سفط الملح وزوح الترح

ابن الدجاجي

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله الرحمن الرحيم وبه العون والثقة قال الشيخ الإمام العالم الحبر الورع مهدي الدين جمال الإسلام، شمس العلماء، ناصر السنة ناصح الأمة بقية السلف الشيخ العراقين أبو الحسن سعد الله بن نصر بن سعيد بن علي بن الدجاحي الفقيه الواعظ أطال الله عمره ورفع في الدارين قدره، وأمتع بحياته ونفع بكلماته، وأعاد علينا من بركاته: الحمد لله حمداً يبلغ منتهى رحمته ورضوانه، وله الشكر شكراً لزيادة من نعمه وإحسانه، وله الفضل اعترافاً بأياديه وامتنانه، وله الثناء تقديساً لجلاله وعظم شأنه، الذي من بالعقول لمعرفة دلائله وبرهانه، ومهد الشرائع ترغيباً في طاعته، وترهيباً من عصيانه، وبعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالدين الحنيف، وتبيانه، وأيده بالمعجز الخارق وسلطانه، فأقام عهد الحق بتشييد أركانه، ودرس معالم الضلال بتشريك شيطانه، فصلوات الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأعوانه، وعلى التابعين لهم بإحسان في إقامة الدين وإتقانه، صلاة باقية إلى ممر الأبد وطول زمانه. أما بعد: فإن الله في النفوس الملل، وطبع في القلوب السام، والضجر، فلا صبر لها على الفن المتخذ، ولا المقام على المعنى المنفرد، بل وضعت على التنقل، وطبعت على التفلت، حتى أطلق عنانها في فن من شهواتها، وأخرجت في أسلوب من لذاتها، لمالت عنه يميناً وشمالاً، وظلت عنه نقلة وارتحالاً، وتقلبت من المقام فيه، وتطلعت إلى سواه، وارتاحت إلى غيره. ولهذا قال ابن مسعود (رضي الله عنه) : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة مخافة السامة". وقال [1] (عليه السلام) : "لا تحملوا من العمل ما لا تُطيقون فإن الله لا يمل، حتى تملّوا". وقال أبو العتاهية: قال المأمون من شأن النفس الملل، وحب الاستطراق، فقلت: أجل يا أمير المؤمنين، ولي في هذا المعنى بيت وهو: [البسيط] لا يصلحُ النَّفسَ، إذ كانتْ مصرَّفةً ... إلا التَّنقُّلُ منْ حالٍ إلى حالِ فأعجبه، وقد قال الشاعر: [البسيط] ما سمِّيَ القلبَ إلاَّ منْ تقلُّبهِ ... والمرءَ إنسانٌ إلاَّ أنَّهُ ناسي فلما كان هذا من شيمة القلوب، وسجية النفوس، ضمنت هذا المجموع فنوناً من أخبار الأنبياء، والأولياء، ووصايا العقلاء، والحكماء، وحكايات الخلفاء، والوزراء، وآثار النبلاء، والكرماء، وألفظ الفصحاء، والفضلاء، وأجوبة الألباء، والفهماء، وقرائح الفقهاء، والعلماء، ومنظوم طرائف الخطباء، والشعراء. ولم أقصد استيفاء فن، ولا استطراده، ولا إفراد معنى من أشكاله، وأضداده بل أودعته محاسن ما وقع لي على اختلافه، وتنويع معانيه، وأصنافه، ووسمته [بسفط الملح وزوح الترح] ليكون راحة عند عدم المؤانسة وعوناً على المفاكهة، والمجالسة، والله بكرمه يتجاوز لنا عن الخطايا، والزلل، ويوفقنا لصالح القول، والعمل بمنه وكرمه، ورحمته وجوده، إنه جواد كريم. روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "من تعلم باباً من العلم عمل به، أو لم يعمل به، كان أفضل من صلاة ألف ركعة. فإن عمل به، أو علمه، كان له ثوابه وثواب من عمل به إلى يوم القيامة". وقال أبو الدرداء: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : "كيف بك يا عويمر إذا قيل لك يوم القيامة. أعلمت، أو جهلت؟ فإن قلت قيل لك: فماذا عملت فيما علمت؟ قال: قلت جهلت، قيل لك: فما عذرك فيما جهلت؟ ألا تعلمت؟ ". قال عمر بن العزيز: ما من شيء إلا، وقد علمت إلا أشياء صغار، كنت أستحي أن يرى مثلي عنها، فيقي في جهالتها إلى الساعة. قال لقمان لابنه: يا بني عليك بمجالس العلماء، فالزمها واسمع من كلام الحكماء، فإن الله تعالى، يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء. قال ابن [2] شهاب: العلم أفضل من العمل لمن جهل والعمل أفضل من العلم لمن علم. قال رجل لأحمد بن حنبل (رضي الله عنه) : (أنسخ بالليل، وأصلي، فقال: إن كنت معلماً أنسخ) وكان يقال: لا يزال المرء عالماً ما دام في طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم، فقد جهل.

قيل: كتب زاهد إلى عالم صف لي الدنيا واجمع إليها الآخرة، وأوجز. فكتب إليه: الدنيا سنات، والآخرة يقظة، والمتوسط الموت، ونحن في أضغاث أحلام. وقال لقمان لابنه: يا بني إنك منذ سقطت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة، وأنت إلى ما استقبلت أقرب منك إلى ما استدبرت. قال علي عليه السلام: "لكل امرئٍ في ماله شريكان، الوارث، والحوداث". نظمه ابن المعتز فقال: يا مالُ كلُ جامع ووارث ... أبشرْ بريبِ وارثٍ وحادثِ يقال: إن صحبة بليد نشأ مع العقلاء، خير من صحبة لبيب نشأ مع الجهال. قال أبو العيناء يوماً لعبد الله بن يحيى: أعز الله الوزير، نحن في العطلة مرحومون، وفي الوزراء محرومون، فمتى يكون الفرج؟ كان سعد بن عبادة يقول: اللهم ارزقني مجداً وحمداً، فإنه لا مجد إلا بمال، ولا حمد إلا بفعال قال بعضهم: تذاكرنا عند معون أفضل الأشياء، فقال الأحنف: أفضل الكلام قيل كيف، قال: لأن العقلاء أحسن ما خلق، والكلام ترجمانه. قال عبد الله بن عمر: اتقوا من تبغضه قلوبكم. وقال يحيى بن خالد البرمكي رحمه الله: إذا كرهتم الرجل من غير سوء أتاه إليكم فاحذروه، وإذا أحببتم الرجل من غير سوء أتاه إليكم فاحذروه وإذا أحببتم الرجل من غير سبق منه إليكم فارتجوه. قيل إنه خرج المهدي إلى ماشيذان للصيد، فنصب الشبك، والأشراك للغزلان على الماء، فوردت لتشرب فوجدت ذلك، فتفرقت ونفرت، ثم عادت اليوم الثاني، والثالث وجهدها العطش. قال: فرآها الناس قد اجتمعت، ورفعت رؤوسها إلى السماء، تضج لضجيج أصواتها فنشأت سحابة في الوقت، وأرسلت وابلها، حتى ملأت الأرض، وشربت ورويت، ولم يلبث المهدي بعد ذلك إلا أياماً مات. قيل لحكيم [3] ما النعمة؟ قال: الأمن، فلا لذة لخائف، والغني، فلا لذة لفقير، والعافية، قلا لذة لسقيم. قالوا: زدنا قال: لا أجد مزيداً، وفي نسخة أخرى، والشباب، فلا لذة لشيخ. وروي في الآثار أنه "من أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه، مالكاً قوت يومه فكأنما ملك الدنيا بحذافيرها". وقد نظم المعنى بعض الشعراء فقال: [مجزوء الكامل] منْ نالَ منَ السِّربِ في دعةٍ ... وأصابَ عافيةً منَ البلوى وأناهُ قوتُ اليومِ في سعةٍ ... فكأنَّما حيزتْ لهُ الدُّنيا قال رجل للمنصور: الانتقام عدل، والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله من أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين، وقال المأمون: لو علمت الرعية ما لنا في لذيذ العفو ما تقريت إلينا بغير الجنايات، وإني لأحسب أنني لا أجر لي لاستلذاذي به، وللمعنى: [الطويل] لعمركَ ما بالمالِ يكتسبُ الغنى ... ولا باتِّساعِ المالِ يكتسبُ الفضلُ فكمْ منْ قليلِ المالِ تحمدُ بذلهُ ... وآخرُ ذا مالٍ وليسَ لهُ بذلُ وما سبقتْ منْ جاهلٍ قطُّ نعمةٌ ... إلى أحدٍ إلاّ أضرّ بها الجهلُ وذو اللُّبِّ إنْ لمْ يعطي أحمدتَ ودَّهُ ... وإنْ هوَ أعطى زانهُ القولُ، والفعلُ روي أنه دخل كعب الأحبار على عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال له عمر: يا أبا إسحاق اجلس على هذه الوسادة، فتركها وجلس دونها، فقال له عمر: ما منعك مما قلت لك؟ قال: يا أمير المؤمنين: إن في حكمة آل سليمان ألا تكبر على السلطان، حتى يملك، ولا نقعد عنه، حتى ينساك، واجعل بينك وبينه مجلس رجل، أو رجلين، فعسى أن يأتيه من هو أولى منك بذلك، فتقام عنه، فيكون زيادة له ونقصاً عليك، فقال عمر: صدق الله تعالى: (وَمِن قَوْمِ مُوسَىَ أُمّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف: 159] . قال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني إذا طلبت الغني فاطلبه بالقناعة، فإن لم يكن لك قناعة فليس يغنيك مال. مدح أعرابي رجلاً [4] فقال: ذاك من شجر لا يخلف ثمره، ومن لا يخاف كدره. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يزال المسروق منه في تهمة من هو برئ، حتى يكون أعظم جرماً من السارق".

قال أبو بكر الصديق لعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : إنني مستخلفك بعدي وموصيك بتقوى الله تعالى إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وأنه لا يقبل نافلة، حتى تؤدي الفريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة، باتباعهم الحق في الدنيا، وثقله عليهم عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه الحق ثقيلاً. وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة، باتباعهم الباطل في الدنيا، وخفته عليهم، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً، إن الله (عز وجل) ذكر أهل الجنة، فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم. فإذا أذكرتهم، قلت: إني أخاف ألا أكون من هؤلاء. وذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ولم يذكر حسناتهم، فإذا أذكرتهم قلت: إني لأرجو أن لا أكون من هؤلاء، وذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون العبد راغباً راهباً، ولا تتمنى على الله عز وجل غير الحق، ولا تلقى بيدك إلى التهلكة، فإن حفظت وصيتي، فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت، وهو آتيك، وإن أضعت وصيتي، فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت، ولست بمعجز الله (عز وجل) . قال رجل للمنصور: اتق الله فنكر وجهه، فقال يا أمير المؤمنين: عليكم نزلت، ولكم قيلت وإليكم ردت، قال علي (رضي الله عنه) : خصصنا بخمس: فصاحة وصباحة وسماحة وجدة وحظوة يعني عند النساء. ليم مصعب بن الزبير على تطويل خطبته عشية عرفة. فقال: أنا قائم، وهم جلوس، وأتكلم، وهم سكوت، ويضجرون. أخبرنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن أحمد بن شادان، قال: أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زيادة القطان، قال: حدثنا محمد بن يونس، قال: أخبرنا محمد بن حجر الشامي قال: حدثنا علي بن منصور الأنباري قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن الوقاصي عن محمد بن كعب القرطي قال: بينما عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في خلافته في المسجد، إذ مر في ناحية المسجد مار، فقال رجل من القوم: تعرف هذا المار [5] يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، ومن هو؟. قال: رجل من أهل اليمن له فيهم شرف، وأصل، يقال له سواد بن قارب، وهو الذي أتاه ربه أن يخبر بالمغيبات من الحق بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر علي به، فدعي بالرجل، فقال له: "أنت سواد بن قارب الذي أتاك ربك أخباراً من الجن بظهور رسول الله عليه السلام، قال: نعم يا أمير المؤمنين". قال: فأنت على ما كنت من كهانتك، فغضب الرجل غضباً شديداً، وقال: والله ما استقبلني بهذا أحد منذ أسلمت، فقال عمر: يا سبحان الله ما كنا عليه من الشرك أعظم مما كنت عليه من كهانتك، أخبرنا بشأنك ورتبك، ومن أتاك حين أتاك بظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم، "بينما أنا ذات ليلة من الليالي بين النائم، واليقظان إذ أتاني آتٍ فضربني برجله وقال لي: قم يا سواد بن قارب وافهم إن كنت تفهم، واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسول الله من لؤي بن غالب يدعو إلى الله وإلى عبادته". ثم أنشأ يقول: [السريع] عجبتُ للجنِّ وتحساسها ... وشدِّها العيسِ بأحلاسها تهوي إلى مكةَ تبغي الهدى ... ما طاهرُ الجنّ ككفارها فارحلْ إلى الصَّفوةِ منْ هاشمٍ ... واسمُ يعينيكَ إلى رأسها قال، فلم أرفع رأساً بقوله، وقلت: دعني أنام فإني ناعس، فلما أقيلت الليلة الثانية ضربني برجله، وقال: قم يا سواد بن قارب واعقل إن كنت تعقل، قد بعث الله رسول الله من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول: [السريع] عجبتُ للجنِّ وأخبارها ... وشدِّها العيسِ بأكوارها تهوي إلى مكةَ تبغي الهدى ... ما مؤمنُ الجنِّ ككفَّارها فارحلْ إلى الصَّفوةِ منْ هاشمٍ ... بينَ روابيها وأحجارها قال: فلم أرفع به رأساً، فلما كنت الليلة الثالثة أتاني فضربني برجله وقال: قم يا سواد بن قارب واعقل إن كنت تعقل، إنه قد بعث رسول من لؤي بن غالب، يدعو إلى الله وإلى عبادته، ثم أنشأ يقول: [السريع] عجبتُ للجنِّ وطلابها ... وشدَّها العيس بأقتابها تهويْ إلى مكَّةَ تبغي الهدى ... ما صادقُ الجنِّ ككذَّابها [6] فارحلْ إلى الصَّفوةِ منْ هاشمٍ ... ليسَ قداماها كأذنابها

فوقع في قلبي الإسلام ورغبت فيه، فلما أصبحت شددت على راحلتي، وانطلقت في طلب النبي صلى الله عليه وسلم فلما كنت ببعض الطريق، أخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد هاجر إلى المدينة، فلما دخلت المدينة سألت عنه، فقالوا: في المسجد، فأتيت المسجد فأنخت راحلتي على الباب، ثم دخلت المسجد، فإذا النبي عليه السلام جالس، وأصحابه، فقلت: اسمع مقالتي يا رسول الله عليك، قال ادن، فلم يزل يدنيني، حتى صرت بين يديه، ثم قال: قل: فأنشأت أقول: [الطويل] أتاني بجنٍّ بعدَ هدءٍ ورفدةٍ ... ولمْ يكُ فيما قدْ بلوتُ بكاذبِ ثلاثُ ليالٍ قولهُ كلَّ ليلةٍ ... أتاكَ رسولٌ منْ لؤيّ بنِ غالبِ فشمَّرتُ منْ ذيلي الإزارُ، ووسَّطتُ ... بي الذُّغلبَ الوجناءَ بينَ السَّباسبِ فأشهدُ أنْ الله لا شيء غيرهُ ... وأنَّكَ مأمونٌ على كلِّ غائبِ وأنَّكَ أدنى المرسلينَ وسيلةً ... إلى الله يا ابنَ الأكرمينَ الأطايبِ فمرنا بما يأتيكَ يا خيرَ منْ مشى ... وإنْ كانَ فيما جاءَ شيبَ الذوائبِ وكنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ ... سواكَ بمغنٍ عنْ سواد بن قارب قال: ففرح رسول الله ((صلى الله عليه وسلم) بإسلامي فرحاً شديداً، وأصحابه، حتى رؤي الفرح في وجوههم، فقام إليه عمر فالتزمه وقال: والله لقد كنت أشتهي أن أسمع هذا الحديث منك، أخبرني عن رؤيتك اليوم، قال: منذ قرأت كتاب الله، فما رأيت شيئاً، فقال عمر: ونعم العوض كتاب الله من الجن. قال رجاء بن حيوة لعبد الملك بن مروان في أسارى بن الأشعث: إن الله قد أعطاك من الظفر، والقهر ما تحب، فأعطه ما تحب من الصفح، والعفو، بعض الشعراء: [الطويل] عطفتْ عليكَ النفسُ، حتَّى كأنَّما ... بكفَّيكَ بؤسٌ، أو لديكَ نعيمها تبعتكَ، إذ عيني عليها غشاوةٌ ... فلمَّا انجلتْ قطعتٌ نفسي ألومها فإنِّي عن أقصيتني منْ ضراعةٍ ... ولا افتقرتْ نفسي إلى ما تسومها قيل لعبد الله بن الأهتم ما السؤدد قال: رفع الأولياء، وحط الأعداء، وطول البقاء مع القدرة، والنماء، إذا قصرت بداك عن المكافآت فليبطل لسانك بالشكر. [7] قيل: جلس المأمون مجلساً عاماً فقام إليه غلام من البرامكة، فقال: أحلنا سخط أمير المؤمنين المأمون، الماضي بدار هوان، فنحن بها يطرقنا الذل، وقد ألفت أنفسنا ذلك، فنحن، كما قالت بنت النعمان: [الطويل] فبينا نسوسُ النَّاس، والأمرُ أمرنا ... إذْ نحنُ فيهم سوقةٌ نتنصَّفُ فأمر بانصرافه وبره. قال بزرجمهر: رأيت من أنوشروان خليقتين مباينتين لم أر مثلهما، رأيته يوماً، وقد دخل عليه بعض أساورته فتجاوز مرتبته، فأمر به، وحرم عطاءه، ثم رأيته، وأنا معه على سرير الملك في شيء من تدبير المملكة، فارتفع أصوات الخدم وحركة الحشم، فقطعونا عما كنا فيه. فقلت أيها الملك رأيت بالأمس قد أمرت بفلان مع خدمته لأجل تجاوز اليسير من مرتبته، وأراك ساكناً، عن هؤلاء الخدم مع ضآلة حرمتكم وعظيم حرمتهم. فقال: يا بزرجمهر إنا معاش الملوك حكام على رعيتنا وخدمنا، حكام على أرواحنا، فيكون منا في خلوتنا من التبدل ما لا طاقة لنا بدفعه عنا، فإن منعناهم وضيقنا عليهم تمنوا الراحة منا، وأمكنهم ذلك في المأكول، والمشروب، والملبوس فنحن نتجاور لهم عن الزلة، ونغفر لهم الخطيئة إشفاقاً على أرواحنا، فخر بزرجمهر ساجداً وقال: حق على من أخذ الملك بالسيف أن يكون عبداً لمن أخذه بالرأي، والحكمة وحسن التدبير. قال سهل بن سعد الساعدي: لقيني رجل من أصحابي، فقال: هل لك في جميل؟ فإنه مثقل، فدخلنا عليه، وهو يجود بنسفه، فقال: ما تقول في رجل لم يزن قط، ولم يشرب الخمر، ولم يقتل النفس، يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: أظنه نجا، فمن هذا الرجل؟ قال: أنا، قلت: والله ما سلمت، وأنت منذ عشرين سنة تشبب ببثينة، قال: إني في آخر يوم من الدنيا، وأول يوم من الآخرة، فلا نالتني شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط، فما قمنا، حتى مات.

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله لرجل: عظني، فقال: لا أصلح لذلك يا أمير المؤمنين، قال: لم؟ قال: لأني جلست لأصلي في المسجد، وكان إلى أحد جنبي غني، وإلى الآخر فقير، فجعلت أميل على الفقير، وأوسع على الغني. روى أحمد بن حنبل رحمه الله بإسناده، [8] عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "في البطيخ عشرة خصال: هو طعام وشراب، وهو ريحان، وهو يغسل المثانة ويغسل البطن، وهو يكثر الماء للظهر، ويكثر الجماع، ويقطع الأمردة وينقي البشرة". قال أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه: إنما كانت دعوة المظلوم مستجابة، لأن المظلوم يقول: يا رب أعطني حقي، والله سبحانه لا يمنع ذا حق حقه، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عليه السلام: الراحة للرجال غفلة، وللنساء غلمة، وقال بزرجمهر: إن يكن الشغل مجهدة فالفراغ مفسدة. للمعنى شعر: [الطويل] منَ النَّاس منْ لوْ يستشركَ فتجدْ ... لهْ الرأيَ يستغششكَ ما لم تتابعهُ فلا تمنحنَّ الرَّأيَ منْ ليسَ أهلهُ ... فلا أنتَ محمودٌ ولا النّصحُ نافعهُ قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: لكميل بن زيادة، يا كميل قل لقومك يسروا في المكارم، ويدلجوا في حاجة من هو نائم، ف، والذي نفسي بيده، ما من عبد أدخل على قلب مؤمن سروراً، إلا خلق الله من ذلك السرور نوراً، فإذا نزلت به نازلة ابتدر إليها فطردها عنه، كما تطرد غريبة الإبل. وقع بين المازني وبين أخ له جفوة، فغاب عنه أياماً، ثم جاء المازني وعند الرجل جماعة، فدق عليه الباب، فقال: أحسن الأشياء إن خفت من الإخوان جفوة طرحك للحشة عنهم، وشجى من غيره دعوة، التدلل في الطاعة خير من التعزز في المعصية. كتب رجل إلى صديق له في ظهر شعر: [البسيط] العذرُ في الظَّهر عندَ الحرِّ منبسطٌ ... إذا رأى سطواتِ الدَّهر بالنِّعمِ وما أضنُّ بوجهي لوْ جرى قلمي عليهِ ... عنكَ، ولو أنَّ المدادَ دمي يقال: عن التدبير مع الكفاف خير من الغنى مع الإسراف، كلم أعرابي خلد بن عبد الله، فخلط في كلامه، فلما أحس من نفسه بذلك، قال: لا تلمني أيها الأمير فإن معي ذل الاحتياج ومعك عز الاستغناء عني. كان لعدي بن حاتم وليم، جمع فيها العرب، فقال لابن له حدث السن: قم بالباب، فامنع من لا تعرف، وائذن لمن تعرف، فقال: لا والله يا أبت لا يكون أول شيء وليته منع قوم من الطعام. قال عمر بنى الخطاب رضي لله عنه: إذا توجه أحدكم في حاجة ثلاث مرات، فلم يصب خيراً فليدعها، ويقال: أحسن ما عوشر [9] به الملوك البشاشة، وتخفيف المؤونة، قال الجنيد رحمه الله: إنما تطلب الدنيا لثلاثة أشياء: للغنى، والعز، والراحة، فمن زهد فيها عز، ومن قنع استغنى، ومن قل فيها سعيه استراح، قال عبد الملك بن مروان: خمس يقبحن من خمسة، ضيق ذرع الملوك، وسرعة غضب العلماء، وفحش النساء، ومرض الأطباء، وكذب القضاة. أنشدنا شيخنا السعيد ناصح الإسلام أبو الخطاب محفوظ بن أحمد رحمه الله للصابي: [الطويل] وللسِّرِّ عندي فيما بينْ جنبيَّ مكمنٌ ... قصيٌّ عصيٌّ عنْ مدارجِ أنفاسي أضنُّ بهِ ضنّي بموضعِ حفظهِ ... فأخفيهِ عن إحساسِ غيري وإحساسيْ فيصبحُ كالمعدومِ لا مهتدي لهُ ... يقينٌ، ولم يخطرْ لخلقٍ منَ النَّاس كأنِّي منْ فرطِ احتياطي أضعتهُ ... فبعضي لهُ ذاعٍ وبعضيْ لهُ ناسي قال الجاحظ: حدثني يحيى بن خاقان، قال: مررت في بعض دروب بغداد، فاحتجت إلى المستراح، وضقت ذرعاً لحاجتي إليه، فقلت لبعض الغلمان، أطلب لي موضعاً، فاستفتح باباً ففتح لنا، ودخلت إلى دار حسنة التقدير، والبناء، وخرجت إلي جارية ظريفة حسنة طنجة. فأدخلتني مستراحاً لطيفاً نظيفاً، وناولتني ماء في إبريق لطيف الصنعة، فلما خرجت ناولتني منديلاً وجاءت بطشت وإبريق، فتهيأت للصلاة، ثم أتتني بمرآة ومشط فلما فرغت وقمت للخروج، جعلت أشكرهم على جميلهم شكر من أولى معروفاً، فضحكت الجارية ضحكاً قهقهت فيه، فقلت مم تضحكين يا جارية؟ قالت: يا سيدي هذا الدعاء كله لأنك خريت عندنا، فلو تغديت أي شيء كنت تعمل؟ فضحكت، حتى كدت أن أسقط، وأعجبني ما كان، فدفعت فيها مالاً، فلم تبع ابن المعتز: [الكامل]

أهدتْ لكَ ظرائفاً بظرائفِ ... جامينَ من لوزينجَ وقطايفِ هذا دبيقيٌّ الثِّيابِ موشَّحٌ ... بملاحقٍ صقلٍ وذا بمناشفِ آخر: [الطويل] وعهدي بها سكرٌ منَ الرَّاحِ والكرى ... فللبدرِ مثلي في أناملها عذرُ [10] فلمْ أدرِ إذ فاخرتهُ بجمالها ... وفاخرني بالنُّور أيُّهما البدرُ سوى أنْ عندَ الفجرِ غابَ ولم تغبْ ... مكايدةً للفجرِ إذ طلعَ الفجرُ أخذه من قول ابن الرومي: [الكامل] أصفُ الحبيبَ ولا أقولُ كأنَّهُ ... كلاً لقدْ أمسى من الأفرادِ إنِّي لأستحيي محاسنَ وجههِ ... أنزِّهها عنِ الأندادِ يروي أن المنصور دعا الربيع يوماً، فقال له: سلني ما تريد، فقد سكت، حتى نطقت، وخففت، حتى ثقلت، وأقللت، حتى أكثرت، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أرهب بخلك، ولا أستقصر عمرك، ولا أستصغر فعلك، ولا أغتنم مالك، وأن يومي لفضلك علي لأحسن من أمسي، وغدي في تأميلي لأحسن من يومي، ولو جاز أن يشكرك مثلي لغير الخدمة، والمناصحة، ما سبقني على ذلك أحد، فقال له المنصور: صدقت علمي بهذا منك، أحلك مني هذا المحل، فسلني عما شئت. قال: أسألك أن تقرب عبدك الفضل، وتوده، وتحبه. فقال: يا ربيع إن المحبة ليست بمال يوهب، ولا رتبة تبذل، وإنما توجد لأسباب، قال فاجعل لها طريقاً إليه بالفضل عليه، قال: صدقت الآن، وقد وصلته بخمسمائة ألف درهم، ولم أصل مثلها لأحد عمومتي، ليعلم ماله عندي، فيكون عنده ما تستدعي محبتي، وكيف سألت المحبة يا ربيع؟ قال: لأنها مفتاح كل خير، مغلاق كل شر يستر بها عندك عيوبه، وتصير ذنوبه حسنات. فقال: صدقت، وقد أويت ما أردت، ومات الربيع في أيام الهادي، لنصر بن أحمد: [المتقارب] ولي حاجةٌ لمْ أطقْ ذكرها ... حياءً وقد أخذتُ بالكظمِ أهابكَ فيها لأنَّ الكريمَ ... يهابُ وإنَّ كانَ لا يحتشمِ لساني تلجلجَ عنْ ذكرها ... فترجمتها بلسانِ القلمِ لما قدم مازيا بن قارن لضرب عنقه، قيل للمعتصم: إن وراءه أموالاً جمة، فلو أمر أمير المؤمنين بتقريره لها، ثم يقتله، فقال المعتصم متمثلاً: [البسيط] إنَّ الأسودَ أسودُ الخيلِ همَّتها ... يومَ الكريهة في المسلوبِ لا السَّلبِ يقال: اصحب من ينسى معروفه عندك، ويذكر حقوقك عليه، ويقال الكريم ينسى فواضل لقمه، ولا ينسى حرمة خدمه، سأل محمد بن الهيثم أبا هشام الحراني ألك مال؟ فقال: أما مال فليس لي، ولكن عندي صيانة تستر الخلة، وتقدير يكثر القليل وصبر ترجى به الأيام. قال المأمون: الحلم يحسن بالملوك إلا في ثلاثة أشياء، قادح في دولة، أو مذيع لسر، أو متعرض الخدمة لبعضهم. [الوافر] إذا استنكرتَ حالاً منْ صديقٍ ... فلستَ عن التنَّجنُّبِ في مضيقِ طريقاً كنتَ تسلكهُ قديماً ... فاشنعْ فاعتزلهُ إلى طريقِ يقال: ثلاثة أشياء تورث المحبة، الذين، التواضع، والبذل، ويقال: سادة الدنيا الأسخياء، وسادة الأتقياء لبعضهم: [الخفيف] أيُّها المرءُ كنْ لما لستَ ترجو منْ ... نجاحٍ أدجى لما أنتَ داجي إنَّ موسى مضى ليقتبسَ النَّارَ ... لضوءٍ رآهُ والليلُ داجي فأتى أهلهُ وقد كلَّم الله ... وناجاهُ وهو خيرُ مناجي وكذا الهمُّ كلَّما اشتدَّ بالعيدِ ... دنتْ منهُ ساعةُ الانفراجِ كان النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقطع على أحد حديثه، حتى يجود، فيطعه نهي، أو قيام" قال بعضهم: الحوائج تطلب بالرجاء، وتدرك بالقضاء. لبعضهم: [الطويل] وكنتُ إذا خاصمتُ خصماً كببتهُ ... على الوجهِ حتَّى خاصمتني الدَّراهمُ فلمَّا تنازعنا الخصومةَ غلبتْ ... عليَّ، وقالوا قمْ فإنَّك ظالمُ ومما يقارب المعنى: [البسيط] ما منْ صديقٍ وإنْ تمَّتْ صداقتهُ ... يوماً بأنجحَ في الحاجاتِ منْ طبقِ إذا تلثَّمَ بالمنديلِ منطلقاً ... لم يخشَ نبوةَ بوَّابٍ ولا غلقِ قال رجل لرجل قصده: ما قصرت بي همة صيرتني إليك، ولا أخرتني ارتياد دلني عليك، ولا قعد بي رجاء قادني إليك وحدا بي إلى بابك.

روى الإمام أبو عبد الله بن بطة، في كتابه (كتاب) : الإبانة عن أبي بكر الصديق (رضي الله عنه) أنه قال: مثلنا ومثل الأنصار، كما قال المنوي [12] لنبي جعفر: [الطويل] جزى الله عنَّا جعفراً حينَ أسفرتْ ... بنا نعلنا في الواطئينَ فزلَّتِ أبوا أنْ يملُّونا ولو أنَّ أمَّنا ... تلاقي الّذي لاقوهُ منَّا لملَّتِ وذكر أحمد بن عبد الله العزيز، في (كتاب) : التعازي بإسناده عن هارون بن هلال الجزري، قال: لما قبض النبي صلى الله عليه وسلم رثته أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنه) فقالت: [الكامل] قدْ كنتَ ذاتَ حميَّةٍ ما عشتَ لي ... أمشي السَّراحَ وأنتَ كنتَ جناحي فاليومَ أخضعُ للضعيفِ وأتَّقي ... منهُ، وأدفعُ ظالمي بالرَّاحِ وإذا دعتْ قمريَّةٌ شجناً لها ... ليلاً على غصنٍ بكيتُ صياحي وقد ذكر أن الشعر لفاطمة الخزاعية، وفيه زيادة لحد البيت الأول: [الكامل] قدْ كنتَ لي جبلاً ألوذُ بظلِّهِ ... فتركني أمشي بأجردَ ضاحي تعني بأجرد أي لا نبات عليه وضاحي تحت السماء تصيبني الشمس بحرها. روي أن حسان بن ثابت كان يخضب شاربه وعنفقته بالحناء، قال: لأكون كأني أسد، والغ في دم. قيل: إن عبد الملك بمن مروان كان أشد الناس حباً لزوجته، عاتكة بنت يزيد بن معاوية، وهي أم يزيد عبد الملك، فغضبت يوماً على عبد الملك فشكا إلى خاصته، فقال عمر بن بلال الأسدي، وكان من خواص خلوته، ما الذي لي عندك إن رضيت عاتكة؟ فقال: حكمك. فأتى عمر بابها، وجعل يتباكى، وأرسل إليها يعرفها حضوره ببابها، فخرجن إليه خاصتها وجواريها وقلن: مالك؟، وما حاجتك؟ قال: إني إلى عاتكة ورجوتها، وقد علمت مكاني من أمير المؤمنين معون جدها، ومن ولده بعده، قلن: وما الذي ونزل بك؟ قال: ابناي لم يكن لي غيرهما، فقتل أحدهما صاحبة، وقال أمير المؤمنين: أنا قاتل الآخر به، فقلت أنا الولي، وقد عفوت. قال: لا أعود الناس هذه العادة، وقد رجوت أن ينجي الله ابني هذا الذي لا يبق لي سواه عل يدها وبشفاعته، فدخلن فذكرن [13] لها ذلك، فقالت: كيف أصنع بغضبي عليه، وما أظهرت له من التعتب، فقلن: إذن، والله يقتل ولده، فلم يزلن، حتى دعت ثيابها، ثم خرجت، وأقبل خديج الخادم الخصي فقال: يا أمير المؤمنين، هذه عاتكة قد أقبلت، قال: ويلك ما تقول؟ قال، والله قد طلعت. فقال: فأقبلت وسلمت فلم يرد فقالت: والله لولا يعلم عمر ما جئت إليك، كيف تقتل ولده بالآخر يا أمير المؤمنين، وهو الولي، وقد عفا؟ فقال: إني أكره أن أعود الناس هذا، قالت: أنشدك الله يا أمير المؤمنين، فقد عرفت مكانه من أمير المؤمنين أبي وجدي، وهو ببابي، فلم تزل، حتى أخذت رجله فقبلتها. فقال: هو لك، ولم يبرحا، حتى اصطلحا، ثم راح عمر بن بلال على عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين كيف رأيت؟ قال: رأينا أثرك وثمرة توصلك فهات حاجتك، قال: مزرعة بعيرتها، وما فيها، وألف دينار وفرائض لولدي، وأهل بيتي وعيالي، قال: ذلك لك، ثم اندفع عبد الملك ينشد متمثلاً بشعر كثير: [الطويل] وإنِّي لأرعى قومها منْ جلالها ... وإنْ أظهروا غشَّاً نصحتُ لهمْ جهدي ولوْ حاربوا قومي لكنتُ لقومها ... صديقاً، ولم أحملْ على قومها حقدي كان الحكم بن عبد الماء الشاعر هجاء، وكان أعوراً أحدب، قال العتبي: إنه ترك الوقوف بأبواب الملوك، وكان ينفذ عصاه وعليها مكتوب حاجته مع رسول، فلا تقف له حاجة، ولا يحبس له رسول، فقال في ذلك يحيى بن نوفل: [الطويل] عصا حكمٍ في الدَّارِ أوًّلُ داخل ... ونحنُ على الأبوابِ نقصي ونحجبُ وكانتْ عصا موسى لفرعونَ لآيةً ... وهذا لعمرو الله أدهى، وأعجبُ تطاعُ، ولا تعصى، ويحذرُ سخطها ... ويرعبُ في المرضاءِ منها، ويرهبُ لبعضهم: [الكامل] اسكنْ إلى سكنٍ تلذُّ بهِ ... ذهبَ الزَّمانُ وأتتْ منفردُ ترجو غداً وغدٌ كحاملةٍ ... في الحيِّ لا يدرونَ ما تلدُ روي أن سبحانه وائل مدح طلحة الطلحات الخزاعي فقال: [14] [الكامل] يا طلحُ أكرمُ منْ مشى ... حسباً وأعطاهمْ لتالدِ منكَ العطا فاعطني ... وعليَّ حمدكَ في المشاهدِ

فقال طلحة: احتكم، فقال: برذونك الورد وغلامك الخباز وقصرك بزرنج وعشرة آلاف درهم، فقال له طلحة: أف لك لم تسلني على قدري، إنما سألتني قدرك وقدر بأهله فلو سألتني كل قصر لي، وعبد لي، ودابة لي، لأعطيتك، ثم أمر له بما سأل، ولم يزده شيئاً، ثم قال طلحة: تالله ما رأيت مسألة محكم ألأم منها. روي الدارقطني بإسناده في الأفراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: اقبلوا الكرامة، وأفضل الكرامة الطيب، أخفه محملاً، وأطيبه رائحة". لقد أجاد، وأحسن عبيد بن أيوب حيث قال: [الطويل] وأوَّلُ خبثِ المالِ خبثُ ترابة ... وأوَّلُ لؤمِ المرءِ لؤمُ الحوائلِ وكذا قول بشار بن براد: [الطويل] وبدءُ فسادِ الطِّفلِ منْ عرقِ أمِّهِ ... وحاضنةٍ تغدوهُ بالذلِّ والملقِ قيل: إن زياد بن ظبيان، قال لابنه عبيد الله، وهو غلام، وأبوه لما به حين نزل به الموت: ألا أوصي بك الأمير زياد؟ قال: لا، قال: ولم؟ قال: لأنه إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت. فالحي هو الميت. ولما وفد عمر بن سعيد بعد وفاة أبيه على معاوية بن أبي سفيان، قال له معاوية: إلى من أوصى بك أبوك؟. فقال: إن أبي أوصى إلي، ولم يوصي لي، قال: فما كانت وصيته إليك؟ قال: أوصى إلي أن أقضي دينه، ولا يفقد إخوانه منه إلا عينه، فقال معاوية: إن ابن سعيد هو الأشدق. ودخل المعتصم إلى دار خاقان بن أبي مزاحم عائداً له، فرأى ابنه، وهو صبي فقال له: أيما أحسن دار أمير المؤمنين أم دار أبيك؟ فقال: ما دمت في دار أبي فهي أحسن. قال الحجاج لمعلم أولاده: علمهم السباحة قبل الكتابة، فإنهم إن يبلغوا يجدوا من يكتب، ولا يجدوا من يسبح. وهذا أخذه من كتاب كتبه عليه السلام إلى سائر الأمصار: علموا أولادكم السباحة، والفروسية ورووهم ما سار من المثل وحسن السير، ما أحسن، قول إبراهيم بن العباس الصولي شعر: [الوافر] ولكنَّ الكريمَ أبا هشامٍ ... وفيُّ العهدِ مأمونُ المغيبِ غنيٌّ عنكَ ما استغننتَ عنهُ ... وطلاَّعٌ إليكَ مع الخطوبِ قال الأصمعي: لما أعاد النابغة إلى النعمان بعد أن لحق بآل جفنة، أذن له في الدخول عليه، فلما انتصب بين يديه، حياه بتحية الملك، ثم قال: أبيت اللعن أي صاحب لخم، وأنت سائس الحسب وغرة الأدب، واللات لأمسك أسمن من يومه، ولعبدك أكرم من قومه، ولقفاك أحسن من وجهه، وليسارك أسمح من يمينه، ولوعدك أنجح من رفده، ولهزلك أصوب من جده، ولنفسك أمنع من جنده، ولاسمك أشهر من قدره، وليومك أشرف من دهرك، ولفترك أبسط من شبره، ثم قال: [البسيط] أخلاقُ مجدٍ تجلَّتْ ما لها مثلُ ... في الجودِ والنَّاس بينَ العلمِ، والحضرِ متوَّجٌ بالمعالي فوقَ مفرقهِ ... وفي الرَّدى ضيغمٌ في صورةِ القمرِ قال: فتهلل بالنعمان السؤدد، ثم أمر به فحشى فمه بالدرر، ثم قال: بمثل هذا يمدح الملوك، قيل المال يغطي عيوبك، ويزين أمرك، قال: جبريل عليه السلام: قال الله تعالى: (إن هذا الدين ارتضيته لنفسي، ولن يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق، فأكرموه بهما ما استطعتم) . وقال عليه السلام: عن من موجبات المغفرة يبذل الطعام وإفشاء السلام، وحسن الكلام. وقال عليه السلام: الرزق إلى مطعم الطعام أسرع من السكين إلى سنام البعير، وفي لفظ إلى ذروة البعير، وأن الله ليباهي بمطعم الطعام الملائكة. وروى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله عباداً يخصهم بالنعم لمنافع العباد، فمن بخل بتلك المنافع نقلها الله إلى غيره". وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله جعل للمعروف وجوهاً من خلقه، وحبب إليهم فعاله، ووجه طلاب المعروف، ويسر عليهم، كما يسر الغيث إلى البلدة المجدبة فيحييها، ويحيي بها أهلها". وروي أنه أتى النبي عليه السلام بأسرى [بني] العنبر فأمر بقتلهم، وأفرد منهم رجلاً، فقام علي عليه السلام، فقال: يا رسول الله، الرب واحد، والدين واحد، والذنب واحد، [16] ، فما بال هذا من بينهم؟ فقال: "نزل علي جبريل، فقال: اقتل هؤلاء واترك هذا، فإن الله شكر له سخاء فيه". قال علي عليه السلام: إذا أقبلت الدنيا فانفق فإنها لا تغني، وإذا أدبرت فانفق فإنها لا تبقى، وأنشد: [البسيط]

لا تبخلنَّ بدنيا، وهي مقبلةٌ ... فليسَ ينقصها التَّدبيرُ، والسَّرفُ وإنْ تولَّتْ فأحرى أنْ تجودَ بها ... فالحمدُ منها إذا ما أدبرتْ خلفُ دفع رجل إلى حسين الحسين بن علي عليه السلام رقعة فقال: حاجتك مقضية، فقيل: يا ابن بنت رسول الله، لو نظرت في الرقعة، ثم رددت الجواب على قدر ذلك، يسألني الله عن ذل مقامة بين يدي، حتى أقرأ رقعته. قال حذيفة: رب فاجر في دينه أخرق في معيشته يدخل الجنة بسماحته، وقال الحسن البصري: بذل المجهود في دفع الموجود منتهى الجود. وقال عمر بن عبد العزيز بن مروان إذا الرجل أمكنني من نفسه، حتى أمنع معروفي عنده فيده عندي مثل يدي: وقال المهدي لشبيب بن شبة: كيف رأيت الناس في داري؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن الرجل ليدخل راجياً، ويخرج راضياً، ويمثل رجل عند عبد الله بن جعفر بهذين البيتين: [الكامل] إن الصَّنعةَ لا تكونُ صنيعىً ... حتَّى يصابَ بها طريقُ المصنعِ فإّذا اصطنعتً صنيعةً فاعملْ بها ... للهِ أو لذويا لقرابةِ أودعِ فقال عبد الله بن جعفر: لمن هذان البيتان؟ إنهما لبخلان الناس، ولكن أمطروا بالمعروف مطراً، فإن أصاب لكرام كانوا له أهلاً، وإن أصاب اللئام كنت أنت له أهلاً. وروي أن عبد الله بن الزبير بعث إلى عائشة (رضي الله عنه) بغرارتين فيها مال قدره ثمانون ومائة وألف درهم، فدعت بطبق فجعلت تقسمه بين الناس، فلما أمست قال: يا جارية، فطوري، فجاءتها بخبز وزيت، فقالت لها أم درة: ما استطعت فيما قسمت اليوم أن تشتري لنا بدرهم لحماً تفطرين عليه؟ قالت: لو كنت اذكرتيني لفعلت. وروى أبان بن عثمان: أن رجلاُ أراد يصير لعبيد الله بن عباس فأتى وجوه قريش، فقال: يقول لكم عبيد الله بن عباس تغدوا عندي اليوم فأتوه، حتى ملؤوا الدار، فسأل عن ذلك فأخبروه فأمر عبيد الله بشراء الفاكهة فأكلوا. ثم أمر قوماً فطبخوا وخبزوا، ثم فرغ من الطعام فقدم على الموائد فأكلوا، حتى صدروا، فلما خرجوا قال عبيد الله لوكلائه أموجود هذا كل يوم إذا أردته؟ قالوا: نعم، قال: فليتغدها ولأكل يوم عندنا، قال النبي عليه السلام: "عز المؤمن استغناؤه عن الناس؟، ومن ينفق الساعات في جمع ماله، مخافة فقر فالذي فعل الفقر". قيل لعتابي، وهو أبو عمرو بن كلثوم بن عمرو إنك تلقى العامة ببشر، وتقريب، فقال: دفع ضغينة بأخف مؤونة واكتساب إخوان بأهون مبذول. مدح أعرابي قوماً فقال: جعلوا أم، والهم مناديل لأعراضهم فالخير لهم قائد، والمعروف لهم شاهد، يعطون بطيب أنفسهم إذا طلب إليهم، ويباشرون المكروه بإشراق وجوه، إذا نفى الناس عليهم، وذكر أعرابي قوماً فقال: كانوا ليوث حرب، وغيوث جدب، إن أعطوا أغنوا كأن الدهر عجل لهم ما أخر غيرهم. عن عائشة (رضي الله عنه) قالت: كان يقال في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق. قال أبو عباد: كان المأمون قد استقل مكاني، وأراد أن يكون انصرافي عن اختيار مني، فقال لي يوماً: لعلك قد اشتقت إلى أهلك فإن كان، فقد أذن لك أمير المؤمنين فأنشدته: [الطويل] فإنِّي ودارٍ أنتْ فيها ابنَ معمرٍ ... كمكّةَ لم يطربْ لشوقِ حمامها إذا اخترتُ داراً للمقامِ ارتضيتها ... لنفسي ولم تكبرْ عليَّ مقامها قال فأضرب عن ذلك، ولم يذاكرني به بعد ذلك، قال العباس: من وثق بالسلطان فكأنه اتكأ على الماء. قال المدائني: خرج يوماً معن بن زائدة على زواره، فقال لهم كدوني بالمسألة، ولا يقل أحدكم قد سألته مرة فإني، كما قال زياد الأعجم: وأحسنَ، ثم أحسنْ، ثم عدنا ... فأحسنَ، ثم عدتُ لهُ فعادا [18] مراراً لا أعودُ إليهِ إلاَّ ... تبسَّمَ ضاحكاً وثنى الوسادا فأقبل القوم يسألون حوائجهم، وهو يقضيها، حتى أتى رجل معتزل عن الناس، فقال معن: سل حاجتك، كما يسأل أصحابك، فقال: ليست لي دالة إلا فعلة إن ذكرتها، قال: وما هي؟ قال أتذكر أيها الأمير، وقد كنت بباب المنصور مع قوم ينتظرون الإذن، فابتدأ بحديث، فأقبل القوم عليك، فلما خرج الربيع بالإذن نهضوا عنك، وقطعوا عنك استماعهم منك، فأقبلت عليك بوجهي، وأصغيت إليك بسمعي، حتى فرغت من حديثك؟ قال معن: نعم، وما أنت بأخسهم فأعطاه ما سأله وفضله.

قال المأمون: إساءة المحسن أن يمنعك جدواه، وإحسان المسيء أن يكفّ عنك أذاه. قال: جلس قومٌ من سروات أهل الكوفة بكباسة الكوفة فتذاكروا السؤدد بينهم، فقال عبد العزيز بن مروان: أمّا أنا فمحدّثكم عن نفسي من غير تزكية لها، إذا الرجل أمكنني من نفسه، حتى أصنع معروفي عنده فيده عندي قبل يدي عنده، وإذا الرجل ضافني من خوف، فلم أبذل دمي دون دمه، فقد قصرت بحسبي، ولو أنّ أهل البخل لم يدخل عليهم من بخلهم إلاّ سوء ظنهم بربهم، في الخلف لكان عظيماً. ذكر أنّ طاهر بن الحسين كتب إلى المأمون يسأله من المال وغيره، مما يحتاج إليه أشياء جليلة القدر، فكتب إليه أحمد بن يوسف، عن الحسين بن منهل، وكان كاتبه: أما بعد، فإن أمير المؤمنين يكره لك أن تنتهي من السؤال لأحدٍ لا يليه إلا الردّ، والسلم. دخل شبّة بن عقال على المنصور، فقال له: مالي أراك؟، فقال شبّة: والله يا أمير المؤمنين لأغيب عنك بشوقٍ، وألقاك بشوقٍ. فقال: لم تسألنا حوائجك، وقد عرفت مكانك، فقال: والله لا أرهب محلك، ولا أغتنم مالك، وإنّ عطاءك لشرف، وإنّ سؤالك لزين، وما بامرئْ بذل وجهه لك من نقصٍ، ولا شينٍ، فالتفت المنصور إلى ولده المهدي وغيره، فقال: التقطوا هذا الدّر، والله لهو أحسن منه. يقال إنّ أول من اتخذ الخيش المنصور، عمله له أبو أيوب الخوزي، فقال له المنصور: لو عملت الثياب لحملت من لماء أكثر، وكانت أبرد، فاتخذ الخيش واتخذ الناس بعده، كتب إبراهيم ابن العباس إلى محمد بن عبد الملك ابن الزيات، وقد حبسه كتاباً قال في آخره: [الطويل] أبا جعفرٍ جفَّ حفظهُ بعدَ رفعةٍ ... وقصِّر قليلاَ عن مدى غلوائكَا لئن كانَ هذا الدَّهرُ يوماً حويتهُ ... فإنَّ رجائي في غدٍ كرجائكَا ثم كتب في آخره أيّها الوزير: كان لي فيك أملان هما لك، والآخر بك، فأما الذي لك، فقد بلغته، وأما الأمل بك فأرجو أن يحققه الله، ويوشك به البقاء، كان يقال من أمّل رجلاً هابه، ومن قصّر عن شيء عابه، قيل لخالد بن صفوان: أي الإخوان أوجب عليك؟ قال: من سدّد خللي، وغفر زللي، وقبل عللي. قيل للعتابي: ما يمنعك من النساء؟ فقال: مكابدة العفّة أيسر من الاحتيال لمصلحة العيال، يقال: أول المروءة طلاقة الوجه، والثانية التودّد، والثالثة قضاء الحوائج لبعضهم: [البسيط] ألّيتُ أجلسُ إلا دونَ مرتبتي ... وأن أزاحمَ، حتّى يفتحَ البابُ كي لا يباعدَ إن قرَّبتُ منزلتي ... ولا يواجهني بالرَّدِّ بوَّابِ قال المأمون لليزيديّ عن ابنه العباس: فقال: لا يفلح أبداً، فقال: من أين عرفت ذلك، وقد أمرتك بتأديبه؟ فقال: ناوله الغلام أشناناً، ليغسل يده فاستكثره ورده إلى الأشنندانه، ولم يلقه في الطشت فعلمت أنه بخيل لا يسود، فلا يصلح للملك. قال بعض الحكماء الصبر على مرارة الأمر إبقاء الحلاوة عاقبته. يقال شيئان لا يفترقان الحرص، والشر، وشيئان لا يجتمعان القناعة، والحسد، قيل لقيس بن عاصم: بمَ سدت قومك؟ قال: ببذل القرى، وترك المراء واحتمال الأذى ونصرة المولى، قيل لبعض الحكماء: متى يكون الأدب شراً من عدمه، فقال إذا أكثرت الأدب ونقص العقل، وغني لأكره زيادة منطق على عقلي، قال أبو العتاهية: [الطويل] إذا كنتَ عن أنْ تحسنَ الصَّمتَ عاجزاً ... فأنتَ عنِ الإبلاغِ بالقولِ أعجزُ يخوضُ أناسٌ في الحديثِ ليوجزوا ... وللصّمتِ في بعضِ الأحايينِ أوجزُ ولقد أحسن بعضهم في قوله: [الوافر] بداهتهُ وفكرتهُ سواءٌ ... إذا ما نابهُ الخطبُ الكبيرُ وأحزمُ ما يكونُ الدَّهرُ رأياً ... إذا عميَ المشاورُ، والمشيرُ قال المنصور: عقوبة الحكماء التلويح، وعقوبة السفهاء التصريح، يقال: إنه جرى بين شهرام المروزي وبين أبي مسلم صاحب الدولة كلام، فمازال يترقى بينهما إلى أن، قال له شهرام: يا لقيط، فصمت أبو مسلم وندم شهرام، فأقبل عليه معتذراً إليه، فلما رأى أبو مسلم ذلك قال: لسان سبق، ووهم أخطأ.

وإنما الغضب شيطان، وأنا جرّأتك باحتمالي إياك، فإن كنت معتمداً، فقد شاركتك فيه، وإن كنت مغلوباً فالعذر يسعك، وقد عفونا عنك على كل حال، فقال شهرام: أيّها الأمير عفو مثلك لا يكون غروراً، قال أجل، قال فإن عظيم لا يدع قلبي يسكن، وألحّ في الاعتذار، فقال له: يا عجباً كنت تسيءُ، ونحن نحسن إليك فكيف نسيء إليك، وأنت تحسن. كتب محمد بن مهران إلى بعض الأمراء: إنّ أحقَّ الناس بالإحسان، من أحسن الله إليه، وأولاهم بالإنصاف من بسط القدرة يده فاستدم ما أوتيت من النعم بتأدية ما عليك من الحق. ذكر أن امرأةً من قريش كان بينها وبين رجلٍ خصومة، فأهدت إلى عمر فخذ جزور، ثم خاصمته إليه فتوجه الحق، والحكم عليها، فقالت يا أمير المؤمنين: افصل بيننا، كما يفصل فخذ الجزور فقضى عليها، ثم قال: إياكم والهدايا فإنها تذل الأعناق. وروي أنّ عمر (رضي الله عنه) قسّم حللاً بين الصحابة كل رجل ثوباً، فصعد عمر المنبر وعليه حلّته، والحلّة ثوبان. فقال: أيّها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان الفارسي رحمه الله: لا نسمع، ولا نطيع، فقال عمر: يا عبد الله ولمَ؟ قال: لأنك قسمت على كل رجل منا ثوباً وخرجت علينا في ثوبين، فنادى يا عبد الله بن عمر فقال: لبّيك يا أمير المؤمنين. فقال: أنشدك الله، الثوب الذي آثرت به ثوبك. قال: اللهم نعم، فقال: أما الآن فقل نسمع. كان بعض الملوك إذا شاور مرازبته في رأي فقصّروا، دعي الموكلين بأرزاقهم فعاقبهم، فيقولون تخطئ مرازبتك فتعاقبنا هذا ما لا يليق بعدلك. فيقول: نعم لم يخطئوا إلاّ لتعلّق قلوبهم بأرزاقهم، فقد شغلتم قلوبهم بالتوقف فيما ينوبهم، وإذا اهتموا انزعجت خواطرهم، وتكدّرت قرائحهم أخطأوا، أنشدنا الرياشي: [البسيط] وعاجزُ ذا الرَّأي مضياعٌ لفرصتهِ ... حتَّى إذا فاتَ أمرٌ عاتبَ القدرَا وكان ابن الزبير يقول: لا عاش بخير من لم يرَ برأيه ما لم يرَ ثني الله سبحانه على نبيّه إسماعيل، فقال: (ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون) [مريم: 54] فقدم صدق الوعد على كل فضيلة. [البسيط] ولو عليكَ إتّكالي في العراءِ إذنْ ... لكنتُ أولَ مدفونٍ منَ الجزعِ في مثله: [المتقارب] وقد علمَ الضَّيفُ، والطَّارقونَ ... بأنَّكَ للضَّيفِ جوعٌ وقرُّ قال مسلمة بن قتيبة: إني لأرهب الرجل مائة درهم، فأربُّ تلك المائة بألف، مخافة أن يذهب شكري فيها. قال مسلمة بن عبد الملك: ما أزال في فسحةٍ من أمر الرجل، حتّى يتقدم إليه مني يدٌ، فإذا فعلت فليس عندي، والله إلا ربّها أبداً عليه، حتى الممات. لبعض الشعراء في معناه: [الطويل] وسمتْ أمراءُ بالعرُفِ، ثم تركتهُ ... ومنْ أحسنَ المعروفَ ربُّ الصَّنائعِ آخر يهجو أخاه: [الوافر] أبوكَ أبي، وأنتَ أخي ولكنْ ... تفاصلتِ الطَّبائعُ، والصُّنوفُ وأمُّكَ حينَ تنسبُ أمُّ صدقٍ ... ولكنَّ ابنها طبعٌ سخيفُ وقومكَ يعلمونَ إذا التقينا ... منْ المرجوُّ منَّا، والمخيفُ آخر هجا أخاه: [الطويل] غلامٌ أتاهُ اللؤمُ من عمدِ نفسهِ ... ولمْ يأتهِ من نحوِ أمٍّ ولا أبِ المبرد قال: دخلت على أبي أيوب سليمان بن وهب، وهو متولي ديوان الخراج وبحضرته شاعر يمتدحه فسمعته ينشده: [الطويل] أتيتُ بنَ وهبٍ أبتغي فضلَ عرفهِ ... وما زالَ حلوَ المنعِ حلوَ المواهبِ فامنحني عزَّ حجتي بطلاقةٍ ... سكوتٌ بها عنْ منغِّساتِ الرَّغائبِ فاستحسنها، فلما خرج الشاعر قال ابن وهب، هل سمعت من سبق إلى مثل هذا؟ فقلت: نعم، أنشدني المازني بعض المحدثين: [الطويل] وأبيضَ ذي لونينِ أثناء قولهِ بعادِ ... وتقريبٌ، ويأسٌ ومطمعُ إذا أمَّهُ الرَّاجي انثنى عن فنائهِ ... وفوهُ منَ التَّفريطِ ملآنُ مترعُ بلاَ جدَّةِ نالت يداً مستحقَّها ... سوى أنَّهُ هشٌّ، وإن كانَ يمنعُ قال بعض البلغاء: أوسع ما يكون الكريم مغفرة إذا ضاقت بالمذنب المعذرة، سأل أبو العيناء رجلاً كان يصاحب الحسن بن مخلد عن حاله معه، فأقبل الرجل يشكره، فقال له أبو العيناء: لسان حالك يكذب لسان شكرك. قال رجلٌ لابنه تدري لمَ سميتك معروفاً؟ قال: لا يا أبتِ، قال: لئلا تنسى اسمك.

