبه = كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأبي بكرة، والأشعث بن قيس، وغيرهم. وقد ذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق، وقتال الباغين، وإنكار المنكر، وحملوا الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال، أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحق، أو أشكل عليه الأمر، أو أنها وردت في رجال مخصوصين، أو أنها وردت في قتال على جهلٍ من طلب الدنيا واتباع الهوى، والله أعلم" اهـ.

الصلاة قبل الجمعة وبعدها

- الصلاة قبل الجمعة وبعدها: 476 - قال أبو داود: حدثنا مسدد، حدثنا إسماعيل، أخبرنا أيوب، عن نافع، قال: "كان ابنُ عمر يطيلُ الصلاةَ قبل الجمعة، ويصلّي بعدها ركعتين في بيته، ويُحدِّثُ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعلُ ذلك". صحيح. أخرجه أبو داود (1128)، وابن حبان (6/ 227/ رقم: 2476)، والبيهقي (3/ 240)، وابن خزيمة (1836). من طريق: إسماعيل به. وأخرجه أحمد (2/ 103) من طريق: وهيب، ثنا أيوب به .. ، ولفظه: "أن ابن عمر كان يغدو إلى المسجد يوم الجمعة، فيصلي ركعات يطيل فيهن القيام، فإذا انصرف الإمام رجع إلى بيته فصلى ركعتين .. ". وأخرجه النسائي في "المجتبى" (3/ 113) أو رقم (1430) من طريق: شعبة، عن أيوب به مختصرًا بنحو منه. والأثر صححه الألباني في "صحيح أبي داود" (1033 - غراس). * * * - وصية عمرو بن العاص - رضي الله عنه - عند موته: 477 - عن ابنِ شُمَاسَةَ المَهْرِي، قال: حضَرْنَا عمرو بن العاصِ وهو في سِيَاقَةِ الموتِ، فبكى طويلًا، وحَوَّلَ وجْهَهُ إلى الجدار، فجعل ابنهُ يقول: "يا أبتاه؛ أَمَا بشَّرَكَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ أَمَا بشَرَكَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا؟ ". قال: فأقبل بوجهه، فقال: "إنَّ أَفْضَلَ ما نُعِدُّ شهادةُ أَنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنَّ محمدًا رسولُ الله. إني قد كنتُ على أطباقٍ ثلاثٍ: لقد رأيتُني وما أحدٌ أشَدَّ بُغْضًا لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - منّي! ولا أَحَبَّ إليَّ أن أكونَ قد استَمْكَنْتُ منه فقتلتُه، فلو متُّ على تلك الحالِ لكنتُ من أهل النار، فلما جعل اللهُ الإسلامَ أتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقلتُ: ابسُطْ يمينَكَ فلأُبَايِعُكَ، فبسطَ يمينَهُ. قال: فقبضْتُ يدي. قال: "ما لك يا عمرو"؟! قلتُ: أردتُ أَنْ

نهي الأمة أن تتشبه في لباسها بالحرائر

أشترِطَ. قال: "تشترِطُ بماذا"؟! قلتُ: أن يُغْفَرَ لي. قال: "أَمَا علِمْتَ أنَّ الإسلامَ يهدِمُ ما كان قبله، وأنَّ الهجرةَ تهدِمُ ما كان قبلها، وأنَّ الحجَّ يهدِمُ ما كان قبله". وما كان أحدٌ أحَبَّ إليَّ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنتُ أُطيقُ أن أملأَ عينيَّ منه، إجلالًا له، ولو سُئِلْتُ أن أَصِفَهُ ما أطقْتُ؛ لأني لم أكن أملأُ عينيَّ منه، ولو متُّ على تلك الحال لرجوتُ أن أكون من أهل الجنة. ثم وَلِينَا أشياءَ ما أدري ما حالي فيها، فإذا أنا مُتُّ فلا تصحَبْنِي نائحةٌ ولا نارٌ، فإذا دفنتموني فشنُّوا علي الترابَ شَنَّا، ثم أقيموا حول قبري قَدْرَ ما تُنْحَرُ جزورٌ ويُقْسَمُ لحمُها، حتى أستأنِسَ بكم، وأَنظُرَ ماذا أُراجِعُ به رُسُلَ ربِّي". أخرجه مسلم (121). وانظر لفقه الأثر: "المنهاج" للإمام النووي -وهو شرحه على "صحيح مسلم" (2/ 137 - 138)، و"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" لأبي العباس القرطبي (1/ 328 - 330). * * * - نهيُ الَأمَةِ أن تَتَشبَّهَ في لباسِهَا بالحرائر: 478 - قال عبد الرزاق: عن معمر، عن قتادة، عن أنس: "أنَّ عُمَرَ ضَرَبَ أَمَة لآلِ أنس؛ رآها مُتَقَنِّعَةً، قال: اكشفي رأسَكِ، لا تَشَبَّهِينَ بالحرائرِ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 136/ رقم: 5064). وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 131 - الهندية) أو (2/ 41/ رقم: 6235 - العلمية) من طريق: وكيع، ثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس به. ثم أخرجه برقم (6238) من طريق: عبد الأعلى، عن معمر، عن الزهري، عن أنس به.

من آداب الإسلام: رد (جواب) الكتاب

والأثر صححه الألباني في "إرواء الغليل" (6/ 203/ رقم: 1795). * * * 479 - وأخرج ابن أبي شيبة، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن المختار بن فلفل، عن أنس بن مالك، قال: "دَخَلَتْ على عمر بن الخطاب أَمَةٌ قد كان يعرفها لبعض المهاجرين، أو الأنصار، وعليها جلباب متقنعة به، فسألها: "عَتَقْتِ"؟ قالت: لا. قال: "فما بالُ الجلباب؟! ضعيه عن رأسكِ، إنما الجلباب على الحرائر من نساء المؤمنين"، فتلَكَّأَتْ، فقام إليها بالدُّرَّةِ، فضربَ بها رأسها، حتى أَلْقَتْهُ عن رأسِهَا". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 41/ رقم: 6239 - العلمية). وقال الشيخ الألباني في "الإرواء" (6/ 204): "قلت: وهذا سند صحيح على شرط مسلم". * * * 480 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عليُّ بن حُجر، قال: أخبرنا شريك، عن العباس بن ذَرِيح، عن عامر، عن ابن عباس، قال: "إني لأرى لجوابِ الكتابِ حقًّا كردِّ السَّلامِ". حسن، ورُوِيَ مرفوعًا؛ ولا يصح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم: 1117)، وفي "التاريخ الكبير" (7/ 7)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (9/ 34)، والبغوي في "الجعديات" (2/ 190/ رقم: 2415 - ط. الخانجي). من طريق: شريك به. وعامر هو: ابن شراحيل الشَّعبي.

وهذا إسناد حسن. شريك بن عبد الله النَّخعَي "صدوق حسن الحديث في المتابعات"، وقد تُكُلِّمَ فيه لأجل كثرة خطئه، وروايته عن الكوفيين محمودة. والعباس بن ذريح كوفي ثقة. والأثر حسَّن إسناده الشيخ الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد". وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (6/ 510 - 511/ رقم: 9097 - العلمية)، والمحاملي في "الأمالي" (ج 5/ رقم: 48 - ق) -كما في "الضعيفة" (7/ 172) - وابن سعد في "الطبقات". من طريق: هشيم، عن عمر بن أبي زائدة، عن عبد الله بن السفر، عن ابن عباس به. قال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (7/ 172): "قلت: رجاله ثقات، ولولا أن هشيمًا عنعنَهُ عن ابن أبي زائدة هذا لحكمتُ له بالصحة. وعلى كل حال فهو حسن بمجموع الطريقين عنه موقوفًا" اهـ. والخبر روي مرفوعًا. أخرجه القضاعي في "مسند الشِّهاب" (1010) من طريق: محمد بن مقاتل، عن شريك بن عبد الله، عن العباس بن ذريح، عن الشعبي، عن ابن عباس به مرفوعًا. قال القضاعي: قال الشيح: وليس بالقوي -يعني: إسناده-. وأخرجه ابن دلال والديلمي -كما في "اللآلئ المصنوعة" (2/ 293) - من طريق: جويبر بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس مرفوعًا. وإسناده تالف؛ لأجل جويبر بن سعيد = هالك. والضّحاك لم يسمع من ابن عباس. وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (1/ 176 و 2/ 735)، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/ 279).

فضل التواضع

من طريق: الحسن بن محمد البلخي أبو محمد، عن حميد، عن أنس به مرفوعًا. قال ابن عدي في الموضع الأول: "منكر جدًا". وفي الموضع الثاني: "منكر سنده، وإنما يروي هذا الحديث العباس بن ذريح، عن الشعبي، عن ابن عباس؛ قوله". وحكم عليه السيوطي في "اللآلئ" (2/ 292) بالوضع. وقال السخاوي في "المقاصد الحسنة" (ص 117): "ليس بثابت رفعه، بل المحفوظ وقفه". ونقل المناوي في "فيض القدير" (2/ 505) عن ابن تيمية قوله: "والمحفوظ وقفه". وقال الألباني في "الضعيفة" (7/ 171/ رقم: 3188): "ضعيف جدًا"، وحسَّن وقفه. وانظر "كشف الخفاء" (1/ 272/ رقم: 716). * * * 481 - قال وحيع بن الجراح: حدثنا مسعر، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت: " [إنكم لـ] تُغْفِلُونَ أفضَلَ العبادةِ؛ التواضُعَ". صحيح. أخرجه وكيع في "الزهد" (رقم: 213)، وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 393)، ومن طريقه أبو نعيم في "الحلية" (2/ 47)، وأبو داود في "الزهد" (رقم: 338)، وأحمد في "الزهد" (رقم: 912 - ط. دار الكتاب العربي)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 192)، والتيمي الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (1/ 374)، والبيهقي في "المدخل" (رقم: 540)، وفي "شعب الإيمان" (6/ 278/ رقم: 8148 - العلمية)، والسهمي في "تاريخ جرجان" (ص 87)، والنسائي في المواعظ من "السنن الكبرى" -كما في "تحفة الأشراف" (11/ 384/ رقم: 16039) -.

من طريق: مسعر به. وهذا إسناد صحيح. وقد سقط من مطبوعة "الزهد" لابن المبارك جملة "عن أبيه"، فصارت: عن سعيد بن أبي بردة، عن الأسود. وهذا السقط أظنه من الناسخ أو الطابع، لأنه على الجادة في "الحلية" لأبي نعيم وهو قد رواه من طريق ابن المبارك. ووقع في مطبوعة "الزهد" للإمام أحمد تحريف وتصحيف، فليصحح. وفي مطبوعة "شعب الإيمان" (ط. دار الكتب العلمية) تحرفت "مسعر" إلى "مسعد"! وأخرجه أبو حاتم في "الزهد" (رقم: 1) من طريق: مسعر به، لكنه لم يذكر في إسناده والد سعيد بن أبي بردة. وأخرجه المعافى بن عمران الموصلي في "الزهد" (رقم: 113) من طريق: عمرو بن قيس، عن عطاء، عن عائشة، قالت: "لا تُشَوِّهوا في العبادة، وعليكم بالتواضع؛ فإن أفضل العبادة التواضع". وقد خالف فيه علي بن الحسن بن شقيق؛ فرواه عن ابن المبارك، عن مسعر به، لكنه رفعه. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (7/ 240). ثم قال: "تفرد برفعه ابن المبارك، عن مسعر، ورواه أبو معاوية ووكيع؛ فلم يرفعاه". وقد رجّح الدارقطني رواية الوقف؛ كما في "العلل" (5/ 61/ ب) -بواسطة حاشية "الزهد" لوكيع-.

من فضائل أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها

482 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا بشر بن خالد، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شُعبة، عن سليمان، عن أبي الضُّحى، عن مسروقٍ، قال: دَخَلْنَا على عائشةَ- رضي الله عنها - وعندها حسَّان بن ثابت يُنشِدُها شِعْرًا، يُشَبِّبُ بأبياتٍ له، وقال: حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وتُصْبِحُ غَرْثى من لحومِ الغَوَافِلِ فقال له عائشة: "لكنَّكَ لَسْتَ كذلكَ". قال مسروق: فقلتُ لها: لِمَ تَأْذَني له أن يدْخُلَ عليك، وقد قال الله تعالى: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11]؟ فقال: "وَأَيُّ عَذَابٍ أشَدُّ مِنَ العَمَى"؟ قالت له: "إنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ -أو يُهَاجي- عن رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه البخاري (4146، 4755، 4756)، ومسلم (2488). وانظر لفقه الأثر وشرحه: "الفتح" (8/ 343 - 345). * * * - من فضائل أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: 483 - قال ابنُ أبي شيبة: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله [بن مسعود]، قال: "أنتم أكثرُ صيامًا، وأكثرُ صلاةً، وأكثرُ اجتهادًا من أصحاب رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهم كانوا خيرًا منكم". قالوا: لِمَ يا أبا عبد الرحمن؟!. قال: "كانوا أَزْهَدَ في الدنيا، وأَرْغَبَ في الآخرة". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 124/ رقم: 34539 - العلمية)، وابن المبارك في "الزهد" (رقم: 501)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 136)، وابن أبي الدنيا في "ذم الدنيا" -أو "الزهد"- (رقم: 252)،

النهي عن صلاة الرجل وهو مشبك يديه

وابن الأعرابي في "الزهد" (ص 42)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 374 - 375/ رقم: 10636) وغيرهم. من طرق؛ عن عبد الرحمن بن يزيد به. * * * - صلاةُ الرجلِ وهو مشبكٌ يديه: 484 - قال أبو داود: حدثنا بِشْرُ بن هلال، حدثنا عبدُ الوارث، عن إسماعيل بن أُمية؛ سألتُ نافعًا: عن الرجلِ يُصَلِّي وهو مشبكٌ يديه؛ فقال: قال ابنُ عمر: "تِلْكَ صَلاَةُ المَغْضُوبِ عليهم". صحيح. أخرجه أبو داود في "السنن" (رقم: 993). وصححه الألباني في "الإرواء" (2/ 103)، وفي "صحيح أبي داود" (4/ 148/ ر قم: 912 - غراس). * * * - رفغ اليَدَيْنِ في الدعاء في خطبة الجمعة: 485 - قال الإمام مسلم بن الحجاج: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدُ الله بن إدريس، عن حُصين، عن عُمارة بن رُؤَيْبَة، قال: رأى بِشْرَ بن مروان على المنبر رافعًا يديه، فقال: "قَبَّحَ اللهُ هاتينِ اليدينِ، لقَد رأَيْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ما يزيدُ على أنْ يقولَ بيدهِ هكذا = وأشار بإصبعه المُسَبِّحةِ". أخرجه مسلم (874) من طريق ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 475)، وأحمد (4/ 136 - 137، 137، 261) أو رقم (17268، 17270، 17273، 18352 - قرطبة)، وأبو داود (1104)، والترمذي (515)، والنسائي في "الكبرى" (1/ 531/ رقم: 1714، 1715)، وفي "المجتبى" (3/ 108)، وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم: 1793)، والدارمي في "مسنده" -أو سننه- (رقم: 1601، 1062 - الداراني)، وابن حبان في "صحيحه" (رقم: 882). من طرق؛ عن حصين به.

جواز صلاة الجماعة الثانية في المسجد

- صلاة الجماعة الثانية: 486 - قال أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا علي، أنا شريك، عن عبد الله بن يزيد، قال: "دخلتُ مع إبراهيم النَّخَعي مسجد محارب، وقد صُلِّي فيه المغرب، فصلَّيْتُ أنا وهو، فأمَّني، وأقامني عن يمينه". صحيح. أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" (2/ 167 - 168/ رقم: 2348 - ط. الخانجي) أو (رقم: 2328 - ط. دار الكتب العلمية)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (/ 2/ 113 رقم: 7098 - العلمية). من طريق: شريك به. وتابع شريك عليه جرير عند ابن أبي شيبة (1/ 201/ رقم: 2304). وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 292/ رقم: 3419) من طريق: سفيان الثوري، عن عبد الله بن يزيد به. وأخرجه الدولابي في "الكنى" (2/ 166) أو (3/ 1188/ رقم: 2082 - ط. ابن حزم) من طريق: معاوية بن صالح، قال: حدثني منصور بن أبي مزاحم، قال: حدثنا زكريا بن عبد الله بن يزيد الصهباني أبو يحيى، قال: حدثني أبي؛ أنه أقبل مع إبراهيم من دار أبي الشعثاء .. فذكره. وزكريا بن عبد الله "منكر الحديث" -كما قال الأزدي- انظر: "الميزان" (2/ 73). تنبيه: عزا فضيلة الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان- حفظه الله - في "إعلام العابد" (ص 55) رواية زكريا بن عبد الله لعبد الرزاق (2/ 292/ رقم: 3419)، وليس في إسناده زكريا بن عبد الله. وانظر في هذه المسألة -مسألة الجماعة الثانية-: "إعلام العابد بحكم تكرار الجماعة في المسجد الواحد" للشيخ مشهور آل سلمان، و"القول المبرور في جواز الجماعة الثانية للمعذور" لأبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي.

487 - روى عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، قال: حدثنا الجعد أبو عثمان، قال: مرَّ بنا أنس بن مالك، ومعه أصحاب له؛ زهاءَ عشرةٍ، وقد صَلَّيْنَا الغداة، فقال: "أَصَلَّيْتُمْ"؟ قلنا: نعم. قال: فأمَرَ بعضَهُم فَأَذَّنَ، وصلَّى ركعتين، ثم أَمَرَهُ فأقَامَ، ثم تقدَّمَ فصلَّى ركعتين أنس بأصحابه، ثم انصرفَ، وقد أَلْقَوْا له وسادة ومِرْفَقَة فحدَّثَنَا، فكان مما حدَّثَنَا به؛ قال: "جَاءَتْ أمّي أمُّ سُليم إلى النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالت: يا رسولَ الله؟ بأمّي وأبي أنتَ يا رسول الله؛ لو دَعَوْتَ له. فقال: قد دعوتُ له بثلاث دعوات. قد رأيتُ اثنتين، وأنا أرجو الثالثة". صحيح. وعلَّقه البخاري في "صحيحه" (2/ 131)، وأخرجه موصولًا عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 291/ رقم: 3417). وأخرجه عبد الرزاق (2/ 291، 292/ رقم 3416، 3418)، وأبو يعلى في "مسنده" (7/ 315/ رقم: 4355)، وابن أبي شيبة (2/ 220، 221)، والبيهقي (3/ 70)، وابن المنذر في "الأوسط" (3/ 61/ رقم: 1236)، وابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 276 - 277). من طرق؛ عن الجعد أبي عثمان، قال: "مرَّ بنا أنس بن مالك - رضي الله عنه - في مسجد بني ثعلبة، فقال: أصلَّيْتُم؟ قال: قلنا: نعم.- وذاك صلاة الصبح-، فأمر رجلًا؛ فأذَّن، وأقام، ثم صلَّى بأصحابه". وهذا لفظ أبي يعلى. وصحح إسناده الحافظ ابن حجر في "التغليق" (2/ 277)، وفي "المطالب العالية" (رقم: 425 - ط. العاصمة). وصحح إسناده كذلك الشيخ الألباني في "الإرواء" (2/ 318).

قراءة السورة فيها السجدة على المنبر يوم الجمعة

- قراءة السورة فيها السجدة على المنبر يوم الجمعة: 488 - قال عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي مليكة، عن عثمان بن عبد الرحمن التيمي، عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير؛ أنه حَضَرَ عمر بن الخطاب-[- رضي الله عنه -]- يوم الجمعة قرأ على المنبر سورة النحل، حتى إذا جاء السجدة؛ نزل، فسجد وسجد الناس معه، حتى إذا كانت الجمعة القابلة؛ قرأها؛ حتى إذا جاء السجدة، قال: "يا أيها الناس؛ إنما نمرُّ بالسجدة، فمن سجد فقد أصابَ وأحسن، ومن لم يسجُدْ فلا إِثْمَ عليه". قال: ولم يسجد عمر. قال ابن جريج: وزادني نافع، عن ابن عمر، أنه قال: "لم يُفْرَض السجودُ علينا إلا أن نشاء". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 341/ رقم: 5889)، والبخاري في "صحيحه" (1077)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 77/ رقم: 1815). من طريق: ابن جريج به. * * * - القرآن كلامُ الله، ليس بالمخلوق: 489 - قال معاوية بن عمَّار الدُّهْني: قلت لجعفر بن محمد-[يعني: الإمام الصادق]-: إنهم يَسْأَلُونَ عن القرآنِ: مخلوق هو؟ قال: "ليس بخالقٍ ولا مخلوقٍ، ولكنه كلامُ اللهِ". لا بأس به. أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (رقم: 109)، وعلَّقه برقم (17)، وأخرجه أبو داود في "مسائله" (ص 265)، وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 52 - 55) (1/ 285 - 288/ الكتاب الثالث - الرد على الجهمية)، وعثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (رقم: 345)، وفي "نقضه على المريسي" (رقم: 148 - ط. أضواء السلف)، وابن جرير في "صريح السُّنَّة" (رقم: 15)، وابن أبي حاتم في "رده على الجهمية" -كما في "منهاج السُّنَّة" (2/ 254) - وعبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (1/ 151 - 152/ رقم 132،

134)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 399، 400، 401)، والآجري في "الشريعة" (1/ 217/ رقم: 171)، والخلال في "السُّنَّة" (رقم: 1838)، والبيهقي في "الإعتقاد" (ص 111 - ط. أبي العينين)، وفي "الأسماء والصفات" (1/ 602/ رقم: 537)، والمزي في "تهذيب الكمال" (28/ 203). من طريق: معبد بن راشد أبي عبد الرحمن، عن معاوية بن عمار به. ومعبد بن راشد أبو عبد الرحمن الكوفي؛ ضعفه ابن معين بقوله: "ضعيف الحديث"، وقال أحمد بن حنبل: "لم يكن به بأس"، ووثقه ابن حبان. وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "مقبول فقيه". قلت: وقد توبع. فقد أخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 217/ رقم: 170)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/ 602/ رقم: 536)، وعلقه الذهبي في "العلو" (رقم: 355). من طريق: سويد بن سعيد، عن معاوية بن عمار به. وسويد بن سعيد ضعيف من قبل حفظه. وأخرجه عبد الله بن أحمد (133) قال: حدثني إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، حدثنا رجل سماه، حدثنا معاوية بن عمار به. وهذا إسناد ضعيف، لجهالة الرجل الذي روى عنه إسماعيل. ثم تبين أنه يحيى بن عبد الحميد الحماني. فقد أخرجه اللالكائي (402) من طريق: إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، ثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني، ثنا معاوية بن عمار به. ويحيى بن عبد الحميد الحماني ضعيف. قلت: والأثر حسن لغيره بالإضافة إلى الطرق الأخرى، والله أعلم.

الأنبياء كلهم على شريعة واحدة

490 - وقال عمرو بن دينار: "أَدْرَكْتُ أصحابَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فمن دونَهم منذ سبعينَ سنةٍ، يقولون: اللهُ الخالقُ، وما سِوَاهُ مخلوقٌ، والقرآنُ كلامُ اللهِ، منه خرجَ وإليه يعودُ". صحيح. أخرجه عثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (رقم: 344)، وفي "نقضه على المريسي" (رقم: 149)، والخلال في "السُّنَّة" (2075)، وابن بطة في "الإبانة" -الكتاب الثالث- (رقم: 183، 184)، وابن أبي حاتم في "الرد على الجهمية" -كما في "منهاج السُّنَّة" (2/ 253) - وابن جرير في "صريح السُّنَّة" (16)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (381)، والأصبهاني التيمي في "الحجة في بيان المحجة" (1/ 336)، والضياء المقدسي في "اختصاص القرآن" (رقم: 13/ ص 26)، والبيهقي في "السنن الكبير" (10/ 43، 205). من طريق: سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار به. وإسناده صحيح -كما قال العلَّامة الألباني في "مختصر العلو" (ص 164/ رقم: 173) -، وصححه غير واحد. وقال الذهبي: "وقد تواتر هذا عن ابن عيينة". ورواه البخاري في "خلق الأفعال" عن الحكم بن محمد أبي مروان الطبري، من قول سفيان بن عيينة. وأخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (531)، وفي "الإعتقاد" (ص 110 - 111). * * * - الأنبياء كلهم على شريعة واحدة: 491 - قال الإمام ابن جرير الطبري: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا أبو داود، قال: ثنا همام بن منبه، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: "كانَ بين آدم ونوح عشرة قرونٍ؛ كلُّهم على شريعةٍ منَ الحقِّ، فاختلفوا، فبعَثَ اللهُ النبيّينَ مُبَشِّرِينَ ومُنذِرينَ".

عدم جواز تحريق الناس بالنار وإن ارتدوا

صحيح. أخرجه ابن جرير في تفسيره "جامع البيان" (2/ 403) أو (4/ 275/ رقم: 4048 - شاكر)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 442، 546). من طريق: همام به. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه". ووافقه الذهبي. وهو كما قالا. وانظر "تفسير الحافظ ابن كثير" (1/ 250)، و"تحذير الساجد" للألباني (ص 101 - 102 ط. المكتب الإسلامي). * * * - عدم جواز تحريق الناس بالنار، وانِ ارتدُّوا: 492 - قال الإمام الحافظ أبو عبد الله البخاري: حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، حدثنا حمَّادُ بن زيد، عن أيوب، عن عكرمة، قال: أُتِيَ عليٌّ - رضي الله عنه- بزنادقةٍ، فأحرَقَهُمْ، فبَلَغَ ذلك ابنَ عباس، فقال: "لو كنتُ أنا؛ لَمْ أحرقهم؛ لنَهْي رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُعَذِّبُوا بعذاب اللهِ"، ولقَتَلْتُهُم؟ لقولِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دينَهُ فاقتُلُوه". زاد الترمذي: "فبلَغَ ذلك عليًا - رضي الله عنه -" فقال: صَدَقَ ابنُ عباس". أخرجه البخاري (3017، 6922) - واللفظ للموضع الثاني - وأحمد في "المسند" (1/ 217) أو رقم (1871 - شاكر)، وأبو داود (4351)، والنسائي في "المجتبى" (7/ 104)، والترمذي (1458)، وابن ماجه (2535)، والحميدي في "مسنده" (رقم: 533)، وغيرهم. من طرق؛ عن أيوب به.

فضل ابن عباس رضي الله عنه وسعة علمه، ودقيق فقهه

493 - قال عبد الرزاق: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن عليّ بن بَذِيمَةَ، عن يزيد بن الأصم، عن ابن عباس، قال: "قَدِمَ على عمرَ رجلٌ، فجعَلَ عمرُ يَسْألُهُ عن الناس، فقال: يا أميرَ المؤمنينَ؛ قد قرأَ القرآنَ منهم كذا وكذا. فقلتُ: واللهِ ما أُحِبُّ أنْ يُسَارِعُوا يومَهم هذا في القرآنِ هذه المسارعة. قال: فزَبَرَني عمر، ثم قال: مَهْ! فانطَلَقْتُ إلى منزلي مُكْتَئِبًا حزينًا، فقلتُ: قد كنتُ نزلتُ من هذا بمنزلة، ولا أُراني إلَّا قد سقطتُ من نفسهِ؛ فاضطجعتُ على فراشي، حتى عادني نسوةُ أهلي، وما بي وجَعٌ، فبينا أنا على ذلك؛ قيل لي: أَجِبْ أميرَ المؤمنين. فخرجتُ، فإذا هو قائمٌ على الباب ينتظرني، فأخَذَ بيدي ثم خلا بي، فقال: ما الذي كرهتَ مما قال الرجلُ آنفًا؟ قلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ؛ إنْ كنتُ أَسَأْتُ فإني أَستغفرُ اللهَ وأتوبُ إليه، وأنزلُ حيثُ أحبَبْتَ. قال: لتُخْبِرَنِّي. قلتُ: متى ما يُسَارعوا هذه المسارعة يَحْتَقُّوا، ومتى ما يحتقُّوا يَخْتَصِمُوا، ومتى ما يَخْتَصِمُوا يختلفوا، ومتى ما يختلفوا يقتتلوا. قال: لِلَّهِ أبوكَ! لقد كنتُ أكتُمَها الناسَ حتى جئتَ بها". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (/ 11/ 217 رقم: 20368)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 516 - 517)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (3/ 348 - 349). من طريق: معمر به. وإسناده صحيح.

الهدي والسمت الحسن، ومقارنة بين حال زماننا، وحال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقه الأثر: فيه: فضل ابن عباس، وفضل فقهه وعلمه، وبُعد نظره، وسعة حدسه، وفراسته الدقيقة. وفيه: كراهة قراءة القرآن بسرعة ودون تدبَّر، لما في ذلك من تفويت التدبر والفهم والتأمل في القرآن الكريم. * * * - الهَدْيُ والسَّمْت الحَسَن، ومقارنة بين حال زمننا وحال زمن أصحاب النبي صلي الله عليه وآله وسلم -: 494 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري: حدثنا عبدُ الله بن أبي الأسود، قال: حدثنا عبدُ الواحد بن زياد، قال: حدثنا الحارثُ بن حصيرة، قال: حدثنا زيدُ بن وهب، قال: سمعتُ ابنَ مسعود يقول: "إنكم في زَمَانٍ: كثيرٌ فقهاؤه، قليلٌ خُطباؤه، قليلٌ سُؤَّالُهُ، كثيرٌ معطُوهُ، العملُ فيه قائدٌ للهوى. وسيأتي من بعدِكم زمانٌ: قليلٌ فقهاؤه، كثيرٌ خطباؤُه، كثيرٌ سُؤَّالُهُ، قليلٌ مُعْطُوهُ، الهوى فيه قائدٌ للعمل، اعلَمُوا أن حُسْنَ الهَدْي في آخرِ الزمانِ خيرٌ من بعضِ العملِ". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (789). قال الألباني في "الصحيحة" (7/ 576 - 577): "وهذا إسناده جيد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير الحارث بن حصيرة، وثَّقه الجمهور، وضعَّفه العقيلي وابن عدي، وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق يخطئ ورُمي بالرفض". قلت: ومع هذا؛ فقد صحَّح الحافظ في "الفتح" إسناده، فقد ذكر فيه (10/ 510) الجملة الأخيرة منه، وقال: "وسنده صحيح، ومثله لا يقال من قبل الرأي".اهـ. وأخرجه زهير بن حرب في "العلم" (ص 109/ رقم: 135) من طريق: كميل بن زياد، عن عبد الله بن مسعود به. بنحوه.

نجاسة الكلب

وصحَّح إسناده الشيخ الألباني. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8566، 8567، 9496) من طرق أخرى عن عبد الله به. ورُوي مرفوعًا؛ انظر "الصحيحة" (رقم: 3189). * * * - نجاسة الكلب: 495 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري: وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي، عن يونس، عن ابن شهاب، قال: حدثني حمزة بن عبد الله، عن أبيه [ابن عمر]، قال: "كانتِ الكلابُ تبولُ، وتُقْبلُ وتُدْبِرُ في المسجدِ في زمانِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكونوا يَرُشُّون شيئًا من ذلك". علَّقه البخاري (174) هكذا مجزومًا به. ووصله أبو نعيم في "المستخرج على البخاري" -كما في "تغليق التعليق" (2/ 109) - والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 243). فقه الأثر: قال الحافظ في "الفتح" (1/ 334): "قال المنذري: المراد أنها كانت تبول خارج المسجد في مواطنها، ثم تقبل وتدبر في المسجد؛ إذ لم يكن عليه في ذلك الوقت غلق. قال: ويبعد أن تترك الكلاب تنتاب المسجد حتى تمتهنه بالبول فيه. وتعقب بأنه إذا قيل بطهارتها لم يمتنع ذلك -كما في الهرة-؛ والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها، وجعل الأبواب عليها .. " اهـ. وانظر بقية كلامه.

الطواف بالبيت قبل الوقوف بعرفة

- الطواف بالبيت قبل الوقوف بعرفة: 496 - قال الإمام مسلم بن الحجاج: حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا عَبْثَرٌ، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن وبرة، قال: كنتُ جالسًا عند ابن عمر، فجاءه رجلٌ، فقال: أيصلحُ لي أن أطوفَ بالبيت قبل أنْ آتِيَ الموقِفَ؟ قال: "نعم". قال: فإنَّ ابنَ عباس يقول: لا تَطُفْ بالبيت حتى تأتِيَ الموقِفَ. فقال ابنُ عمر: "فقَدْ حَجَّ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فطافَ بالبيتِ قبلَ أنْ يَأتِيَ الموقفَ. فبقولِ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أحقُّ أنْ تَأْخُذَ، أو بقولِ ابنِ عباس؛ إنْ كنتَ صادقًا"؟!. أخرجه مسلم (1233). فقه الأثر: - فيه إثبات سُنَّة الطواف للقدوم قبل الوقوف بعرفات. - وفيه أن من كان صادقًا في إسلامه واتباعه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا يعدل عن فعله وطريقته إلى قول أحد غيره. * * * - الجمعة في القرى: 497 - قال الحافظ أبو داود السجستاني: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ابن إدريس، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أبي أُمامة بن سهل، عن أبيه، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك -وكان قائدُ أبيه بعدما ذهبَ بصرُه-، عن أبيه كعب بن مالك: أنه كان إذا سمع النداءَ يومَ الجمعة تَرَحَّمَ لأسعد بن زُرارة. فقلتُ له: إذا سمعتَ النداءَ ترحَّمْتَ لأسعد بن زرارة؟!. قال: "لأنه أوَّلُ من جَمَّعَ بنا في هَزْمِ النَّبِيتِ من حرَّةِ بني بَيَاضَة، في نقيعٍ يُقَالُ له: نقيعُ الخَضَمَات".

قلتُ: كم أنتم يومئذٍ؟ قال: "أربعون". حسن. أخرجه أبو داود (1069)، وابن ماجه (1082)، والدارقطني في "السنن" (2/ 5 - 6)، وابن خزيمة (1724)، وابن الجارود في "المنتقى" (291)، والبيهقي (3/ 176 - 177)، والحاكم (1/ 281)، وابن هشام في "السيرة النبوية" (1/ 235) أو (2/ 42 - 43 ط. العبيكان). من طريق: محمد بن إسحاق به. قال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم"! ووافقه الذهبي!!. ومحمد بن إسحاق لم يحتج به مسلم في صحيحة، وإنما روى له في المتابعات، وهو مدلس؛ لكنه صرَّح بالتحديث في بعض طرقه، فصار الإسناد حسنًا. قال البيهقي: "ومحمد بن إسحاق إذا ذَكَرَ سماعَه في الرواية وكان الراوي ثقة؛ استقام الإسناد، وهذا حديث حسن الإسناد صحيح". وحسنه الحافظ ابن حجر في "التلخيص" (2/ 56)، وفي "الفتح" (2/ 283). وحسنه الألباني في "صحيح أبي داود" (4/ 235 - 236/ رقم: 980 - غراس). فقه الأثر: قال الخطابي في "معالم السنن": "وفي الحديث من الفقه: أن الجمعة جوازها في القرى كجوازها في المدن والأمصار، لأن حرة بني بياضة- يقال: قرية على ميل من المدينة-، وقد استدلَّ به الشافعيُّ على أن الجمعةَ لا تجزئ بأقل من أربعين رجلًا أحرارًا مقيمين، وذلك أن هذه الجمعة كانت أول ما شرع من الجمعات، فكان جميع أوصافها معتبرة فيها، لأن ذلك بيان لمجمل واجب، وبيان المجمل الواجب واجب.

رخصة الإفطار في رمضان، والإطعام للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، والحامل، والمرضع

وقد روي عن عمر بن عبد العزيز اشتراط عدد الأربعين في الجمعة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق، إلا أن عمر قد اشترط مع عدد الأربعين أن يكون فيها والٍ. قال: وليس الوالي من شرط الشافعي. وقال مالك: إذا كان جماعة في القرية التي بيوتها متصلة، وفيها سوق، ومسجد يجمع فيه؛ وجبت عليهم الجمعة. ولم يذكر عددًا محصورًا، ومذهبه في الوالي كمذهب الشافعي. وقال أصحاب الرأي: لا جمعة إلا في مصر جامع، وتنعقد عندهم بأربعة. وقال الأوزاعي: إذا كانوا ثلاثة صلوا جمعة إذا كان فيهم الوالي. قال أبو ثور: هي كباقي الصلوات في العدد" اهـ. * * * - رخصةُ الإفطار والإطعام للشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، والحامل، والمرضع: 498 - قال ابن جرير الطبري: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد بن زريع، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن عَزْرَة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "كان الشيخُ الكبير، والعجوز الكبيرة- وهما يطيقان الصوم- رخَّصَ لهما أن يُفْطِرَا إن شاءا، ويُطْعِمَا لكل يوم مسكينًا، ثم نُسخَ ذلك بعد ذلك {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كانا لا يطيقان الصوم، وللحُبلى والمرضع إذا خَافَتَا". صحيح. أخرجه الطبري في تفسيره "جامع البيان" (2/ 162 - 163) أو (3/ 425/ رقم: 2752 - 2763 شاكر)، وأبو داود (2318) - بنحوه مختصرًا - وابن الجارود في "المنتقى" (381)، والبيهقي (4/ 230). من طريق: سعيد بن أبي عروبة به.

وتصحف اسم عَزْرة إلى عروة! عند أبي داود والطبري. والأثر صحيح؛ انظر "إرواء الغليل" (4/ 18 - 19). وقد تقدم عن ابن عباس - رضي الله عنه - نحوه في الجزء الأول من هذه السلسلة برقم (104). - فقه الأثر: قال الخطابي في "معالم السنن": "مذهب ابن عباس في هذا: أن الرخصة مثبتة للحبلى والمرضع، وقد نُسخت في الشيخ الذي يطيق الصوم، فليس له أن يُفْطِرَ ويُفدي، إلا أن الحامل والمرضع- وإن كانت الرخصة قائمة لهما- فإنه يلزمهما القضاء مع الإطعام، وإنما لزمهما الإطعام مع القضاء لأنهما يفطران من أجل غيرهما، شفقة على الولد وإبقاءَ عليه، وإذا كان الشيخ يجب عليه الإطعام -وهو إنما رُخِّصَ له في الإفطار من أجل نفسه- فقد عُقِلَ أن من ترخص فيه من أجل غيره أولى بالإطعام، وعلى هذا مذهب الشافعي وأحمد، وقد روي ذلك أيضًا عن مجاهد". قال أبو عبد الله - غفر الله له-: مذهب ابن عباس: أن الحامل والمرضع إن خافتا أفطرتا وأطعمتا دون قضاء -كما هو ظاهر الأثر هنا- ويؤيده ما رواه الحافظ ابن جرير الطبري في تفسيره برقم (2758 - شاكر) من طريق: عبدة [بن سليمان الكلابي]، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضعُ على ولدها في رمضان، قال: يفطران، ويطعمان مكان كل يوم مسكينًا، ولا يقضيان الصوم". قال الشيخ الألباني في "الإرواء" (4/ 19): "وإسناده صحيح على شرط مسلم". وفي الباب روايات أخرى صحيحة عنه - رضي الله عنه -؛ انظرها في المصدر السابق، وانظر الذي بعده.

القلوب أوعية فأشغلوها بالقرآن

499 - قال الدارقطني: حدثنا أحمد بن عبد الله، ثنا الحسن بن عرفة، ثنا روح، ثنا سعيد، عن قتادة، عن عزرة، عن سعيد بن جبيرة أن ابن عباس قال لِأُمّ ولدٍ له حُبلى -أو تُرْضِعُ-: "أنتِ من الذين لا يطيقون الصيام؛ عليك الجزاء، وليس عليك القضاء". صحيح. أخرجه الدارقطني في "السنن" (2/ 206)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (2/ 136). وقال الدارقطني: "إسناد صحيح". * * * - القلوب أوعية؛ فاشغلوها بالقرآن: 500 - قال أبو عُبيد القاسم بن سلَّام الهروي: حدثنا محمد بن عُبيد، عن هارون بن عنترة، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، قال: "أَصَبْتُ أنا وعلقمةُ صحيفةً، فانطلقنا إلى ابن مسعود بها، وقد زالتِ الشمسُ، أو كادَتْ تزولُ، فجلسنا بالباب، ثم قال للجارية: "انظري من بالبابِ". فقال: علقمةُ والأسودُ. فقال: "ائَذني لهما". قال: فدخَلْنَا، فقال: "كأنكما قد أَطَلْتُمَا الجلوسَ"؟! قلنا: أجل. قال: "فما منعكما أن تستأْذِنَا"؟ قالا: خشينا أن تكون نائمًا. فقال: "ما أُحِبُّ أن تَظُنَّا بي هذا؛ إن هذه ساعة كنَّا نقيسُها بصلاة الليل". فقلنا: هذه صحيفةً فيها حديثٌ حسنٌ. فقال: "هَاتِهَا يا جارية، هاتي الطِّسْتَ فاسكبي فيها ماءً". قال: فجعل يمحوها بيده ويقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3]. فقلنا: انظر فيها؛ فإن فيها حديثًا عجيبًا.

الخروج من المسجد بعد الأذان معصية لأبي القاسم صلى الله عليه وسلم

فجعل يمحوها، ويقول: "إنَّ هذه القلوبَ أوعيةٌ، فأشغلوها بالقرآن، ولا تشغلوها بغيره". لا بأس به. أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص 73 - ط. ابن كثير)، والخطيب البغدادي في "تقييد العلم" (رقم: 74 - العصرية)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 283/ رقم: 358 - الزهيري). وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" (6/ 126/ رقم: 30002 - العلمية) قول ابن مسعود - رضي الله عنه - الأخير، دون القصة. من طريق: محمد بن عبيد الطنافسي به. وهذا إسناد لا بأس به. رجاله كلهم ثقات؛ غير هارون بن عنترة؛ قال الحافظ: "لا بأس به". * * * - الخروج من المسجد بعد الأذان: 501 - عن أبي الشَّعثاء المحاربي، قال: كُنَّا قعودًا في المسجد، فأذَّنَ المؤذّنُ، فقام رجلٌ من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره، حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: "أمَّا هذا؛ فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه مسلم (655)، وأحمد (2/ 410، 416، 417، 506، 537)، وأبو داود (536)، والنسائي (2/ 29)، وابن ماجه (733)، والحميدي (998)، وابن خزيمة (1506)، والدارمي (1/ 274) وغيرهم. قال الإمام الترمذي: "وعلى هذا العملُ عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ومن بعدهم؛ ألَّا يخرج أحدٌ من المسجد بعد الأذان إلا من عذرٍ = أن يكون على غير وضوء، أو أمرٍ لا بُدَّ منه".

البول من قيام

- البول من قيام: 502 - قال الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي: حدثنا عليُّ بنُ حُجْرٍ، أخبرنا شَرِيكٌ، عن المقدام بن شُريح، عن أبيه [شُريح بن هانئ]، عن عائشة [- رضي الله عنها -]، قالت: "مَنْ حَدَّثَكُمْ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يبولُ قائمًا؛ فلا تُصَدِّقُوهُ؛ ما كان يبولُ إلَّا قاعدًا". صحيح. أخرجه الترمذي (12)، والنسائي (1/ 26)، وابن ماجه (307)، وأحمد (6/ 136، 192) وغيرهم. من طريق: المقدام بن شُريح به. وفي إسناد الترمذي شريك بن عبد الله النخعي، وهو متكلم فيه بسبب حفظه، لكن تابعه سفيان الثوري عند غيره. وللتفصيل انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (201). فقه الأثر: قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في المصدر السابق (1/ 393): "واعلم أن قولَ عائشة إنما هو باعتبار عِلْمها، وإلا فقد ثبت في "الصحيحين" وغيرهما من حديث حذيفة - رضي الله عنه -، قال: "أتى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - سباطة قومٍ؛ فبال قائمًا". وهو مخرَّجٌ في "الإرواء" (57). ولذلك: فالصواب جواز البول قاعدًا وقائمًا، والمهم أَمْن الرشاش، فبأيهما حَصَلَ وجَبَ. وأما النهي عن البول قائمًا؛ فلم يصح فيه حديث؛ مثل حديث: "لا تبل قائمًا"، وقد تكلَّمْتُ عليه في "الأحاديث الضعيفة" (رقم: 938) " اهـ.

المضمضة من اللبن

- المضمضة من اللبن: 503 - قال الحافظ أحمد بن منيع: حدثنا إسماعيل ابن عُلَيَّة، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أنس - رضي الله عنه -": "أَنَّهُ كان يُمَضْمِضُ من اللَّبَنِ ثلاثًا". صحيح. أخرجه أحمد بن منيع في "مسنده" -كما في "المطالب العالية" (رقم: 94 - العاصمة)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 57)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 177/ رقم: 688). من طريق: أيوب به. وصحَّحه الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية". وقد صحَّ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الأمر بالمضمضة من اللبن. انظر: "الصحيحة" (1361). * * * 504 - قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن زيد بن وهب، قال: كنتُ جالسًا عند عمر، فأقبل عبدُ الله، فدنا منه، فأكبَّ عليه؛ فكلَّمَهُ، فلما انصرفَ قال عمر: "كُنَيْفٌ مُلِئَ عِلْمًا". صحيح. أخرجه أحمد في "فضائل الصحابة" (1550)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (2/ 344 و 3/ 156 - صادر)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8477)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 543)، والحاكم (3/ 318)، والبيهقي في "المدخل" (رقم: 100)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 129)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (33/ 144 - 146). من طرق؛ عن الأعمش به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وأقره الذهبي، ووافقهما الألباني في "الإرواء" (7/ 280). وعبد الله المذكور في الأثر هو: عبد الله بن مسعود.

القرية التي مسخهم الله قردة وخنازير

505 - قال ابن أبي حاتم: حدثنا المنذر بن شاذان، ثنا هوذة بن خليفة، ثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: "ما أهلكَ اللهُ أُمَّةً من الأممِ، ولا قرنًا من القرونِ، ولا قريةً من القرى، لا من السماء ولا من الأرضِ، منذ أنزَلَ التوراةَ على وجهِ الأرضِ غير القرية التي مسخهم اللهُ قردةَ، أَلَمْ تَرَ أنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يقول: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً} [القصص: 43] الآية". صحيح. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (9/ 2981/ رقم: 16928)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (20/ 94 - 95)، والبزار (2247 - كشف الأستار) أو (1496 - مختصر الزوائد). من طرق؛ عن عوف به. وإسناده صحيح. ورواه روح بن عبادة، وعبد الأعلى، عن عوف به مرفوعًا. أخرجه الحاكم (2/ 408)، والبزار (2248 - كشف). قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. وصححه الحافظ ابن حجر في "زوائد مسند البزار" (2/ 101/ رقم: 1497). وقال الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/ 227): "والأشبه -والله أعلم- وقفه". وقال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (رقم: 2258): "كلاهما صحيح، ولا مخالفة بينهما، فمن الواضح أن الموقوف على الصحابي في حكم المرفوع فيما يتعلق بالتفسير، حتى ولو لم يرد مرفوعًا، فكيف وقد صحَّ مرفوعًا أيضًا؟! " اهـ.

