سعادة الماجد بعمارة المساجد

الشرنبلالي

الرسالة الثامنة والعشرون سعادة الماجد بعمارة المساجد ورغبة طالب العلوم إذا غاب عن درسه في أخذه المعلوم تأليف العلامة حسن الشُرُنْبُلالي (1069 هـ) رحمه الله تحقيق أبي المنذر مَحْمُود بن مُحمَّدِ بن مُصْطَفَى المِنِياوِي عفا الله تعالى عنه، وعن والديه

[مقدمة المحقق]

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}. أما بعد، .. فهذا جهد المقل في تحقيق مخطوط " سعادة الماجد بعمارة المساجد، ورغبة طالب العلوم إذا غاب عن درسه في أخذه المعلوم " تأليف العلامة حسن الشرنبلالي - رحمه الله -. وهي الرسالة الثامنة والعشرون ضمن سلسلة من رسائله - رحمه الله - وقع الاختيار عليها قدرا عبر المرور السريع على أسماء الرسائل المودعة في مجموعه، والنية منعقدة على إخراج باقي الرسائل التي لم تطبع من هذا المجموع بإذن الله - تعالى -. عملي في المخطوط: 1 - قمت بنسخ المخطوط بمعاونة بعض الإخوة، فجزاهم الله خيرا، وقد وجدت نسختين خطيتين منه، فاعتمدت إحداهما للبدء بنسخها وأشير إليها بالحرف " أ "، وأشرت للثانية بالحرف " ب ". 2 - قارنت الفروق بين النسختين وأثبتها في الحاشية، وإن وجدت اختلافا - وهو قليل جدا - أثبت ما أراه مناسبا للسياق ووضعته بين معكوفتين، وأشير إلي غيره في الحاشية. 3 - قمت بالترجمة لغير المشهورين ممن ورد ذكرهم من العلماء في الرسالة. 4 - قمت بالتعريف بالكتب التي ورد ذكرها في الرسالة. 5 - التعليق على بعض المواضع وهي قليلة. 6 - قدمت لها بوصف النسخ الخطية التي عثرت عليها، وتحقيق نسبتها لمؤلفها، والترجمة السريعة للمؤلف - رحمه الله -.

حول الرسالة

حول الرسالة: وصف النسخ الخطية: والمخطوط ضمن مخطوطات موقع الأزهر الشريف. وقد وقفت على نسختين خطيتين منه: الأولى منهما تتكون من خمس ورقات الأولى والأخيرة وجه واحد، في الأولى اسم الرسالة، وفي الأخيرة نهايتها وخاتمتها، والباقي وجهان في كل وجه (23) سطر والسطر مكون مما لا يزيد على (10) كلمات. والثانية مكونة من ثلاث ورقات تبدأ من الوجه الثاني في الورقة الأولى وبه اسم الرسالة فقط، والباقي وجهان في كل وجه: (31) سطر في كل سطر ما لا يزيد على (11) كلمة، ما عدا الوجه الأخير وبه نهاية الرسالة وخاتمتها وهو مكون من (28) سطرا. بعض صور المخطوط: صورة غلاف النسخة (أ) صورة الصفحة الأولى من النسخة (أ).

صورة الصفحة الأخيرة من النسخة (أ) صورة غلاف النسخة (ب) صورة الوجه الأول من الصفحة الأولى من النسخة (ب):

صورة الوجه الثاني من الصفحة الأخيرة من النسخة (ب):

