سرور النفس بمدارك الحواس الخمس

أحمد بن يوسف التيفاشي

نثار الأزهار في الليل والنهار، وأطايب أوقات الأصائل والأسحار، وسائر ما

سرور النفس بمدارك الحواس الخمس هذا الكتاب صورة لاجتماع ثقافتين: الثقافة العربية الإسلامية والثقافة المستمدة من اليونان وهو كذلك صورة للقاء على المستوى الأدبي بين المشرق العربي والمغرب العربي: فقد كان التيفاشي - مؤلف هذا الكتاب وأمثاله من المغاربة المهاجرين يؤلفون للمشارقة وللمغاربة على حد سواء، ويعلمون أن المزج بين الجانبين هو الذي يبقي على الوحدة الثقافية قائمة في العالم الإسلامي. ميزة هذا الكتاب أنه يحيي في أنفسنا موضوعاً ابتعدنا عنه كثيراً، ويقدم لنا الشواهد عليه من مختلف العصور، وبخاصة عصر المؤلف نفسه، ويمثل حلقة هامة في سلسلة الكتب الأدبية، التي تقع موقعاً وسطاً بين المعرفة العلمية والتسلية بالمعرفة، ويكشف عن منجم من الصور التي حاول الشعراء بها تقريب ظواهر الطبيعة إلى النفوس. وبعد: فهذا كتاب يقترن بعشرات الكتب، ويعد في تضافره معها مفتاحاً لبعض ما استعلق من نصوصها، كما يعد من ناحية أخرى خزانة احتفظت ببعض كتب صاعة، وهو في كل ذلك لا يخلو من فائدة وإمتاع.

مقدمة التحقيق

مقدمة التحقيق عمل في إنجاز هذا الكتاب رجلان، مؤلفه الذي جمع مادته وقسمها في فصول، وذلك هو التيفاشي، ثم رجل ثان عمد إلى ما جمعه التيفاشي فأعاد فيه الترتيب والتبويب، ووضعه في صورة نهائية، وسماه " سرور النفس " بعد أن كان اسمه الأول " فصل الخطاب "، وذلك هو محمد بن جلال الدين المكرم الذي شهر باسم " ابن منظور "؛ وسأعرف بمؤلف الكتاب، وبمرتبه ومهذبه، وبالكتاب نفسه. - 1 - مؤلف الكتاب 1 - نظرة في مصادر ترجمته تعد الخطوط الكبرى في حياة التيفاشي محددو واضحة، لأنه هو مصدرها، في تلك الترجمة التي قيدها ابن العديم في " بغية الطلب " وهي تحتوي تفصيلات هامة، أغفلها الذين اطلعوا على تلك الترجمة من بعد مثل الذهبي في تاريخه، وابن فرحون في الديباج المذهب، إذ اكتفى هذان الؤرخان بإيراد الخطوط العريضة من تلك الترجمة؛ ومن الغريب أن الصفدي تجنب تاريخ أستاذه الذهبي، وهو شيء لم يعودنا عليه، ولم يفد من الأخبار التي أوردها ابن العديم، وهو يعرفه حق المعرفة، واكتفى ببناء ترجمة للتيفاشي مستمدة من مقدمة ابن منظور على " سرور النفس " واستخرج من هذا الكتاب ومن غيره بعض أشعاره. وتعد الملاحظات التي نثرها ابن سعيد في كتبه هامة في التعريف إلى التيفاشي، ولهذا يمكن ان يعد ضياع " المشرق " من بين كتب ابن سعيد على وجه الخصوص سبباً في فقدان كثير من المعلومات عنه وعن بني ندى، وعن أخباره مع الشعراء والعلماء المعاصرين.

2 - موجز في سيرة المؤلف:

وفي العصر الحديث كتب عدد من الدراسات عن التيفاشي تخص بالذكر منها: 1 - دراسة الأستاذ حسن حسيني عبد الوهاب (في ورقات 2: 448 - 460) . 2 - دراسة الأستاذ عبد القادر زمامة (مجلة المجمع العلمي العربي (39، 12 - 26) . 3 - دراسة الأستاذ ابن تاويت الطنجي (مجلة الأبحاث، السنة 21/ 1968؛ 93 - 116) . 4 - مقدمة كتاب أزهار الأفكار في جواهر الأحجار، تحقيق الدكتور محمد يوسف حسن والدكتور محمود بسيوني خفاجي (القاهرة 1977) 7 - 28. وقد صدق الأستاذ حسين الحسيني عبد الوهاب، في قوله: " إن أهم الأخبار عن حياة التيفاشي تؤخذ من تآليفه المخطوطة والمطبوعة " (1) فهنالك تفصيلات وأحداث لم تعرض لها الكتب التي ترجمت له. 2 - موجز في سيرة المؤلف: هو أحمد بن يوسف بن أحمد بن أبي بكر بن حمدون بن حجاج بن ميمون بن سليمان بن سعد القيسي، القفصي التيفاشي، ويلقب شرف الدين ويعرف بكنيتين هما: أبو الفضل وأبو العباس. ويمكن أن نستخلص من الأخبار المتيسرة لدينا أن أبا بكر ابن حمدون زرق - فيما رزق - ولدين هما محمد وأحمد، فأما الأول منهما فكان شاعراً، وقد كان في جماعة الشعراء الوافدين على الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي، وأنشده قصيدة مطلعها (2) : ما هز عطفيه بين البيض والأسل ... مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي فقيل أن عبد المؤمن قال له: لا تنشد بعدها شيئاً (أو لا تنشد بعده - أي البيت - شيئاً) وأمر له بألف دينار.

_ (1) ابن فرحون: الديباج المذهب ط. (القاهرة 1351) : 74 - 75. (2) الخريدة (قسم المغرب والأندلس) 1: 128 - 129؛ وانظر ورقات 2: 448 ومجلة المجمع: 17.

وأما أحمد جد المؤلف فنعرف له من الأولاد اثنين يحيى ويوسف؛ وقد كان يحيى شاعراً كذلك، انتقل من قفصة إلى قابس، ومدح أبا الحملات مدافع بن رشيد الهلالي - آخر الأمراء من بني جامع بقابس، وقد نحاه عنها عبد المؤمن (1) - كما مدح غيره من بني هلال؛ وقد أورد له العماد الأصفهاني أبياتاً في مدح مدافع (2) ؛ كما أورد له التيفاشي المؤلف أبياتاً من تلك القصيدة نفسها في كتابه هذا (3) ؛ ويبدو أن يحي لقي مصرعه بصقلية. فأما يوسف - وهو والد المؤلف - فقد اتجه وجهة أخرى، فدرس العلوم الدينية، وأصبح قاضياً في مسكانة، ولكنه كان يضم إلى معرفته بشؤون القضاء معرفة بالأحجار، فقد روي عنه ابنه أنه كان جالساً مع طلبة الحضر (4) على باب ملك المغرب المنصور بن عبد المؤمن

_ (1) رحلة التجاني (تحقيق حسن حسني عبد الوهاب، تونس 1958) . (2) الخريدة (قسم المغرب والأندلس) 1: 127. (3) الفقرة: 118 من سرور النفس. (4) كتبت في مطبوعة أزهار الأفكار (140) .

(580 - 595) وهم ينتظرون الإذن بالدخول عليه والمذاكرة بين يديه، ومعهم القاضي والعدول والأطباء والعلماء في كل فن، فخرج عليهم الخادم الموكل بالإذن ومعه درج عليه ورقة مكتوبة فيها: تحضر الأطباء ومقدمو الجوهريين وتعتبر ما في هذا الدرج من الحجارة "؟ ومعنى الدعوة أن الخليفة كان يريد من العلماء العارفين بالأحجار فحص ما احتواه الدرج وتمييز حجر البازهر من بينها، لأنه من بينها، لأنه نافع ضد السموم، ثم إعطاء الخليفة عشرة أحجار منه وتفريق الباقي على أمناء السوق ومشايخ الأرباع لمنفعة الناس. وكان الذي تولى فحص تلك الأحجار هو يوسف التيفاشي نفسه، يقول: " ففعلت ذلك وامتحنت الأحجار بأن أحضرت الأفاعي، وأرسلت على الفواريج بعد إطعامها حكاكتها، وكانت الحجارة نيفاً عن مائتي حجر، فصح بالمحنة (يعني بالامتحان) دون الستين، وتزيف الباقي فكسر وسحق، وفعل بالباقي منها ما أمر " (1) . وهذه المعرفة إذن لا تقتصر في الحقيقة على الأحجار، بل هي تدل على اتجاه علمي قائم على التجربة؛ سيكون له من بعد أثره البالغ في نفس الابن، ولا ندري هل كانت هذه الحادثة قبل توليه القضاء أو بعده، ولكني أرجح أن تكون قبل ذلك، ولعلها أن تشير إلى أن يوسف التيفاشي طلب العلم في المغرب (بعد طلبه بأفريقية) وانتسب إلى طلبة الحضر (2) ، وتوثقت صلته بدولة الموحدين، وبالخلفية المنصور منهم على وجه خاص، مكملاً بذلك تلك الصلة التي بدأها عمه محمد وأخوه يحيى، وكفلت لهؤلاء التيفاشي حظوة لدى خلفاء الموحدين؛ فاصبح يوسف جليساً للمنصور - فيما نقدر، يشهد ما يدور في ذلك المجلس من حوار ديني أو فلسفي، وقد أصبحت عن مناظرة جرت بين الفقيه أبي الوليد ابن رشيد والرئيس أبي بكر ابن زهر في المفاضلة بين قرطبة وإشبيلية (3) .

_ (1) التيفاشي: أزهار الأفكار في جواهر الأحجار: 140 - 141. (2) يمثل طلبة الحضر عنصراً هاماً في ((مركب)) النظام الموحدي، فهم يتلقون تدريباً رياضياً وتثقيفياً خاصاً، ويشاركون في الجهاد في وحدة خاصة بهم. ومنهم يختار رجال ((الدعوة)) والقضاة ... الخ. (3) خلاصة هذه المناظرة التي تبدو في صورة نادرة ان ابن رشد كان يحب بلده قرطبة ويفضلها، وابن زهر يحب إشبيلية لأنها بلده، فلما أمعن ابن زهر في تفضيل بلده قال له ابن رشد: ما أدري ما تقول، غير أنه إذا مات عالم بإشبيلية فأريد بيع كتبه حملت إلى قرطبة حتى تباع فيها، وإن مات مطرب بقرطبة فأريد بيع آلاته حملت إلى إشبيلية (انظر نفح الطيب 1: 155) .

وكانت قفصة قد دخلت مع سائر إفريقية تحت حكم الموحدين، منذ سنة 554 " ووحدت "، وقدم صاحبها علي عبد المؤمن فوصله بألف دينار (1) ، وولي عبد المؤمن عليه والياً من قبله، ولكن القفصيين ثاروا عليه وقتلوه ونصبوا عليهم والياً من بني الرند (2) ، فعاود عبد المؤمن استيلاءه على المدينة " 563/ 1168 " وهدأت الأحوال مدة إلى أن أصبحت قفصة وغيرها هدفاً لنشاط ابن غانية فاضطر المنصور الموحدي إلى قصدها ومنازلتها، فقتل أتباع ابن غانية وهدم سور المدينة وأمن أهلها، وجعل أملاكهم بأيديهم على حكم المساقاة (3) . إن الصلات المبكرة التي عقدها التيفاشيون مع الدولة الموحدية تدل على أنهم لم يكونوا يشايعون بلدهم - قفصة - في انقلابهم على الموحدين، وأن يوسف على الأرجح كان قد التحق بطلبة الحضر في عهد عبد المؤمن نفسه، وكان في أيام ابنه المنصور " طالباً " مقدماً، معروفاً بولائه للدولة؛ وكان قد تزوج قبل مجيء المنصور إلى الخلافة، ففي أول سنة من حكم المنصور (580/ 1184) رزق بابنه أحمد، الذي نحاول أن نتعرف إليه في هذه المقدمة، وكانت ولادة أحمد في قفصة نفسها، لا في تيفاشي، وشاهد ذلك قول أحمد نفسه في كتابه الجواهر: " وأخبرني صياد ممن كان يصيد الايايل بأفريقية بمقربة من مدينة قفصة - مسقط رأسي - " (4) وهذا التحديد وإن لم يرد إلا في نسخة واحدة من النسخ التي اعتمدها المحققان، فإنه مؤكد بقول ابن العديم: " وذكر لي [يعني أحمد التيفاشي] أنه ولد بقفصة من بلاد أفريقية " (5) ، وكذلك قول الذهبي: " أحمد بن يوسف بن أحمد أبو الفضل المغربي القفصي - وقفصة من بلاد أفريقية - ولد بها سنة ثمانين وخمسمائة " (6) . أما بلنسبة إلى تيفاش، فهي نسبة حملتها العائلة منذ عهد بعيد، لأنها تنتمي إلى تيفاش - إحدى قرى قفصة - ويقول الأستاذ حسن حسيني عبد الوهاب أنها الآن " بشمال عمالة قسنطينة من القطر الجزائري " (7) وتوصف في المصادر الجغرافية

_ (1) أبو العباس الناصري: الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (الدار البيضاء 1954) 2: 137. (2) المصدر السابق 2: 153، والاستبصار لمؤلف مجهول (تحقيق د. سعد زغلول عبد الحميد، الإسكندرية 1958) ص: 151. وقد كان بنو الرند هم حكام قفصة قبل قدوم الموحدين. (3) الاستقصا 2: 161، والاستبصار: 151 ورحلة التجاني: 138. (4) أزهار الأفكار: 129. (5) بغية الطلب (صورة عن نسخة طوبقو سراي محفوظة في الجامعة الأميركية) 2 الورقة 160. (6) الذهبي: تاريخ (نسخة آيا صوفيا رقم: 3013) الورقة: 109. (7) حسن حسني عبد الوهاب: ورقات 2: 448.

بأنها " مدينة أولية (أزلية) شامخة البناء، وتسمى تيفاش الظالمة، وفيها عيون ومزارع كثيرة، وهي في سفح جبل، وفيها آثار للأول كثير، وعليها سور قديم بالحجر، ولها بساتين ورياضات، واكثر غلاتها الشعير " (1) ؛ ولعل أحمد بن يوسف لم يعرف تيفاش، وإن حمل النسبة إليها، فان توجهه لم يكن إلى الغرب، كما فعل أبوه وأقرباؤه من قبل، وإنما كان نحو المشرق. فهو قد نشأ في ظل أبيه القاضي بمسكانه (2) ، ودرس عليه، وتقيل كثيراً من خطواته؛ ولعل شغفه بعلوم الأوائل إنما كان تأثراً به، واعتماداً على الكتب التي جمعها أبوه في تلك العلوم؛ إذ من المرجح أن ذلك الأب قد وجد في بلاط الموحدين ما وثق صلته بالفلسفة والطب والعلوم الطبيعية، فقد عاشر هنالك ابن الطفيل وابن رشد وابن زهر وغيرهم، من المقبلين - دون حرج - على تلك العلوم، في ظل الخليفة أبي يعقوب يوسف الموحدي. وما كاد أحمد يحرز مبادئ العربية والدين ويحفظ القرآن في قفصة حتى غادرها إلى تونس فسمع فيها على أساتذة منهم أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن جعفر المقدسي (3) وغادرها وهو صبي إلى مصر (4) - كما حدث هو عن نفسه - فكان من أهم شيوخه فيها موفق الدين عبد اللطيف البغدادي (5) (557 - 629/ 1162 - 1231) واختياره لموفق الدين شيخاً له يؤكد نمو الاهتمام لديه بالفلسفة والطب وسائر علوم الأوائل، فقرأ عليه وتفنن، لأن موفق الدين كان يجمع إلى معرفته بالفلسفة والطب اتقاناً للنحو واللغة العربية وعلم الكلام وغير ذلك من أنواع المعارف؛ ودخول موفق الدين عبد اللطيف إلى مصر مرتبط بالخلاف بين ابني صلاح الدين العزيز والأفضل، ومهاجمة العزيز لدمشق وحصاره لها دون أن ينال شيئاً، وعوده عنها في الثالث من شعبان 590/ 1194 إلى مصر، وفي صحبته موفق الدين (6) ، أي أن التيفاشي كان له من العمر حينئذ

_ (1) البكري: المغرب في ذكر إفريقية والمغرب (الجزائر: 1857) 53؛ والإدريسي: نزهة المشتاق - قسم إفريقية والأندلس (تحقيق دوزي ودي خويه، امستردام 1969) : 120 والحميري: الروض المعطار (تحقيق إحسان عباس، بيروت 1975) : 146؛ وانظر ضبط الصفدي لها في الوافي 8: 288 وابن فرحون في الديباج: 75. (2) ورقات: 1: 448. (3) الديباج: 75. (4) بغية الطلب 2: 160 وعند ابن فرحون: ((وقدم الديار المصرية وهو صغير)) . (5) انظر ابن أبي أصيبعة: عيون الأنباء (ظ. مصر 1882) 2: 201 - 213 في ترجمته. (6) انظر المصدر السابق: 207 وقارن بالسلوك للمقريزي 1: 116 - 118.

عشر سنين أو إحدى عشرة سنة، ولعل هجرته إلى مصر إذن كانت في حدود 593/ 1197 إذ ما يزال يصح أن يقال إنه كان صبياً حين هاجر رغم أنه كان قد شارف الرابعة عشرة من عمره. ولا ندري كم أقام في صحبة شيوخه بمصر، ولكنا نجده ينتقل إلى دمشق ليقرأ بها على أشهر علمائها حينئذ تاج الدين أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي (520 - 613/ 1126 - 1217) (1) الذي يقول فيه ابن العديم: " ورحل إليه الناس من البلاد لقراءة القرآن واللغة والنحو والحديث والأشعار " (2) ، ويقول ابن خلكان: " كان أوحد عصره في فنون الآداب وعلو السماع " (3) . وإذا كان أحمد لم يتميز بصلة قوية تربطه بهذين الأستاذين، شأنه في ذلك شأن مئات الطلبة، الذي أفادوا من علومها، فهذا لا يعني أن موهبته في التحصيل لم تكن متميزة، ولا أن الفوائد التي حصلها منهما كانت قليلة، ولكن يبدو أن صغر السن، وقف به عند حد الأخذ والتلقي، ولم يسمح له أن يتعدى ذلك إلى شيء من صداقة أو علاقة وثيقة. ومهما يكن من شيء فإن أفراده هذين الأستاذين بالذكر، يدل على أنه ربط اسمه بشهرتهما الواسعة، منذ البداية، ليقول إنه كان له حظ الطلب على اثنين من أقدر العلماء في ذلك العصر. وقد طابت له الإقامة بدمشق وأخذ يحدث نفسه بالاستقرار فيها، ولكن حنينه إلى وطنه دفعه إلى مبارحتها (4) ، فعاد إلى قفصة، وتولى فيها القضاء بعد رجوعه هذا من المشرق (5) ، وفي هذه الفترة تزوج، ورزق ثلاثة أطفال. ولكن شعوره بالاستقرار في بلده أخذ يضطرب، رغم ذلك كله، ويرتبط ذلك بعاملين، أولهما: أن حنينه إلى دمشق استبد به " وطالبته نفسه بالمقام بدمشق " (6) ؛ ويبدو أن هذا العامل لم يكن حاسماً إلا حين اتحد به عامل ثان، وهو فقدانه لوظيفة القضاء؛ إذ يقال إنه عزل، وإن عزله إنما كان بسبب العثور على خمر في داره (7) - وذلك أمر غير مستبعد لمن يقرأ كتبه، ويرى ما فيها من حديث عن الخمر - فقرر مغادرة قفصة،

_ (1) انظر ترجمته في بغية الطلب 8: 92 ومرآة الزمان 8: 575 وابن خلكان 2: 339 وانباه الرواة 2: 10 وذيل الروضتين: 95 وفي حاشية الوفيات ذكر لمصادر أخرى. (2) بغية الطلب 8: 93. (3) وفيات الأعيان 2: 340. (4) بغية الطلب 2: 160. (5) المصدر السابق نفسه. (6) المصدر السابق نفسه. (7) المصدر السابق.

وفيما هو آخذ في ترتيب شؤون الرحلة رأى فيما يرى النائم كأنه جالس وبين يديه ثلاثة سرج موقودة، وإلى جانبه زوجته أم أولاده، وهي تنفخ إلى أحد السرج لتطفئه، قال: " فأدركني عليها غيظ شديد، ونهيتها عن ذلك، فألحت في النفخ عليه، فاضطربت من الغيظ وقلت لها: إن طفيتيه فأنت طالق، فقامت فنفخت في السرج الثلاثة فأطفأتها وبانت بالطلاق، ولم أكن قبل ذلك جرى على لساني للطلاق ذكر، ولا حدثت نفسي بطلاقها قط، ولا حدثت نفسها في خلاف أمر آمرها به قط، وكان لي منها ثلاث بنين؟ " (1) ويبدو أن التيفاشي لم يعر هذه الرؤيا اهتماماً حينئذ، وأن معرفته بالتعبير كانت محدودة أو معدومة، ولكن الأحداث التالية بدأت تربط نفسها بهذه الرؤيا ربطاً وثيقاً، إذ بعد أيام قلائل من تلك الرؤيا توفيت الزوجة (فبانت بينونةً تامة) ، ولم يثنه حزنه عليها عن عزمه على الهجرة، بل لعله وضعه في حال نفسية حرجة تستدعي النأي عن قفصة، " فباع أملاكه وما يثقل عليه حمله " واتخذ لنفسه مركباً، وشحنه بما تبقى من متاعه، وحمل فيه أبناءه الثلاثة، وأقلع قاصداً الإسكندرية (2) . وفيما هو بحذاء ساحل برقة، هبت على المركب ريح شديدة حطمته فغرق أولاده الثلاثة ومعظم ما معه من المتاع، ونجا هو بحشاشة نفسه على لوح من خشب، واستنقذ عرب برقة بعض متاعه، وأخذوا المتاع معهم ليبيعوه في إسكندرية، فوجد الفرصة سانحة لمرافقتهم، ولكنه خاف أن هو أعلن أنه صاحب ذلك المتاع أن يقتلوه طمعاً في الاستيلاء على أمواله، فصاحبهم متنكراً - يعني يخفي حقيقة شخصيته - وكان إذا تذكر هذه الحادثة من بعد روى أن عرب برقة سألوه: من هو ومن أين هو وما صنعته. فأخبرهم أنه قواد، فقالوا: الله الأحد - كلمة تدل على نفورهم منه ومن صنعته - وكانت أنفتهم منه سبب خلاصه منهم، حسب تقديره (3) . ويبدو أنه اتخذ نفورهم منه ذريعة للانفصال عنهم، بعد أن أصبحت الإسكندرية قريبة، فأغذ إليها السير وحده ووصلها قبلهم، وصنع مقامة يذكر فيها ما جرى في طريقه، وبلغ النبأ مسامع الملك الكامل أبي المعالي محمد بن الملك

_ (1) الفقرة: 1219 وانظر ورقات 1: 449. (2) بغية الطلب 2: 160 وقد ذكر ابن العديم أنه أيضاً حمل زوجه معه في المركب، وهذا مناقض لما قاله في ((سرور النفس)) من أنها ماتت قبل الرحيل، إلا أن نفترض أنه كانت له زوجة أخرى وهذا أمر غير مستبعد. (3) بغية الطلب 2: 160.

العادل، ملك الديار المصرية يومئذ، فكتب له إلى الإسكندرية بتخليص ماله فخلص له منه جملة (1) ولم تكن مبادرة الكامل محض تدخل رجل غريب منكوب، وإنما كانت تعني تقديراً منه لعلم التيفاشي وفضله، وظرفه أيضاً، إذ لا يبعد أن تكون المقامة التي أنشأها، والنوادر التي ارتبطت بتلك الفاجعة، قد حملت إلى الكامل صورة مغربي ظريف، وكان الكامل معروفاً بمحبة أهل العلم ومجالستهم ومناظرتهم، وكان بيت عنده بالقلعة جماعة منهم، ينصب لهم أسرة ليناموا عليها بجانب سريره ليسامروه، فنفقت العلوم والآداب عنده وقصده أرباب الفضائل ونالوا منه الأرزاق الوفيرة (2) ، وكان للمغاربة من ذلك حظ غير قليل، ولهذا خف التيفاشي على نفسه - فيما أرجح - وعاش في كنفه، ونراه في القاهرة حتى سنة 630/1233 وهي السنة التي خرج فيها الكامل إلى فتح مدينة آمد؛ فانتهز التيفاشي الفرصة، ليستعد عهده بدمشق التي كانت قبلة خواطره منذ أن عزم على فراق الوطن، ويقول ابن العديم إن التيفاشي توجه من دمشق " إلى حلب ومنها إلى آمد فوجد الملك الكامل راجعاً إلى الديار المصرية فعاد معه إليها وسكن بها " (3) ، وهذه السرعة في ربط مفارقة مصر بالأوبة إليها ربما أشارت إلى أن التيفاشي لم يقض فترة طويلة في الشام؛ وإذا صح هذا فإنه يعني أنه اتخذ مصر دار إقامة، إلا أنه ظل كثير الارتحال إلى الشام وغيرها من الأقطار المشرقية، وعلى هذا فيجب أن نقدر أنه عاد يجدد الصلة بديار الشام والجزيرة العراقية وغيرهما بعد وفاة الكامل (635/ 1238؛ وهذه مسألة ليس من السهل أن نقطع فيها، أعني: هل سافر إلى الشام وتجول في الجزيرة العراقية مدة طويلة ثم عاد إلى مصر مع الكامل في إحدى عوداته من الأراضي المشرقية (قبيل 635) أو أنه سافر سنة 630 وعاد مع الكامل بعد إخضاع آمد في السنة نفسها واستقر بمصر، ثم عاد بعد وفاة الكامل إلى الترحال؟ أياً كان الأمر فنحن نعلم أنه قضى فترة من التجواب، تعرف فيها إلى حلب وآمد وحرّان والموصل وجزيرة ابن عمر وغيرهما من البلدان؛ وهو يحدثنا أنه سار من جزيرة ابن عمر إلى آمد ستة أيام بلياليها، وكان الفصل شتاء، فلم يشاهد شمساً لتكاثف السحب، ولم يشاهد أرضاً ولا جبلاً ولا وادياً ولا شجرة لأن كل شيء كان مغطى بالثلج، وكان يعبر على الأنهار وهي جامدة. وفي ذلك الشتاء

_ (1) بغية الطلب 2: 160. (2) السلوك 1: 258 - 259. (3) بغية الطلب 2: 160.

نزل في إحدى المدارس، فوضع يده على شباك حديد في تلك المدرسة فما نزع يده إلا وجزء من جلدة كفه قد لصق بالحديد لشدة البرد؛ أصابته وعكة وهو في حران، واحتاج إلى مزورة تعمل باسفاناخ (سبانخ) وبيض، وأخذ خادمه بيضة ليكسرها ويلقيها في المزورة (1) ، فلم تنكسر، فغضب التيفاشي من الخادم وأخذ البيضة وجعل يضربها على جانب الصحفة فلم تنكسر فقوى الضرب، فكان حالها كذلك، فضرب بها الحائط، فانكسرت الطوبة والبيضة صحيحة، إلا أن شقاً خفياً حدث في البيضة كالشعرة، فأدخل السكين فيه وعالج قلع القشرة فإذا البيضة جامدة، فألقاها في المزورة، فنضج بياضها، وظل الصفار منها جامداً قد استلان بعض لين (2) . وتستحق إقامته في جزيرة ابن عمر بالقرب من الموصل، وقفة خاصة، فقد كانت تلك الجزميرة قبل الهجرة التيفاشي إلى المشرق تحت حكم شمس الدين الجزري محمد بن سعيد بتفويض من السلطان معز الدين سنجر شاه، حيث بقي يصرف الأمور تصريفاً حسناً حتى وفاته في سنة (610/ 1213) (3) وكان لشمس الدين ابنان كلاهما يسمى باسم محمد وهما الصاحب محيي الدين الكبير، وأبو القاسم العماد، وكان الأول منهما فاضلاً أديباً وزر للملك المعظم عيسى واجتمع بالملك الكامل بمصر، فأمسكه مدة، وصار عنده من أكابر دولته، وقد استقل بحكم الجزيرة حتى وفاته (651/ 1257) وكان أخوه العماد عاقلاً لبيباً عالماً أديباً، وتوفي في آخر سنة 651 أيضاً (4) . وفي بلاط الصاحب نحيي الدين احتشد عدد كبير من العلماء والأدباء منهم (5) : 1 - شرف الدين التيفاشي، موضوع هذه الدراسة. 2 - رشيد الدين الفرغاني. 3 - أثير الدين الأبهري. 4 - صدر الدين الخاصي.

_ (1) المزورة: حساء يصنع للمريض، ولكن دون لحم. (2) الفقرة: 706 من سرور النفس. (3) الوافي للصفدي 3: 105. (4) البدر المسافر، الورقة: 104 - 105. (5) الوافي للصدفي 1: 172.

5 - ضياء الدين أبو طالب السنجاري. 6 - شهاب الدين أبو شامة. 7 - نور الدين ابن سعيد الأندلسي. 8 - نجم الدين القمراوي. وقد تبارى هؤلاء العلماء في التأليف لخزانته، كما نباري الشعراء في مدحه (1) ، فألف له ابن سعيد كتاب " المغرب في محاسن أهل المغرب " و " كتاب المشرق في أخبار المشرق " (2) ، وألف له ابن أبي الإصبع كتاباً جمع فيه أمثال القرآن العزيز وكتب الحديث المشهورة، وغير ذلك من عيون الأمثال نظماً ونثراً (3) ؛ والأرجح أن التيفاشي وضع خطة لتأليف موسوعة كبيرة، أثناء إقامته عند الصاحب محيي الدين، معتمداً على ما كان لدى الصاحب من كتب، ويؤكد ابن سعيد هذا بقوله في كتابه " المشرق ": " هو - أي التيفاشي - مقر بأنه استعان في هذا الكتاب بالخزائن الصاحبية " (4) ، وتلك الموسوعة هي " فصل الخطاب " الذي سيكون موضوع بحث مستقل في ما يلي. وثمة ما يوحي بالتردد في القطع حول مكان اللقاء بينه وبين الصاحب محيي الدين. فالصفدي يتحدث عن محيي الدين حاكماً لجزيرة ابن عمر من 610 - 651 (5) كما تقدم القول، ويزيد قائلاً إن التيفاشي عند وروده من المغرب وما اتفق عليه في البحر من سلب ماله وكتبه أتى إلى الصاحب فآواه وأقام عنده (6) ؛ والادفوي في البدر السافر يقول إن الكامل أحب محيي الدين وأعجب به وأمسكه عنده (أي بمصر) وصار من أكابر دولته (7) ، وهذا يعني أن ابن ندى حين قدم التيفاشي إلى القاهرة كان بها، فلعله آواه في القاهرة، فلما توفي الكامل وعاد الصاحب إلى جزيرة ابن عمر صحبه التيفاشي.

_ (1) في الشعراء الذين التفوا حول الصاحب محيي الدين انظر الوافي 1 173. (2) الوافي 1: 172 والأبحاث (21/ 1968) : 94. (3) النجوم الزاهرة في حلى حضرة القاهرة: 318. (4) الوافي 8: 288. (5) الوافي 1: 172. (6) الوافي 8: 288. (7) البدر المسافر، الورقة: 104.

وإذا اضطرب علينا مكان اللقاء بين الرجلين: التيفاشي وابن ندى، فإن اللقاء نفسه كان حقيقة واقعة، وثمراته كانت كذلك. ففي ظل بني ندى وجد التيفاشي رعاية وطمأنينة، والتقى بعلماء أفاد منهم كثيراً، واطلع بيسر على كتب هامة أثرت في تفكيره، وبخاصة مؤلفات الموفق التلعفري (602/ 1206) ، فقد قال ابن سعيد: " وكان أبو الفضل التيفاشي يذكر لي هذا الرجل، ويزعم أنه استفاد من تصانيفه في ضروب الفلسفة، ويمتعني بما وقع له من أخباره وأشعاره أيام صحبته رؤساء بني ندى أعيان الجزيرة العمرية " (1) . وحين كان التيفاشي يتعب من التجول، كان يفيء إلى القاهرة، فقد أحس أنها أرحب البلدان صدراً، حتى لقد أنسته ما كان لديه من إعجاب بدمشق، إذ وجدها مركزاً ثقافياً واقتصادياً يلتقي فيه المشرق والمغرب، ويجمع صنوف الثقافات والتجارات، ويمكن التيفاشي من أن يظل على صلة بالمغاربة الكثيرين الذين كانوا يؤمون مصر للاستيطان، أو ينزلون فيها في طريقهم إلى الحج، وكانت الصلة بالحياة التجارية هامة لديه مصل الصلة بالحياة الثقافية؛ إذ هما لديه مترافدتان متعاونتان، وأسواق القاهرة تمكنه من الاطلاع على نماذج السلع التي تهمه، ومن لقاء تجار دخلوا الهند وسرنديب وأقاصي الشرق، فهو يتسقط منهم المعرفة في صورة خبر؛ " اخبرني بعض من دخل الهند من الجوهريين؟ أخبرني رجل من أهل غزنة.. حدثني رجل من أهل عدن؟ أخبرني من دخل سرنديب من التجار؟ أخبرني الشريف الجوهري الذي كان بمدينة القاهرة، وهو المعروف بالخبرة والذكاء في هذا الفن وذلك أنه دخل الهند؟ وأخبرني القاضي الحسيب معين الدين بن ميسر أمين السلطان على معدن الزمرد بالديار المصرية؟ وأخبرني من لا أشك في صدق قوله وثقة نقله، الأمير الأجل الكبير العالم الفاضل سيف الدين قلج (2) ؟ هكذا هو دائماً يلقى الناس ويدوّن عنهم الفوائد، من طبقة التجار الوافدين ومن كبار موظفي الدولة، ويتجول ويغشى الأسواق ويتفحص ويكتسب خبرة واطلاعاً فهو يقول: " ورأيت بسوق القاهرة المعزية حجارة منه (أي البازهر) كثيرة مغشوشة مصنوعة تباع على أنها بازهر حيواني بسوم دينار المثقال " (3) . ويقول أيضاً: " وقد حضرت في دكان جوهري خبير بالأحجار من أهل الأندلس بثغر

_ (1) الغصون اليانعة (تحقيق إبراهيم الابياري، القاهرة 1945) : 59 وانظر مجلة الأبحاث: 94. (2) أزهار الأفكار: 115، 64، 73، 88، 120. (3) المصدر السابق: 140.

الإسكندرية، ودخل السوق تاجر أعجمي، فأخرج ثمانية عشر حجراً على أنها بازهر حيواني، ودفعها لدلال، فأوقف عليها أمين السوق، فلم ينكر منها شيئاً، ونادى عليها جملة على أنها بازهر حيواني، فلما وصلت إلينا ورآها الجوهري الذي كنت في دكانه أخرج منها حجرين فأرانيهما وأخبرني أنه ليس في الجميع بازهر خالص غيرهما، وأن الباقي معمول مدّلس، واستدل على صحة قوله بأمرات أبرزها في المعمول وغير المعمول، تظهر للذكر النظر الجيد الفطنة " (1) . أما في حال الثقافة فقد تعرف إلى كثيرين من أهلها ومن الوافدين، وكان يلتقي المعاربة منهم في مجلس الرئيس جمال الدين موسى بن يغمور (663/ 1265) الذي شغل مناصب متعددة في الدولة، وكان لعطفه على القادمين من المغرب يسمى " كهف المغاربة "، ومن هؤلاء الطبيب أبو الحجاج يوسف بن عتبة الإشبيلي (636/ 1239) الذي جعله ابن يغمور مشاركاً مع أطباء البيمارستان (2) واصبح صاحباً ملازماً للتيفاشي. وعلى مائدة ذلك الرئيس نفسه التقى أبا المحامد القرطبي (643/ 1245) الذي كان مولعاً بالذم (3) . وتوكدت أواصر العلاقة بين وبين ابن سعيد الأندلسي، وكنا يصطحبان في جولاتهما للقاء الأدباء، ويتناشدان الأشعار، ويدونان الأخبار وقد أهداه ابن سعيد كتاب المغرب ثم أجازه رواية الكتاب نفسه. وجاء في تلك الإجازة: " أجزت الشيخ القاضي الأجل أبا الفضل أحمد بن الشيخ أبي يعقوب التيفاشي أن يروي عني مصنفي هذا، وهو المغرب في محاسن المغرب، ويرويه من شاء، ثقة بفهمه واستنامة إلى علمه " (4) . وقد سجل التيفاشي قصة الإهداء والإجازة في قطعتين من شعره، فقال إحداهما: سعد الغرب وازدهى الشرق عجباً ... وابتهاجاً بمغرب ابن سعيد طلعت شمسه من الغرب تجلى ... فأقامت قيامة التقييد وقال في الثانية: يا طيب الأصل والفرع الزكي كما ... يبدو جنى ثمر من أطيب الشجر

_ (1) أزهار الأفكار: 139. (2) اختصار القدح المعلى: 163 - 164. (3) المصدر السابق: 212. (4) نفح الطيب 2/ 332.

2 - شخصيته وثقافته:

ومن خلائقه مثل النسيم إذا ... يبدو إلى بصري أبهى من القمر أثقلت ظهري ببر لا أقوم به ... لو كنت أتلوه قرآناً مع السور أهديت لي الغرب مجموعاً بعالمه ... في قاب قوسين بين السمع والبصر (1) وفي مجلس ابن يغمور تعرف إلى كثير من الشعراء ومنهم سيف الدين المشد قريب ابن يغمور، كما كان كثير التردد على منزل جلال الدين المكرم - الذي سيأتي التعريف به. وفي القاهرة تعرف إلى ابن العديم حين حلها رسولاً، وأوقفه على شيء من تصانيفه، وأهدى إليه كتاباً من كتبه بخطه، وأنشده مقاطيع من شعره (2) . وقد أصيب بالصمم في السنوات الأخيرة من عمره (3) ، فأصبح عرضة لسوء الظن في بعض ما يقال، وقد اتفق أن اجتمع يوماً بسيف الدين المشد، فتوهم أنه سمع منه كلاماً لا يليق به، فعاتبه، فقال المشد قصيدة يعرض فيها بعض مصنفاته، وأنه ينشئها " اختلاساً من كاتب وكتاب " (4) . وكذلك أصيب بعد ذلك بنزول الماء في عينيه حتى عمي، فقدحهما وأبصر واستأنف الكتابة، وعوفي، ثم شرب مسهلاً، وأعقبه بشرب آخر، فأدركه حمامه على أثر ذلك في الثالث عشر من المحرم سنة 651/ 16 مارس 1253 بالقاهرة (5) ، ودفن في مقبرة باب النصر. 2 - شخصيته وثقافته: يقول ابن العديم مصوراً ما انطبع في نفسه من شخصية التيفاشي: " اجتمعت به القاهرة؟ فوجدت شيخاً كيساً ظريفاً "، وفي هاتين اللفظتين خلاصة السمات التي كان يتميز بها التيفاشي، فالكيس - وهو صفة قلما يوصف بها الشيوخ - صفة تشير إلى خفة وتوقد معاً، وتلحق بالظرف حتى تلتبس به، وصاحب هاتين الخلتين يكون بحسب مفهومنا اليوم " رجلاً اجتماعيا " يلابس الناس ويخف على نفوسهم، وهذا القبول الاجتماعي يصبح ضرورة إذا كان صاحبه " طُلَعَةً " - مثل التيفاشي - لا يفتأ يرود كل الميادين، ويواجه أصنافاً مختلفة من الناس، ويطرح مختلف الأسئلة، يتغلغل في صميم المشكلات، ويحاول أن يدرس

_ (1) نفح الطيب 2: 325 وبغية الطلب 2: 160، وانظر ملحق هذه المقدمة. (2) بغية الطلب 2: 159 - 160. (3) انظر اختصار القدح: 212 ((فلم يسمعه لثقل كان في سمعه)) . (4) الوافي 8: 290 - 291. (5) بغية الطلب 2: 161.

الطبيعة وظواهرها، والمجتمع في شتى نماذجه، حتى ولو كانت تلك النماذج مما يتصل بالعالم الخفي - عالم المباذل والشذوذ؛ ولقد علمته التجربة أن الظرف والانبساط لا يصلح في كل الأحوال، وأنه قد يكون خطراً على صاحبه في بعض المواقف، ولذا نجده يقول: " الواجب بعد هذا كله تجنب الانبساط مع غير أهل الأدب، فإن الانبساط مع العوام مهلك للعرض متلف للجاه والحرمة " (1) ، ولكن يبدو أن هذا المبدأ قاعدة نظرية، وحسب. ولقد كسب له حب استطلاعه سعة في التجربة، وفهماً لدواخل الأمور وبواطن الظواهر، وطبعه على الحذر والترقب، ولكن يبدو أن التجربة الواسعة لم تستطع أن تنزع من نفسه طيبة متأصلة، كانت تبادر حذره فتسبقه وتأخذ عليه الطريق، ولعل في القصة التالية ما يشير إلى ذلك، كان ذات يوم ماراً بدمشق يجتاز جسراً على نهر بردى، فإذا بغلام صغير السن دون البلوغ عريان يبكي، والغلمان يسبحون في النهر دونه، والناس يمرون به يميناً وشمالاً ولا يكلمونه، فأدركته عليه شفقة وأراد أن يتعرف خبره، فسأله عما به، فلم يرد وأمعن في البكاء والضجيج، وتبرع غلام آخر بالحديث نيابة عن الأول وقال للتيفاشي: يا سيدي هذا غلام جاء يسبح، ووضع ثيابه على الحجر فسرقت، وله أم عجوز صالحة تقتله اليوم إن رجع لها عرياناً، وقد جمع له الناس بعض النقود ليشتري بها قماشاً، فحفزت الأريحية التيفاشي إلى أن استخرج منديل نقوده ليدفع له شيئاً، وإذا بشاب من بعد يشير إليه: لا تفعل، فمشى إليه وسأله عن السبب، فقال ذلك الشاب: هذا الغلام العريان مقامر، عادته أن يفعل ذلك ثم يأخذ ما يحصل له ويقامر به، وهو شيطان والناس يعرفون ذلك منه، وإنما يصطاد الغرباء. قال التيفاشي: فوفر علي دراهمي، فجزيته خيراً وانصرفت (2) ؛ طيبة تشبه الغفلة، ومع ذلك فإنها وسعت مجال تجربته، وكشفت له عن نموذج لم يكن يعرفه من التحيل، وربما أفادته فزادته حذراً. مثل هذه الشخصية يخضع لواقع الحياة أكثر مما يخضع لقانون أخلاقي، ولذلك لم استبعد أن يكون قد عزل عن القضاء لشربه الخمر؛ ذلك لأن الإقبال على الخمر كغيره من المباذل الاجتماعية، موجود يأخذه على أنه قضية مسلمة، ويتحدث عنه حديث عالم الاجتماع. ومن هذه الواقعية أن يقول:

_ (1) نزهة الألباب (نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم: 1533) ص: 5. (2) نزهة الألباب: 88 - 89.

" اعلم أن مجلس الشراب أولى بالسماع من جميع ما عداه من سائر المجالس، وإنه يسيغ الشراب ويشيعه تشييعاً عجيباً حتى يحس سريانه في الجسم وأثره فيه، ولهذا قالت الحكماء: السماع إدام المدام " (1) . وهو مؤرخ اجتماعي حين يحدثنا إن " عوائد الناس الابتداء بالغناء في مجلس الشراب مختلفة، أما أهل المشرق من ملوك العجم وملوك العرب في هذا التاريخ، فإن العادة عندهم أن الملك إذا اخذ القدح في يده ابتدأ المغني في الغناء بغير أمر له بذلك، كأن أخذ الملك للقدح دستوره في الغناء، فإذا ابتدأ المغني بالغناء وضع الملك القدح ثم يستمع ويشرب في وسط ذلك الغناء، وأما ملوك المغرب ورؤساؤه فإنهم يشربون في أول المجلس ساعة على الحديث أو المذاكرة بغير غناء، فإذا أراد صاحب المجلس الغناء نقر بالستارة إن كانت خشباً أو تنحنح أو أبدى إمارة؟ الخ " (2) . وكان التيفاشي متنوع الثقافة حتى ليصدق فيه ما قاله التوحيدي في زيد بن رفاعة: " اينسب إلى شيء ولا يعرف برهط لجيشانه بكل شيء وغليانه في كل باب " (3) أعني أنك تجده طبيباً بين الأطباء، وفلكياً بين الفلكيين، وموسيقاراً بين الموسيقيين، مثلما تجده شاعراً وناثراً، ولكنك لا تستطيع أن تقول إنه تميز في شيء أو نال فيه تفوقاً. كان كثير المطالعة، ولهذا تجده يقول في بعض المواقف: " إني امرؤ استنبطت العلوم وحذقت النجوم وطالعت جميع الكتب من العلوم بأسرها على اختلاف أجناسها وأصنافها " (4) ، ومع ذلك فلم تكن المطالعة مصدره الأهم في المعرفة، بل ربما كان أهم منها المعرفة التي حصلها عن طريق السماع والمشاهدة والاختبار العملي، وأعانه على ذلك دقة في الملاحظة، ومسارعة إلى تقييد ما يلاحظه أو يسمعه أو يجري فيه اختباراً، تستوي في ذلك بسائط الأمور ومعقداتها. يقول " وقد كان عندي حجر بازهر خالص حيواني فجعلته في كيس فيه دنانير ذهب، ثم سافرت سفراً بعيداً، فلما استقرت فتحت الكيس وأخرجت حجر البازهر فلم أعرفه، حتى ظننت أنه قد بدّل علي بتغير جميع صفاته، ثم وزنته فوجدته أقل مما كان، فزاد تشككي، ولم يكن معي من اتهمه فعجبت من ذلك وبقيت متحيراً في أمره، ثم جعلته في حق صغير بعد أن لفقته بابريسم، وغفلت عنه مدة، ثم

_ (1) متعة الأسماع (نسخة الخزانة العاشورية) - الباب الثاني، الورقة: 6. (2) متعة الأسماع؛ الباب الرابع، الورقة: 8. (3) الإمتاع والمؤانسة 2: 4. (4) نزهة الألباب: 8.

أخرجته فوجدت الحجر الذي أعرفه أولاً، وقد زالت عنه الهيئة الرديئة التي اكتسبها من احتكاكه بخشونة الذهب ورجعت إليه جميع صفاته الأولى إلا أن وزنه نقص بما أنحك منه في الكيس)) (1) . ولا ريب في أن التيفاشي كان يتمتع بروح علمية دقيقة، لأنه كان يحاكم ما يسمع إلى التجربة ويتحمل المشاق في سبيل المعاينة الذاتية؛ فقد كان يسمع مثلاً عن أن الزمرد الذبابي إذا عرض للحيات انفقأت عيونها على المكان، وكان عنده فص زمرد ذبابي خالص، فاستأجر حواء ليصيد له أفعى، ففعل، وجعلها في طشت ثم قرب الفص من عينيها، فما لبث أن سمع فرقعة خفيفة كمن يقتل صؤابةً على ظفره، ثم برزت عيناها بروزاً ظاهراً، وبقيت حائرة في الطشت لا تدري أين تتوجه (2) . وقد مكنته هذه الدقة العلمية من التمرس ببعض الصناعات وإتقانها؛ فقد صنع وهو القاهرة من اليشم الأبيض أواني أهداها لبعض الأمراء ممن يعرف اليشم بدقة فلم يشك ذلك الأمير أن ما أهدي له كان من صنع الصين، ولم يكد يصدق إنها ليست كذلك إلا حين صنع له التيفاشي أواني على شكل مخصوص ووزن مخصوص بحسب اقتراحه (3) . وفي مثل هذه الشؤون، استطاع التيفاشي أن يقع على حقائق يؤكدها العلم الحديث، ولكنه - على خلاف ما يقوله محققاً كتاب الأحجار - لم يبرأ من الخضوع للخرافة (4) ، فقد كان في ذلك ابن عصره، ينقل ما جاء في الكتب دون محاكمة، ومن قرأ الفصول التي عقدها عن خواص القطبين وما أشبه ذلك في ((سرور النفس)) عرف مصداق ما أقول (5) ؛ ويقارب هذا النقل ضعفاً تلك التعليلات التي كان يظنها في عصره علمية أو طبية، وهي نتيجة لقصور العلم والطب حينئذ. وليس يؤاخذ التيفاشي في كل ذلك، فهذه التعليلات نفسها - على فسادها - تدل على أنه كان يحاول أن يجد تفسيراً يقبله العقل. ذلك بعض ما يمكن أن يقال في الاتجاه العلمي لدى التيفاشي، ولو وصلتنا مؤلفاته الأخرى، لا تسع القول في هذا الاتجاه.

_ (1) أزهار الأفكار: 124 - 125. (2) أزهار الأفكار: 84 - 85. (3) أزهار الأفكار: 195. (4) انظر مقدمة أزهار الأفكار: 17. (5) راجع مثلاً الفقرة: 577.

4 - نظرة في حاله المعيشية بعد الهجرة:

فأما الاتجاه الأدبي، فقد يبدو في بعض الأحيان ظلاً للاتجاه العلمي، فهذا الشغف بالعشر الذي قيل في النجوم والرياح وتقلب الفصول والحر والبرد والشموع والنيران، يشير إلى ذلك؛ وعلى هذا لم يسمح التيفاشي لصوت النقد بأن يرتقفع عالياً إلا حين رأى التنوخي يكثر من تشبيه المحسوس بغير المحسوس فيقول: " إني لينغص علي إحسان هذا الرجل مع كثرته - ما أخذ به نفسه من تشبيه الأظهر بالأخفى، وهو شيء كرهه أكابر العلماء ونصوا عليه، وهو قد أغري به لا يكاد يخلي منه تشبيهاته " (1) . وأحياناً يعثر في النقد عثرة من لا يعرف أولياته، فيورد بيتين لأحد الشعراء المحدثين ثم يقول وهذا أبلغ من قول امرئ القيس، إلا أنه لا يدخل في مختار الكلام لابتذال لفظه (2) ، فكيف يكون أبلغ وهو مبتذل اللفظ؟ وهو أحياناً يعمم الحكم استناداً إلى سعة مروياته من الأشعار، كأن يقول: وشعراء المغرب حازوا قصب السباق في وصف الاغتباق " (3) وفي سائر المواقف النقدية يعد عالة على من تقدمه من النقاد. وقد ذكر من ترجموا له بأن له شعراً حسناً ونثراً جيداً (4) ، ولم يصلنا شيء من نثره الفني، فأنا نثره في كتبه، فهو بسيط سائغ، دقيق في إبراز الفكرة التي يعالجها؛ وأما شعره فقد وصلنا منه عدد من المقطعات تبلغ أربعاً وعشرين تتراوح بين بيتين وتسعة عشر بيتاً، ولكن أكثرها من القصار؛ وتدور في معظمها على موضوع الوصف (وصف الليل، الهلال، السماء، الزلزال، النار، الشمعة، الفانوس، الأهرام..) ومن الواضح فيها سيطرة الفكرة والعمل الذهني، وطلب الصورة، دون احتفال بمستوى التعبير، ولا يخرج التيفاشي في هذا عن الاتجاه الغالب على شعراء عصره، ولا يتجاوز الموضوعات التي كانت تستأثر باهتمامهم، إذا هم تجاوزوا مقام المدح والرثاء (5) . 4 - نظرة في حاله المعيشية بعد الهجرة: كانت الآلات التي ملكها التيفاشي من علم وأدب تؤهله لأن يكون

_ (1) الفقرة: 379. (2) الفقرة: 49. (3) الفقرة: 149. (4) انظر الديباج: 75. (5) سألحق بالمقدمة القطع التي لم ترد في هذا الكتاب مما وجدته من شعر التيفاشي.

نديماً للملوك، حينئذ، ولعله فعل ذلك، فنحن نسمع منه حديث العارف لما كان يدور في تلك المجالس، كما مرت الإشارة إلى ذلك من قبل، وهو يصرح أحياناً بقوله: " حضرت مجلس ملك من ملوك المشرق، وفيه جماعة خواصه وندمائه، فغنى صبي دوبيتي، استحسنه الجميع وطربوا عليه وهو: من متيم جفاه مولاه ... جفاه وليس لو إلا وهو لا حول ولا قوة إلا بالله ... فانصرفت من المجلس وأنا أقول نعم لا حول ولا قوة إلا بالله " (1) . وليس بمستبعد أن تكون هذه الخصائص كلها، أعني قدرته على تأليف الكتب باسم بعض الأمراء، ونظم الشعر في مدحهم (وإن لم يصلنا شيء من مدحه فيهم) ومزاولة بعض الصناعات، والاتجار بالأحجار، والتقرب بالهدايا والطرف، هي التي كانت وسيلته إلى كسب الرزق، بعد أن هاجر من بلده إلى المشرق، ثم بعد استقراره بمصر؛ إذ لم يسند إليه منصب يكفل له دخلاً ثابتاً، فيم وصل إليه اطلاعي (2) . وقد كانت أسفاره تكلفه مالاً، وإن كان يأوي في تنقلاته إلى المدارس والأربطة، ولكنها من ناحية أخرى لم تكن بعيدة عن امتهان التجارة، ويمكن يستشف من شرائه للجواهر، ومن إقدامه على التجارب وبذله المال في سبيلها أنه كان امرءاً ميسور الحال. وقد صمت التيفاشي بعد النكابة التي ذهبت بأولاده ومعظم ماله، وبعد فقد زوجته عن أية إشارة إلى وضعه " المدني "؛ هل تزوج ثانية؟ أو هل قنع بالتسري؟ ومن ثم يمكن أن يثور سؤال آخر وهو: لماذا هذا الاهتمام بكتابة مؤلفات في الشؤون " الجنسية "؟ أكانت علماً؟ أم كانت وسيلة لكسب المال من المترفين؟؟. ليس لدينا أي شيء نقوله إذن عن وضع عائلي أو معيشي، للتيفاشي، بعد هجرته إلى المشرق، وإن كنا نعرف عرضاً أنه كان له فتى يعرف بجمال الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خطلخ الفارسي الأرموي، وأنه كان مثقفاً، وإن ابن سعيد أجازه رواية المغرب مثلما أجاز أستاذه " (3) .

_ (1) متعة الأسماع: الباب الثالث عشر، الورقة: 32. (2) قد تشير صحبته للطبيب ابن عتبة الاشبيلي إلى أنه كان يكسب رزقاً من الانتماء إلى البيمارستان، لأنه كان يحسن الطب، ولكن هذا محض احتمال. (3) النفح 2: 332.

5 - مؤلفات التيفاشي:

5 - مؤلفات التيفاشي (1) : 1 - تفسير التيفاشي؛ ذكره صاحب صبح الأعشى وقال إنه تغلب عليه القصص (2) . 2 - كتاب في علم البديع له، متوسط الحجم، ذكره صاحب صبح الأعشى (3) . 3 - كتاب في المسالك؛ عرض به السيف المشد في قصيدة له تهكم فيها بالتيفاشي، فقال: خفت أن أملك " المسالك " أو أجنح يوماً لنسخ " فصل الخطاب " (4) . 4 - قادمة الجناح في آداب النكاح: ذكره صاحب الروض المعطار في مادة " تيفاش " ونسبه لمن اسمه عمر التيفاشي (5) ، ويبدو أن لفظة " عمر " مصحفة عن " أحمد " وينقل عنه التجاني في تحفة العروس في عدة مواضع (6) . 5 - مشكاة أنوار الخلفاء وعيون أخبار الظرفاء، ذكره صاحب الروض المعطار، وقال فيه " وهو كتاب مطول، حسن ممتع ضاهى به عقد ابن ربه فأبدع (7) . 6 - كتاب في التاريخ؛ قال الادفوي في البدر السافر في ترجمة محمد بن سعيد بن ندى الجزري المعروف بالعماد: " وذكره الشريف (أقرأ: الشرف) التيفاشي في تاريخه، وذكر أنه حضر عند الملك الأشرف ابن العادل بسنجار.. الخ " (8) ؛ ويذكر الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب أن للتيفاشي كتابين في تاريخ الأمم،

_ (1) قد عد معظم هذه المؤلفات كل من حسن حسني عبد الوهاب في ورقات 2: 455 - 459 ومحققي كتاب الأحجار (المقدمة 12 - 16) وعبد القادر زمامة في مجلة المجمع: 19 - 20 وبروكلمان في التاريخ 1: 495 ونعيد ذكرها هنا لما قد نضيفه من فوائد. (2) صبح الأعشى 1: 471. (3) صبح الأعشى 1: 469. (4) الوافي 8: 291. (5) الروض المعطار: 146. (6) انظر تحفة العروس: 49، 66، 71، 99، 155، 186 (ط. القاهرة 1: 13) . وانظر كشف الظنون 2: 1305 (ط. استانبول 1941) وهدية العارفين 1: 94 (ط. استانبول 1951) . (7) الروض المعطار: 146. (8) البدر السافر، الورقة 104.

وأنهما داخلان في " فصل الخطاب " (1) ، فانظر الحديث عن هذا الكتاب الأخير في موضعه. 7 - أزهار الأفكار في جواهر الأحجار: ذكر منه بروكلمان ما يربو على عشرين مخطوطة، في المكتبات المختلفة، عدا عما لم يره مثل مخطوطتين بمكتبة الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب، ومخطوطة مكتبة الكونغرس وغير ذلك. وقد عني المستشرقون به فطبع غير مرة وتم تحقيقه في طبعة جديدة هي التي اعتمدتها (القاهرة 1977) مذيلة بتعليقات هامة، وقد عده صاحب صبح الأعشى أحسن مصنف في الأحجار ونقل عنه في عدة مواضع (2) وقال الصفدي فيه: وله مجلد جيد في معرفة الجواهر (3) ويكاد الغزولي أن يكون قد لخصه في مطالع البدور (4) . 8 - سجع الهديل في أخبار النيل، اعتمد عليه السيوطي في حسن المحاضرة في غير موضع (5) . 9 - المنقذ من التهلكة في دفع مضار السمائم المهلكة، لم يشر إليه إلا محققاً كتاب أزهار الأفكار، إذ جاء في خاتمة النسخة المحفوظة بطوبقبوسراي أن الكتاب (أي أزهار الأفكار) يتلوه كتاب " المنقذ من التهلكة؟ الخ " " للمؤلف نفسه، لكن الكتاب نفسه غير موجود (6) . 10 - الدرة الفائقة في محاسن الأفارقة: أهدى المؤلف منه نسخة إلى ابن العديم حين لقيه بالقاهرة (7) . 11 - درة اللآل في عيون الأخبار ومستحسن الأشعار، انفرد بذكره الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب ولم يذكر مصدره (وكذلك فعل في كتب تفرد بذكرها) وعنه محققاً الأحجار.

_ (1) ورقات 2: 455. (2) صبح الأعشى 2: 98 ويستمر النقل عنه حتى ص 117. (3) الوافي 8: 288. (4) مطالع البدور 2: 140 - 159؛ وانظر كشف الظنون 1: 72 وهدية العارفين 1: 94 ومعجم سركيس: 651. (5) انظر حسن المحاضرة 2: 340، 3349، 1، 354، 358، 374، وراجع كشف الظنون 2: 979 وهدية العارفين 1: 94. (6) انظر مقدمة أزهار الأفكار: 13 (رقم: 2 في أسماء الكتب) . (7) بغية الطلب 2: 160 وانظر كشف الظنون: 742 وورقات. وهدية العارفين 1: 94.

12 - الديباج الخسرواني في شعر ابن هاني، انفرد بذكره الأستاذ عبد الوهاب وعنه محققاً الأحجار. 13 - الشفا في الطب المسند عن المصطفى مما خرجه الإمام أبو نعيم الأصفهاني وجمعه التيفاشي، أوله " اللهم يا من لطف حتى دق عن الأوهام والظنون؟ " جردها من السند ورتبها على ترتيب كتب الطب وسماه: ((الوافي في الطب الشافي " (1) . 14 - رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه: ذكر حاجي خليفة أنه من تأليف أحمد بن سليمان الشهير بابن كمال باشا (940/ 1533) ؛ فهو لا يعد من كتب التيفاشي، ولا يشبه طريقته في التأليف (2) . 15 - رسالة فيما يحتاج إليه الرجال والنساء في استعمال الباه مما يضر وينفع (3) ؛ قلت ولعلها منحولة له، كما هي حال الكتاب السابق. 16 - نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب (ذكر بروكلمان منه نسخاً ثلاثاً ليست نسخة خزانة الرباط إحداها) ؛ وقد ذكر حاجي خليفة كتاباً بهذا الاسم ونسبه إلى ابن جماعة (767/ 1366) (4) ومفتتحه كمفتتح كتاب التيفاشي: " الحمد لله الذي علم طبع الإنسان في الملال " وهذا وهم خالص، فإن مؤلف الكتاب مغربي، وليس لابن جماعة علاقة بالمغرب، فقد جاء فيه: " قال مؤلف الكتاب وقد شاهدت نازلة اتفقت في هذا الأمر بمدينة تونس من بلاد أفريقية؟ " (5) والمؤلف قريب العصر من عهد الملك المعظم (أي في القرن السابع) وابن جماعة من رجال القرن الثامن (6) ويصور الكتاب " الحياة الخفية " من المجتمع، ويتميز بما استطاع المؤلف أن يرصده من أحداث ونماذج أثناء تجواله بين تونس ومصر والإسكندرية ودمشق وبغداد، فهو يتحدث عن جانب من الواقع، ويتضمن اثني عشر باباً، ومن أمثلتها:

_ (1) كشف الظنون 2: 1055 وانظر هدية العارفين 1: 94. (2) كشف الظنون 1: 835؛ وانظر بروكلمان التكملة 1: 904. (3) هدية العارفين 1: 94 وبروكلمان التكملة (نفسه) . (4) كشف الظنون 2: 1940. (5) نزهة الألباب: 52. (6) نزهة الألباب: 102.

تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه

الباب الأول: في الصفع وما فيه من الفوائد والنفع. الباب الثاني: في القوادين والقوادات وما جاء فيهم من نوادر وأشعار. الباب الثالث: في شروط الزناة. الباب الرابع: في القحاب المبتذلات ونوادرهن؟ الخ. 17 - متعة الأسماع في علم السماع: وهو في الموسيقى وأنواع الرقص وخيال الظل، ومنه نسخة وحيدة بالمكتبة العاشورية، اعتمدت عليها في هذه الدراسة، وقد عرف بالكتاب ونشر منه فصلين صديقنا محمد بن تاويت الطنجي رحمه الله (1) ؛ والكتاب قيم جداً، وهو (أو أكثره) بخط التيفاشي والنسخة المتبقية منه مضطربة، وخطها عسير جداً؛ ويمثل هذا الكتاب جزءاً من " فصل الخطاب " إذ جاء على الورقة الثانية " وهو الحادي وال؟ من فصل الخطاب " ولما كنا نعلم أن فصل الخطاب يقع في 24 جزءاً (في قول إحدى الروايات) فإن متعة الأسماع قد يمثل الحادي والعشرين منه. وانظر الحديث مستوفى عن فصل الخطاب في موضعه. 18 - سرور النفس بمدارك الحواس الخمس: ليس للتيفاشي كتاب بهذا الاسم على وجه الدقة، ولكن هذا الكتاب هو الصورة المحورة من " فصل الخطاب " بعناية ابن منظور. وسيجيء الحديث عن ذلك من بعد. - 2 - تعريف بمرتب الكتاب ومهذبه وهو محمد بن مكرم - بتشديد الراء - بن أبي الحسن علي (وقيل رضوان) (2) ابن أحمد بن أبي القاسم بن حبقة بن محمد بن منظور الأنصاري الرويفعي (من ولد

_ (1) مجلة الأبحاث (1968) : 95 - 116. (2) هو رضوان عند الذهبي (تاريخ الإسلام 20 الورقة: 64) وجمع السيوطي بين التسميتين (بغية الوعاة 1: 248) وهو علي في سائر المصادر ما عدا ابن سعيد (النجوم الزاهرة: 322) فإن المكرم أملي عليه نسبه فذكر ((أبا الحسن)) - دون تمييز -. واضطرب الأمر على الأدفوي فكتب في ترجمة محمد: محمد بن مكرم بن علي، وكتب في ترجمة أبيه: مكرم بن رضوان بن أحمد (البدر السافر، الورقة 167، 200) وقد ساق هو نسبه في مادة (جرب) من اللسان وذكر أن جده أبا الحسن يسمى علياً ويلقب نجيب الدين.

رويفع بن ثابت الصحابي) ولقبه جمال الدين وكنيته أبو الفضل، وقد شهر عند المتأخرين باسم " ابن منظور " ونسي ما عد ذلك، واقترنت شهرته بلسان العرب الذي جمع فيه بين صحاح الجوهري ومحكم ابن سيده وتهذيب الأزهري. وقد ثار في السنوات الأخيرة جدل حول منتمى ابن منظور، أملته النظرة الإقليمية الضيقة، أهو أفريقي أم مصري، حتى قال الأستاذ إبراهيم الأبياري في مقدمته على مختار الأغاني: " ولم يعرض لمكان مولد ابن منظور غير اثنين الزركلي في الأعلام حيث قال: " ولد بمصر وقيل بطرابلس الغرب " ثم الدكتور درويش في كتابه " المعاجم العربية " حيث يقول: ولد في تونس حيث نشأ بها. وما نرى أن كليهما نقل ما نقل عن مرجع بل نراهما قد اجتهدا في لاستنباط، فالمراجع كلها لم تذكر عن هذا البلد الذي ولد فيه ابن منظور شيئاً صريحاً " (1) [كذا] . ولو تأملت هذا الكلام من جميع هؤلاء الدارسين لتملكك العجب، ودهشت لهذا الذي يجري في الدراسات والتحقيقات، من استنامة إلى السهولة والتساهل؛ مع أن الأدفوي يقول في البدر السافر: محمد بن مكرم الأفريقي المحتد القاهري المولد (2) ؛ وهذا ابن سعيد يروي نقلاً عن المكرم نفسه والد محمد أنه - أي المكرم - ولد بالقاهرة (3) ؛ فإذا كان الأب نفسه ولد بالقاهرة فبأي حق يفتش الدارسون عن عبقرية أفريقية (تونسية) لدى ابن منظور؟ ويعود الادفوي في ترجمة " مكرم " - الأب - فيقول: مكرم بن رضوان بن أحمد الأنصاري المصري - ويعرف والده بابن المغربية - قدم جده (يعني إلى مصر) من ناحية (اقرأ من باجة) أفريقية (4) . لا لبس إذن: جد محمد المدعو رضوان أو علياً والمكنى بأبي الحسن قدم - كما يقول ابن سعيد نقلاً عن المركم نفسه - من باجة أفريقية، أي مما يسمى اليوم القطر التونسي، واستوطن القاهرة، وبها ولد ابنه المكرم في صفر سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة - أي كان أصغر من التيفاشي بسنتين - وسمع المكرم من أبي الجود اللخمي وعلي بن نصر بن العطار وعبد الله بن محمد بن مجلي وأبي الحسن بن المفضل الحافظ المقدسي وأبي عبد الله بن يوسف النقاش، وأجاز له

_ (1) مختار الأغاني (القاهرة: 1965) ، المقدمة على الجزء الأول: ل. (2) البدر السافر، الورقة: 167. (3) النجوم الزاهرة (المغرب - قسم القاهرة) : 322. (4) البدر السافر، الورقة: 200.

خبق كثير منهم البوصيري والخشوعي والصيدلاني وخرج له المحدث أبو بكر ابن مسدي مشيخة بالسماع والإجازة (1) ، وقد كان ذكياً ذا خاطر متوقد وقدرة على الحفظ باهرة، واختبره الملك الكامل في الحفظ لما سمع عن تميزه في ذلك فوجده ربما حفظ أحد عشر بيتاً من سمعة واحدة فسماه " ملك الحفاظ " ثم سماه " رئيس الأدباء " لتمهره في فنون الأدب، وحظي عند الكامل كثيراً، ونال من صلاته ما جعله ذا نعم طائلة، فاقتنى خزائن شتى من الكتب، كان يبذلها للمستفيدين يطالعون ويحصلون (2) ، وفي أيامه الأخيرة أضر، من غير أن يفارق الخدم السلطانية، وقد كلفه سلطان مصر حينئذ مساعدة عبد الظاهر الأعمى في تذييل كتاب الكامل لابن الأثير (3) ؛ وقد كان التيفاشي كثير التردد إلى منزله - مع غيره من العلماء والأدباء - وأورد له في هذا الكتاب مقطعات شعرية كثيرة، وكانت وفاة المكرم سنة 645/ 1247. وقد خلف المكرم ولدين: حسناً ومحمداً؛ أما حسن أكبرهما فقد ولد بالقاهرة سنة 613: 1216، وكان آخذاً في طريقة أبيه، معروفاً بغوصه على المعاني في شعره (4) ، وله شعر في كتاب التيفاشي، وكانت تربطه بابن سعيد صداقة متينة. وأما محمد فقد ولد في يوم الاثنين ثاني عشر شهر محرم سنة 630/ 30 أكتوبر 1232 وأخذ عن أبيه وعن جلة من علماء عصره منهم: أبو الحسن ابن المقير ويوسف بن المخيلي وابن الصابوني وعبد الرحيم بن الطفيل وابن الجميزي ومرتضى بن العفيف والجلال الدمياطي، وتفرد بأشياء، وحدث بالقاهرة، وعمر فأكثروا الحديث عنه (5) وقال الذهبي أنه تفرد في العوالي. وقد خدم في ديوان الإنشاء بمصر مدة طويلة، ثم ولي نظر طرابلس الغرب (أي قضاءها) وكان يتشيع باعتدال، وله شعر ونثر كثير، وله معرفة بالنحو واللغة والتاريخ والكتابة. وقد شهر ابن منظور باختصاره للكتب، فاختصر الأغاني وهذبه ورتبه على الحروف، وزهر الآداب للحصري، واليتيمة للثعالبي، والذخيرة لابن بسام،

_ (1) تاريخ الذهبي 20، الورقة: 64. (2) عن الذهبي والبدر السافر وابن سعيد (بالجمع بين ما أورده في نسق) . (3) النجوم الزاهرة: 322. (4) النجوم الزاهرة: 323. (5) البدر السافر، الورقة: 167 وابن حجر: الدرر الكامنة (ط. القاهرة) 5: 31 والوافي 5: 54، ونكت الهميان: 275.

التعريف بالكتاب

ونشوار المحاضرة للتنوخي، وتاريخ بغداد للخطيب، والذيل عليه لابن النجار، وتاريخ دمشق لابن عساكر (1) . وصفة الصفوة لابن الجوزي، ومفردات ابن البيطار، وفصل الخطاب للتيفاشي، وظل يكتب حتى أضر في آخر عمره، وقد ذكر ابنه قطب الدين أن والده ترك خمسمائة مجلدة بخطه، وقيل أن الكتب التي اختصرها هذا المقدار. وكانت وفاته في العاشر أو الحادي عشر من شعبان سنة 711/ 23 أو 24 من ديسمبر (كانون الأول) 1311 (2) . - 3 - التعريف بالكتاب 1 - الكتاب الأصلي المسمى " فصل الخطاب " كان التيفاشي في تردده على جلال الدين المكرم يذكر له أنه ألف كتاباً كبيراً أفنى فيه عمره واستغرق دهره، وسماه ((فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب)) وكان محمد بن جلال الدين في ذلك الوقت في سن الطفولة، يسمع باسم الكتاب، ولا يفقه كثيراً مما يتحدث به الأدباء والعلماء المتحلقون في بيتهم، إلا أنه استنكر هذه التسمية وعدها جرأة من المؤلف، إذ إن ((فصل الخطاب)) خاص بالنبي داود الذي قال الله تعالى فيه (وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب) (ص: 20) فكيف يجرؤ مؤلف على أن يسمي كتابه ((فصل الخطاب)) ؟. ويقول ابن منظور الذي كان عمره يوم توفي التيفاشي يقارب الثانية والعشرين، إنه أنسي أمر الكتاب وشغل عنه ثم تذكره وقد جاوز الستين (3) ، فأخذ يبحث عنه، حتى اهتدى إليه أخيراً عند واحد من أصدقاء التيفاشي، فحاول الحصول عليه منه فلم يستطع وأنفق ذلك جهداً كثيراً، وأخيراً حصل عليه سنة 690 (4) . فوجده في مسودات وجزازات وظهور، وقد جعله المؤلف من أربعين

_ (1) يقوم على تحقيقه ونشره صديقنا الدكتور رضوان السيد الأستاذ بالجامعة اللبنانية. (2) لعل الذهبي هو الذي رسم الخطوط العريضة لترجمة ابن منظور، وعنه أخذ الصفدي ترجمته في الوافي وأعيان العصر ونكت الهميان، وعن الصفدي أخذ الكتبي في الفوات 4: 39 والزركشي في عقود الجمان: 307، ثم لخص هذه الترجمة كل من ابن حجر في الدرر الكامنة 5: 31، وابن العماد في شذرات الذهب 6: 26 والسيوطي في بغية الوعاة 1: 248؛ ولدى الادفوي في البدر السافر: 167 بعض استقلال فيما يورده ولكن ذلك موجز كثيراً. (3) لو قال وقد جاوزت الخمسين لكان أصح (انظر الحاشية التالية) . (4) إذا كان ابن منظور قد ولد أول سنة 630، وتذكر الكتاب حين تجاوز الستين فمعنى ذلك أنه لم يذكره قبل سنة 960، فإذا حصل عليه سنة 960 فهذا يعني أن محاولته لم تستغرق وقتاً طويلاً، كما يحاول أن يوحي للقارئ في مقدمته.

جزءاً، غير إن ابن منظور لم يجد منها سوى ست وثلاثين ربطة (1) . فهل الربطة تساوي جزءاً أو أقل من ذلك؟. ذلك ما قاله ابن منظور وهو مصدق فيما يقول، إلا أن الصفدي يقول شيئاً آخر، يقول: " له كتاب كبير إلى الغاية وهو في أربع وعشرين مجلدة جمعه في علم الأدب، وسماه " فصل الخطاب؟ " ورتبه وبوبه وجمع فيه من كل شيء وتعب عليه إلى الغاية " (2) ، فلم هذا التفاوت في عدد الأجزاء؟ أغلب الظن أن المجلدة عند الصفدي لا تقتصر على جزء واحد، بل ربما جمعت - في بعض الحالات - جزءين من تجزئة المؤلف. وينفرد الأستاذ حسن حسني عبد الوهاب بفرضية لابد من أن يكون لها ما يسوغها، فهو يرى أن فصل الخطاب موسوعة كبيرة لا تقتصر على الآداب كما يقول الصفدي بل تشمل الآداب والعلوم والتاريخ وأنها في أربعين جزءاً لا يقل حجم الجزء عن مائتي صحيفة في القالب الربعي، تتناول: 1 - مظاهر الطبيعة كالليل والنهار والشمس والقمر والسماء والكواكب، وهذا يقع في جزءين. 2 - العالم الحيواني بما فيه من أصناف المخلوقات (لا ندري كم جزءاً) . 3 - عالم الأحجار والمعادن (وهذا يجعل كتاب أزهار الأفكار جزءاً من فصل الخطاب) . 4 - جزء في الطب عنوانه الشفاء انظر رقم: 13 في مؤلفات التيفاشي) . 5 - جزء في الموسيقى عنوانه متعة الأسماع (انظر رقم 17 في مؤلفات التيفاشي) . 6 - تاريخ الأمم (جزءان) . وهذا في مجموعة ربما لم يتجاوز ثمانية أجزاء أو تسعة، فماذا تحتوي الأجزاء الأخرى حتى تبلغ أربعين؟. إن الذي يشجع على وضع مثل هذا هو أن متعة الأسماع يحمل على

_ (1) انظر ص: 5 - 6 من سرور النفس. (2) الوافي 8: 288 وانظر هدية العارفين 1: 94.

2 - سرور النفس وصلته بفصل الخطاب:

الورقة الثانية منه ما يشير إلى أنه الجزء الحادي والعشرون (أو الحادي والثلاثون) من فصل الخطاب، وكذلك وجود الجزءين الأولين المتعلقين بمظاهر الطبيعة، ولكن حتى لو أدرجنا كل ما عددناه من مؤلفات التيفاشي ضمن هذه الموسوعة فإن ذلك لا يفي بالمطلوب. على أن بعض المؤلفات كان منذ البداية على شكل كتاب مستقل، فسيف الدين المشد يعد " المسالك " كتاباً مستقلاً إلى جانب " فصل الخطاب "، وشرح شعر ابن هاني لا يمكن أن يدخل في الموسعة، والدرة الفائقة كتاب منفرد أهداه المؤلف لابن العديم، وهناك كتب في شؤون الباه - إذا صحت نسبتها إلى التيفاشي - لا يمكن أن تندرج كلها في الموسوعة، وهكذا، وإذن فإن شيئاً غامضاً لا يزال يحف بتلك الموسوعة، وربما ظل الحال كذلك لأنها فقدت، ولم يرها أحد مكتملة، حتى ولا ابن منظور نفسه. 2 - سرور النفس وصلته بفصل الخطاب: لنقل إذن إن ابن منظور حصل على أكبر عدد من أجزاء تلك الموسوعة فماذا فعل فيها؟ يقول الصفدي إنه اختصرها في عشرة مجلدات وسماها سرور النفس (1) وهو يحدثنا أنه لم يطلع على فصل الخطاب لكنه رأى سرور النفس (2) ، ثم إن الصفدي يفرد الحديث عن كتاب التيفاشي في الأحجار، مما قد يشير إلى أنه لم يكن جزءاً من سرور النفس الذي رآه. من تلك المجلدات العشرة - إن صح كلام الصفدي - ليس لدينا من سرور النفس إلا جزءان أحدهما سماه المؤلف الأصلي: " نثار الأزهار في الليل والنهار " والثاني سماه: " طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار " (3) . ومعنى ذلك أن ثمانية أجزاء من تلخيص ابن منظور قد صاغت؛ ومما قد يؤكد هذا الضياع شواهد معينة: أولها: أن القلقشندي ينقل عن سرور النفس في تحديد الشام فيقول: وطوله

_ (1) نكت الهميان: 276. (2) الوافي 8: 288. (3) هذا ينقض قول حسن حسني عبد الوهاب (2: 457) أن ابن منظور غير أسماء الأجزار، لأن ابن منظور ينص على ذلك بقوله مثلاً: الجزء الأول من هذا الكتاب سماه - يعني التيفاشي - نثار الأزهار في الليل والنهار، فهو على هذا لم يغير أسماء الأجزار.

أكثر من شهر (1) ، وهذا يعني أن سرور النفس يحوي جزءاً جغرافياً. إذ إن هذا القول في الشام لا يرد في الجزءين اللذين وصلانا من الكتاب. وثانيهما: أن السخاوي نقل عن ابن الاكفاني مؤلف " إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد " ما يفيد أن " فصل الخطاب " يعد بين كتب التاريخ التي تدمع بين عيون الأخبار ومستحسنات الأشعار كالعقد والتذكرة الحمدونية وغيرهما (2) . وثالثها: أن الغزولي ينقل في مطالع البدور قطعة عن الشراب يذكر أن مصدرها سرور النفس ولا وجود لها في الجزءين اللذين نعرفهما، وهذه هي القطعة: قال التيفاشي في كتابه: سرور النفس بمدارك الحواس الخمس - وهو عدة مجلدات - إنني لما رأيت لهج الخلفاء والملوك وشغف جمهور الأمم من العرب والعجم بشرب شراب العنب واختلاف مذاهبهم في استعماله، مع الاتفاق على الميل إليه، على تباين نحلهم، - وقد ذكر عن الأحنف بن قيس أن رجلاً قال له: يا أبا بحر ما ألذ الأشربة؟ فقال له: الخمر، فقال: كيف علمت ولم تذقها؟ قال: لأني رأيت من أحلت له لا يصبر عنها، ورأيت من حرمت عليه يخطئ البهائم [؟]- ووجدت جل من يستعمل هذا المشروب لا يفي له خيرة بشره، ولا يقوم نفعه بضره، وذلك لجهله بوجه استعماله، فإن من المعلوم أن الخمر إنما المقصود من شربها منفعتان، إحداهما للنفس بالتفريح ونفي الهموم، وأخراهما للبدن بحفظ صحته عليه ونفي الأمراض النازلة به، وتحقق عند كل من له أدنى مسكة من عقل أنها إذا استعملت على غير ما ينبغي انعكست هاتان المنعتان مضرتين، فصار عوض السرور هما وغما وضجراً وسوء خلق، وعوض الصحة مرضاً مزمناً، أو موتاً فجأة، حسب ما نشرحه، إلا أنه لا يقتصر الأمر على عكس هاتين المنفعتين فقط، بل يتعدى إلى مضار أخرى عظيمة، إن سلمت المهجة، كذهاب العقل والمال والجاه والذكر الجميل، بل لا يقف الأمر على ذلك، بل يتعدى الضرر إلى الأعقاب، فإن الحكماء أجمعوا قاطبة على أن مدمن الخمر لا ينجب، وإن أنجب كان الولد أحمق، انتهى كلام التيفاشي (3) .

_ (1) صبح الأعشى 4: 77. (2) الاعلان بالتوبيخ في ((علم التاريخ عند المسلمين)) تأليف فرانز روزنتال وترجمة الدكتور صالح أحمد العلي (بغداد 1963) 425، 705. (3) مطالع البدور 1: 143 ونقل النواحي بعضه في حلبة الكميت: 16.

3 - ما مدى جهد ابن منظور في سرور النفس:

فالغزولي يصرح أن سرور النفس عدة مجلدات، والقطعة التي ينقلها تعد - من حيث مضمونها - مقدمة جزء خاص بالشراب، وهذا الجزء في عداد ما هو مفقود من الكتاب، حتى اليوم. 3 - ما مدى جهد ابن منظور في سرور النفس: ويتلخص عمل ابن منظور في الجزءين الباقيين بالخطوات الآتية: 1 - حذف من الكتاب ما عده تكراراً، ونفي منه ما يندرج تحت عنوان ما " تمجه الأسماع " - وأغلب الظن أنه يعني شعراً أو خبراً فيه إحماض، فقد كان ابن منظور متحرجاً في هذه الناحية، بينما التيفاشي بعيد عن ذلك؛ ولهذا يمكن أن يقال أن ابن منظور بنى عمله على الاختيار. 2 - ضم الشيء إلى نظيره، فأعاد ترتيب الأبواب، وقلل من عددها، ونقل مادة من موضع إلى آخر، فهو يعترف بأن " نثار الأزهار " كان بحسب تقسيم المؤلف في أبواب عدة، فرده هو إلى عشرة أبواب، وأن طل الأسحار كان في أبواب كثيرة، فجمع ما فيها في عشرة أبواب أيضاً، وكان القول في الربيع مقالة قائمة برأسها في الجزء السابع من الأقسام الكلية (1) ، فجعله ابن منظور فصلاً صغيراً نسبياً في الباب الأول من الجزء الثاني. 3 - سمح لنفسه مرة واحدة بإضافة شعر لم يكن في أصل الكتاب (2) ، دون أن يخفي هذه الحقيقة، ولكني لا أظنه تورط في هذا الأمر في مواضع أخرى. 4 - أدركه التحرج إزاء بعض الغلو في بعض الأشعار، فغير الرواية، ولكنه لم يخف ذلك أيضاً، بل وضح ما أقدم عليه، فمن ذلك قول الخوارزمي: ناقضت ما قال المؤذ ... ن بالفعال وبالكلام هو قال حي على الصلاة ... وقلت حي على المدام فغير البيت الأول وجعله: قال المؤذن ما أراد وقل ... ت من حسن الكلام (3)

_ (1) هذا يعني أن القول في الربيع كان يمثل جزءاً من 24 (أو من 40) ، وأن تقسيمات المؤلف كانت تخضع أحياناً لاتساع الموضوع. وانظر الفقرة 599 رقم: 1. (2) انظر الفقرة: 323. (3) انظر الفقرة: 369.