ذمَّ أعرابي رجلاً فقال: صغِّره في عيني كبّر الدّنيا في عينيه، وقال بعض الزهّاد للمأمون: إنّ الله لم يرض لك أن يجعل أحداً فوقك، فلا ترض أن يكون شكر أحد فوق شكرك. قال المنصور لمسلم بن قتيبة: ما ترى في أبي مسلم؟ يعني صاحب الدولة فقرأ، (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) [الأنبياء: 22] فقال له: حسبك. قيل لبعض الحكماء: من أحق بالرحمة؟ قال: رجلان عاقل بلي بجاهل وكرين بلي بلئيم، قال معاوية: لقد كنت ألقى الرجل من العرب، أعلم أن في قلبه عليّ ضغناً فيثوب إليّ منه، بقدر ما يجد في نفسه، فلا يزال يوسعني شتماً، وأوسعه حلماً، حتى يرجع لي صديقاً، فأستنجده فينجدني. قال بعض الأدباء: الأيادي ثلاثة: يدٌ بيضاء، وهي الابتداء بالنعمة، ويدٌ خضراء، وهي المكافئة على النعمة، ويدٌ سوداء، وهي المنُّ بالنعمة. قال ابن عباس (رضي الله عنه) : المعروف أوثق الحصون، وأفضل الكنوز، وأزكى الزروع، وأرشد الأمور غير أنه لا يصلح إلا بثلاث، قيل ما هي؟ قال: تعجيله، وتقصيره، وستره، فإنك إذا عجّلته، فقد هنّأته، وإذا صغّرته، فقد عظّمته، وإذا سترته تممته، يقال: إنّ من سمع الفتى الطيب، فلم يطرب فهو عديم حسٍّ، أو سقيم نفسٍ. قال عمر بن هارون الصوفي: سمعت رجلاً سأل ابن عيينة يا أبا محمد أريد أن أتزوج امرأة. فقال: إيّاك، والجمال الغابر، وعليك بالأوسط فإن الشاعر يقول: [البسيط] وليسَ منْ روضةٍ خضراءَ مونقةٍ ... إلاَّ وفيها لعمريْ أثرٌ مأكولُ وقال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) : إذا استرذل الله عبداً أحرمه الأدب، وقال: ما وهب الله لامرئٍ هبة من عقله، ومن أدبه، هما حياة الفتى فإن فقدا ففقده للحياة التوبة. قدّم أسرى إلى الحجاج فأمر بقتلهم، فقام رجلٌ منهم فقال: يا حجّاج لئن كنا أسأنا في الذنب، فما أحسنت في العفو، فقال الحجّاج: آن لهذه الجيف، أما كان فيهم أحد يحسن أن يتكلم بمثل هذا، ثم أمسك عن القتل، وأطلقه لبعض الشعراء: [الطويل] يذكِّرُ نيلُ الخيرِ والشَّرِ والنَّدى ... وقولُ الخنا والعلمِ والحلمِ والجهلِ فألقاكَ في مذمومها متنزِّهاً ... وألقاكَ في محمودهَا ولكَ الفضلُ يقال المظلوم حسن الظن بالأيام، والظالم وجل القلب بالانتقام، لا خير في وعد مبسوط وإنجازٍ مربوط. قيل لما قدم عمر الشام تلقاه معاوية في جيشٍ عظيم، فلما دنا منه قال: أنت يا معاوية صاحب هذا الجيش، والموكب؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين قال: مهما يبلغني من وقوف ذوي الحاجات ببابك، فقال: مهما يبلغ من ذلك فقال: لمَ تفعل هذا؟ قال: نحن بأرض جواسيس العدو فيها كثير، فيجب أن نظهر من عزّ السلطان ما نرهبهم به، وإن نهيتني انتهيت، قال عمر: ما أسألك عن شيء يا معاوية ألا تركتني في مثل رواحب الأصابع فإن كان ما قلت حقاً إنه لرأي أريب، وإن كان باطلاً إنه لخديعة أديت، قال فمرني بأمرك يا أمير المؤمنين. قال: لا آمرك، ولا أنهاك، فقال رجلٌ ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته، فقال: لو لم تحسن موارده ومصادره ما جشمناه ما حشمناه، وتكلم المعافى يوماً في مجلس أبي تمام الزيني فأحسن، فقال أبو تمام: هذا حديث كماء المزن، وافقه الصّادي، أنت، والله، كما قال الشاعر: [البسيط] إنْ قالَ بمَ يهوي جميعهُمْ ... وإنْ تكلَّمَ يوماً ساختِ الكلمُ قال المعافى: أيّها السيّد حصرت عليّ الواسع من الكلام على هذا التفضيل، إني لا أطمع في لفظ ومعنى يفيان بقدرك، وإذا كان الانتهاء بعد الكدّ إلى الفخ، كان الابتداء به أقرب إلى العذر، وما أقول فيك، والنبوة أصلك، والخلافة فرعك، والعلم ديدنك، والحلم طبعك، والعالم على ما أقول شهودك. أبقانا الله لك خدماً، كما جعلك لنا علماً، تناظر شريف بنفسه وشريف بنسبه، فقال له: الشريف بنفسه أنت آخر شرف وخاتمه، وأنا أول شرف وفاتحته، وتناظر آخران في هذا المعنى، فقال أحدهما: شرفك إليك ينتهي وشرفي مني يبتدئ لبعضهم: بهمُ مثلُ ما بالنَّاسِ لكنَّ بردهمُ ... حياءٌ وعفافٌ عن دناةِ المآكلِ إذا الجذبُ أنسى العفَّةَ النَّاس أدنيةً ... وحامتْ عل الأنسابِ بكرُ بنُ وائلِ

قال رجلُ لعليِّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) وهو يخطب: يا أمير المؤمنين صف الدّنيا لنا، فقال: ما أصف من دار أولها عناء وآخرها فناء، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من صح فيها أثم، ومن مرض فيها ندم، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر فيها حزن. وقف بعض الزهّاد على رجل يضحك الناس، فقال: يا هذا أما علمت أن لله يوماً يحشر فيه المبطلون، فلم تزل تعزف الكلمة في قلب الرجل، حتى مات. قال بعض الحكماء: من كرمت عليه نفسه صغرت الدّنيا في عينه، روي أنّ دخل الهذيل بن زفر على يزيد بن المهلب في حمالات لزمته، فقال له: إنه عظم شانك، أن يستعان بك، أو يستعان عليك، ولست تصنع شيئاً من المعروف إلا، وأنت أكبر منه، وليس العجب من أن تفعل، ولكن العجب من أن لا تفعل. وسأل بعضهم إنساناً في حاجة، فقال: إني مشغول عنك بكثرة الأشغال، فقال: لولا أنك مشغول بأشغالك هذه لما جئتك في شغل، ثم أنشده: [الطويل] فلاَ تعتذرْ بالشُّغلِ عنَّا فإنَّما ... تناطُ بكَ الأشغالُ ما اتَّصلَ الشُّغلُ وسئل رجلٌ لأسد بن عبد الله فاعتل عليه، فقال: أيّها الأمير إني سألتك من غير حاجة، فقال: وما حملك على ذلك؟ فقال: رأيتك تحت من لك عنده حسن بلاء، فأحببت أن أتعلق منك بحبل مودة، واحتجت بعض الأمراء عن وافد إليه فكتب الوافد: الضرورة، والأمل أقدماني عليك ومع العدم لا يكون صبر عن المطالبة، والانصراف بغير فائدة شماتة الأعداء، فإنما نعم مثمرة، أو فلاة مريحة، والسلام. روى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: (ثلاث من كن فيه أدخله الله في رحمته وآواه الجنة، وكان في كنفه: من إذا أعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر) . قال ابن الزبير جاء رجل إلى الأحنف بن قيس، وهو جالس في المسجد، فلطم عينه، فأخذ الأحنف عينه بيمينه، وقال بسم الله ما شأنك؟. فقال لا، والله، إلا أن رجلاً من بني تميم لطمني، فحلفت بالله لأقتص من سيد بني تميم فقال: ويحك فهلا ذهبت إلى جارية ابن قدامة، فقد تضمن هذا حلم الأحنف، وتواضعه، وكيف أعتقد أن غيرة السيد ونصحه للرجل؟ كيف حلف ليقتصن من سيدهم؟ فأرشده إلى جارية ابن قدامة ليبرّ قسمه وإلا، فما كان قصده أن يؤذي جاره ابن قدامة، لأن هذا مما لا يليق بحلمه وعقله، ووقاره. كان ابن عطا يقول: الاحتيال في دفع البلاء زيادة في البلاء لبعضهم: [الطويل] وكنتُ سعيدَ الجدِّ، إذ كنتُ حاضراً ... ومن يقتربْ منكمْ فداكَ سعيدُ سأستعتبُ الأيَّامَ فيكَ لعَّلها ... ببعضِ الذي كنّا عليهِ نعودُ أخبرنا شيخنا الإمام ناصح الإسلام أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني رحمه الله قال: أخبرنا أبو علي الحسن الحادذي قال: حدثنا المعافى بن زكريا الحريري قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثنا ابن المرزبان قال: حدثنا أبو عبد الرحمن الجوهري قال: حدثنا عبد الله بن الضحاك، قال: حدثنا الهيثم بن عدي عن عوانة بن الحكم قال: لما استخلف عمر بن عبد العزيز (رضي الله عنه) وفد الشعراء إليه. فأقاموا ببابه أياما لم يؤذن لهم، فبيتاهم كذلك يوما، وقد أزمعوا على الرحيل، أمر بهم رجاء بن حيوة، وكان من خطباء أهل الشام، فلما رآه جرير واقفاً على باب عمر، أنشأ يقول: يا أيُّها الرجلُ المرخي عمامتهُ ... هذا زمانكَ فاستأذن لنا عمرّا قال: فدخل، ولم يذكر من أمرهم شيئا، ثم مر بهم عدي بن أرطاه فقام إليه وقال: [البسيط] يا أيّها الرجلُ المرخي مطيَّتهُ ... هذا زمانكَ قد مضى زمني أبلغْ خليفتنَا إن كنتَ لاقيته ... إنِّي لدى الباب كالمصفودِ في قرن لا تنسَ حاجتنا لقّيتَ مغفرةً ... قد طالَ مكثني عن أهلي وعن وطني قال: فدخل عدي على عمر رحمه الله، فقال: يا أمير المؤمنين الشعراء ببابك وسهامهم، وأقوالهم نافذة، فقال: ويحك يا عدي مالي وللشعراء، قال أعز الله أمير المؤمنين، إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم قد امتدح فأعطى، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقال كيف قال امتدحه العباس بن مرداس السلمي، فأعطاه حلة قطع بها لسانه، قال: أتروي من شعره شيئا؟ قال نعم، فأنشده: [الطويل] رأيتكَ يا خيرَ البَّريةِ كلَّها ... نشرت كتاباً جاءَ بالحقِّ معلِّما

شرعتَ لنا دينَ الهدى بعدَ جودنا ... عنِ الحقِّ لمَّا أصبحَ الدينُ مظلما ونوَّرتَ بالبرهانِ أمراً مدمَّسا ... وأطفأتَ بالبرهانِ ناراً تضرّما فمنْ مبلغٍ عنِّي النبيّ محمَّداً ... وكلُّ امرئٍ يجزى بما كان قدَّما أقمتَ سبيلَ الحقِّ بعدَ اعوجاجهِ ... وكان قديماً ركنهُ قد يهدَّما تعالى علوَّاً فوقَ عرشِ إلهنا ... وكانَ مكانُ اللهِ أعلاَ، وأعظما فقال، ويحك يا عدي من الباب منهم؟ قال: عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، قال أليس هو الذي يقول: ثمَّ نبَّهنها فقامت كعاباً ... طفلةً ما تبيِّنُ رجعَ الكلامِ ساعةً ثم أنَّها بعدَ قالت ... ويلتا قدْ عجلتَ يا ابنَ الكرامِ أعلى غيرِ موعدٍ جئتَ تسري ... تتخطَّى إلى رؤوسِ النّيامِ ما تجشَّمتُ ما ترينَ من الأمرِ ... ولا جئتُ طارقَ الخصامِ لو كان عدو الله إذا فجر كتم على نفسه لا يدخل والله علي، فمن بالباب سواه قال همام بن غالب الفرزدق، قال: أو ليس هو الذي يقول: [الطويل] هما دلّيانّي من ثمانين قامةٍ ... كما انقضَّ باز أفقم الرأسِ كاسرةْ فلمَّا استوت رجلايَ في الأرضِ ... أخيُّ يرجى أم قتيلُ نماذرة؟ لا يطأ، والله بساطي، فمن بالباب سواه؟ قال الأخطل: قال يا عدي هو الذي يقول: [الوافر] ولستُ بصائمٍ رمضانَ طوعاً ... ولستُ بآكلٍ لحمَ الأضاحي ولستُ بزاجرٍ عيساً بكوراً ... إلى بطحاءَ مكةَ للنَّجاحِ ولستُ بزائرٍ بيتاً بعيداً ... بمكَّةَ أبتغي فيها صلاحي ولكنني سأشربها شمولاً ... وأسجدُ عندَ منبلجِ الصَّباحِ والله لا يدخل علي، وهو كافر أبداً. فهل بالباب سوى من ذكرت أحد؟ قال: نعم الأحوص، قال أو ليس هو الذي يقول: [المنسرح] اللهُ بيني وبينَ سيّدها ... يفرُّ منِّي بها، وأتبعها عذب عليه، فما هو بدون من ذكرت، فمن هنا أيضا؟ فقال: جميل بن معمر، قال: يا عدي هو الذي يقول: [الطويل] ألا ليتنا نحيا جميعاً، وإن أمتْ ... يوافقُ في الموت ضريحي ضريحها فما أنا في طولِ الحياةِ براغبٍ ... إذا قيل قد سوَّى عليها صفيحها فلو كان عدواً لله تمني لقاءها في الدنيا ليعمل صالحاً بعد ذلك، فلا، والله لا يدخل علي أبدا فهل سوى من ذكرت أحد؟ قال: نعم جرير بن عطية أما إنه القائل: طرقتكِ صائدةُ القلوبِ وليسَ ذا ... وقتُ الزّيارةِ فارجعي بسلامِ فإن كان، ولابد فهو فائذن لجرير، فدخل عليه، وهو يقول: [الكامل] إن الذي بعث النبي محمداً ... جعل الخلافة في الإمام العادل وسعَ الخلائقَ عدلهُ، ووقارهُ ... حتَّى ارعوى، وأقامَ ميلَ المائلِ إني لأرجو منكَ برَّاً عاجلاً ... والنفسُ مولعةٌ بحبِّ العاجلِ فلما مثل بين يديه قال: ويحك يا جرير اتق الله، ولا تقل إلا حقا فأنشأ يقول: [البسيط] أأذكرُ الحمدَ والبلوى التي نزلتْ ... أم قد كفاكَ الّذي بلغتَ من خبري كمْ باليمامةِ من شعثاءَ أرملةٍ ... ومن يتيمٍ ضعيفِ الصوتِ والبصرِ ممَّن بعدلكَ يكفي فقد والده ... كالفرخِ في العشِّ لم ينهض ولم يطرِي يدعوكَ دعوةَ ملهوفٍ كأنَّ بهِ ... خيلاً منَ الجنِّ أو مسّاً منَ البشرِ خليفةَ اللهِ ماذا تنظروننا ... لسنا إليكمُ، ولا في دارِ منتظرِ مازلتُ أجدكَ في همٍ يؤرقني ... قد طالَ في الحيِّ إصعادي ومنحدري لا ينفعُ الحاضرُ المحمودُ بادينا ... ولا يعودُ لنا بادٍ على حضري إنا لنرجو إذا ما الغيثُ أخلفنا ... منَ الخليفةِ ما نرجو منَ المطرِ نالَ الخلافةَ، إذ كانت على قدرٍ ... كما أتي ربّهُ موسى على قدرِ هذي الأراملُ قد قضيتَ حاجتهم ... فمن لحاجةِ هذا الأرملِ الذّكرِ الخيرُ ما دمتَ حيَّاً لا يفارقنا ... بوركتَ يا عمرَ الخيرات يا عمرِ

قال يا جرير ما أرى لك فيما هاهنا حقاً، قال: ما بي يا أمير المؤمنين: أنا ابن سبيل منقطع بي، فأعطاه من صلب ماله مائة درهم، وقد ذكر أنه، قال له: ويحك يا جرير، لقد ولينا ألينا هذا الأمر، ولا نملك إلا ثلاثمائة درهم مائة أخذها عبد الله، ومائة أخذتها أم عبد الله، ومائة موجودة، يا غلام أعطه المائة الباقية. قال: فأخذها وقال: هي، والله خير لي من جميع ما اكتسبته طول عمري، ثم خرج، قال له الشعراء: ما وراءك يا جرير؟ قال: ما يسوءكم، خرجت من عند أمير المؤمنين، وهو يعطي الفقراء، ويمنع الشعراء وإني عنه لراضٍ، ثم أنشدهم: [الطويل] رأيتُ رقي الشّيطانِ لا تستنفزهُ ... وقد كان شيطاني منَ الجنِّ راقياً احتاز صديقان على دار خالد بن صفوان، فعرّج أحدهما إليه وعبر الآخر فقبل له في ذلك، فقال: عرّج هذا لفضله، وعيّر ذاك لثقته لبعضهم: [الكامل] وإذا الفتى قعدت بهِ أيامهُ ... لم ينتعش إلاّ بعونِ كريمِ فأعن على الزَّمنِ الغشومِ فإنَّما ... يدعى العظيمُ لدفعِ كلِّ عظيمِ ولبعضهم: [الكامل] ولقد تبسَّمتَ النَّجاحَ لحاجتي ... فإذا لها من راحتيكَ نسيمُ ولربّما استيأستُ، ثم أقولُ لا ... إنّ الّذي ضمنَ النَّجاحَ كريمُ قال بكر بن محمد بن المازني: قال إسحق بن عيسى الهاشمي لجلسائه أنا أعلم أن في منازلكم، ما تأكلون من خبز ولحم وإنما تطيب المجالس بالتبذل فانتزعوا ثيابكم لابن كناسة: [المنسرح] فيَّ انقباضٌ وحشمةٌ فإذا ... صادفتُ أهلَ الوفاءٍ، والكرمِ أرسلتُ نفسي على سجيّتها ... وقلتُ ما قلتُ غيرُ محتشمِ روي أن المأمون قال لعبد الله بن طاهر: أيما أطيب مجلس، أو مجلسك؟ فقال: ما عدلت بك شيئا يا أمير المؤمنين، فقال له المأمون: ليس إلى هذا ذهبت، إلى الموافقة في العيش، واللذة، فقال يا أمير المؤمنين منزلي، قال: ولم ذاك؟ قال لأني فيه، مالك، وأنا هاهنا مملوك. قال كسرى أنوشروان: من لم يكن في داره بستان، أو قدامه ريحان، أو هو على نهر جار، أو عنده صبي يلاعبه فمات، فإنما موته من الغمّ، وقال أبو حاتم في الموافقة وحسن الاتفاق: [الكامل] وفتيةٍ قد عطفوا على الإخاء ... إن قالَ بعضُ لا أجابوهُ بلاَ ظرفاً وإنَّ قالَ بلى قالوا بلى ... شخوصهم شتَّى، وهم نفسُ فتى وقال أيضاً إنّ يوم الريح للنوم، ويوم الغيم للصيد، ويوم المطر للهو، والشرب، ويوم الشمس للحوائج، وما أحسن، قول أبي نواس: [الطويل] وليس الغنى والفقرُ من خلَّةِ الفتى ... ولكن أحاطتْ سمةٌ وحدودُ قال بعضهم لرجل كان بتعهده، ويواسيه بمعروفه، سل الذي رحمني أن يرحمك لي، وقد أحسن بن أبي حفصة في قوله: [البسيط] والرأيُ كالسيفِ ينبوا إن ضربتَ بهِ ... في غمدهِ وإذا جرَّدتهُ قطعا وقال حضين بن المنذر: [الكامل] إنَّ المروءةَ ليس يدركها امرؤٌ ... ورثَ المكارمَ عن أبٍ فأضاعها أمرتهُ نفسٌ بالدَّناءةِ، والخنا ... ونهتهُ عن طلبِ العلي فأطاعها وإذا أصابَ منَ الأمورِ كريمةً ... بني الكريمُ لها المكارمَ باعها وكتب المعتصم إلى عبد الله بن الحسين الحمد لله أدخلك من خليفته محل نفسه، فمالك مرتبة تسمو إليها نفسك غلا، وأنت فوقها عنده. وكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر: عافانا الله وإياك، كانت في نفسي عليك هناءة، غفرها الاقتدار عليك، وقد بقيت في قلبي عليك خرارة، وأخاف عليك منها، عند نظري إليك. فإن أتاك ألف كتاب مني أستقدمك، فلا تقدم، فحسبك معرفة بما أنطوي عليه لك إطلاعي إياك على مالك في نفسي، والسلام. ولما كتب الضحاك بن قيس الخارجي إلى مروان بن محمد، لأجهزن إليك المرد على الجرد، فأجابه لأحملن إليك الكهول على الفحول. قال الفضل بن مروان: دخلت يوماً على المعتصم، ومعي خبر من بابك كيسوة وخبر جارية حسناء أراد شراءها، فلم يمكنه، ثم تهيأ في أمرها ما يسره، فبدأته بخبر الجارية لتطيب نفسه قبل أن أخبره بخبر بابك، فلما سمع خبر الجارية سره سروراً ظاهراً وقال: الآن علمت أني خليفة.

ما كانت لي دنيا، ولا خلافة، وليست في ملكي أن أهب لها، فكأنه خف في عيني، ثم عرفته خير بابك فاسترجع، وقال أستعين عليه بالله وبقرابتي من رسول الله، وبدولة الحق، ويمن تدبيرك يا فضل فتقل، والله في عيني وجل. قيل لمحمد بن المنذر ما تشتهي؟ فقال محادثه محبوب، وتنفيس عن مكروب. قيل إن عتبة بن أبي سفيان، قال لمؤدب ولده: بك يا عبد الكريم أول ما تبدأ به من إصلاح ولدي إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبح ما تركت. ثم علمهم كتاب الله (عز وجل) ، ولا تكرههم عليه فيملوه، ولا تتركهم منه فيهجروه، وروّهم سير الحكماء، ولا تنقلهم من علم إلى علم، حتى يتقنوه، فإن ازدحام العلم في السمع مفضلة الفهم، وكن كالطبيب الأديب الذي لا يعجل بالدواء قيل: معرفة الداء، وتهددهم بي، وأدبهم دوني، ولا تتكل على عذر مني، فقد اتكلت على كفاءة منك، واستزدني بزيادتك إياهم، أزدك إن شاء الله تعالى. ذكر هشام بن عبد الملك أنه كان عند الأبرش الكلبي جالساً، فخرجت جارية له عليها حلة، فقال له هشام: مازحها يا أبرش، فقال لها ما أحسن حلتك لو بعتها، أو وهبتها لي. فقالت، والله لأنت أطمع من أشعب، فقال هشام، ومن أشعب؟ قالت رجل من المدينة يضحك الناس، وحدثته من أحاديثه، وأضحكته، فقال هشام: اكتب إلى إبراهيم بن هشام يحمله إلينا، فكتب الكتاب وختمه هشام، ثم مكث ساعة صامت، ثم مرت شفتيه بشيء، ثم قال يا أبرش أمير المؤمنين هشام يكتب إلى بلد رسول الله (صلى الله عليه وسلم يحمل إليك مضحك، ثم قال شعر: [الطويل] إذا أنتَ لم تعصِ الهوى قادكَ الهوى ... إلى ما فيهِ عليكَ مقالُ قال خالد بن صفوان: دخلت على هشام بن عبد الملك، وهو جالس على كرسي إلى جانب بركة له، وفيها رجال من أصحابه في مآزر، فقال لي: كن في مثل حالهم، ففعلت، ثم خرجت فجلست، فتنفس. ثم قال: يا خالد رب خالد كان يجلس مجلسك هذا، كان أحب إلي منك، فعلمت أنه يعني خالداً ما سألني شيئاً قط، ابتدأ به، وما ازدادني على عظيمة قط، فقلت ذلك أحرى أن تعيده، فقال: إن خالداً أدل فأمل، وأخف فأعجف، ثم أنشد: [الطويل] إذا انصرفت نفسي عنِ الشيءِ لم تكد ... إليهِ بوجهِ آخرِ الدَّهرِ تقبلُ قال سعيد بن العاص: موطنان لا اعتذار فيهما من العيّ، إذا كلمت سفيهاً، أو أحمق، وإذا سألت حاجة لنفسي، وأنشد: [الخفيف] ربَّ، قول يهيجُ منهُ جواباً ... تتمنَّى أن لا تكونَ سمعتهُ كلَّما خفتَ من سفيهٍ جواباً ... فأطلتَ عنهُ عممتهُ كتب الحسن بن سهل لرجل كتاب شفاعة، فقام الرجل يدعو، له، ويشكره، فقال الحسن علام تشكرني، ونحن نرى كتب الشفاعات زكاة مروّآتنا وجاهنا، ثم أنشد: [الوافر] فرضتَ عليَّ زكاةَ ما ملكتْ يدي ... وزكاةَ جاهي أن أعينَ، وأشفعا فإذا ملكتَ فجدْ فإن لم تستطع ... فاجهدْ بوسعكَ كلّهِ أن تنفعنا قال رجل لعمر بن عبد العزيز لما أفضي إليه الأمر: والله يا أمير المؤمنين، لأنت أزين للخلافة منها لك، والخلافة إليك أحوج منك إليها، وما مثلك ومثلها إلا، كما قال الشاعر: [الخفيف] وإذا اللهُ زانَ حسنَ وجوهٍ ... كانَ للدُّرِّ حسنُ وجهكِ زينا وتزيدُ بنَ أطيبِ الطّيبِ طيباً ... إن تمسّيهُ أينَ مثلكَ أينا قيل لأفلاطون: أي شيءٍ من أفعال الناس يفعل كفعل الله سبحانه، وتعالى؟ قال: الإحسان إلى الناس. يقال لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة. قال الأحوص: بلغني أن بعض الملوك قال لوزرائه: اجمعوا لي علما فجمعوا له قدر وقر بعير، فقال من يحفظ هذا تجيروا منه كلمات، وهي لا تحملن بطنك ما لا تطيق، ولا تعملن عملاً لست لك فيه منفعة، ولا تتغنّ بامرأة، ولا تغترنّ بمال، وإن كثر. وقال بعض الحكماء: ثلاث خصال يسود بها المرء: العلم، والعقل، والأمانة. وخصلتان ليست لصاحبها راحة إلا مفارقتهما: الطعام المخوف، والصاحب الخائن. من كلام الفقهاء وحسن استنشادهم وافتخارهم في وقت مناظراتهم. كان العنبري، وهو عبيد الله بن الحسن، ينشد في مجلس نظره: إذا أفلج على خصمهِ يهتزُّ حينُ ... عن حجة خصمه خوفَ الهضيمةِ كاهتاز وأنشد أبو بكر بن داود لشريح في آخر كلامه: [البسيط]

لا تحسبِ المجدَ تمراً أنتَ آكلهُ ... لن تبلغَ المجدَ، حتَّى تلعقَ الصَّبرا وقال الدادكي يوماً لابن طران، وهو المعافى بن زكريا في مجلس محمد بن صالح الهاشمي، القاضي المعروف بابن أم شيبان: لم أفهم ما قلت، فقال ابن طران: صدقت إنك لم تفهم لو فهمت لم تناظر، ولكن علي أن أقول ما نفهم، وليس علي أن أقول ما تفهم، وإن أبيت فبيني وبينك، قول الشاعر: [البسيط] عليَّ نحتُ القوافي من مقاطعها ... وما عليَّ لهمْ أن تفهمَ البقرُ ونظر ابن المرزبان يوماً في شيء من مذهب مالك فبان ضعفه، فأنشد أبو حامد: [الطويل] ومن يبتدعْ ما ليسَ من خيمِ نفسهِ ... يدعهُ، ويغلبهُ على النفسِ حتمها وكان ابن كعب الأنصاري ينشد إذا رأى خصمه قد أعاد كلامه بلا زيادة مفيدة معه: [الطويل] إذا ما انتهى تناهيتُ عندهُ ... أطالَ فأبلي أم تناهي فأقصرَا قال أبو حامد كنت في مجلس ابن المغلس، فدخل بعض أصحاب أبي علي بن جبران، ثم جرى كلام في مسألة، فأساء صاحب ابن جبران الأدب وجانب حسن العشرة، فأقبل عليه ابن المغلس، فقال: إن كان جرأك علي قولي لك، إنك لعلم فأغنيت به علم البيطار الذي في ذنب الحمار، فخزي ذلك الحاضر، وتمنى أن تلقمه الأرض، وناظر أبو حامد أبا جعفر الأبهري فأنشد: [الطويل] ألم ترَ أنَ الحقَّ يلقاكَ أبلجا ... وإنكَ تلقى باطلَ القولِ لجلجا وأنشد علي بن محمد بن أيان في مناظرته: [الرجز] عندَ الرِّهانِ يعرفُ الضّمارُ ... ويعرفُ السَّابقُ، والخوَّارُ وناظر أبو حامد فانبرى الأبهري يتكلم مداخلا فأنشد: [الطويل] فإن تكُ قيسُ قدَّمتكَ لنصرها ... فقد خزيت قيسُ وذلَّ نصيرها ومن كلام أبي عيسى الورَّاق: من ظلم في المناصرة أنصفت منه الحجة، ومن قلّد في مذهبه حكم الخصوم في نفسه، ومن عدم القصد في نظره بعد عن إدراك بقيتة، ومن وضع شيئاً في غير موضعه، واعتقد في غير حقيقته، فقد ظلم نفسه وعقله ودل على سوء اختياره. وتناظر المعافى، والدادكي يوماً فكثر تنحنح الدادكي بكلام كان يوعد فيه، فأنشد المعافى: [الطويل] وإني امرؤ لا تقشعر دابَّتي ... منَ الذئبِ يعدو أو الغرابُ المحجّل وقال أبو ظاهر الأنماطي أنا، والله معك، كما قيل: [المتقارب] أريها السُّهى وتريني القمر وأنشد بعضهم: [الطويل] فلا تأمني سرِّي إذا ما أهنتني ... وإن كانَ مكنونُ الهوى قد صفا لكي قال القاضي أبو حامد قال لي المهلبي يوماً، والمجلس غاصٌ بأعلام الناس، وهم يتكلمون، قل أيها الشيخ ما عندك؟ فأنشدت: [المتقارب] أقولُ إذا استنطقتني غير معجم ... ولا ملجئي عياً ولا تاركاً قصداً واسكت إجلالاً وأصمت عالماً ... وأنطق بالحسنى وأمحضك الودا قال المهلبي: من يلومني على إدنائك، وتقريبك، وقلة الصبر عنك، أنت، والله العتيق وغيرك المفرق. قال أبو حامد يوماً أمر لأبي علي الشابشتي افهم عن نفسك، ثم حاول أن يفهم عنك جليسك، فإنك أقرب إليك من غيرك وقال أبو زيد الحروزي لأبي عبد الملكي، وقد احتج في استدلاله بشيء: [الوافر] إذا لم تستطع شيئاً فدعه ... وجاوزهُ إلى ما تستطيعُ قال الواقدي: حدثني يونس بن محمد المظفري، عن يعقوب بن عمر بن قتادة قال: أخبرني محمد بن ثابت بن قيس بن شماس قال: كان ثابت بن قيس الأنصاري رجلاً جهوري الصوت، يحب الجمال، والشرف، وكان قومه قد شرفوه بذلك، فلما أنزل الله سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) [لقمان: 18] انصرف ثابت من عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ينتحب، فدخل بيته، وأغلق بابه وطفق يبكي، فافتقده النبي (صلى الله عليه وسلم) فأخبر بما فعل، فسأله عن سبب انقطاعه فقال: أنزل الله عليك: (إن الله لا يحب كل مختال فخور) [لقمان: 18] وأنا أحب الجمال، وأحب أن أسود قومي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (إنك لست منهم، إنك تعيش بخير، وتدخل الجنة بخير) فلما قال ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) خرج من بيته، وسر بما قال له، ثم أنزل الله: (ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي، ولا تجهروا له بالقول) [الحجرات: 2]

فرجع ثانية إلى بيته ينتحب، فدخل بيته، وأغلق بابه، وافتقده النبي (صلى الله عليه وسلم) فسأل عنه أبا مسعود الأنصاري، فأخبره خبره، فأرسل إليه، فقال: إن الله أنزل عليك: (ياأيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم) [الحجرات: 2] وإني أخاف أن يكون قد حبط عملي، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : (إنك لست منهم إنك تعيش حميداً، وتدخل الجنة شهيداً) فكان ثابت يتوقع الشهادة في حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) : فلما توفي وارتدت العرب، وبعث أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) خالد بن الوليد إلى اليمامة، انتدب ثابت بن قيس، فعقد له أبو بكر لواء على الأنصار، ثم مع خالد إلى أهل الردة، فشهد وقعه طلحة في أصحابه، ثم شهد اليمامة، فلما رأى انكشاف المسلمين. قال ثابت وسالم، فحفر لنفسيهما حفرتين، فقاما فيهما، مع سالم راية المهاجرين ومع ثابت راية الأنصار، حتى قتلا، وعلى ثابت يومئذ درع كانت لآبائه، فمر بها رجل من الصحابة فأخذها، فأري بلال بن رباح ثابت بن قيس في منامه، وهو يقول له: إني أوصيك بوصية إياك أن تقول هذا حلم فتضيعه إني لما قتلت أمس جاء رجل من ضاحية نجد وعليّ درعي، فأخذها فأتي بها منزله فألقى عليها برمة. وجعل على البرمة رجلاً وخبأه في أقصى المعسكر على جانب خيامه فرس يسير في طوله، فأتى خالد بن الوليد فخبره فليبعث إلى درعي فليأخذها، وإذا قدمت على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أن علي دينٌ، وهو كذا وكذا، ولي من الدين كذا وكذا فليستقصنّ لي وليقض عني، ومبارك وسعد غلماني حران لوجه الله تعالى، فلما أصبح بلال أتى خالد فخبره الخبر فبعث خالد نفراً إلى الدرع فوجدها. كما قال، فلما قدم بلال المدينة صار إلى الصّديق أبي بكر فأخبره بوصية ثابت، فأجازها، فلا نعلم أحد من المسلمين أجيزت وصيته بعد موته إلى ثابت بن قيس الأنصاري رحمة الله عليه، قرئ على دار أبي عبد الله بن مقلة بعد خرابها: [البسيط] كانوا بأنعم عيشٍ في منازلهم ... أخلا المنازلَ من سكانها البطرُ فصحبتهم منَ الأيام داهيةُ ... صمَّاءَ عمياءَ لا تبقي ولا تذرُ وقرئ على دار نازوك بعد خرابها: [مجزوء الكامل] أحسبتَ أنَّ معقِّبا ... تكَ منجياكَ من حمامكَ هذا الذي صنعت يمين ... كَ قد تصرّمَ بانصرافكَ قيل إنّ أعرابياً دخل على أبي عبد الله، وهو إذا ذاك وزير المهدي، وقد كان للأعرابي عليه وعد فقال: أيها الشيخ السيد إني، والله لأنسحب على كرمك، وأستوطي فراش مجدك، وأستعين على نعمك بقدرك، وقد مضى لي موعدان، فاجعل النجح ثالثا أفدك شكرا في العرب شادخ الغرّة بادي الإفصاح، فقال أبو عبد الله: يا هذا ما وعدتك تقديراً، ولا أخرتك تقصيراً، ولكن الأشغال تعطي، وتأخذ بأوفر الحظ مني، وأنا أبلغ لك حمد الكفاية ومنتهى الوسع بأوفر مأمول، وأحمد عاقبة، وأقرب. فقال الأعرابي يا جلساء الصدق قد أحضر لي الجواب، فهل من معين منجد، ومساعد منشد؟، فقال بعض أحداث الكتاب لأبي عبد الله: والله أصلحك الله لقد قصدك، وما قصد، حتى أملك، حتى أجاد النظر، وآمن الخطر، وأيقن بالظفر، فحقق أمله بتهيئة التعجيل فإن الشاعر يقول: [الطويل] إذا ما اجتلاهُ المجدُ عن وعدِ أملِ ... تبلجَ عن بيسٍ ليستكملَ الشّكرا ولم يسلهُ مطلَ الغداة عن الذي ... يصونُ الحمدَ الموّقرَ والأجرا فأحضر للأعرابي عشرة آلاف درهم، فقال الأعرابي للفتى: خذها، فأنت سببها، فقال الفتى: شكرك أحب إلي منها، فقال أبو عبيد الله: خذها، فقد أمرت للكاتب بمثلها، فقال الأعرابي الآن كملت النعمة، وتمت المنّة أحسن الله جزاك، وأدام نعماك. قصد بعض الشعراء للفضل بن الربيع، فقال له قصدتك أيها الأمير بيتين من الشعر أسأل استماعهما مني، فقال له: أنشد فقال: [السريع] صارمني النَّاس وصارمتهم ... فصرتُ أحفا من جميعِ الجهاتِ وأنتَ لي وحدكَ من بينهم ... وقد تكلّفتَ برزقي فهاتِ ومد يده إليه فأطلق عشرة آلاف درهم، فأخذها وانصرف. في ذم أبخر: [البسيط] ألقى ابنُ عجلانَ خبزاً كانَ يأكلهُ ... إلى سنانيرهِ في الدّارِ من فيهِ فشمَّمتهُ فظّنت أّنها خريت ... فأقبلت نحوهُ في التّربِ تخفيهِ ولبعضهم في معناه: [المتقارب]

وأبخرَ ألقى إلى قطّهِ ... لقيمةً من فمهِ الأبخرِ فبادرَ القطُّ إلى دفنها ... يحسبها من بعضِ ما قد خري وقع محمد بن عبيد الله في رقعة رجل ألح عليه: [الطويل] تأنَّ مواعيدَ الكرامِ فربّما ... حملت منَ الإلحاح سمحاً على بخلِ كان من أصحاب أبي عبد الله وزير المهدي رجل يعرف بعمران بن شهاب الكاتب، فاستعان على أبي عبد الله في بعض أموره ببعض إخوانه، فلما قام الرجل، قال أبو عبيد الله: يا عمران لولا أن حقك حق لا يجحد، ولا يضاع، لحجبت عنك حسن نظري، أتظنني أجهل لإنسان، حتى أعلمه، ولا أعرف موضع المعروف، حتى أعرفه، لو كان لا ينال ما عندي إلا بغيري لكنت بمنزله البعير الذلول عليه الجميل الثقيل، إن أقيد انقاد، أو أنيخ نزل لا يملك من نفسه شيئاً، فقلت معروفك بمواقع الصنائع مذكّراً. فقال، وأي أذكار لمن قضى حقك أبلغ من مساءلتك عليه، ومصيرك إليه، إنه، متى لم يتصفح المأمول أسماء مؤمليه تقلبه غدوّاً ورواحاً لم يكن للأمل محل، وجرى المقدرة لمؤمليه بما قدر، وهو غير محمود على ذلك، ولا مشكور، وما لي شيء أدرسه بعد وردي من القرآن إلا أسماء رجال التأميل لي، وما أبيت ليلة، حتى أعرضهم على قلبي لبعضهم: [الطويل] إذا أوليوا قالوا ضمنّا ومالنا ... سبيلٌ إلى فعلِ اليسيرِ منَ البرِّ وإن عزلوا قالوا عزلنا بعطلةٍ ... فكيفَ لنا منهمُ بالرفد بني النظرِ ومما يستشهد به من الشعر: [الطويل] ولو كانَ لي في حاجتي ألفُ شافعٍ ... لما كانَ فيهم مثلُ جودكَ شافعِ وكنتُ شفيعَ راجيهِ إليهِ ... فألجأني الجفا إلى شفيعِ وقد كنتُ أرجو للصّديقِ شفاعتي ... وما صرتُ أرضى أن أشفعَ من نفسي آخر في مدح رجل: [الكامل] واستكبرَ الأخبارَ عندَ لقائهِ ... فلمّا التقينا صغَرَ الخبرَ الخبرُ في معنى آخر: [الكامل] ولئن سكتَ وبانَ في وجهي الرِّضا ... بقيا عليكَ فإنَّ قلبي ساخطُ آخر: [الوافر] وفي عينيكَ ترجمةٌ أراها ... تدلُ على الضّغائنِ والحقودِ آخر: وكيفَ يديرُ أمرَ البلادِ ... فتىً أمرُ منزلهِ مهملُ آخر: [الكامل] جهلوا السّبيلَ إلى المكارمِ في العلى ... ورضوا منَ الأفعالِ بالألقابِ آخر: [الوافر] وأقربُ ما يكونُ النَّجحُ يوماً ... إذا شفعَ الوجيهُ إلى الجوادِ آخر: [الوافر] وكنّا لا نحجّبُ عن ملوكٍ ... فقد صرنا تحجّبُ عن كربي آخر: [الخفيف] إنّما تنجحُ المقالةُ في المرءِ ... إذا صادفت هوىً في المرادِ وأشارت بما أتيت رجالٌ ... كنتُ أهدي منها إلى الإرشادِ وله: [الطويل] وكلُّ امرئٍ يولي الجميلَ محبّبٌ ... وكلُ مكانٍ ينبتُ الغرَّ طيِّبُ وأظلمُ أهلِ الظّلمِ من باتَ حاسداً ... لمن باتَ في نعمائهِ يتقلبُ وقف أعرابيٌّ بباب خالد بن عبد الله القسري، فقال للحاجب: أوصلني إلى الأمير، امتدحه ببيتين من الشعر ما قيل مثلهما، قال له: وما هما؟ قال: أكره أن تبتدلا، فاستأذن لنا. وله، فلما دخل أنشده: [الكامل] لمنِ الدّيارُ كأنّها قفرُ ... قد ماتَ في حيطانها البعرُ إنَّ الأميرَ يكادُ من كرمٍ ... أن لا يكونَ لأمِّهِ بظرُ فاستلقى خالدٌ ضحكاً، حتى كاد أن يحدث، ثم أمر له بجائزة وقال: من كان هذا مدحه، ما ترى أن يكون ذمه لبعضهم: [الطويل] فإن تسألوني بالنِّساءِ فإنّني ... عليمٌ بأدواءِ النّساءِ طبيبُ إذا شابَ رأسُ المرءِ أو قلَّ مالهُ ... فليسَ لهُ في ودِّهنَّ نصيبُ قيل لمعن بن عبد الله، وقد ورث مالاً جزيلاً: لو ادخرت هذا المال لأولادك فقال: بل أدخره لنفسي عند الله، وأدخر الله لأولادي. دخل السدي على عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه، لما ولي الخلافة، فقال له عمر: أسرّك ما رأيت أم ساءك؟ فقال سرني للناس وساءني لك، فقال عمر: إني أخاف أن أكون قد أوبقت نفسي له، ما أحسن حالك، إن تخاف وإنما أخاف عليك أن لا تخاف، فقال له: عظني، فقال له: إنّ أبانا آدم، أخرج من الجنة بخطيئة واحدة. قال سفيان: ترك الملوك لكم الحكمة فاتركوا لهم الدّنيا.

كان عمر بن عبد العزيز يقول: اللهم إني أطعتك في أحب الأشياء إليك، وهو توحيدك، ولم أعصيك في أبغض الأشياء إليك، وهو الكفر، فاغفر لي ما بينهما. قال المنصور لرجل من بني أمية كان في حبسه ما ذهب بكم، فقال شرب العشيّان، وإسناد الأمور، إلى غير الكفاءة فالتفت إلى ولده المهدي وقال: احذرها يا أبا عبد الله. نظر بعض ملوك الفرس إلى مملكته فقال: هذا ملك لولا أنه هلك، وسرور لولا أنه غرور، وأنه ليوم لو كان يوثق له بعد. دخل أعرابي على عبد الملك بن مروان، فقال له: يا أعرابي صف لي الخمر فأنشد: [الطويل] شمولٌ إذا شجت وفي الكأسِ وردةٌ ... لها في عظامِ الشاربينَ دبيبُ تريكَ القذى من دونها وهي دونهُ ... لوجهِ أخيها في الإناءِ قطوبُ فقال، ويحك لقد اتهمتك عند ظني بك في وصفك بها. روي أن الفضل بن الربيع كلم رجلاً في أصحابه فقال، وقد كلمتك في فلان، وقد ملأ الأرض ثناء، والسماء دعاء وكتب بعض الأدباء إلى بعض الوزراء من شكر لك على درجة رفعته إليها، أو ثروة أفدته إياها فإن شكر إياك على مهجة أحييتها وحشاشة بقيتها ورمق أمسكت منه، وقمت بين التلف وبينه أنشد بعضهم شعره: [الطويل] ولي عدَّةٌ قد راثَ عيني نجاحها ... ورأيكَ أعلاَ رأيهِ في اقتضائها عطاؤكَ لا يفني ويستغرقُ المنى ... ويبقي وجوهَ الرّاغبينَ بمائها شكوتُ وما الشكوى لمثلي عادةٌ ... ولكن يفيضُ النفسَ عندَ امتلائها ذكر الشيخ الإمام أبو علي الحسن بن البنَّا رحمه الله، قال أخبرنا عبيد الله بن أحمد، قال: حدثني القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا أن علي بن محمد بن سعيد حدثهم، قال: حدثني الحسن بن عليل العنزي. قال أخبرنا أبا عبد الله بن عبد الرحمن الرازي قال: خرج الفضل بن يحيى بن برمك رحمه الله، في بعض الأحيان متعبداً فإذا أعرابي قد لقيه على ناقة له، فلما نظر الأعرابي إلى عظم موكب الفضل، نزل عن ناقته ودنا من الفضل وقال: السلام عليك، نعمت صباحاً يا أمير المؤمنين، قال ليس بأمير المؤمنين قال: فالوزير أصلحك الله، قال: ولا الوزير، قال فالفضل بن يحيى، فأمسك الفضل وقال: وما الذي أوفدك يا أخا العرب؟ قال قصدت الفضل بن يحيى، قال: ولم لم تقصده في بيته؟ قال لكثرة حجابه وسوء أدب أصحابه، قال: فما بلغ من أمرك يا أعرابي؟ قال أهجو فأفضح، وامدح فأقدح، قال له الفضل: فما وسيلك الآن إلى الفضل؟ قال بيتان من الشعر قلتهما فيه؟، قال له الفضل: أنشدنيهما، فإن كانا حسنين دللتك عليه، فأنشد الأعرابي يقول: [الطويل] ليفرحَ بالمولودِ من آل برمكٍ ... ذواتِ النَّدى والرُّمحِ والسَّيفِ ذي الفضلِ وثبنا به الآمالَ فيهِ لفضلهِ ... ولا سيَّما أن كانَ من ولدِ الفضلِ فقال له الفضل: إنهما لحسان، فإن قيل لك أنهما ليسا من قبلك، وأنهما مسترقان من قول العرب، فما تصنع؟ قال أنشده أحسن منهما قال فأنشدنيهما فغن كانا حسنين دللتك عليه فأنشأ يقول: [الطويل] ألم ترَ أن الجودَ من صلبِ آدمٍ ... تحدَّرَ، حتَّى صارَ في راحةِ الفضلِ توارثهُ الفضلُ بنُ يحيى بن برمكٍ ... كذا كلُّ مولودٍ يصيرُ إلى الأصلِ فقال له: إنهما لحسان فإن قيل لك أنهما ليسا لك، ولا من قولك، وأنهما مسروقان من قول العرب، فما تصنع؟ قال أنشده أحسن منهما، قال له: أنشدني فأنشأ يقول: [الطويل] ولو قيلَ للمعروفِ من ذا أخا العلى ... لنادى بأعلى الصَّوتِ يا فضلُ يا فضلُ ولو أنَّ ما أعطاهُ من رملِ عالجٍ ... لأصبحَ من جدواهُ قد نفدَ الرَّملُ إذا أمُّ طفلٍ مصَّها جوعُ طفلها ... غذّته باسم الفضلِ فاستطعم الطّفلُ فقال إنهما، والله لحسان، فإن قال لك إنهما ليسا من قبلك ما تصنع؟ قال أنشد أربعة أبيات لم تسمع العرب، ولا العجم يمثلهما، قال فأنشدنيهما فإن كانت حساناً دللتك عليه فأنشأ يقول: [الطويل] ولائمةٍ لامتكَ يا فضلُ في النَّدى ... فقلتَ هل ينجحُ اللومُ في البحرِ كانَّ وفودُ النَّاسِ من كلِّ بلدةٍ جاءت ... إلى الفضلِ لاقوا عندهُ ليلةَ القدرِ كأنَّ سحابُ الفضلِ في كلِّ ... تحدَّرَ ماءُ المزنِ في البلدِ القفرِ

إذا جئتَ تنهى الفضلَ عن بذلِ مالهِ ... فمن ذا الذي ينهى السَّحابَ عن القطرِ فقال الفضل إنها لحسان، فإن قيل لك إنها ليست من قبلك، وأنها مسترقة من قول العرب، ما الذي تصنع؟ قال: إذاً أدخلك وناقتي في حرِّ أمِّ الفضل، وأهل بيت الفضل، وأرجع إلى أهلي خائباً. قال: فضحك الفضل وقال: يا أخا العرب، أنا الفضل، فما بغيتك الآن؟ قال بغيتي عشرة آلاف درهم، أسرُّ بها صديق، وأكبت بها عدوي، وأستعين بها على زغاليلك كأنهن زغاب القطا إذا فقسن عن بيضاتهن. فقال له الفضل: هي منالك مائة ألف تتبعها مائة ألف تتبعها مائة ألف، مائة ألف، لقصدك إيانا، ومائة ألف لشتمك إيانا، ومائة ألف لاحتمالك لك، ومائة ألف تستعين بها على أمرك، قال: ثم إنّ الفضل أنشأ يقول: [الطويل] إذا شئتَ أن تدعى كريماً مكرماً ... أديباً ظريفاً عاقلاً فطناً حرَّاً إذا ما بدا من صاحبٍ لكَ زلَّةٌ ... فكن أنتَ محتالاً تقيمُ لها عذرا قال، وكان في يد الفضل قوس، فقال: أيّها الأعرابي قل في قوسي شيئاً، فقال: فقوسكَ قوسُ الجودِ والوبرُ النَّديّ ... وسهمكَ سهمُ المجدِ فاقتل بهِ فقري قال الفضل: أما قتلنا فقرك بعد، قال بلى، والله وأنعمت، ثم أنشأ يقول: [الخفيف] إنَّ للنَّاسِ غايةً في المعالي ... وقفوا نحوها، وأنتَ تزيدُ قد تعاليتَ في المكارمِ، والجودِ ... فجزتَ المدى فأينَ تريدُ ما تبالي الآمالُ إن قريت منكَ ... سواءً قريبها والبعيدُ أصبحَ الجودُ في دوائكَ كالقطرة ... في البحرِ غرَّقتها المدودُ قال: فأمر له بمائة ألف أخرى، فأنشأ الأعرابي يقول: [الكامل] عجباً لكفكَ كيفَ لا يتكلَّمُ ... مما يفيضُ على الأنامِ وتنعمُ أم كيفَ لا تخضرُّ منها عودها ... حتّى يكونَ لها ثمارٌ تطعِّمُ فالتفت الفضل إلى من كان معه، فقال: هل سمعتم كاليوم شعراً أحسن من هذا؟، ثم التفت إلى بعض الخدام، فقال له: ما بقي معك؟ قال، والله يا سيدي ما بقي معي غير درعك الذهب، قال: أنتَ، لهُ، والدرع معك، فبكى الأعرابي، فقال له الفضل: مما بكاؤك؟ لقلة فتزيد، قال لا، والله لا لقلة ولكن بكائي على ما تضمن الأرض، والثرى من جودك، وموت مثلك عن المسلمين. فقال له: كلامك، والله أحسن من شعرك يا غلام احشِ فاه درّاً ففعل، فوسع فوه خمس درات، وقال له: يا سيدي بقيت لي واحدة، فقال له: من أين قلت ذلك، قال لأن جدي مدح عبد الملك بن مروان فأمر له بمثل ما أمرت لي فوسع فوه ستة درات، ووسع فوي خمسة، وقد بقي لي واحدة، قال فأمر له بالسادسة فأخذها وانصرف. مرّ خالد بن صفوان على حمار له يدب، وسليمان بن علي يراه من منظرة بالمربد، فقال له سليمان: يا أبا صفوان، فأين الخيلُ؟، فقال أصلح الله الأمير الخيل للأيغال، والبرادين للجمال، والبغال للأثقال، والحمير لك مهال، وقال بعض القرشيين لابنه: يا بني إن طلبك صاحب أدهم، فعليك بالوجل، فإن الأدهم رديء القوائم، وإن طلبك صاحب أشقر، فعليك بالحزن، فإنّ الأشقر رقيق الحوافر. وإن طلبك صاحب كميت فعليك بالجدد وحقيق أن ينجو، وقال آخر دهم الخيل ملوكها، وكميتها جلادها، وشقرها ميامينها، وأهدى عبد الله بن طاهر المأمون فرساً وكتب إليه، قد وجهت لأمير المؤمنين أعزه الله، فرساً يلحق الأرنب في الصعداء، ويدرك الظباء في الاستواء، ويسبق في الحدور لسيل الماء، فهو كما قال تأبط شراً: [الطويل] ويسبقُ وفدَ الرِّيحِ من حيثُ ينتحي ... بمنخرقٍ من شدَّةِ المتداركِ وبعث الحجّاج إلى عبد الملك بن مروان، بفرس كتب إليه، وقد بعثت إلى أمير المؤمنين بفرس، حسن المنظر، محمود المخبر، بهي القد يسبق الطراف، ويستغرق. الوصف اجتمع بباب عبد الملك بن مروان الفرزدق وجرير، والأخطل فأذن لهم ذات يوم، وقال لهم: ليصف كل واحد منكم الفرس في غير شعر نثراً، فقال الفرزدق: أكرم الخيل أدهم طهطاه الذي هامته علاه، ذو الطرف الحديد، والنظر البعيد، والشدق الهريت، والعنق المديد الذي إذا أقبل قلت: ظبي عاط، وإن أدبر قلت هقل هاط، وإن سدَّ قلت ذئب ساط، سلس القياد، طبع الأوراد، إذا استقبلته قلت: ليث حاذر، وإن استديرته قلب طائر.