توثيق نسبتها للمؤلف

توثيق نسبتها للمؤلف: والرسالة منسوبة للشرنبلالي، وذلك كما هو مدون على طرتها بخط واضح لا طمس فيه، كما نسبها إليه صاحب "إيضاح المكنون" و"هدية العارفين" وغيرهما. ترجمة المؤلف (¬1): هو الشيخ حسن بن عمار بن علي أبو الإخلاص المصري الشرنبلالي الفقيه الحنفي الوفائي والشُرُنْبُلالي نسبة لشبرا بلولة وهذه النسبة على غير قياس والأصل شبرا بلولى نسبة كبلده تجاه منوف العليا بإقليم المنوفية بسواد مصر جاء به والده منها إلى مصر وسنه يقرب من ستة سنين فنشأ بها ودرس في الأزهر وحفظ القرآن. وكان من أعيان الفقهاء وفضلاء عصره من سار ذكره فانتشر أمره وهو أحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأعرفهم بنصوصه وقواعده وأنداهم قلما في التحرير والتصنيف وكان المعول عليه في الفتاوي في عصره. قرأ في صباه على الشيخ محمد الحموي والشيخ عبد الرحمن المسيري وتفقه على الإمام عبد الله التحريري والعلامة محمد المحيي وسنده في الفقه عن هذين الإمامين وعن الشيخ الإمام علي بن غانم المقدسي مشهور مستفيض ودرس بجامع الأزهر وتعين بالقاهرة وتقدم عند أرباب الدولة واشتغل عليه خلق كثير وانتفعوا به منهم العلامة أحمد العجمي والسيد السند أحمد الحموى والشيخ شاهين الأرمناوي وغيرهم من المصريين والعلامة إسماعيل النابلسي من الشاميين. قال الحموي: واجتمع به والدي في منصرفه إلى مصر وذكره في رحلته فقال في حقه والشيخ العمدة الحسن الشرنبلالي مصباح الأزهر وكوكبه المنير المتلألي لو رآه صاحب السراج الوهاج لاقتبس من نوره أو صاحب الظهيرة لاختفى عند ظهوره أو ابن الحسن لأحسن الثناء عليه أو أبو يوسف لأجله ولم يأسف على غيره ولم يلتفت إليه عمدة أرباب الخلاف وعدة أصحاب الاختلاف صاحب التحريرات والرسائل التي فاقت أنفع الوسائل، نقال المسائل الدينية وموضح المعضلات اليقينية صاحب خلق حسن وفصاحة ولسن وكان أحسن فقهاء زمانه. وكان معتقدا للصالحين والمجاذيب وله معهم إشارات ووقائع أحوال منها أن بعضهم قال له يا حسن من هذا اليوم لا تشتر لك ولا لأهلك وأولادك كسوة فكانت تأتيه الكسوة الفاخرة ولم يشتر بعدها شيئا من ذلك. ¬

_ (¬1) وانظر ترجمته في: خلاصة الأثر للحموي (2/ 38)، والأعلام للزركلي (2/ 208)، ومعجم المؤلفين لكحالة (3/ 265)، وهدية العارفين (1/ 292)، وغيرها.

قدم المسجد الأقصى في سنة خمس وثلاثين وألف صحبه الأستاذ أبي الإسعاد يوسف بن وفا وكان خصيصا به في حياته. تصانيفه: مكثر من التصنيف. من كتبه نور الإيضاح في الفقه، ومراقي الفلاح شرح نور الإيضاح، وشرح منظومة ابن وهبان، وتحفة الأكمل، والتحقيقات القدسية، وتعرف برسائل الشرنبلالي، وعدتها 48 رسالة، والعقد الفريد في التقليد، ومراقي السعادات، وغنية ذوي الإحكام، وحاشية على درر الحكام لملا خسرو. توفي في القاهرة عام 1069 هـ. وكانت وفاته يوم الجمعة بعد صلاة العصر حادي عشرى شهر رمضان سنة تسعة وستين وألف عن نحو خمس وسبعين سنة ودفن بتربة المجاورين.

سعادة الماجد بعمارة المساجد

بسم الله الرحمن الرحيم [وبه نستعين] (¬1) [ق 294/أ] الحمد لله الذي جعل [بـ] (¬2) بناء المساجد قصورا لبانيها في أعلى عليين (¬3) فضلا (¬4) منه وترغيبا للمحسنين فقال في محكم كتابه المبين: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة: 18]. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وذريته وحزبه والتابعين. وبعد .. فهذه سعادة الماجد بعمارة المساجد ورغبة طالب العلوم إذا غاب عن درسه في أخذه المعلوم جمعها الفقير إلى لطف الله الخفي أبو الإخلاص حسن [الوفاء] (¬5) الشرنبلالي الحنفي حين ورد السؤال عن هذه الحادثة رغبة في النعمة الأبدية للأمة الوارثة وصورتها: سؤال في وقف على مدرسة أو مسجد تخرب ولم يرج (¬6) عود ذلك كما كان إما لعدم إمكانه، وإما لوجه آخر من وجوه التعذرات فهل يجوز للإمام أو نائبه نقل ذلك الوقف لأقرب المساجد إليه وصرفه في وجوه الخير لذلك (¬7) المسجد وإذا فعل ذلك هل يثاب على ذلك أوضحوا الجواب أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه؟ ¬