4 - مصادر الكتاب

وما أظنه أقدم على ذلك إلا في موضعين - هذا أحدهما - ومن عجيب شأن ابن منظور أن تستوقفه هذه المبالغات الشعرية فيقدم على التغيير، ولا تستفزه تخرصات المنجمين وأدعيتهم، فيبقيها على حالها. ولكن ما فعله ابن منظور لم ينقذ الكتاب من التكرار بوجه كلي، ولا جعله حسن التبويب، فضم الحديث عن الاغتباق ومدحه وذم الاصطباح مع وصف الليل (الباب الثاني من الجزء الأول) ثم تخصيص باب لمدح الاصطباح وذك وشرب الليل بعده لا يدل على منطق في التقسيم بل الأولى أن يخصص للاصطباح والاغتباق في حالي المدح والذم باب مستقل؛ ومن تصفح فهرس المحتويات أمكنه أن يرى الاضطراب واضحاً في بعض الفصول (1) ، حتى ليمكن أن يقال أن ابن منظور أحسن حقاً باستنقاذ الكتاب، إذ كان من أقدر على قراءة خط التيفاشي، ولكنه لم يعفه من التحكم المخل، والتعسف الضار. 4 - مصادر الكتاب لو وصلتنا المجلدات العشرة التي اختصرها ابن منظور من فصل الخطاب وسماها سرور النفس، كلنا البحث عن مصادر المادة فيها أمراً بالغ العسر، لتعدد الموضوعات وتنوعها، فإن يكتب موسوعة شاملة لا غنى له عن الاستكثار من المصادر؛ غير أن الجزءين اللذين بقيا من ذلك الكتاب متقاربان في الموضوع، فهما يتناولان الليل والنهار والشمس والقمر والكواكب جملة والفصول والبرق والرعد والمطر والرياح والنار، يتناولان هذه الموضوعات على مستويات مختلفة: على المستوى العلمي والأدبي شعراً ونثراً، وعلى المستوى شبه العلمي، وعلى المستوى اللغوي والديني، وهكذا. ولا ريب أن هذه الموضوعات الكبرى التي يتناولها الكتابان تتفرع إلى موضوعات دقيقة، وترتبط بموضوعات لاحقة، وهكذا يتسع الموضوع أمام المؤلف فتتعدد المصادر، إلا أنه لا يصرح دائماً بأسماء الكتب التي يعتمدها؛ ففي التفسير يشير مثلاً إلى السجاوندي والحوفي وابن فورك، ولكن لا ندري في بعض المواطن إلى أي حد يعتمد كتاباً له التفسير لم يصلنا، ثم على من يعتمد في ذلك الكتاب نفسه. ورغم حاجته الماسة إلى كتب لغوية، فإنه لا يذكر منها إلا سر

_ (1) انظر مثلاً المواد التي أدرجت في الفصل الخامس من نثار الأزهار.

الأدب للثعالبي وكتاباً يسميه " الترتيب " لأحمد بن مطرف الكناني (1) ، وينقل أكثر الفصل بالنار وأحوالها وما يتصل بها من كتاب " النبات " لأبي حنيفة الدينوري (2) . وفي المعارف العلمية تجده بقسم هذه المعارف إلى ما هو مستمد من العرب وإلى ما هو مستمد من الفلاسفة القدماء والمنجمين، فأما ما كان مستمداً من العرب فهو إذا اتصل بالحيوان كان فيه عالة على الجاحظ، ولذلك نقل عنه كثيراً فيما يتصل بالحمام وطبائعه، وفصلاً استطرادياً عن الخفاش - ليس هناك ما يسوغ إيراده، إلا الشغف ببعض الأمور المتصلة بالعلم (3) . ويلحق بالمعارف (شبه العلمية) عن العرب تعبير الرؤيا، وهو في هذا المجال يراجع مصادر لا نعرفها؛ فإذا كانت المعارف عن شؤون الجو والكواكب والنجوم والفصول فإنه يستمد مادته من كتب خاصة بهذه المعلومات مثل: كتاب الأنواء لابن قتيبة والأنواء لأبي حنيفة الدينوري والأنواء للسراج والأزمنة والأمكنة للمرزوقي: وفيما يقابل هذه المعلومات من زاوية الفلاسفة القدماء والمنجمين نرى مصادره، تتدرج من أثلولوجيا المنسوب لارسطالطاليس والذي يمثل في الحقيقة بعض آراء افلوطين في تاسوعاته، إلى كتب في الطب مثل سر البيعة لأبي الفرج الطبيب، وهو يعرف كتاب القانون لابن سينا معرفة وثيقة، كما أن لديه حصيلة وافرة من كتب التنجيم والفلك منها كتب لأبي معشر وكوشيار ومكلوشيا والبيروني (وهو لا يذكر هذا الأخير أبداً) وفي مقابل التعبير على مذهب العرب نراه يعرف كتاب أرطاميدورس في هذا الفن، وكتباً أخرى لا يصرح بأسمائها. وتمتد مصادر الأدبي على نطاق واسع؛ فهو إذ يقدم صورة مسهبة للنشاط الشعري المعاصر المتصل بما يعالجه من موضوعات، نجده يرود دواوين الشعراء من مختلف العصور، إلا أن ذوقه المحدث يبعده كثيراً عن الشعر القديم؛ ولما كان ما يروقه من الشعر هو الصور فإنه يتكئ كثيراً على الشعراء المصورين كابن المعتز وكشاجم، والسري وابن طباطبا، ولهذا السبب نفسه يجد ضالته بيسر في كتب التشبيهات ككتاب تشبيهات ابن أبي عون وكتاب تشبيهات الكتاني، والمجموعات الشعرية مثل اليتيمة (وغيرها من كتب الثعالبي مثل خاص الخاص ومن غاب عنه

_ (1) يعتمد على هذا الكتاب أيضاً في أزهار الأفكار، انظر ص: 154. (2) راجع الفقرات: 1029 حتى 1033 ثم 1038 - 1044. (3) راجع الفقرتين: 350، 355.

5 - قيمة الكتاب:

المطرب والمنتحل) ؛ والكتب التي تلتقي مع كتابه في موضوعات الليل والنهار والسحاب والمطر وما شاكل ذلك، وأهم كتاب قدم له مادة في هذا المجال هو كتاب المعاني للعسكري، وعلى نحو أقل بكثير محاضرات الأدباء للراغب الأصبهاني، فإذا ارتبط الشعر بوصف الحمام والطيور وما تثيره من شوق، ووصف البرق وما يثيره من حنين، فمرجعه الكبير الزهرة لابن داود. ولما كان كتابه يمثل لقاء واسع الجنبات بين المشرق والمغرب، فإن اهتمامه بالمغرب وخاصة أفريقية (تونس) يتجلى باعتماده كتاب الأنموذج لابن رشيق، وهو يعرف كتاب قطب السرور للرقيق معرفة وثيقة، وإن لم يذكره، ولعله احتفظ به ليجعله أحد مصادره الهامة في الجزء الخاص بالشراب من موسوعته، كما يعرف كذلك كتاب " زهر الآداب " للحصري؛ فأما معرفته بالأندلس فقد كفاه أمرها صديقه ابن سعيد في ما خطه من مؤلفات؛ ولست أزعم أنني استطعت رد مادة هذين الجزءين إلى جميع مصادرها، فإن هناك مادة كثيرة لم أستطع أن أعرف من أين قام المؤلف بنقلها. 5 - قيمة الكتاب: لست أغالي في ما لسرور النفس من قيمة، فهو صورة لاجتماع ثقافتين: الثقافة العربية الإسلامية والثقافة المستمدة من اليونان، وهو كذلك صورة للقاء على المستوى الأدبي بين المشرق العربي والمغرب العربي؛ كان أمثال التيفاشي وابن سعيد وابن دحية الكلبي وغيرهم من المغاربة المهاجرين يمثلون حلقة وصل بين المشرق والمغرب، فيؤلفون للمشارقة وللمغاربة على السواء، ويعلمون أن المزج بين الجانبين هو الذي يبقي على الوحدة الثقافية قائمة في العالم الإسلامي، ولقد أثروا كثيراً في البيئة المشرقية، وخاصة المصرية حين وجهوا أمثال ابن ظافر وغيره إلى اعتماد ذلك المنهج، واستمر أثرهم من بعد في ابن فضل الله العمري والصفدي والكتبي وغيرهم من مؤلفي القرن التالي. والكتاب جزء من موسوعة ضخمة: نجد أمثلتها من بعد في نهاية الأرب ومسالك الأبصار، ومناهج الفكر وغير ذلك، ولذا فإن قيمته جزء من القيمة الكبرى لتلك الموسوعة المبكرة التي حاولت أن تضم جميع ضروب المعارف، بل تفوقت على كل ما جاء بعدها في أنها لم تتنكر للثقافة اليونانية. وتتحدد طبيعة الكتاب بالزمن الذي ألف فيه فالمعارف العلمية التي يحاول

إبرازها كانت في عصر المؤلف علامة على الطريقة العقلية التي تحاول تفسير الظواهر وتعليلها، فإذا الزمن يحيلها إلى أشياء تشبه الأساطير إلا فيما ندر. والشعر الذي احتفل به مؤلف الكتاب، يتصل بموضوعات قلت العناية بها. ولا يستطيع أحد أن ينكر أن تلك القصائد والمقطعات التي قيلت في تعداد النجوم والمنازل، وفي تصوير تلك النجوم، كانت حينئذ علامة على تعمق الشاعر في النظر إلى الزواهر الكونية، وعلى جهده الفني في ابتكار صور جديدة، ولكن من ذا الذي يعبأ اليوم بكل تلك الصور أو يحاول أن يستكشف ما فيها من براعة: إن أحداً لا يكاد يذكر ذلك التفوق الذي أحرزه ابن طباطبا أو الشريف الموسوي على غيرهما من شعراء عصريهما، ومع ذلك فقد كانا هما وابن مسلمة الأموي وكثيرون آخرون مؤشراً على منتحى أدبي كامل، أهدرت فيه جهود كبيرة. إن الشاعر يستغرقه عصره وتستغرقه التيارات السائدة فيه فلا يكاد يحس أنه خان رسالته الشعرية الصحيحة أو انحرف بوهم " الحداثة " عنها، وإذا به بعد انقضاء تلك التيارات يصبح جزءاً من تاريخ لا يحب أن يبعثه أحد، إلا شاهداً على ذلك الاستغراق. فميزة " سرور النفس " أنه يحيي في أنفسنا موضوعاً عنه كثيراً، ويقدم لنا الشواهد عليه من مختلف العصور، وبخاصة عصر المؤلف نفسه، ويمثل حلقة هامة في سلسلة الكتب الأدبية، التي تقع موقعاً وسطاً بين المعرفة العلمية والتسلية بالمعرفة، ويكشف عن منجم كبير من الصور التي حاول الشعراء بها تقريب ظواهر الطبيعة إلى النفوس. وقد كنت أحسب أن الكتاب استقصائي، لدى مقارنته بأشباهه في هذا المجال، ولكن تبين لي وأنا أراجع المصادر المختلفة بحثاً عن توثيق ما في الكتاب من مادة، أن " منجم الصور " المتصل بظواهر الطبيعة في شعرنا العربي يكاد لا يحصر، وقد أغراني ذلك بادئ الأمر باستدراك ما فات المؤلف، ثم عدلت عن المضي في هذا الطريق الطويل الذي لا يجد اليوم قبولاً كثيراً لدى القراء، وأكتفي بإحالة القراء إلى ما تناثر من شعر سيف الدين المشد - وهو معاصر للتيفاشي - وما حوى من صور كان يمكن للمؤلف أن يستشهد بها، وأن أذكر شاعراً لم يشر إليه المؤلف أبداً وأكثر شعره في وصف الهلال والنجوم والشمس، وذلك هو علي بن محمد بن أحمد بن حبيب (1) .

_ (1) انظر ترجمته في البدر السافرن الورقة: 22 وهنالك تجد نماذج من شعره.

6 - تحقيق الكتاب:

ومهما يكن من شيء فلدينا هنا كتاب يقترن بعشرات الكتب، ويعد في تضافره معها مفتاحاً لبعض ما استغلق من نصوصها، كما يعد من ناحية أخرى خزانة احتفظت ببعض كتب ضاعت؛ وهو في كل ذلك لا يخلو من فائدة وإمتاع. وكما اعتمد " سرور النفس " على كتب كثيرة ينقل عنها، ويركب من تلك النقول وحدات جديدة، فإنه أصبح بدوره مرجعاً لكثيرين من المؤلفين من بعد. فنحن نجد سمات منه في كتب مثل الغيث المسجم وحلبة الكميت وغيرهما من الكتب التي اعتمدت عليه دون أن تذكره، ولكن من أكثر الكتب اعتماداً عليه مطالع البدور للغزوالي، فهو ينقل عنه، وحيناً يذكر اسمه وحيناً يغفله (1) ، ولعل هذا هو السبب الذي جعل بعضهم ينسب مطالع البدور للتيفاشي نفسه (2) . 6 - تحقيق الكتاب: كان النصف الأول من هذا الكتاب وهو " نثار الأزهار " قد نشر في استانبول، عن مطبعة الجوائب (سنة 1298) ؛ ولا أعرف أحداً نشر النصف الثاني، ولما كان الجزءان يمثلان وحدة متكاملة رأيت نشرهما معاً، فحصلت على صورة من مخطوطة " سرور النفس " المحفوظة بمكتبة طوبقوسراي في استانبول (تحت رقم: 2557) ، وهي مخطوطة جميلة الخط مشكولة بعض شكل، مرقمة بحسب الصفحات، وجاء في آخرها إنها نسخت بدمشق المحروسة، ووافق الفراغ من نسخها تاسع شهر المحرم سنة ثلاث وسبعين سبعمائة، أي بعد مضي اثنتين وستين سنة على وفاة مرتب الكتاب ابن منظور. وقد جاء على الورقة الأولى منها: الجزء الأول من كتاب سرور النفس بمدارك الحواس الخمس، تهذيب الإمام العالم العلامة، علامة وقته، العبد الفقير إلى الله تعالى محمد بن المكرم بن أبي الحسن الأنصاري الكاتب، عفا الله عنه بمنه. وعلى هذه الصفحة نفسها صورة تملك باسم محمد بن أحمد بن ينال العلائي الدواداري الحنفي. وتقع المخطوطة في 460 صفحة، في كل صفحة 15 سطراً ومعدل الكلمات في السطر الواحد (حيث لا يتحدد السطر ببيت من الشعر) 16 كلمة: وقد اجتذبني

_ (1) ينقل مع ذكر الاسم 1: 50، 88 ودون ذكر للاسم 1: 49، 52، 57، 64، 159. (2) انظر بروكلمان، التاريخ والتكملة (نفسه) .

جمال المخطوطة وشجعني على العمل فيها، ولكني ما كدت أتوغل في شعابها حتى وجدت التصحيف والحذف والوهم غالبة عليها، وقد كنت بدأت العمل فيها في بيروت سنة 1974 وبعض 1975، فلما شاء الله لي أن أسافر إلى برنستون بالولايات المتحدة لأعمل أستاذاً زائراً في جامعتها، حملت أوراق هذا الكتاب بين ما حملته معي من أوراق، وأكملت العمل فيها، بل الحق أني استأنفته، إذ استعنت بمكتبة تلك الجامعة في الحصول على مصادر لم تكن متوفرة لدي؛ ومع الزمن رأيت أن الكتاب بدأ يستوي نصاً بقراءته على المصادر المختلفة، ولولا ذلك لم أستطع أن أقدمه للقراء؛ على أني أعتقد أن هناك مواطن ما تزال قلقة، وأسماء أعلام لم أستطع الاطمئنان إلى صحتها ومن ثم إلى التعريف بها، وشعراً لم أعثر عليه في المصادر، رجاء توثيق النص وضبطه، رغم كل ما بذلته من جهد خلال ما يزيد على ست سنوات، كان هذا الكتاب في أثنائها محط عناية مستمرة، تكاد لا تنقطع إلا بسفر طارئ أو شغل ملح. وقد كان منهجي في التحقيق - كما هو منهجي في أغلب ما حققت - أن أثبت وجه الصواب في المتن، وأن أدرج القراءة المحتملة في الحاشية؛ وأن لا أعبأ بالخطأ الواضح، إلا إن كانت الإشارة إليه استدراجاً للقارئ بأن يقترح وجهاً أصوب. وحتى لا يتشكك القارئ في حقيقة ما أعنيه بالخطأ الواضح، أذكر له أمثالاً منه وردت في الصفحة 20 من الأصل في أبيات من معلقة امرئ القيس: وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليقتل فقلت له لما تمطى بصلته ... وأردف أعجازاً وناء بكلكل فيالك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل سدت بيذبل كان الثريا علقت في مضآيها ... بامراس كان إلى صم جندل هذه خمسة أخطاء كتابية: فهل من المعقول أن أصححها ثم أثبت الخطأ في الحاشية؟ أنا أجد فعل ذلك استخفافاً بوقت القارئ وبجهد الطابع، وكشفاً عن سوء تقدير لدى المحقق؛ فليعذرني الذين لا يعجبهم هذا المنهج، إن كنت أسأت إلى ما يعتقدون صواباً. وقبل أن أختم القول في هذه المقدمة، أرى حقيقاً علي أن أتوجه بالشكر لاثنين من أصدقائي، أولهما الدكتور رضوان السيد الذي أعانني في حل بعض ما

استعصت علي قراءته، وثانيهما الدكتور جورج صليبا الذي راجع بعض المعلومات المتصلة بالفلك والنجوم وكان لتوجيهاته أثرها في ضبط النص. وبعد فهذا كتاب " سرور النفس " - صورة لمحاولة متواضعة، كلفتني الكثير من الجهد الوقت - أقدمه للقراء والدارسين راجياً أن يكون ذا نفع، والله من وراء القصد، وهو يهدي سواء السبيل. بيروت في 25 أغسطس (آب) 1980 إحسان عباس

أشعار التيفاشي

ملحق بالمقدمة أشعار التيفاشي (1) - 1 - نبه نديمك أن الليل قد صخبا ... والليل قوض من تخييمه الطنبا والفجر في كبد الليل السقيم حكى ... سر المتيم عن إخفائه غلبا كأنه بظلام الليل ممتزجاً ... سمراء تفتر أبدت مبسماً شنبا كأنما الفجر زند قادح شرراً ... في فحمة الليل لاقي الفحم والتهبا كأن أول فجر فارس حملت ... راياته البيض في إثر الدجى فكبا كأن ثاني فجر غرة وضحت ... تسيل في وجه طرف أدهم وثبا (الوافي 8: 289) - 2 - سعد الغرب وازدهى الشرق عجباً ... وابتهاجاً بمغرب ابن سعيد طلعت شمسه من الغرب تجلى ... فأقامت قيامة التقييد لم يدع للمؤرخين مقالاً ... لا ولا للرواة بيت نشيد أن تلاه على الحمام تغنت ... ما على ذا في حسنه من مزيد (بغية الطلب 2: 160 ونفح الطيب 2: 325)

_ (1) القطع الشعرية التي وردت للتيفاشي في سرور النفس هي (بحسب الفقرات) : 42، 163، 190، 570، 636، 669، 1001، 1079، 1112، 1116، 1143، 1171، 1180، 1203.

- 3 - يا طيب الأصل والفرع الذكي كما ... يبدو جنى ثمر من أطيب الشجر ومن خلائقه مثل النسيم إذا ... يهفو على الزهر حول النهر في السحر ومن محياه والله الشهيد إذا ... يبدو إلى بصري أبهى من القمر أثقلت ظهري ببر لا أقوم به ... لو كنت أتلوه قرآناً مع السور أهدت لي الغرب مجموعاً بعالمه ... في قاب قوسين بين السمع والبصر كأنني الآن قد شاهدت أجمعه ... بكل من فيه من بدو ومن حضر نعم ولاقيت أهل الفضل كلهم ... في مدتي هذه والأعصر الأخر إن كنت لم أرهم في الصدر من عمري ... فقد رددت علي الصدر من عمري وكنت لي واحداً فيه جميعهم ... ما يعجز الله جمع الخلق في بشر جزيت أفضل ما يجزى به بشر ... مفيد عمر جديد الفضل مبتكر (بغية الطلب 2: 160 - 161 ونفح الطيب 2: 325) - 4 - ويوم سرقناه من الدهر خلسة ... بل الدهر أهداه لنا متفضلا أشبهه بين الظلامين غرة ... لحسناء لاحت بين فرعين أرسلا - 5 - مغناك أغناك من أرض تيممها ... لكسب مال فلا تفرح به ونم فسوف تأكل فيه [رزق] كل فتى ... من سائر الناس من عرب ومن عجم ربع تعدى لما يلقى بساحته ... من لذة وانبساط سائر الأمم وكل ما فيه ممنوع ومحترم ... فلا سبيل به إلا إلى الحرم (نزهة الألباب: 38) - 6 - قد كان للماضين من ... أرباب مصر همم فالفضل عنهم فضلة ... والعلم فيهم علم إن انقضت أعلامهم ... وعلمهم وانصرموا

فاليوم مصر عدم ... إن كان يرجى العدم وانظر تراها ظاهراً ... بادٍ عليها الهرم (الوافي 8: 290 وخطط المقريزي 1: 122) - 7 - ألست ترى الأهرام دام بناؤها ... ويفنى لدينا العالم الأنس والجن كأن رحى الأفلاك أكوارها على ... قواعدها الأهرام والعالم الطحن (خطط المقريزي 1: 121) - 8 - خليلي لا باق على الحدثان ... من الأول الباقي فيحدث ثان إلى هرمي مصر تناهت قوى الورى ... وقد هرمت في دهرها الهرمان فلا تعجبا أن قد هرمت فإنما ... رماني بفقدان الشباب زماني وعوجا بقرطاجنة فانظرا بها ... جنايتي العادين تنتحبان وإيوان كسرى فانظراه فإنه ... يخبركما بالصدق كل أوان فلا تحسبا أن الفناء يخصني ... ألا كل ما فوق البسيطة فان (خطط المقريزي 1: 122)

أحمد الله سبحانه على نعمه الباطنة والطاهرة، وأسأله الصلاة على سيدنا محمد وآله العترة الطاهرة، وأصحابه العصبة الزاهرة، وأجدد حمده على ما جبلني عليه من تتبع آثار العلماء، واقتفاء سنن الأدباء. وكنت فما أيام الوالد - رحمه الله - أرى تردد الفضلاء إليه، وتهافت الأدباء عليه؛ ورأيت الشيخ شرف الدين أحمد بن يوسف بن أحمد التيفاشي القيسي في جملتهم، وأنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه؛ غير أني كنت أسمعه يذكر للوالد كتاباً صنّفه، أفنى فيه عمره، واستغرق دهره، وأنه سماه " فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب "، وأنه لم يجمع ما جمعه كتاب. وكنت على صغر السن أنكر تجاسره على هذا الاسم الذي عده الله عز وجل من النعمة، ومنَّ على نبيه بأنه آتاه فصل الكتاب مع الحكمة. وكنت شديد الشوق إلى الوقوف عليه، وترفي الوالد رحمه الله في سنة خمس وأربعين وستمائة، وشُغلْتُ عن الكتاب، وتوفي شرف الدين التيفاشي بعده بمدة، فلما ذكرته بعد سنين، وقد جاوزت الستين، تطلّبتُه من كل جهة، ورمته من كل وجهة، فلم أجد من يدلني عليه، ولا من يذكر أنه نظر إليه؛ فبذلت الجهد في طلبه إلى أن ظفرت به عند شخص كان من أصحابه، فسعيت إلى بابه، وبذلت له جملة لم تكن في حسابه، فلم يسمح لي مع فقره ببيع ولا عارية، ولا استحسنتُ تملكه باليد العادِيَةِ؛ وعدت إلى طلبه منه، واستعنت عليه بمن لا غنى له عنه، فلم يفد فيه سؤال ولا شفاعة. ولم يعط لنا فيه طاعة. إلى أن قدَّر الله تعالى تملّكه في سنة تسعين وستمائة. فرأيته مجرداً في مسودات وجزازت. وظهور وتخريجات. وقد جعله

من تجزئة أربعين جزءاً. لم أجد منها سوى ست وثلاثين ربطة. وهو في غاية الاختلال، لسوء الحظ، وعدم الضبط. ولو لم يكن تكرر وقوفي على خطة في زمن الوالد، وعرفت اصطلاحه، في تعليقه. لما قدرت على قراءة حرف منه غير أني عرفت طريقته في خطه واصطلاحه، وتحققت فساده من صلاحه (1) ، ووقفت منه على أوراق في مفرقات ومفردات. وجزازات تفعل في مطالعها ما لا تفعل الزجاجات. فضممت ما وجدت منه وجدت منه بعضه إلى بعض. وأحرزته بتجليده من الأرضة والقرض. ورأيته (2) قد جمع فيها أشياء لم يقصد بها سوى تكثير حجم الكتاب، ولم يراع فيه التكرار، ولا ما تمجّه أسماع ذوي الألباب. فاستخرت الله في تعليق ما يُحتار منه ورغبت في إبرازه إلى الوجود، فإنه ما دام بخطه لا يفهم أحد شيئاً عنه. فأخذت زُبْدَهُ، ورميت زَبَده، وأوردت تكرره، وتركت مكرره، وبذلت في تنقيص جهدي، وجعلته سميري أوقات هزلي وجدّي، فإنه روضة المطالع، ونزهة القلوب والمسامع، ويسر به الخاطر، ويقرّ به الناظر (3) ، وسميته: " سرور النفس بمدارك الحواس الخمس " وإلى الله الرغبة في الصفح عن مصنّفه وعنّي، والعفو عما أثبتناه بقلمينا فإن العفو غاية التمني.

_ (1) ص: وصلاحه (2) ص: ورأيت. (3) ويسر ... الناظر: سقط من ص وزدته من المطبوعة.

نثار الأزهار في الليل والنهار، وأطايب أوقات الأصائل والأسحار، وسائر ما

الجزء الأول من هذا الكتاب سماه نثار الأزهار في الليل والنهار، وأطايب أوقات الأصائل والأسحار، وسائر ما يشتمل عليه من كواكبه الفلك الّدوارا وجعله أبوابا عدة، جمعت أنا جميع ما فيها في عشرة أبواب: الباب الأول: في الملوين الليل والنهار. الباب الثاني: في أوصاف الليل وطوله وقصره، واستطابته، والاغتباق ومدحه، وذم الاصطباح. الباب الثالث: في الاصطباح ومدحه، وذم شرب الليل، وايقاظ النديم للاصطباح. الباب الرابع: في الهلال وظهوره وامتلائه وكماله، والليلة المقمرة. الباب الخامس: في انشقاق الفجر، ورقة نسيم السحر، وتغريد الطير في الشجر، وصياح الديك. الباب السادس: في صفات الشمس في الشروق، والضحى والارتفاع والطفل والمغيب، والصحو والغيم والكسوف. الباب السابع: في جملة الكواكب وآحادها المشهورة. الباب الثامن: في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب. الباب التاسع: في شرح ما يشتمل عليه من أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه. الباب العاشر: في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام على مذهب حكماء الفلاسفة والإسلام.

فراغ

الباب الأول

الباب الأول في الملوين الليل والنهار 1 - في التنزيل العزيز (وآية لهم الليل نسلخُ منه النهار فإذا هم مظلمون، والشمسُ تجري لمستقرٍ لها ذلك تقديرُ العزيز العليم. والقمرَ قَدَّرْنَاهُ منازلَ حتَّى عاد كالعُرْجونِ القديم. لا الشمسُ يَنْبَغِي لها أَنْ كل تُدْرِكَ القمرَ ولا الليلُ سابقُ النهارِ وكلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُون) . (1) 2 - الليل والنهار يسميان الملوين، ويسميان الجديدين والاحدين والعصرين والقرنين والبردين والأبردين والخافقين والدائرين والحاذقين والخيطين، وهما زنمتا الدهر وابنا سمير وابنا سبات. وذكر أبو العلاء المعري الحَرْسَين، والحَرْسُ الدهر، ولم يسمع مثنىً إلاّ في قوله (2) : ويحقُّ في رُزْءِ الحُسَيْن تَغَيُّرُ ال ... حَرْسَينِ بَلْهَ الدر في الأَصدافِ وجمع الحرس أحْرُس، وقد يجمع ما لا يثنى ويثنى ما لا يجمع، وما ذكر من مثنى هذا الباب مسموع لا مقيس. وسميا ملوين لأنهما يملآن الآفاق نوراً وظلمة، وسميا جديدين لتجددهما بالضياء والإظلام على الدوام وسمي النهار نهاراً لظهور ضوء الفجر يجري كالنهر من المشرق إلى المغرب معترضاً حتى يأتي على الظلام، وسمي الليل ليلاً لأنه يلالي بالأشخاص حتى يتشكك الناظر في الشيء فيقول: هو هو، ثم يقول: لا لا - فقد لالا بها. والنهار ضد الليل، ولا يجمع، كما لا يجمع العذاب والسراب، فإن جمعت قُلت في قليله نُهُر، وفي الكثير نُهُر. والنهار ذكر الحُبارَى.

_ (1) راجع في تفسير هذه الآية القرطبي 15: 26 - 33 وزاد المسير 7: 17 - 21 والبحر المحيط 7: 235 - 337. (2) شروح السقط: 1270 من قصيدة في رثاء الشريف الموسوي والد الرضي المرتضى.

3 - وقوله: (نسلخ منه النهار) أي ننزع عنه الضوء فيظهر سواده، لأنّ أصل، ما بين السماء والأرض من الهواء والظلمة. والنهار في اللغة الضوء، والليل الظلمة. 4 - (والشمس تجري) جري الشمس سيرها على عكس دور الفلك. فتقطع الفلك في ثلاثماثة وخمسة وستين يوماً وربع يوم وجزءٍ من يوم عند أهل الهند. وعند أهل الروم في ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً إلا جزءاً من ثلاثمائة جزء يوم. (لمستقر) أي محل استقرار الليل والنهار على الاستواء، اعتدال الزمان عند حلولها أول نقطة الحمل أو الميزان، وقيل استقرارها استعلاؤها على جانب الشمال عند نهاية طول النهار في الأقاليم السبعة المائلة نحو الشمال (1) عن خط الاستواء، فيطول اليوم في الإقليم الأول ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة إلى أن ينتهي في الإقليم ست عشرة ساعة بتفاوت نصف ساعة بين كل إقليمين، حسب بعد الأقاليم من خط الاستواء نحو الشمال وقربها منه. وقيل: لمستقر لها أي محل شرف لها، في الدرجة التاسعة عشرة من الحمل عند ظهور أثرها في نفي آثار الشتاء، واعتدال الزمان والهواء، ومحل رفعه في أوجها يعني الجوزاء عند استقامة الحر وبدوّ الثمار وتمام الرياحين، أو محل قوة لها في بيتها، يعني الأسد عند إدراك الزروع وينع الثمار. وقيل لمستقر لها أي محل استقرار الدَّور واستمرار السير على الاستقامة من غير رجعة وانعكاس، كالخمسة المتحيرة أعني زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد. 5 - (والقمرَ قدَّرناهُ منازلَ) يعني منازله الثمانية والعشرين المعروفة وهي الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزباني، الإكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، الفرغ المقدم، الفرغ الموخر، بطن الحوت. وهذه المنازل مقسومة على البروج الاثني عشر لكل برج منها منزلتان وثلث، منزلة بالتقريب، فينزل القمر كل يوم منزلاً، حتى إذا اجتمع مع الشمس في منزل انتقص الهلال في ثاني ذلك المنزل كالعرجون القديم. وقيل: قدَّرناه منازل أي قدرنا نوره في منازل، فيزيد في مقدار النور كل يوم في المنازل الاجتماعية، وينقص في المنازل الاستقبالية. وقيل: أي جعلنا أجزاء جرمه

_ (1) ص: السماء.

منازل لعكس أنوار الشمس " فإن جرم القمر مظلم ينزل فيه النور بقبوله عكس ضياء الشمس "، مثل المرآة المجلوَّة إذا قوبل بها الشعاع تضاحل إلى الظل ويضرب بالنور المقبول عليه، وكذا القمر يقبل نور الشمس ويؤديه إلى الأرض، ولا يزال نصف القمر مقابلاً للشمس ونصفه غائباً عنها، فعند اجتماع الشمس يكون نصفه الذي يلي الشمس مضيئاً كله، فيظلم نصفه الذي يلي الأرض، فإذا جاوزها ليلة الاستهلال انحرف عن موازاتها فمالت الظلمة من النصف لم الأسفل إلى النصف الأعلى بقدر ما ينجلي منها ليلة الهلال كالعرجون القديم لا يزال ينحرف عنها حتى يدبر عن الشمس نصفه الأعلى، ويقابلها نصفه الذي يلي الأرض عند الامتلاء، وهو الاستقبال، فيأخذ النور في الاستقبال من نصفه الأسفل إلى نصفه الأعلى، حتى ينتهي إلى الاجتماع وتدور الشمس والقمر على جانب من الأرض إلا ليلة الخسوف، تحول الأرض بينهما فتحجب القمر عن الشمس، فيخسف بظل الأرض. 6 - وقوله عز وجل: (لا الشمسُ ينبغي لها أن تدركَ القمر) أي لا يمكنها أن تدرك القمر في سرعة سيره، لأن دائرة فلك القمر في فلك عطارد، وفلك عطارد داخل في فلك الزهرة، وفلك الزهرة داخل في فلك الشمس فإذا كان طريق الشمس أبعد قطع القمر جميع أجزاء فلكه - أعني البروج الإثني عشر - في زمان تقطع الشمس برجاً واحداً من فلكها. وقيل لم يكن يليق بمصلحة العباد لو جُعلت الثمس في سرعة السير كالقمر، فإنها لو قطعت الفلك في ثلاثين يوماً لولدت الفصول الأربعة في كل شهر، واختلّت الزروع والثمار واستقامة الأحوال. 7 - وقوله عز وجل: (ولا الليلُ سابقُ النّهارِ) أي الشمس التي بها الضياء خلقت مضيئة والليل بكرة الأرض التي يغيب ضوء الشمس بطرف منها عن الأرض، وهي في بعدها من الأفلاك بُعدٌ واحد من جميع الجهات، لأنها في العالم بمنزلة الثقل، والأفلاك والكواكب في غاية اللطف، لما أديرت وقعت كثافة الأرض إلى أسفل، فإن اللطيف يتحرك إلى الأعلى، والثقيل الكثيف إلى أسفل، فلما دفعت أجرام الفلك عنه التراب من جميع النواحي دفعة واحدة اجتمع إلى الوسط، وقد جرب ذلك في قنّينة ملئت ماء وألقي فيها حفنة من تراب، ثم أديرت بالخرط، فبدأت أجزاء التراب تجتمع من جميع النواحي حتى استمسكت في الوسط. فإذا كان الليل بالأرض، والأرض تدفع الأفلاك أجزاءها - كما ضربنا من المثال - كان النهار سابقاً لليل، فذلك قوله عز وجل: (ولا الليلُ سابقُ النهار وكلٌّ في فَلَكٍ يسبحون)

أي يعومون على عكس سير الفلك، كالسباحة على خلاف جري الماء. وخصّ الشمس والقمر بالذكر ههنا، وفي سورة الأنبياء، لأن سيرهما سباحة أبداً على عكس دور الفلك، وسير الخمسة المتحيرة قد يكون موافقاً لدور الفلك عند الرجعة، والجري للاستقامة، والكنوس للدخول تحت الشعاع والاحراق. هذا كلام السجاوندي (1) . 8 - وقال أبو الحسن الحوفي (2) : (لا الشمسُ ينبغي لها أن تدركَ القمر) أي لا يصلح لها أن تدرك القمر فيذهب نوره بضوئها، فتكون الأوقات كلها نهاراً لا ليلاً (ولا الليلُ سابقُ النهار) أي يعاقب النهار حتى يذهب ظلمته بضيائه فتكون الأوقات كلها ليلاً، أي لكل واحد منهما حدٌّ لا يتجاوزه، إذا جاء سلطان هذا ذهب سلطان هذا. 9 - وقال ابن فُوْرَك (3) : لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر في سرعة سيره، لأن سير القمر أسرع من سير الشمس. وروي أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قرأ: لا مستقر لها، أي أنها تجري في الليل والنهار، لا وقوف لها ولا قرار. 10 - وقال يحيى بن سلام (4) : لا تدرك الشمس القمر ليلة البدر خاصة، لأنه يبادر بالمغيب قبل طلوعها. و (العُرْجُون القديم) العذق اليابس إذا استقوس. قال: وفي استدلال قوم من هذه الآية على أن الليل أصل، والنهار فرع طارٍ عليه، نظر. وفي مستقر الشمس أقوال، منها أن مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين، لأنهما نهايتا مطالعها، فإذا استقر وصولها كرت راجعة، وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين. 11 - وقال أبو نصر القُشَيْري (5) : ولا الليل سابق النهار أي غالب، فتمحي آية

_ (1) هو أبو عبد الله محمد بن طيفور السجاوندي، إمام مقري نحوي مفسر، كان في وسط المائة السادسة، له تفسير حسن للقرآن وكتاب عللك القراءات وكتاب الوقف والابتداء، (انظر طبقات القراء 2: 157 والوافي 3: 178 وبروكلمان. التاريخ 1: 408 والتكملة 1: 724) . (2) هو علي بن إبراهيم الحوفي (- 430) صاحب البرهان في التفسير (انظر الوافيات 3: 300 وانباه الرواة 2: 219) . (3) محمد بن الحسن بن فورك (- 460) أحد شيوخ الأشاعرة، انظر ترجمته في السبكي 3: 52 وتبيين كذبم المفتري: 272. (4) ترجم له في ميزان الاعتدال 4: 380. (5) انظر ترجمته في وفيات الأعيان 3: 207 وعبد الغافر: 93 والسبكي 4: 249 وتبيين كذب المفتري: 308.

أحدهما بالآخر، ليكون الليل للاستراحة والنهار للتصرف ولتميز الأوقات ولعلم السنين والحساب، ولا تصير الأوقات كلها ليلاً أو نهاراً. 12 - قال الشيخ شرف الدين أحمد التيفاشي المصنف: وليس في هذه الأقوال بيان في أن الليل قبل النهار في الوجود، أو أن النهار قبل الليل، وهو محط السؤال. قال، وأنا أقول: إن الليل والنهار لا يخلو إما أن نعتبر وجودهما بالإضافة الينا أو بالإضافة إلى العالم نفسه؛ فإن كانا بالإضافة إلينا كانا في منزلة المضاف في المنطق كالأب والابن؛ وإذا كانا كذلك لم يكن أحدهما متقدماً على الاخر، فإنا لا نعرف الليل إلا وقبله نهار ولا النهار إلا وقبله ليل، كما لا نعرف الأب من حيث هو أب إلا ومعه الابن، والابن إلا ومعه أب. وسأل الاسكندر (1) بعض الحكماء عن ذلك فقال: هما في دائرة واحدة، والدائرة لا يعرف لها أول ولا آخر. وإن اعتبر وجودهما بالإضافة إلى العالم نفسه، فلا يخلو أن يكون الاعتبار بالإضافة إلى العالم العلوي، وهو من الفلك المحيط إلى مقعر فلك القمر، أو إلى العالم السفلي، وهو من مقعر فلك القمر إلى كرة الأرض، فإن كان بالإضافة إلى العالم العلوي كما اعتبره السجاوندي، كان ذلك باطلاً، إذ العالم العلوي لا ليل فيه ولا نهار، إذ لا ظلام يتعاقب عليه فيسمى نوره نهاراً، بل الأجرام العلوية أجسام شفافة مضيئة نيّرة بطبعها على الدوام، نوراً لا ظلمة تشوبه ولا عتمة تتعاقب عليه. كما في هذا العالم. وإن كنا نرى الشمس والقمر يُكسفان عندنا فإنما ذلك لحائل يحول بين أبصارنا في هذا العالم وبين إدراك نوريهما، وإلا فهما في عالمهما على وتيرة واحدة من النور والضياء والبهجة، لا تبديل لها ولا تغيير، إلى أن يشاء العزيز القدير. وإن اعتبر وجود الليل والنهار بإضافتهما إلى هذا العالم السفلي، وهو من كرة الأرض إلى مقعر فلك القمر، كان اعتباراً حقاً، وهو موضع البحث، إلا أنه يجب أن يوجد اسما الليل والنهار ههنا دالَّين على النور والظلمة، كما قال الخليل: إن الليل عند العرب الظلام، والنهار الضوء، حتى لا يكون مدلول اسمي الليل والنهار على ما نفهمه نحن الآن من تعاقب الضياء والظلام عندنا، فإن كان ذلك كذلك كان الليل متقدماً على النهار بالطبع والذات، على رأي المشرّعين والفلاسفة:

_ (1) ورد هذا النص في محاضرات الراغب 4: 536.

13 - أما الفلاسفة فإنهم متفقون على أن جميع أجرام العالم شفافة منيرة أو قابلة للنور مؤدية له، ما خلا كرة الأرض، فإنها كثيفة بذاتها، مظلمة (1) بطبعها، وإن الظلام الموجود في العالم إنما هو منها، وإن ذلك ذاتي فيها لا عرض لها، بل هو ملازم لها ملازمة الظلّ للشخص، والنور للشمس، والضياء فيها إنما هو عرض لها طارٍ على الظلام الذاتي الملازم. قال أبو معشر: الأرض لما وُجِدَت كانت مظلمة من جميع جهاتها، فما قابله منها نور الشمس انزاح الظلام عنه إلى الجهة التي لم تقابلها الشمس، فإذا دارت الشمس إلى الجهة الأخرى المظلمة أنارت وانزاح الظلام إلى الجهة التي كانت مضيئة، هكذا على الدوام. 14 - وأما المتشرعون فإنهم - على اختلاف مللهم - متفقون على تقديم الليل على النهار في الوجود، وفي نص التوراة في مفتتحها (2) : " أولُ ما خلقَ الله السمواتِ والأرضَ كانت تيهاً وتيهاً وظلامٌ على وجه الغمْر، وأرواحُ الله مرفرفةٌ على وَجْهِ الماء، وقال الله: يكونُ نور فكان النور، ورأى الله النور حَسناً، وفصل الله ببن النور وبين الظلام، فسمَّى عند ذلك النهار نهاراً والظلام ليلاً. وكان مساءٌ وما يليه، وصباحٌ وما يتبعه، الجميعُ يومٌ واحد ". هذا نص التوراة، وهو تصريح جلي. قوله (تيهاً وتيهاً) أي قاع صفصف خالية من العمران، والغَمْر ههنا الماء. 15 - قال الشيخ المصنف: ومن كتاب " فردوس البيعة " للقسّ أبي الفرج الطبيب (3) في العلة التي من أجلها خلق الله الظلمة أولا ومن بعدها النور، قال: لأن الفاعل الحكيم شأنه، أن يدرّج مفعولاته من النقصان إلى الكمال، ومثال ذلك تصيبره الجنس الآدمي - الذي هو علّة المخلوقات - آخر المخلوقات، فالواجب أن يجعل النور آخراً لأنه أشرف من الظلمة، ولكيما - إذا وجد النور - بانَ الملائكة الروحانيون به وهو ينظر شريف ما تقدم بخلقه من عظيم أفعاله، وكان هذا علة جاذبة

_ (1) ص: ظلمة. (2) جاء في الاصحاح الأول من سفر التكوين: في البدء حلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور أنه أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة دعاها ليلاً وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً. (3) لعله أبو الفرج بن الطيب من مشاهير أطباء القرن الخامس الهجري ببغداد، وكان متميزاً في النصارى (ابن أبي أصيبعة 1: 239 - 241 ولم يذكر ((فردوس البيعة)) بين كتبه) .

لهم إلى حسن الطاعة، فالمرئيات في النور بينة جداً، ولو خلق الظلمة بعد النور لكان هذا مما يخفي حسن الإنارة، ولكيما لا يصير للذين يعتقدون أن ههنا خالقين متضادين حجة، بأن يكون خالق الظلمة إذا كان يضاد خالق النور لما رآه قد خلق النور ضادَّه بخلق الظلمة. فهذه آراء اليهود والنصارى بعد إيراد أقاويل المسلمين والمتفلسفين. 16 - وأما مذاهب العرب: فإنهم متفقون في كلامهم على تقديم الليل على النهار، وعلى هذا يؤرخون فيقولون: لخمس بقين ولست بقين من الشهر، والعلة الموجبة لذلك عندهم أن الشهر إنما تعلم بدايته بالهلال، فيكون أوله على ذلك الليل. وفي الحديث: " صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته " (1) وفيه: " من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر " (2) فقال ستاً ولم يقل " ستة " فدلّ على أنه صلى الله عليه وسلم جعل بداية الشهر الليل، وإنما أراد بالصيام الأيام، إذ الليل لا يصام. وفى رواية " وأتبعه خمساً من شوال ". ووجه الحديثين أن الحسنة بعشر أمثالها، فشهر رمضان بعشرة أشهر، والستة التي بعده بستين يوماً، فذلك عام كامل. ومن روى خمساً فالشهر بعشرة، والخمسة بعده بخمسين يوماً، فتبقى عشرة منها ستة أيام تسقط بنقصان الشهر وأربعة أيام يوم الفطر وثلاثة أيام التشريق. 17 - ولأبي منصور صدرُ معنى مستطرف في تقديم الليل على النهار، يصف سوداء: عُلّقْئُهَا (3) سوداء مصقولةً ... سوادُ عيني صفةٌ فيها ما انكسفَ البدرُ على تِمّهِ ... ونورِهِ إلا ليحكيها لأجلها الأَزمانُ أوقاتُهَا ... مؤرخاتٌ بلياليها 18 - وروى أنه صلى الله عليه وسلم قال (4) : " لا تسبوا الليل والنهار ولا الشمس ولا القمر ولا الريح فإنها ترسل رحمة لقوم. وعذاباً لآخرين. وقال

_ (1) الحديث في النسائي (صيام: 8) ومسند أحمد 4: 321 والجامع الصغير 2: 47 واتقان الغزي: 114. (2) اتقان الغزي: 187 والجامع الصغير 2: 174. (3) ص: حمراء. (4) في اتقان الغزي: 220 ولا تسبوا الريح فإنها من روح تأتي بالرحمة والعذاب، وثمة تخريجه، ولم يرد قوله: لا تسبوا الليل ... الخ، ولكن هذا مضمن في قوله: ((لا تسبوا الدهر)) ويزاد في رواية ((أقلب ليله ونهاره)) .

صلى الله عليه وسلم: " الليل والنهار مطيّتان يقربان كل بعيد ويأتيان بكل موعود ". هذا كلام النبوة المشرق بنور المعرفة. 19 - وقال بعض الحكماء: الليل والنهار فرسان يركضان بالبشر إلى إنقضاء الأعمار وقال آخر: الليل والنهار رحيان (1) لطحن الأعمار. 20 - وللشيخ المصنف في ذلك: يا سائلي في شيبِ رأسي شيْبه ... اسمعْ جوابي فيه غيرَ مُعَرّضِ طحنتْ رحى المَلوينِ عمري فانثنى ... في مفرقي أثرُ الغبارِ الأبيض 21 - وللشريف ابن دفتر خوان (2) : جيشانِ مختلفان جيشُ دُجُنَّةٍ ... يتغالبان معاً وجيشُ نهارِ والليلُ يكسو الجوَّ مِسْحَاً أسوداً ... متحرقاً عند الشروقِ بنار والصبحُ مدَّ على النجوم مُلاءةً ... بيضاءَ يمنعها عن الإبصار 22 - وفي كتاب كليلة ودمنة (3) تمثل أيام العمر بغصنين نابتين على فم بئر، وإنسان قائم عليها، والليل والنهار كجرذين أبيض وأسود مُجِدّين في قطع الغصنين، وهو لاه عنهما. 23 - شاعر في الأيام (4) : ما سبعةٌ كلُّهُمُ إخوانُ ... ليس يموتون وهم شبّانُ لم يَرَهُمْ في موضعٍ إنسانُ ...

_ (1) ص: رحاتان. (2) هو الأمير علي بن محمد بن الرضى الحسيني الموسوي الطوسي الشريف دفتر خوان (- 654) انظر تاريخ بروكلمان 1: 352 وله ترجمة في حرف العين من الوافي. ومن الضروري أن يميز المرء بينه وبين دفتر خوان آخر واسمه المنتجب أحمد بن عبد الكريم كان يقرأ الدفاتر للملك العادل ابن أيوب وتوفي 615 (راجع الوافي 7: 78 ونفح الطيب 2: 300) وللأول منهما يشير التيفاشي باسم الشريف الموسوي والشريف الطوسي في ما يلي. (3) كليلة ودمنة: 41. (4) انظر محاضرات الراغب 4: 536 (2: 240) وربيع الأبرار، الورقة: 3/أوالبصائر 3: 472.

24 - وذكر أنه وجد قبل الإسلام بألف عام على حجر مكتوباً في بعض غيران نجد (1) : خِدْنان (2) لم يُريا معاً في منزلٍ ... وكلاهما يجري به المقدارُ لونان (3) شتى يكسوان خُلُوقةً ... ما عاورته الشمسُ والأمطار 25 - شاعر: فما مقبلاتٌ مدبراتٌ تواتَرَتْ ... مخالفةَ الاسماءِ واللونُ واحدُ تصرَّفُ في أبنائهنَّ مرارةٌ ... ومنهن حُلْواتٌ وَسُخنٌ وبارد 26 - ابن الشبل البغدادي (4) : ما أسودٌ في حِضْنِهِ أبيضٌ ... وأبيضٌ في حضنه أَسودُ ما افترقا قطُّ ولا استجمعا ... كلاهما مِنْ ضِدَّه يولد 27 - أعرابي في الليل والنهار (5) : والليلُ يطردُهُ النهارُ ولن ترى ... كالليل يطرده النهارُ طريدا فتراه مثلَ البيت زال بناؤه ... هَتْكَ المقوض سِتْرَهَ الممدودا 28 - والمولّدون يشبّهون الليل والنهار بالزنجيّ والروميّ والحبشيّ والتركي، فمن ذلك قول أبي العلاء المعري (6) : ودانَتْ لكَ الأيامُ بالرغم وانضوتْ ... إليك الليالي فارمِ من شئت تُقْصِدِ بسبعِ إماءٍ من زَغَاوةَ زُوِّجَتْ ... من الروم في نعماك سبعةَ أَعْبُدِ

_ (1) محاضرات الراغب 4: 536 (2: 240) . (2) ص: جرمان. (3) ص: لو كان شيء. (4) ابن الشبل البغدادي أبو علي محمد بن الحسين بن عبد الله بن يوسف بن شبل (- 473) ولد ونشأ ببغداد وكان حكيماً فيلسوفاً وشاعراً مجيداً (ابن أبي أصيبعة 2: 247 - 252) واسمه عنده الحسين بن عبد الله وكذلك في معجم الأدباء 10: 23) وانظر ابن خلكان 4: 393 والوافي 3: 11 والمنتظم 8: 328 وتكملة المنذري 1: 71 والمحمدون: 270 والبدر السافر: 91 ودمية القصر 1: 352 وبيتاه في ((المحمدون)) : 278.. (5) ديوان المعاني 1: 357 وزهر الآداب: 752. (6) شروح السقط: 359 في مدح الشريف أبي إبراهيم العلوي.

29 - أبو بكر بن اللبانة (1) : يجري النهارُ إلى رضاكَ وليلُهُ ... وكلاهما متعاقبٌ لا يسأمُ فكأنما الإصباحُ تحتك أَشقُر ... وكأنما الإظلامُ تحتك دهمُ 30 - أسعد بن إبراهيم المغربي (2) : وقد ذاب كُحْلُ الليلِ في دمع فجرِهِ ... إلى أن تبدَّى الصبحُ كاللمّةِِ الشَّمْطَا كأنّ الدُّجَى جيشٌ من الزَّنجِ نافرٌ ... وقد أرسل الإصباحُ في إِثرِهِ القبطا 31 - أحمد بن درّاج القسطلّي (3) : وليلٍ كريعان الشبابِ قطعتُهُ ... بجهدِ السُّرى حتى استثيبت (4) ذوائبُهْ وصلتُ به يوماً أَغرَّ صحبته ... غلاماً إلى أنْ طُرَّ بالليل ِشاربه

_ (1) ابن اللبانة: هو محمد بن عيسى الداني (- 507) وله ترجمة في الذخيرة 3/ 2/ 666، وقد ورد البيتان في الخريدة (قسم المغرب والأندلس) 2: 117 (ط. تونس) وشعر ابن اللبانة: 91. (2) هو المعروف بابن بليطة (الذخيرة 1: 790 - 801) والبيتان في النفح 4: 100 والخريدة 2: 90 والثاني في الذخيرة 1: 799. (3) ديوان ابن دراج: 23 ورايات المبرزين: 73. (4) ص: استنبت الديوان: اشيبت.

الباب الثاني

الباب الثاني فى أوصاف الليل وطوله وقصره واستطابته والاغتباق ومدحه وذم الاصطباح 32 - في التنزيل العزيز (ومن شرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ) غسقا الليل شدة ظلمته. ووقب أي دخل. 33 - وقال العسكري (1) : من أتم أوصاف الظلمة الذي في كلام البشر مثله قوله عز وجل: (أو كَظُلْماتٍ في بَحْرٍ لُجَيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظلماتٌ بعضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إذا أَخْرَجَ يَدَهُ لم يكَدْ يرَاهَا) . 34 - وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " جَنِّبوا صبيانكم فَحْمةَ العِشاء ". وفحمة الليل اشتداد ظلمته. 35 - ومن أسماء الليل: الدَّجْنُ والدُّجى والدجنَّة والكافر، سمي كافراً لأنه يستر الأشخاص، والكَفْر - بفتح الكاف - الستر، ومنه اشتق اسم الكافر لأنه يجحد نعمة الله عز وجلّ ويسترها، والكُفُورُ: القرى النائية عن حواضر المدن لأن ساكنها يغيب عن جمهور الناس ويستتر عنهم، وفي الحديث: " لا تسكنوا الكفور (2) ، فإن ساكني الكفور كساكني القبور ". 36 - وقال الأصمعي: كل ظلماء من الليل حِنْدِسٌ، والليلة الليلاء: الشديدة الظلمة، وكذلك الليل الأليلُ؛ وعسعس الليل: اشتدت ظلمته، وكذلك اكفهرّ وادلهمّ، وليل مكفهر ومدلهم وغيهب وغهيب، كل ذلك شديد السواد.

_ (1) ديوان المعاني 1: 345. (2) ص: القرى، وانظر الجامع الصغير: 2: 201.

37 - سأل هشام (1) بن عبد الملك خالد بن صفوان: كيف كان سيرك؟ فقال: قتل أرضاً عالمها، وقتلت أرض جاهلها (2) ، بينا أنا أسير ذات ليلة إذ عصفت ريح شديد ظلماؤها. أطبق سماؤها، وطبَّق سحابها، وتعلّق ربابها، فبقيت مُحْرَنْجماً كالأشقر إن تقدَّم نُحِرَ، وإن تأخر عُقِرَ (3) ، لا أسمع لواطئٍ همساً، ولا لنابح جرساً؛ تدلّت عليَّ غيومها، وتوارت عنى نجومها، فلا أهتدي بنجمٍ طالع، ولا بعَلَمٍ لامع، أقطع مَحَجَّةً، وأهبط لُجَّةً، في ديمومةٍ قفر، بعيدة القعر، فالريح تخطفني، والشوك يخبطني، في ريحٍ عاصف، وبرق خاطف، قد أوحشني إِكامها، وقطعني سلامها؛ فبينا أنا كذلك قد ضاقت عليَّ معارجي، وسُدَّتْ مخارجي، إذ بدا نجمٌ لائح، وبياضٌ واضح. وعرجتُ إلى آكام محزئلّة فإذا أنا بمصانعكم هذه، فقرَّت العين، وانكشفَ الرَّيْنُ. فقال هشام: لله درك، ما أحسنَ وصفك. 38 - ومن أحسن ما جاء في الليل قول ذي الرمة (4) : وليلٍ كجلبابِ العروسِ ادَّرعته ... بأربعةٍ والشخصُ في العين واحدُ أخذه ابن المعتز فقال: وليل كجلبابِ الشَّبابِ. (5) ... قال العسكري (6) : جلباب العروس أطرب من جلباب الشباب. 9 - وقال العلوي (7) : وربَّ ليلٍ باتت عساكرُهُ ... تحملُ في الجوِّ سودَ راياتِ لامعةً فوقها أسنَّتُهَا ... مثلَ الأزاهيرِ وَسْطَ روضات

_ (1) انظر محاضرات الراغب 4: 546 (2: 241) . (2) ((قتل أرضاً خابرها وقتلت أرض جاهلها)) ورد منسوباً للإسكندر في مختار الحكم: 246. (3) كالأشقر إن تقدم نحر إن تأخر عقر: هذا مثل، انظر فصل المقال: 376 والميداني 2: 58. (4) ديوانه: 1108 وديوان المعاني 1: 342 وتشبيهات ابن أبي عون: 20 ومجموعة المعاني: 190 والشريشي 1: 161. (5) تتمة البيت: ((قطعته، بفتيان صدق يملكون الأمانيا)) . (6) ديوان المعاني 1: 342. (7) العلوي: هو المعروف بابن طباطبا اصبهاني العلوي، انظر الفقرة: 59 في ما يلي.

40 - ومن أحسن الاستعارات في الليل قول عبد الصمد بن المعذّل (1) : أقولُ وجنحُ الدجى مُلْبَدُ ... ولليلِ في كلِّ فجٍّ يدُ ونحنُ ضجيعانِ في مجسدٍ ... فلله ما ضُمِّنَ المجسد أيا ليلة الوصل لا تنفدي ... كما ليلةُ الهجرِ لا تنفد ويا غدُ إن كنتَ لي راحماً ... فلا تدنُ من ليلتي يا غد 41 - قال العسكري (2) : وأجود ما قيل في طول الليل من الشعر القديم، قول امرئ القيس: وليلٍ كموج البحر أرخى سدولَهُ ... عليَّ بأنواع الهمومِ ليبتلي فقلتُ له لما تمطَّى بِصُلْبِهِ ... وأردفَ أعجازاً وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبحٍ وما الإصباح منك بأمثل فيا لك من ليلٍ كأن نجومه ... بكل مُغارٍ الفتل شُدَّْت بيذبل كأن الثريا عُلِّقَتْ في مصامها ... بأمراسِ كَتّانٍ إلى صُمِّ جندل قال العسكري: هذا من فصيح الكلام وأبدعه (3) . شبَّه الليل بالبحر، وترادف ظلماته بالموج، واستعار له سدولاً وهي الستور، واحدها سِدْل، لما يحول منه بين البصر وبين إدراك المبصرات؛ وقوله: " وما الإصباح منك بأمثل " معناه أن صبحك إذا كان فيك فليس فيك راحة، كأنه يريد به طلوع الفجر المتقدم بين يدي ضوء النهار، وقيل معناه: إن ليله كنهاره في البث، وانه لا يجد في النهار راحة كما لا يجدها في الليل، فجعل الليل والنهار سواء فيما يكابده من الوجد والحب. 42 - قال الشيخ المصنف: كنت وقفت لشاعر بعد امرىء القيس على هذا المعنى وفيه زيادة مطبوعة وذهبت عني فنظمت في معناه: لا أظلمُ الليلَ الطويلَ وأشتكي ... منه وما لي في الصباح رجاءُ

_ (1) شاعر عباسي توفي في حدود سنة 240، انظر ترجمته في الأغاني 13: 228 وطبقات ابن المعتز: 368 وشعره في الشريشي 1: 160 وديوان المعاني 1: 345 ونسبه لابن أبي فتن، والأول في تشبيهات ابن أبي عون: 19 وانظر ديوانه: 82 - 83. (2) ديوان المعاني 1: 345 وانظر زهر الآداب: 748 وتشبيهات ابن أبي عون: 206 والشريشي 2: 244 ورسالة الطيف، الورقة: 152 ب (108) . (3) العسكري: أفصح الكلام وابرعه، والنص المنقول عنه ينتهي هنا.

مَنْ كان يطمع في الصباح براحةٍ ... ويسرهُ إنْ لاح منه ضياء فجوايَ متّصلُ الظلامِ بضوئِهِ ... الليلُ عندي والنهارُ سواء وهذا هو معنى بيت امرئ القيس؛ ثم ذكرت البيت الذي كنت أحفطه وهو للطرماح (1) : ألا أيها الليل الطويلُ ألا اصبحِ ... ببمٍّ وما الإصباح منك بأروحِ ولكنَّ للعينين في الصبحِ راحةً ... بطرحِهِما لَحْظَيْهِما كلَّ مَطْرَحِ بمً: اسم مدينة كرمان - بباء موحدة تحتها - ويروى: أليلتنا في بمّ كَرْمَانَ أصبحي ... بخيرٍ وما الإِصباحُ منكِ بأروحِ وهذا معنى امرئ القيس، واستدرك فقال: " على أن للعينين في الصبح راحة " فجاء بما لا يُشَكُّ فيه، إلا أن لفطه لا يقع من لفظ امرئ القيس موقعاً، والتكلف في قوله " بطرحهما طرفيهما كلَّ مطرح " بيّن، والكراهة فيه ظاهرة؛ ونحوه قول ابن الدمينة (2) : أقضّي نهاري بالحديثِ وبالمنى ... ويجمعني والهمَّ بالليلِ جامعُ 43 - وأنشد العسكري لنفسه (3) : وأزدادُ في جنحِ الظلامِ صبابةً ... ولا صَعْبَ إلاّ وهو بالليل أَصعبُ 44 - إسحاق الموصلي في معنى النابغة (4) : إنّ في الصبحِ راحةً لمحبٍّ ... ومع الليلِ ناشئاتُ الهمومِ هذا مأخوذٌ من ناشئة الليل.

_ (1) ديوان المعاني 1: 346 وديوان الطرماح: 96 والزهرة: 290 وحماسة ابن الشجري: 216 وزهر الآداب: 748 واللآلي: 220 والبلدان (بم) وتشبيهات ابن أبي عون: 206 والشريشي 2: 243. والأول في الغيث 1: 15. (2) ديوان الكعاني 1: 346 وديوان ابن الدمينة 88 وتخريجه فيه ص: 235. (3) ديوان المعاني 1: 247 ومجموع شعره: 62. (4) ديوان المعاني 1: 347.

45 - وتمنى بعض المُثْقَلِينَ بالدّين دوام الليل فقال (1) : ألا ليَت النهارَ يعودُ ليلاً ... فإنّ الصبحَ يأتي بالهمومِ دواعٍ لا نطيقُ لها قضاءً ... ولاردّاً وروعاتُ الغريم قوله: " ولا ردّاً " من التتميم الحسن. 46 - وقول امرئ القيس: " فيا لك من ليل كأنّ نجومه " إلى آخر الأبيات قالوا: إن البيت الأخير فضل لا معنى له ولا فائدة فيه، لأن الثريا في جملة النجوم، وقد اكتفى بذكرها في البيت الأول " فيا لك من ليلٍ كأنّ نجومه " ولم أجدّ لأحد من علماء البديع من وجَّه وجهاً لامرئ القيس في ذلك؛ قال الشيخ: والوجه عندي أن من عادة العرب إذا ذكرت جملة أن تستثني أشرفها منها وتفرد بالذكر عنها لتدل على شرفه وفضله، ومثله في القران العزيز (فيهما فاكهةٌ ونَخْلٌ وَرُمّان) والنخلُ والرمانُ من جملة الفاكهة، فلما ذكر امرؤ القيس النجوم اسثنى الثريا وأفردها ليدل على شرفها وفضلها. 47 - القاضي التنوخي (2) : وليلةٍ كأنها يومُ أَمَلْ ... ظلامها كالدَّهْرِ ما فيه خَلَلْ كأنما الإصباحُ فيها باطلٌ ... أزهقه الله بحقٍّ فبطل ساعاتها أَطولُ من يوم النوى ... وليلةِ الهجر وساعاتِ العذل مُوصَدَةٌ على الورى أبوابُهَا ... كالنارِ لا يخرجُ منها مَنْ دَخَل وهذا مستملح، وإن لم يكن مختاراً من التشبيه، لأن إخراج المحسوس إلى ما ليس بالمحسوس في التشبيه به خفاء. 48 - ابن المعتز (3) : كأن نجومَ الليلِ في حجراتها ... دراهمُ زَيْفٍ لم تُحَرَّرْ على النقد

_ (1) ديوان المعاني 1: 347. (2) ديوان المعاني 1: 347 ونهاية الأرب 1: 136. (3) ديوان المعاني 348 ولم يرد في ديوانه.

يريد أن نجومه واقفة ليست تسير كأنها دراهم زيف ليست بنقد فتُصْرَف. 49 - ولبعض المحدثين (1) : عهدي بنا ورداءُ الليلِ منسدلٌ ... والليلُ أَطوله كاللمحِ بالبصرِ فالآن ليليَ مذ بانوا فَدَيْتُهُمُ ... ليلُ الضريرِ فصبحي غيرُ منتظر قال: وهذا أبلغ من قول امرئ القيس، إلا أنه لا يدخل في مختار الكلام لابتذال لفظه، والمعنى أن ليله ممدود لا انقضاء له كليلة الضرير، والدهر كله عند الضرير ليل. 50 - ولآخر في معنى قول امرئ القيس (2) : يا ليل ليتك سرمداً أبداً ... ما في الصباحِ لعاشقٍ فَرَجُ 51 - وأجود ما قيل في وصف الليل (3) : وليلِ يقول الناسُ من ظلماته ... سواءٌ بصيراتُ العيون وعورها كأن لنا منه بيوتاً حصينةً ... مُسوحٌ أعاليها وساجٌ كسورها هذا أبدع تشبيه في الليل فإنه شبه أعلاه بِمِسْحِ شَعْرٍ لتكاثف ظلمته وأسفلهُ بساجٍ، وهو الطيلسان الأخضر، لما بشوب ما بين يدي الناظر فيه من يسير الضياء. وكسور البيت: أسافله المرخاة منه. 52 - ولآخر (4) : وليلٍ ذى غياطلَ (5) مُرْجَحِنّ ... رميتُ بنجمه عَرَضَ الأُفولِ يردّ الطرفَ (6) حندسُهُ كليلاً ... ويملأ هَوْلُهُ صدْرَ الدليل

_ (1) ديوان المعاني 1: 348 والذخيرة 3: 696 وحلبة الكميت: 304 ورسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (112) ومن غاب عنه المطرب: 54 - 55 لسيدوك الواسطي وفي لطائف اللطف للثعالبي: 128/ ألكشاجم وفي بغية الطلب 5: 22 للوزير المغربي. (2) تشبيهات ابن أبي عون: 206. (3) ديوان المعاني 1: 343 لمضرس بن ربعي، والأزمنة والأمكنة 2: 233 لمضرس بن لقيط، وزهر الآداب: 751 لابن محكان السعدي، ومحاضرات الراغب 4: 546. (4) زهر الآداب: 752. (5) زهر الآداب: مدلهم. (6) زهر الآداب: منقبضاً.

53 - آخر (1) : وليلٍ فيه تحسبُ كلَّ نجمٍ ... بدا لك من خَصاصةِ طيلسان وصف الليل بشدّة السواد، وكأنّ النجوم تظهر من خروق طيلسان، وشبّه سواد الليل بالطيلسان لخضرته، وشدة الخضرة راجعة إلى السواد، ومنه قوله تعالى (مُدْهَامتانِ) من شدة الخضرة من الريّ؛ والمدهام: الأسود. ومنه سمّي سواد العراق سواداً لنخله وجنانه وكثرة مائه، وذلك أن الماء الكثير البعيد القعر يظهر أسود، ولذلك شبّه امرؤ القيس الليل بالبحر، ويقال لليل إذا اسود أخضر؛ قال الراجز يخاطب ناقته: وعارضي الليلَ إذا ما اخضرّا ... 54 - وقال الشَّماخُ (2) : وليلٍ كلونِ الساجِ أسودَ مظلمٍ ... قليلِ الوغى داجٍ ولونِ الأَرَنْدَجِ أي قليل الأصوات، والأرندج: الجلود السود التي يقال لها بالفارسية رنده، وجمع الساج سيجان. 55 - ومما يحكى من الاستشهاد على أن الساج الطيلسان أن أبا دلامة كان شاعراً خفيف الروح مقبولاً عند خلفاء بنى العباس، وكان ماجناً منهمكاً على الخمر، فحظر عليه الخليفة شُرْبَها، وأمر الشرطيّ متى وجده سكران أن يخرّق طيلسانه ويُحْبَسَ في بيت الدجاج، فأُخِذَ سكران فحبس، فلما أصبح كتب إلى الرشيد (3) : أميرَ المؤمنين فَدَتكَ نفسي ... علامَ حبستني وخرفتَ ساجي أُقادُ إلى السجونِ بغير ذنب ... كأني بعضُ عُمّالِ الخراج ولو معهم حُبِسْتُ لهانَ ذاكم ... ولكني حبستُ مع الدجاج دجاجات يُطيفُ بهنَّ ديك ... تناجى بالصياحِ إذا يناجي فضحك منه الرشيد وأطلقه.

_ (1) الأنواء لابن قتيبة: 186. (2) الأنواء: 186 وديوانه: 78. (3) انظر الأغاني 10: 263 - 264 ومعاهد التنصيص 2: 220 وجمع الجواهر: 113 وربيع الأبرار الورقة: 23 ب والبصائر 2: 623 وبهامش ص نقل عن البصائر بخط مختلف عن خط الأصل.

56 - وفي شعر ذي الرمة " الرويزي ": وليلٍ كأثناءِ الرويزيّ جُبْتُهُ ... بأربعةٍ والشخصُ في العينِ واحدُ قال: الرويزيّ الطيلسان، وهي الأكسية الخُضر الرويزية، قال المصنف وكذلك أُثبتَ في " كتاب الأنواء " لأبي حنيفة الدينوريّ. 57 - لغز في السنة: أربعةٌ وهي ثُلْثُ واحدةٍ ... كثيرةُ العدِّ وهي ثنتان دائمةُ السير لا يدان لها ... تقطع أرضاً ولا جناحان أراد بالأربعة الفصول، وهي ثلث واحدة: أراد أن الأربعة ثُلث السنة، وكثيرة العدّ أراد الأيام، وهي ثنتان أي أنها في الغالب شتاء وصيف، كما قال عز وجلّ (رحلةَ الشتاءِ والصَّيْفِ) والبيت الثاني ظاهر لأنها تسير وتتصرَّم وليس لها عضوٌ تتحرك به. 58 - أبو القاسم الزاهي (1) : الريحُ تعصفُ والأغصانُ تعتنقُ ... والمزنُ باكيةٌ والزهرُ مُغْتَبقُ كأنما الليلُ جَفْنٌ والبروقُ له ... عينٌ من الشمسِ تبدو ثم تَنْطَبِقُ 59 - العلوي (2) : وربَّ ليلٍ باتت عساكرُهُ ... تحملُ في الجوِّ منه رايات في كلِّ أفقٍ من السماءِ له ... كمينُ جَيْشٍ من الدجنَّات تردّ عنه العيونَ خاسئة ... مرتبكاتٍ ذواتِ حيرات 60 - ومن المبالغة في وصف الليل قول عبد العزيز بن خلوف الجروي (3) من أفريقية:

_ (1) هو علي بن إسحاق بن خلف الزاهي من شعراء اليتيمة وشعره في اليتيمة 1: 250 وحلبة الكميت: 290. (2) ص: العطوي؛ والتصويب عن العسكري ومن أبياته هذه بيتان في ديوان المعاني 1: 345 ونهاية الأرب 1: 143 وانظر الفقرة: 39 في ماتقدم. (3) وردت ترجمة الجروي ي انباه الرواة 2: 180 والمسالك 11: 303.

ومن دونها طَوْدٌ من السُّمْرِ شامخٌ ... إلى النجمِ أو بحرٌ من البيضِ مُتْأَقُ وأسودُ لا تبدو به النارُ حالكٌ ... وبيداءُ لا تجتازها الريحُ سَمْلَقُ قوله: " لا تبدو به النار " من أعجب المبالغة، مع اختصار لفظ وجزالة معنى. وذكر ابن رشيق (1) في " أنموذج الشعراء بأفريقية " أن عبد العزيز بن خلوف أخذ هذا المعنى من محمد بن إبراهيم، وذكر له حكاية لطيفة قال: كان لمحمد بن إبراهيم هذا محبوب فماحكه فيه عبد أسود اسمه خلف، فقطعه عنه، فماحكه فيه عبد آخر اسمه فرج، فعمل أبياتاً مشهورة بالقيروان أولها: أيّ الهموم عليه اليوم لم أعُجِ ... وأيّ بابٍ من الأَحزانِ لم ألِجِ تأملوا ما دهاني تبصروا قِصصاً ... ظلامُهَا ليس يُمْشى فيه بالسُّرُجِ هذا موضع الاستشهاد. ما نالني الخُلْفُ إلا وهو من خَلَفٍ ... وعاقني الضيقُ إلا وهو من فَرَج حتى لقد صار كافورُ المشيب هوىً ... أشهى لنفسيَ من مِسْكِ الصّبا الأَرِجِ 62 - النابغة الذبياني في طول الليل (2) : كليني لهمٍّ يا أُميمةَ ناصبِ ... وليلٍ أُقاسيه بطيءِ الكواكبِ تقاعسَ حتى قلتُ ليس بمنجلٍ ... وليس الذي يرعى النجومَ بآيبِ الذي يرعى النجوم: الصبح، استعار له اسم الراعي لكونه يأتي معقباً وراء النجوم. 63 - شاعر: ألا هل على الليلِ الطويلِ معينُ ... إذا نزحتْ دارٌ وحنَّ حزينُ أُكابدُ هذا الليلَ حتى كأنما ... على نجمه أنْ لا يَغُورَ يَمينُ 64 - آخر (3) :

_ (1) راجع هذه القصة في المسالك 11: 302. (2) ديوان المعاني 1: 346 وديوان النابغة: 54 وزهر الآداب: 748 وتشبيهات ابن أبي عون: 209 ورسالة الطيف، الوراقة: 152/ أ. (3) تشبيهات ابن أبي عون: 208.

ما لنجومِ الليل لا تغربُ ... كأنها من خلفها تُجْذَبُ رواكدٌ ما غاب في غربها ... ولا بدا مِنْ شرقها كوكب 65 - آخر (1) : كأن بهيمَ الليلِ أعمى مقيَّدٌ ... تحيَّرَ في تيهٍ من الأرضِ مَجْهَلِ كأنَّ الظلامَ حين أرخى سُدُولَهُ ... يبيتُ على ليلٍ بليلٍ مُوَصَّل 66 - ابن الرقاع (2) : وكأنّ ليلي حينَ تغربُ شمسُهُ ... بسوادِ آخرَ مثلِهِ مَوْصُولُ أَرعى النجومَ إذا تغيَّبَ كوكبٌ ... أَبصرتُ آخرَ كالسرّاجِ يجول 67 - أصرم بن حميد (3) : وليلٍ طويلِ الجانبين قطعتُهُ ... على كَمَدٍ والدمعُ تجري سواكبُهْ كواكبه حَسْرى عليه كأنما ... مقيَّدةٌ دون المسير كواكبه 68 - وذكر عمر بن شَبَّةَ أن الأصل في ذكر الليل الطويل بيت الحارث بن خالد وهو (4) : تعالوا أَعينوني على الليلِ إنه ... على كلِّ عينٍ لا تنامُ طويلُ ثم تبعه الناس. 69 - بشار بن برد (5) : خليلي ما بالُ الدُّجَى ليس يَبْرحُ ... وما لِعَمودِ الصبح لا يتوضَّحُ

_ (1) تشبيهات ابن أبي عون: 207. (2) تشبيهات ابن أبي عون: 207 والمختار: 17 ونهاية الأرب 1: 139. (3) ذكره في الأغاني 22: 513، والبيتان في تشبيهات ابن أبي عون: 208 ونهاية الأرب 1: 139. (4) تشبيهات ابن أبي عون: 210 وشرح المختار: 19 وأمالي الزجاجي: 12 منسوباً لمسلم بن جندب والعقد 6: 423؛ وانظر ملحقات الديوان: 122. (5) ديوان بشار 2: 104 وشرح المختار: 12 ومنها بيتان في كل من ديوان المعاني 1: 350 ونهاية الأرب 1: 136 وحلبة الكميت: 305 وثلاثة في هر الآداب: 746 وتشبيهات ابن أبي عون: 207. ورسالة الطيف، الورقة: 152 ب (110) .

أضلَّ النهارُ المستنيرُ طريقَهُ ... أَمِ الدهرُ ليلٌ كلُّهُ ليس يبرح لطالَ عليّ الليلُ حتى كأنني ... بليلين موصولين لا يتزحزح أَظنُّ الدجى طالتْ وما طالتِ الدجى ... ولكنْ أَطالَ الليلَ همّ مبرح 70 - وله (1) : كأن جفونَهُ سُمِلَتْ بشوكٍ ... فليس لنومه فيها قَرارُ جَفَتْ عيني عن التغميضِ حتّى ... كأنَّ جفونَها عنها قصار أقولُ وليلتي تزدادُ طولاً ... أما لليلِ بعدهمُ نهار 71 - شاعر: صباحي ما لضوئك لا ينيرُ ... وليلي ما لنجمك لا يغورُ؟! أَقُيِّدَ كلُّ نجمٍ كان يجري ... أمِ الظلماءُ حائرةً تدور 72 - أبو الفضل محمد بن عبد الواحد التميمي (2) : يا ليل هلا انجليتَ عن فَلَقِ ... طُلْتَ ولا صَبْرَ لي على الأَرَقِ جَفَتْ لحاظي التغميضَ فيك فما ... تُطْبِقُ أَجفانَها على الحَدق كأنها صورةٌ مُمَثَّلَةٌ ... ناظِرُهَا الدهرَ غيرُ منطبق 73 - التنوخي (3) : وليلةِ مشتاقٍ كأنَّ نجومها ... قد اغتصبت عيني الكرى فهي نُوَّمُ كأن عيونَ الساهرين لطولها ... إذا شَخَصَتْ للأنْجمِ الزُّهْرِ أَنجم 74 - جحظة البرمكي (4) : وليلٍ في كواكبه حرانٌ ... فليس لطولِ مُدَّتها انتهاءُ

_ (1) ديوان بشار 3: 247 وشرح المختار: 7 - 8 والزهرة: 290 وزهر الآداب: 747 وتشبيهات ابن أبي عون: 209 (بيتان) . (2) انظر في ترجمته الذخيرة 4/ 1: 87 والجذوة: 68 (البغية رقم: 209) ونفح الطيب 3: 111 - 116 وتتمة اليتيمة 1: 64 والوافي 4: 67 وكانت وفاته في حدود عام 455هـ؟. (3) اليتيمة 2: 338. (4) ورد البيت الثاني في مجموعة المعاني: 191 والبياتن في رسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (110) وربيع الأبرار الورقة: 3/ أ.

عدمتُ تبلّجَ الاصباحِ فيه ... كأن الصبحَ جودٌ أو وفاء 75 - جعفر بن محمد (1) : ربَّ ليلٍ كالبحرهَوْلاً وكالده ... ر امتداداً وكالمداد سوادا خُضْتُهُ والنجومُ يوقدن حتى ... أطفأ الفجرُ ذلك الإِيقادا 76 - سعيد بن حميد (2) : يا ليلُ بل يا أَبَدُ ... أنائمٌ عنكَ غَدُ يا ليل لو تلقى الذي ... ألقى بها أَو تجد قصَّر من طولك أو ... ضُوعف منكَ الجلد 77 - العباس بن الأحنف (3) : أيها الراقدون حولي أَعينو ... ني على الليل حسبةً وانتصارا خبّروني عن النهارِ حديثاً ... وصفوه فقد نسيتُ النهارا 78 - وله (4) : رقدتَ ولم ترثِ للساهر ... وليلُ المحبِّ بلا آخر ولم تدرِ بعد ذهابِ الرقا ... دِ ما فعل الدمعُ بالناظر 79 - علي بن الخليل (5) :

_ (1) رسالة الطيف، الورقة: 155 ب. (2) شرح المختار: 18 وتشبيهات ابن أبي عون: 209 والقالي 1: 101 ونهاية الأرب 1: 139 والأول منها في ديوان المعاني 1: 349. أما سعيد بن حميد فإنه من شعراء العصر العباسي، كان حياً بعد عهد المعتصم، وكان أبو من وجوه المعتزلة، انظر الأغاني 18: 90 وقد جمع يونس أحمد السامرائي رسائله وأشعار (بغداد 1971) وأبياته هذه وردت في ذلك المجموع ص: 126. (3) ديوان العباس: 133 والثاني في ديوان المعاني 1: 349 ونهاية الأرب 1: 138 وانظر تشبيهات ابن أبي عون: 209 وشرح المختار: 12 وحماسة ابن الشجري: 215 وحلبة الكميت: 305 ورسالة الطيف، الورقة: 152/ أ. (4) ديوان العباس: 154 وهما في الآلي: 311 لخالد الكاتب وكذلك في شرح المختار: 13 ومن غاب عنه المطرب: 54 والزهرة: 289 والفوات 1: 402 وتشبيهات ابن أبي عون: 210. (5) ديوان المعاني 1: 348 وشرح المختار: 20 والذخيرة 1/ 2: 276 وزهر الآداب: 749 ونهاية الأرب 1: 135 والغيث 1: 17 ومعاهد التنصيص 1: 266.

لا أظلم الليل ولا أدعي ... أن نجوم الليل ليست تزول ليلي كما شاءت قصيرٌ إذا ... جادت وان صَدتْ فليلي طويل أخذه ابن بسام فقال (1) : لا أظلمُ الليلَ ولا أدَّعي ... أن نجومَ الليلِ ليست تغورْ ليلي كما شاءت فإن لم تَجُدْ ... طال وان جادتْ فَلَيْلي قصير 80 - وذكر الفرزدق العلة في طول الليل فقال (2) : يقولون طال الليلُ والليلُ لم يَطُلْ ... ولكنَّ من يهوى من الوجد يسهرُ 81 - شاعر (3) : أخو الهوى يستطيل الليلَ من سهره ... والليلُ من طوله جارٍ على قَدَرِهْ ليلُ الهوى سنَةٌ في (4) الهجر مُدَّتُهُ ... لكنه سِنَةٌ في الوصلِ مِنْ قِصَرِهْ 82 - الوليد بن يزيد (5) : لا أسألُ الله تغييراً لما صَنَعَتْ ... سُعْدَى وانْ أسهرتْ عينيَّ عيناها فالليل أطولُ شيءٍ حين أفقدها ... والليل أقصرُ شيءٍ حين ألقاها 83 - شاعر: ليلٌ طويلٌ كمثلِ أحْرُفِهِ ... أوَّلُهُ في الهجاء آخِرُهُ 84 - وذكر آخر سروره بالسهر فقال (6) : يا نسيمَ الروضِ في السَّحَرِ ... وشبيهَ الشمسِ والقمر إنَّ من أسْهرتَ ناظرَهُ ... لَقَريرُ العينِ بالسهر

_ (1) انظر المصادر السابقة، وأضيف إليها القالي 1: 106 وتشبيهات ابن أبي عون: 208 والشريشي 4: 284. والزهرة: 289 منسوباً لعلي بن هشام وكذلك في المعاهد 1: 266 وهو في معجم المرزباني: 136 لعلي بن الخليل الكوفي. (2) شرح المختار: 19 والقالي 1: 100 وتشبيهات ابن أبي عون: 208. (3) نهاية الأرب 1: 135 والشريشي 4: 283 (والقافية دون هاء) وهو للمطراني. (4) ص: والدهر. (5) شرح المختار: 21 وزهر الآداب: 749 والذخيرة 1/ 2: 276 ونهاية الأرب 1: 135 والعكبري 1: 40 وديوان الوليد: 20 والشريشي 4:4: 283 والواحدي: 473 والمختار من القطب: 219. (6) الزهرة: 289.