ثم قال جرير: أكرم الخيل الأشهب الأقب الأغلب، والمتن الأحلق، والكفل المزحلق، والجوف الأجوف، العامض العضب المدرك لما طلب، العاري الظنبوب، العجلز السرحوب، الذي كأن في جوفه شؤبوباً تخال، مشيته تقرباً، ثم قال للأخطل: هات يا أبا مالك. فقال: اسقني قعباً من خمر، يعين على اختراع الوصف، فسقاه، فلما شربه قال هاتِ قال يا أمير المؤمنين: تركته وحيداً لا تقدر على ابتداع، ولا يتسع لاختراع، فاجعل له شريكاً. قال له: طاسة مملوءة، فلما شربه، قال عبد الملك كيف ترى؟ قال اثنان يتشاحنان الخطابة، ويتنافسان الإجابة، فاجعل بينهما حكماً فسقي ثالثاً ورابعاً، حتى استوفى سبعة، فغضب بنو أمية، وقالوا الأخطل أحللته محلاً يتجرأ فيه عليك مع كفره، قال الأخطل، والمسيح ما أتكلم وغواة بني أمية حضور فنحّاهم. ثم قال: قال هات الآن. قال أكرم الخيل الكميت البهيم، من نسل كريم، منتصب الأذنين، القادح العينين، السائل الخدين، الرحب المنخرين، الجواد العلوة الطويل الفتى، المندمج الظهر، الأقب البطن، الصحيح القصب، التام العصب، المريح إذا أقبل، المتنابع إذا أدبر، أديمة صاف، ومحزمه واف، وسبيبه ضاف، وعقره داق قصير ظهره، هادية شطره، طالبه مشكوك، وطريدة مخذول، يعجبك خلقه إذا استقبلته، ويمرح تحتك إذا ركبته كأن مشيته زيفان. وكأن جريه طيران، يعنق بيديه، ويهلج برجليه، ويشكر بطرفيه، وقلبه بين عينيه، فقال له عبد الملك: أحسنت، ثم قال: من يلومني على أبي مالك، وأحسن جائزته. تفسير قولهم الطهطاه الفرس الفتى، وقوله هامته علاه العلا السندات، وعاط من عطا يعطو هاط، مجتمع الأحلق الأملس المزحلق المدور الظنبوب عظم الساق. العجلز الشديد الحلق، السرحوب الحفيف، العتيق: [البسيط] يا أهلَ ودِّي أما في الأرضِ ذو كرمٍ ... يرثي لذي كرمٍ زلّت بهِ القدمُ أفي عيونكم عن منظري عمهُ ... أم في مسامعكمُ عن منطقي صممُ من نعمةِ اللهِ فقل إني لأنعمكم ... لأنها نعمٌ من دونها نقمُ ألستُ أنسى لكم عن أحرفٍ عرضت ... في القلبِ قد كاد منها القلب ينقصمُ ما بالُ دوركم حلَّ لطارقها ... في كلِّ أوقاتها، والمطبخُ الحرمُ وله أيضاً: [الوافر] سألتُ اللهَ تعميراً طويلاً ... ليبهجني بخطبٍ يعتريكمُ أخافُ بأن أموتَ وما أرتني ... صروفُ الدهرِ من أرجوهُ فيكمُ قال بعض الحكماء: تفرعت الذنوب من سبعة أشياء: الكبر، والحرص، والغضب، والحسد، والشّح، والعجلة، والجميل. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه لابنيه: عليكما باصطناع المعروف واكتسابه، وتلذذا بروح نسيمه، وارضيا بمودات الرجال ثمناً منه، فكم من رجل صيّر ماله معروفاً فعاش به بنوه بعده. قال الأحنف بن قيس: ما رددت من حاجة قط، قيل له: ومن ذا الذي يردك يا أبا بحر؟ قال ليس، كما ظننتم، ولكني ما سألت قط إلا ما يجوز، ويسهل. سمع بلال بن جرير رجلاً يقول: الشحيح أغدر من الظالم، فقال لعن الله خلين خيرهما الشح. تحادث قوم عند عبيد الله بن عبد الله ذكر السخاء، فقال لا يتحدث أحد في السخاء، ولا في أهله إلا ولحاتم الطائي، ولكعب بن مامة عليه الفضل، أما حاتم فإنه كان لا يسأل عن شيء إلا سمح به، حتى أنه كان في سفر، فخرج عليه فارس ليأخذ ما معه، فلم يزل حاتم يجاريه، حتى انكسر الرمح الذي في يد الرجل، فكاد أن يقتله حاتم، فقال الرجل لحاتم أعطني رمحك، ومد يده إليه فأعطاه إياه، فسد عليه الرجل، فكاد أن يقتل حاتماً، فركض حاتم، وكان فرسه جواداً فلحقه فحدثهم: فقالوا، ولم أعطيته رمحك؟ قال ما كنت لأسأل شيئاً، فلا أجود به سيما، وقد مد يده إليّ، ثم كروا على الرجل فأخذوا الرمح منه، وأسروه، وأما كعب بن مامه، فإن رجلاً صحبه في فلاة، ومع كعب إداوة فيها شربة واحدة وليس مع رفيقه جرعة، ولا في الموضع ماء، ولا يطمعون في بلوغ الماء، فعطشا واشتد عطشهما فاستحيا كعب أن يشرب ورفيقه عطشان، فلا يواسيه، ولم يحتمل الماء سريعاً، فلم يبلغا الماء، حتى مات كعب بن مامه. قال محمد بن سليمان لابن السّمّاك: بلغني عنك شيء كرهته. قال إذن لا أبالي، قال: كيف ذاك؟ قال لأنه إن كان حقاً غفرته لي، فإن كان باطلاً لم يبله عني وكذبته.

كتب أرسطاطاليس إلى تلميذه يعاتبه وكتب في آخره، والسلام عليك سلام سنة لا سلام رضي. كتب بعضهم إلى صديق له يعاتبه: [مجزوء الكامل] وجفوتني فيمن جفاني ... وحملتَ شانكَ غير شاني ونسيتَ منّي موضعاً ... لكَ لم يكن لكَ فيهِ ثاني آخر يعاتب أخاه: [الخفيف] أيُّها العائبُ اللَّهوجُ يعيبُ النّاس ... مهلاً عنِ المعائبِ مهلاً إنَّ في نفسكَ التي بينَ جنبيكَ ... عن النَّاسِ لو تفكرتَ شغلاً عجباً أن في ثناياكَ لحمي ... وإذا ما رأتني قلتَ أهلاً إنَّ ذا العقلِ والبصيرةِ لا يقبلُ ... قولاً إن خالفَ القولُ فعلاً آخر يعاتب: [الوافر] أحنُّ إلى عتابكَ غيرَ أنّي ... أحلّكَ عن عتابكَ في كتابي ونحنُ إذا التقينا قبلً موتٍ ... شفيتُ غليلَ صدري بالعتابِ وإن سبقت إليّ يدُ المنايا ... فكم من عاتبٍ تحتَ التّرابِ قيل لإنسان أديب، قد أحسن أبو نواس، الحسن بن هانئ حين سألته جاريته عن اسمه، فقال لها اسمي وجهك، فقالت أحسن منه، قول أحد أصدقائنا: [السريع] وشادنٍ خبّرنا وجههُ ... عنِ اسمهِ كما جهلناهُ يدعوهُ بالوصفِ لهُ من رأي ... فيحسبُ الدّاعي سمّاهُ يقال أسوأ ما في الكريم أن يمنعك خيره، وأحسن ما في اللئيم أن يكف عنك شره، رأيت في البخاري عن جابر بن عبد الله، وروى عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: دققت الباب على النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال لي: "من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا، فكأنه كره قولي أنا". قال المعتمر بن سليمان كان على أبي دين، ولم يقدر على قضائه، فكان يستغفر الله ليلاً ونهاراً، فقلت لو سألت أن يقضي دينك، فقال إذا غفر لي، فقد قضى ديني لبعضهم: [الكامل] كن للمكارهِ بالغراءِ مقنّعاً ... فلعلَّ يوماً لا ترى ما يكرهُ ولربّما ابتسمَ الوقورُ من الأذى ... وفؤادهُ من حرّهِ تتأوّهُ ولربّما صمتَ الحليمُ تكرُّماً ... خوفَ الجوابِ وأنّهُ لمفوّهُ ولربّما برزَ الفتى فتنافست ... فيهِ العيونُ وأنه لمموّهُ لعبد الله بن عبيد الله: [البسيط] الحرُّ لا يشتكي شيئاً وإن سمعتَ ... شكواهُ لم تكُ إلا دونَ بلواهُ والمرءُ تكشفُ عيناهُ بلحظهما ... نجواهُ في قلبهِ من قبلِ نجواهُ دخل الوليد بن يزيد بن عبد الملك، على هشام بن عبد الملك عمه، وقد اشترى هشام جارية بألفي دينار، وهي مغنية، وكان على الوليد عمامة وشي مذهبة حسنة، فقال له هشام بن عبد الملك: بكم اشتريت عمامتك هذه يا وليد؟ فإنها فاخرة، قال: بعشرة آلاف درهم، قال: ويحك عمامة بعشرة آلاف درهم، قال: وما أنكرت في أن أتحف أكرم أعضائي، ومجمع حواسي يعلو قيمته عشرة آلاف درهم، وأنت قد أتحفت أرذل أعضائك بألفي دينار. خلع المنصور على معن بن زائدة، فخرج، وهو يسحب خلعته، فقال له: رجل من أهل اليمن، ليس عليك نسجة فاسحب واجرر، فقال معن متمثلاً: [الوافر] ونحنُ الضّاربونَ بما طيعتم ... ونحنُ لما نسجتم لابسونا أي أنكم قيون وحاكه. كتب بعض الولاة إلى معتذر غليه: [البسيط] أقرر بذنبكَ ثم اطلب تجاوزنا ... عنهُ فإنّ جحودَ الذنبِ ذنبانِ قال جالينوس: المرض هم عارض، والهم مرض طبيعي. لبعضهم: [السريع] وشرُّ معروفكَ ممطولهُ ... وخيرهُ ما كانَ من ساعتهِ لكل شيءٍ آفة تتقى وحسبك المعروف من آفته. قال عيسى بن يزيد: عمر الأحنف بن قيس إلى أيام عبد الملك بن مروان، وكان الحديث عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال أتى لليلة، وهو قائم يصلي، إذ أتت الجارية إليه، في حاجة، أو جاءته بشيءٍ أحسبه طعاماً لنا، فلم يرض بذلك منها، مد يده إليها، فنالها ضرباً، فقمت غليه وكلمته وصددته عنها، فأمسك، رجع إلى صلاته. فلما فرغ التفت إلي وقال: يا ابن قيس إذا أضفت رجلاً، فلا تعترض عليه في أهله، أو قال منزله، فهو أعرف بمصالحه منك، فإن كنت لابد فاعلاً فإذا سكنت الفورة.

قال الأصمعي دخلت على هارون الرشيد، فقال لي: يا أصمعي إني أرقت ليلتي هذه، فقلت لمَ أنام الله عينيك يا أمير المؤمنين قال فكرت في العشق ممّ هو؟، فلم أقف عليه فيصفه لي، حتى أتخيله جسماً مجسماً، قال الأصمعي: والله ما كان عندي قبل ذلك فيه شيء، فأطرقت ملياً. ثم قلت: يا أمير المؤمنين إذا تفادحت الأخلاق المتشاكلة، وتمازحت الأرواح المتشابهة، ألهبت لمح نور ساطع، يستضيء به العقل، ويهز لإشراقه طباع الحياة، ويتصور من ذلك النور، خلق خاصتي بالنفس متصل بجوهرة تيها تسمى العشق، قال أحسنت، والله يا غلام أعطه، وأعطه، وأعطه ثلاثين ألف درهم. قال الروم: تقول لا يملك علينا من يحتاج أن يشاور، وقالت: الفرس نحن لا نملك علينا من يستغني عن المشورة. قال ابن عباس: خطب أمير المؤمنين علي كرّم الله وجهه، على ابنه الحسن (عليه السلام) ، أم عمران، أو بنت سعيد بن قيس الهمداني، فقال فوقي أمير، أو قال أميره يعني أمها، فقال له: قم فوامرها فخرج من عنده، فلقيه الأشعث بن قيس بالباب، فأخبره الخبر، فقال: ما تريد إلى الحسين يفخر عليها، ولا ينصفها، وبما أساء إليها، ويقول: أنا ابن بنت رسول الله، وابن أمير المؤمنين، فهل لك في ابن عمها؟. قال: ومن ذاك؟ قال ولدي محمد بن الأشعث قال: قد زوجتك، قال الأشعث رضيت عنه وقبلت، ثم مضى ودخل الأشعث على أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، فقال يا أمير المؤمنين خطبت على الحسن ابنة سعيد، قال نعم، قال فهل لك في أشرف منها، وأكبر حسباً، وأتم جمالاً، وأكثر مالاً، قال: ومن هي؟ قال: جعدة بنت الأشعث بن قيس، قال: قد خطبت سعيد بن قيس في ابنته، وقد مضى ليوامرها: فقال يا أمير المؤمنين قد زوج ابنته من محمد بن الأشعث، قال ومتى؟ قال الساعة بالباب، قال فتزوج الحسن بجعدة، فلما لقي سعيد الأشعث، قال له: يا أعور خدعتني، قال: أنت أعور أعمى حيث تستشير في ابن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . بل أنت أحمق، ثم جاء الأشعث إلى الحسن فقال: يا أبا محمد ألا تزور أهلك، فلما أراد ذلك، قال: لا تمشي، والله إلا على أردية قومي، فأقامت له كندة سماطين وجعلت له أرديتها سباطاً من بابه إلى باب الأشعث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سألت ربي أن لا يشنع حبيباً يدعو على حبيبه". وقال هشام بن محمد لما ولي أبو العباس صعد المنبر ليخطب فقام إليه السيدان بن محمد فقال: [السريع] دونكموها يا بني هاشمِ ... فجددوا من أيُّها الطَّامسا دونكموها فألبسوا ناجها ... لا تعدموا منكم لها لابسا دونكموها لا علا كعبُ ... من أمسى عليكمُ ملكها نافسا خلافةُ اللهِ وسلطانهُ ... عادَ، وقد كانَ لكم دارسا قد ساسها من قبلكم ساسةٌ ... لم يتركوا رطباً ولا يابسا أربعةٌ في طلقٍ واحدٍ ... وأرثها رابعهم خامسا وداخلٌ من بيتهم من بني ... عمهم كانَ لهم سادسا لو خيِّرَ المنبرُ فرسانهُ ... ما اختارَ إلا منكم فارسا والملكُ لو شوِّرَ في ساسةٍ ... ما اختارَ إلا منكموا سايسا لم نبقِ عبدَ اللهِ بالشّامِ ... من آل أبي العاص امرءاً طسَّا ولستَ من أن تملكوا إلى ... هبوطِ عيسى نبيكم آيسا فأمر له بمال، فقال إن لي حاجة، قال: وما هي قال ترضى عن سليمان بن حبيب، وتكتب بعهده على الأهواز ففعل به ذلك، وأخذ العهد، ووافى سليمان فأنشده: [المتقارب] أتاكَ بعهدكَ من عندهِ ... على من يليكَ منَ العالمِ وشفيعٍ وشريفٍ وشاعر وزائر، سل حاجتك، قال: بدرة دنانير وجارية حسناء، وفرساً رائعاً ومنزلاً واسعاً، قال ذلك علي لك في كل سنة. ففعل به ذلك. قال ابن عباس: وقد سئل عن المد، والجزر، فقال ملك موكل بقاموس البحر إذا وضع رجله فاض، وإذا رفعها غاض وقاموس البحر وسطه، قال أفلاطون من لم ينم، حتى يتعرض الخلاء دام له حسن صورته، ومن أقل من مجامعة النساء ثبت له سواد رأسه ولحيته. قال أهدي أبو محمد الهمداني ابن أخت أبي هنّاد إلى علي بن يحيى المنجم في نيروز هدية وقال له معتذراً إليه من تقصيره: [مجزوء الكامل] هذي هديّةُ واثقٍ ... بمكانهِ منكمُ مدلُّ يرنو بعينٍ معظِّ ... مُ لكَ عن هديّتهِ مجلُّ

والفضلُ كلُّ الفضلٍ من ... كَ قبولُ الطافِ المقلُّ قال الكسروي أخبرنا بعض إخواني، وكان له علم بالعزائم ويذكر أن بعض الجن يخدمه، قال رأيت إبليس في سكة سليمان، وقفت أقرأ فسبقتني إلى ما كنت أقرا، فلما أعياني، قال لي: ويلك يا جاهل أنا أقرأ منك لكتاب الله، وليست ممن تهولني قراءتك، وتعاويذك، ولولا أني أميل إليك لتلفتك. فقلت أحب أن تنشدني شيئاً من شعرك، فتناول رأسي فصفعني صفعات، ثم أنشأ يقول: [المنسرح] سائل طلولَ القضا ومصقعها ... كيفَ ترى راحتي وموقعها كم صائرٍ هامةً معلَّمةً ... ذلّلها صافعٌ فطيّعها ثم غاب عني، لم تره عيني، قال الحماز: الحميّة إحدى العلتين. أخبرنا شيخنا الإمام السعيد، ناصح الإسلام، نجم الهدى أبو الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، قال: حدثنا شيخنا القاضي الإمام القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن محمد بن عجلان، قال: أخبرني علي بن يحيى بن أبي منصور. قال: كنت بين يدي المتوكل، إذ دخل علي بن محمد بن علي بن موسى، ولما جلس، قال له المتوكل ما يقول، والدك في العباس بن عبد المطلب؟ فقال ما يقول، والدي في رجل فرض الله طاعة نبيه على جميع خلقه، وفرض طاعته على نبيه صلى الله عليه وسلم وأخبرنا شيخنا الإمام أبو الخطاب محفوظ بن أحمد قال: أخبرنا القاضي أبو يعلى، قال حدثنا إسماعيل بن سعيد قال: حدثنا أبو علي الكوكبي، قال: حدثنا علي بن حرب الطائي، قال: حدثنا جعفر بن الطائي قرابة للقحاطنة من أهل جزيرة مهربان، حدثنا أبان بن عبد الجبار قال: كنا عند سفيان بن عيينة، وهو يحدثنا، إذ التفت إلى شيخ جنبه، فقال: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث الحية، فقال الشيخ حدثني محمد بن عنبسة، قال خرج حميري بن عبد الله إلى متصيد له، قال: فلما أقفرت الأرض به، انسابت حيةٌ من بين قوائم دابته، فقامت على ذنبها وقالت: آوني آواك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، فقال لها، ومن أي شيء آويك؟ قالت من عدو قد غشيني يريد أن يقطعني إرباً إرباً، قال لها، وأين آويك؟ قالت في جوفك إن أردت المعروف، قال: ومن أنت؟ قالت أنا من أهل لا إله إلا الله، فقال لها فهاكِ جوفي، فصيّرها في جوفه، فإذا بفتىً قد أقبل ومعه صمصامة له قد وضعها على عائقةٍ. فقال له: أيها الشيخ أين الحية؟ أطلت بكنفك، وأناخت بفنائك، قال هل ترى شيئاً؟ قال عظمت كلمة تخرج من فيك، قال ما جاء منك أعظم، تراني أقول ما أرى شيئاً، ويقول لي هذا، فولّى الفتى مدبراً، فلما توارى، قالت الحية يا عبد الله، انظر هل ترى أحداً، أو هل يراه بصرك، أو يأخذه طرفك؟ قال ما أرى شيئاً، قالت: اختر مني إحدى منزلتين، إما أن أنكت قلبك نكتةً فأجعله رميماً، أو أرث كبدك رثاً، فأخرجه من أسفلك قطعاً، قال لها: ما كافئتني يرحمك الله، قالت فاصطناعك المعروف إلى من لا تعرف ما هو إلا جهلك، وقد عرفت العداوة بيني وبين أبيك من قبل. وقد علمت أنه ليس عندي مال أعطيك، ولا دابة أحملك عليها، قال أردت المعروف، فالتفت، وإذا بفيء جبل، قال فإن كان لابد من قتلي ففي هذا الفيء الذي للجبل، ثم نزل يمشي يائساً من الحياة، وإذا بفتىً جالس في ظل الجبل، كأن وجهه القمر ليلة البدر، فقال الفتى يا شخ مالي أراك مستبسلاً للموت. فقال من عدو في جوفي أويته من عدو له، فلما صار في جوفي، قال كذا وكذا، وقص عليه القصة، فقال له الفتى: أتاك الغوث، ثم ضرب بيده إلى ردنه، فأخرج شيئاً فأطعمه إياه، فاختلجت وجناته، ثم أطعمه ثانياً فوجد مغصاً في بطنه، ثم أطعمه ثالثاً فرمى الحية من سفله قطعاً. فقال له حميري: من أنت؟ يرحمك الله؟، فما وجد أعظم علي منّة منك، قال له، أو ما تعرفني؟ قلت لا، قال أنا المعروف، إنه اضطربت ملائكة سماء سماء من خذلان الحية إياك فأوصى الله (عز وجل) إلى أن يا معروف أغث عبدي وقل له أردت لوجهي أشياء فأتيتك ثواب الصالحين، وأعقينك عقبي المحسنين ونجيتك من عدوك وفيه قال: [الطويل] ومن يفعلِ المعروفَ معَ غيرِ أهلهِ ... يجازى كما جوزيُ مجيرُ أمُّ عامرِ

حتى أتى على آخرها، فضحك، ثم قال يعطى سبعين ألف درهم فقبضتها وانصرفت محمولا، ثم

قال العتبي رؤي مروان بن أبي حفصة واقفاً بباب الحسن، كئيباً أسفاً ينكث بسوطه على معرفة دابته فقيل له يا أبا السمط ما الذي نراه بك؟ قال أخبركم بالعجب، مدحت أمير المؤمنين فوصفت له ناقتي من خطامها إلى خفيها. ووصفت الفيافي من اليمامة إلى بابه أرضاً أرضاً، ورملةً رملة، حتى إذا أشفيت منه على غنى الدهر جاء من بياعة الفخاخير يعنى أبا العتاهية، فأنشده بيتين فصحصح بهما شعري وسواه في الجائرة بي فقيل له، وما البيان فأنشده: [الكامل] إن المطايا تشتكيك لأنها ... قطعت إليكَ سباباً ورمالَ فإذا رحلنَ بها رحلنَ مخفَّةً ... وإذا بنا رجعنَ ثقالاً يقال لا تنجع الحكم في الطباع القاسية، كما لولا يزكو الزرع ي البقاع الجاسية، قدم أبو الجهل بي أبي حذيفة على معاوية ومعه ابن له فصيح، فلما جلس واستقر، قال له معاوية: سل حاجتك، قال: كذا وكذا، وأطال معاوية يسمعه لكل ما يسأل فأكثر، وألح، فقال له ابنه: يا أبت عن أمير المؤمنين، ولا تملله، فقال يا بني ما وراءه مطلب، ولا عذر مذهب، ولا على كرمه لمحتد مطعن، وما مثلنا إلا، كما قال عبد المسيح الهذلي: [الوافر] نقلبهُ لنخبرَ حالتيهِ ... فنخبرُ منهما كرماً وليناً نميلُ على جوانبهِ كأنا ... نميلُ إذا تميلُ على أبينا كانت أم الفضل بنت الحارث الهلالية ترقص عبد الله بن العباس، وتقول: ثَكلتُ نفسي وثكلتُ بكري ... إن لم يسدْ فهراً وغيرَ فهرِ أبو النواس قال: دخلت على الأمير فقلت: يا أمير المؤمنين قد قلت فيك أبياتاً، آليت أن لا آخذ لكل بيت إلا عشرة آلاف درهم، فقال: هات فأنشده: [مجزوء الكامل] قدْ قُلتَ، والغيمُ دانٍ ... يكادُ يدفعُ باليد يا غيمُ أرعدْ وأبرقْ ... محمدٌ منكَ أجودِ على الأمينِ تمنتْ ... بالله رب محمدِ أنْ لا يقولُ لراجٍ ... أتاهُ لا عنْ تعمدِ فأعطاه أربعين ألفاً، يقال نعم الناصر الجواب الحاضر. ذكر الأصمعي، قال كنت مع الرشيد بالرقة، فبعث إلي وقت الصلاة العصر أجب أمير المؤمنين، فقمت مبادراً، فأدخلت عليه، وهو جالس على كرسي من الخيزران. وإلى جانبه صبية خمسية، فيلت، فلم يرد السلام، وإذا هو يخط على الأرض، ويكتب بإصبعه، ثم رفع رأسه إلي وقال: يا أصيمع فقلت لبيك يا أمير المؤمنين قال: ألا ترى إلى الدعي ابن الدعي اليهودي بن اليهودي، عبد بني حنيفة ودعي بني أمية مروان بن أبي حفصة، يقول: لمعن بن زائدة وإنما هو عبد بن عبيدي: [الوافر] أقمنَا باليمامةِ إذ يئسنَا ... مقاماً لا نريدُ به ارتجالاً وقلنا أينَ نرجلُ بعد معنٍ ... وقد ذهبَ النوال لا نوالاً وكان الناس كلهمُ لمعنٍ ... إلى أن زار حفرتهُ عيالاً فجعلني، وولدي وحشمي عيالاً لمعن، وإذا كان قد ذهب النوال، فلا نوال فيما يصنع ابن الزانية ببابي؟ فقلت ببابك يا أمير المؤمنين، وأنت أولى به، فقال، يحضر الساعة فأحضروه من ساعته إليه فقال: السياط، فأحضرت، فقال صبوها عليه الدعي الفاجر، فجعلت تأخذه من هاهنا وهاهنا وهو يصيح، يا أمير المؤمنين ارع حرمتي بك وبأبيك، ومدائحي فيه وفيك، وهو يقول: أوجع ابن الزانية، حتى ضرب ثلاثمائة سواط، وهو يقول: اسمع بحق جدك وابن عمك ما قلته فيك، فقال هات ما قلته فأنشده: طرقتكَ زائرةً فحيّ منالها حتى أتى على آخرها، فضحك، ثم قال يعطى سبعين ألف درهم فقبضتها وانصرفت محمولاً، ثم قال يا أصيمع أتدري من هذه الجويرية؟ قلت لا، والله يا أمير المؤمنين قال: هذه نواسة بنت أمير المؤمنين قم فقبل رأسها، فقلت إنا لله وإنا إليه راجعون، أفلت من واحدة، وأقع في أخرى، أغلظ منها أقبل رأسها فتداخله غيرة هاشمية فيقتلني فتغافلت فأخذ الحزن، ليحذفني به، فقمت فوضعت كمي على رأسها، ووضعت كفي على كمي، ثم قلت كفي، فقال، والله لو أخطأت لضربت عنقك. فقلت يا أمير المؤمنين، فما جزاء من يرافق محبتك؟ فضحك، وأمر لي بعشرة آلاف درهم، ثم أخذ يعد حديثه عوداً من الأرض، فقال مثل من حظ خير من جبل عظيم من العقل بلاحظ.

قال: دخل البلاذري على أبي عيسى بن المتوكل، فسأله حاجة تعذرت عليه، فرأى البلاذري لأبي عيسى، وهو يتغمز من يعذر حاجته، والخمر في وجهه، ويصفر من الغم لذلك، فقال أبها الأمير حسبك، فقد، والله بان في وجهك الاغتمام يتعذر حاجتي، وذكرته، قول الشاعر: يكادُ يخرجُ في ديباجِ أوجههم ... خوفُ الملامةِ حتى يقطرنِ دماً قال تميم بن نصر بن سيار لأعرابي: هل أصابتك تخمة قط؟ قال أما من طعامك فلا. وقال أحمد بن المعذل [البسيط] وأنتم أهل بين الفضل نائلكم ... ستر علينا من المعروف ممدود نرجو لباقيةِ الأيامِ باقيكم ... ومنْ مضى فهو موجود ومحمودُ في ضده لبعض الشعراء. يتباهونَ وخبزهم عددٌ ... وإدامهم ملحٌ إذا احتسدوا وإذا ادعوا الخلافَ مكرمةٌ ... قاموا وإن يدعوا لها قعدوا سأل أبو النواس أبي الشمقمق عن حاله فأنشده: [الخفيف] كنتُ فيما مضى فتى أمدحُ الناس ... وأهجوُ وذاكَ ذلٌ ذليلْ فأنا اليومُ ليسَ قولي إلا ... حسبنا الله وهو نعمَ الوكيلْ قال له أبو النواس: يا ابن الزانية، قل لهذا يطعمك الخبز فبلغت الرشيد، فقال ليعلمن الزنديق أذاك سينفعه، فيعث إلة أبي الشمقمق بعشرة آلاف درهم، وأمر أن يجري عليه في كل شهر ألف درهم. قال زيد بن الحباب ما رأيت سفيان الثوري (رضي الله عنه) رضي عن السلطان إلا مرة واحدة، وذلك أنه خرج إلينا من منزله فقال: يا أيها الناس اعذروا السلطان، فإني ذبحت شاة. فما استطعت أن اعدل في تفرقتها بين قومي وجيراني. نظر أعرابي إلى رجل يكتب دفتراً بخط دقيق، فقال إنك لعلي ثقة من الدهر. قال أمير المؤمنين على بن أبي طال كرم الله وجهه. من أحب أن ينظر إلى أحسن منظر فليأت منزل عمي العباس، يجد عبد الله أعلم الناس، وعبيد الله أسخى الناس، والفضل أفضل الناس. وقع المأمون إلى أحمد بن هشام على رقعة رجل تظلم منه، أكفني أمر هذا وإلا كفيته أمرك. وقع السفاح إلى صاحب أرمينية، وقد بلغه شغبهم عليه، ونهبهم للمال الذي قبله اعتزل، عافاك الله عملنا لو عدلت لم يشغبوا، ولو قويت لم ينهبوا، لبعض الأعراب: [الطويل] إذا لم تكن جلداً على بدعِ الهوى ... غروفاً إذا شيء أمرتْ مرائرهُ فمتْ واسترخْ فالموت من ذاك راحةٌ ... وتقطيع أسباب الذي أنت ذاكرهُ دخل وفد من المسلمين على ملك الروم، وكانوا ثلاثة أحدهم مختضب بالوسمة عشرة آلاف دينار، والأبيض خمسة آلاف. ولم يعط المختضب بالحناء، فقال له: ولم أعطيتهم ومنعتني؟ قال: لأن صاحب الوسمة ابتلى بالبياض فصبغه صبغاً رده إلى شبابه، والمحبوب المطلوب، وألطف الحيلة، وأما صاحب البياض لما ابتلي صبر، ولم يغير، فلم يحسن، ولم يسيء. وأنا أنت فابتليت، فلا صبرت، ولا أحسنت، فما دبرت وهذا يدل على فساد رأي، وخلل في الطبيعة، ومن هذا عقله لا تصلح معه الصنيعة، ولما دخل الشعبي على ملك كابل، رآه مختضباً بالحناء، فقال الملك لترجمانه، قل له: ما هذا الخضاب، وما دعاك إليه؟ فقال سنة سلفنا، فقال الملك ما أدري ما سنتكم، إلا أنه قد كان ينبغي لو خلفتم على هذه الخلقة أن تغيروها لبعضهم: [الكامل] ودعُ المشيبِ شراستي وغرامي ... ورمى جفونِ العينِ بالشجام ولقد حرصتُ بأن أورايَ شخصه ... عن مقلتي فرميتُ فير مرامي فصبغتُ ما صبغ الزمانُ فلم يدمْ ... صبغي ودامتْ صبغةُ الأيام لبعضهم: [الوافر] إذا لبسوا عمائمهم ثنوها ... على كرمِ، وإن سفروا أناروا يبيعُ وبشرى لهمُ سواهمُ ... ولكنْ بالطعانِ همُ نحارُ إذا ما كنتَ جارَ بني عقيلٍ ... فأنت لأكرمُ الثقلينِ جارُ في بعض من قلد أمانته على العمال: [الكامل] إن الألى ولكَ حفظَ أمانةِ ... ما صادفوا بكَ حافظاً مأمونا بكت الضياعُ من الضباعِ بأعينٍ ... أبكينَ من أنسأتهنَّ عيونا ذكروا أنه لما أتي عبد الملك بن صالح وفد الروم، أقام على رأسه رجالاً لهم قصر وهام ومناكب، وأجسام وشعور، فينا هم يكلمونه، والبطريق جالس عنده، ووجه رجل من الذين اختارهم للمباهاة في قفا البطريق.

إذ عطس عطسة ضئيلة، فلحظه عبد الملك بن صالح لحظة منكرة لم يدر العاطس ما سببها، فلما انصرف الوفد: قال له: الرجل رأيت عينيك تلحظاني لحظاً منكراً، فما سببه؟، فقال له: فهلا إذا كان منخراك ضيقين وخيشومك في كرارتها خيشوم الأرنب، اتبعت عطستك اتبعت عطستك بصيحة تخلع به قلب العلج، ثم أنشد، قول العتابي في الرشيد: [المتقارب] جهيرُ العطاس شديدُ النياط ... جهير الرواء جهيرُ البعسمِ ويخطو على الأينِ خطو الظليمِ ... ونمى السماط بجسم عميمِ وأنشد أبو عمرو بن العلاء لرجل من الخوارج، في وصف شبيب بن يزيد الخارجي، المعروف بابن الديلمية، وكان شبيب يصيح في الخيل إذا أتته، فلا يلوي أحد إلى أحد: [البسيط] إن صاح يوماً حسبت الصخر منحدراً ... والريح عاصفة والبحر ملتطماً شكا بعض الناس إلى صديق له رجلاً ما يلقاه من شره، فقال له: اصبر عليه واحتمله، وأنشد: [الطويل] فلو كان منهُ الخير أو كان شرهُ ... عتيداً جعلتُ الخيرَ منهُ مع الشر ولكنهُ شر ولا خير عندهُ ... وليس على شرٍّ إذا دام من صبرِ مر رجل ببعض الولاة، وهو يعذب قوماً في الخراج، ويصل قوماً بدراهم، فقال له: إن كنت تصل من ترحم فارحم من تعذب، قال رجل لعمر بن [55] الخطاب (رضي الله عنه) يا أمير المؤمنين: أعطي الشعراء، فقال خير المال ما وقى العرض. قيل إنه أبطأ ابن عبدل الأسدي أياماً عن عبد الملك بن بشر بن مروان، وهو والي العراق. فقال يا ابن عبد الله لم أرك منذ أيام، فقال أصلح الله أمير، كنت خطبت امرأة من أهلي فحلفت لا تتزوج بي، حتى أخرج حقها، وأقضي دينها، وأقتصي مالها، فخرجت إلى البادية فمدحت هذا، وهجوت هذا، وحمدت هذا، وذممت ذا، فلما فرغت أتيتها تنجز الوعد فملت لي رفعة فيها مكتوب أما والله لو كرهت يميني شمالي، ما وصلت بها شمالي. [الوافر] . سيعيبكُ الذي حاولتَ مني ... إذا انتقصتْ عليكَ فقوي خبالي كما أعياكَ معروفُ بن يشرٍ ... وكنتَ تعدهُ رأس مالي فقال له عبد الملك: قاتلك الله ما أحسن ما ألطفت المسألة، وأمر له بمال وصرفه. لما التاث عبد الله بن علي عم المنصور عليه، كتب إله: [الطويل] وخدراء لوْ أطلقتها من عقالها ... تضايقَ عنها الأفق، والأفق واسعُ فأين عليٌ ما بيننا من قرابة ... وراجعٌ فخيرُ المذنبينَ المراجع فإنكَ إن وليتَ ذمةً بيننا ... خلافاً تولتكَ السيوف القواطع قيل لعيسى عليه السلام، لو تزوجت يا روح الله، فيكون لك ولد، فقال الولد إن عاش كدني، وإن مات هدني، قال أمير المؤمنين على عليه السلام، لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن على مال، ولا تذروهن إلا لتدبير العيال، إن تركن، وما يردن أو ردن المهالك، وأذكن الممالك، لا دين لهن عند لذتهن، ولا ورع لهن عند شهوتهن، ينسين الخير، ويحفظن الشر، يتهاوين بالبهتان، ويتمادين في الطغيان، ويتصدين للشيطان. بعض الحكماء قال: ما أطاع عرسه لم يرفع نفسه. وقال آخر اعص هواك، والنساء، واعمل ما شئت، وقال آخر: النساء شر كلهن، ومن شرورهن قلة الاستغناء عنهن، وقال أرسطاطاليس: القينة ينبوع الأحزان. نظمه أبو الفتح البستي: [المتقارب] يقولون مالكَ لا تقتني ... من الذخرْ مالاً يفيدُ الغنى فقلت وأفحمتهم في الجواب ... لئلاَّ أخافَ ولا أحزنا يقال إن جمال الرجل في طي لسانه لا في طيلسانه. وقال عليه السلام: ما أكل من قدر على المعروف، وكانت له فيه نية، إذن له فين فإذا اجتمعت النية، والقدرة فهناك تمت السعادة، وله عليه السلام: من عاش أبصر في الأعداء بغيته، وإن يمت فله الأيام تنتصر. قال بعض الحكماء: لو صور العقل لأظلم معه الشمس، ولو صور الحق لأمنا معه الليل، قيل لريض: ما تشتهي؟ أشتهي أن أشتهي. مر بعض ملوك الفرس على شيخ كبير يغرس شجرة جوز، فقال له: يا هذا أتطمع أن تعيش لتأكل منها، فقال: لا، ولكن الدنيا سلمت إلينا عامرة. فندفعها إليهم عامرة. فقال الملك هذا حكيم أعطوه أربعة آلاف درهم، فقال الشيخ ما أسرع ما أدركت خير هذه الجوزة، فقال الملك أعطوه أربعة آلاف درهم أخرى، وأمسكوا لسانه، لئلا يتكلم بما يستحق به العطاء.

قيل لسعيد بن المسيب: مات إبراهيم بن محمد بن طلحة، قال: كيف مات؟ قيل سقط قصره، فقال هيهات لا يموت مثله هكذا، فلما أخرج من الهدم وجدوه حياً ما برجله كسر، فقيل لسعيد كيف قلت ما قلت؟ فقال: لأنه واصل للرحم، وواصل الرحم يوقى سيئه السوء. يقال: إن القرابة تحتاج إلى المودة، والموجة لا تحتاج إلى القرابة، والود أعطف من الرحم. ذكر بعض الحكماء: أن غسل الوجه بالماء البارد عقب الخروج من الحمام يبقي طراوته مع كبر السن، أوحى الله تعالى إلى إبراهيم عيه السلام:_تدري لم اتخذتك خليلاً) . قال الحسن البصري: ما لا، (لأني رأيتك تحب أن تعطي، ولا تحب أن تأخذ وهذه صفتي، فاتخذتك خليلاً) . قال الحسن البصري: ما أنصفك من كلفك لحلاله ومنعك ماله؟ [الطويل] إذا لم تكنْ نفسُ الشريفِ شريفةٌ ... وإنْ كانَ ذا قدرِ فليس له شرفُ قال أكثم بن صيفي: السخاء حسن الفظنة، واللؤم سوء التغافل، ومن [75] حسن الفطنة تبليغ التعريض. مت حكى عن بعض الأمراء أن رجلاً سايره، فقال له: ما أهزل برذونك، فقال له: أيها الأمير يده مع أيدينا فوصله بصلة سنية، اكتفى بهذه الإشارة، ومن ذلك ما حكى عبيد الله بن سليمان أنه لما تقلد الوزارة للمعتضد، كتب إليه عبد الله بت عبد الله بن طاهر. [الطويل] أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا، فمن نحبُ ونكرمُ فقلتُ لهُ نعماكَ فيهم أتمها ... ودع أمرنا إن المهمَّ المقدمُ فقال الوزير: ما أحسن ما شكا حاله من إضعاف مدحه، وقضى حاجته. قال بعض الحكماء: الضرورة توقح الضرورة يعني العاجز، وفي معناه: [الطويل] ألا قبح الله الضرورةَ إنها ... تكلفُ أعلا الخلقَ أدنى الخلائقِ وللهِ درُّ الاختيارِ فإنهُ ... يبينُ حدَّ السبقِ منْ غير سابقِ قال الفضل بن سعيد لرجل سأله حاجة: أعدك اليوم، وأحبوك غداً بالإنجاز، فتذوق حلاوة الأمل، وأتزين بثوب الوفاء. وروى النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال "لكل شيء ثمرة، وثمرة المعروف تعجيل السراح". وقيل لأنوشروان: ما أعظم المصائب عندكم؟ فقال: أن تقدر على المعروف، فلا تصطنعه، حتى لا يفوت. وقال أبو عبد الحميد: من أضاع الفرصة وعن وقتها فليكن على ثقة من فوتها. روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه ذكر عنده رجل فذكر فيه خير، وقالوا: يا رسول الله صلى الله عليك وسلم: خرج معنا حاجاً فإذا نزلنا منزلاً لم يزل يصلي، حتى نرحل، فإذا ارتحلنا لم يزل يذكر الله سبحانه، حتى ننزل، قال: "فمن كان يكفيه علف ناقته وصنيع طعامه" قالوا: كلنا قال: "فكلكم خير منه". كتب بعض ذوي الحاجات إلى عامل بلد في رعاية حرمته: [الكامل] أعلى الصراطِ تريدُ تظهرُ حرمتي ... أن في الحسابِ تمنُّ بالأنعامِ للنفعِ في الدنيا أريدك فانتبهْ ... الحيَّ أنجى من رقدة النوامِ وكتب أبو علي البصير إلى بعض الوزراء، وقد اعتذر إليه بكثرة الأشغال: لنَا كلُّ توبةٌ قدْ نتوبها ... وليسَ لنا رزقٌ، ولا عندنا شغلُ فلا تعتذرْ بالشغلِ عنا فإنما ... تناطُ بكَ الآمالُ ما اتصلَ الشغلُ قال بعض البلغاء المقادير الغالية لا تنال بالمغالبة، والأرزاق، لا تنال بالشدة، والمكالبة، فذلك للمقادير نفسك، واعلم بأنك غير نائل بالحرص إلا حظك، وقد قيل رب حظ أدركه غير طالبه، ودر أحرزه غير جالبه ودر حصله غير طالبه، لبعض الأدباء، وهو محمد بن حازم: [مجزوء الكامل] يا أسيرَ الطمعِ الكا ... ذب في أسْر الهوانِ إن عزَّ الناس خيرٌ ... لك منْ ذلك الأماني سامح الدهرَ إذا أعزَّ ... وخذْ صفوَ الزمانِ ربما أعدمَ ذو الحرْ ... صِ وأثرى ذو الثواني قال بعض الحكماء: في تقلب الأحوال نتعرف جواهر الرجال، الكره يسهل بالمرون، قال في تأويل قوله تعالى: حياة طيبة، قال القناعة. وقال أكثم بن صيفي من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة وقال بعض الشعراء: [الطويل] إذا كنتَ ذا مالٍ ولم تكُ ذا ندىً ... فأنت إذن والمقترونَ سواءٌ على أنَّ في الأموال يوماً تباعة ... على أهلها والمقترونَ براءُ (وقال آخر) : [الطويل] إذا أسود وجه المرء وأبيض شعرهُ ... تنغصَّ من أيامه مستطابها

وغرهُ عُمر المرءِ قبل مشيبه ... وقد فنيتْ نفسٌ تولى شبابها فدعْ عنكَ فضلاتِ الأمور فإنه ... حرامٌ على نفس الكريم ارتكابها ومنْ يدقِ الدنيا فأنى طعمتها ... وسيق إلى عذبها وعذابها وما هي إلا جيفةٌ مستحيلة ... عليها كلابٌ همهنَّ اجتذابها قال بعض الحكماء إن من قنع كان غنياً، وإن كان مقتراً، ومن لم يقنع كان فقيراً، وإن كان مكثراً، وقال بعض السلف من البلغاء، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، وإذا طلبت العز، فاطليه بالطاعة، فمن أطاع الله (عز جلاله) نصره، ومن لزم القناعة زال فقره. قيل لبعضهم: صف لنا حال الأخ الصالح، فقال: يلقاني بوجه لا غني به عني، وأما إليه محتاج، وإن أذنبت غفر وكأنه المذنب، وإن أسأت أحسن وكأنه المسيء له بشر مقبول، ونائل مبذزل، وعفاف معروف وأذى مكفوف لبعضهم: [الطويل] خبتْ نارُ نفسي إذا أضاءتْ مفارقي ... وبان شبابي حين لاحَ شبابها فيا بومةً قد عششتِ فوق هامتي ... على الرغم منَّي حين طارَ غرابُها عرفتِ طرَابَ العُمرِ منَي فررتني ... ومأواكِ منْ كلّ الديارِ خرابها قال عمر لابن عباس (رضي الله عنه) : من ترى أوليه مص؟ قال: رجلاً صحيحاً منك صحيحاً لك، قال: فكن أنت ذلك الرجل، قال لا ينتفع بي مع سوء ظنك بي، ولا أنتفع بك مع ظني بك. قال بعض الحكماء من يرى من ثلاث نال ثلاثاً من يرى: [الطويل] فطوبا لنفس لا رمتَ بابَ دارها ... مغلقةَ الأبوابِ مرخىً حجابها وأدي زكاةَ الجاهِ واعلمْ بأنه ... كمثلِ زكاة المالٍ ثم نصابها وأحسن إلى الأحرار تلمكَ رقابهم ... فخيرُ الخيارات الكرامُ اكتسابها وما تخربُ الدنيا بموتِ شرارها=ولكن يموتُ الأكرمينَ خرابُها من يرى من الشر نال العز، ومن يرى من البخل نال الشرف، ومن يرى من الكبر نال الكرامة، قال معصب بن الزبير: التواضع مصائد الشرف، وفي منثور الحكم، من دام كتواضعه كثر صديقه. قال بعض الناس في الولاية رجلان، رجل يجل العمل ليفضله ومروءته، ورجل يجل بالعمل لنقصه ودنائته، فمن جل عن عمل ازداد تواضعاً وبشراً، ومن جل عنه عمله لبس به تجبراً وكبراً، يروي النبي (صبى الله عليه وسلم) أنه قال: "إن الله اختار لكم الإسلام ديناً فأكرموه بحسن الخلق، والسخاء فإنه لا يكمل إلا بهما" قال الأحنف بن قيس: ألا أخبركم بأدواء الداء؟ قالوا بلى، قال: الخلق الرديء، واللسان البذيء. قال بعض الحكماء الحسن الخلق من نفسه في راحة، والناس منه في سلامة، والسيء الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء، قال بعض الأدباء: عاشر أهلك بالمعروف، وبأحسن أخلاقك، فان الثواء فيهم قليل. يروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال:"حسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار" قال بعض الحكماء في سعة الأخلاق كنوز الأرزاق، يقال إن ذلك العزل ثمرة نية الولاية. حكى حميد الطويل، وكان من الصلحاء، والتابعين عن عمار بن ياسر أنه عزل عن ولاية فاشتد عليه ذلك وقال: إني وجدتها حلوة الرضاع، مرة الفطام، ولبعض الشعراء: [الطويل] . فإن تكنْ الدنيا أنالتكَ ثروةً ... فأصبحت ذا يسرٍ، وقد كنت ذا عسرِ لقد كشفَ الإثراء منك خلائقاً ... من اللومِ كانتْ تحت ثوبٍ من الفقر في معنى هذا أن قتيبة بن مسلم كتب إلى الحجاج: إن أهل الشام قد التاثوا علي فكتب إليه اقطع عنهم الأرزاق ففعل، فساءت أحوالهم، فاجتمعوا إليه وقالوا: أقلنا، فكتب إلى الحجاج بذلك الأكبر يذل به كل جبار تكبر، وقد روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "إنكم لن تسعوا بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجوه، وحسن الخلق" في معناه الشاعر: [المنسرح] بني إنّ البشرَ شيءٌ هينُ ... وجهٌ طليقٌ وكلامٌ لينُ قال عبد الله بن جعفر لا تستحي من القليل فإن البخل أقل منه، ولا تجبن عن الكثير فإنك أكثر منه، قال الشاعر: اعملَ الخيرَ ما استطعتَ ... وإن كان يسيراً فلن تحيطَ بكله ومتى تفعل الكثيرَ من الخيرِ ... إذا كنتَ تاركاً لأقلهِ روي عن النبي (صلى الله عيه وسلم) أنه قال:"إذا أراد الله بعبد خيراً جعل ضايعه في أهل الحفاظ".