_ (¬1) زيادة من النسخة "ب". (¬2) زيادة من النسخة "ب". (¬3) يشير إلى نحو ما رواه الشيخان عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - مرفوعا: «من بنى مسجدا لله بنى الله له في الجنة مثله» واللفظ لمسلم. (¬4) وفي "ب": تفضلا. (¬5) زيادة من " ب ". (¬6) في "ب" ولم يرجع، وما أثبتناه هو الموافق للسياق. (¬7) في "ب": في ذلك.

الجواب

الجواب: الحمد لله مانح الصواب (¬1)، لا يجوز نقل أوقاف المدرسة ولا تغيير ما شرطه (¬2) واقفها وكذلك المسجد على المفتى به من المذهب انتهى. وإيضاح ذلك ودليله (¬3) بما قاله العلامة الشيخ زين (¬4) في البحر [ق 294 / ب] الرائق: قال محمد (¬5) - رحمه الله -: "إذا خرب المسجد وليس له ما يعمر به وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر أو لخراب القرية أو لم يخرب لكن خربت القرية بنقل أهلها واستغنوا عنه فإنه يعود إلى ملك الواقف أو ورثته. وقال أبو يوسف (¬6) هو مسجد أبدا إلى قيام الساعة لا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ¬

_ (¬1) وهذا خبر أريد به الإنشاء، والمقصود الدعاء لله تعالى بأن يمنحه الصواب في جواب هذا السؤال. (¬2) في "ب": ما شُرط. (¬3) والمتتبع لجوابه يجد أنه ما أتي بدليل على ما ذهب إليه لا من الكتاب ولا من السنة ولا من قول صحابي غير أنه أكثر من النقول عن أئمة المذهب الحنفي وفقهائه. (¬4) هو زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن بكر الشهير بابن نجيم. وابن نجيم اسم بعض أجداده. وهو فقيه أصولي حنفي ومن أهم مصنفاته: الأشباه والنظائر, البحر الرائق شرح كنز الدقائق, مشكاة الأنوار (في أصول الفقه) , مختصر التحرير, والفوائد الزينية (في الضوابط والاستثناءات)،وغيرها. مولده:926هـ بالقاهرة. ووفاته:970 هـ ودفن بالقاهرة. ترجمته في: الطبقات السنية (ص/ 289)، شذرات الذهب (8/ 358)، الفوائد البهية (ص/134)، الأعلام للزركلي (3/ 64) وغيرها. (¬5) هو محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني , والشيباني نسبة إلى قبيلة شيبان وكنيته أبو عبد الله، فقيه حنفي, أصولي , نحوي فصيح , ويعده الحنفية من طبقة المجتهدين في المذهب. ولد في 132 هـ في مدينة واسط (في العراق)، ومن أهم مصنفاته: الأصل (ويعرف بالمبسوط في الفروع) , الجامع الكبير (جمع فيه أهم مسائل في الفقه) , الحجة على أهل المدينة , الأمالي , السِّيَر الكبير، توفي في 189 هـ في مدينة الري، وانظر ترجمته في الجواهر المضية (2/ 42)، تاج التراجم (ص/237). (¬6) هو الإمام المجتهد العلامة المحدث أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي حدث عن أبي حنيفة ولزمه وتفقه به وهو أنبل تلامذته وأعلمهم تخرج به أئمة كمحمد بن الحسن ومعلى بن منصور وهلال الرأي وابن سماعه وعدة وعن هلال الرأي قال كان أبو يوسف يحفظ التفسير ويحفظ المغازي وأيام العرب كان أحد علومه الفقه توفي سنة اثنتين وثمانين ومائة، وترجمته في الجواهر المضية (2/ 220، 519)، تاج التراجم (ص/315)، والسير (8/ 535)، وطبقات الفقهاء (1/ 141).