85 - ومما يطرب قول محمد بن عبد الملك الزيات (1) : كتبتْ على فصٍّ لخاتمها ... مَنْ مَلَّ من أَحبابِهِ رقدا فكتبتُ في فصي ليبلُغَها ... مَنْ نامَ لم يشعرْ بمن سَهِدا قالتْ يعارضني بخاتَمِهِ ... والله لا كَلَّمْتُهُ أبدا 86 - إبراهيم بن خفاجة (2) : يا ليلَ وجدي بنجدٍ ... أمَا لطيفك مَسْرَى وما لدمعي طليقٌ ... وأنجمُ الجو (3) أسرى وقد طما بحرُ ليلٍ ... لم يُعْقِبِ المدَّ جزرا لا يعبرُ الطرفُ فيه ... غيرَ المجرةِ جِسْرا 87 - ابن الرومي: يحولُ الحولُ في الوصلِ ... ويبقى ليَ تذكارُهْ ويومُ الهجرِ والبينِ ... كيومٍ كان مِقْدارُهْ 88 - مؤيد الدولة الطغرائي (4) : ليلي وليلَى نومي اختلافُهُما ... حتى لقد صَيّراني في الهوى مثلا يجودُ بالطولِ ليلي كلّما بَخَلتْ ... بالوصل ليلى وان جادتْ به بخلا 89 - علي بن أبى غالب من أفريقية (5) : كأنَّ نجومَ الليلِ بُدِّلَ سيرها ... فصارتْ إلى نحوِ المشارقِ تقصدُ 90 - الخفاجي الحلبي (6) :

_ (1) الزهرة: 292. (2) ديوان ابن خفاجة: 155 ونهاية الأرب 1: 138. (3) ص: الليل. (4) الشريشي 4: 283 للسلامي وفي معاهد التنصيص 2: 266 لبعض المتأخرين. (5) هو علي بن عبد الكريم من شعراء الأنموذج؛ انظر المسالك 11: 365 وفيه البيت. (6) هو ابن سنان الخفاجي واسمه عبد الله بن محمد بن سعيد (- 466) ؛ وترجمته في الفوات 3: 220 ودمية القصر 1: 142 والنجوم الزاهرة 5: 96 واللباب (الخفاجي) وبيتاه في حلبة الكميت: 305 وديوانه (مخطوطة الجامعة الأميركية) : 81.

من كان يحمد ليلاً في تقاصره ... فان ليليَ لا يُدْرى له سَحَرُ لا تسألوني، إلاّ عن أوائِلهِ ... فآخر الليلِ ما عندي له خبر 91 - العسكري (1) : بانوا فلم أَدْرِ ما أُلاقي ... مَسٌّ من الوجد أم جنونُ ليليَ لا يبتغي بَرَاحاً ... كأنه أدهَمٌ حَرون أُجيلُ في صفحتيه عيناً ... ما يتلاقى لها جفون 92 - الاسفرايني (2) : ألا هاتها ورديةً عنبيةً ... فقد شَوَّشَتْ ريحُ الصبا طُرَّةَ الوردِ ولحت هلالُ الفطر نِضواً كأنه ... بدوُّ غِرارِ السيفِ من أسفلِ الغمد 93 - العسكري (3) : قصر العيشُ بأكناف الغضا ... وكذا العيشُ إذا طاب قصير في ليالٍ كأباهيم القطا ... لست تدري كيف تأتي فتطير 94 - ابن المعتز (4) : يا ليلةً كاد من تقاصرها ... يعثُر فيها العشاءُ بالسَّحَرِ 95 - إبراهيم بن العباس الصولي (5) : وليلةٍ من الليالي الزُّهْرِ ... قابلتُ فيها بدرها ببدري لم يكُ غير شفقٍ وفجر ... حتى تقضَّتْ وهي بكر الدهر

_ (1) ديوان المعاني 1: 349 ومنها بيتان في حلبة الكميت: 304 ورسالة الطيف، الورقة: 153/ أ (111) ومجموع شعر العسكري: 154. (2) أرى أن هذبن البيتين لم يقعا في موضعهما الصحيح. (3) ديوان المعاني 1: 351 ومجموع شعره: 113. (4) الذخيرة 1/ 2: 772 (دون نسبة) ولم أجده في ديوانه. (5) ديوان المعاني 1: 351 والذخيرة 1/ 2: 772 وزهر الآداب: 299 ومن غاب عنه المطرب: 50 وديوان الصولي: 154.

96 - شاعر (1) : ياربَّ ليلِ سرورٍ خلتُهُ قِصَراً ... كعارضِ البرق في جنح الدجى برقا قد كاد يعثُر أولاهُ بآخرِهِ ... وكاد يسبقُ منه فجره الشفقا كأنما طَرَفاه طَرْفٌ اتفق ال ... جفنان منه على الإطراقِ وافترقا 97 - جعفر المصحفي (2) : سألتُ نجومَ الليل هل ينقضي الدجى ... فخطَّتْ جواباً بالثريّا كخطّ لا وكنت أرى بآخر ليلتي ... فأطرق حتى خلته عاد أوّلا 98 - كشاجم (3) : وليلةٍ فيها قِصَرْ ... عشاؤها مع السَّحَرْ صافيةٍ من الكدرْ ... في مثلها التذَّ السهر تمحو إساءات القدَرْ ... وتترك الدهرَ أَغرّ 99 - علي بن أحمد الجوهري (4) : يا ليل أفدي اختك البارحه ... ما كان أذكى ريحها الفائحة كانت لنا خاتمةً لو درت ... وجدي بها كانت هي الفاتحة 100 - أبو بكر الخوارزمي (5) : وكم ليلة لا أُعْلِمُ الدهر طولها ... مخافة أن يقتصَّ مني لها الدهر سهاد ولكن دونه كل رقدة ... وليل ولكن دون اشراقه الفجر وسكري هوى لو كان يحكيه لذةً ... من الخمر سكرٌ لم يكن حرم الخمر 101 - ابن طباطبا وهو أبلغ ما قيل:

_ (1) نسبها للحاتمي في زهر الآداب: 300. (2) هو الحاجب أيام الحكم المستنصر ومنافس المنصور بن أبي عامر، توفي 372؛ انظر ترجمته في الحلة السيراء 1: 257 والمطمح: 4 والجذوة: 175؛ وشعره في تشبيهات الكناني: 20 والحلة السيراء 1: 259 والنفح 1: 604. (3) ديوان كشاجم: 257 (تحقيق خيرية محمد محفوظ، بغداد 1970) . (4) اليتيمة 4: 30. (5) اليتيمة 4: 211.

وليلةٍ مثلِ أمرِ الساعةِ اقتربتْ ... حتى تقضَّتْ ولم نشعر بها قصرا لا يستطيع بليغ وَصْفَ سرعتها ... كانت ولم تعتلق وهما ولا نظرا 102 - شاعر (1) : وليل لم يقصّره رقادٌ ... وقصَّره منادمةُ الحبيبِ نعيمُ الحبِّ أورقَ فيه حتى ... تناولنا جناه من قريب ومجلسُ لذةٍ لم نلوِ فيه ... على شكوى ولا عدد الذنوب بخلنا أن نقطّعه بلفظٍ ... فترجمتِ العيونُ عن القلوب 103 - أمية ابن أبي الصلت (2) : يا ليلةً لم تبنْ من القصر ... كأنها قبلةٌ على حَذَرِ لم تك إلا كلا ولا ومضتْ ... تدفعُ في صدرها يدُ السحر 104 - شاعر: يا ليلتي أحسنتِ مقبلةً ... وأسأتِ عند تبلج الفجرِ أقصرتِ حين وفى بزورِتهِ ... هلاّ قصرتِ لياليَ الهجر 105 - شاعر: يا ليلُ يا ليلُ إلى أين ... ارْبع على ذَيْنِ المحبينِ ناشدتك الله تقفْ ساعة ... فالصبحُ منا موعدُ المحبين البين 06 1 - آخر: إذا نادى المنادي كاد يبكي ... حذارَ الصُّبْح لو نفعَ الحذارُ وودَّ الليلَ زيد إليه ليلٌ ... ولم يُخلَقْ له أبداً نهار 107 - أبو الحسن الأنصاري: وليلةٍ غائبة النحوس ... كثيرة الأَقمار والشموسِ قصيرة كالنظر المخلوس ... تَمَّتْ فكانت منيةَ النفوس

_ (1) ديوان المعاني 1: 352 وزهر الآداب: 298. (2) هو ابو الصلت أمية بن عبد العزيز الداني الحكيم (- 529) وترجمته في الخريدة 1: 189 (ط. تونس) وشعره فيها 1: 227 وفي ديوانه: 94 ونفح الطيب 5: 20.

108 - البهازهير الكاتب (1) : وليلة كأنها يومٌ أغَرّ ... ظلامها آنس (2) من ضوءِ القمرْ كأنها في مقلة الدهر حَوَرْ ... ما قصرت لو سلمتْ من القصر حين (3) أتت مَرَّتْ كلمحٍ بالبصر ... ليس لها بين النهارين أثر تطابَقَ العشاء فيها والسحر ... ألذّ من طيب الكرى فيها السهر 109 - ابن سناء الملك (4) : ياساقيَ الراح بل ياسائقَ الفرح ... ويا نديميَ بل ياكلَّ مقترحي لا تخشَ من قصر ليلٍ في تواصلنا (5) ... أما تراني شربتُ الصبحَ في قدحي 110 - ابراهيم الغزي (6) : وليلٍ رجونا أن يدبَّ عذارُهُ ... فما دبَّ حتى صار بالفجر (7) ذائبا 111 - الشريف الموسوى: وليلةٍ سال بها صُبْحُها ... والصبحُ في المشرقِ كالسَّيْلِ حتى توهمنا بأنَّ الدجى ... طيفٌ يحيّينا بلا ليل 112 - القاضي الفاضل (8) : بتنا على حالٍ تسرُّ الهوى ... وربما لا يمكنُ الشرحُ بوّابُنا الليلُ وقلنا له ... إن غبتَ عنَّا دخل الصبح 113 - الخفاجي الحلبي (9) : إن كان ليلي طويلاً بعد بينكمُ ... فقد نعمت بكم والليلُ كالسَّحَرِ

_ (1) ديوان البهازهير: 154. (2) الديوان: أشرق. (3) ص: حرانة. (4) ديوان ابن سناء الملك: 150. (5) الديوان: في ليل لهوي من تقاصره. (6) الخريدة (قسم الشام) 1: 11. (7) ص: بالهجر. (8) ديوانه 1: 26 وابن خلكان 3: 106 والغزولي: 25. (9) البيتان في ديوان (مخطوطة الجامعة الأميركية) : 79.

لا أظلمُ الليل، ليلي في فراقكم ... بليلِ وصلكمُ، فالطول كالقصر (1) 114 - ابن المعتز (2) : يا ليلةً نسي الزمانُ بها ... أحداثَهُ كوني بلا فجر باح الظلامُ ببدرها ووشت ... فيها الصبا بمواقع القطر ثم انقضتْ والقلبُ يتبعها ... في حيثما سقطتْ من الدهر 115 - شاعر في طيب الأيام: يا ربَّ يوم لي كظل ... ك أو كظنك لو يقاربْ رقَّتْ حواشيه وغضَّ ... تْ عينُ واشيهِ المراقب قَصُرَتْ لنا أطرافُهُ ... قِصَرَ القناع عن الترائب وتبرَّجَتْ لذاته ... للخاطبين وللخواطب 116 - شاعر: يومٌ كأن نسيمه من عنبرِ ... وتخالُ أنَّ أَديمَهُ من جوهر لو باعتِ الأيام آخرَ مثله ... بالعمر أَجمعَ كنتُ أوّلَ مشتري 117 - ابن رشيق (3) : أيّها الليل طُلْ بغير جناحِ ... ليس للعين راحةٌ في الصباح كيف لا أُبغِضُ الصباحَ وفيه ... غاب عنّي أولو الوجوهِ الصِّباح 118 - يحيى بن أحمد التيفاشي عم المصنف: أتتني وقلبُ البرقِ يخفقُ غَيْرةً ... عليها وعينُ النجم تنظرها شَزْرا وقد هجعتْ عينُ الوشاة وأَسْبَلَتْ ... علينا الدياجي من حنادسها سترا فبتنا إلى وجه الصّباح كأننا ... قضيبان لا صدّاً نخافُ ولا هجرا فيا ليلةً قد قَصَّرَ الوصلُ طيبها ... تُعَدّ إذا أحصى الفتى دَهْرَهُ عمرا

_ (1) الديوان: بالقصر. (2) ديوان ابن المعتز: 318، 4: 94 وديوان المعاني 1: 354 وزهر الآداب: 181. (3) ديوان ابن رشيق: 54 والشريشي 1: 296 (بولاق) 2: 245.

119 - العلوي الاصبهاني في قصر الليل واليوم (1) : ويوم دجن ذي ضمير متهم ... مثل سرور شابه عارض غم أو كمضي الرأي يقفوه الندم ... يبرزه في زى ذى حمد وذم عبوس ذي البأس وبشر ذي الكرم ... كقبح لا خالطه حسن نعم صحوٌ وغيمٌ وضياء وظلمْ ... كأنه مستعبرٌ قد ابتسم مازلتُ فيه عاكفاً على صنم ... مهفهفِ الكشح لذيذِ الملتثم تفاحُهُ وقفٌ على لثمٍ وشم ... وبانُهُ وَقْفٌ على هَصْرٍ وَضَمّ يا طيبَهُ يوماً تولَّى وانصرم ... وجودُهُ من قِصَرٍ مثلُ العدم 120 - قال الأصمعي (2) : قرأت على خَلَف الأحمر شعراً لجرير، فلما بلغت إلى قوله: ويومٍ كإبهامٍ القطاة محبَّبٍ ... إليَّ هواه غالب لي باطلُهْ فيا لك يوماً خيرُهُ قبلَ شرِّهِ ... تغيَّبَ واشيه وأقصرَ عاذله قال: ويله وما ينفعه خير يؤول إلى شر؟! فقلت: كذا قرأته على أبي عمرو، قال: صدقت، كذا قال جرير، وكان قليل التنقيح مشرَّد الألفاظ، وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع، قلت: فكيف كان يجب أن يقول؟ قال: الأجود له ان كان قال: " فيا لك يوماً خيره دون شره "، فاروه هكذا فقد كانت الرواة تصلح من أشعار القدماء، فقلت: لا أرويه بعدها إلا هكذا. 121 - ابن طباطبا (3) : بأبي من نعمتُ منه بيومٍ ... لم يكن للسرور فيه نُمُوُّ يومُ لهوٍ قد التقى طرفاه ... فكأن العشيَّ فيه غدو 122 - علي بن جبلة العكوك (4) :

_ (1) ديوان المعاني1: 351، وهذا العلوي هو محمد بن أحمد الأصبهاني المعروف بابن طباطبا، وانظر من غاب عنه المطرب: 64 حيث نسبت لابن طباطبا. (2) ديوان المعاني 1: 352 - 353 وزهر الآداب: 298 والأول في الواحدي 473 وفي ديوان جرير: 964. (3) ديوان المعاني 1: 353 وزهر الآداب: 299 (لمحمد بن أحمد الأصبهاني، انظر الحاشية رقم: 1) . (4) علي بن جبلة العكوك من شعراء المحدثين وترجمته في الشعر والشعراء: 742 وطبقات ابن المعتز: 171 والأغاني 19: 287 ونكت الهميان: 209، لم ترد هذه الأرجوزة في ديوانه المجموع.

وليلة كأنها نهارُ ... غرَّاءُ لاتعشى بها الأَبصارُ مشرقةٌ من حسنها الأقطارُ ... لا يمكنُ البدرَ بها استتار طالتْ لنا ساعاتها القصار ... ولم يكن لفجرها انفجار كانت سواءً هيَ والاسفار ... 123 - محمد بن أحمد الحسيني المعروف بابن طباطبا: وتنوفةٍ مَدَّ الضمير قطعتها ... والليلُ فوق إكامها يتربَّعُ ليلٌ يمدّ دجاه دونَ صباحه ... آمال ذي الحرص الذي لا يقنع باتت كواكبُهُ تحوطُ بقاءَهُ ... في كلِّ أفقٍ منه نجمٌ يلمع زُهْرٌ بَعَثْنَ على الصباح طلائعاً ... حول السماء فهن حسرى ظلَّعُ متيقطاتٌ في المسير كأنها ... باتت تناجى بالذي يُتَوَقَّع والصبحُ يرقبُ من دجاه غرةً ... متضائلٌ من سجفه يتطلع متنفساً فيه جناناً واهناً ... في كلِّ لحظة ساعه يتشجع حتى انزوى الليلُ البهيمُ لضوئه ... وقد استجاب ظلامُهُ يتقشع وبدت كواكبُهُ حيارى فيه لا ... تدري لِوَشْكِ زيالها ما تصنع متهادلاتُ النور في آفاقها ... مستعبراتٌ في الدجى تسترجع وكواكبُ الجوزاء تبسطُ باعها ... لتعانقَ الظلماء وهي تودع وكأنها في الجو نعشُ أخي بلىً ... يُبْكَى ويوقَفُ تارةً ويشيَّع وكأنما الشعرى العَبورُ وراءها ... ثكلى لها دمعٌ غزيزٌ يهمع وبناتُ نعشٍ قد برزن حواسراً ... قُدَّامها أخواتُهُنّ الأربع عبرى هتكن قناعهن على الدجى ... جزعاً وآلتْ بعدُ لا تتقنع وكأن أفقاً من تلألؤ نجمه ... عند افتقادِ الليل عينٌ تدمع والفجرُ في صفو الهواء مورّدٌ ... مثلُ المدامةِ في الزجاج تشعشع يا ليلُ ما لك لا تغيث كواكباً ... زفراتُهَا وجداً عليك تَقَطَّع لو أن لي بضياء صبحك طاقةً ... يا ليلُ كنت أردّه لا يسطع حذراً عليك، ولو قدرتُ بحيلتي ... جَرَّعْتُهُ الغُصَصَ التي تتجرع يا صبحُ هاك شبيبتي فافتكْ بها ... ودع الدُّجى بسواده يتمتع افقدتني أُنسي بأنجمها التي ... أصبحتُ من فقدي لها أتوجَّع

هذا الذي أبدع فيه، وخالف الشعراء في أُنسِهِ بالليل والكواكب، وبكائه عليهما، وتوجُّعه لفقدهما، وجميع الشعراء مَهْيَعُهُمْ شكوى الليل وطوله، والتوجع لرعي النجوم. ووصف الليل والنجوم مما انفرد ابن طباطبا بالاجادة فيه، كأبي نواس في الخمر، وابن المعتز في التشبيه، والصنوبري في صفات الربيع، والبحتري في طيف الخيال، وأبي تمام في البديع والرثاء (1) ، وابن حازم في القناعة، وأبي العتاهية في الزهد، وابن الرومي في الهجو، ومحمود الوراق في الحِكَم، والمتنبي في المدح والأمثال، والحمدوي في طيلسان ابن حرب، والمعري في الدّرع، وعمر بن أبي ربيعة في النسيب، وكشاجم في الأوصاف النادرة (2) ، ومحمد بن هانئ في وصف الحرب وأدواتها، والسريّ الموصليّ في وصف شعره، وأبي العباس الخازن في الاعتذار والاستعطاف، وطياب (3) في الحمار، وابن الحجاج في المجون، وأبي حكيمة راشد ابن عبد القدوس في رثاءِ ذَكَره؛ ومن المتقدمين امرو القيس في وصف الخيل، والنابغة في الاعتذار، والأعشى في الخمر، وزهير في المدح، والشمّاخ في وصف الاعسار، وذي الرمة في وصف الفلواتِ والهواجر، وشعراء (4) هذيل في القسيِّ والنبل، والفرزدق في الفخر. فهؤلاء الشعراء وَقَفَ كلٌّ منهم قريحته على اجادة الفن المذكور عنه، وفتح له فيه مالم يفتح لغيره. 124 - وذكر ههنا طبقات الشعراء فقال: الشعراء خمس طبقات: الجاهلية ورأسها امرؤ القيس، والمخضرمون ورأسهم حسان، والاسلامية ورأسها جرير، والمحدثون ورأسهم علي بن العباس الرومي، وهذه الأسماء واقعة على من جاء بعد هذه الطبقة إلى يوم القيامة. وشعراء الأندلس طبقة واحدة ورأسها أحمد بن عبد ربه. 125 - والعرب تقول: الليل أخْفَى للويل (5) ، ومنه قول الشاعر: الليلُ للويلِ أَخْفَى ... والدمعُ للوجدِ أَشْفَى

_ (1) ص: والثريا. (2) ص: والنادرة. (3) هو طياب السقاء شاعر له مقاطيع في حماره الهزيل ويقال أن الشعر لأبي غلالة المخزومي (ثمار القلوب: 366 والتاج " طيب ") . (4) لعله يشير إلى أبي كبير الهذلي من بينهم. (5) انظر هذا المثل في جمهرة العسكري 2: 181 والفاخر: 195 وفصل المقال: 61 والميداني 1: 94 والحيوان 1: 285.

ما يعرفُ الليلَ إلا ... إِلفٌ يعانقُ إِلفا وتقول: فلان أنمُّ من الصبح (1) وأقود من الليل (2) ، ومنه أخذ ابن المعتز قوله (3) : لا تلقَ إلا بليلٍ مَنْ تواعده ... فالشمسُ نمّامةٌ والليلُ قَوَّادُ كم من محبٍّ أتى والليل يستُرُه ... (4) لاقى الأحبةَ والواشون رُقَّاد وقد حسَّن أبو الطيب هذا المعنى وأزال عنه هُجْنَةَ لفظتي نمام وقواد فقال (5) : أزورهمْ وظلامُ الليلِ يشفعُ لي ... وأَنثني وبياضُ الصبحِ يُغْري بي فصار أحقّ بالمعنى ممن أخذه منه، وقال العلماء فيه: أخذ عباءةً وأعطى ديباجة (6) . 126 - اجتمع بغرناطة (7) محمد بن غالب الرصافي الشاعر (8) ومحمد بن عبد الرحمن الكتندي (9) الشاعر وغيرهما من الفضلاء الرؤساء فأخذوا في أن يخرجوا لنجد أو لحور المؤمل، وهما من أشرف متنزهات غرناطة، وكان الرصافي قد أظهر الزهد وترك الخلاعة، فقالوا: ما لنا غنىً عن أبي جعفر بن سعيد (10) فكتبوا إليه:

_ (1) المثل في جمهرة العسكري 2: 315 والدرة الفاخرة: 174 والميداني 2: 206. (2) المثل في جمهرة العسكري 2: 132 والدرة الفاخرة: 154 والميداني 2: 48. (3) ديوان ابن المعتز: 96 ومن غاب عنه المطرب: 51 والمنتخل: 190 وجمهرة العسكري 2: 132. (4) روايته في الديوان: كم عاشق ةظلام الليل يستره ... لاقى أحبته والناس رقاد (5) ديوان المتنبي: 446. (6) يرجع هذا الحكم في أصله إلى أبي الفتح ابن جني وعنه نقله الآخرون، انظر اليتيمة 1: 115 والشريشي 2، 244. (7) انظر هذه القصة في نفح الطيب 3: 513. (8) الرصافي البلنسي من أشهر شعراء الأندلس في عصره (- 572) ؛ انظر مقدمتي على ديوانه وفيها اعتماد على مصادر ترجمته. (9) هو أبو كبر الكندي من شعراء زاد المسافر (59) وكتندة من كورة سرقسطة، توفي في حدود 584؛ وله ترجمة في التكملة والمغرب وانظر صفحات متفرقة من نفح الطيب. (10) هو أبو جعفر أحمد بن عبد الملك بن سعيد صاحب حفصة الركونية وعم ابن سعيد صاحب المغرب، كان وزيراً لعثمان بن عبد المؤمن والي غرناطة. له ترجمة في المغرب 2: 164 والإحاطة 1: 94 وانظر صفحات متفرقة من نفح الطيب.

بعثنا إلى ربِّ السماحةِ والمجدِ ... ومن ماله في ملة الظَّرْفِ من نِدِّ ليسعدَنا عند الصبيحةِ من غدٍ ... بسعيٍ إلى حور المؤمل أو نجد لتشرح منا أَنْفُسٌ من شجونها ... ثَوَتْ في سجونٍ هنَّ شرٌّ من الحمد ونظفرَ من بُخْلِ الزمان بساعةٍ ... ألذَّ من العليا وأشهى من الحمد على جَدْولٍ ما بين ألفافِ دوحةٍ ... يهزّ الصبا فيها بنوداً من الزند ومن كان ذا شربٍ يُخَلَّى (1) لشأنه ... ومن كان ذا زهدٍ تركناه للزهد ومن ظرفه (2) يأبى الحديثَ على الطلا ... ولا أن يُديل الهزلَ حيناً من الجد نهزُّ معاني الشعر أغصانَ عطفه ... ويمرحُ في ثوبِ الصبابة والوجد ومانغَصَّ العيشَ المهنأ غير أَنْ ... يمازجَهُ تكليفُ ما ليس بالود نظمنا من الخلان عقدَ فرائدٍ ... ولما نجدْ إِلاّكَ واسطةَ العقد فماذا نراه لا عدمناكَ ساعةً ... فنحن بما تبديه في جنَّةِ الخلد فكان جوابه: هو القولُ منظوماً أمِ الدر في العقدِ ... هو الزَّهْرُ تفَّاحُ الصفا أم شذا الوردِ أتاني وفكري في عقالٍ من الأسى ... فحلَّ بِنَفْثِ السِّحْرِ ما حلَّ من عقد فيا مَنْ بِهِنْم تُزْهَى المعالى ومَنْ لهمْ ... قيادُ المعاني ما سوى قصدكم قصدي فسمعاً وطوعاً للذي قد أشرتمُ ... به لا أرى عنه مدى الدهر من بُدِّ وعنديَ ما يختارُ كلُّ مؤملٍ ... من الراح والمعشوق والكتب والزند فقوموا على اسم الله نحو حديقةٍ ... مقلَّدَةِ الأجيادِ موشيّةِ البُرْد وكلُّ إلى ماشاءه لستُ ناوياً ... عتاباً له إني المساعدُ بالود ولستُ خلياً من تأنس قينةٍ ... إذا ما شَدَتْ ضلَّ الخليُّ عن الرشد لها ولدٌ في حجرها لا تزيلُهُ ... أوانَ غناءٍ ثم ترميه بالبعد فيا ليتني قد كنتُ منها مكانَهُ ... تقلّبني ما بين خَصْرٍ إلى نهد ضمنتُ لمن قد قال إنيَ زاهدٌ ... إذا حلَّ عندي أن يحولَ عن الزهد فإن كان يرجو جنةَ الخلدِ آجلاً ... فعندي له في عاجلٍ جنةُ الخلد

_ (1) ص: بشانه. (2) ص: وما ظرفه.

فركبوا واجتمعوا ومرَّ لهم أحسن يوم، وما زالوا بالرصافي إلى أن شرب معهم فقال الكتندي: غلبناك عما رُمْتَهُ يا ابن غالبِ ... براحٍ وريحانٍ وشدوٍ وكاعبِ فقال أبو جعفر: بدا زهدُهُ مثلَ الخضاب فلم يزل ... به ناصلاً حتى بدا زهدَ كاذب ثم غربت الشمس فقالوا: ما رأينا أقصر من هذا اليوم، وما ينبغي أن نترك وصفه، فقال أبو جعفر: أنا له، ثم قال وهو من عجائبه المعجزة: لله يومُ مسرةٍ ... أضوا وأقصرُ من ذُبَالَهْ لما نصبنا للمنى ... فيه بأوتار حباله طار النهارُ به كمر ... تاعٍ وأجفلتِ الغزاله فكأننا من بعدِهِ ... بعنا الهدايةَ بالضلاله النهار: ذكر الحبارى، وإليه أشار بقوله: طار النهار، والغزالة: الشمس، فتمَّ له المعنى، فسلَّم له الجميع تسليم السامع المطيع. 127 - ولأبي جعفر في الغزالة أيضاً (1) : بدا ذَنَبُ السّرحانِ يُنْبئُ أنه ... تقدَّمَ سبقاً والغزالةُ خَلْفَهُ ولم تَرَ عيني مثلها من متابعٍ ... لمن لا يزال الدهرَ يطلبُ حتفه 128 - قال المصنف: جرت في قِصَر النهار نادرة (2) : أنشدني سليمان بن إسماعيل المارديني المسيحي لنفسه فيما زعم من قصر النهار: ويومٍ حواشيه ملمومةٌ ... ظنناه من قِصَرٍ مُدْمَجا قنصتُ غزالتهُ والتفتُّ ... أريدُ أختها فاحتمت بالدجى فأثبت البيتين عندي، فأخبرني بعد ذلك أبو الحسن بن سعيد (3) انه وقف في

_ (1) نفح الطيب 3: 515. (2) ص: زيادة؛ وانظر ذيل المرآة 2: 26 لعلي بن يوسف المارديني، المعروف بابن الصفار (- 658) . (3) هو علي بن موسى مؤلف المغرب وغيره.

" تاريخ اربل " لابن المستوفي (1) لابي عبد الله محمد بن أبي الوفاء القبيصي من ذرية عمر رضي الله عنه: ويومٍ خواشيه ملمومةٌ ... علينا نحاذرُ أن يفرجا قنصتُ غزالته والتفتُّ ... أريدُ اختها فاحتمتْ بالدجى قال ابن المستوفي: ثم ورد علينا أبو الحسن على بن يوسف الصفار فنسبهما لنفسه قال: ولعلهما ليسا له ولا لابن القبيصي. قال المصنف: فقيدتُ هذا على هذه الصورة؛ ثم جرى بعد ذلك مذاكرة في هذه الأبيات وتجاذب من تجاذبها من الشعراء فقال بعض من حضر: هذه الأبيات عندى في تعليق لغير من ذكر، فرغبنا إليه في الكشف عنها، فأحضر التعليق فإذا فيه: خرج المنتجب العاني (2) - منسوب إلى عانة، جزيرة بالفرات - مع الملك الزاهر ابن صلاح الدين صاحب البيرة للصيد، فأثاروا ظبيةً في آخر النهار فاستطردت لهم، فلم يدركها السلطان إلا عند غروب الشمس، فأمسكها ونظر إلى الشمس وهي تغرب فاستظرف هذا الاتفاق وقال الشاعر: قل في ذلك شيئاً فقال: ويومٍ حواشيه ملمومةٌ ... علينا نحاذرُ أنْ تفرجا قنصتُ غزالته والتفتُّ ... أريد اختها فاحتمتْ بالدجى قال المصنف: فصحَّ عندي أن هذا هو قائلها على الخصوص، وان الجميع لصوص، قال: وقد قرأت " كتاب اللصوص " للجاحظ فلم أسمع فيه بأن ثلاثة لصوص اجتمعوا بالاتفاق الظريف على بيت واحد. 129 - ابراهيم بن محمد القابوني الدمشقي: يومٌ تقاصَرَ حتى خلتُهُ حُلُما ... فليس يبصره إنسانُ انسانِ ما تطلعُ الشمسُ إلاّ وهي غاربةُ ... كأنما شمسُهُ في الأفقِ شمسان

_ (1) هو أبو البركات المبارك بن أحمد، شرف الدين بن المستوفي الاربلي (- 637) وتاريخه لاربل في أربع مجلدات بقي منه مجلد واحد. انظر ابن خلكان 4: 147 ومرآة الزمان: 644 وفي حاشية الوفيات ذكر لمصادر أخرى. (2) للدكتور أسعد علي دراسة عن المنتجب العاني وقد اضطرب عليه معرفة العصر الذي عاش فيه المنتجب، وهذا النص ذو قيمة بالغة لأنه يحدد أن المنتجب كان يصاحب الزاهر ابن صلاح الدين وقد توفي الزاهر داود صاحب قلعة البيرة سنة 632. والبيرة قلعة بقرب سمسياط (ابن خلكان2: 257 - 258) .

130 - وللشيخ شرف الدين المصنف: ويومٍ سرقناهُ من الدهر خلسةً ... بل الدهرُ أهداه لنا متفضّلا أشبهه بين الظلامين غُرَّةً ... لحسناءَ لاحت بين فرعين أُرسلا 131 - والحكماء يمدحون الليل والاشتغال فيه، قال بعضهم لابنه: يا بنيّ اجعل نظرك في العلم ليلا، فإن القلب في الصدر كالطير، يننشر بالنهار ويعود إلى وكره في الليل، فهو في الليل ساكن، وما ألقيت إليه من شيء وعاه. وقال بعضهم: في الليل تجمّ الأذهان، وتنقطع الأشغال، ويصحّ النظر، وتؤلف الحكمة، وتدر الخواطر، ويتسع مجال القلب، والليل أجرى في مذهب الفكر، وأخفى لعمل البر، وأعون على صدقة السر، وأصحُّ لتلاوة الذكر. وأرباب الأمر يختارون الليل على النهار لرياضة النفوس، وسياسة التقدير في دفع الملمّ، وإمضاء المهمّ، وإنشاء الكتب ونظم الشعر وتصحيح المعاني، وإظهار الحجج وإصابة غرض الكلام، وتقريبه من الأفهام، وفي الليل تتزاور الأحباب، وتتهنأ بالشراب، وتكمل الاطراب، وتغيب الرقّاب وتغلق في أوجه الأضداد الأبواب، ولا يمكن فعل شيء من ذلك كله في النهار، لاستجلاب الظنة بالاستتار. 132 - وكان (1) ابن المعتز لا يشرب إلا ليلاً ويقول: الليل أمتع، لا يطرق فيه خبر قاطع، ولا شغلٌ مانع والنهار أبرص لا يتم فيه سرور. ونظم ذلك كشاجم فقال (2) : اتخذِ الليلَ جَمَلْ ... ما حُمِّلَ الليلُ حَملْ آمن فيه طارقاً ... يَشْغَلني عن الشُّغُل 133 - كان يحيى (3) بن خالد ولّى ابنه الفضل خراسان، فبلغه عنه إقبال على القصف واهمال للرعية، وتفقد أعماله فوجدها مختلّة، فكتب إليه: بلغني عنك إقبال على القصف واهمال لأمورك، وقد يهفو ذو الفطنة، ويزلّ الحليم ثم يرجع

_ (1) محاظرات الراغب 1: 337 (ط. مصر 1326) . (2) ديوان كشاجم: 428 ومحاظرات الراغب 2: 708 (بيروت) . (3) انظر ابن خلكان 4: 28 والمنتخل: 190 والفاضل للوشاء 1: 132 وربيع الأبرار، الورقة: 355 ب والدميري 2: 65 ومحاضرات الراغب 2: 709 والأبيات في جمهرة العسكري تحت المثل: " الليل أخفى للويل ".

إلى ما هو أولى به، حتى كأن أهل دهره لم يعرفوه إلا بذلك. وقد كتبت إليك بأبيات إن أنت اخلفتها ولم تمتثلها هجرتك حولاً، وعزلتك على سخط، وكتب إليه: انصبْ نهاراً في طِلابِ العلا ... واصبرْ على فقدِ لقاءِ الحبيبْ حتى إذا الليلُ دنا مقبلاً ... وانحسرتْ فيه عيونْ الرقيب فاخلُ مع الليل بما تشتهي ... فانما الليلُ نهارُ الأريب كم فاتكٍ تحسبه ناسكاً ... يستقبلُ الليلَ بأمر عجيب غطَّى عليه الليلُ أثوابَهُ ... فبات في أمنٍ وعيشٍ خصيب ولذةُ الأحمقِ مكشوفةٌ ... يسعى بها كلُّ عدوٍّ رقيب قال فآلى أن لا يشرب نهاراً. 134 - أبو بكر ابن دريد (1) : وليلةٍ سامَرَتْ عيني كواكبها ... نادمتُ فيها الصبا والنومُ مطرودُ يستنبط الراح ما تخفي النفوس وقد ... جادت بما منعته الكاعب الرود والراح نفترُّ عن درٍّ وعن ذَهَبٍ ... فالتبرُ مُنْسَبِكٌ والدرُّ معقود ياليلُ لا تبحِ الإِصباحَ حَوْزَتَنا ... وليحمِ جانبَهُ أَعطافُكَ السود 135 - بشار بن برد (2) : قد نام واشٍ وغاب ذو حَسَدٍ ... فاشربْ هنيئاً خلا لكَ الجوُّ 136 - آخر: ولم أرَ مثلَ الليلِ جُنَّةَ فاتكٍ ... إذا همَّ أمضى أو غنيمةً ناسكِ 137 - ابن المعتز (3) : سقتنيَ في ليلٍ شبيهٍ بشعرها ... شبيهةَ خَدَّيْهَا بغيرِ رقيبِ فأمسيتُ في ليلين للشعرِ والدُّجى ... وصبحين من كأسٍ ووجه حبيب 138 - شاعر:

_ (1) ديوان ابن دريد 65/ 37 (عن نثار الأزهار) . (2) ديوانه: 425 (جمع العلوي) ومحاضرات الراغب 2: 709 (بيروت) . (3) ديوان ابن المعتز 3: 16 وتشبيهات ابن أبي عون: 104 وورد الأول في ديوان المعاني 1: 433 منسوباً لابن أبي طاهر وانظر الشريشي 1: 120 (بولاق) وحماسة ابن الشجري: 266.

وليلةِ قَصْفٍ ليلةُ العرس دونها ... أنارتْ بها الظلماءُ والليلُ لائلُ وسكرانة سُكْرَيْ دلالٍ وقهوةٍ ... إذا هي قامتْ لم تَخُنْها المفاصل تثنتْ كغصنٍ ذابلٍ عند سكرها ... وذا عجبُ غُصْنٌ من الريِّ ذابل 139 - البحتري (1) : يا ليلتي بالسفح من بطياس ... ومعرِّسي بالقصرِ بل أَعراسي باتت تبرّدُ من جوايَ وغلتي ... أنفاسُ ظبيٍ طيِّبِ الأنفاس هيف الجوانح منه هاض جوانحي ... ونعاسُ مقلته أَطار نعاسي يدنو إليَّ بخمرهِ وبريقِهِ ... فيعلّني بالكاسِ بعد الكاس 140 - آخر: وليلةٍ بات يجلو الراحَ من يده ... أَحوى أَغنُّ غضيضُ الطرف جذلانُ والليلُ ترمقنا شَزْراً كواكبُهُ ... كأنه من دنوّي منه غيران كأنها (2) نَقْدٌ بالدوِّ نَفَّرَهَا ... لما بدا ذَنَبُ السرحانِ سرحان 141 - آخر: وليل قد سهرتُ ونام فيه ... ندامى صُرِّعوا حولي رقودا أُنادمُ فيه قرقرةَ القناني ... ومزماراً يحدّثني وَعُودا وكاد الليلُ يرجمتي بنجمٍ ... وقال أراه شيطاناً مريداً 142 - آخر: اشربِ الراحَ واسقني بظلامِ ... واتركِ النومَ للئامِ النيامِ لا أحبُّ اللذاتِ إلا مع اللي ... لِ إذا ما هَدَتْ عيونُ الانامِ 143 - القائد علي: يا ربَّ ليلٍ شربنا فيه صافيةً ... حمراءَ في لونها تنفي التباريحا ترى الفَراشَ على الأكواس ساقطةً ... كأنما أَبصرتْ منها مصابيحا

_ (1) ديوان البحتري: 1138. (2) النقد: صغار الغنم.

144 - عبد الله بن محمد المعروف بابن البغدادي (1) من أفريقية - كان أبوه ظريفاً لبقاً فلقب البغدادي لذلك -: أزرى بلبِّكِ شادنٌ ذو قُرْطُقٍ ... يسقي العُقَارَ ويعقدُ الزنّارا ولقد شكوتُ إليه بعضَ صبابتي ... فحنا وقال أرى بقلبكَ نارا في ليلةٍ حلفتْ عليَّ بطيبها ... لأُقاطعنَّكَ إن شربتَ نهارا ولأسترنَّ البدرَ عنكَ بظلمتي ... فيكونَ في ليلِ التمام سرارا 145 - ابن المعتز يذم الصبوح (2) : على الصبوح لعنةُ الرحمن ... فاسمعْ أُخَبِّركَ ببعضِ الشانِ إذا اردتَ الشربَ عند الفجرِ ... والنجمُ في لجّةِ ليلٍ يسري وكان (3) بردٌ والنديمُ يرتعد ... وريقُهُ على الثنايا قد جمد وللغلام ضَجْرَةٌ وهمهمه ... وشتمةٌ في صَدْرِهِ مُجَمْجَمه يمشي بلا رجلٍ من النعاس ... ويدفقُ الكاسَ على الجلاس فإن يكنْ (4) للنوم ساقٍ يَعْشَقُ ... فجفنه بجفنه مُدَبَّق ورأسه كمثل فروٍ قد مُطِرْ ... وصدغه كصولجانٍ منكسر فأيُّ فضلٍ للصبوحِ يُعْرَفُ ... على الغَبوقِ والظلاُم مُسْدَف 146 - وله (5) : لا تَدْعُني لصبوحٍ ... إنَّ الغبوقَ حبيبى فالليل لونُ شبابي ... والصبحُ لونُ مشيبي ناقضه ابن حجَّاج فقال: الصبحُ مثل البصير نوراً ... والليلُ في صورةِ الضريرِ فليت شعري بأيّ رأي ... يُختارُ أعمى على بصير

_ (1) انظر ترجمته في الفوات 2: 227 والزركشي: 156 والمسالك 1: 339 وقد وردت أبياته في المصدر الأخير. (2) ديوان ابن المعتز: 309، 4: 67 ولم يرد هنالك الشطران الأولان، وانظر قطب السرور: 339. (3) ص: برق. (4) ص والديوان: للقوم. (5) ديوان ابن المعتز 3: 16 وديوان المعاني 1: 343 واللطائف والظارئف: 78.

147 - ظافر الحداد (1) : وعشيّةٍ أَهْدَتْ لعينك منظراً ... قدمَ السرورُ به لقلبك رائدا روضٌ كمخضرِّ العذارِ وجدولٌ ... نَقَشَتْ عليه يدُ النسيم مباردا والنخلُ كالهيفِ الحسان تزيَّنَتْ ... فلبسن َ (2) من أثمارهن قلائدا 148 - ابن المعتز (3) : لا تذكرن لي (4) الصبوحَ وعاطني ... كأسَ المدامةِ عند كلِّ مساءِ في (5) ليلةٍ شغل الرقادُ رقيبَها ... عن عاشِقَيْنِ تواعدا للقاء عقدا عناقاً طولَ ليلهما معاً ... قد أَلصقا الأحشاءَ بالأحشاء حتى إذا طلعَ الصباحُ تفرفا ... بتنفُّسٍ وتلهف وبكاء ما راعنا تحتَ الدجى شيءٌ سوى ... شَبَهِ النجومِ بأَعْين الرقباء 149 - قال: وشعراء المغرب حازوا قصب السباق، في وصف الاغتباق، فمن ذلك قول عبد الكريم بن ابراهيم النهشلي (6) مصنف " كتاب الممتع في علم الشعر وعمله " يصف غبوقاً اغتبقه مع المعز بن باديس (7) : يا ربَّ فتيان صدق رحتُ بينهمُ ... والشمسُ كالدنف المشغوف في الأُفُقِ مَرْضَى أصائِلُهَا حَسْرَى شمائلها ... تَرَوُّحَ الغصن الممطورِ في الورقِ معاطياً شمسَ إبريقٍ إذا مُزِجَتْ ... (8) تقلدت عِرْقَ مرجانٍ من البرقِ عن ماجلٍ طافحٍ بالماء معتلجٍ ... كأن نُغْبَتَهُ صيغت من الحدق تضمّهُ الريحُ أحياناً وتفرقه ... فالماء ما بين محبوسٍ ومنطلق

_ (1) ديوان ظافر: 92. (2) ص: فلقيت. (3) ديوان ابن المعتز: 206، 3: 4 ومن غاب عنه المطرب: 51 وحلبة الكميت: 348. (4) الديوان: لا تذكرني بالصبوح. (5) الديوان: كم. (6) هو أستاذ ابن رشيق وعليه يعتمد كثيراً في العمدة، انظر ترجمته في المسالك 11: 292 وقد كتب عنه الدكتور منجي الكعبي دراسة ونشر المختصر الباقي من كتاب الممتع (ليبيا - تونس 1978) . (7) الأبيات في زهر الآداب: 190. (8) الحصري: عقد ... النزق.

من أخضرٍ ناضرٍ في الماء يلحفه (1) ... وأبيضٍ تحت قبطيِّ الضحى يَقَق تهزُّهُ الريحُ أحياناً فيمنحها ... للزجر خَفْقَ فؤادِ العاشق القلق كأنَّ حافاتِهِ نُطِّقْنَ من زَبَدٍ ... مناطقاً رُصِّعَتْ من لؤلؤ نَسَق كأنّ مثبتَهُ من سندسِ نمطٍ ... حسناءُ مجلّوةُ اللَّبات والعُنُق إذا تبلّج نجمٌ فوق زرقته ... حسبتَهُ فرساً دهماءَ في بلق أو لازَوَرْداً جرى في مَتْنِهِ ذَهَبٌ ... فلاح في شارقٍ من مائه شرق عشيّة كَمُلَتْ حُسناً وساعدها ... ليلٌ يمدِّدُ أطناباً على الأفق تُجْلَى بغرةِ وضاحِ الجبين له ... ما شئتَ من كرم دانٍ (2) ومن خلق 150 - ولأبي عبد الله محمد بن إدريس الجزيري من جزيرة شقر، وهو المعروف بمرج كحل (3) : عّرِّجْ بمنعرج الكثيب الأعفر ... بين الفرات وبين شاطي الكوثر وعشيةٍ قد بِتُّ أرقُب وقتها ... سمحتْ بها الأيامُ بعد تعذر نلنا بها آمالنا في روضةٍ ... تهدي لناشقها نسيمَ العنبر والدهرُ من ندمٍ يسفّهُ رأيه ... فيما صفا من عيشِهِ المتكدر والورقُ تشدو والاراكةُ تنثني ... والشمسُ ترفلُ في قميصٍ أصفر والروضُ بين مفضّضٍ ومذهبٍ ... والزهرُ بين مُدَرْهَمٍ ومدنَّر والنهرُ مصقولُ الأباطح والربى ... بمصندلٍ من زهره ومعصفر وكأنما ذاك الحبابُ فرنده ... مهما صفا في صَفْحِهِ كالجوهر وكأنه وكأن خُضْرَةَ بُسْطِهِ ... سيفٌ يُسَلُّ على بساط اخضر وكأنما وجناتُهُ محفوفةً ... بالآسِ والنعمان خدُّ معذر روضٌ يهيم بحسنه من لم يهمْ ... ويجيدُ فيه الشعرَ من لم يشعر ما اصفرَّ وجهُ الشمسِ عند غروبها ... إلا لفرقةِ حُسْنِ ذاك المنظر 151 - وللحسن بن على ببجاية يصف اغتباقه مع أمير بجاية: ولما نزلنا ساحةَ القصر راقنا ... بكلِّ جمالٍ مبهج الطرف مونقِ

_ (1) الحصري: والظل يلحقه. (2) الحصري: وافٍ. (3) ترجمته في الذيل والتكملة 6: 111 والإحاطة 2: 252 (2: 344 عنان) وأزهار الرياض 2: 315 والنفح 5: 51.

بما شئتَ من ظلٍ يرفُّ وجدولٍ ... وروضٍ متى تُلممْ به الريحُ يعبقِ وشادٍ معاني الشعر في نَغَماتهِ ... يطارحه شدوُ الحمام المطوق إذا ما رقصنا بالروؤسِ لشدوه ... رمونا بكاساتِ الرحيق المعتق فيا حُسْنَ ذاك القصرِ لا زال آهلا ... ويا طيبَ ريّا نَشْرِهِ المتنشَّقِ رَتَعْنَا به في روضةِ الأُنسِ بعدما ... هَصَرْنا بِغُصْنٍ للمسرةِ مونق ويضحكنا طيبُ الوصالِ وربما ... يمرُّ على الاوهام ذكرُ التفرق فتضحي مصوناتُ الدموعِ مذالةً ... يَنُحْنَ على طِرْفٍ من الدهر أبلق فلّله ساعاتٌ مضينَ صوالحاً ... عليهنّ من زيّ الصبا أيُّ رونق خلعنا عليها النسكَ إلا أقلَّهُ ... وان عاودتْ نخلعْ عليها الذي بقي 152 - علي بن أحمد من شعراء بلنسية (1) : قمِ اسقني والرياضُ لابسةٌ ... وشياً من النَّوْرِ حاكه الزَّهْرُ والشمسُ مصفرةٌ غلائلها ... والروض تبدو ثيابُهُ الخضر في مجلسٍ كالسماء (2) لاح به ... مِنْ وجه من قد هَوِيتُهُ بدر والنهرُ مثلُ المجرِّ حفَّ به ... من الندامى كواكبٌ زهر 153 - أبو الفضل ابن الاعلم (3) : وعشيّةٍ كالسيف إلا حدَّهُ ... بسطَ الربيعُ بها لنعليَ خَدَّهُ عاطيتُ كأسَ الأُنسِ فيها واحداً ... ما ضره أَنْ كان جمعاً وحده 154 - إبراهيم بن خفاجة (4) : وعشيِّ أُنسٍ أضجعتني نشوةٌ ... فيه تمهِّدُ مضجعي وتدمِّثُ خلعتْ عليّ يد الاراكة ظلَّها ... والغصنُ يُصغي والحمامُ يحدث والشمسُ تجنحُ للغروب مريضةً ... والرعدُ يَرْقي والغمامةُ تنفث

_ (1) قلائد العقيان: 69 ونفح الطيب 1: 658. (2) ص: كالسماح. (3) المطمح: 65 ونفح الطيب 4: 33 وأبو الفضل هو جعفر بن محمد بن الأعلم وهو حفيد أبي الحجاج يوسف الأعلم الشنتمري وله ترجمة في المطمح والنفح والمغرب 1: 396 والخريدة (قسم المغرب) 3: 469. (4) ديوان ابن خفاجة: 285 ونفح الطيب 3: 200.

155 - الرصافي (1) : وعشيٍ رائقٍ منظرُهُ ... قد قَصَرْناهُ على صَرْفِ الشمولِ وكأن الشمس في أثنائه ... ألصقتْ بالأرضِ خدًّا للنزول والصبا يرفع أذيال الربى ... ومحيّا الجوّ كالسيف الصقيل حبّذا منزلنا مغتبقاً ... حيث لا يطربنا غيرالهديل طائرٌ شادٍ وغصنٌ منثنٍ ... والدجى يشربُ صهباء الأصيل 156 - أبو الحسن ابن عبد الكريم: أقولُ لخلِّي والمدامةُ تجتلى ... كلمع بروقٍ في سجوفِ غمامِ ألا فاسقني وقتَ الأصيلِ ولا تَرُعْ ... فؤاديَ يا خلَّ الهوى بملام فقد نعستْ عينُ الغزالةِ للكرى ... وقد رنَّقَتْ أجفانُها بمنام ألم تر أُفقَ الغرب كيف يغرني ... ويشربُ شمساً مثل جام مدام 157 - الرصافي (2) : وكنت أراني في الكرى وكأنني ... أناوَلُ كالدينار من ذهب الدنيا فلما انقضى ذاك الوصال وطيبه ... على ساعةٍ من أُنسنا صحَّتِ الرؤيا 158 - ابن أفلح يصف غبوقاً من المغرب إلى شروق الشمس: ولربّ مغتبَقٍ خلعتُ منشطاً ... فيه العذارَ لفاترٍ لم ينشط وسروجُ لهوي في ظهورِ خلاعتي ... مذْ شَدَّها داعي الصبا لم تُحْطَطِ ناديتُ حيَّ على الغبوق وفي يدي ... نارٌ متى صافحتُها لم تعلط صفراءُ كالذهب السَّبيك ترى لهال ... في بَزْلها سور الذّبالِ المسلط يبدي (3) المذلةَ طعمها فإذا سَرَتْ ... فعلتْ كفعلِ الغادر المتسلط تعطي الجبانَ شجاعةً عرضية ... والنكسَ تيهَ الماجدِ المتخمِّط ما خامرتْ عقلَ امرئٍ إلا غدا ... متبسّطاً سكراً وان لم يبسط يسعى بها صَلِفُ الشمائلِ أهْيَفُ ... لدنٌ كغصنِ البانةِ المتخوط

_ (1) ديوان الرصافي: 123 ونفح الطيب 3: 203 ورايات المبرزين: 85. (2) ديوان الرصافي: 124 والمعجب: 291. (3) ص: بيد.

سيّانِ فعلُ مدامِهِ ولحاظِهِ ... ورضابه للخابر المستنبط ما بين جامٍ بالمدام مكلَّل ... فينا وكأسٍ بالحباب مقرَّط وعلى الهضابِ من النهار ملاءة ... سَحْقُ الحواشي ان تُخَطْ تتمعط والشمسُ خافضةُ الجناحِ مُسِفّةٌ ... في الغرب تنسابُ انسيابَ الأرقط أو كالعروس بَدَتْ فأُسْدِلَ دونها ... جنباتُ سترٍ كالجساد مخطط وأتى الظلامُ على الضياء كما أتى ... أَجَلٌ على أَمَلٍ فلم يتثبط واستلأمتْ منه السماءُ بنَثْرَةٍ ... حَصْداءَ شَرْطُ قتيرها لم يمعط والزُّهْرُ تقمصُ في المجرةِ عوَّماً ... عومَ المَهَا في جَدْولٍ متغطمط والنجمُ يرقى في السماءِ محلّقاً ... كنزوّ طفلٍ في المهاد مقمط واللهو قد سلب الجفونَ رقادها ... منا اغتباطاً بالسرور المفرط حتى تبدَّى الفجر في ذيل الدّجى ... يحكي نصولَ خضابِ شَعْرٍ أشمط وتلاه مبيضُّ الصباحِ كأنه ... عَمَلٌ لمجتهدٍ زكا لم يحبط والتاج قرنُ الشمسِ عند ذروره ... كالتاج فوق جبينِ كسرى المقسط هذاك آخر ما عهدتُ وطاح بي ... (1) برق رعشت به ارتعاشَ مبرقط وتحكَّمَتْ فينا الشمولُ فلم تَدَعْ ... فينا صحيحَ تصوّرٍ لم يخلط 159 - أبو الحسن علي بن عطية البلنسي المعروف بابن الزقّاق (2) : وعشيةٍ لبست رداءَ شقيق ... تُزْهَى بلونٍ للخدودِ أنيقِ أبْقَتْ بها الشمسُ المنيرةُ مثلما ... أبقى الحياءُ بوجنة المعشوق لو أستطيعُ شربتها كلفاً بها ... وعدلتُ فيها عن كؤوس رحيق 160 - أبو العلاء المعري (3) : ووالبدرُ قد مدَّ عماد نوره ... والليلُ مثلُ الأدهمِ المُقفَّزِ المقفز: الذي بلغ تحجيله إلى ركبتيه. 161 - ومن أوقات الشرب وقتان غير الاصطباح والاغتباق، وهما الجاشريّة وهي شُرْبُ

_ (1) ص: ترف ... مرقط. (2) ديوان ابن الزقاق: 206 والمطرب: 104 والشريشي 1: 72 والمغرب 2: 334 ونفح الطيب 4: 300. (3) شروح السقط: 422.

نصف النهار، والفحمة وهي شرب نصف الليل. ولم يعتن الشعراء بوصف الشرب فيهما لكراهة استعمال الشراب فيهما لأنهما وقتا الهدوء والمنام، وإجمام النفس وراحة الجسم لاستمراء الشراب والطعام. 162 - القاضي السعيد ابن سناء الملك في ذمِّ الشمس (1) : لا كانت الشمس فكم أَصدأتْ ... صفحةَ خدٍّ كالحسام الصقيلْ وكم وكم صدَّتْ بوادي الكرى ... طيفَ خيال جاءني من خليل وأعدمتني من نجوم الدجى ... ومنه روضاً بين ظلٍّ ظليل تكذب في الوعد وبرهانُهُ ... أنْ سَرابَ القفرِ منها سليل وتحسبُ النهرَ حساماً فتر ... تاع وتحكي فيه قلب الذليل ان صَدِئ الطرفُ فما صَقْلُهُ ... إلا التملّي بمحيا جميل وهي إذا ابصرها مبصرٌ ... حديدُ طرف راحَ عنها كليل يا علة المهموم ياجلْدَةَ ال ... محموم يا زَفْرَهَ صَبٍّ نحيل يا قرحةَ المشرق وقتَ الضحى ... يا سلحةَ المغرب وقتَ الأصيل انت عجوزٌ لم تبرجتِ لي ... وقد بدا منك لعابٌ يسيل وأنتِ بالشيطانِ قرنانةٌ ... فكيف تهدينا سواءَ السبيل 163 - الشيخ شرف الدين المصنف (2) : في خلقةِ الشمس وأَخلاقها ... شتَّى عيوب جمة تُذْكَرُ رَمْداءُ عَمْشَاءُ إذا أصبحت ... عمياءُ عند الليل لا تبصر وهي رقيبٌ في الهوى كاشحٌ ... تنمُّ بالإِلْفَيْنِ لا تستر وخلقها خُلْقُ المَلول الذي ... ينكثُ في العهدِ ولا يصبر من صبحها النور لإمسائها ... مغاير الأشكال لا تفتر والظلُّ منها زائلٌ دائماً ... شبهَ خليلِ السوء إذ يغدر ويغتدي البدرُ لها كاسفاً ... وجرمه من جرمها أصغر حَرورها في القيظِ لا يتقى ... ودفؤها في القرِّ مستنزر ليست بحسناءَ وما حُسْنُ مَنْ ... تنبو لحاظٌ عنه إذ تنظر

_ (1) ديوان ابن سناء الملك: 577 ونهاية الأرب 1: 47 والغيث المسجم 2: 155. (2) نهاية الأرب 1: 47 والغيث المسجم 2: 155.

لا تملأ العينين من وجهها ... فالشمسُ مرأىً ساقط يحقر البدرُ يهدي وهي من شؤمها ... تُضِلُّ فالخلقُ بها كفروا وعمرها يومٌ وفي ليله ... تُقْبَرُ في مالحة تنشر تبيتُ في الحمأةِ من خِسّةٍ ... وتغتدي منها لنا تظهر

فراغ

الباب الثالث

الباب الثالث فى الاصطباح ومدحه وذم شرب الليل وايقاظ النديم للاصطباح 164 - لما كانت محاسن الأشجار، وما تشتمل عليه من الأزهار، وما يتخللها من الجداول والأنهار، إنما تظهر للأبصار بالنهار. وكان في ضيائه أُنس القلوب وتنفيس الكروب، وانتشار الحرارة الغريزية في الأبدان، ونزهة العيون في محاسن الألوان، كان الشرب فيه تجاه الرياض المشرقة، وتحت ظلال البساتين المونقة، وعلى حافات البرك والأنهار المتدفقة، ألذَّ من الشرب في الليل الحائل بين الناظر وبين إدراك حُسن المناظر إلا أن ذلك مقصور على فصل الربيع لتزيُّن الأرض بأنواع الزخارف، ولما تلبسه من خُضْر المطارف، حتى تُبْدي لمبصرها من أزهارها ما هو أبهى من الجوهر، ويهدي أَرَجُهَا ما هو أطيب من المسك الأذفر، ففي هذا الفصل خاصة ينبغي لمن أَلانت له الدنيا أعطافَهَا، ومهَّدت له أكنافها، وأدرَّت عليه النعم أخلافَها، أن يغتنم صبوحه قبل الشروق، ويواصل قائلته بالغبوق. فأما العرب (1) ومن هو في طبقتهم فإنما آثروا الصبوح فراراً من العواذل على الخلاعة، ليسبقوا من يعذلهم قبل أن يغدو عليهم، لأن من شأن العواذل أن يُبكروا على من يريدون عَذْله على الشرب في أمسه، لأن ذلك وقت صحوةٍ وإفاقة، فاستعملوا الاصطباح ليسابقوا عذالهم بمباكرة صبوحهم، قال عدي بن زيد (2) : بكَرَ العاذلونَ في وَضَحِ الصُّب ... حِ يقولون لي أَلا تستفيقُ

_ (1) ورد هذا الرأي في قطب السرور: 327 - 328. (2) ديوان عدي: 76 واللسان (وهق) والغفران: 146 ومعجم الأدباء 4: 139 والشريشي 3: 268 وحلبة الكميت: 60 وابن خلكان 2: 208 والأغاني 6: 73، 74، 87.

وقال طرفة بن العبد (1) : ولولا ثلاثٌ هنَّ من لذَّةِ الفتى ... وجدّك لم أحفلْ متى قام عُوَّدي فمنهنَّ سبقُ العاذلاتِ بشربةٍ ... كُمَيْتٍ متى ما تُعَلَ بالماءِ تُزْبِدِ 165 - ولابن المعتز أُرجوزةٌ في مدح الصَّبوح وتفضيله على الغبوق، ناقض فيها نفسه في ارجوزته في مدح الغبوق وتفضيله على الصبوح، ومناقضة الشاعر نفسه في أي معنى من المعاني كان، ضرب من البدبع يسمى " المغايرة "، وهو يدل على جودة الطبع وصفاء القريحة وغزارة المعاني وتوسّع الألفاظ (2) : لي صاحبٌ أَمَلَّني وزادا ... في تركيَ الصبوحَ ثم عادا قال ألا تشربُ في النهار ... وفي ضياء الصبح والأَسحار إذا وشى بالليل صبح فافتضح ... وذكر الطائرُ شدواً فصدح أما ترى البستانَ كيف نوَّرا ... ونشرَ المنثورُ بُرْداً أصفرا وضحك الوردُ إلى الشقائقِ ... واعتنق الزهرُ اعتناقَ وامق قل لي أهذا حَسَنٌ بالليل ... ويليَ مما تشتهي وعولى بتْ عندنا حتى إذا الصبحُ سَفَرْ ... كأنه جدولُ ماءٍ انفجر قمنا إلى زادٍ لنا مُعَدِّ ... وقهوةٍ صَرَّاعةٍ للجَلْدِ كأنما حبابها المنثورُ ... كواكبٌ في فَلَكٍ تدور ومُسمْعٍ يلعبُ بالأوتار ... أَرَقَّ من نائحةِ القماري 166 - عبد الصمد بن بابك (3) : يا صاحبيَّ قضيبُ البانِ ريَّانُ ... والبدرُ ملتحفٌ والصبحُ عريانُ والنرجسُ الغضُّ ساهٍ والنسيمُ نَدٍ ... والطلُّ في طُرَرِ الريحان حيران فغالبا نَفَسي بالراح واختلسا ... عَقْلي فقد نفح النسرينُ والبان واستوطنا وطني (4) ، واستدعيا طَرَبي ... (5) قبلَ الشروقِ فللأطراب أَحيان

_ (1) ديوان طرفة: 28 وقطب السرور: 328. (2) ديوان ابن المعتز: 306، 4: 72 وقطب السرور: 330 والأوراق: 251. (3) اليتيمة 3: 383. (4) اليتيمة: واسترجعا لمتي. (5) اليتيمة: أوطان.

وعرِّضا بهوى سُعْدَى (1) فلي ولها ... وللزجاجة إن عَرَّضْتُما شان 167 - أبو عمر الزعفراني (2) : وليلٍ دعاني فَجْرُهُ فأَجبتُهُ ... بمجلسِ طَلْقِ الوجهِ سَهْلِ التخلُّقِ إذا شئتُ خضنا في حديثٍ منمنم ... وإن شئتُ عمنا في رحيقٍ معتَّق يردُّ شبابي وهو منِّيَ شاسعٌ ... ويدني التصابي بعد ما شاب مفرقي 168 - أبو بكر الخالدي (3) : هو الفجر قابلنا بابتسامِ ... ليصرفَ عنّا عبوسَ الظلامِ ولاحَ فحلَّلَ كأسَ الشمولِ ... صرفاً وحرّمَ كأسَ المنام ظللنا على شمِّ وردِ الخدود ... ومسكِ النحورِ ونقلِ اللثام نعينُ الصباحَ على كَشْفِهِ ... قناعَ الظلامِ بضوء المدام 169 - أبو الحسن الجوهرى (4) : ياسقيطَ الندى على الأُقحوانِ ... شأْنَكَ اليوم في الصَّبوح وشاني أنت أذكرتني دموعي وقد صوَّب ... ن بين العتاب والهجران إنْ يكنْ للخليع فيكَ أوانٌ ... لتقضّي المنى فهذا أَواني سَحَرٌ مُدْنَفٌ وجوٌّ عليلٌ ... وصباحٌ يميلُ كالنشوان 170 - كشاجم (5) : هذا الصباحُ فما الذي ... بِصَبُوح صُبْحِكَ تَنْتَظِرْ خذْ من زمانك ما صفا ... ودعِ الذي فيه الكدر فالعمرُ أَقصرُ من معا ... تبة الزمانِ على الغِيَرْ 171 - وله (6) :

_ (1) اليتيمة: لبنى. (2) اليتيمة 3: 350. (3) اليتيمة 2: 173 ومن غاب عنه المطرب: 61 والديوان: 95. (4) اليتيمة 4: 33. (5) ديوان كشاجم: 269. (6) قطب السرور: 526، وهي من مختار القطب: 76 بي هفان الأسدي.

إذا ما اصطبحتُ وعندي الكِبابُ ... وكان الطُّباهجُ في جانبي وكانت رياحينُنا غَضَّةً ... وصفراءُ من صَنْعَةِ الراهب فليس الخليفةُ في مُلْكه ... بأنعمَ منّي ومن صاحبي 172 - ابن شراعة (1) : قد عُزِلَ الليلُ على رغمه ... وقد أَتتنا دولةُ الصّبحِ فانهضْ إلى الراح فقفلُ الأَسى ... ما لم تُدرْهَا عَسِرُ الفتح واربحْ على دهرك في شربها ... فلذةُ العاقلِ في الربح 173 - شاعر (2) : طاب شربُ الرَّاحِ مصطبحا ... لا تدعْ من كفِّكَ القدحا إنّما عمرُ الفتى فَرَحٌ ... فاغتنمْ من دهرِك (3) الفرحا 174 - آخر: باكرِ الراحَ ودعني ... من حماقاتِ النَّصيحِ ما رأينا قطّ أَنقى ... لهمومٍ من صبوح 175 - من قانون الأدب: جنانٌ إذا لاح الصباحُ تنسمتْ ... بنشر شذا تُثني عليه بآلاءِ وأشبهتِ الأسحارَ طيباً ظلالُها ... فجال خيالُ الغصنِ في مقلة الماء 176 - ابن المعتز (4) : ياربَّ صاحبِ حانةٍ نبهتُهُ ... والليلُ قد كحل الورى برقادِ في ساعةٍ فيها الجفونُ سواكنٌ ... قد شِمْنَ أعينهنَّ في الأغماد فأتى بها كالنارِ تأكل كفَّهُ ... بشعاعها من شدةِ الإيقاد 177 - ابن وكيع (5) :

_ (1) نسبت في قطب السرور: 553 لابن وكيع. (2) وردت في قطب السرور: 563 منسوبة لأبي نواس. (3) قطب السرور: عمرك. (4) قطب السرور: 572 والديوان 3: 41 والأوراق: 186. (5) ديوانه: 92 (نقلاً عن نثار الأزهار) .

ضحك الفجرُ ساخراً بالظلامِ ... حين فُلَّتْ جيوشُهُ بانهزامِ لاح في الحندسِ البهيم يحاكي ... ملكَ الروم بين أبناءِ حام فدعِ اللومَ واسقنيها كُمَيْتاً ... سَبَكَتْ تبرَها يدُ الأيام 178 - شاعر (1) : ومغرمٍ باصطباح الراح باكرها ... في فتيةٍ باصطباح الراحِ حُذَّاق فكلّ شيءٍ رآه ظنَّه قدحاً ... وكلّ شخص رآه ظنَّه الساقي 179 - آخر (2) : ألا سقِّياني قبلَ أنْ نتفرَّقا ... وهاتِ فسقّيني فقد كاد ضوءُ الصبحِ أن يفضحَ الدجى ... وكادَ قميصُ الليلُ أن يتمزّقا 180 - الصوفي: عاقر عُقَارَكَ واصطبح ... واقدحْ سرورك بالقدحْ واخلعْ عذارك في الهوى ... وأَرِحْ عذولَكَ واسترح وافرحْ بيومِكَ إنما ... عُمْرُ الفتى يومُ الفرح 181 - ابن حمديس (3) : قمْ هاكها من كفِّ ذاتِ الوشاحْ ... فقد نعى الليلَ نسيمُ الصباحْ وباكر اللذات واركبْ لها ... سوابقَ الليلِ ذوات المراح من قبل ان ترشفَ شمسُ الضحى ... ريقَ الغوادي من ثغور الاقاح 182 - شاعر (4) : أديراهاعلى الزهر المندَّى ... فحكمُ الصبح في الظلماءِ ماضي وما غربت نجومُ الأفقِ لكنْ ... نُقِلْنَ من السماءِ إلى الرياض

_ (1) قطب السرور: 653 وتنسب لأبي نواس، وفي المختار منه: 389 لابن المعتز. (2) قطب السرور: 655 وينسبان لأبي نواس وانظر المختار منه: 220. (3) ديوان ابن حمديس: 89. (4) هو ابن الزقاق، انظر ديوانه: 197 والمغرب 2: 334 ونهاية الأرب 10: 270.

183 - آخر: قل لصريعِ الكاسِ قُمْ نصطبحْ ... فالراحُ تحيي كلَّ مخمورِ ما أنت في نَوْمِكَ يا مالكي ... وقد أتى الصبحُ بمعذور لا سيّما والشمسُ قد قابلتْ ... بدرَ الدجى والأفقَ بالنور كأنما تلك وهذا معا ... جامانِ من تبرٍ وبلور 184 - ابن المعتز (1) : قم فاسقني والظلامُ منهزمُ ... والصبحُ بادٍ في كفِّه عَلَمُ والطيرُ قد صَفَّرَتْ فأفصحتِ ال ... ألحانُ منها وكلُّها عُجُمُ وميَّلتْ رأسها الثريا بأسرا ... ر إلى الغرب وهي تحتشمُ في الشرقِ كاسٌ وفي مغاربها ... قُرْطٌ وفي أَوسطِ السما قدم 185 - وله (2) : قمْ فاسقني قد تبلج الفَلَقُ ... من قهوةٍ في الزجاج تأتلقُ كأننا والمدامُ دائرةٌ ... نشربُ ناراً وليس نحترق 186 - ولما صنع ابن المعتز أرجوزته في ذم الصبوح: " على الصبوح لعنة الرحمن " - وقد تقدمت - كتب إليه النميري يعيبُ عليه ذم الصمبوح والامتناع منه، وكان هو مشهوراً بذلك: قبَّح الله شربَ كلِّ نبيذٍ ... يُتَوَخَّى في وقتِ شُرْبِ التجارِ إنما يشربُ الملوكُ مع الفجر ... وفي الروح قبل نصفِ النهار قد تأذَّتْ منا الشياطينُ ... والجنّ جميعاً وصالحُ العمار ودعوا ربَّهم علينا وقد ... أمَّنَ أيضاً غلمانُ هذي الديار حيث نحيي ليلَ التمام إلى ... الصبح ونهدا في ساعةِ الانتشار

_ (1) قطب السرور: 685 وهي في المعاهد 1: 139، 2: 20 للصنوبري، وانظر ديوانه: 487. (2) في ديوانه (تحقيق يونس أحمد السامرائي، بغداد: 1977) 2: 190 - 191 برواية مختلفة ووقع الثاني أولاً.

187 - أبو نواس (1) : نَبِّهْ نديمك قد نَعسْ ... يسقيك كاساً في الغَلَسْ صرفاً كأنَّ شعاعها ... في كفِّ شاربها قبس مما تخيَّر كرمها ... كسرى بعانةَ واغترس تَذَرُ الفتى وكأنما ... بلسانه منها خَرَسْ يدعى ليرفعَ رأسه ... فإذا استقلَّ به نكس 188 - ابن وكيع (2) : غَرَّدَ الطيرُ فنبهْ مَنْ نَعَسْ ... وأَدِرْ كأسك فالعيشُ خُلَسْ سُلَّ سيفُ الفجرِ من غمد الدجى ... وتعرَّى الصبحُ من قُمْصِ الغلس وبدا في حُلَلٍ فضيّةٍ ... نالها من ظلمةِ الليل دنس فاسقني من قهوةٍ مسكيَّةٍ ... في رياضٍ عنبرياتِ النفس

_ (1) قطب السرور: 629، والمختار منه: 390. (2) قطب السرور: 630 وديوانه: 80 ونهاية الأرب 1: 144 ومعاهد التنصيص 2: 154.

فراغ

الباب الرابع

الباب الرابع فى الهلال فى ظهوره وامتلاء ربعه ونصفه وكماله، والليلة المقمرة 189 - يقال: أهلنا بشهر كذا، ولا يقال هلَّ الشهر ولا أهل لكن أهلَّ الهلال واستهل، واستهلاله هو أن ينير كما يستهلّ الصبي فيعرف أحيّ هو أم ميت، قال حميد بن ثور (1) : إذا الشهرُ كان لنا موعداً ... نشاب إلى القابلِ المستهَل الهاء مفتوحة. ويقال: أهل الهلال نفسه إذا طلع، واهللنا نحن: رأيناه. 190 - ويقال لأول ليلة من الشهر: النحيرة، وقيل النحيرة آخر ليلة من الشهر لأنها تنحر الشهر الداخل؛ وغرة الشهر أول ليلة منه، سميت بذلك لأن الهلال يظهر فيها كالغرة في وجه الفرس، ويقال لآخر ليلة منه السرار لأن القمر يستسر فيها، أي ينكتم ويخفى، كما يخفى السر المكتوم، وهو محاق الشهر لأن الشهر ينمحق فيه ولا يبقى له أثر. 191 - الشيخ المصنف والتشبيه لمحمد بن أبي بكر الارموي: أما ترى مستهَلَّ الشهرِ حين بدا ... هلالُهُ والدجى تسطو غياهبُهُ كأنما الدَّجْنُ فيه والهلالُ معاً ... شيخٌ من الزنج قد شابتْ حواجبه

_ (1) ورد البيت في ديوانه: 128 (نقلاً عن نثار الأزهار) .

192 - وأنشد ثعلب (1) : كأنَّ ابن مُزْنَتِهَا جانحاً ... فُسَيْطٌ لدى الأُفقِ من خِنْصَرِ الفسيط: قلامة الظفر. أخذه ابن المعتز فقال (2) : وجاءني في قميص الليل مستتراً ... يستعجلُ الخطو من خوفٍ ومن حذرِ ولاح ضوءُ هلالٍ كاد يفضحنا ... مثلُ القُلامة قد قُصَّتْ من الظفر 193 - أبو العلاء المعري (3) : ولاح هلالٌ مثلُ نونٍ أَجادَها ... بجاري النُّضارِ الكاتبُ ابنُ هلالِ 194 - السري الموصلي (4) : وقد سَلَّتْ أَكفُّ الفطر جهراً ... على شهر الصيام سيوفَ باسِ ولاح لنا الهلالُ كشطرِ طَوْقٍ ... على لبَّاتِ زرقاءِ اللباس 195 - ابن المعتز (5) : كأنه إبنُ ليلتيه ... من سُهدِهِ الدائمِ القديمِ فخّ بوسطِ السماء ملقى ... ينتظرُ الصيدَ للنجوم 196 - وله أيضاً (6) : قم هاتها حمراءَ في مبيضَّةٍ ... كالجلّنارة في جنى نسرينِ أَوَما رأيتَ هلالَ شهرِكَ قد بدا ... في الأُفق مثلَ شَعِيْرَةِ السكّين

_ (1) ديوان المعاني 1: 339 والشريشي 1: 193 وتشبيهات ابن أبي عون: 13 والبيت لعمرو بن قميئة. (2) تشبيهات ابن أبي عون: 13 والشريشي 1: 192 والثاني في غرائب التنبيهات: 16 والصناعتين: 222 وحلبة الكميت: 275 والأوراق: 187 - 188 وحماسة ابن الشجري: 258 - 259 وديوان ابن المعتز 3: 50 وشطر الثاني في الذخيرة 1/1: 521. (3) شروح السقط: 1197 والذخيرة 1/1: 521. (4) ديوان الشري: 152 واليتيمة 2: 178. (5) لم يردا في ديوانه، والثاني منهما في غرائب التنبيهات: 21. (6) وردا في ديوان المعاني 1: 342 منسوبين للسري.

197 - سرقه كشاجم فقال (1) : أهلاً وسهلاً بالهلا ... ل بدا لعينِ المُبْصِرِ كَشَعيْرةٍ من فِضَةٍ ... قد رُكِّبَتْ في خنجر 198 - شاعر: سنانٌ لواه الطعنُ في سنِّ عاملِ ... 199 - أبو عاصم البصري فيه وفي الثريا والزهرة (2) : رأيتُ الهلالَ وقد حلَّقتْ (3) ... نجومُ الثريا لكي تلحقَهْ فشبهته وهو في إِثرها ... وبينهما الزهرةُ المشرقه بقوسٍ لرامٍ رأى طائراً ... فأرسلَ في إثرِهِ بُنْدُقَه 200 - ابن النبيه في الهلال (4) : انظرْ إلى حُسْنِ هلال بدا ... يُذْهِبُ من أَنواره الحندسا كمنجلٍ قد صيغ من عَسْجَدٍ ... يَحْصُدُ من شُهْبِ الدجى نرجسا 201 - الخالدي (5) : وهلالٍ يلوحُ في ساعدِ الغر ... بِ كدملوجِ فضةٍ أو سوار 202 - الطغرائي (6) : قوموا إلى لذاتكم يا نيامْ ... وأترعوا الكأسَ بصرف المدامْ هذا هلالُ الفطرِ قد جاءنا ... كمنجل (7) يصحدُ شهرَ الصيام 203 - الحصكفي (8) :

_ (1) ديوان كشاجم: 241 ومن غاب عنه المطرب: 57. (2) غرائب التنبيهات: 19 ونهاية الأرب 1: 54 ومعاهد التنصيص 2: 22. (3) النهاية والمعاهد: أحدقت. (4) هما لابن المعتز في ديوانه: 320 وحلبة الكميت: 296 والغيث 1: 28 ولم يرداً في ديوان ابن النبيه. (5) اليتيمة 2: 194. (6) ديوان الطغرائي: 119 والغيث 1: 28. (7) الديوان: بمنجل. (8) الخريدة (قسم الشام) 2: 487 والحصكفي هو ابو الفضل يحيى بن سلامة (انظر معجم الأدباء 20: 18 والمنتظم 10: 183 وابن خلكان 6: 207) .

تباشروا بهلال الفطرِ حين بدا ... وما أقام سوى أنْ لاح ثم غدا كالحِبِّ واعد وصلاً وهو محتجبٌ ... فحين بان تقاضوه فقال غدا 204 - شاعر (1) : قد جاء شهرُ السرورِ شوالُ ... وغال شهرَ الصيام مغتالُ أما رأيتَ الهلال يرمقه ... قومٌ لهم ان رأوه اهلال كأنه قَيْدُ فضةٍ حَرِجٌ ... فُضَّ عن الصائمين فاختالوا 205 - ابن وكيع في الهلال والجوزاء (2) : أما ترى الليلَ قد ولَّتْ عساكرُهُ ... وأقبلَ الصبحُ في جيشٍ له لجبِ وجدَّ في أَثَرِ الجوزاء يطلبها ... في الجوّ ركضَ هلالٍ دائم الطلب كصولجانِ لجينٍ في يدي ملكٍ ... أدناه من كرةٍ صيغتْ من الذهب 206 - أبو الفضل الميكالي (3) : أما ترى الزهرة قد لاحتْ لنا ... تحتَ هلالٍ نوره نور (4) اللهبْ ككرةٍ من فضّةٍ مجلوةٍ ... أوفى عليها صولجانٌ من ذهب 207 - ظافر الحداد (5) : أما رأيت هلالَ العيد حين بدا ... للعين منه بقايا جرم دائِرِهِ كحرف جامٍ من البلّورِ قابلهُ ... ضوءٌ وأخفى الدجى إشراق سائرِهِ أو درهمٍ فوق دينارٍ تَجَلَّلَهُ ... علواً (6) فضاق عن استيعابِ آخره 208 - الشريف العقيلي (7) : وذوي دلالٍ زارني ... من غير وعْدٍ يُرْتَقَبْ في ليلةٍ خلستها ... من بين أنيابِ النوب

_ (1) وردت في من غاب عنه المطرب: 57 منسوبة للسري الرفاء. (2) اليتيمة 1: 394 وديوانه: 40. (3) اليتيمة 4: 373 وزهر الآداب: 415. (4) اليتيمة: لونه يحكي. (5) ديوان ظافر: 136 وغرائب التنبيهات: 16. (6) غرائب: ستراً. (7) لم ترد في ديوانه.

كأنما هلالُها ... مِقْبَضُ ترسٍ من ذهب 209 - عبد المحسن الصوري (1) : فاسقينها ملأى فقد فضح الليل هلالٌ كأنه فتر زَنْدِ ... والثريا خَفَّاقةٌ بجناح ... الغرب تهوي كأنها رأسُ فهد في أوانِ الشبابِ عاجلني الشيبُ فهذا في أوّلِ الدنِّ درُدي ... 210 - العسكري (2) : وكأنَّ الهلالَ مرآةُ تبرٍ ... تنجلي كلَّ ليلة إصبعين 211 - أبو الفرج الوأواء (3) : وكأنَّ الهلالَ تحت الثريا ... ملكٌ فوقَ رأسِهِ إكليلُ 212 - السري الموصلي (4) : ضحكتْ أوجُهُ اللذادة بالقط ... ر ولاحتْ طوالعُ السرَّاءِ وكأنَّ الهلالَ نونُ لجينٍ ... عرِّقَتْ في صحيفةٍ زرقاء 213 - البحراني في الأمير يوسف بن بكتمر ينظر إلى الهلال: تقابلتما فاستجمع الحسنُ كُلُّهُ ... فمن نَظَرٍ يرنو ومن نظر يُغْضي هلالانِ هذا للظلام يُزيلُهُ ... سناهُ وهذا للمظالمِ في الأرضِ 214 - دخل عبد الله بن عمر بن غانم قاضي أفريقية على أميرها يزيد بن حاتم (5) ، فجرى بينهما كلام ذُكِرَ فيه هلال رمضان، فقال ابن غانم: أهللنا هلال رمضان فتشايرناه بالأيدي، فقال يزيد: لحنت يا ابن غانم إنما هو تشاورناه، فقال ابن غانم: تشاورنا من الشورى وتشايرنا من الاشارة بالأيدي، قال: ما هو

_ (1) اليتيمة 1: 325. (2) ديوان المعاني 1: 340 ومجموع شعره: 164. (3) ديوان الوأواء: 178. (4) ديوان السري: 12 - 13 والثاني في نهاية الأرب 1: 54. (5) ولي أفريقي في زمن أبي جعفر المنصور (أي عام 155 - 171) انظر ابن عذاري 1: 78 وما بعدها.