وفي منثور الحكم: لا خير في معروف، إلى غير عروق. وقال حسان بن ثابت: [الكامل] إنّ الصنيعةَ لا تكونُ صنيعةً ... حتى يصابُ بها طريقُ المصنعِ فإذا صنعتَ صنيعةً فاعمل بها ... للهِ أو لذي القاربةِ أودعِ قال بعض الحكماء: على قدر المغارس يكون اختبار الفارس، وقد نظمه بعض الشعراء: [الطويل] لعمركَ ما المعروفُ في غير أهلهِ ... وفي أهلهِ إلا كبعضٍ الودائع فمستودعٌ ضاعَ الذي كانَ عندهُ=ومستودعٌ ما عنده غيرُ ضائعِ وما الناس في شكر الصنيعةِ ... عندهم وفي كفرها إلا كبعض المزارعَ روى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "من أودع معروفاً فلينشره، وإن نشره، فقد شكره، وإنّ كتمه، فقد كفره". روي عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنا أتمثل بهذين البيتين: [البسيط] ارفعْ ضعيفَكَ لا يجزيكَ ضيعتهُ ... يوماً فتدركهُ العواقبُ قد نما يجزيكَ أو يثني عليكَ وإنّ منْ ... أثنى عليكَ بما فعلتَ فقد جزا فقال النبي (صلى الله عبيه وسلم) : "ردي علي، قول اليهودي قاتله الله لقد أتاني جبريل برسالة من ربي: أيما رجل صنع إلى أخيه صنيعة، فلم يجد لها جزاء إلى الدعاء، والثناء، فقد كافأنا". وقال عبد الحميد من لم يشكر الأنعام فأعدده من الأنعام. قال بعض البلغاء شكر الإله بطول الثناء وشكر الولاة بصدق الدعاء، وشكر النظير بحسن الجزاء، وشكر من دونك بسبب العطاء. وقال الشاعر: فلو كان يشغلني عن الشكر منعمٌ ... لعزةِ ملكِ، أو علوًّ مكان لما أمر الله العبادَ بشكرهِ ... فقال اشكروا لي أيها الثقلان ولآخر [البسيط] لأشكرنك معروفاً هممتَ بهِ ... إنّ اهتمامكَ بالمعروف معروف ولا ألومكَ إن لم يمضهِ قدرٌ ... فالشيء بالقدرِ المحتومِ مصروفُ قال بعض الحكماء: من شكرك على معروف لم تسده إليه فعاجله بالبر وإلا انعكس فصار ذماً، وقد قال ابن الرومي: [الطويل] وما الشكر إلا توائم الشكرِ في الفتى ... وبعضُ السجايا تنشئن إلى بعضِ فحيث ترى حقداً على ذي إساءةٍ ... فثمَّ ترى شكراً على حسن القرضِ إذا الأرضُ أدتْ ربعَ ما أنتَ زارعٌ ... من البذرِ فيها فهي ناهيكَ من أرضِ قال النبي (صلى الله عليه وسلم) : "لا يشكر الله من لا يشكر الناس". قال بعض الأدباء: من لم يشكر لمنعمه استحق قطع النعمة. قال المأمون: الناس على أربعة أقسام: زراعة فصناعة، وتجارة وإمارة، فمن خرج عنها كان كلاً عليها, قال النبي (صلى الله عيه وسلم) : "خير المال عين ساهرة لعين راقدة". وقال بعض السلف: خير المال عين خرارة في أرض خوارة في جفجرها القارة، تسهر إذا نمت، وتشهد إذ قمت، وتكون عمياء إذا مت. وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : "التمسوا الرزق في خبايا الأرضي لجني الزرع". حُكي عن المعتضد بالله أنه قال: رأيت علياً عليه السلام في المنام، فناولني مسحاةً وقال خذها فإنها مفاتيح خزائن الأرض. قال كسرى للموبد ما قيمة تاجي هذا؟ فأطرق الموبد ساعة، ثم قال: مطرة في نيسان تُصلح من معايش الرعية، ما يكون قيمته مقدار تاج الملك. يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خير المال مأمورة، أو سكة مأثورة". يعني بالمهرة المأمورة الكثيرة النسل. ومن قوله تعالى: (أمرنا مترفيها) [الإسراء: 16] أي أكثرنا عددهم المأثورة النخلة المؤثرة للحمل. في التوراة مكتوب يا ابن آدم حدث سفراً أحدث لك رزقاً. حكى أن الإسكندر لما أراد الخروج إلى أقاصي الأرض، قال لأرسطاطاليس أخرج معي، قال قد نحل جسمي وضعفت قواي عن الحركة، فلا تزعجني، قال: فما اصنع في عمال خاصة؟ قال من كان له عبيد فأحسن سياستهم فوله الجند، ومن كانت له ضيعة فأجاد تدبيرها فوله الخراج. قال النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أوحى الله إلي [62] كلمات قد دخلن أذني، ووقرن في قلبي: من أعطى فضل ماله فهو خير له، ومن أمسك فهو شر له، ولا تلم الله على كفاف". وقال حميد بن معاوية بن جيدة للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما يكفيني من الدنيا"؟

قال: ما سد جوعتك، وستر عورتك، فإن كان داراً غذاك، وإن كان فبخٍ بخٍ فلق من خبز وجرة من ماء، وأنت مسؤول عما فوق ذلك". يقال من قل توقيه، كثرت مساوئه، أنشدنا الشيخ أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن الدهان المرتب بجامع المنصور، قال: أنشدنا الشيخ أبو علي محمد بن الحسين بن شبل لنفسه: [مجزوء الكامل] ليس المصرُّ سعيداً ... بلْ التقيُّ سعيدُ طِلابُ مَا لَم تقْدرْ ... على النفوسِ شديدُ والعجُزُ كثرُهُ فِكرٌ ... في فايتٍ لا يعودُ وراحةُ القلب ملكٌ ... عِند الملوكِ رقودُ في كل يومٍ جديدٍ ... رزقٌ يجيءُ ويعودُ وروي أن أعرابياً جاء إلى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) فقال: [الرجز] يا عمرَ الخيرِ جزيتَ الجنةَ ... أكْسُ بنياتِي وأمَّهُنَّهْ وكُنْ لنا من الزمانِ جنَّة ... أقسْمُ باللهِ لتفعلُنَّهْ فقال عمر إن لم أفعل تكن ماذا؟ فقال: [مخلع البسيط] يكونُ عنّ حالي لتسألنَّ ... يومَ تكونُ الأعصياتُ هُنَّهْ وموقِفْ المسؤولِ بينهُنَّ ... إمَّا إلى نارٍ وإمَّا جنَّهْ فبكى عمر، حتى اخضلت لحيته وقال: يا غلام أعطه قميص لذاك اليوم لا لشعره، أما والله لا أملك غيره. كتب عمر بن عبد العزيز إلى الجراح بن عبد الله الحكمي: إن استطعت أن تدع مما أحل الله له ما تكون حاجزاً نفسه إلى الحرام. قال بزرجمهر: إن كان شيء فوق الحياة فالصحة، وإن كان شيء مثلها فالغني، وإن كان شيء فوق الموت فالمرض، وإن كان شيءٌ مثله فالفقر بعض الشعراء [الطويل] أعوذُ بكَ اللهم من بطرِ الغنَى ... ومنْ نهكةِ البلوى ومن ذلةِ الفقرِ ومنْ أملٍ يرتدُّ بي كلَّ شارقٍ ... ويُرجعني منهُ بحظِّ يدٍ صفرِ إذا لم تدنسني الذنوبُ بعارها ... فلستُ أبالي ما تشعثّ من أمري قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : من نبل الفقر أنك لا تجد أحداً يعصي الله ليفتقر فنظمه ابن المقفع. شعر: [الطويل] دليلك إن الفقر خيرٌ من الغنى ... وإن القليلَ المالِ خيرٌ من المثري لقاؤك مخلوقاً عصى الله بالغنى ... ولم ترى مخلوقاً عصى الله بالفقرِ قال بعض الحكماء هيهات منك بالغنى إن لم ينفعك ما حويت. قيل لأبي الزناد: لم تحب الدنانير، والدراهم، وهي تدنيك ن النار: قال: وإن ادعني منها، فقد صانتني عنها. عن بعض الحكماء: من اصلح ماله، فق صان الأكرمين: الدين، والعرض، وفي منثور الحكم من استغنى كرم على أهله. قال عبد الحميد: كيف تبقى على حالتك، والدهر في إحالتك؟، ويقال: إن الدهر حسود لا يأتي على شيء إلا غمره. وقال آخر: الدنيا إن بقيت لك لم تبق لها، لشاعر: [الطويل] ومنْ كلفتْهُ النفسُ فوقَ كفافِها ... فما ينقضي حتى المماتِ عناؤهُ يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا شئت أن تحيا غنياً، فلا تكن على حالة إلا رضيت بدونها"، وعنه عليه السلام: "ما من عبد إلا بينه وبين رزقه حجاب، فإن قنع واقتصد أتاه رزقه، وإن هتك الحجاب لم يزده في رزقه". وقال المتدير: إنّ القناعةَ والعفافَ ليغنيان عن الغنى ... وإذا صبرْتَ عنِ المنى فأشكرْ فقد نلتَ قال مهنوز الشريف: العديم الأدب كالبنيان الخراب، الذي كلما كان أشد لغورته كان أشد لوجسته، وكالنهر اليابس، الذي كلما كان أعرض، وأعمق كان أشد لغورته، وكالأرض الجدية المعطلة، التي كلما طال خرابها ازداد نباتها غير المنتفع به، وصارت للهوام مسكناً، حكى [64] الأصمعي أن أعرابياً قال لابنه: يا بني الأدب دعامة أيد الله بها أولى الألباب وحلية زين ها عواطل الأحساب، لشاعر: [المتقارب] فما خلقَ الله مثلَ العقولِ ... ولا اكتسبَ الناس مثلَ الأدبِ وما كرمُ المرءِ إلا التقى ... ولا حسبُ المرءِ إلا النسبُ وفي الحلم زينٌ لأهل الحجى ... وآفة ذي الحلم طيشُ الغضبِ

قال بعض الحكماء ذك قلبك بالأدب، كما تُذكى النار بالحطب، وقد قيل إن الأدب أحد المنصبين، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) العاجز من عجز عن سياسة نفسه، بعض الحكماء قال: من ساس نفسه ساد نفسه، وقال الأحنف بن قيس من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم مجده كان لمجد غيره أهدم، قال بعض الحكماء: من رضى عن نفسه أسخط عليه الناس، وقال كشاجم: [الكامل] لم أرضَ عن نفسي مخافة سخطها ... ورضي الفتى عن نفسه إغضابُهَا ولو أنني عنها رضيتُ لقصرتْ ... عما تزيدُ بمثله آدابُها وتبينتْ آثارَ ذاكَ فأكثرتْ ... عذلي عليه وطال فيه عتابُها قال النبي صلى الله عليه وسلم لعِّمه العباس: "أنهاك عن الشرك بالله، والكبْر فإن الله (عز وجل) يحتجب منها". نظر مطرف بن عبد الله السخير إلى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها، ويمشي الخيلاء، فقال له: يا عبد الله ما هذه المشية، التي يبغضها الله ورسوله؟، فقال ته المهلب: أو ما تعرفني؟ قال: بلى أنت الذي أوَّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وحشوك بين ذلك بولٌ وعذرة، قال ابن المعتز، لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال، استعانوا بالكبير ليعظم صغيراً. ويرفع حقيراً وليس بفاعل، وقال بزرجمهر: النعمة، التي لا يحسد عليها صاحبها هي التواضع، والبلاء الذي لا يرحم منه صاحبه العجب، ذكر عمر بن حصن أنه قيل للحجاج، كيف وجدت منزلك بالعراق؟ فقال: خير منزل لو كان الله سبحانه ملكني فيه أربعة نفر أتقرب إليه بدمائهم، قيل، ته، ومن هم؟ قال: مقاتل بن مسمع، والي سجستان، فأتاه الناس فأعطاهم الأموال، فلما غزل دخل مسجدا بالبصرة، فبسط له الناس أرديتهم، فمش! ى عليها وقال لرحل يماشيه: لمثل هذا فليعمل العاملون، وعبيد الله بن زياد بن ظبيان التميمي جرى لأهل 1651 البصرة أقر، فخطب خطبة أوجز فيها فتنادى الناس من أعراض المسجد، كثر الله فينا أمثال فقال: لقد كلفتم الله شططاً، ومعبد بن زرارة كان ذات يوم جالسا في الطريق فمرت به امرأة فقالت يا عبد الله كيف الطريق؟. فقال لها: يا هذه مثلي يكون عبد الله، وأبو سمَّاك الأسدي أضل راحلته فالتمسها الناس، فلم يجدوها فقال: والله لئن لم تردنا فتى لا صليْتُ له أبداً، فالتمسها الناس فوجدوها، فقالوا قد ردَّها الله فضل فقال: إن يميني يمين مصر. قال ابن السمَّاك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك، قال ابن المقفع: قابل المدح، كما دح نفسه، وقال بعض الحكماء من رضي أن يمدح بما ليس فيه، فقد أمكن الساخر من نفسه لبعضهم: [البسيط] يا جاهلاً غرّهُ إفراطُ مادحهِ ... لا يغلبَّن جهلُ من أطراكَ علمك بكَ أثنى وقالَ بلا علمٍ أحاطَ بهِ ... وأنتَ أعلمُ بالمحصولِ منْ قبلكِ وما شرفٌ أن يمدحَ المرء نفسه ... ولكنّ أعمالاً تذمُّ، وتمدحُ وما كلُّ خيرِ يصدقُ المرء ظنه ... ولا كلُّ أصحاب التجارة تمدحٌ ولا كلُّ من ترجو لغيبكَ حافظاً ... ولا كلُ من ضمَّ الوديعة يصلحُ قال بعض البلغاء: حياة الوجه بحائه، كما أن حياة بمائه، وقال آخر: من كساه الحياء ثوبه لم يرى الناس عيبه. للشاعر: [الوافر] إذا لمْ تخشَ عاقبةَ الليالي ... ولمْ تستح فافعلْ ما تشاءُ فلا، والله مافي العيش خيرٌ ... ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من ألقى جلبابالحياء فالغيبة له". وقال بشار بن برد: [الخفيف] ولقد أصرفُ الفؤاد عن الشيء ... حياءً وحيهُ في الفؤادِ أمسكَ الناس بالعفاف وأمسي=ذاكراً في غدٍ حديثَ الأعادي آخر: [الوافر] وربَّ قبيحةٍ ما حالَ بيني ... وبينَ ركوبها إلا الحياءُ إذا رزقَ الفتى وجهاً وقاحاً=تصرَّفَ في الأمورَ، كما يشاءُ قال بعض الأدباء: من عمل في السر عملاً يستحي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر، قال علي بن أبي طالب عليه السلام: أول عوض الحليم عن حلمه [66] أن الناس أنصاره على عدوه، واغتاضت عائشة (رضي الله عنه) على خادم لها، ثم رجعت إلى نفسها فقالت: لله در التقوى ما ترك لذي غيضِ نفساً، وقال بعض البلغاء: أحسن المكارم عفو المقتدر وجود المفتقر، وقد أحسن الشاعر حيث قال: [البسيط]

لن يبلغَ المجدَ أقوامٌ، وإن كرمُوا ... حتى يذلوا، وإن عزُّوا لأقوامِ ويشتموا فترى الألوانَ مسفرةً ... لا صفح ذلٍ ولكنْ صفحَ أحلامِ حكي عن مصعب بن الزبير أنه لما ولي العراق، نادى مناديه أين عمرو بن جرموز، وهو الذي قتل أباه، فقيل له: أيها الأمير إنه قد باعد في الأرض فقال: أفظن الجاهل أنني أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمناً وليأخذ عطاءه مسلماً، فعد الناس ذلك من مستحسن الكبر، لبعض الشعراء: [الكامل] أو كما طنَّ الذباب طردتهُ ... إنَّ الذباب إذن عليَّ كريمُ ولآخر في معناه: [المتقارب] فكن كيفَ شئتَ وقل ما تشاءُ ... وارعدْ يميناً وابرقْ شمالاً نجَّا لؤمكَ منجا الذباب ... حمته مقاديرهُ أنْ يُنالاَ آخر في المعنى: [الكامل] فاذهب فأنتَ طليقُ عرضكَ إنهُ ... عرضٌ غررتَ بهِ وأنتَ ذليلُ وقال بعض الحكماء: احتمال السفيه أيسر من التحلي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خير من مشاكلته، وقال لقيط بن زرارة: [الطويل] وقلْ لبني سعدٍ فما لي وما لكمُ ... ترقونَ مني ما استطعتم وأعتقُ أعدكُم أني بأحسن شيمةٍ ... تصيرُ وأني بالفواحش أحدقُ وإنكَ قدْ ساببتني فقهرتني=هنيئاً مريئاً أنتَ بالفحش أحدقُ فيل للإسكندر: إن فلاناً وفلاناً ينتقصانك، ويسبانك، فلو عاقبتهما فقال: هما بعد العقوبة أعذر في تنقيصي وسبي، فكان ذلك سبب تآلفهما، قال علي عليه السلام لعامر بن مرة الزهري: من أحمق الناس؟ قال: منْ ظن أنه أعقلهم، قال: صدقت، فمن أعقلهم؟ قال: منْ لم يتجاوز الصمت في عقوبة. وقد قال بعض الحكماء: منْ لم يغضب عندما يغضب الجاهل كان ذلك من ذل نفسه وقلة حميته، وإنما المحمود من لا ينفد غضبه، ولا يسترسل معه لأن حد الحلم ضبط [67] النفس عن هيجان الغضب، ولهذا قالت الحكماء: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن لا يُعرف الجواد إلا في العسرة، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الحليم إلا في الغضب، لشاعر في المعنى: [البسيط] منْ يدعي الحلمَ أغضبْهُ لتعرفهُ ... لايعرفُ الحلمُ إلا ساعةَ الغضبِ وقدْ أنشد النابغة الجعدي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [الطويل] فلا خيرَ في حلمٍ إذا لم تكنْ لهُ ... بوادرُ تحمي صفوةُ أن يكدَّرَا ولا خيرَ في جهلٍ إذا لم يكنْ له ... حليمٌ إذا ما أوردَ الأمرَ أصدرَا ولم يذكر قوله، بل صوته، ومن فقد الغضب من نفسه، فقد فَقَد من فضائلها الشجاعة، والحمية، والغيرة، والألفة، والدفاع، والأخذ بالثأر، والانتصار، وقد قال المنصور: إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة، يقال من رد غضبه، فقد هدَّ من أغضه فسبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس ممن دونها، وسبب الحزن ما تكرهه ممن فوقها. فالغضب يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه لح والحزن بخلاف ذلك، ولهذا يُقتل الحزن، ولا يقتل الغضب لكمون الحزن وبروز الغضب، وصار الحادث عن الغضب السطوة، والانتقام لبروزه، والحادث عن الحزن السقم، والمرض لكمونه. لابن دريد: [الطويل] إذا أمِنَ الجهالُ أمركَ مرةً ... فعرضُكَ للجهالِ غنْمٌ منَ الغُنْمِ فعم عليه الحلمَ والجهلَ، والقهِ ... بمنزلةِ بينَ العداوةِ والسلمِ إذا أنتَ جازيتَ السفيه، كما جزى ... فأنتَ سفيهٌ مثلهُ غيرُ ذي حلمِ ولا تغصبَنْ عرضَ الشفيه ودارهُ ... بحلمِ فإن أعيا عليكَ فالصرْمِ فيرجوكَ تاراتِ ويخشاكَ تارةً ... وتأخذُ فيما بينَ ذلك بالحزمِ فإن لمْ تجدْ عليه فاستعِنْ ... عليه بجهَّالِ فذاك منَ العزْمِ في التوراة مكتوب: "يا ابن آدم اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، فلا أمحقك فيمن أمحق" وقيل: من ذكر قدرة الله عليه لم يستعمل قدرته في ظلم العباد، قال عبد الله بن مسلم بن محارب للرشيد: يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أنت بين يديه أذل مني بين يديك، وهو على عقابك أقدرك منك على عقابي، لما عفوتَ عني فتركه وعفى عنه، بعض الأدباء قال: إياك وعزة [68] الغضب، فإلها تق! ى بك إلى ذل العذر، أجمع رجل لعمر بن عبد العزيز كلاماً.

فقال عمر: أردت أن يستفزني الشيطان بعزَّة السلطان، فأنال منك اليوم ما نال مض غدا انصرف رحمك الله. قال رجاء بن حيوة لعبد الله بن مروان في أسره ابن الأشعث، إن الله قد أعطاك ما تحب من الظفر، فأعط الله من ما يحب من العفو. قال المأمون لإبراهيم بن المهدي: إني شاورت في أمرك فأشاروا علي بقتلك، إلا أني وجدتُ قدرك فوق ذنبك، فكرهت القتل للازم حرمتك. فقال يا أمير المؤمنين: إن المُشار أشار. مما جرت به العادة في السياسة، إلا أنك أبيت أن تطلب النصر إلا من حيث عودته من العفو، فإن قتلت فلك نظير، وإن عفوت، فلا نظير لك، وأنشأ يقول: [البسيط] البرُّ بي منكَ وطَّا العذرَ عندكَ لي ... فما فعلتَ فم تعدلْ ولم تلمِ وقامَ عذركَ لي فاحتجَّ عندكَ لي ... مقامُ شاهد عدلٍ غيرَ متَّهمِ لئنْ جحدتُكَ ما أوليتَ منْ نعمٍ ... إني لفي اللومِ أولى منكَ بالكرمِ تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ به ... فلا عدمناكَ من عافٍ ومنتقمِ قال بعض البلغاء: الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا قال حكيم: العينان أنم من اللسان. وقال بعض الشعراء في ذلك المعنى: تُريك أعينهمْ ما في صدورهم ... إن العيونَ يؤدي سرَّها النَّظرا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "في المعاريض مندوحة عن الكذب". وسأله رجل كن أنت؟ فقال: "من ماء وطين". الرجل إنه من القبيلة المنسوبة إلى ماء، ولم يكن يعرفه، وهو عليه السلام، أراد من الماء الذي يخلق منه الحياة. قال بعض الحكماء: الناس في الدنيا كصور في صحيفة، كلما نشر، بعضها طوي بعضها، أسر معن بن زئدة ثلاثمائة رجل، وأمر بضرب أعناقهم، فقام إليه غلام منهم. فقال: يا معن لا تقتل أسراك عطاشاً، فقال اُسقوهم، فلما اسقوهم، قال له: يا معن لا تقتل أضيافك، فقال خلوا عنهم، وأطلقهم، حكى أن مجنون ليلى لما طردوه عن الحي، قيل إنه آيس من لقائها، واستأنس يبعدها ونأيها فأنشد: [الوافر] أليسَ الليلُ يجمعني وليلى ... كفاكَ به وذاكَ لنا تداني ترى وضحَ الهلالِ كما أراهُ ... ويعلوهَا النهارُ كما علاَني وفي معناه: [الطويل] أقلِبُ طرْفي في السماءِ لعلُّهُ ... يصادفُ منها نظرةً حينَ ينظرُ قال بعض الحكماء: إياك، والعجلة فإن العرب تسميها أم الندامات، لأن صاحبها يقول: قبل أن يعلم، ويجيب قبل أنأ يفهم، ويعزم قبل أن يفكر، ويحمد قبل أن يجرب، ومن صحب هذه الأخلاق صحب الندامة، واعتزل السلامة، قيل إن الله (!) لم يخلق شيئاً، والمعروف أحسن منه إلا الشكر، فإنه أحسن من المعروف. قال عبد الله بن العباس المعروف أوثق الحصون، وأفضل الكنوز، وأزكى الزروع، غير أنه لا يصلح إلا بثلاث: هي تعجيله، وتصغيره وسترهُ فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا صغرته عظمته، وإذا سترته تممته. لما حبس الرشيد يزيد بن جرير أمر إحضاره لتأديبه، فلما مثل بين يديه، قال: يا أمير المؤمنين، كذي نعمتك وسليل منتك وخريج دولتك، فجزاك الله قي وقت الغضب جزاء الكاظمين وعند الرضاء أمر المنعمين، فاستحسن قوله، وأمر بإطلاقه لبعضهم: [الكامل] شيئانِ لو بكتِ الدماء عليهما ... عينايَ، حتى يؤذنا بذهابِ لم يبلُغَا المعشارَ مِنْ حقيهِمَا ... فقدُ الشباب وفرقهُ الأحبابِ للمعري: [الخفيف] حيِّ منْ أجلِ أهلهن الديارا ... وابك هنداً لا للنؤى والآثارا فهي قالتْ لما رأت شيْبَ رأسي ... وأرادَت تعتُّبَا وازورارا أنتَ بدرُ وقد بدا الصبحُ في رأسكَ ... والصبح يطردُ الأقمار حكى الأصمعي قال: أتى عبد الملك بن مروان برجل قامت عليه البينة بسرقة فأمر بقطعه، فقال الرجل: يدي يا أمير المؤمنين أعندها يعفوك أن تلقى مكاناً يشينها: فلا خيرَ في الدنيا ولا نعيمها ... إذا ما شمالٌ فارقتها يمينُها فقال عبد الملك: هذا حدٌّ من حدود الله أقامه عليه، فقال: يا أمير المؤمنين فاجعله من بعض ذنوبك، إلى تستغفر الله فيها فأطلقه. قبل: أنه كان لمحمد بن حميد بنت فتوفيت، فدخل عليه أبو تمام الطائي، فقال ما أقدمك يا أبا تمام؟ فقال: تعزية الأمير، فقال: أو ما علمت أني لا أقبل العزاء؟ قال: فأنشدُك بيتين من الشعر، فقال: وما هما

تعرَّ إذا رزئتَ فخير درعٍ ... تُسربْل للمصائبِ ثوبُ صبْرِ ولمْ أرَ نعمةً شملت كريماً ... كعورة ذي حجي سُترت بقبرِ قال أحسنت يا أبا تمام، وفض رافعاً الحزن. يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من الأنصار، فلما أراد الانصراف، قال: "جعل الله ما مضى كفارة، وأجراً، وما بقي عاقبة وذكراً". قال أبو لكر بن عباس: كنت، إذ كنت شابا إذا أصابتني مصيبة تصبرت لها، ولم أبكِ، ورددت البكاء ولزمته فكان ذلك يؤذيني، ويوجعني، حتى رأيت إعرابياً واقفا بالكناس على جمل ينشد: خليلي عُوجا من صدور الرواحلِ ... بجمهور حزوى وابكيا في المنازلِ لعلَّ انحدارَ الدمعِ يبعثُ راحةً ... من الوجدِ أو يشفي غليلَ البلابلِ فقلت من هذا؟ فقالوا: ذو الرمَّة، فأصابني بعد ذلك مصائب، فكنت أبكى فوجدت لذلك راحة، فقلت في نفسي، قاتل الله الأعرابي ما كان أبصره، وفي المعنى: [السريع] أبكِ، فمن أنفعِ ما في البكاءِ ... بأنهُ للحزنِ تسهيلُ وهوَ إذا أنتَ تأملتهُ ... حزنٌ على الخدينِ محلولُ كان يقال: أسرع الاستماع، وأبطئ التحقيق. هجا أبو الهول الحميري الفضل بن يحيى، ثم أتاه راغباً إليه فقال: ويلك بأي وجه تلقاني؟ قال: بالوجه الذي ألقى الله تعالى به وذنوبي عنده اعثر، فضحك منه، ووصله. في دعاء داود عليه السلام، قال: اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني، وقلبه يرعاني، إن رأي حسنة كتمها، وإن رأى سيئة أذاعها، سأل النعمان بن المنذر الصقعُب النهدي: فقال: ما الداءُ العياء؟ قال: جار السوء، إن قاولته تهتك، وإن غبت عنه سلبك، قال خلاد الأرقط، إعطاء الشاعر من بر الوالدين، ومدح رجل الرهري بشعر، فأعطاه وقال: من ابتغى الخير اتقى الشر لمسكين الدرامي. [الرمل] وإذا الفاحشُ لاقى فاحشاً ... فهناكم وافقَ الشنُّ الطبقْ إنما الفحشُ ومن يعتاده ... كغرابِ السوء ما شاءَ نعقْ أو حمارِ السوءِ إن أشبعتهُ ... رمحَ الناس وإن جاعَ نهقْ أو غلامِ السوء إن جوعتهُ ... سرق الجار وإن يشبعْ فسقْ أو كغيرى رفعتْ عن ذيلهَا ... هل جديدٌ مثلُ ملبوسٍ خلِقْ! قيل لابن شبرمة: إن فلاناً لا يدري ما الشر يكفيه ذلك، أحرى أن يقع فيه. وقال الطائي: إذا كان الشريد يكفيه الترك فاتركه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا أبلغكم بشر الناس، قالوا بلى، قال: من لا يقبل عثرة معذرة، ألا أنبئكم بشر من ذلك، قالوا: بلى، قال: من يبغض الناس يبغضونه. سمع الأحنف رجلاً يقول: ما أبالي أمُدحت أم هُجيت، فقال له الأحنف: استرحت يا هذا من حيث تعب الكرام. تبع داود بن المعتمر امرأة ظنها من الفواسد، فقال لها: لولا ما رأيت عليك مني سيماء الخير لم أتبعك، فضحكت الامرأة تعجباً، وأسندت ظهرها إلى حائط وقالت: إنما يعتصم مثلي من مثلك بسيماء الخير، فأما إذا صار سيماء الخير هو الدال لمثلك على مثلي فالله المستعان. كتب أحمد بن علي الظاهري إلى الوزير أبي محمد المهلبي: [مجزوء الكامل] قد مسَّ حالَ أولئكَ الضرُ ... يا منْ إليهِ النهيُ والأمرُ وصلاحُ عبدِك أنتَ تعرفُهُ ... وإليكِ فيه النفعُ والضرُ لا تتركنَّ الدهر يظلمني ... ما دام يقبل قولك الدهرُ حكي عن أبي كثير محمد بن إبراهيم أنه، قال: لما جيء يرأس الحسين بن على عليهما السلام إلى دمشق، كبّر الناس، فقال أعرابي: [الكامل] لكأنما بكَ يا بنَ بنتِ محمدِ ... قتلوا جهاراً عامدينَ رسولاَ ويكبرونَ لأن قتلتَ وإنما ... قتلوا بكَ التكبيرَ والتهليلاَ فبكيكَ أجفانُ الأجفانُ السحائبِ بكرةً ... وبكيكَ أنفاسُ الرياض أصيلاَ يا منْ إذا حسنَ العزاءُ على امرئٍ ... كانَ البكاءُ حسناً عليهِ جميلاَ قال الأوزاعي: إذا أراد الله بقومٍ شراً، أعطاهم الجدل ومنعهم العمل. وقال سفيان جوارحك سلاح الله عليك، بأيها شاء قتلك. وقال بعضهم خرجنا من دارنا يكرم المعشر فاجتزنا بدار أبي محمد بن البادرائي الكاتب، وقد كان الخراب استمر عليها، واستولى، فقرأت على الحصن مكتوب شعر: [مجزوء الكامل] يا منزلَ القومِ الذين تفرقتْ بهمُ المنازلُ ... أصبحتَ بعدَ عمارةٍ قفراً تخرقك

فلئنْ رأيتكَ موحشاً ... فلقدْ رأيتُ وأنتِ أهلُ قال الجاحظ: رأيت جارية تباع في بغداد بسوق النخاسين، ينادي عليها، فدعوت بها وجعلت أقبلها، وكان على خدها خال، فأعجبتني، فقلت لها، ما اسمك؟ فقالت: مكه، قلت، وما هذا الخال الذي على خدك؟ قالت: الحجر الأسود، قلت مرادي أقبل الحجر الأسود، فقالت: إليك عني ألم تسمع إلى، قول الله تعالى: (لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) [النحل:7] شكا رجل إلى أفلاطون حاله، فقال له ة إنك لن تجد الناش إلا رجلين: إما موقر في نفسه قدمه حطه، أو مقدَماً في نفسه، أخره دهره، فارض. مما أنت فيه اختياراً وإلا رضيت به اضطراراً. قيل إن عيسى بن موسى: دعا جارية إلى فراشه، فلم يقدر على وطئها وعجز فأنشا يقول: [البسيط] القلبُ يطمعُ والأسبابُ عاجزةٌ ... والنفسُ تهلكُ بينَ العجز والطمع قال الأصمعي: كنت مع الرشيد بطريق مكة فرأى ناراً من بعيد عالية، فقال ما هذا النجم؟ فقالوا: هذه نار، فقال: كأنها نجم، ما أشك أن العرب قد قالت في هذا أشياء، أين الأصمعي، فأحضرت، وأنشدته لكثير: [الطويل] نظرْتُ وأصحابي بأيلةٍ موهناً ... وقدْ حانَ من نجمِ الثريَّا تصوبُ لغرَّةَ ناراً ما تبوحُ كأنها ... إذا ما رمقناها من البعدِ كوكبُ قال جعفر بن هشام بن عبد الملك يوماً سمعت مثل الأول إذا رمت عنها سلوةً فالشافع. من الحب ميعاد المقابر، فقلت أشعر منه الأحوص حيثُ يقول: [الطويل] سيبقى لها في مضمر القلبِ والحشى ... سريرةُ حبٍ يومَ تبلى السرائرُ دخل أعرابي على خالد بن صفوان، فقال: أصلح الله الأمير، الأمير يأمر بملء جرابي هذا حنطة، فقال املأه دراهم فمليء، فحمله وخرج إلى الناس، فقالوا: ما صنعت في حاجتك؟ قال: سألت الأمير ما يشبهني فأمر لي ما يشبهه ابن المعتز: [البسيط] إني غريبٌ بدارٍ لا كرامَ بها ... كغربةِ الشعرة السوداء في الشمطِ ما نشرحُ العينَ في شيءٍ تسرُّ بهِ ... ولستُ أبدي الرضا إلا على سخطِ ما أحسن، قول الديلمي، وأجمله، وأكثر حكمته حيث يقول: [الطويل] وعدد من الرحمنِ فضلاً ونعمةً ... عليكَ إذا ما جاءَ للخيرِ طالبُ وإني امرؤٌ لا يُرتجى الخيرُ عندهُ ... يكن هيناً ثقلاً على من يصاحبُ فلا تمنعنَّ ذا حاجةٍ جاءَ طالباً ... فإنكَ لا تدري متى أنتَ راغبُ إذا قلتَ في شيء نعمْ فأتمهُ ... فإنْ نعمَ ديناً على الحرِّ واجبُ وإلا قفُلْ لا واسترحْ وترحْ بها ... لكيلا يقولُ الناس إنكَ كاذبُ ومنْ ذا الذي يرجو الأباعدَ قربَهُ ... إذا هو لمْ تصلحْ عليهِ الأقاربُ وكذلك للمقنع الكندي: [الكامل] أبلُ الرجالَ إذا أردتَ إخاءهم ... وتوسَّمنَّ أمورهم وتفقدِ فإذا ظفرْتَ يدي الأمانة والتقى ... فيهِ التدينُ قريرَ عينٍ فانشدِ ومتى يريكَ ولا محالةَ زلةً ... فعلى أخيكَ بفضلٍ حلمكِ فاردُدِ حُكى أن وفود العرب، وأهل الشعر، والأدب، لا يقبلون برَّ من يعطى بسؤال، ويسمح إذا حثّ على نوال. قال الأعشى. مررتُ بأقوامٍ فعافت حياضهم قلوصى ... وكان الشرب منها بمائكا وما ذاكَ إلا أنْ كفيكَ بالنَّدى ... تجودان بالإعطاء قبل سؤالكما وهذا من جزل المديح سمو الكلام الجزل الصحيح، وقد أحسن كثير عزة حيثُ يقول: [الكامل] عمَّ الرداءٌ إذا تبسَّمَ ضاحكاً ... ذلتْ لضحكته رقابُ المالِ سعى ساع إلى كسرى فأجابه، إن كانت السعاية صحيحة فهي بك قبيحة، فإن كنت أردت النصح فخسرانك أكثر من الربح، ومعاذ الله أن أقبل من مهتوكٍ في مستور، ولولا أنك في خفارة شيبك لقابلناك مما يقابل به أمثالك: [الكامل] ومُهَفهفٌ لما تملكَ مُهجتي ... هجرَ الوصالَ وأوصلَ الهجَرا لو أنَّ فيهِ لمُستضامٍ نصرةً ... ما كانَ يظلمُ ردفُهُ الخصْرا لبعضهم: صن النفسَ وأحملها على ما يزينُها ... تعشْ سالماً والقولُ فيكَ جميلُ ولا ترين الناس إلا تجمُّلاً ... كبابِكَ دهرٌ أو جفاكَ خليلُ يعزُّ غنيُّ النفسِ لو قلَّ مالُهُ ... ويغْنى غنيُّ المالِ وهو ذليلُ

فلا خيرَ في ود! ِّ امرئٍ متلونٍ ... إذا الريحُ مالتْ مالَ حيثُ بخيلُ جواد إذا استغنيتَ عنهُ بمالهِ ... وعندَ نزولِ النائباتِ بخيلُ وما أكثرَ الأخوانَ حينَ تعدُّهم ... ولكنهم في النائيات قليلُ قيل إن أبا دلف العجلي أقام ببابه أعرابيٌ شهراً يستمحنه، فلم يصله بشيء، فكتب إليه: [الكامل] ماذا أقولُ إذا سئلتُ وقيلَ لي ... ماذا لقيتَ منَ الجوادِ المفضلِ إن قلتُ أعطاني كذبتُ وإن أقلْ ... بخلَ الجوادُ بمالهِ لمْ يجملِ فاختر لنفسكَ كيفَ شئتَ فإنني ... لابدَّ مخيرهُم وإنَّ لم أسألِ فنقد إليه بعشرة آلاف درهم: وكتب جوابه: [الكامل] أعجلتنا فأتاكَ قلُّ عطائنا ... ولو انتظرْتَ أتاكَ غيرُ مقللِ فخذِ القليلَ وكنْ كأنكَ لم تسلْ ... ونكونُ نحنُ كأننا لم نسألِ قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : من عرض نفسه للتهمة، فلا يلومن من أساء به الظن، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، ضع أمر أخيك على أحسنه، حتى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم سواءاً، وأنت تجد له في الخير محملاً، وما كافأت من عصا الله فيك يمثل أن يطيع الله فيه، وعليك بإخوان الصدق، وكن في اكتسابهم فإنهم زين عند الرخاء، وعدة عند البلاء، ولا تهاون بالحلف بالله فيهينك الله تعالى. روى معاذ بن جبل، قال: قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إملاك رجل من أصحابه، فقال: "على الألفة، والطائر المأمون وسعة الرزق، بارك الله لكم دففوا على رأسه". قال: فجيء بدف وجيء بأطباق عليها فاكهة وسكر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انتهوا"، فقال يا رسول الله: أو لم تنهنا عن النهبة؟ فقال: "إنما نهيتكم عن العساكر، أما العرسات فلا". قال فجاذبهم النبي عليه الصلاة، والسلام وجاذبوه. دخل رجل على ابن حاجب النعمان الوزير فاعتذر من إغبابه الزيارة، وترك الملارمة، والتردد إليه، فقال الوزير: يا هذا قلة المصير مع الود في الضمير، خير من كثرة الحضور مع الغل في الصدور. حكي عن بعض أهل البصرة: أنه رأى على باب بعض مدائن البحر القاصية. مكتوباً: بسم الله الخالق الخلق، وصاحب الرزق. ما أعجب قصتي، وأعظم محنتي، أقصتني الخطوب، وأقصدتني النكوب، حتى بلغت به هذا الموضع المهوب، ولو كان للبعد غاية استحق من هذا المحل لبلغني إليها، ولم يقنع لي إلا بها، وتحت مكتوب: [المتقارب] ومنْ شدةٍ لا يموتُ الفتى ... ولكنْ لميقاته يهلكُ فسبحانَ مالكَ ما في السَّماءِ ... والأرضِ حقّا لا يملكُ قال بعض الشعراء: قرأت على صخرة بجيزة قبرص، يقول: فلان بن فلان البغدادي، قذف بي الزمان إلى هذا المكان، وتحته: [الطويل] إلى اللهِ أشكو لاَ إلى النَّاس إنَّهُ ... على كشفِ ما ألقي منَ الهمِّ قادرُ قال بشر بن الحارث الحافي: أشد الأعمال ثلاثة: الجود مع القلة، والورع في الخلوة، وكلمة حق عند من يخاف، ويرجأ لبعضهم: [الخفيف] وإذا ما جهلتَ ودَّ صديقٍ ... فاختبرْ ما جهلتَ بالعلمانِ إنَّ وجهَ الغلامِ يبينكَ عمَّا ... في ضميرِ المولى منَ الكتمانِ قرئ على لوح قبر. مقيم إلى أن يبعث الله خلقه لقاؤك لا يرجى، وأنت قريب. [الطويل] تزيدُ بلاءً في كلِّ يومٍ وليلةٍ ... وتنسى كما تبلى وأتتَ حبيبُ ووجد منقور في جبل اصطخر، رب مغبوط بنعمة هي داؤه، ومرحوم من سقم هو شفاؤه ومحسود على رخاء هو بلاؤه، سمع عمر بن دينار، أعرابياً يقول: زهدك في راغب نقص، ورغبتك في زاهد ذل نفس قال بعض الشعراء متغزلاً، وهو بالدنيا أليق: [المنسرح] ما كنتُ أيامَ كنتِ راضيةً ... عنَّي بذاكَ الرِّضا بمغتبطِ علماً بأنَّ الرِّضا سيتبعهُ ... منكِ التَّجنِّي وكثرةُ السَّخطِ فكلَّما ساءني فعنْ خلقٍ ... منكِ ما سرَّني فعنْ غلطِ لأبي بكر الخالدي: [الكامل] والبدرُ منثقبٌ بغيمٍ أبيضَ ... هو فيه بينَ تستُّرٍ وتبرُّجِ كنفسِ الحسناءِ في المرآة إذْ ... كملتْ محاسنها ولم تتزوجِ وفي معناه لأبي معمر أروي: [البسيط] يا ربَّ ليلٍ طويلِ الباعِ باعَ لهُ ... جفني الرُّقادَ بدمعي إذا رقرقهُ

كأنَّما البدرُ لمَّا أنْ بدا كملاً ... والغيمُ يحسبهُ طوراً ويطلقهُ وجهُ الحبيبِ عتابي ظلَّ يلبسهُ ... ثوبَ الحياءَ ولعتابي يمزِّقهُ حكي أنه لما شهد أبو علقمة المري عند عبد الله بن نوار القاضي، ووقف في قبول شهادته، فقال له: لم وقفت في قبول شهادتي وإجرائها؟ قال: بلغني انك تلعب بالكلاب، والصقور، قال: من أخبرك أني جاد في الصيد بها غير لاعب؟ فهل وقف المخبر لك على فرق ما بين الجد، والهزل، قال: لا، ثم أجاز شهادته. لأبي علي بن شبل: [الطويل] فمنْ مبصرٍ أمراً تحامى دلوجهُ ... ومن والجٍ فيه درى كيفَ يخرجُ واحرَّ لاَ منْ ذاولاَ ذاكَ خابطٍ ... لعشواءِ ليلٍ دونها الباد مريحُ يروى أنه بالمدينة امرأة جميلة فنظرت في المرأة، وقالت: لزوجها هل أحد من الناس يرى هذا الوجه، فلا يفتنن به؟ قال: نعم، عبد الله بن عمر بن الخطاب، قالت: فتأذن لي، حتى أفتنه؟ قال: نعم، فأتته كالمستغيثة له، فاستحلت معها في ناحية المسجد، ثم سفرت له عن وجهها، وهي في غاية الحسن، والجمال. فقال لها: اتقي الله يا أمة الله، قالت: إني قد فتنت بك فانظر في أمري، فقال إني سائلك الله عن شيء فإن صدقت فعلت، قالت، وما هو؟ قال: أخبريني لو أن ملك الموت دخل عليه لقبض روحك أكان يسرك قضيت لك حاجة؟ قالت: لا، قال: فاتقي الله يا أمة الله، فقد أنعم عليك، وأحسن إليك. قالوا: فرجعت إلى زوجها، فقال لها: ما صنعت؟ قالت: نحن، والله بطالون، ثم أقبلت على الصوم، والصلاة، والعبادة، فكان زوجها يقول: ما لي ولعبد الله بن عمر أفسد علي زوجتي كانت عروسة صارت راهبة، للهذلي: [البسيط] لوْ كانَ للدَّهرِ مالٌ كانَ متلدهِ ... وكانَ للدَّهرِ صخرٌ مالِ قنانِ آبي الهضميةٍ نابٍ بالعظيمة ... متلاف الكريمةُ لا سقطُ، ولا وانِ رباءُ مرقبة قوال محكمة ... دفّاعُ مفلتةُ قطَّاعُ أقرانِ حامي الحقيقةِ نسَّالُ الوديعةِ ... معتاقُ الوسيقة جلدُ غير ثنيانِ سهَّادُ انديةٍ حمَّالُ ألويةٍ ... هبَّاطُ أوديةٍ سرحانُ فتيانِ يحمي الصِّحابَ إذا سالَ البرزُ ... ويكفي القائلين إذا ما كبلَ العاني ويتركُ القرنَ مصفرَّاً أناملهُ ... كأنَّ في ريطتيهِ نضخُ أرقانِ يعطيكَ ما لا تكادُ النفسُ تسألهُ ... منَ البلاد وهوبٍ غيرُ منَّان ِ كان رجل يسمى وثاباً وسمي كلبه عمرو فقيل له فيه: [الرجز] لو هيأ لهُ الله منَ التوفيق أسباباً ... لسمَّى نفسهُ عمروُ وسمَّي الكلبُ وثابا للأصمعي قال: حدثني العلاء بن أسلم، قال: عزمت على الخروج إلى مكة، فجاءني أسلم بن عقبة، وكان أخا ذي الرمة غيلان، فقال لي: يا ابن أخي إنك تريد سفراً يحضر الشيطان فيه حضوراً لا يحضر في غيره. فاتق الله وصل الصلاة في وقتها تصليها لا محالة، وهي تنفعك، واعلم أن لكل رفقة كلب ينبح عليهم، أن كان عاداً تقلده دونهم، فلا تكونن كلب الرفقة. كان مطرف بن عبد الله يكره أن يقول: للكلب اخسأ، ومن دعائه على قوم لا يمنعون كلابهم من دخول مصلاهم، اللهم احرمهم بركة صيدهم. أعرابي يذم رجلاً: [الطويل] نزلنا بعمارَ فأشلا كلابهُ ... علينا فكدنا بينَ بيتيهِ نوكلُ فقلتُ لأصحابي اسرِّ إليهمُ ... إذا اليومَ أمْ يومُ القيامةِ أطولُ آخر يذم رجلاً: [الكامل] ولقدْ دخلتُ على زيادِ مرَّةً ... فظنتهُ ممَّنْ يضرُّ وينفعُ فإذا زيادٌ في الرِّجالِ كأنَّه ... مشطٌ يقلَّبهُ خصيٌ أصلعُ قال الخبر أرزي حدثنا شيخ أديب من أهل البصرة أنه خرج يوماً من لبغداد إلى موضع بها تسمى كرخايا، قال فوصلت إلي عبارة الياسمين، فجلست أتنسم الهوى، وإذا بفتى عليه أطمار رثة ومعه دفاتر ومحبرة ينسخ، فقلت يا فتى: مع هذا الجمال، والحسن أنت بهذا الشقاء فنظرتي نظر متعجب مني وقال: شقائي هذا أحلى طعماً. وأحمد عافية في الأولي، والآخرة من تنعمك، فقلت، وما دليلك على قولك؟ قال لأنك تذل، ولا أذل، وتراقب، ولا أراقب، وتخدم، ولا أخدم، وتطمع، ولا أطمع، وأغدو، وأروح خالي البال قليل الأشغال، ثم قام فكتب على ساج العبارة:

تذكرة من التاريخ

أسائل عن حالي، يرعوي بمنظري حبيبي، هذا في هواك قليل سأصبر، حتى يرعوي، ويرق لي وينهج من طرق الوصال سبيل. لما ورد الوزير المهلبي البصرة وجد على حائط البيت الذي فيه مكتوباً: [الطويل] أحنُّ إلى بغدادَ شوقاً وإنَّما ... أحنُّ إلى ألفِ بهالي شائقِ مقيمٌ بأرض سرتُ عنها وبدعة ... إقامةٌ معشوقٍ ورحلةُ عاشقِ يقال إن عبد الشهوة أذل من عبد الرق، وجد على قصر معز الدولة الذي بناه بالشماسية من بغداد، واليوم يسمى آثار القصر مسناه الدار الغربة على شاطئ دجلة، مقابل جامع القطيعة، مكتوباً حضر فلان بن فلان الجروي في سماط الملك معز الدولة، والدنيا عليه مقبلة، وهيئة الملك عليه مشتملة، ثم عدت في سنة اثنين وستين وثلاثمائة فرأيت ما يعتبر به اللبيب، ويفتكر فيه الأريب وقلت هذه الأبيات: [الخفيف] عينُ بكّى للقصرِ قصرُ معزِّ الدولة ... المؤنَّقُ العجيبُ البناءِ قد خلاَ بعدَ عزَّ ةٍ وجمال ... وعفَّاً بعدْ رونقٍ وبهاءِ لوْ تبقى على الحوادثِ شيءٌ ... ليقي ملكهُ من الأشياءِ كلُّ أمرٍ وإنْ تطاولَ أو دامَ ... إلى نقلةٍ وحال انقضاءِ عبرٌ أبيٍّ فإنَّهُ ليسَ يغني ... ذو الأيادي والطَّولِ والآلاءِ قال الأصمعي قال لبعض العرب خرجي في بعض الليالي المظلمة، وإذا بجارية كأنها صنم فراودتها عن نفسها، فقلت يا هذا أمالك زاجر من عقل، غذ لم يكن واعظ من دين؟ فقلت، والله ما يرانا إلا الكواكب، فقالت، ويحك فأين أنت من مكوكبها؟ فأخجلني كلامها فقلت لها غني كنت أمزح، فقالت. إيَّاك المزاحَ فإنَّهُ يجرئُ ... عليك الطفلَ، والرجلَ النَّذلاَ ويذهبُ ماءَ الوجهِ بعدَ وضائهِ ... ويورثُ بعدَ العزِّ صاحبهُ ذلاَّ كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله، امنعوا الناس من المزاح تسلم لكم الأعراض، وقد قال بعض الشعراء: [الكامل] مازحْ أخالكَ إذا أردتَ مزاحاً ... وثوقٌ منهُ في المزاحِ جماحاً ولربَّما مزحَ الصديقُ بمزحةٍ ... كانتْ لبابِ عداوةٍ مفتاحاً وقد أحسن محمود الوراق: [الكامل] تلقى الفتى يلقى أخاهُ وخذنه ... في لحنِ منطقة بما لا يغفرُ ويقولُ كنتُ ممازحاً وملاعباً ... هيهاتَ ناركُ في الحشا تتسعَّرُ ألهبتها وطفقتَ تضحكُ لاهياً ... عمَّا بهِ وفؤادهُ يتفطَّرُ أو ما علمتَ ومثلُ جهلكَ غالبٌ ... إنَّ المزاحَ هوَ السَّبابُ الأصغرُ قال المنكدر، قالت لي أمي، وكانت أدركت النبي صلى الله عليه وسلم: لا تمازح الصبيان فتهون عليهم، وقال سعيد بن العاص لا تمازح الشريف فيحقد عليك، وقال بعضهم، ولا الدنيء فيجترئ عليك، وقال بعض الحكماء إياكم، والمزاح فإنه يذهب بالبهاء، ويورث الندامة، ويذوي بالمروءة قال مسعر بن كدام لابنه: [الكامل] ولقدْ نصحتكَ يا كدامُ نصيحةً ... فاسمعْ لقولِ أبٍ عليك شفيقُ إنَّ المزاحةَ والمراءَ فدعهما ... خلقانِ لا أرضاهما لصديقِ إنِّي بلوتهما فلم أحمدهما ... كمجاورٍ جاراً ولا لرفيقِ اجتمع عبد الله بن طاهر مع ندمائه على رياض في أيام الربيع، فقال ليقل كل واحد منكم في هذا شيئاً، فقال أحدهم: [الطويل] شموسٌ وأقمارٌ منَ الزَّهرِ طلع ... لدى اللَّهوِ في أكتافها متمتِّعُ فقال الآخر: [الطويل] نشاوى تثنِّيها الرياحُ فتثني ... فيلثم بعضٌ بعضها حينَ ترجعُ فقال الثالث: [الطويل] كأنَّ عليها من مجاجةِ ريقها ... لآليءُ إلاَّ أنَّها هيَ ألمعُ يقال إن ثلاثة يفسدون المروءة المنية، والحرص، والغضب. تذكرة من التاريخ ولد نبينا صلى الله عليه وسلم بمكة يوم الاثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول، بعد قدوم الفيل بخمسين يوماً، وذلك لعشرين يوماً مضت من نيسان، سنة اثنين وثمانين وثمانمائة لدى القرنين، وبعثه الله سبحانه يوم الاثنين، لثلاث بقين من رجب، وقد مضى من عمره أربعون سنة، وكانت هجرته من مكة إلى المدينة يوم الاثنين، مستهل شهر ربيع الأول، فأقام في الطريق ثمانية أيام، ودخل المدينة يوم الاثنين، وذلك لعشرين يوماً مضت من أيلول.

وقبض صلى الله عليه وسلم بالمدينة يوم الاثنين، لثمان خلون من شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وعمره ثلاث وستون سنة، واستخلف: أبو بكر الصديق بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب.. واسمه عتيق، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله ولد بمنى، وتوفي بالمدينة يوم الاثنين لثمان بقين من جمادى سنة ثلاث عشرة، وعمره ثلث وستون سنة، فصلى عليه عمر بن الخطاب، ودفن في الحجرة مع النبي صلى الله عليه وسلم وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر، وأربعة عشر يوماً، واستخلف: عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العُزَّى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدى بن كسب بن لؤي بن غالب بن فهر.. وكنيته أبو حفص، وقتله أبو لؤلوة بالمدينة يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، سنة ثلاث وعشرين وعمره ثلاثة وستون سنة، وكانت خلافته عثرة سنين وستة أشهر، وأربعة أيام، ثم استخلف: عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبده مناف بن قصي بن كلاب وكنيته أبو عمرو وقتل بالمدينة يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقين من ذي الحجة سنة خمس وسبعون سنة، ودفن بالبقيع، وكانت خلافته إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهراً، وتسعة عشر يوماً، ثم استخلف: علي بن أب طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو الحسن، ولد بالكعبة، وفيل بالكوفة يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان، سنة أربعين وعمره ستون سنة، وكانت خلافته، وتسعة أشهر وإلى أن اسلم ابنه: الحسن بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. الخلافة إلى معاوية ستة أشهر وثلاثة أيام، وبويع: معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو عبد الرحمن يرم خلع الحسن بن على، وأمه هند، ولد بالخيف من منى ومات بدمشق يوم الأربعاء منتصف رجب، وعمره سبعون سنة، وكان ملكه تسعة عشر سنة وثلاثة أشهر [81] وخمسة وعشرين يوماً، وبويع ابنه: يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد كس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو خالد، وأمه ميسون، ولد بالماطرون من بلد دمشق يوم مات أبوه، وتوفي بدمشق يوم الخميس النصف من ربيع الأول سنة أربع وستين وعمره ثمان وثلاثون سنة، وكان ملكه ثلاث سنين وثمانية أشهر. وبويع: معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن ق! ي بن كلاب.. وكنيته أبو ليلى، وأمه أم هاشم ولد بأذرعات من دمشق ومات بدمشق يوم الأحد لتسع خلون من رجب سنة أربع وستين وعمره ثلث وعشرون سنة كان ملكه ثلاثة أشهر واثنين وعشرين يوماً، وبويع: عبد الله بن الزبير ... قبل ذلك لشهر، وتسعة أيام، مستهل جمادى الأولى سنة أربع وستين، وكنيته أبو بكر، وأمه أسماء لنت أبي بكر الصديق، وولد. بمكة، ثم بايع أهل الشام: مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. يوم مات معاوية بن يزيد وبطل أمر عبد الله بن الزبير، وكنيته مروان أبو عبد الملك، وأمه آمنة، ومات بدمشق يوم الثلاث لليلتين بقيتا من شهر رمضان سمة خمس وستين، وعمره ثلاث وستون سنة، وكان ملكه سنة واحدة وثلاثة أشهر وثمانية عشر يوماً مع أيام عبد الله بن الزبير، وكان عبد الله بن الزبير بمكة يخطب له ومروان بن الحكم الشام يخطب له، وبويع: عمد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبده مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو الوليد، وأمه عائشة ابنة معاوية بن المغيرة بن أبي العاص، ولد بالمدينة وحاصر عبد الله بن الزبير الحجَّاج بن يوسف صاحب عبد الملك بن مروان بمكة، حتَّى قتله بها يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة، سنة ثلاث وسبعين، وكانت أيامه تسع سنين وسبعة عشرة يوماً. ومات عبد الملك بن مروان بدمشق يوم الخميس النصف من شوال سنة ست وثمانين، وعمره أربع وستون سنة، فكان ملكه إحدى وعشرين سنة، وتسعة عشر يوما وبعد منها إلى أن قتل عبد الله بن الزبير تسع سنين وثمانية أشهر، وتسعة عشر يوماً، وبعد قتله ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر وثمانية وعشرين يوماً. وبويع:

الوليد بر عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو العباس، وأمه ولادة بنت العباس، بن حرى بن الحارث، ولد بدمشق ومات بها يوم السبت النصف 1821 من جمادى الآخرة سنة ست، وتسعين، وعمره خمس، وأربعون سنة، وكان ملكه تسع سنين وثمانية أشهر، وبويع سليمان بن عبده الملك، وكنيته أبو أيوب، وأمه ولادة، وهو أخو الوليد لأمه، وأبيه ولد بدمشق ومات ببلد دابق يوم الجمعة لعشر خلون من صفر سنة تسع، وتسعين وعمره أربعون سنة، وكان ملكه سنتين وسبعة أشهر وخمسة وعشرين يوماً. وبويع: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو حفص، وأمه أم عاصم، وتوفي بأرض الشام، يوم الجمعة لخص! ي بقين من رجب سنة إحدى ومائة، وعمره أربعون سنة، وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر وخمسة عشر يوماً. وبويع: يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص س أمية بن عبد ممس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو خالد، وأمه عاتكة بشا يزيد بن معاوية، ولده بدمشق ومات بها لأربع بقين من شعبان سنة خمس ومائة، وعمره سبع وثلاثون سنة، وكان ملكه أربع سنين وشهراً واحداً، وبويع: هشام بن عبد الملك بن مروان بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو الوليد، ولد بدمشق ومات بها ليلة الأربعاء لست خلون من شهر ربيع الآخر لسنة ض وعشرين ومائة، وعمره ثلاث وخمسون سنة، وكان ملكه تسع عشرة سنة، وتسعة أشهر، وتسعة أيام، وبويع: الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو العباس، وأمه أم الحجاج، ولد بطبرية، وقيل في بعض بلاد الشام، يوم الخميس لثلاث بقين من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة، وعمره حمس، وأربعون سنة، وكان ملكه سنة وشهر! ن وإحدى عشر يوما، وبويع: يزيد بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد ض بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنيته أبو خالد، وهو الناقص، وأمه شاهفرة، ولد بالكعبة، ومات بدمشق يوم الاثنين مستهل ذي الحجة سنة ست وعشرين ومائة، وعمره ست وثلاثون، وكانا ملكه مع الفتنة، إلى كانت بينه وبين الوليد بن يزيد، خمسة أشهر وثلاثة أيام، وبويع أخوه: إبراهيم بن إبراهيم بن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. وكنته أبو إسحاق، ولد بحمص، وخلعه مروان بن محمد، يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة خلت من صفر سنة سبع وعشرين ومائة، فكان ملكه شهرين واحد عشر يوماً، وبويع: مروان بن محمد بن مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب.. يوم خلع إبراهيم وكنيته [83] عبد الملك، وأمه كردية تُسمى ألباته، ولد بحران وقبل بالفسطاط لثلاثة عشر خلت من ذي الحجة، سنة اثنتين وثلاثين ومائة، وعمره تسع وستون سنة، فكان ملكه إلى أن بويع: السفاح عبد الله بن محمد الكامل بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ... خمس سنين وشهرين، وقتل بعد خلافة السفاح بثمانية أشهر، وانقضت خلافة بني أمية، ثم الخلفاء من بني العباس أحد أربعة سنين وثمانية أشهر، ويومين، ثم أخوه؟ أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أحد وعشرين سنة، وأحدا عشر شهراً وثمانية أيام، ثم: المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... عشرة سنين وشهر وخمسة عشر يوماً، ثم: الهادي بن المهدي محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... سنة وشهر وعاثرين يوماً، ثم:

أبو جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... ثلاثاً وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشرة يوماً، ثم: الأمين بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أربع سنين، وتسعة أشهر وعشرة أيام، ثم: المأمون بن أب جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... عشرين سنة وخمسة أشهر، ويومين، ثم: الواثق بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... خمس سنين، وتسعة أشهر وستة أيام. ثم: المتوكل بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أربعة عشر سنة، وتسعة أشهر، وتسعة أيام، ثم: المنتصر بن المتوكل بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أب جعفر هارون الرشيد بن المهدي أب عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... ستة أشهر، ويومين، ثم: المستعين بن المنتصر بن المتوكل بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بق المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أحد عشر شهراً وعشرين يوماً ومع الفتنة ثم؟ المعتز بن المتوكل بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدى أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أربع سنين وستة أشهر وخمسة عشر يوماً، وتسعة أشهر إلى أن قتل ثلاث سنين ثم: المهتدي بن الواثق بن المعتصم بالله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أحد عشر شهراً وسبعة عشر يوماً ثم: المعتز بن المتوكل بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... ثلاث وعشرين سنة، ويومين، ثم: المعتضد بن الموفق أبو محمد طلحة بهن المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... تسع سنين، وتسعة أشهر وثلاثة أيام ثم: المكتفي بن المعتضد بن الموفق أبو محمد طلحة بن المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن عبد العموم العباس بن عبد الله بن هاشم بن قصي بن كلاب ... ستة سنين وستة أشهر وعشرة أيام ثم:

المقتدر لن المعتضد بن الموفق أبو محمد طلحة بن المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أربعاً وعشرين سنة واحد عشر يوماً ثم: القاهر بن المعتضد بن الموفق أبو محمد طلحة بن المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... سنة وستة أشهر وثمانية أيام ثم: الراضي بن المقتدر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن عمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... لست سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام ثم: المقتفي بن المقتدر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب.. ثلاث سنين واحد عشر شهراً، وأربعة أيام ثم: المستكفي الله أبو القاسم عبد الله بن المكتفي الله أبو محمد على بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن عمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب.. سنة وأربعة أشهر ثم: المطيع بن المقتدر الله أبي الفضل جعفر بن المعتضد الله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أب جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... تسعاً وعشرين سنة، وستة أشهر ثم: الطائع بن المطيع بن المقتدر الله أبي الفضل جعفر بن المعتضد الله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... سبعة عشرة سنة، وتسعة أشهر وخمسة أيام صم؟ القادر الله أبي العباس أحمد بن أب أحمد إسحق بن المقتدر الله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن صبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... إحدى، وأربعين سنة وثلاثة أشهر واحد عشر يوماً ثم: القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر الله أبي العباس أحمد بن أب أحمد إسحق بن المقتدر الله أبي الفضل جعفر بن المعتضد الله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أب إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... أربعاً، وأربعين سنة ثم:

المقتدي الله أبي القاسم عبد الله بن الأمير ذخر الدين أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر الله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد إسحق بن المقتدر الله أبي الفضل جعفر بن المعتضد الله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي أسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن علي بن حير الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... ثماني عشرة سنة ثم: المستظهر الله أبي العباس أحمد بن المقتدي الله أبي القاسم عبد الله بن الأمير ذخر الدين أب العباس محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر الله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد إسحق بن المقتدر الله أبي الفضل جعفر بن المعتضد الله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... [84] . خمساً وعشرين سنة ثم: المسترشد بن المستظهر الله أبي العباس أحمد بن المقتدي الله أبي القاسم عبد الله بن الأمير ذخر الدين أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد إسحق بن المقتدر الله أبي الفضل جعفر بن المعتضد الله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... تسعة عشر سنة، ثم: الراشد بن المسشرشد بن المستظهر بالله ألجما العباس أحمد بن المقتدى بالله أبى القاسم عبد الله بن الأمير ذخر الدين أبى العباس محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد إسحق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبى العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم بالله أب إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن قصي بن كلاب ... سنة واحدة ثم: المقتفي لأمر الله أب عبد الله محمد بن المستظهر بالله أب العباس أحمد بن المقتدي بالله أب القاسم عبد الله بن الأمير ذخر الدش أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد إسحق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم الله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدى أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن أبي بن كلاب ... خمساً وعشرين سنة ثم: المستنجد بالله أبي المظفر سف بن المقتفى لأمر الله أبي عبد الله محمد بن المستظهر بالله أب العباس أحمد بن المقتدر بالله أبي القاسم عبد الله ين الأمير ذخر الدين أبي العباس محمد بن القائم بأمر الله أبي جعفر عبد الله بن القادر بالله أبي العباس أحمد بن أبي أحمد إسحق بن المقتدر بالله أبي الفضل جعفر بن المعتضد بالله أبي العباس أحمد بن الموفق أبي محمد طلحة بن المتوكل على الله أبي الفضل جعفر بن المعتصم بالله أبي إسحق محمد بن أبي جعفر هارون الرشيد بن المهدي أبي عبد الله محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد الكامل بن على بن حبر الأمة عبد الله بن سيد العموم العباس بن عبد المطب بن هاشم بن قصي بن كلاب ...