إتيان الكاهن والعراف من أعمال الكفر

- إتيان الكاهن والعرَّاف من أعمال الكفر: 506 - قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "من أَتَى عرَّافًا، أو ساحرًا، أو كاهِنًا، فسأَلَهُ فصَدَّقَهُ بما يقولُ؛ فقد كفَرَ بما أُنْزِلَ على محمَّدِ - صلى الله عليه وآله وسلم -". حسن صحيح. أخرجه البزار (2067 - كشف الأستار)، وأبو يعلى (5408)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 392)، والبغوي في "الجعديات" (1941 - 1948)، والبيهقي (8/ 136)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (5/ 104)، وابن عدي في "الكامل" (7/ 239 - الفكر)، والدارقطني في "العلل" (5/ 329)، والخطيب البغدادي في "تاريخه" (8/ 60). من طرق؛ عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن هبيرة بن يريم، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -. ورواه عن أبي إسحاق جمع، منهم: أبو بكر بن عياش، وشعبة -وقد صرَّح أبو إسحاق في طريقه بالتحديث-، وسفيان الثوري، وغيرهم كثير. فأمِنَّا من تدليسه. وهبيرة بن يريم: صدوق. قال البزارة "رواه غير واحد عن أبي إسحاق، عن هبيرة، عن عبد الله. حدثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن عبد الله .. قلت: فذكره بنحوه". وأخرجه البغوي في "الجعديات" (1951). وأخرجه ابن عدي في "الكامل" (5/ 4)، والبغوي في "الجعديات" (1953) من طريق: شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن حبة العرني، عن عبد الله به. وإسناده فيه ضعف. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 93) من طريق: إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله به.

الذي يشيع بالفاحشة وكلمة الزور في الإثم سواء

وأخرجه ابن عدي (3/ 282 - الفكر)، والبغوي في "الجعديات" (1949). من طريق: يحيى الحماني، أخبرنا أبو خالد الأحمر، عن عمرو بن قيس، عن أبي إسحاق، عن هبيرة بن يريم، عن عبد الله به مرفوعًا. قال ابن عدي: "رواه عن أبي إسحاق: الثوري، وشعبة، وإسرائيل، وعمرو بن قيس، وغيرهم؛ عن هبيرة، عن عبد الله موقوفًا، ومنهم من أوقفه، ومنهم من رفعه. ولا أدري البلاء من يحيى، أو من أَبى خالد، فإن أبا خالد قد روي عنه موقوفًا ومرفوعًا". وقال الدارقطني في "العلل" (5/ 329): "ووهم الحماني في رفعه، وخالفه عثمان بن أبي شيبة، وهارون بن إسحاق؛ فروياه عن أبي خالد موقوفًا، وهو الصحيح". قلت: وصحَّ الحديث مرفوعًا من حديث أبي هريرة، - رضي الله عنه -، عند أحمد (2/ 429)، والحاكم (1/ 8) وغيرهما. وانظر: "الإرواء" (7/ 68 - 69). والأثر جوَّد إسناده المنذري، والحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/ 217)، وصحَّح إسناده ابن كثير في "تفسيره" (1/ 137)، وصححه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3048). * * * - الذي يشيغ بالفاحشة وكلمه الزور في الإثم سَوَاء: 507 - قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "القائلُ الفاحشةَ-[وفي رواية: الكلمة الزُّور]-، والذي يشيعُ بها-[وفي رواية: والذي يمدُّ بحبلها]. في الإثم سواء". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (324)، وابن وهب في "الجامع" (ص 55)، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 420/ رقم: 553)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "التوبيخ والتنبيه" (131، 132)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (7/ 44/ رقم: 9388 - العلمية)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (4/ 393).

لكل أهل بلد رؤيتهم

من طريق: يزيد بن أبي حبيب، عن مَرْثَدِ بن عبد الله، عن حسان بن كريب، عن علي به. وقال الهيثمي في "المجمع" (5/ 91): "رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح، غير حسان بن كريب؛ وهو ثقة"! وحسَّن إسناده الشيخ الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد" (ص 116/ رقم: 324). قلت: حسان بن كريب: "مقبول له إدراك"- قاله الحافظ ابن حجر في "التقريب"-، وقال صاحِبَا "تحرير تقريب التهذيب": "صدوق ... ". وأخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (260)، وأبو الشيخ في "التوبيخ" (134). من طريق: عبد الله بن المبارك، عن ابن لهيعة، عن عبد الله بن هُبيرة، عن عبد الله بن زُرَيْرٍ الغافقي، عن علي به. وإسناده صحيح، وابن المبارك سمع عبد الله بن لهيعة قديمًا قبل احتراق كتبه واختلاطه. * * * - لكل أهل بلدٍ رؤيتهم: 508 - عن كُريب: أنَّ أُمَّ الفضل بنت الحارث بعَثَتْهُ إلى معاوية بالشام، قال: فقدِمْتُ الشامَ، فقضيتُ حاجتَها، واستُهِلَّ عليَّ رمضانُ وأنا بالشام، فرأيتُ الهلالَ ليلةَ الجمعة، ثم قدِمْتُ المدينةَ في آخر الشهر، فسألني عبدُ الله بن عباس - رضي الله عنهما -، ثم ذكر الهلالَ، فقال: "متى رأيتم الهلالَ"؟ فقلتُ: رأيناه ليلة الجمعة. فقال: "أنتَ رأيتَهُ"؟ فقلتُ: نعم، ورآه الناسُ، وصاموا، وصام معاوية. فقال: "لكنَّا رأيناه يومَ السبت، فلا نزالُ نصومُ حتى نُكْمِلَ ثلاثينَ، أو نراه".

الوصاية بالعلم

فقلتُ: أَوَلا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: "لا؟ هكذا أمرنا رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرجه مسلم (1087)، وأحمد (1/ 306)، وأبو داود (2332)، والترمذي (693)، والنسائي في "المجتبى" (4/ 131)، والبيهقي (4/ 251)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1916)، والدارقطني (2/ 171) وغيرهم. فقه الأثر: فيه من الفقه: أن رؤية أهل البلد لا تلزم أهل البلاد الآخرين. قال الإمام أبو عيسى الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم: أن لكل أهل بلد رؤيتُهم". وقال النووي في "المنهاج" -شرحه على "صحيح مسلم"- (4/ 211 - 212): "والصحيح عند أصحابنا: أن الرؤية لا تعم الناس، بل تختص بمن قرب على مسافة لا تقصر فيها الصلاة. وقيل: إن اتفق المطلع لزمهم، وإن اتفق الإقليم، وإلا فلا. وقال بعض أصحابنا: تعم الرؤية في موضع جميع أهل الأرض، فعلى هذا نقول: إنما لم يعمل ابن عباس بخبر كريب لأنه شهادة، فلا تثبت بواحد. لكن ظاهر حديثه أنه لم يردّه لهذا، وإنما ردَّه لأن الرؤية لا يثبت حكمها في حق البعيد" اهـ. قلت: وقد نقل الحافظ ابن حجر اختلاف العلماء في المسألة في "الفتح" (4/ 147 - 148)، فانظره. * * * - الوِصَايَةُ بالعلم: 509 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: "اغْدُ عَالِمًا أو مُتَعَلِّمًا، ولا تَغْدُ إمَّعَةً بين ذلك". حسن. أخرجه ابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 143 رقم: 145 - ط. ابن الجوزي)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في "التاريخ والمعرفة" - المعرفة

والتاريخ- (3/ 399)، والبيهقي في "المدخل" (378)، وابن حزم في "الإحكام" (6/ 234). من طريق: سفيان، نا عاصم، عن زر، قال: قال عبد الله: ... فذكره. وهذا إسناد حسن؛ عاصم بن بهدلة بن أبي النجود الأسدي المقرئ المعروف؛ إمام في القراءة حجة، لكنه في الحديث "صدوق له أوهام" كما قال الحافظ في "التقريب"، وقد وثقه ابن معين وأحمد وغيرهما، فهو حسن الحديث إن شاء الله. وأخرجه ابن أبي شيبة (8/ 541) أو (5/ 285 - 286/ رقم:26111 - العلمية) وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 140/ رقم: 139)، وأبو خيثمة في "العلم" (1). من طريق: أبي معاوية، عن الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله به. وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يصح له سماع من أبيه؛ فالإسناد ضعيف لإنقطاعه. وأخرجه الدارمي في "مسنده" -أو سننه- (254)، ووكيع في "الزهد" (513)، والبيهقي في "المدخل" (380). من طريق: سفيان، عن عطاء بن السائب، عن الحسن، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "اغدُ عالمًا، أو متعلمًا، أو مستمعًا؛ ولا تكن الرابع فتهلك". وإسناده ضعيف منقطع. وأخرجه الدارمي (351)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (146)، والفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 399). من طريق: الأوزاعي، حدثني هارون بن رئاب، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "اغدُ عالمًا أو متعلّمًا، ولا تَغْدُ فيما بين ذلك، فإن ما بين ذلك جاهلٌ، وإن الملائكة تبسُطُ أجنحتها للرجل غدا يبتغي العلم من الرّضاء بما يصنع".

النهي عن الصلاة بين السواري

وإسناده منقطع، هارون بن رئاب لم يدرك ابن مسعود - رضي الله عنه -. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8752) من طريق: معاوية بن عمرو، ثنا زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله به. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 122): "رجاله رجال الصحيح" إلا أن عبد الملك بن عمير لم يدرك ابن مسعود". وأخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 99)، وأبو خيثمة في "العلم" (116) من طريق: أبي سنان ضرار بن مرة، عن سهل القراري، عن عبد الله به. ووقع في مطبوعة "كتاب العلم" لأبي خيثمة (الفزاري) بدل (القراري)؛ فليصحح. وسهل هذا مجهول، كما قال الذهبي. ووقع في "الميزان" (3/ 337/ رقم الترجمة: 4048) أيضًا (الفزاري)، والتصويب من "التاريخ الكبير" و"الأنساب" للسمعاني. وأخرجه الدارمي (349) من طريق: الضحاك، عن عبد الله به. وإسناده ضعيف لإنقطاعه. وبالجملة: الأثر حسن أو صحيح بهذه الطرق، والله أعلم. والأثر روي مرفوعًا، لكنه لا يصح؛ انظر: "الضعيفة" (2836). * * * - النهي عن الصلاة بين السواري: 510 - قال الطيالسي: حدثنا هارون أبو مسلم، قال: حدثنا قتادة، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، قال: "كُنَّا على عهد رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - نطردُ طردًا أن نقومَ بين السواري في الصلاة". حسن. أخرجه الطيالسي في "مسنده" (1073)، وابن ماجه (1002)، وابن خزيمة (1567)، وابن حبان (2219)، والحاكم (1/ 218)، والبيهقي (3/ 104)، والطبراني في "المعجم الكبير" (19/ رقم: 39، 40)، والدولابي في "الكنى" (2/ 113).

من طريق: هارون أبي مسلم به. وهذا إسناد حسن. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. وإنما هو حسن فقط؛ لأجل هارون أبي مسلم، قال عنه أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (9/ 94): "شيخ مجهول". لكن وثَّقه ابن حبان (7/ 581)، وقد روى عنه جماعة، منهم يحيى بن حماد، وأبو داود الطيالسي، وسَلْم بن قتيبة، وغيرهم. وقال الحافظ: "مستور"، يعني: مجهول الحال. ويشهد له الأثر القادم. وانظر لزامًا: "الصحيحة" للشيخ الألباني (رقم: 335)، والإستدراك رقم (14). * * * 511 - قال الترمذي: حدثنا هنَّاد، حدثنا وكيع، عن سفيان، عن يحيى بن هانئ بن عروة المرادي، عن عبد الحميد بن محمود، قال: "صلَّيْنَا خلْفَ أمير من الأمراء، فاضطَرَّنا الناسُ، فصلَّيْنَا بين الساريتين، فلما صلَّينا قال أنس بن مالك: "كُنَّا نتقي هذا على عَهْدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -". صحيح. أخرجه الترمذي (229)، وأبو داود (673)، وأحمد (3/ 131)، والنسائي (2/ 94)، وعبد الرزاق (2489)، وابن أبي شيبة (2/ 369)، وابن خزيمة (1568)، وابن حبان (2218)، والحاكم (1/ 210 و 218)، والبيهقي (3/ 104)، وغيرهم. من طريق: يحيى بن هانئ به. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" (677).

الزنا مناف للإيمان

- الزنا منافٍ للإيمان: 512 - عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: "الإيمانُ نَزِهٌ؛ فمن زَنَى فارَقَهُ الإيمان، فإن لامَ نفسَهُ وراجعَ؛ راجَعَهُ الإيمانُ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "الإيمان" (16)، وعبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (753)، والخلال في "السُّنَّة" (1259)، والآجري في "الشريعة" (1/ 267/ رقم: 253)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (1780). من طريق: يزيد بن هارون، عن العوام، عن علي بن مُدرك، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وصححه الشيخ الألباني في تحقيقه على كتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة (ص 20/ رقم: 16 - ط. المكتب الإسلامي). وأبو زرعة؛ هو: ابن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي. وقوله: "نَزِهٌ"؛ أي: بعيدٌ عن المعاصي ومنزَّهٌ عنها. * * * - إيفاء الكيل: 513 - عن ابن عباس - رضي الله عنه -، قال: "لمَّا قدِمَ النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - المدينةَ؛ كانوا من أخبثِ الناسِ كيلًا، فأنزلَ اللهُ سبحانه: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}، فأَحْسَنُوا الكيلَ بعد ذلك". حسن صحيح. أخرجه النسائي في التفسير من "السنن الكبرى" (6/ 508 رقم: 11654 - العلمية)، وابن ماجه (2223)، وابن جرير الطبري في "جامع البيان" (30/ 58)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 12041)، وابن حبان في "صحيحه" (11/ 286/ رقم: 4919)، والحاكم (2/ 33)، والبغوي في تفسيره "معالم التنزيل" (4/ 257)، والبيهقي في "السنن الكبير" (6/ 32)، وفي "شعب الإيمان" (4/ 327/ رقم: 5286 - العلمية)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص 298). من طرق؛ عن الحسين بن واقد، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس به.

من علامات آخر الزمان

قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" (1/ 142): "هذا إسناد حسن؛ علي بن الحسين بن واقد، مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات". قلت: علي بن الحسين توبع؛ تابعه يحيى بن واضح عند الطبري، وعلي بن الحسن بن شقيق عند الحاكم والبيهقي، وغيرهما. والأثر قال عنه الألباني في "صحيح موارد الظمآن" (2/ 187 - / 188 رقم: 1482): "صحيح لغيره". * * * - من علامات آخر الزمان: 514 - قال الإمام مسلم: حدثنا زُهير بن حرب وعليُّ بن حُجْرٍ - (واللفظ لزهير) -، قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الجُريري، عن أبي نَضْرَةَ، قال: كُنَّا عند جابر بن عبد الله، فقال: "يُوشِكُ أهلُ العراقِ أن لا يُجْبَى إليهم قَفِيزٌ ولا درهمٌ". قلنا: من أينَ ذاكَ؟ قال: "مِنْ قِبَل العَجَمِ، يمنعونَ ذاك". ثم قال: "يُوشِكُ أهلُ الشام أن لا يُجْبَى إليهم دينارٌ ولا مُدْيٌ". قلنا: من أين ذاك؟ قال: "مِنْ قِبَلِ الرُّومِ". ثم سكتَ هُنَيَّةً، ثم قال: "قال رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "يكونُ في آخرِ أُمتي خليفةٌ يَحْثِي المالَ حثيًا، لا يعدُّه عدًّا". قال (¬1): قلتُ لأبي نضرة وأبي العلاء: أترَيَانِ أنه عمرُ بن عبد العزيز؟ فقالا: "لا". ¬

_ (¬1) القائل هو: الجُريري؛ سعيد بن إياس.

ثلاثة أمور ينبغي للمؤمن أن يحرص عليها

أخرجه مسلم (2913)، وأحمد (3/ 317) أو رقم (14448 - قرطبة)، وابن حبان في "صحيحه" (15/ 75/ رقم: 6682 - الإحسان)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 330)، وأبو عمرو الداني في "الفتن" (5/ 1119 - 1120/ رقم: 603)، والحاكم (4/ 454) -مع زيادة في آخره-. من طرق؛ عن سعيد الجُريري به. وانظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (7/ 196 - 199/ رقم: 3072). وانظر لفقه الأثر ومعناه: "العراق في أحاديث وآثار الفتن" (1/ 238 - وما بعدها) للعلّامة المحقق الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان -وفقه الله تعالى ونفع به-. * * * - الإقتداء بسنن رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: 515 - قال عبدُ الله بن عون البصري: "ثلاث أَرْضَاهَا لنفسي ولإِخواني: أن يَنْظُرَ هذا الرَّجُلُ المسلمُ القرآنَ، فيتعلَّمَه، ويقرأَه، ويتدبَّرَه، وينظرَ فيه. والثانية: أن ينظرَ ذاك الأثَر، والسُّنَّةَ؛ فيسأل عنه، ويتبعه جهده. والثالثة: أن يدَعَ هؤلاء الناس إلا من خيرٍ". صحيح. علقه البخاري في "صحيحه" (97) كتاب الإعتصام بالكتاب والسُّنَّة. 2 - باب الإقتداء بسنن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. ووصله محمد بن نصر المروزي في "السُّنَّة" (رقم: 108 - العاصمة) ومن طريقه الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (5/ 319). من طريق: يحيى بن يحيى، أنبا سليم بن أخضر، قال: سمعت ابن عون يقول غير مرة ... فذكره. وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (36) من طريق: أبي العباس البرقي، ثنا القعنبي، قال: سمعتُ حماد بن زيد قال: قال ابن عون ... فذكره بنحوه.

الحلال ما أحله الله، والحرام ما حرمه، وما سكت عنه فهو عفو

- الحلال ما أحلَّه الله، والحرامُ ما حرَّمه، وما سكت عنه فهو عفو: 516 - قال الإمام أبو داود سليمان بن الأشعث: حدثنا محمد بن داود بن صبيح، حدثنا الفضل بن دُكين، حدثنا محمد -يعني: ابن شريك المكي-، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، قال: "كان أهلُ الجاهليةِ يأكلون أشياء، ويتركونَ أشياءَ تقذُّرَا، فبعَثَ اللهُ تعالى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأنزَلَ كتابَهُ، وأحلَّ حلالَهُ، وحرَّمَ حرامَهُ؛ فما أحَلَّ فهو حلالٌ، وما حرَّمَ فهو حرامٌ، وما سكتَ عنه فهو عَفْوٌ"، وتلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] إلى آخر الآية. صحيح. أخرجه أبو داود (3800)، والحاكم (4/ 115) من طريق: أبي نعيم الملائي الفضل بن دكين به. وصحَّح إسناده الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2/ 722/ رقم: 3225 - المكتب الإسلامي). * * * - آياتٌ ظاهرها الإختلاف، وجواب ابن عباس عنها: 517 - قال البخاري: وقال المنهال، عن سعيد (¬1)، قال: قال رجلٌ لابنِ عباس: إني أَجِدُ في القرآنِ أشياءَ تَخْتَلِفُ عليَّ. قال: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 10]، {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)} [الصافات: 27]. {وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا} [النساء: 42]، {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 123]؛ فقد كتموا في هذه الآية. وقال: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27)} إلى قوله: {دَحَاهَا} [النازعات: 30]، فذكر خَلْقَ السماءِ قبل خلقَ الأرضِ. ثم قال: {أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} إلى {طَائِعِينَ}؛ [فصلت: 9 - 11] فذكر في هذه خَلْقَ الأرضِ قبل السماءِ. ¬

_ (¬1) هو: ابن جُبير.

وقال: {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 96]، {عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56]، {كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: 58]؛ فكأنه كان ثم مضى! فقال (¬1): " {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ} فيِ النَّفْخَةِ الأولى، ثم يُنْفَخُ في الصور؛ {فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ} [الزمر: 68]، فلا أنساب بينهم عند ذلك، ولا يتساءلون، ثما في النفخة الآخرة {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)}. وأما قوله: {مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}، {وَلَا يَكْتُمُونَ اللهَ}؛ فإن اللهَ يَغْفِرُ لأهل الإخلاصِ ذنوبَهُم، وقال المشركون: تَعَالَوْا نقولُ: لم نكن مشركين. فخُتِمَ على أفواههم، فتَنْطِقُ أيديهم، فعند ذلك عُرِفَ أن الله لا يُكْتَمُ حديثًا، وعنده {يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الآية. وخلقَ الأرضَ في يومين، ثم خلق السماءَ، ثم استوى إلى السماء؛ فسوَّاهنَّ في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودَحْوُهَا: أَنْ أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبالَ، والجمالَ، والآكامَ، وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قولهُ: {دَحَاهَا}، وقوله: {خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ}؛ فجُعِلَتِ الأرضُ وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماوات في يومين. {وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا}؛ سمَّى نفسَه ذلك، وذلك قولُه؛ أي: لم يزل كذلك، فإن الله لم يُرِدْ شيئَا إلا أصابَ به الذي أرادَ؛ فلا يختلف عليك القرآن، فإن كلًّا من عند الله". قال البخاري: حدثني يوسف بن عَدِيّ، حدثنا عُبيدُ الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أَنيسةَ، عن المنهال بهدا. أخرجه البخاري في "صحيحه" (8/ 555 - الفتح)، (65) كتاب تفسير القرآن، سورة حم السجدة. والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ رقم: 10594)، وابن منده في "التوحيد" (1/ 105/ رقم: 19، 20)، والبيهقي في ¬

_ (¬1) ابن عباس.

كفر أهل الكتاب بالقرآن

"الأسماء والصفات" (2/ 245/ رقم: 809)، والذهبي في "العلو (رقم: 87) وأبو الشيخ في "العظمة" (3/ 1039/ رقم: 559). من طريق: يوسف بن عدي به، بنحوه. * * * - كفر أهل الكتاب: 518 - قال أبو عبد الله البخاري: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدثنا هُشيم، أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - {الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (91)} [الحجر: 91]، قال: "هم أهلُ الكتابِ؛ جزَّؤوه أجزاءً، فآمنوا ببعضه، وكفروا ببعضِه". أخرجه البخاري (4705)، وطرفه في (3945). ثم قال البخاري: حدثني عُبيد الله بن موسى، عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، {كَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ (90)} [الحجر: 90]، قال: "آمَنُوا ببعضٍ، وكفروا ببعض؛ اليهود والنصارى". أخرجه برقم (4706). وأخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (14/ 42) من الطريقين اللذين أخرجهما البخاري. وأخرجه الحاكم (2/ 355) من طريق: الأعمش به. وتعقبه الذهبي بقوله: "أخرجه البخاري"؛ يعني: أن الحاكم وهم في استدراكه. * * * - القنوت في الصلاة: 519 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا معاذ بن فَضَالة، قَال: حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سَلَمَهَ، عن أبي هريرة، قَال: "لَأُقَرِّبَن صلاةَ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يَقْنُتُ

التقوى من أهم وسائل دفع الفتن

في الرَّكعة الأخرى من صلاةِ الظهر، وصلاة العشاء، وصلاة الصُّبح، بعدما يقول: سَمِعَ اللهُ لمن حَمِدَهُ؛ فيدعو للمؤمنين، وَيلْعَنُ الكفَّارَ". أخرجه البخاري (797)، ومسلم (676)، وأحمد (2/ 255، 337، 370)، وأبو داود (1440)، والنسائي (2/ 202)، وأبو عوانة في "صحيحه" -أو مستخرجه- (2/ 284)، وابن حبان (1981)، والدارقطني (2/ 38)، والبيهقي (2/ 198). من طريق: هشام الدستوائي به. وانظر: "الفتح" (2/ 333). * * * - التقوى من أهم وسائل دَفْعِ الفِتَنِ، وصِفَةُ التقوى: 520 - عن بكر بن عبد الله، قال: لما كانت فتنة ابن الأشعث قال طلقُ بنُ حبيب: "إذا وقعتِ الفتنةُ فادفعوها بالتقوى". قالوا: وما التقوى؟ قال: "أَنْ تَعْمَلَ بطاعةِ اللهِ، على نورٍ من اللهِ، تَرْجُو ثوابَ اللهِ، وأَنْ تَتْرُكَ معصيةَ اللهِ، على نورٍ من الله، تخافُ عقابَ اللهِ". صحيح. أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (1343)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (11/ 23 و 13/ 488) أو (6/ 163 - / 164 رقم: 20347) و (7/ 190/ رقم: 35150 - العلمية)، وفي "الإيمان" (99)، وهناد في "الزهد" (522)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 64). من طريق: سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن بكر بن عبد الله المزني به. غير أن ابن أبي شيبة لم يذكر بكر بن عبد الله. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه على كتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة (ص 39/ رقم: 99): "وهذا الأثر صحيح السند إلى طلق بن حبيب، وهو تابعي عابد".

فقه الأثر: قال الحافظ شمس الدين الذهبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "السير" (4/ 601): "قلت: أَبْدَعَ وأوجزَ، فلا تقوى إلا بعملٍ، ولا عمل إلا بتروّ من العلم والإتباع، ولا ينفع ذلك إلا بالإخلاص لله، لا ليقال: فلان تارك للمعاصي بنور الفقه، إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها، ويكون الترك خوفًا من الله، لا ليُمدحَ بتركها، فمن دام على هذه الوصية فقد فاز". قال أبو عبد الله - غفر الله له -: وهذه الوصية وصية جامعة نافعة في زماننا هذا، زمن الفتن، والله المستعان. * * * 521 - قال أبو عبد الله البخاري: حدثنا يحيى بن بُكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، قال: أخبرني عروة؛ أنه سأل عائشة - رضي الله عنها- زوجَ النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم -: "أرأيتِ قوَله: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110]، أو كُذِبُوا؟ قالت: "بل كذبَهُم قومُهم". فقلتُ: والله لقد استيقنوا أنَّ قومَهم كذَّبوهم، وما هو بالظن. قال: "يا عُرَيَّةُ! لقد اسْتَيْقَنُوا بذلك". قلتُ: فلعلها (أو كُذِبُوا). قالت: "معاذَ الله! لم تكن الرُّسُلُ تظُنُّ ذلك بربِّها. وأما هذه الآية - قالت: هم أتباعُ الرُّسُل؛ الذين آمنوا بربهم، وصدَّقوهم، وطالَ عليهم البلاءُ، واستأخَرَ عنهم النصرُ، حتى إذا استيأسَت ممَّن كذبهم من قومهم، وظنُّوا أنَّ أتباعَهم كذَّبوهم، جاءهم نصرُ اللهِ". أخرجه البخاري (3389) و (4695). وأخرجه برقم (4524) قال: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن

قصة صبيغ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ابن جريج، قال: سمعتُ ابنَ أبي مُليكةَ يقول: قال ابنُ عباس- رضي الله عنهما-: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: 110]- خفيفة- ذهب بها هناك، وتلا: {حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214]. فلقيتُ عُروة بن الزبير، فذكرتُ له ذلك. فقال: قالت عائشة: "معاذَ الله! واللهِ ما وعَدَ اللهُ رسولَهُ من شيءٍ قط، إلا علم أنه كائنٌ قبل أن يموتَ، ولكن لم يزلِ البلاءُ بالرُّسلِ حتى خافوا أن يكون من معهم يكذبونهم، فكانت تقرؤها: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِّبُوا} -مثقَّلة-. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (7/ 2211/ رقم: 112060)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (13/ 105). من طريق: ابن شهاب الزهري به. وأخرجه النسائي في "الكبرى" -كتاب "التفسير"- (6/ 369/ رقم: 11255، 11256)، وابن جرير (13/ 104). من طريق: ابن جريج به. وأخرج النسائي (6/ 370/ 11257) من طريق: وهب بن جرير، نا أبي، عن كلثوم بن جبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس؛ أنه قرأ {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} -خفيفة- قال: "إذا استيأسَ الرُّسُلُ من إيمانِ قومهم، وظن قومُهم أنَّ الرُّسَلَ كذَبُوهم". وإسناده حسن؛ رجاله رجال الشيخين، عدا كلثوم بن جبير، وهو "صدوق يخطئ"، وقد أخرج له مسلم. وأخرجه ابن جرير (13/ 54 - 55)، وابن أبي حاتم (7/ 2211/ رقم: 12059) من طرق؛ عن ابن عباس به. * * * - قصة صَبيغ مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: 522 - قال الحافظ أبو بكر محمد بن الحسين الآجري: حدثنا أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبد الحميد الواسطي، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي

الحارث، قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدثنا الجعيد بن عبد الرحمن، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد، قال: أُتي عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه -، قالوا: يا أمير المؤمنين، إنَّا لقينا رجلًا يسألُ عن تأويل القرآن! فقال: "اللَّهُم أَمْكِنّي منه". قال: فبينا عمر ذات يوم يغذي الناس، إِذْ جاءه رجلٌ -عليه ثياب وعمامة- يتغذى، حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)} [الذاريات: 1، 2]؟!. فقال عمر: "أنتَ هو"؟! فقام إليه، فحسَرَ عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته. فقال: "والذي نفسُ عمر بيده؛ لو وجدتُكَ مَحْلُوقًا لضربتُ رأسَكَ. أَلْبِسُوهُ ثيابَهُ واحملوه على قَتَبٍ، ثم أَخْرِجُوهُ حتى تقدموا به بلادَه، ثم ليقُمْ خطيبًا، ثم ليقُلْ: إنَّ صَبيغًا طلب العلمَ؛ فأخطأه". فلم يزل وضيعًا في قومه حتى هلك، وكان سيّدَ قومِهِ. - ثم قال الآجري؛ أخبرنا أبو عبيد علي بن الحسين بن حرب القاضي، قال: حدثنا أبو الأشعث أحمد بن المقدام، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن يزيد بن حازم، عن سليمان بن يسار: أنَّ رجلًا من بني تميم - يقال له: صَبيغ بن عِسْل- قَدِمَ المدينةَ، وكانت عنده كتب، فجعل يسأل عن متشابه القرآن، فبلغ ذلك عمر - رضي الله عنه -، فبعثَ إليه- وقد أَعَدَّ له عراجين النخل-، فلما دخل عليه جلس، فقال له عمر: "من أنتَ"؟ فقال: أنا عبدُ اللهِ صَبيغُ. فقال عمر: "وأنا عبدُ اللهِ عمرُ"، ثم أهوى إليه، فجعل يضربه بتلك العراجين، فما زال يضربه حتى شجَّه، فجعل الدَّمُ يسيلُ على وجهه، فقال: حَسْبُكَ يا أميرَ المؤمنين، فقد واللهِ ذهبَ الذي كنتُ أجِدُ في رأسي". صحيح. الرواية الأولى: أخرجها الآجري في "الشريعة" (1/ 210/ رقم:

160)، وابن بطة في "الإبانة" (335)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (1136)، وابن الأنباري في "المصاحف" -كما في "الإصابة" (3/ 460) - وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (25/ 280 - ط. إحياء التراث). وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. والرواية الثانية: أخرجها الآجري (1/ 211/ رقم: 161)، والدارمي في "السنن -أو المسند" (1/ 252/ رقم: 146 - ط. الداراني)، وابن بطة في "الإبانة" (789)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (1137، 1138)، وابن عساكر في "تاريخه" (25/ 279 - ط. إحياء التراث)، والهروي في "ذم الكلام" (4/ 6 - 7/ رقم: 718). من طريق: حماد بن زيد به. وإسناده ضعيف لإنقطاعه، سليمان بن يسار لم يدرك عمر - رضي الله عنه -. وأخرجه الدارمي (1/ 254/ رقم: 150)، وابن وضّاح في "البدع" (159)، وابن عساكر في "تاريخه" (25/ 279 - 280). من طريق: الليث بن سعد، أخبرني ابن عجلان، عن نافع مولى عبد الله؛ أن صبيغًا ... فذكره. وإسناده ضعيف منقطع. وأخرجه ابن بطة (329) من طريق: محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا المعتمر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عثمان: أن رجلًا كان من بني يربوع يقال له: صبيغ .... فذكره بنحوه. وأخرجه ابن عساكر (25/ 280) من طريق: هوذة بن خليفة، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي به. وأخرجه الهروي في "ذم الكلام" (4/ 7/ رقم: 719)، وابن عساكر (25/ 281) من طريق: يعقوب بن سفيان الفسوي، نا علي بن الحسن بن شقيق، نا عبد الله، نا سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي، قال: كتب إلينا عمر: "لا

تجالسوا صبيغًا"، ذلك فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه. ولربما قال: لما جالسناه. وللأثر طرق أخرى، نكتفي بهذا القدر منها. فقه الأثر: قال الآجري -رَحِمَهُ اللهُ- في "الشريعة" (1/ 211): "فإن قال قائل: فمن يسأل عن تفسير {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1) فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (2)} استحق الضرب، والتنكيل به، والهجرة؟!. قيل له: لم يكن ضرب عمر - رضي الله عنه - له بسبب هذه المسألة، ولكن لما تأدّى إلى عمر ما كان يسأل عنه من متشابه القرآن، من قبل أن يراه؛ علم أنه مفتون، قد شغل نفسه بما لا يعود عليه نفعه، وعلم أن اشتغاله بطلب علم الواجبات من علم الحلال والحرام أولى به، وتطلب علم سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -أولى به، فلما علم أنه مقبل على ما لا ينفعه، سأل عمر اللهَ تعالى أن يمكنه منه، حتى ينكّل به، وحتى يحذر غيره، لأنه راعٍ يجب عليه تفقد رعيته في هذا وفي غيره، فأمكنه الله تعالى منه". وقال الإمام أبو عبد الله عُبيد بن محمد بن بطة العكبري في "الإبانة" - الكتاب الأول، كتاب الإيمان- (1/ 415 - 417): "وعسى الضعيف القلب، القليل العلم من الناس إذا سمع هذا الخبر، وما فيه من صنيع عمر - رضي الله عنه -؛ أن يتداخله من ذلك ما لا يعرف وجه المخرج عنه، فيكثر هذا من فعل الإمام الهادي العاقل -رحمة الله عليه-، فيقول: كان جزاء من سأل عن معاني آيات من كتاب الله -عَزَّ وَجَلَّ- أحبَّ أن يعلم تأويلها - أن يُوجَعَ ضربًا، ويُنفَى، ويُهْجَرَ ويُشْهَّرَ!!. وليس الأمر كما يظنُّ من لا علم عنده، ولكن الوجه فيه غير ما ذهب إليه الذاهب، وذلك أن الناس كانوا يهاجرون إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، ويَفِدُونَ إلى خلفائه بعد وفاته -رحمة الله عليهم-، ليتفقهوا في دينهم، ويزدادوا بصيرة في إيمانهم، ويتعلَّموا علم الفرائض التي فرضها الله عليهم؛ فلما بلغ

من علامات آخر الزمان

عمر-رَحِمَهُ الله- قدوم هذا الرجل المدينة، وعرف أنه سأل عن متشابه القرآن، وعن غير ما يلزمه طلبه مما لا يضره جهله، ولا يعود عليه نفعه، وإنما كان الواجب عليه حين وفد على إمامه أن يشتغل بعلم الفرائض والواجبات، والتفقه في الدين من الحلال والحرام، فلما بلغ عمر -رَحِمَهُ اللهُ- أن مسائله غير هذا؛ علم من قبل أن يلقاه أنه رجلٌ بطَّال القلب، خالي الهمة عما افترضه الله عليه، مصروف العناية إلى ما لا ينفعه، فلم يأمن عليه أن يشتغل بمتشابه القرآن والتنفير عما لا يهتدي عقله إلى فهمه، فيزيغ قلبه، فيهلك، فأراد عمر -رَحِمَهُ اللهُ- أن يكسره عن ذلك، ويذلَّه، ويشغلَه عن المعاودة إلى مثل ذلك ... ". * * * - من علامات آخر الزمان: - قال الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرنا فضيل بن عياض، عن الأعمش، عن خيثمة، عن عبد الله بن عمرو-[- رضي الله عنهما -]-، قال: "يأتي على الناس زمانٌ يجتمعون ويُصَلُّونَ في المساجد، وليس فيهم مؤمِنٌ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "الإيمان" (101)، وفي "المصنف" (6/ 163/ رقم: 30346 - العلمية) و (7/ 505/ رقم: 37575)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 442)، والآجري في "الشريعة" (1/ 269 - 270/ رقم: 260، 261، 262)، والخلال في "السُّنَّة" (رقم: 1308)، من طرق؛ عن الأعمش به. ورواه عن الأعمش غير فضيل: سفيان، وشعبة، فأمِنَّا من التدليس. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. وقال الشيخ الألباني في تحقيقه لكتاب "الإيمان" (ص 40/ رقم: 101): "إسناده موقوف صحيح على شرط الشيخين".

مجانبة المبتدع

524 - قال يحيى بن أبي كثير -رَحِمَهُ اللهُ-: "إذا لَقِيتَ صَاحِبَ بِدْعَةٍ في طريقٍ؛ فَخُذْ في طريقٍ غَيْرِهِ". صحيح. أخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 199/ رقم: 142)، وابن بطة في "الإبانة" (رقم: 490، 491، 492)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 259)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (رقم: 9463، 9466 - العلمية)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (3/ 69). من طرق؛ عن أبي إسحاق الفَزَاري، عن الأوزاعي، عن يحيى به. وسقط ذكر الأوزاعي من "الحلية". وأخرجه ابن وضّاح في "البدع والنهي عنها" (رقم: 131)، قال: حدثنا أسدٌ، قال: حدثنا بعض أصحابنا، عن الأوزاعي، عن يحيى به. * * * - لحم الصيد للمُحْرِمِ: 525 - قال الإمام أحمد بن حنبل -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا هاشم، حدثنا سليمان -يعني: ابن المغيرة-، عن علي بن زيد، حدثنا عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي، قال: كان أبي الحارثُ على أَمْرٍ من أَمْرِ مكَّةَ، في زمن عثمان، فأقبل عثمان إلى مكة، فقال عبد الله بن الحارث: "فاستقبلتُ عثمان بالنُّزُلِ بقُدَيْدٍ، فاصطاد أهلُ الماءِ حجَلًا، فطبخناه بماءٍ وملحٍ، فجعلناهُ عُراقا للثَّريد، فقدَّمناه إلى عثمان وأصحابه، فَأَمْسَكوا، فقال عثمان: "صَيْدٌ لم أَصْطَدْهُ، ولم نَأْمُرْ بصَيدِهِ؛ اصطادَهُ قومٌ حِلٌّ، فأطعمونا؛ فما بأسٌ"؟!. فقالوا: عليٌّ. فبعثَ إلى عليِّ، فجاء،- قال عبدُ الله بن الحارث: فكأني أنظُرُ إلى عليّ حين جاءَ، وهو يحثُّ الخبَطَ عن كفَّيْهِ - فقال له عثمان: "صيدٌ لم نَصْطَدْهُ، ولم نَأْمُرْ بصيده؛ اصطادَهُ قومٌ حِلٌّ، فأطعموناه؛ فما بأسٌ"؟ قال: فغضِبَ عليٌّ، وقال: "أَنْشُدُ اللهَ رجلًا شهِدَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - حين

أُتِيَ بقائمةِ حمار وحشٍ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إِنَّا قومٌ حُرُمٌ، فأَطْعِمُوهُ أهلَ الحِلِّ". قال: فشَهِدَ اثنا عشرَ رجلًا من أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، ثم قال عليٌّ: "أَنْشُدُ اللهَ رجلًا شَهِدَ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - حين أُتي ببيض النَّعام، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إنَّا قومٌ حُرُمٌ، أَطْعِمُوهُ أهلَ الحِلِّ". قال: فشَهِدَ دونَهم من العدَّةِ من الإثنَيْ عشر. قال: فثنى عثمان وَرِكَهُ عن الطعام، فدخل رَحْلَهُ، وأكل ذلك الطعام أهلُ الماءِ". حسن لغيره. أخرجه أحمد (1/ 100، 104) أو رقم (783، 814 - شاكر)، وابنه عبد الله في زوائده على "المسند" (1/ 100) أو رقم (784)، والبزار في "مسنده" (رقم: 914 - البحر الزخار) أو (رقم: 1100 - كشف الأستار)، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 294، 340 - / 341 رقم: 356، 432)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/ 168). من طريق: علي بن زيد بن جدعان به. وإسناده ضعيف؛ لضعف علي بن زيد بن جدعان. لكنه تابعه عليه إسحاق بن عبد الله بن الحارث، عند أبي داود (1849)، والبيهقي في "السنن الكبير" (5/ 194). وإسناده صحيح -كما قال الألباني في "صحيح أبي داود" (6/ 112/ رقم: 1621 - غراس) -. ولفظه هكذا: عن عبد الله بن الحارث- وكان الحارث خليفة عثمان على الطائف-، فصنع لعثمان طعامًا فيه من الحجَلِ، واليعاقيب، ولحم الوحش، قال: فبعث إلى علي بن أبي طالب، فجاءه الرسول، وهو يخبط لأباعر له، فجاء وهو ينفض الخبَط عن يده، فقالوا له: كُلْ. فقال: "أطعموه قومًا حلالًا، فإنَّا حرُمٌ".

سوء مذهب الخوارج

فقال عليٌّ - رضي الله عنه -: "أُنشد الله من كان هاهنا من أشجع؛ أتعلمون أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أهدى إليه رجلٌ حمار وحشٍ، وهو مُحْرِمٌ؛ فأبى أن يأكُلَهُ؟ قالوا: نعم". غريب الأثر: النُّزُل: المنزل، وهو أيضًا: قرى الضَّيف. قُديد: موضع قرب مكة. الحَجَل: طائر معروف. الخَبَط: ورق العضاة من الطلح ونحوه، يخبط بالعصا، فيتناثر، ثم يُعلف للإبل. اليعاقيب: ذَكَرُ الحجل. فقه الأثر: في هذا الأثر دلالة على تحريم صيد البر للمحرم مطلقًا، لكن يعارضه حديث أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - المعروف المتفق عليه، والكلام يطول في هذه المسألة، وخلاصته: أن المحرِم إذا اصطاد حرم عليه أكله، وإذا صيد له كذلك. لكن إذا اصطاد الحلال لنفسه، وقدم للمحرم جاز له أكله، جمعًا بين الأحاديث، والله تعالى أعلم. * * * - سوء مذهب الخوارج: 526 - قال الآجري: حدثنا أبو بكر بن عبد الحميد، قال: حدثنا ابن المقرئ، قال: ثنا سفيان، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: ذُكِرَ لابن عباس الخوارجَ، وما يصيبُهم عند قراءة القرآن! قال: "يُؤْمِنُونَ بمُحْكَمه، ويضلُّونَ عن مُتَشَابِهِهِ، وقرأ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 6] ".

صحيح. أخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 144/ رقم: 47)، وإسناده صحيح. * * * 527 - ثم قال الآجري: حدثنا ابن عبد الحميد أيضًا، قال: حدثنا ابن المقرئ، قال: حدثنا سفيان، عن عبيد الله بن أبي يزيد، قال: سمعتُ ابنَ عباس- وذُكِرَ له الخوارج، واجتهادهم، وصلاتهم - قال: "ليس هم بأشدّ اجتهادَا من اليهود والنصارى؛ وهم على ضَلالة". صحيح. أخرجه الآجري (1/ 144/ رقم: 48)، وإسناده صحيح أيضًا. قال الآجري -رَحِمَهُ اللهُ-: "فلا ينبغي لمن رأى اجتهاد خارجي قد خرج على إمامٍ -عدلًا كان الإمام أو جائرًا- فخرج وجمع جماعة، وسلَّ سيفه، واستحلَّ قتال المسلمين، فلا ينبغي له أن يغترَّ بقراءته للقرآن، ولا بطول قيامه في الصلاة، ولا بدوام صيامه، ولا بحسن ألفاظه في العلم؛ إذا كان مذهبه مذهب الخوارج". وقال محقِّقُه الشيخ الوليد بن نبيه سيف النصر -وفقه الله تعالى-: "ومن هنا يُعلم خطأ وانحراف كثير من الشباب المتحمس لإنكار المنكر، فسرعان ما نجده يتبع الشعارات واللافتات، بمجرد سماعه لها، أو لأصحابها؛ من ذوي العاطفة الجيَّاشة، ممن يزعم أنه يريد الجهاد في سبيل الله، أو يظهر منه بضع علامات الصلاح! فالله الله يا شباب الإسلام؛ لا يغرنكم مثل ذلك، وعليكم بطريق أهل العلم، فاقتدوا بهم واصدروا عن أقوالهم، ولا يستهوينكم الشيطان، وامتثلوا قوله تعالى: {أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}، وقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. والزيغ عن طريق كبار أهل العلم، والطعنُ فيهم؛ هو من أكبر أسباب الضعف والضلال والإنحراف في هذه الأمة والنكبات التي نعيشها اليوم -وما أكثرها- ولا حول ولا قوة إلا بالله" اهـ.