ونقل ماله إلى مسجد آخر سواء كانوا يصلون فيه أو لا وهو الفتوى كذا في الحاوي القدسي (¬1) وفي المجتبى (¬2) وأكثر المشايخ على قول أبي يوسف ورجح في فتح القدير قول أبي يوسف بأنه الأوجه"انتهى. وكذا قال الشيخ العلامة عمر بن نجيم (¬3) في شرحه للكنز المسمى بالنهر انتهى. قلت: لكن الترجيح لقول أبي يوسف ذكره في فتح القدير عند قوله: إن الوقف يلزم بمجرد القول عند أبي يوسف. وعند قوله: وإذا جعل الواقف غلة الوقف أو الولاية لنفسه جاز عند أبي يوسف لا في خصوص هذه المسألة. انتهي. ¬

_ (¬1) وهو كتاب: الحاوي القدسي في فروع الفقه الحنفي للإمام جمال الدين الغزنوي المتوفى سنة 593 تلميذ الكاساني صاحب " بدائع الصنائع " وهو من أهم كتب المذهب، وقد جعله على ثلاثة أقسام: أصول الدين، أصول الفقه، الفروع الفقهية، سُمِّيَ بالحاوي القدسي لاحتوائه على أربعين ألف مسألة من مسائل المذهب الحنفي، واشتماله على جميع ما في الكتب المذكورة في آخره كاعتقاد الطحاوي، وتمهيد النسفي، وإشارات الماتريدي، وتقويم الدبوسي، وأصول البستي، وفي الفروع كالجامع الصغير، ومختصر القدوري، والطحاوي، والإرشاد، وموجز الفرغاني، وعيون الفتاوى، وزلة القارئ، وألفاظ الكفر، والفرائض، والحيل، وحيرة الفقهاء، وعلى كثير من المسائل التي يكثر وقوعها ولا توجد في الكتب المستعملة في هذا الزمان. وهذا الكتاب من أجلَّ المعتمدات خصوصا للمتبحر والمفتي والقاضي وأضرابهم والله الموفق للصواب. (¬2) وهو شرح لمختصر الْقُدُورِيِّ، لأبي الرجاء نجم الدِّين مُخْتَار بن مُحَمَّد بن محمود الزاهدي الغزميني، (ت658هـ). (¬3) هو عمر بن إبراهيم بن محمد، سراج الدين الشهير بابن نجيم من أهل مصر. فقيه حنفي مشارك في بعض العلوم. كان محققاً متبحر في العلوم الشرعية غواصاً على المسائل الغريبة. أخذ عن أخيه الشيخ زين الدين بن نجيم صاحب البحر، وغيره. من تصانيفه: ((النهر الفائق في شرح كنز الدقائق)) في فروع الفقه الحنفي، ((وإجابة السائل باختصار أنفع الوسائل)) وترجمته في: خلاصة الأثر 3/ 206، وهدية العارفين 1/ 796، ومعجم المؤلفين 7/ 271.

وقال في النهر (¬1): وما ذكره عن محمد من جواز بيعه رواية هشام عنه (¬2)، والمذكور في السير الكبير عدم جواز بيعه انتهي، والقول بجواز البيع فرع عدم صحة وقفيته، وهو ضعيف، والصحيح الجواز، قال في خزانة المفتين (¬3): لو وقف أرضه على مسجد قوم بأعيانهم ولم يجعل آخره على المساكين على قول الكل يصح هو المختار كذا بعلامة "ظ" ثم قال في الفتاوى الكبرى: رجل وقف أرضا [له] (¬4) على مسجد ولم يجعل [ق 295 / أ] آخره للمساكين المختار أنه يجوز في قولهم جميعا وإذا خرب المسجد واستغنى عنه أهلها وصار بحيث لا يصلى فيه عاد ملكا لواقفه أو لورثته حتى جاز لهم أن يبيعوه أو يبنوه دارا وقيل هو مسجد أبدا وهو الأصح فلو بنى أهل المحلة مسجدا آخر فاجتمعوا على بيع الأول ليصرفوا ثمنه إلى الثاني فإن عرف واقفه أو وارثه لم يجز لهم ذلك وان لم يعرف فالأصح أنه ليس لهم ذلك. ثم نقل عن الفتاوى الكبرى: مسجد عتيق لا يعرف بانيه خرب فاتخذ مسجد آخر ليس لأهل المسجد أن يبيعوه ويستعينوا بثمنه في مسجد آخر؛ لأنه مسجدا أبدا. انتهى وفي يتيمة الدهر (¬5) سئل على بن أحمد عن مسجد خرب ومات أهله ومحلة أخرى فيها مسجد هل لأهلها أن يصرفوا وجه المسجد الخراب إلى هذا المسجد؟ قال: لا. انتهى. وإذا علمت هذا فما ذكره في الدرر والغرر (¬6) وفتاوى قاضى خان (¬7) من جواز نقل المسجد إذا ¬