كذلك، قال: بيني وبينك أيها الأمير قتيبة النحوي (1) ، وكان إذ ذاك قَدِمَ على يزيد، وهو إمامُ الكوفة، فبعث إليه، وكان في قتيبة غفلة، فقال له يزيد: إذا رأيت (2) الهلال وأشرتَ إليه وأشار غيرك إليه كيف تقول؟ قال: أقول ربى وربك الله، فقال يزيد: ليس هذا أردنا، فقال ابن غانم: دعني أفهمه من طريق النحو، قال: فلا تلقنه إذاً، فقال له ابن غانم: إذا أَشرت وأشار غيرك وقلت تفاعلنا في الإشارة إليه كيف تقول؟ قال: تشايرنا، وأنشد لكثير عزة (3) : وقلتُ وفي الاحشاءِ داءٌ مخامرٌ ... ألاحبَّذا ياعزُّ ذاكَ التشايرُ قال يزيد: فأين أنت يا قتيبة من التشاور؟ قال: هيهات أيها الأمير، ليس هذا من عملك، هذا من الإشارة وذاك من الشورى، فضحك يزيد وعرف جفاءَ قتيبة فأعرض عنه واستحيى من ابن غانم. 215 - صعد الرشيد والاصمعي علية ينظران إلى هلال رمضان، فقال الأصمعي: يا أمير المؤمنين، ما معنى قول هند بنت عتبة (4) : نحنُ بناتِ طارقْ ... نمشي على النمارقْ فقال أصبت يا أصمعي، فقال: يقول أمير المؤمنين، فقال: الطارق الكوكب، تقول نحن في الأرض مثل ذلك الكوكب الذي في السماء، قال: أصبت يا أمير المؤمنين، فأمر له بعشرة آلاف درهم. 216 - القاضي أبو عبد الله محمد بن النعمان (5) : انظرْ إلى حُسْنِ ذا الهلالِ وقد ... مضى لسبع مَضَيْنَ من عُمُرِهْ مثل زنادٍ قد صيغ من ذهبٍ ... يقدح ناراً وهنَّ من شروره ثم تولَّى يريدُ مغربه ... في شَفَقِ الشمس وهي في أَثَره

_ (1) قتيبة بن مهران (أو مروان) النحوي كوفي أخذ عن الكسائي. انظر انباه الرواة 3: 37 والزبيدي: 135. (2) ص: رأينا. (3) ديوان كثير: 502 (عن نثار الأزهار) . (4) هو فيما يروى رجز رددته متمثلة يوم بدر. انظر مثلاً السيرة 3: 68. (5) اليتيمة 1: 402 وهذا القاضي هو ولد القاضي النعمان الذي عمل للفاطميين وألف لهم الكتب في الأحكام والتاريخ وغيرها؛ وولي محمد قضاء القضاة بعد أخيه علي سنة 374، وكانت وفاته سنة 389 (انظر حسن المحاضرة 2: 147) .

فخلته غائصاً ببحر دم ... يقذفُ بالرائعات من درره 217 - ابن المعتز (1) : أهلاً بفطرٍ قد أَنارَ هلالُهُ ... الآن فاغدُ على الشرابِ وبكّرِ وانظر إليه كزورق من فضة ... قد اثقلته حمولة من عنبر 218 - أبو عاصم البصري (2) : قارن الزهرة الهلالُ وكانا ... في افتراقِ من غير صدٍّ وهِجْرَه فإذا ما تقاربا قلتَ طَوْقٌ ... من لُجَيْنِ قد عُلِّقَتْ فيه دُرَّه 219 - شاعر من أفريقيه: كأنما النجم قرطٌ صيغ من ورقٍ ... معلق من هلال الأفق في أذنِ 220 - ابن الرومي: وكأن الهلالَ نصفُ سوارٍ ... والثريا كفٌّ تشيرُ إليه 221 - ولم يقلْ أحد في امتلاء نصفه كما قال ابن المعتز، وهو من نادر التشبيهات الملوكية (3) : ما ذقتُ طعمَ النوم لو تدري ... (4) لأن احشائي على جَمْر في قمرٍ مُسْتَرَقٍ نصفُهُ ... كأنه مِحْرَقَةُ (5) العطر 222 - وللقمر من أول ظهوره إلى آخر سراره أسماء الهلال والطالع والرمد ونمير والزبرقان والباهر والزمهرير والغاسق وطويس (6) وأويس وزرين وذخير والبدر والجلم وعفراء والساهور والسهر والعقيب وابن جمير وقيل ان ابن جمير اسمه إذا استسر، والسلتي، وهو اسمه باليونانية وقد نكلموا به، والقمر وسمير.

_ (1) ديوان ابن المعتز: 313، 4: 98 والأوراق: 261 والشريشي 1: 192 وديوان المغاني 1: 340 وتشبيهات ابن أبي عون: 12 ومن غاب عنه المطرب: 57 وغرائب التنبيهات: 21 والثاني في نهاية الأرب 1: 53 والذخيرة 1/ 2: 50. (2) اليتيمة 2: 369 وحلبة الكميت: 296. (3) ديوان ابن المعتز 317، 4: 91 والأوراق: 262 وديوان المعاني 1: 342 وتشبيهات ابن أبي عون: 12. (4) الديوان: كأن جنبي على الجمر. (5) الديوان (4: 91) : مجرفة. (6) اللسان: طوس.

223 - وقيل في تسميته بدراً قولان: أحدهما أنه اشتق له من كونه يبدر بطلوعه غيبوبة الشمس، وقيل سمي بدراً لكماله وتمامه، وذلك يكون في أربع عشرة ليلة من الشهر، كما قالوا بدرة إذا بلغ المال نهاية العدد من الفضة، وهي عشرة الآف ووزنها من الدنانير؛ وقيل في تسميته أيضاً قمراً قولان: أحدهما أنه اشتق له ذلك من القمرة، وهو بياض تعلوه كُدْرَةٌ، وقيل لأنه يقمر النجوم ضياءها، لأنها لا تُرى في ظهوره وانارته كما ترى في مغيبه ونقصانه، ومن ذلك أخذت العرب القمار لأن لاعبه يتغير فمرة له ومرة عليه. 224 - والفخت: ضوء القمر أول ما يظهر وبه سميت الفاختة لشبه لونها بذلك. 225 - والعرب تسمي الشمس والقمر القمرين، فيغلبون القمر - والشمس أفضل منه - لعلّتين: احداهما التذكير والأخرى انهم أنسوا بالقمر لأنهم يجلسون فيه للسمر، ويهديهم السبل في سرى الليل في السفر، ويزيل عنهم وحشة الغاسق، وينم على المؤذي والطارق؛ وذلك كما قالوا في دولتي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإنهم قالوا: دولتا العمرين فغلبوا اسم عمر رضي الله عنه، وإن كان أبو بكر رضي الله عنه أفصل، والسبب في ذلك طول مدة دولة عمر رضي الله عنه، وكثرة الفتوحات فيها وما تمهد فيها من قواعد الاسلام. 226 - وقيل لأعرابي (1) الشمس أحسن أم القمر؟ فقال: القمر أحسن، والشمس أجهر، قيل: وكيف صار القمر أحسن، قال لأن العيون عليه أجسر. 227 - وتقول العرب (2) في ليالى القمر: سافروا في يمنة الليالي فإن انس القمر يذهب وحشة السفر. 228 - ونام اعرابي (3) عن جمله ففقده فلما طلع القمر وجده فرفع رأسه

_ (1) محاضرات الراغب: (2: 241) . (2) محاضرات الراغب (2: 241) . (3) انظر القصة في الغيث المسجم 2: 156 وشبهها في محاضرات الراغب (2: 241) ومن غاب عنه المطرب: 59 وربيع الأبرار، الورقة: 11/أ.

إلى السماء وقال: اشهد أنك أعليته، وجعلت السماء بيته، ثم نظر إلى القمر وقال: ان الله صورك ونورك، وعلى البروج دورك، وإذا أراد كورك، وإن أهديت إلى قلبى سروراً، لقد أهدى الله إليك نوراً. 229 - وأضلَّ أعرابي ناقته فطلبها أول الليل فلم يجدها، فلما طلع القمر رآها إلى جنب ربوة، فرفع رأسه إلى القمر وأنشد (1) : ماذا أقول وقولي فيك ذو (2) حَصَرٍ ... وقد كفيتني التفصيلَ والجملا إنْ قلتُ لا زلتَ مرفوعاً (3) فأنت كذا ... أو قلتُ زانكَ ربّي فهو قد فعلا 230 - والعرب تسمي كل ثلاث ليال من الشهر باسم فيقولون: ثلاث غرر، وثلاث نفل، وثلاث تسع، وثلاث عشر، وثلاث بيض، وثلاث درع، وثلاث ظلم، وثلاث حنادس، وثلاث دآدي، وثلاث محاق. والعرب تسمي كل ليلة من لياليه باسم. 231 - شاعر في ليلة مقمرة: وليلةٍ فضيةِ الأديم ... شعارها أردية النعيمِ صدعتُ فيها كبدَ الهمومِ ... بين رضابَيْ قهوةٍ وريم 232 - شاعر: شربنا على النيلِ في ليلةٍ ... بدائعُ أنوارها مُعْجِبَهْ مفضّضةَ اللونِ من قهوة ... مذهبة للأَسى مُذْهِبَه وقد أشرق البدرُ في شرقه ... وغرَّبَ لما أتى مغربه وقد صاغ إذ ذاك من نوره ... على الليل منطقةً مذهبة 233 - الموسوي (4) : يا مَنْ كَغُرَّتِهِ الهلالُ أما ترى ... بدو الهلال وقد بدا في المشرقِ كظريفةٍ نظرتْ إلى عشاقها ... فتنقبتْ خجلاً بكمٍّ أزرق

_ (1) اللطائف والظرائف: 90. (2) اللطائف: ذو خطل. (3) اللطائف: علوياً. (4) غرائب التنبيهات: 23 وينسب لابن الرومي، ومحاضرات الراغب (2: 241) للموسوي؛ وفي ص: السوسي.

234 - شاعر: وَمُقَرْطَقٍ يسعى إلى الندماءِ ... بعقيقةٍ في دُرَّةٍ بيضاءِ والبدرُ في أفق السماءِ كدرهم ... مُلْقىً على ديباجةٍ زرقاء 235 - عبد الله الموصلي الكاتب: كشف البدرُ وجهه لتمامٍ ... فوجوهُ النجومِ مستتراتُ فكأنَّ البدرَ التمامَ عروسٌ ... وكأن النجومَ منتقبات 236 - آخر (1) : والبدر في المرآة كاللالآءِ ... حَسَرَ الدجى أَذيالهُ عن ذَيلِهِ كأنه في كبد السماء ... حديقةٌ فيها غديرُ ماء 237 - ابن المعتز (2) : قمرٌ بدا لك مشرقاً في ليله ... حَسَرَ الدجى أَذيالهُ عن ذَيلِهِ خُلِعَتْ على الآفاق من أنواره ... خِلَعَ البياضِ فأَومضت في ليله وإذا تقدَّمَ في النجوم حسبتَهُ ... ملكاً تسير مواكبٌ من حوله 238 - السلامي (3) : َنبَّهْتُ نَدْماني وقد ... عَبَرَتْ بنا الشِّعْرى العبورُ والبدرُ في أفق السما ... ءِ كروضةٍ فيها غدير 239 - الوأواء الدمشقي (4) : ولربِّ ليلٍ فيك ضلَّ صباحُهُ ... فكأنما هو حيرةُ المتفكّرِ والبدرُ أولُ ما بدا متلثماً ... يبدي الضياء لنا بخدٍّ مسفر فكأنما هو خوذةٌ من فضَّةٍ ... قد ركِّبت في هامةٍ من عنبر 240 - الشريف ابن دفتر خوان:

_ (1) هما لابن بابك في اليتيمة 4: 392 وغرائب التنبيهات: 25. (2) لم يرد هذا الشعر في ديوانه. (3) اليتيمة 2: 416. (4) اليتيمة 1: 292 ومن غاب عنه المطرب: 33 والديوان: 107.

أقولُ لذا القمرِ الأَسحم ال ... مشفِّ من الشمس يمتارُ نورا سوادُكَ من حيثُ تمسي هلالاً ... إلى حيث تكملُ بدراً منيراً نقابٌ لتركيةٍ أسودٌ ... تنزّلُ منه يسيراً يسيرا 241 - الشريف العقيلي (1) : لا تسمعنَّ إلى العذولِ وسقّني ... مشمولةً من خمرة الباذينجِ أو ما ترى زُهْرَ النجوم كجوهرٍ ... نثرته غانيةٌ على فيروزج والبدرُ في (2) كبدِ السماءِ كوردةٍ ... بيضاءَ تضحكُ في رياضِ بنفسج 242 - وله أيضاً (3) : شربنا على ثوبِ السماء المنيّر ... عُقاراً لها في الكأس أَبهجُ مَنْظَرِ وقد برز البدرُ المنيرُ ووجهُهُ ... كجامِ لجينٍ فيه آثار عنبر 243 - ابن المعتز في البدر مع الشمس (4) : يا ليلةً ما كان أَط ... يبها سوى قِصَرِ البقاء أَحْيَيْتُهَا وأَمَتُّها ... وطويْتُها طيَّ الرداء حتى رأيتُ الشمسَ تت ... لو البدر في أُفُقِ السماء فكأنها وكأنه ... قَدَحان من خمرٍ وماءِ 244 - سهل بن المرزبان (5) : كم ليلةٍ أحييتها ومؤانسي ... طرف الحديث وطيبُ حثِّ الأكؤسِ شبهتُ بدر سمائها لما دنتْ ... (6) منه الثريا في ملاءة سندسِ ملكاً مهيباً قاعداً في روضةٍ ... حيَّاهُ بعضُ الزائرينَ بنرجس 245 - ابن المعتز (7) :

_ (1) ديوان العقيلي: 90. (2) الديوان: أفق. (3) لم ترد هذه المقطوعة فيديوانه. (4) ديوان ابن المعتز 4: 50 ومن غاب عنه المطرب: 51 ونهاية الأرب 1: 141. (5) اليتيمة 4: 392 ومعاهد التنصيص 2: 18 ومن غاب عنه المطرب: 58. (6) ص: ملاءة نرجس، اليتيمة والمعاهد: قنيص سندسي. (7) ديوان ابن المعتز 254، 3: 123 والأوراق: 206 - 207 ومن غاب عنه المطرب: 60.

يا خليليَّ اسقياني ... قهوةً ذاتَ حميا ان يكنْ رشداً فرشدا ... أو يكنْ غيّاً فغيا قد تولَّى الليل عنَّا ... وطواهُ الصبحُ (1) طيا وكأن (2) البدر لما ... لاحَ من تحت الثريا ملكٌ أقبلَ في التا ... جِ (3) يفدَّى ويحيا 246 - الشريف الموسوي في القمر تحت الشعاع: خُذْ صفاتِ البدر المنير إذا ما ... قارنَ الشمسَ في احتراقٍ وَشَيْنٍ صار تحت الشعاع سراً ففيه الن ... ور منها في عَرْضِ أنملتين مثلَ ياقوتةٍ بكفِّ فتاةٍ ... تحتها نصفُ حَلْقَةٍ من لجين 247 - نظر شرف الدين (4) ابن الوزير عون الدين ليلة إلى القمر يدخل تحت السحاب تارة وينكشف تارة، فقال لمن حضر من الادباء: ليقلْ كلّ منكم في ذلك شعراً، فقال الأديب مفلح: كأنما البدرُ حين يبدو ... لنا ويستحجبُ السَّحابا خريدةٌ من بني هلالٍ ... لاثتْ على وجهها نقابا وقال ابن عون الدين: إذا تطلع هذا البدر (5) من فرجٍ ... من السحاب وغارتْ حوله الشُّهُبُ تخاله في رقيقٍ (6) من ملاءته ... خرقاءَ تَسْفِرُ أحياناً وتنتقب وقال الأكرم من بني هبيرة: وكأنَّ هذا البدر حيث تظلّهُ ... سُحُبٌ فيخفى تارةً ويؤوبُ حسناءُ تبدو من خلالِ سجوفها ... طوراً وننطر نحوها فتغيب

_ (1) الديوان: الغرب. (2) الديوان: الصيح. (3) الديوان: تاج. (4) انظر القصيدة والشعر في الخريدة (قسم العراق) 1: 120 - 121 وبدائع البدائه: 243 - 244. (5) الخريدة: بدر التم. (6) الخريدة: من رثيث في.

248 - شرب عبد الملك (1) بن إدريس مع المنصور أبي عامر، والبدر يظهر تارة ويخفى بالسحاب تارة، فقال: أرى بدرَ السماء يلوح حيناً ... فيبدو ثم يلتحفُ السحابا وذاك لأنه لما تبدَّى ... وأبصرَ وجهك استحيا وغابا 249 - أبو طاهر إسماعيل بن عمر في غلام مليحٍ بارد الحركات: وممنّع كالظبي في الفلوات ... لكنه مُسْتَبْرَدُ الحركاتِ فكأنه قمرُ الشتاءِ وقد بدتْ ... أنوارُهُ في أبردِ الأوقات 250 - شاعر: هذا هلالُ الأُفقِ يشرقُ ضاحكاً ... يحكيكَ في نور وحُسْنِ بهاءِ فكأنه طوقٌ من الذهب ابتدا ... في جيدِ لابسٍ حُلَّةٍ زرقاء 251 - سعيد المرزباني في محاق القمر: والبدر في كبدِ السماء قد انطوى ... طرفاه حتى عاد مثلَ الزورق تشراه من تحت المحاق كأنما ... غرقَ الجميعُ وبعضه لم يغرق 252 - آخر في محاق الشهر (2) : لقد سرني أنَّ الهلالَ غُدَيَّةً ... بدا وهو محقورُ الخيالِ دقيقُ طواه مرورُ الشهرِ حتى كأنه ... عنانٌ لواه باليدين رفيق وإني بشهرِ الصومِ ما عشتُ شامتٌ ... وإنك يا شوالُ لي لصديقُ 253 - ابن الرومي (3) : شهرُ الصيام مباركٌ لكنَّه ... جُعلَتْ لنا بركاته في طُولِهِ إني ليعجبني كمالُ هلالِهِ ... وَأُسَرّ بعدَ كماله بنحوله

_ (1) انظر جذوة المقتبس: 262 والمطمح: 13 وبدائع البدائه: 349 والنفح 1: 588، 3: 260 ومعاهد التنصيص 3: 74. (2) نسب الشعر لأعرابي في ربيع الأبرار، الورقة: 13/ أ. (3) ديوانه 5: 2040.

254 - شاعر: اسقني الكاسَ يا نديمي فقد عا ... د بُعَيْدَ الصيام عهدُ الوصالِ ما رأينا الهلالَ حتى رأينا ... كلَّ شخص منا شبيهَ الهلال 255 - طلع الملك المعظم ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب إلى مئذنة جامع دمشق لرؤية هلال شوال، ومعه القاضي والعدول، فغابت الشمس ولم ير الهلال، ثم رآه مملوك كان حظياً عند الملك المعظم، فقال الملك المعظم لجبريل بن شكر المصري الشاعر المعروف بابن القصار، قل شيئا في ذلك، فقال: توارى هلالُ الأُفْقِ عن أعينِ الورى ... وغطَّى بستر الغيم زهواً محياه فلما أتاة لاجتلاءٍ خليلُهُ ... تبدَّى له دونَ الأنامِ وحياه 256 - شاعر: تجلَّى علينا هلالُ الصيام ... بنحسٍ على الكاس والبربطِ وكان نشيطاً فلما رآ ... هـ هم بهمٍّ فلم ينشط فأعرضَ عنه كما أعرَضتْ ... فتاةٌ عن الحاجب الأشمط 257 - أبو سعد ابن نصير في خسوف القمر: كأنما البدر به الكسوف ... جامُ لجينٍ أبيضٌ نظيفُ في نصفه بنفسجٌ قطيف (1) ... 258 - آخر: انظر إلى البدر في حال الكسوفِ بدا ... مستسلماً لقضاءِ الله والقَدَرِ كأنه وجهُ معشوقٍ أدلَّ على ... عشاقه فابتلاه الله بالشعر 259 - آخر (2) : والبدرُ كالمرآةِ غيَّرَ صَقْلَها ... عَبَثُ العذارى فيه بالأنفاس والليلُ ملتبسٌ بضوءِ صباحه ... مثلَ التباسِ النقْسِ بالقرطاس 260 - والعرب تقول في ذم الهلال إذا رأته: لا مرحباً بحجين، مُحِلّ الدَّيْنِ،

_ (1) ص: نظئيف. (2) هو أبو حفص بن برد الأصغر، انظر الذخيرة 1/ 1: 520 وحلبة الكميت: 300.

ومقرّبِ الحين. قالوا: وفي القمر عيوب عدة، لونه لون الابرص، ووجهه وجه المجذوم، يحلّ الدين ويعجل كراء السكن، وينهك الابدان، ويخلق الكتان، وينمُّ على العاشق، ويفضح السارق. 261 - ابن المعتز (1) : يا سارقَ الأنوارِ من شمس الضحى ... يا مُثكلِي طيبَ الكرى ومنغّصي أمّا ضياءُ الشمس فيك فناقصٌ ... وأرى حرارةَ حرِّها لم تنقص لم يظفر التشبيهُ منك بطائل ... متسلخ بَهَقاً كجلدِ الابرص 262 - على بن سعيد: لَبَذْلُ وجهي إلى لئيمٍ ... أَمَرُّ من وقفةِ الوداعِ فالبدرُ في وجههِ كدوحٌ ... حين اجتدى الشمسَ في الشعاع 263 - ابن إلرومي (2) : ربِّ عِرضَ مُنزَّهٍ عن قبيحٍ ... دنَّسَتْهُ تعرُّضاتُ الهجاءِ لو أراد الأديبُ أن يَهْجُوَ البدرَ رماه بالخطّةِ الشنعاء ... قال يا بدرُ انت تغدرُ بالساري وتغري (3) بزورةِ الحسناء ... كلفٌ في اديمِ (4) وجهك يحكي ... نَمَشاً (5) فوقَ وجنةٍ برصاء يعتريك النقصانُ (6) ثم يخلّيكَ شبيه القُلامةِ الحنفاء (7) ... ويليك السرار (8) في آخر الشهر فيمحوك من أديمِ السماء ...

_ (1) ديوان ابن المعتز: 320، 4: 102 والأوراق: 263 والشريشي 2: 270 والغيث المسجم 2: 156 واللطائف والطرائف: 90. (2) ديوان ابن الرومي 1: 135 ونهاية الأرب 1: 56 والغيث المسجم 2: 155 - 156 ووردت في تتمة اليتيمة 1: 4 منسوبة لأبي محمد طاهر بن الحسين المخزومي البصري. (3) الديوان: وتزري. (4) الديوان والتتمة: شحوب. (5) الديوان: نكتاً. (6) الديوان: المحاق. (7) الديوان: الحجناء. (8) الديوان: النقصان.

إذا البدرُ نيلَ بالهجو فليخشَ أولو الفضل (1) ألسنَ الشعراء ... ما بقدر (2) المديح بل خيفةَ الهجوِ أَخذنا جوائزَ الخلفاء ... 264 - ابن طباطبا في ليلة مقمرة: وليلةٍ مثل يومٍ شَمْسُهَا قَمَرٌ ... بدت بدوَّ الضحى ظلاً وآلاءَ يا حُسْنَها ليلةً عاد النهار بها ... أنساً وطيباً وإشراقاً ولألاء

_ (1) الديوان: هل يأمن ذو الفضل. (2) الديوان: لا لأجل.

الباب الخامس

الباب الخامس في انشقاق الفجر ورقة نسيم السحر وتغريد الطير في الشجر وصياح الديك وإيذانه بالصباح 265 - الفجر أول ضوء تراه من الصباح ويقال له ابن ذكاء، وذكاء من أسماء الشمس؛ قال الراجز (1) : وردُتهُ قبلَ انبلاجِ الفجرِ ... وابنُ ذكاءٍ كامنٌ في كَفْرِ والكفر ما غطاه، يعني به الليل، والفجر مأخوذ من انفجار الماء، لأنه ينفجر كالماء شيئاً بعد شيء، وهما فجران: الأول منهما ذَنَبُ السرحان تشبيها له بذلك وهو الذي لا يحرم الطعام على الصائم، ويسمى الفجر الكاذب، لأنه يلوح ثم يخفى؛ والثاني هو الفجر الصادق وهو الذي يحرم الطعام على الصائم. 266 - والذي يلي الفجر من الليل هو السحر، يقال: أتيته بسحرٍ وبسحرة، وبالسحر الأعلى لآخر السحر، وسحيراً لأوله. 267 - والسدفة: ظلمة يخالطها ضوء يكون من أول الليل ومن آخره يذهب إلى بقايا الشفق، لأن الشفق في أول الليل كالفجر في آخره. 268 - ويقال انبلج الصبح انبلاجاً فهو أبلج، وتبلج يتبلج، وساح يسيح، وانساح ينساح انسياحاً، وانفسح ينفسح، وانصاح ينصاح انصياخاً، - كل ذلك إذا اتسع وانبسط - وتنفس يتنفس، وفي التزيل العزيز (والصبح إذا تنفّس) وصاح يصيح إذا علا وظهر؛ قال الفرزدق: والشيبُ ينهض في الشباب كأنه ... ليلٌ يصيح بجانبيه نهارُ

_ (1) الأنواء: 136 والحيوان 5: 130 واللسان (ذكا، كفر) .

لما علا وظهر شبهه بالصائح الذي دل على نفسه بصياحه. فإذا علا بعد ذلك بشيء فعرفت المارَّ وإن كان منك بعيداً قلت: أسفر الصبح. 269 - وفي التنزيل العزيز: (حتّى يَتَبيَّنَ لكم الخيطُ الأبيضُ من الخيطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفجر) والعرب تشبه رقة البياض البادي من الفجر أولاً ورقة السواد الحافّ به بخيطين أبيض وأسود على جهة الاستعارة والتمثيل. قال أبو دواد: فلما بَصُرْنَ به غُدْوَةً ... ولاح من الفجرِ خيطٌ أَنارا والكتاب العزيز نزل على ما تفهمه العرب في لغتها وتألفه في عرفها. ونزل " الخيطُ الأبيض من الخيط الأسود "، ولم يكن فيها " من الفجر " ومضى على ذلك عام. فجاء عدي بن حاتم (1) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني جعلتُ تحت وسادتي عقالين أبيض وأسود أعرف الليل والنهار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هو سواد الليل وبياض النهار. فاستدل الفقهاء بهذا القول على أن النهار من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وعلى ذلك العمل في الصوم والصلاة والإيمان وغير ذلك من جميع ما يناط به حكم شرعي. وأما على ظاهر اللغة فاختلف فيه. فروى أبو حنيفة الدينوري في " كتاب الأنواء " أن النهار محسوب من طلوع الشمس إلى غروبها، والليل من غروب الشمس إلى طلوعها، ولا يعد شيء قبل طلوعها من النهار ولا شيء فبل غروبها من الليل؛ وقال الزجاج في " كتاب الأنواء " أيضاً: أول النهار ذرورُ الشمس. ومن أهل اللغة من جعل وقت النهار من الإسفار إذا اتسع الضوء وانبسط وهو موافق لمن قال بالذرور. واعتبر في ذلك التسمية اللفظية وقال: النهار مأخوذ من اتساع الضوء واتضاح نوره، وأ نشد (2) : ملكتُ بها كفي فأَنْهَرتُ فَتْقَهَا ... يرى قائماً من دونها ماوراءَهَا والحكم عند عامة الفقهاء في النهار ما ورد في الحديث وهو: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وأما تحديد تبيين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر،

_ (1) صحيح مسلم 1: 301. (2) البيت لقيس بن الخطيم، انظر ديوانه: 8.

وهو الذي بسببه تجب الأعمال، فقد اختلف فيه ووقع العمل على أنه الفجر المعترض الآخذ في الأفق يمنة ويسرة. فبطلوع أوله في الأفق يجب الإمساك عن الأكل للصيام. لما خرجه مسلم في صحيحه (1) أنه صلى الله عليه وسلم قال: ليس الفجر الذي يقول هكذا وهكذا - وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض - ولكن الذي يقول هكذا - ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه. وروي عن أبن عباس وغيره أن الإمساك يجب بتبين الفجر في الطرق وعلى رؤوس الجبال. وعن علي عليه السلام أنه صلّى بالناس الصبح وقال: الآن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. وإنما قادهم إلى هذا القول أنهم يرون أن الصوم إنما هم في النهار، والنهار عندهم من طلوع الشمس، لأن آخره غروبها فكذلك أوله طلوعها؛ وذكر عن الخليل بن أحمد أن النهار من طلوع الفجر، واستدل بقوله (وأقم الصلاة طرفي النهار) وهذا من أهل اللغة موافق للحديث ومن أكل وهو يشكّ في طلوع الفجر فعليه عند مالك القضاء. 270 - ومما نقل من كتاب " ديوان المعاني " للعسكري (2) : من أجود ما قيل في الصباح، قال الأصمعي: نزلت بقوم من غنيّ قد جاوروا قبائل العرب من بني صعصعة. فحضرت ناديهم وشيخ طويل الصمت عالم بالشعر، يأتونه الناس من كل ناحية ينشدونه أشعارهم، فإذا سمع الشعر الجيد قرع الأرض بمحجنه فينفذ حكمه على من حضر منهم. بشاةٍ إن كان ذا غنم، أو ابنِ مخاض إن كان ذا إبل، فتذبح أو تنحر لأهل النادي، قال: فحضرته يوماً وأنشده بعضهم يصف ليلاً: كأنّ شميطَ الصبح في أخرياته ... ملاءٌ يُنَقَّى من طيالسةٍ خُضْرِ تخالُ بقاياه التي أَسْأَرَ الدجى ... تمدّ وشيعاً فوق أرديةِ الفجر فقام الشيخ كالمجنون مصلتاً سيفه حتى خالط البرك، فجعل يضرب يميناً وشمالاً ويقول: لا تفرغنْ في أذنيَّ بعدها ... ما يستفزّ فأريكَ فقدها إني إذا السيف تولى مدَّها ... لا أستطيع بعد ذاك ردَّها

_ (1) صحيح مسلم 1: 301 - 302. (2) ديوان المعاني 1: 354 - 355.

قال العسكري: وهذا دليل على أن علم الشعر وتمييز جيده من رديئه عزيز عند أهل البوادي، وهم أصوله ومعدنه، واستفزاز هذا الشعر لهذا الشيخ قريب مما روي عن الأمين: " إني لأطرب على جيّد الشعر كما أطرب على حسن الغناء ". 271 - قال (1) : ومن غريب ما قيل في الصبح قول ذي الرمة: وقد لاح للسّاري الذي كمَّل السُّرى ... على أُخرياتِ الليل فَتْقٌ مُشْهَّرُ كلونِ الحصانِ الأنبطِ البطنِ قائماً ... تمايل عنه الجُلُّ واللونُ أشقر الانبط: الأبيض البطن، شبه بياضَ الصبح تحت حمرته ببياض بطن الفرس الأشقر؛ اخذه ابن المعتز فقال (2) : وما راعنا إلا الصباحُ كأنَّهُ ... جلالُ قباطيٍ على فَرَسٍ وَرْدٍ (3) 272 - ولغيره (4) : بدا والصبحُ تحت الليلِ بادٍ ... كمهرٍ أشقرٍ مُرْخى الجلالِ 273 - ومن أغرب ما قيل فيه قول ابن المعتز (5) : وقد رفع الفجرُ الظلامَ كأنه ... ظليمٌ على بَيْضٍ تكشَّفَ جانبه 274 - وله (6) : قد أغتدي والليل في جلبابِهْ ... كالحبشيِّ فرَّ من أصحابه والصبحُ قد كشَّرَ عن أنيابه ... كأنما يضحكُ من ذهابه 275 - ولأبي هلال (7) :

_ (1) النقل مستمر عن العسكري 1: 355 - 358 وانظر تشبيهات ابن أبي عون: 14 - 15 ومحاضرات الراغب (2: 244) والشريشي 1: 173. (2) لم أجده في ديوانه، وهو في تشبيهات ابن أبي عون: 15. (3) التشبيهات: على سابح. (4) كذا عند العسكري، وهو عند ابن أبي عون: لابن المعتز. (5) انظر أيضاً ابن أبي عون: 17 ومحاضرات الراغب 4: 547 (2: 244) ولم يرد في ديوانه. (6) انظر أيضاً ديوانه: 289 وتشبيهات ابن أبي عون: 18 ومحاضرات الراغب 4: 547 (2: 244) . (7) مقطعات العسكري في ديوان المعاني 1: 356 وفي مجموع شعره: 100، 126، 125.

باكرتها والخيرُ في بكوري ... والصبحُ بالليلِ مَلُوثُ النور كما خَلَطْتَ المسكَ بالكافور ... 276 - وله: وقد باشر الليلُ النهارَ كأنه ... بقيةُ كحلٍ في حماليق أزرقِ 277 - وله: إلى أن طوينا الليلَ الا بقيةً ... يزلُّ ضياءُ الشمسِ عنها فيزلقُ وجلَّلَ وجهَ الشرق بُرْدٌ ممسَّكٌ ... وقابله للغرب بُرْدٌ مُمَشَّقُ فلاح لنا من مشرق الشمس مغربٌ ... وبان لنا من مغربِ الشمسِ مشرق ومدَّ علينا الليلُ ثوباً منمقاً ... وأشعلَ فيه الفجر فهو يحرق وصبَّحنا صبحٌ كأن ضياءَهُ ... تعلَّم منا كيف يَبْهى وَيُشْرِق 278 - ابن المعتز (1) : والليل قد رقَّ وأصغى نجمُهُ ... واستوفز الصبحُ ولما يَنْتَصِبْ معترضاً بفجره في ليله ... كفرسٍ دهماءَ بيضاء اللبب 279 - العلويّ الأصبهاني: إلى أن تجلّى الصبحُ من خلل الدجى ... كما انخرط السيفُ اليماني من الغمدِ 280 - ابن المعتز في النجم يبدو في حمرة الفجر (2) : قد أغتدي على الجياد الضمَّرِ ... والصبحُ قد أسفرَ أو لم يسفر حتى بدا في ثوبهِ المعصفر ... ونجمه مثلُ السراج الأزهر كأنه غُرَّةُ مُهْرٍ أشقر ... 281 - الشمردل بن شريك (3) :

_ (1) انظر أيضاً ديوانه: 16. (2) انظر أيضاً ديوانه: 294 وتشبيهات ابن أبي عون: 16. (3) انظر أيضاً تشبيهات ابن أبي عون: 17؛ والشمردل شاعر يربوعي إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وله ترجمة في الأغاني 13: 352 والشعر والشعراء: 593 والمؤتلف: 139 والسمط: 544 وقد جمع شعره الدكتور نوري حمودي القيسي (بغداد 1976) في القسم الثاني من (شعراء أمويون) والشطران في ذلك المجموع ص: 560.

ولاح ضوءُ الصبحِ فاستبينا ... كما رأيتَ المفرِقَ الدَّهينا 282 - التنوخي (1) : أسامرُهُ والليلُ أسودُ أزرقٌ ... إلى أن جلا الإصباحُ عن أشقرٍ وَرْدِ تبسَّمَ محمراً خلالَ سواده ... تَبَسُّمَ وردِ الخدِّ في الصُّدُغِ الجعد 283 - ابن المعتز في الشفق (2) : ساروا وقد خضعت شمس الأصيل لهم ... حتى توقد في جنح الدجى الشفق 284 - وله في الصبح (3) : والصبحُ يتلو المشتري فكأنَّهُ ... عريانُ يمشي في الدجى بسراجِ 285 - الصنوبري (4) : وليلةٍ كالرفْرَفِ المُعْلَم ... محفوفةِ الظلماءِ بالأنجمِ تعلَّقَ الفجرُ بأرجائها ... تعَلُّقَ الأشقرِ بالأدهم 286 - ابن المعتز (5) : لما تفرَّى أُفُقُ الضياءِ ... مثلَ ابتسامِ الشفةِ اللمياءِ 287 - التنوخي (6) : كأنَّ سوادَ الليلِ، والفجرُ ضاحكٌ ... يلوحُ ويخفى، أسودٌ يتبسَّمُ 288 - شاعر: والفجرُ في روض الدجى جَدْولٌ ... ساحَ ليسقي زَهَرَ الأنجمِ

_ (1) عن العسكري 1: 358. (2) انظر أيضاً ديوانه: 52. (3) انظر أيضاً محاضرات الراغب 4: 57 وتشبيهات ابن أبي عون: 15 والذخيرة 1/ 2: 518 وإلى هنا ينتهي النقل عن العسكري. (4) قطب السرور: 691 والذخيرة 2/1: 518 ونهاية الأرب 1: 145 وديوان الصنوبري: 487. (5) ديوان ابن المعتز: 287 وتشبيهات ابن أبي عون: 16. (6) اليتيمة 2: 337 وغرائب التنبيهات: 57.

289 - ابن بابك: كَمْ صَحِبنا الظلامَ وهو غلامٌ ... قد تبدَّى عذارُهُ المختَطُّ وسحبنا ذيولَهُ وكأنّ الصبح جَيْبٌ على الظلام يُعَطّ ... ادرعناه والثريَّا وشاحٌ ... وخلعنا سوادَهُ وهيَ قُرْطٌ 290 - السري الموصلي (1) : انظر إلى الليلِ كيف يَصْدَعُهُ ... رايةُ صبحٍ مبيضّةُ العَذَبِ كراهبٍ حنَّ للهوى طرباً ... فشقَّ جلبابَهُ من الطرب 291 - شاعر من أفريقية: وكأنما الصبح المطلُّ على الدجى ... ونجومُهُ المتأخراتُ تقوضا نهرٌ تعرَّضَ في السماء وحوله ... أشجارُ وردٍ قد تفتَّحَ أبيضا 292 - الأمير تميم (2) : شربنا على نَوْحِ المطوقةِ الورقِ ... وأرديهِ الروضِ المفوَّفَةِ البُلْقِ معتقةً أفنى الزمانُ وجودَهَا ... فجاءت كَفَوْتِ اللحظ أو رقَّةِ العشق كأنَّ السحابَ الغُرَّ أصبحنَ أكؤساً ... لنا وكأنَّ الراحَ فيها سنا البرق فبتنا نحثُّ الكاسَ (3) فينا وإننا ... لنشربها بالحثِّ صرفاً ونستسقي إلى أن رأيت النجم وهو مغرّبٌ ... وأقبلَ راياتُ الصباح من الشرق كأنَّ سوادَ الليلِ (4) والفجرُ طالعٌ ... بقيةُ لَطْخِ (5) الكحلِ في الأعينِ الزرق 293 - الأرَّجاني (6) : والليلُ سيف الفجرِ في فَرْقِهِ ... يقتلُهُ والديكُ ينعاهُ

_ (1) ديوان السري: 63 ومن غاب عنه المطرب: 60. (2) اليتيمة 1: 309 وديوان تميم: 296. (3) الديوان: حثاً. (4) الديوان: والصبح. (5) الديوان: بقايا مجال. (6) ديوان الأرجاني: 430.

294 - أبو العلاء المعري (1) : تخيَّلَتِ الصباحَ مَعينَ ماءٍ ... فما صَدَقتْ ولا كَذَبَ العيانُ فكاد الفجرُ تَشْرَبُهُ المطايا ... وَتُمْلأُ منه أَسقيةٌ شنَان 295 - ظافر الحداد (2) : وصبيحةٍ باكرتُها في فتيةٍ ... أَضحَوْا لكلِّ نفيسةٍ كالأنسِ والليلُ قد ولَّى بعبسةِ راحلٍ ... والصبحُ قد وافى ببشرِ مُعَرِّس والفجرُ قد أخفى النجومَ كأنه ... سيلٌ يفيضُ على حديقةِ نرجس 296 - شرف الدين التيفاشي المصنف: نَبِّهْ نديمَكَ إن الديكَ قد صخبا ... والليلُ قَوَّضَ من تخييمه الطُّنبا والفجرُ في كبدِ الليلِ السقيم حكى ... سرَّ المتيم عن أجفانه غلبا كأنه بظلام الليلِ ممتزجاً ... سمراءُ تفترُّ أبدتْ مبسماً شَنِبَا كأنما الفجرُ زندٌ قادحٌ شرراً ... في فحمة الليل لاقى الفحمَ والتهبا كأن أولَ فجرٍ فارسٌ حُمِلَتْ ... راياتُهُ البيضُ في إِثر الدجى فكبا كأن ثانيَ فجرٍ غرةٌ وضحتْ ... تسيلُ في وجهِ طِرْفٍ أدهمٍ وثبا 297 - أبو علي ابن رشيق (3) : كأنما الصبحُ الذي تَفَرَّى ... ضمَّ إلى الشرقِ النجومَ الزهرا فاختلطتْ فيه فصارتْ فجرا ... 298 - شاعر من العرب وأبدع فيه: فأَدْبَرَ الليلُ مشمطّاً ذوائبه ... وأقبلَ الصبح موشيًّا أكارعُهُ جعل ذوائب الليل شمطاً ممازجة الصبح، وجعل أكارع الصبح موشيّة من ممازجة الليل، وجعل أخذ الليل من آخره وهو المتصل بأول الصبح، وأخْذَ الصبح من مقادمه وهو المتصل بآخر الليل، وأصاب في التشبيه كأنه أومأ إلى الصبح فجعله كالثور

_ (1) شروح السقط: 181 - 182. (2) ديوانه: 168 والخريدة (قسم مصر) 2: 7 وغرائب التنبيهات: 55 - 56. (3) ديوان ابن رشيق: 76 ومنها شطران في الوافي 3: 265.

الوحشي، والثيران الوحشية كلها بيض وأكارعها خاضبة موشية. وهو معنى لم يقع لغيره. 299 - عبد الله بن محمد الازدي (1) : يا ربّ كاسِ مدامةٍ باكرتُهَا ... والصبحُ يرشحُ من جبينِ المشرقِ والليلُ يعثرُ بالكواكبِ كلّما ... طردته راياتُ الصباحِ المشرقِ 300 - ابن المعتز (2) : يا ربَّ ليلٍ سحرٌ كلُّهُ ... مفتضَحُ البدرِ عليلُ النسيمْ تلتقط الأنفاسُ بردَ النَّدى ... فيه فتهديه لحرِّ السموم أخذه من أبي تمام (3) : أيّامُنَا مصقولةٌ أطرافُهَا ... بكَ والليالي كلُّها أسحارُ 301 - ابن الرومي (4) : كأنَّ نسيمها أرجُ الخزامى ... ولاها بعد وسميٍّ وليُّ بقيةُ شمألٍ هبَّتْ بليلٍ ... لأفنانِ الغصونِ بها نجيّ إذا أنفاسها نسمتْ سُحَيْراً ... تنفَّسَ كالشجيِّ بها الخليّ 302 - شاعر: والفجرُ كالسيف الخفيّ الرونقِ ... أو بدءِ شيبٍ في سوادِ مَفْرِقِ والديكُ قد صاح بهذا (5) المشرق ... في سَدَفٍ مثلِ الرداءِ المخلق حتى بدا في ثوبه الممزَّق ... كالكسرويّ بارزاً في يلمق قاطع زِرَّيْ طوقِهِ المشقَّق ... أو ثمد من باردٍ مصفّق

_ (1) هو المعروف بالعطار أحد شعراء الانموذج قال ابن رشيق فيه: وكان له عند عبد الله بن حسن بمدينة طرابلس حال شريفة وجراية ووظيفة إلى أن نازعته نفسه إلى الوطن فتخلص على غرر (المسالك 11: 235) والبيتان في المسالك: 237. (2) زهر الآداب: 299 وديوانه: 249 وتشبيهات ابن أبي عون: 249 ومن غاب عنه المطرب: 22. (3) زهر الآداب: 300 وديوان أبي تمام 2: 181. (4) ديوان المعاني 2: 47 وتشبيهات ابن أبي عون: 248. (5) ص: به أشرق.

صافٍ شعاعيِّ السنا معتق (1) ... في قريات بابلٍ أو جلق 303 - شاعر من أفريقية: وكم ليلةٍ هانتْ عليَّ ذنوبها ... بما بات يرويني من الريقِ والخمرِ أقبّلُ منه الوردَ في غير حينه ... وألثمُ بدرَ التمِّ في غَيْبَةِ البدر إلى أن بدا نورُ التبلّجِ في الدجى ... كنورِ جبينٍ لاح في ظلمة الشعر 304 - ابن الرومي (2) : حيَّتك عنا شمالٌ طاف رَيّقُها ... بجنةٍ فَحَوَتْ رَوْحاً وريحانا هبَّتْ سُحَيراً فناجى الغصنُ صاحبهُ ... سرّاً بها وتداعى الطيرُ إعلانا ورقٌ تغني على غُصْنٍ تهدِّلهُ ... يسمو بها وتمسُّ الأرضَ أحيانا تخال طائرها نشوانَ من طربٍ ... والغصنَ من هزّهِ عِطْفَيْهِ سكرانا 305 - شاعر: جنَّةٌ من قَرْقَفٍ جَدْوَلُهَا ... وهديرُ الوُرْقِ منها في ارتفاعِ لا تلمْ أغصانها إن سكرتْ ... فهي ما بين شرابٍ وسماع 306 - آخر: زارنا سحرةً نسيمٌ عليلٌ ... مبطئُ الخطوِ طيِّبُ الأنفاسِ فكأن السرى على البعدِ أعيا ... هُ وفي جفنه بقايا النعاس ثملٌ من سلافةِ الطلِّ في الزهر وناهيك حُسْنُها من كاس ... 307 - ابن الرومي (3) : وأنفاسٍ كأنفاسِ الخزامى ... قُبَيْلَ الصبحَ بلَّلها السماءُ تنفّسَ نشرها سحراً فجاءتْ ... به سحرية المسرى رُخَاء

_ (1) ص: المعتق. (2) ديوان المعاني 2: 47 وتشبيهات ابن أبي عون: 249 ووردت في الشريشي 4، 167 منسوبة للبحتري. (3) ديوان ابن الرومي 1: 101 ونهاية الأدب 2: 226.

308 - وفي الخبر أنه صلى الله عليه وسلم كان يعجبه أن ينظر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر؛ وفي حديث آخر: كان يعجبه النظر إلى الأترجّ وإلى الحمام والطير. والطير جماعة مؤنثة واحدها طائر. وجمع الطائر أطيار وطيور، وقيل جمع الطائر طوائر كفارس وفوارس. وجاء تذكير الطير وهو قليل والتأنيث أكثر وأفصح، وجاء في التنزيل العزيز (والطير محشورة) (والطير صافات) وأما في التذكير فعلى قول الشاعر (1) : لقد تركت فؤداك مستجنا ... مطوقةٌ على فَنَنٍ تغنَّى يميل بها ويرفعها بلحنٍ ... إذا ما عنّض للمحزون أنّا فلا يحزنكَ أيامٌ تولَّى ... تذكُّرها ولا طيرٌ أَرَنَّا 309 - وكلُّ طائر يهدل ويرجّع، كالقمري والفاختة والورشان واليمامة واليعقوب وما أشبه ذلك، فالعرب تسميه حماماً، والحمام عند العرب القماري والدباسي، وهي التي يصفون بكاءها في بلادهم. والفاختة جنس من القماريّ إلا أنه هجين لا عتق له. 310 - جهم بن خلف (2) : تذكرتُ ليلى إذ رميتُ حمامةً ... وأنَّى بليلى والفؤادُ قريحُ يمانية أمستْ بنجرانَ دارها ... وانت عراقيٌّ هواكَ نزوح فإن سجعتْ ورقاءُ في رونق الضحى ... على الأيكِ حمّاءُ العلاطِ صدوح مطوقةٌ طوقاً من الريش لا ترى ... لنائحه طوقاً سواه يبوح وأسْعَدْنَها بالنَّوْحِ من كلِّ جانبٍ ... صواحبُ في أعلى الأراكِ تصيحُ فهيَّجن صبًّا بالعراق مروعاً ... بصوتٍ يُعِلُّ القلبَ وهو صحيحُ وكدتُ من الشوق المبرح إذ بكتْ ... بأسرارِ ليلى في الفؤاد أبوح

_ (1) الشريشي 4: 166 لسويد بن الأعلم. (2) البيتان الأولان من قصدية طويلة نسبت في حماسة الخالديين 2: 316 ليزيد ابن الطثرية؛ وجهم بن خلف أعرابي علامة بالغريب والشعر كان في عصر الأصمعي وخلف الأحمر وأكثر شعره في وصف الطيور والحشرات (معجم الأدباء 7: 211) .

311 - عدي بن الرقاع (1) : ومما شجاني أنني كنت نائماً ... أُعَلَّلُ من فرطِ الجوى بالتبسمِ إلى أن بكتْ ورقاءُ في رونق الضحى ... تردّد مبكاها بحسنِ الترنم فلو قبل مبكاها بكيتُ صبابةً ... لسعدي شفيتُ النفسَ قبل التندم ولكنْ بكتْ قبلي فهيحَ لي البكا ... بكاها فقلتُ الفضلُ للمتقدم هذه رواية أهل المغرب، ورواية أهل المشرق هي قول الشاعر: وقد كدت يوم الحزن لما ترنمت ... هتوف الضحى محزونةٌ بالترنّم أموت لمبكاها أسىً ان لوعتي ... ووجدي لسعدي قاتلٌ لي فاعلم ولو قبل مبكاها بكيتُ صبابةً ... البيتان........................... 312 - ذكر أن مجنون بني عامر نام تحت شجرة فغرد طائر فانتبه فقال (2) : لقد هتفتْ في جُنْحِ ليلٍ حمامةٌ ... على فَنَنٍ تدعو وإني لنائمُ فقلتُ اعتذاراً عند ذاك وانني ... لنفسي فيما قد رأيتُ للائم أأزعم أني عاشقٌ ذو صبابةٍ ... بليلي ولا أبكي وتبكي البهائم كذبتُ وبيتِ الله لو كنتُ عاشقاً ... لما سبقتني بالبكاء الحمائم 313 - شقيق بن سليك (3) : ولم أبكِ حتى هيجتني حمامةٌ ... تَغَنِّي الحمامِ الورقِ فاستخرجتْ وجدي وقد هيجت مني حمامةُ أيكةٍ ... من الوجد شوقاً كنت أكتمه جهدي تنادي هديلاً فوق أخضرَ ناعمٍ ... لوقتِ ربيع باكرٍ في ثرىً جَعْدِ فقلت تعاليْ نبكِ من ذكر ما خلا ... ونذكرُ منه ما نسِرّ وما نبدي فإن تسعديني نبكِ دمعتنا معاً ... وإلا فإني سوف أسفحها وحدي

_ (1) الزهرة: 245 مع اختلاف في الرواية. (2) الزهرة: 239 والحماسة البصرية 2: 152 وفي الشريشي 1: 38 - 39 بيتان منها منسوبان لنصيب. (3) الزهرة: 239 والحماسة البصرية 2: 152.

314 - قال أئمة النظم والنثر: هذا كله في باب المحبة ناقص، وأنقص منه قول جحدر الفقعسي (1) : وكنتُ قد اندملتُ فهاج شوقي ... بكاءُ حمامتين تَجَاوبانِ تجاوبتا بلحنٍ أعجميّ ... على غصنين من غَرَبٍ وبان فكان البانُ أنْ بانت سليمى ... وفي الغَرَب اغترابٌ غير داني 315 - قالوا: فإذا سلا عمن يهواه ولم يبق في قلبه أثر من حبه يكون نوح الحمام أقوى سبب في رد قلبه إلى أحبابه، ولكن الذي قاله أبو صخر الهذلي قول لا يعاب قائله ولا من انتخبه وهو (2) : وليس المعنَّى بالذي لا يهيجه ... على الشوقِ إلا الهاتفاتُ السواجعُ ولا بالذي إن صدَّ يوماً خليله ... يقولُ ويبدي الصبرَ إني لجازع ولكنه سُقْمُ الجوى ومطاله ... وموتُ الجفا ثم الشؤون الدوامع رشاشاً وتهتاناً ووبلاً وديمةً ... كذلك يبدي ما تجنُّ الاضالع 316 - آخر (3) : ألا يا حماماتِ اللوى عُدْنَ عودةً ... فانّي إلى أصواتكنَّ حزينُ فَعُدْنَ فلما عدن كِدْنَ يمتنني ... وكدتُ بأسراري لهنَّ أُبين فلم ترَ عيني مثلَهُنَّ حمائماً ... بكين ولم تدمعْ لهنّ عيون 317 - آخر (4) : يا طائرين على غُصْنٍ أنا لكما ... من أنصحِ الناسِ لا أَبغي به ثمنا طِيرا إذا طرتما زوجاً فكأنما ... لا تعدمان إذا أفردتما حزنا هذا أنا لا على غيري أدلكما ... فارقتُ إِلفي فما إِنْ أعرِفُ الوسنا

_ (1) الزهرة: 240 ورفع الحجب 2: 48، 1: 50 وتهذيب ابن عساكر 4: 36 والخزانة 4: 483 ومعجم البلدان (حجر) والذخيرة 4/ 2: 534 - 535. (2) الزهرة: 240. (3) الزهرة: 240. (4) الزهرة: 241.

318 - الهذلي (1) : ألا يا حمام الأيكِ إلفكَ حاضرٌ ... وغُصْنُكِ ميادٌ ففيمَ تنوحُ أفِقْ لا تنحْ من غيرِ شيءٍ فإنني ... بكيتُ زماناً والفؤادُ صحيح ولوعاً فشطت غربةً دارُ زينبٍ ... فها أنا أبكي والفؤادُ قريح 319 - آخر (2) : دعاني الهوى والشوقُ لما تَرَنَّمَتْ ... على الأيكِ من بينِ الغصونِ طروبُ تجاوبها ورقٌ أُرِعْنَ لصوتها ... فكلٌّ لكلٍّ مُسْعِدٌ ومجيبُ ألا يا حمامَ الأيكِ مالكَ باكياً ... أَفارقْتَ إلفاً أم جفاكَ حبيب 320 - آخر (3) : أُلامُ على فيضِ الدموع وانني ... بفيضِ الدموع الجارياتِ جديرُ أيبكي حمامُ الأيْكِ من فَقْد إلفه ... وأحبسُ دمعي، إنني لصبور 321 - آخر (4) : لقد هيَّجَتْ شوقاً وما كنتُ سالياً ... وما كنتُ لو رمتُ اصطباراً لأصبرا حمائمُ وادٍ هِجْنَ من بعدِ هجعةٍ ... حمائم ورقاً مسعداً أو معذرا كأن حمامَ الواديين ودومةٍ ... نوائحُ قامتْ في دجى الليل حُسّرا محلاّة طوقٍ ليس يُخْشَى انفصامُهُ ... إذا همَّ أن يبلى تبدَّلَ آخرا دعتْ فوق ساقٍ دعوةً لو تناولتْ ... بها صخرَ أعلى يذبلِ لتحدَّرا 322 - قال مصنف " كتاب الزهرة ": هذه الأبيات من نفيس الكلام، ألا ترى إلى احترازه من أن يتوهم أن الحمام أعاد له الشوق بعد سلوته؟! ولقد أحسن القائل (5) :

_ (1) الزهرة: 241 والحماسة البصرية 2: 153 ويبدو أن الأبيات لأبي كبير الهذلي وأن عوف بن محلم عارضها وأدخل البيت الأول منها في قصيدته. انظر طبقات ابن المعتز: 186 - 187 والفقرة رقم: 338 في ما يلي. (2) الزهرة: 241. (3) الزهرة: 241 وحماسة ابن الشجري: 173. (4) الزهرة: 244 ومنها أبيات لعكرمة بن مخاشن البلوي في حماسة الخالديين 2: 320. (5) الزهرة: 245 ونهاية الأرب 10: 265.

وقبليَ أبكى كلَّ من كان ذا هوى ... هتوفُ البواكي والديار البلاقعُ وهنّ على الأطلال (1) من كل جانب ... نوائحُ ما تخضلُّ منها المدامع مزبرجةُ الأعناقِ نُمْرٌ ظهورُهَا ... مخطَّمَةٌ بالدرِّ خضرٌ روائعُ ومن قطع الياقوت صيغتْ عيونها ... خواضبُ بالحنّاء منها الأصابع 323 - قال عبد الله محمد بن المكرم مختار هذا الكتاب عفا الله عنه: ولقد عمل محيي الدين عبد الله بن الشيخ رشيد الدين عبد الظاهر كاتب الإنشاء (2) بعد موت هذا المصنف في هذا المعنى شيئاً ظريفاً اخترتُ إيراده هنا وهو (3) : نسب الناسُ للحمامة شجواً ... وأَراها في الشجو ليستْ هنالكْ خضبتْ كفَّها وكحَّلتِ العَيْنَ ... وغنتْ وما الحزينُ كذلك 324 - حميد بن ثور (4) : وما هاج هذا الشوق إلا حمامةٌ ... دَعَتْ ساقَ حرٍّ ترحةً وترنّما بكتْ شجوَ ثكلى قد أُصيبَ حميمها ... مخافةَ بينٍ يترك الحبلَ أجْذَما فلم أرَ مثلي شاقه صوتُ مثلها ... ولا عربياً ساقه صوتُ أعجما 325 - آخر (5) : رويدك يا قمريُّ لستَ بمضمرٍ ... من الشوق إلا دونَ ما أنا مضمرُ ليكفِكَ أن القلبَ منذ تنكرتْ ... أُمامةُ عن معروفها متنكر سقى الله أياماً خَلَتْ لأُمامةٍ ... فلم يبقَ إلا عهدها والتذكر لئن كانتِ الدنيا أتتْ باساءَةٍ ... لما أَحْسَنَتْ في سالفِ الدَّهرِ أكثر 326 - المنازي البندنيجي الشاعر، وبندنيج قصر بالرافقان بين بغداد وحلوان، وقد اجتاز بسوق باب الطاق ببغداد حيث يباع الطير، فسمع حمامة تلحن في قفص، فاشتراها وأرسلها وقال (6) :

_ (1) ص: الاخلال. (2) توفي محيي الدين بن عبد الظاهر سنة 692 بالقاهرة وكان منشئاص مشهوراً في عصره، انظر ترجمته في الفوات2: 179 والنجوم الزاهة 8: 38 وابن الفرات 8: 162 والبداية والنهاية 13: 334 والصقاعي: 118 وهو مؤلف سيرة الملك الظاهر، وتشريف الأيام والعصور في سيرة الملك المنصور. (3) حلبة الكميت: 286 والصقاعي: 119 والفوات: 185. (4) الزهرة: 245 والوحشيات: 193 وزهر الآداب: 223 وحماسة الخالديين 2: 318 والشريشي 1: 39 وديوانه: 24 - 27. (5) الزهرة: 244. (6) الزهرة: 243.

ناحتْ مطوقةٌ ببابِ الطاقِ ... فجري سوابقُ دمعيَ المُهَراقِ حنَّتْ إلى أرضِ الحجازِ بحرقةٍ ... تُشْجي فؤادَ الهائم المشتاق إن الحمائمَ لم تزلْ بحنينها ... قدماً تبكي أعينَ العشاق كانتْ تفرّخُ في الأراك وربما ... كانت تفرخُ في فروع الساق تَعِسَ الفراق وَجُذَّ حبلُ وتينِهِ ... وسقاه من سُمِّ الأوساد ساقي ياوَيَحْهُ ما بالُهُ قمريةٌ ... لم تدرِ ما بغدادُ في الآفاق فأتى الفراقُ بها العراقَ فأصبحتْ ... بعد الأراكِ تنوحُ في الأسواق فشريتها لما سمعتُ حنينها ... وعلى الحمامة عُدْتُ بالإطلاق بي مثلُ ما بكِ يا حمامةُ فاسألي ... من فكَّ أسرك أَنْ يحلَّ وثاقي 327 - أبو تمام (1) : أتصعصعتْ عبراتُ عينِكَ أن دَعَتْ ... (2) ورقاءُ حين تصعصعَ الإظلامُ لا تنشِجَنَّ لها فان بكاءها ... ضحكٌ وأن بكاءك استغرام هنَّ الحَمامُ فإن كسرتَ عِيافَةً ... من حائِهنَّ فإنهنّ حِمام 328 - ابن المعتز (3) : وبكيتُ من حَزَنٍ (4) لنوحِ حمامةٍ ... دعتِ الهديلِ فظلَّ غيرَ مجيبها ناحتْ ونُحْنَا غيرَ أنّ بكاءَنَا ... بعيوننا وبكاءَها بقلوبها 329 - محمد بن يزيد بن مسلمة (5) : أشاقك برقٌ أم شَجَتْكَ حمامةٌ ... لها فَوْقَ أطراف الأراكِ رنيم (6) أَضافَ إليها الهمَّ فقدانُ آلفٍ ... وليلٌ يسدُّ الخافقين بهيم

_ (1) الزهرة: 242 وديوان أبي تمام 3: 152 والشريشي 1: 39. (2) تصعصعت: تفرقت، ويروى: اتحدرت. (3) حماسة الخالديين 2: 321 وحماسة ابن الشجري: 173 وديوانه: 125. (4) الديوان: جزع. (5) حماسة الخالديين 2: 319 والحماسة البصرية 2: 150 وانظر التعريف بن يزيد بن مسلمة في معجم المرزباني: 355 وهو شاعر عباسي كان ينزل حصن مسملة بديار مضر، وعاش في عصر المأمون وله في مدائح. (6) ح الخالديين: نثيم.

تداعت (1) على ساقٍ بلَيْلٍ فرجَّعَتْ ... وللوجد (2) منها مُقْعِدٌ ومقيم تميلُ إذا ما الغصنُ مادَتْ متونُهُ ... كما مالَ من ريِّ المدام نديم فباتت تناديه وأنى يجيبها ... (3) منوطٌ بأطراف الجناح رميم أتيح له رامٍ بصفراءَ نبعةٍ ... على عَجْسِهَا ماضي الشباةِ صميم رماه فأصماها فطارتْ ولم تَطِرْ ... فظلَّ لها ظلٌّ عليه تحوم وظلَّتْ بأجراعِ (4) الغوير نهارها ... مولهةً كلَّ المَرام تروم قرينةُ إلفٍ لم تفارفه عن قِلَىً ... غَداةَ غدا يومٌ عليه مشوم وراحتْ بهمٍّ لو تضمّنَ مثله ... (5) حشا آدميّ ما استطاع يريم فللبرق ايماضٌ وللدمعِ واكفٌ ... وللريح من نحو العراق نسيم فطوراً أَشيمُ البرقَ أين مَصَاُبُه ... وطوراً إلى إعوال تلك أهيم غناء يَروعُ المنصتينَ وتارة ... بكاء كما يبكي الحميم حميم إذا ما استهلّتْ بالغناء تطلَّعَتْ ... وأصغىَ لها طَبٌّ بذاك عليم فمن دون ذا يشتاقُ من كان ذا هوىً ... ويعزبُ عنه الحلمُ وهو حليم ومن ههنا أخذ المنازي قوله (6) : شجا قلبَ الخلي فقال غنَّى ... وبرَّح بالشجيِّ فقال ناحا 330 - شاعر: وآلفةِ التغريدِ قاسمتها الهوى ... فكان عليها النوحُ والدمعُ من عندي وعارضتها بالنوحِ حتى تَشَبِّهَتْ ... بإلفي بلبسِ الطَّوقِ في موضع العقد 331 - سليمان بن حيان (7) :

_ (1) ح الخالديين: أنافت. (2) ص: وبالوجد. (3) ح الخالديين: سهيم. (4) ص: الغدير. (5) حماسة الخالديين: راح وهو رميم. (6) الغزولي 1: 70 والشريشي 4: 167 لابن قاضي ميلة، وقبله: لقد عرض الحمام لنا بسجع ... إذا صغى له ركب تلاحى (7) تشبيهات ابن أبي عون: 301.

وهتوفٍ ورقاءَ أَرَّقَتِ العي ... نَ وزادتْ خبلَ الفؤاد خبالا ذاتُ طوقِ من الزبرجدِ يحكي ... صَفْوَ عيشٍ عنّا تولَّى فزالا أيقظتني والصبحُ قد خالط الليلَ ... كما خالط الصدودُ وصالا وتراها كأنما خَضَبوها ... بدموعي أو خاضَتِ الجريالا 332 - المعتمد بن عباد وهو معتقل بأغمات (1) : بَكَتْ أَنْ رأتْ إِلفينِ ضَمَّهُمَا وَكْرُ ... مساءً وقد أَخنى على إِلفها الدهرُ وناحتْ وباحتْ فاستراحتْ بِسِرِّها ... وما نطقتْ حرفاً يبوحُ به سر فما ليَ لا أبكي أم القلبُ صخرةٌ ... وكم صخرة في الأرض يجري بها نهر بكتْ واحداً لم يشجها فَقْدُ غيرِه ... وأبكي لألآفٍ عديدهمُ كثر 333 - أحمد بن عبد ربه (2) : ويهتاجُ قلبي كلَّما كان ساكناً ... دعاءُ حمامٍ لم تَبتْ بُوكُونِ وانّ ارتياحي من بكاءِ حمامةٍ ... كذي شَجَنٍ داويتَهُ بشجون كأن حمامَ الأَيْكِ لما تجاوبَتْ ... حزينٌ بكى من رحمةٍ لحزين 334 - وللرمادي في الهزار (3) : وخرساءَ إلاّ في الربيع فإنها ... نظيرةُ قسٍّ في العصور الذواهبِ اتت تمدحُ النوارَ فوقَ غصونها ... كما يمدحُ العشاقُ حُسْنَ الحبائب تبدِّل ألحاناً إذا قيل بدّلي ... كما بَدَّلَتْ ضرباً اكفُّ الضوارب 335 - جدّ ابنِ قزمان (4) : ومما شجاني هاتفٌ يبعثُ الأَسى ... يهيّجُ من قلبي ومن خفقانِهِ يكاد القضيبُ اللدنُ يعشقُ شَدْوَهُ ... فيشغله بالمَيْسَ عن طيرانه 336 - عبد الكريم النهشلي:

_ (1) القلائد: 21 والذخيرة 2/ 1: 68 والنفح 4: 251 والديوان: 68. (2) منهما بيتان في تشبيهات الكتاني: 56 وانظر ديوانه: 165 والعقد 5: 397. (3) تشبيهات الكتاني: 55. (4) هو أبو بكر ابن قزمان الوزير الكاتب (انظر قلائد العقيان: 187) .

أواجدةٌ وجدي حمائمُ أَيكةٍ ... تميلُ بها ميلَ النزيف غصونُها نشاوى وما مالَتْ بخمرٍ رقابُهَا ... بواكٍ وما فاضتْ بدمع عيونها أفيقي حمامات اللوى إنّ عندنا ... لِشَجْوِكَ أَمثالاً يعودُ حنينها وكلُّ غريبِ الدارِ يدعو همومَهُ ... غرائبَ محسوداً عليها شجونها 337 - الحصري (1) : يا هل بكيتَ كما بَكَتْ ... وُرْقُ الحمائمِ في الغصونِ هتفتْ سُحَيْراً والربى ... للقطرِ رافعةُ العيونِ فكأنَّما صاغَتْ على ... شجوي شجى تلك اللحون ذكَّرنني عهداً مضى ... للأُنْسِ منقطعَ القرين فتصرَّمَتْ أيَّامُهُ ... وكأنها رَجْعُ الجفون 338 - قال عوف بن محلم الشيباني (2) : عاد عبد الله بن طاهر إلى خراسان فدخلنا الريّ في السحر، فإذا قمرية تغرد، فقال عبد الله بن طاهر: أَحسنَ أبو كبير حيث يقول: ألا يا حمامَ الأَيْكِ إلفكَ حاضرٌ ... وغصنُكَ ميّادُ ففيمَ تنوحُ ثم قال: يا عوف أجِزْ فقلت: أعزك الله، شيخ غريب حملته على البديهة، ولا سيما في معارضة أبي كبير، ثم قلت: أفي كلِّ عامٍ غربةٌ ونزوحُ ... أما للنوى من أَوْبَةٍ فتريحُ لقد طلَّحَ البينُ المشتُّ أَحبتى ... فهل أَرَيَنَّ البينَ وهو طليح وأرقَّني بالريِّ صوتُ حمامةٍ ... فنحتُ وذو الشَّجْوِ الحزينُ ينوح على أنها ناحت ولم تُذْرِ دمعة ... وَنُحْتُ وأسرابُ الدموعِ سفوح وناحت وفرخاها بحيثُ تراهما ... ومن دونِ أفراخي مهامهُ فيح عسى جودُ عبدِ الله أن يعكسَ النوى ... فنلقي عصا التطوافِ وهي طريح فإن الغنى يُدْنِي الفتى من صديقِهِ ... وَبُعْدُ الغنى للمقترين طروح

_ (1) هو أبو إسحاق بن علي بن تميم الحصري صاحب زهر الآداب، انظر ترجمته في ابن خلكان، ومعجم الأدباء 2: 94 والمسالك 11: 309 وعنوان الأريب 1: 43 والذخيرة 4/ 2: 584. (2) انظر طبقات ابن المعتز: 187 ومعجم الأدباء 16: 139 والفوات 3: 163 والحماسة البصرية 2: 153 والفقرة: 318 فيما تقدم.

فأذن لي من ساعتي، ووصلني بمائة ألف درهم، وردّني إلى منزلي. 339 - حدث رجل من قريش قال: حججنا وعدنا، فأتينا في بعض المنازل امرأة في خبائها، فاستأذنا عليها، فقالت: يا هؤلاء أفيكم أحد من أهل البصرة؟ قلنا نعم، قالت: ههنا رجل لما به، يريد أن يوصي إلى بعضكم وتشهدوا وفاته، فقمنا إليه وإذا رجل مدنف، فكلمناه فنظر إلينا، وإذا طائر سقط على شجرة وصوَّت، فنظر إليه وبكى وأنشد (1) : يا بعيد الدار عن وطنه ... مفرداً يبكي على شَجَنِهْ ولقد زاد الفؤاد شجىً ... هاتف يبكي على سكنه ثم أغمي عليه، فقلنا: قضى نحبه، ثم فتح عينيه والطائر يصوت على حاله فقال: كلما جدَّ البكاءُ به ... زادتِ الأسقامُ في بَدَنِهْ شفه ما شفني فبكى ... كلنا يبكي على سكنه ثم تنفس وأغمي عليه فظنناها كالأولى وإذا هو قد مات، فسألنا المرأة عنه فقالت: هذا العباس بن الأحنف، فغسلناه ودفناه. 340 - قال يوسف بن هرون (2) : بكرت إلى باب أبي المطرف بن مثنى بقرطبة، وهو أميرها فألفيت يحيى بن هذيل قد بكر قبلي، فقال لي: ما عندك؟ فقلت: ليس عندي كبير معنى، ولكن (3) ما عندك أنت؟ فأخرج قصيدة منها: وَمُرِنَّةٍ والدَّجْنُ ينسجُفوقها ... بُرْدَيْنِ من حَلَكِ ونوءٍ باكي مالت عن طيِّ الجناح كأنما ... جعلتْ أريكَتَها قضيبَ أراك وترنَّمتْ لحنين قد خلَّتهما ... كغناء مُسْمِعَةٍ وأنّهِ شاكي ففقدتُ من نفسي لفرط صبابتي ... نَفَسَ الحياة وقلتُ من أبكاك فأنشدنيها وأنا أعدّ محاسنها، فلما أكملها قال: أنصرف إلى المكتب وتأدب حتى

_ (1) انظر ابن خلكان 3: 26 وتاريخ بغداد 12: 133 وديوان العباس: 278. (2) هو الرمادي، انظر الذخيرة 3/ 1: 346. (3) ص: فالآن.

تحكم مثل هذا، فحركني كلامه ولم يخرج أبو المطرف ذلك اليوم، فبكرت إليه وأنشدته: أحمامةً فوق الأراكةِ بيّني ... بحياةِ من أبكاك ما أبكاك أما أنا فبكيتُ من حُرَقِ الهوى ... وفراقِ مَنْ أهوى، فأنت كذاك فلما سمعها ابن هذيل قال لي: عارضتني، قلت: لا إنما ناقضتك، فقال: اذهب فقد أخرجتك من المكتب. عارض هاتين القصيدتين أبو مروان المعروف بالبلينة فقال (1) : أحمامةً بكتِ الهديلَ وانما ... طربت فغنتْ فوق غُصْنِ أَراكِ معشوقة التثويبِ ذاتُ قلائدٍ ... غَنِيَتْ جواهرُهَا عن الأسلاك ناحتْ على فَنَنٍ وكلُّ شجٍ بكى ... يوماً بلا دمعٍ فليس بباكي لو كنتِ صادقةً وكنتِ شجيّةً ... جادتْ دموعُكِ حين جدَّ بكاك 341 - علي بن حصن كاتب المعتضد (2) : وما هاجني إلا ابن ورقاءَ هاتفٌ ... على فَنَنٍ بين الجزيرة والنهرِ مُفَسْتَقُ طوقٍ لازورديُّ كَلْكَلٍ ... موشَّى الطلا أَحْوى القوادمِ والظهر أَدار على الياقوتِ أجفانَ فضةٍ ... وصاغ من العقيان طوقاً من الشفر حديدُ شبا المنقار داجٍ كأنه ... شبا قلمٍ من فضّةٍ مُدَّ في حبر توسَّدَ من فرع الأراكِ أَريكةً ... ومال على طيِّ الجناح مع النحر ولما رأى دمعي تُؤاماً أَرابَهُ ... بكائيَ فاستولى على الغُصُنِ النضر وحثَّ جناحيه وَصَفَّقَ طائراً ... وطار بقلبي حيثُ طار ولا أدري

_ (1) الذخيرة 3/ 1: 347 - 348 والبلنية: لقب له ومعناه الحوت (Ballena) ؛ وهو سعيد بن عثمان ابن مروان، وله ترجمة في الجذوة: 214 (البغية رقم: 807) والمغرب 1: 192 واليتيمة 1: 54 (وكنيته في المغرب أبو عثمان) . (2) الذخيرة2/ 1: 166 والمسالك 11: 218 وعنوان المرقصات: 26 ونهاية الأرب 10: 267 وحلبة الكميت: 286 ورايات المبرزين: 39 (11ط. غرسية) ولابن حصن ترجمة في الذخيرة 2/ 1: 158 والجذوة: 296، 371 (البغية رقم: 1232، 1523) والمغرب 1: 245 ونقل ابن سعيد عن الحجاري أن ابن حصن نشأ مع المعتضد ثم استوزره إلا أنه كان فيه طيش وخفة.

342 - كشاجم يرقي قمريّاً (1) : وَفُجِعْتُ بالقمرىِّ فجعةَ ثاكلٍ ... وفقدتُ منه أَمتعَ السمَّارِ لونُ الغمامةِ والغمامةُ لونُهُ ... ومناسبُ الأقلامِ بالمنقار ومطوّق من صُنْعِ خِلْقَةِ ربه ... طَوْقَيْنِ خلتُهُمَا من النوار ولطالما استغنيتُ في غلس الدجى ... بهديله عن مُطْربِ الأوتار مرح (2) الأصائلِ يستحثُّ كؤوسنا ... ويقيمنا للفرضِ في الأسحار لهفي على القمريِّ (3) يبقى دائماً ... يكوي الحشا بجوىً كلذعِ النار ولقد هجرتُ الصبرَ بعد فراقه ... ولقد مزجتُ دماً بدمع جاري ما كنت في (4) الأطيار إلا واحداً ... هيهات أودى سيّدُ الأطيار 343 - في وصف الحمام: سجعت هاتفةُ الوُرْ ... ق عناها شَحْطُ بينِ ذاتُ طوقٍ مثلِ خط ال ... نون أَقْنى الطرفين وترى ناظرها يل ... معُ في ياقوتتين تخرجُ الأنفاسُ من ثق ... بين كاللؤلؤتين 344 - أبو إسحاق الصابى في الببغا (5) : أنْعِتُهما صبيحةً مليحهْ ... ناطقةً باللغةِ الفصيحه عُدَّتْ من الأطيار واللسانُ ... يوهمنا بأَنها إنسان تُنْهي إلى صاحبها الأَخبارا ... وتهتكُ الأَسرارَ والأستارا صمَّاءُ إلا أنها سميعه ... تعيدُ ما تسمعُهُ طبيعه وربما لُقّنتِ العضيهه ... فتغتدي بذيَّةً سفيهه زارَتْكَ من بلادها البعيدهْ ... واستوطنت عندكَ كالقعيده ضيفٌ قِراهُ الجوزُ والأَرُزّ ... والضيفُ في أَبياتها يُعَزّ

_ (1) ديوان كشاجم: 277 - وانظر محاضرات الراغب 2: 300 ونهاية الأرب 10: 258. (2) الديوان: هزج. (3) الديوان: لهفا. (4) ص: للأطيار. (5) اليتيمة 1: 269 وبعضهاعند الغزولي 1: 67.

تراه في (1) منقارها الخلوقي ... كلؤلؤٍ يُلْقَطُ بالعقيق تنظرُ من عينين كالفصّين ... في النور والظلماء بصاصين تميسُ في حلّتها الخضراءِ ... مثلَ الفتاةِ الغادةِ العذراء خريدةٌ خدورها الأَقفاصُ ... ليس لها من حبسها خلاص نحبسها وما لها من ذنبِ ... وإنما نحبسها للحبّ تلك التي قلبي بها مشغوفُ ... كَنَيْتُ عنها واسمها معروف 345 - عبد الواحد بن فتوح الوراق في الحمام الداجن (2) : يجتابُ أَوديَةَ السحابِ بخافقٍ ... كالبرق أومضَ في السحاب فأبرقا لو سابقَ الريحَ الجنوبَ لغاية ... يوماً لجاءك مثلها أو أسبقا يستقربُ الأرض البسيطة مذهباً ... والأفْقَ والسُّقُفَ الرفيعة مرتقى ويظلّ يسترقُ السماعَ مخافةً ... في الجوِّ يحسبه الشهابَ المحرقا يبدو فيعجبُ من رآه لحسنه ... وتكادُ آيةُ عِتْقِهِ أن تنطقا مترترقٌ من حيثُ دُرْتَ كأنما ... لبسَ الزجاجةَ أو تجلبَبَ زئبقا 346 - أبو العلاء المعري في الخطاف (3) : ولابسةٍ من حِنْدسِ الليلِ ظُلمةً ... مُفَرجَةً عن صدرها تشبهُ القبا برأسٍ يحاكي شاهَ بلوطَ أعجم ... تُغَني بصوتٍ معجم ليس معربا لها ذنب كالتاجرين وخنجرا ... (4) جناحين قد قدا بها يَجرح الصبا لقد أتقنَ الصباغُ جَرْيَ سوادها ... وقد طوَّسوا منها قذالاً ومنكبا تراها إذا ما أقبلَ الصبحُ ضاحكاً ... وولَّى الدجى عنها هزيماً مقطبا تسقسق (5) لا أدري أخزناً على الدجى ... وإمّا إلى ضوءِ الصّباح تطرُّبا إذا أَقبلتْ في دارِ قومٍ تباشروا ... وقالوا لها أهلاً وسهلاً ومرحبا

_ (1) ص: مزمارها. (2) مسالك الأبصار 11: 315 ونهاية الأرب 10: 279 وعبد الواحد بن فتوح كتامي، ترجم له ابن رشيق في الأنموذج، وقال في أبياته هذه: ((ولا أعرف أحداً وصف (اي الحمام الداجن) بمثلها. (3) لم أجدها له، واستبعد أن تكون من شعره. (4) كذا ورد هذا البيت في الأصل، ولعله أن يقرأ: لها ذنب كالناجذين وخنجرا ... جناحين قد مدّا، بها تجرح الصبا (5) ص: تصقصق.

347 - الصابي (1) : وهنديةِ الأَوطانِ زنجيّةِ الخلقْ ... ومسودةِ الأَلوانِ محمّرةِ الحَدَقْ كأن بها حزناً وقد لبست له ... حداداً وأذرت من مدامعها عَلَقْ تصيفُ إلينا ثم تشتو بأرضها ... وفي كلِّ عامٍ نلتقي ثم نفترق 348 - أبو الشيص في الهدهد (2) : لا تأمِنَنَّ على سرّي وَسِرِّكمُ ... غيري وغيرَكِ أو طيَّ القراطيسِ أو طائراً ساجليه وابعثيه لنا ... ما زال صاحبَ تبيينٍ وتأسيس سودٌ ترائبه ميلٌ ذوائبه ... صفرٌ حماليقُهُ في الحبر مغموس وكان همَّ سليمانٌ ليذبَحَهُ ... لولا سياسَتُهُ في مُلْكِ بلقيس 349 - روى ابن عباس أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: من الدوابّ أربع لا يقتلن: النحلة والنملة والصرد والهدهد. 350 - ومن أعاجيب الخفاش (3) أنه طائر، وهو مع أنه طائر من عرض الطير، شديد الطيران كثير التكفي في الهواء سريع التقلب فيه، ولا يجوز أن يكون طعمه إلا من البعوض وقوتُهُ إلا من الفراش وأشباه الفراش، ثم لا يصيده إلا في وقت طيرانه في الهواء في وقت سلطانه، لأن البعوض إنما يتسلط بالليل فلا يجوز أن يبلغ ذلك إلا بسرعة اختطاف واختلاس، وشدة طيران ولين اعطاف، وحسن تأت ورفق بالصيد. وهو ليس بذي ريش وإنما هو لحم وجلد، وطيرانه بلا ريش عجب. ومن أعاجيبه (4) أنه لا يطير في نور ولا ظلمة، وهو قليل شعاع العين، ولذلك لا يظهر في الظلمة لأنها تكون غامرة لضياء بصره، غالبة لمقدار شعاع ناظرة، ولا يظهر نهارا لأن ضعف ناظرة يلمع في شدة بياض النهار، ولأن الشيء المتلألئ ضارّ لعيون من يوصف بحدَّة البصر، ولأن شعاع الشمس لمخالفة مخرج أصوله ومذاهبه يكون

_ (1) اليتيمة 2: 268 ونهاية الأرب 10: 240. (2) الحيوان 3: 518 وشرح المختار: 157 والحماسة البصرية 2: 341 وعيون الأخبار 1: 41 ونهاية الأرب 10: 248 والديوان: 69. (3) النقل عن الحيوان 3: 526. (4) الحيوان 3: 527.