فضل البكاء من خشية الله، وفضل الجهاد في سبيل الله

- فضل البكاء من خشية الله، والجهاد في سبيل الله: 528 - قال أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي: أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا مِسْعَرٌ، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، قال: "لا يبكي أحدٌ من خَشْيَةِ اللهِ تَطْعَمَهُ النارُ؛ حتى يُرَدَّ اللَّبَنُ في الضَّرْع، ولا يجتمعُ غبارٌ في سبيل اللهِ، ودخانُ جهنَّمُ في مَنْخَرَيْ مسلمٍ أبدًا". صحيح، وصحَّ مرفوعًا أيضًا. أخرجه النسائي في "الكبرى" (3/ 9/ رقم: 4315 - العلمية)، وفي "المجتبى"-"السنن الصغرى"- (6/ 12) أو رقم (3107 - المعرفة)، ووكيع في "الزهد" (23)، وأحمد في "الزهد" (رقم: 994 - ط. دار الكتاب العربي)، وهناد في "الزهد" (454)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 143 رقم: 34697 - العلمية)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 495/ رقم: 801). من طريق: مسعر به. وقال وكيع: عن مسعر والمسعودي. وإسناده صحيح. وأخرجه أحمد في "المسند" (2/ 505)، والنسائي في "الكبرى" (3/ 9/ رقم: 4316)، وفي "المجتبى" (6/ 12) أو رقم (3108 - المعرفة)، والترمذي (2311)، وأبو داود الطيالسي في "مسنده" (2443)، والحاكم (4/ 260)، وابن أبي الدنيا في "الرقة والبكاء" (1)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (1/ 490/ رقم:800). من طريق: المسعودي به مرفوعًا. وصححه الترمذي، والحاكم، والذهبي. وقال الحافظ الدارقطني في "العلل" (8/ 335/ رقم: 1606): "يرويه محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة عنه، واختلف عنه؛ فرواه مسعر عنه موقوفًا. واختلف عن المسعودي؛ فرفعه عنه قوم، ووقفه وكيع عنه.

سبب نزول قول الله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (15)}

وقيل: عن ابن عيينة، عن مسعر مرفوعًا، ولا يثبت". قلت: رواية سفيان بن عيينة عن مسعر؛ أخرجها ابن حبان (4588)، وابن ماجه (2774) بالشطر الثاني منه دون الشاهد. لكن له شاهد عند البيهقي في "الشعب" (489/ 1/ رقم: 798) من طريق: أحمد بن عبيد الصفار، حدثنا الكديمي، ثنا عبد الله بن الربيع الباهلي، ثنا محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به نحوه. وصحَّح حديث الباب الألباني لغيره في "صحيح الترغيب والترهيب" (رقم: 1269 و 3324). * * * 529 - قال أبو عبد الرحمن النسائي: أنا أبو بكر بن إسحاق، نا حسان بن عبد الله، نا خلَّاد بن سليمان، حدثني نافع؛ أنه سأل عبدَ الله بن عمر، قال: قلتُ: إنَّا قومٌ لا نَثْبُتُ عند قتالِ عدوّنا، ولا ندري ما الفئة؟ قال لي: "الفئةُ: رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم -". فقلتُ: إن اللهَ يقول في كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15)} [الأنفال: 15]. قال: "إنَّما أنزِلَتْ هذه لأهلِ بدرِ، لا لِقَبْلِهَا، ولا لبَعْدِهَا". صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" -التفسير- (6/ 349 - 350/ رقم: 11200)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1671/ رقم: 8897)، والبخاري في "تاريخه" (3/ 188). من طريق: حسان بن عبد الله به. وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات. وحسان بن عبد الله بن سهل الواسطي المصري: ثقة، رغم قول الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في "التقريب": "صدوق يخطئ".

كان المستفتح يوم بدر أبو جهل

فقد وثقه أبو حاتم الرازي، وهو من شيوخ البخاري في "الصحيح"، وقال ابن حبان: "يخطئ". * * * 530 - ثم قال النسائي: أنا أبو داود، أنا أبو زيد الهروي، نا شعبة، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16]، قال: "نزلت في أهل بدر". صحيح. أخرجه أبو داود (2648)، والنسائي في "الكبرى" (6/ 350، 351/ رقم: 3 هـ 112، 11204)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (9/ 134)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1670/ رقم: 8891)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 327)، والنحاس في "ناسخ القرآن" (ص 146)، وابن الجوزي في "ناسخ القرآن" (ص 147/ رقم: 151). من طرق؛ عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - به. ووقع عند ابن الجوزي (الشعبي) بدل (أبي نضرة). والأثر صححه الحاكم، والذهبي، والألباني في "صحيح سنن أبي داود" (2306 - المكتب الإسلامي). * * * 531 - قال النسائي: أنا عُبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد، نا عمي، نا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: حدثني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَيْبر، قال: "كان المُسْتَفْتِحَ يومَ بَدْرِ أبو جهل، وإنه قال حين التقى القومُ: اللهمَّ أَيُّنَا كان أقطعَ للرَّحِم، وآدى لما لا نعرف؛ فافتح الغَدَ (¬1).- وكان ذلك استفتاحَهُ، فأنزل الله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال: 19]. صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 350/ رقم: 11201)، وابن إسحاق -كما في "السيرة النبوية" لابن هشام (2/ 219 - ط. العبيكان) -، ¬

_ (¬1) كذا وقع عند النسائي، وفي باقي المصادر: "فَأحِنْهُ الغداة". ومعنى فأحنه: أي: أهلكه.

منع أهل الذمة ما في أيديهم، بسبب انتهاك ذمة الله ورسوله

وأحمد في "المسند" (5/ 431)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (6/ 206/ رقم: 15852 - شاكر)، والحاكم (2/ 328)، والبيهقي في "الدلائل" (3/ 74)، والواحدي في "أسباب النزول" (474)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (7/ 355/ رقم: 36674)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1675/ رقم: 8917). من طرق؛ عن محمد بن شهاب الزهري به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. * * * 532 - قال أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: قال أبو موسى: حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا إسحاق بن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "كيفَ أنتم إذا لم تجتبوا دينارًا ولا درهمًا"؟ فقيل له: وكيف ترى ذلك كائنًا يا أبا هريرة؟ قال: "إي والذي نفسُ أبي هريرة بيده؛ عن قولِ الصَّادقِ المصدوقِ". قالوا: عمَّ ذاك؟!. قال: "تُنْتَهَكُ ذمَّةُ اللهِ وذِمَّةُ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فيشدُّ الله -عَزَّ وَجَلَّ- قلوبَ أهلِ الذمَّةِ، فيمنعون ما في أيديهم". هكذا علّقه البخاري (3185) مجزومًا به. وأخرجه أحمد (2/ 332)، وأبو يعلى (11/ 507/ رقم: 6631)، وأبو نعيم في "مستخرجه على البخاري" -كما في "فتح الباري" (6/ 280)، و"تغليق التعليق" (3/ 485) للحافظ ابن حجر-. من طريق: إسحاق بن سعيد به. فقه الأثر: هذا الأثر له حكم الرفع، وهو عَلَمّ من أعلام النبوة، وأخبار آخر الزمان. - وفيه: وجوب الوفاء لأهل الذمة، وأنه لا يجوز انتهاك عهدهم وأمانتهم؛

وقوف عمر - رضي الله عنه - عند حدود الله

ما لم ينكثوا. - وفيه: أن المسلمين سيمنعون أموالهم وحقوقهم في آخر الزمان، وهذا ما نشاهده في زماننا هذا، والله المستعان. وانظر: "فتح الباري" (6/ 280). * * * 532 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبة؛ أنَّ ابنَ عباس - رضي الله عنهما - قال: "قدِمَ علينا عُيَينَةُ بنُ حِصْنِ بن حذيفة، فنزل على ابنِ أخيه الحرِّ بن قيس -وكان من النَّفَرِ الذين يُدْنيهم عمرُ-، وكان القرّاءُ أصحابَ مجالس عمر ومشاورته؛ كهولاً كانوا أو شُبَّانَا. فقال عُيينةُ لابن أخيه: يا ابنَ أخي؛ لك وجْهٌ عند هذا الأميرِ؛ فاستأذِنْ لي عليه. قال: سأستأذنُ لك عليه. قال ابنُ عباس: فاستأذنَ الحرُّ لعُيينةَ، فأذِنَ له عمرُ، فلما دخل عليه، قال: هِي يا ابنَ الخطاب! فوالله ما تُعطينا الجَزْلَ، ولا تحكمُ بيننا بالعدل. فغضِبَ عمرُ، حتى همَّ به. فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين؛ إن الله تعالى قال لنبيّه - صلى الله عليه وآله وسلم -: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)} [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين. واللهِ ما جَاوَزَهَا عمرُ حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله". أخرجه البخاري (4642)، و (7296). فقه الأثر: - فيه فضل القرَّاء وأهل العلم، وأنهم أولى الناس بالتقدمة، والقرب في الأمور.

الإيمان بالغيب

- قوله: (فتستأذن لي عليه)، قال الحافظ في "الفتح" (13/ 272): "أي: في خلوة، وإلا فعمر كان لا يحتجب إلا وقت خلوته وراحته، ومن ثمَّ قال له: "سأستاذن لك عليه"؛ أي: حتى تجتمع به وحدك". - فيه وجوب التأدب مع الأمراء والكبراء، وعدم التغليظ لهم في القول. - وفيه المنقبة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ وهو ما شهد له به ابن عباس - رضي الله عنهما - من أنه كانَ وقَّافًا عند كتاب الله، وهذا من شدة ورعه - رضي الله تعالى عنه -. * * * - الإيمان بالغيب: 534 - قال الحافظ عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي (المعروف بابن أبي حاتم) -رَحِمَهُمَا اللهُ-: حدثنا أحمد بن سنان، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عمارة بن عمير، عن عبد الرحمن بن يزيد، قال: "ذكروا أصحابَ محمدٍ وإيمانهم عند عبد الله (¬1)، فقال عبدُ الله: "إنَّ أَمْرَ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - إن بيِّنًا لمن رآه، والذيِ لا إله غيرُه؛ ماءَامَنَ مؤمن أفضل من إيمانٍ بغيب". ثم قرأ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} إلى قوله: {يُنْفِقُونَ (3)} [البقرة: 3]. صحيح. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 36/ رقم: 66)، وسعيد بن منصور في "تفسيره" من "السنن" (2/ 544/ رقم: 180)، وأحمد بن منيع -كما في "إتحاف الخيرة" (1/ 111/ رقم: 125)، و"المطالب العالية" (2923 - العاصمة) -، والحاكم في "المستدرك" (2/ 260)، وابن منده في "الإيمان" (209). من طرق؛ عن الأعمش به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. ¬

_ (¬1) يعني: ابن مسعود.

صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب

وقال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (1/ 111/ 125): "هذا إسناد رجاله رجال الصحيح". وقال الحافظ في "تخريج أحاديث الكشاف" (1/ 38) - بعد أن عزاه للحاكم-: "إسناده صحيح". * * * - صحَّة صوم من طلع عليه الفجر وهو جُنُب: 535 - قال الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري: حدثني محمد بن حاتم، حدثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جُريج. ح وحدثني محمد بن رافع -واللفظ له-، حدثنا عبد الرزاق بن همام، أخبرنا ابن جُريج، أخبرني عبد الملك بن أبي بحر بن عبد الرحمن، عن أبي بكر (¬1)، قال: سمعتُ أبا هريرة - رضي الله عنه- يقصُّ، يقول في قَصَصِهِ: "من أَدْرَكَهُ الفجرُ جنبًا فلا يصُمْ". فذكرتُ ذلك لعبد الرحمن بن الحارث -لأبيه- فأنكر ذلك. فانطلق عبدُ الرحمن، وانطلقتُ معه، حتى دخلنا على عائشة وأم سلمة - رضي الله عنهما -، فسألهما عبدُ الرحمن عن ذلك. قال: فكِلتاهما قالت: "كان النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُصبحُ جنُبًا من غير حلمٍ، ثم يصومُ". قال: فانطلقنا حتى دخلنا على مروان، فذكر ذلك له عبدُ الرحمن، فقال مروان: عزمت عليك إلَّا ذهبت إلى أبي هريرة، فردتَ عليه ما يقولُ. قال: فجئنا أبا هريرة وأبو بكر حاضر ذلك كلَّه. قال: فذكر له عبد الرحمن، فقال أبو هريرة: "أهما قالتاهُ لك"؟ قال: نعم. ¬

_ (¬1) هو: ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي المدني، أحد فقهاء المدينة السبعة.

قال: "هما أعلم". ثم ردَّ أبو هريرة ما كان يقول في ذلك إلى الفضل بن العباس، فقال أبو هريرة: "سمِعْتُ ذلك من الفضل ولم أسْمَعْهُ من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -". قال: فرجع أبو هريرة عما كان يقول في ذلك. قلتُ لعبد الملك: أقالتا: في رمضان؟ قال: كذلك؛ كان يصبح جننا من غير حلم ثم يصوم". أخرجه مسلم (1109) هكذا. وأخرجه البخاري (1925، 1926) قال: حدثنا عبدُ الله بن مَسْلَمة، عن مالك، عن سُمَيِّ مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة، أنه سمع أبا بكر بن عبد الرحمن، قال: "كنتُ أنا وأبي حين دخلنا على عائشة وأم سلمة". (ح) حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام؛ أن أباه عبدَ الرحمن أخبر مروان؛ أن عائشة وأمّ سلمة أخبرتاه: "أن رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يُدْرِكُهُ الفجرُ وهو جُنُبْ من أهله، ثم يغتسلُ، ويصومُ". وقال مروان لعبد الرحمن بن الحارث: أُقسم بالله لتُقَرِّعَن بها أبا هريرة -ومروان يومئذٍ على المدينة-. فقال أبو بكر: فكره ذلك عبد الرحمن، ثم قُدِّر لنا أن نجتمع بذي الحُليفة -وكانت لأبي هريرة هناك أرضٌ-، فقال عبد الرحمن لأبي هريرة: إني ذاكرٌ لك أمرًا، ولولا مروان أقسمَ عليَّ فيه لم أذكُرْهُ لك؛ فذكر قول عائشة وأم سلمة. فقال: كذلك حدثني الفضل بن عباس، وهو أعلم". وأخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 191/ 11) -18 - كتاب الصيام، (4) باب ما جاء في صيام الذي يصبح جنبًا في رمضان.

منزلة الإيمان واليقين

وأخرجه النسائي في "الكبرى" (2/ 177 - 178/ رقم: 2929، 2930) بنحوه. وانظر: "الفتح" (4/ 170 - 173). * * * 536 - عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، قال: "اليقينُ الإيمانُ كلُّه، والصَّبرُ نصفُ الإيمان". صحيح. علَّقه البخاري في "صحيحه" أول كتاب الإيمان، ووصله ابن أبي خيثمة في "تاريخه" (رقم: 1302 - ط غراس)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ 104)، والحاكم (2/ 446)، والحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 22). من طريق: الأعمش، عن أبي ظبيان، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود به. وفي رواية الحاكم: عن أبي ظبيان، قال: "كنا نعرضُ المصاحفَ عند علقمة، فقرأ هذه الآية: {وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75)} [الأنعام: 75]، فقال: قال عبدُ الله: "اليقين الإيمان كله"، وقرأ هذه الآية: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (31)} [لقمان: 31]، قال: قال عبد الله: "الصبر نصف الإيمان". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (1/ 57): "رواه الطبراني في "الكبير" ورجاله رجال الصحيح". وصححه الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 22)، وفي "فتح الباري" (1/ 63). وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (3397). وقد روي مرفوعًا، ولا يصح، ورفعه منكر كما قال الحفاظ، وانظر: "الضعيفة" للألباني (499).

حفظ اللسان

فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 63): "تنبيه: تعلَّق بهذا الأثر من يقول: إن الإيمان هو مجرد التصديق. وأُجيبَ بأن مراد ابن مسعود أن اليقين هو أصل الإيمان، فإذا أيقن القلب انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحة، حتى قال سفيان الثوري: "لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي؛ لطار اشتياقا إلى الجنة وهربًا من النار" اهـ. * * * - حفظ اللسان: 537 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "والذي لا إله غيرُه؛ ما على الأرضِ شيءٌ أحوجَ إلى طولِ سَجْنِ من لسانِ". صحيح. أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (384)، وأحمد في "الزهد" (رقم: 892 - ط. دار الكتاب العربي)، وابن أبي عاصم في "الزهد" (23)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (16 و 613)، ويعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (3/ 189)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8744 - 8747)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 134)، وابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 48). من طريق: الأعمش، عن يزيد بن حبان، عن عنْبَس بن عقبة التيمي، عن ابن مسعود به. وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (15/ 412/ رقم: 19528) عن معمر، عن الأعمش، عن ابن مسعود به، وفيه زيادة في أوله. وإسناده معضل. وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (4/ 259/ رقم: 5003 - العلمية) من طريق: محمد بن المنذر، قال: سمعتُ يوسف بن مسلم يقول: نا علي بن بكار، عن ابن عون، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود به. وأخرجه ابن أبي عاصم في "الزهد" (24)، وابن أبي الدنيا في "الصمت"

سبب نزول قوله تعالى: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات} الآية

(23)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (362). من طريق: حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، عن ابن مسعود به. وإسناده حسن. 538 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عُبيدُ الله بن سعيد، حدثنا أبو النعمان الحكم بن عبد الله البصري، حدثنا شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود - رضي الله عنه -، قال: "لمَّا نزلَتْ آيةُ الصَّدقَةِ كنَّا نُحَامِلُ، فجاء رجلٌ تصدَّق بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مُرَاءٍ وجاء رجلٌ فتصدَّق بصاعٍ، فقالوا: إن الله لغنيٌّ عن صاعِ هذا! فنزلت: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] الآية". أخرجه البخاري (1415، 4668)، ومسلم (1018)، والنسائي في "الكبرى" (6/ 357/ رقم: 11223)، وفي "المجتبى" (5/ 59) أو رقم: (2529 - المعرفة)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (6/ 1850/ رقم: 10505)، وغيرهم. من طريق: شعبة به. * * * 539 - عن عبدِ الله بنِ عباس- رضي الله عنهما -، قال: "الكرسيُّ موضِعُ القدمين، والعرشُ لا يَقْدِرُ أحدٌ قدرَه". صحيح. أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (رقم: 144 - ط. دار الآثار) أو (1/ 248 - 249/ رقم: 154 - 156 ط. الرشد)، وعثمان بن سعيد الدارمي في "نقضه على المريسي" (رقم: 94، 99 - ط. أضواء السلف) أو (1/ 399 - 455، 412، 423 - ط. الرشد)، وعبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (586، 590)، والدارقطني في "الصفات" (36، 37)، والهروي في "الأربعين" (14)، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في "العرش" (61)، والطبراني في "المعجم

الكبير" (12/ رقم: 12404)، وابن منده في "الرد على الجهمية" (15)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 282)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (758)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (9/ 251، 252)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (رقم: 196، 216، 217)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (2/ 251)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 491/ رقم: 2601)، والضياء في "المختارة" (10/ 310/ ر قم: 331، 332). من طريق: عمار الدهني، عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وصححه الدارمي. والحاكم على شرط الشيخين. وتعقبه المحدث مقبل بن هادي الوادعي -رَحِمَهُ اللهُ- في نسخته من "المستدرك" (2/ رقم: 3175): بأنه على شرط مسلم فقط، لأن البخاري لم يخرج لعمار الدهني. وصححه الألباني في "مختصر العلو" (ص 102/ رقم: 36). وأخرجه عبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (588 و 1022)، ومحمد بن أبي شيبة في "العرش" (65)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (3/ 14) أو رقم: (5789 - شاكر)، وابن منده في "الرد على الجهمية" (17)، وأبو الشيخ في "العظمة" (245)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (859). من طريق: عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، نا محمد بن جُحادة، عن سلمة بن كهيل، عن عمارة بن عمير، عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: "الكرسِيُّ موضع القدمين، وله أطيطٌ كأطيط الرَّحل". وصححه الحافظ في "الفتح" (8/ 199)! لكنه منقطع بين عمارة وأبي موسى الأشعري - رضي الله عنه -. ورفعه شجاع بن مخلد والضحاك، عن سفيان، عن عمار الدهني، عن مسلم البطين به. أخرجه الدارقطني في "الصفات" (30)، وابن منده وغيرهما، ولا يصح.

التنبيه على سنة مهجورة؛ وهي: طول القيام بعد الرفع من الركوع، وبين السجدتين

فالصواب أنه موقوف على ابن عباس- رضي الله عنهما -. وانظر "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (رقم: 906). والأثر حكم عليه الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري بالشذوذ! دونما أيّ علَّة؛ غير أنه لم يوافق عقله!!. انظر: "الفوائد المقصورة في بيان الأحاديث الشاذَّة المردودة" (ص 42 - 43) ط. دار الإمام النووي. * * * - الطمأنينة في الصلاة: 545 - قال البخاري: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس- رضي الله عنه -، قال: "إني لا آلُو أَنْ أُصَلِّي بكم كما رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - يُصلّي بنا". قال ثابت: "كان أنس يصنعُ شيئًا لم أَرَكُمْ تَصْنَعُونَهُ! كان إذا رفَعَ رأسَهُ من الركوعِ قامَ؛ حتى يقول القائلُ: قد نَسِيَ، وبين السجدتين؛ حتى يقول القائلُ: قد نَسِيَ". أخرجه البخاري (821) و (800) -شطره الأخير بنحوه-. وأخرجه مسلم (472). * * * - صدقة الفطر: 541 - عن أبي سعيد الخُدْرِيّ - رضي الله عنه -، قال: "كُنَّا نُخْرِجُ زكاةَ الفِطرِ صاعًا من طعامٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تَمْرٍ، أو صاعًا من أَقِطٍ، أو صاعًا من زبيبٍ". وفي رواية: "كنَّا نعطيها في زمانِ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام، أو صاعًا من تَمرٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من زبيب؛ فلما جاء معاويةُ، وجاءتِ السَّمراءُ، قال: أرى مدًّا من هذا يعدِلُ مُدَّيْنِ".

وفي رواية: "كنَّا نُخرِجُ -إِذْ كان فينا رسولُ الله (صلى الله عليه وسلم -) - زكاةَ الفطرٍ عن كل صغيرٍ وكبيرٍ، حُز أو مملوكٍ؛ صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقِطٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من تمرٍ، أو صاعاً من زبيب؛ فلم نَزَلْ نخرجهُ حتى قدِمَ علينا معاويةُ بن أبي سفيان حاجًا، أو معتمرًا، فكلَّم الناسَ على المنبرِ، فكان فيما كلَّمَ به الناسَ، أن قال: "إني أرى أن مُدَّينِ من سَمراءِ الشامِ تَعْدِلُ صاعًا من تمرٍ"؛ فأخذ الناسُ بذلك. قال أبو سعيد: "فأما أنا فلا أزالُ أخرجُه كما كنتُ أخرجُه؛ أبدًا ما عِشْتُ". الرواية الأولى: أخرجها البخاري (1506)، ومسلم (985/ 17). والرواية الثانية: للبخاري (1508). الثالثة: لمسلم (985/ 18). والأثر أخرجه: أبو داود (1616)، والترمذي (673)، والنسائي في "المجتبى" (5/ 52) أو رقم (2511 - 2517)، وفي "الكبرى" (2/ 27/ رقم: 2291، 2292)، وابن ماجه (1829) وغيرهم. من طرق؛ عن زيد بن أسلم، عن عِياض بن عبد الله، عن أبي سعيد به. فقه الأثر: قوله: "سمراء الشام": المقصود به الحِنطة، كما في رواية للإمام مسلم (985/ 21): "أن معاوية لما جعل نصف الصاع من الحنطة عَدْلَ صاعِ من تمرِ، أنكر ذلك أبو سعيد، وقال: لا أُخرجُ إلا الذي كنتُ أخرجُ في عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ صاعًا من تمرٍ، أو صاعًا من زبيبٍ، أو صاعًا من شعيرٍ، أو صاعًا من أقِطٍ". قال النووي: "تمسَّك بقول معاوية من قال بالمدين من الحنطة؛ وفيه نظر! لأنه فعل صحابي قد خالفه فيه أبو سعيد وغيره من الصحابة ممن هو أطول صحبة منه، وأعلم بحال النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد صرَّح معاويةُ بأنه رأي رآه، لا أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -.

حكم الوضوء من قبلة المرأة ومسها

وفي حديث أبي سعيد ما كان عليه من شدّة الإتباع، والتمسك بالآثار، وترك العدول إلى الإجتهاد مع وجود النص. وفي صنيع معاوية وموافقة الناس له دلالة على جواز الإجتهاد، وهو محمود؛ لكنه مع وجود النص فاسد الإعتبار" اهـ. * * * - الوضوء من القُبلة، ومسِّ المرأة: 542 - قال عبد الرزاق: عن معمر، عن الزهري، عن سالم؛ أن ابنَ عمر كان يقول: "من قبَّلَ امرأتَه وهو على وضوءِ أعادَ الوضوءَ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 132/ رقم: 496). وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 49/ رقم: 491 - العلمية)، ومالك في "الموطأ" (1/ 55)، والدارقطني في "السنن" (1/ 145)، والشافعي في "الأم" (1/ 15) أو (1/ 37/ رقم: 41 - ط. دار الوفاء)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 117/ رقم: 10)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 124)، وفي "السنن الصغير" (1/ 27/ رقم: 31)، وفي "معرفة السنن والآثار" (1/ 213/ رقم: 172)، وفي "الخلافيات" (2/ 157 - 158/ رقم: 428)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (1/ 344/ رقم: 167). من طرق؛ عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: "أنه كان يرى القبلة من اللمس، ويأمر فيها بالوضوء". وسقط ذكر سالم من طبعة "المصنف". وأخرجه عبد الرزاق (1/ 132/ رقم: 497)، والدارقطني (1/ 145) من طريق: يحيى بن سعيد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر به. وصححه الدارقطني، والبيهقي وغيرهما. وقال البيهقي: "ولا يشك في صحته أحد".

543 - وقال عبدُ الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "القُبلةُ من اللمسِ، ومنها الوضوء". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 133/ رقم: 500)، وابن أبي شيبة (1/ 49/ رقم: 492)، والدارقطني (1/ 145)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 124)، وفي "الخلافيات" (2/ 158 - 159/ رقم: 429)، وفي "معرفة السنن والآثار" (1/ 214/ رقم: 175)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 117/ رقم: 11، 14)، والطبري في تفسيره "جامع البيان" (5/ 104)، والحاكم (1/ 135)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9226، 9227). من طريق: الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود به. وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9229) من طريق: علي بن عبد العزيز، حدثنا حجاج بن المنهال، حدثنا حماد بن سلمة، عن حماد، عن إبراهيم، عن عبد الله به. والأول أصح؛ لكنه منقطع بين أبي عبيدة وأبيه = كما قال البيهقي، وابن عبد البرّ في "الاستذكار" (3/ 46)، والهيثمي في "المجمع" (1/ 247)، وغيرهم. لكن أخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (1/ 118/ رقم: 12)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (5/ 104)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 124)، و"الخلافيات" (2/ 160/ رقم: 435)، و"معرفة السنن" (1/ 214/ رقم: 176). من طريق: مخارق، عن طارق بن شهاب، عن ابن مسعود به. قال البيهقي: "وهذا إسناد صحيح موصول". قلتُ: وهذا هو مذهب عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهما -: أن الوضوء يجب من القبلة واللمس، وخالفهما عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم -.

بيان مذهب عمر وابن عباس رضي الله عنهما في المسألة

544 - عن عبد الله بن عبد الله بن عمر: "أن عاتكة بنت زيد قبَّلَتْ عمرَ بن الخطاب وهو صائم، فلم ينهها، قال: وهو يريد الصلاة، ثم مضى، فصلَّى؛ ولم يتوضَّا". أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 135 - 136/ رقم: 512). وما روي عنه من أمره بالوضوء منها لا يصح؛ انظر: "سلسلة الآثار الضعيفة" (73)، و"النكت العلمية على الروضة الندية" (ص 80) لشيخنا الفاضل أبي عبد الرحمن عبد الله العبيلان - حفظه الله تعالى -. * * * 545 - وروى عطاء وسعيد بن جبير، عن ابن عباس: "أنه كان لا يرى في القُبلة وضوءًا". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 48/ رقم: 486)، والدارقطني (1/ 143). من طريق: الحجاج بن أرطأة، عن عطاء به. والأعمش، عن حبيب، عن سعيد به. والراجح من ذلك مذهب عمر بن الخطاب وابن عباس- رضي الله عنهما -، لموافقته لصحيح السُّنَّة المرفوعة؛ وانظر "النكت العلمية" (ص 80 - 82). * * * 546 - قال الإمام أحمد: حدثنا أبو سعيد -مولى بني هاشم- وحدثنا شداد -يعني: ابن سعيد-، حدثنا غَيْلانُ بن جرير، عن مُطَرّف، قال: قلنا للزبير: يا أبا عبد الله، ما جاء بكم؟ ضَيعْتُمُ الخليفةَ حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه"! فقال الزبير: "إنَّا قرأناها على عهد رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكر، وعمر، وعثمان: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25]؛ لم نكن نحسبُ أنَّا أهلُها حتى وقعت منَّا حيثُ وقعت".

صحيح لغيره. أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 165) أو رقم (1414 - شاكر)، والبزار في "مسنده" (976 - البحر الزخار) أو (3266 - كشف الأستار). من طريق: شداد بن سعيد به. وفي طريق البزار: الحجاج بن نصير؛ وهو ضعيف، لكنه متابع عند أحمد. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 27): "رواه أحمد بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصحيح". وقال في موضع آخر (7/ 224): "رواه البزار، وفيه حجاج بن نصير؛ ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يخطئ ويهم. ووثَّقه ابن معين في رواية، وضعَّفه جماعة، وبقية رجاله رجال الصحيح". قلت: حجاج بن نصيرة ضعيف، وقد توبع كما تقدم. وشداد بن سعيد الراسبي: صدوق حسن الحديث، وقد روى له مسلم في الشواهد. وأبو سعيد مولى بني هاشم؛ هو: عبد الرحمن بن عبد الله بن عبيد البصري، وهو من رجال البخاري. وصحَّح إسناده الشيخ المحدّث أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه على "المسند"، وإنما هو حسن فقط. وأخرجه أحمد (1/ 167) أو رقم (1438 - شاكر)، والنسائي في "الكبرى" (6/ 525/ رقم: 11206)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (9/ 218)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (11/ 115)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 407)، ونعيم بن حماد في "الفتن" (195). من طرق؛ عن الحسن البصري، قال: قال الزبير بن العوام: ... فذكره بنحوٍ منه. وصحَّح إسناده الشيخ أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ-! والحسن لم يسمع من الزبير بن العوام - رضي الله عنه - كما في "جامع التحصيل" (162)، فالإسناد منقطع.

عدد التكبيرات على الجنازة

ولم يشر لهذا محققو "المسند" طبعة الرسالة (3/ 47) رقم: (1438)! وأخرجه أبو عمرو الداني في "الفتن" (رقم: 12) من طريق: محمد بن يونس الكديمي، قال: حدثنا عمر بن حبيب، عن داود بن أبى هند، عن الحسن، قال: حدثني عون بن قتادة، حدثني الزبير بن العوّام، قال: ... فذكره بنحو منه. ومحمد بن يونس الكديمي: متروك؛ كذَّبه غير واحد. وأخرجه أبو داود الطيالسي في "مسنده" (192)، ومن طريقه البيهقي في "الدلائل" (6/ 407)، وابن جرير (9/ 218)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1682/ رقم: 8962). من طريق: الصّلت بن دينار، ثنا عقبة بن صهبان وأبو رجاء العطاردي، قالا: سمعنا الزبير ... بنحوه. والصلت بن دينار ضعيف. ولم يذكر ابن أبي حاتم أبا رجاء العطاردي. وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 2/ 257)، وابن جرير (9/ 218). من طريق: معمر، عن قتادة، عن الزبير به. وإسناده منقطع؛ قتادة لم يسمع من الزبير - رضي الله عنه -. خلاصة الكلام: أن الأثر صحيح لغيره، وأصح طرقه الطريق الأولى المذكورة في المتن، والحمد لله رب العالمين. * * * - عددُ التكبيرات على الجنازة: 547 - قال أبو القاسم عبد الله بن محمد البغوي: حدثنا علي، قال: أخبرنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سمعت سعيد بن المسيب يحدّث عن عمر، قال: "كل ذلك قد كان؛ أربعًا وخمسًا، فاجتمعنا على أربع؛ التكبيرُ على الجنازة".

سبب نزول قول الله عز وجل: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم ...} الآية، وقوله جل شأنه: {قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}

صحيح. أخرجه أبو القاسم البغوي في "الجعديات" حديث علي بن الجعد الجوهري (1/ 41 - 42/ رقم: 96 - ط. الخانجي)، وابن المنذر في "الأوسط" (5/ 430/ رقم: 3136)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 495/ رقم: 2845)، وابن الجارود في "المنتقى" (رقم: 532)، والبيهقي في "السنن الكبير" (4/ 37). من طرق؛ عن شعبة به. وإسناده صحيح، وسماع ابن المسيب من عمر صحيح كما تقدم في الجزء الأول، عند الأثر رقم (129). وأخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/ 495/ رقم: 11443 - العلمية) قال: حدثنا ابن فضيل، عن العلاء، عن عمرو بن مرة، قال: قال عمر: .. فذكره بنحوه. وإسناده ضعيف منقطع. والصواب الرواية الأولى. وسيأتي تخريج بعض الآثار الأخرى في المسألة -إن شاء الله تعالى-. وانظر "أحكام الجنائز" للعلّامة الألباني (ص 142 - 146 ط. المعارف). * * * 548 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: "أن ناسًا من أهل الشرْكِ كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزَنُوا فأكثروا، فأتوا النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقالوا: إن الذي تقولُ وتدعو إليه لحسَنٌ، لو تخبرُنا أنَّ لما عملنا كفَّارة. فنزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)} [الفرقان: 68]، وئزل: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} [الزمر: 53]. أخرجه البخاري (4810)، ومسلم (122)، وأبو داود (4274) -مختصرًا جدًّا- والنسائي في "المجتبى" (7/ 87 - 88) أو رقم (4015 - المعرفة) وغيرهم. من طريق: يعلى بن مسلم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به.

الحلف في البيع

- الحَلِفُ في البيع!: 549 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عمرو بن محمد، حدثنا هُشيم، أخبرنا العوَّام، عن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -: "أن رجلًا أقام سلعةً، وهو في السوق؛ فحلَفَ بالله: لقد أَعْطَى بها ما لم يُعط؛ ليوقع فيها رجلًا من المسلمين، فنزلت: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} [آل عمران: 77]. وقال ابن أبي أوفى: "الناجشُ آكلُ ربَا خائن". أخرجه البخاري (2088، 2675، 4551)، والجملة الأخيرة في الموضع الثاني. من طريق: إسحاق، أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا العوام، عن إبراهيم به. وقد ورد في نزولها حديث آخر؛ انظر "الصحيح المسند من أسباب النزول" للشيخ مقبل الوادعي -رَحِمَهُ اللهُ- (ص 52 - 53). * * * 550 - قال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني: حدثنا سفيان، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: جاء عتريس بن عرقوب الشيباني إلى عبد الله، فقال: هَلكَ من لم يأمر بالمعروف وينهَ عن المنكر!. فقال: "بل هَلَكَ من لم يعرِفْ قلبُه المعروفَ، وينكر قلبُه المنكرَ". صحيح. أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (1/ 135)، ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8564). قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (7/ 275): "ورجاله رجال الصحيح". وصحَّح إسناده الشيخ الفاضل علي بن حسن الحلبي - حفظه الله تعالى - في "موارد الأمان" (ص 56).

الصبر على جور السلطان

- الصّبْرُ على جَوْرِ السلطان: 551 - قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حماد بن زيد، عن عمر بن يزيد، عن الحسن، قال: "لو أنَّ الناس إذا ابتُلوا من قِبَلِ سلطانهم بشيء دعوا الله أوشك الله أن يرفع عنهم، ولكنهم فزعوا إلى السيف فوُكلوا إليه، والله ما جاءوا بيوم خير قط، ثم قرأ: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف: 137] ". حسن. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1551/ رقم: 8897)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (7/ 164)، والآجري في "الشريعة" (1/ 158/ رقم: 66). من طريق: حماد بن زيد به. وفي "الشريعة": أن الحسن -رَحِمَهُ اللهُ- قال هذا الكلام في أيام يزيد بن المهلب. * * * 552 - قال الحافظ الإمام عبد الله بن المبارك: أنا الربيع بن أنس، عن الحسن- في هذه الآية-: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]- قال: "اعملوا وأبشروا، فإنه حقٌّ على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات، ويزيدهم من فضله". حسن أخرجه ابن المبارك في "الزهد" زوائد نعيم بن حماد (76)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (2/ 161)، والطبراني في "الدعاء" (9). من طريق: ابن المبارك به. وإسناده حسن. الربيع بن أنس؛ قال عنه النسائي: "ليس به بأس". وقال العجلي: "بصريٌّ صدوق".

التمتع بالحج

وقال ابن حبان: "الناس يتَّقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه، لأن في أحاديثه عنه اضطرابًا كثيرًا". وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "صدوق له أوهام". * * * - التَّمتُع بالحجّ: 553 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا آدم، حدثنا شُعبة، أخبرنا أبو جمرة نصر بن عمران الضبَعِي، قال: تمتَّعْتُ، فنهاني ناس، فسألت ابنَ عباس - رضي الله عنهما -، فأمرني، فرأيت في المنامِ: كأنَّ رجلًا يقول لي: حج مبرور، وعُمْرَة مُتَقبَّلَة! فاخبرتُ ابنَ عباس، فقال: "سُنَّةُ النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم -"، فقال لي: "أقِمْ عندي؛ فأجعلُ لك سَهْمًا من مالي". قال شعبة: فقلتُ: لم؟ فقال: "للرؤيا التي رأيتَ". - وفي رواية أخرى: قال البخاري: حدثنا إسحاق بن منصور، أخبرنا النَّضْرُ، أخبرنا شُعبة، حدثنا أبو جمرة، قال: سألت ابنَ عباس - رضي الله عنهما -: عن المتعةِ، فأمرني بها، وسالتُهُ عن الهَدي، فقال: "فيها جَزُورٌ، أو بقرةٌ، أو شاةٌ، أو شِرْكٌ في دمٍ". قال: وكأنَّ ناسا كرهوها، فنمت، فرأيتُ في المنامِ: كأنَّ إنسانًا ينادي: حجٌّ مبرور، ومتعة مُتَقَبَّلَة! فأتيتُ ابنَ عباس- رضي الله عنهما - فحدَّثتهُ، فقال: "الله أكبر! سُنَّةُ أبي القاسم - صلى الله عليه وآله وسلم -". أخرج الرواية الأولى: البخاري برقم (1567)، والرواية الثانية: برقم (1688). وأخرجه مسلم (1242) من طريق: محمد بن جعفر، حدثنا شعبة به.

الاغتسال والوضوء بالماء الساخن

من فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر -رَحِمَهُ اللهُ- في "الفتح" (3/ 503): "ويؤخذ منه: إكرام من أخبر المرء بما يسرُّه وفرح العالم بموافقته الحق، والإستئناس بالرؤيا لموافقة الدليل الشرعي، وعرض الرؤيا على العالم، والتكبير عند المسرَّة، والعمل بالأدلة الظاهرة، والتنبيه على اختلاف أهل العلم ليعمل بالراجح منه الموافق للدليل" اهـ. * * * - الإغتسال والوضَوء بالماء الساخن: 554 - عن زيد بن أسلم، عن أبيه: "أن عمر بن الخطاب كان يغتسل ويتوضأ بالحميم". وفي لفظ: "كان لعمر قمقم يسخّن فيه الماء؛ فيتوضأ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 25)، وعبد الرزاق (1/ 174 - 175/ رقم: 675)، وأبو عبيد في "الطهور" (255)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 251/ رقم: 166)، والشافعي في "الأم" (1/ 16)، والدارقطني في "السنن" (1/ 37)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 6)، وفي "السنن الصغير" (60)، وفي "معرفة السنن والآثار" (1/ 64). من طرق؛ عن زيد بن أسلم به. وعلّقه البخاري مجزومًا به (1/ 298) - كتاب "الوضوء"، باب: وضوء الرجل مع امرأته. وصحَّحه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (1/ 48 - 50/ رقم: 16). وانظر: "البدر المنير" لابن الملقِّن (1/ 432 - 434 ط. دار الهجرة). * * * 555 - وقال أبو عبيد: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب، قال: سألت نافعًا: عن الماء المسخَّن. فقال: "كان ابنُ عمر يتوضَّأ بالحميم". وفي رواية: "أنه كان يغتسل بالحميم".

فضيلة التحاب في الله

وفي رواية: "كان يتوضأ بالحميم ويغتسل منه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 25)، وأبو عبيد (256)، وعبد الرزاق (1/ 175/ رقم: 676)، وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 251). من طريقين: إسماعيل بن إبراهيم، عن أيوب به. ومعمر عن أيوب به. وصححه الشيخ الألباني في "إرواء الغليل" (1/ 50/ رقم: 17). * * * 556 - قال الحافظ أبو عبد الرحمن النسائي: أخبرني محمد بن آدم بن سليمان، عن حفص -وهو ابن غِياث-، عن فُضيل بن غَزْوَان، قال: ضمَّني إليه أبو إسحاق، فقال: إني لأحبكَ في الله؛ حدثني أبو الأحوص، عن عبد الله [بن مسعود]، قال: "لمَّا أنزِلَتْ هذه الآية: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ} [الأنفال: 63]، قال: همُ المُتَحَابُّونَ في اللهِ". صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 352/ رقم: 1121)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (10/ 44)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (5/ 1727/ رقم: 9130)، وابن المبارك في "الزهد" (363)، والبزار في "مسنده" (رقم: 2215 - كشف الأستار)، وابن أبي الدنيا في "الإخوان" (14)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 329)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء" (5/ 396 - 397). من طرق؛ عن فضيل بن غزوان به. وصحّحه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي -رَحِمَهُمَا اللهُ-. * * * - مجلسُ عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -: 557 - قال عطاء بن أبي رباح: "ما رأيتُ مجلسًا قطُّ أكرم من مجلسِ ابنِ عباس، أكثر فقهًا وأعظم؛ إنَّ أصحابَ الفقهِ عنده، وأصحابَ القرآن عنده، وأصحابَ الشِّعْرِ عنده، يُصْدِرُهم كلهم في وادٍ واسع".

الدعاء في السعي بين الصفا والمروة

صحيح. أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على "فضائل الصحابة" (1929)، والمروزي في زوائده على "الزهد" لابن المبارك (1175)، والخطيب البغدادي في "تاريخه" (1/ 174)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 520)، والبلاذري في "أنساب الأشراف" (4/ 44 - ط. دار الفكر)، والدينوري في "المجالسة" (3/ 63 - 64) رقم: (1227). من طرق؛ عن عبد الجبار بن الورد، عن عطاء به. تنبيه: استفدتُ في تخريجي للأثر من تخريج الشيخ البحَّاثة مشهور بن حسن آل سلمان - حفظه الله - على "المجالسة"؛ فليُعْلَمْ. * * * - الدعاء في السعي بين الصفا والمروة: 558 - قال ابن أبى شيبة: ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، قال: "كان عبدُ الله (¬1) إذا سعى في بطن الوادي قال: ربِّ اغفِرْ وارحَمْ، إنَّكَ أنتَ الأعزُّ الاكرمُ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 404/ رقم: 5560) و (6/ 84/ رقم: 29638 - العلمية)، والطبراني في "الدعاء" (870)، والبيهقي في "السنن الكبير" (5/ 95) -بأتم منه-. من طريق: شقيق به. قال البيهقي: "هذا أصحّ الروايات في ذلك عن ابن مسعود". وصحَّح إسناده الحافظ العراقي في "المغني عن حمل الأسفار" -تخريج أحاديث إحياء علوم الدين- (1/ 321)، وكذا الحافظ ابن حجر العسقلاني -كما في "الفتوحات الربانية" (4/ 401 - 402) -. وقال الشيخ الألباني في "مناسك الحج والعمرة" (ص 28): "رواه ابن أبي ¬

_ (¬1) أي: ابن مسعود - رضي الله عنه -.

شيبة عن ابن مسعود وابن عمر - رضي الله عنهما - بإسنادين صحيحين". قلت: رواية ابن عمر - رضي الله عنه -: أخرجها ابن أبي شيبة (3/ 404/ رقم: 15565، 15566) و (6/ 84/ رقم: 29639 - العلمية) من طرق عنه: 1 - من طريق: سفيان، عن أبي إسحاق، عن ابن عمر به. 2 - من طريق: حجاج، عن أبي إسحاق، عن ابن عمر به. وهذان إسنادان ضعيفان؛ لأجل عنعنة أبي إسحاق السبيعي، وانقطاعه بينه وبين ابن عمر - رضي الله عنه -. 3 - من طريق: أبي خالد الأحمر، عن الحجاج، عن أبي إسحاق، عن الهيثم بن حنش، عن ابن عمر به. وهذا إسناد ضعيف أيضًا. وقد اختُلف فيه -كما رأيتَ- على أبي إسحاق. وقد رُوِيَ مرفوعًا، ولا يصح. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (3/ 147 - 148/ رقم: 2757 - ط. الحرمين)، وفي "الدعاء" (869)، من طريق: إبراهيم بن الحجاج السامي، ثنا عبد الوارث، ثنا ليث بن أبي سليم، عن أبي إسحاق، عن علقمة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه -: "أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا سعى في بطن المسيل، قال: "اللهم اغفِر وارحَم، وأنتَ الأعزُّ الأكرم". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 248): "رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه ليث بن أبي سُليم؛ وهو ثقة، ولكنه مدلس". قلت: ثم هو اختلط جدًا، ولم يتميز حديثه؛ فتُرك. وأبو إسحاق؛ مدلس أيضًا، وقد عنعنه. وقد اختُلِفَ فيه عليه -كما تقدم-؛ فالإسناد ضعيف ولا يصح مرفوعًا.

فضل الشهادة في سبيل الله

- فضلُ الشهادة في سبيل الله: 559 - قال الإمام مسلم -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثني حسنُ بن علي الحلواني، حدثنا أبو توبة، حدثنا معاوية بن سلَّام، عن زيد بن سلَّام، أنه سمع أبا سلَّام، قال: حدَّثني النعمان بن بشير، قال: "كنتُ عند منبر رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فقال رجل: ما أُبالي أن لا أعملَ عملًا بعد الإسلام إلَّا أَنْ أَسْقِيَ الحاجَّ. وقال آخرُ: ما أُبالي أن لا أعملَ عملًا بعد الإسلام إلَّا أَنْ أَعْمُرَ المسجدَ الحرامَ. وقال آخرُ: الجهادُ في سبيل الله أفضل ممَّا قلتُم. فزجَرَهم عمر، وقال: "لا ترفَعُوا أصواتكم عند منبرِ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو يوم الجمعة، ولكِنْ إذَا صلَّيتُ الجمعةَ؛ دخلتُ، فاستفتيتُه فيما اختلفتم فيه"، فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة: 19] الآية إلى آخرها". أخرجه مسلم (1879)، وأحمد (4/ 269)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (10/ 95)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (6/ 1767/ رقم: 10063)، وابن حبان (4591)، والبغوي في تفسيره "معالم التنزيل" (2/ 275)، وغيرهم. من طريق: معاوية بن سلام به. * * * - من فضائل أمّ المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -: 560 - قال الإمام أحمد -رَحِمَهُ اللهُ-: ثنا عبد الرزاق، قال: أنا معمر، عن (¬1) ابن خثيم، عن ابن أبي مليحة، عن ذكوان -مولى عائشة-: أنه استأذنَ ¬

_ (¬1) وقع في مطبوعة "فضائل الصحابة": "أنا معمر وابن خثيم"! والصواب ما أثبتناه، خلافًا لما استصوبه محقق "فضائل الصحابة" وفقه الله.