قال السفاح لأبي دلامة يوما: سلني، فقال: أسألك كلياً، قال: اصطاد به؟ قال: اصطاد به، قال: تعطى قال: ودابة تكون معه، قال ودابة، قال وغلام يخدمها، قالا وغلام يخدمها، قال وجارية تعمل ما يصاد، قال وجارية، قال يا أمير المؤمنين: هؤلاء عائلة ولابد لهم من دار يسكنونها، قال ودار، قال: يا أمير المؤمنين، وضيعة لقوتهم، قال وضيعة تقطع إياها مائتي جريب عامرة ومائتي جريب غامرة، قال: وما الغامر؟ قال ما لا نبات فيه. قال: يا أمير المؤمنين: فقد أقطعتك خمسمائة ألف جريب من فيافي بني أسد عامرة، قال فيجعل الجميع عامراً، فهل بقي لك شيء؟ قال: نعم، يدك أقبلها، قال: أما هذه فلا، قال، والله يا أمير المؤمنين ما منعتني شيئاً أهون علي من هذه. حدثني صديقي الرئيس الأديب أبو الهيجاء الشاعر قال: حدثنا قاضي القضاة، أبو بكر الشامي قال: كان عندنا بمدينة حماة، قاضي يكنى بأبي الفرج، فكتب إليه بعض أصدقائه [الرمل] بعضُ منْ غارمني لامني ... ثم قد عولَ يدعوني إليكَ وعلى فضلكَ عولتُ بهِ ... مثل ما عول في العذل عليكَ فعسى عندك ما تكنى به ... وعسى لي راحة في راحتيكَ فنفذ له ما قضى دينه به واستبقى منه بقية قيل إن رجلاً سأل معن بن رائدة عيرا تحمله، فقال يا غلام: أعطه عيراً وبغلاً وفرساً وبرذوناً وبعيراً وسفينة وجارية، ولو عرفت مركوباً غير هذا لأعطيتك. لأبي الفضل الربعي: [البسيط] العين تبدي الذي في نفس صاحبها ... من الشنأة أو وداً إذا كانا إن البغي له عينٌ يقلبها ... لا يستطيع لما في النفس كتمانا وعين ذي الود ما تنفكُّ مقبلةً ... ترى لها محجراً بشاً وإنساناً ذكر إنه اجتمع عند عبد الملك بن مروان، جميل وكثير وعمر بن أبي ربيعة، فأمر بناقة: فأوقرت ورقاً، ثم قال: ليقل كل واحد منكم أبياتاً في العدل، فأيكم كان أحسن قولاً فهي له: فقال جميل بن معمر: [الطويل] حلفتُ يميناً يا بثينة صادقاً ... وإن كنتُ فيها كاذباً فعميتُ حلفتُ لها والبدُ تدمي نحورُهَا ... لقدْ شقيَتْ نفسي بكم وعيتُ قفلو أن جلداً غيرَ جلدكَ مسَّني ... وياشرني تحتَ السماء سريتُ ولو أن داعي الموت يدعو جنازتي ... بمنطقكم في الناطقين حييبُ وقال كثير بن عبد الرحمن: [الكامل] بأبي، وأمي أنتِ منْ معشوقةٍ ... طبَر العدوِّ لها فغيَّرَ حالها وسعي غليَّ بعيبِ عزةَ نسوةٌ ... جعل الإلهُ خدودهن نعالها ولو أن عزة خاصمتْ شمسَ الضحى ... بالحُسنِ عند موفقٍ لمقتضاها وقال عمرو بن أبي ربيعة: [الطويل] ألا ليتَ أني حينَ تدنو منيتي ... لثمتُ الذي ما بينَ عينيك والفمِ وليتَ طهوري كان ريقك كلهُ ... وليتَ حَنُوطِي من مشاشِكِ والدمِ وليتَ سٌليمى في المماتِ ضجيعتي ... تجاورُني في جنةٍ، أو جهنمِ فقال عبد الملك: يا صاحب جهنم دونك، والناقة بما عليها روي أن فتىً من الأعراب خطب ابنة عم له، وكان معسراً فأبى عمه أن يزوجه، فكتب إلى عمه هذه الأبيات: [البسيط] يا هذهِ كم يكونُ اللومُ، والفندُ ... لا تنكري رجلاً أثوابُهُ قددُ إنْ يمسَّ منفرداً فالبدرُ منفردُ ... والليثُ والسيفُ والخطر منفردُ إن كنتَ أنكرتِ ثوبيهِ وقد خلقَا ... فالبحرُ من فوقهِ الأقذاءُ والزبدُ إن كان صرفُ الليالي ردَّ بزَّتهُ ... فبينَ ثوبيهِ منهُ ضيغَمٌ ليدُ قال فدخلت على أبيها بالأبيات، فقال ما أريد بذلك صداقاً غيرها، فدعاه فروجها إياه. ذكر أن معاوية ركب يوم صفين دابته عازماً على الهرب قال فذكرت أبياتاً لعمرو بن الإطنابة، وبها ثبت: [الوافر] أبتْ لي عفتي وأبا بلائي ... وأخذِ الحمدِ بالثمنِ الربيحِ وإقدامي على المكروهِ نفسي ... وضربي هامةِ البطل المسيحِ وقولي كلما خبأت وجاشتْ ... مكانك تُحمدي أو تستريحي ما أحسن، قول طريح بن اسماعيل: [البسيط] لا تأمنَنّ امرءاً أسمنتَ مهجتَهُ غيظاً ... وإنْ قلتَ إن الحِقدَ يندملُ قد يظهر المرء تجميلاً لصاحبه ... وفي حشاهُ عليه لا حج يعلُ فاقبل من المرء ما أبدى وجازيه=وليحرسنَّكَ سوءُ الظنِّ والوجلُ

نبذة في الهدية

ذكر إبراهيم بن عرفة في تاريخه أنه قدم جرير، والفرزدق على هشام بن عبد الملك بن مروان، فمدحه الفرزدق، فأمد له بأربعة آلاف درهم فتسخطها، وهم بردها، م تمثل بقول زهير: [الطويل] ومنْ يجعل المعروفَ منْ عرضِه ... يفرهُ ومن لا يتقي الشتم يُشتمِ فقيل لجرير إن الفرزدق أعطى مثل ما أعطيت، وتمثل. ممثل ما تمثلت به، فقال أما علمت أن شيطاننا واحد، يلم به مرة، ويلم بي أخرى. ويشهد لك ما روى أبو الظاهر الدمشقي بإسناده: أن الفرزدق وجريراً اصطحبا فعطف جرير بناقته ليبول، وتخلف، فخنت ناقة الفرزدق، فقال الفرزدق: [الوافر] علامَ تلتفتينَ وأنتَ تحتِي ... وخيرُ لناس كلهم أمامي متَي تأتي الصرافةَ تستريحي ... منَ الإدلاجِ والدَّبَر الدوامي ثم قال كأني بابن المراغة قد سمع هذين البيتين، فقال: [الوافر] تلفتْ إنها تحتَ ابن فينٍ ... برأسِ الكبرِ والناس اللهامِ متى تأتي الرصافةَ تحرْ فيها ... كجريك في المواسمِ كلَّ عامِ فلما لحق بهما جرير، قال له الرواية ت يا أبا حزرة أما سمعت ما قال أخوك أبو فراس، وأنشد البيتين الأولين، فأطرق جرير، تم جاء بالبيتين الأخيرين، فقال روايته لعنكما الله، شيطانان يعلم كل واحد منهما ما في نفس صاحبه. نبذة في الهدية كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون مع شيء أهداه إليه: [الطويل] على العبدِ حقٌ فهو لا بدَّ فاعلُ ... وإنْ عظُمَ الموْلَى وحلتْ فضائلُهُ ألمْ ترنا نهدي إلى الله مالهُ ... وإن لم كان في وسعنا ما يشاكلُهْ ولو أننا نهدي على قدرٍ حقهُ ... لقصر على الصبرُ عنهُ وناهلهُ ولكننا نهدي على من نجلُّهُ ... وإن لم يكن في وسعنا ما يشاكلُهُ آخر: [الوافر] تنوقْ في الهدية كلُّ قومٍ ... إليكَ غداةَ شريكَ للدواءِ فلما أن هممتْ بها مدلاً ... لموضع خدمتي بكَ والإخاءِ وجدتُ كثيرَ ما أهدي قليلاً=لمثلكَ فاقتصرتُ على الدعاءِ آخر: [الوافر] تنوقُ من ثيابكَ في الهدايا ... إليَ غداة قصد الباسليقِ فلم أر كالدعاء أعمَّ نفعاً ... وأجملَ في مكافأة الصديقِ فاعديُ الثنا وقلتُ ربي ... يعذُكَ منْ شرِّ أنَّاتِ العروقِ آخر: [البسيط] اسعدْ بشربكَ في النيروزِ مصطحباً ... لا زلتَ تلقى من الأيامِ ما صلحا لازلتَ تلقى منَ الايام صالحةً ... تُبقي السرورَ وتنفي الهمَّ والترحَا إني لا استصغر لدنيا بأجمعها ... هدية لك إلا الشكرَ، والمدحَا آخر: [السريع] هديتي تصغرُ عنْ همتي ... وهمتي تكبرُ عنْ مالي فخالصُ الودِّ ومحضٌ الوفاءِ ... أفضلُ ما تهديهِ أمثالي أهدى أبو تمام الطائي إلى الحسن بن وهب قلما وكتب معه: [الخفيف] قدْ بعثتا إليكَ أكرمَك الله ... بشيءٍ فكنْ لهُ ذا قبولِ لا تقسه إلى ندى كفكَ الغُمرِ ... ولا نيلكَ الكثير الجليلِ واغتفر قلة الهدية مني ... إن جهدَ المقِلِّ غيرُ قليلِ للبحتري: [الطويل] ألنتَ لي الأيام منْ بعد قسوةٍ ... وأعتبَتْ لي دهري المسيء فاعتبَا وألبستني النعمي، التي غيَّرت أخي ... عليَّ فأمسى نازِحَ الودِّ أجنبَا فلا فُزت مِنْ مُرِّ الليالي براحةٍ ... إذا أنا لم أصبِحْ بنثرِكَ مُعتِبَا غيره: [الطويل] أخي لي كأيامِ الحياةِ أخاوةً ... تكونُ ألواناً علي خطوبها إذا عبتُ منهُ خلةً فهجرتُهُ ... دعتني إليهِ خلةٌ لا أعيبُهَا ذكر أبو بكر الخطيب في تاريخه عن سهل بن ميسرة: أنه لما رجع أبو العباس عبد الله بن طاهر من الشام، ارتفع فوق سطح قصره، فرأى دخاناً يرتفع في جواره، فقال لعمرويه ما هذا الدخان؟ فقال: أظن القوم يخبزون. فقال: ويحتاج جيراننا إلى أن يتكلفوا ذلك، ثم دعا حاجبه فقال: امضي ومعك كاتب، وأحصِ موالينا ممن لا تعطيهم [88] عنا فسارع فمضى، وأحصاهم، صغيرهم وكبيرهم فبلغ جمدهم أربعة آلاف نفس، فأمر لكل واحد منهم. بمنوين خبزاً ومنا لحماً، وثمن التوابل في كل شهر عشرة دراهم، والكسوة في الشتاء مائة وخمسون درهماً، وفي الصيف مائة درهماً فكان ذلك دأبه مدة مقامه ببغداد.

فلما خرج منها انقطع ذلك، إلا الكسوة فإنها دامت مدة ما عاش أبو العباس عبد الله نن ظاهر رحمه الله، والمكان الذي كان ينزل به ببغداد بالجانب الغربي على شاطئ دجلة، وهو إلى الآن يعرف به، وينسب إليه، وهو الحريم الطاهرى: [الخفيف] ألقِ بالبشرِ من لقيتَ منَ الناس ... جميعاً ولاقهمْ بالطلاقَةْ نحن منهم حباً ثارٍ كريمٍ ... طيبٌ طعمُهُ لذيذٌ مذاقُهْ ودع التيهَ، والعبوسَ عنِ الناس ... فإن العبوس رأسُ الحماقةْ كلما شئتَ أن تُعادي عاديتَ ... صديقاً، وقد تعزَّا لصداقةْ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة زرْ غباً تزدد حباً". وقال بعض الحكماء. من كثرت زيارته قلت بشاشته، وقال أخر: من داوم زيارة الأصدقاء عدم الاستبشار عند اللقاء: [مجزوء الكامل] أقللْ زيارتك الصديقَ ... تكُنْ كالثوبِ استجدَّهُ إن الكريمَ يملُّهُ منْ ... لا يزالُ يراهُ عندهُ آخر: [الطويل] عليكَ بإقلالِ الزيارة إنها ... تكونُ إذا دامتْ إلى الهجرِ مسلكاً فإني رأيتُ القطرَ يسأم دائماً ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا آخر: [البسيط] إني كثرتُ عليه في زيارته ... والشيءُ مسثقلٌ جداً وإنَّ كثُرَا ورابني منه أني لا أزالُ أرى ... في طرفه قصراً عني إذا نظرا قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : لكل شيء راس وراس المعروف تعجيله، وقال عبد الملك في وصيته لبنيه: يا بني معروفك عنده ولكل شيء آفة وآفة المعروف المطل، ولبعضهم: [الكامل] صلْ من أردتَ وصالهُ وأخاه ... إن الأخوة خيرها موصولها وإذا ضمنتَ لصاحبٍ لك حاجةً ... فاعلمْ بأنَّ تمامهَا تعجيلُهَا وكان يقال إن بذل جاه السائل أعظم من معروف المسؤول، وقال أثم بن صيفي السؤال، وإن قل ثمن النوال، وإن جل، قال علي بن أبي طالب الكاتب: [الكامل] ما اعتاصَ باذلُ وجههِ بسؤالهِ ... يوماً ولا نالَ الغِنى بسؤالِ وإذا السؤال مع النوال وزيهُ ... رجح السؤال وخفَّ كلُّ نوال وإذا بليتَ ببذلِ وجهكَ سائلاً ... فابذل له المتكرم المفضال قال معاوية بن أبي سفيان الحازم من كتم سره من صديقه، مخافة أن تنتقل صداقته عداوة، فيذيع سره ولبعضهم: [الطويل] لو أنَّ امرءاً يُخفي الهوة عنْ ضميرهِ ... لمتُّ ولم يعلمْ بذاكَ ضميرُ ولكن سألقى الله والقلبُ لم يَبُحْ ... بسركَ والمستخبرون كثيرُ آخر: [البسيط] لا يكتم السر إلا كلَّ ذي خطرٍ ... والسرُّ عند كرامِ الناس مكتومُ والسرُّ عندي في بيتٍ له غلقُ ... قدْ ضاع مفتاحُهُ والبابُ مختومُ قال بعض العلماء: إذا أراد الله أن يزيل عن عبد نعمة فأول ما يغير منها عقله، قال أبو عبد الله وزير المهلبي: إنصاف الرعية مع شكر المقدرة بالولاية أشد من بذل المال مع شح النفس. ذكر الجاحظ في (كتاب) : المعلمين عن ابن عمران: الأنبياء عيهم السلام لا يتثاءبون، وما تثاءب نجي قط، روي أن مروان بن محمد قال عبد الحميد بن يحيى، صاحب الرسائل بعد أن تفرق الناس عنه وانهزموا: قد احتجتُ إلى أن يصير مع عدوي، وتظهر الانقلاب، فإن عجبهم بأدبك وفصاحتك وحاجتهم إلى مثلك، يستجريهم علي تمكينك، وحسن الظن بك، فإن قدرت أن تنفعني في حياتي فإني فداك، وإن عجزت عنه رجوت أن لا تعجز عن حفظ حرمتي بعد موتي، وأنشد عبد الحميد متمثلاً: [الطويل] أسرَّوقا ثم أظهر عذرهُ ... فمنْ لي بعذرٍ يوسعُ الناس ظاهرُ ثم أنشد: [الوافر] فلومي ظاهرٌ لا شكَّ فيه ... للأيميهِ وعذري بالمغيبِ وكمْ من موقفٍ حسنٍ أُحيلتْ ... محاسنهُ فعُد من الذنوبِ فلما سمع ذلك منه علم أنه لا يفعل، ثم، قال له: عبد الحميد الذي أمرين به انفع الأمرين لك، وأقبحهما لي وليس لك على. الصبر معك إلا أن يفتح الله عليك، وأقتل معك، سئل شُريح عن العشاق فقال: أشدهم حياءً أعظمهم أجراً [90] ولبعضهم: [الطويل] فوالله ما أدري وإني لسائلٌ ... بمكة هل في الهوى أجرُ وهلْ في اكتحال العين بالعين زينةٌ ... إذا ما لقي الألوان لإبل به أجرُ

قيل إنه مرَّ جرير الشاعر بسعيد بن المسيب، فقال من هذا فقيل له الذي يقول: [الطويل] سألتُ سعيداً يا فتى المدينة ... هل في حُب دهماء من وزر فقالَ سعيد بن المسيب إنما ... يلامُ على ما يستطيعُ منَ الأمرِ قال سعيد بن المسيب: يا فتى المدينة ما سألني أحد، ولو سألني لأحبت، وحكي عن مالك بن أنس أن شاعراً جاءه فقال: إنني قلت أبياتاً ذكرتك فيها فاجمعها، فقال لا حاجة لي منها، قال أحب أن تفعل، فقال هات فأنشده: [الطويل] سلُوا مالكَ المُفتي عن اللهو، والصبي ... وحبِّ الحسانِ المُعجباتِ الفواركِ يُخبركم عني مصيبٌ وإنما ... أسلي همومُ القلب عني بذلكِ فهلْ لمحبٍ يكتمُ الحبَّ والهوى ... آثامَ وهلْ ضمِّهِ المتهالكِ فسري عن مالك، وكان ظنه أنه هجاه، يقال إن المال قي الأنف، والحسن في العين، والملاحة ني الفم، ظ ل رجل للفضيل بن عياض: بعني رجلاً أتخذه لسري وآمنه على أمرى، فقال له ة تلك ضالة لا توجد. وقيل لبعض الحكماء: من أبعد الناس سفراً؟ قال: من كان في طلب طريق يرضاه، قال ابن السَّماك في بعض كلامه: لق أمهل، حتى كأنه أهمل، ولقد ستر، حتى كأنه غفر، قيل لبعض الحكماء: أي الكنوز خير؟ فقال: أما بعد تقوى الله سبحانه، والأخ الصاع، قال جابر بن عبد الله البجلي، ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا تبسم في وجهي. أنشد المبرد: [الطويل] تودُّ عدوي ثم تزعم أنني ... أودك إن الرأي عنكَ لعازبُ وليس أخي من ودَّ في رأي عينه ... ولكن أخي من ودني في العواقب قال بعض الحكماء: إيّاك ومعاداة الرجال فإنها لن تعدمك مكر حليم، أو مفاجأة لئيم، قال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) : إذا رزقك الله مودة امرئ مسلم فتشبث بها، أنشد المبردة: [الوافر] وكنتُ إذا الصديقُ أرادَ غيظي ... وأشرقني على خثو بريقي غفرتُ ذنوبه ولطمتُ غيظي ... مخافةَ أن أكون بلا صديقِ قال رجلٌ من عبد القيس لابنه: يا بي لا تؤاخِ أحدا، حتى تعرف موارد أموره ومصادرها، فإذا استنبطت منه الخير ورضيت منه العشرة فآخه على إقالة العثرة، والمواساة عند العشرة، روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "رأس العقل بعد الإيمان المودة للناس". وقال المنصور: إذا أحببت المحمدة من الناس بلا مؤونة فألقاهم ببشرٍ حسن. قال كعب الأحبار: لين وجهك للناس تكن أحب إليهم كن يعطيهم الذهب، والفضة، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنكم لم تسعُوا بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحمسن الخلق". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "تمام محبتكم المصحافة". وقال عليه الصلاة، والسلام: حين جاءه أعرابي، فقال يا رسول الله: إنا من أهل البادية، يجب أن تعلمنا علماً وعملاً لعل الله أن ينفعنا به قال: "لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستقي، وإن تكلم أخاك، ووجهك إليه منبسط". وقال الحسن يزيد في المحبة، وقال مجاهد عن معاذ إن المسلمين إذا التقيا فضحك كل واحد منهما في وجه صاحبه، ثم أخذ بيده تحاتت ذنوبها، كما تحاتت ورق الشجر، يقال إن المودة قرابة مستفادة، وهى أشد الأحساب، وأقرب الأسباب. وقال بعض الشعراء: [البسيط] قد يمكثُ الناس حيناً ليس بينهمُ ... ودٌ فيزرعهُ التسليم واللطفُ يُسلي الخليلين طولُ النأي بينهما ... ويلتقي شعبُ شتى فيأتلِفُ وقال بشر بن السري: ليس من البر أن تحب من أبغضه حبيبك، قال ابن عباس: من أحب أخواني إليَّ أخٌ إن غبتُ عذرني، وإن جئته قبلني، قال الأصمعي ليس للروم صاد، ولا للفرس ثاء، ولا للسريان دال. لبعضهم [الوافر] تولتْ دولةُ الحسن بن سهلٍ ... ولم أبللْ لهاتي من نداهَا فإنْ ذهبتْ فلا تبكي عليها ... فإن بُكَى عيني من بكاها لابن أبي الدنيا: [مجزوء الوافر] تولتْ بهجةُ الدنيا ... فكلُّ جديدها خلقُ وخان الناس كلهمُوا ... فلا أدري بمن أثقُ كأنَّ مكارمَ الأخلاق ... سدَّتْ دونَها الطرُقُ فلا حسبٌ ولا كرمٌ ... ولا دينٌ ولا خُلُقُ لابن الرومي في البطيخ: [مجزوء الوافر]

فكم قال في البطيخ قولَ ... خبيرٌ حين ذمَّ لدى الخصامِ تحياتُ وفاكهةٌ وإدم ... وها صوم الثقيل من الطعامِ وأشنان وحلواءَ مهيأٌ ... وعندَ العسر كوب للمدامِ وبعدَ الطلىْ في الحمام طيبٌ ... وضقي للمتانة كلِّ عامِ وسهلُ المُجتنى دان لطيفٌ ... وذلله المهيمنُ للأنامِ شكا أهل دمشق إلى ابن أبي الدرداء، قلة ممرهم، وتغير أشجارهم، فقال أطلتم حيطانها، وأكثرتم حراسها فجاء البلاء من فوقها. دخل سالم بن عبد الله بن عمر على سليمان بن عبد الملك، وعلى سالم ثوب رث مشتمل به، فلم يزل سليمان ترحب به، حتى أجلسه معه على سريره، وعمر بن عبد العزيز معه في المجلس، فقال رجل من القوم لعمر، ما استطاع خالك أن يلبس ثياباً هي أحسن من هذه، ويدخل على أمير المؤمنين، فقال عمر ما رأيت ثياب خالي وضعته إلى مكانك، ولا ثيابك رفعتك إلى مكانه. ودخل محمد بن كعب على سليمان أيضاً في ثياب رثة فقال له: ما حملك على لبس هذه؟، فقال أكره أن أقول فقرا فاشكو ربي، أو أقول زهداً فأطرى، وأزكى نفسي. دخل وكيع بن أبي الأسود على عدوك! بن أرطأة، وهو والي العراق من قبل عمر بن عبد العزيز فلبس عنده ثيابه. فقال لوكيع سوِّ علي ثوبي يا أبا المطرف، فقال وكيع ذكرتني الطفر، وكنت ناسياً إن في خُفي ضيق فمد أيها الأمير، فقال له: يا أبا المطرف إن الرجل ليتولى من أخيه ما هو فوق هذا، فقال له: يا عدى إذا غزلت عنا فكلفنا ما أجبت فأما، وأنت ترى بنفسك علينا قدرة وبيدك بسطت، لشاعر في هذا المعنى [المتقارب] إذا عُزل المرءُ صافيته ... وعند الولاية استكبرُ لأن الوليَّ لهُ نخوةٌ ... ونفسي على الذلَّ لا تصبرُ قيل لوهيبة بنت معن قد أفقرت بناتك بكثرة صلاتك فقالت يعينهن من تقربت إليه ني حفظهن بتفريق مالي له. سأل الفضل بن الربيع رجلاً عن قاضى بلدته، فقال جمع فأوعى، وسأل فأكدى، وحكم فتعدى، وطغى لما استغنى، قال ابن عباس التفكير في الخبر يدعو إلى استعماله، والعمل به، والندم على الشر يدعو إلى تركه، يقال من هانت الدنيا عليه مالت القلوب إليه، ومن عمل الرد، فقد أحسن الرفد. قال سهل بن هارون في صدر كتاب له، وجب على كل ذي عقل له أنْ يبتدئ بالحمد، بل استفتاحها، كما يبتدئ النقمة قبل استحقاقها. قال المنصور لجرير بن يزيد إني لأعدك لأمر كبير، فقال يا أمير المؤمنين أن الله قد أعدَّ لك مني قلباً معقوداً ينصحك، ويداً مبسوطة بطاعتك، وسيفاً مشحوذاً على أعدائك فإذا شئت، قيل لأنوشروان من أطول الناس عمراً؟ فقال: من كثر علمه فناوب له غيره من لعده، ومن كثر معروفه فشرف به عقبه. قيل للفضل بن يحيى من أعقل الناس؟ قال من عرف مقادير الأمور قولاً وفعلاً. وسأل قباد الملك بعض الحكماء فقال: أخبرني من أعدل الناس، وأجور الناس، وأحمق الناس، وأكيس الناس، وأسعد الناس؟ فقال الحكيم أما أعدلهم، فمن أنصف من نفسه، وأما أجورهم، فمن رأى جوره عدلاً، وأما أحمقهم، فمن يصدق- مما لا يكون، وأما أكيسهم، فمن أخذ للأمر أهبته قبل نزوله، وأما أسعدهم، فمن ختم له في عاقبته بخير. وقال أنوشروان الحكيم من أكمل الناس مروءة؟ قال: من أحرز دينه، ووصل رحمه فأكرم إخوانه، وأصلح ماله. وقيل لبعض الحكماء، وما الشكر قال الإقرار بالنعمة وجزاؤها بالحسنى مضمراً وقائلاً وفاعلاً مجزأ الضمير النية، والمحبة، والطاعة وجزاء الفعل المعاونة، والصبر عليه، والسعي فيما يرضي المنعم، وقال بعض الشعراء: وقدً عرضتْ لي حاجةٌ وأظنني ... بأني إذا أنزلتُهَا بكَ تنجحُ فإن ألكُ في أخذ العطية مربحاً ... فإنكَ في بذلِ العطية أريحُ لأن لك العقبي من الأجرِ خالصاً ... وشكري من الدنيا فحقَّكَ أرجح يُروى عن محمد بنشهاب الزهري، أنه قال أول حب ظهر في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله تعالى عنها روى حماد بن زيد عن مجاهد بن سلمة قال لما أتى زيد بن حارث إلى النبي صلى الله عليه وسلم جاء رسول الله إلى منزل زيد، فخرجت ابنة له صغيرة، فلما رأت النبي صلى الله عليه وسلم أجهشت في وجهه بالبكاء فبكى، حتى انتحب، فقيل له ما هذا يا رسول الله؟ قال: "شوق الحبيب إلى حبيبه".

وقد حبّ وعشق جماعة من الأجلاء المتقدمين، والسلف، والتابعين منهم عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق كان يحب ليلى بت الخوزي الغساني، التي ارتد أبوها وقتله خالد بن الوليد وسبا أهله دفعت إلى عبد الرحمن وفيها قال: تذكرتُ ليلى والسماوةَ دونَها ... فما لابنة الخوزيّ ليلى وماليَا ومنهم عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يهوى جارة رومية، وكان يجد بها وجداً شديداً، فوقعت يوماً عن بغلة كانت عليها، فجعل يمسح التراب عن وجهها ونهديها، فكانت تقول: لَهُ أنت قالون أي رجل جيد صالح فهربت منه، فقال فيها: [البسيط] قدْ كنت أحسبني قالونَ فانطلقتْ ... فاليوم أعلم أنِّي غيرُ قالونَ ومنهم الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، عشق الرباب الكلبية، وهي أم ولده سكينة وعبد الله الذي قتل معه بكربلاء وفيها يقول: [الوافر] لعمركَ إنَّني لأحبُّ أرضاً ... تحلُّ بها سكينةُ والرَّبابُ أحبُّهما وأبذل جلَّ مالي ... وليسَ للائمٍ عندي عتابُ ومنهم الحسن بن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، عشق عشقاً شديداً عايذا بنت عمرو بن سعيد بن عمرو بن العاص، وتزوجها، وكان بها مشغوفاً وفيها يقول: [الطويل] أعايذُ ما شمسُ النَّهارِ إذا بدتْ ... بأحسنَ منها بينَ عينيكِ عابداً وما أنتِ إلاَّ دميةٌ في كنيسةٍ ... يطلُّ لها البطريقُ بالليل ساجداً ومنهم عبد الرحمن بن أبي عمار فقيه أهل الحجاز دخل النحاس فعلق فتاة واشتهر بها، حتى مشا إليه مجاهد وعطا وطاووس يعدلونه، فأجابهم بأبيات منها: [البسيط] يلومني فيكِ أقوامٌ أُجالسهم ... فما أبالي أطالَ الَّلومُّ أم وقعا فاشتراها له عبد الله بن جعفر، وزينها ودخل إليه عبد الله بن أبي عمار في جملة الناس، فلما أراد النهوض استجلسه وسأله عن حبها، فقال في اللحم، والدم، والمخ، والعصب، والعظام، فأخرجها إليه وقال هذه هي؟ قال نعم [البسيط] هيَ التي هامَ قلبي مِنْ تذكُّرها ... والنفسُ مشغولةٌ أيضاً بذكراها قال له فخذ بيدها فهي لك، وأمر له معها بماية ألف درهم. ومنهم عبد الله بن الحسين بن علي عليهم السلام، عشق هند بنت أبي عبيدة وفيها يقول: [مجزوء الكامل] يا هندُ إنكْ لوْ سمع? ... ?تِ بعاذلينِ تبايعا هندٌ أحبُّ لي من ... مالي وأهلِي أجمعَا فيها أطعتُ عواذلي ... وأطعتُ قلباً موجعا ومنهم عبد الله القس مر بسلامة فسمع غناءها فرآه مولاه فأدخله فشغف بها وجماله فيها: [الطويل] ألم ترها لا يبعد الله دارها ... إذا طربت من صوتها كيفَ تصنعُ تمدُّ نظامَ الصَّوتِ ثم تردُّه ... إلى صلصلٍ من صوتها يترجعُ ومنهم شريح القاضي كانت عنده زينب التميمية، وكان بها مشغوفاً ولها محباً وفيها يقول: [المتقارب] إذا زينبُ زاراها أهلُها ... حسدت وأكرمت زوَّارها وقد روي أن عائشة بنت طلحة كانت من أجمل الناس، وأحسن النساء صورة، وكانت سيئة الخلق، فغضبت يوماً على زوجها، وخرجت إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآها أبو هريرى، فقال: سبحان الله ما أحسن ما غذاك أهلك! ما رأيت أحسن وجهاً منك. وقد كان مغيث يحب زوجته بريدة، وكان عبداً، فلما عتقتها عائشة خيروها في المقام، أو الفرق، فاختارت فرق مغيث، فاشتد عليها وهام بها، حتى كانت تطوف البيت، وهو وراءها يبكي ودموعه على خديه، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس: "يا عم ما نرى شدة حبه لها وبغضها له، ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمها في معناه أبأمرك يا رسول الله قال لا أنا شافع". وقد قال عليه السلام: "ما خلفت على أمتي فتنة أشد من النساء" وقد قال بعضهم: [السريع] من كان ذا علمٍ بأمرٍ الهوى ... فهو بما ألقاهُ مني عليمُ لم آتِ في الحب بأعجوبةٍ ... الحبُّ في العالم داءٌ قديم وقد أنشد المأمون: [السريع] داءٌ قديمٌ في بني آدم ... صبوة إنسان بإنسانِ وقد تجاوز الأسود، والخاقاني لما عوتب في حبه فقال: [الخفيف] ويكَ أنْ الملامُ يعزِّي الملوما ... ليس جرمي، كما زعمتَ عظيما إنْ أكنْ عاشقاً فلم آيِ إلا ... ما أتتهُ الرجالُ قبلي قديما

أنبياءُ الهدى وخيرةُ خلقِ الله ... والأعظمونَ طرَّاً خلوما فتنتْ صاحبَ الزبورِ في المحرابِ ... إذا ظلَّ للصلاة مقيما ذاتَ فرعٍ بدتْ تحلَّل منها ... بدناً ناعماً وكشحاً هضيما وتراءت على الوليِّ فتاةٌ ... فتنتْ بالجمالِ إبراهيما ولقدْ همَّ يوسفْ بالذي هم ... وقد كان طاهراً معصوما ولقد تيمتْ فؤاد رسول الله ... عرسٌ بنت حارث تتييما أحمد المصطفى، فمن أنا حتَّى ... تنكري أنْ أكونَ عبداً سقيما إنما أكثري التعجُّب ممن ... كان من فتنةِ النساءِ سليما ولآخر: ولائمٍ لامني في الحبِّ قلتُ له ... يا أعظمَ النَّاس فيما لامني حمقا أنا شرَّعتُ الهوى وحدي فتعذلني ... هذا نبيُّ الهدى داوُد قد عشقا كان يقال نِعم حاجب الشهوات غض الأبصار. ونعم قرين المرء الصمت واستقلال الكبير يعرض التعبير، قيل أنه أشير على أعرابية بالتزوج فأنشدت: [مجزوء الكامل] لا تأمروني بالرزالِ فإنَّني ... أريدُ كرامَ القومِ أو أتبتَّلُ أريد فتىً لا يملأُ الهولُ صدرهُ ... يعودُ علينا حلمهُ حين يجهلُ حكي أنه لقي الرشيد موسى بن جعفر بن محمد بن علي بالمدينة، وكان موسى على بغلة، فاستنكر ذلك الرشيد، وقال للفضل: قل له ما الذي دعاك أن تلتقي مع أمير المؤمنين بهذه الركبة؟ فقلت له كيف تلقيت أمير المؤمنين على هذه الدابة، التي أن طلبت عليها لم تلحق، وإن طلبت عليها لم تسبق قال لست بحيث أُطلب، ولا أطلب ولكنها دابة تنحط عن خيلاء الخيلاء، وترتفع عن ذلة الغير، وخير الأمور أوسطها. وكان الأفضل الرقاشي يؤثر ركوب الحمار. فقيل له: إنك يؤثر ركوب الحمار، فقال: هو أجمع الدواب تركب، ويتمهل، وهو أسهل الدواب مرتقى، وأيسرها سقطة، وأهونها غيباً، وأيسرها دراء، يترافع به الجليل، ويتواضع به الناسك، فراكبه تارة كراكب الفرس، وتارة كالماشي، ويقوم به الإمامة اللكما، والعبد الأخرق. قال الأصمعي: رؤي عمر بن العاص راكباً على بغلة قد شمط وجهها هرماً، فقل له: لم تركب هذه، وأنت على فاخرة مصر؟ فقال: إني لا ملك عندي لدابتي ما حملت رجلي، ولا صديقي ما كتم سري، ولا لمرأتي ما أحسنت عشرتي، إن الملك من كواذب الأخلاق. كان لبعض الظرفاء امرأة كبيرة، تحبه، وتأتي إليه، وتمنعه من التفسح، والمداعبة مع النساء وتظهر الغيرة عليه، فأضجرته، وأكثر عليه بذلك، فكتب إلى أبي الفتوح عبد الرحمن بن عبير الهيثم أن يعمل في ذلك شعراً، فقال: [الطويل] ومن عجبِ الأيَّام شمطاءَ قاعدٌ ... تحاول مني الوصلَ، وهي تغارُ إذا أنستني، أوحشتُ منْ أحسبُّهُ ... في من ندايتها إلى نفارُ وفي مثلها يُهوى الجفا، وهو مظلمٌ ... ويُكرهُ ضوءُ الوصل، وهو نهارُ لبدر بن صدقة بن منصور بن دبيس بعدما قتل أبوه وملكت دياره: [مجزوء الكامل] يا غاديين من الشا ... م إلى العراق بشمالي إنّ الأمانة لا تطي? ... ?ق لحملها صمُّ الجبالِ إن جئتم الحللَ الرحا ... مَ ومركز الأمل الطوال ووقوفاً مزدحمِ الوف? ... ود بباب أبلج كالهلالِ قولا لساكنها المؤي? ... د بالبشاشة والجمالِ مالي أرى السعدي من ... جيش الفتى المصريِّ خالِ والقبةُ البيضاء في ... نقضٍ وكانت في كمالِ يا صدقُ لو صدقوا رجا ... لك مثلَ صدقك في النزالِ أو يحملون على اليمين كما ... حملت على الشمالِ دامت لهم عربي? ... ?ة تبقى على مرِّ الليالي لكنَّهم قرُّوا وما ... كرُّوا فتياً للعبيد مع الموالي بأرنو هل خطر وإلا ... ولا خطروا ببالي قالوا فقد قبلوا فقل ... ت إلى الجحيم ولا أبالي للقتل يصلح كلُّ من ... ما كان يصلح للقتالِ قيل لبعضهم: ما العيش؟ فقال: إقبال الزمان وعز السلطان، ومعاشرة الكرام من الخلان. وكان ابن بسام ملقى من حجاب الوزراء، وكان يقصدونه بالحجاب، فحضروا يوماً باب القاسم بن عبد الله في أيام وزارته فحجب، فقال: [الكامل] إنّي أتيتكَ زائراً ومسلِّماً ... ولكي أقوم ببعض حقِّ واجب

فإذا ببابكَ حاجبٌ مسبطرٌ ... فعمود بابكَ في حرم الحاجبِ ولئن رأيتكَ راضياً بفعالهِ ... فتمام بابكَ في حرمِ الصاحب وله أيضاً في سعد حاجب الخاقاني الوزير، وكان أسوداً: [الكامل] يا سعدُ إنَّك قد حجبتَ ثلاثةً ... كلا قتلتَ وفيك رسمٌ لائحُ وأتيتَ تحجبُ رابعاً لتثيرهُ ... فارفق به فالشيخ شيخٌ صالحُ يا حاجب الوزراء إنك عندهم ... سعدٌ ولكنْ أنتَ سعدُ الذابحُ وفيه يقول البحتري: [المتقارب] ولمَّا وقفنا ببابِ الوزيرِ ... وقد كشفَ السترُ أو جانبهُ ظللنا نُرجم فيك الظُّنون ... أحاجِمُهُ أنتَ أم حاجبهُ قيل للأعرابي: اتق الحساب، قال: ومن يحاسبني؟ قيل الله (عز وجل) ، قال: إن الكريم إذا حاسب تفضل. قدم رجل إلى بعض الولاة، فأراد ضربه فقال: تأنَّ أيها الأمير، فإن التأني من الولاة صدقة. قيل أتي سليمان بن عبد الملك برجل قد عفا عنه مرة بعد مرة، فأمر بضرب عنقه، فقال الرجل: الله، الله يا أمير المؤمنين، قال: أوليس قد عفوت عنك مرة بعد مرة،؟ فقال الرجل: أوليس فداء لك مني مرة بعد مرة يا أمير المؤمنين؟ قال: صدقت، وخلا سبيله. قال الربيع بن أنس كنا في يوم عيد وقوفاً على رأس المنصور، والناس سماطان على مراتبهم، والمهدي جالس على وسادة، إذ أقبل صالح بن منصور، وهو الذي يدعى المسكين، وقد كان المنصور يرشحه لبعض الأمر، فقال بين السماطين، فسلم فأحسن السلم، ثم استأذن في الكلام، فأذن له المنصور فأجاد، فمد المنصور إليه، ثم قال له: يا بني ادنُ مني، فلما أدناه اعتنقه، ثم أقعده بين يديه ونظر إليه المنصور، ثم نظر في وجه من كان بحضرته من أهل بيته وغيرهم، هل منهم أحدٌ يثني على صالح ابنه لحسن كلامه وبلاغة نظامه، فكلهم هاب المهدي فقام عقال بن شبة بن عقال، فقال لله در خطيب قام آنفاً ما أفصح لسانه، وأحسن بيانه، وأمضى جنانه، وأبل ريقه، وأسهل طريقه، وحق لمن كان أمير المؤمنين أباه، والمهدي أخاه أن يكون، كما قال الشاعر: [البسيط] هوَ الجوادُ فإنْ تلحق بشأوهما ... على تكاليفهِ من مثله لحقا أو يسبقاهُ على ما كان من مهلٍ ... فمثل ما قدما م صالحٍ سبقا قال الربيع: فأقبل علي أبو عبيد الله وزير المنصور، وكان إلى جانبي وقال: ما رأيت مثل هذا الرجل، ولا سمعت أحسن من نظامه، إنه أرضى أمير المؤمنين، ومدح الغلام، وسلم من المهدي، ثم أقبل المنصور علي فقال: يا ربيع لا ينصرف التميمي إلا بثلاثين ألف درهم، فما انصرف، حتى حملت إليه معنا. رأيت بخط شيخنا شيخ الإسلام أبي الوفا علي بن عقيل رحمه الله، قال: ذكر أبو بكر الخطيب في تاريخه بإسناده، عن عمر بن الهياج بن سعيد، قال: أتت امرأة من ولد جرير بن عبد الله البجلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شريك القاضي، وهو بالكوفة، فقالت: أنا بالله، ثم بالقاضي، وذكرت نسبها ورددت الكلام، فقال لها: أيها عند الآن من ظلمك؟ فقالت: الأمير موسى بن عيسى، وهو ابن أخي المنصور، كان لي بستان على شاطئ الفرات لي فيه نخل، ورثته عن آبائي، وقاسمت أخوتي، وبنيت بيني وبينهم حائطاً، وجعلت فيه غارساً يحفظ النخل، ويقوم ببستاني. فاشترى الأمير موسى بن عيسى من أخوتي جميعاًَ وساومني، وأرغبني، فلم أبعه، فلما كان في هذه الليلة، بعث فاعل، فاقتلعوا الحائط، فأصبحت لا أعرف من بخلي شيئاً، واختلط بنخل أخوتي، فقال شريك: يا غلام، آتني بطيئة وختم عليها، ثم قال لا أمضي إلى بابه، حتى يحضر معك، فجاءت المرأة بالطينة إلى بابه، فأخذها الحاجب ودخل على موسى، وقال: أعدا شريك عليك. فقال: ادع لي صاحب الشرطة، فدعاه، فقال امض إلى شريك، وقل سبحان الله ما رأيت أعجب من أمرك، امرأة ادعت دعوى لم تصح ادعيتها علي. فقال له صاحب الشرطة: إن رأى الأمير أن يعفيني من لقائه فليفعل، فقال امض، ويلك فخرج، وأمر غلمانه أن يتقدموا إلى الحبس بفراش وغيره، فلما وقف بين يدي شريك، وأدى الرسالة، فقال يا غلام خذ بيد هذا وضعه في الحبس، فقال قد والله يا عبد الله عرفت أنك تفعل بي هذا، فقدمت عليه، وبلغ موسى الخبر فوجه بالحاجب إليه، وقال: قل له هذا من ذاك رسول أي شيء عليه، فلما أدى الرسالة، قال يا غلام ألحقه بصاحبه في الحبس.

فلما صلى الأمير العصر، بعث إلى الحسن بن الصباح الأشعثي وجماعة من وجوه الكوفة، وأصدقاء شريك من العلماء، والقراء، فقال لهم: امضوا إليه وبلغوه السلام، وأعلموه أنه قد استخف بي، وأني لست كالعامة فمضوا، وهو جالس في مسجده بعد العصر، فأبلغوه الرسالة، فلما فرغوا قال لهم، فما لي إلا أراكم جئتم في غيره في الناس كلمتموني من هنا من فتيان الحي فليأخذ كل واحد منكم بيد رجل منهم، واذهبوا بهم إلى السجن، لا، والله لا بتم إلا فيه، قالوا: أجاداً أنت حقاً؟ قال: نعم، حتى لا تعودوا برسالة ظالم، فحبسهم، فركب الأمير موسى بن عيسى في الليل وفتح باب الحبس، وأخرجهم جميعاً، وجاء من الغد السجان إلى شريك في مجلس القضاء، فأخبره، فأمر بالقنطر فختمها، ووجه بها إلى منزله. وقال لغلامه: الحقني بثقلي إلى بغداد، والله ما طلبنا هذا الأمر منهم ولكن أكرهونا عليه، ولقد ضمنوا لنا الإغراء فيه إذا تقلدناه لهم، ومضى نحو قنطرة الكوفة يريد بغداد، فبلغ الخبر موسى بن عيسى فركب في موكبه فلحقه، وجعل يناشده الله، وقال يا أبا عبد الله، تثبت انظر إلى أخوانك تحبسهم دع أعواني قال نعم، لأنهم مشوا لك في أمر لم يجب عليهم المشي فيه، ولست ببارح، أو يردوا إلى الحبس، وإلا مضيت إلى أمير المؤمنين فاستعففته مما جعله إلي فأمر بردهم إلى الحبس، وهو، والله واقف مكانه، حتى جاء السجان فأخبره بذلك. فقال لأعوانه خذوا بلجام بغلة الأمير فردوه بين يديه، حتى دخل المجلس وجلس. وقال أين الجويرية المتظلمة من هذا؟ فجاءت، قال هذا خصمك قالت نعم، قال قد حضر مجلس الحكم، ثم قال الأمير أولئك يخرجون قبل كل شيء من الحبس، فقال القاضي أما الآن فنعم، أخرجهم، ثم التفت إلى الأمير فقال ما تقول فيما تدعيه هذه المرأة؟ قال صدقت، قال فترد جميع ما أخذت منها، وتبني لها حيطها في وقت واحد سريعاً، كما هدم، قال: أفعل، قال ما بقي لك شيء؟ قالت بيت الفارس ومتاعه، قال موسى يرد متاعه، ويبنى بيته، بقي لك شيء تدعيه؟ قالت لا وجزاك الله خيراً عن المسلمين، قال قومي لشأنك، ثم أخذ شريك بيد موسى بن عيسى فأجلسه في صدر المجلس، ثم قال السلام عليك أيها الأمير تأمر بشيء ليمتثل؟، قال له موسى: بأي شيء وضحك وانصرف راضياً بفعل شريك. يقال: إن المروءة عشرة خصال: الحلم، والحياء، والصدق، والسخاء، وترك الغيبة، وحسن الخلق، والعفو عند المقدرة، وبذل المعروف، وإنجاز الوعد، وكتم السر. حكي عن الحسن بن سهل أنه لما ودع المأمون فبلغ نهاية التشييع، فقال المأمون ألك حاجة يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين تحفظ علي من قلبك لا أستطيع حفظه إلا بك. كتب عبيد الله بن عبد الله بن ظاهر إلى موسى بن بغا معزياً له غير أخيه أبي نصر، ومهنئاً له بإحضار الخلافة إلى المعتمد على الله، لئن كانت الأيام أعزك الله، أساءت الرزية، لقد أحسنت العطية، أو قاربت المنية، لقد بلغت الأمنية، فأعطت بكف وثنت كفاً، فلا زلت مشمولاً بالنعم، مغموراً بالكرم. حتى يكون كل يوم من أيامك موفياً في الفضل على أمسه، مقصراً عن فضل غده، وأمسه. كتب رجل إلى صديق له، قد كنت أستعيذك ظالماً، فتحكم لي، وقد استعذيتك مظلوماً، فضاق عني عدلك، وقد ذكرت، قول الشاعر: [الخفيف] كنت من كربتي أفرُّ إليهم ... فهمُ كربتي فأينَ الفرارُ؟ وكتب آخر إلى من وعده بوعد ومطله كفا بالتأويل موجباً للمأمول، فكيف بالموعود الممطول. وكتب آخر إلى صديف له لا تستقل لنا براً فإنا لا نستكثر على قبوله شكراً. يقال أن الحمية أحد العلتين. هذه رقية للنار الفارسي، والنملة، وهي مجربة متداولة: تعقد عند عاقولة في يوم الأحد وتحفر على أصلها بحديدة، وتقول وأنت تحفر هذه الكلمات: توميد، الدوريدك، برذم، شرندم، هلميسة، وخشك، يانسي، نوشفا، توشفا عن فلان بن فلانة، أو فلان بنت فلانة، وتقطع العاقولة، وتثقل عليها، وتركي وأكثر ما يفعل ثلاثة آحاد فإنه يبرأ بإذن الله تعالى.