_ (¬1) أي "النهر الفائق شرح كنز الدقائق" لعمر بن إبراهيم بن نجيم الحنفي سراج الدين. (¬2) هو هشام بن عبيد الله الرازي، قال القرشي في "الجواهر المضية" (2/ 205): (مات محمد بن الحسن فى منزله بالري ودفن في مقبرتهم، له نوادر، تفقه على أبي يوسف ومحمد قال الصيمري غير أنه كان لينا في الرواية سمعت الشيخ أبا بكر محمد بن موسى يذكر عن أبي بكر الرازي أنه كان يكره أن يقرأ عليه الأصل من رواية هشام لما فيه من الاضطراب وكان يأمر أن يقرأ عليه الأصل من رواية أبي سليمان أو رواية محمد بن سماعة لصحة ذلك وضبطهما ... ). (¬3) وهو "خزانة المفتين في الفروع" للشيخ، الإمام: حسين بن محمد السَّمَنْقاني الحنفي، صاحب: (الشافي، في شرح الوافي)، توفي 746 هـ. (¬4) زيادة من النسخة "ب". (¬5) وهو: "يتيمة الدَّهْر، في فتاوى أهل العَصْر" للتُّرْجُمَاني المتوفى عام 645هـ (مخطوط). (¬6) وهو كتاب: "الدرر الحكام في شرح غرر الأحكام" لمحمد بن فراموز بن علي الشهير بملاخسرو. (¬7) للامام فخر الدين ابي المحاسن حسن بن منصور بن محمود بن عبدالعزيز الأوزجندي الفرغاني الحنفي المتوفى سنة 592هـ، وله ترجمة في الجواهر المضية (1/ 205)، تاج التراجم (ص/151)، الطبقات السنية (ص/243).

خرب خلاف ما عليه الفتوى وهو المذكور في الحاوي القدسي وخلاف الصحيح المذكور في خزانة المفتيين وبذلك تعلم فتوى بعض مشايخ عصرنا بما يخالف ذلك مما ذكر في القنية (¬1) وغيرها بل ومن كان قبلهم كالشيخ أمين الدين محمد بن عبدالعال (¬2) والشيخ الإمام أحمد بن يونس الشلبى (¬3) والشيخ زين بن نجيم (¬4) والشيخ محمد الوفائي فمنهم [ق 295 / ب] من أفتى بنقل بناء المسجد ومنهم من أفتى بنقله ونقل ماله إلى غيره من المساجد وقد مشى الشيخ الإمام محمد بن سراج الدين الحانوتي (¬5) على القول المفتى به من عدم نقل بناء المسجد. فقال فيما جمع من فتواه: "لا نفتي بجواز بيع المسجد؛ لأن قول أبى يوسف رحمه الله: هو مسجد أبدا ولم يوافق أولئك المذكورين قبله لما قدمناه لك من ¬