لابن عباس على عائشة، وهي تموت، وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن، فقال: "هذا ابنُ عباس يستاذِنُ عليكِ؛ وهو من خير بنيكِ. فقالت: دعني من ابنِ عباس، ومن تزكيته. فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنَّه قارئ لكتاب الله، فقيهٌ في دينِ الله، فَأْذني له ليسلِّمَ عليكِ، وليودِّعكِ. قالت: فَأْذَنْ له إن شئتَ. قال: فأذِنَ له، فدخل ابنُ عباس، ثم سلَّم وجلس، فقال: أبشري يا أم المؤمنين؛ فواللهِ ما بينكِ وبين أن يذهبَ عنكِ كل أذًى ونَصَب -أو قال: وَصَب- وتلقي الأحِبَّةَ -محمدًا وحزبَه -أو قال: وأصحابه -إلا أن يُفَارِقَ روحُكِ جسدَكِ. قالت: وأيضًا! فقال ابنُ عباس: كنتِ أحبَّ أزواج رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إليه، ولم يكن لِيُحِبَّ إلا طيِّبَا، وأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ- براءتكِ من فوقِ سبع سمواتِ، فليس في الأرضِ مسجد الَّا هو يتلى فيه آناءَ الليلِ وآناءَ النهَارِ، وسقَطَتْ قلادتكِ ليلةَ الأبواءِ فاحتُبسَ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في المنزلِ؛ والناسُ معه في ابتغائهَا، -أو قال: في طلبها- حتى أصبحَ القومُ على غير ماءِ؛ فأنزل الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، فكان في ذلك رخصة للناس عامَّة في سببكِ؛ فوالله إنكِ لمباركة. فقالت: دعني يا ابنَ عباس من هذا، فواللهِ لوددتُ لو أني كنتُ نسيًا منسيًّا". صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 276) أو رقم: (2496 - شاكر) و (1/ 349) أو رقم (3262)، وفي "فضائل الصحابة" (1639)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (8/ 75)، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ رقم:

10783)، وأبو يعلى في "مسنده" (5/ 56 - 57/ رقم: 2648)، وعثمان بن سعيد الدارمي في "نقضه على المريسي" (1/ 520 - 521 ط. الرشد) أو (رقم: 138 - ط. أضواء السلف)، وفي "الرد على الجهمية" (84). من طرق؛ عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به. وأخرجه أحمد في "المسند" (1/ 220) أو رقم (1905 - شاكر)، والحاكم في "المستدرك" (4/ 8 - 9)، وابن حبان في "صحيحه" (7108)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 45). من طرق؛ عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به، -دون ذكر ذكوان- مولى أم المؤمنين - رضي الله عنها -. وصحح إسناده الحاكم، والذهبي، وأحمد شاكر، والألباني في "مختصر العلو" (ص 130/ رقم: 92). وأخرجه البخاري (4753)، وأحمد في "فضائل الصحابة" (1644)، وابن سعد في "الطبقات" (8/ 74). من طريق: عمر بن سعيد بن أبي حسين، قال حدثني ابن أبي مليكة، قال: استأذن ابنُ عباس ... فذكره بنحوه مختصرًا. فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رَحِمَهُ اللهُ- في "فتح الباري" (8/ 484): "وفي هذه القصة دلالة على سَعَةِ علم ابنِ عباس، وعظيم منزلته بين الصحابة والتابعين، وتواضع عائشة، وفضلهَا، وتشديدها في أمرِ دينِها، وأن الصحابةَ كانوا لا يدخلون على أمَّهاتِ المؤمنين إلا بإذن، ومَشورة الصغير على الكبير إذا رآه عدَلَ إلى ما الأَوْلى خلافهُ، والتنبيه على رعاية جانب الأكابر من أهل العلم والدين، وأن لا يُتركَ ما يستحقُّونَهُ من ذلك لمعارض دون ذلك في المصلحة" اهـ.

حد شارب الخمر

- الحدّ في الخمر: 561 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا مكيُّ بن إبراهيم، عن الجُعيد، عن يزيد بن خُصيفة، عن السائب بن يزيد، قال: "كُنَّا نُؤْتَى بالشَارب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وإِمْرَةِ أبي بكرِ، وصَدرًا من خلافة عمر؛ فنقومُ إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إِمْرَةِ عمر؛ فجلَدَ أربعينَ، حتى إذا عَتَوْا وفسَقُوا؛ جَلَدَ ثمانين". أخرجه البخاري (6779)، وانظر "فتح الباري" (12/ 70 - 76). * * * 562 - قال البخاري: حدثنا عبدُ الله بن عبد الوهاب، حدثنا خالد بن الحارث، حدثنا سفيان، حدثنا أبو حصين؛ سمعت عُمير بن سعيد النَّخعي، قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "ما كنتُ لأقيمَ حدًّا على أحدِ فيموتَ فأجِدَ في نفسي؛ إلا صاحبَ الخمرِ، فإنه لو ماتَ ودَيْتُه، وذلك أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لم يَسُنَّهُ". أخرجه البخاري (6778)، ومسلم (1707)، وأحمد (1/ 125، 130) أو رقم (1024، 1084 - شاكر)، والنسائي في "الكبرى" (5271، 272)، وأبو داود (4486)، وابن ماجه (2569)، والطيالسي (183)، وعبد الرزاق (13543، 18007)، وأبو يعلى (514)، والبيهقي (8/ 321)، وغيرهم. من طرق؛ عن عُمير بن سعيد به. * * * - الوضوء بفضل السواك: 563 - عن قيس بن أبي حازم، قال: "كان جرير بن عبد الله يأمرُ أهلَهُ أن يتوضؤوا من فضل سواكه".

الرياء من الشرك الأصغر

صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 184/ رقم: 721)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (1/ 158/ رقم: 1817 - العلمية)، والدارقطني في "السنن" (1/ 39)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 255)، والحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (1/ 128). من طريق: إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس به. وهذا إسناد صحيح -كما قال الدارقطني، وابن حجر-. وعلَّقه البخاري في "صحيحه" (1/ 294 - الفتح) - 4 - كتاب الوضوء، (41) باب: استعمال فضل وضوء الناس. وأخرجه الحافظ ابن حجر في "التغليق" (2/ 127)، ولفظه: "كان جرير بن عبد الله يستاك، ويغمس رأس سواكه في الماء، ثم يقول لأهله: توضؤوا بفضله. لا يرى به بأسًا". * * * الرياء من الشرك الأصغر: 564 - عن شدَّاد بن أوس - رضي الله عنه -، قال: "كُنَّا نعدُّ على عَهْدِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - أنَّ الرِّيَاءَ الشِّرْكُ الأصْغَر". حسن. أخرجه الحاكم في "المستدرك" (4/ 329)، والطبراني في "الأوسط" (196)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6842)، والبزار في "مسنده" (4/ 217/ رقم: 3565 - كشف الأستار). من طريق: يحيى بن أيوب وابن لهيعة، عن عمارة بن غزية، عن يعلى بن شدّاد بن أوس، عن أبيه به. ولم يذكر البزار والحاكم ابن لهيعة في إسناديهما. ووقع عند الطبراني: "الشرك الأكبر" بدل "الشرك الأصغر". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (15/ 222): "رواه الطبراني في الأوسط، والبزار، إلا أنه قال: الشرك الأصغر. ورجالهما رجال الصحيح، غير يعلى بن شدّاد؛ وهو ثقة".

وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وسكت عنه الذهبي. وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (35)، وقال عن تصحيح الحاكم وسكوت الذهبي: "وهو كما قالا". قلت: الإسناد حسن. يحيى بن أيوب الغافقي المصري وإن كان استشهد به البخاري، واحتج به مسلم؛ فقد قال أحمد عنه: "سيّئ الحفظ". وقال أبو حاتم: "محله الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج به". وقال ابن معين: "صالح". وقال مرة: "ثقة". وقال أبو داود: "صالح". وقال ابن سعد: "منكر الحديث"! وقال الدارقطني: "في بعض حديثه اضطراب". ووثقه البخاري، وقال مرة: "صدوق". ووثقه يعقوب بن سفيان. وقال الإسماعيلي: "لا يحتج به". وقال الساجي: "صدوق يهم، كان أحمد يقول: يحيى بن أيوب يخطئ خطأً كثيرًا". وقال أبو أحمد الحاكم: "إذا حدَّث من حفظه يخطئ، وما حدَّث من كتاب؛ فليس به بأس". وقال ابن عدي: "ولا أرى في حديثه إذا روى عن ثقة حديثا منكرًا، وهو عندي صدوق لا بأس به". وقال الحافظ: "صدوق ربما أخطأ". وتعقَّبه صاحبا "التحرير" (4/ 78/ 7511) بقولهما: "بل صدوق ... ". قلت: والصواب قول الحافظ لمن تأمل. وأخرجه البيهقي في "الشعب" (1843) من طريق: عمار بن صالح، نا

إثبات صفة الكلام للباري عز وجل، وأنه يكون بصوت

ابن لهيعة، عن عبد ربه بن سعيد، عن يعلى بن شداد به. وأخرجه (6844) من طريق: عبد الحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن [يعلى بن] شداد به. * * * 565 - "إذا تكلَّمَ الله بالوَحْي سَمِعَ أَهْلُ السَمواتِ صَوْتًا [صلصلة]، كصوتِ الحديد إذا وقَعَ على الصَّفا، [كجرِّ السلسلة على الصفوان]؛ فيخرُّونَ سجَّدَا، فإذا فُزِّع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربُّكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبيرُ". صحيح موقوفًا ومرفوعًا. ذكره البخاري في "صحيحه" -معلَّقًا- (13/ 461 - الفتح)، كتاب التوحيد، باب رقم (32): "ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له". وفي "خلق أفعال العباد" (ص / 151 رقم: 465، 466)، وعبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (536، 537)، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 351 - 354/ رقم: 208 - 211)، وعثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (358)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 549)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (432)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 237)، وابن بطة في "الإبانة" -الكتاب الثالث- الرد على الجهمية (1/ 239 - 240/ رقم: 16)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (2/ 464 - 465/ رقم: 144)، وأبو بكر النجاد في "الرد على من يقول القرآن مخلوق" (6). من طرق؛ عن الأعمش، عن مسلم بن صبيح أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - موقوفًا عليه. ورواه عن الأعمش جماعة؛ منهم شعبة بن الحجاج، فاندفعت علَّة تدليسه. وتابعه عليه منصور بن المعتمر؛ فرواه عن أبي الضحى به. أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (22/ 90)، وغيره.

وقد روي مرفوعًا: فأخرجه أبو داود في "السنن" (4738)، وابن حبان في "صحيحه" = "الإحسان" (37)، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 35/ رقم: 257)، والآجري في "الشريعة" (2/ 76/ رقم: 712)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (رقم: 433، 434)، وابن أبي حاتم في "الرد على الجهمية" -كما في "فتح الباري" (13/ 456) -، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (11/ 392 - 393)، وأبو القاسم التيمي الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (1/ 261/ رقم: 110)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (رقم: 547، 548)، وابن بطة في "الإبانة" - الكتاب الثالث: "الرد على الجهمية"- (1/ 237 - 238/ رقم: 15) و (/ 2/ 323 رقم: 501)، وابن حجر في "تغليق التعليق" (4/ 355). من طرق؛ عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعًا. قال الخطيب البغدادي -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: "هكذا رواه ابن إشكاب عن أبي معاوية مرفوعًا، وتابعه على رفعه أحمد بن أبي سريج الرازي، وإبراهيم بن سعيد الجوهري، وعلي بن مسلم الطوسي = جميعًا عن أبي معاوية؛ وهو غريب. ورواه أصحاب أبي معاوية عنه موقوفًا؛ وهو المحفوظ من حديثه" اهـ. وا نظر: "العلل" للدارقطني (5/ 252 - 243/ رقم: 852). وقال ابن أبي حاتم -كما في "فتح الباري" (13/ 464 - 465) -: "هكذا حدَّث به أبو معاوية مسندًا، ووجدته بالكوفة موقوفًا". وقال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الصحيحة" (3/ 283/ عند الرقم: 1293): "قلت: والموقوف -وإن كان أصحّ من المرفوع- فإنه لا يعل المرفوع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي -كما هو ظاهر-، لا سيما وله شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعًا نحوه: أخرجه البخاري .. ". قلت: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المرفوع، أخرجه: البخاري (4701، 4800، 7481)، وفي "خلق أفعال العباد" (467)، والترمذي

(3223)، وابن ماجه (194)، وأبو داود (3989) -مختصرًا-، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 354 - 355/ رقم: 212)، واللالكائي (545، 546)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (431)، وابن حبان (36) وغيرهم. وقد رُوي الأثر عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: أخرجه: عبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (538)، وعثمان بن سعيد الدارمي في "نقضه على المريسي" (20)، وفي "الرد على الجهمية" (309)، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة" (1/ 238/ رقم: 219). من طريق: جرير بن عبد الحميد، عن يزيد بن أبى زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس موقوفًا. ويزيد بن أبي زياد الهاشمي الكوفي؛ قال أبو زرعة: "لين، يكتب حديثه ولا يحتج به". وقال أحمد: "ليس حديثه بذاك". وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي". وقال العجلي: "جائز الحديث، وكان بأخرة يُلقَّن .. ". وقال ابن عدي: "هو من شيعة الكوفة، ومع ضعفه يكتب حديثه". وقال الآجري عن أبي داود: "لا أعلمُ أحدًا ترك حديثه، وغيره أحبُ إليَّ منه". قلت: ولم ينفرد به، فقد تابعه عليه عطاء بن السائب: أخرجه أبو نعيم في "الدلائل" (177)، والبيهقي في "الدلائل" (2/ 240)، وابن أبي شيبة في "المغازي" (8). من طريقين عنه: حماد بن سلمة عنه به. ومحمد بن فضيل عنه به. وعزاه الحافظ في "الفتح" (8/ 399) لابن مردويه.

أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم عليه السلام

وحماد بن سلمة روى عن عطاء قبل الإختلاط؛ كما في "تهذيب التهذيب" (3/ 105 - رسالة). - وروي مرفوعًا من حديث النوّاس بن سمعان - رضي الله عنه - بنحوه: أخرجه: ابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (22/ 91)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" وفي "الرد على الجهمية" والطبراني -كما في "الفتح" (8/ 399) -، وابن خزيمة في "التوحيد" (1/ 348 - 349/ رقم: 205)، والآجري في "الشريعة" (2/ 75 - 76/ رقم: 711)، وابن أبي عاصم في "السُّنَّة" (515)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (435)، والذهبي في "العلو" (239). من طريق: نعيم بن حماد، قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النوّاس بن سمعان مرفوعًا. وهذا إسناد ضعيف. نعيم بن حماد: "صدوق يخطئ كثيرًا" كما في "التقريب"، وقد ضعَّفه غير واحد من الأئمة الحفاظ. وقد أخرج له البخاري مقرونًا بغيره. والوليد بن مسلم: ثقة مدلس، يدلّس تدليس التسوية. وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (1/ 621/ رقم: 1783): "عرضتُ على دحيم حديثا حدَّثناه نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم .. (فذكره)، فقال دُحيم: لا أصل له". والحديث ضعَّف إسناده العلّامة الألباني في "ظلال الجنة" (515). والحمد لله رب العالمين. * * * 566 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن قيس، عن المنهال، عن عبد الله بن الحارث، عن عليِّ - رضي الله عنه -، قال: "أوَّلُ مَنْ يُكْسَى إبراهيمُ قبطيتين، ثم يُكسَى النبيُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - حلَّة؛ وهو عن يمين العرش".

صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (14/ 117) أو (7/ 264/ رقم: 35925 - العلمية)، وأحمد في "الزهد" (ص 101) أو رقم: (413 - ط. الكتاب العربي)، وابن المبارك في "الزهد" -زيادات نعيم- (364)، وأبو يعلى في "مسنده" (1/ 427 - 428/ رقم: 556)، وابن أبي عاصم في "الأوائل" (22)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (840)، وإسحاق بن راهويه -كما في "المطالب العالية" (رقم: 4579 - ط. العاصمة) -. من طريق: سفيان به. وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات. ومن حسَّن الإسناد؛ فلأجل قول الحافظ ابن حجر - عليه الرحمة - في المنهال بن عمرو: "صدوق ربما وهم". والمنهال قد أخرج له البخاري، ووثقه جمع من الأئمة، وإنما تركه شعبة لأنه سمع من داره صوتًا فيه تطريب! قلت: ومثل هذا الأثر لا يقال من قِبَلِ الرأي، فهو له حكم الرفع حتمًا. وأصله في "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -. وقد رُوي مرفوعًا، ولا يصح. أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/ 171/ رقم: 3891 - الحرمين من طريق: أبان بن تغلب، عن عمران بن ميثم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل؛ أنه سمع على بن أبي طالب يقول: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا ترضى يا علي إذا جمع النبيينَ في صعيد واحد؛ عُراةَ حُفَاةَ، مُشَاةً، قد قطع أعناقَهم العطشُ؛ فكان أوَّلَ من يُدْعَى إبراهيمُ؛ فيُكسى ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمينِ العرشِ، ثم يفجر شعبٌ من شعب الجنة إلى حوضي، وحوضي أعرضُ مما بين بُصْرَى وصنعاء، فيه عددُ نجومِ السماء قدحانُ من فضة، فأشربُ وأتوضَّأُ، ثم أُكسَى ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تُدْعَى فتشربُ، وتتوضَّأ، وتكسى ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أُدعى لخير إلا دُعيتَ إليه". قلت: وهذا لا يصح، وعمران بن ميثم؛ قال عنه العقيلي في "الضعفاء"

مداواة النساء للجرحى في الحرب

(3/ 306): "من كبار الرافضة، يروي أحاديث سوء كذب". وذكره الدارقطني في "العلل" (3/ 254 - 255) سؤال رقم: (391)، وصوِّب وَقْفَه. * * * - مداواة النساء للجرحى في الحرب: 5671،- عن الرُّبَيعِ بنت مُعَوّذٍ، قالت: "كُنا نغزو مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فنَسْقي القومَ، ونخدُمُهم، ونردُّ الجرحى والقتلى إلى المدينة". أخرجه البخاري (2882، 2883، 5679) من طريق: بشر بن المفضل، حدثنا خالد بن ذكوان، عن الربيع به. فقه الأثر: 1 - جواز خروج المرأة للغزو مع المسلمين. 2 - جواز معالجة المرأة الأجنبية الرجل الأجنبي للضرورة. قال ابن بطّال: "ويختص ذلك بذوات المحارم ... ". [فتح الباري: 6/ 94]. * * ** 567 - وقال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عبدان، أخبرنا عبدُ الله، أخبرنا يونس، عن ابن شهاب، قال ثعلبةُ بن أبي مالدً: "إنَّ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قَسَمَ مُروطًا بين نساءٍ من نساءِ المدينة، فبقيَ مِرْطٌ جيدٌ، فقال له بعض من عنده: يا أمير المؤمنين؛ أَعْطِ هذا ابنةَ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - التي عندك -يريدون أم كلثوم بنت علي-، فقال عمر: "أم سَليطٍ أحقُّ" -وأم سَليط من نساء الأنصار ممن بايع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. قال عمر: "فإنها كانت تزفِرُ لنا القِرَبَ يوم أُحُدٍ".

النهي عن تمني الموت

قال أبو عبد الله [البخاري]: تزفرُ: تَخِيطُ. أخرجه البخاري (2881) و (4071) من طريق: يونس به. قال الحافظ في "فتح الباري" (7/ 424): "وأم سَليط المذكورة هي والدة أبي سعيد الخدري، كانت زوجًا لأبي سَليط، فمات عنها قبل الهجرة، فتزوجها مالك بن سنان الخدري، فولدت له أبا سعيد". * * * النهي عن تمنِّي الموت: 568 - عن قيس بن أبي حازم، قال: دخلنا على خَبَّاب نعودُه؛ وقد اكتوى سبعَ كيَّاتٍ، فقال: "إن أصحابَنَا الذين سَلَفُوا مَضَوْا ولم تَنْقُصْهُمُ الدنيا، وإنَّا أَصَبْنَا ما لا نجدُ له موضعًا إلَّا الترابَ، ولولا أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وآله وسلم - نهانا أن نَدْعُوَ بالموتِ لدعوتُ به". ثم أتيناه مرة أخرى، وهو يبني حائطًا له، فقال: "إن المسلمَ يُؤْجَرُ في كل شيء ينفقُه؛ إلا في شيء يجعلُه في هذا التراب". أخرجه البخاري (5672) و (6349، 6350) -مختصرًا- و (6430، 6431) و (7234) -مختصرًا-، وأخرجه مسلم أيضًا (2681) -مختصرًا-، والنسائي في "المجتبى" (4/ 4) أو رقم: (1822 - المعرفة) -مختصرًا-. من طرق؛ عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم به. * * * [569] عن أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -، في قوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح: 29]، قالت: "أصحابُ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ أُمِرُوا بالإستغفارِ لهم؛ فسبُّوهم! ". صحيح. أخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 462)، وابن أبي عاصم في "السُّنَّة" (1003) من طريق: وكيع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - به.

النهي عن البغي

ولفظ ابن أبي عاصم: "أُمروا بالاستغفار لأصحاب محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ فسبُّوهم! "، وليس عنده ذكر الآية. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه". وقال الشيخ الألباني في "ظلال الجنة بتخريج السُّنَّة": "إسناده صحيح على شرط الشيخين". * * * - النهي عن البغي: 570 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا فطر، عن أبي يحيى، سمعت مجاهدًا عن ابن عباس، قال: "لو أن جَبَلاً بَغَى على جَبَلٍ لدُكَّ الباغي". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (588)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 213). وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (16693) من طريق: الأعمش، عن أبي يحيى القتات به. قال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (4/ 418 - 419): "وأبو يحيى القتات لين الحديث، فهو ضعيف مرفوعًا وموقوفًا، لكنه قد توبع على وقفه، فقال ابن وهب في "الجامع" (ص 44): أخبرني يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زَحْر، عن سليمان، عن مجاهد، عن ابن عباس، أنه قال: فذكره. وسليمان هو الأعمش، وابن زَحْر ضعيف؛ لكنه قد توبع، فقال علي بن حرب الطائي في "حديثه" (7/ 1): حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش به. وتابعه الثوري عن الأعمش به. رواه ابن مردويه. وهذا إسناد صحيح، فالصواب في الحديث الوقف، وبالله التوفيق" اهـ. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (795)، وهناد في "الزهد" (1395) من طريق: فطر، عن أبي يحيى، عن مجاهد مرسلًا. قال أبو حاتم في "العلل" (3/ 295/ رقم: 2189 - ط. دار الضياء) أو (3/ 11/ رقم: 2189 - ط. الدباسي). "ورواه وكيع، عن سفيان، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس .. ".

سعة علم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

قال ابن أبي حاتم: "فسمعتُ أبي يقول: هذا أصح من حديث فطر". وقال في موضع آخر (رقم: 2548): "وسألت أبي عن حديث اختلف فيه عن أبي يحيى القتات؛ فروى فطر بن خليفة، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: ... فذكره. ورواه الثوري وإسرائيل، عن أبي يحيى القتات، عن مجاهد، عن ابن عباس. فقال أبي: حديث مجاهد عن ابن عباس قوله أصح" اهـ. قلت: وروي مرفوعًا، ولا يصح، كما تجده مفصَّلًا في "الضعيفة" (1948). * * * - سعة علم عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما -: 5721،- قال مجاهد بن جبر -رَحِمَهُ اللهُ-: "كان ابنُ عباس يُسَمَّى البحر؛ لكثرة عِلمه". صحيح. أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبير" (2/ 366)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على "فضائل الصحابة" (920)، والحاكم في "المستدرك" (3/ 535)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 496)، وأبو نعيم في "الحلية" (1/ 316)، والخطيب البغدادي في "تاريخه" (1/ 174). من طريق: أبي أسامة، عن الأعمش، عن مجاهد به. * * * - الزهد في الدنيا: 571 - قال الإمام مسلم -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا شيبانُ بن فَرُّوخ، حدثنا سليمانُ بن المغيرة، حدثنا حُميد بن هلال، عن خالد بن عُمير العَدَوي، قال: خطبنا عتبةُ بن غزوان، فحمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أمَّا بعدُ؛ فإنَّ الدُّنيا قد آذَنَتْ بصُرْمٍ، وَوَلَّتَ حَذًاءَ، ولم يَبْقَ منها

إلا صُبَابَةٌ كصُبَابَةِ الإناءِ؛ يتَصَابُّها صاحبُها، وإنكم مُنْتَقِلُونَ منها إلى دارِ لا زوالَ لها، فَانْتَقِلُوا بخيرِ ما بحَضْرَتِكُمْ، فإنَّهُ قد ذُكِرَ لنَا: أن الحجرَ يُلْقَىِ من شَفَةِ جهنَّم، فيهوي فيهَا سبعينَ عامَا لا يُدْرِكُ لها قَعْرًا، ووَاللهِ لتُمْلأَنَّ؛ أَفَعَجِبتُمْ؟! ولقد ذُكِرَ لنَا: أن ما بين مِصْرَاعَينِ من مَصَاريعِ الجنةِ مسيرةُ أربعينَ سنةَ، ولَيَأْتِيَن عليها يومٌ وهو كظِيظٌ من الزِّحَامِ. ولقد رأيتُني سابعَ سبعةٍ معَ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ ما لنَا طعامٌ إلأَ ورقُ الشجرِ، حتى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنا، فالْتَقَطتُ بُرْدَةَ فشَقَقْتُهَا بيني وبين سَعْدِ بن مالكِ، فاتَزَرْتُ بنصفِها، واتَزَرَ سعدٌ بنصفِها، فما أصبحَ اليومَ منَّا أحدٌ إلأَ أصبحَ أميرًا على مِصْرِ منَ الأمْصَارِ، وإني أعوذُ باللهِ أَنْ أكونَ في نفسي عظيمًا وعند الله صغيرًا، وإنها لم تكن نبوَّةٌ قط إلَّا تَنَاسَخَتْ، حتى يكون آخرُ عاقبتها مُلكًا، فَسَتَخْبُرُونَ وتُجَرِّبونَ الأمراءَ بعدنا". أخرجه مسلم (2967). وأخرجه الترمذي (2576) من طريق: فُضيل بن عياض، عن هشام، عن الحسن، قال: قال عُتبة بن غزوان على منبرِنا هذا -منبرِ البصرة-: عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: "إن الصَّخرَةَ العظيمةَ لتُلْقَى من شَفِيرِ جهنَّمَ؛ فتهوي فيها سبعين عامًا وما تُفضي إلى قرارها". قال: وكان عمر يقول: "أكثروا ذكرَ النَّارِ؛ فإنَّ حرَّها شديدٌ، وإن قَعْرَهَا بعيدٌ، وإنَّ مقامِعَها حديدٌ". قال الإمام أبو عيسى الترمذي: "لا نعرِفُ للحسنِ سَمَاعًا من عُتْبَةَ بن غزوان، وإنما قَدِمَ عُتبةُ بنُ غَزوان البصرةَ في زمنِ عمر، ووُلد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر". وأخرجه ابن ماجه (4156) من طريق: وكيع، عن أبي نَعَامَةَ؛ سمعه من خالد بن عُمير، قال: خطَبَنَا عُتبة بن غزوان على المنبر، فقال: "لقد رأيتُني سابعَ

أربعة أشياء من الجفاء

سبعة مع رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ ما لنَا طعامٌ نأكلُهُ إلا ورقُ الشجر، حتى قرِحَتْ أشداقُنا". 572 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن عاصم بن أبي النجود، عن المسيب بن رافع، قال: قال عبد الله: "أربعٌ مِنَ الجَفَاءِ: أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ إلى غير سُتْرَةِ، وأَنْ يَمْسَحَ جَبهَتَهُ قبلَ أَنْ يَنْصَرِفَ، أو يبولَ قائمًا، أو يسمعَ المناديَ؛ ثم لا يُجيبه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 410/ رقم: 4716 - العلمية). وإسناده منقطع؛ المسيب بن رافع لم يلقَ ابن مسعود -كما قال أبو حاتم وغيره-. لكن صح من طرق أخرى: فقد أخرجه البيهقي في "السنن الكبير" (2/ 285) من طريق: قتادة، عن عبد الله بن بريدة، عن عبد الله بن مسعود به. وقد صححه العلّامة الألباني في "إرواء الغليل" (1/ 97). * * ** 573 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدَّثنا عليِّ، سمع هُشَيْمًا؛ أخبرنا حُصَيْن، عن زيد بن وهب، قال: "مَرَرْتُ بالرَّبَذَةِ، فإذا أنا بأبى ذرٍّ - رضى الله عنه -، فقلتُ له: ما أنزلَكَ منزلك هذا؟!. قال: "كنتُ بالشَأْمِ؛ فاختلفتُ أنا ومعاويةُ في {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 34]، قال معاوية: نَزَلَتْ في أهل الكتاب. فقلتُ: نزلَتْ فينا وفيهم. فكان بيني وبينَه في ذاكَ، وكتَبَ إلى عثمان - رضي الله عنه - يشكوني، فكتَبَ إليَّ عثمان: أنِ اقْدَمِ المدينةَ، فقدِمتُها؛ فكَثُرَ عَلَيَّ الناسُ

إذا جامع الرجل أهله ولم ينزل

حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك، فذكرتُ ذلك لعثمان، فقال لي: إِنْ شِئْتَ تَنَحَّيتَ؛ فكنتَ قريبًا. فذاك الذي أنزلني هذا المنزل، ولو أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لسمعتُ وأطعتُ". وأخرجه البخاري (1456) و (4660) -مختصرً-، والنسائي في "الكبرى" (6/ 354 - 455/ رقم: 11218 - العلمية)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (10/ 86)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (4/ 166 - صادر) أو (4/ 212 ط. الخانجي)، والواحدي في "أسباب النزول" (ص 184 - 185)، وغيرهم. من طرق؛ عن حصين بن عبد الرحمن به. وانظر لفقه الأثر: "فتح الباري" (3/ 322 - 323). * * * - إذا جامع الرجل ولم ينزل: 574 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أبو مَعْمَرٍ، حدثنا عبدُ الوارث، عن الحسين، قال يحيى: وأخبرني أبو سلمة، أن عطاء بن يسار أخبره: أنَّ زيد بن خالد الجهني أخبره، أنه سَألَ عثمانَ بن عفان، فقال: أرأيت إذا جامعَ الرجلُ امرأته فلم يُمْنِ؟ قال عثمان: "يتوضأُ كما يتوضَأُ للصلاةِ، ويغسلُ ذَكرَهُ". قال عثمان: "سمعتُه من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -". فسألتُ عن ذلك عليَّ بن أبي طالب، والزُّبير بن العوَّام، وطلحة بن عُبيد الله، وأُبيّ بن كعب - رضي الله عنهم -؛ فأمروه بذلك". قال يحيى: وأخبرني أبو سلمة: أنَّ عروة بن الزبير أخبره: أنه سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -. أخرجه البخاري (179) و (292) -واللفظ لهذا الموضع- ومسلم (347) -مختصرًا-.

تنبؤ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بقتل ابن ملجم له

قلت: وهذا الحكم منسوخ بأحاديث أخر، منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في "الصحيحين" وغيرهما: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: "إذا جلس بين شُعبها الأربع، ثم جهدها؛ فقد وجب الغسل". وانظر: " الفتح" (1/ 472 - 473). وسيأتي في هذه السلسلة -إن شاء الله تعالى- مزيد من الآثار في هذا الباب، والله الموفق. * * ** 575 - قال عبد الله بن محمد - المعروف بابن أبي الدنيا -رَحِمَهُ اللهُ-: نا خلف بن سالم، نا أبو نعيم، نا فطر، نا أبو الطفيل، قال: دعا عليٌّ الناسَ للبيعة، فجاء عبدُ الرحمن بن مُلْجَم المُراديّ، فردَّه مرَّتين ثم بايعه، ثم قال: ما يحبسُ أشقاها؟ لَيَخْضِبَنَّ -أَو ليصبِغَنَّ- هذه من هذا -للحيته من رأسه-، ثم تمثل: شُدَّ حيازيمكَ للموتِ ... فإنَّ الموتَ آتيكَ ولا تجزعْ من الموتِ ... إذا حلَّ بواديكَ صحيح. أخرجه ابن أبي الدنيا في "مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" (رقم: 36)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1/ 296)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (3/ 33 - صادر) أو (3/ 31 - ط. الخانجي)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (45/ 422 - 423 ط. دار إحياء التراث العربي)، والطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 105/ رقم: 169)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (1/ 352)، وأبو العرب التيمي في "المحن" (ص 94، 96). من طرق؛ عن فطر بن خليفة به. وأبو الطفيل: هو عامر بن واثلة الليثي - رضي الله عنه -. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 138): "رواه الطبراني عن شيخه عبد الله بن محمد بن سعيد؛ وهو ضعيف". قلت: قد توبع؛ تابعه غير واحد.

من آداب الدعاء

- من آداب الدعاء: 576 - قال ابن أبي شيبة -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا ابن نمير، عن طلحة بن يحيى، قال: كنت جالسًا عند عمر بن عبد العزيز، فدخل عليه عبد الأعلى بن هلال، فقال: أبقاك اللهُ يا أمير المؤمنين ما دامَ البقاءُ خيرًا لك. قال: "قد فُرِغَ من ذلك يا أبا النضر، ولكن قُلْ: أحياكَ الله حياةَ طيِّبَةً، وتوفَّاك معَ الأبَرارِ". حسن. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 242 - دار الفكر) أو (7/ 184/ رقم: 35086 - العلمية)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على "الزهد" لأبيه (رقم: 1722 - ط. دار الكتاب العربي)، وابن سعد في "الطبقات" (5/ 381)، وأبو نعيم في "الحلية" (5/ 324، 330)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (33/ 447 ط. دار الفكر). من طرق؛ عن طلحة بن يحيى به. وطلحة بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي القرشي المدني: صدوق حسن الحديث. * * * 577 - قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا أمية بن بسطام، ثنا يزيد بن زريع، ثنا ابن عون، عن محمد بن سيرين، عن عقبة بن أوس، قال: كنَّا عند عبد الله بن عمرو، فقال: "أبو بكر أصبتم اسمه، وعمر الفاروق قرنٌ من حديد أَصَبْتُمْ اسمَه، وعثمان بن عفان ذو النورين قُتِلَ مظلومَا أوتي كفلين من الرحمة". صحيح. أخرجه ابن أبي عاصم في "السُّنَّة" (رقم: 1153، 1154) أو (رقم: 1187، 1188 - ط. الصميعي). وفي الموضع الثاني من طريق: أبي أسامة، حدثنا هشام، عن محمد به. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-: "إسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال البخاري، غير عقبة بن أوس؛ وهو السدوسي -كما في الرواية الآتية-، وهو صدوق - كما في "التقريب".

أعف الناس قتلة: أهل الإيمان

والحديث أخرجه ابن سعد (3/ 170) من طريق: أخرى عن ابن سيرين به مختصرًا، بلفظ: "أبو بكر سمَّيتموه الصديق، وأصبتم اسمه". وسنده صحيح أيضًا" اهـ. * * * 578 - عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إنَّ أَعَفَّ الناسِ قِتْلَةَ أهلُ الإيمانِ". جيد. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (10/ 22/ رقم: 18232)، ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 9737) عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - به. وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات، غير أن الأعمش عنعنه، لكن الذهبي قال في "الميزان" (3/ 316 - العلمية): "قلت: وهو يدلِّس، وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به، فمتى قال: حدثنا؛ فلا كلام، ومتى قال: عن؛ تطرَّق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخ له أكثر عنهم -كإبراهيم وابن أبي وائل، وأبي صالح السمَّان- فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الإتصال". وقال الشيخ الألباني في "الضعيفة" (3/ 378/ رقم: 1232): "وهذا إسناد صحيح لولا عنعنة الأعمش، وهو موقوف، وهو أصح من الذي قبله (¬1)، لخلوّه من الإضطراب والجهالة، وقد أورده الهيثمي في "المجمع" (6/ 291)، وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح". وجملة القول: أن الحديث ضعيف مرفوعًا، وقد يصح موقوفًا، والله أعلم" اهـ. والحديث رُوِيَ مرفوعًا -لكنه لا يصح- كما تجده مفصَّلًا في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" رقم: (1232). * * * ¬

_ (¬1) أي: المرفوع.

الغسل يوم الجمعة

- الغسل يوم الجمعة: 579 - قال أبو داود: حدثنا عبدُ الله بن مسلمة، حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد-، عن عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة: "أنَّ أُناسًا من أهلِ العراق جاؤوا فقالوا: يا ابن عباس؛ أترى الغسلَ يوم الجمعة واجبًا؟ قال: "لا؛ ولكنَّهُ أطهر، وخيرٌ لمن اغتسل، ومن لم يغتسِلْ فليس عليه بواجب. وسأخبركم كيف بَدَأَ الغُسلُ: كانَ الناسُ مجهودين؛ يلبسون الصُّوفَ، ويعملونَ على ظهورهم، وكان مسجدُهم ضَيِّقا مُقارب السَّقْفِ، إنما هو عريش، فخرجَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم حارٍ، وعَرِقَ الناسُ في ذلك الصُّوفِ، حتى ثارت منهم رياحٌ آذى بذلك بعضهم بعضًا، فلما وجَدَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الرِّيح، قال: "أيها الناسُ؛ إذا كان هذا اليوم فَاغْتَسِلُوا، وَلِيَمَسَّ أحدُكم أفضل ما يجد من دُهنِه وطِيبِه". قال ابنُ عباس: "ثم جاء الله بالخيرِ، ولبسوا الصُّوفَ، وكُفُوا العملَ، ووُسِّعَ مسجدُهم، وذهبَ بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضًا من العَرَقِ". حسن. أخرجه أبو داود (353)، وأحمد (1/ 268 - 269) أو رقم: (2419 - شاكر)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (رقم: 588)، وابن خزيمة في "صحيحه" (رقم: 1755)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 116 - 117/ رقم: 757)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 280 - 281) و (4/ 189)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم: 11548)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 295). من طريق: عمرو بن أبي عمرو به. ورواه عن عمرو: سليمان بن بلال، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي. وحسَّن إسناده الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 362)، وقبله النووي في "المجموع" (4/ 536). وصحَّحه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.

وصحَّح إسناده الشيخ المحدّث أحمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه على "المسند" بتوثيقه عمرو بن أبي عمرو. والصواب: أن الإسناد لا يرتقي إلى الصحة، إنما هو حسن فقط؛ لحال عمرو بن أبي عمرو -فهو وإن كان قد احتُجَّ به في "الصحيحين"؛ لكنه تكلم فيه غير واحد من قِبَلِ حِقظِهِ؛ فقد قال ابن معين -رَحِمَهُ اللهُ-: "في حديثه ضعف؛ ليس بالقوي". وقال أبو زرعة: "ثقة". وقال أبو حاتم: "لا بأس به". وقال النسائي: "ليس القوي". وقال ابن عدي: "لا بأس به". وقال ابن حبان في "الثقات": "ربما أخطأ". قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-: "فيتلخَّص من أقوالهم هذه: أنه في نفسه ثقة، وأن في حفظه ضعفًا. ولذلك قال الحافظ في "التقريب": "ثقة، ربما وهم". فمثله لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إذا لم يظهر خطؤه، ولذلك حسِّنَ النوويُّ والحافظُ حديثَه هذا -كما سبق-. وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان " -بعد أن ذكر بعض الأقوال المتقدمة فيه-: "حديثه صالح حسن، مُنْحَطٌّ عن الدرجة العُليا من الصحيح"! قال الحافظ: "كذا قال! وحقّ العبارة: أن يحذف (العُليا) " اهـ. انظر: "صحيح أبي داود" (2/ 182 - 184/ رقم: 380). * * * 580 - قال البخاري: حدثنا عبدُ الله بن محمد بن أسماء، قال: أخبرنا جُوَيْرِيَةُ، عن مالك، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابنِ عمر - رضي الله عنهما -: "أنَّ عمر بن الخطاب بينما هو قائمٌ في الخُطبة يومَ

الجمعة؛ إِذْ دَخَلَ رجلٌ من المهاجرين الأوَّلينَ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فناداه عمر: "أَيَّةُ ساعةٍ هذه"؟ قال: "إني شُغِلْتُ؛ فلم أنقلِبْ إلى أهلي حتَى سمعتُ التأذينَ، فلم أَزِدْ أن توضأْتُ". فقال: "والوضوء أيضًا! وقد عَلِمْتَ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرُ بالغُسْلِ! ". أخرجه البخاري (878)، ومسلم (844/ 3) من طريق: الزهري به. وأخرجه البخاري (882) -مختصرًا- ومسلم (845) من طريق: أبي سَلَمَة بن عبد الرحمن، حدثني أبو هريرة، قال: "بينما عمر بن الخطاب يخطبُ الناسَ يومَ الجمعة؛ إِذْ دَخَلَ عثمان بن عفان، فعرَّضَ به عمر، فقال: ما بالُ رجالِ يتأخرونَ بعد النداء؟!. فقال عثمان: يا أمير المؤمنين؛ ما زدتُ حين سمعتُ النداءَ أَنْ توضأْتُ، ثم أقبلتُ. فقال عمر: والوضوءَ أيضا! ألم تسمعوا رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا جاء أحدُكم إلى الجمعة؛ فليغتسل". فقه الأثرين: قال شيخُنا العلّامة عبد الله بن صالح العُبيلان - حفظه الله تعالى - في كتابه الماتع "النكت العلميَّة على الروضة الندية" (ص 95 - 92): "المتأمّل للنصوص يرى أنَّ سببَ أَمْرِهِ - صلى الله عليه وآله وسلم - بالغُسلِ ليوم الجمعة ما رواه البخاري (¬1) عن عائشة، قالت: "كان الناسُ ينتابونَ الجمعةَ من منازلهم والعَوَالي، فياتونَ في الغُبَارِ، فيصيبهُم الغُبَارُ والعَرَقُ، فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إنسان منهم -وهو عندي-، فقال صلى الله عليه وآله وسلم -: "لو أنكم تَطَهَّرتُم ليومِكم هذا"! وفي رواية: "لو اغتسلتُم". ¬

_ (¬1) برقم (902).

ثم إنَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - عزَمَ عليهم، فقال -فيما رواه الشيخان (¬1) -: "غُسْلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ مُحْتَلِمٍ". فكان لأهل العلمِ -نحوَ هذه النصوص- ثلاثةُ مسالك: المسلك الأول: الوجوبُ مطلقًا؛ أخذًا بظاهر حديث أبي سعيد، وابن عباس. المسلك الثاني: الإستحبابُ مطلقًا؛ أخذًا بظاهر حديث عائشة، وحديث الحسن عن سَمُرة. المسلك الثالث: التفصيلُ في ذلك؛ وهذا الذي أفتى به ابنُ عباس، فقد روى أبو داود عنه -بسند حسن- عن عكرمة .. " [ثم ذكر - حفظه الله - الأثر المذكور في الباب]. ثم قال - سلَّمه الله -: "وروى مسلمٌ من قصة معاتبة عمر لعثمان - رضي الله عنهما - وقوله له: "والوضوءَ أيضًا! وقد علمتَ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأمر بالغسلِ". قال الإمامُ الشافعيُّ -فيما نقله عنه الترمذيُّ-: "ومما يدلُّ على أنَّ أَمْرَ النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - بالغُسْلِ يومَ الجمعةِ؛ أنه على الإختيار لا على الوجوب. حديث عمر؛ حيث قال لعثمان: "والوضوءَ أيضًا! وقد علمتَ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أَمَرَ بالغُسْلِ يومَ الجمعةِ"، فلو عَلِمَا أنَّ أمرَه على الوجوب لا على الاختيار؛ لم يتركْ عمرُ عثمانَ حتى يردَّه ويقول له: ارجِعْ فاغْتَسِلْ، ولما خَفِيَ على عثمان ذلك مع علمه. ولكن دلَّ في هذا الحديث أن الغُسْلَ يوم الجمعة فيه فضل من غير وجوب يجب على المرء في ذلك" (¬2). وفيه نُكتةٌ عزيزة: وهو أن غُسْلَ يومِ الجمعةِ مُستحبٌّ بإجماع الصحابة -بِقَيْدِهِ-، وهذا هو اختيار أبي العبَّاس؛ حيث أفتى بالاستحباب ما لمِ يكن به عَرَق، أو ريحٌ تؤذي غيرَه؛ فيجب، وفي هذا جَمْعٌ بين النصوص، وأخْذ بفقه السَّلَفِ. ¬

_ (¬1) البخاري (879)، ومسلم (846) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -. (¬2) "السنن" (497).