قال طاووس اليمامي، رأيت علياً كرم الله وجهه على المنبر بالكوفة، وقد خطب خطبة بليغة، قال فيها: معاشر الناس عشر خصال تقبح، قيل ما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: الغدر بالأشراف، والخدعة بالعلماء، والكبر في الأبرار، والشح بالملوك، والبخل بالأغنياء، والإزراء بالفقراء، والسفاهة بالشيوخ، والفجور بالقراء، والكذب بالقضاة، والعجلة في الأمراء. قال الأمير عمر بن هبيرة لبعض عماله: اتخذ كاتباً، ولا تكونا نارين فتحرقا، ولا مائين فتغرقا، ولا تنفتحا، وكن ناراً وليكن ماء، وول عملك أهل البيوتات فإن عدلوا، فذاك الظن بهم، وإن لم يفعلوا كان لك عذر في توليتهم، ويكن حاجبك طلق الوجه، ينزل الناس منازلهم. فإن حاجب الرجل وجهه قيل أن يرى فليكن وجهك حسناً، ومره أن يتلقى بالبشر، ومره أن يستقبل مصافيك ومخالصيك جذلاً مسروراً، وأن يقضي حوائجهم، ويقرب مجالسهم، بل يوجه من يكون ذلك طبعاً فيه، ولا يكون عليه مؤونة له من نفسه. يحكى أن رجلاً وقف بين يدي الوزير مسعدة، وقد ركب في موكبه، وأظهر من الكبرياء، والجبروت ما يخرج عن حد العادة فأنشد: [الوافر] لا تناها فوق حالك حال ... كمل الوزن وامتلأ المكيال مثل شمس النهار لما استقلت ... في ذراها فليس إلا الزوال وحكي عن بعض الكتاب أنه وقع إلى قاضي قم: أيها القاضي بقم قد عزلناك فقم، فقال القاضي: والله ما أراد عزلي وإنما التطابق بالسجع حمله على ذلك، فما مضت أيام عدة حتى أعاده. يقال: من استطال عليك بصورته، وبخل عليك بفضله، ففي التصاوير مثله كثير أنشد ابن الأعرابي: [الطويل] حملت جبال الحب منك، وإنّني ... لأعجز عن حمل القميص وأضعف وما الحب من حسنٍ ولا من ملاحةٍ ... ولكنه شيءٌ به الروح تتلف قال بعض الحكماء: من فعل ما شاء لقي ما لا يشاء. وقال بعض الأدباء: أوسع ما يكون الكريم مغفرة. إذا ضاقت بالمذنب المقدرة. ويقال: إن الاستطالة نذالة. قيل للأحنف بن قيس: هل رأيت أحداً أحكم بياناً منك؟ قال: أي والله من تعلمت منه الحلم، قيل من هو؟ قال: قيس بن عاصم المنقري بينما هو محتبٍ بفناء بيته، أُدني بابن له، قيل قتله ابن عم له. فوالله ما تغير له وجه، ولا حل حبوته، ولكنه أمر، بأن يغسل ويوارى، ثم أرسل إلى قاتله لا يجوز أن تجري في الانتقام مجراك في الاعتداء، فأقبل إلينا آمناً، وأخبرونا بالسبب الذي هيجك على ما أحييت، ثم قال: يا غلام اذهب إلى أم القتيل بمائة من الإبل، ليسكن عنها ما تداخلها من اللوعة، ثم أنشأ يقول: [الكامل] إني امرؤٌ لا بطئ حسبي ... دنسٌ يخالطه، ولا أفقُ من منفرٍ في بيت مكرمةٍ ... والفرعُ بيتٌ حوله الغصنُ لا يفطنون لعيب جارهم ... وهم لعين عيوبه فطن خطباء حين يقول قائلهم ... بيض الوجوه أعفه لسنُ قيل لأمير المؤمنين، عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سيد قومك؟ قال: من أحوجهم الدهر إليّ. يقال: من رغب في المكارم فليتجنب المحارم. ويقال: أنعم الناس عيشاً من عاش غيره في ظله. وقد روي أن كعب بن مالك، وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا لما جاء البشير بنزول توبته سجد، وألقى رداءه على البشير. قال عمران بن محمد اليقطيني: رأيت يونس بن المختار، في دار المأمون، ومرتبته أعلى المراتب، قاعداً على الأرض، فقال له الحاجب: ارتفع ي أبا المعلي إلى مرتبتك. فقال: قد رفعني أمير المؤمنين إليها وليس لي عمل بقي لها، فلم لا أكرمها عن القعود عليها إلى أن يتهيأ لي الشكر عليها، فبلغ ذلك المأمون، فقال هذا غاية الشكر وزاد في إكرامه، لمحمود الوراق: [السريع] يا أيها الظالم في فعله ... والظلم مردود على من ظلم إلى متى أنت وحتى متى ... تشكو المصيبات وتنسى النعم أخذ هذا من تفسير الحسن لقوله تعالى: {إن الإنسان لربه لكنودٌ} [العاديات:6] قال: يعود المصائب، وينسى النعم. ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أنظر معسراً إلى ميسرة كان في ظل الله عز وجل". وروي عنه عليه السلام أنه قال من شد على أخيه في التقاضي، إذا كان معسراً شد الله عليه في قبره.

من كتاب النساء في عيون الأخبار

قال أبو معاوية الأسود: إخواني كلهم خير مني، فقيل له كيف ذلك؟ فقال كلهم يرى الفضل على نفسه، ومن فضلي على نفسه فهو خير مني لبعضهم: [الطويل] فلا نغترر بالبشرِ في وجهِ حاسدٍ ... فيردُّ ابتسامَ الثَّغر من غلظة الحقدِ وإن مشرب السُّمِ لا شكَّ قاتلٌ ... وإن هو أحنى نفسهُ لدَّة الشهدِ من كتاب النساء في عيون الأخبار لابن قتيبة بإسناد عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: خير نسائكم العفيفة في فرجها، الغلمة لزوجها. وبإسناده عن الزبير قال: ما دفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله، بمثل منكح صدق، ولا وضع نفسه بعد الكفر بالله، بمثل منكح سوء. ثم قال: لعن الله فلانة ألفت بني فلان بيضاً طوالاً فجعلتهم سوداً قصاراً. وقال رجل: لا أتزوج امرأة، حتى أنظر إلى ولدي منها، فقيل كيف ذلك؟ قال أنظر إلى أبيها، وأخيها، فإنها تجيء بأحدهما. وبإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال ثلاث من الفواقر: جار إن رأى حسنة سترها وإن رأى سيئة أذاعها ونشرها، وامرأة إن دخلت لسنتك، وإن غبت عنها، لم تأمنها وخانتك، وسلطان إن أحسنت لم يحمدك، وإن أسأت قتلك. قال خالد بن صفوان: من تزوج امرأة ليتزوجها عزيزة في قومها، ذليلة في نفسها، أدبها الغنى، وأذلها الفقر حصان من جاراها، ماجنة على زوجها. وقال خالد بن صفوان: اطلب لي بكراً كثيب، أو ثيباً كبكر، لا ضرعاء صغيرة، ولا عجوزاً كبيرة، لم تنفر فتحنن، ولم تفتل فتمتحن، قد عاشت في نعمة، وأدركتها حاجة، فخلق النعمة معها، وذل الحاجة فيها. وقال آخر: يعني امرأة لا تؤهل داراً، ولا تؤنس جاراً، ولا تنفث ناراً، يريد بذلك أن لا تجعل لدارها آهلة بدخول الناس عليها، ولا تؤنس الجيران بدخولها عليهم، ولا تنم، وتغري بين الناس، أنشد ابن الأعرابي: [الطويل] إذا كنت تبغي أيِّماً بجهالةٍ ... من النَّاس فانظر من أبوها وخالها فإنّهما منها كما هي منهمُ ... كقدك تغلاً أو أريد مثالها ولا تطلب البيت الدَّنيئ فعالة ... ولا يدع ذا عقلٍ لرعناء مالها فإن الذي ترجو من المنال عندها ... سيأتي عليهِ شومها وحيالها البكر كالبر تصحنها، وتعجنها، وتخبزها، ثم تأكلها، والثيب عجالة كعجالة الراكب تمر وسويق. ويقال أن المرأة غلٌّ فانظر ماذا تضع في عنقك. وطلق أبو زياد امرأته حين وجدها لثغاء فخاف أن تجيئه بولد ألثغ، وأشد: [الكامل] لثغاء تأتي بجليس ألثغٍ ... يميسُ في الموشَّى والمُصبَّغِ تزوج علي بن الحسين عليهما السلام أم ولد لبعض الأنصار، فلامه عبد الملك على ذلك فكتب إليه، إن الله قد رفع بالإسلام الخسيسة، وأتم النقيصة، وأكرم به من اللوم، فلا عار على مسلم، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج أمته وامرأة عبده، قال عبد الملك بن مروان: علي بن الحسين يشرف من حيث يتضع الناس. قال الأصمعي: كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد، حتى نشأ فيهم علي بن الحسين، والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله فقاموا أهل المدينة فقهاً، وورعاً فرغب الناس في السراري.. ولبعضهم: [البسيط] لا تشمتن بامرئ في أن يكون له ... أمٌ ن الروم، أو سوداء عجماءْ فإنَّما أمهات القوم أوعيته ... مستودعات وللأحساب آباءْ ورب واضحةٍ ليست بمتجبة ... وربما أنجبت للفحل سوداءْ وقال بعضهم لصديق له، وقد شاوره في التزويج، فقال: افعل وإياك، والجمال الفائق فإنه مرعي، فقال: ما نهيتني إلا عما أطلب، قال سمعت قول القائل: [البسيط] وإن تُصادف مرعىً ممرعا ... إلا وجدت به آثار مأكول روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، فإنكم إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفسادٌ كثير". وقال عليه الصلاة والسلام: "الحسب المال، الكرم التقوى". وقال له أم حبيبة: يا رسول الله المرأة منا ما يكون لها زوجان في الدنيا فتموت لأيهما تكون في الآخرة؟ فقال: "لأحسنهما خلقاً يا أم حبيبة، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة". وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تكرهوا فتياتكم على الرجل القبيح فإنهن يحببن، كما تحبون.

قيل لأعرابي: فلاناً خطب فلانة، أمن يسر من دين وعقل قالوا نعم، قال: فزوجوه. أوصى الديان بن قطن الحارثي ابنته، فقال: يا بنية لا يعلون صوتك على صوت زوجك، ولا يكون أمرك على أمره، واعلمي أن كرام النساء المغلوبات لا الغالبات، فإن أعطاك يسيراً، فاستزيدي، ولا تحقري، وإن أكثر لك فاشكري، ولا تبطري، وإن ساءتك منه خليقة، فكوني به رقيقة، واعلمي أن جواداً معسراً خيراً من عشرة مياسر بخلاء. كان عمر رضي الله عنه لا يجيز نكاحاً عام سنة، يقول: لعل الضيقة تحملهم على أن ينكحوا غير الأكفاء. خطب رجل، فلم يرضيه، وكان في عام جدب، فأنشأ يقول: قل للذين أتوا يبغون رخصتها ... ما أرخص الجوع عندي أم كلثومِ الموت خير لها من بعد منقصة ... سيقت إليه أبا ياجلةٍ كومِ خطب خالد بن صفوان امرأة، فقال: أنا خالد بن صفوان، والحسب على ما قد علمت وكثرة المال على ما بلغت، وفي خصال سأبينها لك، فتقدمي علي أو دعي، قالت: وما هن؟ قال: إن المرأة إذا دنت مني أملتني، وإن تباعدت عني أعلتني، لا سبيل إلى درهمي وديناري، وثاقي على ساعة من المال، لو أن رأسي بيدي لنبذته، فقالت: قد فهمنا مقالتك، ووعينا ما ذكرت، وفيك الحمد لله خصال ما يرضى بها لبنات إبليس فانصرف، أصلحك الله وقال لبعض العرب يخاطب امرأته: [المتقارب] فإما هلكت فلا تنكحي ... ظلوم العشرة حسادها يرى مجده ثلب أعراضها ... لديه وينغص من سادها قال رجل للحسن: إن لي بنية، وإنها تخطب، فمن أزوجها؟ قال: من يتق الله، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها. قال إبراهيم بن ميسرة قال لي طاووس لتنكحن، أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوايد ما يمنعك من النكاح إلا عجزاً وفجوراً. قالت عائشة رضي الله عنها: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة كلب، فبعثني أنظر إليها، فقال: كيف رأيت؟ قلت: ما رأيت طائلاً، فقال: "لقد رأيت طائلاً، ولقد رأيت خالاً بخدها، حتى اقشعرت كل شعرة منك على حدة" فقلت: ما دونك ستر، ولا سر. قال عون بن عبد الله: كان يقال من كان في صورة حسنة ومنصب لا يشينه، ووسع عليه في رزقه، وكان من خالصة الله تعالى ولبعضهم: [المتقارب] تخبر من فيهم حسنة فتاةٌ ... وحق له أن يتيها رائي نفسه ورائي غيره ... فلم ير فيه لشيءٍ شبيها وفي معناه: ولما رآك العاذلون حجتهم، بوجهك، حتى كلهم لي عاذر. قال الزبير بن بكار: قال جميل بن معمر: ما رأيت مصعباً يحتال بالبلاط، إلا غرت على بثينة بالجناب وبينهما مسيرة ثلاث. قال العتبي: حدثنا أبو الغصن الأعرابي قال: خرجت حاجاً لبعض السنين، فلما مررت بقباء، تداعى أهله، وقالوا الصقيل، فنظرت فإذا جارية كأن وجهها سيف صقيل، فلما رميناها بالحدق، ألقت البرد على وجهها، فقلنا لها إنا سفر وقينا أجر فأمتعينا بوجهك فانصاعت، وأنا أغرق الضحك في وجهها وعينها، وهي تقول: [الطويل] وكنت، متى أرسلت طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر رأيت الذي لأكله أنت قادرٌ ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر ومر رجل فرأى فتاة من أحسن النساء، وأجملهن، فوقف ينظر إليها، فقال له عجوز من ناحية ما يقيمك على العراك النجدي، ولاحظ لك فيه، فقالت الجارية دعيه، يا أمتاه يكن لقول ذي الرمة: [الطويل] وإن لم يكن إلا تعلل ساعة ... علي فإني نافع لي قليلها قال جعفر بن محمد بن الجمال: مرحوم، قال: الأصمعي، خاصم رجل على امرأته إلى زياد فكأنه مال على الرجل، فقال له الرجل: أصلح الله الأمير، إن خير نصفي بني الرجال آخرهما يذهب حجله، ويثوب حلمه، ويجتمع رأيه، وإن شر نصفي بني الامرأة آخرهما يسوء خلقها، ويحد لسانها، ويعقم رحمها، فقال: اسفع بيدها. وقد قال بعض الأعراب: [البسيط] لا تنكحن عجوزاً إن أتوك بها ... وإن حبوك على تزويجها الذهبا فإن أتوك، وقالوا إنها نصفٌ ... فإن أطيب نصفها الذي ذهبا ذكر بعض الأعراب امرأة فقال: خلوت بها، والقمر يرنيها، فلما غاب أرتنيه. طلق أبو الخندق زوجته، فقالت بعد صحبة خمسين سنة، فقال هذا ذنبك عندي لا غير.

قال ابن الكلبي خطب دريد بن الصمة، خنساء بت عمرو، فبعثت جاريتها إليه فقالت: انظري، إذا بال يقعر أم يبعثر؟ قالت الجارية: بل يبعثر، فقالت: لا حاجة لي فيه. ولبعضهم هو أبو تمام: [الكامل] أحلى الرجال من النساء مواقعاً ... من أشبههم بهن خدودا آخر: [البسيط] أرى شيب الرجال من الغواني ... بموضع شيبهن من الرجال آخر: كفى لذي الشيب ذنباً عند غانية ... وبالشباب شفيعاً أيها الرجل وقيل كانت لبعض الأعراب امرأة تشاوره، وتؤذيه، وقال قد أسن وامتنع عن النكاح، فقال له صاحبه أما نصلح بينكما؟ قال: لا، قال له: ولمَ؟ قال: لأن لذي كان يصلح بيننا قد مات. يعني ذكره. عوتب بعضهم على ترك لحيته بيضاء، فقال: [الوافر] وقائلة لي اخضب فالغواني ... نوافر عن ملاحظة الفتير فقلت لها الفتير نذير عمري ... ولست مسوداً وجه النذير قال العتبي حدثني أبي عن الحكم بن صخر الثقفي قال: خرجت حاجاً متخفياً، فلما كنت ببعض الطريق لقيتني جاريتان من بني عقيل لم أر أحسن منهما وجهاً، ولا أظرف ألسناً، ولا أكثر علماً فقصدت لهما يومي وكسوتهما، ثم حججت من قابل معي ومعي أهلي، وقد أصابتني علة نصل حضابي، فلما صرت إلى ذلك الموضع، إذ أنا بإحداهما قد دخلت علي، فسألتني مسألة منكر، فقلت فلانة، فقالت فداك أبي أو تعرفني، وأنكرك؟ فقلت: أنا الحكم بن صخر، قالت إني رأيتك عام أول شاباً سوقة، وأراك العام شيخاً ملكاً، وفي دون هذا ما ينكر المرء صاحبه. قلت: فما فعلت أختك، قالت: تزوجها ابن عم لها وخرج بها إلى أضاح، فذلك حين أقول: [الطويل] إذا ما قفلنا نحو نجد وأهله ... فحسبي من الدنيا قفول إلى نجد فقلت لو أدركتها تزوجتها، قالت: فما يمنعك من شقيقتها في حسنها ونظرتها إلى جمالها، تعني نفسها، قلت بمعنى كثير: [الطويل] إذا وصلتنا خلة لي يزيلنا ... أبينا وقلنا الحاجبية أول قالت وكثير بيني وبينك أليس هو القائل: [البسيط] هل وصل عزة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها خلف قال: فسكت عن جوابها. حكى الأصمعي عن بعض أشياخ أهل البصرة: أن رجلاً وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء العراق، وكانت المرأة حسنة المتنقب، قبيحة المسفر، وكان لها إنسان فكأن الأمير مال معها، فقال يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة، فيتزوجها، ثم يسيء إليها، فأهوى روحها، فألقى النقاب عن وجهها، فقال الأمير: لعنة الله كلام مظلوم، ووجه مظلوم. وقال أعرابي يذم امرأة لها جسم برغوث وساق بعوضة ووجه كوجه القرد بل هو أقبح: لها جسم برغوث وساق بعوضة ... ووجه كوجه القرد بل هو أقبح تبرزق عينيها إذا ما رأيتها ... وتعبس في وجه الضجيج ويكلح وتفتح لا كانت، فما لو رأيته ... توهمته باباً من الدرب يفتح وما ضحكت في القوم إلا صننتها ... أمامهم كلباً يهر ويسنح إذا عاين الشيطان صورة وجهها ... تعوذ منها حين يمسي ويصبح وقد أعجبتها نفسها فتملحت ... بأي جمال ليت شعري تملح ورأى أعرابي امرأة في شارة وهيئة، فظن بها جمالاً، فلما أسفرت إذا هي غول، فقال: [الطويل] فأظهرها ربي بمن وقدرة على ... ولولا ذاك مت من الكرب فلما بدت شحت من قبح وجهه ... وقلت لها الساجور خير من الكلب قال عبد الملك بن عمير: قدم علينا الأحنف بن قيس الكوفة مع مصعب بن الزبير، فما رأيت خلة تذم إلا ورأيتها فيه، كان أصلع الرأس متراكب الأسنان أشدق، مائل الذقن، ناتئ الجبهة، ماحق العين، خفيف العارضين، أحنف، ولكنه كان إذا تكلم جلا عن نفسه، وقال له رجل يوماً (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه) . فقال له: وما ذممت مني يا ابن أخي، الدمامة وقصر القامة، ثم قال له: لقد عبت علي ما لم أومر فيه. قيل لإياس بن معاوية بن قرة: فيك أربع خصال: دمامة، وكثرة كلام، وإعجاب بنفسك، وتعجيل بالقضاء، قال: أما الدمامة، والأمر فيها إلى غيره لم يكن من صنعتي، وأما كثرة الكلام فبصواب أتكلم أم بخطأ قالوا بصواب قال: فالإكثار من الصواب أمثل، وأما إعجابي بنفسي أفيعجبكم ما ترون مني؟ قالوا: نعم، قال: فإني أحق أن أعجب بنفسي.

وأما قولكم أنك تعجل بالقضية فكم هذه، وأشار إلى أصابعه قالوا خمسة قالوا أعجلتم ألا قلتم اثنين وثلاثة، وأربعة وخمسة قالوا ما تعد شيئاً قد عرفناه، قال فكذلك لا أحبس شيئاً قد تبين لي فيه الحكم. وفي رواية الحاجب بن العلاف عن الحمامي بإسناده عن موسى عليه السلام قال يا رب دلني على عمل، فأوحى الله إليه: عليك باللطف، بالصبيان فإني جعلتهم على فطرتي، وإن توفيتهم على رحمتي. قال أبو الأسود الدؤلي لابنته إياك والغيرة، فإنا مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، والطيب، فإن أزين الزينة الكحل، وأطيب الطيب، إسباغ الوضوء، وكوني، كما قلت لأمك: [الطويل] خذي العفو مني تستديمي مودتي ... ولا تنطقي في سورتي حين أغضب ولا تنقريني نقرة الدف مرة ... فيا باك قلبي، والقلوب تقلب فإني وجدت الحب في الصدر والأذى ... إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب وأي فتاة لا توقر بعلها ... وتكرمه إلا ويوماً ستعطب ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "المرأة خلقت من ضلع عوجاء فإن تحرص على إقامتها تكسرها فدارها تعش بها". وأنشد ابن الأعرابي: [الطويل] هي الضلع العوجاء تقيمها ... إلا أن تقويم الضلوع انكسارها أيجمعن ضعفاً واقتداراً على الفتى ... أليس عجيباً ضعفها واقتدارها قال عمر رضي الله عنه النساء عورة فاستروا عوراتهن بالبيوت، وداووا ضعفهن بالسكوت. وفي حديث آخر لعمر، لا تسكن نساءكم الغرف، ولا تعلموهن الكتابة، واستعينوا عليهن بالجوع، والعري فإنهن إذا جعن لا يمرحن، وإن عرين لم يتبرجن. في كتاب (حلة الأولياء) عن يزيد الرقاشي عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لقم أخاه لقمة حلو صرف الله عنه مرارة الموقف يوم القيامة". وبإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من خدم مؤمناً، أو خف له من شيء من حوائجه كان حقاً على الله أن يخدمه وصيفاً في الجنة". قبل أبو المعيثل يد طاهر بن عبد الله، فقال له: قد أذت خشونة شاربك يدي، قال إن شوك القنفذ لا تضر ببرثن الأسد. قال يحيى بن زياد لمطيع لا مرحباً بعيش أنفرد به عنك، ويوم لا أكتحل فيه بك. حكى عن الرئيس الأجل الكافي أبو دلف محمد بن هبة الله ابن رهمويه قال: أهديت لبعض الصدور بطيخاً بعد أن بذلك الجهد في انتقائه وانتخابه فأخلف، ولم يكن كظاهره فعاتبني في ذلك فكتبت إليه: [الطويل] لك الخير لم أترك مزيداً لناظرٍ ... فخير حسناً ظاهراً عن مغيب خلقن كأمثال النساء فكم ترى ... جمالاً له ضد القلي، والتجنب ومن منظر شينٍ وعند مراسه ... يسيغك في اللذات أعذب مشرب ولو أني أستطيع فض ختامها ... لجاءك منها كل عنقاء مغرب قيل كان عند الحجاج منجم، فأخذ الحجاج حصيات بيده، قد عرف عددها، فقال للمنجم: كم بيدي؟ فحسب فأصاب، ثم اعتقله الحجاج، فأخذ حصيات لا يعرف عددها، وقال للمنجم، كم بيدي فحسب فأخطأ، ثم حسب فأخطأ، فقال: أيها الأمير أظنك لا تعرف عددها في يدك، قال له الحجاج: فما الفرق بينهما؟ قال إن ذاك أحصيته فخرج عن حد الغيب، وإن هذا لا تعرف عدده فصار غيباً ولا يعلم الغيب إلا الله عز وجل: [البسيط] لا تأمنن إلى هذا الزمان ولا ... أبنائه أبداً واستعمل الحذرا فإن أبيت فجرب من تفضله ... حتى يقول لك التجريب كيف ترا قال ميمون بن مهران: كنت عند عمر بن عبد العزيز، فقال لآذنه انظر من بالباب، فقال رجل قد أناخ قبيل رحل، قال سله من أين هو؟ قال ابن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ائذن له، فلما دخل قام عمر، وأخذ بيده، وأجلسه معه، وقال حدثني ما سمعته من أبيك وسمعه أبوك من النبي صلى الله عليه وسلم، قال حدثني أبي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من ولي شيئاً من أمور الدنيا للمسلمين، ثم حجب عنهم حجب الله عز وجل عنه يوم القيامة". فما رأى على بابه حاجب حتى مات. في القيام للزائر قال أنس: استأذن علي عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه قام فاعتنق ودخل يمسح وجهه بوجهه صلى الله عليه وسلم.

وقال المنصور حدثني أبي قال ابن علي عن أبيه علي بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن العباس قال كنت أنا، وأبي العباس بن عبد المطلب جالسين عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ دخل علي بن أبي طالب عليه السلام فسلم فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستبشر به وقام إليه واعتنقه، وقبل بين عينيه، وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله أتحب هذا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عم رسول الله، والله الله أشد حباً له مني، إن الله عز وجل جعل ذرية كل نبي من صلبه، وجعل ذريتي من صلب هذا ". قالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ما رأيت أحد أشبه كلماً وحديثاً لرسول الله من فاطمة عليها السلام، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها فقبلها، ورحب بها، وأخذ بيدها، فأجلسها في مجلسه، وكان هو إذا دخل إليها قامت إليه وقبلته، وأخذت بيده فأجلسته. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما قدم عليه جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، قام إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقبل بين عينيه. وقال أبو سعيد الخدري لما نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ أرسل النبي صلى الله عليه وسلم "قوموا إلى سيدكم" يعني الأنصار. وعن أبي إمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقوم الرجل لأخيه عن مقعده، إلا بني هاشم فإنها لا تقوم لأحد". وقال أبو هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل منزلاً قمنا إليه، حتى يدخل. قال أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي القاضي، قام وكيع بن الجراح، لسفيان الثوري فأنكر عليه قيامه له، فقال وكيع أتستنكر علي قيامي لك، وأنت حدثتني عن عمرو بن دينا عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من إجلال الله عز وجل إجلال ذي الشيبة المسلم" فأخذ سفيان بيد وكيع فأجلسه إلى جانبه، قال الأعشى: [الخفيف] أريحي صلتٌ يظل له النا ... س قياماً قيامهم للهلال وأخذ منه الفرزدق لما قال لسعيد بن العاص: ترى الغر الجحاجج من قريش ... إذا االأمر بالحدثان عالا قياماً ينظرون إلى سعيد ... وكأنهم يرون به الهلالا فقال له مروان: لم ترض أن جلسنا قعوداً ننظر إليه، حتى أقمتنا، قال: وأنك يا أبا عبد الملك منهم. وقال ابن الجارود: [الكامل] ما زلت تحسن، ثم تحسن عائداً ... فأعود شاكر نعمة فتعود فتزيدني نعماً فأشكر جاهداً ... فكذاك نحن تزيدني، وأزيد وتقوم لي كرماً إذا أبصرتني ... متلقياً والأميون قعود حضر جماعة من الكبار، وأهل الفضل، بباب ثعلب النحوي، فلما خرج إليهم، قاموا، فأنكر ذلك، فلما جلس أنشدهم: [المتقارب] فلما بصرنا به مقبلاً ... حللنا الحبا وابتدرنا قياما فلا تنكرون قيامي له ... فإن الكريم يجل إكراما آخر: [الوافر] أتعجب أن أقوم إذا بدا لي ... لأكرمه، وأعظمه هشام فلا تعجب لإسراعي إليه ... فإن لمثله حق القيام وللبحتري في عبيد الله بن يحيى: [الكامل] ومبجل وسط الرجال حقوقهم ... لقيامه وقيامهم ليقعوده فالله يلكؤه لنا ويحوطه ... ويعزه ويزيد في تأييده وللبحتري أيضاً: [الكامل] نفسي فداؤك من عميد رعية ... نجت نجوم العدل في أيامه ملك تقوم له الملوك إذا بدا ... وتخر للأذقان عند قيامه قال أبو أمامة خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوكئ على عصا، فقاموا إليه، فقال: "لا تفعلوا، كما يفعل أهل الفرس بعظمائهم". وقال عبادة بن الصامت: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: قوموا نستغيث برسول الله من هذا المنافق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقام إلى أحد، إنما يقام لله عز وجل". روى معاوية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يستحكم بخادم قياماً وجبت له النار". وقال عبد الله بن الزبير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن تمتثل له الرجال قياماً وليتبوأ مقعده في النار". قال أنس: ما كان أحب شخص إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لا يقومون له، لما يعلمون من كراهيته لذلك صلى الله عليه وسلم.

في تقبيل اليد

اعتنق رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفراً، واصحابه لما قدموا من الحبشة. وقبله بين عينيه. قال العباس بن أبي الفرج الرياشي، أول من عانق إبراهيم، خليل الرحمن صلى الله عليه وسلم وذكر عن تميم الداري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معانقة الرجل للرجل إذا لقيه فقال: كانت تحية الأمم، وخالص ودهم أن أول عانق إبراهيم، وقبل ذلك، كان السجود، هذا لهذا، ثم جاء الله بالصفاح مع الإسلام، لم يسج، ولم يعانق، ولا تفرق الأصابع، حتى يغفر الله لكل مصالح، ولما قدم عمر الشام، تلقاه أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهما على حمار خطوم بجبل من ليف، فنزل أبو عبيدة ونزل عمر، فقال عمر مرحباً برجل لم تضره الدنيا واعتنقه وجلسا يتباكيان، لابن أبي فنن: [المتقارب] خلوت فعانقتها ليلة ... على مثلها يحسد الحاسد كأنا وثوب الدجى مسبل ... علينا لمبصرنا واحد وكفى يجول علي خصرها ... وخدي على خدها راكد فإن هي عادت إلى وصلها ... فكن ضامناً أنني عائد لابن أبي مرة المكي: [الخفيف] وليس عندي النوى بعظيم ... فيه همي وفيه كشف همومي من يكن يكره الفراق فإني ... أشتهيه لموضع التسليم إن فيه اعتناقه لوداع ... وانتظار اعتناقه لقدوم ولكم قبلة وغربة شهر ... هو خير من امتناع مقيم للحسين بن الضحاك: [المنسرح] واجهني إذ بدا بلوغه لا ... وعاد من بعدها إلى نعم أباحني صوته ووسدني ... إحدى يديه وبات ملتزمي فبت في ليلة نعمت بها ... ألثم دراً مفلجاً بفم في تقبيل اليد أسامة بن شريك، قال: قمنا إلى رسول الله فقبلنا يده، وقال عمر: قبلنا يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن عباس: صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم معروفاً إلى رجل فقبل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مرات. وقال بريدة إن أعرابياً قال يا رسول الله ائذن لي فأقبل رأسك، ويدك فأذن له ففعل، وقال صفوان بن عسال: إن قوماً من اليهود، قبلوا يد النبي صلى الله عليه وسلم وكعب بن مالك لما نزلت توبته، وقال أبو شذب لما قدم أبو مسلم البصرة، قال: قد لقي أبو عبيدة وعمر بن الخطاب، قبل يديه، فقبل أتشبه أبا مسلم بعمر بن الخطاب، فقال أتشبهوني أنا بأبي عبيدة. وصلى زيد بن ثابت على أمه، ثم قدمت إليه دابته فأخذ ابن عباس بركابه، فقال زيد بدعة فقال: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال له زيد: أخرج يدك، فأخرجها ابن عباس فقبلها زيد وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم. وقال سليم بن عبد الحميد، رأيت يزيد بن المهلب، قبل يد الحسن، فأخذ له بالركاب وسوى له ثوبه. قال سليم فذكرت ذلك لسوار بن عبد الله، فقال: تلك فضيلة ليزيد بن المهلب، ولما قدم المهلب بن أبي صفرة خراسان. جاءته عجوز من الأزد متوكئة على عصا، فقالت: السلام عليك يا أبا سعيد إني نذرت إن رأيت أن أقبل يدم، وأن تهب لي جارية، فناولها يده فقبلتها ثم أمر لها بجارية، وقال يا عمة إياك ومثل هذه النذر، فليس في كل حين تجدين من يبر نذرك. وقال أبو بكر بن خلاد: رأيت الفضيل بن عياض، قبل يد حسين بن الجعفي يحيى، قال: إن له حقاً علي علمني القرآن. وقيل: أنه دخل رجل من أهل الكوفة على بعض خلفاء بني أمية فقال: يا أمير المؤمنين: يدك أحق بالتقبيل لعلوها في المكارم وطهورها من المآثم، فأنت تمني بقلة التثريب، وتؤثر الصفح عن الذنوب، فمن أرادك بأمر، رده بسوء فجعله الله حصيد سيفك وطريد خوفك. لابن الرومي في عبيد الله بن عبد الله بن طاهر: [الطويل] مقبِّل ظهر الكف وهَّابٌ بطنها ... له راحة فيها الحطيم وزمزم فظاهرها للناس ركن مقبل ... وباطنها عين من العرق غيلم لإبراهيم بن العباس الصولي في الفضل بن سهل: لفضل بن سهل يد تقاصر عنها المثل ... منبسطها للغنى وسطوتها للأجل وباطنها للندى وظاهرها للقبل ومنه أخذ ابن الرومي قوله: [الكامل] أصبحت بين خصاصة وتجمل ... والمرء بينهما يموت هزيلا فامدد إلي يداً تعود بطنها ... بذل النوال وظهرها التقبيلا

في تقبيل الرأس

وحكي أنه دخل عقال بن شبة على هشام بن عبد الملك، فأراد أن يقبل يده فمنعه، وقال: لا تفعل، فإنه لا يفعل هكذا من العرب إلا الهلوع، ونم العجم إلا الخنوع. وقال العتبي: استأذن رجل مروان الجعدي في تقبيل يده فأبى وقال إنها من العرب ذلة، ومن العجم خدعة، ولا حاجة لي أن تذل لي أو تخدعني. وقيل أنه دخل عمران بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع العدوي، على أبي العباس في أول وفد، وفد من المدينة، فأمروا بتقبيل يده فتبادرها وعمران واقف، ثم حياه بالخلافة، وذكر حيه ونسبه، ثم قال: يا أمير المؤمنين إنها والله لو كانت تزيدك رفعة، وتزيدني من الوسيلة إليك ما سبقني بها أحد، وإنك وإنى لغني عما لا أجر فيه، وعلينا فيه منعه، ثم جلس فوالله ما نقص من حظ أصحابه في كراهية التقبيل: وقد كره مالك تقبيل اليدين، حتى تقبيل العبد يد مولاه. وقال سفيان بن عيينة رأيت أبا مسلم في حجته سنة اثنين وثلاثين ومائة، وقد قامت إليه امرأة فقالت: يا أمين آل محمد، إني أنذرت إن رأيتك أن أقبل يدل، فقال قبلي الحجر، فإنك تقضين نذرين تصيبين أجراً. وصاح به رجل يا قاتل الجائرين، فقال له: من هذا إنما ذلك الله، ثم تحفل في الحرم فتحفا الناس، فقبل له في ذلك، فقال: إني سمعت الله سبحانه يقول لموسى عليه السلام {فاخلع نعليك إنك بالوادي المقدس} [طه:12] وهذا الوادي أكرم من ذلك الوادي. في تقبيل الرأس قال أبو رجاء العطاردي: دخلت المدينة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فرأيت رجلاً يقبل رأس رجل، فسألت عنهما، فقيل: عمر يقبل رأس أبي بكر، ويصوبه في قتال أهل الردة، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بين عيني جعفر بن أبي طالب لما قدم من الحبشة، وبين عيني العباس رضي الله عنهما وكان النبي عليه الصلاة والتسليم لا ينام، حتى يقبل عرض وجه فاطمة عليها السلام. ودخل أبو بكر الصديق على عائشة وهي مضجعة محمومة، فأكب عليها فقبل خدها، وقال: كيف تجدينك يا بنية. وقبل عليه السلام الحسن بن علي، والأقرع بن حابس التميمي جالس، فقال إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحد منهم قط، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من لا يرحم لا يرحم". وقبل عبد الله بن عمر سالماً، وهو شيخ، ويقول شيخ يقبل شيخاً. قيل: لا تجالس عدوك فيحفظ عليك عيوبك، ويمار بك في صوابك. ولبعضهم: [الكامل] شر العداوة ما أرتك محبة ... وطوت على البغضاء والشنآن يأتيك صاحبها ليحفظ زلة ... وتراه زاد زيادة الأخوان سمع أعرابي رجلاً ينادي على جارية له يريد بيعها: [الطويل] هي الجمر حراً إذا أردت حرارة ... وأضيق من سم الخياط مضيقها وأيبس من صم الحنادل مهبلاً ... وألين من خز العراق قليقها وأظهر من يمشي على الأرض غلمة ... وأعذبهم ريقاً إذا مص ريقها وقال بعض الأدباء الغربة ذلة، فإن أردفتها قلة، وأعقبتها علة، فهي نفس مضمحلة. وقال آخر لا تنهض عن وكرك، فتنتقصك الغربة، وتضنيك الوحدة، ويقال أن الخالي عن مسقط رأسه كالعير الناشز عن موضعه الذي هو لكل سبع فريسة، ولكل كلب قنيصة، ولكل رام رمية. لبعضهم: [الطويل] وإن اغتراب المرء من غير خلة ... ولا همة تسمو لها لعجيب وحسب الفتى ذلاً وإن أدرك ... الغنى ونال ثراء أن يقال غريب قيل للعباس ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أكبر، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هو أكبر مني، وأنا ولدت قبله، وقيل الحجاج للمهلب أنا أطول منك أم أنت؟ فقال المهلب الأمير أطول مني، وأنا أبسط قامة. وقيل إنه وقف المهدي على امرأة من بني ثعل، فقال لها: ممن العجوز؟ قالت من طي، قال ما منع طياً أن يكون فيها آخر مثل حاتم؟ قالت: الذي منع العرب أن يكون فيها مثلك، فأعجب بقولها، ووصلها. وقدم قوم من العراق على عمر بن عبد العزيز فنظر فيهم إلى شاب يريد الكلام، فقال له عمر: الكبر الكبر تعني دع يتكلم أولو الأسنان، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، ليس الأمر بالسن، ولو كان كذلك تولى هذا الأمر من هو أسن منك، قال له: صدقت بارك الله فيك.

فقال: إنا وفد العراق، لم نأتك لرغبة ولا رهبة، لأن الرعية قد أحضيت من بلادنا، وحصلت لنا بفضلك والرهبة قد أمناها بعد لك. قال: فما أنتم؟ قال: وفد الشكر، فقال: عمر الله أنت، فما أحسن منطقك، وانشد عمر رحمة الله عليه: [الطويل] تعلم فليس المرء يولد عالماً ... وليس أخا علم كمن هو جاهل وإن كبير القوم لا علم عنده ... صغيراً إذا التفت عليه المحافل روي أن مصعب بن الزبير أخذ رجلاً من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه، فقال أيها الأمير ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة فأتعلق بأطرافك، وأقول يا رب سل مصعباً فيم قتلني؟ فقال: أطلقوه، فقال: أيها الأمير اجعل ما وهبت لي من عمر في حفظ، فقال أعطوه مائة ألف درهم، قال بأبي أنت، أشهدك أن لابن قيس الرقيات نصفها لقوله فيك: [الخفيف] إنما مصعب شهاب من الله ... تجلت عن وجهه الظلماء ملكه ملك رأفة ليس فيه ... جبروت يخشى، ولا كبرياء يتقي الله في الأمور وقد أفل ... ح من كان شأنه الاتقاء فضحك مصعب وقال: تلطفت، وإن فيك موضعاً للصنيعة، وأمر له بمائة ألف درهم أخرى، ولابن قيس الرقيات بخمسين ألفاً. دخل رجل على خالد بن عبد الله القسري، في دية، فقال خالد: يا غلام هات ألف دينار، فأحضرت في كيس، فقال بعض جلساء خالد، فوالله ما رأى حاتم مثلها، فقال الرجل: حاتم، والله أكرم من أن يجتمع عنده مثلها، قال ابن المقفع: وجدت المودة بين الكرام، بمنزلة آنية الذهب، بطيء الانكسار، بطيء الانجبار. سئل أفلاطون عن الأصدقاء، فقال: نفس واحدة في أجساد متفرقة. قال الاسكندر لأصحابه: أيما أفضل، العدل، أو الشجاعة؟ فقالوا: إذا استعمل العدل، استغني عن الشجاعة. دخل على الاسكندر بطارقته فقالوا: أيها الملك قد بسط الله ملكك، فأكثر من النساء ليكثر ولدك، قال لا يحسن بمن غلب الرجال أن تغلبه النساء. حكى الزبيريون أن امرأة عرضت لكثير عزة فقالت: أنت القائل: [الطويل] فما روضة بالحزن طيبة الثرى ... تمج الندى جئجائها وعرارها ما حسن وجهاً أو ما عذب ريقة ... لعزة لما أتحفت بمرارها لبعضهم: [الرمل] صاح إن الدهر لا تعرفه ... فخذ الصفو ودع عنك الكدر كمخطوب قد تصوبت لها ... وهي مثل الثمار ترمي بالشرر خذل الإخوان فيها كلهم ... وأعان الله فيها ونصر يروى أن علياً عليه السلام دخل على أبي بكر الصديق رضي الله عنه بعد البيعة، فقال أبو بكر: والله يا أبا الحسن، إن عصابة أنت فيها لمعصومة، وأمة أنت فيها لمرحومة، وإنا نخاف الله إذا غضبت، ونرجوه إذا رضيت، ولقد حط الله عن كاهلك، ما أثقل به ظهري، ولولا أني جذبت لهذا الأمر، لما أجبت إليه، وإنا إليك لمحتاجون، وبفضلك عالمون، وعلى الله في أحوالنا متوكلون. في ذكر المعاريض: ساوم رجل رجلاً في ناقة له، فقال له: كيف لبنها؟ قال احلب في أي إناء شئت، قال: وكيف سيرها؟ قال إذا رأيتها في الإبل عرفتها من غيرها، قال كيف ظهرها؟ قال افرش ونم، فقال فكيف حملها؟ قال: علي أحمل الحائط ما شئت فاشتراها فلم يجد شيئاً من ذلك فاستقاله فأقاله. وسئل ابن شبرمة عن رجل، فقال له: بين وقدم وشرف. يعني بيتاً يسكنه، وقدماً يمشي عيه وشرفه أدناه ومتكاه. لبعض الشعراء: [الطويل] وما الحلي إلا زينة لنقيصة ... يتمم حسناً حيث ما الحسن قصرا فأما إذا كان الجمال موفراً ... لحسنك لم يحتج إلى أن يزورا يروى أنه لما جاء إلى المهدي بالولاية، وهو جالس بين أصحابه سجدوا شكراً لله تعالى سبحانه، ما خلا عمارة بن حمزة بن ميمون: فقال له المهدي: ما بالك لا تسجد؟ فقال عمارة مقام شكر، وهو علي إن كنت معنا فطرت، وتركتنا، فقال فإن طرنا بك معنا، قال الآن طاب السجود وسجد. قال المنصور لعمرو بن عبيد قد كثر ببابنا من يمت بالنصيحة، ويسأل الاستخدام، فقال يا أمير المؤمنين ابتلهم بالهوان، والحرمان، فمن شكا الهوان دون الحرمان، فاستخدمه، من شكا الحرمان دون الهوان فأعرض عنه، فإن من يكره الهوان، عزيز النفس، ومن صبر عليه فهو خسيس الهمة دنيءٌ ومثله يستخدم.

قال الرياشي البخل قبيح في كل أحد، وهو في ثلاثة: في الشجاع لا يجود بنفسه فكيف يبخل بماله، ومن الشاعر فإنه يذم البخل، ويعيش، ويكرم، ومن الملك فإنه لا يخاف الفقر. سأل أبو عون الشاعر رجلاً شيئاً، فلم يعطه فألح عليه، فأعطاه، لما أخذ قال: اللهم السائل، والمسؤول نسألهم إلحافاً، ويعطونا كرهاً، فلا يبارك لنا فيهن ولا يؤجرون عليه. روي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، تلوت عني الدنيا، وقلت ذات يدي، فال رسول الله: "فأين أنت عن صلاة الملائكة وتسبيح الخلق وبها يرزقون". فقلت وماذا يا رسول الله؟ فقال: قل: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، أستغفره مائة مرة، ما بين طلوع الفجر إلى أن تصلي الصبح، تأتيك الدنيا راغمة صاغرة، ويخلق الله من كل كلمة ملكاً يسبح الله إلى يوم القيامة لك ثوابه". لمهيار: [الوافر] أخو وجهين تخبره رقاحاً ... وتبصر بظاهره حيييا وهوباً سالبا وأخاً عدوا ... بفطرته ومنقاداً أبيا فطنت لخلقه فزهدت فيه ... وبعض القوم يحسبني غبيا وقد روينا في كتاب (حلية الأولياء) عن علي بن الحسين، قال: كتب ملك الروم إلى عبد الملك بن مروان، يتهدده ويتواعده، ويحلف له ليحملن إليه مائة ألف من البر ومائة ألف من البحر أو يؤدي إليه الجزية، فسقط في درعه، فكتب إلى الحجاج أن اكتب إلى محمد بن الحنفية بكتاب شديد فتهدده وتواعده ثم أعلمني ما يرده عليك، فكتب الحجاج ذلك، وشدد فيه، وتواعده بالقتل فكتب إليه ابن الحنفية: إن لله عز وجل ثلاثمائة وستين لحظة إلى خلقه، وأنا أرجو أن ينظر الله عز وجل إلي نظرة واحدة، يمنعني بها منك، فبعث الحجاج بكتابه إلى عبد الملك بن مروان، فكتب عبد الملك إلى ملك الروم بنسخته، فقال ملك الروم ما هذا خرج منك ولا أنت كتبته، ما خرج إلا من بيت نبوة. قال علي بن الحسين عليهما السلام لبنيه: جالسوا أهل الدين، والمعرفة، فإن لم تقدروا عليهم فالوحدة أنس، فإن أبيتم إلا مجالسة الناس، فجالسوا أهل المروءات فإنهم لا يرفثون في مجالسهم. قال الصولي عشق المأمون جارية لامرأته، أم عيسى بنت موسى الهادي، فبلغها ذلك فغضبت عليه، ثم أنهما التقيا على غير موعد ورضى، فقال المأمون: [الوافر] زمان اللهو يقصر عن تجن ... وأعراض تجر إلى صدود ذري عنك الذنوب إذا التقينا ... تعالي لا أعود، ولا تعودي قال علي بن الجهم، سألني أمير المؤمنين المأمون حاجة، وأراد بذلك فرحي فسرت علي فوقع إلى: [السريع] تعجيل جود المرء إكرامه ... ينشر عنه طيب الذكر والحر لا يمطل معروفه ... ولا يلي المطل بالحر قال محمد بن العباس الهاشمي: رأيت دعبل بن علي الشاعر وقفاً عند خشبة بابك الخرمي على برذون أشهب، يتأمل الذي في اليوم الذي مات فيه المعتصم، وجلس الواثق، فقلت، له، ويحك، هذا موقف مثلك، امض إلى منزلك لا يصيبك هنه، فتأتي عليك، فقال: ويحك يا هاشمي، أرأيت أعجب مما نحن فيه، ثم أنشأ يقول: رافعاً صوته: [البسيط] خليفة مات لم يحزن له أحد ... وآخر قام لم يفرح به أحد قد مر ذاك ومر الشؤم يتبعه ... وقام هذا فقام الشؤم والنكد قيل لأعرابي أي الروائح أطيب؟ قال: بدن تحبه، وولد تربه. أنشد المبرد لمحمد بن زياد الحارثي: [الطويل] تخالهم صماً عن الجهل، والخنا ... وخرساً عن الفحشاء عند التهاجر ومرضى إذا لاقوا حباً وعفة ... وعند الحفاظ كالليوث الخوادر لهم ذل إنصاف وأنس تواضع ... بهم ولهم ذلك رقاب المعاشر كأن بهم وضماً يخافون عار ... وما وصمهم إلا اتقاء المعاثر قال العتبي يقال أن الرجل إذا مرض، ثم عوفي، ولم يحدث خيراً، ولم يكف عن شر. لقيت الملائكة بعضها بعضاً، فقالوا: فلان داويناه، فلم ينفعه الدواء. قال: حكي أن أبا حنيفة قال لجعفر الصادق رضي الله عنه: لم حرم الله الخمر؟ قال: لأنه ما يشربها أحد قط إلا استشعر الظلم، قال: فلم حرم الله الزنا؟ قال: لأنه ما زنا أحد قط إلا سُلب الحياء، قال: فلم حرم الله أكل الميتة؟ قال: لأن ما أكلها أحد قط إلا قسا قلبه، قال: فلم حرم الله الدم؟ قال: لأنه يورث الجذام.

قال: فلم حرم الله تعالى لحم الخنزير؟ قال: لأنه يورث البرص، قال: فلم حرم الله الربا؟ قال: لئلا يتدافع الناس المعروف. قال محمد بن مسعر كنت جالساً مع حماد بن زيد، فمر بنا عمرو بن بانة المغني، فقلت له: قل لنا شيئاً فرفع صوته وعنى: [الخفيف] ما جرت خطرة على القلب من ... إلا استترت من أصحابي من دموعٍ تجري فإن كنت وحدي ... خالياً استعدت دمعي انتحابي فبكى حماد وقال هذا شوق مخلوق آدمي إلى آدمي مثله فكيف الشوق إلى الحور العين، وما وصفهن الله به. كان الحسن يقول: لا تحمل على هم يومك هم غدك، فحسب كل يوم همه. قال كسرى أنوشروان: إنه لا يصلح الملك إلا لرجل صدوق، شجاع، حلين، جواد، لأن الملك إذا كان كذوباً لم يطمع فيه وليه. إذا أطعمه، ولم يغدوه إذا أخافه، وإذا كان جباناً لم يدفع عن بيضة ملكه، وإذا لم يكن حليماً استنفره الشيء اليسير، ثم يذم عليه، وإذا كان شحيحاً لم يكن مناصحاً. قال أبو مسلم صاحب الدولة إذا طلب المذنب العفو، وضمن التوبة، فمعاقبة في عقوبة ألأم منه في معصيته. حكي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال: في الطيب ثلاث خصال، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، ما مس رحلاً طيباً إلا زاد في عقله، ولا حضر مجلساً إلا ورفع له عن صدره، وسمعوا قوله، ولا مر في طريق إلا قال الناس من مر في الطريق. يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوماً على أصحابه، وقد أعلنوا بمفاخرهم في الجاهلية، فقال لعلي عليه السلام: "قم فاذكر مفاخرك في الإسلام". فقال، فقال شعراً: [الوافر] محمد النبي أخي وصهري ... وحمزة سيد الشهداء عمي وجعفر الذي يضحي ويمسي ... يطير مع لملائكة ابن أمي وبنت محمد سكني وعرسي ... منوط لحمها بدمي ولحمي وسبطا أحمد ابناي منها ... فمن هذا له سهم كسهمي سبقتكم إلا الإسلام طراً ... غلاماً ما بلغت أوان حلمي قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صدقت يا أبا الحسن" جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن يؤمنه الله من الفاقة، والفقر، فليقل: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". لبعضهم: لم أنس إذ قالت غداة النوى ... ودمعها منحدر واكف لأنت أحلى من لذيذ الكرى ... ومن أمان قاله خائف قال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام: ثلاث القليل منهن كثير: الفقر منه كثير، والمرض منه كثر، والعداوة منه كثير. ودع العتابي رجلاً يريد بغداد، فقال له: إنك تأتي بلداً قد اصطلح أهله على سقم السريرة، وزور العلانية، كلهم يعدك كله، ويمنعك أهون شيء عليه. قال الجمال: قالت لي امرأتي، وقد أصبحنا في يوم مطير ليس بطيب اليوم فقلت لها: الطلاق فسكتت عني. قال بعضهم: كان في جوارنا فتى من عذرة يهوى ابنة عم له، فبلغه أن عبداً أسوداً كان يأتيها لمرتبله فغمه لك، فمر ببابها يوماً، فقال ورفع عقيرته: [البسيط] شابت أعالي فروتي وامتحا شعري ... فيما أحدث عن قمرية الوادي نبئت أن غراباً بات محتضناً ... قمرية بين أغصان، وأعوادي قال فسمعت شعره فخرجت إليه تقول مجيبة له: [البسيط] حاشا لقمرية بالطلح مسكنها ... إن سبيتم إلى الغربان في الوادي لا تقبلن من الواشي فإن له ... قولاً يفرق بين الماء والادي قال الحسن البصري: لا يخرج العبد من الدنيا إلا بثلاث حسرات: حسرة أنه لم يدرك ما أمل، وأخرى أنه لم يشبع بما جمع، وأنه لم يحسن الزاد فيما يقدم عليه. قال محمد بن داود الأصفهاني الهجر على أربعة أضرب: هجر ملال، وهجر دلال، وهجر مكافأة على الذنوب، وهجر البغض الطبيعي المتمكن في القلب، فأما الهجر الملال فيبطله مرور الأيام والليالي، وأما هجر الدلال فهو من كثر الوصال، وأما الهجر الذي يتولد عن الذنب فالتوبة تخرجه عن القلب، وأما الهجر الذي يوجبه البغض الطبيعي، فهو الذي لا دواء له إلا الموت الحقيقي.