_ (¬1) وهو كتاب: "قنية المنية لتتميم الغنية" للشيخ، الإمام، أبي الرجاء، نجم الدين: مختار بن محمود الزاهدي، الحنفي، المتوفى: سنة 658 هـ، قال المولى بركلي: والقنية: وإن كانت فوق الكتب الغير المعتبرة، وقد نقل عنها بعض العلماء في كتبهم، لكنها مشهورة عند العلماء بضعف الرواية، وأن صاحبها معتزلي، ذكر في أولها: أنه استصفاها من: (منية الفقهاء) لأُستاذه: بديع بن منصور العراقي، وسماها: (قنية المنية، لتتمم الغنية)، واختصرها: جمال الدين: محمود بن أحمد، المعروف: بابن السراج القونوي، ثم الدمشقي، الحنفي المتوفى: سنة 770 هـ، وانظر كشف الظنون. (¬2) هو الشيخ العلامة أمين الدين بن عبد العال الحنفي، مُفتي الديار المصرية. (¬3) هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن يونس بن إسماعيل بن يونس الشِّلْبِيُّ، فقيه، نحوي. من تصانيفه: تجريد الفوائد الرقائق في شرح كنز الدقائق في فروع الفقه الحنفي، الفوائد السنية على شرح المقدمة الأزهرية، الدرر الفرائد على شرح الآجرومية للشيخ خالد وكلاهما في النحو، إتحاف الرواة بمسلسل القضاة، مناسك الحج، وفتاوى جمعها حفيده على بن محمد. وله ترجمة في الكوكاب السائرة (2/ 116)، الأعلام للزركلي (1/ 276)، معجم المؤلفين (2/ 78). (¬4) سبق ترجمته. (¬5) هو العلامة الفقيه المتبحر محمد بن محمد سراج الدين الحانوتي صاحب الفتاوي المشهورة.

بيان المفتى به وفتواهم مخالفة له ومخالفة لما في الهداية (¬1) ونصها كما قال الكمال بن الهمام (¬2): "ولو خرب ما حول المسجد واستغنى عنه أي استغنى عن الصلاة فيه أهل تلك المحلة أو القرية إن كان في قرية فخربت وحولت مزارع تبقى مسجدا على حاله عند أبى يوسف وهو قول أبي حنيفة ومالك والشافعي ثم قال: ولو جعل خبازة وملاة ومغتسلا وقفا في محلة ومات أهلها كلهم لا يرد إلى الورثة بل يحمل إلى مكان آخر فإن صح هذا عن محمد فهو رواية في الحصر والبوادى أنها لا تعود إلى الوارث وهكذا نقل عن الشيخ الإمام الحلواني (¬3) في المسجد والحوض إذا خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس عنه: أنه تصرف أوقافه إلى مسجد آخر أو حوض آخر. انتهى. فهذا المساق المصدر بصيغة نقل عن الشيخ الإمام مفيد عدم العمل بما نقل عنه لمخالفته نص الإمام الأعظم ولزوم بقاء المسجد والوقف على حاله وعلمت مبنى [ق 296 / أ] الخلاف في جواز النقل وعدمه وعلمت الصحيح والمفتى من غيره فلا يعدل عن قول الإمام الأعظم الذي هو كقول أبى يوسف الموصوف بأنه الفتوى إلى ما هو دونه. وقال في البدائع: لو جعل داره مسجدا فخرب جوار المسجد واستغنى عنه لا يعود إلى ملكه ويكون مسجدا عند أبي يوسف رحمه الله، وعند محمد يعود إلى ملكه. وجه قول محمد أنه أزال ملكه بوجه مخصوص هو التقرب إلى الله تعالى بمكان يصلى فيه الناس فإذا استغنى عنه فقد فات غرضه فيعود إلى ملكه كما لو كفن ميتا ثم أكله السبع وبقى الكفن يعود إلى ملك المكفن ¬

_ (¬1) الهداية شرح بداية المبتدي، لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل، أبو الحسين للمرغيناني. (¬2) هو كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود الإسكندراني السيواسي , والسيواسي نسبة إلى سِيواس (من بلاد الروم) حيث كان أبوه قاضيا فيها قبل أن ينتقل إلى القاهرة، فقيه حنفي , محدث , لغوي، ومن أهم مصنفاته: فتح القدير (شرح الهداية) التحرير (في أصول الفقه) المسايرة في العقائد المنجية في الآخرة, وزاد الفقير (مختصر في فروع فقه الحنفية). ولده في:790 هـ في الإسكندرية، وتوفي في: 861 هـ، وترجمته في البدر الطالع (2/ 201)، الضوء اللامع (8/ 127). (¬3) هو عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحَلْواني نسبة إلى عمل الحلوى وبيعها الملقب شمس الأئمة من أهل بخارى إمام أصحاب أبي حنيفة بها فى وقته، من تصانيفه المبسوط توفي سنة ثمان أو تسع وأربعين وأربع مائة بكش وحمل إلى بخارى ودفن فيها. وترجمته في الجواهر المضية (1/ 318)، تاج التراجم (ص/189).