المجنونة إذا أصابت حدا هل تحد؟

وأمَّا ما رواه مسلم (¬1) عن أبي هريرة مرفوعًا: "حقٌّ لله على كلِّ مسلمٍ أن يغتسَل في كلِّ سبعة أيام، يغسل رأسَه وجسده". فقد قال أبو العباس: "وهذا في أحَدِ قولَي العلماء هو غُسلٌ راتبٌ مسنون، للنظافة في كل أسبوع، وإن لم يشهد الجمعة؛ بحيث يفعَلُه من لا جمعة عليه" اهـ. قلت: وانظر: "فتح الباري" (2/ 417 - وما بعدها)، و"شرح معاني الآثار" (1/ 117 - 120)، و"صحيح أبي داود" (2/ 192 - ط. غراس) وغيرهما. * * * - المجنونةُ إذا أصَابَتْ حَدًّا: 582 - قال الإمام أبو داود السجستاني: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير، عن الأعمش، عن أبي ظَبْيَان، عن ابنِ عباس - رضي الله عنه -، قال: "أُتِيَ عمرُ بمجنونةِ قد زَنَتْ، فاسْتَشَارَ فيها أُناسًا، فأَمَرَ بها عمرُ أَنْ تُرْجَمَ، فَمُرَّ بها عَلَى عَليِّ بن أبي طالبٍ - رضوان الله عليه -، فقال: ما شَأْنُ هذه؟!. قالوا: مجنونةُ بني فلان زَنَتْ، فأَمَرَ بها عمرُ أَنْ تُرْجَمَ. قال: فقال: ارْجِعُوا بها. ثم أتاه، فقال: يا أميرَ المؤمنين؛ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ القَلَمَ قد رُفِعَ عن ثلاثةٍ: عن المجنونِ حتى يبرَأَ، وعن النَّائم حتى يستيقِظَ، وعن الصَّبيِّ حتى يعقلَ؟ قال: بلى. قال: فما بال هذه تُرْجَمُ؟! قال: لا شيء. ¬

_ (¬1) رقم (1963).

قال: فَأَرْسِلْهَا. قال: فأرسَلَهَا، قال: فجَعَلَ عمرُ يُكَبِّرُ". صحيح. أخرجه أبو داود في "السنن" (4399)، والنسائي في "الكبرى" (4/ 323/ رقم: 7343 - العلمية)، وابن خزيمة (1003، 3048)، والدارقطني في "السنن" (3/ 138 - 139)، وابن حبان في "صحيحه" (143)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 258) و (2/ 59) و (4/ 389)، والبيهقي في "السنن الكبير" (8/ 264). من طرق؛ عن جرير بن حازم به. قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي. قال العلامة الألباني في "الإرواء" (2/ 6): "وهو كما قالا، ولا يضرُّه إيقاف من أوقفه، لأمرين: الأول: أن من رفعه ثقة، والرفع زيادة يجب قبولها. الثاني: أن رواية الوقف في حكم الرفع، لقول عليّ لعمر: "أما علِمتَ". وكذلك لا يضرُّه رواية من أسقط من الإسناد ابن عباس = مثل رواية عطاء بن السائب، عن أبي ظبيانْ الجنبي، قال: أتي عمر بامرأة قد فجرت، فأمر برجمها، فمرّ عليّ - رضي الله عنه - ... الحديث .. " اهـ. قلت: رواية أبي ظبيان هذه أخرجها: أحمد في "المسند" (1/ 154 - 155) أو رقم (1327 - شاكر) و (1/ 158) أو رقم (1362) - مختصرًا في الموضع الثاني دون القصة - وأبو داود (4402)، والنسائي في "الكبرى" (4/ 323/ رقم: 7344)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 440/ رقم: 587)، والبيهقي (8/ 264 - 265). من طرق؛ عن عطاء بن السائب، عن أبي ظبيان، قال: أُتي عمر بامرأة .... ورواه عن عطاء جرير بن جازم، وحماد بن سلمة، وغيرهما؛ ولم يذكر فيه عطاء ابنَ عباس - رضي الله عنهما -. وأخرجه النسائي في "الكبرى" (4/ 323 - 324/ رقم: 7345) من طريق:

إسرائيل، عن أبي حصين، عن أبي ظبيان، عن عليّ، قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظَ، وعن المعتوه، وعن الصبي". قال الإمام النسائي -رَحِمَهُ اللهُ-: "وهذا أولى بالصواب، وأبو حصين أثبت من عطاء بن السائب، وما حدّث جرير بن حازم به فليس بذاك، وحديثه عن يحيى بن أيوب أيضًا؛ فليس بذاك". قلت: لكن الدارقطني -رَحِمَهُ اللهُ- صوَّبَ رواية الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس؛ فقال (¬1): "هو حديث يرويه أبو ظَبْيَان حصين بن جندب. واختلف عنه؛ فرواه سليمان الأعمش. واختلف عنه؛ فقال جرير بن حازم: عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن عليّ، ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عليّ وعن عمر. تفرَّد بذلك عبدُ الله بن وهب عن جرير بن حازم. وخالفه ابنُ فضيل ووكيع؛ فروياه عن الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن عليّ وعمر موقوفًا. ورواه عمار بن رُزَيْقِ عن الأعمش، عن أبي ظَبْيَان، عن عليّ وعمر موقوفًا، ولم يذكر ابن عباس. وكذلك رواه سعد بن عبيدة عن أبي ظبيان موقوفًا، ولم يذكر ابن عباس. ورواه أبو حصين عن أبي ظبيان، عن ابن عباس، عن عليّ وعمر موقوفًا. واخْتُلِفَ عنه؛ فقيل: عن أبي ظبيان، عن عليّ موقوفًا. = قاله أبو بكر بن عياش وشريك، عن أبي حَصين. ورواه عطاء بن السَّائب عن أبي ظبيان، عن عليّ وعمر مرفوعًا؛ حدّث به عنه حماد بن سلمة، وأبو الأحوص، وجرير بن عبد الحميد، وعبد العزيز بن عبد الصمد العمي، وغيرهم. ¬

_ (¬1) انظر: "العلل" (3/ 72 - 74/ س: 291).

قراءة ابن عباس لقوله تعالى: {وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم} الآية

وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب، والله أعلم. قيل: لقي أبو ظبيان عليًّا وعمر - رضي الله عنهما -؟ قال: نعم" اهـ. فقه الأثر: قال الخطابي في-"معالم السنن " (3/ 310): "لم يأمر عمر - رضي الله عنه - برجم مجنونة مطبق عليها في الجنون، ولا يجوز أن يخفى هذا عليه، ولا على أحدِ ممَّن بحضرته، ولكن هذه امرأة كانت تُجَنُّ مرَّة وتفيق أخرى، فرأى عمر - رضي الله عنه - أن لا يسقط عنها الحدّ لما يصيبها من الجنون؛ إذْ كان الزِّنى منها في حال الإفاقة، ورأى عليّ - كرَّم الله وجهه - أنَّ الجنونَ شُبهة يُدْرَأُ بها الحدُّ عمّن يُبتلى به، والحدودُ تُدْرَأُ بالشُّبهات، فلعلَّها قد أصابت وهي في بقية من بلائها، فوافق اجتهادُ عمر - رضي الله عنه - اجتهادَه في ذلك، فدرأ عنها الحد، والله أعلم بالصواب" اهـ. قلت: وفيه بى جوع عمر - رضي الله عنه - للصواب والحق لمَّا بيَّن له عليٌّ - رضي الله عنه -، وهذا حال أصحابِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -. * * * 583 - قال عبد الرزاق الصنعاني الحافظ: عن معمر، عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه، قال: سمعت ابنَ عباس - رضي الله عنهما - يقرأ: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ} [آل عمران: 7] صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 116)، وابن المنذر في "تفسيره" (1/ 130 - 131/ رقم: 254)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (6/ 252/ رقم: 6627 - شاكر)، والحاكم في "المستدرك" (2/ 289). من طريق: معمر به. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.

كيفية نزول تحريم الخمر

- كيفية نزول تحريم الخمر: 584 - قال الإمام أحمد: حدثنا خَلَفُ بن الوليد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي مَيْسَرَة، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: "لمَّا نَزَلَ تحريمُ الخمرِ، قال: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ لنَا في الخَمْرِ بَيانًا شِفَاءً"، فنزلَتْ هذه الآية التي في البقرة: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} [البقرة: 219]. قال: فدُعِيَ عمرُ، فَقُرِئَت عليه، فقال: "اللَّهُم بَيِّنْ لنَا في الخمرِ بيَانًا شِفَاءً"، فنزلَت الآيةُ التي في النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43]، فكان منادي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أقَامَ الصلاةَ نادى: أَنْ لا يَقْرَبَنّ الصلاةَ سكران. فدُعِيَ عمرُ، فقُرِئَتْ عليه، فقال: "اللَّهُمَّ بَيِّنْ لنَا في الخمرِ بيَانًا شِفَاءً"، فنزلت الآيةُ التي في المائدة، فدُعِيَ عمرُ، فقرِئَتْ عليه، فلما بلغ: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)} [المائدة: 91]، قال: فقال عمر: "انتَهَينَا، انتَهَينَا ". صحيح. أخرجه أحمد في "المسند" (1/ 53) أو رقم (378 - شاكر)، وأبو داود (3670)، والترمذي (3050)، والنسائي في "الكبرى" (3/ 202/ رقم: 5049)، وفي "المجتبى" (8/ 286) أو رقم (5540)، والبزار في "مسنده" (334)، والحاكم (2/ 278)، والبيهقي (5/ 285)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان " (7/ 41). من طرق؛ عن إسرائيل به. وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي، والشيخ أحمد شاكر، وصححه الألباني كذلك. ونقل الحافظ في "الفتح" (8/ 129)، وقبله ابن كثير في "تفسيره" (2/ 92) عن ابن المديني تصحيحه للأثر. قال العلّامة المحدث أحمد محمد شاكر -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه على "المسند" (1/ 316 - / 317 رقم: 378): "إسناده صحيح. وذكره ابن كثير في "التفسير" 1: 449 - 550 و 3: 226 وقال: "وهكذا رواه أبو داود والترمذي

المسجد الذي أسس على التقوى

والنسائي من طرق عن أبي إسحاق، وكذا رواه ابن أبي حاتم (¬1) وابن مردويه من طريق: الثَّوريُّ عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة- واسمه: عمرو بن شرحبيل الهمداني الكوفي-، عن عمر. وليس له عنه سواه. ولكن قال أبو زرعة: لم يسمع منه. والله أعلم. وقال عليّ بن المديني: هذا إسناد صالح صحيح. وصححه الترمذي. وزاد ابن أبي حاتم بعد قوله: (إنتهينا)؛ إنها تذهب المال وتذهب العقل". وقول أبي زرعة: إن أبا ميسرة لم يسمع من عمر؛ لا أجد له وجهًا، فإن أبا ميسرة لم يُذْكَرْ بتدليس، وهو تابعي قديم مخضرم، مات سنة 63، وفي "طبقات ابن سعد" 6: 73 عن أبي إسحاق، قال: "أوصى أبو ميسرة أخاه الأرقم: لا تؤذن بي أحدًا من الناس، وليصلّ عليّ شريح قاضي المسلمين وإمامهم ". وشريح الكندي استقضاه عمر على الكوفة، وأقام على القضاء بها ستين سنة، فأبو ميسرة أقدم منه" اهـ. وأخرجه الحاكم (4/ 143) من طريق: حمزة الزيات، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: قال عمر: ... فذكره. وصحح الحاكم إسناده. لكن قال الدارقطني في "العلل" (1/ 185): "الصواب قول من قال: عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، عن عمر". * * * - المسجدُ الذي أسِّسَ على التقوى: 585 - قال الإمام النسائي -رَحِمَهُ اللهُ-: أخبرني زكريا بن يحيى، نا ابن أبي عمر، نا سفيان، عن أبي الزْنَادِ، عن خارجة بن زيد، عن أبيه، قال: "المسجدُ الذي أُسِّسَ على التقوى مسجدُ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". ¬

_ (¬1) في "تفسيره" (4/ 1200/ رقم: 6769).

صحيح. أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/ 359/ رقم: 11229)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 2/ 288 - ط. الرشد)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 372)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (11/ 21)، والطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 4853). من طريق: سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن أبيه زيد بن ثابت - رضي الله عنه -. وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات. وانظر "المجمع" (7/ 34). ورواه عبد الله بن عامر، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن المسجد الذي أُسِّسَ على التقوى؟ فقال: "هو مسجدي هذا". أخرجه الطبراني (5/ رقم: 4854). وعبد الله بن عامر الأسلمي ضعيف؛ انظر: "مجمع الزوائد" (7/ 34). والصواب من رواه موقوفًا. نعم؛ صحَّ مرفوعًا - لكنه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، أخرجه مسلم (1398)، وغيره. وصحَّ عن غيره من الصحابة أيضًا. وأخرج الطبراني في "المعجم الكبير" (5/ رقم: 4828) قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج، ثنا يوسف بن عدي، ثنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: قال زيد بن ثابت: "المسجدُ الذي أُسِّسَ على التقوى مسجدُ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -". قال عروة: "مسجدُ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خيرٌ منه؛ إنما أنزلت في مسجد قباء". قلت: وإسناده صحيح.

اسم الأنصار، ومن قبلهم

لكن قول عروة مخالف لما صحَّ عن النبي في تعيين المسجد الذي أسس على التقوى بمسجده - صلى الله عليه وسلم -. والمسألة فيها تفصيل أكثر مما ذكرنا، ونكتفي بهذا القدر، والحمد لله. * * * 586 - قال الإمام البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا غيلان بن جرير، قال: قلتُ لأنسٍ: أرأيت اسمَ الأنصارِ؛ كنتم تُسَمَّوْنَ به، أم سمَّاكم الله؟ قال: "بل سمَّانا اللهُ". كنَّا ندخلُ على أنسٍ، فيُحدّثنا بمناقب الأنصار ومشاهدهم، ويُقْبِلُ عليَّ أو على رجل من الأزدِ، فيقول: "فَعَلَ قومُكَ يومِ كذا وكذا، كذا وكذا". أخرجه البخاري (3776)، وفي (3844) شطره الأخير. وأخرج النسائي في "الكبرى" (6/ 359/ رقم: 11231) شطره الأول. * * * - كراهية السلف الإكثار من الفتيا: 587 - قال أبو محمد الدارمي: أخبرنا محمد بن يوسف، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابنِ مسعود، قال: "إن الذي يُفْتِي الناسَ في كلِّ ما يُسْتَفْتَى لمجنونٌ". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 272/ رقم: 176)، والبيهقي في "المدخل" (798)، وأبو خيثمة في "العلم" (10)، وابن بطة في "إبطال الحيل" (66)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (2/ 843، / 1123 رقم: 1590، 2206)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8923، 8924)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (رقم: 1194، 1195). من طرق؛ عن الأعمش به. وأخرجه ابن عبد البرّ (2/ 1124/ رقم: 2208) من طريق: أبي النضر، ثنا

مواقيت الصلاة

شعبة، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي وائل، عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - به. وأخرجه (2/ 1125/ رقم: 2213) من طريق: وهب بن جرير، وأبو داود، وبشر بن عمر؛ قالواة نا شعبة، ثنا حبيب بن أبي ثابت وسليمان الأعمش، عن أبي وائل به. قال ابن عبد البرّ: "هذا لفظ حديث وهب لن جرير، ولم يذكر أبو داود وبشر بن عمر في حديثهما سليمان الأعمش، وإنما جمعتُ حديثهم". * * * - مواقيتُ الصلاة: 588 - روى الإمامُ مالك، عن عمه- أبي سُهَيل بن مالك، عن أبيه: أنَّ عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - حَتَبَ إلى أبي موسى الأشعريّ - رضي الله عنه -: "أَنْ صَلِّ الظُّهْرَ إِذَا زَاغَتِ الشمسُ، والعصرَ والشمسُ بيضاءُ نَقِيَّةٌ قبلَ أَنْ يَدْخُلَهَا صُفْرَةٌ، والمغربَ إذًا غَرَبَتِ الشمسُ، وَأَخِّرِ العِشاءَ ما لم تَنَمْ، وصَلِّ الصُّبْحَ والنجومُ باديةٌ مشتبكةٌ؛ واقْرَأْ فيها بسورتين طويلتين من المُفَصَّلِ". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 194 - 195/ رقم: 9، ط. الشيخ سليم الهلالي (¬1)، وعبد الرزاق في "المصنف" (1/ 536/ رقم: 2036)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 375/ رقم: 1047)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 370)، وفي "معرفة السنن والآثار" (1/ 463، 467، 470/ رقم: 622، 629، 636). من طرق؛ عن مالك به. قال الحافظ ابن عبد البرّ في "التمهيد" (5/ 4): "وهو حديث متصل ثابت". * * * ¬

_ (¬1) ومنه استفدتُ تخريج الأثر؛ فَليُعْلَمْ.

589 - وعن يزيد بن زياد -مولى لبني هاشم-، عن عبد الله بن رافع - مولى أمْ سلمة- زوج النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ أنَّه سأل أبا هريرة- رضي الله عنه - عن وَقت الصلاة، فقال أبو هريرة: "أَنَا أُخْبِرُكَ: صَلِّ الظهْرَ إذا كان ظلُّك مثلُك، والعصرَ إذا كان ظِلَّكَ مِثْلَيكَ، والمغربَ إذا غربتِ الشمسُ، والعِشاءَ ما بينَكَ وبين ثُلُثِ الليلِ، إن نمتَ إلى نصفِ الليل؛ فلا نامَتْ عينُكَ، وصل الصَّبْحَ بغَبَشِ = يعني: الغَلَسَ". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 196/ رقم:11)، ومن طريقه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 540/ رقم: 2041)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 376/ رقم: 1055). * * * 590 - وعن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحهَ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أنه كَال: "كُنَّا نُصَلِّي العصرَ، ثمّ يَخْرُجُ الإنسانُ إلى بني عمرو بن عوفِ، فيجدهم يُصلُّونَ العصرَ". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 197/ رقم: 12 ط. الهلالي)، والبخاري (548)، ومسلم (621/ 194). وأخرجه مالك (13)، والبخاري (550، 551)، ومسلم (621/ 192) من طريق: الزهريّ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: "كنَّا نصلّي العصرَ (¬1)، ثم يذهبُ الذاهبُ منَّا إلى قُباء -وفي رواية: إلى العوالي-، فيأتيهم والشمس مرتفعة". زاد البخاري في إحدى رواياته: "وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال، أو نحوه". ¬

_ (¬1) في رواية للبخاري: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العصر .. ".

فقه الأثر: قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (27/ 2 - 28): "قول الصحابي: (كنا نفعلُ كذا) مسند؛ ولو لم يصرًح بإضافته إلى زمنِ النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ وهو اختيار الحاكم. وقال الدارقطني والخطيب، وغيرهما: هو موقوف. والحق: أنه موقوف لفظًا، مرفوع حُكمًا؛ لأن الصَّحابيَّ أوردَهُ مقام الإحتجاج على أنه أراد كونه في زمن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -". وقال الحافظ ابن عبد البرّ في "التمهيد" (1/ 295 - المغربية): "معنى هذا الحديث: السعة في وقت العصر، وأن الصحابةَ -حينئذٍ- لم تكن صلاتهم في فور واحد، لعلمهم بما أُبيح لهم من سعة الوقت". * * * 591 - وعن مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد؛ أنه قال: "ما أدركتُ الناسَ إلا وهم يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بعَشِيِّ". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 199/ رقم: 14)، ومن طريقه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 546 - 547/ رقم: 2067). - فقه الأثر: القاسم بن محمد؛ هو ابن أبي بكر الصدّيق - رضي الله عنه -، وهو من كبار التابعين. قوله: "ما أدركتُ الناس" - أي: الصحابة- رضي الله عنهم -، لأن فعلهم هو المعتدُّ به المحتجُّ به، لا فعل غيرهم. قوله: "إلا وهم يصلُّونَ الظُّهْرَ بعَشِي" - قال ابن عبد البرّ في "الاستذكار" (1/ 246): "قال مالك: يريد الإبراد بالظهر، وقيل: أراد بعد تمكن الوقت ومضي بعضه، وأنكر صلاته أثر الزوال".

حكم الثوب إذا أصابه المني

- المنيُّ يصيبُ الثوبَ: 592 - قال الإمام أبو بكر البيهقي: أنبأنا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى المُزَكي، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، أنبأ الربيع بن سليمان، أنبأ الشافعيُّ، أنبأ سفيان، عن عمرو بن دينار وابن جُريج -كلاهما- عن عطاء، عن ابنِ عباس؛ أنه قال في المَنِي يُصِيبُ الثوبَ، قال: "أَمِطْهُ عنكَ -قال أحدُهما:- بعُودِ إِذْخِرٍ، فإنما هو بمنزلةِ البُصَاقِ والمُخَاطِ". صحيح. أخرجه البيهقي في "السنن الكبير" (2/ 418 - الهندية) أو (2/ 550/ رقم: 4276 - ط. الرشد)، وفي "معرفة السنن والآثار" (3/ 373). قال: "هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد رُوِيَ مرفوعًا؛ ولا يصح رفعُه". وقال في "المعرفة": "هذا هو الصحيح موقوف، وقد روي عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء مرفوعًا؛ ولا يثبت". قلت: المرفوع أخرجه الدارقطني في "السنن" (1/ 124)، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/ رقم؛ 1321)، والبيهقي في "السنن الكبير" (2/ 418)، وابن الجوزي في "التحقيق" (1/ 106/ رقم: 92 - العلمية) أو (1/ 159/ رقم: 132 - قرطبة). من طريق: إسحاق بن يوسف الأزرق، حدثنا شريك، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: سُئِلَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المنيّ يُصِيبُ الثوبَ؟ قال: "إنما هو بمنزلة المخاط والبصاق، إنما كان يكفيك أن تمسحه بخرقة أو بإذخرة". قال الإمام الدارقطني: "لم يرفعه غير إسحاق الأزرق، عن شريك، عن محمد بن عبد الرحمن -هو ابن أبي ليلى- ثقة؛ في حفظه شيء". قال الحافظ ابن الجوزي -رَحِمَهُ اللهُ- في "التحقيق" (1/ 160 - قرطبة) - بعد ذكره لقول الدارقطني-: "قلنا: إسحاق إمام مخرَّجٌ عنه في الصحيحين، ورفعه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ"!

وقال المجد عبد السلام الحرَّاني في "المنتقى" (1/ 59 - ط. الحلاق): "قلت: وهذا لا يضر؛ لأن إسحاق إمام مخرَّجٌ عنه في الصحيحين، فيقبل رفعه وزيادته". قلت: العلة ليست من إسحاق الأزرق نفسه؛ بل هي من شيخه شريك النخعي، ومن ابن أبي ليلى؛ وهما ضعيفان، في حفظهما كلام. وقد خالفهما من هو أوثق منهما في وقفه. قال البيهقي: "ورواه وكيع، عن ابن أبي ليلى، موقوفًا على ابن عباس؛ وهو الصحيح". قلت: أخرجه الدارقطني (1/ 125). وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 52/ رقم: 298) من طريق: أبي نعيم، قال: ثنا سفيان، عن حبيب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال؛ "امسحوا بإذخر". وهذا إسناد صحيح. وحبيب؛ هو: ابن أبي عميرة. فهذا يدلُّ على أنه موقوف على ابن عباس، والمرفوع منكر. قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "المجموع من الفتاوى" (21/ 590 - 591): "أما هذه الفتيا فهي ثابتة عن ابن عباس، وقبله سعد بن أبي وقّاص؛ ذكر ذلك عنهما الشافعيُّ وغيره في كتبهم، وأما رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فمنكر باطل لا أصل له، لأن الناس كلهم رووه عن شريك موقوفًا (¬1)، ثم شريك ومحمد بن عبد الرحمن -وهو ابن أبي ليلى- لَيْسَا في الحِفْظِ بذاك، والذين هم أعلم منهم بعطاء -مثل ابن جريج- الذي هو أثبت فيه من القطب، وغيره من المكيين؛ لم يروه أحد إلا موقوفًا، وهذا كله دليل على وهم تلك الرواية". ¬

_ (¬1) كذا؛ والأصل أن يقال: عن عطاء موقوفًا. والله أعلم.

صلة الرحم

وانظر أيضًا: "سلسلة الأحاديث الضعيفة" للعلّامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- (2/ 360/ رقم: 948). * * * 593 - قال الإمام البخاريُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عَوَانة، عن أبي بِشْر، عن يوسفِ بن مَاهَكَ، قال: كانَ مروانُ على الحجاز -استعملَه معاويةُ-، فخَطَبَ؛ فجعلَ يذكُرُ يزيدَ بن معاوية لكي يُبَايعَ له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكرٍ شيئًا، فقال: خذوه. فدخل بيتَ عائشةَ؛ فلم يقدروا، فقال مروان: إنَّ هذا الذي أنزل الله فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17]. فقالت عائشةُ -من وراء حجابٍ-: "ما أنزل اللهُ فينا شيئَا من القرآنِ؛ إلا أنَّ اللهَ أنزَلَ عُذرِي". أخرجه البخاري (4827). وانظر: "فتح الباري" (8/ 440 - 441). * * * - صلة الرَّحم: 594 - قال الإمام البخاري: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا عتَّاب بن بشير، عن إسحاق بن راشد، عن الزُّهري، قال: حدثني محمد بن جُبير بن مُطعِم؛ أنَّ جُبَيرَ بن مُطْعم أخبره: أنه سمع عمرَ بنَ الخطَّابِ - رضي الله عنه - يقول على- المنبر: "تَعَلَّمُوا أَنْسَابَكُمْ، ثُمَّ صِلُوا أرْحَامَكُمْ؛ واللهِ إِنَّهُ ليكونُ بينَ الرَّجُل وبينَ أَخِيهِ الشيءُ، ولو يَعْلَمُ الذي بينَه وبينَه من دَاخِلَةِ الرَّحِمِ؛ لأَوْزَعَهُ ذلك عن انتهاكِهِ". حسن. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (72). قال الشيخ الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد": "حسن الإسناد، وصحَّ مرفوعًا - "السلسلة الصحيحة" (277) ".

الإيمان ليس بالتمني ولا بالتحلي

595 - قال البخاري: حدثنا أحمد بن يعقوب، قال: أخبرنا إسحاق بن سعيد بن عمرو؛ أنه سمع أباه يُحَدِّثُ عن ابنِ عباس؛ أنه قال: "احْفَظُوا أَنْسَابَكُمْ تَصِلُوا أَرْحَامَكم، فإنه لا بُعْدَ بالرَّحِم إذا قَرُبَتْ؛ وإنْ كانت بعيدةً، ولا قُرْبَ بها إذًا بَعُدَتْ؛ وإنْ كانت قريبة، وكُل رَحِم آتيةٌ يومَ القيامةِ أمامَ صَاحِبِهَا- تَشْهَدُ له بِصِلَة إنْ كانَ وصَلَهَا، وعليه بقطيعة إنْ كان قطَعَها". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (73). قال الشيخ الألباني: "صحيح الإسناد، وصحَّ مرفوعًا - "السلسلة الصحيحة" (277) ". * * * 596 - قال الحافظ أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة: حدثنا عفان، نا جعفر بن سليمان، نا زكريا، قال: سمعت الحسن (¬1) يقول: "إنَّ الإيمانَ ليسَ بالتَحَلّي ولا بالتَّمَنِّي؛ إنَّما الإيمانُ ما وَقَرَ في القلبِ، وَصَدَّقَهُ العَمَلُ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "الإيمان" (رقم: 93)، وفي "المصنف" (11/ 22 - الهندية) أو (6/ 163/ رقم: 30342 - العلمية) أو (10/ 298/ رقم: 30866 - الرشد)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على زهد أبيه (1488). قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه على كتاب "الإيمان" (ص 38/ رقم: 93 - ط. المكتب الإسلامي): "هذا موقوف على الحسن البصري؛ ولا يصحُّ عنه، فإن زكريا هو ابن حكيم الحبطي؛ وهو هالكٌ -كما قال الذهبيُّ-، وقد رواه غيره من الهالكين عن الحسن عن أنس مرفوعًا. وقد تكلَّمْتُ عليه في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة" برقم (1098) ". وقال هناك -أي في "الضعيفة"-: "وهذا سند ضعيف من أجل زكريا هذا، وهو ابن حكيم الحبطي، قال الذهبى في "الميزان": "هالك". ¬

_ (¬1) البصري.

وأقرَّه الحافظ في "اللسان". لكن قال المناويُّ في "الفيض"- تحت قول السيوطي: رواه ابن النجار والديلمي في "مسند الفردوس" عن أنس-: "قال العلائيُّ: حديث منكر، تفرَّد به عبد السلام بن صالح العابد، قال النسائي: متروك. وقال ابن عدي: مُجمع على ضعفه. وقد رُوِيَ معناه بسند جيد عن الحسن من قوله، وهو الصحيح. إلى هنا كلامه، وبه يُعْرَفُ أن سكوتَ المصنفِ عليه لا يُرتَضَى". قلت (¬1): فلعلّ العلائي وقف على سند آخر لهذا الأثر عن الحسن؛ ولذلك جوَّده، والله أعلم". قال أبو عبد الله- عفا الله عنه -: والأمر كذلك؛ فقد أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (13/ 504 - الهندية) أو (7/ 196/ رقم: 35201 - العلمية) أو (12/ 363 رقم: 36220 - الرشد) من طريق: عفان (¬2)، قال حدثنا جعفر بن سليمان، قال: سمعتُ عبد ربه أبا كعب يقول: سمعتُ الحسن يقول: .. فذكره. وعبد الله هو: ابن عبيد الأزدي؛ ثقة. فهذه متابعة لزكريا الحبطي. وأخرجه ابن بطة العكبري في "الإبانة" (رقم: 1093) -كتاب الإيمان-، والخطيب البغدادي في "اقتضاء العلم العمل" (رقم: 56). من طريق؛ أبي بكر أحمد بن سليمان العبَّاداني، قال: حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي، ثنا عبيد الله بن موسى، قال: ثنا أبو بِشْرِ الحلبي، عن الحسن، قال: "ليس الإيمانُ بالتَّحَلِّي ولا بالتَّمنَّي؛ ولكن ما وقر في القلوب وصدَّقته الأعمال؛ من قال حَسَنَا وعمل غير صالح ردّه الله على قوله، ومن قال حَسَنَا وعمل صالحَا رفَعَهُ العملُ، وذلك بأن الله تعالى يقول: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10]. قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لأجل جهالة أبي بشر الحلبي. ¬

_ (¬1) القائل هو الشيخ الألباني. (¬2) سقط اسمه من الطبعتين الهندية، والعلمية.

نهي الرجل أن يخرج في الصدقة شر ماله

وأبو بكر أحمد بن سليمان العباداني: صدوق -كما قال محمد بن يوسف القطان- انظر: "ميزان الاعتدال" (1/ 238/ رقم: 588). وقال الخطيب البغدادي في "تاريخه" (4/ 189): "رأيتُ أصحابنا يغمزونه بلا حجة؛ فأحاديثه كلها مستقيمة، سوى حديث واحد خلَّط في إسناده". ومحمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي، أبو جعفر الدَّقيقي: ثقة، وثَّقه مُطَيَّن والدارقطني وابن حبان وغيرهم. وقال أبو حاتم: "صدوق ". وقال أبو داود: "لم يكن بمحكَم العقل "! وعبيد الله بن موسى، هو: العبسي الكوفي؛ ثقة. وأبو بشر الحلبي: مجهول -كما في "التقريب" (7959) -. وأخرجه ابن بطة (1094) من طريق: حمزة الدهقان، قال: حدثنا عباس الدوري، قال: حدثنا حجاج، قال؛ حدثنا أبو عبيدة الناجي، عن الحسن به. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (1565) عن سفيان، عن رجل، عن الحسن به. وبهذه الطرق يكون الأثر صحيحًا، والله أعلم. * * * - نَهْيُ الرجلِ أن يُخْرِجَ في الصَّدَقةِ شرَّ مالِهِ: 597 - قال الترمذي -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا عبدُ الله بن عبد الرحمن، أخبرنا عُبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن السدّي، عن أبي مالك، عن البراء: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، قال: "نزلَتْ فينا مَعْشَرَ الأنصارِ؛ كُنَّا أصحابَ نَخْلٍ، فكانَ الرَّجُلُ يأتي من نخلِهِ على قدرِ كَثْرَتِهِ وَقِلَّتِهِ، وكانَ الرَّجُلُ يأتي بالقِنْوِ (¬1) والقِنوينِ، فيُعَلِّقُهُ في المسجدِ، وكانَ أهلُ الصّفَّةِ ليس لهم طعامٌ، فكانَ أحدُهم إذا جَاعَ أتى القِنْوَ؛ فضرَبَهُ ¬

_ (¬1) هو العذق بما فيه من الرُّطَبِ.

بعصاه، فيسقطُ من البُسْرِ والتمر؛ فيأكلُ، وكان ناسٌ مِمَّنْ لا يرغَبُ في الخير يأتي الرَّجل بالقِنْوِ فيه الشيصُ والحَشَفُ (¬1)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]. قالوا: لو أنَّ أحدَكم أُهْدِي إليه مِثْلُ ما أَعْطَى لم يَأْخُذْهُ إلَّا على إِغْمَاضٍ أو حَيَاءٍ. قال: فكُنَّا بعد ذلك يأتي أحدُنا بِصَالِح ما عِنْدَهُ". صحيح. أخرجه الترمذي في "جامعه" (2987)، وقال: "هذا حديث حسنٌ غريبٌ صحيحٌ (¬2)، وأبو مالك هو: الغفاريّ، ويقال: اسمه: غزوان، وقد روى سفيان عن السُّدِّي شيئَا من هذا". وأخرجه كذلك ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 26 - الهندية) أو (4/ 367/ رقم: 10833 - الرشد)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 528/ رقم: 2803) من طريق: عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل به. وصحَّحه الألباني في "صحيح سنن الترمذي" (2389). وأخرجه ابن ماجه (1822)، وابن جرير الطبري في تفسيره (3/ 55)، والحاكم (2/ 285) من طريق: أسباط بن نصر، عن السُّدِّي، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب في قوله سبحانه: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، قال: "نزلت في الأنصار؛ كانت الأنصارُ تُخرِجُ -إذا كان جِذَاذُ النَّخلِ من حيطانها- أقناءَ البُسرِ، فيعلقونه على حبل بين أسطوانتين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فيأكل منه فقراء المهاجرين، فيعمد أحدُهم فيُدْخِلُ قِنوَا فيه الحَشَفَ، يظنُّ أنه جائزٌ في كثرةِ ما يوضَعُ من الأقناءِ! فنزل فيمن فعل ذلك: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267]، يقول: لا تعمدوا ¬

_ (¬1) الشِّيص: التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى. والحشف: التمر الرديء. (¬2) في تفسير ابن كثير: "حسن غريب".

من ورع الصديق رضي الله عنه

للحشف منه تنفقون، {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]، يقول: لَوْ أُهْدِيَ لكم ما قبلتموه إلا على استِحْيَاءِ من صاحبه، غيظًا أنه بعث إليكم ما لم يكن فيه حاجة، واعلموا أنَّ اللهَ غنيٌّ عن صدقاتكم". قال الحاكم: "هذا حديث غريب، صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه". هكذا وقع في مطبوعة "المستدرك". وأشار الذهبي في "تلخيصه " أنه صحيح على شرط مسلم، فرمز له بالرمز (م). لكن وقع في "تفسير ابن كثير" (1/ 444): "وقال الحاكم: صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه". والله أعلم. وصحَّحه الشيخ الألباني في "صحيح سنن ابن ماجه" (1475). والأثر أخرجه البيهقي في "السنن الكبير" (4/ 231/ رقم: 7620 - الرشد) من طريق: سفيان، عن السُّدّي، عن أبي مالك، عن البراء، قال: "كانت الأنصار يُعطون في الزكاة الشيء الدُّونَ منَ التمر، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]، قال: فالدُّون هو الخبيث، ولو كان على إنسانٍ شيءٌ، فأعطاك شيئَا دُونًا؛ فقد نقصك بعض حقَك، فإذا قبلتَه فهو الإغماض". * * * - من وَرَعِ الصِّدِّيق - رضي الله عنه -: 598 - قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا إسماعيل، حدثني أخي، عن سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رضي الله عنها -، قال: "كان لأبي بكرٍ غُلامٌ يُخْرِجُ له الخَرَاجَ، وكان أبو بكر يأكلُ من خَرَاجِهِ، فجاء يومًا بشيء، فأكلَ منه أبو بكر، فقال له الغلامُ: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟!.

الصلاة عند القبور

قال: كنتُ تكهَنتُ لإنسانٍ في الجاهليةِ، وما أُحْسِنُ الكهانةَ، إلا أني خَدَعْتُهُ، فلقيني فأعطاني بذلك؛ فهذا الذي أكلتَ منه. فأدخَلَ أبو بكر يدَه، فقاءَ كلّ شيء في بطنه". أخرجه البخاري في "صحيحه" (3842). * * * - الصلاة عند القبور: 599 - روى الحافظ عبد الرزاق الصنعاني، عن مَعْمَر، عن ثابت البُنَانِيّ، عن أنس بن مالك، قال: "رآني عمر بن الخطاب وأنَا أُصَلِّي، عند قبرٍ، فجعَلَ يقولُ: القبرَ! قال: فحسِبْتُه يقول: القمر! قال: فجعلتُ أرفع رأسي إلى السماءِ فأنظر، فقال: إنما أقولُ: القبرَ؛ لا تصلِّ إليه". قال ثابت: فكان أنسُ بن مالك يأخد بيدي إذا أراد أن يصلّيَ؛ فيتنحَّى عن القبور. صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 404 - 405/ رقم: 1581) ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 186/ رقم: 766). وصحَّح إسناده الألباني على شرط مسلم. انظر: "النصيحة بالتحذير من تخريب ابن عبد المنان لكتب الأئمة الرجيحة" (ص 144)، و"تحذير الساجد" (ص 26 - ط. المكتب الإسلامي) أو (ص 35 - 36 ط. المعارف). وأخرجه الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 229) من طريق: حماد بن زيد، عن ثابت البناني به؛ أقصر منه. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 369 - الهندية) أو (3/ 372/ رقم: 7650 - الرشد) أو (2/ 155/ رقم: 7575 - العلمية).

من طريق؛ وكيع، ثنا سفيان، ثنا حُميد، عن أنس، قال: "رآني عمر وأنا أصلّي، فقال: القبر أمامك؛ فنهاني". وأخرجه ابن أبي شيبة وأحمد بن منيع -كما في "المطالب العالية" (رقم: 339 - ط. العاصمة) - قالا: ثنا هشيم، أنا حميد، عن أنس - رضي الله عنه -، قال: "كنتُ أُصلي إلى قبر، فرآني عمر - رضي الله عنه -، فجعل يقول: "القبرَ القبرَ! فجعلتُ لا أفهمُ ما يريدُ، فرفعتُ رأسي إلى السماء، فقال: القبر أمامك". ثم أخرجاه من طريق: هشيم، أنا منصور، عن الحسن، عن أنس، عن عمر - رضي الله عنه - بمثل ذلك. قال الحافظ ابن حجر: "هذا خبر صحيح؛ علقه البخاري (¬1) ". وأخرجه محمد بن هشام النُّميري في حديثه عن مروان الفزاري (7) ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبير" (2/ 435)، والحافظ في "تغليق التعليق" (2/ 230)، عن مروان، ثنا حميد، عن أنس، قال: "قمتُ يومًا أُصلّي وبين يدي قبرٌ لا أشعرُ به، فناداني عمر: القبر، القبر! وظننتُ أنه يعني القمر. فقال لي بعض من يليني: إنما يعني القبر؛ فتنحَّيْتُ عنه". وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 155/ رقم: 7574 - العلمية) أو (2/ 379 - الهندية) أو (3/ 472/ رقم: 7649 - الرشد) من طريق: حفص، عن حُجية، عن أنس به. وهذا إسناد يصلح في المتابعات. والأثر صحّحه البوصيري في "الإتحاف" (1/ 176). فقه الأثر: فيه النهي عن الصلاة عند القبور أو إليها -كما هو المستقرُّ في شريعتنا الغرَّاء- خلافَا لما عليه بعض الجهلة من العوام!، وكثير من مبتدعة زماننا، مضاهاة لفعل المشركين-! ¬

_ (¬1) في "صحيحه " (1/ 624 - فتح) 8 - كتاب الصلاة، (48) باب: هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويُتَّخَذُ مكانها مساجد.

عدد تكبيرات صلاة العيد

قال شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية - فيما نقله عنه تلميذه ابن قيم الجوزية في "إغاثة اللهفان" (1/ 186) -بعد ذكره هذا الأثر-: "وهذا يدلُّ على أنه كان من المستقرِّ عند الصحابة - رضي الله عنهم -: ما نهاهم عنه نبيُّهم - صلى الله عليه وآله وسلم - من الصلاة عند القبور. وفعل أنس - رضي الله عنه - لا يدلُّ على اعتقاده جوازَه؛ فإنه لعلَّه لم يرَه أو لم يعلم أنَّه قبرٌ، أو ذهل عنه؛ فلمّا نبَّهه عمر- رضي الله تعالى عنه - تنبَّه" اهـ. * * * - عدد تكبيرات صلاة العيد: 600 - عن نافع -مولى عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، قال: "شهدتُ الأضحى والفطرَ مع أبي هريرة - رضي الله عنه -؛ فكبَّرَ في الركعةِ الأولى سبعَ تكبيرات قبلَ القراءةِ، وفي الآخرةِ خمسَ تكبيرات قبلَ القراءةِ". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 180/ 9) أو (رقم: 519 - ط. ابن حزم) أو (2/ 92/ رقم: 477 - ط. سليم الهلالي)، والشافعي في "الأم" (1/ 236)، و"المسند" (رقم: 460)، وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ 292، 293/ رقم: 5680 - 5682)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 494/ رقم: 5072 - العلمية)، والفريابي في "أحكام العيدين" (رقم: 110 - 114)، والإمام أحمد -كما في مسائل ابنه عبد الله- (2/ 427 - 428/ رقم: 603)، والدارقطني في "العلل" (9/ 47)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (4/ 344/ رقم: 7270)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 288)، وفي "السنن الصغير" (1/ 259/ رقم: 696)، وفي "معرفة السنن والآثار" (3/ 39/ رقم: 1900)، وابن حزم في "المحلى" (5/ 83). من طرق؛ عن نافع به. وقال الإمام مالك: "وهو الأمر عندنا". وقال عبد الله بن أحمد: "قال أبي: وبهذا آخذ = بحديث أبي هريرة".

قتل الخطأ في المعركة

قال ابن حزم: "وهذا سند كالشمس". وقال البيهقي: "والموقوف على أبي هريرة صحيح؛ لا شك فيه". * * * - قتل الخطأ في المعركه: 601 - قال ابن معين: حدثنا ابن أبي زائدة، ثنا سعد بن طارق، عن نعيم بن أبي هند، عن سلمة بن نعيم، قال: "شَهِدْتُ مع خالد بن الوليد يوم اليمامة، فلمَّا شَدَدْنا على القوم ضربت رجلا منهم، فلما وقع قال: اللهم على مِلَتِك وَمِلَّةِ رسولك، وإني بريء ممَّا عليه مسيلمة. فعقدتُ في رجله خيطًا، ومضيتُ مع القومِ، فلما رجعت؛ ناديتُ: من يعرفُ هذا الرجلَ؟ فمَرَّ بي ناس من أهل اليمن، فقالوا: هذا رجلْ من أهل اليمن، من أهل الرضى من المسلمين. فرجعتُ إلى المدينةِ - زمن عمر - رضي الله عنه -، فحدَّثتهُ، فقال عمر: "قد أَحْسَنْتَ أَنْ بيَّنتَ؛ إنَّ عليك وعلى قومِكَ الدِّيةَ، وعليك تحرير رقبةِ من أهلِ الرِّضى، وعلى قومكَ النصف، وعلى المسلمين النصف". صحيح. أخرجه ابن معين في فوائده "الجزء الثاني من حديثه" (رقم: 28). وإسناده صحيح؛ رجاله كلهم ثقات. * * * - طوافُ النساء مع الرِّجال: 602 - قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: وقال [لي] عمرو بن عليّ: حدثنا أبو عاصم، قال ابن جريج: أخبرني عطاءٌ - إِذْ مَنَعَ ابنُ هشام النساء الطواف مع الرجال-، قال: "كيفَ يَمْنَعَهُنَّ وقد طافَ نساءُ النبيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - مَعَ الرجالِ؟! قلتُ: أَبَعْدَ الحجابِ أو قبلُ؟ قال: إِي لَعَمْري؛ لقد أَدْرَكْتُهُ بعد الحجابِ.

قلتُ: كيف يُخَالِطنَ الرِّجَالَ؟! قال: لم يَكُنَّ يُخَالِطْنَ؛ كانت عائشةُ - رضي الله عنها - تطوفُ حَجْرَة من الرِّجالِ؛ لا تخالِطُهم، فقالت امرأةٌ: انطلقي نستلم يا أمَّ المؤمنين. قالَتْ: انطلقي عنكِ. وَأَبَتْ. فكُنَّ يَخْرُجْنَ متنكِّرَاتٍ بالليل، فيطُفْنَ مَعَ الرِّجالِ، ولكنَّهنَّ كُنَّ إذا دَخَلْنَ البيتَ قُمْنَ حتى يَدْخُلْنَ، وأُخَرجَ الرجالُ. وكنتُ آتي عائشةَ أنا وعُبيدُ بن عُمير، وهي مجاورة في جَوْفِ ثَبِيرِ. قلتُ: وما حجابُها؟ قال: هي في قُبَّةِ تُرْكيَّةِ، لها غِشَاءٌ، وما بيننا وبينها غير ذلك، ورأيتُ عليها دِرْعَا مُوَرَّدًا". أخرجه البخاري (1618). وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (5/ 66 - 68/ رقم؛ 9018) من طريق: ابن جُريج به. وأخرجه محمد بن إسحاق الفاكهي في "أخبار مكة" (1/ 251 - 253/ رقم: 483) من طريق: ميمون بن الحكم الصنعاني، قال: ثنا محمد بن جُعشم، قال: أنا ابن جريج به. غريب الأثر وفقهه: قوله: "وقد طاف نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - معَ الرجال"، أي: غير مختلطات بهم. (الفتح: 3/ 561). قوله: "لقد أدركته بعد الحجاب": ذكر عطاء هذا لدفع توهّم من يتوهَّم أنه حمل ذلك عن غيره، ودلَّ على أنه رأى ذلك منهنَّ، والمراد بالحجاب آية الحجاب، وهي قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، وكان ذلك في تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش، ولم يدرك ذلك عطاء قطعًا. (الفتح: 1/ 561 - 562).