قال إبراهيم المدبر اختصم رجلان إلى القاضي قد قدم أحدهما هدية، وأراد أن يقضي عليه بحق وجب، فدنا منه، فساره، وقال له، قد وجهت إلى دارك شبابيط دجليبه وفراريج كسرويه وجبنة دينورية وحنطة بلدية وشهدة رومية، فقال له: قم، وصاح عليه ما هذا تشاورني فيه، وتساررني به يا جاهل، إن كانت لك بينة، انتظرناها، وأخرنا الحكم، وصيرنا لك أجلاً، فقال الخصم: [الوافر] إذا ما صب في القنديل زيت ... تحولت القضية للمقندل وعند قضاتنا حكم وعلم ... وزرع حين ترشوهم يسنبل قيل للاسكندر ما بلغ من شجاعة أصحابك؟ قال: رأيت تسألون أين العدو، ولا تسألون كم العدو. وقال بعض الحكماء: ينبغي للعاقل أن يظهر من نعمة الله، ما لا يحتقر معه، ويستر منها ما يخاف أن يعاد بسببه. ذكر أبو عبيدة أنه لما ولى أبو بكر يزيد بن سفيان الشام، أوصاه بتقوى الله ثم قال له: إنك نشأت بخير، وذكرلات بخير، وذلك الشيء خلوت به من نفسك، وقد أردت أستخرجك من قومك، وأنظر كيف خبرتك وعملك، فإن أحسنت زدتك، وإن أسأت رفضتك، عليك بتقوى الله، فإنه يرى من باطنك ما يرى في ظاهرك، فإن أطوع الناس لله أشدهم بغضاً لمعصيته، وإن أولى الناس بالله أشدهم تولياً، وقد وليتك عمل خالد بن سعيد، فإياك وغيبة الجاهلية، فإن الله أبغضها. وأخرج الناس منها، فإذا أنت قدمت على أهل عملك فابدأهم بالخير وعدهم، وإذا وعدتهم فأنجز لهم، ولا تكثر عليهم، فإن كثير القول ينسى بعضه، وإنما لك ما وعي عنك، وأصلح نفسك يصلح الناس، فإن الوالي قدوة يعمل أهل عملة بعمله، وإذا قدم رسل عدوك، فأكرم منزلتهم، وأقلل حبسهم. حتى يخرجوا من عندك جاهلين بعسكرك، ولا تريهم جيشك، فيروا خللك، وأنزلهم في ثروة عسكرك، وامنع من قبلك محادثهم، وكن أنت الذي تلي كلامهم، ولا تجعل سرك مع علانيتك، فيمزج أمرك، وإذا استشرت فاصدق الخبر تصدقك المشورة، ولا تكتم المستشار خبراً فتوناً من قبل نفسك، وإذا بلغك عن العدو عورة فاكتمها، حتى تواتيها. واستمر في عسكرك تأتك الأخبار، وأكثر مفاجأة حرسك بغير علمهم، فمن أغفل محرسه فعاقبه واجعله نوباً بالليل، والنهار، ولا تتخذ حشماً دون غيرهم فيطعن الناس عليك، ويستحلوا معصيتك، ولا تلجن في عقوبة أدناها وجع، ولا تسرع إليها، وأنت مكتفي بغيرها وأصدق الله تعالى إذا لقيت، ولا تجبن فيجبن الناس، ولا تقدم في الغلول فإنه تورث وسطي النصر. قال بعض الحكماء: وجدت لذيذ العيش في ثلاث: صديق تأمن منه في صداقته ما يرصدك به في عداوته، وامرأة تسرك إذا دخلت إليها، وتحفظك إذا غبت عنها، ومملوك باقي على ما في نفسك من خدمتك كأنه مطلع على غيبك عالماً بإرادتك. كان مقاتل بن سليمان يقسم أنه من دعا بهذا الدعاء لم يرد، هو أن يقول بعد أن يصلي الغداة (بسم الله الرحمن الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة، ثم يقول بعد ذلك يا قديم يا دايم يا فرد يا وتر يا أحد يا صمد يا سند يا من إليه المستند يا من لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد صلى على محمد على آل محمد) ثم يسأل حاجته من دنياه، وأخراه إلا أجاب الله دعاءه، ولم يرده، وكان مقاتل يقول: من دعا بهذا الدعاء، فلم يستجب له فليلعن مقاتل. قال بعض الحكماء لرجل: أعلمك بيتين خير لك من ألف درهم، فقال: وما هما فقال: [الخفيف] اخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل المقال ليس المقول رحمة حين يبدو ... بقبيح يكون أو بجمال أنشدني الشيخ أبو زكريا التبريزي اللغوي: [مخلع البسيط] لما رأيت الزمان نكساً ... وليس في الخدمة انتفاع كل رئيس به ملال ... وكل رأس به صداع لزمت بيتي وصنت عرضاً ... به عن البذلة امتناع أشرب مما اقتنيت براحاً ... بها إلى راحتي شعاع لي من قواريرها ندامى ... ومن قراقيرها سماع وأجتني من عقول قوم ... قد أقفرت منهم البقاع

دخل أعرابي على بعض ملوك الإسلام، قال: مما يطعمني في بقاء النعمة عليك، ويزيدني بصيرة في العلم بدوامها إليك، إنك أخذتها بحقها واستوجبتها بما في حقها من أسبابها، ومن شأن الأشكال أن تقاوم، والأجناس أن تتواصل، والمشي يتغلغل إلى معدته، ويحن إلى عنصره فإذا صادق منبته ضرب بعرقه وبسق تفرعه، وتمكن تمكن الإقامة وثبت ثبات الطبيعة. قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: لا تطيعوا النساء على حال، ولا تأمنوهن، ولا تذروهن إلا لتدبير العيال، إن تركن، وما يردن أردن المهالك، وأزلن الممالك، لا دين لهم، ولا ورع لهن عند شهوتهن، ينسين الخير، ويحفظن الشر، يتهافتن بالبهتان، ويتمادين بالطغيان، ويتصدين للشيطان. قال الاسكندر: ما نلت من الملك شيئاً هو أحب إلي من أني قدرت علي المكافآت بالإساءة فلم أفعل. خرج عمر رضي الله عنه في سرية ومعه العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر العباس فوقف عمر واستوقف الجيش، حتى لحقه العباس، فقال له: ما كان له أن يتقدمكم، فقال العباس: قد تقدمتنا أنت وصاحبك، فقال عمر: ما كان ذلك لفضل رأيناه عليكم، لكن خشينا ضعفائكم، عن هذا الأمر، فقال العباس: بالله العجب ننهض بالنبوة، ولا نعجز، ونضعف عند الخلافة. قال معاوية: إني لا أضع سوطي في موضع منعني عنه لساني، ولا سيفي في موضع منعني عنه سوطي، ولو أن بيني وبين أحد شعرة لما قطعتها، إذا مدها أرسلتها، وإذا أرسلها مددتها. قال أعرابي لقبيلة أراد أن يصلح بينهم: هل لكم في الحق، أو فيمنا هو خير لكم من الحق. قالوا: ما خير من الحق. قال: العفو، قال الله تعالى: {وأن تعفوا أقرب للتقوى، ولا تنسوا الفضل بينكم} [البقرة:237] قيل للشعبي: كيف أصبحت؟ قال: بين نعمتين، خبر منشور، وشر مستور. قال بعضهم لرجل: أراك كلمت، فلم تطل! قال: نعم، كان معي حيرة الداخل، وفكر صاحب الحاجة، وذل المسألة، وخوف الرد مع شدة الطمع. أنشدنا أبو الحسن بن الدهان المرتب، قال أنشدني ابن الشبل لنفسه: [مجزوء الوافر] إذا ما شح ذو المال ... سخا الدهر بإنهائه إذا لم يثمر الغصن ... فقطع الغصن أولى به خطب المنصور بعد مقتل أبي مسلم الخرساني صاحب الدولة، فقال: أيها الناس لا تخرجوا من أنس الطاعة إلى وحشة المعصية، ولا تمشوا في ظلمة الباطل بعد سعيكم في ضياء الحق. إن أبا مسلم أحسن مبتدئأ، وأساء مغضياً. فأخذ من الناس أكثر مما أعطى، ورجح قبح باطنه على حسن ظاهره، وما علمناه من حيث سريرته وفساد نيته، ما لو علم اللائم لنا فيه، لعذرنا في قتله، وعنفنا في مهاله، وما زال ينقض بيعته، ويحقر ذمته، حتى أحل لنا عقوبته، وأباحنا ذمته، فحكمنا فيه حكمه في غيره، ولم يمنعني من الحق إمضاء الحق فيه، وما أحسن ما قال النابغة: [البسيط] ومن أطاع فأعقبه بطاعته ... كما أطاعك وادلُله على الرشد ومن عصاك فعاقبه معاقبة ... تنهي الظلوم ولا تقعد على ضمد وقف بعض الصالحين على قبر بعض الملوك، فقال: كم قتلتها لتستريح منها، وهي اليوم أكبر أشغالك؟ دخل المنكدر على عائشة رضي الله عنها فقال: يا أم المؤمنين أعينيني، فقد أصابتني خصاصة، فلم يكن عندها شيء، فلما خرج جاءتها عشرة آلاف درهم من خالد بن أسيد ما أوشك ما ابتليت، وأرسلتها إليه، فاشترى بها جارية بألفي درهم، فولدت ثلاثة بنين، كانوا عباد المدينة، محمد وأبو بكر وعمرو بني المنكدر. كان مسلمة بن عبد الملك إذا كثر عليه الحوائج وخاف الضجر قال لآذنه: ائذن لجلسائي، ثم يفيض، ويفيضون، فيما ذكر الأكارم فيطر، ويأذن في قضاء حوائج الناس. رأى أسماء بن خارجة بباب داره رجلاً جالساً، فقال: ما يجلسك هنا، وألح عليه. فقال: جئت سائلاً فخرجت فتاة من هذه الدار فاختطفت قلبي فلعلي، فقال: على رسلك وعرض عليه جميع الجواد، ثم أخرجها، وقد اشتراها من ابنته بثلاثة آلاف درهم، فدفعها إليه فأخذها الرجل، فغدا، وهو يقول: [الوافر] إذا ما مات خارجة بن حصن ... فلا قطرت على الأرض السماء ولا جاء البشير بغيم جيش ... ولا حملت على الظهر النساء

دخل أحمد بن داوود على الواثق، فقال له: يا أحمد كان ابن الزيات هاهنا وذكرك بكل قبيح. فقال: يا أمير المؤمنين الحمد لله الذي أحوجه إلى الكذب من كتم عن قول الحق فيه. يقال: من كتم السلطان نصحه، والأطباء مرضه، والإخوان بثه، فقد خان نفسه. كتب الشيخ الإمام العالم الحبر الورع المتبع مهذب الدين بقية السلف شيخ العارفين أبو الحسن سعد الله جامع هذا الكتاب، بارك الله في أنفاسه، وأمتع المسلمين بطيب إيناسه، إلى صديق له، فيما يقتضيه بشيء من الكافور، كان عوده أن ينفذه إليه، فقال: [المنسرح] ابعث بشيء كتأثير نردك في ... لون نقي كعصرك الصافي أكسيته منك طيب رائحة ... ومن معانيك أنه شافي عودتنيه في ذا الأوان مجد ... فديتك من منعم، ومن وافي كفاني الله ما أحاذره ... فيك فنعم الوكيل الكافي قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: إن هذه الأخبار، والملح مروءة، فانظروا أين تضعوها. وقال الخليل بن أحمد: أجمل ما في كتبك، كنز، أو ما تحفظه للنفقة. وقال بعضهم يذم قوماً: [الطويل] تواصوا عطل الوعد، ثم تجاسروا ... على اللون حتى جانبوا الوعد، والمطلا ألا ربما أرقي اللئيم فينثني ... وأعضلي من يجمع اللؤم، والجهلا ولآخر: [الوافر] تساوى أهل دهرك في المساوي ... فما يستحسنون سوى القبح وصار الجود عندهمو جنوناً ... فما يستعقلون سوى الشحيح وكانوا يغضبون من التهاجي ... فصاروا يغضبون من المديح في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة: الذين يحمدون الله على البأساء، والضراء". يقال إن همتك لا تسع كل شيء، ففرغها للمهم، ومالك، ما يعني كل أحد، فخص به ذوي الحاجة، ومروءتك لا تطيق كل أحد، فأعن أهل الفضل. قال أفلاطون: إذا درأ الملك حداً عن إنسان فيقضي ملكه، أم يجعل عيشه في حفظ. ومنه ما حكي أن بعض الملوك كان منزله على ساحل البحر، فكسر مركب بإنسان، فأمر باستنقاذه، فلما مثل بين يديه، سأله عن حاله، فقال: أنا رجل بليت بكثرة عيال، وقلة حال، فحملت نفسي على الركوب في البحر لإحدى حالتين، إما أن أهلك، أو أستريح، وأرجع بعائدة وفائدة، وقد كنت حاصلاً بعرقي هذا إحدى الحالتين، فإن كنت أنقذتني لتردني إلى أهلي، فالذي أخرجتني منه، أحب إلي مما تردني إليهم فأعطاه مالاً جزيلاً. وقال بعض الفضلاء: [مجزوء الوافر] علام أعوم في الشبه ... وحالي غير مشتبه أروح وأغدي طمعاً ... أكثر من أقل به بفضل غير ذي سنه ... وجد غير مشبه جاء في الآثار ونقل الأخبار: أن بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعس في سكك المدينة فسمع امرأة تقول: [البسيط] هل من سبيل إلى خمر فأشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج إلى فتى ماجد حلو شمائله ... سهل المحيا كريم غير هياج تنمية أعراق صدق حين تنسبه ... أخي انفراج عن الإخوان فراج ساجي النواظر من يعدله يقض ... له تضيء صورته في المظلم الداجي نعم الفتى في سواد الليل تطرقه ... لبائس ولملهوف ومحتاج فصفق عمر على يديه، وقال: ما أرى بالمصر رجلاً تهتف به العواتق في خدورهن، فلما أصبح قال علي بنصر بن الحجاج، فأُتي به، فإذا هو أحسن الناس، فأمره فاعتم، فافتتن النساء بعينيه فأمره فجز شعره، فخرجت له وجنتان كأنهما قمر، فقال له عمر: لا تساكني في بلد، فأمر به، فسيره إلى البصرة. وجلست ذلك من عمر، فدست إليه أبياتاً: [البسيط] قل للإمام الذي يخشى بوادره ... مالي، وللخمر، أو نصر بن حجاج يا منية لم أطأ فيها نضائره ... والناس من هالك فيها ومن ناجي لا تجعل الظن حقاً، أو تبيه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي إني رضيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساجي إن الهوى رمة التقوى فحبسه ... حتى أهم بإلجام وإسراج فأضرب عمر عنها، وأطال على أم نصر غيبته، فجلست لعمر، حتى خرج من الصلاة، فقالت: والله يا أمير المؤمنين، لأحاسبنك بين يدي الله، تبيت بين عبد الله وعاصم، وبيني وبين ابني، المفاوز، والفيافي.

فقال عمر: إن عبد الله وعاصم لم تهتف بهما العواتق من خدورهن، وأبر عمر إلى البصرة إلى عتبة بن غزوان، ناد إلى من كان له حاجة إلى أمير المؤمنين، أو إلى المدينة، فليكتب، فإن بريد المسلمين خارج فكتب نصر بن حجاج: [الطويل] لعمري لأن سيرتني وحرمتني ... ما نلت من عرضي عليك حرام فأصبحت منفياً على غير ريبة ... وقد كان في الحسين مقام أإن عنيت للدلفاء يوماً بمنية ... وبعض إمامي في النساء غرام ظننت الظن الذي ليس بعده ... تقاء، فما لي في البذيء كلام ويمنعها مما تقول صلاتها ... وحالتها في قومها وصيام فهاتان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب مني كاهل وسنام فقال عمر أنا ولى السلطان، فلا، ثم بعث إلى البصرة، فأقطعه ما يقيم به، فلما استشهد عمر ركب راحلته وعاد، ويروى بعد ذلك، أن نصر بن حجاج دخل على مجاشع بن مسعود السلمي بعد وفاة عمر بمدة. وقد شاب يعود مجاشعاً، فكتبت إليه زوجته: مجاشع على الأرض، والله إني لأحبك حباً لو كان على السماء لأظلك، أو على الأرض لأقلك، فمحاه وكتب: وأنا فنظر زوجها إلى ذلك، فكفا عليه فقرأه بعض عواده، فإذا هوة أنا، فقال لزوجته ما كتبت لنصر بن حجاج؟ كنت أقول كم حلبت ناقتكم، فقال ليس الجواب لذلك، وأنا، ولم يزل يبحث، حتى علم فطلقها، فكان رضي الله عنه كما قال الشاعر: [السريع] تزيد الأيام إن ساعدت ... شدة علم بتصاريفها كأنها في حال إسعافها ... تسمعه صيحة تخويفها وكما قال الآخر: [الطويل] بصير بأعقاب الأمور كأنما ... يرى بصحيح الرأي ما في العواقب لأنه رضي الله عنه توسم فيه فتنة النساء. قال ابن مسعود بن بشر: قيل لابن هبيرة، وكان يباكر الغداء، أصلح الله الأمير، إن الأمراء لغدائهم وقت، وأنت تباكره، فقال: إن في ثلاث خصال: ينشف المرة، ويطي النفس، ويقل الشهوة. وقال محمد بن سالم: غدوت على عامر الشعبي، فرأيته يتخلل، فقلت: يا أبا عمرة باكرت الغداء، فقال: نعم باكرته، قبل أن يسخن الماء، ويظهر الزمان ويأتيني ثقيل مثلك. قال بعضهم: العقل عقلان، عقل مستفاد يستفيده الإنسان بأدبه، وتجربته، وعقل تفرد الله بصنعه، ولا سبيل إلى العقل المستفاد إلا بصحة العقل المركب في الجسد، فإذا اجتمعا قوى كل واحد منهما صاحبه. قال محمد بن جعفر بن محمد الصادق عليه وعلى آبائه السلام، تعرف محبة الرجل لأخيه بجودة أكله في بيته. قال الفضيل بن عياض: من أوقف نفسه موقف ذل، لطلب الحلال تحاتت ذنوبه، ولو كانت بعدد القطر. قال مروان بن أبي حفصة: كان معن بن زائدة، قد أبلى في حرب يزيد بن عمر بن هبيرة بالاختباء، فغاظ ذلك المنصور، وجد في طلب معن، وجعل لمن جاء به مالاً جزيلاً، قال مروان، فحدثني معن باليمن أنه اضطره في شدة الطلب إلى أن أمام في الشمس، حتى شحب لونه، وخف عارضه ولحيته، ولبس جبة صوف غليظ، وركب جملاً من الثمالة، وخرج ليمضي البادية. قال معن: فلما خرجت من باب حرب، تبعني أسود متقلد بسيف، حتى إذا غبت عن الحرس، قبض على خطام الجمل، فأناخه وقبض علي، فقلت: مالك؟ فقال: أنت طلبة أمير المؤمنين، فقلت: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين؟ قال: معن بن زائدة، فقلت: اتق الله، وأين أنا من معن؟ فقال: دع عنك هذا، فأنا أعرف بك من ذلك، فقلت له: وإن كانت الصفة، كما تقول، فهذا جوهر حملته معي بأضعاف ما بذله المنصور لمن جاء بي فخذه، ولا تسفك دمي، قال: هاته، فأخرجته ونظر فيه ساعة وقال: صدقت في قيمته ولست بقابله، حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتني أطلقتك. فقال: إن الناس قد وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبت مالك كله؟ قلت: لا، قال: فنصفه؟ قلت: لا، قال: فثلثه؟ قلت: لا، فلم يزل حتى العشر، فاستحيين وقلت: أظن أني قد فعلت ذلك، فقال: ما أراك فعلته، وأنا، والله رجل راجل رزقي من أبي جعفر عشرون درهماً، وهذا الجوهر قيمته ألوف من الدنانير، وقد وهبته لك، ووهبتك لنفسك، ولجودك المأثور بين الناس. لتعلم أن الدنيا من هو أجود منك، ولتحقر بعد هذا كل شيء فعلته، وتفعله، ولا تقف على مكرمة، ثم رمى بالعقد في مجرى مع خطام البعير وانصرف.

فقلت: يا هذا قد، والله فضحتني، ولسفك دمي أهون علي مما فعلت، فخذ ما دفعته إليك، فانتحى عنه فضحك، ثم قال أردت أن تكذبني في مقام واحد، والله لا آخذه، ولا آخذ على معروف لي ثمناً ومضى، فوالله طلبته بعد أمنت وبذلك لمن جاءني ما شاء، فما عرفت له خبراً، وكأن الأرض ابتلعته. وكان سبب رضى المنصور عني أني لم أزل مستتراً، فلما كان يوم الهاشمية، ووثب القوم على المنصور وكادوا يقتلونه، وثب معن، وهو متلثم، وانتضى سيفه، وقاتل القوم عنه، ثم جاء والمنصور راكب على بغلة لجامها في يد الربيع فقال: تنح فإني أحق بلجامها منك في هذا الوقت، وأعظم عناء منك، قال المنصور صدق، ادفع إليه اللجام، فأخذه، ولم يزل يقاتل، حتى انكشفت تلك الحال، فقال المنصور من أنت لله أبوك؟ فقال: أنا معن بن زائدة، طلبتك يا أمير المؤمنين، فقال أنت آمن على نفسك ومالك، ومثلك يصطنع، ثم أخذه معه وحباه وخلع عليه، ودعاه يوماً فقال: إني قد أهلتك لأمر عظيم فكيف تكون فيه؟ فقال: كما يحب أمير المؤمنين، فقال: وليتك اليمن، قلت: أبلغ من ذلك منا تحب علي. قال ذلك على المنصور، فقال له: بعد كلام طويل، وقد بلغ أمير المؤمنين شيئاً لولا مكانك عنده ورأيه فيك لقبض عليك، فقال: وما ذاك يا أمير المؤمنين، فوالله ما تعرضت لذمك قال: من ذلك عطاؤك الذي تعطيه لمروان بن أبي حفصة لقوله فيك: [الكامل] معن بن زائدة الذي زيدت به ... شرفاً على شرف بنو شيبان إن عد أيام الفخار فإنما ... يوماه يوم ندى ويوم طعان فقال يا أمير المؤمنين، ما أعطيته ما بلغك لهذا وإنما لقوله: [الكامل] ما زلت يوم الهاشمية معلناً ... بالسيف دون خليفة الرحمن فمنعت حوزته وكنت وقاءه ... من حد كل مهند وسنان قال: فاستحيا المنصور، وقال: إنما أعطيته لهذا؟ فقال: نعم، والله لولا مخافة الشنعة لأمكنته من مفاتيح أبواب بيوت الخزائن، الذي فيها المال، وابحته إياها، فقال المنصور: لله درك من أعرابي، ما أهون عليه ما يعز على الناس. قيل للعتابي: إن فلاناً قد مات، فقال نحن الأموات لفقده، وهو الحي لمجده، يقال: إن بنية لصاحب سلطان أحب إليه من دولة، لأنه بمنزلة بيان بين صديقه من عدوه، أنشد ناصح الإسلام أبو الخطابي الكلوذاني لنفسه: [الوافر] لئن جار الزمان على حتى ... رماني منه في ضنك وضيق فإني قد حمدت له صروفاً ... عرفت بها عدوي من صديقي للمرتضى: [البسيط] يبغي الرئاسة قوم لا خلاق لهم ... ومدعيها أناس ما بها وسموا لا ينزلون من العلياء منزلة ... ولا لهم قدم فيها ولا قدم وآفة المجد أن تبلى بمنتحل ... لا يهتدي كيف يبنيه فينهدم قال هشام الأوقص: رأيت الحسن البصري يأكل من دكان بقال زبيبة، وتارة تينة وقسبة ونحوها، فقلت له ما في الورع يا أبا سعيد، فقال: يا لكع إتل آية الأكل، فتلوت، حتى بلغت، أو صديقكم، فقلت: ومن الصديق؟ فقال: الحسن الذي تستريح معه النفس، ويطمئن إليه القلب، فإذا كان كذلك، فلا إذن في ماله. قدم عبد الملك رجلاً ليضرب عنقه، فدخل ولد لعبد الملك، يبكي من تأديب المعلم له، فجعل عبد الملك يسكنه، فقال الرجل: دعه يبكي، فإنه أنفع لعينيه، وأفتح لذهنه، فقال عبد الملك: إنك لفي شغل عن ذلك، فقال الرجل: إن المسلم لا يشغله عن الحق شيء، فأمر بإطلاقه. افتتح الاسكندر فظهر من نسائه على جمال أثر في أصحابه، فقال: إن من أقبح القبائح أن تغلب رجل قوم، وتغلبنا نساؤهم. سُئل الأصمعي عن فصاحته فقال: حفظت لأصلع قريش ثلاثمائة خطبة، فغاصت، ثم غاصت. ما أحسن ما قال ابن الدمينة: أبيت خميص البطن غرثان جائعاً ... وأوثر بالزاد الرقيق على نفسي وأفرشه فرشي وأفترش الثرى ... وأجعل مس الأرض من دونه عيشي حذار أحاديث المحافل في غد ... إذا ضمني يوماً إلى صدره رمسي قال سري بن المغلس السقطي رحمه الله: من يعلم عذره إلا الله عز وجل فهو معذب. قال بعضهم: احذر الناس، فلن يسلم منهم إلا من لم يظهر منه خير فيحسدونه، أو شر فيهتكونه.

وقال آخر: إذا ولي أخوك ولاية فثبت على نصف مودتك فهو كثير. من سماعنا على الشريف أبي المهدي رحمه الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته منصوبة، أو موضوعة بين يديه، حتى ترفع في خير". آخر عنه عليه السلام أنه قال: "من أكل مع مغفور له، غفر له، ومن صلى على مغفور له، غفر له". قال علي عليه السلام: شر الأصدقاء من يتكلف له، أو أحوجك إلى مداراة أو ألجأك إلى اعتذار. قال جعفر بن محمد عليه السلام: إذا قعدتم على المائدة مع الأخوان فأطيلوا، فإنها ساعة لا تحسب من أعماركم. قال الشيخ الرئيس أبو القسم علي بن عيسى بنت داوود بن الجراح الوزير: دخلت على أبي بكر أحمد بن موسى بن مجاهد، وهو مريض، وعنده جماعة قد أطالوا، فقال: يا أبا القاسم عيادة، ثم ماذا فصرفت من حضر وهممت بالانصراف، فأمرني بالرجوع، ثم أنشدني عن محمد بن الجهم: [البسيط] لا تضجرن مريضاً أنت عائده ... إن العيادة يوم إثر يومين بل سله عن حالة وادع الإله له ... كقدر بين حلبين من زار غباً أخاً دامت مودته ... وكان ذلك صلاحاً للخليلين قيل عن المهدي أنه قال: أنه من أتوسل إلى أحد توسيلة، ولا تذرع بذريعة هي أقرب من تذكيره يداً سلفت مني إليه أتبعها أختها فالحسن، وبها فإن منع الأواخر يقطع شكر الأوائل، هذا البيت يجمع حروف المعجم أوله كله ولا ينقط وآخره كله بنقط، وهذا هو: مسطح أصدر عكلاً له ... ضغثٌ تستجدُّ فيظنُّ فخرُ قال الأوقص قاضي للمدينة، وكان قبيح المنظر قالت لي أمي يا بني خلقت خلقة لا تصلح معها مشاهدة القيان، ولا منادمة الفتيان، وإن جلست مجلساً لم ترمقك العيون فيه، ولم تمل نحوك القلوب، فلو ملت إلى العلم الذي ترفع به الخسيسة، وتتم به النقيصة، فقبلت قولها، فنفعني الله به. قال علي بن عوف كنت يوماً أتغذى مع المأمون فالتفت إلي وقال لي: خلال قبيحة عند الجلوس على المائدة، منها كثرة مسح اليد، ومسح اللحية، والإكباب على المائدة، وكثر أكل البقل. يقال ثمانية إن أهينوا، فلا يلوموا إلا أنفسهم: الآتي إلى مائدة لم يدع إليها، والمتأمر على رب البيت في بيته، وطالب الخير من أعدائه، وطالب الرفد من اللئام، والداخل بين اثنين في حديث لم يدخلاه فيه، والمستخف بالسلطان، والجالس في مجلس ليس هو له بأهل، والمقبل بحديثه على من لم يسمعه. دخل أبو علي البصير على عبيد الله بن سليمان، فسأله حاجة كان مطله بها، ثم قام فأنشده في مجلسه: [البسيط] إن الزمان الذي يضحي الفتى وله ... فضل على الناس فيه خير أزمانه فلا تضيق بمعروف وجدت له ... وجهاً وبادر به في وقت إبانه فربما انقبضت من بعد ما انبسطت ... كف وأعورني من بعد إمكانه فلما قرأها في وقت سئل حاجة إلا قضاها. كان مطرف بن عبد الله يقول لأصحابه: إذا كان لأحدكم حاجة، فلا يواجهني بها، وليقلها لي في رقعة، فإني أكره أن أرى عليه ذل السؤال، ويتمثل بهذه البيات: يا أيها المعني بذل السؤال ... وطالب الحاجات من ذي النوال لا تحسبن الموت موت البلى ... وإنما الموت سؤال الرجال كلاهما موتٌ ولكن ذا ... أحسن من ذاك على كل حال فقال خمسة أشياء تقبح في خمسة أصناف من الناس: الشره في الشيوخ، والحرص في القرى، والبخل في ذوي الأموال، وقلة الحياء في ذوي الأحساب، والحدة في السلاطين. يقال إن أحزم الناس، واصبرهم من لا يفشي سره إلى صديقه، مخافة أن يصير عدوه. هذا بيت شعر لا يتحرك به اللسان إن همي، وهم أحبائي همهم ... وما بهم وهمي ما بي هذه أبيات كتبها مهذب الدين المصنف لهذه المجموعة، يستهدي حلاوة نصف رمضان من له بينهما مباسط: [الطويل] بلغت المنى شهر الصيام قد انتصف ... وحلم فاستوفى القضية وانتصف وفيه معان للكرام ظريفة ... وسنته فضل سنها سادة السلف لما حبس كسرى بزرجمهر، أمره أن يختار لنفسه غداء لا يتغير، ولباساً لا يتغير، ولا يطلب سواه، فاختار اللبن لغذائه، والأدم للباسه، ومكث برهة في الحبس، فلما رضي عنه، وأخرجه، رأى لونه طرياً وبدنه عتياً.

فقال له: أخبرني كيف اخترت اللبن والأدم، فقال: أما اللبن فإنه الغذاء الأول، يقوم به الأود، وأستغني بهد عن تكلف أمر النجو وأما الأدم فلا يحتاج إلى الغسل كل وقت ولا يقمل، ولظاهره برد في الحر ولباطنه دفء الشتاء. فقال من كانت هذه حالته، كيف كان عيشه؟ فقال: أيها الملك اعلم أني اخترت لنفسي جوارشاً من خمسة أخلاط الأول الثقة بالله سبحانه، والثاني كل مقدور كائن، والثالث الصبر مطية الفرج، الرابع أن أصبر ما أصنعه، الخامس لعل ما أنا فيه خير من غيره. شاعر: لأن ساءني دهر لقد سرني دهر ... وإن مسني عسر لقد مسني يسر لكل من اليام عندي عادة ... فإن ساءني صبر، وإن سرني شكر قال الأصمعي: رأيت شيخاً في جامع البصرة، فتفرست به، أنه شاعر، أو منجم، فقال كلاهما، فقلت: أنشدني شيئاً من أشعارك، فقال تركت الشعر، فقلت أنشدني شيئاً في تركك إياه.. فأنشدني: [الكامل] قالوا تغير حاله أو عقله ... والهم يمنعني من الأشعار أما الهجاء ففي مشيي واعظ ... والمدح قل لقلة الأحرار قال عبد الله بن ببريدة: ينبغي للمؤمن أن يتعاهد من نفسه ثلاثة أشياء لا يدع الأكل فإن منعه يضيق، ولا يدع المشي فإنه يحتاج إليه، فلا يقدر أن يمشي، ولا يدع الجماع فإن البئر إذا لم ينزح ذهب ماؤها. أنشدني الشيخ أبو بكر المعرف بابن الشبل المقرئ من ساكني درب يعقوب من شارع الرقيق رحمه الله لجده أبي علي بن الشبل: [البسيط] الحمد لله لا حراماً أفاوضه بني ... فبالقول دون المال يسليني أخفي الأصادق في جسمي سهامهم ... فليس أدري عدوي أين يرمين ما أخطأتني من الأنبار رامية ... فكل رام بحمد الله يرميني امنحي لي السجن سكناً والأسى سكناً ... والهم كأسي وأحزاني تعنيني حتى تخلصت من آباق كيدهم ... تخلص الرخ من عقد الفرازين وأنشد الظهير أبو إسحاق إبراهيم بن الفراء الآمدي لابن الرومي: [الوافر] غموض الحق حين تدب عنه ... تفلل ناصر القول المحق تدق عن الصواب فهوم قوم ... فيقضي للمحل على المدق كان رجل من أهل الأدب، لا من ذوي الحسب نجا بأدبه، وتخلص بسببه، كما حكي أن الحجاج خرج في عسيسة، فلقي سكراناً، فلما أحضره للعقوبة، قال له: أصدقني ابن من أنت؟ فقال: [الطويل] أنا أبن الذيب لم ينزل الدهر قدره ... وإن نزلت يوماً فسوف تعود ترى الناس أفواجاً على ضوء ناره ... فمنهم قيام تارة وقعود فقال: أطلقوه، فيوشك أن يكون من أولاد الملوك، فلما أطلقوه، سأله عنه، فقيل أيها الأمير، هذا ابن فلان الباقلاني، فقال: لقد صدقنا في نسبه، وأحسن في كنايته، وأنشأ يقول: [المنسرح] كن ابن من شئت واكتسب أدباً ... يغنيك مضمونه عن النسب لبعض مخاليع الأعراب: [الوافر] أنا شيخ وأمرأتي عجوز ... تطالبني بأمر لا يجوز تريد جماعها في كل يوم ... وذلك عند أمثالي عزيز وقالت رق أيرك مذ كبرنا ... فقلت لها بل اتسع القفير كتب أبو صامد الشاعر إلى أبي القاسم عثمان الغنوي: [البسيط] رأيت في النوم أني مالك فرساً ... ولي وصيف وفي كفي دنانير فقال قم لمهم فهم وتجربة ... خيراًَ رأيت والفتك التباشير فاقصص منامك عند الأمير تجد ... تفسير ذلك وللأحلام تفسير فوقع في جوابه أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين. قال منقذ العطار، بينما أنا أسير في أبيات شيبان، وإذا أنا بأعرابية تقول: في غيلمها، ويدها على صبي، والأخرى على صبية: [البسيط] من سره أن يرى شمياً يقابلها ... بدر وقد طلعا من بين أزراري فليأت بيتي يرى شمس النهار به ... سلمى وبدر الدجى سعد بن سيار فقمت أبادر لأنظر إلى هذه الشمسي، والبدر، فلما دنوت، فإذا أنا بظبي وظبية كأنهما بعيران أو عودان محرقان، فذكرت، قول الأول، كل فتاة بها معجبة. قال الحسن بن شيظم: حججت في بعض السنين، فكنت في بعض المنازل، فإذا بصبية كاملة الجمال بارعة السن.

قد رفعت يدها إلى الله سبحانه وتعالى وهي تقول: اللهم ما أنا أمتك الغريبة، وسائلتك الفقيرة بحيث يرى مكاني، ولا يخفي عليك سوء حالي، وقد هتكت الحاجة حجابي، وكشفت الفاقة نقابي، وقد بذلت لهما وجهاً كريماً عن المسألة، ضعيفاً البذلة، طال ستره الحياء وصانه الغناء، وقد حمت عني أكف المخلوقين، وضاقت دوني أنفس المرزوقين، فمن حرمني لم ألمه، ومن وصلني وكلته إلى رحمتك يا أرحم الراحمين، فمررت بها وقلت يا جارين من أين أنت؟ فأنشأت تقول: بعض النساء أبرزها ... الدهر إلى ما ترى وأحوجها أخرجها م حجاب نعمتها ... وابتزها ملكها، وأزعجها وطال ما كانت العيون إذا ... ما برزت تستشيف هودجها ألعزمها مقبل بصفحته ... متهم قد أقام منهجها إن كان قد ساءها وأحوجها ... فطال ما سرها وأبهجها الحمد لله رب داهية ... قد ضمن الله أن يفرجها قيلا لما ملك أردشير بابك البلاد، وحصل في قبضته السبعة أقاليم استدعى صاحبي إيوان شهر، وقال له: أخبرني بما كان لصاحبك من العجائب، فقال كان له ستة أشياء: أحدها بركة عظيمة كبيرة، كان يجلس عليها للشرب، وكان ندماؤه تحضره كل واحد منهم شرابه من داره، فيطرحه في تلك البركة، فتختلط الشربة على تغير ألوانها وطعومها، وأجناسها، فإذا غرفوا، خرج في قدح كل واحد منهم شرابه إلى جهته غير مختلط بشراب سواه. الثاني: كان له طائر من النحاس على قبته في داره، فكان إذا دخل المدينة غريب صفر ذلك الطائر صفيراً يسمع كل من في المدينة، فيعلمون بدخول الغريب فيؤخذ، ويحضر بين يدي الملك، فيسخره لأي شيء ورد فعلم ذلك. الثالث: كان له طبل إذا غاب رجل، وأبطأ، خبره ضرب ذلك الطبل، فإذا كان حياً جاء للطبل صوت. والرابع: كان له مرآة إذا أراد الإنسان يعلم على أي حبال غائبة فيرى فيها خيراً أو شراً، نظر فيرى الغائب على الحالة التي هو عليها. الخامس: كان له سروة يقف تحتها الفارس، والاثنين إلى الألف فتظلهم، فإذا زاد عن الألف واحد زال الظل عن الكل وصاروا في الشمس. السادس كانا كبشين عظيمين من حديد على لوح من حديد، بينهما غدير ماء، فإذا اختصم اثنان، أتيا إلى الكبشين فيحمل أحدهما على الظالم، فينطحه فيرمي به إلى الماء فكتب ابن مسرة إلى أبي الفضائل هذه الأبيات: [الكامل] أسفي عليك، وقد أرقت صبابة ... من ماء وجهك في سؤال بخيل ووجدت طعم سؤاله من لومه ... مراً كطعم الحنظل المبلول ولقيت دون طعامه وشرابه ... رداً كحد الصارم المسلول أقبلت تنشده، وأطرق معرضاً ... إطراق دم بذحول حتى ظننتك قائلاً وظننته ... من فرط نخوته ولى قتيل وكفلت لي عنه بكل كريمة ... ثم انثنيت وأنت شر كفيل وأتت عليك خلائق حورية ... تأتي إذا ما فاتها بجميل هلا سألت عن الصناعة أهلها ... فيخبروك بصنعة التطفيل القوم لا يعشون إلا منزلاً ... يغشى العيون دخانه من ميل قيل لطفيلي: ما بال لونك أصفر؟ فقال: من الفتوة بين العضارتين أخاف أن يكون قد فني الطعام، فيذهب دمي فأصفر. قال الأصمعي: رأيت شيخاً من الأعراب متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: [الطويل] أما تستحي يا رزاق الخلق كلهم ... أناجيك عرياناً وأنت كريم أترزق أولاد المجوس وقد عتوا ... وتترك شيخاً من سراة تميم فألقيت القميص والأزر، والمناديل من كل جانب، فجعل يأخذها، ويقول شكراً لمن أخاطبه لا لكم. قال نصر الجهني: كان لي جار طفيلي، وكان إذا دعيت إلى مدعاة، أو حضرت ملاكاً، كرب معي، وجلس حيث أجلس، فيأكل وينصرف، وكان نظيفاً عطراً، حسن اللباس، والمركب، وكنت لا أعرف إلا ظاهره، فاتفق لجعفر بن القاسم الهاشمي حق دعاه إليه أشراف أهل البصرة وكبارها. وكان الأمير، فقلت: إن تبعني هذا الرجل لأخزينه، فلما حضرت تبعني ودخل لدخولي وارتفع إلى حيث أجلست، فلما حضر الطعام، قلت: حدثنا درست عن ابن زياد عن أبان بن طارق عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله "من دخل دار قوم بغير إذنهم، فكأنما دخل سارقاً، وخرج معيراً، وكمن دعي، فلم يجب، فقد عصى الله ورسوله".

وظننت أني قد أسرفت على الرجل وهرت من لسانه فأقبل علي قال أعيذك بالله يا أبا عمر من هذا الكلام في دار الأمير وعلى مائدته فإن الأشراف لا يحتملون التعريض باللوم، وقد حض الدين التعريض وعزر عليه عمر بن الخطاب، ووليمة الأمير دعاة لأهل مصره، فإنه سليل أهل السقاية، والرفادة، والمطعمين، والأفضلين، الذين هشموا الثريد، وأبرزوا الجفان. فمن غدا إليهم وراج، ثم لا يوزع، وأنت في بيت العلم، معروف بالحديث عن درست بن زياد، وهو ضعيف جداً عن أبان بن طارق، وهو متروك الحديث، بحكم يرفعه، إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون على خلاف لأن حكم السارق القطع، والمغير يرى على ما يراه الإمام وهذان حكمان لا ينفذان على داخل دار، في مجمع فيتناول لقماً من فضل الله، الذي أنا أهلها، ثم لا يحدث حدثاً، حتى يخرج عنها، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "طعام الواحد يكفي الاثنين، وطعام الاثنين يكفي الأربعة". حدثنا بذلك عاصم النبيل عن أبي جريج عن أبي هريرة عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ويعلم فأين أنت من هذا الحديث الصحيح الإسناد، والمتن. قال نصر فأصابتني خجلة شديدة، فأمسكت، فلما رأى الرجل ما بي، أكل ونهض قبلي، فلما خرجت وجدته واقفاً بالباب على دابته، فلما رآني تبعني، ولم يكلمني، ولا كلَّمته، إلا أنِّي سمعته يتمثل: [المتقارب] ومن ظنَّ أن سَيُلاقي الُحُروبَ ... وأَنْ لا يصابَ فقد ظنَّ عَجَزا لبعضهم يهجو طفيلياً: [الكامل] كَم لَطْمةٍ في حُرِّ وجهك صلبة ... من كفِّ بوَّابٍ شديد ضابطِ وكان ذاكَ، وكلُّ ما لاقيتهُ ... لمَّا أكلت أصاب عرض الحائطِ قال عبد الملك بن مروان لجلسائه يوماً: أي المناديل أفضل؟ فقال بعضهم: اليمنية، التي كأنها نور الربيع، وقال بعضهم: المصرية، التي كأنها غرقىء البيض، فقال عبد الملك: ما صنعتم شيئاً ولا قلتم شيئاً، أفضلها مناديل عبدة بن الطبيب، حيث يقول: [البسيط] ثَمَّ انثنينا إلى جُرد مُسوَّمةٍ ... أعرافهنَّ لأيدينا مناديلُ وكقول امرىء القيس: [الطويل] تَمُشُّ بأعرافِ الجيادِ أكُفُّنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مُضَهَّبِ المشّ: مسح اليد بما يقشر عنها الدسم، ويقال: المنديل مشوش. قيل لأعرابيّ كان يحب امرأة، فزُوجت بابن عمٍّ لها، وعزم أهلها أن يهدوها إلى بعلها، أيسرُّك أن يظفر الليلة بها؟ فقال نعم، والذي أمتعني بحبها، وأشقاني بطلبها، قيل: فما كنت صانعاً؟ قال: كنت أطيع الحب في لثمها، وأعصي الشيطان في إثمها، ولا أفسد عشق سنين بما يبقى ذميماً عاره، وينشر قبيحة أخباره في ساعة تنفد لذتها، وتبقى تبعتها إني إذاً للئيم، ولم يغذني أصل كريم. قال مالك بن دينار: بينما أنا أطوف بالبيت، وإذا بجارية متعبدة، متعلقة بأستار الكعبة، وهي تقول: يا رب كم شهوة ذهبت لذتها، وبقيت تبعتها، أيا رب ما كان لي أدب إلا بالنار، وهي تبكي، فما زال ذلك مقامها، حتَّى طلع الفجر، فلما رأيت ذلك، وضعت يدي على رأسي صارخاً، وأقول ثكلت مالكاً أمه، وعدمته جويرية، منذ الليلة، وقد بطلته، وأنشدني الحسين في معناه: [الطويل] وطائفةٍ بالليلِ، والليلُ مظلمُ ... تقول ومنها دمعها يَسَجَّمُ أيا ربِّ كم منْ شهوةٍ قدْ رزيتها ... ولذَّة عيش حبلها منصرمُ أمَ كان ربِّي للعباد عقوبةً ... ولا أدبٌ إلا الجحيم المُضرمُ فشَبَكتُ مني الكفَّ أهتف صارخاً ... على الرأس أبدي بعض ما كنت أكتمُ وقلت لنفسي إذ تطاولَ ما بها ... وأعيا عليها وردها المتنعِّمُ ألا ثكلتك اليوم أمُّك مالكاً ... جُويريَّة ألهاك عنها التَّكلُّمُ فما زلت بطالاتها طول ليلةٍ ... يُنال بها حظَّاً جسيمٍ، وتنَعُّمُ يروى أنه تزوج رجل من همدان إلى ابنة عمٍّ له، فلم يلبث أن ضرب عليه البعث إلى آذربيجان، فأصاب بها خيراً واستفاد جارية حسناء وفرساً جواداً فسمَّى الجاريو حبابة، وسمَّى الفرس الورد، وأقام بالثغر، فقال له ابن عمه: ما يمنعك من القفول إلى منزلك؟ فقال: أخشى من ابنة عمي أن تحول بيني وبين الجارية، وقد هويتها، ثم أنشد يقول: [الطويل] ألا لا أُبالي اليوم ما صنعت هندٌ ... إذا بقيت عندي حبابة والوردُ

شديد نياط المنكبين إذا جرى ... وبيضها مثل الرِّيم زينتها العقدُ فهذا لأيَّام الهياج وهذهِ ... بموضع حاجاتي إذا انصرف الجُنْدُ فبلغها الأبيات فكتبت إليه تقول: [الطويل] لعمري لئن شَطَتْ بعثمانَ دارهُ ... وأضحى بالحبابة والوردِ ألا فأقرئهُ مني السَّلاموقل لهُ ... غنينا بفتيانٍ غطارفةٍ مرُْدِ إذا شاء منهم ناشئاً مدَّ كفهُ ... إلى كفلِ ريّان أو كعثب نهدِ إذا رجع الجند الذي أنت فيهمُ ... فزادك ربُّ الناس بعداً على بعدِ فلما وصلته أبياتها باع الجارية، وأقبل مسرعاً، فوجدها معتكفة في محرابها، فقال: يا هند فعلت ما فعلت، فقالت: أجلّ في عيني، وأعظم عندي أن أرتكب مأثماً، ولكن كيف وجدت طعم الغيرة، وإنك أغضبتني فأغضبتك. يروى أن رجلاً لقي يعقوب بن داوود ومعه قصة فدفعها إليه، فيها مكتوب: [البسيط] يا الذي لم تزل يمناه مذْ خُلقتْ ... فيها الباع نوال العلّ، والنهلُ إن كنت مسدي معروفاً إلى رجلٍ ... لفضلِ ودٍّ فإني ذلك الرجلُ فأمنن عليَّ بفضل منك يُجبرني ... فإنني شاكر للعرفمحتملُ فأمر له بعشرة آلاف درهم. قال أحمد بن محمد بن المدبّر: كنت مع أحمد بن خالد بفلسطين، فجاءه رسول، إن صنَّاعك قد أمر بقبضها، فقال لي الفضل بن مروان، والي العسكر في هذا، فكتب وهيأ رسولاً وتحفاً، فلما قرأ الكتاب، قال: أنفذ منها حرفاً واحداً، أصير رسولي إلى الله تعالى. ثم أبطل تلك الكتب، وأخذ منها ما يريد إنفاذه، فتصدق به، فما مضى خامس عشر، حتّى جاء رسول، بأن الساعي بك وبضياعك، فتبين أمره، فوجدناه كذّاباً مبطلاً، فعلنا به، وفعلنا به، وأمرنا بإطلاق ضياعك،،وأن لا يتعرض بها، ولا بشيء منها، فشكرت الله تعالى، وتبين حسن معاملته وحسن متاجرته. خرج الاسكندر ليلة فجعل منجّمه يسير له الكواكب، فعثر المنجم فكادت تندق عنقه، فقال له مضحك الاسكندر: من تعاطى علم ما فوق رأسه أتت به البلية من تحت قدميه. دخل رجل من بني هاشم على المنصور، فسأله عن وفاة أبيه. فقال: مرض (رضي الله عنه) يوم كذا ومات (رضي الله عنه) يوم كذا، وترك (رضي الله عنه) من المال كذا، فانتهره الربيع، وقال بين يدي أمير المؤمنين، توالي الدعاء لأبيك، فقال الرجل: لا ألومك لأنك لم تعرف حلاوة الآباء. دخلسعيد بن مسلم الباهليّ على الرشيد فأومأ إليه بعد السلام فجلس وقال يا أمير المؤمنين: أعرابي من باهلة، وقد ورد عليك، وما رأيت قط أشعر منه، فقال له: أما أنت فإنك قد استنجبت هذين فهبي لي أحجارك. وكان عنده العماني ومنصور النمري، فقال تهيأني لك يا أمير المؤمنين، ثم أذن للأعرابيّ، فدخل وعليه جُبَّة حبر ورداء يماني، قد شدّ وسطه وثناه على عاتقه، وعمامة قد عصتها على حدرية، وأرخى لها عذبة، وألقيت الكراسي فجلس الكسائي، والمفضل الضبي وابن سلم، والفضل بن الربيع. فقال ابن سلم للأعرابيّ: خذ في شرف أمير المؤمنين، فاندفع الأعرابي في شعره، فقال الرشيد: ما أحسنك في هذا الكلام، وأنا أسمعك مستحسناً لك، متهماً عليك، فإن يكن هذا الشعر لك، وأنت قلته من نفسك فقل لنا في هذين بيتين، يعني الأمين، والمأمون. فقال: يا أمير المؤمنين حملتني على العذر غير الجد روعة الخلافة وبَهرُ بديهة ونفور القوافي عن الرُّواة! فأمهلني يا أمير المؤمنين، حتى يتآلف إلى هرابها، ويسكن روعي، فقال: أمهلتك يا أعرابي وجعلت اعتذارك بدلاً من امتحانك، فقال: يا أمير المؤمنين، نفست الخناق، وسهّلت ميدان السباق، وأنشد يقول: بنيت بعبد الله بعد محمدٍ ... ذرى قُبَّة الإسلام فاخضَّر عودها هما طنباها بارك الله فيهما ... وأنت أمير المؤمنين عمودها فقال الرشيد: وأنت يا أعرابي، فبارك الله لك فيك، فاسألنا ولا تكُ مسألتك دون إحسانك، فقالت الهنيدة: يا أمير المؤمنين، فتبسم. فقالت امرأتي: طلقتني يا أبا الجوزاء، فقلت: من أين لك هذا؟ قالت: حدثتني جارتي الأنصارية، قلت: ومن أين لها؟ قالت: ذكرت، أو زوجها خبّرها بذلك، قال: فغدوت على ابن عباس فقصصت عليه القصة، فقال لي: أما علمت أن وساوس الرجل تحدث وساوس، فمن ها هنا يفشو السرّ.

قال أبو نعيم: فكان في نفسي من هذا الحديث شيء، حتى حدثني حمزة بن حبيب الزيات، قال خرجت سنة من السنين أريد مكة، فلما صرت إلى بعض الطريق ضلّت راحلتي، فخرجت أطلبها، فإذا أنا باثنين قد قبضا علي، أحس جسمهما، ولا أرى شخصهما، بل أسمع كلامهما فأخذاني إلى شيخ قاعد على تلة من الأرض، وهو حسن الشيبة، فسلمت عليه فرد السلام، فأفرخ روعي، ثم قال لي: من أين أنت؟ وإلى أين؟ قلت: من الكوفة إلى مكة. قال: ولم تخلّفت عن أصحابك؟ قلت ضليت براحلتي، فجئت أطلبها، فرفع رأسه إلى قوم عنده وقال أنخ راحلته، فأنيخت بين يدي، ثم قال: أتقرأ القرآن قلت نعم. قال: فاقرأ: فقرأت حم الأحقاف، حتى انتهيت إلى (وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مّنَ الْجِنّ) [الأحقاف: 29] . فقال مكانك، أتدري كم كانوا؟ قلت: لا، قال: كنا أربعة، وكنت أنا المخاطب عن النبي صلى الله عليه وسلم لهم، فقلت:"يا قومنا أجيبوا داعي الله، ثم قال: أتقول الشعر؟ قلت: لا، قال: فترويه، قلت: نعم، قال: هاته". فأنشدته قصيدة زهير بن أبي سلمى: [الطويل] أمنْ أمِّ أوفى دِمنةً لم تَكَلَّمِ ... بحوْمانةِ الدَّرَّاج فالمتثلِّمِ فقال لمن هذه؟ قلت: لزهير بن أبي سلمى، قال: لجنيّ، قلت: بل لأنسيّ، ثم رفع رأسه إلى قوم عنده، فقال: ائتوني بزهير فأُتي بشيخ كأنه قطعة لحم فألقي بين يديه، فقال له: يا زهير، قال: لبيك، أمن أمِّ أوفى دمنة لم تكلم، لمن هي قال لي، قال حمزة الزيات يذكر أنه لزهير بن أبي سلمى، قال: صدق وصدقت، قال: وكيف هذا؟ قال هو العي من الإنس، وأنا تابعه من الجن أقول الشيء فألقيه إليه في فهم، ويقول الشيء فآخذه عنه، فأنا قائلها في الجن. وهو قائلها في الإنس، قال أبو نعيم فصدق عندي هذا الحديث، حديث إلى الجزاء أن وساوس الرجل تحدث وساوس، فمن ها هنا تفشوا الأسرار، فاستفرغ المتوكل ضحكاً، وقال إليَّ إليَّ يا فتح قضت عليه خلعة، وحمله على فرس وأمر له بمال، وأمر لي بدون ما أمر له، فانصرفت إلى منزلي، وقد شاطرني الفتح ما أخذ فصار لي الأكثر، والأقل للفتح. قال أبو عبيدة وقف حاجب بن زرارة على باب كسرى يستأذن عليه، فقال كسرى: قولوا له من أنت؟ قال: سيد العرب، فقال كسرى: أما زعمت أنك رجل منهم؟ فكيف تكون سيدهم؟ فقال: أيها الملك، وقفت ببابك، وأنا رجل غير متقدم عليهم، فلما وصلت إلى الملك سُدتهم، فقال كسرى: أحسنت احشوا فاهُ دراً. قيل لأعرابي: ما السيد فيكم؟ قال: من أفشى سلامه، وملك كلامه، وبذل طعامه. قالت الخنساء لعمر كان لله لديك نِعم قد أنعم بها عليك وإحسان قد أحسن به إليك، ثم وصَّاك وعهد إليك أن تغيث الملهوف إذا وفد عليك، فإن كان قد انتزع منك تلك العطية، فقد أباحك ترك الوصية، وإن كانت نعمة لديك نامية فوصيته لك لازمة، وها أنا قائمة بين يديك، ورقيباك شاهدان عليك إن أحسنت إليَّ محسناً سخيَّاً (وَمَن يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ فَأُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر:9] . وإن رددتني كتبناك مسيئاً بخيلاً (وَمَن يَبْخَلْ فَإِنّمَا يَبْخَلُ عَن نّفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَآءُ) [محمد: 38] . ثم ولت منصرفة فاستعادها وردها وقال لا والله ما أرتجع تلك العطية، ولا أباحني ترك الوصية، بل نعمة لدي نامية، ووصيته لي لازمة، فأعطاها ما أمكنه واعتذر. قال أبو العباس: اختلف الناس في الجمائر الثلاثة ماهي، فقال قوم إن العرب كانت توقد النار في الشتاء للاصطلاء في كل يوم ثلاث مرات في حفر فالأولى وقت الغداة فيبقي جمرتها يصطلون بها إلى قريب الظهر، ثم تصير رماداً، فيعودون فيوقدونها ثانياً في الحفرة من وقت الظهر فتبقى جمرته، يصطلون بها إلى وقت المغرب. ثم تنطفىء وتصير رماداً، فيعودون، ويوقدون الثالثة من وقت المغرب، فيصطلون بها، حتَّى يناموا، فإذا كان اليوم السابع من شباط حَمِيت الشمس، وانكسر البرد، فأسقطوا جمره، وهي، التي تكون وقت الظهر وسط النار، فلم يوقدوا، وإذا مضى منه أربعة عشر يوماً نزلت الشمس الحوت واشتد حرها، أسقطوا الجمرة، التي تكون آخر النهار، فإذا جاء يوم الحادي والعشرين أسقطوا جمرة الغداة، ولم يوقدوا شيئاً.