رادعا لشعاع ناظره ومفرقاً له، فهو لا يبصر ليلاً ولا نهاراً، فلما علم ذلك واحتاج إلى الكسب والطعم التمس الوقت الذي لا يكون فيه من الظلام ما يكون قاهراً غالباً ولا من الضياء ما يكون معشياً مانعاً، والتمس ذلك في وقت غروب الشمس وبقية الشفق، لأنه وقت هيج البعوض، وهو وقت ارتفاعها في الهواء وانتشارها وطلب أرزاقها. فالبعوض يخرج للطعم وطعمه دماء الحيوان، والخفافيش تخرج للطعم، فيقع طالب رزق على طالب رزق. وزعموا (1) أن السُّكَّ الآذان والممسوحة من جميع الحيوان أنها تبيض بيضاً، وكل أشرف الآذان يلد ولا يبيض، ولا يدرى علة ذلك. ولآذان الخفافيش حجم ظاهر، وهي وإن كانت من الطير فإن هذا لها، وهي تحبل وتلد وتحيض وترضع. وزعم صاحب المنطق إن ذوات الأربع كلها تحيض على اختلاف في القلة والكثرة والزمان والخضرة والصفرة والغلظ والرقة، وليس في سائر الطير ما يحيض ولا يبيض إلا الخفافيش. وبلغ من ضن أنثى الخفافيش بولدها وخوفها عليه أنها تحمله تحت جناحها. وربما قبضت عليه بفيها قبضاً رفيقاً، وربما أرضعته وهي تطير، وتقوى من ذلك ويقوى ولدها على ما لا يقوى عليه الحمام وسباع الطير. وربما أتأمتِ الخفاش فتحمل معها الولدين جميعاً، فإن عظما عاقبت بينهما. ومن أعاجيب (2) الخفاش أنه من الطير وليس له منقار مخروط، وله فم فيما بين مناسر السباع وأفواه البوم. وفيه أسنان حداد صلاب مرصوفة من أطراف الحنك إلى أصول الفك إلا ما كان في نفس الخطم، وقد عرفت ذرب أسنانها فإذا عضت على الفرخ جعلته أزماً لا عضّاً. ومن أعاجيبها (3) تركُها البراري والقفار وقصدها منازل الناس وأرفع مكان وأحصنه من البيوت فتوطنه، وأنها على ضؤولة جسمها طويلة العمر حتى تجوز حدَّ العقاب والورشان إلى النسر، وتجوز حدَّ الفيلة (4) والأُسْدِ وحمير الوحش إلى أعمار الحيّات، وأن أبصارها تصلح على طول العمر فيقال أن التي يَطِرْنَ في القمر من

_ (1) الحيوان 3: 529. (2) الحيوان 3: 530. (3) الحيوان 3: 532. (4) ص: الأفيلة.

المسنّات المعمّرات، وإن أولادهنّ إذا بلغن لم تقو أبصارهن على ضياء النور، وأنها تصبر على فقد الطعام، وأنها تضخم وتجسم وتقبل اللحم على الكبر والسن. والنساء (1) وأشباه النساء يزعمون أن الخفاش إذا عضَّ إنساناً فلا يدع سنَّهُ من لحمه حتى يسمع نهيق حمار وحش. قال: فما أنسى فزعي من مسِّ الخفافيش ووحشتي من قربها إلى أن بلغت. والذي لا يبصر بالليل من الناس تسميه الفرس " شبكور " وتأويله " أعمى ليل "، وليس له في لغة العرب اسم أكثر من أنه يقال للذي لا يبصر بالليل من الناس " به هُدَبْدٌ "، وأما الأغطش فإنه السّيئ البصر بالليل والنهار، وإذا كانت المرأة رديئة البصر بالنهار قيل لها جَهْراء، وقيل: الجهراء التي لا تبصر في الشمس. وقالوا السحاة - مقصور - اسم الخفاش والجمع سِحَاء. وأنشدوا لغزاً في الخفاش: أَبى شعراءُ الناسِ لا يخبرونني ... وقد ذهبوا في الشعرِ في كلِّ مذهبِ بجلدةِ إنسانٍ وصورةِ طائرٍ ... وأظفارِ يربوعٍ وأنيابِ ثعلب وعن عبد الله بن عمر (2) أنه قال: لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقهنَّ تسبيح، ولا تقتلوا الخفاش فإنه إذا خرب بيت المقدس قال: يا ربِّ سلطني على البحر حتى أُغرقهم. وفي رواية: لا تقتلوا الخفاش فإنه استأذن البحر أن يأخذ من مائه فيطفئَ بيت المقدس حين حرق. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الوطواط وأمر بقتل الأوزاغ. والخفاش (3) يأتي الرمانة في شجرتها فينقب عنها فيأكل كلَّ شيء فيها حتى لا يدع إلا القشر وحده، فهم يحفظون الرمان من الخفافيش بكل حيلة. ولحوم الخفافيش موافقة للشواهين والصقور ولكثير من جوارح الطير، وتسمن عليها وتصحُّ أبدانها، ولها في ذلك عمل بيّن الأثر. 351 - العسكري في الخطاف (4) :

_ (1) الحيوان 3: 534. (2) الحيوان 3: 537. (3) الحيوان 3: 538. (4) ديوان المعاني 2: 139.

وزائرةٍ في كلِّ عام تزورنا ... فيخبرُ عن طيبِ الزمان مَزَارُها تخبّرُ أنّ الجوَّ رقَّ قميصُهُ ... وأنَّ الرياضَ قد توشَّى (1) إزارها وإن وجوه الغُدْرِ راقَ بياضها ... وإن وجوه الأرضِ راعَ اخضرارها تحنُّ إلينا وهي من غيرِ شكلنا ... فتدنو على بُعْدٍ من الشكلِ دارها أغارَ على ضوءِ الصباح قميصُهَا ... وفات بألوانِ الليالي خمارها تصيحُ كما صَرَّتْ نعالُ عرائسٍ ... تَمَشَّتْ إلينا هندها ونوارها عاد الحديث إلى الحمام: 352 - العرب تقول (2) : إن نوحاً أرسل الغراب والحمام من السفينة لما استقرت على الجوديّ، فلم يرجع الغراب فدعا عليه، ورجعت الحمامة فدعا لها، فتزينت بالطوق عن سائر الطير. 353 - قال جهم بن خلف (3) : وقد شاقني نوحُ قمريّةٍ ... طروبُ العشيّ هتوفُ الضحى مطوقة كُسِيَتْ زينةً ... بدعوة نوح لها إِذ دعا فلم أَرَ باكيةً مثلها ... تَبَكَّى ودمعتُهَا لا تُرَى 354 - عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما (4) : ولم أَر مثلي طلَّقَ اليوم مثلَها ... ولا مثلَها في غير جُرْمٍ تُطَلَّقُ أعاتكَ لا أنساكِ ما هبَّتِ الصبا ... وما ناح قمريُّ الحمامِ المطوَّقُ 355 - ومن " كتاب الطير " للجاحظ قال (5) : كل طائرٍ يعرف بالصوت الحَسَن والدعاء والهديل والترجيع فهو حمام، وإن خالف بعضه بعضاً في بعض الصور واللون والقد ولحن الهديل، كما تختلف الإبل والبقر والمعز والدجاج في أنواعها وأشكالها،

_ (1) ص: وان الرياض الحسن يوشي. (2) الحيوان 3: 195 - 196. (3) الحيوان 3: 199 ونسبت في حماسة الخالديين 2: 317 لأبي صفوان السدي، وانظر أمالي القالي 2: 243 وتخريج الأبيات في اللآلي: 865. (4) الحيوان 3: 199 والعقد 4: 175. (5) الحيوان 3: 144 - 147.

ولا يخرجها ذلك عن أن تكون إبلاً أو بقراً أو معزاً أو دجاجاً. والقمريّ والفاختة والورشان والشفنين واليمام واليعقوب وضروب أُخر كلّها حمام؛ وزعم أفليمون صاحب الفراسة أن الحمام تتخذ لضروب: منها ما يتخذ للأُنس، ومنها ما يتخذ للفراخ. ومنها ما يتخذ للطيران والتلهي بذلك، ومنها ما يتخذ للزجال (1) والسباق. ومن مناقب الحمام حُبُّه للناس وأُنس الناس به، وهو أن جميع طبقات الأمم تحبه وتتخده. ثم ذكر قَمْطَ الحمام فقال (2) : يبتدئ الذكر بالدعاء والطّرد، وتبتدئ الأنثى بالتأني والاستدعاء، ثم تزيف وتتشكَّل، ثم تمكّن وتمنَع، وتجيب وتصدف بوجهها، ثم يتعاشقان ويتطاوعان، ويحدث لهما من التغزل والتفتل (3) والمص والرشف والتنفج والخيلاء والكبرياء ومن إعطاء التقبيل حقه كله وإدخال الفم في جوف الفم، وذلك هو التطاعم، هذا مع إرسالها جناحيها وكتفيها (4) على الأرض، وهو مع تدريجها وتنقيلها (5) ومع تنفجه وتنفخه مع ما يعتريه من الحكة والتفلّي والتنفش، ثم الذي يرى من كسحه بذنبه، وارتفاعه بصدره، وضربه بجناحه، وفرحه ومرحه بعد قمطه والفراغ من شهوته، ثم إنه يعتريه ذلك في الوقت الذي يفترُ فيه أنشطُ الناس، وتلك خصلة يفوق بها جميع الحيوان من الإنسان فمن دونه. ومن عجيب (6) فطن الحمام أنه في كل حين يقلب بيضه حتى يصير ما كان يلي الأرض منه يلي بدن الحمام من بطنه وباطن جناحيه، حتى يعطي جميع البيضة نصيبها من الحضن. ومما أشبه فيه الحمام الناس أن ساعات الحضن على البيض أكثرها على الأنثى، وإنما يحضن الذكر في صدر النهار يسيراً، كالمرأة التي تكفل الصبي فتقمطه وتمرّخه وتتعاهده بالتمهيد والتحريك، حتى إذا ذهب الحضن وصار البيض فراخاً وصار في البيت عيال وما يحتاجون إليه من الطعام والشراب صار أكثر ساعات الزق على الذكر، كما أن أكثر ساعات الحضن على الأنثى.

_ (1) ص: للترحال. (2) الحيوان 3: 157. (3) ص: الغزل والقبل. (4) الحيوان: وكفيها. (5) الحيوان: تدرعها وتبلغها. (6) الحيوان 3: 162 - 163.

قال مثنى بن زهير، وهو إمام في البصر بالحمام (1) : لم أرَ شيئاً في الرجل والمرأة إلا وقد رأيت مثله في الذكر والانثى من الحمام: رأيت حمامة لا تريد إلا ذكرها كالمرأة التي لا تريد إلا زوجها وسيدها، ورأيت حمامة لا تمنع شيئاً من الذكور ورأيت امرأة لا تدفع يد لامس، ورأيت حمامة لا تزيف إلا بعد طرد كثير وشدة طلب ورأيتها تزيف لأول ذكر يريدها ساعة يصل (2) إليها، ورأيت الحمامة لها زوج وهى تمكن ذكراً آخر لا تعدوه، ورأيت مثل ذلك في النساء، ورأيتها تزيف لغير ذكرها وذكرها يراها، ورأيتها لا تفعل ذلك إلا وذكرها يطير أو يحضن، ورأيت الحمامة تقمط الحمامة، ورأيت الحمام الذكر يقمط الحمام الذكر، ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ويقمطها الإناث، ورأيت أنثى لا تقمط إلا الإناث ولا تدع أنثى تقمطها، ورأيت ذكراً يقمط الذكر ويقمطه الذكر، ورأيت ذكراً يقمط الذكور ولا يدع ذكراً يقمطه، ورأيت أنثى تزيف للذكورة ولا تدع شيئاً منها يقمطها، ورأيت هذه الأصناف كلّها في السحاقات من المذكرات والمؤنثات وفي الرجال الحلقيين واللوطيين، ورأيت من النساء من تزني أبداً ولا تتزوج، ومن الرجال من يلوط ويزني أبداً ولا يتزوج، ورأيت حماماً يقمط ما لقي ولا يتزاوج ورأيت حمامة تمكن كل حمامٍ أرادها ذكراً أو أنثى وتسفد الذكور والإناث ولا تزوج. ورأيتها تزاوج ولا تبيض، وتبيض فيفسد بيضها كالمرأة تتزوج وهي عاقر، وكالمرأة تلد وتكون خرقاء، ويعرض لها العقوق والغلظة على أولادها كما يعتري ذلك العقاب. قال الجاحظ (3) : ورأيت الجفاء بالأولاد شائعاً في اللواتي يحملن من الحرام، ولربما ولدت من زوجها فيكون عطفها وتحننها كتحنن العفيفات المتسترات، فما هو إلا أن تزني أو تقحب فكأنها لم يكن بينها وبين ذلك الولد رحم وكأنها لم تلده. والحمام (4) والفواخت والأطرغلّة (5) والحمام البريّ يبيض مرتين في السنة، والحمام الأهليّ يبيض عشر مرات، وإذا باض الطير لم تخرج البيضة من جهة

_ (1) الحيوان 3: 165. (2) الحيوان: يقصد. (3) الحيوان 3: 166. (4) الحيوان 3: 170. (5) الحيوان: والأطرغلات.

التحديد (1) والتلطيف بل يكون الذي يبدأ بالخروج الجانب الأعظم، وكان الظنّ يسرع إلى أن الرأس المحددة (2) هي التي تخرج أولا، والبيضة عند خروجها لينة القشر غير يابسة ولا جامدة والبيضة في بطن الطائر مستوية الطرفين، فإذا خرجت وهي لينة فبرز نصفها، انضمَّ الرحم عليها بطبعه فيحدّد النصف الباقي لمكان لينها، وكلما انسلتت من الرحم زاد التحديد. ويقولون إن البيض يكون من أربعة أشياء: يكون من الثراب، ومن السفاد، ومن نسيم يصل إلى أجوافها في بعض الزمان، ومنه شيء يعتري الحجل وما شاكله في الطبيعة، فإن الأنثى ربما كانت على سفالة الريح التي تهب من شقِّ الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضاً. قال الجاحظ (3) : ولا شك في أن النخلة المطعمة تكون بقرب الفحّال وتحت ريحه فتلقّح بتلك الريح وتكتفي بذلك؛ قال: ويكون بيض الريح من القبج والحمام والطاووس والأوز، قال: وبيض الصيف المحضون أسرع خروجاً منه في الشتاء، ولذلك تحضن الدجاجة في الصيف ثمان عشرة ليلة، وربما عرض غيم في الهواء ورعد في وقت حضن طائر، فيفسد البيض، وفساده في الصيف أكثر وفي هبوب الجنائب. وكان ابن الجهم لا يطلب من نسائه الولد إلا والريح شمال. والرعد (4) إذا اشتد لم يبق طائر على وجه الأرض واقعاً إلا غدا فزعاً وإن كان يطير إلا رمى بنفسه إلى الأرض، وكذلك الرعد تلقي له الحمامة بيضها. وليس (5) التقبيل إلا للحمام والإنسان، ولا يدع ذكر الحمام ذلك إلا بعد الهرم. والفرخ (6) يخلق من البياض، ويغتذي بالصفرة، ويتم خَلقه لعشرة أيام، والرأس وحده أكبر من سائر الجسد.

_ (1) ص: التحذير. (2) ص: المحدودة. (3) الحيوان 3: 173. (4) الحيوان 3: 176. (5) الحيوان 3: 177. (6) الحيوان 3: 177 - 178.

ويبلغ (1) من تعظيم الحمام لحرمة بيت الله الحرام أن أهل مكة عن آخرهم لم يروا حماماً قط سقط على ظهر الكعبة إلا من علة عرضت له، فإن كانت هذه المعرفة اكتساباً فالحمام فوق جميع الطير وكل ذي أربع، وإن كان إنما هو من طريق الإلهام فليس ما يُلْهَم كما لا يلهم. وأول (2) من اتخذ الحمام للهدي أن ملكين طلب أحدهما مُلْكَ صاحبه، وكان المطلوب أكثر مالاً وأشجع رجالاً وأخصب بلاداً، وكان بينهما مسافة بعيدة، فخافه الطالب على ملكه فاستشار وزراءه، فأشاروا عليه بآراء منها مصاهرة الملك والخطبة إليه ليستكفي بذلك سره، فأظهر الملك خطبته وأرسل رسولاً إليه وهدايا، وأمر رسله أن يصانعوا جميع من يصلون إليه، ودسّ رجالاً من ثقاته وأمرهم باتخاذ الحمام ببلاده وتوطينهن، واتخذ أيضاً عند نفسه مثلهن، فرفعهن (3) من غاية إلى غاية إلى أن بلغ الغرض، وجعل هؤلاء يرسلون من بلاد الملك والآخرون يرسلون من بلاد الملك الآخر وأمرهم بمكاتبته بالخبر كل يوم، وتعليق الكتب في أصول أجنحة الحمام، فصار لا يخفى عليه شيء من أمر عدوه فأطمعه عدوّه في التزويج وطاوله ليطلب غِرَّتَهُ، ودسَّ لحرسه رجالاً فلاطفوهم حتى صارا يبيتون بإيوانه، فلما وجدوا منه غرة كتبوا إليه بغرته، فأتاه الخبر من يومه، فسار إليه بجند انتخبهم وأخذ بمجامع الطرق، ووثب أصحابه من داخل، وهو وجنده من خارج، ففتحوا الأبواب وقتلوا الملك وغلب على تلك المملكة، فعظَّمته الملوك وهابوه، وطار صيته بالحزم والكيد وأطاعوه، وكان ذلك بسبب الحمام. قال الجاحظ (4) : وللحمام من الفضيلة والفخر أن الحمام الواحد يباع بخمسمائة دينار، ولم يبلغ ذلك باز ولا شاهين ولا صقر ولا عُقاب ولا طاووس ولا بعير ولا حمار ولا بغل، وذلك معروف في بغداد والبصرة. والحمام إذا جاء من الغاية (5) بيع الفرخ الذكر من فراخه بعشرين ديناراً وأكثر، وبيعت الأنثى بعشرة دنانير وأكثر، وبيعت البيضة بخمسة دنانير وأكثر، فيقوم الزوج منها في الغلة مقام الصنعة (6) الفاخرة حتى

_ (1) الحيوان 3: 193 - 194. (2) الحيوان 3: 284. (3) ص: مثلهم فرفعوهن. (4) الحيوان 3: 212. (5) ص: غاية. (6) الحيوان: الضيعة.

ينهض بمؤنة العيال ويقضي الدين، ويبنى من غلاّته وأثمان رقابه الدور الجياد، ويبتاع الحوانيت المغلة، وهو في ذلك ملهىً عجيب ومعتبرٌ لمن تذكر. وللحمام (1) حسن الاهتداء وجودة الاستدلال، وثبات الحفظ والذكر، وقوة النزاع إلى أربابه والإلف لوطنه، وكفاك اهتداء ونزاعاً أن يكون طائر من بهائم الطير يجيء من خَرْشَنَةَ ومن لؤلؤة - وهما بدرب الروم - إلى بغداد والبصرة. ثم الدليل على أنه إنما يستدل بالعقل والمعرفة والعتاقة (2) أنه إنما يجيء كل من الغاية بالتدريج والتدريب. على ترتيب. والدليل على علم أربابه بأن تلك المقدمات قد نَجَعْنَ فيه وعطر في طباعه أنه إذا بلغ الرقة غمّروا به. فطير إلى الدرب وما فوق الدرب من بلاد الروم، ولو كان الحمام مما يرسل بالليل لكان مما يستدل بالنجوم، لأنا رأيناه يلزم بطن الفرات أو بطن دجلة أو بطن الأودية التي قد مر بها وهو يرى ويبصر ويفهم انحدار الماء، ويعلم بعد طول الجولان إذا هو أشرف على الفرات أو دجلة أن طريقه وطريق الماء واحد، وأنه ينبغي أن ينحدر معه، وما أكثر ما يستدل بالجواد من الطرق إذا أعيته بطون الأودية، فإن لم يدر أَمُصْعِدٌ هو أو مُنْحَدِرٌ (3) تعرف ذلك بالريح ومواضع قُرْص الشمس في السماء، وإنما يحتاج إلى ذلك كلّه إذا لم يكن وقع بعد على رسم يعمل عليه، وربما (4) كرَّ حين يزجل شمالاً وجنوباً وصباً ودبوراً الفراسخ الكثيرة وفوق الكثيرة. وللحمام (5) نَسَبٌ اشتملت عليه دواوين أصحاب الحمام أكثرمن كتب الأنساب التي تضاف إلى الكلبي وغيره من النسَّابة. وقال صاحب الحمام (6) : ليس في الأرض جنس تعتريه الأوضاح والشيات ويكون فيها المصمت والبهيم أكثر ألوانا وأصناف تحاسين مما تكون في الحمام، فمنها أخضر مُصْمَتٌ وأسود مصمت وأحمر مصمت وأبيض مصمت وضروب كلها مصمتة الألوان، إلا أن الهداية للخضر والنمر فإذا ابيض الحمام كالفقيع فمثله الناس الصقالبة، فإن الصقلبيّ فطيرٌ خام لم تُنْضِجْهُ الأرحام، لأنها كانت في البلاد التي شمسها أضعف من غيرها وإذا اسودَّ الحمام فإنما ذلك احتراق ومجاوزة لحدِّ

_ (1) الحيوان: 3: 214 - 216. (2) الحيوان: والعناية. (3) ص: منهبط. (4) ص: فربما. (5) الحيوان 3: 209. (6) الحيوان 3: 244.

النضج، ومثله في الناس الزنج فإن أرحامهن جازت حد الإنضاج إلى الاحتراق، وشيّطت الشمس شعورهم فتقصفت، والشعر إذا أدنيته إلى النار تجعّد، فإن زدته تفلفل، فإن زدته احترق؛ فكما أن عقول سودان الناس وحمرانهم دون عقول السمر، فكذلك بيض الحمام وسودها دون الخضر في المعرفة والهداية. والفقيع من الخيل لا ينجب وليس فيه إلا حسن بياضه لمن اشتهى ذلك لا غير. والحمام (1) طائر ألوف مألوف محبّب، موصوف بالنظافة، حتى ان ذرقه لا يُعاف، ولا نتن له كسلح الدجاج والديكة، وقد يتعالج بذرقه صاحب الحصاة، وللفلاحين فيه منافع، والخباز يلقي الشيء منه في الخبز لينفخ العجين ويعظّم الرغيف ثم لا يبين ذلك فيه. ولذرقه غلات. وليس الأطواق إلا للحمام. وفي ذمِّ الحمام (2) روي أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - أراد أن يذبح الحمام وقال: لولا أنها أمة من الأمم لأمرت بذبحها، ولكن قُصُّوهنّ. فدلَّ بقوله: قصوهن على أنها إنما تذبح لسوء رعة من يتخذهنّ ويلعب بهن من الفتيان والشطار، وأصحاب المراهنة والقمار، والذين يُشْرِفُون على حُرَمِ الجيران، ويخدعون بفراخ الحمام أولاد الناس، ويرمون الجلاهق، وما أكثر من قد فقأ عيناً وهشم أنفاً وهتم فماً وهو لا يدري ما صنع، ثم تذهب جناحيه جباراً ويعود ذلك الدّم مطلولاً، إذ كان صاحبه مجهولاً. وكان عمر - رضي الله عنه - أمر بذبح الديكة، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل الكلاب. وروي أن عثمان رضي الله عنه شكوا إليه الحمام فقال من أخذ منهن شيئاً فهو له. قال الجاحظ (3) : وقد علمنا أن اللفظ وإن كان وقع على شكاية الحمام أن المعنى إنما هو في شكاية أصحاب الحمام، لأنه ليس في الحمام معنى يدعو إلى شكايته. وسئل الحسن عن الحمام الذي يصطاده الناس فقال: لا تأكله فانه أموال الناس، فجعله مالاً ونهى عن اصطياده بغير إذن أهله، وكل ما كان مالاً فبيعه حسن وابتياعه حسن، فكيف يجوز لشيء هذه صفته أن يذبح إلا أن يكون

_ (1) الحيوان 3: 253. (2) الحيوان 3: 190. (3) الحيوان 3: 192.

ذلك على سبيل العقاب والزجر لمن اتحذه لما لا يحل. ونهى عثمان رضي الله عنه عن لعب الحمام وعن رمي الجلاهق. قال الجاحظ (1) : شهد أبو أحمد المتكلم صاحب حمامٍ يوم مجيء حمامه من واسط، وكانت واسط يومئذ هي الغاية، فرآه كلما جاء طائر من حمامه نعر ورقص فقال له: إني أرى منك عجباً، أراك تفرح بمجيء حمامك من واسط، وهو ذاك الذي كان، وهو الذي جاء، وجاء ولم يجيء معه بشيء (2) ، فما سبب الفرح؟ فقال: فرحي أني أرجو بيعه بخمسين ديناراً، قال: ومن يشتريه منك بخمسين ديناراً؟ قال: فلان وفلان؛ فمضى إليهما فقال: زعم فلان أنك تشتري منه حماماً جاء له من واسط بخمسين ديناراً، فقال: صدق، فقال: لم تشتريه بخمسين ديناراً؟ قال: لأنه جاء من واسط، قال: وإذا جاء من واسط لم تشتريه بخمسين ديناراً؟ قال: لأني أبيع الفرخ منه بثلاثة دنانير والبيضة بدينارين، قال: ومن يشتريه منك؟ قال: مثل فلان وفلان؛ فمضى إليهما فقال: زعم فلان أنك تشتري منه فرخاً جاء أبوه من واسط بثلاثة دنانير والبيضة بدينار، قال: صدق، قال: فلم تشتريهما بذلك؟ قال: لأن أباه جاء من واسط، قال: فإذا جاء أبوه من واسط فهو ماذا؟ قال: لأني أرجو أن يجيء هو من واسط، قال: فإذا جاء من واسط؟ قال: أبيعه بخمسين ديناراً، قال: ومن يشتريه منك بخمسين ديناراً؟ قال: فلان وفلان، فمضى إليهما فقال: زعم فلان أن فرخاً من فراخه إذا جاء من واسط تشتريه منه بخمسين ديناراً، قال: صدق، قال: ولم تشتريه إذا جاء من واسط بخمسين ديناراً؟ فأعاد عليه مثلما قال له الأول بعينه، فقال: لا رزق الله من يشتري حماماً جاء من واسط بخمسين ديناراً رزقاً. ومما جاء في صراخ الديك وإيذانه بالصباح: 356 - قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة (3) : صرخ ديك عند النبي صلى الله عليه وسلم فسبّه بعض أصحابه، فقال: لا تسبه فإنه يدعو إلى الصلاة.

_ (1) الحيوان 3: 294. (2) في هذه العبارة إيجاز شديد بالنسبة لما ورد في الحيوان. (3) نهاية الأرب 10: 219، والحديث: لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة، أورده الفزي في الاتقان: 220 مع تخريجه.

357 - وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن مما خلق الله عز وجل لديكاً عرفه تحت ساق العرش ورجلاه في الأرض السفلى، وجناحه في الهواه، فإذا ذهب ثلثا الليل وبقي ثلث ضرب بجناحه ثم قال: سبحان الملك القدوس، سبوحٌ قدوس، ربي لا شريك له، فعند ذلك تضرب الطير بأجنحتها وتصيح الديكة. وروي (1) أنه صلى الله عليه وسلم قال: الديك الأبيض صديقي وعدوّ عدوّ الله، يحرس دار صاحبه وسبعَ دور. وكان صلى الله عليه وسلم يبيّته معه في البيت. 358 - وزعم أهل التجربة أن كثيرا ما يرون الرجل إذا ذبح الديك الأبيض الأفرق لا يزال يُنْكَبُ في أهله. 359 - والديك يسمى العترفان، قال عدى بن زيد يصف الحُمُر (2) : ثلاثةَ أحوالٍ وشهر تجرَّما ... يضيءُ كعينِ العترفانِ المجاوبِ قال الجاحظ: سماه بالمجاوب كما سماه بالعترفان؛ قال المصنف: وأنا أرى أنه لم يسمه بالمجاوب وإنما وصفه بذلك، لأن عين الديك المجاوب أشد حمرةً وأحدُّ نظراً من غير المجاوب، فيكون مبالغة في وصف حمرة العين وبصيصها، ويكون لقوله " المجاوب " في البيت موقع حسن من البديع يسمى: " التتميم " كقول امرئ القيس: كأن عيونَ الوحشِ حَوْلَ خبائنا ... وأرحلنا الجَزْعُ الذي لم يُثْقَّبِ فقوله " لم يثقب " أتم في التشبيه. 360 - وفي الديك الصيصة وهي طرف عرفه الحادّ، وهي سلاحه الذي يقاتل به، وبها سمي قرن الثور صيصة، وسميت آطام المدينة للامتناع بها صياصي. وفي التزيل العزيز، (وأَنْزلَ الذين ظاهروهم من أهلِ الكتابِ من صَياصيهم) . 361 - ويقال لصوت الديك: الدعاء والزقاء والهتاف والصياح والصراخ

_ (1) نهاية الأرب 10: 219 وحديث ((الديك الأبيض صديقي..)) ورد مع تخريجه في اتقان الغزي: 93 وذكر أن السيوطي أفرد في أخبار الديك جزءاً وانظر ألف باء 2: 396. والجامع الصغير 2: 18. (2) الحيوان 2: 350 والدميري 2: 157 واللسان (عترف) .

والصقاع، وهو يهتف ويصقع ويصيح ويزقو ويصرخ؛ ويقال للهام أيضاً يزقو، قال الراجز: وَمَنْهَلٍ طامِسَةٍ أَعلامُهُ ... يَعْوي به الذئبُ ويزقو هامُهُ وقال توبة بن الحمير (1) : ولو أَنَّ ليلى الأخيليةَ سلَّمَتْ ... عليَّ وفوقى جَنْدَلٌ وصفائحُ لسلمتُ تسليمَ البشاشةِ أو زقا ... إليها صدىً من جانب القبرِ صائح 362 - السري الرفاء (2) : كشف الصباحُ قناعَهُ وتألَّقَا ... وسطا على الليل البهيمِ فأَطرقا وعلا فلاحَ على الجدارِ موشَّحٌ ... بالوشي تُوِّجَ بالعقيق وَطُوِّقا مُرْخٍ فضولَ التاجِ من لبَّاتِهِ ... ومشمرٌ وشياً عليه منمقا 363 - شاعر (3) : غدوتَ بشرْبَةٍ من ذاتِ عرقٍ ... أبا الدهماءِ من حَلَبِ العصيرِ وأخرى بالعقنقلِ ثم (4) سرنا ... نرى العصفورَ أَعظمَ من بعير كأنَّ الديكَ ديكَ بني نُمَيْر ... أميرُ المؤمنين على السرير كأنَّ دجاجهم في الدار رقطاً ... وفودُ (5) الروم في قُمْصِ الحرير فبتُّ أرى الكواكبَ دانياتٍ ... ينلن أناملَ الرجل القصير أدافعهُنّ بالكفينِ عني ... وأمسحُ جانبَ القمر المنير 364 - عبد السلام بن رغبان ديك الجن يرثي ديكاً لأبي عمرو عمير بن جعفر كان له عنده مدة فذبحه، وعمل عليه دعوة، وبها لقب ديك الجن (6) . دعانا أبو عمرو عُمَيْرُ بنُ جعفرٍ ... على لحم ديكٍ دعوةً بعد موعدِ

_ (1) الاغاني 11: 229 والفوات 1: 260. (2) ديوان السري: 190 ونهاية الأرب 10: 230. (3) الحيوان 2: 260، 356 وحماسة ابن الشجري: 278 ونهاية الأرب 10: 227 والثالث في ديوان المعاني 2: 136. (4) الحيوان: 2: 136. (5) الحيوان: بنات. (6) ديوان ديك الجن: 126.

فقدم ديكا عُدْمُلِياً مُلدَّحاً ... مبرنس أثيابٍ مؤذن مسجد يحدّثنا عن قوم هود وصالحٍ ... وأغرب من لاقاه عمروُ بن مرثد وقال لقد سبَّحْتُ دهراً مهلّلاً ... وأسهرت بالتأذين أعين هُجَّد أيُذْبَحُ بين المسلمين مؤذّنٌ ... مقيمٌ على دينِ النبي محمد فقلتُ له يا ديكُ إنَّكَ صادقٌ ... وإنك فيما قلتَ غيرُ مفند ولا ذنبَ للأضيافِ إن نالك الردى ... فإن المنايا للديوكِ بمرصد 365 - العسكري (1) : مُتَوَّجٌ (2) بعقيقٍ ... مفرطٌ باللجينِ يزهى بتاجٍ وطوقٍ ... (3) كأنه ذو رُعَينِ 366 - ابن معمعة الحمصي: يا ابنَ أقيالِ وائلٍ والكرامِ الصِّي ... دِ من تغلبِ قرومِ القرومِ والأميرِ الذي عليه أمارا ... تُ المعالي في حادثِ وقديم قد مدَحتُ الأميرَ بالأمس منثو ... راً وجئتُ الغداةَ بالمنظوم فاستمعْ قصتي وفرج بإحسا ... نِكَ ما بي من طارقاتِ الهموم ليَ ديكٌ حَضَنْتُهُ وهو في البي ... ضةِ من منصبٍ كريمِ الخيم ثم رَبَّيتُهُ كتربية الطف ... لِ رضيعاً وعند حالِ الفطيم يأكلُ العفوَ كيف ما شاء من ما ... لي أكل الولي مالَ اليتيم هو عندي بصورةِ الولدِ البِرِّ ... وفي صورةِ الصديقِ الحميم أبيضُ اللونِ أَفْرَقُ العُرْفِ نظّا ... رٌ بعينٍ كأنَّها عينُ ريم وعلى نَحْرِهِ وشاحان مِنْ شَذْ ... ر بديعٍ ولؤلؤٍ منظوم رافعٌ رايةً من الذَّنَبِ المش ... رفِ يَسْعَى بها كسعي الظليم وإذا ما مشى تبختر مَشْيَ الطَّ ... رِبِ المنتشي من الخرطوم وَسَمَ الأرضَ وَسْمَ طينِ كتابٍ ... بخواتيم كاتبٍ مختوم وله خنجرانِ في قَصَبِ الساقي ... ن قد رُكِّبا لحفظِ الحريم

_ (1) ديوان المعاني 2: 137 ونهاية الأرب 10: 228 ومجموع شعره: 163. (2) ص: بالعقيق. (3) ص: نور عين.

وعليه من ريشهِ طيلسانٌ ... صِيْغَ من صِبْغَةِ (1) اللطيفِ الحكيمِ وجميعُ الديوكِ تشهد في حِمْ ... صَ له بالجَلالِ والتعظيم يتجاوبن بالصياح مُشِيرا ... تٍ إليه في ذاكَ بالتسليم وإذا مارأيتَهُ بين خَمْسٍ ... من دجاجاته كبارِ الجسوم قلتَ مَلْكٌ يَخدمنهُ فتياتٌ ... يتهادَيْنَ بين زنجٍ وروم وترى عرفَهُ فتحسبُهُ التا ... جَ على رأسِ كسرويّ كريم ثاقبُ العلمِ بالمواقيت ليلاً ... ونهاراً وحاذقٌ بالنجوم ويحثُّ الجيرانَ حولي على البرِّ ... كحثِّ المديرِ كأسَ النديم وله أيها الأميرُ عليَّ العه ... دُ في سالفِ الزمان القديم أنه آمنٌ من الشرِّ عندي ... غيرَ يومِ المشيئةِ المحتوم وقد احتجتُ أن أُضَحِّيَ في العي ... دِ به، حاجة الأديبِ العديم وبناتي يقلن يا أبتانا ... أنت في ذاك بين غَدْرٍ ولوم وتراهنَّ حوله يتباكي ... نَ بدمع لفقده مسجوم وعزيزٌ سواكَ مَنْ يفتديه ... فافده سيدي بِذِبْحٍ عظيم تُبْقِ في ذاك سُنّةً لك يبقى ... ذِكْرُهَا ذكرَ كبشِ إبراهيم 367 - اجتمع الأمير أبو الفضل الميكالي ليلةً بحبيب له، فلما كان في السحر صرخ الديك، فقام محبوبه وقال: أصبحنا، وخرج، فقال يهجو الديك (2) : قام بلا عقلٍ ولا دينِ ... يخلطُ تصفيقاً بتأذينِ فنبَّهَ الأَحبابَ من نْومهمْ ... ليخرجوا في غير ما حين كأنما غصَّ بها حلقه ... أَغَصَّهُ الله بسكين 368 - شاعر (3) : ما عُذْرُنَا في حَبْسِنا الأكوابا ... سقط الندى وَصَفا النسيمُ وطابا

_ (1) ص: صنعة. (2) وردت في نهاية الأرب 10: 232 والغزولي 1: 75 منسوبة لابن رشيق. (3) هو أبو بكر الخالدي كما في اليتيمة 2: 174 وخاص: 122 ومن غاب عنه المطرب: 61 وغرائب التنبيهات: 55 والديوان: 15 والمنتخل: 122.

ودعا بحيَّ على الصَّبوحِ مغرداً ... ديكُ الصباحِ فهيَّجَ الأطرابا 369 - أبو بكر الخوارزمي: لما بدتْ روحُ الضيا ... ء تدبُّ في جسم الظلام وغدتْ نجومُ الليل وه ... ي تفرُّ من حَدَقِ الأنام والديكُ يتلو دائماً ... هَجْوَ النيام على القيام قال المؤذّنُ ما أرا ... د وقلتُ من حسن الكلام هو قال حيَّ على الصلا ... ةِ وقلتُ حيَّ على المدام قال عبد الله محمد، مختار هذا الكتاب: لم يقل أبو بكر الخوارزمي بيت المؤذن على هذه الصورة، وإنما قاله على صورة يستقبحها من يتمسك بيسير من الأدب مع الدين، قال: ناقضتُ ما قال المؤذن بالفعال وبالكلام. فغيَّرته ولم أستحسن إيراده كما قاله. 370 - كشاجم (1) : مطرّبُ الصبحِ هَيَّجَ الطربا ... لما قضى الليلُ نَحْبَهُ نَحَبَا مغرِّدٌ تابعَ الصياحَ فما ... ندري رضىً كان ذاك أم غضبا ما تنكر الطيرُ أنه مَلْكٌ ... لها فبالتاجِ راحَ معتصبا مدَّ ليمتد صوتُهُ عُنُقاً ... منه وهزَّ الجناح واضطربا طوى الظلامُ البنودَ منصرفاً ... حين رأى الفجرَ ينشرُ العَذَبا والليلُ من فَتْكَةِ الصباحِ به ... كراهبٍ شقَّ جَيْبَهُ طربا فباكر الخمرة التي تركت ... بنانَ كفِّ المدير مختضبا فليس نارُ الهمومِ خامدةً ... إلا بنورِ الكؤوسِ ملتهبا 371 - الصابي (2) :

_ (1) بم ترد في ديوانه، وهي لأبي بكر الخالدي في اليتيمة 2: 185 وغرائب التنبيهات: 55 وديوانه: 17. (2) اليتيمة 2: 261.

كوكبُ الإصباحِ لاحا ... طالعاً والديكُ صاحا فاسقنيها قهوة تأ ... سو من الهمِّ جراحا ذاتَ نشرٍ كنسيم ال ... روض غِبَّ القَطْرِ فاحا يا غلامي ما أرى في ... ها ولا فيك جناحا حَرِّمِ الماءَ وأبْعِدْ ... هُ وإنْ كانَ مباحا [أقراحٌ أنا حتَّى ... أشربَ الماءَ القراحا] 372 - شاعر (1) : هتف الديكُ بالدجى فاسقنيها ... قهوةً تتركُ الحليمَ سفيها لستُ أدرى لرقّةٍ وصفاء ... هيَ في كأسها أمِ الكأس فيها 373 - قال إسحاق الموصلي (2) : أنشدت أمَّ الهيثم الأعرابية قول الشاعر: وخمرٍ سُلافٍ يحلفُ الديكُ أَنها ... لدى المزجِ من عينيه أَصفى وأَحْسَنُ فقالت: لقد بلغني أن الديك من صالحي طيوركم وأعرفها بأوقات الصلوات، وما أحسبه يحلف كاذباً. 374 - النقاش الحلبي: وليلٍ باتتِ الأوتارُ فيه ... تجاوبنا بأَلسنةٍ فصاحِ جعلنا فُرْشِنا تحتَ الدوالي ... بها غَضَّ البنفسج والاقاحي وباتت حُورُهُ تجلو دجانا ... بأوجهها الصباح إلى الصباح طردنا ديكه فاقتصَّ منا ... مؤذّنه بحيَّ على الفلاح فيا لنجاح وقتٍ وافقتنا ... عليه بشدوها ذاتُ الجناح 375 - ابن التعاويذي الكاتب (3) : أدِرْ كأس المدام عليَّ صرفاً ... ولا تُفْسِدْ كؤوسَكَ بالمزاجِ فقد حان الصباحُ وحنَّ قلبي ... إلى عذراءَ ترقصُ في الزجاج

_ (1) وردا في المستطرف 2: 267 منسوبين لكشاجم. (2) المختار من القطب: 423. (3) ديوان ابن التعاويذي: 76.

وهذا الديكُ من طَرَبٍ يغنّي ... ويخطرُ بينِ إكليلٍ وتاج ودعني من إقامةِ كلِّ فرضٍ (1) ... فليس على خرابٍ من خراج 376 - محمد بن علي الدينورى: ومشمّرِ الأَذيالِ في ممزوجة ... متتوّج تاجاً من العقيانِ بالجاشرية ظلَّ يهتِفُ مَوْهناً ... ويصيحُ من طَرَبٍ على الندمان هُبّوا إلى شُرْبِ الصَّبوحِ فإنما ... لصبوحكم لا للصباح أذاني 377 - الباخرزي: وليلٍ دجوجيٍّ كأنَّ صباحَهُ ... يهزُّ لواءً أبيضاً فوق كِتْفِهِ تنزَّهَ سمعي فيه من صوتِ طائرٍ ... غدا مشرئبَّ الجيدِ ثانيَ عطفه فأطعمتُ خلاّني كباباً كتاجه ... وأسقيتُ ندماني شراباً كطرفه

_ (1) الديوان: ودعني والصلاة إذا تدانت.

فراغ

الباب السادس

الباب السادس في صفات الشمس في الشروق والضحى والارتفاع والطفل والمغيب والصحو والغيم والكسوف 378 - للشمس أسماء (1) وهي: الشمس وذكاء بالمدّ، وذكا بالقصر، وحول - مضمومة غير معجمة، وإلاهة وألاهة بكسر الهمزة وفتحها، والإلاهة بالتعريف، والجونة والجارية والغزالة والفتاة والسراج والضحّ والبيضاء وبرح وبراء - كقطام وحذام - والمهاة والقرص والفتاق، سميت بذلك لأنها تفتق بنورها الغيم وكل شيء. والعرب تقول لمن تصفه بالحسن: أحسن من الفتاق، والشَّرقة والشَّرق، والشرق اسمها (2) إذا طلعت، ولا تسمى به عند الغروب، يقال لا آتيك ما طلع الشرق، ولا يقال ما غرب الشرق؛ ويوح والضَّحاء - بفتح الضاد - والنيِّر والأثير الأصغر والآية المشرقة وأحد القمرين واقليدس، وهو اسمها باليونانية وقد تكلموا به. ويقال لنور الشمس الداخل من كوة البيت: الشِّعرارة وجمعها شعارير - بكسر الشين في الواحد وفتحها في الجمع -، ويقال لما يرى فيه من الهباء المنبث: الهباء والذر - معجمة الذال - وقيل أنه المراد بقوله عز وجل: (ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شّرّاً يَرَةْ) وذرور الشمس ظهور ضوئها وشعاعها؛ وشَرَقتِ الشمس - بفتح الراء - إذا طلعت، وشَرِقت - بكسر الراء - إذا قربت من الغروب، وأشرقت: إذا صفا ضوؤها وأنار. 379 - وقد أجاد القاضي التنوخي في وصف الشمس فقال: ويومٍ كأنَّ الشمسَ من تحتِ غَيْمِهِ ... مفاخرُ قد غطيتها بعيوبِ

_ (1) قارن بالمخصص 9: 18 والأزمنة 2: 39 والأنواء: 136. (2) ص: أسماء.

إذا طلعت من فرجةٍ فيه خِلْتُها ... مَخْيلةَ جَدْوى من خلالِ جدوب وقد مدَّ ستراً فوفها فكأنما ... يغطِّي بكفرانٍ ثوابَ مثيب قال مصنف الكتاب: إني لينغّصُ عليّ إحسان هذا الرجل - مع كثرته - ما أخذ به نفسه من تشبيه الأظهر بالأخفى، وهو شيء كرهه أكابر العلماء ونصُّوا عليه، وهو قد أُغريَ به لا يكاد يُخْلي منه تشبيهاته، وهذه الثلاثة أبيات من هذا القبيل شبّه فيها الأظهر بالأخفى. 380 - أبوالعلاء في شفقها في الطلوع (1) : ربَّ ليلٍ كأنه الصبحُ في الحُسْ ... نِ وإن كان أسودَ الطيلسانِ قد ركضنا فيه إلى اللهوِ لما ... وقف النجمُ وِقْفَةَ الحيران ثم شاب الدُّجى وخاف من الهَجْرِ ... فغطَّى المشيبَ بالزعفران 381 - الطغرائي يصف الشمس في طلوعها والبدر في غروبه (2) : وكأنما الشمسُ المنيرةُ إذ بَدَتْ ... والبدرُ يجنحُ للغروبِ وما غربُ متحاربان لذا مِجَنٌّ صاغه ... من فضةٍ، ولذا مِجَنّ من ذهب 382 - قال أبو الحسن علي بن موسى الغرناظي (3) : ضمَّني وأبا يحيى الكاتب مجلس أُنسٍ، فتذاكرنا ما قيل في معاقرة الشراب في الشيب، فأنشدني لنفسه: لاموا على حبِّ الصِّبا والكاسِ ... لما بدا زَهَرُ المشيبِ براسي والغصنُ أحوجُ ما يكون لشربه ... إبان يبدو بالأَزاهرِ كاسي ثم قال: هل سمعت في هذا المعنى شيئاً لغيرى؟ قلت: لا، ثم أعملت خاطرى حتى عملت فيه، وهو معنىً غريب: يلومونني أَنْ شِبْتُ في الخمرِ ضَلَّةً ... وإني إذا وافى المشيبُ بها أحق إذا شاب رأسُ الليلِ بالفجر قُرِّبَتْ ... له أكؤسُ الصهباءِ من حمرة الشفق 383 - سليمان المارديني:

_ (1) شروح السقط: 426، 438. (2) نهاية الأرب 1: 45 والغيث 1: 28. (3) انظر اختصار القدح المعلى: 89 - 90 ونفح الطيب 3: 35. والغزولي: 159.

ربَّ ليلٍ تخالُ فيه الدراري ... زَهَرَ الروض والمجرةَ نهرا والثريا كأنها كأسُ خمرٍ ... أطلعتْ فوقها الفواقعَ درّا وتخالُ السماء حُلَّةَ خزٍّ ... نُثِرَتْ فوقها الدراهمُ نثرا وكأن الصباحَ جامُ لجينٍ ... ملأته أشعةُ الشمسِ خمرا 384 - شاعر في الشفق، هو المعري (1) : وعلى الدهرِ من دماءِ الشهيدي ... ن عليٍّ ونجلِهِ شاهدانِ فهما في أوائلِ الليلِ فجرا ... ن وفي أخرياتِهِ شفقان 385 - أعرا بي (2) : مُخَبَّأَةٌ أَما إذا الليلُ جَنَّها ... فتخفى وأَما بالغدوِّ فتظهرُ إذا انشقَّ عنها ساطعُ الفجرِ وانجلى ... دجى الليلِ وانجابَ الحجابُ المستّر وأُلبس عرضُ الأرضِ لوناً كأنه ... على الأُفُقِ الشرقيِّ ثوبٌ معصفر بلونٍ كزرع الزعفران يشوبُهُ ... شعاعٌ يلوحُ فهو أَزهرُ أصفر إلى أنْ علت وانشقَّ منها اصفرارها ... فلاحَتْ كما لاح (3) المنيحُ المشهَّر ترى الظلَّ يُطْوى حين تعلو وتارةً ... تراه إذا مالتْ إلى الأرض ينشر وتدنف حتى ما يكادُ شعاعها ... يبينُ إذا غابتْ لمن يتبصر فأفنتْ قروناً وهي في ذاك لم تزلْ ... تموتُ وتحيا كلَّ يومٍ وتنشر 386 - الباخرزي: توارتِ الشمسُ تحت الدَّجْنِ واحتجبتْ ... حتى تشاب مُمْساها ومُصْبَحُهَا فتلك منسيّةٌ والآن لو طلعت ... فجاءَةً لحسبتَ الكلبَ ينبحها 387 - شاعر في النيرين: وسائرةٍ لا ينقضي الدهرَ سيرها ... وليست على حيٍّ من الناسِ تنزلُ لها صاحبٌ لم تَلْقَهُ مرّة ... على إِثْرٍ ما تمشي يسيرُ ويَعْجَل

_ (1) شروح السقط: 441. (2) ديوان المعاني 1: 359 وزهر الآداب: 765 - 766 وجمع الجواهر: 365 والغيث المسجم 2: 154 ونهاية الأرب 1: 45. (3) ص والعسكري: وحالت كما حال (صوابه: وجالت كما جال) .

388 - العسكري (1) : ملأ العيونَ غضارةً ونضارةً ... صحوٌ يطالعنا بوجهٍ مونقِ والشمسُ واضحةُ الجبينِ كأنها ... وجهُ المليحةِ في الخمارِ الأزرقِ وكأنها غيداءُ مِسْكُ شعاعِها ... تبرٌ يذوبُ على فروع المشرق جَرَّتْ إذا بكرت ذيولَ معصفر ... وتجرُّ إنْ راحتْ ذيولَ ممشق فشربتها عذراءَ من يدِ مثلها ... تحكي الصباح مع الصباح المشرقِ 389 - ابن المعتز (2) : (3) كأن الشمسَ يوم الغيم لحظٌ ... مريضٌ مدنفٌ من خلفِ ستْرِ تحاول فتقَ غيمٍ وهو يأبى ... كعنّينٍ يريدُ نكاحَ بكر 390 - الوزير المهلبي (4) : يومٌ كأن سماءَهُ ... شِبهُ الحصانِ الأَبرشِ وكأنَّ زهرةَ روضهِ ... فُرِشَتْ بأحْسَنِ مفرش والشمسُ تظهر تارةً ... وتغيبُ كالمتوحش شّبَّهْتُ حمرةَ عينها ... بخمارِ عينِ (5) المنتشي 391 - شاعر: فكأنَّ الشمسَ بِكْرٌ حُجِبت ... وكأن العغيمَ سترٌ مُسْدَلُ 392 - ابن طاهر الخباز الكرخي: أما ترى الأفقَ كيف قد ضَرَبَ ال ... غيمُ عليه من مُزْنِهِ قُبَبَا

_ (1) ديوان المعاني 1: 360 ومجموع شعره: 128. (2) ديوانه (السامرائي) 2: 580، وانظر ديوان المعاني 1: 360 ومحاضرات الراغب 4: 538 (2: 240) والغيث 2: 152، ونهاية الأرب 1: 46 وحلبة الكميت: 290 وتشبيهات ابن أبي عون: 11 والشريشي 1: 184. (3) العسكري والديوان: تظل الشمس ترمقنا بلحظ. (4) البيتان الأولان في اليتيمة 2: 238 وكلها في من غاب عنه المطرب: 65 وشعر الوزير المهلبي (المورد: 2/ 1974) : 15؛ والوزير المهلبي هو الحسن بن محمد وله ترجمة في اليتيمة ومعجم الأدباء 9: 118 والمصادر التاريخية. (5) ص: كحمار بن.

وحاجبَ الشمسِ من رفارفها ... يضرمُ فيها بنوره لهبا كأنه فضةٌ مطرَّقَةٌ ... أطرافها قد تَطَوَّسَتْ ذهبا 393 - حضر أبو عُنين مع الملك المعظم بدمشق. ومملوكٌ خاص قائم يستر الشمس عنه. فقال لإبن عنين: قل في هذا شيئاً فقال (1) : وغصنِ بانٍ قلوبُ الناسِ قاطبةً ... منه على خطرٍ إنْ ماسَ أوخطرا بدا فأبدى برؤياه لنا قمراً ... فيه من الحسن ما للعقل قد قمرا هو الغزالُ ولكنّي عجبتُ له ... من الغزالةِ إذْ زارته ان نفرا وظل مستتراً منها ومحتجباً ... عنها ونورهما في الناس قد ظهرا فقلتُ حَسْبُكَ لا تخشَ اجتماعكما ... فالشمسُ لا ينبغي أنْ تدركَ القمرا 394 - جلس المعتمد بن عباد ملك إشبيلية بقصره. فبلغت الشمس إليه، فقامت جارية من حظاياه لتحجب عنه الشمس فقال (2) : قامتْ لتحجبَ قُرْصَ الشمس قامتها ... عن مقلتي حُجِبَتْ عن أعينِ الغِيرِ علماً لعمرك منها أنها قمرٌ ... هل يَحْجُبُ الشمسَ إلا صفحةَ القمر 395 - ابن التلميذ في الظل (3) : وشيءٍ من الأجسام غيرِ مجسَّمٍ ... له حركاتٌ تارةً وسكون إذا بانتِ الأنوارُ بان لناظري ... وأما إذا بانت فليس يبين يتمُّ أواني كونهِ وفسادِهِ ... وفي وَسْطِ مَحْياهُ المحاقُ يكون 396 - خرج القاضي (4) أبو حفص عمر قاضي قرطبة واشبيلية مع أبي ذرّ النحوي لفرجة، ورجعا عشاء وقد أثرت الشمس في وجه القاضي، وكان وسيماً، فقال أبو ذر:

_ (1) ديوان ابن عنين: 242. (2) ديوان المعتمد: 15 والخريدة 2: 43 والحلة السيراء 2: 60 والذخيرة 1/2: 45 ورايات المبرزين: 37 (ط. مصر) . (3) ابن أبي أصيبعة 1: 272 وترجمة ابن التلميذ موفق الملك أمين الدولة أبو الحسن هبة الله بن أبي العلاء صاعد (- 560) في المصدر المذكور 1: 259) . (4) انظر نفح الطيب 4: 162 وأبو ذر هو مصعب بن محمد الخشني النحوي (604) انظر المغرب 2: 55 وبغية الوعاة 2: 287 والتكلمة: 700) .

وَسَمَتْكَ الشمسُ يا عمرُ ... سمةً لم يَعْدُهَا القَمَرُ عرفتْ قدرَ الذي صنعتْ ... فأتت صفراءَ تعتذر 397 - شاعر في الكسوف: قلتُ لها إذ كُسِفَتْ شمسنا ... قومي أخرجي قد غابتِ الضرَّهْ فأعرضت تيهاً وقالتْ لقد ... قابلتني ظلماً بما أَكره حاشايَ أنْ أظهرَ بين الورى ... أو أنْ تراني مثلها شُهْرَهْ 398 - الحسين بن علي الوزير (1) : لمثلِ ذا اليوم يا معذّبتي ... كانت ترجّيك أُخْتُكِ الشمسُ قومي اخلفيها لدى الكسوفِ (2) ففي ... وجهك منها إن أوحشتْ أنس وغلّطي صاحبَ الكسوفِ فإن ... لحتِ وغابتْ أصابهُ لَبْسُ 399 - الوزير المغربي: رأت الغزالةُ في السماءِ غزالةً ... تسعفه النفس حُسْنُها الأَلبابا فاستحسنتها في النقابِ وقد بَدَتْ ... وقتاً فصيرت الكسوفَ نقابا 400 - هبة الله بن التلميذ في ولده (3) : أشكو إلى الله صاحبا شرسا ... تسعفه النفس وهو يعسفها كأننا الشمس والهلال معاً ... تكسبه النور وهو يكسفها 401 - والطفل عند غيبوبة الشمش إذا اصفرت وضعف ضؤوها، يقال: طفلت تطفيلاً، وتطفلت تطفلاً، وذلك حين تجنح للغروب، وجنوحها حين تهم بالوجوب، وهو الأصيل وجمعه آصال. وفي التنزيل العزيز: (يُسَبِّحُ له فيها بالغدو والآصالِ) وأزبَّت الشمس وزبَّت وضرعت ودنَّفت كل ذلك دنت

_ (1) هو الوزير المغربي (370 - 418) وله ترجمة في الذخيرة 2/4: 475 (وفيها هذه الأبيات) والمنتظم 8: 32 ومعجم الأدباء 10: 79 وابن عساكر 4: 309 وانظر حاشية الذخيرة حيث ذكرت مصادر أخرى لترجمته. (2) الذخيرة: وغالطي حاسب النجوم. (3) ابن أبي أصيبعة 1: 263، وانظر الفقرة السابقة: 395.

للغروب، ودلوك الشمس زوالها، وقيل غروبها، والغروب أكثر، والشعراء يصفون الشمس عند مغيبها باصفرار اللون وأنها كالملاء المعصفر، وكأنها نفضت ورساً على الآكام والقيعان. 402 - أبن الرومي (1) : إذا طَفَّلَتْ شمسُ الأصيل ونفَّضَتْ ... على الجانبِ الغربيِّ وَرْساً مُذعذعا وودَّعتِ الدنيا لتقضيَ نحبها ... وصوَّحَ باقي عمرها وتسعسعا ولاحظتِ النوارَ وهي مريضةٌ ... وقد وضعت خدّاً على الأرضِ أضرعا كما لحظتْ عوّادَهُ عينُ مُدْنَفٍ ... توجَّعَ من أوصابِهِ ما توجعا وقد ضربتْ في خضرة الروضِ (2) صفرة ... من الشمس فاخضر اخضرارا مشعشعا 403 - عبد الصمد بن المعذل (3) : لما رأيتُ البدرَ في ... أُفُقِ السماءِ وقد تدلَّى ورأيتُ قَرْنَ الشمسِ في ... أُفُقِ المغيبِ وقد تولَّى شبَّهْتُ ذاك وهذه ... وأرى شبيههما أجلا وَجْهَ الحبيب إذا بدا ... وقفا الحبيب إذا تولى 404 - أعرابية في السحب (4) : تُطَالِعُني الشمسُ من دونها ... طلوعَ فتاةٍ تخافُ اشتهارا تخافُ الرقيبَ عل سرِّها ... وتحذرُ من زوجها أنْ يغارا فتستر غرتها بالخمارِ ... طوراً وطوراً تزيلُ الخمارا

_ (1) ديوان المعاني 1: 361 وتشبيهات ابن أبي عون: 11 - 12 وزهر الآداب: 742 والشريشي 1: 183 وبعضها في الغيث 2: 154 وديوانه: 1475. (2) ص: اللون. (3) انظر طبقات ابن المعتز: 370 والديوان: 142 ووردت الأبيات في تشبيهات ابن أبي عون: 343 منسوبة لابن المعتز. (4) ديوان المعاني 1: 359 - 360.

405 - نشو الملك (1) : وعشاءٍ كأنما الجوُّ فيه ... لا زوردٌ مضمَّخٌ بنُضَارِ قلتُ لما هَوَتْ لمغربها الشمسُ ... ولاح الهلالُ للنظّار أَقرضَ الشرقُ صِنْوَهُ الغربَ دينا ... راً فأَعطاه الرهنَ نصفَ سوار 406 - عبد العزيز القرطبي (2) : إني أرى شمسَ الأصيلِ عليلةً ... ترتادُ من ليلِ (3) المغاربِ مغربا مالتْ لتحجبَ شَخْصَها فكأنها ... مدَّتْ على الدنيا بساطاً مذهبا 407 - ابن المعتز في الظل المنحرف (4) : والآلُ ينزو بالصحارى مَوْجُهُ ... نَزْوَ القطا الكدريِّ في الأشراكِ والظلُّ مقرونٌ بكلِّ مطيَّةٍ ... مشيَ المهاري الدُّهْمِ بين رِماكِ 408 - الأسعد بن بليطة (5) : لو كنتَ شاهدنا عشيّةَ أَمْسِنَا ... والمزنُ يبكينا بعينَيْ مُذْنِبِ والشمسُ قد مَدَّتْ أديمَ شعاعها ... في الأرضِ إلا أنها لم تغرب قلتَ الرذاذُ به بُرادةُ فضةٍ ... قد غُرْبِلَتْ من فوقِ نِطْعٍ مذهب

_ (1) هو علي بن مفرج المعري، انظر ابن خلكان 3: 197 والبدر السافر: 205 والخريدة (قسم مصر) 1: 168 (حيث سماه نشو الدولة) والمغرب (قسم القاهرة) : 345 ومفرج الكروب 2: 48 وحسن المحاضرة 1: 565 وصفحات متفرقة من بدائع البدائه، وأبياته في هذا الأخير: 244 وغرائب التنبيهات: 13. (2) نهاية الأرب 1: 45 منسوبة (لأحمد به عبد العزيز القرطبي) والصواب أنه أبو أحمد عبد العزيز بن خيرة القرطبي المعروف بالمنفتل وقد وردت له ترجمة في الذخيرة 2/1: 754 (وفيها البيتان: 756) والمغرب 2: 99 وراجع الذخيرة ففيه ذكر لمصادر أخرى. (3) الذخيرة: من بين. (4) وردا في ديوانه (تحقيق د. يونس أحمد السامرائي) 2: 375 وديوان المعاني 2، 129 ونهاية الأرب 1: 217 وتشبيهات ابن أبي عون: 72. (5) الذخيرة 2/1: 791.

الباب السابع

الباب السابع في جملة الكواكب والسماء وآحاد الكواكب المشهورة 1 - الثريا: 409 - العرب تسمي الثريا " النجم "، اسماً علماً لها مختصاً بها دون النجوم، وفي التنزيل العزيز (والنجم إذا هوى) فسرّ بأنه قسم، أقسم الله عز وجل، بالثريا، معناه: والثريا إذا سقطت. والعرب تعظم الثريا، ويكثر ذكرها في شعرهم لأنها عندهم من نجوم الأنواء التي لا تخلف، وإذا طلعت في الشتاء اشتدَّ البرد عند طلوعها. 410 - قال شاعر في طلوعها في الشتاء (1) : طاب شُرْبُ الراحِ لمَّا ... طلع النجمُ عشاءَ وابتغى الراعي لمشتا ... هـ من القرِّ كساء 411 - وقال آخر في طلوعها في الصيف (2) : طلع النجم غُدَيَّهْ ... وابتغى الراعي شُكَيَّهْ أراد شكوةً تكون معه، وهي القربة يشرب بها الماء واللبن. 412 - امرؤ القيس (3) : إذا ما الثريا في السماء تَعَرَّضَتْ ... تَعَرُّضَ أثناءِ الوشاحِ المفصّلِ

_ (1) تشبيهات ابن أبي عون: 6. (2) اشبيهات ابن أبي عون: 6. (3) تشبيهات ابن أبي عون: 4 وديوان المعاني 1: 334 والأزمنة والأمكنة 2: 234 وطبقات ابن سلام: 89.

قال محمد بن سلام: أنشدت يونس النحوي هذا البيت الذي لامرؤ القيس، فزوى وجهه وجمع حاجبيه وقال: أخطأ مع إحسانه، إن الثريا لاتعترض إنما الاعتراض للجوزاء، هلا قال كما قال ذو الرمة (1) : وردت اعتسافاً والثريا كأنها ... على قمةِ الرأس ابنُ ماءٍ مُحَلِّقُ أخذه أبو القاسم الأنطاكي وزاد فيه فقال: كأنّ الثريا ابنُ ماء عدا ... فضمَّ الجناحَ ومدَّ العُنُقْ 413 - الفهمي: للنَّجمِ حالان في مغاربه ... وحين يبدو لنا بإشراقِ في الشرقِ كأسُ الساقي تدارُ وفي ال ... مغرب كأسٌ أراقها السافي 414 - تاج الملك ابن كاتب قيصر (2) : وكأنَّ الهلال قوسُ لُجينٍ ... والثريّا في الغربِ كالقرطاسِ وكأنَّ النجومَ أفواقُ نَبْلٍ ... عابراتٌ حادتْ عن البرجاس 415 - أنشد المبرد لأعرابي (3) : إذا ما الثريا في السماء تعرَّضَتْ ... يراها الحديدُ العَيْنِ سبعةَ أنجمِ على كبدِ الجرباء وهي كأنها ... جبيرة درٍ رُكِّبَتْ فوقَ معصم الجرباء: السماء، والجبيرة: الدستنيج العريض. 416 - شاعر (4) : خليلي إني للثريا لحاسدُ ... وإني على ريبِ الزمانِ لواجدُ أَيُجْمَعُ منها شَمْلُهَا وهي سبعةٌ ... وأفقدُ مَنْ أحببته وهو واحد

_ (1) تشبيهات ابن أبي عون: 5 والأنواء: 40 والأزمنة والأمكنة 2: 234 واللسان (عسف، حلق) وديوان ذي الرمة 1: 490. (2) هو إسحاق بن أبي الثناء من أعيان النضصارى المصريين، كان معاصراً للتيفاشي (انظر المغرب - قسم القاهرة: 301) . (3) تشبيهات ابن أبي عون: 5 ونهاية الأرب 1: 67 والأزمنة والأمكنة 2: 235. (4) لابن طباطبا في اليتيمة 1: 429 وذكر في من غاب عنه المطرب: 57 أن الشعر للخالدي أو لابن أخته او للمهلبي.

417 - ابن المعتز (1) : كأن الثريا هَوْدَجٌ فوقَ ناقةٍ ... يخبُّ بها حادٍ إلى الغربِ مُزْعِجُ إذا قابلتها العينُ خالتْ نجومها ... قواريرَ فيها زئبقٌ يترجرج 418 - شاعر (2) : تلوحُ الثريَّا في أواخرِ ليلها ... كعنقود مُلاحيّة حينَ نَوَّرا مُلاّحية - بضم الميم وتشديد اللام - العنب الأبيض. 419 - ابن المعتز (3) : قام كالغصنِ في الربى (4) ... يمزجُ الشمسَ بالقمرْ وسقاني المدامَ والليلُ بالصبح مُؤتزِرْ ... والثريا كَنَوْر غصن على الغربِ قد نثر ... 420 - القاضي التنوخي: انظر إليها والنسرُ منحدرٌ ... والليلُ جيشٌ نجومُهُ خُوَذُهْ كأنها حين أعرضتْ نَمْرٌ ... يَظْهَرُ لي من حجابِهِ فخذه 421 - وشبه أبو فراس الثريّا بفخذ النمر، وهو من المقلوب لأن نجوم الثريا بيض، والنقط على فخذ النمر سود. 422 - الوزير المهلبي (5) : كأن الثريا بينها حين أَعرضتْ ... يواقيتُ تاجٍ أو تحيَّةُ نرجسِ 423 - أبو بكر الخالدي (6) : كأنما أَنْجُمُ الثريّا لِمَن ... يرمقها والظلامُ منطبقُ

_ (1) هما في نهاية الأرب 1: 68 (دون نسبة) والأول في محاضرات الراغب 4: 543 (2: 242) ووردا في حلبة الكميت: 306 لابن المعتز أو لأبي القاسم التميمي. (2) تشبيهات ابن أبي عون: 5 لأبي قيس بن الأسلت، والأزمنة والأمكنة 2: 235. (3) ديوان ابن المعتز: 222. (4) الديوان: النقا. (5) شعر الوزير المهلبي (المورد 2/ 1974) : 155 (عن نثار الأزهار) . (6) اليتيمة 2: 192 وديوانه: 72.

مالُ بخيل يظلُّ يجمعه ... من كلِّ وجهٍ وليس يفترق 424 - ابن المعتز (1) : أتانيَ والإِصباحُ (2) يرفل في الدجى ... بصفراءِ لم تَفْسُدْ بطبخٍ وإحراقِ فناولنيها والثريا كأنها ... جنى نرجسٍ حيَّا الندامى به الساقي 425 - أبو الحسن البديهي (3) : ربَّ ليلٍ قطعتُهُ باجتماعٍ ... مع بيضٍ من الأخلاّءِ غُرِّ وكأن الكؤوسَ زُهْرُ نجومٍ ... والثريا كأنها عِقْدُ در 426 - العسكري (4) : تلوحُ الثريّا والظلاُم مقطِّبٌ ... فيضحكُ منها عن أَغرَّ مفلَّجِ تسيرُ وراءً والهلالُ أمامَهَا ... كما أومأتْ كفٌّ إلى نصفِ دُمْلُجِ 427 - شاعر (5) : زارني في الدجى فنمَّ عليه ... طيبُ أَردانِهِ لدى الرقباءِ والثريا كأنها كفُّ خَوْدٍ ... بَرَزَتْ في غلالةٍ زرقاء 428 - آخر: كأنَّ الثريّا سحرةً إذ بَدَتْ بها ... عيونٌ إلينا شاخصاتٌ تَرَقَّبُ فلما انقضى الإصباحُ خلتُ انقضاضَها ... شهابَ حريقٍ في الدجى يتلهب 429 - ابن المعتز (6) :

_ (1) ديوان ابن المعتز: 239 وديوان المعاني 1: 335 ومعاهد التنصيص 2: 18 والثاني في تشبيهات ابن أبي عون: 6 ونهاية الأرب 1: 67. (2) الديوان: ينهض. (3) اليتيمة 3: 344. (4) ديوان المعاني 1: 336 والصناعتين: 255 ومجموع شعره: 79. (5) وردا في غرائب التنبيهات: 40 ليوسف بن حموية القزويني. (6) هما في ديوانه (تحقيق د. يونس أحمد السامرائي) 2: 167 والأوراق: 185 وديوان المعاني 1: 336 وزهر الآداب: 309 وغرائب التنبيهات: 38 والمصون: 28 - 29 وقطب السرور: 635 والثاني في تشبيهات ابن أبي عون: 5 وربيع الأبرار، الورقة: 15/ أونهاية الأرب 1: 67.

ألا سقّنيها والظلامُ مقوّضٌ ... ونجمُ الدجى في حَلْبَةِ الليل يركضُ كأنّ الثريا في أواخرِ ليلها ... تَفَتُّحُ نَورٍ أو لجامٌ مُفَضَّض 430 - ابن طباطبا (1) : اعاد الثريا والهلالُ (2) كلاهما ... ليَ الشمسَ إذ ودعتُ كَرْهاً نهارَهَا كأسماءَ إذ زارت عشاءً وغادرتْ ... لدينا دلالاً قُرْطَهَا وَسِوارها 431 - الحسين بن الضحاك ويروى لغيره (3) : أَدِرِ الكأسَ علينا ... أيها الساقي لنطربْ ما ترى الليلَ تولَّى ... وضياءُ الشمسِ يقرب والثريا شبهُ كاسِ ... حين تبدو ثم تغرب وكأن الشرقَ يسقي ... وكأن الغرب يشرب 432 - آخر (4) : وكأنما نجمُ الثريا إذ تعرَّضَ كالوشاحِ ... كأسٌ بكفِّ خريدةٍ ... تسقي المسا بيدِ الصباح 433 - آخر (5) : والثريا كأنها ... في بروجِ المطالعِ كفُّ خود تختَّمَتْ ... في رؤوسِ الأصابع 434 - أبو عون الكاتب (6) : ربّ ليلٍ لم أَنَمْهُ ... ونجومُ الليلِ تَشْهَدْ

_ (1) محاضرات الراغب: (2: 241) ومعاهد التنصيص 2: 22. (2) الراغب: كأن ... جلتهما. (3) ديوانه: 24 (نقلاً عن نثار الأزهار) . (4) معاهد التنصيص 2: 21. (5) هما لابن الرومي في غرائب التنبيهات: 37. (6) معاهد التنصيص 2: 24.

والثريّا في مداها ... حين تنحطُّ وتصعد عقربٌ تسعى من الدرِّ على أرضِ (1) زَبَرْجَد ... 435 - ظافر الحداد (2) : وليلةٍ مثلِ عَيْنِ الصبِّ داجيةٍ ... عَسَفْتُها وجيوشُ الصبح لم تَفِدِ لو همَّ موقدُ نارٍ أن يرى يَدَهُ ... فيها ولو كانت الزرقاء لم يكد كأن أنْجُمَها في الليلِ زاهرةً ... دراهمٌ والثريّا كفُّ منتقد 436 - عتيق بن عبد العزيز المذحجي (3) : كأن الثريّا في ذراه مصفَّدٌ ... بساحةِ سجنٍ فهي تخطو ولا تخطو أغرب بذكر التصفيد لشبهما بالقدم والكفّ، وكذا تظهر إذا كانت في قُبَّة الفلك. 437 - أبو علي إبن رشيق القيروانى (4) : كأنها كأسُ بلّورٍ منبتةٌ ... أو نرجسُ في يد الندمانِ قد ذبلا قد تقدم تشبيه الثريا بالكأس وبالنرجس، إلا ان ابن رشيق زاد على المتقدمين زيادتين حسنتين في أن جعل الكأس منبّتة، وجعل النرجس ذابلاً، وهذا شأن الفاضل المتأخر إذا أخذ ممن تقدم معنى أن يزيد فيه زيادة حسنة، وإلا كان ما يأتى به فضلاً وعيالاً على الأول لا يوجب فضلاً. 438 - عبد الوهاب من شعراء أفريقية (5) : رأيت بهرامَ والثريّا ... والمشتري في القرآنِ كَرَّهْ كراحةٍ خُيِّرَتْ (6) فخارت ... ما بينَ ياقوتةٍ ودره

_ (1) معاهد: صحن. (2) ديوان ظافر: 103 - 104 ومعاهد التنصيص 2: 24. (3) من شعراء الانموذج، ترجمته في المسالك 11: 350 وفيه البيت. (4) ديوان ابن رشيق: 147 (نقلاً عن نثار الأزهار) . (5) هو عبد الوهاب الأزدي المشهور بالمثقال (أو المنهال) ، أحد شعراء الانموذج؛ والمسالك 11: 250 وفيه البيتان وانظر معاهد التنصيص 2: 21. (6) المعاهد والمسالك: يداها.

2 - الجوزاء:

2 - الجوزاء: 439 - أبدع ما قيل في الجوزاء على ما رواه أهل المشرق قول أبي بكر الخالدي (1) : وتمايلُ الجوزاءِ يحكي في الدجى ... مَيَلانَ شاربِ قهوةٍ لم تُمْزَجِ وتنقبتْ بخفيفِ غيم أبيضٍ ... هي فيه بين تخفّرٍ (2) وتبرجِ كتنفسِ الحسناءِ في المرآة إذ ... كملت محاسِنُهَا ولم تتزوّجِ 440 - وأبدع ما قيل، على ما رواه أهل المغرب، قول القاضي الحسن بن محمد بن الربيب (3) : انظر إلى صورة الجوزاءِ إذ طلعتْ ... كأنها قانصٌ بالدوّ منحدرُ شيحانُ منتطقٌ عَنَّتْ له حُمُرٌ ... صُحْرٌ قُبَيْلَ غروبِ الشمس أو بقر فأغرق النزعَ في قوسٍ ى براحته ال ... يمنى وظلَّ لدى الناموسِ ينتظر الناموس: بيت الصائد. جعل الدبران (4) قوساً مع الذراع الجنوبية، ولذلك ذكر الإغراق، وتمكن له وصف الجوزاء بقوله: " شيحان " وهو الطويل من الرجال، وقيل الحذر المتحير لما يريبه ويخافه؛ وقوله " منتطق " لأن في وسطها نجوماً تسمى المنطقة، وقوله " حمر وبقر " من أبدع وصفه لبياض متونها، والصحر قريبة من البياض على البعد، لا سيما أن هنالك نجوماً تسمى البقر حواً من الثريا من برج الثور، وذكر الاغراق مع قوله " قبيل غروب الشمس " عجيب يدل على الحرص وخوف الفوت. ويجوز أيضاً أن يكون جعل الهنعة قوساً، وإن كانت من نجوم الجوزاء لأن النجوم عندهم إنما هي علامة وليست هي صورة الجوزاء حقيقة؛ وقوله " وظل لدى الناموس ينتظر " أي اختفى فليس يرى، والناموس: بيت الصائد الذي يختفي فيه. 441 - ومن بديع التشبيه قول الأرّجاني في غلامٍ يلعب بالدبوق (5) :

_ (1) اليتيمة 2: 190 وخاص الخاص: 123 ومن غاب عنه المطرب: 59 والمنتخل: 123 وديوانه: 34. (2) ص: وتبختر. (3) ترجمته في المسالك 11: 319 وفيه الأبيات واسمه هنالك (الحسين) وهو أحد شعراء الانموذج. (4) هذا التعليق حتى آخر الفقرة منقول عن ((الانموذج)) لابن رشيق. (5) ديوان الأرجاني: 11.

يهتزُّ مثلَ الصَّعْدَةِ السمراءِ ... فقدُّهُ من شِدَّةِ التواءِ كالغصنِ تحت العاصفِ الهوجاء ... تراهُ من تمدُّدِ الأعضاء والدبوق: كرة شعر ترمى في الهواء، ثم يتلقاها الغلام ضارباً لها تارة بصدر قدمه، وتارة بالصَّفح الأيمن من ساقه الأيمن، رادّاً إياها إلى العلوّ على الدوام. 442 - العسكري (1) : كأنما الجوزاء طبَّالةٌ ... تحتضن الطبلَ على مَرْقَبَهْ كأنها في الجو رقاصةٌ ... ترقصُ في مِنْطَقَةٍ مُذْهبه 443 - محمد بن عبد الملك الزيات (2) : كأن كواكب الجوزاء لمَّا ... سَمَتْ وتعرَّضَتْ للمنكبينِ فتى حربٍ تقلَّدَ قوسَ رامٍ ... وقلَّدَ خَصْرَهُ بقلادتين 444 - شاعر: كأنما الجوزاء وَسْطَ الدجى ... صَنَّاجةٌ تضربُ بالصّنْجِ قائمةً قد جَرَّدَتْ سيفَهَا ... مائلةَ الرأس من الغُنْجِ 445 - أبو جعفر ابن الأسود: وكأن الجوزاء هبَّتْ من النو ... م وفيها بقيةٌ من سُباتِ أو دهاها يومُ الفراق ببينٍ ... فهي نحو الحبيب ذاتُ التفات 446 - قال العسكري (3) : أجود ما قيل في الجوزاء من الشعر القديم قول كعب الغنوي (4) : وقد مالت الجوزاء حتى كأنَّها ... فساطيطُ ركبٍ في الفلاةِ نزولُ

_ (1) ديوان المعاني 1: 337 ومجموع شعره: 67. (2) محاضرات الراغب 4: 543 (2: 243) . (3) ديوان المعاني 1: 339. (4) انظر أيضاً تشبيهات ابن أبي عون: 6 والأزمنة والأمكنة 2: 235.

3 - الشعرى:

قال: ولو قال فسطاط واحد لكان أجود (1) . ومن شعراء المحدثين قول ابن المعتز (2) : وقد هوى النجم والجوزاءُ تتبعه ... كذاتِ قُرْطٍ أرادته وقد سقطا 447 - وأهل الأندلس يسمون الجوزاء " عصا موسى "، قال أبو الحسن ابن سعيد: وَشَقَّتْ عصا موسى من الليلِ لُجَّةً ... تموجُ بها موجَ السحابِ الذي يسري 448 - سليمان بن اسماعيل المسيحي: ونجومُ الجوزاء كالعقدِ في نح ... ر فتاةٍ قد زُيّنَتْ بالشذورِ شاخصاتٍ في الغربِ مائلةً ته ... وي نشاوى كالشاربِ المخمور 3 - الشعرى: 449 - عبد العزيز بن عبد الله بن طاهر، وهو من ظريف ما قيل فيها (3) : واعترضتْ وَسْطَ السماء الشّعْرَى ... كأنها ياقوتةٌ في مِدْرَى 450 - ابن المعتز (4) : شربتُها والديكُ لم ينتبه ... سكرانَ من نومته طافحُ ولاحت الشعرى وجوزاؤها ... كمثلِ زُجٍّ جَرّهُ رامح 451 - وشبه أبو نواس الدرهم بها فقال (5) : أنعتُ صقراً يغلبُ الصقورا ... مظفَّراً أَبيضَ مستديرا تخالُهُ في قدِّهِ العَبُورا ...

_ (1) العسكري: ولو شبهها بفسطاط كان أشبه. (2) ديوان المعاني 1: 339 وتشبيهات ابن أبي عون: 9. (3) ديوان المعاني 1: 338 وتشبيهات ابن أبي عون: 7 والديارات: 85. (4) هما في ديوانه (تحقيق السامرائي) 2: 70 وأسرار البلاغة: 248 والبيت الثاني في ديوان المعاني: 1: 337 ومحاضرات الراغب 4: 544 - (2: 243) والمصون: 34. (5) ديوان أبي نواس 2: 254 (فاجنر) وتشبيهات ابن أبي عون: 7.

4 - سهيل:

4 - سهيل: 452 - ابن طباطبا: ترى سهيلاً أمامها كلفاً ... تخالهُ إذ بدا لميقاتُ ترسَ مليحَ أخي مثاففةٍ ... يديره في الدُّجى إدارات يرفعُهُ تارةً ويخفضُهُ ... دون مجاري النجوم تارات 453 - وله (1) : كأن سهيلاً والنجومُ وراءه ... يعارضها راعٍ وراء قطيعِ 454 - ابن المعتز (2) : وقد لاح للساري سهيلٌ كأنه ... على كلِّ نجمٍ في السماءِ رقيبُ 455 - البحتري (3) : كأن سهيلاً شخصٌ ظمآنَ جانحٍ ... من الليلِ في نهر من الماء يكرعُ 5 - النسر 456 - العلوي الكوفي، وهو لغز مليح (4) : وركبٍ ثلاثٍ كالأَثافي تعاوروا ... دجى الليلِ حتى أوهنت (5) سنة الفجرِ إذا جُمعوا سَمَّيْتَهُمْ باسم واحدٍ ... وان فُرِّقوا لم يُعْرَفوا آخرَ الدهر 457 - محمد بن الحسن الآمدي: وقد غرَّدَ النَّسْرُ الشماليُّ هابطاً ... كماعكست في هامشٍ يدُ كاتبِ وقد وسَّطَ النجمُ السماءَ كأنه ... طليعةُ جيشٍ أو دليلُ مراقب

_ (1) ديوان المعاني 1: 339 ونهاية الأرب 1: 69 وتشبيهات ابن أبي عون: 8. (2) ديوان المعاني 1: 338 ونهاية الأرب 1: 69 وتشبيهات ابن أبي عون: 8 والديوان: 212. (3) تشبيهات ابن أبي عون: 8 ونهاية الأرب 1: 69. والأزمنة والأمكنة 2: 239 للعلوي الأصبهاني. (4) تشبيهات ابن أبي عون: 8 وديوان المعاني 1: 329 وديوان الحماني (المورد 2/ 1974) : 208. (5) التشبيهات: أومضت.

6 - الفرقدان:

458 - أعرابي في النسر الواقع: وذي رجلين بائنتين منه ... وليس بجريه في الجرى باسُ له صدرٌ وليس له فؤادٌ ... ولم يُخْلَقْ له في ذاك راس 459 - آخر في النسر الطائر: وطيرٍ لا يضمُّ له جناحاً ... تعالى في السماء وما يطيرُ نهاراً باقياً لا أَوْدَ فيه ... وليلاً لا يُعَرِّسُ إذ يسير 460 - الخفاجي الحلبي (1) : والنسر في أفق المغارب تارةً ... يهفو كعاليةِ السماكِ الرامح 461 - ابن المعتز (2) : والنسرُ قد بسط الجناحَ محوماً ... حتى تراه كطالبٍ (3) لم يَصْطَدِ 462 - ابن هرمة في النسر والحوت (4) : وَتَرفَّعَ النسران هذا باسطٌ ... يهوي لسقطته وهذا كاسرُ والحوتُ يسبحُ في السماء كسبحه ... في الماءِ وهو بكلِّ سبحٍ ماهر 6 - الفرقدان: 463 - ابن المعتز (5) : ورنا إلى الفرقدان كما رَنَتْ ... زرقاءُ تنظر من نقابٍ أَسودِ 464 - الشريف الرضي (6) : كأنهما إلفان قال كلاهما ... لشخصِ أخيه قلْ فإنّيَ سامعُ

_ (1) ديوان ابن سنان الخفاجي: 28 وروايته: راية تهفو بعالية. (2) ديوانه: 33 ومحاضرات الراغب 4، 545 (2: 243) . (3) الديوان: حتى القيامة طالباً. (4) محاضرات الراغب 4: 545 (2: 243) وديوانه: 115 (المعيبد) والأزمنة والأمكنة 2: 233. (5) محاضرات الراغب 4: 545 (2: 243) والأزمنة والأمكنة 2: 236 وديوانه: 33. (6) محاضرات الراغب 4: 545 (2: 243) وديوانه 1: 612.