قوله: "حَجرَة" أي: ناحية، معتزلة مكان الرجال. قولها- عليها السلام-: "انطلقي عنك"، أي: عن جهة نفسك. قوله: "متنكرات"، أي: مستترات -كما في رواية عبد الرزاق-، قال الحافظ: "واستنبط منه الداودي جواز النقاب للنساء في الإحرام؛ وهو في غاية البُعْدِ". قوله: "درعًا موردَا"، أي: قميصًا لونه لون الورد. وانظر: "فتح الباري" (3/ 561 - 563). * * * 603 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه -، قال: "ليس في الجنَّةِ شيءٌ يُشْبِهُ ما في الدنيا إلَّا الأسماء". صحيح. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (1/ 66/ رقم: 260)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان " (1/ 174)، وهناد في "الزهد" (1/ 349)، وأبو نعيم في "صفة الجنة" (124)، والبيهقي في "البعث والنشور" (368)، والضياء في "المختارة" (59/ 198/ 2) -كما في "الصحيحة" (5/ 219) -. من طريق: الأعمش، عن أبي ظبيان، عن ابن عباس به. وجوَّد إسناده المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 278). وصحّحه الألباني في "الصحيحة" (2188)، وفي "صحيح الترغيب والترهيب" (3/ 350/ رقم: 3769). وضعَّف إسناده محقق كتاب "صفة الجنة" الشيخ عليّ رضا -وفقه الله-، وتعقبه الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ-، فقال: "تنبيه: قال المعلّقُ على "صفة الجنة" (1/ 160): "وهذا إسناد ضعيف؛ الأعمش مدلّس وقد عنعنه، وهو هنا لا يروي عن أمثال أبي صالح السمَّان، وإبراهيم النخعي، وأبو (كذا) وائل، فإن روايته عن هؤلاء محمولة على الإتصال. انظر "الميزان" (2/ 224) ". فأقول: الجواب من وجهين: الأول: أن كلام الذهبي لا يفيد الحصر في هؤلاء الشيوخ، لأنه ذكرهم على سبيل التمثيل، بقوله: "كإبراهيم و .. ".

من فاتته الركعة فقد فاتته السجدة

والآخر: أن عنعنة الأعمش عن أبي ظبيان قد مشاها البخاري؛ فإنه ساق بهذا السند حديثا آخر عن ابن عباس رقم (4706) " اهـ. * * * - من فاتته الركعة فقد فاتته السجدة: 604 - روى مالك، عن نافع، أنَّ عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كان يقول: "إذا فاتَتْكَ الرّكعةُ فقد فاتتك السجدةُ". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ"- (غير موجود في رواية يحيى بن يحيى الليثي) (رقم: 19 - ط. الهلالي)، والبيهقي في "السنن الكبير" (2/ 90). وإسناده غاية في الصَّحة. وفيه: أن المعتبر في الإدراك هو إدراك الركعة، وأن من لم يدرك الركوع فقد فاته الإدراك، ولا عبرة بإدراك ما بعد الركوع من الأركان. * * * - من مناقب أبي بكر الصدّيق والزبير - رضي الله عنهما -: 605 - قال البخاري: حدثنا محمد، حدثنا أبو معاوية، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها - {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)} [آل عمران: 172] قالت لعروة: "يا ابن أختي؛ كان أبواك منهم: الزُّبير وأبو بكر؛ لمَّا أصاب رسولُ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ما أصاب يومَ أُحدٍ، وانصرفَ عنه المشركون، خاف أن يرجعوا، قال: "من يذهبُ في إثرهم"؟ فانتدب منهم سبعون رجلًا". قال: كان فيهم أبو بكر والزبير. أخرجه البخاري (4077). وأخرجه مسلم (2418) بلفظ: "أبواك واللهِ - (كان أبواك) - من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح". وفيه: جواز إطلاق لفظ الأب على الجدّ، فأبو بكر - رضي الله عنه - جدَّ عروة لأمّه.

حكم الاستعانة بالمشركين في ولاية أمور المسلمين

- حكم الإستعانة بالمشركين في ولاية أمور المسلمين: 606 - قال ابن أبي حاتم: حدثنا كثير بن شهاب، حدثنا محمد -يعني: ابن سعيد بن سابق-، حدثنا عمرو بن أبي قيس، عن سماك بن حرب، عن عِيَاض: "أنَّ عمر - رضي الله عنه - امر أبا موسى الأشعريّ أنَّ يرفعَ إليه ما أخَذَ وما أعطى في أديم واحدٍ -وكان له كاتب نصرانيُّ- فرفع إليه ذلك، فعجب عمر - رضي الله عنه -، وقال: "إنَّ هذا لحفيظ! هل أنتَ قارئ لنا كتابًا في المسجد، جاء من الشام"؟ فقال: إنه لا يستطيع. قال عمر: "أجُنُبٌ هو"؟!. قال: لا، بل نصراني. قال: فانتهرني، وضرب فخدي، ثم قِال: "أخرجوه"، ثم قرأ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]. وفي رواية أنه قال: "لا تُكْرِموهم إِذْ أهَانهُمُ الله، ولا تدنوهم إِذْ أقصاهم الله، ولا تأتمنوهم إِذْ خوَّنهم الله -عَزَّ وَجَلَّ-". حسن. أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1156/ رقم: 6510)، وعبد الله بن أحمد -كما في "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (1/ 454) - وأبو بكر الخلال في "أحكام أهل الملل " (328)، والبيهقي في "السنن الكبير" (10/ 127)، وفي "شعب الإيمان" (12/ 17 - 18/ رقم: 8939 - الرشد) أو (7/ 43/ رقم: 9384 - العلمية). كلهم من طرق؛ عن سماك بن حرب به. وهذا إسناد حسن؛ لأجل الكلام الذي في سماك، وهو لا ينزل عن رتبة الحسن -إن شاء الله-. وأخرجه ابن قتيبة في "عيون الأخبار" (1/ 58/ رقم: 29) من طريق:

فضل المهاجرين الأولين

إسحاق بن راهويه، قال: أخبرنا جرير، عن يزيد بن أبي زياد، عن عياض بن أبي موسى به .. هكذا! والأثر صحّحه الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الإرواء" (8/ 255 - 256/ رقم: 2630). * * * 607 - قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام، عن ابن جُريج، قال: أخبرني عُبيد الله بن عمر، عن نافع -يعني: عن ابن عمر-، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، قال: "كان فَرَضَ للمهاجرين الأوَّلين أربعةَ آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمس مائة، فقيل له: هو من المهاجرين؛ فلِمَ نقَصْتَهُ من أربعة آلاف؟ فقال: "إنما هاجَرَ به أبواه". يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه". أخرجه البخاري (3912). * * * 608 - قال البخاري: حدثنا يحيى بن بِشْر؛ حدثنا رَوْحٌ، حدثنا عوْفْ، عن معاوية بن قُرَّةَ، قال: حدثني أبو بُرْدَةَ بن أبي موسى الأشعريّ، قال: قال لي عبد الله بن عمر: "هل تدري ما قال أبي لأبيكَ؟ قال: قلتُ: لا. قال: فإنَّ أبي قال لأبيك: يا أبا موسى؛ هل يسرُّكَ إسلامُنا مع رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهجرتُنا معه، وجهادُنا معه، وعملُنا كلُّه معه؛ برَدَ لنا (¬1)، وأنَّ كلَّ عمل عملناه بعده نجَوْنا منه كفافًا؛ رأسًا برأسٍ؟ ¬

_ (¬1) أي: ثبَتَ لنا ودام.

هجرة عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما ومبايعتهما رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال أبي (¬1): لا واللهِ؛ قد جاهدنا بعد رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وصلَّينَا، وصُمْنَا، وعمِلْنَا خيرًا كثيرًا، وأسلم على أيدينا بَشَرٌ كثيرٌ، وإنَّا لنرجو ذلك. فقال أبي: لكنّي -أنا- والذي نَفْسُ عمر بيدِهِ- لودِدْتُ أنَّ ذلك برَدَ لنا، وأن كل شيءِ عملناه بعدُ نجونا منه كفافًا؛ رأسًا برأسٍ. فقلت: إنَّ أباك -واللهِ- خيرٌ من أبي". أخرجه البخاري (3915). قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني -رَحِمَهُ اللهُ- في "فتح الباري" (7/ 300): "قوله: (فقلتُ): القائل هو أبو بردة، وخاطب بذلك ابن عمر؛ فأراد أن عمر خير من أبي موسى، وأراد من الحيثية المذكورة، وإلا فمن المقرَّر: أنَّ عمرَ أفضل من أبي موسى عند جميع الطوائف، لكن لا يمتنع أن يفوق بعض المفضولين بخصلة لا تستلزم الأفضلية المطلقة، ومع هذا؛ فعمر في هذه الخصلة المذكورة أيضًا أفضل من أبي موسى، لأن مقام الخوف أفضل من مقام الرجاء، فالعلم محيط بأن الآدميّ لا يخلو عن تقصير في كل ما يريد من الخير، وإنما قال عمر ذلك هضمًا لنفسه، وإلا فمقامه في الفضائل والكمالات أشهر من أن يذكر". * * * - هِجْرَة عمر وابنه عبد الله - رضي الله عنهما - ومبايعتهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: 609 - وقال البخاري: حدثني محمد بن صبَّاح -أو بلغني عنه-، حدثنا إسماعيل، عن عاصم، عن أبي عثمان، قال: "سمعتُ ابنَ عمر - رضي الله عنهما- إذا قيل له: هَاجَرَ قبل أبيه؛ يَغْضَبُ. قال: وقدمتُ أنا وعمر على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فوجَدْنَاه قائلاَ، فرجَعْنَا إلى المنزلِ، فأرسلني عمرُ، وقال: اذهَبْ فانظُرْ هَلِ استيقَظَ. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر: كذا وقع فيه؛ والصواب: قال أبوك ...

المسح على الجبائر

فأتيتُه، فدخَلْتُ عليه؛ فبايَعْتُهُ، ثم انطَلَقْتُ إلى عمرَ؛ فأخبرتُه أنه قدِ استيقظَ، فانطلقنا إليه نُهَرْوِلُ هَرْوَلَةَ، حتى دخَلَ عليه فبايعَهُ، ثم بَايَعْتُهُ". أخرجه البخاري (3916). وأخرجه برقم (4186)، قال: حدثني شُجاع بن الوليد؛ سمع النضر بن محمد، حدثنا صخر، عن نافع، قال: "إن الناسَ يتحدَّثونَ: أن ابنَ عمر أَسْلَمَ قبل عمر! وليس كذلك؛ ولكن عمرُ يوم الحديبية أرسلَ عبدَ الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار، يأتي به ليقاتل عليه - ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُبَايَعُ تحت الشجرة- وعمر لا يدري بذلك، فبايعه عبدُ الله ثم ذهب إلى الفرسِ، فجاء به إلى عمر، وعمر يستلئم للقتالِ، فأخبره أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يُبايَعُ تحت الشجرة، قال: فانطلقَ، فذهبَ معه حتى بايع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهي التي يتحدَّثُ الناس؛ أن ابنَ عمر أسلم قبل عمر". * * * - المسح على الجبائر: 610 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا شَبابة، قال: حدثنا هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "من كان به جُرحٌ معصوبٌ؛ فخَشِيَ عليه العنَتَ؛ فليمسَحْ ما حوله، ولا يغسله ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 135) أو (1/ 249/ رقم: 1457 - ط. الرشد). وإسناده صحيح. * * * 611 - قال يحيى بن معين: حدثنا محمد بن المبارك الصوري، ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: "لا تَسُبُّوا الشيطانَ؛ فإنه يغتبط، ولكن تعوَّذوا بالله من شرِّهِ". صحيح. أخرجه ابن معين في فوائده "الجزء الثاني من حديثه" (29). وإسناده صحيح.

مجانبة أهل الأهواء

ورواه عبد الغفار بن داود، عن عيسى بن يونس؛ فرفعه. أخرجه تمام في "الفوائد" (1/ 311/ رقم: 778 - ط. الرشد). قال الشيخ الألباني في "الصحيحة" (5/ 547/ رقم: 2422): "رواه أبو طاهر المخلص (9/ 196/ 2)، وعنه الديلمي (1484)، وتمام في "فوائده" (122/ 1)، وأبو عبد الله الغضائري في "أحاديثه " (254/ 2) عن عبد الغفار بن داود أبي صالح الحراني قال؛ ثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي صالح, عن أبي هريرة مرفوعًا. قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، غير عبد الغفار بن داود؛ فمن رجال البخاري" اهـ. وقال الدارقطني في "العلل" (10/ 146/ رقم: 1936): "يرويه الأعمش، واختلف عنه؛ فرواه أبو صالح الحراني عبد الغفار بن داود، عن عيسى بن يونس، عن الأعمش مرفوعًا، وغيره لا يرفعه؛ وهو الصحيح". * * * 612 - قال الحافظ أبو محمد الدارمي: أخبرنا سعيد، عن سلام بن أبي مُطيع: "أن رجلًا من أهلِ الأهواءِ قال لأيوبَ [السختياني]: يا أبا بكر؛ أسألُكَ عن كلمة. قال: فتولَّى وهو يشير بإصبعه: ولا نصف كلمة". وأشاو لنا سعيد بخنصره اليمنى. صحيح. أخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 390/ رقم: 412)، والآجري في "الشريعة" (1/ 190/ رقم: 126)، وابن بطة في "الإبانة" (402، 482)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (291)، وأبو نعيم في "الحلية" (3/ 9). من طريق: سعيد بن عامر به. وإسناده صحيح. وقد تقدم في المجلد الأول رقم (110) نحوه عن ابن سيرين.

أكل أبي طلحة البرد وهو صائم

- أكلُ أبي طلحة البَرَدَ وهو صائم!: 613 - قال الحافظ البزار: حدثنا هلال بن يحيى، ثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أنس، قال: "رَأَيْتُ أبا طلحةَ يأكُلُ البَرَدَ وهو صائمٌ، ويقولُ: إنه ليس بطعامٍ ولا شرابٍ. فذكرتُ ذلك لسعيد بن المسيّب؛ فكرِهَهُ، وقال: إنه يقطع الظَّمَأَ". صحيح. أخرجه البزار (1/ 481/ رقم: 1022 - كشف الأستار) أو (1/ 428/ ر قم: 720 - زوائده). وأخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده على "المسند" (3/ 279) من طريق: شعبة، عن قتادة وحُميد، عن أنس بن مالك، قال: "مطرنا بَرَدًا، وأبو طلحة صائمٌ، فجعل يأكلُ منه. قيل له: أتأكلُ وأنتَ صائم؟! فقال؛ إنما هذه بركة". قال الألباني في "الضعيفة" (1/ 154): "وسنده صحيح على شرط الشيخين، وصحَّحه ابن حزم في "الإحكام" (6/ 83) ". قال البزار: "لا نعلمُ هذا الفعل إلا عن أبي طلحة". قلت: وخالفَ عليُّ بن زيد بن جدعان فيه؛ فرواه عن أنس - رضي الله عنه- قال: "مُطِرْنَا ببَرَدِ على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان أبو طلحة يأكل منه وهو صائم، فذكرتُ ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "خُذْ عن عمِّك". أخرجه البزار (1021 - كشف) أو (427 - زوائده)، وأبو يعلى في "مسنده" (3/ 15/ رقم: 1424) و (7/ 73 - 74/ رقم: 3999) والطحاوي في "مشكل الآثار" (5/ 114/ رقم: 1864). ولفظ أبي يعلى: قال أنس: "مطرت السماءُ بَرَدَا، فقال لنا أبو طلحة -ونحن غلمان-: ناولني يا أنس من ذاك البرد. فجعل يأكل وهو صائم! فقلتُ: ألستَ صائمَا؟! قال: بلى؛ إن ذا ليس بطعام ولا شرابِ، وإنما هو بركة من السماء نُطهِّرُ به بطوننا. قال أنس: فأتيت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبرتهُ، فقال: "خُذْ عن عمك". قال الحافظ نور الدين الهيثمي في "مجمع الزوائد" (3/ 171 - 172): "رواه أبو يعلى، وفيه عليّ بن زيد؛ وفيه كلام، وقد وُثِّقَ، وبقية رجاله رجال الصحيح".

الجمع بين الصلاتين في المطر

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في زوائده على "مسند البزار" (1/ 428): "الإسناد الموقوف هو الصحيح، وعليُّ بن زيد ضعيفٌ لا يُقبل ما ينفرد به، فكيف إذا خالفَ؟ ". وقال الشيخ الألباني في "الضعيفة" رقم (63): "منكر". قلت: وفعل أبي طلحة - رضي الله عنه - هذا لم يوافقه عليه أحد من الصحابة، وقد انفرد به -كما أخبر البزار-، والله أعلم. * * * - الجمع بين الصلاتين في المطر: 614 - عن نافع: "أنَّ عبدَ الله بن عمر كان إذا جَمَعَ الأُمراءُ بين المغربِ والعِشاءِ في المَطَرِ؛ جمع معهم". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (2/ 12/ رقم: 357 - ط. الهلالي)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 556/ رقم: 4438)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 234)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 168)، وفي "السنن الصغير" (1/ 229/ رقم: 587)، وفي "معرفة السنن والآثار" (2/ 453/ رقم: 1648)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 430). من طرق؛ عن نافع به. وصححه الشيخ الألباني في "الإرواء" (3/ 41/ رقم: 583)، وفي "الصحيحة" (6/ 699 و 816). وفي رواية للأثر: "كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطؤوا بالمغرب، وعجَّلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق، فكان ابن عمر يصلّي معهم؛ لا يرى بذلك بأسًا". قال عبيد الله [العمري]: ورأيتُ القاسم وسالمًا يصلّيان معهم في مثل تلك الليلة".

متى يكون الإحرام بالحج؟

615 - وعن ابن شهاب الزهريّ، أنه قال: سألتُ سالم بن عبد الله: هل يُجْمَعُ بين الظهر والعصر في السَّفر؟ فقال: "نعم؛ لا بأس بذلك، ألم تَرَ إلى صلاةِ الناسِ بعرفة؟ ". صحيح. أخرجه مالك (1/ 12 - 13/ رقم: 358)، وعبد الرزاق (2/ 550/ رقم: 4414)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 165)، وفي "معرفة السنن والآثار" (2/ 444/ رقم: 1631). عن مالك، عن ابن شهاب به. وهذا إسناد صحيح جدًّا. * * * 616 - وعن هشامْ بن عروة، قال: "رأيتُ أبان بن عثمان يجمعُ بين الصلاتين في الليلةِ المطيرة -المغرب والعشاء-، فيصليها معه عروة بن الزبير، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن؛ لا ينكرونه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 234 - 235) أو (3/ 134/ رقم: 6323 - الرشد)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 169). من طريق: سليمان بن بلال، عن هشام به. وانظر لمزيد من الفائدة: "فقه الجمع بين الصلاتين في الحضر" للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان -وفقه الله-. * * * - متى يكون الإحرامُ بالحج؟: 617 - عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -، قال: "لا يُحْرِمُ بالحج إلَّا في أَشْهُرِ الحجِّ, فإنَّ من سُنَّةِ الحجِّ: أَنْ تُحْرِمَ بالحجِّ في أَشْهُرِ الحجِّ". صحيح. ذكره البخاريُّ معلَّقًا (3/ 490 - فتح) - 25 - كتاب الحج، (33)

الجمع بين الأختين بملك اليمين

باب قول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]. ولفظه: "من السُّنَّةِ: أن لا يُحرمَ بالحج إلا في أشهر الحج". ووصله: ابن خزيمة في "صحيحه " (2596)، وابن مردويه في "تفسيره" -كما في "تفسير ابن كثير" (1/ 332) -، والدارقطني في "السنن" (2/ 233، 234)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 448)، والبيهقي في "السنن الكبير" (4/ 343)، وابن حجر في "التغليق" (3/ 59). من طرق؛ عن الحكم بن عُتيبة، عن مقسم، عن عبد الله بن عباس به. وصحَّح إسناده الحافظ ابن كثير في "تفسيره" (1/ 332 - ط. دار الصديق) عند تفسير الآية 197 من سورة البقرة. والشيخ الألباني في "مختصر صحيح البخاري " (1/ 462/ رقم: 311). * * * - الجمع بين الأختين بملك اليمين: 618 - عن محمد بن شهاب الزهري، عن قَبيصة بن ذؤيب: أنَّ رجلاً سألَ عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عن الأختين من مِلْكِ اليمين؛ هل يُجْمَعُ بينهما؟ فقال عثمان - رضي الله عنه -: "أحَلَّتْهُمَا آيةٌ، وحرَّمتهما آيةٌ، فأما أَنَا؛ فلا أحبُّ أن أصنعَ ذلك". قال: فخرجَ من عنده، فلقي رجلًا من أصحابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فسأله عن ذلك، فقال: "لو كانَ في من الأمرِ شيءٌ، ثم وجدتُ أحدَا فَعَلَ ذلك؛ لجعلتُه نَكالاً". قال ابن شهاب: أراه عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -. صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (3/ 312/ رقم؛ 1233 - ط- الهلالي)، والشافعي في "مسنده" (1419 - ط. دار البشائر)، وفي "الأم" (6/ 6/ رقم: 2179 - ط. دار الوفاء)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 169) أو (6/

نهي الإمام أن يقف في الصلاة في مكان أرفع من المأمومين

66/ رقم: 16396 - ط. الرشد)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (3/ 913 - 914/ رقم: 5097)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (7/ 189/ رقم: 12728)، والبيهقي في "السنن الكبير" (7/ 163 - 164)، وفي "معرفة السنن والآثار" (5/ 291/ رقم: 4156). من طرق؛ عن مالك، عن ابن شهاب به. ومراده بالآيتين؛ آيتي النساء: الأولى: قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]. والآية التي حرمتهما: قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: 23]. تنبيه: نقل الحافظ ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "الاستذكار" (6/ 150 ط. مؤسسة النداء): أن قبيصة بن ذؤيب إنما كنى عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه-، لأنه كان (أي؛ قبيصة) يصحب عبد الملك بن مروان، وكانوا يستثقلون ذكر عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -". قلت: إن صحَّ هذا؛ فبئست الصُّحبة هذه، وبئس الإستثقال، ولا حول ولا قوة إلا بالله! * * * - نهي الإمام أن يقفَ في الصلاة في مكان أرفع من المأمومين: 619 - قال الإمام أبو داود السجستاني: حدثنا أحمد بن سنان، وأحمد بن الفرات أبو مسعود الرازي المعنى، قالا: حدثنا يعلى، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن همام: "أنَّ حُذيفةَ أمَّ الناسَ بالمدائنِ على دكانٍ، فأخذ أبو مسعود بقميصه فجبذه، فلما فرغ من صلاته، قال: "ألم تَعْلَمْ أنهم كانوا يُنْهَوْنَ عن ذلك؟!. قال: بلى؛ قد ذكرتُ حين مددتني".

الصوم والفطر في السفر

صحيح. أخرجه أبو داود (597)، وابن أبي شيبة (2/ 1262) والشافعي في "الأم" (1/ 152)، وابن خزيمة في "صحيحه" (1523)، وابن حبان في "صحيحه" (2143)، والبغوي في "شرح السُّنّة" (831)، والحاكم (1/ 210)، وابن الجارود في "المنتقى" (313)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 108). من طرق؛ عن الأعمش به. قال الحاكم؛ "حديث صحيح على شرط الشيخين "، ووافقه الذهبي. وصحَّح إسناده النووي في "المجموع " (3/ 108)، والألباني في "صحيح أبي داود" (3/ 149 - 151/ رقم: 610 - ط. غراس). * * * - الصوم والفطر في السَّفر: 620 - قال الإمام مسلم -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثني عمرو الناقد، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن الجُريري، عن أبي نَضرَة، عن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه --, قال: "كُنَّا نغزو مع رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؛ فمِنَّا الصَّائِمُ ومِنَّا المُفْطِرُ، فلا يَجِدُ الصائمُ على المُفطرِ، ولا المُفْطِرُ على الصائم؛ يَرَوْنَ أنَّ مَنْ وجَدَ قُوَّةَ فصامَ؛ فإن ذلك حَسَن، ويرَوْنَ أنَّ مَنْ وجَدَ ضَعْفَا فأفطَرَ؛ فإنَّ ذلك حَسَنٌ". أخرجه مسلم (116/ 96)، والنسائي في "المجتبى" (4/ 188) أو رقم (12308) و (2309) -أوله-، والترمذي (713)، والبغوي في "شرح السُّنَّة" (6/ 306 - 307/ رقم: 1763). من طرق؛ عن الجريري به. تنبيه: فات الشيخ شعيب الأرناؤوط -في تحقيقه على "شرح السُّنَّة"- والشيخان عليّ بن حسن الحلبي وسليم بن عيد الهلالي- في "صفة صوم النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان " (ص 58) - عَزو الحديث إلى مسلم، مع أنه معزو إليه في "تحفة الأشراف" (3/ 457/ رقم: 4325).

تزيين الجدر بالفرش والبسط

فقه الأثر: قال الحافظ في "الفتح" (4/ 220): "وهذا التفصيل هو المعتمد، وهو نص رافع للنزاع". وقال الإمام النووي في "المنهاج" (4/ 250): "هذا صريح بترجيح مذهب الأكثرين؛ وهو تفضيل الصوم لمن أطاقه بلا ضرر، ولا مشقَّة ظاهرة. وقال بعض العلماء: الفطر والصوم سواء، لتعادل الأحاديث. والصحيح قول الأكثرين، والله أعلم". * * * - تزيين الجدر بالفرش والبسط: 621 - قال الحافظ أبو القاسم الطبراني -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا معاذ بن المثنى، ثنا مسدد، ثنا بشر بن المفضل، عن عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن سالم (¬1) بن عبد الله، قال: "أعرستُ في عهد أبي، فآذن (¬2) أبي الناس = وكان أبو أيوب فيمن آذنَّا، وقد ستروا بيتي بنجاد (¬3) أخضر، فقال: يا عبد الله؛ أتسترون الجدر؟!. قال أبي -واستحيى-: غلبننا النساء يا أبا أيوب. قال: من خشي أن يغلبنه النساء، فلم أَخْشَ أن يغلبنك. ثم قال: لا أطعم لكم طعامًا، ولا أدخل لكم بيتًا. ثم خرج -رَحِمَهُ اللهُ-". أثر جيد لا بأس به. أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (4/ رقم: 3853)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 204/ رقم: 25252)، وابن عساكر في ¬

_ (¬1) في مطبوعة "المعجم الكبير": سلم! (¬2) في مطبوعة "المعجم الكبير": فأذن! (¬3) في مطبوعة "المعجم الكبير": ببجاد.

حكم من جامع امرأته وهو محرم

"تاريخ دمشق" (18/ 36 - 37 ط. دار إحياء التراث!)، ومسدّد -كما في "المطالب العالية" (رقم: 2223 - ط. العاصمة) - وابن حجر في "تغليق التعليق" (4/ 424). من طريق: عبد الرحمن بن إسحاق به. والأثر علَّقه البخاري في "صحيحه" (67) كتاب النكاح- 76 - باب: هل يرجع إذا رأى منكرًا في الدعوة؟ قال الهيثمي في "المجمع" (4/ 55): "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح ". قلت: وعبد الرحمن بن إسحاق متكلَّم فيه؛ بما خلاصته أنه: لا بأس به. وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق، رمي بالقدر". والأثر جوَّد إسناده الشيخ الألباني في "آداب الزفاف" (ص 201)، وفي "مختصر صحيح البخاري" (3/ 376/ رقم: 1121). * * * - حكم من وقع على امرأته وهو مُحْرِمٌ: 622 - عن أبي الطُّفَيل عامر بن واثلة: أنه كان في حَلَقةٍ معَ ابن عباس، فجاء رجل، فذكر أنه وقع على امرأتِهِ وهو مُحْرِمٌ، فقال له: "لقد أَتَيتَ عظيمًا". قال: والرجلُ يبحي، فقال: إن كانت توبتي أَنْ آمُرَ بنار فُأوجّجها، ثم ألقي نفسي فيها، فعلتُ. فقال: "إنَّ توبتك أيسرُ من ذلك؛ اقضِيَا نسككما، ثم ارْجِعَا إلى بلدكما، فإذا كان عامُ قَابِل؛ فاخْرُجَا حاجَّينِ، فإذا أَحْرَمْتُمَا فتفرَّقا، فلا تلتَقِيَا حتى تقضِيَا نسككما، واهدِيا هَدْيًا". صحيح. أخرجه علي بن حِجر السَّعدي في حديثه عن إسماعيل بن جعفر المدني (114)، ومن طريقه البغوي في "شرح السُّنَّة" (7/ 281/ رقم: 1996)، والبيهقي في "السنن الكبير" (5/ 167).

عن حُميد، عن أبي الطُّفيل به. وإسناده صحيح. فقه الأثر: قال الإمام الحسين بن مسعود البغوي -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرح السُّنَّة" (7/ 282 - 283): "إذا جامع المحرمُ امرأتَه قبل التَّحَلُّلِ فسد حجُّه، سواء أكان قبل الوقوف بعرفة أو بعده، وعليه بَدَنةٌ، فيجب عليه المضيُّ في الفاسدِ، ثم عليه القضاءُ من قابِلٍ، وإن كانت المرأةُ محرِمَةَ وطاوعت فعليها القضاءُ أيضًا، وعليها الهديُ عند أكثر أهل العلم كما على الرجل، والمشهور من قولي الشافعي: أنه لا يجب إلا هديٌ واحدٌ، وهو على الرجلِ، كما قال في كفَّارةِ الجماع في نهار رمضان. وإذا خرَجَا في القضاءِ يفترقانِ حذَرًا عن مثل ما وقع في الأداء. ولو جامع بين التحلُّلين لا يَفْسُدُ حجُّه، وعليه الفدية، ولا قضاء عليه عند أكثر أهل العلم. ثم تلك الفدية: بدَنَة أم شاة؟ اختلفوا فيه؛ رُوي عن ابن عباس أنه أمر بنحر بدَنة، وهو قول عكرمة وعطاء، وذهب أصحابُ الرأي إلى أنه إِنْ جَامَعَ قبل الوقوف فسد حجُّه وعليه شاة، وإِنْ جَامَعَ بعد الوقوف لا يفسد حجُّه وعليه بدَنة. وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن جامع بعد رمي جمرة العقبة والحلق قبل طواف الزيارة؛ عليه القضاء؛ روي ذلك ابن عمر، وهو قول الحسن وإبراهيم. ولو قَبْلَ المحرمُ امرأتَه أو باشر فيها (¬1) دونَ الفرج لم يفسد حجُّه، وعليه دمُ شاةِ، سواءٌ أَنْزَلَ أم لم يَنْزِلْ. وقال مالك: إِنْ أَنْزَلَ فسد حجُّه، وعليه القضاءُ والهَدْيُ، ولو أنزل بفكرة أو نظر أو احتلام؛ فلا شيء عليه. ¬

_ (¬1) هكذا في المطبوع، والذي استظهرهُ أنها: فيما. والله أعلم.

استحباب تعجيل الفطر

وإذأ أفسد القارِنُ نسكه بالجماع فعليه المضي في الفاسد حتى يتمَّه، وعليه بدَنة لإفساده، وهَدْيٌ لقرانه، وعليه القضاء من قابل قارنًا" اهـ، قلت؛ وفيه فائدة لغوية، وهي: إطلاق لفظ (القضاء) على الإتمام، ففي قوله: "اقضيا نسككما"، وقوله: "حتى تقضيا نسككما": أي: تُتِمَّا. ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10] الآية. وقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ} [البقرة: 200]. وقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا} [النساء: 103] الآية. * * * - استحباب تعجيل الفِطر: 623 - قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبيه، قال: كنت جالسًا عند عمر؛ إِذْ جاءه رَكبٌ من الشام، فطفق عمر يستخبر عن حالِهم، فقال: "هل يُعَجِّلُ أهلُ الشامِ الفِطْرَ؟ ". قال: نعم. قال: "لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك، ولم ينتظروا النجومَ انتظار أهلِ العراقِ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (4/ 225/ رقم: 7589). * * * 624 - وروى عبد الرزاق، عن الثوري، عن طارق بن عبد الرحمن، عن ابن المسيّب، قال: "كتَبَ عمر إلى أمراءِ الأمصارِ: أَنْ لا تكونوا من المُسَوِّفِينَ بفطركم، ولا المنتظرين بصلاتكم اشتباك النجوم". حسن. أخرجه عبد الرزاق (4/ 225/ رقم: 7590). وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 21/ رقم: 9031 - ط. الرشد) من

طريق: أبي الأحوص، عن طارق به. وإسناده حسن. طارق بن عبد الرحمن البجلي: صدوق حسن الحديث، فقد وثَّقه كثير، وإن تكلم فيه بعض الحفاظ؛ فقد أخرج له البخاري من روايته عن سعيد بن المسيّب. ورواية سعيد بن المسيّب عن عمر - رضي الله عنه - تحمل على الإتصال - كما كنت بيَّنتهُ في الجزء الأول من هذه السلسلة، انظر: (1/ 139 - 140) - وزد عليه: أن البخاري أخرج له عن عمر بن الخطاب في "صحيحه" (4454). وقد رأيتَ في الأثر السابق أنه روى عن أبيه، عن عمر - رضي الله عنه -، فالظاهر أنه لا يروي عن عمر إلا ما سمعه، أو رآه، أو كان محمولًا على السماع، وغير ذلك؛ فإنه يذكر الواسطة بينهما، والله أعلم. * * * 625 - وروى عبد الرزاق، عن الثوري، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون الأودي، قال: "كان أصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وآله وسلم - أسرعَ الناسِ إفطارًا، وأبطَأَهم سحورًا". أخرجه عبد الرزاق (4/ 226/ رقم: 7591)، والبيهقي في "السنن الكبير" (4/ 398/ رقم: 8218 - ط. الرشد) من طريق: سفيان الثوري به. وقال الهيثمي في "المجمع" (3/ 154): "رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح". وصحَّح إسناده الحافظ ابن حجر في "الفتح" (4/ 199). وفي الباب آثار أخرى، سنوردها -إن شاء الله تعالى- في هذه السلسلة المباركة. وهذه الآثار موافقة لما ثبت في صحيح السُّنَّة المرفوعة: من الأمر بتعجيل الفطر وتأخير السحور، وفق الله المسلمين للإلتزام بهذه السُّنَّة.

صيام أيام التشريق

- صيام أيَّام التشريق: 626 - قال الإمام البخاري: حدثنا محمد بن بشَّار، حدثنا غُندَر، حدثنا شعبة: سمعت عبدَ الله بن عيسى، عن الزهريّ، عن عروة، عن عائشة. وعن سالم، عن ابن عمر - رضي الله عنه -، قالا: "لم يُرَخَّصْ في أيامِ التشريقِ أنْ يُصَمْنَ إلَّا لمن لم يَجِدِ الهَدْيَ". أخرجه البخاري في "صحيحه" (1997، 1998). * * * 627 - وقال البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن ابن عمر - رضي الله عنهما -، قال: "الصِّيامُ لمن تَمَتَّعَ بالعمرةِ إلى الحجِّ إلى يومِ عرفة، فإن لم يجِدْ هَدْيًا ولم يَصُمْ؛ صامَ أيامَ منًى". أخرجه البخاري (1999). * * * 628 - قال البخاري: وقال في محمد بن المثنَّى: حدثنا يحيى، عن هشام، قال: أخبرني أبي: "كانت عائشةُ - رضي الله عنها - تصومُ أيامَ منًى، وكان أبوها يصومُها". أخرجه البخاري (1996). فقه الآثار: قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (4/ 285): "قوله (باب أيام التشريق): أي: الأيام التي بعد يوم النحر. وقد اختُلِفَ في كونها يومين أو ثلاثة. وسُمِّيت أيام التشريق: لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها- أي: تنشر في الشمس. وقيل: لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس. وقيل: لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس. وقيل: التشريق: التكبير دُبر كلّ صلاة. وهل تلتحق بيوم النحر في ترك الصيام كما تلتحق به في النحر وغيره من أعمال الحج، أو يجوز صيامها مطلقًا، أو للمتمتع خاصة، أو له ولمن هو في معناه؟

صيام الدهر

وفي كل ذلك اختلاف للعلماء، والراجح عند البخاري: جوازها للمتمتع. فإنه ذكر في الباب حديثي عائشة وابن عمر في جواز ذلك، ولم يورد غيره. وقد روى ابن المنذر وغيره، عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة: الجواز مطلقًا. وعن علي وعبد الله بن عمرو بن العاص: المنع مطلقًا، وهو المشهور عن الشافعي. وعن ابن عمر، وعائشة، وعبيد بن عمير في آخرين: منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي، وهو قول مالك والشافعي في القديم. وعن الأوزاعي وغيره؛ يصومها أيضًا المحصر والقارن. وحُجَّةُ من منع: حديث نبيشة الهذلي عند مسلم مرفوعًا: "أيامُ التشريقِ أيامُ أكلِ وشُربٍ". وله من حديث كعب بن مالك: "أيام منًى أيام أكل وشرب". ومنها: حديث عمرو بن العاص أنه قال لابنه عبد الله في أيام التشريق: "إنها الأيام التي نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صومِهنَّ، وأمر بفطرهنَّ ". أخرجه أبو داود، وابن المنذر، وصحَّحه ابن خزيمة والحاكم" اهـ. * * * - النهي عن صيام الدَّهر: 629 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا وحيع، عن أبي خالد، عن أبي عمرو الشيباني، قال: بلغَ عمر أنَّ رجلًا يصومُ الدَّهْرَ، فَعَلَاهُ بالدُّرَّةِ، وجعل يقول: "كل يا دهر، كل يا دهر". أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (4/ 127 /رقم: 9643 - ط. الرشد). وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (4/ 298/ رقم: 7871) عن ابن عيينة، عن هارون بن سعد، عن أبي عمرو الشيباني، قال: كنَّا عند عمر بن الخطاب، فأُتِيَ بطعامٍ له، فاعتزل رجل من القوم، فقال: "ما له "؟ قالوا: إنه صائم. قال: وما صومه؛ قال: الدهر. قال: فجعل يقرع رأسه بقناة معه، ويقول: "كُلْ يا دهر، كُلْ يا دهر".

القرآن كلام الله

وصحَّح الحافظ ابن حجر إسناد ابن أبي شيبة، انظر: "فتح الباري" (4/ 261) عنو الحديث رقم (1977). فقه الأثر: فيه النهي عن صيام الدهر، وفي ذلك وردت أحاديث كثيرة، أهمها قصة عبد الله بن عمرو بن العاص، ونهي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إياه عن صوم الدهر؛ انظر: البخاري (1976، 1977)، ومسلم (1159). * * * - القرآن كلامٌ الله: 630 - قال الإمام أبو محمد عبد الله بن بهرام الدارمي -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا إسحاق، حدثنا جرير، عن ليث، عن سلمة بن كُهيل، عن أبي الزَّعْرَاءِ قال: قال عمر بن الخطاب: "إنَّ هذا القرآنَ كلامُ اللهِ، فلا أَعْرِفنَّكم ما عطفتموه على أهوائكم". حسن لغيره. أخرجه الدارمي أبو محمد ابن بهرام في "مسنده" (4/ 2111/ رقم: 3398 - ط. الداراني)، والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/ 591 - 592/ رقم: 521) - بلفظ: "القرآن كلام الله "- وعبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (1/ 144، 145/ رقم؛ 117، 118) - مثل لفظ البيهقي-، وعثمان بن سعيد الدارمي في "الرد على الجهمية" (304)، والآجري في "الشريعة" (1/ 215 - 216/ رقم: 168 ط. الوليد سيف النصر) - ولفظه عنده: "القرآن كلام الله؛ فلا تصرفوه على آرائكم "-، وابن بطة في "الإبانة"- الكتاب الثالث/ الرد على الجهمية (1/ 247 - 248، 249/ رقم: 21، 22). من طريق: جرير بن عبد الحميد به. وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف ليث بن أبي سليم. وأبو الزعراء؛ اسمه: عبد الله بن هانئ؛ وثقه العجلي وابن سعد، وقال البخاري: "لا يتابع على حديثه". قلت: فمثله يعتبر به في الشواهد.

والأثر أخرجه: البيهقي في "الإعتقاد" (ص 109 - ط. أبي العينين)، وفي "الأسماء والصفات" (1/ 592/ رقم: 523) من طريق: عثمان بن خرزاذ، ثنا خالد بن خراش، قال: حدثني ابن وهب، أنا يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: قال عمر - رضي الله عنه -: "القرآن كلام الله". وهو منقطع؛ فالزهري لم يدرك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. وأخرجه أحمد في "الزهد" (ص 35) من طريق: رشدين بن سعد، عن الزهري به، ولفظه: "إن هذا القرآن كلام الله؛ فضعوه على مواضعه، ولا تتبعوا فيه أهواءكم". وهو ضعيف منقطع. وأخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 215/ رقم 167)، وابن بطة في "الإبانة، (1/ 249 - 255/ رقم: 23) -الرد على الجهمية-، من طريق: محمد بن عبد المجيد التميمي، قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن الحسن بن عبيد الله النخعي، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي، قال: سمعتُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول على منبره: "أيها الناس؛ إن هذا القرآن كلام الله؛ فلا أَعْرِفَنَّ ما عطفتموه على أهوائكم، فإن الإسلامَ قد خضعت له رقابُ الناس، فدخلوه طوعًا وكرهًا، وقد وُضِعَتْ لكم السُّنن، ولم يُترَكْ لأحدٍ مقالًا؛ إلا أن يكفر عبدٌ عَمْدَ عينٍ، فاتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم؛ اعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه". وهذا إسناد رجاله ثقات غير محمد بن عبد المجيد التميمي، فقد قال الخطيب في "تاريخه " (2/ 392): "أخبرنا علي بن محمد الدقاق، قال: قرأنا على الحسين بن هارون، عن ابن سعيد، قال: سمعتُ محمد بن غالب يقول: كان محمد بن عبد المجيد آية منكرًا. قلت: إنه ضعيف". وتصحَّف اسمه في مطبوعة "الإبانة" إلى: محمد بن عبد الحميد! فقال محققه: "محمد بن عبد الحميد التميمي: لم أجد له ترجمة"! خلاصة القول: أن الأثر حسن بهذه الشواهد، والله تعالى أعلم.

الخطبة قبل الصلاة يوم العيد من المحدثات

- الخطبة قبل الصلاة يوم العيد من المحدثات: 631 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: أخبرني زيد، عن عِيَاض بن عبد الله بن أبي شرح، عن أبي سعيد الخُدري، قال: "كان رسولُ الله -عَزَّ وَجَلَّ- يَخْرُجُ يومَ الفِطْرِ والأضحى إلى المُصَلَّى؛ فأوَّلُ شيء يبدأ به: الصلاة، ثم ينصرفُ، فيقومُ مقابلَ الناس، والناسُ جلوسٌ على صفوفهم، فيَعِظُهم ويوصيهم ويأمرُهم، فإن كان يريدُ أن يَقْطَعَ بعثًا قطعه، أو يأمرَ بشيءٍ؛ أَمَرَ به، ثم ينصرف. قال أبو سعيد: فلم يزلِ الناسُ على ذلك حتى خرجْتُ مع مروان -وهو أمير المدينة- في أضحى أو فِطْرِ، فلما أتينا المُصَلَّى؛ إذا منبر بناه كثير بن الصَّلت، فإذا مروان يريدُ أن يَرْتَقِيَهُ قبل أن يُصَلِّيَ، فجبذتُ بثوبه؛ فجبذني، فارتفع فخطب قبل الصلاة. فقلتُ له: غيَّرْتُمْ -واللهِ-! فقال: أبا سعيد! قد ذهبَ ما تعلم! فقلتُ: ما أعلم- والله- خيرٌ مما لا أعلم. فقال: إنَّ الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتُها قبل الصلاة". أخرجه البخاري (956). وأخرجه مسلم (889)، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، وقُتيبة، وابنُ حُجر، قالوا: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن داود بن قيس، عن عياض بن عبد الله بن سعد، عن أبي سعيد الخدري: أن رسولَ الله -عَزَّ وَجَلَّ- كان يخرجُ يومَ الأضحى ويومَ الفطر؛ فيبدأ بالصلاة، فإذا صلّى صلاتَه وسلَّم؛ قام فأقبل على الناس، وهم جلوسْ في مصلَّاهم، فإن كان له حاجة ببَعْثٍ؛ ذكره للناس، أو كانت له حاجة بغير ذلك؛ أمرهم بها، وكان يقول: "تَصَدَّقوا، تصدَّقوا، تصدَّقوا"- وكان أكثر من يتصدَّقُ النساءُ-، ثم ينصرفُ. فلم يزل كذلك حتى كان مروان بن الحكم؛ فخرجتُ مخاصرًا مروان، حتى أتينا المصلَّى، فإذا كثير بن الصلت قد بنى منبرًا

من طين ولَبِنٍ، فإذا مروان ينازعني يده؛ فإنّه يجرُّني نحو المنبر، وأنا أجرُّه نحو الصلاة، فلما رأيتُ ذلك منه قلتُ: أين الإبتداءُ بالصلاة؟ فقال: لا؛ يا أبا سعيد؛ قد تُرِكَ ما تعلمُ. قلت: كلَّا؛ والذي نفسي بيده؛ لا تأتون بخير مما أعلم. -ثلاث مِرَارٍ- ثم انصرف". وأخرج مسلم (49)، وأحمد (3/ 10، 20، 49)، وأبو داود (1140) و (4340)، والترمذي (2172)، والنسائي في "المجتبى" (5023، 5024) - المرفوع منه- وابن ماجه (1275، 4013) وغيرهم. من طريق: قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبى سعيد الخدري، قال: "أخرج مروان المنبر في يوم عيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل، فقال: يا مروان؛ خالفتَ السُّنَّةَ؛ أخرجتَ المنبر في يوم عيد؛ ولم يكن يُخرج فيه، وبدأتَ بالخطبة قبل الصلاة؛ ولم يكن يُبْدَأُ بها. فقال أبو سعيد: من هذا؟ قالوا: فلان بن فلان. فقال: أما هذا؛ فقد قضى ما عليه؛ سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رأى منكرَا؛ فاستطاع أن يُغَيِّرَهُ بيده؛ فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه؛ وذلك أضعف الإيمان". - فقه الأثر: فيه: أن أول من خطب قبل الصلاة في العيد هو مروان بن الحكم. وفيه: أن الخطبة في العيد تكون على الأرض، لا على المنبر، لأنه يشير إلى أن هذا لم يكن قبل أن يتخذه مروان. وفيه: الخروج إلى المُصلَّى يوم العيد؛ وأنه السُّنَّة، بخلاف ما هو حاصل في زماننا من صلاة الناس العيد في المساجد! وللشيخ ناصر الدين الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- رسالة نفيسة جميلة في هذا الباب: "صلاة العيدين في المصلَّى خارج البلد هي السُّنَّة". وفَّق الله ولاة الأمر، والعلماء، والدعاة، والمفتين، والمسلمين، لإحياء هذه السُّنَّة.