وقال قوم إنَّ النار إذا اصطلى بها إنسان، في أيام شباط حمى كبده، فلهذا يقول سقطت جمرة، ولا خلاف أنها تكون في اليوم السابع إلا في ليلته، وما اختلف المنجمون به لا يطلع لذلك كوكب، ولا تغيب الكواكب، لأن الكواكب لا يختص طلوعها يوم سابع، ولا سادس، لأنه قد يطلع في هذا العام في يوم السابع، واليوم الثاني، أما في السادس، أو في الثامن، أو غير ذلك، فبان صحة قولنا. قال لما كَبُرَ المرتضى، وأسنَّ أخذ العكَّاز يتوكأ عليها، وأنشد: [البسيط] أهدى لي الشيبُ منه رجلاً ثالثةً ... وكنت من قبلها أمشي برجلينِ هديَّةً كنت أبَّاها فصيَّرها ... إليَّ بالرغم مني قُرَّة العينِ أمشي بها، وهي تمشي لي معاونةً ... ما كان أحسنني أمشي بلا عونِ بان الشبابُ وطلَّ الشيب يصحبهُ ... وليتها تبقى بلا عونِ كان أعرابيّ يجالس الشعبيّ، فيطيل الصمت، فقال له: ألا تتكلم؟ فقال: أسمع، وأعلم، وأسكت فأسلم. دخل سابق على عامر بن عبد الله بن الزبير، فنظر إلى ابن له صغير يلعب في الدار، فقال له: لأتحبه؟ قال نعم، قال فأشكله بجميل من أدبك قبل أن يُشكِّل نفسه بما تكره، فتريد تحويله، فلاتستطيع! قال ابن سبرة: ما رأيت على رجل لباساً أحسن من فصاحة، ولا على امرأة لباساً أحسن من شحم. وقال آخر: حلية النساء الذهب وحلية الرجال الأدب. كتب صاحب البريد من الخيل إلى المعتصم يخبره بكثرة الكلأ وخصب السنة، فقال لوزيره ما الكلأ؟ قال: لاأدري، قال المعتصم: إنا لله خليفة أمِّي، ووزير عاميّ. قال كان ليحيى بن خالد البرمكي كاتب يختص بخدمته، فعزم على ختان ولده، فاحتفل الناس له وهاداه الأكابر وحمل عليه الأعيان الظرائف، وكان له صديق قد اختلف حاله وعجز عما يريده لذلك، وكان من الظرفاء، واللطفاء. فعمد إلى كيسين كبيرين فملأ أحدهما ملحاً مطيباً، والآخر أشناناً مكوفراً وكتب معهما رقعة يقول فيها، لو تمت الإرادة لأسعفت بالعادة، ولو ساعدت المكنة على بلوغ الهمة لأتعبت السابقين إلى برِّك. وتقدمت المجتهدين في كرامتك، ولكن قعدت القدرة عن البغية وقصرت الجدَّة عن مباراة أهل النعمة، وخفنان تطوي صحائف البرّ، وليس لي فيها ذكر، فأنفذت بالمبتدأ بيمنه وبركته، والمختتم بطيبه ونظافته، صابراً على ألم التقصير، ومتجرعاً عفص الاقتصار على اليسير، فأما ما لم أجد إليه سبيلاً في قضاء حقك، فالقائم فيه بعذري، قول الله تعالى (لّيْسَ عَلَى الضّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىَ الْمَرْضَىَ وَلاَ عَلَى الّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ) . [التوبة: 91] . ثم حضر يحيى بن خالد الوليمة، وعرض على صاحبه جميع ما حمل إليه، ومن جملتها ذلك الملح، والأشنان، والرقعة فاستضرف الهدية، وأعجب بالرقعة، وأمر خازنه أن يملأ الكيسين عنباً، وينفد بهما إلى الرجل، وكان مبلغ ذلك أربعو آلاف دينار. ورد أعرابي البصرة فحضر يوم الجمعة، والمؤذنون على المنارة، ولم يكن عهد الأذان، والمنارة، فقال ما هذا؟ فقال له بعض المَجَّانّ: من كان في قلبه حاجة يصعد إلى هذه العلية، ويذكرها ظاهراً فيعطى مناه، فقال: فإني، والله أصعد، وأذكر حاجتي، فقال الماجن لنقيب المؤذنين هذا الأعرابي حسن الصوت بالأذان، فدعه ليؤذن، فصعد، وتنحنح، ثم اندفع يقول: [الطويل] جزى الله عنّا ذات بعلٍ تصدقت ... على غربٍ حتى يكون له أهلُ فإنا نجاريها لما فعلت بنا ... إذا ما تزوّجنا وليس لها بعلُ أفيضوا على غربائكم من نسائكم ... فما في كتاب الله أن يحرم الفضلُ فتسارع الناس إليه، وطرحوه عن المنارة فمات، فقال بعض نساء أهل البصرة رحم الله ذاك المؤذن، فما كان أطيب صوته، وأذانه. قال علي بن الجهم: دخلت على المأمون فرأيته مضطجعاً وعنده تفاحة معضوضة، بعث بها إليه بعض جواريه مكتوب عليها بالذهب: لا بارك الرَّحمن في عاشقٍ ... يأكل تفاح محبيه فقال لي المأمون: يا علي قل في هذه التفاحة ثلاثة أبيات ولك بكل بيت ألف دينار، فقلت: [البسيط] تفاحةٌ جرحت بالدّرّ من فيها ... أشهى إليّ من الدّنيا، وما فيها جاءت بها ظبيةٌ من عند غانية ... نفسي من السوء، والآفات تفديها

لو كنت ميتاً ونادتني بنغمتها ... إذن لأسرعت من لحدي ألبيها فقال هات قلت: [البسيط] بيضاء في حمرة علتْ بغالية ... كأنّها قطفت من خدّ مهديها فأمر لي بأربعة آلاف دينار، فأخذتها وخرجت. قال أبو الفضل جعفر بن الفرات الوزير، هذا الكلام مجرّب لكل علّة، بسم الله، ويضع يده على الأرض، ويمسحها على موضع الوجع، ويقرأ: (وَإِنّا عَلَىَ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18] . سبع مرات فإنه يزول بإذن الله، سبحانه، وتعالى، لابن حجّاج: أقول لحمأةٍ وقد طال أمرها ... أردّت وما بي الله أن تكسفي البدرا فقالت معاذ الله لكن أثبتهُ ... لأمرين قد أوضحت بينها القدرا أبشره بعدي بطول حياته ... صحيحاً كما أهوى وأكسبه أجراً سأل الوليد بن عبد الملك شراعة الشاعر عن طيب المجالس فقال: لولا أن المطر يغرق، والشمس تحرق، لما كان في الدنيا أحسن من شرب على وجه السماء وضوء الماء، وصفو الهوى، وخضرة الكلأ، وسعة الفضاء. دعا رجلٌ قوماً فيهم أبو نواس، فجلسوا، وطالوا وجاعوا، والرجل يدخل، ويخرج، فقال له أبو نواس: [السريع] يا ذاهباً في داره جائياً ... من ما معنى ولا فائدة قد جُنّ! أضيافك من جوعهم ... فاتلُ عليهم سورة المائدة قال دعبل دعاني صديق لي مع جماعة من أخوانه، فوضع بين أيدينا عصيدة قد حفر وسطها، وجعل فيه سمناً كثيراً فأخذ أحدهم منها قطعة وغمسها في السمن، وقال: (فَكُبْكِبُواْ فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ) [الشعراء: 94] . وجرّ السمن إليه، فقال آخر: (أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) [الكهف: 71] . وجرّ السمن إليه، فقال الآخر: (فَسُقْنَاهُ إِلَىَ بَلَدٍ مّيّتٍ) [فاطر: 9] . وجرَّ السمن إليه فلم يتكلم أحد، فقلت أنا: (وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ وَقُضِيَ الأمْرُ) [هود: 44] . وخلطت السمن بما بقي فأكلته. رُوي: أُخذ نصراني مع مسلمة قد فجر بها في انقضاء صومهم، وأول شهر رمضان، فضرب خمسمائة سوط. فأسلم، وألزموه مهر مثلها، وكان مهرها أربعة آلاف درهم، فوزنها، ثم شرع في صوم رمضان، وألزموه بالختان فختن، فلقيه رجل من العدو قال له، كيف أصبحت، فقال أصبحت بأعظم مصيبة ابن آدم خرجت من ديني ودين آبائي، وقطع ثلثي ذكري، ووزنت أربعة ألاف درهم، وضربت خمسمائة سوط، وأصوم تمام ثمانين يوماً وحصل في بيتي قَحْبة. قيل أن أعرابياً بعث إلى امرأته بنحيٍ سمن وثلاثين شاة، فأخذ الرسول بعض ما في النحي، وأخذ من الغنم شاة، فقالت المرأة للرسول أبلغه السلام، وقل له، إنا جرينا الأسود الذي كان يطالعنا أتانا من بها، وإنّ هلالنا كان محاقاً، فلما أدى إليه الرسالة، قال يا عدو الله أخذت شاة من الغنم ونقصت النَّحي، ولم يفارقه، حتى استرد منه ما أخذ. ذكر ابن السمعاني في التبديل: بينما الشافعي رحمة الله عليه ببغداد في حلقة المناظرة إذا طرحت بين يديه رقعة، فقرأها علينا وفيها مكتوب: [الطويل] عفا الله عن عبدٍ أعان بدعوةٍ ... خليلين كانا دائمين على الودّ إلى أن وشى واشي الهوى بنميمةٍ ... إلى ذاك من هذا فحالا عن العهد قال الشيخ الإمام العالم مهذّب الدين، بقية السلف، شيخ العرافين أبو الحسن سعد الله بن نصر بن الدجاجيّ، مصّنف هذا المجموع، رأيت رقعة ملصقة في محراب مسجدي، المختارة من بغداد وفيها مكتوب: [الطويل] شكونا شكونا لى ذي العرش لم تقاصرت ... عن المبتغى أيدي العباد جميعاً فكن مسعدي يا ابن الدّجاجيّ بدعوةٍ ... عسى يا ابن نصرٍ أن تجاب سريعاً وأن يلتقي هذا الغريب بأهله ... فيطغى جوىً، أو أن يلذّ هجوعاً فقد مزّقت أيدي النّوى ثوب صبره ... وملّ فأذرى أدمعاً ونجيعاً فكتبت تحته: [الطويل] أعادك يا هذا الغريب مسلماً ... إلى جمع شملٍ عاد فيك قطيعا وسرّك باللقيا لقوم تحبهم ... وضمّكموا ربع الوصال سريعا جاء سائل إلى الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله يطلب شيئاً ما. حضر عنده، ثم أنشأ يقول: [البسيط] يا لهف نفسي على مالٍ أفرّقه ... على المقلّين من أهل المروءات

إن اعتذاري لمن قد جاء يسألني ... ما ليس عندي لمن إحدى المصيبات قال أحمد بن معاوية بن بكر، كانت أم هشام بنت منظور بن زبان عند عبد الله بن الزبان، فلما قتله الحجّاج من قبل عبد الملك بن مروان، بعث إليها عبد الملك بن مروان من يخطبها عليه، فلما بلغها الخبر. قالت يقتل بعلي بالأمس واتزوجه اليوم، ثم خافت إن ردته تضر بأهلها، وبها في نقيها، وكانت من أجمل النساء، وأحسنهن ثغراً، فدعت بفهر يعني حجراً، فحطمت به فاها، فكسرت ثناياها، وبعد أيام، تلثمت، وأذنت لرسوله، فلما أبلغها الرسالة قالت: ما لأمره مردّ، ولا وراءه مذهب، ثم كشفت عن فيها وقالت: ما أحسب لأمير المؤمنين فيّ حاجة، بعد ما ترى، وحسرت عن فيها، فلما رأى رسوله ذلك انصرف إليه، فأخبره، وأمسك عنها. وقال ابن عائشة حدثني أبي قال: كانت عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل عند عبد الله بن أبي بكر الصديق، فزاد حبه لها، حتّى شغلته عن سوقه وصنعته، فقال أبوه يا بني قد شغلتك هذه عن صنعتك وسوقك، فطلقها واحدة، ثم اشتد وجده عليها فجاء لأبيه على طريقه، وأنشده، وهو يبكي: [الطويل] ولم أر مثلي طلقّ النّوم مثلها ... ولا مثلها من غير ذنب تطلّقُ فرق له أبوه، وأمره بمراجعتها، فلم تزل عنده، حتى ضنى من السهم الذي أصابه في الطائف، ومات عنها، فرثته وقالت: فُجعت بخير الناس بعد نبيهم ... وبعد أبي بكر وما كان قصَّرا فآليتُ لا تنفك عيني سخينةً ... عليك ولا ينفكُّ جلدي أغبرا مدى الدهر ما غنت حمامةٌ أيكةً ... وما طرد الليل النهار المنوِّرا فلله عيناً منْ رأى مثله فتىً ... أكدُّ، وأحمى في الهياج، وأصبرا ومنها: إذا شرعت فيه الأسنةُ خاضها ... إلى الموت حتى يترك الموت أحمرا قال ابن عائشة فقلت لأبي أنشد ما قدمته، قال إنه كان قديم الإسلام، وكان يختلف إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وإلى أبي بكر وهما بثور، تعني جبلاً اسمه ثور بالطعام. قال محمد بن عمر: فلما هلك عبد الله بن أبي بكر خلف عليها عمر بن الخطاب، قال حماد بن سلمة، وقد كان عبد الله بن أبي بكر أعطاها أربعة آلاف درهم، وقال ابعثي بها إلى أبي بكر، فإن هذا لا يصلح، قال فأولم عليها عمر، ثم دعاه أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجاء الزبير فجلس قريباً من المخدر وقال: فآليت لاتنفكُّ عيني سخسنةً ... عليك ولاينفكّ جلدي أغبرا فقال عمر ما أردت بذلك، قال أردت أن أذكرها العهد، قال: وكانت تحضر الصلاة، وكانت جميلة، وكان عمر غيوراً، وكان يقول لها لو أنك صليت في بيتك، فتقول لا، والله، أو تنهاني لا، والله، لا أنهاك، وقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول:"لا تمنعوا إماء الله مساجد الله". فلم تزل عنده، حتى قتل رحمه الله ورضي عنه فرثته وقالت: [الخفيف] فجعتني المنون بالفارس المعلّمِ ... يوم الهياج والتلبيبِ عصمة الناس والمجير على الدهر ... وغيث المكروب والمخروبِ قل لأهل الضَّرَّاء والبؤس موتوا ... قد سقته المنون كأس شغوبِ قال فخلف عليها بعده الزبير، وكان يقول لها لو صليت في بيتك فتقول مثل مقالها لعمر، قال حماد بن مسلمة، فخرجت يوماً مغسلة وخرج الزبير في أثرها متنكراً، فدنا منها فضرب بيده على أوراكها، فلما رجعت لزمت بيتها، ولم تخرج فكان يقول لها لم تركت الصلاة في المسجد فتقول هيهات فسد الناس يا أبا عبد الله، فقتل عنها فرثته، وقالت شعراً: [الكامل] عدير ابن جرموز بفارس بهِمَّةٍ ... يوم اللقاء، وكان غير معردِ يا عمرو لو نبهته لوجدته لا طائشاً ... رعش السِّنان، ولا اليدِ سألت عينيك إن قتلت لمسلماً ... حلَّت عليك عقوبة المتعبِّدِ فخلف عليها محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، فلم تزل عنده، حتى قتل عنها ومثلوا به، فإنهم أدخلوه جوف حمار، ثم حرقوه، فقالت: [الطويل] فإن تقتلوا أو تمثلوا بمحمَّدٍ ... فما كان من أجل النِّساء ولا الخمرِ قال أبو الحسن المدائني، فكان ابن عمر بعد ذلك يقول: من أراد الشهادة فليتزوج عاتكة بنت زيد.

قارع الزبير بن العوَّام عثمان بن عفان (رضي الله عنه) فقال الزبير مفتخراً، أنا ابن صفية، قال: هي أذيتك من الظل، ولولاها لكنت صاحباً. ذكر أن أبا نواس استأذن على الأمين، وعنده بعض جلسائه، فقال يا أمير المؤمنين: ائذن لي في تحريك أبي نواس، إذا دخل، فقال له: أخاف عليك جواباً مسكتاً، فقال قد أمنَّك الله ذلك، قال فدونك، وهو، فلما دخل واستقر به المجلس، قال له البشري: يا أبا نواس، قال على ماذا، قال قد ولاك أمير المؤمنين الرئاسة على القردة، فقال له فاسمع إذن وأطع، فإنك من الرعية، فضحك الأمين وقال للمعرض نهيتك، فلم تنته فذُق. بعض العباد رفسته دابة فكسرت رجله، فأتاه من يعوده، فقال لولا مصائب الدنيا، لوردنا الآخرة، ونحن مفاليس. قال محمد بن علي إن الله سبحانه خدع المؤمنين بعضهم من بعض، سبحانه أو ليس قد استغفرت له فيقول يا رب متى؟ فيقول في اليوم الفلاني، قلت اللهم اغفر لي، وللمؤمنين، والمؤمنات، فإن شئت قبلتها منك، وهي أحدهم، وإن شئت رددتها عليك، وأنت أحدهم، فيقول قد شئت أن تقبلها مني فتزول المظلمة منذ ذلك، فخدع الله المؤمنين بذلك. للمعري في تأديب الولد الصغير: اضرب وليدكَ، وأذلِلهُ على رَشَدٍ ... ولا تقل هو طفلٌ غيرُ محتلمِ فربَّ شقِّ برأسٍ خيرُ منفعةٍ ... وقسْ على نفع الرَّأس بالقلمِ حكى الأصمعي قال: كنت ببعض البوادي، فمررت بشيخ وبين يديه صبي وصبية، وهو يرقص الصبية، وينشد: [المنسرح] بنيتي ريحانتي أشمُّها ... يعجبني التزامها وضمُّها فديتُ بنتي ... وفديت أمها فقلت له أما لهذا الصَّبي فيما أنت فيه حظ؟ فقال بلى قد أخذ حظ، فقلت ما اسم الصبي؟ فقال: حكيم، قلت فهل قلت فيه شيئاً قال نعم، وأنشد [الطويل] يقرُّ بعيني، وهو ينقص مدَّتي ... مرور الليالي إن يشبَّ حكيمُ مخافة أن يغتالني الموت دونه ... فيغشى بيوت الحيِّ، وهو يتيمُ ثم فارقته برهة من الدهر، وغدوت، وإذا بالشيخ جالس، وقد كبر فدنوت منه وسلمت عليه، وسألته عن ولده حكيم، فقال هو سيد أهل الحي اليوم فقلت كيف هو معك مما كنت معه في صغره فأنشد: [المتقارب] فديتك من رايحٍ يعتدي ... إذا ما البيوتُ اكتسيْنَ الجليدا كفيتُ الذي كنت أكفيتهُ ... فصرتُ أبالي وصرتُ الوليدا غبت عنه مدة، وعدت، وإذا به خارج بين يديه جنازةٌ، فقلت يا شيخ ما صنع حكيم، فقال مات حكيم: [الطويل] لقد كنت أرجو من حكيم إيابهُ ... عليَّ إذا ما النعشُ، ولا تدانيا فعجَّل قبلي يومهُ فارتديتهُ ... فيا شؤم نفسي من رداءٍ عدانيا ثم أنشد: [الكامل] يا مؤنساً سكن الثرى وبقيتُ ... لو كنت أنصف إذ فنيتَ فنيتُ الحيُّ يكذب لا صديق لميّتٍ ... لو كان ذاك يُميت كنت أموتُ قيل إنه مر سليمان بن وهب بقبر عبد الله بن يحيى بن خاقان قرب موته، فأنشد شعر مهلهل: [الكامل] ذهب الخيارُ من المعاشر كلهمُ ... واستبَّ بعدك يا كليبُ المجلسُ وتنازعوا في كلِّ أمر مُلّمَّةً ... لو كنت ثم شهدتهم لم ينجسوا قال المنصور الخالدي كنت ليلة عند القاضي في ضيافته فأغفا إغفاءة فخرجت منه ريح فضحك بعض القوم، فانتبه لضحكته، ففطن، ثم مكث هنيهة، ثم قال: [الطويل] إذا نامت الفتيان من متيقظ ... تراخت بلا شك تسابيح فقحتهِ فمن كان ذا عقل فيعذر نائماً ... ومن كان ذا جهلٍ ففي جوف لحيتهِ دخل عبيد الله بن زيد بن ضبيان على عبد الملك بن مروان، وفي خفه مهماز مكسور، فما وضع رجله على شيء من فرشه إلا أخرقه، فاغتاظ منه، إلى أن وصل إلى جنبه، فقال له عبد الملك: يا عبيد الله بلغني أنك لا تشبه أباك. قال، والله إني لأشبه بأبي من الماء بالماء، والبيضة بالبيضة، والغراب بالغراب، والتمرة بالتمرة، وإنما الشنآن فيمن لا تنضجه الأرحام، ولم يولد لتمام، ولم يشبه الأخوال، والأعمام، وكان عبد الملك قد ولد لستة أشهر، فقال عبد الملك، ومن ذاك، فقال سويد بن منجوف.

وكان سويد أميراً جالساً بين يديه، ثم خرج عبيد الله وجلس على سرجه، ينتظر سويداً، فلما خرج ابتدره سويد، فقال، والله ما ساءني ما جرى بعد لقيته لهذا الجبار بما لقيته، وكان هذا عبيد الله قد مات أبوه، وخلفه ابن ست سنين. وقال له يا بني إلى من تحب أن أوصي بك؟ فقال يا أبت، إذا لم يكن للحي إلا وصية الميت، فالحي هو الميت، فقال له أبوه أنت، والله ولدي حقاً، فلما مات أبوه، قلدته أمه بالسيف فقصر عنه، وطال السيف عليه، فقلدته الشمل ودخل على عبد الملك، فقال يا عبيد الله إلى من وصّى بك أبوك؟ فقال: إن أبي أوصى إليّ، ولم يوصي بي، فلما ركب، ركب لركوبه عشرون ألفاً من قومه، وهو الذي قتل مصعب بن الزبير، وجاء برأسه إلى عبد الملك، فلما رآه سجد له، وأمر له بألف دينار، فقال لا تعطيني لقتل مصعب ألف دينار، والله ما قتلته لا لك، ولا لأجلك، ولكن لذحل كان بيني وبينه، ثم ندمكيف لم يضرب رأس عبد الملك بالسيف حين سجد فيكون قد قتل ملكي العرب. جاء رجل إلى الحجَّاج، فقال يا أمير المؤمنين: عصا عاصي من غرب الحي، وأنا عريف قومي، هدمت داري، وخلف على اسمي وحرمت عطائي، فقال له الحجَّاج: أما سمعت، قول الشاعر حيث يقول: جانيك من يُجني عليك وقدْ ... أجدى الصِّحاحُ مبارك الحربِ ولَرُبَّ مأخوذٍ بذنب قرينهِ ... ونجا المقارف صاحب الذنبِ فقال له الرجل: ما قاله الله خير مما قال الشاعر قال، وما الذي قاله الله (عز وجل) ، قال: قال سبحانه وتعالى: (أَلاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىَ وَأَن لّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاّ مَا سَعَىَ) [النجم] . فقال الحجاج صدق الله وكذب الشاعر، يا غلام ابن داره وأعد اسمه واردد عليه عطاءه. ذكر بعض المفسرين في قوله تعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم) [البقرة: 237] . قال: اصطناع المعروف. قيل إن سبب نقمة الرشيد على البرامكة، أن ميمونة أخت الرشيد هويت جعفراً بن خالد البرمكي، وكانت تراسله وتلاطفه ليزورها، فيأبى عليها، ويخاف الرشيد أن يخونه في أهله وحريمه، فلما انقطعت حيلتها صنعت له طعاماً وسألت الرشيد أن يتغدى عندها فأجابها. وكان لا يصبر عن جعفر لمحبته له، فقال وأخي جعفر، قالت: نعم، فلما أكلا وجلسا إلى المساء يتحدثان، وأرادا الانصراف، فقالت يا سيدي قد اشتريت لك جارية منذ سنتين، أديبة عاقلة كاملة حسنة، وإنما أردتها لهذه، فتبيت معها عندي، فتقر عيني بذلك، فقال وجارية أخرى لجعفر، فلما أدخلت على الرشيد جاريته، لبست ميمونة فاخر ثيابها، وتعطرت ودخلت على جعفر، وهو لا يعلم من هي فباتت معه ليلته. فلما أصبحت قالت إني ميمونة أخت أمير المؤمنين قد كنت أراسلك، وألاطفك على أن تحبوني بمودتك، فأبيت، فلما يئست منك، احتلت لهذه الحيلة، وأشهد الله لئن لم تزرني لأفضحنك ونفسي، فخاف من شرها، ودقيق حيلتها، ولم يأمنها، فكان يزورها، حتى ظهر الرشيد على أمرهما، فقتلها وقتله، واستأصل البرامكة. قال المنجمونلكسرى إنك لتقتل، قال لأقتلن قاتلي، ثم أمر بسم فخلطه في أدوية وجعله في برنية، وكتب عليه هذا دواء للجماع مجرَّب، من أخذ منه وزن كذا جامع ما شاء، وجعله في خزانة الطبيب، والأدوية، فلما ابنه شيرويه، رآه في خزانته، فقال بهذا كان يقوى أبي على الجماع، فأكل منه فمات مكانه. يقال إن عروة بن حزام توفي وجداً بحليلته عفراء، فمر به ركب فعرفوه، وهو ميت، فلما انتهوا إلى منزل عفراء صاح منهم رجل: [الطويل] ألا أيَّتها القصر المغفَّل أهلهُ ... إليكم نعينا عروة بن حزام فسمعت عفراء فأشرفت من القصر وقالت: [الطويل] ألا أيها الركب المحثون ويحكم ... أحقٌ نعيتم عروة بن حزامِ فأجابها رجل من القوم: [الطويل] نعم قد دفَّناه بأرض بعيدة ... مقيمٌ بها في سبسب وآكامَ فقال مجيبة له: [الطويل] فإن كان حقاً ما تقولون فاعلموا ... بأن قد نعيتم بدر كل ظلامِ فلا هنىء الفتيان بالعيش بعده ... ولا رجعوا من غيبة بسلامِ ولا وضعت أنثى تماماً مثله ... ولا بُشِّرت في بعده بغلامِ ولو تبلغوا ما قد توجتموه لهُ ... ونغصتموا الذات كلَّ طعامِ

ثم سالتهم أين دفنوه، فأخبروها، فسارت إلى القبر تسألهم النزول لحاجتها، فانسلت إليه، فما رابهم إلا صوتها فبادروا إليها، وهي ميتة، فدفنوها إلى جانب قبره، وكذلك يحكى أن توبة بن الحمير كان يهوى ليلى الأخيلية، فقال فيها: [الطويل] ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندلٌ وصفائحُ لسلمتْ تسليم البشاشة أورقا ... إليها صدىً من جانب القبر صايحُ وأغبط من ليلى بما لا أناله ... ألا كل ما قرَّت به العين صالحُ فقيل إنها مرت عليه، وقيل لها هذا قبره فاطلعت من الهودج وقالت، السلام عليك يا توبة، ثم حولت وجهها إلى القوم، وقالت: ما عرفت له كذبة قبل هذه، فأين قوله، وذكرت الشعر، فما باله لا يرد السلام، وكان إلى جانب القبر بومة كامنة، فلما رأت الهودج طارت، فنفرت الناقة، وألقتها فماتت من وقتها، فدفنت إلى جانب قبره. لما قتل مصعب بن الزبير، خرجت سكينة بنت الحسين (رضي الله عنه) ، تريد المدينة، فأطاف بها أهل الكوفة، فقالوا أحسن الله صحابتك يا بنت رسول الله، فقالت: والله لقد قتلتم جدي، وأبي وعمي فزوجي مصعباً، أيتمتموني صغيرة، وأيتمتموني كبيرة، فلا عافاكم الله في أهل بلد، ولا أحسن عليكم الخلافة. في الأمثال: أنْ عجوزاً كان لها دجاجة، كانت تعيش بما تلتقط من الأرض، وتبيض في كل يوم بيضة تنتفع بها العجوز، فقالت العجوز لو زدت في علفها، لكانت تبيض في كل يوم بيضتين، فجعلت تواسيها في قوتها فسمنت الدجاجة، فانقطع بيضها بالكلية، وهذا بأن الإحسان ربما ضر. مثل آخر: دخل جردان إلى دكان حداد، فصادف المبرد، فلم يزل يلحسه، حتى سقط لسانه-وهذا مثل لمن يضر نفسه باللحاح في الباطل. جاء رجل إلى هلال بن العلاء، فقال قد تزوجت، وأريد الليلة آتي بها، فادع الله تعالى بالبركة، فقال رزقك الله البركة، وشدة الظفر عند المعركة. لما مات الحجاج وجدوا في حبسه رجلاً له عشرون سنة، فنظروا ذنبه فإذا به قد ضرط في المسجد، فقال ابن عباس لو خريء في الكعبة لما زيد على هذه العقوبة، فلما أطلق من حبسه، ذهب وهو يقول: [الطويل] إذا نحن جاورنا مدينة واسطِ ... خرينا وصلّينا بغير حسابِ قال بعضهم، رأيت أعرابياً قد عبر على هشام بن عمر الزهري، وهو أمير الجزيرة بالموصل، فلما بصر به الحجاج ابتدروه ضرباً، فرفع صوته فبصر به هشام فأحضره، قال: من أي العرب أنت؟ قال: من مضر، قال من أيها؟ قال من عقيل، قال: فما أقدمك هذه البلدة؟ قال الأمل، والطمع وحسن الظن، فقال: هل جعلت لحسن ظنك، وأملك سلماً إلى حاجتك؟ قال نعم أيها الأمير: أبياتاً قلتها في ظاهر البرية فاستحسنتهن جداً جداً، حتى إذا وردت إلى باب الأمير فرأيت ما عنده من الهيئة، والأهبة وعظم الشأن وشدة السلطان استصغرته جداً. فلجأت إلى السكوت والاعتذار. فقال له هشام: يا أعرابي هل لك أن توقع بيننا شرطاً لا نخلفه نحن، ولا أنت؟ قال: وما هو؟ قال: نحضر ألف درهم ندفعها إليك ونشهد الله عليك، ومن حضر، وتنشد أبياتك، فإن كانت أقل من الألف لم تنقصك شيئاً، وإن كانت أكثر من الألف لم نزدك شيئاً. قال الأعرابيّ: رضيت، ثم أنشد يقول: [الطويل] ما زلت أخشى الدهر، حتى تعلقت ... يداي بمن لا يتقي الدَّهر صاحبهْ فلما رآني تحت ظل جناحه ... رأى مرتقاً منِّي عزيزاً مطالبهْ رأي جبلاً قد جاوز الحرث في الثرى ... كما جاوزته في السَّماء كواكبهْ وليس يخاف الدهر من كان جاره ... هشام ولا يخشى عليه نوائبهْ فتى كسماء الغيث والناس تحته=من الخلق يحكي فعله ويقاربهْ فضحك هشام وقال: ياأعرابي قد جرنا عليك، ماهذه قيمة أبياتك، بل قيمتها عشرون ألف درهم، فقال الأعرابيّ: إن لي فيها شريك ولا يجوز البيع إلا يرضى الشريك، فضحك هشام من خبث الأعرابيّ ودهائه، وقال يا أعرابيّ كأنك حدثتك نفسك بالخيانة وبالنكث، فقال الأعرابي أيها الأمير رأيت النكث أحسن من الخيانة في الشركة، فازداد هشام تعجباً، وأمر بعشرين ألف درهم فأخذها وانصرف-لبعضهم: [البسيط] عندي حدائق جود من نوالكم ... قد مسَّها عطشٌ فليسقِ من غرسا تداركوهما وفي أغصانها رمقٌ ... فليس يرجى اخضرار العود إن يبسا

ولا يرينكموا طول احتباسكم ... فالغيث أنفع ما يأتي إذا احتيسا من قل دقيقة قل رفيقه، يقال من تمام الضيافة الكلام عند أول وهلة، وإطالة الحديث عند المواكلة، يقول: العرب ذهب أبيضاه شحمه وسنانه (وذهب طيباه أكله ونكاحه) . قيل لأبي العيناء إن ابن حمدون يضحك منك، قال [159] كذا، قال الله: (إِنّ الّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ) [المطففين: 29] . جاء المطر فوقعت دار أبي علي الضرير، وكان من ظرفاء أهل بغداد فأنشد: [الخفيف] من تكن هذه السماء عليه ... نقمةً أو يكنْ بها مسروراً ولقد أصبحت عذاياً وبؤساً ... ولقينا منها أذىً وشروراً أيها الغيثُ كنت بؤساً وفقراً ... والناس حنطةً وشعيرا كتب أبو العيناء إلى سليمان بن وهب الوزير: أنا أصلح الله الوزير زرع من زرعك، إن سقيته راع وزكا، وإن تركته ذبل وذوى، وقد مسني من الوزير، أصلحه الله حقاً بعد برٍ، وتغافل بعد تعهد، حتى شمت عدوّ، وتكلم حاسدٌ، ولله در أبي الأسود حيث يقول: لا تهنّي بعد إكرامك لي والسلام، قيل لرجل من أصحاب السرايا تقدم وقاتل وخذ مائتي دينار صحاحاً، فأومأ بيده إلى رأسه وقال: أخاف أن يذهب رأس المال، ثم أنشد: [الطويل] فلو أنّ لي رأسين أذخر واحداً ... وألقي الأعادي بعد ذاك بواحد لأقدمت في الهيجاء إقدام باسل ... ولم أك هيّاباً لوقع الشدائد ولكن رأسي إذا ما فقدته ... وفارقني يوماً فليس بعائد سئل الحسن البصري، لأي سبب أستحب صيام الأيام البيض، ففكر، ثم قال لا أدري، فقال أعرابي عنده لكني، أدري، قال: وما هو؟ قال: لأن القمر يخسف فيها، ولا تخسف في غيرها، فأحب الله أن لا يحدث في السماء آية إلا حدث في الأرض عبادة، فقال الحسن عند الأعرابي علم، فأسألوه. يعجبني، قول ابن الرومي: [الوافر] وقالوا في الهجاء عليك إثمٌ ... فقلت الإثم عندي في المديح لأني إن مدحتُ أقول زوراً ... وأهجو حين أهجو بالصَّحيح ولابن الرومي: [السريع] لا تلح من يبكي شبيبته ... إلا إذا لم يبكها بدم لستا تراها حق رؤيتها ... إلا أوان المشيب والهرمِ ولربَّ شيء لايبيته ... وجدانه إلاّ مع العدم كالشّمسِ لا تبدو فصيلتها ... حتّى تغشى الأرض بالظلم ذكر أن بعض الأغنياء افتقروا إلى أن تعذر عليه قوته، فكتب بخطه شفاعة الوزير ابن مقلة، تزويراً عن لسان أبي عمر القاضي، سأله معيشة، ثم سلمها إليه بيده، إلى ابن مقلة في ديوانه، فما شك أنها خط القاضي، فقرأها وقال كرامة لشفاعته وطاعة، اجلس، قال: فجلست، وأنا ورجل من القاضي أبي عمر. وإذا به قد دخل إلى الوزير فأكرمه وقال الآن وصلت رقعتك وشفاعتك، وأنا مهم بتحصيل شغله، فقال له القاضي: وأيّ رقعة هي؟ قال: فأخرجها وسلمها إليه، فقرأها وانشغل بالنّاس، فجعل القاضي ينظر إلى الناس، فلم يرى غيري، وأنا أتودد، وأتلون، فقال للوزير إي والله، ومن أجله حضرت، وهو من بيت كبير وفضل غزير، وفيه الكفاية، فرفع الوزير إلي حاجبيه. وقال، قل لكتبة الديوان، يعرضون عليه الأعمال جميعها، الخالية، والمشغولة، ويسلم إليه ما يختار، وتضعف الجباية، فقال القاضي، ويكون معه غلامي ليعلم عنايتي به، وقال لغلامه، إذا قضيت حاجتهفاحمل إلي، قال فأعرضوا علي الأعمال فاخترت ما أردت، ثم حملني الغلام إلى دار القاضي فأجلسني، وجاء القاضي فغير ثيابه، فلما حضرت عنده خجلت، فقام إلي، وأكرمني. وقال: أيها الشيخ ما ملكني أحد يمثل منتك، فقلت الله الله في أمري قد فعلت ما يجب فيه التلف، أو قطع اليد، فقال لا، والله إلا الكرامة، كيف رأيتني أهلاً لشفاعتك من دون أرباب المناصب، وجملتني عند الوزير بتلك الألفاظ، والبلاغة التي لم تخجلني فبها بلحنة، ولا بغيرها. ثم قال للغلام، هات ما معك فأعطاني كاغدا فيه خمسون ديناراً، وقال استعن بها على حالك وإصلاح ترحك. إلى أن يهيأ شغلك، ثم قام فودعني، وودعته وانصرفت.

فألقى السيف في النطع، وقال أف لك، أما والله لو كان من سيوف الأجداد ما نبا، فغضب

كان المهدي يقرّب رجلاً من بني أمية من ولد سعيد بن العاص، وكان بعض بطارقة الروم، قد عاث وكثر فساده على من يليه من أهل الثغر، فكتب المهدي إلى عماله في أسره وحمله إليه إن ظفروا بهن فاحتالوا، حتى أسروه وحملوه إليه، فجلس حافلاً، وأحضر الأسير مكبلاً، وكان الأموي جالساً قريباً من المهدي. فأراد المهدي أن يكرمه، بأن يوليه قتلة البطريق، فقال قم يا أخا بني أمية واضرب عنقه، وعلى النطع سيف بمالي قاطع من سيوف الخلافة، فقام، وتناول السيف وضرب به رأس البطريق ثلاث ضربات، ولم يخط فيه خطاً. فألقى السيف في النطع، وقال أفٍ لك، أما والله لو كان من سيوف الأجداد ما نبا، فغضب المهدي، فوثب يقظان بن موسى، وتناول السيف واستأذن، وضرب به رأس البطريق فأزاله، ثم قال: يا أير المؤمنين إن هذه سيوف الطاعة، لا تعمل إلا في أيدي أهلها، فسر المهدي وكأنه نشط من عقال، فقال أبو دلامة: [الخفيف] أيها الإمامُ سيفكُ ماضٍ ... يمين الوليُّ غير الكهامِ فإذا ما نبا بكفٍ علمنا ... أنها كفُ مُبغض للإمامِ قال أبو محمد بن حمدون، عاهدت الله تعالى، أن لا أعتقد مالاً من القمار، وأنه لا يقع في يدي منه شيء إلا ضيعته في ثمن شمع يحترق، أو نبيذ يشرب، أو خدر مغنية، فلاعبت يوماً المعتضد بالنرد، فقمرته سبعين ألف درهم ونهض يصلي العصر قبل أن يأمر بها، فجلست أفكر، وأندم كيف حلفت. وقلت كم عساي أشتري شمعاً ونبيذاً وخدر مغنية، فلم حلفت، ولم بادرت؟ ولو لم أكن حلفت لاشتريت بها صيغة، وكانت اليمين بالطلاق، والمعناق، وصدقة الملك، فلما أغرقت في الفكر، والمعتضد يراني، وأنا لا أشعر، فلم يسلم، قال لي فبماذا أنت؟ قلت في خير يا مولاي، قال بحياتي فصدقته الحال. قال وعندك أني أريد أعطيك قمار سبعين ألف درهم، فقلت، وتصنعوا، قال نعم، قد صفوت قم، ولا تفكر في هذا الطمع، ثم مر يصلي، فلحقني غم شديد أشد من الأول، وقلت لم صدقته الحال، فلما فرغ من صلاته، قال يا أبا عبد الله، بحياتي أصدقني عن الفكر الثاني، فلم أجد بداً فصدقته. فقال أما القمار، فقد فاتك لأني صفوت عليك، ولكني أهب لك سبعين ألف درهم من خالص مالي، فلا يكون إثم في دفعها، ولا عليك في أخذها، وتخرج من يمينك فتشتري بها ضيعة تستغلها، حلالاً، فقبلت يده، فأحضر المال، فأخذته واعتقدت به ضيعة جليلة، وعاهدت الله أنا، وهو أن لا أعود إلى قمار أبداً. كان الوليد بن عبد الملك أعظم من بني أمية كبراً، فأراد دخول مسجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والنظر إلى آثاره، فأخرج الناس، وهابوا سعيد بن المسيب أن يقولوا له شيئاً، وعلموا أنه لا يهاب، ولا يخرج، قال عمر بن عبد العزيز فبينما أجول مع الوليد، إذ بصر به من بعيد جالساً، وهو لا يعرفه. فقال من ذلك الشيخ؟ قالوا شيخ الناس، وعابدهم، وعالمهم سعيد بن المسيب، أما إنه رأى أمير المؤمنين لنهض إليه، قال الوليد فنحن نذهب إليه فأتاه، حتى وقف بين يديه، فوالله ما نهض، ولا حلّ حبوته، فقال الوليد كيف أنت يا شيخ؟ وكيف حالك؟ فقال كما يحب أمير المؤمنين، ثم انصرف الوليد، وهو يقول، هذه بقايا الناس، فكان عمر بن عبد العزيز إذا تعذر عليه أمر من مهم أمره قال إن رباً سخر الوليد، حتى مشى إلى سعيد بن المسيب وقام على رأسه، لقادر أن يسخر لي هذه الحاجة. قيل لعدي بن حاتم أي الأشياء أثقل؟ قال تجربة الصديق ومسألة اللئيم، ورد السائل، قيل له فأي الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام وإذاعة الأسرار، والثقة بكل واحد. كان ملك من بني طسم يسمى عمليقاً، وكان عاتياً بلغ من عتوه أنه أمر أن لا تزف امرأة في بني جديس إلى زوجها، فأدخلت على الملك فاستحسنها وافترعها، ثم خلاها فخرجت إلى قومها في دمائها رافعة ثوبها عن عورتها، وهي تقول: [الطويل] أيصلح ما يأتي إلى فتياتكم ... وأنتم رجالٌ عدد الرَّملِ فلو أننا كنا رجالاً وكنتموا ... نساءً لكنا لا نقرُّ على الذُّلِ فبعدُ البعل ليس فيه حميةٌ ... ويختال يمشي مشية الرجل الفحلِ فحميت من ذلك عشيؤتها، وانتخت أقاربها من بني جديس، واغتالوا الملك فقتلوه بتحريضها. مما قرىء على ابن دريد لبعض العرب: [الكامل]

يلقى السيوف بوجهه، وينحره ... ويقيم هامته مقام المغفرِ ويقول للطَّرق اصطبر لشبا القنا ... فعفرتُ ركنَ المجد إن لم يُعْفرِ وإذا تأملّ شخصٌ ضيف مقبلٍ ... متسربلاً بسربال محلَّ أغبر أومى إلى الكرماء هذا طارقٌ ... نحرتني الأعداء إن لم ينحر قال عطاء بن مسلم شهد رجل عند ابن ابي ليلى، وأنا عنده، فقال اكتبوا شهادته، ثم رفع رأسه فتأملته، فإذا جبينه مصففاً على جبينه، قال: تصفف شعرك، ردوا شهادته، فقال: أصلحك الله، إن لي عذراً، قال: وما عذرك؟ قال بجبيني آثار، وأنا أواريها لقبح منظرها، فقال نعم، اكتبوا شهادته، ثم هم الرجل بالقيام فرأى في يده، وأظفاره آثار الحناء، فقال تخضب يدك بالحناء، ردوا شهادته، فقال إنّ لي عذراً، قال: وما عذرك؟ قال لي أبٌ شيخ كبير فأنا أخضبه، قال نعم اكتبوا شهادته، ثم قام الرجل لنصرفي، فرآه يجر ثوبه، فقال تجر ثوبك، فقال لي عذر، قال: وما عذرك؟ إنا ثلاثة أخوة، وفي حالنا بعض الضعف، فقطعنا هذا القميص على قدر أوسطنا نتجمل به إذا خرجنا، وأنا أصغرهم، وأقصرهم، قال نعم اكتبوا شهادته. قال الأصمعي: خرجت حاجاً فحل محملي محمل أعرابي. فشتمته وضربته فاحتملني، فلما وصلت البيت، إذا به متعلقاً باستار الكعبة يقول: إلهي إن كنت غفرت فاغفر لمن شتمني وضربني فقلت يا أعرابي، ضربناك وشتمناك، وتدعوا لنا، قال فنظر إلي نظرة، ثم أنشأ يقول: [السريع] لا يغضب الحرُّ على سفلة ... والحرُّ لا يغضبه النذلُ إذا لئيم سبّني جهده ... أقول زدني فلي الفضلُ قيل لأعرابي ممن أنت؟ فقال من قوم إن عشقوا ماتوا، قيل، ومما ذاك؟ قال في نسائنا صباحة، وفي رجالنا عفّة. قال بعض الحكماء: أول العشق النظر، وأول الحريق الشرر، قيل لأعرابي صف النَّاس، وأوجز، فقال: الناس رجلان بخيل يجدُ، ولا يجود، وجواد يزيد، ولا يجد. فنظم المعنى محمود الوراق: [المنسرح] والنّاس اثنان في زمانك ذا ... لو تلتمس غير هذين رمتا لم تجد هذا بخيلٌ وعنده سعةٌ ... وذا جوادٌ بغير ذات يدِ قال حميد بن وهب، كانت هند بنت عتبة عند الفاكه بن المغيرة المخزومي، وكان من فتيان قريش، وكان له بيت للضيافة، تغشاه الناس بغير إذن، فخلا ذلك البيت يوماً، فاضطجع فيه الفاكه وزوجته وقت القائلة. ثم خرج الفاكه لبعض حاجته، فاقبل رجل تغشاه، فولج البيت، فلما رأى المرأة ولى هارباً، فأبصره الفاكه حين خرج، فأقبل الفاكه فضربها برجله، من الذي كان عندك؟ فقالت: ما رأيت أحداً، ولا انتبهت، حتَّى انبهتني، فقال الحقي بأهلك، وأبيك، وتكلم الناس فيها، فقال أبوها: يا بنية إن الناس قد أكثروا. فيك القول، فأبيتي بناءك، فإن يك صادقاً، عليك دسست عليه من يقتله، فتنقطع القالة عنك، وإنّ يك كاذباً حاكمته إلى بعض كهان اليمن، فحلفت له بما كانوا يحلفون به في الجاهلية، إنه لكاذب عليها، فقال عتبة للفاكه، إنك رميت ابنتي لأمر عظيم، فحاكمني إلى بعض كهان اليمن، فخرج عتبة في جماعة من بني عبد مناف، وخرج الفاكه في جماعة من بني مخزوم، وخرجت هند ونسوة معها، فلما شارفوا البلاد. وقالوا غداً نرد على الكاهن، تنكرت هند، وتغير وجهها، فقال أبوها إني أرى ما بك من تغير الحال، وما ذاك إلا لمكروه عندك. فهلا كان ذلك قبل أن تشهد النّاس مسيرنا، فقالت، والله يا أباه ما لهذا أثر ولكن أنتم تأتوا بشر الخطى، ويصيب، ولا آمنه أن يسمني ميسماً يكون علي وعليكم مسبته بين العرب، قال إني اختبره قبل أن ينظر في أمرك، فصفر لفرسه، حتى أدلى، ثم أخذ حبة حنطة فأدخلها في احليل الفرس، وأوكأ عليها يسير، فلما أصبحوا ودخلوا علي فأكرمهم ونحر لهم.

فلما تغدوا، قال له: عتبة، إنا قد جئناك في أمر، وإني قد خبأت لك خباءً اختبرك به، فانظر ما هو؟ فقال ثمرة في كمرة قال احتاج إلى أبين من هذا قال حبة بر في إحليل مهر قال: صدقت، فانظر في أمر هؤلاء النسوة، فجعل يدنو من احداهن فيضرب كتفها، ويقول: انهضي، حتى دنا من هند فضرب كتفها وقال انهضي غير وسخاء، ولا زانية ولتلدن ملكاً يقال له معاوية، فوثب زوجها الفاكه إليها فأخذ بيدها، فنثرت يدها من يده، وقالت: إليك، فو الله لأحرص أن لا يكون ذلك الولد منك، ولا يكون إلا من غيرك، فتزوجها أبو سفيان فجاءت منه بمعاوية. قال الأصمعي قدم أعرابي البصرة بشيء كثير من المال، إبل وغنم وصوف، وأقط، فأقام بها، وصلح عليها جسمه، وأحل بالبادية، ثم إنَّه اشتاق إلى أهله وماله بظاهر العلج، فخرج يتنسم الأخبار، فلقيه رجل كان له به فعرفه، فقال الله أكبر، ألست فلاناً؟ قال بلى، قال ألست بي، قال بلى، وبأهلك وبمالك؟ قال الحمد لله، كم عهدك بأرضنا قال كذا وكذا يوماً قال عهد قريب، كيف تركت ابني عثمان قال سيد الحي وزعيمه، ووليه وحميمه، قال الحمد لله، خبرطيبأطاب الله خبرك، وكيف تركت أمه؟ أم عثمان؟ قال عميدة النساء إن كان للنساء عميدة: ويشتاقها جاراتها فيزرنها ... ويقعدن عن أبياتهن فتعتذر قال خبر طيب أطاب الله خبرك، قد كانت لي دويرة بيلوق هناك كنت أنقطع إليها أحياناً فتجمع لي همتي، ويراجعني ذهني فكيف تركتها؟ فقال أعز الدَّويرة تسلني، قال نعم قال تركتها محروسة وبرجال الحي مأنوسة، إنها لمسلاة الأحزان وملتقى الجيران، قال الحمد لله خير أطاب الله خبرك، قال قد كنت اقتنيت نويقة سميتها ضبعان، هل تعرف خبرها؟ قال نعم، إن اُستسقيت سَقَتْ، وإن أُستُنستْ، وإلا فهي في الحي لبعض ولدانهم، وقد تمكث لمكوثاً كثيراً منكراً، فقال خبر طيب أطاب الله خبرك كان هناك لي كلب كنت به ضنياً، وكنت أدعوه ريحان، هل لك به علم؟ قال نعم، يدعو الضيفان، ويذود السرحان، ويؤنس الجيران، ويحرس الأوطان، قال خبر طيب أطال الله خبرك، فأين نزلت؟ قال: بعد ما تبوأت منزلاً فعج علينا قليلاً، فأمتعنا بحديثك. فحمله إلى منزله واحتفل في إكرامه وسقاه، فلما ثمل مد رجله، فرأى رب مثواه به أثراً، فقال ما هذا الأثر؟ قال إني وطئتعلى كلبك ريحان ميتاً، فعقرني ناب من أنيابه، إنا لله، أمات ريحان؟ قال نعم، قال كيف كان سبب موته؟ قال أكل من لحم نويقتك ضبعان فأكثر فمات. قال: ويحك أماتت ضبعان؟ قال نعم، قال خبرسيء أساء الله خبرك، كيف كان سبب موتها؟ قال كانت تنقل ماء لغير أم عثمان فنهشتها حية في مشافرها، فما أكل منها شيء إلا مات، قال: ويلك، أوماتت أم عثمان؟ قال نعم، قال أماتك الله، ولا أحياك، وما كان سبب موتها؟ قال موت عثمان، قال: فحزنت عليه فانصدعت حرارتها فماتت، قال ويلك أمات ابني؟ قال نعم، قال أماتك الله، ولا أحياك، وأماتك شر ميتة، وكيف مات؟ قال وقعت عليه الدويرة، قال: أوقعك الله فيما يسوءك يا ابن الفاعلة، ووثب عليه ليضربه، فولى هارباً، وهو في أثره فحجز الناس بينهما. قام رجل إلى الحجَّاج بن يوسف، فقال أيها الأمير إن أبي مات، وأمي حامل بي، وماتت أمي، وأنا أرضع، وكفلتني الرجال، حتى بلغ الله بي ما ترى، وإن ضيعة لي تقوتني غلبني عليها الغالب، والأمين أحق من رد الله ظلامة المظلوم ورد يتظلم الظالم. فقال الحجَّاج أيموت أبوك وأنت حمل أمك، وأنت رضيع ترضع وكفلتك الرجال، وهذا بيانك عن نفسك، وأخبارك غرامك هو والله أدب الله لا أدب الناس، يا غلام اصرف المؤدبين عن محمد بن الحجَّاج. قيل إنه حضر يحيى بن أكثم باب المأمون، وجلس ليستأذن، فخرج خادم ظريف مفرط في الصباحة والحسن، كامل الأدب، دمث الأخلاق من مقصورة يريد أخرى، فلما رآه القاضي عجب به وقال (لِمِثْلِ هََذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ) [الصافات: 61] . فقال الخادم: (أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ الْهُدَىَ بَعْدَ إِذْ جَآءَكُمْ) [سبأ: 32] . فأجابه القاضي: (نُرِيدُ أَن نّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشّاهِدِينَ) [المائدة: 113] . فقال الخادم: (لَن تَنَالُواْ الْبِرّ حَتّىَ تُنْفِقُواْ مِمّا تُحِبّونَ) [آل عمران: 92] .

فقال القاضي: (هََذَا مَا لَدَيّ عَتِيدٌ) [ق: 23] . فقال الخادم: (قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) [يوسف: 41] . فقال القاضي: (مَتَىَ هََذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [الأنبياء: 38] . فقال الخادم: (قُلْ عَسَىَ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الّذِي تَسْتَعْجِلُونَ) [النمل: 72] . وكان يسمعهم شيخ مطبوع، قال: (فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْبَآئِسَ الْفَقِيرَ) [الحج: 28] . فرفع صاحب الخبر ما جرى للمأمون، فوهب الخادم ليحيى بن أكثم، وأحضر الشيخ وقال: ما قلت، فقال سمعت قوماً يتشاطرون بالقرآن فأجبتهم بما حضرني فوهب له شيئاً وصرفه. يروى عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال لعائشة:"تنظرين إلى امرأة قد خطبتها" فمضت، فلما نظرتها وجاءت، قالت ما رأيت طائلاً، فقال عليه السلام: "لقد رأيت طائلاً، ورأيت طائلاً، ورأيت بخدها خالاً اقشعرت له ولحسنه كل شعرة في جسدك" فقال يا رسول الله ما دونك ستر، ولا سر. أخبرنا أبو طالب عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن يوسف، قال قرىء على أبي الحسين محمد بن الأنبوسي الصيرفي في حانوته بباب درب عون في الجانب الغربي ببغداد عشية يوم الأربعاء ثاني عشر جمادى الأولى في سنة خمس وخمسين وأربعمائة، ونحن حضور نستمع، قيل أخبركم القاضي أبوو الفرج المعافىى بن زكريا يحيى بن حميد الحريري أجازه بخطه في شهر ربيع الأول من سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. قال حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن يسار الأنباري. قال حدثنا أبو يعقوب بن أبي حسان، قال حدثنا هشام بن عمار، قال حدثنا عيسى بن يونس بن أبي اسحاق الشعبي، قال حدثني هشام بن عروة عن عبد الله بن عروة عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: اجتمهت أربعة نساء من العرب، فتعاهدن، وتعاقدن أن لا يكتمن من أمر أزواجهن شيئاً. فقالت الأولى: زوجي لحم جمل، غث على رأس جبل، وعر لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينثقل، وقالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره أن أذكر عجره وبجره، وقالت الثالثة: زوجي العشَّنق إن نطق أطلق، وإن سكت أغلق، وقالت الرابعة: زوجي كليل تُهامة، لا حرٌّ، ولا قرٌّ، ولا مخافة، ولا سآمة. وحسبنا الله ونعم الوكيل، أنجز بحمد الله وعونه وصلواته على خير خلقه محمد وآله وسلم في الثالث من شهر جمادى الآخرة لسنة عشر ومائة على يد أفقر عباد الله سبحانه وتعالى، وأحوجهم إلى عفوه وغفرانه محمد صادق بن عبد السلام بن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن رضي الدين بن عبد السلام البيروني غفر الله تعالى لهم وعفى عنهم يمنه وكرمه وهدايته وحله. عن جابر (رضي الله عنه) قال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول:"إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، أو قال في عاجل أمري وآجله، فقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، وقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال، ويسمي حاجته"، رواه البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال يوماً لأصحابه:"أيعجز أحدكم أن يتخذ عند الله عهداً". قلنا يا رسول الله: وما العهد؟ قال: يقول أحدكم:"اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، اللهم إني أعهد إليك في هذه الحياة الدنيا، أنك أنت الله لا إله إلا أنت لا شريك لك، وأن محمداً عبدك ورسولك، اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز، فإن نفسي تقربني من السيئة، وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهداً تؤديه إليَّ يوم القيامة، إنك لا تخلف الميعاد". فمن قالها كتبت في رق أبيض، ثم يطبع عليها بخاتم من مسك، ثم توضع تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة، قال الله تعالى: أنا أحق من أوفى بالعهد، إنَّ عبدي عهد إليَّ في دار الدنيا وإني موف بعهده.

فائدة وحديث

ثم يغفر له بذلك العهد، وهو الغفور الرحيم (نقل من مختصر التبصرة) فائدة وحديث عن ابن عباس: إن من كان له حاجةة إلى الله تعالى، فليقم في موضع لا يراه أحد، ويتوضأ وضوء سابق، ويصلي أربع ركعات، يقرأ في الأولى الفاتحة مرة، والإخلاص عشر مرات، وفي الثانية الفاتحة مرة، والإخلاص عشرين مرة، وفي الثالثة الفاتحة مرة، والإخلاص ثلاثين مرة، وفي الرابعة الفاتحة مرة، والإخلاص أربعين مرة، فإذا فرغ من صلاته، يقرأ الإخلاص خمسين مرة، ويصلي على النبي (صلى الله عليه وسلم) سبعين مرة، ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبعين مرة.

§1/1