كذا هذا وجه قول أبي يوسف رحمه الله [أنه] (¬1) لما جعله مسجدا فقد حرره وجعله لله تعالى خالصا على الإطلاق وصح ذلك فلا يحتمل العود إلى ملكه كالإعتاق بخلاف تكفين الميت؛ لأنه ما حرر الكفن وإنما دفع حاجة الميت به وهو ستر عورته وقد استغنى عنه فيعود ملكا له. وقوله: "أزال ملكه بوجه وقع الاستغناء عنه". قلنا: ممنوع فان المجتازين يصلون فيه وكذا احتمال عود العمارة قائم، وجهة القربة قد صحت بيقين فلا تبطل باحتمال عدم حصول المقصود. انتهى عبارة البدائع وهى تدفع قول السائل في السؤال ولم يرج عود ذلك كما كان وبهذا التوجيه يعلم الفرق بين ما ذكره في التترخانية (¬2) وغيرها من [ق 296 / ب] جواز نقل حوض وبئر ورباط ودابة وسيف بثغر وقنديل وبساط وحصير بمسجد لغير محله وبين عدم جواز نقل مسجد ووقفه إلى غيره. وقال في البحر: "الفتوى على قول محمد رحمه الله في آلات المسجد أي (¬3) إذا استغنى عنها هذا المسجد تحول لمسجد (¬4) آخر، والفتوى على قول أبي يوسف في تأبيد المسجد. انتهى وإذا علمت الحكم في المسجد ووقفه وغلته (¬5) ووجه عدم نقلهما فلا تنقل أوقاف على مدرسة جعلت تقوية لأهل العلم وإحياء له بصرفها لغير ذلك بطريق الأولى ولم أر أحدا من أئمتنا قال بجواز إبطال وقف على مدرس وطلبته وجعله مصرفا لغير ذلك الوجه، فمن توهم أن حكم الوقف على مدرس كالحكم على المسجد وأجرى جواز النقل فيهما فقد غفل غفلة عظيمة بما أوهمه السائل في ذلك السؤال. ¬

_ (¬1) غير مذكورة في "ب". (¬2) وهو كتاب الفتاوى التتارخانية، واسمه "زاد المسافر في الفروع" لعالم بن علاء الحنفي، المتوفى سنة 286 هـ، وهو من كتب الفتاوى المعتمدة عند الحنفية، وقد جمع فيه مسائل المحيط البرهاني، والذخيرة والخانية والظهيرية، وانظر كشف الظنون 1/ 268، هدية العارفين 1/ 435، معجم المؤلفين 5/ 52، المذهب عند الحنفية ص 99. (¬3) وفي " أ " زيادة: أنه. (¬4) وفي "ب" إلى مسجد. (¬5) وفي " أ ": "وعلمته"، والصواب ما أثبتناه.

وقال العلامة المحقق شيخ الإسلام عبد البر بن الشحنة (¬1) رحمهما الله تعالى في شرحه لمنظومة بن وهبان (¬2) رحمه الله ما نصه: وَلَيْسَ بِأَجْرٍ قَطُّ مَعْلُومُ طَالِبٍ ... فَعَنْ دَرْسِهِ لَوْ غَابَ لِلْعِلْمِ يُعْذَرُ ثم قال إنه نقل ما نظمه من الجزء الثاني من "التعليقة في المسائل الدقيقة" لابن الصائغ (¬3) وهو بخطه قال: "وما يأخذه الفقهاء في المدارس لا أجرة لعدم شرط الإجارة [و] (¬4) لا صدقة؛ لأن ¬