7 - بنات نعش:

7 - بنات نعش: 465 - ابن هرمة (1) : وبنات نعش يستدِرْنَ كأنها ... بَقَراتُ رملٍ خلفهنَّ جآذرُ أخذه ابن هانئ فقال (2) : كأن بني نعشٍ ونعشاً مطافلٌ ... بوجرةَ قد أَضللنَ في مَهْمهٍ خِشْفا 466 - شاعر (3) : وتبدَّتْ بناتُ نعشٍ ولاحت ... مثلَ نعشٍ عليه ثوبٌ جديدُ 467 - التنوخي (4) : كأن بني نعش نساءٌ حواسرٌ ... قرائبُ قد شَيَّعْنَ نعشَ قريبِ 8 - المجرة: 468 - ابن المعتز (5) : كرامٌ لهم نَهْرُ المجرةِ مَنْهَلٌ ... إذا عز ماء والثريّا لهم قَعْبُ 469 - العسكري (6) : تبدو المجرةُ منجرّاً ذوائبها ... كالماء ينساحُ أو كالأَيمِ ينسابُ 470 - وله (7) :

_ (1) محاضرات الراغب 4: 545 والأزمنة والأمكنة 2: 233 وديوانه 114/ 119 (المعيبد/عطوان) وانظر القطعة السابقة رقم: 462 فالبيت منها. (2) ديوان ابن هانئ: 240 وزهر الآداب: 756. (3) تشبيهات ابن أبي عون: 9. (4) محاضرات الراغب 4: 545 (2: 243) . (5) لم يرد في ديوانه. (6) ديوان المعاني 1: 339 ونهاية الأرب 1: 66 ومجموع شعر أبي هلال: 60. (7) ديوان المعاني 1: 339 ومجموع شعره: 138.

وترى الكواكبَ في المجرة شُرَّعاً ... (1) مثلَ الظباء كوارعاً في منهل 471 - الطغرائي (2) : كم ليلةٍ سامرتُ زُهْرَ نجومها ... والجوُّمن أنفاسِ وجدي شاحبُ أرعى السماءَ ونجمها متبلّدٌ ... حيرانٌ قد سُدَّتْ عليه مذاهب وكأنها بحرٌ يعبُّ عبابه ... وكأنه فيها غريقُ راسب وترى بها أُمَّ النجوم كجدولٍ ... في روضة فيها لُجَيْنٌ ذائب وببابها سِرْبُ الظباء: فواردٌ ... أو صادرٌ أو راغب أو راهب (3) 472 - الشريف الموسوي: وترى السماء كأنما هيَ غادةٌ ... لبستْ قميصاً بالمجرةِ مُعْلَما حاكتْ لها أيدي الدياجي مطْرفاً ... كالزهراتِ مُدَنّراً ومدرهما 473 - سليمان بن اسماعيل المسيحي: وترى الزُّهْرَ في المجرة كالزّه ... رِ طفا فوق جدولٍ وغدير 474 - شاعر: تأملْ إلى نهر المجرةِ زاحمتْ ... عليه مهاً من أنجمٍ وظباءِ فلا صادراتٌ عنه تَرْوَى من الظما ... ولا هو يَفْنَى من ورود ظماء ومن لطفه يسري مع الصبح جرمه ... فليس يُرى إلا عقيبَ مساء 475 - ابن طباطبا (4) : مجرةٌ كالماء إذ ترقرقا ... شَقَّتْ بها الظلماءُ برداً أزرقا 476 - العسكري (5) : ليلُ كما نَفَضَ الغرابُ جناحه ... متلوّنُ الأَعلى بهيمُ الأسفلِ

_ (1) العسكري: جدول. (2) ديوان الطغرائي: 119. (3) الديوان: أو ناهل أو قارب. (4) ديوان المعاني 1: 339. (5) ديوان المعاني 1: 339 ومجموع شعره: 138 وانظر الفقرة: 470 في ما تقدم.

9 - الدب:

تبدو الكواكبُ من فتوقِ ظلامه ... لَمْعَ الأسنّةِ من فتوقِ القسطل 9 - الدب: 477 - الشريف: أرى ذَنَبَ الدبِّ الصغير مذهّباً ... وقد صَوَّرته غادةٌ غيرُ عاطلِ ودائرةَ الدب الكبير تجلَّدَتْ ... على القطب في إشراقها والأصائل كأن أنوشروانَ نام على الرحى ... وطافتْ عليه سبعةٌ بمشاعل 10 - السماك الاعزل: 478 - أبو الحسن المعري: كأن إِشراقَ السماكِ الأَعزلِ ... في ظلمةِ الليلِ البهيم الأَلْيَلِ وجهُ الذي تيمنى لما بدا ... يمشي الهوينا في رداءٍ أكحل الكواكب السيارة: 479 - الخمسة المتحيرة: زحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد؛ فسر قوله تعالى: (فلا أُقْسِمُ بالخنَّس الجواري الكنّس) ، أنها هؤلاء الخمس، سميت بذلك لخنسها وهو رجوعها، والخنس، الرجوع، والكنس: الاستقامة، ومنه كناس الظبية، وهو موضع إقامتها، لأن هذه الخمسة لها سير ورجوع واستقامة، ولذلك سميت المتحيرة مع النيرين الشمس والقمر، ويسمون ما عدا هذه الدراري السبعة بالكواكب الثابتة، وقيل في قوله عز وجل: (فالمدبّراتِ أمراً) ، أنها هذه السبعة الدراري، لأن الله عز وجل جعلها سبباً لما يجريه في العالم الأرضي من جميع الكائنات. 1 - زحل: 480 - الشريف الموسوي: كأنما زُحَلٌ إذ عَكْسُهُ لُحَزٌ ... كأسٌ من الخمر ما دارت لأَكياسِ كأنه إذ أراد السيرَ يجذبُهُ ... من خلفه عُصْبَةٌ شُوسٌ بأمراسِ كأنما وجهه في بُعْدِ منزلِهِ ... يخفى ويظهرُ حيناً وجهُ برجاس

2 - المشتري:

2 - المشتري: 481 - أبو بكر الخالدي (1) : والمشتري وَسْط السماءِ تخالُهُ ... وسناهُ مثلُ الوئبقِ المترجرجِ مسمارُ تِبْرٍ أصفر رَكَّبْتَهُ ... في فُصّ خاتمِ فضةٍ فيروزج 482 - ابن طباطبا (2) : كأنَّ التئام المشتري في سحابه ... وديعةُ سرٍّ في ضميرِ مذيع 483 - القاضي شرف الدين الحسن بن القاضي جلال الدين المكرم (3) ؛ قال مختار هذا الكتاب: هذا أخي، رحمه الله تعالى: يا ربَّ ليلٍ بتُّ أرعى نَجْمَهُ ... حتى الصباح بزفرةٍ وعويلِ والمشتري في الأُفْقِ يخفقُ لامعاً ... كفم الحبيب يشيرُ بالتقبيل 3 - المريخ: 484 - ابن المعتز (4) : وتوقَّدَ المريخ بينَ نجومها ... كبهارةٍ في روضةٍ من نرجسِ 485 - التنوخي في المشتر والمريخ (5) : كأنما المريخُ والمشتري ... قُدّامَهُ في شامخِ الرفعَهْ منصرفٌ بالليل عن دعوةٍ ... قد أَسرجوا قدّامه شمعه 486 - شاعر: ونديمِ صِدْقٍ بات يقري (6) راحتي ... بالكأس حين بدا فرارُ الأَنْجُمِ

_ (1) اليتيمة 2: 190 والديوان: 33 - 34. (2) محاضرات الراغب 4: 544 (2: 243) وزهر الآداب: 756. (3) للحسن بن جلال الدين المكرم ترجمة في المغرب (قسم القاهرة) : 323 وكان مولده بالقاهرة سنة 613 ولأبيه المكرم جلال الدين بن أبي الحسن بن أحمد الخزرجي ترجمة في الكتاب نفسه: 322 وكان ذا منزلة عند السلطان الكامل، واقتنى خزانة كتب في فنون شتى. (4) غرائب التنبيهات: 43 وديوانه: 236. (5) اليتيمة 2: 338 وغرائب التنبيهات: 42 ومعاهد التنصيص 2: 14. (6) ص: يقرن.

4 - الزهرة:

وكأنما المريخُ يتلو المشتري ... بين الثريا والهلال المعتم ملكٌ وقد بسطت له يد معدم ... فرمى بدينارٍ إليه ودرهم 4 - الزهرة: 487 - ابن طباطبا: لاح الهلالُ فُوَيْقَ مغربه ... والزهرةُ الغراءُ لم تغبِ وهوى دُوَيْنَ مغيبها فهوت ... تبكي بدمعٍ غيرِ منسكب فكأنها أسماءُ باكيةً ... عند انفصامِ سوارِها الذهب 5 - عطارد: 488 - الشريف الموسوي: أرى كلَّ نجمٍ عارياً وعطاردٌ ... إذا ما بدا شبهُ الغلامِ المدرَّعِ وتحتَ شعاعِ الشمس إذ راح سارياً ... كلؤلؤةٍ في كأسِ خمرٍ مشعشع 6 - الفلك الأعظم: المحيط بالأفلاك المسس بأطلس، وسمي بذلك لأنه لاكواكب فيه: 489 - الشريف الموسوي: الفلكُ الأولُ المعلَّى ... يشبه إذ حاز ما يحوزُهْ لفظاً بديعاً له معانٍ ... يجول فيه ولا يجوزه 490 - ومن أوصاف النجوم ما قاله أبو الاصبغ محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك الأموى، وكان من أفصح المحدثين وأوصفهم للأزمنة والنجوم، ولما سمع المأمون هذه القصيدة التي سنوردها له قال: هذا شعر رجلٍ كأنه صعد الفلك فعلم ما فيه. قال الصولي: ولا أعلم شاعراً تشبَّه به وتبعه في وصف النجوم والأزمنة فأحسن إلا محمد بن أحمد العلوي المعروف بابن طباطبا، فإنه مجيد في ذلك وهو أكثر بديعاً، والمسلمي أفصح منه. قال محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك ابن مروان (1) :

_ (1) الأزمنة والأمكنة 2: 236.

لما تراءى زُحلٌ ... ذاتَ العشاء فَمَتَعْ ولحق النّسرين شَخْ ... صُ الردفِ بالخيل الدرع أطارَ نسراً واقعاً ... بطائرٍ ليس يقع رنَّقَ ذا في سيره ... وسار هذا فشع وعنّ سعدٌ ذابحٌ ... يتبعه سعدُ بُلَعْ وسعدُ سعدٍ بعده ... لسعدِ سَعْديه تعب ذا مع ذا، ذاك وذا ... دافَعَهُ ذا فاندفع أمامها رامٍ إِذا ... أَغرق ذا فُوقٍ نزع يقفو نعاماً وارداً ... وصادراً حيث سكع يطيرُ ما طِرْنَ فإنْ ... وقعنَ في الأفقِ وقع وعقربٍ يقدمها ... إكليلها حين دسع لها مصابيحُ دجىً ... تحكي مصابيح البيع تتلو الزبانى فاذا ... جدَّ بها السيرُ ظلع تتابُعَ الخيلِ جَرَتْ ... منها مُسِنٌّ وَجَذع حتى إذا ما الدلوُ في ... حوضٍ من الحوت كرع ووازن الكفَّ التي ... فيها خضابٌ قد نصع قال الدليلُ: عَرِّسُوا ... فليس في صبحٍ طمع هذا ظلامٌ راكدٌ ... ما للسُّرى فيه نجع والعيسُ في داوَّيةِ ... تُعْمِلُ فيها وتدع ممتدَّةٌ أعناقُها ... للوردِ عن غبِّ النسع كأنها شقائقُ ... تدلُجُ في الموجِ الدُّفَع فقلت سدِّدْ نَحْرَها ... لا كنتَ من نِكْسٍ ورع أما ترى غُفْرَ الزبا ... نى ساجداً وقد ركع وقبل ذاك ماخبا ... ضوءُ السماكِ فخشع وانتثرتْ عوّاؤُهُ ... تَناثُرَ العقدِ انقطع حتى إذ الكبشُ ارتقى ... في مُرْتَقَى ثم طلع هتَّكَ جلبابَ الدجى ... صَدْعٌ من الفجر انصدع نقَّبَ في حافاتِهِ ... هنيهةً ثم سطع

كلمعةِ البرقِ اليما ... نيِّ إذا البرقُ لمع أو سلَّةِ السيفِ انتضى ... سلَّته القينُ الصنع ثم تنمى صاعداً ... ذا جَلَحٍ بادي الصلع في نقبة ينسجها ... بيضاء ما فيها لمع فراح شكّ العين إذ ... جاد البلاد واتسع وانهزمت خيل الدجى ... تركض من غير فزع والضوء في عراصها ... يخب طوراً ويضع فقلت إذ طار الكرى ... عن العيون فانقشع لمائد في رحله ... نشوان من غير جُرع ليس المذكّى سنُّه ... في الصبر كالغمر الضرع 491 - وقال أيضاً: ياليلُ مالك صُبْحٌ ... يرتاحُ فيه العميدُ طال انتظاري لِبُلْقٍ ... تنجابُ عنهنَّ سود فباتَ همي قريني ... كأنّني مورود أرعى النجومَ فمنها ... غوارب وركود وسانحٌ وبريحٌ ... وذابحٌ وقعيد أقولُ للدَّلْوِ صوبي ... حتَّامَ هذا الصعود ما ترقبين وسعدٌ ... قد شَرَّدَتْهُ السعود وقبل ذاك نعامٌ ... مولَّهٌ مطرود للقوسِ في كفِّ رامٍ ... سهمٌ إليها سديد مررن شفعاً وَوِتراً ... كما تمرُّ الوفود وانقضَّ منهنَّ نَسْرٌ ... للأُخرياتِ طرود كأنه حين أهوى ... لهن بازٍ صيود ومرَّ آخرُ يهوي ... فقلتُ أين تريد ميامناً لغؤور ... والغورُ منه بعيد فالفرقدانِ سميرا ... يَ والعيونُ هجود

وآل نعشٍ ركوعٌ ... طوراً طوراً سجود كأنهنَّ نشاوى ... للراح فيها وئيد والجدي في منكبِ القُ ... طْبِ كالحصان يرود لو رام عنه براحاً ... لعاقه تقييد وفي الثريا عن الشَّرْ ... طِ والبُطَيْنِ صدود كأنها بنتُ ماء ... أَسْفَتْ عليها الرعود تحيَّرَتْ واستدارتْ ... فسرها تأويد تسعى هوينا على إث ... رها اللياحُ الفريد والتوأمانِ فهذا ... لاهٍ وذاك طريد ثم استقلَّتْ فباتت ... جوزاؤها تستزيد كأنَّ شعلةَ نارٍ ... تشبُّ فيها الوقود شعرى العبور وأخرى ... في الضوء منها خمود ومستقلٌّ من الاف ... ق نؤوه محمود موصَلٌ بذراعي ... هـ حَبْلُهُ المعقود سما فصاعدَ حتى ... ساوى بهِ التصعيد كأنه ليثُ غابٍ ... تخشى أذاهُ الأسود وفي يمينِ شمال ال ... عّوا سماكٌ عتيد مُسَدَّدٌ صدرَ رمحٍ ... فيه سنانٌ رصيد ورامحٌ مستعدّ ... وأعزلٌ مستفيد سَلْمٌ مَدَى الدهرِ هذا ... وذاك قِرْنٌ عنيد فصرفةُ الليثِ عنه ... ذاتَ اليسار تحيد كأنها شاةُ وحشٍ ... فؤادها مزؤود فطال ذلك حَتَّى ... نفى الكرى التسهيد فقلتُ والليلُ داجٍ ... خصاصهُ مسدود مفصَّلٌ بالفيافي ... رواقُهُ الممدود له بكلِّ فضاءٍ ... عساكرٌ وجنود وقد تمطَّى بصلبٍ ... تزلُّ عنه اللبود لا يمتطي الهولَ فيه ... إلا الشجاعُ الجليد ما للظلام انحسارٌ ... وما يكرُّ جديد

ولا أرى ساطع الفج ... ر مشرقيّاً يعود لئن أنابَ لعيني ... إني إذاً لسعيد فلم يَرُعْنِي وللصب ... ر مُسْتَغَبٌّ حميد إلا وغفرُ الزبانى ... يلوحُ فيه العمود كأنه قُرَشِيٌّ ... تهفو عليه البنود 492 - وقال أيضاً: فخرجتُ حين بدا سهيلٌ طالعاً ... يُسْرى المصلَّى قائماً يتنفَّلُ والجديُ كالفرسِ الحصانِ شددته ... بالسرج إلا أنه لا يصهل والثور في جوِّ السماء محلِّق ... خلفَ الثريا حائرٌ متململ وامتد للجوزاءِ نظمُ قطارها ... وتلاحقتْ فقطارها مستعمل فإذا استمرَّ مريرها وتحلحلتْ ... فبقدرِ ذلك نورها يتحلحل 493 - محمد بن أحمد العلوي ابن طباطبا: ربَّ ليلٍ كأنّه عَقِبُ البغ ... ي طويلُ المدى من التعقيبِ لاحتِ الزاهرات فيه كَزُهْرٍ ... يتلالا غبَّ السحاب السكوب أو كَزُرْقِ الرماح في النَّقْعِ تبدو ... أو كبيضِ القطا بروض قشيب والثريا كأنها فضلةُ الدر ... عِ أو العقربُ البطيءُ الدبيب وكأن الجوزاء خَوْدٌ تَبَدَّتْ ... في وشاحٍ من لؤلؤ مثقوب أو كمثل الغريقِ يسبحُ في زا ... خرِ يمٍّ أو أقطعٍ مصلوب وكأنَّ المريخَ جذوةُ نارٍ ... حين يبدو وضوؤه كاللهيب وسهيلٌ كأنه قلبُ صبٍّ ... فاجأَتهُ بالحوتِ عينُ الرقيب وكأنَّ الهلالَ لما تبدَّى ... شطرُ طوق المرآة ذو التذهيب أو كقوس قد أحنيتْ أو كنؤيٍ ... أو كنونٍ في مُهْرَقٍ مكتوب شاخصاتٍ إلى السماء فما تط ... رفُ أجفانها من التعذيب 494 - وقال (1) : وبتُّ أُراعي كوكباً بعد كوكبٍ ... أوانَ أُفولِ حائن وطلوعِ إذا سرن سَيْراً واحِداً خلتَ بعضها ... إلى بعضها مشدودةً بنسوع

_ (1) ورد بعض أبياتها في زهر الآداب: 756 - 757.

كأن موشَّى الجوّ عند اكتمالها ... جلودُ أَفاعٍ أو نسيجُ دروع كأن سهيلاً والنجومُ وراءه ... يعارضُها راعٍ وراءَ قطيع إذا قام من مرقاته قلت راهبٌ ... أطال انتصاباً بعد طول ركوع وقد لاحت الشعرى العبورُ كأنها ... تقلُّبُ طَرْف بالدموعِ هموع وأصبحتِ الجوزاءُ في أفق غربها ... تميلُ كنشوانٍ هناك صريع وراحت تمدُّ الباعَ حتى كأنما ... يقال لها قيسي السماء وبوعي إلى أن أجابَ الليلُ داعيَ صبحه ... وكان ينادي منه غير سميع 495 - وقال: كأنَّ السماء استكستِ الليلَ حُلّةً ... منمنمةً حيكت عليها بأوزار كأنَّ اخضرار الجوِّ تحتَ نجومه اخ ... ضرارُ رياضٍ نشِّرت بين أنوار كأن نجوماً سائرات نهارَهَا ... ووافتْ عشاءً وهي أنضاءُ أسفار 496 - وله: أَرَقي لبرقٍ لائحٍ في جوّه ... لألاؤه كمهنداتٍ تلمعُ والليلُ قد حجبَ الصباحَ كأنه ... مترهبٌ بمسوحِهِ متدرع وترى الثريا مثل كفِّ خريدةٍ ... تومي بها أو عقربٌ تتسمَّع وكأن ثوبَ الجوّ صرحٌ لائحٌ ... ونجومُهُ درٌّ عليه تُرَصَّع أو كالدراهمِ فوق أرضِ بنفسج ... أو نرجسٍ من سوسن يتطلع 497 - علي بن محمد الكوفي (1) : نجومٌ أراعي طولَ ليلي بروجها ... وهنَّ لبعد السيرِ ذاتُ لغوبُ خوافق في جنحِ الظلامِ كأنها ... قلوبٌ معنّاةٌ بطولِ وجيب ترى حُوتها في الشرقِ ذات سباحةٍ ... وعقربها في الغربِ ذاتَ دبيب إذا ما هوى الإكليلُ منها حَسِبْتَهُ ... تهدُّلَ غُصْنٍ في الرياضِ رطيب كأن التي (2) حول المجرة أَورِدَتْ ... لتكرعَ في ماءٍ هناكَ صبيب

_ (1) انظر الذخيرة 1/2: 510 وزهر الآداب: 753 وشرح المختار: 251 ومعاهد التنصيص 4: 258 والبيتان السابع والثامن في حلبة الكميت: 308 واعتقد أن الشاعر هو العلوي الحماني ولكن جامع شعره لم يورد هذه الأبيات. (2) ص: الذي.

كأن رسولَ الصُّبح يَخْلِطُ في الدَجى ... شجاعةَ مقدامٍ بجبنِ (1) هيوب كأن اخضرارَ الجوِّ صَرْحٌ ممرَّدٌ ... وفيه لآلِ لم تُشَنْ بثقوب كأنَّ سوادَ الليلِ في ضوء صبحِهِ ... سوادُ شبابٍ في بياضِ مشيب كأن نذير الشمسِ يحكي ببشرِهِ ... علي بن هرونٍ (2) أخي ونسيبى 498 - التهامي (3) : وللمجرَّةِ فوق الأفقِ (4) مُعْتَرَكٌ ... كأنها حَبَبٌ يطفو على نَهَرِ وللثريا ركودٌ فوق أرحلنا ... كأنها قطعة من جلدةِ النمر كأنّ أنجمه والصبحُ يُغْمِضُها ... قسراً عيونٌ غَفَتْ من شدَّة السهر فروَّع (5) السرب لما ابتلَّ أكرعه ... في جدول من خليج الفجر منفجر ولو قدرتُ وَثَوْبُ الليلِ مُنْخَرِقٌ ... بالصبحِ رَقَّعْتُهُ منهنَّ بالشعر 499 - الشريف الموسوي ابن دفتر خوان: كأنَّ بروقَ الجو في حَجَراته ... سلاسلُ تبرٍ قُطِّعَتْ من سلاسلِ كأن النجومَ الزهر لاحتْ بأفقها ... نواهدُ من نسجِ الضحى في غلائل كأن التي حول المجرَّةِ أينقٌ ... أقامَ بها الحادون حولَ مناهل كأن الثريا ظبيةٌ نَصَبَتْ لها ... يدٌ أنجمَ الجوزاء شبهَ حبائل كأن نجومَ الرَّجْمِ خيلٌ تقابَلَتْ ... فوارسها، والشهبُ مثل العوامل كأن شبابَ الليلِ وافاه شَيْبُهُ ... فأَسفرَ عن حَقٍّ يشابُ بباطل كأن الصباحَ صارمٌ سلَّهُ الدجى ... من البرقِ لم تلمسهُ أيدى الصياقل 500 - وله: ولاحتْ بأرجاءِ السماءِ كواكبٌ ... كما جُرَّ للحرب العوانِ جحافلُ وكرَّتْ بها شُهْبٌ على الدُّهْم، والدجى ... لها حومةٌ في الكرِّ، وهي عوامل وقد لمعتْ فيها النجومُ كأَنها ... من الروم في روضٍ جوارٍ مطافل

_ (1) الذخيرة: بجري. (2) الذخيرة: علي بن داود. (3) ديوان التهامي: 42 والشريشي 2: 304 (بولاق) . (4) ص: الأرض معترض. (5) الديوان: الشرب.

كأن نجومَ الغَفْرِ وهي ثلاثةٌ ... أَثافيُّ خلاَّها على الدارِ راحل كأن بها سربَ النعائم راعه ... قنيصٌ فمنه واردٌ وَمُواِئل كأن بها الإكليلَ تاجُ مُتَوَّجٍ ... ومن حوله بالبيضِ جَيْشٌ مقاتل كأن بها نهرَ المجرة مَنْهَلٌ ... له قافلٌ نالَ الورودَ ونازل ويخفق فيها القلبُ كالقلبِ في الهوى ... إذا صَدَعَتْهُ بالملامِ العواذل 501 - سليمان بن اسماعيل المسيحي المارديني: ربَّ ليلٍ شربتُ فيه وقد با ... تَ سُهاه منادمي وسميري والثريا كالكأسِ يظهرُ فيها ... حَبَبٌ مثلُ لؤلؤٍ منثور وكأن النجومَ سَرْحٌ وقد نف ... رها طلعةُ الهزبرِ الهصور وترى الزهر في المجرة كالزه ... ر طفا فوق جدول وغدير ونجوم الجوزاء كالعقد في نح ... ر فتاةٍ قد زينت بالشذور شاخصاتٍ في الغرب مائلةٍ ته ... وي نشاوى كالشارب المخمور 50 - محمد بن هانئ المغربي (1) : أليلتنا إذا أرسلتْ وارداً وَحْفَا ... وبتنا نرى الجوزاءَ في أُذْنها شِنفا وبات لنا ساقٍ يقوم على الدجى ... بشمعة صبح ما تُقَطُّ ولا تطفا أَغَنُّ غضيضٌ خفَّفَ اللينُ قدَّه ... وثقّلَتِ الصهباءُ أَجفانَهُ الوُطفا فلم يُبْقِ إرعاش المدامِ له يداً ... ولم يُبْق إِعناتُ التثني له عطفا يقولون حقفٌ فوقه خيزرانةٌ ... أما يعرفون الخيزرانةَ والحقفا جعلنا حشايانا ثيابَ مدامنا ... وَقَدَّتْ لنا الظلماء من جلدها لحفا فمن كبدٍ يوحي إلى كبدٍ هوى ... ومن شفةٍ تُهدي إلى شفةٍ رشفا بعيشكَ نبِّهْ كأسَهُ وجفونَهُ ... فقد نبَّهَ الابريق من بعد ما أغفى وقد فكَّتِ الظلماء بعضَ قيودها ... وقد قام جيشُ الفجرِ لليلِ واصطفا وولَّتْ نجومٌ للثريا كأنها ... خواتيمُ (2) تبدو في بنانِ يدٍ تَخْفَى كأن بني نعشٍ ونعشاً مَطافلٌ ... بِوَجْرَةَ قد أَضللنَ في مهمهٍ خِشْفا

_ (1) ديوان ابن هانئ: 238 وزهر الآداب: 755 - 756 ومعاهد التنصيص 4: 255. (2) ص: خواتم.

كأن سهيلاً في مطالع أفقه ... مُفارقُ إِلفٍ لم يجدْ غيرَهُ إلفا كأن سُهاها عاشقٌ بين عُوَّدٍ ... فآونةً يبدو وآونةً يخفى كأن ظلامَ الليلِ إذ مالَ مَيْلَةً ... صريعُ مُدامٍ بات يشربها صِرفا كأنَّ عمودَ الفجرِ خاقانُ معشرٍ ... من الترك نادى بالنجاشي فاستخفى كأن لواء الفجرِ غُرَّةُ جعفرٍ ... رأى الوفدَ فازدادت طلاقته ضِعْفا 503 - الوزير أبو القاسم الحسين بن علي المغربي: الليلُ مَيْدانُ الهوى ... والكأسُ مجموع الأَرَبْ يا ربّ ليلٍ قد قصر ... نا طولَهُ فيما نُحِبّ لما هززناه تلا ... قى طرفاهُ بالطرب يلعبُ في الخسران والطا ... عةِ ساعاتِ اللعب تحكي ثريَّاه لِمَن ... يرنو إليها من كَثَبْ خريطةً من أبيضِ الد ... يباجِ ما فيها عَذب والدَّبَران خَلْفَها ... كفتحِ بركارِ ذهب وَهَقْعَةُ الجوزاء فس ... طاط عمودٍ منتصب ومنكبٌ كوجهِ مب ... ثورٍ للحظ المرتقب وَهَنْعَةٌ كأنّها ... قوسٌ لندَّافِ عطب وَزُبْرَةٌ كأنّها ... رُخَّانِ في خشتٍ ذرب ثم الذراعُ شمعةٌ ... تشعل رأساً وذنب ونثرةٌ كَوَسطِ مق ... لاعٍ كبير مُنْتَخَبْ والطرفُ طرفا أسدٍ ... في عينه كحلُ الغضب وجبهةٌ باديةٌ ... كمنبرٍ لمختطب وصرفةٌ تخالها ... في الجوِّ مسماراً ضرب وتحسبُ العوَّاءَ في ... آفاقها لاماً كُتب ثم السماكُ مفرداً ... كغرةِ الطَّرْفِ الأَقَب كأنه والغفرُ مي ... زانُ إِمام يحتسبُ يدنو إليه عرشُهُ ... يريكَ تابوتاً نُصِب ثم الزبانى عاشقا ... ن ذا إلى هذاكَ صَبّ

تكالما من بُعُدٍ ... وحاذرا من مرتقب ونظم الأكليلَ والقل ... (1) بُ جوارٍ تقترب كمشعلين رُفعا ... مختلفين في النصب وشولة تخبر عن ... قرب الصباح بالعجب كجانبٍ من عَقْدِ أَر ... جوحةِ حَبْلٍ مضطرب وبعدها نعائمٌ ... مختلفاتٌ في الطلب فهذه صادرةٌ ... وهذه تبغي القَرَبْ كمضجعي غانيت ... ين يلعبانِ في الترب فغادرا من بددِ ال ... حليِ كجمرٍ ملتهب وبلدةٍ مثل شنا ... نٍ فارغٍ لما يجب كأنها صدرٌ سلا ... من بعد ما كان أحبّ وجاء سعدٌ ذابحٌ ... وبلعٌ على العقب كأن ذا قوسٌ وذا ... سهمٌ عن القوس ذهب وذو السعودِ نائبٌ ... عن ذابحٍ إذا غرب وبعد ذو أخبيةٍ ... خُنْسٍ قصيرات الطنب كجؤجؤ البطَّةِ مَعْ ... منقارها إذا انتصب وأَسْفَرَ الفرغانِ عن ... أربعةٍ من الشهب كأنها أركانُ قصل ... رٍ عزهن قد خَرِبَ والحوتُ يطفو فإذا ... وما طفح الفجرُ رسب والشرطان (2) الصولجا ... ن عند لعَّاب درب ثم البُطَيْنُ بعده ... مثلُ أثافيِّ اللهب كأنما الحادي له ... في صحّةِ التقدير أبْ تجزعها مَجَرَّةٌ ... من قُطُبٍ إلى قطب كأنها جسرٌ على ... دجلةَ مبيضُّ الخشب أعطيتُ ريعانَ الصبا ... من المجونِ ما أحبّ ثم رجعتُ سائلاً ... لذي المعالي والحجب

_ (1) ص: ترتقب. (2) ص: والشرطين.

1 - الحمل:

لمن يجيب من دعا ... فضلاً ويعطي من طلب إذا استنيل لم يهبْ ... من الكثير ما يهب سألتُهُ مغفرةً ... لما اجتنيتُ في الحقب وكنتُ جهدي شرَّ عب ... دٍ فليكن لي خيرَ رب 504 - 516 - ومما جاء في البروج ما أنشده أبو الحسن الشريف الموسوي الطوسي فى البروج: 1 - الحمل: الحمل المعروف كالأيل استأ ... نف منه ليل بدا الذبحا وقد لوى من خلفه رأسه ... ملتفتا يستنجد الصبحا 2 - الثور: الثورُ شطران تراه وقد ... نَكَّسَ منه الرأسَ للنطحِ كراهبِ عانٍ على وَسْطِهِ ... زنّارُهُ يسجُدُ للصبح 3 - الجوزاء: لليلِ فضلٌ بالظلام وسقفه ... وهو النجوم مفضضٌ ومرصصٌ وكأنما الجوزاءُ جاريتان تَوْ ... أمتان ذي تشدو وهذي ترقص 4 - السرطان: انظر إلى السرطانِ أَطلعَ رأسهُ ... شرقاً وباقيه إلى الغربِ كالعلج أثقله الحديدُ وقام يه ... رب ناجياً (1) فمشى على جَنْبِ 5 - الأسد: هل لك في وحشِ السما من عَهْدِ ... في أَسَدٍ خلافَ كَوْنِ الأُسْدِ يبدو لنا في عكس جلدِ الفهد ...

_ (1) ص: داحياً.

6 - السنبلة:

6 - السنبلة: أما رأيتَ هيأةَ العذراء ... كغادةٍ ترقصُ في النساءِ بِدَسْتَبَنْدَيْنِ على التواءِ ... قد قَلَبَتْ ذيلاً من الحياء بصورةٍ كصورة العنقاء ... 7 - الميزان: لميزانِ النجوم علي وصفٌ ... وقد قسم الكواكبَ باعتبارِ كجاريةٍ تدلَّتْ من يديها ... خيوطٌ في قناديلٍ كبار 8 - العقرب: كواكبُ العقرب عشرون وال ... قلبُ لمن يعجبُ من ضَبْطها وقلبها يحكي على خَفْقِهِ ... واسطةً تلعبُ في سمطها 9 - القوس: أرى القوسَ رُكِّبَ في صُوْرَتَيْ ... بهيمٍ وانسانه المفترسْ فشبهته خابطاً في الدجى ... (1) براقصةٍ رقصت بالعُرُسْ 10 - الجدي: أرى جَدْيَ السماءِ بغير رجلٍ ... ولا كَفَلٍ له لكنْ براسِ ونصفَ الجدي يظهرُ من سماءٍ ... كنصفِ الخشفِ يبدو من كناس 11 - الدلو: تأمَّل إلى الدَّلْوِ في خَلْقِهِ ... تجدْ ساقياً قام في مائِهِ يصبُّ على رجله كأسَهُ ... فيسقي الجنوبَ بصهبائه 12 - الحوت: الحوتُ شبُوطانِ مفترقان مق ... ترنانِ لا تعدوهما الأَمواهُ

_ (1) ص: بالفرس.

1 - الشرطان:

شَبَّهْتُهُ بقلادةٍ من لؤلؤٍ ... أو كالقضيبِ إذا التقى طرفاه 517 - 544 - ومما جاء فى المنازل ما أنشده الشريف أبو الحسن أيضاً فيها لنفسه: 1 - الشرطان: كأن السما رَوْضاتُ حَزْنٍ تنزهت ... عن الزمّ للدولاب أو عن حياضِهَا وتحكي بها الأَشراطُ وهي ثلاثةٌ ... ثلاثَ نياق رُتَّعٍ في رياضها 2 - البطين: كأن البُطَيْنَ إذا ما بدا ... رؤوسُ مساميرِ درعِ البطلْ كأن كواكبهُ لُوِّيَتْ ... جلاجلَ من فضةس للحمل 3 - الثريا: كأن الثريا قبةٌ من زبرجدٍ ... ترصَّع فيها لؤلؤ وجمانُ كأن الثريا خيمةٌ جَذَبَتْ بها ال ... براقعَ عن حُسْنِ الوجوه قيان كأن الثريا سربُ عِيْنٍ من المها ... مطافلُ في روضٍ لهن يُصان وله أيضاً: دعْ في الثريا مَنْ صاغها قدما ... فهي وللواضعين منهاجُ في شرقها قرطقٌ ومغربها ... عقدٌ وفي أوسطِ السما تاج 4 - الدبران: انظرْ إلى الدَّبران يحكي فارساً ... في خَلْقِهِ من فوقِ أشهبَ عادي وكأنه يستنُّ خلفَ كواكبٍ ... هُنُّ القلاصُ بها يسمَّى الحادي علجٌ إلى قصرِ الثريا سائقٌ ... عيساً تشتتَ شملها في وادي 5 - الهقعة والهنعة: إذا ملكُ الليلِ رام السما ... وشبَّ به للدياجي حصانْ

10 - الخرتان:

فَهَقْعتها في ميادينها ... كُرَاتٌ وهَنعَتُهَا صَوْلَجان 6 - الذراع: كأن ذراعاً للمنازل إذ بدا ... له كوكبان استشرفا عن كواكبه كميَّانِ في الحربِ العوانِ تطاعنا ... فأَنهلَ كلٌّ رُمْحَهُ صدرَ صاحبه 7 - النثرة: أَرى النجومَ نصالاً ... تلوحُ في كلِّ حَجْرَهْ ونثرةَ الليلِ فيها ... كأنها كمُّ نثره 8 - الطرف: الطرفُ طِرْفٌ للخليفةِ أَشهبُ ... لا تقتفيه سلاهبُ وصلادِمُ أجرى اللجينَ بسرجه ولجامه ... ونجومه المتدلياتُ براجم 9 - الجبلة: لم أدرِ إذ مدَّ الدجى أطنابا ... كواكبَ الجبهة أم أكوابا لو قُوِّمَتْ أشبهتِ المحرابا ... أربعة كم أَهلكتْ حسابا كأنها ولم تَسِرْ صوابا ... كؤوسُ خمرٍ صُفِّفَتْ وِرَابا 10 - الخرتان (1) : الخرتَان في الدُّجى فنيقُ ... يجمعه والأَسَدَ الطريقُ لوجهه في حندسٍ فريق ... قد قُيِّدَتْ في جَريهِ بروقُ كأنه في شرقِهِ بَطْريقُ ... تؤمه من الروابي نوق للخمرِ في يمينه إِبريق ... 11 - الصرفة: كأنما الصرفةُ مذ فارقتْ ... ولم تكدْ تخلصُ برجَ الأَسدْ

_ (1) يعني الخراتان وهما من كواكب الأسد.

12 - العواء:

جاريةٌ ساهرةُ الطرفِ لا ... تحلُّ من أثوابها ما انعقد 12 - العواء: ألا إنَّما العوّا تسافرُ وحدها ... بغير مزاداتٍ لماءٍ وراويَهْ وقد كبتْ في الشرق لاماً فشكلها ... كمسطرةِ الحجّارِ أو جنكِ زاويه 13 - السماك: ان السماك قميصُهُ لونُ السما ... هو أعزلٌ في شكله المترجرجِ وكأنه ما بين دُرِّ نجومها ... فصّ كبيرُ الجرمِ من فيروزج 14 - الغفر: ثلاثةُ أنجمٍ للغفرِ تحكي ... ثلاثة أوجهٍ لمخدَّراتِ سَبَتْ ميزانه منهنَّ غزلاً ... فهنَّ إليه كالمتلفتات 15 - الزبانى: كأن الزبانى سنانٌ لرمحٍ ... وما حولها شِبْهُ خرصانها فلو جَثَمَتْ بين أترابها ... لصارت لساناً لميزانها 16 - الاكليل: شّبِّهْ لنا الإكليلَ بالغُضْنِ الذي ... قد أوثقته ثمارُهُ بوثاقِ وعصابة قد رُصِّعَتْ بجواهرٍ ... بقيَتْ على رأس النجاشي الباقي 17 - القلب: أرى القلبَ يخفقُ خَفْقَ البروقِ ... فقلْ للذي عنده العدلُ واجبْ إذا خفق القلبُ بالعينِ فاعذر ... على خَفْقِ عينٍ بقلبٍ وحاجب 18 - الشولة: هذه الشَّوْلَةُ التي هي للأَق ... مارِ بنتٌ عقيلةٌ ليس تُحْجَبْ إن أشالتْ رجلاً من الخوفِ فاعذرْ ... فعلها فهي بين قوسٍ وعقرب

19 - النعائم:

19 - النعائم: هذي النعائمُ كالنعام كأنها ... قامتْ سواءً عن فراخ نُهّضِ شبهتهن تقينتين عليهما ... بُشْخانتان من الحريرِ الأبيض 20 - البلدة: ما لِلْبَليدِ ما أَتى بطائلِ ... يقولُهُ في بَلْدةِ المنازلِ خُذْ وصفها من عربيٍّ باسلِ ... مثل الاوز طُفْنَ بالمناهل أو كالشهودِ حول مالٍ مائل ... بالطيلساناتِ وبالغلائل أو كالعُفاةِ حول بَذْلِ النائل ... كشكلِ ثوبٍ من يمينِ فاضل 21 - سعد الذابح: وثلاثةٍ وُسِمَتْ بسعدٍ ذابح ... هو في السعود كحادثٍ لاثنين وسموه بالسِّمَتَيْنِ وهو فلا يُرى ... منه سوى السكين والجلمين 22 - سعد بلع: تعجَّبوا من بُلَعٍ كأنه ... عصا لأعمى حائدٍ عن رُشْدِهِ خاف أخوه عرقاً بثوبه ... فلم يزلْ مستتراً ببرده 23 - سعد السعود: لسعدٍ سعودٍ كنزُ مالٍ ولم تزلْ ... تقسم في جيرانه منه أَقْبيَهْ كأن أخاه حاملٌ منه بيرقاً ... أمامَ خِباءٍ شاده سعدُ أخبيه 24 - سعد الاخبية: شطر أرى طارقاً عن سَعْدِ أخبيةٍ غدا ... بغير رجوع كفُّهُ متجمّده وليس يُرَى منه على بُعْده سوى ... رؤوسٍ تبدَّتْ من ثلاثةِ أَعمده 25 - الفرغان: السعد بعد السعدِ من يومه ... وماؤها للخصبِ مصبوبٌ كأنما الفرغان من خلفها ... حوضٌ لصيدِ الحوت منصوب 26 - بطن الحوت: كجرَّافةٍ بطنُ حوتِ السما ... وقدِّرْ تَجِدْ حقَّ تقديرها وتلك النجومُ بحافاتها ... أحاطت رؤوسَ مساميرها 545 - وأما جملة الكواكب والسماء: فإن الله تعالى يقول: (زينا السماءَ

الدنيا بزينة الكواكب وحفظاً مِنْ كلِّ شيطانٍ مارد) ، وقيل لأعمى (1) : ما تحبّ أن ترى؟ قال وجه السماء، قيل له: لم خصصته بذلك دون سائر المرئيات الحسان؟ قال: لأن الله عز وجل قال: (إنّا زيّنا السماء الدنيا بزينة الكواكب) ، فهو أحسن مما وصفه الله عز وجل بأنه زينة. 546 - وللعرب في النجوم تشبيهات خافية رغب عنها المولدون والمحدثون فإنهم يشبهونها بالقلاص والبقر والكلاب كما قال شاعرهم في الجوزاء: كراعٍ ساقَ بين يديه ثوراً ... بليداً قد أَشال عصا طرودِ أين هذا من قول ابن المعتز (2) : كأنما الجوزاءُ في أعلى الأُفقْ ... أغصانُ نَوْرٍ أو وشاحٌ من وَرَقْ ولما كان الحال كذلك عُدِلَ عن أشعارهم إلى أشعار المحدثين. 547 - أبو جعفر ابن الأسود: وكأن النجومَ نَقْعٌ مثارٌ ... ينجلي عن أسنّةٍ لامعاتِ وكأن النجومَ نرجسُ روضٍ ... زاهرٌ في رياضِهِ الخضرات 548 - ابن المعتز (3) : كأنَّ سماءنا لما (4) تبدَّت ... خلالَ نجومها عندَ الصباح (5) رياضُ بنفسجٍ خَضِلٍ نداهُ ... تفتّحَ بينه نَوْرُ الأَقاحي 549 - شاعر: إذ السماءُ روضةٌ ... نجومها كالزَّهّرِ والجوُّ صافٍ لم يُكَدِّ ... رْهُ انتشارُ البشرِ 550 - الوأواء (6) : وكأنَّ النجومَ أحداقُ رومٍ ... رُكِّبَتْ في محاجرِ السودانِ

_ (1) انظر محاضرات الراغب 4: 531 (2: 240) . (2) ديوان ابن المعتز (تحقيق السامرائي) 2: 465 وتشبيهات ابن أبي عون: 6. (3) ديوان ابن المعتز: 305 (2: 534 السامرائي) وديوان المعاني 1: 333 والأزمنة والأمكنة 2: 236 ونهاية الأرب 1: 33 والأوراق: 250 وزهر الآداب: 179 وتشبيهات ابن أبي عون: 7 وحلبة الكميت: 347. (4) الديوان: كأن سماءها لما تجلت. (5) ص: لما تبدى ... ضد الصباح. (6) اليتيمة 1: 292 والفوات 3: 240 وديوانه: 243.

551 - ابن وكيع (1) : والجوُّ صافٍ قد حكى ... بأنجمٍ فيه غررْ جامَ زجاجٍ أزرقٍ ... قد نثرت فيه درر 552 - ابن طباطبا: كأنَّ السماءَ استكستِ الأرضَ حُلَّةً ... منمنمةً حِيكتْ عليها بمقدارِ مرصعةً بالدر من كل جانبٍ ... يُزَرُّ عليها في الهواء بأزار 553 - العسكري (2) : أراعي نجومَ الليلِ وهي كأنها ... كواعبُ ترنو من براقع سندسِ كأنَّ الثريا فيه باقةُ سوسنٍ ... وما حولها منهن طاقات نرجس 554 - الخالدي (3) : وليلةٍ ليلاءَ في اللو ... ن كلون المفرقِ كأنما نجومها ... في مغربٍ ومشرق دراهمٌ قد نُثِرَتْ ... على بساطٍ أزرق 555 - أبو الحسن النامي (4) : ليلةٌ بتُّها وحبّيَ أُسْقَى ... عاتقاً عَتَّقَتْ مداها الدهورُ وكأنَّ السماءَ والبدرَ والأن ... جم روضٌ ونرجسٌ وغدير 556 - الخالدي (5) : أرعى النجومَ كأنها في أُفقها ... زهْرُ الأَقاحي في رياضِ بنفسجِ 557 - ابن بابك: نبهتُهُ وَسِنانُ الفجرِ معترضٌ ... والليلُ كالبحر يخفي لجُّهُ دُرَرَهُ 558 - العسكري (6) : وتلوحُ النجومُ في ظلمةِ اللي ... ل كعاجٍ يلوحُ في أبنوسِ

_ (1) ديوان ابن وكيع: 75 (نقلاً عن نثار الأزهار) . (2) ديوان المعاني 1: 335 ومجموع شعره: 114. (3) اليتيمة 2: 204 وديوان أبي عثمان الخالدي: 144. (4) صلة ديوان النامي: 80 (نقلاص عن نثار الأزهار) . (5) اليتيمة 2: 190 والديوان: 33. (6) ديوان المعاني 1: 333 ومجموع شعره: 115.

559 - السلامي (1) : وعهدي بنا والليلُ ساقٍ ووصلها ... عُقارٌ وفوها الكأسُ أو كأسها فمُ إلى أن صحونا (2) والنجوم وغربها ... يفضُّ عقودَ الدر، والشرقُ ينظم 560 - السري الموصلي (3) : في حاملِ الكأس من بدر الدجى خَلَفٌ ... وفي المدامة من شمس الضحى عِوَضٌ دارتْ علينا كؤوسُ الراح مُتْرعةً ... وللدجى عارضٌ في الجو معترض حتى رأيتُ نجوم الليلِ غائرةً ... كأنهنَّ عيونٌ حشوها مرض 561 - أبو طالب الرقي (4) : ولقد ذكرتكِ والظلامُ كأنه ... يومُ النوى وفؤادُ مَنْ لم يعشقِ وكأن أجرامَ النجوم لوامعاً ... دررٌ نُثِرْنَ على زجاج أزرق والفجر فيه كأنه قطر الندى ... ينهلُّ من نسج الغمامِ المغدق 562 - شاعر: وليلٍ كأن نجومَ السما ... به مُقَلٌ رَنَّقَتْ للهجوع ترى الغيمَ من دونها حاجباً ... كما احتجبت مقلةٌ بالدموعِ 563 - الوزير المهلبي: شربنا غبوقاً والنجومُ كأنها ... نثارُ دنانيرٍ على أرضِ سندسِ 564 - علي بن أحمد النعيمي: وكم ليلةٍ مَزَّقْتُ ثوبَ ظلامها ... أُسامرُ قيها نجمها وأُساهِرُه وقد لاح فيها البدرُ لابسَ تاجِهِ ... بنظم الثريا والنجومُ عساكره كأن أديمَ الجوِّ جوشنُ فارسٍ ... وقد جعلت نثرَ النجوم مسامره فيا لكَ من ليلٍ نعمنا بظله ... ويا للمنى في أنْ تعودَ نظائره 565 - أبو بكر الخوارزمي (5) : ولقد ذكرتكِ والنجومُ كأنها ... درٌّ على أرضٍ من الفيروزج

_ (1) اليتيمة 2: 412. (2) ص: بدرنا. (3) اليتيمة 2: 173 والديوان: 157 ونسبت لأبي الفرج الببغاء في معاهد التنصيص 2: 20. (4) اليتيمة 1: 298 والبيت الثاني في نهاية الأرب 1: 33. (5) اليتيمة 4: 211 وورد منها بيتان في من غاب عنه المطرب: 56 منسوبان للوأواء الدمشقي.

يلمعن من خلل السحاب كأنها ... شَرَرٌ تطاير عن يبيس العرفج والأفقُ أحلكُ من خواطرِ كاسبٍ ... بالشِّعر يستجدي اللئامَ ويرتجي 566 - أبو عاصم العباسي: وليلٍ كأصداغ العذارى تَطَلَّعَتْ ... كواكبه مثلَ الثغورِ البواسمِ إذا سلَّ فيه البرقُ سيفاً تترستْ ... كواكبه من خوفِهِ بالغمائم 567 - اسحاق المادرائي: ليلٌ قد اختلفت أشكالُ أنجمِهِ ... كأنهنَّ عيونٌ في الدجى حُولُ 568 - العباس بن الاخنف (1) : والنجمُ في كبدِ السماء كأنَّهُ ... أعمى تحيَّر ما لديه قائد كان بشار يعجب بهذا البيت ويقول: لم يرضَ أن جعله أعمى حتى جعله متحيراً بغير قائد. 569 - علي بن محمد الكاتب: والبدرُ كالملكِ الأَعلى وأنْجُمُهُ ... جنودُهُ ومباني قصره الفَلَكُ والنهرُ من تحته مثلُ المجرةِ وال ... رشاء يشبهه في مائِهِ السمك الرشاء: الحوت، وهو آخر منازل القمر؛ وحكماء الهند تزعم أن الله عز وجل لما خلق النجوم أقرَّها في الحوت ثم سيَّرها منه، فلا تزال دائرة حتى تجتمع فيه، فإذا اجتمعت هلك العالم، ويذكر أنها اجتمعت فيه. إلا القليل منها. زمن الطوفان. 570 - الشيخ شرف الدين المصنف: وليلٍ سهرناه كأن سماءَهُ ... بساطٌ من الديباج يُنْشَرُ أزرقُ تلوحُ به غُرُّ النجوم كأنما ... تبدَّدَ في تلك البسائط زئبق 571 - أحمد بن القاسم بن حديدة (2) : قد رَصَّعَتْ زُهْرُ النجوم سماءَها ... فكأنما هي لؤلؤ موضونُ

_ (1) ديوان العباس: 82 وشرح المختار: 16 وتاريخ بغداد 12: 130 ومحاضرات الراغب: (2: 242) الواحدي: 787. (2) هو أبو العباس أحمد بن القاسم بن أبي الليث اللخمي (وفي ص: بن هاشم) أحد شعراء الانموذج انظر مسالك الأبصار 11: 342 وما بعدها والوافي 7: 293 وأبياته الثلاثة في الوافي، والاثنان الأولان في المسالك.

وكأنها خلَلَ الظلام روانياً ... أحداقُ رومٍ ما لهن جفون وكأنما الفلكُ المدار على الدجى ... بحرٌ أَحاطَ به وهن سفين 572 - شاعر: أضحكتَ قرطاسَكَ عن جنَّةٍ ... أشجارُهَا من حِكَمٍ مثمرَهْ مسودةٌ سطحاً ومبيضةٌ ... أرضاً كمثلِ الليلةِ المقمره

الباب الثامن

الباب الثامن في آراء المنجمين والفلاسفة الأقدمين في الفلك والكواكب 573 - العالم عند الفلاسفة عبارة عن كل مخلوق لله عز وجل في السموات والأرض، وهما عالمان: العالم العلوي، وهو من دورة الفلك الأعلى المحيط المسمى بالفلك الأطلس إلى مقعَّر فلك القمر، والعالم السفلي وهو من فلك النار المتصل بمقعر فلك القمر إلى مركز الأرض. وهذا العالم السفلى يسمى عندهم " عالم الكون والفساد " وهو أربعة أجرام تسمى " الأركان " و " الاسطقصات " و " العناصر "، أعلاها النار ثم الهواء ثم الماء ثم الأر؛ وحركتها مستقيمة من الوسط وإلى الوسط، يستحيل بعضها إلى بعض على الدوام والاستمرار فمتى كيفت النار استحالت هواء، ومتى كيف الهواء استحال ماءً، ومتى كيف الماء استحال أرضاً، وبالعكس ش لطفت الأرض استحالت ماء، ومتى لطف الماء استحال هواء، ومتى لطف الهواء استحال ناراً. وجميع الكائنات في الأرض فهي متولدة من هذه الأربعة العناصر بتركبب بعضها ببعض وامتزاج بعضها في بعض، بالزيادة في الطبابع والنقصان. وجملة المتولدات في الأرض من هذه العناصر تحصرها ثلاثة أجناس: جماد ونبات وحيوان، فهذه جملة العالم السفلي، وهو عندهم حادث مركب مستحيل كائن فاسد على الدوام. فأما العالم العلوي فإنه عندهم عبارة عن تسعة أفلاك، أعلاها الفلك المحيط المسمى بالأطلس، وهو فلك لا كوكب فيه ولذلك سموه أطلس، ذو نفس وروح وجسم، متحرك على الوسط حركةً دولابية من المغرب إلى المشرق، في كل يوم وليلة دورة واحدة؛ ويليه فلك الكواكب الثابتة وفيه جميع الكواكب ما عدا السبعة السيارة؛ ويليه فلك زحل وليس فيه غير كوكب زحل؛ ويليه فلك المشتري وليس فيه

غير كوكب المشتري؛ ويليه فلك المريخ كذلك، ثم فلك الشمس، ثم فلك الزهرة، ثم فلك عطارد، ثم فلك القمر. وجميع هذه الأفلاك الثمانية تدور من المشرق إلى المغرب. والفلك الأعلى المحيط يردها قسراً ويديرها من المغرب إلى المشرق في كل يوم وليلة، وكذلك ترى الشمس طالعة عليه كلّ يوم من الشرق؛ وجميع هذه الأفلاك التسعة أجسام كرياتٌ بسائط مشفّاتٌ متركبة بعضها في بعض متلاصقة. وكل فلكٍ منها ذو جسم ونفس وعقل. يعرف نفسه ويعرف بارئه. وكلها متحركة على الدوام حركة دورية دولابية. 574 - البروج والدرج: قدماء الفلاسفة قسمت الفلك الثامن ذا الكواكب الثابتة باثني عشر قسماً سمتها بروجاً: وهي الحمل. الثور. الجوزاء. السرطان. الأسد. السنبلة. الميزان. العقرب. القوس. الجدي. الدلو. الحوت؛ وجعلوا كلَّ برج منها ثلاثين درجة، تكون جملتها ثلاثمائة وستين درجة. وقسموا كل درجة بستين جزءاً تسمى دقائق، وكل دقيقة بستين جزءاً تسمى ثواني، وكل ثانية بستين جزءاً تسمى ثوالث، وكذلك إلى الروابع والخوامس والسوادس إلى غير نهاية. وبحلول الشمس وانتقالها في هذه البروج يكون اختلاف فصول الزمان إلى غير ذلك مما يحدث في عالم الكون والفساد من نشوّ واضمحلال الجماد والحيوان والنبات. وبحلول الكواكب السبعة السيارة أيضاً في هذه البروج تختلف أحوال جزئيات حوادث العالم السفلي في كل ما يفسد منه أو يكون، بل وفي كل تغيّر يظهر فيه من حركة أو سكون. 575 - في ماهية الكواكب: قال أرسطو طاليس: ليست مادة الكواكب من مادة نارية ولا أرضية ولا من غيرهما من الطبيعة، لكنها من مادة عالية جوهرية شفافة صلبة قوية غير خفيفة ولا ثقيلة ولا متغيرة ولا مستحيلة ومن أجل ذلك صارت طبيعة خامسة منفردة وأجراماً منيرة متوقدة وثبتت في مراكزها لا منحدرة ولا صاعدة. 576 - في دوران الفلك على الأرض: الفلك المحيط يدور على قطبين: القطب الشمالي والقطب الجنوبي، ودورانه على الأرض بحركة دولابية، فيكون نصفه أبداً تحت الأرض ونصفه فوق الأرض، فيكون في دائم الأوقات ستةَ بروج طالعةً بدرجها فوق الأرض بالنهار، وستة بروج غاربة بدرجها تحت الأرض بالليل، لأنا قلنا إنه يدير بدورانه كل ما دونه من الأفلاك

وفلك البروج معها. وعلى طلوع هذه البروج والدرج وغروبها تنبني علوم التعاديل وسائر علوم المنجمين. وللقطبين فيما ذكره الفلاسفة والمنجمون خواص عجيبة: 577 - خواص القطب الجنوبي: 1 - الأولى: أيّ أنثى من الحيوان على العموم إذا كانت حاملاً وعسرت عليها الولادة فنظرتْ إلى القطب الجنوبي وإلى سهيل ولدت على المكان، بعقب وقوع عينها عليه؛ أما في الانسان فبأن تقصد النظر إليه، وأما في سائر الحيوان فبأن يتفق وقوع نظره عليه. 2 - الخاصة الثانية: إذا انقطعت شهوة الجماع عن إنسان، من غير كبر ولا شرب دواء، فليدمِ النظر إلى القطب الجنوبي ليالي متوالية، فإنه يرجع إلى حالته الأولى. 3 - الخاصة الثالثة: إذا أردت قَتْلَ الذباب الكبار فخذ أصل خربق أسود، وقم حيال كوكب سهيل ثلاث ليال متوالية، وارم بأصل الخربق وقل: هذا لقتل الذباب، تقول ذلك مراراً في كل ليلة، ثم تسحق أصل الخربق كله ودقه مع عيدانه وعروقه وأصله، ثم اخلطه بماء قراحٍ ورشّه في البيت والدار. فإن الذباب يموت إن شمّ رائحته أو دنا منه. 4 - الخاصة الرابعة: إذا كثر خروج الثآليل في بدن الانسان وأراد قلعها فليأخذ لكل ثؤلول على بدنه وزنةً من ورق الغَرَب، أو لكل ثلاثة منها أو أربعة ثلاثة أو أربعة على عددها، ويأخذ الورق بيده اليسرى ويومئ بها إلى القطب الجنوبي، أو إلى كوكب سهيل، فهما في الخاصة واحد، وتقول هذا الورق يقطع الثآليل التي عليَّ. تقول ذلك اثنين وأربعين مرة في ليلة أو أكثر من ليلة، ثم تدق الورق في هاون من اسبيدريه وتجعله على الثآليل فإنها تجف وتنفرك. 5 - الخاصة الخامسة: النظر إلى القطب الجنوبي وإلى سهيل معاً في وقت واحد يزيل المالنخوليا، وذلك بأن ينظر العليل إلى هذا القطب، ويديم النظر إليه ليلة بعد ليلة دواماً كثيراً، وقد

جُرِّب فصحَّ، وهذا مما يدل على ان لهذا القطب وهذا الكوكب خاصية في إحداث الطرب والسرور في الناس، ولذلك ان الزنج لما كانوا متقاربين من مدار سهيل كان فيهم الطرب الشديد. 6 - الخاصة السادسة: المرأة التي بها عِلَل الأرحام عن برد ورطوبة إذا قامت وهي تنظر إلى القطب الجنوبي وإلى الكوكبين الصغيرين الذين عن جنبتيه وتنظر إلى سهيل أيضاً، إن كانت في موضع تراه، وأومأت بيدها اليمنى إلى القطب فقبضت بكفها وخمس أصابع كأنها تريد أخذ شيء من الهواء، وضمَّت أصابعها إلى راحتها، ثم أومأت بها إلى فرجها، ثم كررت هذا الفعل سبع مرات في ليلة السبت، ثم تفعل كذلك سبع مرات في سبع ليال آخرهن ليلة الجمعة التي بعد ذلك السبت، وهي تفعل ما ذكرناه في كل مرة تقبض على راحتها بأصابعها الخمس وتقول: أخذت بيدي هذه قوة من القطب الجنوبي وكواكبه الجنوبية، وشفيتُ به علة رحمي بإذن هذه الجواهر الروحانية المقدسة. فإن هذه العلة تزول عن رحمها. وعلامة ذلك أنها تدخل الحمام بعد أربع ليال من هذا الفعل، وتدخل البيت الحارّ من بيوت الحمام، وتنظر إلى رحمها تسيل منه رطوبة كريهة الريح، وتفعل ذلك في يوم السبت الثامن من ابتداء عملها وتفعل كذلك في دخول البيت الحار، فإنها ترى مثل تلك الرطوبة قد سالت منها وأكره وأنتن ريحاً، وهو من العجائب المجربة. 7 - الخاصة السابعة: إذا عضّ الانسان كلبٌ كَلب، وأخذ المعضوض قطعة من لبد معمولة ببلاد الترك خاصة. فبلَّها ببولِ كلبٍ سليم أسود، ثم أخذها بيده وقام حيال سهيل والقطب الجنوبي، وأومأ بالليل نحوهما وخاطبهما وقال: هذا اللبد التركي أجعله على موضع هذه العضة التي عضّني الكلب، اشفني أيها الكوكب من هذه العضة، اشفني بحق الشمس، ويتكلم بذلك أربع عشرة مرة، وهو يرفع قطعة اللبد باليد اليمنى نحو الكوكب والقطب جميعاً، ثم يشد اللبد على موضع العضة، فإنه يسيل من ذلك الموضع بعد ثلاث ساعات من الزمان رطوبة قبيحة المنظر والريح، كأنها ماء اللحم، تضرب إلى السواد، ثم بعده رطوبة بلغمية لزجة، ثم يقلب اللبد ويضعه على العضة مره أخرى إلى تمام ثنتي عشرة ساعة مستوية، فإنه يحصل له الشفاء، وإن عاد الوجع فليعاود ذلك العمل بقطعة أخرى من اللبد غير القطعة الأولى، ويعاود شدّها على

الموضع، فإنه يبرأ، وليكن قيامه حيالَ القطب وكلامه ذلك والقمر إما في الثور وإما في السرطان مقارناً للمشتري أو متصلاً به اتصالاً قوياً. 8 - الخاصة الثامنة: النظر إلى القطب الجنوبي وإلى سهيل معاً يشفي من الظفرة التي تظهر في العين، وذلك بأن يديم النظر إليهما ويحدّق نحوهما، ثم يعطف رأس اصبعه السبابة اليمنى نحو عينيه، يفعل ذلك ليالي متوالية أولها ليلة الثلاثاء، ويدمن ذلك ولا يقطعه إلى أن تزول الظفرة، فإنها تذهب إلى تمام اثنين وأربعين يوماً أو سبعة وأربعين يوماً. وليكن هذا النظر والتحديق بالليل، ويجب أن يكون أكله من أول النهار إلى زوال الشمس كل يوم من هذه الأيام التي يعالح بها نفسه. 9 - الخاصة التاسعة: للبياض الحادث في العين من القروح يقوم العليل مستقبل القطب الجنوبي وكوكب سهيل، في ليلة اتصال القمر بعطارد مقارناً أو في أحد بيتيه، ثم يقول: يا كوكب سهيل ويا أهل عالم القطب العظيم، هذه عيني وهي في أيديكم اقلعوا منها هذا البياض الذي قد آذاني ونغَّص عليَّ حياتي وأريحوني، يا أهل العالم العلوي، اقلعوا هذا من عيني بقدرتكم آمين؛ يديم هذا الكلام أربع عشرة مرة، في كل ليلة من الترداد ما أمكنه، فإنه يبرأ. 10 - الخاصة العاشرة: الجمال ذكورها وإناثها إذا وقعت عينها بالاتفاق على القطب الجنوبي أو على سهيل ماتت في الحال فجأة أو مرضت، ثم تموت، والجمال التي تموت من ذلك تصلح لأعمال كثيرة ولها خواص. الأوّلة: إن المرأة التي احتبس طمثها إن تحملت في قطنة بشيء من دم ذلك الجمل أو من مرارته أدرّ طمثها على المكان. الثانية: إن سُحِقَ شيء من عظامه من أي موضع كان من جسمه وطلي به رأس المصروع ملتوتاً بزيت أذهب عنه الصرع. الثالثة: إن أخذ من دماغه مثقال، وديف بشرابٍ متوسط، وسقي المصروع من هذا المثقال وزن ربعه حتى يشرب تمام المثقال في أربعة أيام، زال عنه الصرع بتةً؛ وإن شرب هذا المثقال مع الشراب مَنْ عرض له خَدَرٌ أو لقوةٌ أو سكتة زال؛ وإن شرب منه مَنْ عرض له خُناقٌ في حلقه زال عنه.

الرابعة: كبد هذا الجمل إن أُكل منه نيئاً من ابتدأ به نزول الماء في عينيه ثلاثة أيام متوالية زال عنه الماء بتةً. الخامسة: إن أخذ من عروقه فجفف وسحق وخلط بخلٍّ ورشّ في دار فيها القردان قتلت بالكلية. السادسة: إن جفف شيء من طحاله وأخذ منه وزن درهمٍ وسحق وسقي بشراب لمن ضعفت فيه شهوة الطعام وضعفت معدته، قويت معدته وزال ضعفها، فإن لم يحصل ذلك في دفعة واحدة فليعاود شرب درهم ثان وثالث، إلى أن يحصل الشفاء؛ وإن أخذ من لحم هذا الجمل شيء مع جلده وعروقه وأعصابه وأحرق بالنار بخشب الطرفاء، وجمع الرماد وترك حتى يبرد، وجمع في إناء زجاج، وغمَّ يوماً وليلة، وسقي منه درهم لضعف المعدة وشدة الوجع، أزال وجع المعدة. السابعة: إذا أحرق بعض أجزاء هذا الجمل بخشب العوسج مع العظم والعصب والعروق والجلد والشعر أو شيء أخرق من أحشاء جوفه، وأخذ من هذا الرماد ومن المرارة على جهتها ربع مثقال؛ وخلطا وبلاّ بخل، وطليا على موضع من البدن الذي يراد أن لا ينبت الشعر فيه، حلق الشعر منه ولم ينبت في ذلك الموضع شعر البتة، وإن طلي بهذا الرماد في أسفل بدنه قوبة أو بواسير جففها، وذلك بعد طليات عدة إما ثلاثاً أو أربعاً، ويجب أن يطلى ذلك على البدن بخمر جيدة مكان الخل. الثامنة: إن أخذ من كبد هذا الجمل جزء ومن دمه جزء، ودقا معاً وخلطا بخمر، ويضاف إليهما بعد الخمر شيء من اشنان جيد مطحون، وطلب به على الرجل المنقرس وساقيه نفعه نفعاً بيناً، وإن أديم طلي ذلك عليه أزال الوجع البتة، وإن طلي على الأظفار خاصة، وكان فيها تعقف أو سماجة أو تقشر أو وجع، أزال ذلك كله. التاسعة: إن قلع ذكر هذا الجمل، وعلق كما هو بخيط ابريسم أحمر على من لا يطيق القرب من النساء، قوي على الجماع، وينبغي أن يكون تعليقه على العصعص. العاشرة: المرأة العاقر يأخذ زوجها من مخ هذا الجمل مخلوطاً بشيء من سنامه، ويذيبه على النار ويطلي به ذكره طلياً كثيراً، ويجامعها، فإنها تحمل من ذلك الجماع. وإن أخذت مثانة هذا الجمل وجففت وسحقت وخلطت بشيء من شحم سنامه، وطلى الرجل به ذكرة وتحملت المرأة منه شيئاً بعد الجماع بقطنة فإنها تحمل ولو كانت عاقراً.

الحادية عشرة: إذا أردت ان تبطل حس أيّ موضع شئت من بدن الإنسان، فخذ من دماغ هذا الجمل مثقالاً، ومن سنامه مثقالاً، واخلطهما بشيء من ماء الزرع المعتصر، واجعل الجميع على نار لينة حتى يختلط الكل، فيشرب بعضه، ويطلى بعضه على الموضع، فإنه يبطل حسّ الموضع بالطلى. الثانية عشرة: يؤخذ من لحمه وشحمه وسنامه رطل ونصف من الكل، ويعتصر ماء البصل الرطب، ويطبخ اللحم والشحم والسنام منه طبخاً يسيراً إلى أن يبقى من ماء البصل نصفه، ثم يطلى من تلك المرقة من به داء الثعلب على رأسه طليات عدة، ويدخل بعد ذلك الحمام فإنه يبرأ. الثالثة عشرة: من اعتاده سهر مفرط فأخذ من دماغ هذا الجمل دانقين، ومن شحم جوفه درهماً وأربعة دوانيق، ومن عظم العصعص نصف درهم، فخلط بعضها ببعض بالسحق، ثم صبَّ عليها يسيراً من خمر جيدة حديثة، وطلى منه على يافوخه وشمه، وطلى منه خياشيمه، أزال السهر عنه ونام. الرابعة عشرة: متى قَطَعَ فخذ هذا الجمل مع ساقه وخفه، ونصبه في موضع ينتابه الوحش، نفر من ذلك الموضع الضباع والذئاب ولم تقربه، ويجب أن يُنْصَب والقمر مقارن المريخ ناقص الضوء. 578 - وأما القطب الشمالي: فله خواص ذكرها مكلوشا وغيره. الأولى: النظر إلى القطب الشمالي وإلى الدب الأصغر يشفي من الجرب في العين والرمد، وذلك بأن يقوم العليل ليلة الأحد إذا ظهرت النجوم بعد ساعتين من غيبوبة الشمس حيال القطب الشمالي والدب الأصغر، فيحدق اليهما، ويأخذ ميلاً من فضة مغموساً في عرق الورد الخالص، ويكتحل به صاحب العين الرمدة والجربة، ثم يقول: يا أهل عالم القطب الشمالي، ويا كوكب القطب الشمالي، اشفوا عيني من هذه العلة التي أنا متأذٍّ منها وعليل من أجلها، وأريحوني وارحموني يا رحماء، واقلعوا هذا الجرب وهذا الرمد من عيني هذه التي هي ضيائي بين أبناء البشر، يقول هذا وهو يكحلها بالميل بعرق الورد، وينظر إلى القطب وإلى الكواكب التي حوله، يفعل ذلك من ليلة الأحد إلى ليلة الأحد، يكتحل في كل ليلة ما أمكنه، وكلما كان الاكتحال أكثر كان أجود، فإن الجرب والرمد ينقلعان، إلاّ أنّ ذهاب الرمد أسرع من ذهاب الجرب.

الثانية: النظر إلى هذا القطب وما حوله من الكواكب يشفي من اليرقان الشديد، وذلك بأن يقوم العليل حيال هذا القطب، وينظر إليه كأنه يتناول منه شيئاً، ثم يضع يده التي مدها على كبده ويقول: يا كوكب القطب الشمالي اشفني من علتي هذه آمين؛ وليبتدئ من ليلة الجمعة إلى ليلة الجمعة، وإن صعبت العلة فليقل الكلام ويضع يده اليسرى على كبده، ويتمرغ على الأرض سبع مراتٍ وعليه ثيابه، ثم يقوم عقيب كل مرة يتمرغ، ويضع يسراه على كبده ويقول الكلام، فإنه يستجاب له ويبرأ. الثالثة: قالوا إن الأسد والببر والنمر والذئب إذا مرضت قامت حيال هذا القطب، وأطالت النظر إليه فشفيت، واللبوة إذا حملت أو نالها شيء، وربما بقيت ثلاثة أيام لا تأكل شيئاً، فتأتي إلى نهر فيه ماء جار له عين ينبع منها ماء، فتقوم في الماء إلى نصف ساقيها، وتنظر إلى القطب الشمالي فتبرأ من وجعها. الرابعة: أيّ جرحٍ كان بإنسان أو خراج أو ورم وآذاه، فعمد إلى ذلك الموضع من بدنه، فصوَّر فيه صورة سمكة بزرقة أو خضرة، ونقط بدنها كلّه بنقط خضر وزرق، وقام بالليل حيال القطب الشمالي، ووضع في نفسه أنه يخاطب الكواكب المطبقة السبعة، فقال: أيتها الكواكب المقدسة الشمالية الباعثة بالروح والحياة إلى أبناء البشر، كفوا هذا الورم عن الزيادة واشفوني منه واعفوني غائلته وسوء عاقبته ويتفل على السمكة المصورة، يفعل ذلك ليالي أولها ليلة الأحد إلى ليلة الأحد المقبل، فإن الورم إما ان يقف وإما أن يزول بالكلية. الخامسة: قالوا أكثر نفع هذين القطبين وما حولهما من الكواكب في شفاء العين، أما الباردة - رطبة كانت أو يابسة - فتعالج بالقطب الجنوبي بما ذكرناه من العلاج، وأما الحارة فإنها تعالج بالنظر إلى القطب الشمالي؛ وبالجملة فجميع العلل الباردة تعالج بالجنوبي، والحارة بالشمالي، وهذا قانون مطرد. 579 - القول في الدراري السبعة: اتفق المنجمون على توزيع كل ما في هذا العالم، من الألوان والطبائع والروائح والطعوم والخواص والأفعال والأخلاق وغيرها من الأحوال، على الكواكب السبعة المتحيرة، إلا أنهم قالوا: قلما ينفرد كوكب واحد بالدلالة على الشيء، وإنما يشترك فيه كوكبان أو أكثر، وذلك لوجود كيفيتين فيه، كالذي يكون لزحل بسبب

برودته، ولعطارد يبوسته. وربما اشترك في الشيء الواحد عدة كواكب لحصول عدة كيفيات فيه، وقد يكون الجنس الواحد مضافاً إلى كوكب واحد بحسب جنسية آخر، كالزهرة الدالة على جهة الرياحين لأجل طيب روائحها، ثم شركها المريخ في الورد: الشوك في شجرته، والحمرة في لونه، والحدة المثيرة للزكام في رائحته، ويشاركها المشتري في النرجس، وزحل في الآس، والشمس في اللينوفر، وعطارد في الشاهسفرم، والقمر في البنفسج، وقد تنقسم أبعاضُ الشيء الواحد على الكواكب مثل شجرة واحدة، فإن أصلها للشمس، وعروقها لزحل، وأغصانها وشوكها وقشورها للمريخ، وزهرها للزهرة، وثمرها للمشتري، وورقها للقمر، وحبها لعطارد، فهذا هو القول الكلي في هذا الباب. ونذكر الآن ما لكل واحد على التفصيل وهو مقسوم إلى ثلاثين نوعاً. 1 - النوع الأول: في الطعوم (1) . زحل: له البشاعة والعفوصة والحموضة الكريهة والنتن. المشتري: له الحلاوة والمذاقة الطيبة. المريخ: له المرارة. الشمس: لها الحرافة. الزهرة: لها الدسومة. عطارد: له ما اختلط من طعمين (2) . القمر: له الملوحة والتفه (3) والحموضة اليسيرة. 2 - النوع الثاني: في الألوان: زحل: له السواد الحالك وما مازج سواده صفرة واللون الرصاصي والظلام. المشتري: له الغبرة والبياض المشوب بصفرة وسمرة والضياء والبريق. المريخ: له الحمرة المظلمة.

_ (1) ما جاء في هذه الأنواع يتفق والجداول التي أوردها البيروني في كتابه ((التفهيم لأوائل صناعة التنجيم)) انظر الجدول المقابل للصفحة: 240 وقد جمع كتاب غاية الحكيم ص: 150 - 156 جميع الدلالات في كل الأنواع تحت كل اسم كوكب بمفرده، فتحت زحل مثلاً يجيء كل ما له من الأولان والصنائع والبقاع والمعادن والنبات ... الخ، وانظر كذلك ص 198 - 202. (2) ص: الطعمين. (3) ص: والتفاهة.

الشمس: لها الضياء والشقرة والصفرة. الزهرة: لها البياض الناصع والشقرة (1) والأدمة، وقيل لها الخضرة. عطارد: له ما تركب من لونين كالدكنة والاسمانجونية. القمر: له الزرقة والبياض الذي لم يخلص من حمرة أو صفرة أو كدورة (2) أو كمودة. 3 - النوع الثالث: في الكيفيات الملموسة (3) . زحل: له أبرد الأشياء وأصلبها وأيبسها وأمتنها (4) . المشتري: له أعدل الأشياء وأتمها (5) وأحسنها وأطيبها وأسلسها. المريخ: له أخشن الأشياء وأخبثها وأحدُّها (6) . الشمس: لها أكمل الأشياء وأشرفها وأشهرها وأكرمها. الزهرة: لها أنعم الأشياء وألذّها وأجملها. عطارد: له الممتزج من الكيفيتين من هذه الكيفيات. القمر: له أغلظ الأشياء وأكثفها وأرطبها. 4 - النوع الرابع: في المقادير: زحل: له القصر واليبوسة والصلابة والثقل. المشتري: له الاعتدال والخثورة والملاسة. المريخ: له الطول والجفاف والخشونة. الشمس: لها الاستدارة واللمعان والتخلخل. الزهرة: لها السيلان واللين. عطارد: له ما يتركب من كيفيتين بين هذه الكيفيات. القمر: له الغلظ والرطوبة والتكاثف. 5 - النوع الخامس: في الأمكنة:

_ (1) والشقرة: لم ترد في التفهيم. (2) أو كدورة: لم ترد في التفهيم. (3) انظر الجدول، مقابل ص: 241. (4) التفهيم: وأنتنها وأقدرها. (5) ص: وألينها. (6) التفهيم: أحر الأشياء واخشنها وأحمرها.

زحل: له الجبال اليابسة التي لا تنبت. المشتري: له الأرضون السهلة. المريخ: له الأرضون الخشنة. الشمس: لها الجبال ذوات المعادن. الزهرة: لها الأرضون الكبيرة والأنهار والمياه (1) . عطارد: له الرمال. القمر: له كل قاعٍ وأرضٍ مستوية. 6 - النوع السادس: فى المساكن (2) : زحل: له الأسراب والنواويس والآبار والأبنبة العتيقة والصحاري والسجون (3) ومرابط الثيران والحمير والخيل ومرابط الفيلة. المشتري: له المساكن العامرة ومنازل الأشراف والمساجد والبيع والكنائس وطرق العبادة (4) وبيوت المعلمين. المريخ: مواضع النيران وحيث يصنع الفخار. الشمس: لها بيوت الملوك والسلاطين. الزهرة: الأماكن المرتفعة والطرق التي فيها المياه الكثيرة. عطارد: الأسواق والدواوين وبيوت المصورين وما يقرب من البساتين. القمر: له المكان الندي (5) ومضارب اللبن والمساكن التي يبرد فيها الماء والأنهار التي تنبت فيها الأشجار. 7 - النوع السابع: في البلاد (6) : زحل: له السند والهند والزنج (7) والحبشة والقبط والسودان ما بين الجنوب والمغرب واليمن والعرب والنبط. المشتري: له أرض بابل وخراسان والترك والبربر إلى المغرب (8) .

_ (1) التفهيم: الأرضون الندية الكثيرة المياه. (2) انظر الجدول مقابل ص: 242. (3) والسجون: لم ترد في التفهيم. (4) طرق العبادة: زيادة من التفهيم. (5) التفهيم: المكان الذي تحت الأرض. (6) قارن بكتاب البارع في أحكام النجوم، الورقة 315 (مخطوطة جامعة برنستون رقم: 292) ، وفي الفقرة الخاصة بالمعادن والأحجار انظر كتاب غاية الحكيم المنسوب للمجريطي: 106 - 107. (7) والزنج: لم ترد في التفهيم. (8) ص: إلى العرب.

المريخ: له الشام والروم ومن كان فيما بين المغرب والشمال. الشمس: لها الحجاز (1) وبيت المقدس وجبل لبنان وأرمينية وإيلان والديلم وخراسان إلى الصين. الزهرة: لها بابل والعرب والحجاز وكل بلد في جزيرة أو وسط أجمة. عطارد: له مكة والمدينة وأرض العراق والديلم وجيلان وطبرستان. القمر: له الموصل وأذربيجان وعوام الناس في كل موضع. 8 - النوع الثامن: في المعادن: زحل: له المرتك وخبث الحديد والحجارة الصلبة. المشتري: له المرقشيثا والنوشاذر (2) والكباريت والزرنيخ الأحمر وكل حجر أبيض وأصفر وحجر مرارة البقر. المريخ: له المغناطيس والسنباذج (3) والزنجفر. الشمس: لها اللازورد والرخام والكباريت والزجاج الفرعوني (4) والسندروس والزفت. الزهرة: لها اللؤلؤ والزمرد والجزع والمغنيسيا والكحل. عظارد: له النورة والكهربا والزرنيخ والزئبق (5) . القمر: له الزجاج النبطيّ والأحجار المتشققة (6) وكل حجر أبيض والمروسنج (7) . 9 - النوع التاسع: في الأحجار (8) : زحل: له الأسرب. المشتري: الرصاص القلعي والاسبيذرية والشبه الفائق والماس. المريخ: له الحديد والنحاس. الشمس: لها الذهب الابريز والمناطق المحلاة باليواقيت والبجادي وكل حجر ثمين.

_ (1) ص: الحجاز والصين.. (2) التفهيم: والتوتيا. (3) التفهيم: والسباذية. (4) الفرعوني: لم ترد في التفهيم. (5) الزئبق: لم ترد في التفهيم. (6) التفهيم: والأحجار البيض والمشقة. (7) التفهيم: والدهنج. (8) ص: في المعادن، وهو تكرار، والعنوان عند البيروني: ما لها من القارات والجواهر، وفي نسخة: ما لها من الأحجار.

الزهرة (1) : لها النحاس واللؤلؤ والزبرجد والجزع والحلي المرصع بالجواهر وأواني البيت من ذهب وفضة أو رصاص أو نحاس إلا الحديد. عطارد: له الفيروزج والصفر الرديء وكل آنية معيبة والزئبق المعقود. القمر: له اللؤلؤ والبلور والخرز والفضة والدراهم والاسورة والخواتم. 10 - النوع العاشر: فى الفواكه والحبوب: زحل: له الفلفل والشاه بلوط والزيتون والزعرور والرمان الحامض والعدس والكتان والشاهدانج. المشتري: له الرمان الحلو الامليسي والتفاح والحنطة والشعير والذرة والارز والحمص والسمسم. المريخ: له اللوز المر والحبة (2) الخضراء. الشمس: لها الاترج والارز الهندي. الزهرة: لها التين والعنب والشعير والحلبة. عطارد: له الباقلا والماش والكراويا والكزبرة. القمر: له الحنطة والشعير والقثاء والخيار والبطيخ. 11 - النوع الحادي عشر: فى الأشجار (3) : زحل: له العفص والهليلج والزيتون والفلفل والخروع وكل شجرة كريهة الطعم نتنة الريح وكل شجرة ذات ثمر خشنة القشر صلبة كالجوز واللوز. المشتري: له كل شجرة لها ثمرة حلوة قليلة الدسم كالتين والخوخ والمشمش والاجاص والنبق، وهو شريك الزهرة في الفواكه. المريخ: له كل شجرة لها ثمرة حارة كثيرة الشوك لثمرها نوى أو قشر، ويكون طعمه حريفاً أو حامضاً، كالكمثرى الخشن (4) والعوسج. الشمس: لها كل شجرة جافية (5) لثمرها دسم كثير يكسبها يبوسة كالنخيل والفرصاد والكرم.