التنفل بالصلاة قبل صلاة العيد وبعدها

وفيه: إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السُّنة. وانظر: "فتح الباري" (2/ 522). وفيه: إنكار المنكر، وبيان السُّنَّة -بعلم وحكمة-. تنبيه: أثر الباب مغاير للأثر الذي أوردته فيما بعد؛ فالأول فيه: أن المنكِرَ هو أبو سعيد الخدري. والثاني: غيره. قال الحافظ في "الفتح": "فيحتمل أن يكون هو أبا مسعود الذي وقع في رواية عبد الرزاف أنه كان معهما، ويحتمل أن تكون القصة تعدَّدَتْ، ويدل على ذلك: المغايرة الواقعة بين روايتي عياض ورجاء؛ ففي رواية عياض: أن المنبر بُني بالمصلَّى. وفي رواية رجاء: أن مروان أخرج المنبر معه. فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعد وأمر ببنائه من لبن وطين بالمصلَّى، ولا بُعد في أن ينكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى، ويدل على التغاير أيضًا: أن إنكار أبي سعيد وقع بينه وبينه، وإنكار الآخر وقع على رؤوس الناس" اهـ. * * * - التنفُّل بالصلاة قبل صلاة العيد وبعدها: 632 - روى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، قال: "رأيتُ أنس بن مالك، والحسن يُصَلِّيَانِ قبلَ صلاةِ العيدِ". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 271/ رقم: 5601). وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 39/ رقم: 5807 - ط. الرشد) عن إسماعيل ابن عُلَيَّة، عن أيوب به. وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 256/ رقم: 2139) عن سفيان، عن أيوب به. وأخرجه البيهقى في "السنن الكبير" (3/ 303) من طريق: بشر بن موسى، ثنا أبو زكريا يحيى بن إسحاق، ثنا جرير بن حازم، عن أيوب، قال: "رأيتُ

أنس بن مالك يجيءُ يوم العيد؛ فيصلِّي قبل خروج الإمام". * * * 633 - وروى عبد الرزاق، عن ابن التيمي، عن أبيه، قال: "رأيتُ أنسَ بن مالك، والحسن، وأخاه سعيدًا، وجابر بن زيد أبا الشعثاء؛ يُصَلُّونَ يوم العيد قبل خروج الإمام". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 272/ رقم: 5602)، وابن أبي شيبة (3/ 39/ رقم: 5809 - الرشد)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 303). من طريق: سليمان بن طَرخان التيمي به. * * * 634 - وعن نافع، عن ابن عمر: "أنه كان لا يُصَلِّى قبلَ العيدين ولا بعدهما شيئًا". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (522) أو (2/ 93 - 94/ رقم: 478 - ط. سليم الهلالي)، والشافعي في "المسند" (1145) وفي "الأم" (8/ 705 / رقم: 3908 - ط. دار الوفاء) وعبد الرزاق في "المصنف" (3/ 274، 275/ رقم: 5611 و 5612 و 5614) - وزاد في الموضع الثاني: "كان لا يصلي يومئذِ حتى يتحول النهار"- والفريابي في "أحكام العيدين" (رقم: 158، 159، 160، 161، 162، 178)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (3/ 36/ رقم: 5688)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 266/ رقم: 2123)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (3/ 53/ رقم: 1931). كلهم؛ من طرق؛ عن نافع به. وأخرج أحمد (2/ 57) أو (رقم: 5212 - الرسالة)، والترمذي (538)، وابن أبي شيبة (3/ 34/ رقم: 5682)، والحاكم (1/ 295) من طريق: وكيع، حدثنا أبان بن عبد الله البجلي، عن أبي بكر بن حفص، عن ابن عمر: "أنه خرج يومَ عيدِ؛ فلم يُصَل قبلها ولا بعدها، فذكر أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فعَلَهُ".

وهذا إسناد حسن؛ لأجل أبان بن عبد الله البجلي. والأثر حسنَّه الشيخ الألباني في "الإرواء" (3/ 99). * * * 635 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا هُشيم، عن أبي بِشْر، عن سعيد بن جُبير، قال: "كنتُ معه جالسًا في المسجد الحرام يوم الفِطر، فقام عطاء يُصَلّي قبل خروج الإمام، فأرسلَ إليه سعيد: أن اجْلِس. فجلس عطاء. قال: فقلتُ لسعيد: عمَّنْ هذا يا أبا عبد الله؟؛ فقال: عن حُذيفةَ وأصحابه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 35/ رقم: 5785 - ط. الرشد). وإسناده صحيح؛ ورواية هُشيم عن أبي بشر محمولة على الإتصال. وأخرج عبد الرزاق (3/ 274/ رقم: 5609) عن ابن جريج، قال: أخبرني حسن بن مسلم: "أن سعيد بن جبير كان لا يُصلي قبل خروج الإمام". وإسناده صحيح. * * * 636 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا مروان بن معاوية، عن إسماعيل بن سُميع، عن علي بن أبي كثير: أنَ أبا مسعود الأنصاري كان إذا كان يوم أضحى أو يوم فطر، طاف في الصفوف، فقال: "لا صلاةَ إلا مع الإمام". أثر حسن صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 36/ رقم: 5786). وإسناده حسن. وأخرجه ابن أبي شيبة (3/ 36/ رقم: 5787)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 268 - 269/ رقم: 2141) من طريق: أشعث بن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي: أنَّ أبا مسعود الأنصاري قام في يوم عيد، فقال: "إنه لا صلاة في هذا اليوم حتى يخرج الإمام". واللفظ لابن أبي شيبة.

637 - روى عبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: "سألتُ عطاء عن الصلاةِ قبل خروجِ الإمامِ من يومِ الفِطْر؟ قال: إذا طلعتِ الشمسُ؛ فَصَل". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 271/ رقم: 5598). وإسناده صحيح. * * * 638 - وروى عبد الرزاق، عن سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: "كان لا يصلّي قبل العيدين شيئًا، ويصلّي بعدهما أربعًا". صحيح. أخرجه عبد الرزاق (3/ 275/ رقم: 5619). وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (37/ 3/ رقم: 5798) من طريق: جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: "كان علقمة يجيء يوم العيد، فيجلس في المصلَّى، ولا يصلَّي حتى يصلَّي الإمام، فإذا صلّى الإمام؛ قام فصلَّى أربعًا". وإسناده صحيح. وأخرجه (3/ 37/ رقم: 5801) من طريق: حفص بن غياث، عن الأعمش، عن إبراهيم: عن علقمة وأصحاب عبد الله "أنهم كانوا يصلّون بعد العيد أربعًا". * * * 639 - وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: "ما علِمنَا أحدًا كان يُصَلِّي قبل خروج الإمام يوم العيد ولا بعده". صحيح. أخرجه عبد الرزاق (3/ 275/ رقم: 5615). * * * 640 - وروى مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه: "أنه كان يُصلِّي في يوم الفطرِ قبل الصلاةِ في المسجد". صحيح. أخرجه الإمام مالك في "الموطأ" (2/ 95/ رقم: 481 - ط.

نهي عمر بن عبد العزيز القصاص عما أحدثوه من الصلاة على أمرائهم وخلفائهم

الشيخ سليم الهلالي) والإمام الشافعي في "الأم" (7/ 249)، والبيهقي في "معرفة السنن والآثار" (3/ 53/ رقم: 1932)، من طريق: مالك به. خلاصة هذه الآثار: أن الأمر فيه سَعَة -إن شاء الله تعالى-، وأنه صحّ عن الصحابة والتابعين الصلاة قبل العيد وبعده، وقبله فقط، وبعده فقط، ومنع قوم الصلاة (نفلاً) مطلقًا قبل وبعد العيد. وبقي آثار أخرى في الباب، اكتفينا بهذا المقدار منها، والله أعلم. * * * 641 - قال الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حسين بن علي، عن جعفر بن بُرقان، قال: "كتب عمر بن عبد العزيز: أمَّا بعدُ؛ فإن أُناسَا من الناسِ التمسوا الدنيا بعمل الآخرة، وإنَ أناسَا من القُصَّاصِ قد أَحدَثوا من الصَّلاةِ على خُلفائهم وأمرائهم عَدلَ صلاتِهم على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإذا أتاكَ كتابي هذا؛ فَمُرْهُم أنْ يكونَ صلاتُهم على النبيِّين، ودعاؤهم للمسلمينَ عَامَّةَ، وَيدَعُونَ ما سوى ذلك". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 418 - الهندية) أو (12/ 337/ رقم: 36102 - الرشد) ومن طريقه القاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي في "فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -" (رقم: 76). قال الشيخ الألباني في تحقيقه على "فضل الصلاة" (ص 68/ رقم: 76): "إسناده مقطوع صحيح". قلت: الحسين بن عليّ هو: ابن الوليد أبو عبد الله الجعفي الكوفي، وهو ثقة. فقه الأثر: فيه: فقه وعلم عمر بن العزيز -رَحِمَهُ اللهُ- الخليفة الزاهد، وحرصه على السُّنة، وإنكاره للمحدثات، وعدم إهماله لها، وتتبُّع أمور رعيّته، في كبير الأمور وصغيرها.

ترك الوضوء مما مست النار

وفيه: أن دعاء الخطباء والقصَّاصِ للأمراء والملوك خلاف السُّنَّةِ، بل الأصل الدعاء لجميع المسلمين دون تخصيص. والله أعلم. * * * - ترك لوضوء ممَّا مسَّتِ النار: 642 - روى الإمام مالك، عن موسى بن عُقبة، عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري: "أنَّ أنس بن مالك قَدِمَ من العراقِ، فدخل عليه أبو طلحة وأُبي بن كعب، فقَرَّب لهما طعامَا قد مَستْهُ النارُ، فأكلوا منه. فقام أنسٌ فتوضأ. فقالَ أبو طلحة وأُبَي بن كعب: ما هذا يا أنس؟! أعِرَاقية؟ فقال أنس: ليتني لم أفعل. وقام أبو طلحة وأُبي بن كعب فَصَلَّيَا ولم يتوضَّئَا". حسن. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 257 - 258/ رقم: 60 - ط. الشيخ سليم الهلالي) وابن المنذر في "الأوسط" (1/ 222/ رقم: 120)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 158)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 69). من طريق: مالك به. موسى بن عُقبة؛ هو صاحب المغازي؛ ثقة. وعبد الرحمن بن زيد؛ ذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 88)، والبخاري في "التاريخ الكبير" (5/ 284)، وابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/ 233) باسم: عبد الرحمن بن زيد بن عقبة بن كريم. قال ابن أبي حاتم: "يُعدُّ في أهل المدينة، روى عن أنس بن مالك. روى عنه عمرو بن يحيى، وموسى بن عقبة، وبكير بن الأشج. سمعتُ أبي يقول ذلك. نا عبد الرحمن، قال: سألتُ أبي عنه، فقال: ما بحديثه بأس". وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (5/ 103/ رقم: 4632 ط. الشيخ أبو غدة): "عبد الرحمن بن زيد الأنصاري، روى عن أنس حديثًا في ترك الوضوء ممّا مسَّت النار.

قال ابن عبد البرّ في "الاستذكار": ليس بمشهور بحمل العلم، لكنه روى عنه جماعة". قلت: وقال الحافظ ابن عبد البرّ في "التمهيد" (2/ 122 - الطبعة المرتَّبة، طبعة دار الفاروق المصرية): "وقد روى هذه القصة عن عبد الرحمن بن زيد جماعة من أهل المدينة. أخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي، قال: أخبرني أبي، قال: حدثنا محمد بن فطيس، قال: حدثنا بكر بن نصر، قال: حدثنا بشر بن بكر، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثنا أسامة بن زيد الليثي، قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد الأنصاري، قال: حدثني أنس بن مالك، قال: "بينا أنا وأبو طلحة الأنصاري وأُبي بن كعب؛ أتينا بطعام ساخن، فأكلتُ ثم نمتُ، فتوضأتُ، فقال أحدهما لصاحبه: أعراقية! ثم انتهراني. فقلتُ: إنهما أفقه مني". وأخرجه الحافظ عبد الرزاق الصنعاني في "مصنفه" (1/ 170/ رقم: 659) من طريق: محمد بن راشد، قال: أخبرني عثمان بن عمر التيمي، عن عقبة بن زيد، عن أنس، قال: "قدمتُ المدينة، فتعشيتُ مع أبي طلحة قبل المغرب- وعنده نَفرٌ من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم أُبي بن كعب- فحضرتِ المغرب، فقمتُ أتوضأ، فقالوا: ما هذه العراقية التي أحدثتها! مِنَ الطئبات تتوضَّأ؟! فصلُّوا جميعَا، ولم يتوضَؤُوا". وعلق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي على إسناده: "كذا في الأصل، ولم أجد عقبة بن زيد في كتب الرجال، ولعل الصواب: موسى بن عقبة، عن عبد الرحمن بن زيد -كما في الموطأ-" فقه الأثر: قوله: "أعراقية": يعني: أبِالعراق استفدتَ هذا الحكم، وتركتَ عمل أهل المدينة المتلقَّى عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ فيه: جواز الإنكار في مسائل الخلاف، ولو كانت هذه المسائل فقهية؛ خلافا لما يروّجه بعض الجهلة من أنه: (لا إنكار في مسائل الخلاف)!

فضل العلماء

وانظر: "حكم الإنكار في مسائل الخلاف" للدكتور فضل إلهي، فإنه كتاب نفيس. وفيه: حرص الصحابة- رضي الله عنهم - على التمسُّك بالسُّنَّة والرجوع إلى الحق والتزامه. * * * - فضل العلماء: 643 - قال الحافظ أبو بكر الآجُري: أنبانا أبو أحمد هارون بن بوسف، أنبانا ابن أبي عمر، أنبانا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، قال: سمعتُ ابنَ مسعود يقول: "هل تدرون كيف ينقصُ الإسلام؟ قالوا: كيف؟ قال: كما يُنْقِصُ الدَّابَّةَ سمنُها، وكما ينقصُ الثوبُ عن طولِ اللبس، وكلما ينقصُ الدرهمُ عن طول الخَبْتِ. وقد يكون في القبيلةِ عالمان؛ فيموتُ أحدُهما؛ فيذهبُ نصفُ علمهم، ويموتُ الآخرُ؛ فيذهبُ علمهم كلُّه". صحيح. أخرجه الآجري في "أخلاق العلماء" (21). وعلَّقه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (1/ 154/ رقم: 147)، قال: "وقال إسحاق: نا حماد بن زيد، عن عاصم، عن أبي وائل .. " به. * * * - تفسير دلوك الشمس: 644 - روى الإمام مالك، عن نافع: أنَّ عبد الله بن عمر كان يقول: "دلوكُ الشمسِ: ميلُها". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (1/ 204 - 205/ رقم: 23 - ط. الهلالي). وأخرجه ابن أبي شيبة (2/ 235، 236) أو (3/ 135، 136/ رقم:

6327، 32 " 6 - ط 0 الرشد) أو (2/ 44، 45/ رقم: 6272، 6277 - العلمية)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 322/ رقم: 936)، وابن جرير الطبري في تفسيره "جامع البيان" (15/ 91)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 358، 364). من طرق؛ عن نافع به. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 543/ رقم: 2052)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 322/ رقم: 935) من طريق: معمر، عن الزُّهري، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: "دلوك الشمس: زياغها بعد نصف النهار؛ فيذلك وقت الظهر". * * * 645 - قال الإمام أبو جعفر الطبري: حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: ثنا هُشيم، عن مغيرة، عن الشَّعبي، عن ابن عباس، قال في قوله: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ}، قال: "دلوكُها: زوالُها". صحيح. أخرجه ابن جرير الطبري في "تفسيره" (15/ 91)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 322 - 323/ رقم: 937). من طريق: أبي عوانة -عند ابن المنذر- عن المغيرة بن مقسم الضبّي به. وصحَّ عنه - رضي الله عنه - خلاف هذا التفسير: * * * 464 - فقد روى ابن أبي شيبة، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن منصور: عن مجاهد، عن ابن عياس: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [الإسراء: 78]، قال: "دلوكُها: غروبُها". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 135/ رقم: 6328 - الرشد)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (15/ 90)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 323/ رقم: 941).

من طريق: سفيان الثوري به. ومنصور: هو ابن المعتمر. * * * 647 - وقال ابن أبي شيبة: حدثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، عن أبي إسحاق، عن عليّ، قال: "دلوكُها: غروبُها". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 137/ رقم: 6337)، وابن المنذر في "الأوسط" (2/ 323/ رقم: 939). من طريق: إسحاق بن سليمان به. وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات. وأبو إسحاق، هو: السَّبيعي. وأبو سنان؛ هو: سعيد بن سنان الشيباني الأصغر. وهو ثقة؛ خلافًا لقول الحافظ في "التقريب": "صدوق له أوهام"! فقد وثَّقه جمع، ولم يتكلم فيه إلا ابن عدي. وقال أحمد: ليس بالقوي. لكن جُلَّ النقاد على توثيقه -كما تجده في ترجمته من "التهذيب"-. * * * فقه الآثار: فيه تفسير الدلوك، وقد اختلف الصحابة في تفسيره -كما رأيت-. قال البطليوسي في "مشكلات الموطأ" (ص 43): "واختُلِفَ في الدلوك؛ يروى عن ابن عباس: أنه الغروب. وكذلك روي عن ابن مسعود. وقال ابن عمر: هو الزوال. وكلاهما صحيح، حكاهما أهل اللغة؛ لكن الأظهر أن يكون الزوال".

الوطأ على العذرة

- الوطأ على العَذِرة: 648 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا حفص بن غِياث، عن الأعمش، عن يحيى بن وثَّاب، قال: سُئِلَ ابنُ عباس: عن رجلٍ خرج إلى الصلاة، فوطأ على عَذِرَة؛ قال: "إن كانت رطبة؛ غسَلَ ما أصابه، وإن كانت يابسة؛ لم تضرّه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة "في "مصنفه" (1/ 55) أو (1/ 104/ رقم: 613 - ط. الرشد). وإسناده على شرط الصحيح. وقد أَمِنَّا تدليس الأعمش، لأنه من رواية حفص بن غِياث عنه، وقد قال القطان: حفص أوثق أصحاب الأعمش. وقد ارتضى البخاريُ روايته عن الأعمش، لأنه كان يميّزُ بين ما صرَّح به الأعمش بالسماع، وبين ما دلَّسه. انظر: "مقدمة فتح الباري: هدي الساري" (ص 398). * * * 6491،- قال أيضًا: حدثنا هُشيم، عن مُغيرة، عن إبراهيم: أنه قال في الرجلِ يطأُ على العذرة وهو طاهر، قال: "إن كان رطبًا؛ غسل ما أصابه، وإن كان يابسَا؛ فلاشيء عليه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 55 - 56) أو (1/ 104/ رقم: 614 - الرشد). وإسناده صحيح. وإبراهيم: هو النخعي. ومِقسم: هو ابن المغيرة الضبّي.

إمامة العبد والمولى

650 - وقال: حدثنا يحيى بن سعيد القطّان، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: "إن كان رطبًا؛ غسله، وإن كان يابسًا؛ فلا يضره". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 56) أو (1/ 104/ رقم: 615). * * * - إمَامَة العَيْدِ والمَوْلى: 651 - قال أبو عبد الله البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا أنس بن عِيَاض، عن عُبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: "لمَّا قَدِمَ المهاجرونَ الأولونَ العُصبَةَ -موضع بقُبَاء- قبل مَقْدَم رسولِ الله - صلى الله عليه وآله وسلم -؛ كان يؤمُّهم سالمٌ -مولى أبيَ حُذيفة-، وكان أكثرُهم قرآنًا". أخرجه البخاري (692). وأخرجه (7175)، قال: حدثنا عثمان بن صالح، حدشْا عبد الله بن وهب، أخبرني ابن جريج؛ أن نافعًا أخبره؛ أن ابن عمر - رضي الله عنهما - أخبره؛ قال: "كان سالمٌ -مولى أبي حذيفة- يؤمُّ المهاجرين الأؤَلين، وأصحاب النبيّ - صلى الله عليه وآله وسلم -، في مسجد قُباء، فيهم: أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد، وعامر بن ربيعة". وأخرجه أبو داود (588) من طريق: ابن نمير، عن عُبيد الله به. وأخرجه البيهقي (3/ 89) بإسناديه. قال الحافظ البيهقي: "كذا قال: (وفيهم أبو بكر)! ولعله في وقت آخر؛ فإنه إنما قدم أبو بكر - رضي الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. ويحتمل أن تكون إمامته إياهم قبل قدومه وبعده. وقول الراوي: (وفيهم أبو بكر) أراد: بعد قدومه". قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح أبي داود" (3/ 137 - 138 ط غراس):

التذكير بأن الأحق بالإمامة هو الأقرأ للقرآن

"قلت: وهذا التأويل لا بدَّ منه، كان لم يرتضه الحافظ؛ وذلك لأن الرواية الأولى صريحة بأنه كان يؤمهم قبل مقدم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فليست تشمل أبا بكر؛ للسبب الذي ذكره البيهقي، ولذلك لم ينص فيها على أبي بكر. وأما الرواية الأخرى؛ فليس فيها ما في الرواية الأولى؛ فإن لفظها: (كان سالم -مولى أبي حذيفة- يؤم المهاجرين الأولين، وأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، في مسجد قُباء؛ فيهم؛ أبو بكر، وعمر، وأبو سلمة، وزيد، وعامر بن ربيعة). فليس فيها: أن الإمامة الواردة فيها كانت قبل القدوم حتى يرد الإشكال؛ بل فيها عكس ذلك؛ فإن من المعلوم أن مسجد قباء إنما بناه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد قدومه إلى المدينة؛ كما في "صحيح البخاري" (7/ 195). وفي هذه الرواية: أن إمامته بأبي بكر إنما كانت فيه؛ فهي كالنص على أن ذلك كان بعد القدوم، فإذا ضَمَفتَ هذا إلى ما أفادته الرواية الأولى -كما هو الواجب في أمثاله- ينتج منه أن سالمًا - رضي الله عنه - كان يؤمهم قبل القدوم، وفيهم عمر وغيره، وبعد القدوم، وفيهم أبو بكر وغيره. وبذلك يطيح الإشكال من أصله. والله تعالى وليّ التوفيق" اهـ. فقه الأثر: فيه من الفقه: جواز إمامة العبد والمولى -خلافًا لمن يمنعه-، وسيأتي مزيد من الآثار في الباب. قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 217): "وإلى صحَّة إمامة العبد ذهب الجمهور. وخالف مالك، فقال: لا يؤئم الأحرارَ؛ إلا إن كان قارئًا وهم لا يقرؤون، فيؤمهم، إلا في الجمعة؛ لأنها لا تجب عليه. وخالفه أشهب، واحتجَّ بأنها تجزئه إذا حضرها". وفيه: أن الذي يُقدَّم للإمامة هو الأقرأ، والأكثر حفظًا، وهذه هي السُّنَّة العلمية والعملية المتبعة المعروفة في العهد النبوي وعهد الصحابة - رضي الله عنهم-.

وهذه السُّنَّة المؤكَّدة أُغفلت في عصرنا في أكثر البلاد الإسلامية، فأنت تدخل المسجد- وأكثر مساجد المسلمين اليوم على هذا الحال -والله المستعان- فتجد الإمام لا يُحْسِنُ يقرأ القرآن، فضلاً عن أن يكون أكثر الموجودين حِفْظًا!! فإني أُهيب بالمُفتين، والمسؤولين، والعلماء، والدعاة، وطلبة العلم، والقيمين على دور الإفتاء، والمساجد ... : أن يُحيوا هذه السُّنة، ويلزموها، وليتَّقُوا الله؛ فلا يقدّموا بين يدي الله ورسوله! ولينظروا في أمر نبيهم - صلى الله عليه وآله وسلم - بتقديم الأحفظ لكتاب الله للإمامة، بل وكان يُقدِّمُ الأحفظَ والأكثر قرآنًا لما دفن شهداء أُحد. فهذا التكريم الإلهي، والهدي النبوي لم يكن عبثًا؛ بل هو تكريم وتعظيم لكتاب الله، ولحامله، ولقد حرص عليه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، وأصحابه من بعده أيَّما حرص، ولم يتجاسر الصحابة - رضي الله عنهم - على مخالفته، فكان يؤمُّ كبارَهم العبدُ، والمولى، والصغيرُ. فالله الله عباد الله بالتزام الدين وأحكامه. فهذه ذِكرى لمن كان له قلب منيب، وسمع مطيع، والله الهادي إلى سواء السبيل. * * * 652 - وقال البخاري: "وكانت عائشة يؤمُّها عبدُها ذَكوان من المصحَف". صحيح. هكذا علّقه الإمام البخاري في "صحيحه"- 10 - كتاب "الأذان"، (54) باب: إمامة العبد والمولى. ووصله: ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 218) أو (3/ 103/ رقم: 6155 - الرشد) من طريق: وكيع، قال: حدثنا هشام بن عروة، عن أبي بكر بن أبي مُليكة، عن عائشة: "أنها كان يؤمُّها مدَبَّر لها". والمدبَّر: العبد المعلَّق عتقه بموت مولاه. (المصباح).

وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (2/ 658/ رقم: 798) من طريق: وكيع به. وزاد: "فكان يؤمها في شهر رمضان في المصحف". ومن طريقه ابن حجر في "التغليق" (2/ 291). وأخرجه من طريق: جعفر بن محمد الفريابي، ثنا قُتيبة بن سعيد، عن مالك بن أنس، عن هشام بن عروة، عن أبيه به بنحوه. وأخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" (2/ 657/ رقم: 797) من طريق: عبد الله بن وهب، قال: أخبرني جرير بن حازم، عن أيوب السختياني، عن ابن أبي مليكة به. وأخرجه (2/ 656/ رقم: 791، 792) من طريق: شعبة، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة - رضي الله عنها -: "أنه كان يؤمُّها عبدٌ لها في مصحف". وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 394/ رقم: 3825) عن معمر، عن أيوب، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: "أن عائشة كان يؤمُّها غلامها، يقال له: ذكوان". قال معمر: قال أيوب، عن ابن أبي مليكة: "كان يؤمُّ من يدخل عليها إلا أن يدخل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر؛ فيصلّي بها". قال الحافظ ابن حجر في "تغليق التعليق" (2/ 291): "وهو أثر صحيح". وأخرجه الشافعي في "مسنده" (1/ 344/ رقم: 231 - ط. دار البشائر)، وفي "الأم" (2/ 324/ رقم: 323 - ط. دار الوفاء)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (2/ 393 - 394/ رقم: 3824)، وابن أبي شيبة (2/ 218)، والبيهقي (3/ 88). من طريق: ابن جريج، قال: أخبرني عبد الله بن أبي مليكة: "أنهم كانوا يأتون عائشة أم المؤمنين بأعلى الوادي، هو وأبوه، وعبيد بن عمير، والمسور بن

مخرَمَة، وناسٌ كثير؛ فيؤقهم أبو عمرو -مولى عائشة-، وأبو عمرو: غلامها لم يُعتق. فكان إمام أهلها [و] محمد بن أبي بكر وعروة، وأهلهما؛ إلا عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر: كان يستأخر عنه أبو عمرو. قالت عائشة: إذا غيبني أبو عمرو ودلَّاني في حفرتي؛ فهو حُرّ". والرواية لعبد الرزاق. * * * 653 - قال الحافظ عبد الرزاق الصنعاني: أخبرنا ابن جُريج، قال: أخبرني نافع، قال: "أقيمتِ الصلاةُ في مسجدٍ بطائفةِ المدينة. قال: ولعبد الله بن عمر قريبًا من ذلك المسجد أرض يعملها. قال: وإمام أهل ذلك المسجد مولى، ومسكن ذلك المولى وأصحابه ثَمَّ. فلمَّا سمعهم عبد الله بن عمر -وأقاموا الصلاة- جاء يشهد معهم الصلاة. فقال المولى -صاحب المسجد- لابن عمر: تقدَّم فصلِّ. فقال عبد الله: أنت أحقُّ أن تُصَلِّيَ فى مسجدك. فصلَّى المولى". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (2/ 399 - 400/ رقم 3850)، والشافعي في "المسند" (1/ 349/ رقم: 236)، وفي "الأم" (2/ 302/ رقم: 283)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 126). قال الحافظ محيي الدين النووي في "الخلاصة" (2/ 751): "رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن أو صحيح". * * * 654 - قال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا ابن إدريس، عن شعبة، عن أبي عمران الجوني، عن عبد الله بن الصامت، عن أبي ذرٍّ: "أنه قدم وعلى الرَّبذةِ عبدٌ حبشي، فأُقيمت الصلاة؛ فقال: تقدَّم". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (217/ 2) أو (3/ 102 - 103/ رقم: 6152 - الرشد).

السفر يوم الجمعة

وقال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن فُضيل، عن أشعث، عن ابن سيرين، عن أبي ذرة "أنه صلَّى خلف عبد حبشيّ". * * * - السَّفَرُ يوم الجمعة: 655 - قال الشافعي: أخبرنا سفيان بن عُيينة، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، قال: أبصَرَ عمرُ بن الخطاب - رضي الله عنه - رجلا عليه هيئة السَّفَرِ، فسمعه يقولُ: لولا أنَّ اليومَ يومُ الجمعةِ لخرجْتُ. فقال عمر: "اخرُجْ؛ فإنَّ الجمعةَ لا تَحْبِسُ عن سَفَرٍ". صحيح. أخرجه الشافعي في "المسند" (1/ 306/ رقم: 194 - ط. فى ار البشائر)، وفي "الأم" (2/ 376/ رقم: 388 - ط. دار الوفاء)، ومن طريقه البيهقي في "السنن" (3/ 187). وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 21/ رقم: 1737) من طريق: سفيان به. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 250/ رقم: 5537) من طريق: سفيان الثوري، عن الأسود به. وفيه: "فقال عمر: إن الجمعة لا تحبس مسافرًا، فاخرُجْ ما لم يحن الرواح" .. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 105) أو (2/ 44/ رقم: 5145 - الرشد) من طريق: شريك، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، قال: قال عمر: "الجمعة لا تمنع من سفر". والأثر صحَّح إسناده العلَّامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الضعيفة" (1/ 387)، فقال: "وهذا سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، وقيس والد الأسود؛ وثَّقه النسائي وابن حبان".

الوضوء بعد الغسل

فقه الأثر: فيه جواز السفر يوم الجمعة؛ إلا أن يكون نودي للصلاة؛ فيحرم. قال ابن المنذر في "الأوسط" (4/ 21): "اختلف أهل العلم في المقيم يريد الخروج إلى السفر يوم الجمعة، فقالت طائفة: لا بأس بالسفر يوم الجمعة ما لم يحضر الوقت، كذلك قال الحسن البصري، وابن سيرين، وهو قول مالك. وقد روينا أن عمر بن الخطاب رأى رجلاً يريد السفر يوم الجمعة، وهو ينتظر الجمعة، فقال عمر: "إن الجمعة لا تحبس عن سفر". وروي عن أبي عبيدة: أنه خرج في بعض أسفاره بُكرة يوم الجمعة، ولم ينتظر الصلاة". ثم ذكر -رَحِمَهُ اللهُ- قول من منع -أو كره- السفر يوم الجمعة، ثم قال (4/ 23): "لا أعلم خبرًا ثابتًا يمنع من السفر أول نهار الجمعة إلى أن تزول الشمس، وينادي المنادي، فإذا نادى المنادي وجب السَّعْيُ إلى الجمعة على من سمع النداء، ولم يسعه الخروج عن فرض لزمه، فلو أبقى الخروج في يوم الجمعة إلى أن يمضي الوقت؛ كان حسنًا .. ". * * * - الوضوء بعد الغسل: 656 - قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن الزُّهري، عن سالم، قال: "كان أبي يغتسلُ ثمَّ يتوضَّأُ، فأقول: أما يجزيكَ الغُسْلُ؟ وأيُّ وضوءٍ أتمّ من الغُسْلِ؟ قال: وأيّ وضوءِ أتمّ من الغسل للجُنُب؛ ولكئه يُخَيَّلُ إليَّ أنَّه يخرجُ من ذَكَري الشيءُ، فأَمَسُّهُ؛ فأتوضأُ لذلك". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/ 270/ رقم: 138). وقال شيخُنا عبد الله بن صالح العبيلان -حفظه الله- في "النكت العلمية على الروضة الندية" (ص 88): "وإسناده صحيح". ثم رواه عبد الرزاق (1039) عن ابن جريج، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر، كان يقول: "إذا لم تمسَّ فرجك بعد أن تقضِيَ غسلكَ؛ فأيّ وضوءٍ أسبغ من الغُسل؟ ".

ثم رواه (1040) عن عبد الله بن عمر، عن نافع، قال: سُئِلَ ابنُ عمر عن الوضوء بعد الغُسل، فقال: "أيُّ وضوء أفضل من الغسل؟ ". وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 68) أو (1/ 126/ رقم: 748 - الرشد)، قال: حدثنا أبو معاوية، عن عاصم الأحول، عن غُنيم بن قيس، عن ابن عمر: سُئِلَ عن الوضوء بعد الغُسل، فقال: "وأيّ وضوء أعم من الغُسل؟ ". وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 130/ رقم: 673)، قال: "حدثنا سهيل بن عمار، ثنا محمد بن مصعب القرقساني، ثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر: "أنه كان يرى أنَّ الغُسْلَ من الجنابة يجزي صاحبَه من الوضوء". * * * 657 - وروى عبد الرزاق: عن هشيم، عن جعفر بن أبي وحشية، عن أبي سفيان، قال: سُئِلَ جابر بن عبد الله عن الجنبِ يتوضَّأُ بعد الغسْلِ؟ قال: "لا؛ إلا أن يشاءَ، يكفيه الغسلُ". لا بأس به. أخرجه عبد الرزاق (1/ 272/ رقم: 1045) ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 130/ رقم: 674). وجعفر بن أبي وحشية؛ هو: ابن إياس اليَشْكُري، أبو بشر الواسطي، من رجال "التهذيب"، وهو ثقة. وأبو سفيان؛ هو: طلحة بن نافع القُرشي، أبو سفيان الواسطي. روى له البخاري مقرونًا بغيره. قال ابن عدي: "لا بأس به، روى عنه الأعمش أحاديث مستقيمة". وقال أبو حاتم وابن المديني: "لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث". قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2/ 244 - ط. الرسالة):

"قلت: لم يخرج البخاري سوى أربعة أحاديث عن جابر، وأظنُّها التي عناها شيخُه علي بن المديني ... ". وقال سفيان بن عيينة: حديث أبي سفيان عن جابر؛ إنما هي صحيفة. * * * 658 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: جاء رجل إلى عَلقمة، فقالماله: إنَّ بنت أخيكَ توضَّأتْ بعد الغُسْل. فقال: "أما إنها لو كانت عندنا لم تفعل ذلك؛ وأيُّ وضوء أعمّ من الغسلِ؟! ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 68) أو (1/ 126/ رقم: 751 - ط. الرشد)، وعبد الرزاق (1/ 271/ رقم: 1042) من طريق: سفيان الثوري، عن منصور والأعمش، عن إبراهيم به. وقال فيه: "ذُكِرتْ له امرأة". * * * 659 - وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد، عن المُهلَبِ بن أبي حبيبة: سُئِلَ جابرُ بن زيد: عن رجل اغتسل من الجنابةِ، فتوضَّأَ وضوءه للصلاة، فخرج من مغتسلهِ، أيتوضَّأ؟ قال: "لا؛ يجزئه أن يَغسلَ قدميه". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 68) أو (1/ 127/ رقم: 753 - الرشد). وإسناده صحيح. يحيى بن سعيد؛ هو: القطَّان الإمام الناقد الحافظ. والمهلب بن أبي حبيبة: وثَّقهُ أحمد وأبو داود -وغيرهما-، وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق"! وجابر بن زيد؛ هو: أبو الشعثاء الأزدي.

خروج النساء إلى صلاة العيد

660 - وقال ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع، عن معاذ بن العلاء، عن سعيد بن جُبير، قال: "سألتُه عن الوضوءِ بعد الغسلِ من الجنابة؛ فكرِهَهُ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 68) أو (1/ 127/ رقم: 754). وإسناده صحيح. وقول الحافظ ابن حجر في "التقريب" عن معاذ بن العلاء: "صدوق"! غير دقيق؛ فإنه ثقة، وثقه ابن معين، وابن حبان، ولم يتكلم فيه أحد. وقد تعقَّبه صاحبا "التحرير"؛ فانظره. * * * وأكتفي بهذا القدر من الآثار الصحيحة الواردة في الباب؛ وهي تدلُّ على عدم وجوب الوضوء بعد الغسل، وأن الغسل كافٍ في رفع الحدث. قال الحافظ ابن عبد البرّ الأندلسي في "الاستذكار" (1/ 327 - 328): "المُغْتَسِلُ من الجنابةِ إذا لم يتوضأْ، وعمَّ جميع جسده؛ فقد أدَّى ما عليه، لأن الله تعالى إنما افترض على الجنب الغُسل من الجنابة دون الوضوء". وقال ابن قدامة المقدسي في "المغني" (1/ 289 - 290)؛ "وهو إجماع لا خلاف فيه بين العلماء (¬1)؛ إلا أنهم أجمعوا على استحباب الوضوء قبل الغسل، تأسِّيًا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولأنه أعون على الغسل وأهذب منه". * * * - خروج النساء إلى صلاة العيد: 661 - قال ابن أبي شيبة -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: حدثنا ابن عُلَيَّة، عن أيوب، عن نافع، قال: "كان عبد الله بن عمر يُخْرِجُ للعيدين من استطاع من أهله". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 43/ رقم: 5834 - الرشد)، وابن المنذر في "الأوسط" (4/ 262 - 263/ رقم: 2128) من طريق: إسماعيل ابن عُليَّة به. ¬

_ (¬1) أي: وجوب التطهر من الجنابة.

وهذا إسناد صحيح. لكن جاء عن ابن عمر خلاف ذلك. فقد روى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 44/ رقم: 5842)، قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن عبد الله بن جابر، عن نافع، عن ابن عمر: "أنه كان لا يخرجُ نساءَه في العيدين". وهذا إسناد حسن. عبد الله بن جابر أبو حمزة البصري: صدوق حسن الحديث. وقول الحافظ في "التقريب" (3244): "مقبول"! غير مقبول. فقد وثَّقه ابن معين، وابن حبان، وقال البزار: لا بأس به. وانظر: "تحرير تقريب التهذيب" (2/ 197/ رقم: 3244). وأخرجه عبد الرزاق (3/ 303/ رقم: 5724) ومن طريقه ابن المنذر في "الأوسط" (263/ 4/ رقم: 2129) عن عبيد الله بن عمر، عن نافع به. وقد وجَّه العلّامة ابن حزم هذا الخلاف، فقال في "المحلى" (5/ 63/ عند المسألة رقم: 545) - بعد أن ذكر الأحاديث التي تأمر بإخراج النساء إلى العيد-: "فهذه آثار متواترة عنه - صلى الله عليه وسلم - من طريق: جابر، وابن عباس، وغيرهما: بأنه - عليه السلام - رأى حضور النساء المُصَلَّى، وأَمَرَ به؛ فلا وجه لقول غيره إذا خالفه. ولا متعلَّق للمخالفِ إلا رواية عن ابن عمر أنه منعهنَّ، وقد جاء عن ابن عمر خلافها، ولا يجوز أن يُظَنَّ بابن عمر إلا أنه إذا منعهنَّ لم يكن بلغه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا بلغه رجع إلى الحق، كما فعل إذْ سبَّ ابنه أشدّ السَّبِّ إذْ سمعه يقول: نمنع النساء المساجد ليلاً (¬1). ولا حجة في أحد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو ادّعى امرؤ الإجماع على صحة خروج النساء إلى العيدين، وأنه لا يحل منعُهُنَّ؛ لصدق، لأننا لا نشكُّ في أن ¬

_ (¬1) انظر: الجزء الأول من هذه السلسلة، (رقم: 239).

من حضر ذلك من الصحابة- رضي الله عنهم -، أو بلّغه لمن لم يحضر؛ فقد سلَّم ورضي وأطاع، والمانع من هذا: مخالف للإجماع وللسُّنَّة" اهـ. * * * - قلتُ: وممّن كره خروج النساء للعيدين: إبراهيم النخعي، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر -رحمهم الله جميعًا-: 662 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: "يُكْرَهُ خُروجُ النساءِ في العيدين". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 44/ رقم: 5841). وإسناده صحيح. ثم أخرجه (3/ 45/ رقم: 5845)، قال: حدثنا وكيع، عن حسن بن صالح، عن منصور، عن إبراهيم، قال: "كره للشابة أن تخرج إلى العيدين". * * * 663 - وقال أيضًا: حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه: "أنه كان لا يَدعُ امرأة من أهلهِ تخرجُ إلى فطر، ولا إلى أضحى". صحيح. أخرجه في "المصنف" (3/ 45/ رقم: 5843). وإسناده صحيح. * * * 664 - ثم قال: حدثنا أبو داود، عن قُرة، قال: حدثنا عبد الرحمن بن القاسم، قال: "كان القاسمُ أشدَّ شيءٍ على العواتق؛ لا يَدَعهُنَّ يَخْرُجْنَ في الفطرِ والأضحى". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 45/ رقم: 5844). وسنده صحيح. وقُرَّة؛ هو: ابن خالد السَّدُوسي. والعواتق: جمع عاتق: وهي البنت عندما تبلغ.

قال أبو عبد الله - عفا الله عنه -، وتجاوز عن زلاته وسيئاته-: ولعل منع هؤلاء التابعين كان لخشية، أو لرأي خاص بهم، أو لسبب آخر، ويحتمل أيضًا: عدم بلوغ الحديث (حديث أم عطية) لهم. وأيًّا كان؛ فقولهم هذا مخالف للصحيح الثابت من هدي النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وأمره، فلا حجَّة فيه. قال الحافظ أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري في "الأوسط في السنن والإجماع والإختلاف" (4/ 263): "وكرِهتْ طائفة خروجَ النساء إلى العيدين؛ كره ذلك إبراهيم النخعي، وكان عروة بن الزبير لا يدع امرأة من أهله تخرج إلى فطر ولا إلى أضحى. وقال يحيى الأنصاري: لا نعرف خروج المرأة الشابة عندنا في العيدين. وقال أصحاب الرأي في خروج النساء إلى العيد: أما اليوم؛ فإنا نكره لهنَّ ذلك، ونرخص للعجوز الكبير بأن تشهد العشاء والفجر والعيدين، وأما غير ذلك؛ فلا". وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رَحِمَهُ اللهُ- في "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" (6/ 139 - 141 ط. دار ابن الجوزي): "وفي خروج النساء إلى العيدين أحاديثُ كثيرة -قد سبق بعضها، ويأتي بعضُها أيضَا-. وقد اختلف العلماء فيه على أقوال: أحدها: أنه مُستحَبٌّ، وحُكي عن طائفة من السلف؛ منهم: علقمة. ورُوي عن ابن عمر: أنه كان يُخرج نساءه. ورُوي عنه؛ أنه كان يحبسهن. وروى الحارث عن علي، قال: "حق على كل ذاتِ نطاق أن تخرج في العيدين. ولم يكن يُرخصُ لهن في شيء من الخروج إلا في العيدين". وهو قول إسحاق وابن حامد من أصحابنا.

وقال أحمد- في رواية ابن منصور-: لا أحبُّ منعهنَّ إذا أَرَدنَ الخروجَ. والثاني: أنه مباح؛ غير مستحبّ ولا مكروه؛ حُكي عن مالك، وقاله طائفة من أصحابنا. الثالث: أنه مكروه بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ وهو قول النخعي، ويحيى الأنصاري، والثوري، وابن المبارك. وأحمد - في رواية حرب (¬1) -قال: لا يعجبني في زماننا- لأنه فتنة. واستدلَّ هؤلاء: بأن الحال تغيَّر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد قالت عائشة: "لو أدرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أَحْدَثَ النساءُ بعده؛ لمنعهنَّ المساجدَ". وقد سبق. والرابع: أنه يُرَخَّصُ فيه للعجائز دون الشَّواب؛ روي عن النخعي -أيضًا-، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، ونقله حنبل عن أحمد. وروي عن ابن عباس -بإسناد فيه ضعف-: أنه أفتى بذلك سعيد بن العاص؛ فامر مناديه: أن لا تخرج يوم العيد شابة، وكل العجائز يخرجْنَ. الخامس: قول الشافعي: يُسْتَحَبُّ الخروجُ للعجائز ومن ليست من ذوات الهيئات. وفسر أصحابه ذوات الهيئات: بذوات الحُسْنِ والجمال، ومن تميلُ النفوسُ إليها؛ فيُكره لهنَّ الخروج لما فيه من الفتنة". وقال -رَحِمَهُ اللهُ- بعد ذكره لحديث أم عطية والكلام عليه (6/ 152 - 153): "فخرَّج الإمام أحمد (¬2) من رواية طلحة بن مصرف، عن امرأة من بني عبد القيس، عن أخت عبد الله بن رواحة الأنصاري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "وجَبَ الخروجُ على كلّ ذات نطاق". وفيه امرأة لا تُعْرَفُ. ¬

_ (¬1) ورواية صالح (1/ 468). (منه). (¬2) في "المسند" (6/ 358).