_ (¬1) هو عبد البر بن محمد بن محمد بن محمود بن الشحنة، الحنفي (سري الدين، أبو البركات) ... فقيه، أصولي، مشارك في أنواع من العلوم. ولد بحلب، ورحل إلى القاهرة، فاشتغل في علوم شتى على شيوخ متعددة، ودرس وأفتى، وتولى قضاء حلب ثم قضاء القاهرة، وصار جليس السلطان الغوري وسميره، وتوفي بحلب في شعبان عام 921 هـ. من تصانيفه الكثيرة: الإشارة والرمز إلى تحقيق الوقاية وشرح الكنز في فروع الفقه الحنفي، شرح منظومة جده ابن الشحنة التي نظمها في عشرة علوم، شرح جمع الجوامع للسبكي في أصول الفقه، الذخائر الأشرفية في الألغاز الحنفية، عقود اللآلي والمرجان فيما يتعلق بفوائد القرآن، وله شعر. ترجمته في معجم المؤلفين (5/ 77)، الأعلام (3/ 273)، الكواكب السائرة (1/ 220)، الضوء اللامع (4/ 33). (¬2) قال حاجي خليفة في "كشف الظنون" (2/ 1865): (منظومة: ابن وهبان في: فروع الحنفية. وهو: الشيخ: عبدالوهاب بن أحمد بن وهبان الدمشقي. المتوفى: سنة 768 هـ. وهي: قصيدة رائية من: بحر الطويل. أولها: بداءتنا بالحمد أجدر ... الخ. ضمنها: غرائب المسائل، وهي: نظم جيد متمكن، في: أربعمائة بيت. سماها: (قيد الشرائد، ونظم الفرائد)، أخذها من: ستة وثلاثين كتابا، ورتبها على ترتيب: (الهداية) ثم شرحها في مجلدين، وسمَّاه: (عقد القلائد، في حل قيد الشرائد). ثم شرحها: قاضي القضاة: عبد البر بن محمد، المعروف: بابن الشحنة الحلبي. وهو: شرح مقبول. ذكر فيه: أن المصنف أطنب في شرحه بتوجيه المسائل، وأنه لم يتعرض إليه. لكن زاد فيه: ما أهمله، وألحق به: فروعا غريبة، غيَّر ما عسر فهمه من بعض أبياته بأوضح منه. وسمَّاه: (تفصيل عقد الفوائد، بتكميل قيد الشرائد). وفرغ من تصنيفه: بعد شهر رمضان، سنة 885 هـ ثم هذبه: في آخر جمادى الآخرة، سنة 895 هـ ... ). (¬3) قال الشيخ قاسم ابن قطلوبغا في " تاج التراجم " (ص: 266): (محمد بن عبد الرحمن بن علي بن أبي الحسن، الزمرُّدي، المعروف بـ"شمس الدين، ابن الصائغ. سمع الحديث بمصر والشام. وبرع، ودرَّس، وأفاد، وصنف، فأجاد. فمن ذلك:"التعليقة في المسائل الدقيقة" و"مجمع الفرائد ومنبع الفوائد" سبع عشرة مجلدة، و"المباني في المعاني" و"المنهج القويم في قواعد تتعلق بالقرآن الكريم" و"شرح ألفية ابن مالك" وشرح "مشارق الأنوار" و"شرح البردة" وكتاب "الثمر الجني في الأدب السني"وغير ذلك. توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر شعبان المكرم، سنة سبع وسبعين وسبعمائة). (¬4) زيادة من النسخة "ب".

الغنى يأخذها، بل إعانة لهم على حبس أنفسهم للاشتغال حتى [لو] (¬1) لم يحضر المدرسة [ق297] بسبب اشتغال وتعليق جاز أخذهم الجامكية (¬2) ولم يعزها لكتاب لكن فيما تقدم عن قاضى خان ما يشهد له حيث علل بأن الكتابة من جملة التعليم والله اعلم انتهى كلامه (¬3). تمت بحمد الله (¬4) تأليفا في أواخر جمادى الثاني سنة خمسين وألف وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا آمين. غفر الله لمؤلفها ولمشايخه ولمسوده من بعده ووالديه والمسلمين آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. آمين ¬

_ (¬1) زيادة من النسخة "ب". (¬2) بكسر الميم وكسر الكاف وفتح الياء مشددة والجمع منها الجوامك. والجامكية كلمة تركية معناها: ما يرتب لأصحاب الوظائف في الأوقاف، وهى كالعطاء إلا أن العطاء سنوي والجامكية شهرية. (¬3) زاد ابن نجيم في " البحر الرائق " (5/ 247): (قلت هو محمول على الأوقاف على الفقهاء من غير اشتراط حضور درس أياما معينة على ما قدمناه عن ابن الشحنة). (¬4) وفي " ب ": "وعونه وحسن توفيقه" ولم يذكر التاريخ ولا باقي العبارة السابقة.

§1/1