_ (1) من هنا حتى آخر هذا النوع مختلف عما ورد عند البيروني. (2) التفهيم: وحبة. (3) انظر الجدول مقابل ص: 244. (4) التفهيم: الخناقي. (5) التفهيم: شاهقة.

الزهرة: لها كل شجرة لينة اللمس طيبة الرائحة حسنة المنظر كالسرو والساج والتفاح (1) والسفرجل. عطارد: له كل شجرة قوية الرائحة. القمر: له كل شجرة صغيرة الساق ذات شعب، وله الرمان الحلو والعنب. 12 - النوع الثاني عشر: في النبات والزرع: زحل: له كل حبٍّ بارد يابس (2) . المشتري: له الزهر والورد وكل نبات أرج الرائحة. المريخ: له الخردل والكراث والبصل والثوم والسذاب والجرجير والحرمل والفجل والباذنجان. الشمس: لها قصب السكر والمن والترنجبين. الزهرة: لها الحبوب اللينة والادهان والحلوى وكل نبت أرج ذي ألوان له بهجة في المنظر. عطارد: له البقول والقصب. القمر: له العشب والحلفاء والبردي ومزارع القطن والكتان وما لا يقوم على ساق كالقثاء والبطيخ. 13 - النوع الثالث عشر: في الأغذية والأدوية (3) : زحل: له الأغذية والأدوية الباردة اليابسة التي في الدرجة الرابعة لا سيما المخدرة. المشتري: له ما يكون معتدلاً في الحرارة والرطوبة ويكون نافعاً محبوباً. المريخ: له ما يكون سمياً ضاراً وتكون حرارته في الدرجة الرابعة. الشمس: لها ما نقصت حرارته عن الدرجة الرابعة وتكون نافعة ومستعملة. الزهرة: لها ما يكون معتدلاً في البرد والرطوبة ويكون نافعاً لذيذاً. عطارد: له ما تفضل يبوسته على برودته وليست في الغاية وتكون مجتنبة لا تنفع إلأ أحياناً. القمر: له ما برودته مثل رطوبته وهي تنفع أحياناً وتضرّ أحياناً ولا تستعمل دائماً. 14 - النوع الرابع عشر: في القوى: زحل: له القوة الماسكة.

_ (1) والتفاح: لم ترد في التفهيم. (2) لم يضع في الجدول شيئاً مقابل زحل سوى لفظة ((السمسم)) . (3) انظر الجدول مقابل ص: 245.

المشتري: له القوة النفسانية والغازية والنامية والريح التي في الفؤاد. المريخ: له القوة الغضبية. الشمس: لها القوة الحيوانية. الزهرة: لما القوة الشهوانية. عطارد: له القوة الفكرية. القمر: له آلقوة الطبيعية. 15 - النوع الخامس عشر: فى دلالتها على ذوات الأربع (1) : زحل: له الحيوانات السود وما يأوي إلى جحر تحت الأرض، والبقر والمعز والنعام والسنجاب والببور (2) والسنانير والفأر واليرابيع والحيات العظام السود والعقارب والبراغيث والخنافس. المشتري: له الناس والبهائم الأهلية وذوات الأظلاف والأخلاف من الضأن والثيران والابل، وكل دابة حسنة اللون أو طيبة اللحم مما يؤكل، وما كان متعلماً وذا حياء من الأسود والببور والفهود. المريخ: له الأسود والنمور والذئاب (3) والخنازير البرية كلّها المتوحشة والكلاب، وكل سبع خبيث وكلب كذلك والحيات والأفاعي. الشمس: لها الغنم والخيول العراب والأسود والتماسيح. الزهرة: لها كل ذي حافر أبيض أو أصفر من الوحوش ولها الحيتان. عطارد: له الكلاب المعلَّمة والحمير والبغال والثعالب والأرانب، وكل حيوان صغير أرضي أو مائي. القمر: له الابل والبقر والشاء وكل مايستأنس بالناس. 16 - النوع السادس عشر: في الطيور (4) : زحل: له طير الماء وطير الليل والغربان والخطاطيف السود والذبان. المشتري: له كل طير مشوي المنقار يأكل الحبّ الذي لا يكون أسود، والحمام والدراج والطواويس والديوك والدجاج. المريخ: له كل الطيور المعقفة المناقير، وكل طائر أحمر، والزنابير.

_ (1) انظر الجدول مقابل ص: 246. (2) التفهيم: والنمور. (3) التفهيم: والدباب. (4) انظر الجدول مقابل ص: 247.

الشمس: لها العقاب والبازي والديوك والقماري. الزهرة: لها الفواخت والوراشين والعندليب والجراد وما يؤكل من الطير. عطارد: له الحمام والصقور (1) والبزاة وطيور الماء. القمر: له البط والكراكي وكل طائر ضخم، وله الدجاج والعصافير والدراج. 17 - النوع السابع عشر: في الأعضاء البسيطة: زحل: له الشعر والجلد والظفر والريش والصوف والعظام والمخ والقرن. المشتري: له الشرايين النابضة والنطفة والمخ. المريخ: له الأوردة (2) . الشمس: لها الدماغ والعصب والجانب الأيمن من البدن. الزهرة: لها الشحم واللحم والمني. عطارد: له العروق النابضة. القمر: له الجانب الأيسر من البدن. 18 - النوع الثامن عشر: في الأعضاء المركبة (3) : زحل: له الأليتان والدبر والمصارين والبول والعذرة والركبتان. المشتري: له الفخذان والأمعاء والرحم والحلق. المريخ: له الساقان والمرارة والكليتان. الشمس: لها الصدر والرأس والجنب والفم والأسنان. الزهرة: لها الرحم والمذاكير وآلات المباضعة واليدان والأصابع. عطارد: له اللسان. القمر: له العنق واليدان والرئة والمعدة والطحال. 19 - النوع التاسع عشر: في آلات الحسّ: زحل: له السمع. المشتري: له اللمس. المريخ: له الشم. الشمس: لها البصر. الزهرة: لها الشم وآلات الاستنشاق.

_ (1) ص: والعصفور. (2) التفهيم: له عروق الدم الساكنة ومؤخر البدن. (3) انظر الجدول مقابل ص: 248.

عطارد: له الذوق. القمر: له البصر والذوق أيضاً. قالوا: والأذن اليمنى لزحل، واليسرى للمشتري، والمنخر الأيمن للمريخ والعين اليمنى للشمس (1) والمنخر الأيسر للزهرة، واللسان لعطارد يشركه القمر، والعين اليسرى للقمر. 20 - النوع العشرون: في الأسنان: زحل: له الشيخوخة. المشتري والقمر والمريخ: لهم الثلاثة الشباب. الشمس: لها وسط العمر. الزهره: لها وقت البلوغ. عطارد والقمر: لهما الطفولة. قال أبو الحسن كوشيار في كتابه " مجمل الأصول في علم النجوم " (2) المولود تولَّى أمره من وقت مولده القمر أربع سنين، لأن بدن المولود خينئذٍ رطب سريع النمو، وأكثر غذائه مائي؛ ثم يتولاه عطارد عشر سنين، فيقوى فيه سهم النفس وتنغرس فيه غروس التعاليم، وتبتدئ فيه أصول الأخلاق وخواص الأعمال التي يحدث منها التعلم والأدب؛ ثم تتولاه الزهرة ثماني سنين فتبتدئ فيه حركة مجاري المني، وتحركه (3) إلى أمور الجماع والعشق والانخلاع (4) ، ثم تتولاه الشمس تسع عشرة سنة فتصير النفس مستولية على الأعمال قادرة عليها، وينتقل من الهزل واللعب إلى الوقار وصيانة النفس؛ ثم يتولاه المريخ خمس عشرة سنة، فيحدث فيه صعوبة المعاش والهموم والفكر، ونفسه تحس (5) بالانحطاط ويزيد في حرصه؛ ثم يتولاه المشتري ثنتي عشرة سنة فينصرف عن مباشرة الأعمال بنفسه والكدّ والاضطراب، ويلزم حُسْنَ المذهب (6) واكتساب الذِّكر الجميل، ثم يتولاه زحل إلى آخر العمر فيعرض لبدنه البرد

_ (1) ص: مع العين اليمنى. (2) هو كوشيار بن لبان وكتابه هذا مختلف في اسمه فعلى الورقة الأولى من نسخة جامعة برنستن رقم 2799 ((أصول صناعة الأحكام)) وذكره بروكلمان (1: 253) باسم المدخل في صناعة أحكام النجوم، وهذا الذي ينقله المؤلف ورد في الورقة 31 من النسخة المذكورة. (3) ص: ويتحمل. (4) ص وكشيار: والانخداع. (5) كوشيار: وكأنه يحس. (6) ص: ويلزمه، كوشيار: المذاهب.

والكسل وعسر الحركة إلى الشهوات، ويتبين فيه الانحطاط (1) ، وقلة الاحتمال، فأيّ كوكب من هذه الكواكب كان أقوى في أصل المولد وأسعد، كان تأثيره ومايدل عليه في وقت التربية أظهر وأبين. قال: وهذه سنون ومقادير اتفق عليها أهل هذه الصناعة والفرس يسمونها: " ابردارات ". 21 - النوع الحادي والعشرون في الأنساب: زحل: له الآباء والأجداد والإخوة الأكابر والعبيد. المشتري: له الأولاد وأولاد الأولاد. المريخ: له الاخوة الأوساط. الشمس: لها الآباء والاخوة الأوساط والموالي. الزهرة: لها النساء والأمهات. عطارد: له الاخوة الأصاغر. القمر: له الأمهات والخالات والأخوات الأكابر والدايات. 22 - النوع الثاني والعشرون: فى الصور (2) : أما زحل فإنه إذا كان في درجة طالع مولود، دلّ على أن صاحبه قبيح (3) المنظر، ممشوق عبوس عظيم الرأس أقرن، صغير العينين، واسع الفم، غليظ الشفتين، كثير الشعر، أسود متغير اللون إلى الادمة والسواد، أوقص ضخم الكفين، قصير الأصابع، ملتوي الساقين، عظيم القدمين. المشتري: صاحبه حسن الجسم، مكلثم (4) الوجه، غليظ الأرنبة، ناتئ الوجنتين، عظيم العينين. فيهما شهلة (5) ، خفيف اللحية. المريخ: صاحبه طويل الظهر، عظيم الهامة، صغير العينين والأذنين والجبهة، حديد النظر أزرق، قليل اللحم، أحمر الشعر سبطه. الشمس: لها عظيم الهامة سمين أبيض مشرب بحمرة (6) ، سبط الشعر، في بياض عينيه شقرة (7) ، قوي البدن.

_ (1) كوشيار: وسرعة الانحطاط. (2) انظر الجدول مقابل ص 249. (3) التفهيم: صبيح. (4) ص: ملتئم. (5) ص: فيها شهولة. (6) التفهيم: صفرة. (7) التفهيم: صفرة.

الزهرة: صاحبها صبيح مكلثم (1) الوجه أبيض مشرب بحمرة، سمين ذو تمكّن (2) كثير اللحم (3) حسن العينين أسودهما، وسوادهما أكثر من بياضهما، صغير الأسنان، مليح العنق (4) ، قصير الأصابع، غليظ الساقين. عطارد: صاحبه حسن القامة آدم يضرب إلى الحمرة، مليح ضيّق الجبهة، غليض الأذنين، حسن الحاجبين مقرون، حسن (5) الأنف. واسع الفم، صغير الأسنان، خفيف اللحية، رجل (6) الشعر دقيقه، حسن النطق (7) ، طويل القدمين. القمر: صاحبه أبيض جميل صافي اللون، صبيح الوجه (8) مدور الوجه، تام اللحية، في رأسه قرع (9) وله فيه ذؤابة، مليح الشعر. 23 - النوع الثالث والعشرون: في الأخلاق الباطنة (10) : زحل: صاحبه متوحش (11) فزع مقلب جبان بخيلط مكّار حقود منقبض جبار موسوس، لا يعلم أحد ما في نفسه، ولا يحبّ الخير لأحد. المشتري: حسن الخلق ملهم بالعقل حليم عظيم الهمة ورع منصف، موصوف بالرئاسة على الأمصار (12) ، حريص على العمارات. المريخ: له اضطراب الرأي وقلة الثبات والخرق والجهل والحمق والشر وقلة الورع. الشمس: لها العقل والمعرفة والفهم والبهاء والزهو والاستطالة والعظمة وحب الثناء الحسن ومخالطة الناس والانقياد لهم وسرعة الغضب. الزهرة: لها حسن الخلق والبهجة والشهوة وحب الغناء واللهو واللعب والصلف والترف والتجمل والعدل والطمأنينة إلى كل أحد.

_ (1) ص: ملتئم. (2) ذو تمكن: لم ترد في التفهيم. (3) التفهيم: كثير لحم الخدين. (4) ص: العين. (5) التفهيم: أقنى. (6) التفهيم: كثير. (7) التفهيم: المنظر (8) التفهيم: صحيح الجسم. (9) التفهيم: عوج. (10) انظر الجدول مقابل: 251. (11) التفهيم: هائب. (12) التفهيم: منصب للرياسة صادق فهم سخي سري النفس صادق المودة محب للمفاخرة على الأمصار.

عطارد: له الذكاء والفطنة والحكمة والسكينة والوقار والعطف والرأفة والحفظ والثبوت في كل أمر، والحرص على الديانة (1) وكتمان السر والمحمدة، ورعاية حقوق الإخوان (2) ، والكف عن الشر (3) . القمر: له سلامة القلب، والانطباع بطباع الناس، فيكون ملكاً مع الملوك وسوقياً مع السوقة، كتوم (4) الشر يشتهي الجمال والمدح، كثير الانبساط إلى الناس، مكرم النفس قويّ (5) العقل. 24 - النوع الرابع والعشرون: في الأفعال الظاهرة (6) : زحل: من كان طالع مولده كان صادق القول والمودة صاحب التؤدة والتجارب بعيد الغور كتوم السر، إذا غضب لم يملك نفسه، مصر على فعله. المشتري: صادق القول فهم سخي النفس صادق المودة متورع كاره الشر. المريخ: صاحب الجسارة والاقدام على اللجاج والسَّفه (7) وفحش اللسان والطيش والخداع. الشمس: صاحب اللطافة وحب الاشتهار والقوة والغلبة والحدة مع سرعة الرجوع. الزهرة: السخاء والحرية، والرقة على الاخوان والطاعة لهم، والعجب والزهو وقوة البدن ومنعة (8) النفس وحب الأولاد وبرهم. عطارد: صاحب الصبر والظرف وبعد الغَوْرِ وتلوّن الأخلاق، وحب الاطلاع على الأسرار، والحرص على الديانة والذكر وطاعة الله عز وجل، مع المكر والخداع. القمر: يكون طيب النفس كثير الكلام أحياناً، أكبر همته اليسار (9) واظهار المروءة.

_ (1) التفهيم: الرياسة. (2) التفهيم: الناس. (3) التفهيم: السرف. (4) التفهيم: غير كتوم. (5) التفهيم: غير قوب. (6) اختلط هذا النوع بالذي قبله عند البيروني. (7) ص: والمشقة. (8) التفهيم: وضعف. (9) التفهيم: في النساء؛ وسقط قوله: ((واظهار المروءة)) .

النوع الخامس والعشرون: في الأفعال والطبائع (1) : زحل: له العدمة الطويلة (2) والفقر الشديد والثروة، مع البخل على نفسه وغيره، والعسر والنكد والشدائد والهموم والحيرة وإيثار العزلة، والاستعباد للناس بالظلم واستعمال الغش (3) والحيل والبكاء والحزن. المشتري: له معونة الناس والاصلاح بينهم وبذل النصفة منهم، وإظهار السرور لكل من يقارنه، والتمسك بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وصدق الرؤيا، وكثرة الضحك والنكاح والمزاح، وشدة الرغبة في المال والاشتغال والتغرير (4) بالنفس. المريخ: له العزلة والأسفار والخصومة والحرب وأعمال الشر (5) ، وقلة الخير وإفساد الأشإء الصالحة والكذب والنميمة والأيمان الكاذبة، وكثرة الشهوة والنكاح الفاحش، والحرص على القتل، والغصب (6) والإباق. الشمس: لها الحرص على الرئاسة، والرغبة في جمع المال، والاهتمام بأمور المعاد، والاقتدار على الأسرار، وقهر ذوي المعاصي، فيضرّ وينفع، ويخفض ويرفع، ويسيء إلى من عاداه (7) غاية الإساءة حتى يشقي (8) ، ويُسْعِد مَن (9) يوده، فإذا كانت في شرفها دلّت على الملوك، وإذا كانت بالضدِّ فعلى الذين زال عنهم الملك. الزهرة: لها البطالة والضحك والاستهزاء والرقص وحب الخمر واللعب بالشطرنج والنرد وكثرة الأيمان والكذب والخلاعة (10) ، والتصدي للرجال والتأنيث (11) ، وكثرة النكاح من وجوه شنيعة في الدبر والسّحق وحب الزنا والبغاء (12) .

_ (1) انظر الجدول مقابل ص: 251. (2) التفهيم: الغربة البعيدة. (3) ص: الفسق. (4) التفهيم: والغرور. (5) التفهيم: السوء. (6) ص: والغضب. (7) التفهيم: قاربه. (8) التفهيم: يشتفي. (9) التفهيم: من بعد عنه. (10) ص: والخداعة. (11) هذه العبارة لم ترد في التفهيم. (12) التفهيم: وحب الزينة والعطر وحلي الذهب والفضة والكسى.

عطارد: له حسن التعلم للأدب والعلوم الدينية (1) والمنطق، وهو حلو الكلام ذلق اللسان سريع البيان حسن الصوت، حافظ للأخبار مفسد للمال (2) ، كثير الرزايا من الأعداء، كثير الخوف منهم، سريع في الأعمال، حريص على الاستكثار من الوصائف، ويدل على السعاية والنميمة (3) . القمر: له الكذب والنميمة والاعتناء بصلاح الابدان، والسعادة في المعاش، والسعي في إطعام الطعام، وقلة النكاح، ويكون طيب النفس. 26 - النوع السادس والعشرون: في دلالاتها على طبقات الناس (4) : زحل: يدل على أرباب الصنائع، وقهارمة الملوك، ونساء الملك المتعسفات (5) ، والعبيد، والسفلة والثقلاء والخصيان واللصوص. المشتري: يدل على الملوك والوزراء والأشراف والعلماء والقضاة والعباد والفقهاء والتجار والأغنياء. المريخ: يدل على القواد والجنود والنفاطين. الشمس: تدل على الملوك العظماء والرؤساء وأصحاب الذكر والقضاة. الزهرة: تدل على الأغنياء ونساء الملوك والزواني والزناة وأولادهم. عطارد: يدل على التجار والكتاب وأصحاب الدواوين. القمر: يدل على الملوك والأشراف والأحرار والحرائر. 27 - النوع السابع والعشرون: في الأديان (6) : زحل: يدل على اليهودية وسواد اللباس. المشتري: يدل على النصرانية وبياض اللباس. المريخ: يدل على عبادة الأصنام وشرب الخمور وحمرة اللباس. الشمس: تدل على الملك ورفعة التاج على الرأس.

_ (1) التفهيم: وعلم الربوبية. (2) مفسد للمال: لم ترد في التفهيم. (3) التفهيم: والسرقة. (4) انظر الجدول مقابل ص: 252 وقارن أيضاً ما ورد عند كوشيار الورقة 17 ب (وفي أصول صناعة الأحكام رقم 2799 برنستون) . (5) التفهيم: والفسقة. (6) انظر الجدول المقابل ص: 253 وبه ينتهي النقل عن البيروني، وقد حذف المؤلف ما جاء حول دلالتها على الصناعات.

الزهرة: تدل على الإسلام. عطارد: يدل على مناظرة الناس في كل دين. القمر: يدل على التدين بكل دين غالب. 28 - النوع الثامن والعشرون: في أرباب أيام الأسبوع وساعاته ولياليه: الأيام: السبت لزحل، الأحد للشمس، الاثنين للقمر، الثلاثاء للمريخ، الأربعاء لعطارد، الخميس للمشتري، الجمعة للزهرة، وقد نظمت وضمنت اختيار الأعمال (1) : لنعم اليومُ يومُ السبتِ حقّاً ... لصيدٍ إنْ أردتَ بلا امتراء وفي الأحد البناءُ فإنَّ فيه ... بدا الرحمن في خلق السماء وفي الاثنين إن سافرتَ فيه ... (2) تنبأ بالنجاح وبالنجاء وان رمتَ الحجامةَ فالثلاثا ... فذاك اليوم (3) مهراقُ الدماء وان (4) رام امرؤ يوماً دواءً ... فنعم اليومُ يومُ الأربعاء وفي يوم الخميس قضاءُ خيرٍ (5) ... ففيه الله يأذنُ بالقضاء وفي الجمعاتِ تنعيمٌ (6) بأهلٍ ... ولذَّاتُ الرجالِ مع النساء أرباب الساعات في أيام الأسبوع ولياليه: أول ساعة من يوم الأحد وليلة الخميس للشمس، وأول ساعة من يوم الاثنين وليلة الجمعة للقمر، وأول ساعة من يوم الثلائاء وليلة السبت للمريخ، وأول ساعة من يوم الأربعاء وليلة الأحد لعطارد، وأول ساعة من يوم الخميس وليلة الاثنين للمشتري، وأول ساعة من يوم الجمعة وليلة الثلاثاء للزهرة، وأول ساعة من يوم السبت وليلة الأربعاء لزحل.

_ (1) في مخطوطة جامعة برنستن رقم: 4144 (ولعلها من كتب أبي معشر) وردت هذه الأبيات الورقة 4 ظ وما بعدها (وسيشار إليها فيما بعد برمز: بر) . (2) بر: ستظفر ... وبالثراء. (3) بر: ففي ساعاتها. (4) بر: شرب. (5) بر: حاجٍ. (6) بر: تزويج وعرس.

وأما سائر ساعات الليل والنهار فتقسم بين هذه الكواكب على أفلاكها، مثال ذلك: إن الساعة الثانية من يوم الأحد للزهرة التي فلكها دون فلك الشمس، والساعة الثالثة لعطارد الذي فلكه دون فلك الزهرة، والساعة الرابعة للقمر الذى فلكه دون فلك عطارد، والساعة الخامسة لزحل الذي فلكه أول أفلاك الدراري، والساعة السادسة للمشتري، والسابعة للمريخ، والثامنة للشمس، وعلى هذا الترتيب سائر ساعات الأيام والليالي تبتدئ بالساعة الأولى من رب الساعة الأولى، وتسوقها على توالي الأفلاك، كما بيناه. 29 - النوع التاسع والعشرون: فيما لها من البخورات (1) : زحل: ميعة يابسة. زبيب. جاوشير. قشور كندر. قشور بيض. المشتري: لاذن. حماما. قردمانا. جنطيانا رومي. المريخ: بزر اللفت. بسباسة. ساذنج هندي. الشمس: قشور نارنج. أظافر الجن. الزهرة: ميعة يابسة، لاذن. كافور. مسك. عطارد: سنبل الطيب. ورد فارسي. أظافر الجن. القمر: صندل أبيض وأحمر. قشور بيض النعام. نرجس طري. واعلم أن بخور الكواكب يختلف بحسب الأغراض والمقاصد المطلوبة بها، والنوازل والأحوال المرادة لها، وقد ذكر في البخورات أيضاً: زحل: ميعة، المشتري: حب الغار، المريخ: سندروس، الشمس: عود، الزهرة: زعفران، عطارد: مصطكي، القمر: كتان. وفي كتاب هرمس (2) : أن دخنة زحل: زعفران وقردمانا وقشور الكندر ووسخ الصوف ومخ السنور؛ وفي نسخة أخرى: أفيون واصطرك أجزاء متساوية، يدق ويعجن بأبوال المعز ويعمل فتائل، ويبخر بها وقت الحاجة في مجمرة أَسْرُب. وفي كتاب آخر: أبهل وشيح رومي وتمر عجوة وبزر فنجكست ومرّ أحمر، من كل واحد

_ (1) قارن بما في غاية الحكيم المنسوب للمجريطي: 341 حيث يذكر دخنة كل كوكب على حسب رأي الهنود. (2) قارن بما في ((غاية الحكيم)) المنسوب للمجريطي: 203 عن بخور زحل: ((وهو أن تأخذ من الأفيون والاصطرك والزعفران ولسان الحمل والقرد مانا وقشور الكندر ووسخ الصوف وشحم الحنظل وقحف سنور أسود ... فتسحق ما يجب وتمزج الكل عجنا بأبوال الماعز السود. وصيره فتائل وارفعها وبتخر بفتيلة منها ... ) .

خمس أواقي، تدق وتنخل وتعجن بشراب ريحاني، وتقرّص زنة مثقال القرص. وقال ابن وحشية في أبواب زحل: ينبغي أن يضاف إلى بخورها كلها البرشاوشان، وفي أبواب عطارد: لا بد من شعر الناس وليكن أقل الأجزاء، وفي أبواب المريخ: شعر القرد وليكن أقلّ الأجزاء، وفي أبواب القمر: اليبروح، وفي أبواب الشمس: العود. واعلم أن جميع هذه البخورات المذكورة على اختلافها صحيحة، وإنما الاختلاف فيها بحسب اختلاف الأغراض المقصودة بأعمالها، وكذلك أيضاً يختلف ما لكل كوكب منها من القرابين والدعوات والأسماء وفصوص الخواتيم ونقوش الفصوص مما يخص كل كوكب منها ويضاف إليه، وقد يختلف ذلك أيضاً بحسب اختلاف الأغراض المطلوبة والمقاصد المرادة بها. 30 - النوع الثلاثون: في قول كلي في دلالات هذه الكواكب السبعة، بالانفراد والاجتماع: قال أبو معشر في " أسرار النجوم ": المريخ إذا انفرد بطبعه وخلا من كل اتصال ونظر وممازجة ومشاركة لم يدن على شيء من الخير بتة، وربما دلّ على لبوة أو نمر أو على نار لا ينتفع بها ويتأذى بريحها وشررها، وربما دلّ على حرق أو قتل كبير. وزحل إذا انفرد بدلالته دون نظر أو ممازجة أو غير ذلك لم يدل على شيء من الخير، ولكن يدل على براري مقفرة لا أنيس بها، وعلى سروب منتنة هائلة في حال أخرى، وعلى جبال صعبة جرد لا نبات بها في حال أخرى، وعلى آبار مظلمة طوالٍ لا ماء فيها في حال أخرى. قال شاذان، قلت لأبي معشر: قد ذكر قوم من أهل هذه الصناعة أنه يدل على معادن الحديد والشجر الطوال العادية، قال: كل ذلك بممازجات تقع فيه، أما الحديد فبنظر المريخ إليه نظر مودة، وعطارد والمشتري نظر تربيع أو مقابلة، وأما الشجر الطوال العادي فهو أن يكون في الجوزاء أو في الميزان وتنظر إليه الزهرة وعطارد، وليس عن مودة، فيصير نظر السعود من غير مودة منفعةً، لأن السعود إذا نظرت من مودة عملت الخير وسهلته، وإذا نظرت من عداوة حللت الشر وجعلته إلى الخير في مدة بطيئة فيها مشقَّةٌ وتعبٌ ومؤنة. 580 - القول فى اجتماع الكواكب السبعة وافتراقها: قال أبو معشر: اجتماع الكواكب ممكن، وما رأيته قط، ولا بلغني أن أحداً

رآه، ولكن سمعت مشايخنا يقولون: إنما يحدث الملك العظيم الكبير من القرانات العظيمة. وقال كهلة الهندي: إذا اجتمعت الكواكب فأسرعها خروجاً يتخذ دليلاً لمدة دوره الأكبر، ثم الذي يليه. وذكر يحيى بن أبي منصور ومحمد بن الجهم أنه إذا اجتمعت الثلاثة العلوية في حدٍّ أو صورة، ونظرت إليها الشمس، فهو القرآن العظيم الذي يتولد منه الملك والدول العظام، ولا يبالي بالكواكب السفلية بعد ذلك. قال: كشف سر مصون في بيان السبب الموجب لانفعال هذا العالم السفلي عن العالم العلوي بالطلسمات والسحر والرقى والبخور، قال أرسطو طاليس في كتابه العظيم القدر في الحكمة الملقب ب " أثلوجيا " ومعناه " الربوبية " (1) : الأعمال الكائنة من الرقى والسحر إنما تكون من جهتين، إما بملاءمة واتفاق الأشياء المتشابهة، وإما بالتضاد والاختلاف، وإما بكثرة القوى واختلافها، غير أنها وإن اختلفت فإنها متمِّمة للجزء الواحد، فإنه ربما حدثت الأشياء من غير حيلة احتال لها المحتال؛ والسحر الصناعي كذب لأنه كله يخطئ ولا يصيب؛ فأما السحر الحقّ الذي لا يخطئ ولا يكذب فيه فهو سحر العالم، وهو المحبة والغلبة؛ والساحر العالم هو الذي يتشبه بالعالم ويعمل أعماله على نحو استطاعته، وذلك أنه يستعمل المحبة في موضع، والغلبة في موضع آخر، وإذا أراد استعمال ذلك استعمل الأدوية والحيل الطبيعية، وتلك في منبثّة في الأشياء الأرضية، غير أنَّه منها ما يقوى على فعل المحبة في غيره كثيراً ومنها ما ينفعل في غيره فينقاد له، وإنما بدْء السحر أن يعرف الساحر الأشياء المنقادة بعضها لبعض، فإذا عرفها قوى على جذب الشيء بقوة المحبة الفاعلة التي في الشيء. وقد يوجد في الأشياء شيء يجمع بين النفس والنفس، كالأكَّار الذي يجمع بين الغروس (2) المتباينة بعضها على بعض. وصاحب الرقى يرقي ويسمي الشمس أو بعض الكواكب، ويطلب إليها ويفعل ما يريد فعله، لا أنّ الشمس والكواكب تسمع دعاءه وكلامه، لكن إنما وافق دعاء الداعي ورقيةُ الراقي أن تتحرك تلك الأجزاء بنوع من الحركة وتتشكل بنوع من

_ (1) نسب لأرسطوطاليس خطأ، وهو لافلوطين، وقد نشره الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتاب ((افلوطين عند العرب)) (القاهرة 1966) ، وهذا النص الذي ينقله المؤلف يقع في ص 75 - 76، 77 - 79؛ والنقل قائم على الاختيار والحذف، وفيه اختلاف عما ورد في الكتاب المذكور. (2) ص: كالأركان التي تجمع بين العمودين.

الشكل، فيحسّ الجزء السفلي تلك الحركة كما يحسّ بعض أجزاء الإنسان بحركات بعض، وذلك بمنزلة وتر واحد ممتد تحرّك أسفله فتحرك أعلاه، وربما حُركت بعض الأوتار فتحرك الوتر الآخر، كأنه أحسّ بحركة ذلك الوتر، فكذلك أجزاء العالم: ربما حرك المحرك بعض أجزائه، فيتحرك لتلك الحركة جزء آخر، كأنه يحسّ بحركة ذلك الجزْ، لأن أجزاء العالم كلها منظومة بنظامٍ واحد، كأنها حيوان واحد وانسان واحد، وربما حرّك الضارب العود فتتحرك أوتار العود الآخر لتلك الحركة، كذلك العالم الأعلى: ربما حرّك جزء من أجزاء هذا العالم مبايناً لصاحبه مفارقاً فيتحرك بحركته جزء آخر، وهذا يدلّ على أن بعض أجزاء العالم يحسّ بالآثار الواقعة على بعض أجزاء العالم - كما بيناه - قال: فكما أن بعض أجزاء الحيّ تحسّ بالأثر الواقع على بعضٍ كذلك يحسّ بعض أجزاء العالم بالأثر الواقع على بعض لشدة اتصالها وائتلافها واتحاد بعضها ببعض. قال: ونقول إن لكل الأشياء الأرضية قوى تفعل أفاعيل عجيبة، وإنما نالت تلك القوى من الأجرام السمائية، فمن استعمل تلك الأشياء الطبيعية ذوات القوى العجيبة (1) في الغرض الملائم لذلك الفعل، رأى تلك الأثار في الشيء الذى أراده. قال: وربما أثر بعض أجزاء العالم في بعض آثاراً معجبة بلا حيلة يحتالها أحد، وربما جذب بعض أجزاء العالم بعضاً جذباً طبيعياً، فيتوحد به، وربما عرض من دعاء الداعي وطلب الطالب أمور عجيبة أيضاً بالجهة التي ذكرناها آنفاً، وذلك أن يكون دعاؤه (2) يوافق تلك القوى، فتنزل إلى هذا العالم وتوثر آثاراً عجيبة، وليس بعجب أن يكون الداعي ربما سُمِعَ منه، لأنه ليس بغريب من هذا العالم، ولا سيما إذا كان الداعي مؤمناً صالحاً. فإن قال قائل: فما تقولون إذا كان صاحب الدعاء شريراً، وفعل تلك الأفعال العجيبة؟ قلنا: إنه ليس بعجب أن يكون المرء الشرير يدعو أو يطلب فيجاب إلى ما دعا وطلب، لأن المرء الشرير يستقي من النهر الذي يستقي منه المرء الصالح، والنهر لا يميز بينهما بل يسقيهما جميعاً، فإن كان هذا هكذا ورأينا المرء - شريراً كان أو صالحاً - ينال من الشيء المباح لجميع الناس، فلا ينبغي أن يعجب من ذلك.

_ (1) ص: الحجية. (2) ص: دعاء قواه.

فإن قال قائل: فالعالم إذن كله بأسره ينفعل فيعمل بعضه الآثار في بعض، قلنا: إن العالم الأرضي هو الذي ينفعل، وأما العالم السمائي فإنه يفعل ولا ينفعل، وإنما يفعل في العالم الأرضي أفاعيل طبيعية ليس فيها فعل عرضيّ، لأنه فاعل غير منفعل من فاعل آخر جزئي، فأفاعيله كلها طبيعية ليس شيء منها عرضاً، لأنه إن عرض فيها عارض فلا يكون بغاية الإتقان والصواب. قال محمد بن موسى (1) : قال: حدثني يحيى بن أبي منصور، دخلت على المأمون، وعنده جماعة من المنجمين، وعنده رجل تنبأ ودعا له القضاة والفقهاء، ولم يحضروا بعد، ونحن لا نعلم، فقال لي ولمن حضر من المنجمين: خذوا طالعاً لدعوى رجلٍ في شيءٍ يدعيه، وعرفوفي ما يدلّ حاله عليه، من كذبه في دعواه أو صدقه. ولم يعلمنا المأمون أنه متنبئ، فأخذنا الطالع وأحكمنا موقع الشمس والقمر في دقيقة واحدة مع دقيقة الطالع، وسهم السعادة وسهم الغيب في دقيقة الطالع، والطالع الجدي، والمشتري في السنبلة ينظر إليه، وعطارد والزهرة في العقرب (2) ينظران إليه، فقال من حضر من القوم: كل ما يدعيه صحيح، وأنا ساكت، فقال لي المأمون: قل، فقلت: هو في طلب تصحيحه (3) ، وله به حجة زهرية عطاردية، وتصحيح الذي يدعيه لا يتمُّ له ولا ينتظم، فقال لي: من أين؟ قلت؟ قلت: لأن صحة الدعاوى من المشتري، والمشتري ينظر إليه نظر موافقة، إلا إنه كاره لهذا البرج، فلا يتمّ له التصديق والتصحيح، والذي قالوا من حجة عطاردية زهرية فإنما هو من جنس الخداع، والمنجمون يتعجبون (4) منه، فقال المأمون: أحسنت، لله درّك! أتدرون من الرجل؟ قلت: لا، قال: هذا يدعي النبوة، قلت له: يا أميرالمؤمنين، معه شيء يحتجُّ به؟ فسأله فقال: نعم معي خاتم ذو فصين ألبسه فلا يتغير مني شيء، ويلبسه غيري فيضحك ولا يتمالك من الضحك

_ (1) وردت هذه القصة في البصائر 2/3: 500 وما بعدها؛ ومحمد بن موسى يعرف بالجليس، وهو غير الخوارزمي (القفطي: 284) وقد خلط بينهما محقق البصائر مع أن أبا حيان قد أورد ((أخبرني محمد بن موسى الجليس وليس بالخوارزمي)) فعرف المحقق بالخوارزمي؛ وانظر النص نفسه عند القفطي: 357 في ترجمة يحيى بن أبي منصور. (2) زيادة من البصائر. (3) ص: واربه. (4) ص: والمنجمين تتعجب منه وتحث.

حتى ينزعه، ومعي قلم شامي أكتب به، ويأخذه غيري فلا تنطلق به يده، فقلت له: هذه الزهرة وعطارد قد عملا عملهما. فأمره المأمون بعمل ما ادعاه، فعمله، فقلنا: هذا ضرب من الطلسمات. فما زال به المأمون أياماً كثيرة يستنزله عن دعواه ويرغبه ويعده بالاحسان حتى أقرّ بصورة عملت في الخاتم والقلم، وتبرأ من دعوى النبوة، وأعلمه أنه إنما جعل ذلك سبباً للوصول إليه، فوهبه المأمون ألف درهم، ووجدناه أعلم الناس بعلم النجوم، وهو من أصحاب عبد الله بن السريّ، وهو الذي عمل طلسم الخنافس في دور كثيرة من دور بغداد. قال أبو معشر: نزلت في خانٍ ببعض قرى الريّ في قافلةٍ، ومعنا كاتبٌ من أهل بغداد، فلما استقرّ بنا المجلس أكلنا وأخرجتُ شراباً كان معي، فعرضت على الكاتب فشربنا، وذكرنا النجوم، فإذا هو قد نظر في شيء منها، فسألني عن القمر أين هو في الغد؟ فقلت: في تربيع المريخ فهل لك أن نقيم غداً؟ قال: نعم إن ساعدنا المكارون على ذلك، فكلمناهم فأجابوا على أن نعطيهم العلف، وسألنا أهل القافلة أن يقيموا فأبوا وسخروا منا وأنكروا ما قلنا، فأقمنا وارتحلوا، ونظرت في الارتفاع عند رحيلهم فإذا الطالع الثور وفيه المريخ، والمقر في الأسد، فقلت لهم: الله الله في أنفسكم، فامتنعوا من المقام ومضوا، وأقمت أنا والكاتب، فلم يبعدوا حتى رأينا جماعة من القافلة دخلوا علينا مجردين، وقد قطع عليهم الطريق على فرسخين من الموضع، وقد قتل بعضهم وأخذ ما كان معهم، فلما رأوني أخذوا لي الحجارة والعصي وقالوا: يا ساحر يا كافر قتلتنا وعاملت علينا وقطعت علينا الطريق!! فخلصت منهم بعد جهد، والتزمت أن لا أكلم أحداً من العوام والسوقة بشيء من أسرار النجوم. قال أمير من اأراء أفريقية يوماً لشاعر ظريف من شعراء مجلسه: أيّ برج لك في السماء؟ فقال: واعجبا منك، أنا ما لي بيت في الأرض، يكون لي برجٌ في السماء؟! فضحك وأمر له بدار يسكنها.

فراغ

في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه

الباب التاسع في شرح ما تشتمل عليه أسماء الأجرام العلوية وما يتصل بها واشتقاقه (1) : 581 - السماء: تذكر وتؤنث والتأنيث أكثر، وفي التنزيل العزيز: (والسماء بنيناها بأيد) ، وفي التذكير: (السماء منفطر به) ، وقد تلحق الهاء مع المدة فيقال سماءة، وتلحق أيضاً مع غير مدة فيقال سماة، وأما السماوة بالواو فسماوة كل شيء أعلاه، وسميت سماء لعلوها، وكل ما علا فهو سماء، ومنه سماء البيت وسماوته. وتسمى الجرباء لمكان كواكبها، شبهت بالبثور في جلد الأجرب، وتسمى الرقيع اسم علم لها وفي الحديث: " من فوق سبعة أرقعة " كقولك سبع سموات. 582 - الفلك: اسم يقع على الاستدارة، ومنه سميت فلكة المغزل، ويقال تفلَّك ثدي الجارية إذا استدار. 583 - القطبان: نقطتان في الفلك إحداهما في الشمال والأخرى في الجنوب، والكواكب كلها تدور حول القطبين؛ قال الشاعر: مالت إليه طلانا واستطيف به ... كما تطيفُ نجومُ الليل بالقُطُبِ قال أبو عمرو الشيباني: هو القُطب والقِطْب - بضم القاف وكسرها - والقطب الشمالي ظاهر لنا تدور حوله بنات نعش الصغرى والكبرى، وأما القطب الجنوبي فليس يظهر بشيء من جزيرة العرب. 584 - الأفق: للسماء آفاق وللأرض آفاق، فآفاق السماء ما انتهى إليه البصر راجعاً مع وجه الأرض من جميع نواحيها. وهو الحد بين ما بطن من الفلك وبين ما ظهر.

_ (1) قارن هذا الفصل (الفقرة 581 - 585) بما جاء في الأزمنة والأمكنة 2: 2 - 9.

قال الراجز (1) يصف الشمس: فهي على الأُفْقِ كعين الأَحْولِ ... صغواء قد كادتْ ولما تفعلِ شبهها بعين الاحول لميلان عينه في إحدى الشقين، والصغواء: المائلة للمغيب. وأما آفاق الأرض فأطرافها من حيث أطافت بك، قال الراجز (2) : يكفيك من بعض ازديار الآفاق ... سمراء مما دوَّسَ ابنُ مِحراقْ السمراء: الحنطة، ودوّس وداس بمعنى واحد. وكبد السماء وسطها، وعين السماء اختلف اللغويون فيها اختلافاً غير بعيد، مداره على أن عين السماء بين الجنوب والدَّبور عن يمينك إذا استقبلت قبلة العراق، وعين السماء مظنة للمطر إذا نشأت منه السحاب. 585 - المجرة (3) : جاء في الأثر أنها سرج السماء، كأنها مجمع السماء، كشرج القبة، وسميت مجرة على التشبيه لأنها كأثر السحب والمجر، وتسميها العرب أمَّ النجوم لأنها ليس في السماء بقعة أكثر عدد كواكب منها، كما يقال أمّ الطريق لمعظمها، قال تأبط شراً (4) : يرى الوحشةَ الأُنسَ الأنيسَ ويهتدي ... بحيث اهتدت أمُّ النجوم الشوابكِ 586 - الهواء: - ممدود - هو القبو الذي بين السماء والأرض، وهو السكاك - بفم السين - والسكاكة والُّلوح بضم اللام والسِّحاح - بسين مفتوحة غير معجمة وحاء. 587 - البروج: في التنزيل العزيز: (والسماء ذات البروج) وفيه، (ولقد جعلنا في السماء بروجاً) ، والناس مجمعون على أنها اثنا عشر برجاً، وتسميها كل أُمّة بلغتها، ويتفقون في المعنى على معاني لغة العرب، ويبدأون كما يبدأ العرب بالحمل ويسمى الكبش ثم يعدون على الولاء الثور والجوزاء - وتسميها المنجمون التوأمين، فأما الصورة فيسمونها الجبار والبشر وليس هما عند

_ (1) هو أبو النجم العجلي الفضل بن قدامة (الأغاني 10: 157 والشعر والشعراء: 502 والخزانة 1: 48 والسمط: 328) والشطران من أرجوزة طويلة له في الطرائف الأدبية 55 - 71. (2) الأزمنة 2: 8. (3) النقل مستمر عن الأزمنة 2: 9. (4) الحماسة رقم: 13 (المرزوقي) والقالي 2: 138 وسمط الآلي: 761 وزهر الآداب: 306.

العرب - والسرطان والأسد والسنبلة - وتسميها المنجمون العذراء - والميزان والعقرب - وتسميه العرب الصورة - والقوس - وتسميها المنجمون الرامي - والجدي والدلو والحوت - وهو السمكة. ولم تسمّ البروج بهذه الأسماء لأن كواكبها مشابهة في الصورة للأسماء المسماة بها، كما يظن كثير من العوام وأشباه العوام، وإن كنا نرى العقرب صورةً للعقرب، والجوزاء صورة إنسان، ولو كان ذلك لم يسمّ باقي البروج بأسماء صور غير موجودة فيها؛ على أن هذه الصور أيضاً غير ثابتة في أماكنها بل هي منتقلة على تأليف كوابها نقلةً خفية يعلمها أهل القياس والرصد جميعاً علمَ مشاهدة واضطرار، وتخفى على العوام وأشباههم، فهي بتنقلها تخرج من برج إلى برج، وأسماء البروج غير زائلة عنها، وإن زال نظم الكواكب. ومن الدليل الظاهر أيضاً على ذلك أن الذراع والنثرة والطرف والجبهة والزبرة والصرفة والعواء والسماك منسوبة كلها إلى أعضاء الأسد، وهي ثمانية منازل، وإنما البرج منزلان وثلث، فأنت تجد - على هذا - الأسد متفرقاً في أكثر من ثلاثة أبراج، وكذلك في العقرب وغيره من المنازل إذا استقريته وجدته على ما وصفت، واسم البرج في لغة العرب مشتق من البروج، وهو الظهور، ومنه برج البناء، وتبرج المرأة وهو تعرضها لأن تظهرَ وتُرىَ. 588 - المنازل: وتسمى نجوم الأخذ: قال الله عز وجل: (والقمر قدرناه منازل) وهي ثمانية وعشرون منزلة بلا خلاف، وتسمى نجوم الأخذ كان منها ما هو نجم واحد، وكان منها ما هو أكثر، وقد قيل للثريا " نجم " - اسم علم - وهي ستة كواكب، والنجم وإن كان اسماً علماً للثريا وقد شهرت به، فقد يقولون: هذا نجم الثريا، إذا جعلوه اسماً لجماعة كواكبها، ويقولون: هذه نجوم الثريا، إذا جعلوا كل كوكب منها نجماً. وسميت نجوم الأخذ لأخذ القمر (1) كل ليلة في منزل منها، وقيل: الأخذ: نزول القمر كل ليلة منزلاً من منازله يقال أخذ القمر نجم كذا وكذا، إذا نزل به، وقيل: نجوم الأخذ النيازك، وهي التي رُمي بها مسترق السمع لأنها تأخذه، والعمل على القول الأول. وأول المنازل: 1 - الشرطان (2) : واحدها شَرَط. وشرط - بالإسكان - أيضاً، وهما كوكبان

_ (1) ص: لأخذه. (2) الأزمنة 1: 187 والأنواء: 17.

على اثر الحوت، يقولون هما قرنا الحمل، والشرط في لغة العرب القرن. 2 - ثم البطين (1) : وهي ثلاثة كواكب خفية على أثر الشرطين بين يدي الثريا، وقد تكلموا به مكبراً فيقولون البطن، ويزعمون أنها بطن الحمل. 3 - ثم الثريا (2) : وهي النجم، ولا يتكلمون بها مكبرة وهي تصغير ثروى، مشتقة من الثروة في العدد، وهي الكثرة، وهي انثى ثروان، كعطشى انثى عطشان. والمذهب في تصغيرها كالمذهب في تصغير جميعة، حقرت لقلتها وصغرها. والنجم اسم علم لها قد غلب عليها، يقال: طلع النجم، وغاب النجم، ويقولون: الثريا ألْيَة الحمل. 4 - الدبران (3) : الكوكب الأحمر الذي على أثر الثريا، بين يديه كواكب كثيرة مجتمعة، من أدناها إليه كوكبان صغيران يكادان يلتصقان، يقال هما كلباه، والباقي غنيمته، ويقولون قلاصه، قال ذو الرمة يشبهه (4) : وردت اعتسافاً والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماءٍ محلّقُ يدف على آثارها دبرانها ... فلا هو مسبوق ولا هو يلحق بعشرين من صغرى النجوم كأنها ... واياه في الخضراء لو كان ينطق قلاصٌ حداها راكبٌ متعممٌ ... هجائن قد كادت عليه تَفَرَّق قُرانى وأشتاتاً أجدَّ يسوقها ... إلى الماء من قرن التنوفة مطلق قرن التنوفة: أعلاها، والمطلق: الذي تطلب إبله الماء، وهو من الطلق في القرب ثم الورد. وسمي دبراناً لدبوره الثريا، ويسمى تالي النجم، وتابع النجم، ثم كبر حتى عرف بالتابع مفرداً من غير إضافة، وكذلك حادي النجم من أسمائه والمجدح - بضم الميم وكسرها. والمنجمون يسمونه: " قلب الثور ". وليس كل كوكب دبر كوكباً يسمى دبراناً، وقد يُخَصُّ الشيء من بين جنسه بالاسم حتى يصير علماً له، وإن كان معناه يعم الجميع، كما سمي هذا النجم دبراناً والثريا نجماً. 5 - الهقعة (5) : هي رأس الجوزاء، وهي ثلاثة كواكب صغار مثفاة،

_ (1) الأزمنة 1: 187 والأنواء: 20. (2) الأزمنة 1: 188 والأنواء: 23. (3) الأزمنة 1: 188 والأنواء: 37. (4) ديوان ذي الرمة: 490. (5) الأزمنة 1: 189 والأنواء: 41.

وتسمى الأثافيَّ تشبيها بها. وقال ابن عباس رضي الله عنه لرجل طلق امرأته عدد نجوم السماء: يكفيك منها هقعة الجوزاء، أي تبينها ثلاث. ويقال للدائرة التي تكون بشقّ الفرس الهقعة، يقال منها: فرس مهقوع، وهي تكره. 6 - الهنعة (1) : كوكبان بينهما قيد سوط في رأي العين، وهما على أثر الهقعة ويقال للهنعة الزرّ. وسميت الهنعة لتقاصرها عن الهقعة والذراع المبسوطة، وهي بينهما منحطة عنهما، يقال: أكمة هنعاء: إذا كانت قصيرة. 7 - الذراع (2) : هي ذراع الأسد المقبوضة (3) ، وللأسد ذراعان: مبسوطة ومقبوضة، فالمقبوضة منهما هي اليسرى وهي الجنوبية، وبها ينزل القمر، وسميت مقبوضة لتقدم الأخرى عليها، والمبسوطة: هي اليمنى، وهى الشمالية. وكل صورة من نظم الكواكب فميامنها مما يلي الشمال، ومياسرها مما يلي الجنوب. وأحد كوكبي الذراع المبسوطة هي: 8 - الشعرى الغميصاء (4) : وهي تقابل الشعرى العبور، والمجرة بينهما. وقد تكبر فيقال: الغمصاء، والغموص - بفتح الغين - ويقال لكوكبها الآخر الشمالي المرزم: مرزم الذراع، وهما مرزمان هذا أحدهما، والآخر في الجوزاء. وقيل الذراع المقبوضة بأسرها هي المرزم. وتقول الأعراب في أحاديثها: كان سهيل والشعريان مجتمعة، فانحدر سهيل وصار يمانياً وتبعته العبور، عبرت إليه المجرة، وأقامت الغميصاء، فبكت لفقد سُهيل حتى غمصت، والغَمَصُ في العين ضعف ونقص. 9 - النثرة (5) : ثلاثة كواكب متقاربة أحدها كأنه لطخة، يقولون: هي نثرة الأسد، أي انفه. 10 - الطرف (6) : كوكبان بين يدي الجبهة، ويقولون: هما عينا الأسد. 11 - الجبهة (7) : جبهة الأسد، وهي أربعة كواكب خلف الطرف معرضة من

_ (1) الأزمنة 1: 189 والأنواء: 42. (2) الأزمنة 1: 189 والأنواء: 48. (3) ص: المبسوطة. (4) الأزمنة 1: 190 والأنواء: 49. (5) الأزمنة 1: 190 والأنواء: 54. (6) الأزمنة 1: 191 والأنواء: 55. (7) الأزمنة 1: 191 والأنواء: 56.

الجنوب إلى الشمال سطراً معوجاً، بين كل كوكبين منها قدر الذراع، والجنوبي منها هو الذي يسميه المنجمون: " قلب الأسد ". 12 - الزُّبرة والزَّبرة معاً (1) : زبرة الأسد، وهي كوكبان على أثر الجبهة بينهما قيد سوط في رأي العين، والزبرة كاهل الأسد وفروع كتفيه، ويسميان الخراتبن الواحدة خراة، ويقال الخرتان، كأنه شبه بالخرتِ وهو الثقب. 13 - الصرفة (2) : كوكب واحد نير على أثر الزبرة، ويقولون هو قُنْبُ الأسد، والقنب: وعاء القضيب، وسمي صرفة لانصراف الحرّ عند طلوعه غدوة، وانصراف البرد عند سقوطه غدوة. 14 - العواء (3) : قيل أربعة أنجم، وقيل خمسة، وهي خمسة لمن شاء، ومن شاء ترك واحداً، إلا أن خلقتها خلقة كتابة الكاف القائمة غير مشقوقة؛ وليست بالنيرة، وهي على أثر الصرفة؛ وسميت العواء بالكوكب الرابع الشمالي منها، وإذا عزلت هذا الكوكب الرابع كانت الثلاثة الباقية مثفَّاة الخلقة، وهم يجعلون العواء وركي الأسد، وآخرون يجعلونها محاشَهُ، ويجعلها آخرون كلاباً تتبع الأسد، وكأن هؤلاء تأولوا اسمها، والمحاش: حشوة البطن. والعواء يمد ويقصر. ويقال لها: عواء البرد، يزعمون أنها إذا طلعت أو سقطت جاءت ببرد، فلذلك قيل لها: عواء البرد. 15 - السماك4: سماكان أحدها الأعزل، والقمر فلا ينزل الآخر وهو الرامح، وسمي رامحاً لكوكبٍ صغير بين يديه يقال له: راية السماك، وسمي الآخر أعزل لأنه لا شيء بين يديه، كأنه عندهم لا سلاح معه، قال كعب بن زهير يصف ناقته (5) : فلما استبان الفرقدانِ زَجَرْتُهَا ... وهبَّ سماكٌ ذو سلاحٍ وأعزلُ وهم يجعلون السماكين ساقي الأسد، وأحد السماكين جنوبي وهو الأعزل، والآخر شمالي. قال ابن كناسة: وربما عدل القمر فنزل بعجز الأسد وهي أربعة كواكب بين يدي السماك الأعزل منحدرة عنه في الجنوب، وهي مربعة على صورة

_ (1) الأزمنة 1: 191 والأنواء: 58 - 59. (2) الأزمنة 1: 191 والأنواء: 59. (3) الأزمنة 1: 191، 310 والأنواء: 60. (5) انظر ديوانه: 57 وفيه ((فلما استدار)) .

النعش يقال لها عرش السماك وتسمى " الخباء " وهم يجعلون لها في الأنواء حظاً، وسمي سماكاً لسموكه وإن كان كل كوكب قد سمك، وهذا مثل ما ذكرنا في الدبران. 16 - الغفر (1) : كواكب بين زبانى العقرب وبين السماك الأعزل خفية، على خلقة العواء، وهي ثلاثة ليس لها رابع، والعرب تقول: خير منزلةٍ في الأبد، بين الزبانى والأسد، يعنون الغفر. 17 - الزبانى (2) : زبانيا العقرب أي قرناه، وما كوكبان مفترقان بينما أكثر من قدر قامة الرجل في المنظر، ويقال لهما زبانا الصيف لأن سقوطهما في زمان تحرك الحر. 18 - الإكليل (3) : إكليل العقرب رأسها، وهي ثلاثة كواكب معرضة، بين كل كوكبين منها قدر ذراع في رأي العين. 19 - القلب (4) : قلب العقرب الكوكب النير الأحمر الذي وراء الإكليل، وهم يستحسنونه. والقلوب أربعة هذا أحدها، وقلب الأسد وقد ذكرناه في وصف الجبهة، وقلب الثور وهو الدبران، وقلب الحوت وسيأتي ذكره. 20 - الشولة (5) : هي إبرة العقرب، وهي كوكبان صغيران مضيئان متقاربان في طرف ذنب العقرب؛ وقالوا: ربما نزل بالفقار فيما بين القلب والشولة، والفقار أحد كواكب ذنب العقرب، يجعلون كل كوكب منها فقرة، وهي ست فقر، والسابعة الإبرة. 21 - النعائم (6) : ثمانية كواكب: أربعة في المجرة، وهي النعام الوارد، وأربعة خارجة عن المجرة منحدرة، وهي النعام الصادر، فكلُّ أربعة منها على شبيه التربيع، وفوقها كوكب إذا تأملته مع كوكبين من النعام الصادر وكوكبين من النعام الوارد شبهتها بناقة، وقيل للوارد وارداً لشروعه في المجرة، وقيل للصادر صادراً لتنحيه عنها. 22 - البلدة (7) : رقعة من السماء لا كوكب فيها، بين النعائم وسعد الذابح.

_ (1) الأزمنة 1: 193، 311 والأنواء: 67. (2) الأزمنة 1: 193، 311 والأنواء: 68. (3) الأزمنة 1: 193، 312 والأنواء: 69. (4) الأزمنة 1: 193، 312 والأنواء: 70. (5) الأزمنة 1: 194، 312 والأنواء: 71. (6) الأزمنة 1: 194، 313 والأنواء: 74. (7) الأزمنة 1: 194 والأنواء: 75.

ويقولون: ربما عدل القمر أحياناً فنزل بالقلادة، وهي كواكب صغار خفية فوق البلدة تشبه القوس بنبل ومعجس، وتسميها العامة القوس، وتسمي موضع النعائم الوصل. 23 - سعد الذابح (1) : كوكبان غير نيرين، وكذلك السعود كلها، وبينهما في رأي العين قيس ذراع، وذِبْحُهُ كوكب صغير قد كاد يلصق بالأعلى منها، تقول الأعراب: هو شاته التي تذبح، قال الطرماح: ظعائنُ شمنَ قريحَ الخريفِ ... من الفرغِ والأَنْجُمِ الذّابِحَهْ قريحه: أوله. 24 - سعد بلع (2) : نجمان نحو من سعد الذابح أحدهما خفيّ جداً وهو الذي بلعه أي جعله بلعاً كأنه يسترطه سمي بلعاً لأنه طلع فيما يزعمون حتى قيل (يا أرض ابلعي ماءك) ولا ندرى ما هذا. 25 - سعد السعود (3) : كوكبان أيضاً من نحو سعد الذابح، وسمي سعد السعود بالتفضيل عليها لأنّ الزمان في السعدين قبله قسي، وطلوع سعد السعود يوافق منه لينا في دبره؛ قالوا: وربما قصر القمر فنزل بسعد ناشرة وهو أيضاً كوكبان أسفل من سعد السعود. 26 - سعد الأخبية (4) : ثلاثة كواكب متحاذية متقاربة، فوق الأوسط منها كوكب رابع، كأنها في التمثيل رجل بطة. وقيل: إن السعد منها واحد وهو أنورها، وإن الثلاثة أخبية، وقيل: سمي بالأخبية لأنه إذا طلع انتشرت الهوام، فخرج منها ما كان مختفياً بالبرد، لأن طلوعها في قبل الدفء، والسعود متناسقة بعضها على أثر بعض. 27 - الفرغ الأول (5) : هو فرغ الدلو، والدلو أربعة كواكب مربعة واسعة، بين كل كوكبين منها قدر قامة الرجل أو أكثر في رأي العين، فهم يجعلون هذه الكواكب الأربعة عراقي الدلو؛ وفرغ الدلو مصبّ الماء من بين العرقوتين، وقد يقولون لهما: العرقوة العليا والعرقوة السفلى بدل الفرغ الأول والفرغ الثاني.

_ (1) الأزمنة 1: 195، 313 والأنواء: 76؛ وانظر ديوان الطرماح: 71 واللسان (قرح) . (2) الأزمنة 1: 195، 313 والأنواء: 77. (3) الأزمنة 1: 195، 314 والأنواء. (4) الأزمنة 1: 195، 314 والأنواء: 79. (5) الأزمنة 1: 196، 314 والأنواء: 82.

28 - الفرغ الثاني (1) : وهو العرقوة السفلى كمثل الفرغ الأول، وقد يقال للفرغ الأول ناهزا الدلو المقدمان، والفرغ الأسفل ناهزا الدلو المؤخران، والناهز الذي يحرك الدلو ليمتلئ. قالوا: وربما يقصر القمر أحياناً فينزل بالكربِ الذي وسط العراقي الأربع، والكرب من الدلو ما يُشَدّ به الحبل على العراقي. 29 - الرشا (2) : هو السمكة، وهي كواكب في مثل خلقة السمكة، وفي موضع البطن منها من الشق الشرقي نجم منير به ينزل القمر، يسمونه بطن السمكة، والمنجمون يسمونه " قلب الحوت ". ويقال لما بين المنازل الفرج، فإذا قصر القمر عن منزلة واقتحم التي قبلها فنزل بالفرجة بينهما استحبوا ذلك، إلاّ الفرجة التي بين الثريا والدبران، فإنهم يكرهونها ويستخسونها، ويقال لها " الضيقة "، سميت ضيقة لضيقها عندهم، فإنهم يتواصفون قصر مدة ما بين طلوع النجم وطلوع الدبران. 589 - ذكر حظوظ البرج من المنازل: اعلم أن لكل منزلتين وثلث برجاً. نبدأ بالبروج من الحمل، وبالمنازل من الشرطين: فللحمل: الشرطان والبطين وثلث الثريا. وللثور: ثلثا الثريا والدبران وثلثا الهقعة. وللجوزاء: ثلث الهقعة والهنعة والذراع. وللشرطان: النثرة والطرف وثلث الجبهة. وللأسد: ثلثا الجبهة والزبرة وثلثا الصرفة. وللسنبلة: ثلث الصرفة والعواء والسماك. وللميزان: الغفر والزبانى وثلث الإكليل. وللعقرب: للثا الإكليل والقلب وثلثا الشولة. وللقوس: ثلث الشولة والنعائم والبلدة. وللجدي: سعد الذابح وسعد بلع وثلث سعد السعود. وللدلو: ثلثا سعد السعود وسعد الأخبية وثلثا الفرغ المقدم. وللحوت: ثلث الفرغ المقدم والفرغ المؤخر والرشا.

_ (1) الأزمنة 1: 196 والأنواء: 83. (2) الأزمنة 1: 196 والأنواء: 84.

ولكل برج من هذه البروج رقيب من البروج، ولكل منزل رقيب من المنازل فرقيب كل برج من البروج السابع، ورقيب كل منزل المنزل الخامس عشر، ومعنى الرقيب الذي في غروبه طلوع الآخر، وهو مأخوذ من المراقبة، كأنه يراقب بالطلوع غروب صاحبه؛ قال الشاعر: أحقاً عبادَ الله أنْ لستُ آتياً ... بثينةَ أو يلقى الثريا رقيبُهَا والمعنى لست لاقيها أبداً لأن هذا لا يكون، وكيف يلتقيان وأحدهما إذا كان في المغرب كان الآخر في المشرق. 590 - ذكر حلول الشمس في البرج والفصول: الشمس تحل برأس الحمل لعشرين ليلة تخلو من آذار، وعند ذلك يعتدل الليل والنهار، ويسمى الاستواء الربيعي؛ ثم لا يزال النهار زائداً والليل ناقصاً إلى أن يمضي من حزيران اثنان وعشرون يوماً، وذلك أربع وستون ليلة، فعند ذلك ينتهي طول النهار وقصر الليل، ويتصرم ربع الربيع ويدخل الربع الذي يليه، وهو الصيف، وذلك بحلول الشمس برأس السرطان، ويبتدئ الليل بالزيادة والنهار بالنقصان إلى ثلاثة وعشرين ليلة تخلو من أيلول، وذلك ثلاث وتسعون ليلة، وعند ذلك يعتدل الليل والنهار ثانية، ويسمى الاعتدال الخريفي. ويتصرم ربع الصيف ويدخل ربع الخريف، وذلك بحلول الشمس برأس الميزان، ويأخذ الليل في الزيادة والنهار في النقصان إلى أن يمضي من كانون الأول إحدى وعشرون ليلة، وذلك تسع وثمانون ليلة، فعند ذلك ينتهي طول الليل وقصر النهار، وينصرم فصل الخريف ويدخل فصل الشتاء، ويبتدئ النهار في الزيادة، وذلك بحلول الشمس برأس الجدي إلى مسيرها إلى رأس الحمل، وذلك تسع وثمانون ليلة وربع، فعندها ينصرم فصل الشتاء ويدخل الربيع، فعلى هذا دور الزمان. قال: وللناس في ذلك خلاف، وإنما ذكرنا هاهنا ما عليه الجمهور من مذاهب العرب. 591 - ذكر الشمس والقمر والنجوم المتحيرة (1) : 1 - الشمس: الشرق: الشمس، يقال: آتيك كل يوم طلع شرقه، يريد بذلك شمسه، ويقال طلع الشرق، ولا يقال غاب الشرق، والغزالة من أسماء الشمس عند الطلوع أيضاً، يقال طلعت الغزالة، ولا يقال غابت الغزالة. والجونة: الشمس وذلك لأنها تسود عند المغيب، يقال لا آتيك حتى تغيب الجونة، ولا يقال حتى تطلع الجونة. والجون من الأضداد يكون للأبيض والأسود. ومن أسماء الشمس الاهة، قال

_ (1) قارن بما ورد في الفقرة: 378، 401.

أبو حنيفة: وأظن أنها تأنيث اله، قال: واحسب أنها سميت بذلك لأنها تعبد؛ قال الشاعر (1) : تَروَّخْنَا من اللعباءِ قَصْراً ... فأعجلنا إلاهةَ أَنْ تؤوبا ويقال لها: العين والسراج، فأما الضحّ فما انبسط من ضوئها على الأشياء. وقرن الشمس أعلاها وأول ما يبدو منها، وحواجبها: نواحيها، وأَياة الشمس شعاعها وضوؤها، وإِيا الشمس - مكسور مقصور - وأياء الشمس - مفتوح ممدود -؛ وزعموا أن أَياء النور أيضاً حسنه وزهرته. 2 - القمر: يسمى الزبرقان، وبه سُمِّي الرجل، ويقال له أيضاً الساهور، وقيل الساهور نبطي معرب، والدائرة التي تحيط بالقمر الهالة، ويقال لما وقع من ضوئه على الأرض الفخت، يقال: جلسنا في الفخت، إذا جلسوا في القمر. وقال الجواليقي في " ما عرب من كلام العرب " (2) فأما الشهر فقيل أصله بالسريانية سهر - بسين غير منقوطة - فعرب، وقال ثعلب: سمي شهراً لشهرته وبيانه، لأن الناس يشهرون دخوله وخروجه، وقيل سمي شهراً باسم الهلال لأنه إذا أهل سمي شهراً، قال ذو الرمة (3) : ترى الشهرَ قبلَ الناسِ وهو نحيلُ ... 3 - المشتري: ويقال له البرجيس. 4 - المريخ: يقال له بهرام، وهما فارسيان جاءا في شعر العرب، والمريخ وزحل عربيان، قال الكميت يصف ثوراً وحشياً (4) : كأنه كوكبُ المريخِ أو زُحَلُ ... وقد جاء في شعر العرب أيضاً: الزهرة وعطارد والمشتري، وكلها عربية. ودرأ الكوكب دروءاً شديداً وهو كوكب دريءٌ من ذلك، وقال أبو زيد: جاء

_ (1) الأزمنة 2: 46 واللسان (لعب) والمخصص 9: 19. (2) المعرب: 207. (3) صدره: فأصبح أجلى الطرف ما يستزيده، انظر ديوانه: 1899 واللسان والتاج (شهر) والمعرب: 207 وشروح السقط: 1481 وهي أبيات أنشدها ابن الأعرابي في نوادره، لم يسم قائلها وربما رويت لذي الرمة؛ والمقاييس 3: 222. (4) صدره: ثم استمر وللأشباه تذكرة؛ شعر الكميت 2: 28 والأنواء: 127 وشرح ديوان أبي تمام 3: 15.

السيل درءاً إذا جاءك من حيث لا تعلم ولم يصبك مطر. وقال ابن الأعرابي: الدريء الكوكب يدرأ من الشرق إلى الغرب. وهو مضيء؛ وذرو الشمس - معجمة - طلوعها وإشراقها وهو أن يستدير ويخلص ضوؤها. ويقال غابت الشمس وغيرها من الدراري، تغيب غيوباً وغيبوبة، وكذلك آبت تؤوب إياباً، وغارت تغور غؤوراً وغياراً، ووقبت ووجبت، وأفل الكوكب وغيره يأفل أفولاً، وانغمس واغتمس وانقمس - بالقاف أيضاً - واقتحم وسقط وخفق، كل ذلك إذا غاب، ويقال أخفق النجم إذا تهيأ للسقوط ولما يسقط، وخفق إذا غاب. كما يقال خفق الطائر إذا طار فمرَّ وأخفق إذا ضرب بجناحه ليطير ولما يطر. قال الراجز: كأنها إخفاقُ طيرِ لم يَطِرْ ... ويقال خَوّتِ النجومُ تخويةً، وانصبَّتِ انصباباً، وهوت هوياً، ذلك إذا انحدرت للمغيب. 592 - ذكر اشتقاق الكواكب والنجوم والدرارى السبعة السيارة في لغة العرب: 1 - النجم: اشتقاقه من النجوم وهو الظهور. ومنه نجم النبت إذا ظهر وعلا على الأرض. 2 - زحل (1) : من التزحل وهو بطء الحركة، لأنه أبطأ الدراري سيراً في قطع الفلك. 3 - المشتري (2) : من الشراء وهو الوضوح والظهور، لضياء لونه وصفائه، ومنه الشراء في الحدقة، وهو تقلص الجفن الأعلى عن الأسفل وانفتاح الحدقة. 4 - المريخ: من المرخ، وهو اللين والاسترخاء، ومنه تمريخ الجسد بتليينه بالدهن، لأن لونه فيه اضطراب ولين في رأي العين. 5 - الشمس: من الشماس، وهو الامتناع، ومنه شماس الدابة وهو امتناعها عن القياد لرائضها، وذلك لقوة شعاع الشمس حتى تمتنع الأبصار عن تمكن النظر إليه.

_ (1) قارن بالأزمنة 1: 319 والمخصص 9: 36. (2) قارن بالمصدرين.

6 - الزهرة: من الأزهار، وهو الإشراق والإنارة، ومنه أزهر الصبح أي أنار وأشرق، وذلك لضيائها وإشراق نورها. 7 - عطارد: من العطردة، وهي السرعة والخفة، وذلك لسرعة حركته وامتزاجه بكل ما يجاوره وسرعة استحالته إليه. 8 - القمر: من القُمْرة، وهي شدة البياض، ومنه لون أقمر إذا كان أبيض شديد البياض. والشمس تجمع على شموس، كأنهم جعلوا كل ناحية منها شمساً كما قالوا لمفرق الرأس مفارق؛ قال الشاعر: حَمْيَ الحديدُ عليهمُ فكأنَّه ... وَمَضانُ برقٍ أو شعاعُ شموس وتصغيرها شُمَيْسة، وقد شمس يومنا وأشمس يَشْمس ويُشمِس - بالضم والكسر - إذا كان ذا شمس، وأقمر الليل يقمر إذا كان ذا قمر، وليلة مقمرة وقمراء إذا طلع القمر فيها من أولها إلى آخرها.

فراغ

الباب العاشر

الباب العاشر في تأويل رؤيا الأجرام العلوية وما يتعلق بها في المنام كل مذهب حكماء الفلاسفة والإسلام 593 - رؤيا النهار والليل: قال حكماء اليونان: رويا النهار في النوم خير من رؤيا الليل، لأن النهار وقت المعاش والليل وقت البطالة والعطلة، إلا لمن يكون الليل أوفق له وأليقَ بحاله، مثل الهارب والآبق والمستتر المتواري ومن أشبهم، فإن رؤيا الليل أوفق له من رؤيا النهار. 594 - رؤيا الشمس والقمر والسماء والكواكب (1) : 1 - الشمس: تدل على السلطان وعلى جميع الحيوانات، لأنّ قواها بها، فمن رأى الشمس على أحوالها الطبيعية من الضياء والنور والسير وجهات الطلوع والغروب دلّ على انتظام أموره وصلاح معاشه، بواسطة سعادة السلطان؛ ومن كان في غمّ أو حيرة ورأى أن الشمس طالعة والعالم مستنير بنورها زال عنه الغمّ والتحير، وكذلك إذا رآها من يرجو شيئاً نال ما يرجوه ويؤمله. وحكي أن رجلاً رأى أنه ينظر في الشمس فيرى صورته فيها؛ فرزق ابناً صار ملكاً عظيماً. وكما أن طلوع الشمس جيد فغروبها رديء، لأنه يدل على اليأس والتحير. وكان رجل أرمد العين، فرأى في النوم أن الشمس غابت، فعمي بصره، لأن الشمس في العالم بمنزلة العين في الجسد. وطلوع الشمس من جهة أخرى غير مشرقها رديء مذموم، وكذلك من رأى الشمس على لون غير لونها من السواد والحمرة والعتمة والظلمة دلَّ على الفساد والشر،

_ (1) قارن بما ورد عند ارطاميدورس: 289 عن الشمس، وص 292 عن القمر.

ومن رأى أنها أظلمت بحيث لا تضيء ألبتة أو غابت كان رديئاً، إلاّ إن كان هارباً أو عازماً على عمل شيء في الخفية؛ وكثرة الشموس في النوم رديء لأن كثرة الرؤساء تفسد النظام. 2 - القمر: يدل على امرأة عظيمة القدر، وكما أن الشمس تدل على صاحب البيت فكذلك القمر يدل على سيدة البيت، ويدل على السفر أيضاً لسرعة سيره. ورأى رجل القمر فقال للمعبر: رأيت كأني قريب من القمر وكلمته، فقال له المعبر: تسافر في البحر، فكان كما قال. ثم بعد سنة رأى هذا الرجل بعينه هذا المنام بعينه، فرجع إلى ذلك الموضع، فسأل المعبّر عن المنام فقال: تبتلى بحمى الدق، فقال صاحب المنام: سألتك عن تفسير هذا المنام قبل هذه السنة فقلت: تسافر في البحر فسافرت، والآن تعبره على حمى الدق، والمنام واحد، فما الفرق؟ فقال له المعبر: المنام الأول رأيته لخمس ليال خلون من الشهر والقمر على شكل السفينة، فلما قربت منه دلَّ على ركوب السفينة، والآن رأيت الهلال وقد بقي من الشهر ليلة واحدة، وهو في غاية الدقة والهزال، فيدل على أنك تصير مثله في الدقة، وإنما يكون ذلك بحمى الدق، فكان كما قال: وكل ما تدل عليه الشمس يدل عليه القمر أيضاً إلا أن ما يدلّ عليه القمر أقل وأنقص مما تدل عليه الشمس، ويكون ذلك الأمر الذي دل عليه القمر من جهة النساء. 3 - رؤيا الكواكب (1) : قال اليونانيون: رؤيا الكواكب لمن ينوي السفر جيدة، ولمن يعمل عملاً في الخفية، لأن الكواكب إنما تظهر بعد غيبة الشمس، ولا تضيء إضاءة كثيرة، وأن السماء مثال البيت، فمن رأى أنه سقط عليه من السماء كوكب، سقط من أهل بيته أحد على حسب قدر الكوكب الذي رأى في المنام. وحكي أن رجلاً رأى في المنام أنه يأكل النجوم، فاتفق أنه صار منجماً، وكان يتعيَّش بصناعة التنجيم. ورأى رجل أنه ظهر في السماء شهب وكواكب كثيرة، فقال له المعبر: هذا يدلّ على أن السنة حارّة يابسة لأن هذه الآثار إنما تتولد في مثل هذه السنة، وقد جُرِّب ذلك فكان كما قال.

_ (1) قارن بما عند ارطاميدورس: 294.

آراء العرب في ذلك (1) : قالت العرب: الشمس تدلّ على السلطان الأعظم. فمن رأى أنه قرب من الشمس أو أخذ منها شعاعاً ونوراً دلَّ على قربه من السلطان. ونال منه مرتبة علية ودرجة رفيعة. القمر (2) : يدل على وزير السلطان، والهلال على ولد مبارك، أو ولاية جليلة، أو ربح في تجارة. وقال جاماسف: ينصر على عدوه ويظفر به. الزهرة: تدل على زوجة الملك، وعطارد يدل على كاتبه، والمريخ يدلّ على اسفهسلاّره، والمشتري يدلّ على خادمه، وزحل يدل على صاحب النقمة والعذاب؛ وكبار الكواكب تدل على الروساء، وصغارها تدل على العوام. والقمر إذا رؤي على الأرض دلّ على الزوجة، وإذا رؤي في السماء دلّ على الوزير. ومن رأى القمر في بيته تزوّج بامرأة كبيرة القدر. وكثيراً ما تدل الشمس على الأب، والقمر على الأم، والكواكب على الإخوة خصوصاً إذا كانوا تحت حُكْمِ الوالدين، مثل منام يوسف عليه السلام، فإن الشمس كان أباه، والقمر أمه، والكواكب إخوته الذين سجدوا له. قال المصنف: ومن المجرّب أن من رأى أنه ينظر إلى السماء، والكواكب، والهواء صافٍ والكواكب نيّرة والسماء بادية، فإنه إن كان في كرب وغمّ فرج عنه كربه وغمه، ونال مسرة وانشراح صدر. وقد جرب ذلك مراراً. 595 - رؤيا السماء (3) : من رأى أنه صعد إلى السماء وهو ينظر إلى الأرض فإنه ينال رفعةً، فإن رأى أنه دخل في السماء وغاب فيها فإنه يموت ويرجع إلى الآخرة. ومن رأى كأن سهيلاً طلع عليه دلّ على إدباره وخراب بيته. لأنه لا يطلع في البلدان العامرة بل في البراري، ومن طلعت عليه الزهرة نال الإقبالَ إلى آخر عمره، ومن طلع عليه المشتري ناله ملك ورفعة إلى آخر عمره. ومن رأى الفلك كأنه يدور تحوّل من حالٍ إلى حال أو من دار إلى دار أو من بلدٍ إلى بلد. وقال أرطاميدورس (4) : من رأى الكواكب تحت السقف دلّ على خراب بيت

_ (1) انظر ابن سيرين بهامش تعطير الأنام (1: 160 - 162) وتعطير الأنام 2: 2. (2) ابن سيرين 1: 163 وتعطير الأنام 2: 150. (3) ابن سيرين 1: 156 وتعطير الأنام 1: 297. (4) انظر ارطاميدورس: 297.

صاحبها حين تكون الكواكب تدخل بيته، ويدل على موت رب البيت ودليل المنازل والكواكب ذوات الأذناب في الرؤيا مثل الذي تفعله إذا ظهرت في اليقظة. وطلوع الفجر لمن رآه نور وهداية كما أن الليل لمن رآه ضلال وغمة. وكل ما رؤي في الشمس والقمر من حدوث كسف أو خسف فهي حوادث رديئة تحدث بالملك أو وزيره، وباقي الكواكب على التفسير المتقدم في حوادثها تدلّ على الحوادث فيمن عرفت به. ومن رأى الشمس استترت بالسحاب فإن الملك يعرض له مرضٌ يسير ويبرأ منه. وكذلك في القمر وبقية الدراري السبعة. كل درب منها يدل على من هو منسوب إليه في التعبير المتقدم، والله أعلم. تمّ الجزء الأول

الجزء الثاني من الكتاب سماه

الجزء الثاني من الكتاب سماه طل الأسحار على الجلنار في الهواء والنار، وجميع ما يحدث بين السماء والأرض من الآثار، وجعله أبواباً كثيرة جمعت جميع ما فيها في عشرة أبواب. الباب الأول - في الفصوت الأربعة بقول كلي: فصل الربيع والصيف والخريف والشتاء. الباب الثاني - في كلب البرد وشدته ودفع القرّ بالجمر؛ ودلائل المطر ودلائل الصحو ومعرفة الشتاء الذي يطول وهل يتقدم أو يتأخر. والمطر المتقدم والمتأخر. الباب الثالث - في البرق وحنين العرب به لأوطانهم، والرعد والغيم والرباب وهالة القمر وقوس قزح على مذاهب العرب والفلاسفة. الباب الرابع - في السحاب الثقال والمطر والاستسقاء والحجا، وهي الفواقع التي يرسمها قطر المطر على الماء، ومنع المطر من تزاور الاخوان. وآراء الفلاسفة في المطر والثلج والبرد والجليد. الباب الخامس - في القول بالأنواء من الحظر والإباحة في الشرع - ومعنى قولهم ناء الكوكب. الباب السادس - في الرياح الأربع والنكب والإعصار - وهي الزوبعة - والزلزلة وتغيير الهواء بحسب هبوب الرياح على رأي الأطباء والقدماء. الباب السابع - في تقدم المعرفة بالحوادث الكائنة في العالم السفلي من جهة كسوف النيرين وطلوع الهالة وهبوب الرياح العواصف وطلوع قوس قزح وخفقان البرق وجلجلة الرعد وسقوط البَرَد في سني الروم والعرب. منقول عن الحكماء. الباب الثامن - في النار ذات اللهب وما تعلق بها ونار النفط والصاعقة ونار الفحم والكوانين. الباب التاسع - في أوصاف الشموع وقطّ الشمعة والفانوس والطوافة والقناديل والجلاسات وثريا المساجد والمشعل والسراج والمسرجة. الباب العاشر - في تعبير ما اشتمل عليه من الآثار العلوية وغيرها في المنام.

فراغ

الباب الأول

الباب الأول في الفصول الأربعة بقول كلي في فصل الربيع والصيف والخربف والشتاء 596 - فصل الربيع (1) : أوله نزول الشمس برج الحمل، وهو في خمسة (2) عشر يوماً من آذار، ويوافقه من شهور القبط برمهات، ومن شهور الروم مارس. وطبعه معتدل لممرّ الشمس على خط الاستواء، وآخره نزول آخر جزء من برج الجوزاء. وهو أفضل الفصول لمناسبته لمزاج الروح والدم، ولذلك تحمر فيه الأبدان بما يحدثه من الدم المعتدل وعجزها عن تحليله، ولهذا السبب تهيج فيه الأمراض المزمنة لتحريكه لموادّها، ويكثر فيه الرعاف والخوانق والدماميل والصداع العروق، ويجب أن يستعمل في ابتدائه الفصد والإسهال والقيء بحسب الواجب، وكذلك الرياضة المعتدلة، ويتجنب الامتلاء من الطعام والأشربة والأشياء الحارة والحرّيفة، ويجب الميل فيه إلى المبردات المطفئة. 597 - فصل الصيف (3) : أوله نزول الشمس السرطان، وهو في خمسة عشر (4) يوماً من حزيران، ويوافق من شهور القبط بؤونه، ومن شهور الروم يونيه. وآخرة نزول الشمس آخر جزء من السنبلة، وطبعه حار يابس لأن الشمس تكون في غاية ارتفاعها في الشمال وتسامت الرؤوس وتسخن، وهو أحرّ الفصول، وتكثر فيه المرّة الصفراء والسوداء ويقل فيه البلغم والدم، وتضعف القوى لتحليله، وتصفر فيه

_ (1) قارن بنهاية الأرب 1: 169. (2) كتب فوقها في ص: اثنا عشر. (3) قارن بنهاية الأرب 1: 171. (4) هامش ص: الصحيح ثلاثة عشر.