وخرج ابنُ شاهين في كتاب "العيدين"، من حديث ابن عباس؛ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "العيدان واجبان على كل حالم؛ من ذكر وأنثى". وفي إسناده: عمرو بن شمر = ضعيف جدًّا. وروى الحارث، عن عليّ، قال: "حقٌّ على كل ذاتِ نطاق أن تخرج في العيدين". وهذا مما لا يُعلم به قائل = أعني: وجوب الخروج على النساء في العيد" اهـ. قال أبو عبد الله: إن أراد: من السَّلف؛ فلم أرَه صريحًا إلا في أثر أبي بكر وعلي؛ لكن لا يصح سندهما إليهما. وإن أراد: من العلماء؛ فغير مسلَّم؛ فقد قال بوجوبه شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال في "الإختيارات" (ص 123 - ط. العاصمة): "وقد يقال بوجوبها على النساء". وانظر: "مجموع الفتاوى" (24/ 183). والظاهر من كلام العلامة ابن حزم -المتقدّم- أنه يميل للقول بالوجوب. وهو اختيار الأمير الصنعاني في "سبل السلام " (3/ 224 - ط. ابن الجوزي)، إذْ قال: "والحديث (أي: حديث أم عطية) دليلٌ على وجوب إخراجهِنَّ، وفيه أقوال ثلاثة: الأول: أنه واجب. وبه قال الخلفاء الثلاثة: أبو بكر، وعمر، وعليّ. ويؤيد الوجوب: ما أخرجه ابن ماجه (¬1) والبيهقي (¬2)، من حديث ابن عباس: "أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يُخْرِجُ نساءَه وبناته في العيدين". وهو ظاهر في استمرار ذلك منه - صلى الله عليه وسلم -، وهو عامٌّ لمن كانت ذات هيئة وغيرها، وصريح في الشواب (¬3)، وفي العجائز بالأَولى. ¬

_ (¬1) في "السنن" (1309)، وضعفه البوصيري، والألباني. (¬2) في "السنن الكبير" (3/ 307). (¬3) في المطبوعة: في الثواب! وهو خطأ.

والثاني: سُنَّة، وحُمل الأمر بخروجهنَّ على الندب. قاله جماعة، وقؤاه الشارح؛ مستدلاً بأنه علّلَ خروجهنَّ: بشهود الخير ودعوة المسلمين. قال: ولو كان واجبًا لما عقلَ بذلك، ولكان خروجهن لأداء الواجب عليهنَّ لامتثال الأمر. قلتُ: وفيه تأمُّلٌ؛ فإنه قد يُعَلَّلُ الواجبُ بما فيه من الفوائد، ولا يُعلَّلُ بأدائه. وفي كلام الشافعي في "الأم" (¬1) التفرقة بين ذوات الهيئات والعجائز؛ فإنه قال: وأُحبُّ شهود العجائز وغير ذوات الهيئات من النساء الصلاة، وأنا لشهودهنَّ الأعياد أشدّ استحبابَّا. والثالث: أنه منسوخ. قال الطحاوي: إن ذلك كان في صدر الإسلام للإحتياج في خروجهنَّ لتكثير السواد، فيكون فيه إرهاب للعدو. ثم نُسِخَ. وتُعُقَّبَ: أنه نسخٌ بمجرد الدعوى! ويدفعه: أن ابن عباس شهد خروجهنَّ وهو صغير، وكان ذلك بعد فتح مكة، ولا حاجة إليهنَّ لقوة الإسلام حينئذٍ. ويدفعه: أنه علّل في حديث أم عطية حضورهنَّ لشهادتهنَّ الخيرَ ودعوة المسلمين. ويدفعه: أنه أفتت به أم عطية بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - بمدة، ولم يخالفها أحدٌ من الصحابة. وأما قول عائشة: "لو رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أحدَثَ النساءُ؛ لمنعهنَّ عن المساجد"؛ فهو لا يدلُّ على تحريم خروجهنَّ، ولا على نسخ الأمر به؛ بل فيه دليلٌ على أنهن لا يُمنعن؛ لأنه لم يمنعهنَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ بل أمر بإخراجهن، فليس لنا أن نمنع ما أمرَ به" اهـ. ¬

_ (¬1) (1/ 275) طبعة دار الفكر. (منه).

وجوء حب الصحابة رضي الله عنهم

والقول بالوجوب هو اختيار الشوكاني، وصديق حسن خان، واختاره الشيخ المحدّث محمد ناصر الدين الألباني في "صلاة العيدين" (ص 15 - 16). وهو اختيار العلامة الأصولي الفقيه الشيخ محمد بن صالح العثيمين في "الشرح الممتع" (5/ 149 - 152). - رحم الله الجميع-. وسألتُ شيخنا الأريب العلّامة الفقيه أبا عبد الرحمن عبد الله بن صالح العبيلان عن قوله في المسألة، فأجاب -أيده الله-: بأن الظاهر الوجوب. والحمد لله على ما أنعم وتفضل. تنبيه: استفدتُ في المبحث المذكور من كتاب الشيخ أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل المأربي "تنوير العينين بأحكام الأضاحي والعيدين" (ص 62 - وما بعدها)؛ فَلْيُعلَم. * * * - وجوبُ حُبِّ الصحابةِ - رضي الله عنهم -: 665 - قال أيوب السختياني -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَنْ أَحَبَّ أَبَا بَكْرِ فَقَد أَقَامَ الذينَ، وَمَنْ أَحَبَّ عُمَرَ فَقَد أَوْضَحَ السَبيلَ، وَمَنْ أَحَبَّ عثمانَ فَقَد اسْتَنَارَ بِنُورِ الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وَمَنْ أَحَبَّ عَليًّا فَقَد اسْتَمْسَكَ بالعُروَةِ الوُثْقَى، وَمَنْ قَالَ الحُسْنَى في أَصْحَابِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ بَرِئَ مِنَ النِّفَاقِ". حسن. أخرجه الآجري في "الشريعة " (3/ 22 - 23/ رقم: 1291)، وأبو يعلى الفراء في "جزء فيه ستة من أماليه" (رقم: 22 - ط. دار البشائر البيروتية)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (2333)، وابن حبان في "الثقات" (9/ 87)، وأبو القاسم التيمي الأصبهاني في "الحجة في بيان المحجة" (2/ 368 - 369). من طرق؛ عن محمد بن مقاتل العباداني، عن حماد بن سلمة، قال: قال أيوب به. ورواه عن محمد بن مقاتل: ابنه عبد الصمد، وعبد الصمد بن يزيد، ومصلح بن الفضل الأسدي.

ما جاء في المستحاضة

ومحمد بن مقاتل العباداني، أبو جعفر: قال فيه الخطيب: "كان أحد الصالحين، مشهورًا بحُسنِ الطريقة ومذهب السُّنَّة، ولم ينشر عنه كثير شيء من الحديث". وقال الحافظ في "التقريب": "صدوق عابد". * * * - ما جاء في المُسْتَحَاضَةِ: 666 - قال أبو محمد الدارمي: أخبرنا يزيد بن هارون، أخبرنا يحيى: أنَّ القعقاع بن حكيم أخبره: أنه سأل سعيدًا (ابن المسيّب) عن المستحاضة؟ فقال: "يَا ابْنَ أَخِي؛ مَا بَقِيَ أَحَدٌ أعلَمُ بهذَا منّي؛ إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ؛ فَلْتدَع الصَلاةَ، وَإِذَا أَدبَرَتْ؛ فَلْتَغْتَسِلْ، وَلْتُصَلِّ". صحيح. أخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 605/ رقم: 814 - ط. الداراني)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 126 - 127) أو (1/ 232/ رقم؛ 1360 - الرشد)، والبيهقي في "السنن الكبير" (1/ 330). من طريق: يزيد بن هارون -وابن فضيل- عن يحيى بن سعيد به. وهذا إسناد صحيح. * * * 667 - قال الدارمي: أخبرنا أسود بن عامر، حدثنا شعبة، عن عمار -مولى بني هاشم-، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في المستحاضة: "تَدَعُ الصَّلاةَ أنَامَ أَقْرَائها، ثُمَّ تَغْتَسِلُ، ثُمَّ تحتَشِي وتَسْتَثْفِرُ، ثُمَّ تُصَلِّي". فقال الرَّجُلُ: وإن كانت تَسِيلُ! قال: "وإنْ كانَتْ تَسِيلُ مِثْلَ هذَا المَثْعَبِ". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 606/ رقم: 815). عمار بن أبي عمار -مولى بني هاشم-: ثقة، وثَّقَهُ أحمد، وأبو حاتم، وأبو زرعة الرازيان، وأبو داود، وغيرهم.

فقول الحافظ: "صدوق ربما أخطأ"؛ غير دقيق. وانظر: "تحرير التقريب" (4829). * * * 668 - قال الدارمي: أخبرنا يزيد بن هارون، حدثنا حميد، عن عمار بن أبي عمار، قال: "كانَ ابنُ عباس- رضى الله عنهما - مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ قَوْلاً في المُسْتَحَاضَةِ، ثُمَّ رَخصَ بَغدُ؛ أتَتْهُ افرَأَة، فقالَتْ: أَدْخُلُ الكعبةَ وأَنَا حَائِضٌ؟ قال: "نعم؛ وِإنْ كُنْتِ تَثجِّينَهُ ثَجًّا؛ اسْتدخلِي، ثمَّ استثفري، ثم ادخُلي". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 606/ رقم: 816). * * * 669 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا جرير، عن عبد العزيز بن رُفيع، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: "تُؤَخًرُ الطهْرَ، وتُعَجَّلُ العَضرَ، وتغتسلُ مزَةً واحدة، وتؤخِّرُ المغرب، وتُعَجَّلُ العِشَاءَ، وتَغْتَسِلُ مرَّةً واحدة، ثم تَغْتَسِلُ لِلْفَجْرِ، ثم تَقْرِنُ بينهما". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 127) أو (1/ 233/ رقم: 1363 - الرشد)، وأخرجه الدارمي (1/ 611 - / 612 رقم: 831) من طريق: أبي الأحوص، عن عبد العزيز بن رُفيع به. * * * 670 - قال الدارمي: أخبرنا جعفر بن عون، حدثنا إسماعيل، عن عامر، عن قمير، عن عائشة - رضي الله عنها - في المُسْتَحَاضَةِ: "تَنْتَظِرُ أَيَّامَها التي كانَتْ تَتْرُكُ الصَّلاةَ فيها، فإذا كان يومُ طُهْرِها الذي كانَتْ تَطْهُرُ فيه؛ اغْتَسَلَتْ، ثم تَوَضَّأَتْ عند كلِّ صلاةٍ، وصَلَّتْ". صحبح. أخرجه الدارمي (1/ 607 - 608/ رقم: 819).

وإسناده صحيح. واسماعيل هو: ابن أبي خالد. وعامر هو: ابن شراحيل الشَّعبي. وقمير هي: بنت عمران -زوجة مسروق-. وأخرجه الدارمي (1/ 606 - 607/ رقم: 817) من طريق: إسماعيل بن أبي خالد، عن مجالد بن سعيد، عن عامر الشعبي به. ومجالد بن سعيد: ضعيف، لكنه متابع. وأخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/ 15/ رقم: 645، 646) من طريق: عبد الملك بن ميسرة، والمجالد بن سعيد، وبيان، قالوا: سمعنا عامر الشعبي يحدث عن قمير -امرأة مسروق- به. وسفيان، عن فراس وبيان، عن الشعبي به، ومن هذه الطريق أخرجه الدارمي أيضًا (826). وأخرجه البيهقي (1/ 346 - 347) من طريق: شعبة، عن بيان به. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (1/ 304/ رقم: 1170) عن معمر، عن عاصم بن سليمان، عن قمير امرأة مسروق، عن عائشة: أنها سُئِلَتْ عن المستحاضة؛ فقالت: "تجلس أيام أقرائها، ثم تغتسلُ غسلاً واحدًا، وتتوضأ لكل صلاة". وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 126) أو (232/ رقم: 1368 - الرشد)، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي: أن امرأة مسروق سألت عائشة عن المستحاضة؛ قالت: "تتوضا لكل صلاة وتحتشي، وتصلّي". ثم قال (1359): حدثنا أبو خالد الأحمر، عن المجالد وداود، عن الشعبي، قال: أرسلتْ امرأتي إلى امرأة مسروق، فَسَأَلَتْها عن المستحاضة؟ فذكرت عن عائشة أنها قالت: "تجلسُ أيام أقرائها، ثم تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة".

ذم الخصومات والأهواء

671 - قال الدارمي: أخبرنا محمد بن عيسى، حدثنا ابن عُلَيَّةَ، أنبأنا خالد، عن أنس بن سيرين، قال: "اسْتُحِيضَتْ امرَأَةٌ من آلِ أَنسٍ؛ فأمروني؛ فَسَأَلتُ ابنَ عباس، فقال: "أَمَّا مَا رَأَتِ الدَّمَ البحراني (¬1)؛ فَلاَ تُصَلِّي، فَإذا رَأَتِ الطُّهْرَ -ولَوْ سَاعَةً من نهارٍ- فَلْتَغتَسِلْ وَلْتُصَلِّي". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 610/ رقم: 827)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (1/ 128) أو (1/ 235 - 236/ رقم: 1376 - الرشد). من طريق: إسماعيل ابن عُلَيَّة به. ثم أخرجه الدارمي (828) من طريق: أبي النعمان، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا خالد به. قلت: وفي الباب آثار أخرى كثيرة سأخرجها فيما يأتي -إن شاء الله-، وأكتفي الآن بهذا القدر منها. * * * - ذمّ الخصومات والأهواء: 672 - عن عمرو بن قيس، قال: قلت للححم: "ما اضطر الناسَ إلى الأَهْوَاءِ؟ قال: "الخصومات". صحيح. أخرجه أبو بكر الاجُري في "الشريعة" (1/ 192/ رقم: 130 - ط. الوليد سيف النصر) من طريق: زهير، قال؛ أخبرنا أبو خالد، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو بن قيس به. وأخرجه اللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (218) من طريق: أسود بن سالم، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفيان به. والحكم هو: ابن عُتيبة، أبو محمد الكوفي: ثقة فقيه، من صغار التابعين. * * * ¬

_ (¬1) دم شديد الحمرة.

كفار قريش هم الذين بدلوا نعمة الله كفرا

673 - عن عبد الله بن طاوس، عن أبيه: "أن رجلاً قال لابن عباس: الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ هوَانَا على هوَاكم! قال: فقال ابنُ عباس: "الهوى كلُّهُ ضَلالة". صحيح. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (11/ 126/ رقم:20102)، والآجري في "الشريعة" (1/ 192 - 193/ رقم: 132)، واللالكائي في "شرح أصول الإعتقاد" (225). من طرق؛ عن معمر، عن ابن طاوس به. * * * 674 - قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا} [إبراهيم: 28] قال: "هُم -واللهِ- كُفَارُ قُريشٍ". قال عمرو [بن دينار]: "هم قريش، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - نعمةُ الله، {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ}، قال: النارَ يومَ بَدرٍ". أخرجه البخاري (3977، 4700)، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/ 372 - 373/ رقم: 11268 - العلمية). من طريق: سفيان به. * * * 675 - قال النسائي: أنا محمد بن بشار، نا محمد، نا شُعبة، عن القاسم بن أبي بَزَّة، عن أبي الطُّفيل: سَمِعَ عَلِيًّا - رضي الله عنه - وَسَأَلَهُ ابنُ الكوَّاءِ عن هذه الآية-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (28) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا} [إبراهيم: 28، 29] قال: "هم كُفَارُ قُريشٍ يومَ بَدرٍ". صحيح. أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" (6/ 372/ رقم: 1267)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (13/ 146)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (7/ 2246/ رقم: 12272).

دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب

من طريق: شعبة به. وإسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين. وأخرجه الحاكم في "المستدرك " (2/ 352) من طريق: أبي نعيم، ثنا بسام الصيرفي، ثنا أبو الطفيل عامر بن واثلة، قال: سمعتُ عليًّا - رضي الله عنه - قام، فقال: "سلوني قبل أن تفقدوني، ولن تسألوا بعدي مثلي". فقام ابنُ الكوَّاء، فقال: مَنْ {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28]؟ قال: "منافقو قريش". قال: فمَنْ {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104]؟ قال: "منهم أهل حروراء". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح عالٍ، وبسام بن عبد الرحمن الصيرفي من ثقات الكوفيين ممن يجمع حديثهم، ولم يخرجاه". وأخرجه ابن جرير (13/ 146) -الشطر الأول منه-. وأخرجه (16/ 27) من طريق؛ سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الطفيل، قال: سأل عبد الله بن الكوَّاء عليًا عن قوله: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا}، قال: "أنتم يا أهل حروراء". وأخرجه عبد الله بن أحمد في "السُّنَّة" (1443) من طريق: وكيع، حدثنا بسام، عن أبي الطفيل به. * * * - دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيبِ: 676 - قال البخاري: حدثنا بِشْرُ بن محمد، قال: حدثنا عبد الله، قال: أخبرنا حَيْوَةُ، قال: أخبرنا شُرَحْبِيل بن شريك المَعَافري: أنه سَمِعَ أبا عبد الرحمن الحبلي: أنه سَمِعَ الصَّنابحيَّ؛ أنه سمع أبا بكر الصديق - رضي الله

عنه-: يقول: "إن دَعوَةَ الأَخِ في اللهِ تُسْتَجَابُ". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (624)، وعبد الله بن أحمد في زوائده على زهد أبيه (573). من طريق: عبد الله بن يحيى المعافري، حدثنا حيوة به. قال الشيخ الألباني في تعليقه على "الأدب المفرد" (ص 215/ رقم: 624): "صحيح الإسناد". * * * 677 - وقال البخاري: حدثنا محمد بن سلام، قال: حدثنا يحيى بن أبي غنية، قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، عن أبي الزبير، عن صفوان بن عبد الله بن صفوان -وكانت تحتَه الدَّرداء بنت أبي الدرداء-، بهال: "قَدِمْتُ عليهمُ الشَّامَ، فَوَجَدتُ أُمَّ الدرداءِ في البيتِ، ولم أَجدْ أبا الدَّرداءِ. قالَتْ: أَتُرِيدُ الحجَّ العام؟ قلتُ: نعم. قالَتُ: فَادْعُ الله لنَا بخيبر؛ فإنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "إنَّ دعوَةَ المَرْءِ المسلمِ مُسْتَجَابَةٌ لأخيه بِظَهْرِ الغَيْبِ، عند رأسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ؛ كُلَّمَا دَعَا لأخيه بخير. قال: آمين، ولكَ بِمِثْل". قال: فلقيتُ أبا الدَّرداء في السُّوقِ، فقال مثل ذلك، يَأْثُرُ عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (625)، ومسلم (2733)، وأحمد (6/ 52)، وابن ماجه (2895)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (10/ 197 - 198)، والطبراني في "المعجم الكبير" (24/ رقم: 651). من طريق: عبد الملك بن أبي سليمان به. وانظر: "الصحيحة" (1399).

ما يكره في الصدقة

فقه الأثر: فيه: جواز طلب الدعاء من الغير، خلافًا لمن يمنعه بحجة عدم ورود الدليل عليه، فإليكه! وفيه: حثّ المؤمنين للدعاء لإخوانهم بظهر الغيب. وفيه: إثبات الأجر لمن يدعو لأخيه بظهر الغيب، وأن ملكًا موكل له. تنبيه: هذا الأثر -وإن كان فيه رواية مرفوعة- فهو على شرطي في هذا الكتاب؛ لما ورد فيه من فَهمٍ وفِقْهِ للصحابة. * * * - مَا يُكْرَهُ من الصَّدَقَةِ: 678 - روى مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه؛ أنه قال: قال لي عبد الله بن الأرقم: "ادْلُلْنِي على بعير منَ المَطَايَا أَسْتَحْمِلُ عليه أميرَ المؤمنين. قلتُ: نعم؛ جَمَلَا مِنَ الصَّدَقَةِ. فقال عبدُ الله بن الأرقم: أَتُحِبُّ لو أن رجلاً بَادِنَا في يومٍ حارٍّ، غَسَلَ لكَ ما تَحتَ إزارِه ورُفْغَيْهِ، ثم أَعطَاكهُ؛ فَشَرِبْتَهُ؟!. قال: فغضِبْتُ، وقلتُ: يَغْفِرُ اللهُ لكَ! أَتقول في مِثْلَ هذا؟!. فقال عبدُ الله بن الأرقم: إنَّما الصَّدَقَةُ أَوْسَاخُ الناسِ؛ يَغْسِلُونها عنهم". صحيح. أخرجه مالك في "الموطأ" (4/ 545/ رقم: 2042 - ط. الهلالي)، وابن زنجويه في "الأموال" (3/ 1113 - / 1114 رقم: 2063). وصححه العلّامة الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيح الترغيب والترهيب" (/ 1/ 493 رقم: 807).

ما جاء في الوسوسة

- ما جاء في الوسوسة: 679 - قال أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني: حدثنا عباس بن عبد العظيم، حدثنا النضر بن محمد، حدثنا عحرمة -يعني: ابن عمار- قال وحدثنا أبو زُميل، قال: "سَأَلْتُ ابنَ عباس، فقلتُ: ما شيءٌ أَجِدُهُ في صدري؟ قال: ما هو؟ قلتُ: واللهِ ما أَتكلَّمُ به. قال: فقال لي: أشيءٌ من شَكٍّ؟ قال: وَضَحِكَ. قال: ما نَجَا من ذلكَ أحَدٌ. قال: حتى أنزلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} [يونس: 94] الآية. قال: فقال لي: إذا وَجَدتَ في نَفْسِكَ شَيئَا، فقُلْ: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)} [الحديد: 3] ". حسن. أخرجه "أبو داود" (5110)، وحسَّنه الألباني في "صحيح الترغيب والترهيب" (2/ 269/ رقم: 1714). * * * - جواز حجّ الأجير: 680 - قال الحافظ محمد بن إسحاق ابن خزيمة النيسابوري: ثنا محمد بن يحيى، ثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن عبد الحريم الجزري، عن سعيد بن جُبير، قال: "أتى رجل ابنَ عباس، فقال: إني أَجَّزتُ نفسي من قوم، فتركتُ لهم بعضر أجرتي -أو أجري- لو يخلُّوا بيني وبين المناسكَ؛ فهل يُجزئُ ذلك عني؟ فقال ابنِ عباس: نعم؛ هذا من الذين قال الله: {أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202)} [البقرة: 202] ".

النهي عن تحريم الرجل على نفسه ما أحل الله

صحيح. أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (3053)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 481) من طريق: معمر بن راشد به. وهذا إسناد صحيح. * * * 681 - قال سعيد بن منصور: نا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن أبي الضُّحَى، عن مسروق، قال: "أُتِيَ عبدُ اللهِ بضَرْعٍ (¬1)، فَأَخَذَ يَأْكُلُ منه، فقال للقوم: اُذنُوا. فدَنَا القومُ، وتنَحَّى رجَل منهم، فقال له عبدُ الله: ما شَأنُكَ؟! قال: إني حرَّمتُ الضَّرْعَ. قال: هذا من خطواتِ الشيطانِ؛ ادنُ وَكُلْ، وكَفِّرْ عَنْ يمينِكَ. ثم تلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} إلى قوله: {الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87] ". صحيح. أخرجه سعيد بن منصور في تفسيره -من "السنن"- (4/ 1519 / رقم: 772 - ط. الصميعي) ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8908). وأخرجه الحاكم في "المستدرك" (2/ 313 - 314) من طريق: إسحاق بن راهويه، عن جرير به. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين". ووافقه الذهبي. وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (1/ 192/ رقم: 755 - المعرفة) أو (1/ 198 - 199 الرشد)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1187/ رقم: 6691)، والطبراني (9/ رقم: 8907). من طريق: سفيان، عن منصور به. * * * ¬

_ (¬1) الضَّرْعُ: هو الخِففُ، مَدَرُّ اللبن لكل ذات ظِلفٍ أو خُفٍّ. "اللسان".

682 - قال سعيد بن منصور: نا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام، عن عمرو بن شُرَحْبِيل: "أنَّ معقِلَ بن مُقرَّن أتى عبدَ الله، فقال: إنه حرَّمَ الفِرَاشَ. فقال له عبدُ الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ} إلى قوله: {الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]، أعْتِقْ رقبةَ. قال: إنما قرأتُ الآيةَ البارحة، فأتيتُك. قال: عبدي سَرَقَ من عندي قَبَاء! قال: مالُكَ سَرَقَ بعضُه في بعض". قال: أظنه ذكر: أَمَتِي زنَتْ! قال: اجلِدْهَا. قال: إنها لم تُحْصِنْ. قال: إحصَانُها: إسلامُها". صحيح. أخرجه سعيد بن منصور (4/ 1520 - 1521/ رقم: 773) ومن طريقه الطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم 9692)، والبيهقي في "السنن الكبير" (8/ 243). ومنصور، هو: ابن المعتمر. وإبراهيم، هو: النخعي. وهمام، هو: ابن الحارث النخعي. وعبد الله، هو: ابن مسعود - رضي الله عنه -. وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (4/ 1187/ رقم: 6690) من طريق: أبي معاوية وابن نمير (¬1)، عن الأعمش، عن إبراهيم به - مختصرًا. وأخرجه سعيد بن منصور (4/ 1524/ رقم: 774)، والطبراني (9/ رقم: ¬

_ (¬1) تحرفت في المطبوع إلى: أبو معاوية بن نهر!!.

9694) من طريق: حماد بن زيد، عن منصور، عن إبراهيم، عن همام: أن معقل سأل ابنَ مسعود: .... فذكره. دون ذكر عمرو بن شرحبيل. والصواب: رواية سفيان، عن منصور. وللأثر طرق أخرى؛ انظرها في تخريج الدكتور سعد آل حميد على "السنن" لسعيد بن منصور. فقه الأثر: قال المحقق الشاطبي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الإعتصام" (2/ 202 - 203 ط. الشيخ مشهور): "وعلى ذلك جَرَتِ الفُتيا في الإسلام= أنَّ كلَّ من حرَّم على نفسه شيئا مما أحلَّ الله له؛ فليس ذلك التحريم بشيء؛ فليأكُلْ إن كان مأكولاً، وليشربْ ابن كان مشروبًا، وليلبسْ إن كان ملبوسًا، ولْيَملِكْ إن كان مملوكًا ... ". * * * 683 - قال أبو بكر الآجري: أنبانا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، أنبانا شجاع بن مَخْلَد، أنبأنا عباد بن العوام، أنبانا هشام، عن الحسن- في قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً} [البقرة: 201]- قال: "الحَسَنَةُ في الدنيا: العلمُ والعبادةُ، والجنَّة في الآخرة". صحيح. أخرجه أبو بكر الآجري في "أخلاق العلماء" (30)، وابن جرير الطبري في "تفسيره" (2/ 175)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (2/ 358/ رقم: 1879)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (13/ 529) أو (7/ 204/ رقم: 35304 - العلمية) أو (12/ 382/ رقم: 36324 - الرشد). من طريق: عباد بن العوام به. ورواه بعضهم من طريق: روح بن عبادة، عن هشام به. وهشام، هو: ابن حسان الأزدي؛ روايته عن الحسن البصري فيها مقال، فقد قيل: كان يرسل عنه.

من آداب السلام

لكن تابعه عليه سفيان بن حسين، أخرجه ابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (1/ 230/ رقم: 253). من طريق: سُنيد، قال: نا عباد بن العوام، عن سفيان بن حسين وهشام بن حسَّان -جميعَا- عن الحسن به. * * * - من آدابِ السَّلام: 684 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا مطر، قال: حدثنا رَوْحُ بن عُبادة، قال: حدثنا بسطام، قال: سمعت معاويةَ بن قُرْةَ، قال: قال لي أبي: "يا بُنَيَّ؛ إذَا مَرَّ بكَ الرَّجُلُ، فقال: السَّلامُ عليكم؛ فلا تَقُلْ: وعليكَ. كأنكَ تخصُّه بذلك وحدَه؛ فإنه ليس وحده، ولكن قلْ: السَّلامُ عليكم". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (791). * * * - طعامُ العُرس والوليمة: 685 - قال أبو عبد الله البخاري: حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه كان يقول: "شَرُّ الطعَامِ: طَعَامُ الوَلِيمَةِ؛ يُدْعَى لَها الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ! ومَنْ تَرَكَ الدَّعوَةَ فَقَدْ عَصَى الله ورسولَهُ - صلى الله عليه وسلم -". أخرجه البخاري في "صحيحه" (5177)، ومسلم (1432)، ومالك (2/ 546)، وأبو داود (3742)، وابن ماجه (1913)، وأحمد (2/ 241)، والحميدي (1171)، وسعيد بن منصور في "سننه" (524) وغيرهم. من طريق: الزهري به. مسلم (1432/ 109)، وعبد الرزاق في "المصنف" (19662)، وأحمد (2/ 267)، وابن حبان (5304، 5305) وغيرهم. من طريق: الزهري، عن سعيد بن المسيّب وعبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة به.

الغسل يوم الجمعة

ورواه مسلم (1432/ 110) من طريق: سفيان، عن زياد بن سعد، عن ثابت الأعرج، عن أبي هريرة -رفعه-. وانظر: "الفتح" (9/ 244 - 246). - فقه الأثر: قال الإمام النووي -رَحِمَهُ اللهُ- في "المنهاج" (9/ 237): "معنى هذا الحديث: الإخبار بما يقع من الناس بعده - صلى الله عليه وسلم - من مراعاة الأغنياء في الولائم ونحوها، وتخصيصهم بالدعوة، وإيثارهم بطيب الطعام، ورفع مجالسهم وتقديمهم، وغير ذلك مما هو الغالب في الولائم، والله المستعان". * * * - الغُسل يوم الجمعة: 686 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا محمد بن بِشْر وابن فُضيل، قالا: حدثنا مِسْعَر، عن وَبْرَة، عن همام بن الحارث، قال: قال عبد الله (¬1): "إن من السُّنةِ: الغُسْلَ يوم الجمعة". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2/ 96) أو (/ 2/ 528 رقم: 5056 - الرشد)، وعبد الرزاق في "مصنفه" (3/ 200/ رقم؛ 5316)، والبزار (1532)، ومحمد بن عبد الله البغدادي في "فوائده" (328). من طرق؛ عن مِسْعَر بن كدام به. وهذا إسناد صحيح -كما قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في "الضعيفة" (8/ 440). وروي مرفوعًا؛ ولا يصح -كما في "الضعيفة" (8/ 440/ رقم: 3969) -. * * * ¬

_ (¬1) يعني: ابن مسعود.

لم يكن يقطع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه

687 - قال ابن أبي شيبة: حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: "لَمْ يَكُنْ يُقْطَعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وآله وسلم - في الشَّيءِ التَّافِهِ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (9/ 476 - 477) أو (9/ 289/ رقم: 28575 - الرشد). وإسناده صحيح. * * * 688 - قال الحافظ أبو بكر عبد الله بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن سَلَمة بن كهيْل، عن مصعب بن سعد، عن سعد [بن أبي وقَّاص]، قال: "المؤمنُ يُطْبَعُ على الخِلالِ كُلّها؛ غير الخيانَةِ والكَذِبِ". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 592) و (11/ 18 - الهندية) أو (8/ 425/ رقم: 25996) و (10/ 295/ رقم: 30853 - ط. الرشد)، وفي "الإيمان" (رقم: 81)، والدارقطني في "العلل الواردة في الأحاديث النبوية" (4/ 331). من طريق: سفيان الثوري به. وأخرجه ابن المبارك في "الزهد" (828)، وابن أبي الدنيا في "الصمت وآداب اللسان" (490)، والبيهقي في "السنن الكبير" (10/ 197). من طريق: شعبة، عن سلمة بن كهيل به. ورواه ابن أبي الدنيا عن شعبة وسفيان مقرونًا. وإسناده صحيح على شرط الشيخين، كما قال الألباني في تحقيقه على كتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة. وروي مرفوعًا؛ قال الحافظ أبو الحسن الدارقطني: "وقيل: عن الثوري، عن سلمة مرفوعًا؛ ولا يثبت". ثم ذكر بعض طرقه، وقال: "والموقوف أشبه بالصواب".

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: "وروي مرفوعًا؛ ورفعه ضعيف". قلت: المرفوع أخرجه: البزار في "مسنده"-"البحر الزخار" (1139) أو "كشف الأستار" (1/ 69/ رقم: 102)، وأبو يعلى في "مسنده" (2/ 67 - 68/ رقم: 711)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (472)، وفي "مكارم الأخلاق" (144)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (588، 591)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 44)، والبيهقي في "السنن الكبير" (10/ 197)، وفي "شعب الإيمان" (4/ 207/ رقم: 4859، 4810 - العلمية) أو (4546 - 455/ رقم: 4469 - الرشد)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 706/ رقم: 1175). من طريق: داود بن رشيد، ثنا علي بن هاشم، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، مرفوعًا. قال الحافظ البزار: "روي عن سعد من غير وجه موقوفًا، ولا نعلم أسنده إلا علي بن هاشم بهذا الإسناد". وقال الحافظ الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي في "علل الحديث" (2/ 328 - 329/ رقم: 2506): "سئل أبو زرعة عن حديث رواه علي بن هاشم بن البريد، عن الأعمش، عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد، عن أبيه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "على كل خِلَّة يُطْبَعُ المؤمنُ؛ إلا الخيانة والكذب". قال أبو زرعة: "هذا يُروَى عن سعد موقوف". وأعلَّه بالوقف -كما تقدم- الدارقطني، والبيهقي، وكذا ابن الجوزي. وقال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/ 508): "وسنده قوي، وذكر الدارقطني في "العلل" أن الأشبه أنه موقوف". وانظر: "علل الدارقطني" (4/ 329 - 331/ رقم: 602). والحديث ضعَّفه العلامة الألباني -مرفوعًا- في "الضعيفة" (3215)، وذكر شواهده، وبيَّن ضعفها؛ فانظره هناك.

ما يقال عند سماع الرعد

تنبيه: قال الحافظ السخاوي -رَحِمَهُ اللهُ- في "المقاصد الحسنة" (ص 315): "وهو - (أي: الأثر) - مما يُحكم به بالرفع -على الصحيح-؛ لكونه مما لا مجال للرأي فيه". * * * 689 - وقال ابن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن منصور، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عبد الله [بن مسعود - رضي الله عنه -]، قال: "المؤمنُ يُطْوَى على الخلالِ كُلِّها؛ غير الخيانة والكذب". صحيح. أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (8/ 592) و (11/ 18 - 19) أو (8/ 425/ رقم: 25995) و (10/ 295/ رقم: 30854 - الرشد)، وفي "الإيمان" (80)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (691)، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/ رقم: 8909). من طريق: سفيان به. قال الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تحقيقه على كتاب "الإيمان" لابن أبي شيبة (ص 35/ رقم: 80): "إسناده موقوف صحيح، ورجاله ثقات رجال الشيخين؛ غير مالك بن الحارث؛ وهو السُّلمي الرقي = وهو ثقة". * * * - ما يقَالُ عند سماع الرَّعْدِ: 690 - قال البخاري -رَحِمَهُ اللهُ-: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك بن أنس، عن عامر بن عبد الله بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير: "أنه كان إذا سمع الرعدَ تركَ الحديثَ، وقال: سبحان الذي يُسَبِّحُ الرعدُ بحمدِهِ والملائكةُ من خِيفَتِه". ثم يقول: "إن هذا لوَعِيدٌ شَدِيدٌ لأَهْلِ الأرضِ". صحيح. أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" (73)، ومالك في "الموطأ" (4/ 524 - 525/ رقم: 2019 - ط. الهلالي)، وابن أبي شيبة (10/ 215 - 216/ رقم: 9263 - الهندية) أو (10/ 25/ رقم: 29702 - الرشد)، وأحمد في

قول العالم: لا أعلم

"الزهد" (ص 249)، وابن سعد في "الطبقات الكبير" (6/ 483 - ط. الخانجي)، وابن أبي الدنيا في "المطر والرعد والبرق والريح" (97)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (1009)، وأبو الشيخ في "العظمة" (4/ 1291/ رقم؛ 783)، والبيهقي في "السنن الكبير" (3/ 362). من طريق: مالك به. وإسناده صحيح. وصحَّح إسناده الحافظ النووي -رَحِمَهُ اللهُ- في "الأذكار" (1/ 472/ رقم: 531 - ط. الهلالي) أو (ص 352/ رقم: 566 - ط. ابن خزيمة) فقال: "وروينا بالإسناد الصحيح في "الموطأ" ... ". وصحَّح إسناده الشيخ الألباني -رَحِمَهُ اللهُ- في تعليقه على "الكلم الطيب" (ص 136/ رقم: 157). * * * - قول العالم: لا أعلم: 691 - قال عبد الله بن المبارك: أنا محمد بن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر: أنه سُئِلَ عن أَمْرٍ، فقال: "لا أعلم". صحيح. أخرجه ابن المبارك في "الزهد" (51)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 364/ رقم: 1108)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 490)، والآجري في "أخلاق العلماء" (97). وإسناده صحيح. وأخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 276/ رقم: 187)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (2/ 364/ رقم: 1107)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 493)، وابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (2/ 834/ رقم: 1563). من طريق: عبد الله بن عمر العمري، عن نافع: أن رجلًا أتى ابنَ عمر يسألهُ عن شيءِ، فقال: "لا علم لي". ثم التفت بعد أَنْ قفَّى الرجلُ، فقال: "نِعْمَ ما قال ابن عمر؛ يُسأَلُ عمَّا لا يعلم، فقال: لا عِلْمَ لي" = يعني نفسه.

وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبد الله بن عمر العمري؛ لكنه يصح بالمتابعة التي قبله. * * * 692 - قال الآجري: أنبأنا جعفر الصندلي، أنبأنا أحمد بن منصور الرمادي، أنبأنا محاضر، عن الأعمش، عن عطية، قال: "جاء رجلٌ إلى ابن عمر يسألُه عن فريضةِ هيّنة من الصُّلْب، فقال: لا أدري. فقام الرجلُ، فقال له بعض من عنده: أَلاَ أخبرتَ اَلرجُلَ! فقال: لا؛ والله ما أدري! ". صحيح. أخرجه الآجري في "أخلاق العلماء" (98). ومحاضر بن المورع؛ قال عنه أبو حاتم: "ليس بالمتين، يُكتب حديثُه". وقال أبو زرعة: "صدوق". وقال النسائي: "ليس به بأس". قلت: وتابعه وكيع، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عمر به. أخرجه ابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 835/ رقم:1566). * * * 693 - وعن حيوة بن شريح، قال: أخبرني عقبة بن مسلم: أنَّ ابنَ عمر سُئِلَ عن شيء، فقال: "لا أَدرِي"، ثم أتبعها؛ فقال: "أتريدون أَنْ تجعلوا ظهورَنا لكم جسورًا في جهنم؛ أَنْ تقولوا: أفتانا ابنُ عمر بهذا؟! ". صحيح. أخرجه الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 365/ رقم: 1109)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 490، 493) من طريق: ابن المبارك، عن حيوة بن شريح به. وأخرجه ابن عبد البرّ في "جامع بيان العلم" (2/ 841/ رقم: 1585) من طريق أخرى عن حيوة به.

694 - قال الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر: حدثنا عبد الوارث بن سفيان، ثنا قاسم بن أصبغ، ثنا أحمد بن زهير، ثنا الوليد بن شجاع، ثنا ابن نمير، قال: ثنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: "سُئِلَ سعيدُ بن جُبير عن شيءِ، فقال: لا أعلم. ثم قال: ويل للَّذي يقولُ لما لا يعلمُ: إني أعلم". صحيح. أخرجه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/ 836/ رقم: 1568). وإسناده صحيح، رجال إسناده ثقات. وقول الحافظ ابن حجر في "التقريب" في عبد الملك بن أبي سليمان: "صدوق له أوهام". ليس بدقيق. وانظر: "تحرير تقريب التهذيب" (4184). * * * 695 - وقال أبو محمد الدارمي: حدثنا مخلد بن مالك، ثنا حكام بن سلم، عن أبي خيثمة، عن عبدالعزيز بن رفيع، قال: "سُئِلَ عطاءٌ عن شيءٍ، فقال: لا أدري. قال: قيل له: أَلاَ تقولُ فيها برأيكَ؟ قال: إني أستحيي من الله -عَزَّ وَجَلَّ- أَنْ يُدَانَ في الأرضِ برأيي". صحيح. أخرجه الدارمي في "مسنده" (1/ 234 - 235/ رقم: 108 - ط. الداراني). وإسناده صحيح.

696 - قال الدارمي: أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، قال: "لأن يعيشَ الرجلُ جاهلَا بعدَ أَنْ يَعلَمَ حق الله عليه، خيرٌ له مِنْ أَنْ يقولَ ما لا يعلمُ". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 236 - 237/ رقم: 112)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 184)، وأبو خيثمة في "العلم" (90)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 378، 367/ رقم: 1115، 116)، والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 548)، والبيهقي في "المدخل" (806). من طرق؛ عن يحيى بن سعيد الأنصاري به. والقاسم هو: ابن محمد بن أبي بكر الصديق. * * * 697 - وقال الدارمي: أخبرنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: سمعت القاسمَ سُئِلَ- قال: "إنّا -واللهِ- لا نعلمُ كلَّ ما تَسْأَلونَ عنه، ولو علِمنَا ما كتمناكم، ولا حَلَّ لنا أَنْ نَكْتُمَكُم". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 237/ رقم: 113)، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (/ 2/ 368 رقم: 1117)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (2/ 836/ رقم: 1567) -معلقًا- والفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 548 - 549)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/ 173). من طريق: حماد بن زيد به. وأخرجه الدارمي (1/ 240/ رقم: 120)، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله، حدثنا معاذ بن معاذ، عن ابن عون، قال: قال القاسم: "إنكم لتسألون عن أشياءَ ما كُنَّا نَسْاَلُ عنها، وتُنَقِّرُونَ عن أشياءَ ما كُنا نُنَقِّرُ عنها، وتسألون عن أشياءَ ما أدري ما هي! ولو علِمناها ما حَلَّ لنا أَنْ نكتُمُكُمُوهَا".

698 - قال الدارمي: أخبرنا عبد الله بن سعيد، أنبأنا أحمد بن بشير، حدثنا شعبة، عن جعفر بن إياس، قال: "قلتُ لسعيد بن جُبير: ما لَكَ لا تقولُ في الطَّلَاقِ شيئَا؟ قال: ما مِنْهُ شيءٌ إلَّا قد سَأَلْتُ عنه، ولكنّي أكره أَنْ أُحِلَّ حرامًا، أَوْ أُحَرِّمَ حلالاً". صحيح. أخرجه الدارمي (1/ 248/ رقم: 136). وإسناده صحيح. * * * 699 - وعن عبد الله بن يزيد بن هرمز، قال: "ينبغي للعالم أَنْ يُورِّثُ جلساءَه من بعده: (لا أدري)، حتى يكون ذلك أصلاً في أيديهم يَفْزَعُونَ إليه، إذا سُئِلَ أحدُهم عمَّا لا يدري، قال: لا أدري". صحيح. أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في "التاريخ والمعرفة" (1/ 655)، والخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 367/ رقم: 1114)، والبيهقي في "المدخل" (809). من طريق: زيد بن بشر، قال: أخبرني ابن وهب، أخبرني مالك بن أنس؛ أنه سمع عبد الله بن يزيد به. * * * 700 - قال أبو بكر الآجُرّي -رَحِمَهُ اللهُ-: أنبأنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، أنبأنا الحسين بن الحسن المروزي، أنبأنا عبد الله بن المبارك، أنبأنا أبو الحكم، عن موسى بن أبي كردم -كذا- وقال غيره: ابن أبي درم، عن وهب بن منبّه، قال: "بُلغَ ابنُ عباس عن مجلس كان في ناحيةِ بني سهم، يجلسُ فيه ناسٌ من قريش يختصمون، فترتفع أصواتُهم. فقال ابنُ عباس: انطلِق بنا إليهم. فانطلقنا حتى وقفنا، فقال ابنُ عباس: أَخْبِرْهُمْ عن كلام الفتى الذي

كلَّم به أيوب (¬1) في حاله. قال وهب: فقلتُ: قال الفتى: يا أيوب؛ أَمَا كان في عظمةِ الله وذِكْرِ الموتِ ما يُكِلُّ لسانكَ، ويقطع قلبك، ويكسرُ حُجَّتَكَ؟!. يا أيوب؛ أمَا علِمتَ أن لِلَّهِ عِبَادًا أَسْكَتَتْهُمْ خَشْيَةُ الله مِنْ غَيرِ عِيّ ولا بُكم، وإنهم همِ النُّبلاءُ الفُصحاءُ، الطلقاءُ الأَلبَّاءُ، العالِمُونَ باللهِ وآياته؛ ولكنهم إذا ذكَرَوا عظمةَ اللهِ انقطعت قلوبُهم، وكلَّت ألسنتهم، وطاشَتْ عقولُهم وأحلامُهم، فَرَقَا من اللهِ، وهيبةَ له، وإذَا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله -عَزَّ وَجَلَّ- بالأعمال الزاكية. لا يستكثِرُونَ لِلَّهِ الكثيرَ، ولا يَرضَوْنَ له بالقليل. يعدُّون أنفسَهم مع الظالفين الخاطئين؛ وإنهم لأَتْرَاهٌ أبرارٌ. ومع المُضَيعينَ المفرِّطينَ؛ وإنهم لأكياسٌ أقوياء. ناحِلُونَ ذائبونَ. يراهم الجاهلُ، لْيقول: مرضى! وليسوا بمرضى، قد خولطوا وقد خالط القومَ أمرٌ عظيم". خبر جيّد لا بأس به. أخرجه الآجري في "أخلاق العلماء" (48)، وفي "الشريعة" (1/ 193 - 194/ ر قم: 135 - ط. الوليد سيف النصر)، وابن المبارك في "الزهد" (1495)، وأبو الشيخ الأصبهاني في "العظمة" (1/ 346 - 349/ رقم: 78)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10/ 79 - ط. دار الفكر). من طريق: أبي الحكم به. وأخرجه الآجري في "الشريعة" (1/ 194/ رقم: 136) من طريق: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، حدثني موسى بن أبي درم به. وأخرجه الدينوري في: "المجالسة" (3/ 411 - 412/ رقم: 1021) ومن طريقه ابن عساكر (10/ 78) من طريق: محمد بن يونس، نا الحميدي، عن سفيان بن عيينة، عن ابن عباس، به نحوه مختصرًا. ¬

_ (¬1) أي: نبيُّ الله أيوب - عليه الصلاة والسلام -.

وأخرجه أحمد في "الزهد" (231)، والفاكهي في "أخبار مكة" (2/ 121 - 122/ رقم: 1272)، وابن عساكر (10/ 80 - 82). من طرق أخرى؛ عن ابن وهب. وهذا الأثر من الإسرائيليات التي يرويها وهب بن منبه، وإنما أوردته هنا في آخر الجزء لما حواه من معانٍ لطيفة، وكلام جيّد نافع، والله المستعان. * * * انتهى - بحمدِ الله - الجزء الثاني من السلسلة، ويليه -إن شاء الرحمن- الجزء الثالث. وأوَّله أثر: "مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَت عليه جهنَّم ... " والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات

§1/1