الألوان، ويضعف الهضم، وتعرض فيه الحميات المحرقة والغب والرمد وما أشبهه، ويجب أن لا يستعمل فيه القيء أكثر لمن، يسهل عليه، وتقلل فيه الرياضة، ويمال إلى الراحة والسكون، وتستعمل فيه الأشياء المطفئة المطفئة المبردة أكثر مما تستعمل في الربيع. 598 - فصل الخريف: أوله نزول الشمس أول الميزان، وهو سبعة عشر يوماً من أيلول، ويوافق من شهور القبط توت، ومن شهور الروم شتنبر، وآخره نزولها آخر القوس؛ وفيه تعود الشمس إلى الاعتدال، وطبعه بارد يابس باعتدال لتقدم فصل الصيف عليه، وقربه من الشتاء، وهو مضاد لمزاج الدم، وتكثر فيه الأمراض لاختلاف أحواله، وتكثر فيه حميات الربع والسرطانات القوابي، ويعظم فيه الطحال لتوليده السوداء ولذلك يجب أن لا يستعمل فيه الاسهال والقيء بل تسكن الأخلاط ويقلل الغذاء، ويلزم التدبير الجيد، وتحذر الفواكه، ويتجنب الجماع والاستحمام بالماء البارد والنوم على الامتلاء. 599 - فصل الشتاء (1) : أوله نزول الشمس الجدي، وهو في خامس عشر كانون الأول، ويوافق من شهور القبط كهك، ومن شهور الروم دجنبر، وهو نهاية انحطاط الشمس، وآخره نزولها آخر جزء من الحوت، وطبعه بارد رطب لبعد الشمس عن سمت الرؤوس، وهو أبرد الفصول وأعونها على الهضم لتقويته الحرارة الغريزية بحصره إياها، وأكثر الأمراض الحادثة فيه البلغمية وأمراض العصب ووجع الحلق والنحوحة والزكام وذات الجنب، ولذلك يزاد في الرياضات والغذاء وتكون الأغذية فيه إلى الغلظ والقوة كاللحمان وغيرها، وإن اضطر إلى استفراغ فالإسهال فيه خير من الفصد. القول في الفصول بالتفصيل. 1 - الربيع: أفرد له المصنف مقالة قائمة بذاتها في سابع جزء من هذا الكتاب تتضمن تفضيله على سائر الفصول، وجعلها أبواباً عدة رأيت إيرادها في هذا المكان للجمع بينه وبين بقية الفصول مما تقدم القول عليها. 600 - روي (2) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاث يُحْيينَ

_ (1) قارن بنهاية الأرب 1: 176. (2) محاضرات الراغب: (2: 253) .

القلب: النظر إلى الماء الجاري وإلى الخضرة وإلى الوجه الحسن " وفي رواية " النظر إلى الخضرة، والإثمد عند النوم، والوجه الحسن ". وعنه صلى الله عليه وسلم: " النظر في وجه المرأة الحسناء والخضرة يزيدان في البصر ". وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن ينضر إلى الخضرة وإلى الحمام الأحمر. 601 - وكتب (1) عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد: مُروا الناس أن يخرجوا إلى الصحاري أيام الربيع فينظروا إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها. 602 - وقال (2) أمير المؤمنين علي عليه السلام: إذا دخلت البساتين فأَطِلْ تأمُّلها، فإن فيها جلاء للبصر، وارتياحاً للهم، وتكرمةً للطباع، وتسكيناً للصداع. 603 - وقال بقراط (3) : من لم يبتهج لرؤية الربيع وتبسم أنواره فهو عديم حسّ، أو سقيم نفس. 604 - وقيل لماسرجس (4) : لمَ أبصار أهل الرساتيق أصحّ وطعامهم ثقيل؟ فقال: ما أعرف لذلك علة إلاّ كثرة وقوع أبصارهم على الخضرة. 605 - وقال بعضهم: الربيع بهجة الدنيا ومجمع المنى. 606 - وقال الشاعر: ثلاثة مُذهبة للحزن ... الماء والخضرة والوجهُ الحسن 607 - القاضي الجرجاني (5) : ألم ترَ أنوار الربيع كأنما ... نَشَرْنَ على الآفاقِ وشياً مذهباً فمن شجرٍ أظهرنَ فيه طلاقة ... وكان عبوساً قبلَ ذاك مقطبا ومن روضةٍ فضَّ الشتاُء حِدادَها ... فوشَّحَ عطفيها مُلاءً مطيبا سقاها سلاف الغيث فأصبحت ... تَمايلُ سكراً كلما هبّتِ الصَّبا

_ (1) محاضرات الراغب (2: 253) . (2) محاضرات الراغب (2: 253) . (3) محاضرات الراغب (2: 253) . (4) محاضرات الراغب (2: 254) . (5) اليتيمة 4: 15

608 - الأُسواري: أوائل رُسْلٍ للربيع تقدَّمَتْ ... على حُسْنِ وجه الأرض خيرَ قدومِ فراقتْ لها بعدَ المماتِ حدائقٌ ... كواسٍ وكانت مثلَ ظهر أديم كأن اخضرار الروضِ والنورُ طالعٌ ... عليه سماء زُيِّنَتْ بنجوم إذا اقتصَّها طَرْفُ البصيرِ بلحظةٍ ... توهما مفروشةً برقوم تردّت بظلٍّ دائمٍ وتضاحكت ... بضحكِ بروقٍ في بكاء غيوم 609 - الخليع (1) : ضحكتْ ضواحي الأرض لما رقرقت ... طهراً بهن مدامعُ الأنواءِ فترى الرياضَ كأنّهن عرائسٌ ... يُنْقَلْنَ من صفراءَ في حمراءِ 610 - البسامي (2) : أما ترى الأرض قد أعطتكَ زهرتها ... مخضرة واكتسى بالنور عاريها فللسماء بكاءٌ في جوانبها ... وللربيعِ ابتسامٌ في نواحيها 611 - أبو العلاء السروري (3) : أما ترى قُضُبَ الأشجار قد لَبِسَتْ ... أغصانُها (4) بعد عُرْيٍ كسوةَ الكاسي منظومةً بسموط الدر لابسةً ... حسنا يبيح دمَ العنقودِ للحاسي وغردت خطباءُ الطيرِ ساجعةً ... على منابر من وردٍ ومن آس 612 - أبو هلال العسكري (5) : انضر إلى الصحراء كيف تزخرفَتْ ... وإلى دموعِ المزنِ كيف تُذْرَّفُ وعلى الربى حُلَلٌ وشاهنّ الحيا ... فمسّهم وَمُعَصَّبٌ ومفوّفُ وملابسُ الأنواءِ منها سُنْدُسٌ ... ومضاجعُ الأنداء منها زخرفُ نَمَّ الرياض على الرياح كأنما ... ذكَّرْتَكَ الكافور حين يُدَوَّفُ

_ (1) لم يرد في ديوانه المجموع. (2) حلب الكميت: 240 لابن المعتز وقيل للشامي (اقرأ: للبسامي) . (3) اليتيمة 4: 50. (4) اليتيمة: أنوارها. (5) ديوان المعاني 2: 18 ومجموع شعره: 122.

وعلى التلاعِ من الأقاحي حُلَّةٌ ... وعلى البقاع من الشقائق مُطْرَفُ والغيمُ تنفشُةُ الرياحُ عشيّةً ... كالقطن في زُرْقِ الثياب يُنَدَّفُ والقَطْرُ يهمي وهو أبيضُ ناصع ... ويصيرُ سيلاً وهو أغبر أكلفُ والبرقُ يلمعُ مثلَ سيفٍ يتنضى ... والسيلُ يجري مثلَ أفعى تزحفُ 613 - أبو بكر الصنوبري (1) : إن كان في الصيف أثماٌر وفاكهةٌ ... فالأرضُ مُسْتَوْقَدٌ والجوُّ تنورُ وإن يكن في الخريفِ النخلُ مُخترفاً ... فالأرضُ محصورةٌ والجوّ مأسور وإن يكن في الشتاء الغيمُ متصلاً ... فالأرضُ عريانةٌ والأفقُ مقرر ما الدهرُ إلا الربيع المستنيرُ إذا ... جاء الربيع أَتاكَ النَّوْرُ والنور فالأرضُ ياقوتةٌ والجوُّ لؤلؤة ... والنّبتُ فيروزجٌ والماءُ بلّور لا تعدمُ الأرضُ كأساً من سحائبه ... فالنبتُ ضربان: سكرانٌ ومخمور فيه جنى الورد منضودٌ مُوَرَّدَةٌ ... به المجالسُ والمنثورُ منثور حيث التفتَّ فقمريٌّ وفاختةٌ ... وبلبلٌ وَوَرَاشِينٌ وزرزور يطيبُ حول صحاريه المقامُ كما ... تطيبُ في غيره الحاناتُ والدور فكلُّ ظهرٍ علونا فيه دَسْكَرةٌ ... وكلّ بطنٍ هبطنا فيه ماخور تبارك الله ما أحلى الربيعَ فلا ... يغْرُرْ مُقَايِسَهُ بالصيفِ مغرور من شمَّ طِيبَ تحيَّاتِ الرّبيع يقلْ ... لا المسكُ مسكٌ ولا الكافور كافور 614 - ابن وكيع (2) : فُرِشَ الفضاءُ بأحمرٍ وبأصفرٍ ... وبدتْ لنا حُلَلُ الربيع الأَزهرِ حُلَلٌ تُعَدُّ إذا اجتهدتَ مقصراً ... في وصفها وتكونُ غيرَ مقصر فترى الرياضَ كأنهن عرائسٌ ... يخلطنَ بين تمايُلٍ وتبختر في جوهرٍ فاتَ الجواهرَ قيمةً ... لو أنه يبقى بقاءَ الجوهر سرٌّ أسرَّ به السحائب في الهوا ... فأذاعه فانذاع أَجملُ منظر سرٌّ طواه فلم يكن مستحسناً ... حتى أُشيعَ فكان أحسنَ مظهر

_ (1) ديوان الصنوبري: 42 وفيه تخريجها، وورد بعضها في حلبة الكميت: 239 للمعوج الشامي، وانظزر محاضرات الراغب (2: 253) . (2) حلبة الكميت: 205 وديوان ابن وكيع: 63.

زمنٌ أغرّ لو اشتريتَ بطيبه ... طيب الحياة (1) لكنتَ أَحسنَ مشتري متزيِّن زَيناً ولم يقصد لها ... متضمخ عطراً ولم يتعطّر وافى على أَثَرِ الشتاء كأنه ... إِقبالُ جَدٍّ بعد أمرٍ مُدْبر فكأنَّ ذاك كان وجه مهدِّدٍ ... وكأن هذا جاء وَجْهَ مبشِّر 615 - وله (2) : انظرْ إلى حُسْنِ الربيع وما جَلَتْ ... فيه عليك طرائفُ الأنوارِ أبدتْ لنا الأمطارُ فيه بدائعاً ... شهدت بحكمة مُنْزِلِ الأمطار ما شئت للأسحارِ في صحرائه ... من درهم بَهِجٍ ومن دينار وجواهرٍ لولا تغير حُسْنِها ... جلَّت عن الأثمانِ والأخطار من أبيضٍ يَقَقٍ وأصفرَ فاقعٍ ... مثلِ الشموس ُقِرَّن بالأقمار دارٌ لو اتصل البقاءُ لأهلها ... لتشوقوا لنعيم تلك الدار أستغفر الله تعالى عن ابن وكيع وعن المصنف في إيراد هذا أالبيت فإنه قال: دارٌ لو اتصل النعيمُ لأهلها ... لم يحفلوا بنعيم تلك الدّار فلم أجسرْ على ذكره كما ذكراه، وغيّرتُهُ على هذه الصورة: إنهم مع اتصال النعيم لهم يشتاقون إلى نعيم تلك الدار. وصَّلَ الله تعالى إليها بكرمه. 616 - ابن الرومي (3) : ونرجسٍ كالثغورِ مبتسمٍ ... له دموعُ المحدّقِ الشاكي أَبكاه قَطْرُ الندى وأضحكَهُ ... فهو من القَطْرِ ضاحكٌ باكي 617 - ابن طباطبا (4) : نظر إلى زهرِ الرياضِ كأنه ... وشيٌ تُنَشِّرُهُ الأكُفُّ مُنَمْنَمُ والنَّوْرُ يهْوي كالعقودِ تبدَّدت ... والوردُ يخجل والأَقاحي تبسم ويكادُ يُذري الدمعَ نرجسُهَا إذا ... أضحى، ويقطر من شقائقها الدّم

_ (1) الديوان: الجنان. (2) اليتمية 1: 339 وديوان ابن وكيع: 59. (3) ديوان ابن الرومي 5: 1890. (4) البيتان الأولان في حلبة الكميت: 241.

هذا معنى بديع في طلّ الشقائق لم يُسبق إليه، وذلك ان الحكماء قالوا: إن لون الماء لون إنائه، فلما كانت الشقائق كالإناء لطلّها ظهر عليها أحمر كالدم. 618 - الخباز البلدي (1) : وروضةٍ بات ساري الطلِّ ينسجُهَا ... حتى إذا التحمتْ أضحى يُدَبِّجها يبكي عليها بكاءَ الصبِّ فارقه ... إلفٌ فيضحكها طوراً ويبهجها 619 - التنوخي: ونرجسٍ كأنّه نواظرٌ ... يَقْطُرْنَ عذباً بارداً على الظما إذا بدا الطلُّ عليه خِلْتَهُ ... غرقى عيونٍ في بحورٍ من بكا 620 - السَّروي (2) : غدونا على الروضِ الذي طَلَّهُ النَّدى ... سُحَيْراً (3) وأودج الأباريق تُسْفَكُ فلم أرَ شيئاً كان أحسنَ منظراً ... من النَّوْرِ (4) بجري دمعُهُ وهو يضحك 2 - الصيف: 621 - هو أحدّ الفصول، وأكثرها أمراضاً وإضعافاً للقوى والأفعال، مع كثرة خشاش الأرض والذباب وَكَرْبِ الأنفاس فيه، بركود الهواء وعدم الالتذاذ للطعام والشراب، لضعف الهضم وقلة برد الماء، وكذلك النكاح يعظم ضرره فيه. وإنما يُحْمَدُ من الصيف فاكهته وهي سبب استقامته، وأما معاقرو الشراب فالصيف عندهم عذاب لما يولّده الشراب فيه من إسخان البدن وإحماء المزاج، فهم

_ (1) هو أبو بكر محمد بن أحمد بن حمدان أحد شعراء اليتيمة 2: 208 وله ترجمة في الوافي 2: 57. والبيتان في اليتيمة 2: 211. (2) البيتان في اليتيمة 4: 50 وحلبة الكميت: 241. (3) اليتيمة: مررنا على ... قد تبسمت ذراه. (4) اليتيمة: فلم نر ... من الروض.

يمدحون الشرب في كل فصل من الفصول ويتزاورون فيه ويستدعون فيه المعاقرة إلا فصل الصيف فإنهم يذمونه، قال أبو نواس: ثلاثةُ أشهرٍ فيها العذابُ ... حزيرانٌ وتموزٌ وآبُ وقال ابن المعتز (1) : قد مضى آُب صاغراً لعنة الل ... هـ عليه ولعنةُ اللاعنينا وأتانا أَيلولُ وهو ينادى ... أَلصبوحَ الصبوحَ يا غافلينا 622 - يقال للشيء إذا ضربته الشمس ولم يستره عنها شيء؛ صهرته وصقرته وصَخَدتْهُ وصَمَحَتْه، والوديقةُ شدّة الحر، يقال: أودقَ الناس إذا اشتدّ عليهم الحر، وأصل الوديقِ والتودُّقِ الدنوُّ والاقتراب، ومنه تودَّقت الأتان للعَيْرِ إذا أمكنت نفسها من النزو. قال ابن الرقاع: تودَّقَتْ شمسُهُ حتى إذا حميت ... منها الجماجمُ كادتْ يومَهَا تَقفُ 623 - قيل لأعرابي (2) : كيف كان الهواء البارحة؟ قال: مات فلم يكن له نَفَس. 624 - وقال آخر (3) : سُدَّتْ طُرُقُ الرياح، وانسدّت بذلك طرق الأرواح. 625 - شاعر (4) : ويومٍ كأنَّ المصطلينَ بحرّه ... وإن لم يكنْ جمرٌ قيامٌ على الجمرِ 626 - آخر (5) : ويوم من الشّعْرَى يذوبُ لعابُهُ ... أَفاعيه في رمضائِهِ تتململُ

_ (1) ديوان ابن المعتز: 253، 3: 119. (2) محاضرات الراغب (2: 244) . (3) محاضرات الراغب (2: 244) . (4) هو نهشل بن حري كما في زهر الآداب: 1088 وانظر مجموعة المعاني: 190. (5) محاضرات الراغب (2: 244) .

627 - الكميت (1) : وخرقٍ تعزفُ الجنّان فيه ... لأفئدة الكُماةِ به وجيبُ قطعتُ ظلامَ ليلتِهِ ويوماً ... تكادُ حصى الاكامِ به تذوبُ 628 - ابن أبي الثياب (2) : وهاجرةٍ تشوي الوجوهَ كأنّها ... إذا لَفَحَتْ خدّيَّ نارٌ تَوَهَّجُ وماءٍ كَلَوْنِ الزيتِ ملحِ كأنَّه ... بوجديَ يُغلى أو بهجرك يُمْزَجُ 629 - قال أبو حنيفة الدينوري: أخبرني غير واحدٍ من العرب أنّ القيظ إذا أفرط عندهم وصهرت الهواجر الرمل آض مثل الملَّة لا يستطيع حيوان يعلوه، فربما راع الوحش ذعر ذلك الوقت فيقع فيه، فلا تلبث أطلاقُها أن تتصل. وهم يتحدثون عن شدة الحرّ بكلّ عجيب، وبذلك ينطق شعرهم، وكيف ما كان فهو أهون عليهم من البرد. والأطباء يحمدون الحر الشديد والبرد الشديد بالنسبة إلى الاقليم وجريان العادة فيه. وقال حكيمهم: خير شتائكم الشديد بردُهُ، وخير صيفكم الشديد حرّه. وكانوا يستعيذون من الشتاء السخن. قال الأصمعي: ما وقع الطاعون قطّ إلا في شتاءٍ سخن أو بعقبه 630 - ومن لوازم الصيف المراوح، وهي ثلاثة أنواع (3) : مراوح الخُوص، ومراوح الأديم، ومراوح الخَيْشِ. 631 - قال السريّ الموصلي في مراوح الخوص (4) : ومبثوثةٍ في كلِّ شرقٍ ومغربٍ ... لها أمهاتٌ بالعراقِ قواطنُ تحرّكُ أنفاسَ الرياح حراكها ... كأن نسيمَ الريح فيهنَّ كامن 632 - ابن أبي الندى المعري (5) : وقابضةٍ لعنان النسيم ... تصرِّفُةُ حيث شاءتْ هبوبا

_ (1) الحيوان 5: 76 وديوان الكميت 1: 85. (2) ص: ابن أبي البنات، وابن أبي الثياب من شعراء اليتيمة 4: 147 واسمه محمد وانظر نهاية الأرب 1: 172. (3) انظر الغزولي 1: 64. (4) لم يردا في ديوانه. (5) انظر الخريدة (قسم الشام) 2: 73.

فمن حيثُ شاءت أهبَّتْ صَباً ... ومن حيث شاءت أهبَّتْ جنوبا إذا أقبل القرّ كانت عدواً ... وإن أقبل الصيفُ كانت جيبا 633 - حسان بن نمير المدعو عرقلة (1) : ومحبوبةٍ في القيظ لم تخلُ من يد ... وفي القرّ تخفوها أكفُّ الحبائبِ إذا ما الهوى المقصورُ هيجّ عاشقاً ... أتت بالهوا المدودِ من كلِّ جانب 634 - ابن معقل (2) : ومروحةٍ أهدت إلى النفسِ روحها ... لدى القيظ مشبوباً باهداءِ ريحها روينا صن الريح الشمال حديثها ... على ضعفه مستخرجاً من صحيحها 635 - علي بن صاحب تكريت (3) : يا سائلي عن نسيمٍ طيَّ مروحةٍ ... أهدتْ سروراً بترجيعٍ وترويحٍ أما ترى الخوصَ أهدى من مراوحه ... ما أودعته قديماً نسمةُ الريح 636 - ومما يكتب على مروحة لشرف الدين التيفاشي المصنف: أنا في الكف راحةٌ ... لصحيحٍ وذي عِلَلْ أنا سترٌ لعاشق ... عندما يخلسُ القبل أنا مخفٍ لوجنةٍ ... خجلت أيسرَ الخجل أنا أُهدي إليكمُ ... ارجَ الزهر إنْ ذبل أنا وحدي كروضة ... جادها واكفٌ هَطِلْ أنا بي يُبْعَثُ الندي ... مُ على الكاسِ إن غفل مجلسٌ لا أزوره ... ليس في قربه أملْ ومما يكتب على مروحة ملك: تأملْ إلى ما قد حويتُ من الفخر ... لخدمةِ مَلْكٍ جلَّ في رفعةِ القدر وفكّرْ تجدْ منه ومني روضةً ... يمرّ بها طيبُ النسيم على البحر

_ (1) الخريدة (قسم الشام) 1: 186 والفوات 1: 316 والغزولي 1: 64 وديوانه: 12. (2) الغزولي 1: 64. (3) الغزولي 1: 64 وحلبة الكميت: 150.

637 - قال شاعر: دقيقةُ الجسم لها ساعدٌ ... تسعد من تحييه أَنفاسُهَا محبوبةٌ في القيظِ مهجورة ... في القرّ لا يقربها ناسها كأنها من بيتِ مال الهوا ... ان لوحت تنفضُ أكياسها 638 - قال أبو الفوارس سوار بن إسرائيل الدمشقي (1) : كنتُ عند السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فحضر إليه رسول أمير المدينة النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ومعه قود وهدايا، فلما جلس أخرج من كمه مروحةَ سعفٍ بيضاء، عليها سطران من نساجةِ السَّعف الأحمر وقال: الشريف يخدم السلطان، وقال: خذْ هذه فما رأيت أنت ولا أبوك ولا جدُّك مثلها، فاستشاط صلاح الدين غضباً، فقال الرسول: لا تعجل بالغضب قبل تأملها، وكان صلاح الدين ملكاً حليماً، فإذا عليها مكتوب: أنا من نخلةٍ تجاورُ قبراً ... ساد مَنْ فيه سائر الناس طرا شملتني سعادةُ القبرِ حتى ... صرتُ في راحة ابن أيوب اقرا وإذا هي من خوص النخل الذي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقبلها صلاح الدين ووضعها على وجهه. 639 - مروحة الأديم: وتسمى الهندية وهي نوعان إحداهما مستديرة إلا موضع النصاب لا غير، والأخرى مستديرة ثم يقطع ربع دائرتها الذي يلي الوجه. 640 - الشريف: مروحة الهند إذا ما بَدَتْ ... فوصفها من فلسفيٍّ حكيمْ كأنها البرجاسُ في دَوْرِهَا ... لكنها دائرة من أديم وأعطتِ الجلاّسَ أنفاسَها ... عدلا فكانت لولباً للنسيم 641 - الشيخ شرف الدين التيفاشي المصنف: وبدر تمّ غدا ينفي الحرورَ كما ... ينفيه مُشْبِهُهُ في الأفق إنْ طلعا

_ (1) وردت القصة عند الغزولي 1: 64 - 65.

يهدي لأَرواحنا روحاً بمروحة ... من الأَديم إذا ما حُسْنُها برعا كالشمس ترعدُ من بدرٍ ألمَّ بها ... مقارناً كاسفاً من جرمها الربعا حظ اللحاظ وحظّ الروحِ قد جمعا ... فيه لكل جليسٍ يأتيان معا 642 - وله: ومروحةُ الهند من فيلهم ... أُقيمُ على ذاك برهانَهُ أَلستَ تراها إذا روَّحَتْ ... كما روَّح الفيل آذانه وتعدلُ صاحبها في النسيم ... ينال ويشمل جيرانه 643 - ولابن خروف (1) (2) : ومروحةٍ إنْ تأملتها ... ترى فلكاً دائراً في اليدِ وَتُطْوى وَثُنْشَرُ من حسنها ... فتشبه قُنْزُعَةَ الهدهد 642 - مروحة الخيش: هذه المروحة محدثة في زمن بني العباس؛ ذكر جحظة البرمكي في كتابه " في العطر " قال: كان سبب حدوث مروحة الخيش أن هرون الرشيد دخل يوماً على أخته علية بنت المهدي في قيظ شديد، فألفاها قد صبغت ثياباً بزعفران وصندل، ونشرتها على الحبال لتجف، فجلس هارون بمقربة من تلك الثياب المنشورة، فجعلت الريح تمرُّ على الثياب فتحمل منها ريحاً بليلة عطرة، فوجد لذلك راحة من الحرّ واستطابه، فأمر أن يصنع له في مجلسه مثله، فكثر واستعمله الناس. 645 - ومن ملح ألغاز الصاحب بن عباد فيها قوله لأبي العباس الخازن في يوم قيظ: ما يقول الشيخ في قلبه؟ فلم يفهم عنه، أراد في قلب " الشيخ " وهو " خيش ". 646 - كشاجم (3) : وبيتٍ نشيِّدُهُ في الهجير ... على غير أسٍّ وثيقِ البناء

_ (1) الغزولي 1: 65 وحلبة الكميت: 151 وابن خروف هو أبو الحسن علي بن محمد بن يوسف القرطبي الشاعر؛ هاجر إلى المشرق وسكن حلب وتوفي فيها 604 (وهو غير ابن خروف النحوي وخلط بينهما ابن سعيد في الغصون اليانعة: 139) انظر ترجمة الشاعر في صلة الصلة: 114 والتكملة رقم 1894 وزاد المسافر (رقم: 6) والذيل والتكملة 5: 296 وصفحات متفرقة من نفح الطيب. (2) الغزولي 1: 66. (3) لم ترد في ديوانه.

ونهجرهُ عند لفحِ الشتاء ... إذا كان عنّا قليلَ الغناء فيا لك بيتاً بناهُ الحكيم ... حصيناً من الحرِّ رحبَ الفناء ويحملُ ماءً كحملِ السَّحابِ ... وليس يجودُ بغير الهواء إذا قام قام على أربعٍ ... ومن بين أثوابهِ ثوبُ ماء حكى فرساً باتَ في جُلِّهِ ... وقد أسبلَ الغيثَ تحت السماء 647 - ابن حمدون مصنف " التذكرة ": ومرسلةٍ معقودةٍ دون قصدها ... مقيّدةٍ تجري حبيساً طليقها يمرُّ حفيفُ الريح وهي مقيمة ... ويسري وقد سُدَّتْ عليها طريقها لها من سليمان النبي وراثةٌ ... وقد ضربت آل النبيط عروقها إذا صدق النوءُ السماكيُّ أمحلت ... وتمطر والجوزاء دانٍ حريقها تحيّتها إحدى الطبائع أنها ... لذلك كلُّ روحٍ صديقها 648 - شاعر (1) : وجاريةٍ نشأتْ بين الغصونِ غمامةٌ ... من الندّ إلا أنَّها ليس تهطلُ وَعُلَّ بماءِ الوردِ خَيْشٌ كأنه ... على خِدْرِهِ ثوبُ العروسِ المصندل 650 - علي ابن صاحب تكريت ملغزاً في الخيش (2) : ما ذاتُ خدرٍ حصانٌ كان منشؤها ... بين الحواضرِ لا بين الأعاريبِ منقادةُ طالَ ما أهدتْ أزِمّتها ... روحاً إلى كلِّ محرور ومكروب شدّت صليباً وزنّاراً وما عَرَفَتْ ... دينَ المسيح ولم تركنْ إلى حُوب تسري إذا قيل للقوم المسيُر ولا ... تسعى على أربعٍ كالخيل والنيب مصلوبةٌ ما رأت عيباً ولا اجرحتْ ... ذنباً فتلحظها في زيّ مصلوب ككاعبٍ يومَ عيدٍ تعتلى لَعِباً ... أرجوحةً بين أتراب كواعيب

_ (1) هما مما أنشده الحريري في المقامة النجرانية رقم: 42 وانظر شرح الشريشي 5: 57 والغزولي 1: 65. (2) البيت الثاني في ديوان السري: 211.

تروى وتظمأ أحياناً وما عرفت ... كغيرها طَعْمَ مأكولٍ ومشروب يميتها القرُّ في المشتى ويُنْعِشُها ... حرُّ الهجيرِ بترجيع وتأويب نواظبُ الغُسْلَ عن طُهْرٍ وما ارتكبت ... يوماً مباضعةَ الشبان والشيب في ذيلها ديمةٌ في الصيفِ ساكبةٌ ... بالقَطْرِ والقطرُ فيه غير مسكوب 3 - الخريف: 651 - سمي (1) خريفاً لأن الثمار تُخْرَفُ فيه أي تجنى وتقطع، ومنه اشتق الخَرَفُ للشيخ، وهو ذهاب العقل، كأن عقله انقطع. وقال أبو حنيفة: لم يذكر أحد من العرب الخريف في الأزمنة لأن الخريف عندهم ليس اسماً للزمان، وإنما هو اسم لأمطار أواخر الشتاء. ووصف عليّ بن حمزة الخريف فقال: الخريف ثمرة الربيع، كالشجرة التي تُثْمِر ولولا الثمرة لم تكن في الشجرة منفعة. وفي الخريف تحصل أصناف ما يتمول، وتدَّخر أقوات الخلائق الممسكة لأرواحها إلى الخريف القابل، وفيه يكون الزعفران، وله على جميع أنوار الربيع فضل، وله ورد يطلع كنصل السهم وقرن الخشف، في لون الياقوت الأزرق واللازورد المشُوف كالعيون الشهل وأعراف الطواويس، يتفتح عن شعر كخطوط الذهب وكشرر نار تلوح من حدائق البنفسج كألسن الحيات المنضنضة، ويطلع ورد الزعفران البري في السنة مرتين، غير أن البري ليس له زعفران ولا حشيش، وفيه يُجْتنى النخل وتحرز أعسال النحل وتقطف الأعيان التي فيها المنافع، وتُجْنى الأقطان التي قيها لباس الناس وزينتهم أحياء وسترتُهم أمواتاً، وفيه يقطف اللوز والجوز والعناب والزعرور وغير ذلك، وفيه تتناكح ذوات الأظلاف الانسيّة والوحشية، وفيه مطارح البزاة وسائر الجوارح، وفيه الأترجُّ وأوراقه، وله ورد كالفاغية وينفتق عن مثل خرز الزبرجد، ويعظم وتُشْرَبُ خضرته صفرةً، فإذا خلصت الصفرة صار كقلالٍ ظاهرها ذهب وباطنها فضة. فيها حبّ كاللؤلؤ والمرجان، وقشره ينفع الممعود، وله إذا عُرِكَ أريجٌ ذكي، ويستخرج منه دهنٌ أذكى من الند، وله حماض لذيذ يطيب للمقرور وينفع المحرور، وإذا تصرمت الرياحين في البساتين فالأترجّ غضٌّ طري، وقد اجتمع فيه وفي العنب الطبائع الأربع.

_ (1) قارن بنهاية الأرب 1: 173.

وقال أبو محمد ابن المقتدر: وفيه يكال الأرز، وهو أحد الأقوات المحتاج إليها، ولا يقوم مقامه شيء لأنه أولى أغذية بني آدم صغاراً وكباراً، وقد يُستغنى به عن الحنطة ولا يستغنى بها عنه، لأنه يغذو المراضيع في الأوقات لتي لا يصلح لهم أكل الخبز فيها، وبغلَّته وعظمها وكثرة ريعها يضرب المثل. وفي الخريف يبلغ قصب السكر الذي هو قوام أبدان الناس، وحاجتهم إليه ماسة، ولا يعتاضون بغيره، فهو أطعمة الأصحاء وحلواهم، وفيه شفاء المرض وأقواتهم، لأنه أصل سائر الأشربة والمعاجين الحارة والباردة والمزوّرات والأغذية، وهو قوام الناس في صحتهم وغَناؤهم في أمراضهم؛ وفيه تخرج الجوارح من قرنصتها ويُستحبّ الصيد وتكثر محاليف الدراج، ويمكن الصيادين (1) من جهات كثيرة: أحدها أن الغلات تكون قصاراً لم تطل فتمنع وتستر ما يستتر بها من الطير والوحش، وأخرى أن الجوارح لا تعمل في الحرّ إلا ساعةً في برد الهواء، وقد تعمل في الخريف والشتاء طول نهارها، والكلاب فلا تعمل في الحرِّ بوجه ولا سبب ولا تطعم نهاراً، والملوك والمترفون الذين يخرجون إلى الصيد بالجوارح لا يعرّضون بنفوسهم لحرّ الهواجر، ولا يخاطرون بمهجتهم من أجل الصيد، ولا ينشطون له إلا في البرد وطيب الهواء والزمان. وفي الخريف يقدم طير الشتاء من الجبال والبلاد الباردة، مثل الكراكي والإوز واللغالغ مما يتصيّد بالجوارح وسائر آلات القنص والرمي بالبندق وغيره. وفيه تُقطَع أنابيب الأقلام وتجلب من كلّ مكان، وهو أوان إدراكها وصلابتها واستقامتها، ولولا الأقلام وقفت أمور الناس ولم تنمَّ لهم شهادة ولا قضيّة ولا بيع ولا شراء، ولا تُضْبَط العلوم وتقيّد الأخبار إلا بها. وفي الخريف يكون الدرّ الذي جعله الله زينةً للعباد، وحبِّبَ للناس وتجمَّل بلبسه سائر الأمم. وفُضِّل على سائر الأحجار النفيسة من الذهب وغيره، مع ما فيه من المنافع والبرء من الأمراض الصعبة وإدخاله في الأكحال، وهو أنفسُ ذخيرة وأخفُّها محملاً. وقد يمكن الانسان أن يحمل معه من الجواهر ما قيمته خمسمائة ألف درهم لا تعييه ولا تؤذيه. ولا يمكنه حملُ ألف درهم إلا بمشقة ولا يستتر ولا يخفى، ولذلك أدّخره الملوك وجعلوه عدّة للشدائد. والخريف أصحُّ السنة زماناً وأسلمها أواناً، والشمس فيه بالميزان، وهو أحد الاعدلين المتوسطين حين أطلعت السماء حوافل انوائها، وتأذَّنت بانسكاب مائها،

_ (1) ص: الصحارى.

وصَفَت الموارد من كدرها، وتهذّبت من عكرها، وخلصت الأرض من حمارة قيظها ورمضائها؛ وإجماع الناس على محبة ريح الشمال وإيثارها على الرياح الأربع مشهور لا اختلاف فيه، وإنما تحمد في الخريف لا في الربيع لأنها في ذلك الزمان تقوي النفوس، وتجذب للناس النشاط والظرف، وتصلح عليها المرضى وتقوى أجسامهم، وكل علّة يطول مكثها إنما تحدث في إقبال الصيف وتُقلع في إقبال دخول الشتاء، وهي تستحيل في الربيع بخلاف هذا لأنها تتلف الغلاّت وتفسدها، ولا يكون سقوط البَرَد فيه إلا في الشمال ولا تكون الزلازل والصواعق إلاّ معها، وقوله عزّ وجلّ: (فأهلكوا بريحٍ صرصرٍ عاتية) ، قال المفسرون هي ريح الشمال. وفي الخريف إقبال كل خير، وفيه المطر الوسميّ الذي يتباشر به الناس ويتبركون به، وتكثر عليه العمارة وتزيد فيه الأنهار، ويكره المطر في الربيع لأنه يفسد الغلاّت ويهدم المنازل، فهو في الخريف سقيا وشراب، وفي الربيع صواعق وعذاب، وفي هذا غيثٌ يُرجى صلاحه، وفي ذاك غيث يُخشى فساده؛ وبرد ماء الخريف مستطاب دون ماء سائر السنة؛ وكانت العرب تقول في من مات في أول الخريف: مات ولم يشرب ماء الخريف. وكان ابن الرومي يفضل الخريف على سائر فصول السنة، وقال وهو يجود بنفسه: ما آسى من دنياكم إلاّ على ثلاث: هواء التشارين والرطبِ الأزاد كأنه أولادُ الملوك في الغلائل الممسكة، واطلاعةٌ في وجه نجاح. 652 - أبو نواس (1) : أتى أيلولُ وانقشعَ الحرورُ ... وأخبتْ نارها الشعرى العبورُ فقوما فالقحا خمراً بماءٍ ... فإن نتاج بينهما السرور نتاجٌ لا تدر عليه أمّ ... وحملٌ لا تُعَدُّ له الشهور إذا الكاسات كر بها علينا ... تكوّنَ بيننا فَلَكٌ يدور 653 - شاعر: انظر دمشقَ وقد رقت محاسنها ... كغادةٍ أَعْصَرَتْ بالحسنِ في الغيدِ أجرى الخريفُ أصيلاً في الغصون بها ... صبحاً فأثْمرَ تبراً كلُّ أُملود تمَّتْ بها ذهبياتٌ ذهبن بأل ... بابِ الذين سبوا ماءَ العناقيد

_ (1) لم ترد في ديوانه.

وسلسل البرد في السّلسال من بردى ... (1) نفحُ النسيم سرى من فوقَ يَبرودِ 654 - جحظة البرمكي: ما بالُ أيلولَ يدعوني وأتبعه ... إلى الصَّبوح كأني عبدُ أيلولِ ما ذاك إلاّ لأنّ العيشَ مقتبل ... والليلُ ملتحفٌ بالبرد والطول وقد بَدَتْ طَلَّةٌ شجواً تخبرنا ... عن الخريف بقصْفٍ غير مملول ولاح وجهُ سهيلٍ فهو جوهرة ... حمراء قد ركبتْ في وسط إكليل 655 - عبدان بن عبد الله الأصفهاني يصف الخريف ويفضله على الربيع: راب الربيعُ عيونَ قومٍ أغفلوا ... طيبَ الخريفِ وسجسجَ الأَشجارِ لما عن اغباش الشتا قد سرحوا ... أنسوا بنور الحرِّ والأنوارِ فلها نثارٌ في الخريفِ يفوقها ... حُسناً على الجنّاتِ والأنهار تحكي دنانيراً لنا أوراقُها ... ولها فضيلةُ مطعمِ الأثمار وخلا الربيعُ من النعيم فما لنا ... فيه سوى الأرواحِ والأمطار ومخافة الهدّارِ إثرَ صواعق ... ترمي البلادَ وأهلَها بالنار فاسعدْ بتشرينين وانعمْ فيهما ... (2) متعوذاً بالله من آذار واشرب على ورديهما مشمولةً ... من زعفران طالعٍ وبهار يغنيك عن وردِ الربيع، وعرفُهُ ... عن شمِّ عَرْفِ لطيمةِ العطَّار 657 - أحمد بن إبراهيم: قمْ بنا نصطبحْ وقد برد الل ... يلُ لشرابها ورقَّ الأصيلُ وبدا للعيونِ يزهر في الصب ... ح سُهَيْلٌ كأنّه قنديل وتولَّتْ حرارةُ القيظِ عنَّا ... حين ولّى مُوَدِّعا أيلول 658 - شاعر: باكرنا الدهر بِسَرَّائِهِ ... وكفَّ عنّا بأسَ بأسائِهِ وجاءنا أيلول مستبشراً ... يُثني على الزَّهرِ بآلائه أما ترى الرقة في جوه ... تناسب الرقَّةَ في مائه

_ (1) بهامش ص: يبرود اسم موضع. (2) بهامش ص: أراد الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: القيامة تقوم في آذار، فقال: أعوذ بالله من آذار.

انظرْ إلى أنواعِ أثماره ... قد ضمَّها في بَرْدِ أحشائه راحتْ عليها نسماتُ الصبا ... تقرصها في برد أفيائه انظر إلى رمَّانِهِ ضاحكاً ... حمراؤه في وجه بيضائه أيلولُ عضوٌ من زمان الصبا ... لكنه من خَيْرِ أعضائه 659 - أبو سعد الأصبهاني: يهناك إِقبالُ الخري ... ف عليك بالوجه الرضيِّ تمّ اعتدالاً في الكما ... لِ فجاء في خُلُقٍ سَوِيِّ وينوبُ ورد الزعفرا ... ن به عن الوردِ الجني أهدى إليك المهرجا ... نَ يميسُ في زي الهدي قد ضُمِّخَتْ بالزعفرا ... ن وهيئت في حُسْنِ زي وتحلَّتِ التفاحَ والاتر ... ج في نظمِ الحلي 660 - الباذاني (1) : وأسعدك الله بالمهرجان ... إذا ما انقضى عنك عاماً يَكُرّ ولا زلتَ في عيشةٍ كالخريف ... فإن الخريفَ جميعاً سحر ترى الماءَ فيه وذاك الهواء ... يجلوهما نَسْمُ ريحٍ عطر وأترجّه عاشقٌ مدنفٌ ... إذا ما رجا طيبَ وصلٍ هُجِرْ ولونُ سفرجله حائلٌ ... وأحسبه من صدودٍ حذر وتفاحهُ فوقَ أغصانه ... خدودٌ خجلن لوحي النظر وما كنتُ أحسبُ أن الخدودَ ... تكونُ ثماراً لتلك الشجر 661 - ابن المعتز: هات كأسَ المدامِ في أيلولِ ... بَرَدَ الظلُّ في الضحى والمقيلِ وخَبَتْ جَمْرَةُ الهواجرِ عنّا ... واسترحنا من النهارِ الطويلِ وخرجنا من السموم إلى رو ... ح شمالٍ وطيبِ ظلٍّ ظليل

_ (1) البيت الأول في محاضرات الراغب (2: 253) والباذاني: نسبة لم يوردها السمعاني أو ابن الأثير وأقرب الصور إليها: الباذاني وإليها ينسب أبو عبد الله الباذاني النيسابوري شاعر ضرير مجود كان يمدح البلعمي وغيره.

ونسيمٍ يبشر الأرضَ بالقط ... ر كذيلِ الغلالة المبلول وكأنّا نزدادُ قرباً من الجنّ ... ة في كلِّ شارقٍ وأصيل ووجوهُ البلادِ تنتظر الغي ... ثَ انتظار المحبِّ رَجْعَ الرسول (1) 662 - شاعر: قم فاسقني يا خليلي ... من المدام الشَّمولِ أوْلَى الشهورِ بقصفٍ ... شعبانُ في أيلول 663 - جحظة البرمكي (2) : لا تُصْغِ للعذل إنَّ العذلَ تضليلُ ... واشرب ففي الشرب للأحزان تحليلُ فقد مضى القيظُ واجتثت رواحله ... وطابتِ الراح لما آل أيلول فليس في الأرضِ نبتٌ يشتكي مَرَهاً ... إلا وناظرُهُ بالطلِّ مكحول 664 - شاعر: أيلولُ وقتُ مسرَّةِ الإنسان ... وأوانُ طيب الراح والريحان فصلٌ له بنسيمه ونعيمه ... صِفَةٌ تحاكي جنَّةَ الرضوان 665 - ابن الحجاج (3) : أيلولُ والعيدُ واعتلال ال ... هواءِ في الليلِ والنهارِ وشهرُ شوَّالَ في تكافي ... ساعاتِ أيامِهِ القصار أربعةٌ تقتضيك دِيْنَ ال ... سماع واللهو والعقار فاشرب لها بالكبير إنَّ ال ... كبير للسادةِ الكبار 666 - الباخرزي: ألا فاسقني الراحَ مشمولةً ... أُرَوّحْ بها القلبَ من كلِّ غمّ

_ (1) كانت أبيات الباذاني قد فصلت بين البيت الأول وسائر الأبيات، ولكن الأبيات وردت جميعاً لابن المعتز في من غاب عنه المطرب: 41 وانظر ديوانه 3: 298 (2: 212 السامرائي) والأوراق: 200 ونهاية الأرب 1: 97، 167 وديوان المعاني 2: 46. (2) من غاب عنه المطرب: 41. (3) اليتيمة 3: 68.

فانَّ الخريفَ أعار الرياض ... من الحُسْنِ والطيبِ أوفى القسم فأصبح صَفْصافها بينها ... كما بان عن مَوْضع الفصْدِ دم وشُبِّه غربانُ أشجارها ... بسودِ القلانس فوق القمم 667 - الشريف الطوسي: حلَّ الخريفُ على الأَغصانِ وانتثرت ... أوراقُهُ غيرَ ما يبقى على الحِقَبِ كانتْ غلائلها خُضْراً وقد صُبِغَتْ ... بصفرةٍ مثل لونِ الورس والذهب واستطردَ القيظُ إذ ولّت عساكره ... واستبردَ الظلُّ فاقدحْ جمرةَ العنب واغنمْ بها العيشَ في تشرينَ منتهزاً ... فالقيظُ في رحلةٍ والقرّ في الطلب 668 - وله (1) : خُذْ في التدبر في (2) الخريفِ فإنه ... مستوبَلٌ ونسيمُهُ خَطَّافُ يجري مع الإنسان جَرْيَ حياته ... كصديقه ومن الصديقِ يُخافُ 669 - التيفاشي المصنف: أبدى الخريفُ لنا حسناً وإحساناً ... إذ بزَّ من كسوةِ الأوراقِ أغصانا فأصبحتْ كرشيقِ القدِّ ذي هيف ... نشوانَ أَملحَ ما يأتيكَ عريانا 670 - تأخر الحسن بن سهل عن مجلس محمد بن عبد الملك الزيات بغير سبب، فكتب إليه محمد: قالوا جفاكَ فلا عهدٌ ولا خبرٌ ... ماذا تراه دهاهُ قلتُ أيلولُ شهرٌ تحولُ حبالُ الوصلِ فيه فلا ... عَقْدٌ من الوصلِ إلا وهو محلول فأجابه الحسن: أَنى يحولُ فتىً أَعليتَ رتبتَهُ ... فناله بكَ تعظيمٌ وتبجيلُ فأنت عُدَّتُهُ في نيلِ نعمته ... وأنت في كلّ ما يخشاه مأمول ما ليس لعهده من والدٍ ولدٌ ... ولا أخٌ من أخ والحبلُ موصول

_ (1) حلبة الكميت: 240. (2) الحلبة: لا تأمنن فصل.

ما غالني عنك أيلولٌ ولذته ... وطيبه ولنعمَ الشهرُ أيلول الليلُ لا قِصَرٌ فيه ولا طولُ ... والجوُّ صافٍ ورحلُ الكاسِ مرحول والعودُ مستنطَقٌ عن كلِّ معجبةٍ ... يضحي بها كل سيف وهو مسلول لكنْ توقع وشك البينِ عن بلدٍ ... تحلُّ فيه فسلكُ الدمع محلول قال ذلك لأنه كان مزمعاً سفراً. 671 - والخريف عند معاقري الخمر أخو الربيع، لبرد مائه، واعتدال هوائه، وكثرة أزهاره وثماره، واستواء ليله ونهاره، واستطابة المدام، بعد تكرهها في زمن القيظ، وطيب الندام. 4 - الشتاء: 672 - الشتاء جامع لذَّات أرباب النعم، وامتع أوقات ذوى الهمم، لأن فيه تظهر هممهم، وعند هجومه تتبيّن نعمهم، من أنواع المطاعم والمشارب والملابس والمساكن وغير ذلك مما يظهر فيه خلل حال منْ دون طبقتهم، حتى أنه لتجتمع لهم فيه فواكه الصيف والخريف ومشمومات الربيع، ويُمكنهم من الإلتذاذ بالاستكثار من الطعاج والشراب والنكاح، والتنعم بأصناف الملابس مما لا يمكن استعماله في الصيف وحمارة القيظ، فلأجل ذلك يثلبون الصيف ويمدحون الربيع والشتاء والخريف. 673 - قال: ولم اسمع في مدح الشتاء كقول أبي هلال العسكري (1) : لستُ أَنسى منه دماثةَ دَجْنٍ ... ثمَّ من بعده نضارةَ صَحْوِ وجنوباً تبشرُ الأرضَ بالقط ... ر كما بُشِّرَ العليلُ ببرو وغيوماً مطرزاتِ الحواشي ... بوميضٍ من البروقِ وخفو كلما أرختِ الجنوبُ عراها ... جمع القطرُ بين سفلٍ وعلو وهو يعطيك حين هبَّتْ شمالاً ... بردَ ماءٍ منها ورقةَ جو واستعار العراءُ منه لباساً ... سوف يمنى من الرياح بنضو وكأنَّ الكافور موضعُ ترب ... وكأنَّ الجمانَ موضع مرو

_ (1) من قصيدة له في كعجم الأدباء 3: 138 وانظر مجموع شعر أبي هلال: 168.

674 - وله: وإذا شَتَوْتَ أمنتَ لسعةَ عقرب ... كالنار طارتْ من زنادٍ قادح قد خِلْتَها تسعى بِسُبْحةِ عابدٍ ... كلاَّ لقد تمشي بصعدة رامح 675 - ابن عبد السّلام خطيب سنجار: أظنّ آذار أهدى من خمائله ... لشهر كانونَ أنواعاً من الحللِ أو الغزالةُ من طول المدى خرفت ... فما تفرِّقُ بين الجدى والحمل 676 - أبو تمام (1) : رقَّتْ حواشي الدهر فهي تمرمر ... وغدا الثرى في حَلْيِهِ يتكسَّرُ نزلت مُقَدَّمةُ المصيفِ حميدةً ... ويدُ الشتاءِ جديدةٌ لا تكفر لولا الذي غرس الشتاءُ بكفّه ... قاسى المصيفُ هشائماً لا تثمر مطرٌ يذوب الصحوُ (2) منه وبعده ... صحوٌ يكادُ من الغضارة يمطر غيثان فالأَنواء غيثٌ ظاهرٌ ... لك وجهه والصحوُ غيثٌ مضمر وندىً إذا ادَّهنتْ به لممُ الثرى ... خِلْتَ السحابَ أتاه وهو معذّر 677 - روى أبو هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صل الله عليه وسلّم قال: " اشتكت النارُ إلى ربّها عزّ وجلّ فقالت: أيْ ربّ أكلَ بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف. قال: فأشدّ ما تجدون من الحرّ من حرّها، وأشد ما تجدون من البرد من بردها ". وعن أبي عاصم قال: أتيت أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في الشتاء فوجدتهم يصلّون في البرانس والأكسية وأيديهم فيها. 678 - أحمد بن فارس اللغوي (3) : إذا كنت يؤذيك حرُّ المصيفِ ... ويبسُ الخريفِ وبردُ الشتا ويلهيك حُسْنُ زمانِ الربيع ... فأَخْذُكَ للعلم قلْ لي متى

_ (1) ديوان أبي تمام 2: 191 وديوان المعاني 2: 19. (2) ص: الصخر. (3) المنتخل: 249 وانباه الرواة 1: 95 ومعجم الأدباء 4: 88.

679 - يحيى بن صاعد (1) : يشتهي الإِنسانُ في الصيفِ الشتا ... فإذا جاء الشتا أنكرَهُ فهو لا يرضى بحالٍ أبداً ... قُتِلَ الإنسانُ ما أكفره 680 - علي بن عبد الله الطوسي (2) : هجم البردُ والشتاءُ وما أَم ... لك إلا روايةَ العربيّه وقميصاً لو هبَّتِ الريحُ لم يب ... قَ على عاتقيَّ منه بقيه ويقلُّ الغَناءَ عني فنونُ العلم إن أَعصفتْ شمالٌ عَرِيَّه ... 681 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " الشتاء ربيع المؤمن ". 682 - وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الشتاء غنيمةُ العابدين ". 683 - وعن ابن عمر أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: " خير صيفكم أشدُّهُ حرًّا، وخير شتائكم أشدُّه برداً، وإن الملائكة لتشتكي الشتاء رحمةً لبني آدم ". 684 - وعن إسحاق الخطيب قال: " الرأي في الشتاء أجمع، والوعظ في القلوب أنجع ". 685 - قيل لأعرابي (3) وقد هجم القرّ: ما أعددتَ لهذا الفصل الضارب، بجرانه، الجاري إلى أوانه ملء عنانه؟ قال: " أعددتُ له عُرْيَ المتنين، وحفاء القدمين، وقلقلة الفكّين، ودمعَ العينين، وسيلانَ المنخرين، مع شدّة الرعدة، وقرفصاء القعدة، وذرب المعدة، وكسوفِ البال، وفرطِ البلبال، وقلَّةِ المال، وكثرةِ العيال ". 686 - وعن ابن عباس قال (4) : " إنَّ الملائكة لتفرحُ بذهاب الشتاء رحمةً للمساكين ".

_ (1) يحيى بن صاعد: أرجح أنه أبو عمرو يحيى بن صاعد بن سيار الهروي أحد شعراء الدمية، وقد توفي 515هـ؟ (دمية القصر 2: 189 تحقيق د. مكي سامي العاني) . (2) منها بيتان في محاضرات الراغب (2: 246) وربيع الأبرار، الورقة: 20/أ. (3) ورد بعض هذا القول في محاضرات الراغب (2: 246) وانظر خبراً مشابهاً في ربيع الأبرار: 20/ أ. (4) انظر قولاً مشابهاً في محاضرات الراغب (2: 246) .

687 - دخل أعرابيٌّ خراسان فلحقه الشتاء فأقام بسمرقند، فلما طاب الزمان عاد إلى وطنه، وكان ينزل البصرة، فسأله أمير البصرة عن خراسان فقال: جنّة في الصيف وجهنم في الشتاء؛ فقال له: صف لي الشتاء بها، فقال: تهبُّ الرياح، وتضجر الأرواح، وتدوم الغيوم، وتكثر الغموم، وتسقط الثلوج ويقلُّ الخروج، وتغور الأنهار، وتجفُّ الأشجار، فالشمس مريضة، والعين غضيضة، والوجوه عابسة، والأغصان يابسة، والمياه جامدة، والأرض هامدة، يفترشون اللبود، ويلبسون الجلود، نيرانهم تثور، ومراجلهم تفور، لحاهم صُفْرٌ من النيران، وثيابهم سود من الدخان، والمواشي من البرد كالفراش المبثوث، والجبال من الثلج كالعهن المنفوش، فأما من كثرت نيرانه، وَثَقُلَ ميزانه، فهو في عيشة راضية، وأمّا من قلّت نيرانه، وخفَّ ميزانه، فأمّه هاوية، وما أدراك ما هيه، نارٌ حامية، فقال له الأمير: ما تركت عذاباً في الاخرة إلاّ وصفته لنا في الدنيا. 688 - وكان عمر رضي الله عنه إذا حضر الشتاء تعاهد الناس، وكتب إليهم بالوصيّة، إن الشتاء قد حضر وهو عدوّ، فتأهبوا له أهبةً من الصوف والجباب والجوارب والخفاف المنعلة، واتّخذوا الصوف شعاراً، والقطن دثاراً، فإن البرد عدوّ سريعٌ دخوله، بعيد خروجه. 689 - قال كعب الأحبار: أوحى الله عزّ وجلّ إلى داود عليه السلام أن تأهبْ لعدوّ وقد أظلَّكَ، قال: يا ربِّ من عدوي وليس يحضرني، قال: بلى، الشتاء. 690 - قال الأصمعي: كانت العرب تسمّي الشتاء الفاضح. 691 - وقيل لامرأة منهم: أيّما أشدّ عليك القيظ أم القرّ؟ قالت: يا سبحان الله من جعل البؤس كالأذى؟! فجعلتِ الشتاء بؤساً والقيظَ أذىً. 692 - قال يحيى بن صالح: كنّا نأتي إسماعيل بن عياش فيكرمنا ويبرُّنا ويقدم لنا من الفواكه ما يتخيّره ويقول: كلوا فإن الله تعالى وصف الجنّة بصفة الصيف لفواكهها، لا بصفة الشتاء، فقال عزّ وجلّ (في سِدْرٍمَخْضُودٍ وطلحٍ منضود وظلٍّ ممدود وماءٍ مسكوب وفاكهة كثيرة) . 693 - خرج مسعر بن حزام يوماً فإذا أعرابيّ في الشمس يقول: جاء الشتاءُ وليس عندي درهم ... ولقد يَغَصُّ بمثلِ ذاك المسلمُ

قد أُلْبِسَ الناسُ الجبابَ وغيرها ... وكأنّني بفناءِ مكةَ مُحْرم 694 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: استعينوا على حرّ الصيف بالحجامة، واستعينوا على برد الشتاء بأكل التمر والزبيب. 695 - وعن مجاهد قال: مَثَلُ المؤمن كمثل النملة تجمع في صيفها لشتائها. 696 - الحسن بن مسعود بن الوزير الدمشقي الحافظ بمرو: يا سادتي ما عاقني عنكمُ ... قلىً ولكنْ قلّةُ الكُسْوَه بردٌ وثلجٌ ووحولٌ ولا ... خفّ ولا لبدٌ ولا فروه وكيف من أحوالُهُ هكذا ... بمروَ في بحبوحة الشتوه 697 - منصور بن أحمد الأزدي (1) : فذدْ بردَ الشتاء بحرِّ راحٍ ... كوردِ الخدِّ ضُرِّجَ بالحياءِ فبردي والشتاء وبردُ زهدي ... شتاءٌ في شتاء في شتاء

_ (1) هنالك من شعراء اليتيمة من اسمه منصور بن محمد الأزدي الهروي، وكرر ترجمته في تتمة اليتيمة 2: 46 وانظر أيضاً دمية القصر 2: 153 ومعجم الأدباء 19: 191.

فراغ

الباب الثاني

الباب الثاني في كَلَبَ البرد وشدّته ودفع القرّ بالجمر، ودلائل الصحو، ومعرفة الشتاء الذي يطول، وهل يتقدم أو يتأخّر، والمطر المتقدّم والمتأخر. 698 - قيل لأعرابي (1) : ما أشدّ البرد؟ قال: إذا أصبحت الأرض نديّة، والسماء نقية، والريح شآمية. 699 - ورُئي أعرابي (2) يرتعد يوم قرّ فقيل له: تحوّل إلى الشمس، فقال: الشمس اليوم تحتاج إلى قطيفة. 700 - وهب الهمذاني (3) : يومٌ من الزمهرير مقرورُ ... عليه ثوبُ الضباب مزرورُ كأنما حَشْوُ جوِّه إِبَرٌ ... وأرضُهُ فرشها قوارير وشمسُهُ حُرَّةٌ مخدَّرةٌ ... (4) ليس لها من ضيائها نور 701 - أعرابي قتله البرد: إليك اعتذاري من صلاتيَ قاعداً ... على غير طُهْرٍ مومياً نحو قبلتي فليس ببردِ الماءِ عنديَ طاقةٌ ... ولا قوةٌ عندي على ثني ركبتي ولكنني أحصيته ربِّ جاهداً ... وأخرجُ مما فاتَ في وجه صيفتي 702 - سُئِلَتْ أعرابية عن أصعب الشتاء في البادية فقالت: يوم الريح الباردة.

_ (1) محاضرات الراغب (2: 246) . (2) محاضرات الراغب (2: 246) . (3) هو وهب بن شاذان، انظر محاضرات الراغب (2: 246) ، وابن الفقيه: 230 وياقوت (همذان) . (4) ابن الفقيه: تسلبت حين حم مقدور.

703 - ابن المعتز (1) : قد منع الماء من المسّ ... وأمكنَ الجمرُ من اللمسِ فلستَ تلقى غيْرَ ذي رعدةٍ ... أو مسلمٍ يسجدُ للشمس 704 - أبو محمد المطراني (2) : وشتاءٍ يخنقُ الكل ... بَ فلا يعلو هريرُهْ كلّما رام هريراً ... زمّ فاه زمهريره 705 - بعضهم: يومٌ جَمَدَ خمره، وخَمَدَ جَمْرُهُ. 706 - قال الشيخ شرف الدين التيفاشي المصنف: أنا أحكي ما شاهدته بنفسي لا ما أرويه عن غيري وهي: أني لما رحلتُ إلى الشرق، وَعِكْتُ بحرَّانَ في زمن الشتاء، واحتجت إلى عمل مزوّرة باسفاناخ وبيضٍ، فطبخ الاسفاناخ وأخذ الغلام بيضاً ليكسرها ويعملها في المزورة، فاستعصى كسرها، وأنا أستحثه، فاعتذر بأن البيض لم يُكْسَر، فاستشطتُ غضباً، فناولني البيضة وقال: اكسرها أنت، قضربتُ بها جانب الصحفة ضرباً خفيفاً، على العادة في كسر البيض، فلم تنكسر، فتابعت الضرب وقوّيته فلم تنكسر، فضربت بها الحائط على أنّها تتلفُ والحائط من طوب كبير له دهر طويل، فصادفّتْ حرفَ طوبة، فانكسرتْ الطوبة والبيضة صحيحة، فبهتُّ ونظرت إلى موضع الضربة في البيضة فإذا في القشرة التي لها شقاق خفيّ كالشعرة، فأدخلت رأس السكين فيه وقلعت القشرة فإذا بالبيضة جامدة، فقلت: القها في المزورة فألقاها ثم غرف المزورة، وإذا ببياض البيضة قد نضج بعض النضج وهو جامد، والصُفرة جامدة ليّنة لم تعمل النار فيها شيئاً، فحدثت بذلك بعض أهل حرّان، فأخبرني أن البيض عندهم يقدحون به الزناد في الشتاء، فيظهر منه الشرار كحجر الزناد، ويجمد عندهم كلّ مائع، ولا يشربون الماء إلا بعد أن يسخّن. ودخلت آمد في الشتاء فوجدت الثلج يتراكم على الطرق حتى يسدّ الشوارع، وهم يمشون على الأسطحة ويعبرون الشوارع فوق الثلج.

_ (1) نهاية الأرب 1: 177 ومحاضرات الراغب 4: 551 والأول في محاضرات الراغب (2: 246) وانظر ملحق ديوانه (تحقيق السامرائي) 3: 206. (2) محاضرات الراغب (2: 246) والمطراني من شعراء اليتيمة واسمه الحسن بن علي بن مطران.

وسرت من جزيرة ابن عمر إليها ستة أيام بلياليها لم أشاهد شمساً من السحب ولا أرضاً ولا جبلاً ولا وادياً ولا شجرة ولا مدرة إلا بالثلج، وكنّا نعبر على الأنهار وهي جامدة، ونستقي إذا أردنا الماء ونطبخه في القدور فنرى أعلاه جامدا وأسفله الذي يلي النار ذائبا؛ وأخبرت أن أقفال الحديد تنضّم أرياشها لشدة البرد حتى تفتح باليد. قال: وأما أنا فوضعت يدي على شباك حديد في مدرسةٍ فوجدت كلذع النار، فرفعت يدي وقد بقي شيء من جلدة كفّي وأناملي على قضبان الحديد. 707 - دخل بعض الأعراب الجبل، فجعل أنفه يرعم من شدة البرد، فرفع يده ووجأه وقال: لا والذي جلّ وعلا ما رأيتُ عضواً أنتن منك ماءً، إذا جمد كل شيء فأنت تذوب، وإذا ذاب كلُّ شيءٍ فأنت تجمد. 708 - قال الأصمعي: دخلت على الرشيد هارون في يوم قرّ فقال: أنشدني أبلغ ما قيل في شدة البرد، فأنشدته لمرّة بن محكان السّعدي (1) : في ليلة من جُمادى ذاتِ أندية ... لا يبصرُ الكلبُ من ظلمائها الطنبا لا ينبحُ الكلبُ فيها غيرَ واحدةٍ ... حتى يلفَّ على خيشومه الذّنبا فقال: أريد أبلغَ من هذا، فأنشدته لأختِ عمروٍ ذي الكلب (2) : لا ينبحُ الكلب فيها غيرَ واحدةٍ ... حتى الصباحِ ولا تسري أفاعيها فقال: أريدُ أبلغَ من هذا، فأنشدته (3) : وليلةِ قرٍّ يصطلي القوسَ ربُّها ... وأسهمَهُ اللاتي بها يتنَّبل فقال حسبك ما بعد هذا شيء. 709 - ابن المعتز (4) : جاء الشتاء بشمألٍ وصبا ... يلقاهما المقرورُ بالضدِّ

_ (1) مجموعة المعاني: 190 ونهاية الأرب 1: 177 ومحاضرات الراغب 2: 246 (ونسب البيت للراعي) . والحماسية: 645 (المرزوقي) . (2) مجموعة المعاني: 190 والحيوان 1: 388، 2: 72، 5: 75 (منسوباً للهذلي) . (3) مجموعة المعاني: 190 ومحاضرات الراغب (2: 246) . (4) ديوانه 4: 71 ومن غاب عنه المرطب: 46.

فالزمْ قرارك لا تكنْ شرها ... تشقى بطولِ الحرصِ والكدّ إن العقارَ فغادِهِ سحراً ... درياقُ لسعِ عقاربِ البرد 709 - كشاجم (1) : وليس للقرّ غيرُ صافيةٍ ... تدفعُ ما ليس يدفعُ الدِّلَقُ درياقُ أفعى الشتاءِ وهي إذا ... سَلَّ علينا سيوفَهُ دَرَقُ 710 - عبد الله بن علي السكاكيني (2) : إذا هبَّتْ الأرواحُ فاجعلْ دثارها ... إذا التحف الأقوامُ دُكْنَ المطارف ثلاثةَ أرطالٍ شراباً معتّقاً ... (3) وكنْ آمناً من شرّها غيرَ خائف فإن دثارَ المر من تحتِ جلده ... أخفُّ وأدفا من دثارِ الملاحف 711 - شاعر (4) : ذَكَر الصِّبا وزمانه فصبا ... وتمايلت أَعطافه طربا شيخٌ يكادُ يطيرُ من طَرَبٍ ... بين الكروم إذا رأى العنبا ويعودُ ريعانُ الشباب له ... غضاً إذا ما خمسةً شربا لا يصطلي في القرّ غير لظى (5) ... لهبِ الكؤوس فيربحُ الحطبا 712 - دلائل الصحو: قالوا: انظر إلى الهلال حين يطلع، فإن رأيته لثلاث ليال دقيق القرنين نقيّاً صافياً فإنه دليل على قلّة المطر تلك الأيام، إلى أن يستوي القمر، فإذا استوى وامتلأ فانظر إليه، فإن رأيته صافياً فإنه دليل على قلّة المطر فيما بقي منه، فإن رأيت حواليه دارةً عند امتلائه، ورأيتها مُحْدِقَةً به مستوية، فإن ذلك دليل على قلَة المطر فيه. وكذلك إذا

_ (1) ديوان كشاجم: 358 ويتيمة الدهر 2: 200. (2) محتار القطب: 86 لعلي بن عبد الله، وهو معاصر للرقيق وانظر الشريشي 2: 77. (دون نسبة) . (3) الشريشي والمختار: تكن آمناً منها ولست بخائف. (4) الشعر في الوافي للصفدي 6: 140 وقائله هو إبراهيم بن محمد بن أحمد الشاعر، سكن سنجار وبها توفي سنة 609. (5) الوافي: سنا.

رأيت الشمس عند طلوعها في الشتاء بيضاء نقيّة فهو دليل على قلّة المطر. وإذا رأيتها عند غروبها نقيّة صافية ليس فوقها سحاب فذلك فذلك دليل على صحو ليلتها، ثم إذا طلعت قبل طلوع الشمس سحابة فلا ترجُ مطراً في ذلك اليوم. وإذا مالت للغروب فرأيت شعاعها كأنه مظلم وكأن حواليه سحاباً أسود فلا مطر لها. وإذا نعق الغراب مترسّلاً غير متدارك لنعيقه فذلك دليل على قلة المطر، وإذا اجتمعت الغربان فنعقتْ دلّت على مثل ذلك. 713 - دلائل المطر: انظر إلى القمر حين يطلع ابن ثلاث ليالٍ وأربع ليال، فإن رأيته غليظ القرنين فيهما ظلام فذلك دليل على المطر، وإذا رأيته لأربع ليال وله دارة حمراء فهو دليل على المطر. وإذا رأيته يطلع عند امتلائه فيه سواد وحمرة فهو دليل على الشتاء والمطر. وإذا رأيت الشمس عند غروبها وعن شمالها من ناحية الجنوب وقريب منها سحاب فإنه يكون مطر. وإذا رأيتها عند طلوعها وإلى جانبها سحاب أسود فإنه يكون مطر. وإذا رأيت عليها سحاباً ورأيت الطير يتغسَّل فيكثر تغسله فإنه مطر. وإذا رأيت سحابةً على البحر منخفضة فذلك دليل على وقوع الشتاء وشدّته وامتناع البحر. وإذا رأيت القوس الذي في السماء يطلع مضعفاً (1) فذلك دليل على كثرة الأمطار. وإذا رأيت حول القمر دارة أو دارتين أو ثلاثاً فإنه دليل على كثرة الأمطار. وإذا رأيت البروق لامعةً متتابعة فاعلم أنّ المطر بتلك الناحية. وإذا رأيت البقر تنظر نحو الجنوب فإنه يكون مطر. وإذا رأيت الذرَّ يجمع الطعامَ ورأيت الدجاج تقرقر فإنه يكون مطر. وإذا رأيت الخطاطيف يطرن على وجه الماء ويصحن فإنه يكون مطر. وإذا سمعت نعيق الغراب في الليل دلّ على كثرة المطر. وإذا رأيت العنكبوت تساقط من سقوف البيت دلّ على شدّة الشتاء، وإذا رأيت الفأر تنتقل من موضع إلى موضع دلّ على شدّة الشتاء، وإذا رأيت الغنم تنزو وتجري أشراً دلّ على الشتاء والمطر. وإذا رأيت الذئاب تدنو من مساكن الناس وتتوثَّب على الغنم في مواضع الأنيس دلّ على شدّة الشتاء. وإذا رأيت الكلب يبحثُ الأرض فهو دليل الشتاء. وإذا رأيت موقد النار يعالجها فيتعذّر عليه إيقادُها دلّ على الشتاء والمطر. وإذا رأيت ضوء السّراج غير قويِّ النور دلّ على المطر. وإذا رأيت قدور الفخار أو النحاس حين توضع على النار ترمي الشرر من أسافلها فذلك دليل على كثرة الأمطار.

_ (1) ص: مصعفة.

714 - دلائل الشتاء الذي يطول: إذا رأيت شجر البلوط والسنديان قد كثر حمله من الثمر دلّ على طول الشتاء وشدّته. وإذا أردت معرفة الشتاء هل يتقدم أم يتأخر فانظر إلى مجيء الغرانيق فإن رأيتها تتقدّم رفوفاً جُملاً فإن الشتاء يتقدم، وإن رأيتها تتقدّم مقطعة فإن الشتاء يتأخر. وإذا رأيت الغنم تبحث الأرض بأظلافها وتمد أعناقها إلى الجنوب دلّ على طول الشتاء. 715 - معرفة المطر المتقدّم والمتأخر: إن جاء مطر بعد القطاف بعد غيبوبة الثريا فإن السنة كثيرة المطر. وإن جاء المطر بعد غيبوبة الثريا تكون السنة متوسطة فيما بين البكيرة والمتأخرة. وإن ابتدأ المطر بعد أن تغيب الثريا فإن السنة تكون متأخرة. وفي " الفلاحة الرومية ": ينبغي أن يُتَوقّع اليوم الرابع والعشرون من تشرين الآخر، وهو عند تسمية الروم نوامبر (1) ، فإن كان في أوله حركة الهواء فإن أمطار السنة تكثر، وإن كانت الحركة في انتصافه فإن أمطار السنة متوسطة، وإن كانت الحركة في آخره كانت أمطار السنة متأخرة.

_ (1) ص: روميا.

الباب الثالث

الباب الثالث في البرق وحنين العرب به لأوطانهم، والرعد والغيم والرباب وهالة القمر وقوس قزح على مذهب العرب والفلاسفة 716 - يقال (1) : تكشّف البرق واستطار، ولمع ولمح، واللّمح لا يكون إلا من بعيد، ومثله تبسم واستوقد، وهو تداركه لا يسكن، وأوشم وهو أوّله حين يبرق، والبرق الخلّب الذي لا ماء فيه، وخفق البرق، وهو تتابعه، وخبا وهو أخفى ما يرى منه، وأومض وهو الضعيف من البرق. 717 - وعن أئمّة اللغة (2) : إذا برق البرق كأنه تبسم قيل أومض، فإذا زاد قيل لمع، فإذا زاد وتشقق قيل انعقَّ، فإذا ملأ السماء واضطرب قيل تبوَّج، فإذا لمع وأطمع ثم عدل قيل له خُلَّبٌ. 718 - شاعر: وكم دونَ ليلي من بريقٍ كأنّه ... حسامٌ ولكن ما يُسَلُّ من الغمدِ يضيء ويخفى تارةً فكأنّه ... تقطُّعُ لمعِ النارِ في طَرَفِ الزَّنْدِ 719 - آخر (3) : أَرِقْتُ لبرقٍ سرى موهناً ... خفيًّا كغمزِكَ بالحاجبِ كأن تألّقه في السّما ... يدا كاتب أو يدا حاسب

_ (1) قارن بالأزمنة والأمكنة 2: 104 - 105. (2) منقول عن سر الأدب للثعالبي: 88. (3) تشبيهات ابن أبي عون: 60 وزهر الآداب: 837 لعبد الله بن أيوب التيمي.

هو من قول امرئ القيس (1) : أصاحِ ترى برقاً أريكَ وميضه ... كلمع اليدين في حَبِيٍّ مكلّلِ وإنما يشبه البرق بلمع اليدين إذا كان يلمع مثنى مثنى، وذلك عندهم دليل على المطر، يسمونه البرق الوليف، قال الهذلى (2) : وقد بتُّ أَخْيَلْتُ برقاً وليفا ... أي كان مخيلاً للمطر. وأما قول الشاعر (3) : أَلا يا مَنْ رأى البرقَ اليماني ... يلوحُ كأنَّه مصباحُ باني فإن معناه: مصباح بانٍ على أهله، لأن مصباحَه لا يطفأ الليل كله، والعرب تقول: بنى فلان على أهله إذا أعرس بها، وهو مما يغلط فيه أكثر الناس، فيقولون: بنى بأهله، وهو خطأ. وأصله أن الرجل منهم إذا أعرس بنى على عرسه بيتاً فقيل: بنى فلان على أهله؛ فأراد الشاعر في هذا البيت دوام لمعان البرق الليل كله. وأبلغ منه في دوام البرق قول امرئ القيس (4) : أصاحِ ترى بُرَيقاً هَبَّ وهناً ... كنارِ مجوسَ تستعرُ استعارا أرقتُ له ونام أبو شريح ... إذا ما قلتُ قد هدأ استطارا فخصَّ نار المجوس لأنها لا تطفأ الدهر كله ليلاً ولا نهاراً. 720 - الأحوص (5) : أصاح الم تحزنك ريحٌ مريضةٌ ... وبرق تلالا بالعقيقين لامع فإن غريب الدّار ممن يشوقه ... نسيم الرياح والبروق اللّوامع

_ (1) ديوان امرئ القيس: وتشبيهات ابن أبي عون: 60. (2) ديوان الهذليين: 294 وصدره ((لشماء بعد شتات النوى)) ؛ والوليف المتتابع، وانظر الأزمنة والأمكنة 2: 105. (3) تشبيهات ابن أبي عون: 62 لعنترة، وملحق ديوانه: 339. (4) ديوان امرئ القيس: 147. (5) الزهرة: 228 وحماسة ابن الشجري: 170 وديوان الأحوص: 145.

721 - امرأة من طيء (1) : إذا ما صبيبُ المزنِ أومضَ برقُهُ ... ببغدادَ لم يُمْلَحْ بعينيَّ بارقُهْ ولكن متى تأتيك منه مخيلةٌ ... بنجدٍ فذاك البرقُ لا بدَّ شائقه 722 - بنت الشماخ (2) : أُلامُ على نجدٍ ومن تكُ دارُهُ ... بنجدٍ يَهِجْهُ الشوقُ شتَّى نوازعهْ تهيّجه ريحُ الجنوِب إذا بَدَتْ ... يمانيةً والبرقُ إن لاح لامعه 723 - شاعر (3) : أعنِّي على برقٍ أُريكَ وميضَهُ ... يضيءُ دجنّاتِ الظلامِ لوامعُهْ إذا اكتحلت عينا محبّ بضوئه ... تجافت به حتى الصباح مضاجعه 724 - كشاجم (4) : هاجك الليلةَ برقٌ في الغَلَسْ ... مثلما ضَوَّأ نجمٌ أو قَبَسْ أو كثغرِ الخود يبدو شَنَبٌ ... منه طوراً ثم يخفيه اللّعس أو كما يخفقُ قلبٌ موجَعٌ ... راعه بينُ حبيبٍ مُخْتَلَسْ أو كما أومضَ بالطرفِ إلى ... كفِّ ساقٍ منتشٍ ثم نعس 725 - ابن المعتز (5) : إذا (6) تبدى البرق فيها خلته ... بطنَ شجاعٍ في كثيب يضطربْ وتارةً تبصرُه كأنّه ... أبلقُ مالَ جُلُّهُ حينَ وثب وتارةً تخالُهُ إذا بدا ... سلاسلاً مصقولة من الذهب

_ (1) الزهرة: 228. (2) الزهرة: 228. (3) الزهرة: 232. (4) لم ترد في ديوان كشاجم. (5) تشبيهات ابن أبي عون: 60 - 61 وزهر الآداب: 1960 وديوانه: 16. (6) الديوان: تعرّى

726 - آخر (1) : وبدا له من بعدِ ما اندملَ الهوى ... برقٌ تتابع مَوهناً لمعانُهُ فالنارُ ما اشتملتْ عليه ضلوعهُ ... والماءُ ما سحَّتْ به أجفانه 727 - العسكري (2) : والرعدُ في أرجائِهِ مترنّمُ ... والبرقُ في حافاته متلهّبُ كالبُلْقِ تمرحُ والصوارمِ تنثني ... والحورِ تبسمُ والأناملِ تحسب 728 - شاعر (3) : أرِقْتُ لبرقٍ شديدِ الوميضِ ... ترامى غواربُهُ بالشُّهُبْ كأن تألُّقَهُ في (4) السحاب ... سطورٌ كُتِبْنَ بماءِ الذهب 729 - ابن طباطبا: أو ما تبصرُ السحابَ كخودٍ ... أقبلتْ في ممسَّكاتِ الثيابِ وكأن البروقَ فيها تحاكي ... لمعانَ السيوفِ عند الضراب 730 - أبو العلاء المعري (5) : ليلي كما قُصَّ الغرابُ خلاَله ... برقٌ يُرنِّق دأْب نسرِ حائمِ ترك السيوفَ إلى الشنوفِ ولم يزل ... يَضْوَى إلى أن صار نقشَ خواتم الدأب: العادة، والنسر أبيض، ورنَّقَ الطائر إذا تحرّك جناحه، كأنه يريد أن يقع شبه البرق في بياضه وحركته بالنسر الذي يريد أن يقع، ويَضْوَى: ينقص، يقول: إن هذا البرق كان كالسيوف، ثم دقَّ عن ذلك حتى صار كالشنوف، والسيف - بالفتح - ما يتعلق في أعلى الأذن، والقرط ما تعلق في أسفله، ثم دق حتى صار كنقش الخواتم.

_ (1) جذوة المقتبس: 67 والشريشي 2: 327. (2) نهاية الأرب 1: 91 ومجموع شعر العسكري: 61. (3) زهر الآداب: 196. (4) الحصري: السماء. (5) شروح السقط: 1522 - 1523.

731 - أبو تمام (1) : يا سَهْمُ للبرقِ الذي استطارا ... بات على رغم الدُّجى نهارا ... حتى إذا ما أَنجد الأبصارا ... وبلاً جهاراً وندىً سرارا ... آض لنا ماءً وكان نارا ... 732 - البحتري (2) : فسقاهم وإن اطالتْ نواهم ... خلفةَ الدهر ليلُهُ ونهارُهْ كلَّ جَوْنٍ إذا ارتقى البرقُ فيه ... أُوقدَتْ للعيون بالماءِ ناره إن أقام ارتوى الظماءُ وإن سا ... ر أقامَتْ أنيقةً آثاره 733 - أبو هلال العسكري (3) : برقٌ يُطَرِّزُ ثوبَ الليلِ مؤتلقُ ... والماءُ من ناره يهمي وينبعقُ توقدت (4) في أديم الغيم جمرته ... كأنها غرّة في الطرف أو بَلَقُ ما امتدَّ منها على أرجائه ذهبٌ ... وما تحادر من حافاتِهِ ورق كأنها في جبينِ المزنِ إذ لمعت ... سلاسلُ التبرِ لا يبدو لها حلق 734 - ابن خفاجة الحلبي (5) : هبَّ اختلاساً في الدجى ونجومه ... يكرعن في حوضِ الصَّباحِ الطافحِ فطوى حواشيه وجاد بِوَمْضِهِ ... مثل الشرارة من زناد القادح 735 - البحتري (6) : أرقتُ وأصحابي هجودُ بربوةٍ ... لبرق تلالا في تهامة لامع فأبدى هموماً من همومٍ أجنَّها ... وأكبرُ منها ما تُجِنُّ أضالعي

_ (1) ديوان أبي تمام 4: 515 وزهر الآداب: 197 ومجموعة المعاني: 186. (2) ديوان البحتري: 917 وتشبيهات ابن أبي عون: 63 وشرح اللآلي: 445 والموازنة 1: 498. (3) ديوان المعاني 2: 9 ومجموع شعره: 124. (4) ص: تولدت. (5) ديوان ابن سنان الخفاجي: 28. (6) لم يردا في ديوانه.

736 - محمد بن نصر القيسراني (1) : ويحَ الغمامِ أما يجتاز بارقُهُ ... إلاّ بكى في ديار الحيِّ وانتحبا كأنه واجدٌ وجدي بجيرتها ... فكلما خَطَرتْ في قلبه وجبا فموضع (2) السر منه يستضيء سناً ... وموضع (3) الماء منه يلتظي لهبا والماء والنار كلٌّ حَرْبُ صاحبه ... ضدّان لولا النوى والهجر ما اصطحبا 737 - قالوا: إذا أومض البرق مَثْنى مَثْنى فهم لا يشكّون في المطر، ويشدّون الرحال للنجعة وتتبع مساقط المطر، وكذلك إذا عدّوا للبرق سبعين لمعةً متوالية فإنّهم لا يبعثون رائداً لتيقّنهم بالغيث. 738 - وقال الريّاشي (4) في قول يزيد بن المفرغ: الريحُ تبكي شجوها ... والبرقُ يضحكُ في غمامَه معناه: الريح تبكي، والبرق يضحك، كقولهم ويل الشجيّ من الخليّ. 739 - قال محمد بن مطر الغفاري (5) : أقحطت السنة على قوم من الأعراب فيهم ناس من بني كلاب، فأبرقوا ليلة، وغدوت عليم فإذا غلام منهم قد عاد جلداً وعظماً، فإذا هو ينشد أبياتاً قالها وهي: إلا يا سنا برقٍ على ذلك الحمى ... لهنِّكَ من برقٍ عليَّ كريمُ لمعتَ اهتدالَ الطير والقومُ هُجَّع ... فهيَّجْتَ أحزاناً (6) وأنت سليمُ (7) فبتُّ مجدّاً للبروقِ أَشيمها ... كأنّي لبرق بالسماءِ (8) حميم

_ (1) الخريدة: (قسم الشام) 1: 154 الأبيات 1 - 3. (2) ص: النسر. (3) الخريدة: ومنبع. (4) محاضرات الراغب (2: 247) ، وانظر بيت ابن مفرغ في الأغاني 18: 187 وديوانه: 143. (5) الزهرة: 227 وفيه ((محمد بن معن)) وانظر ديوان المعاني 2: 192. (6) الزهرة والعسكري: أسقاماً. (7) الزهرة: فبت بحد المرفقين أشيمه. (8) الزهرة: بالستار.

فهل من معيرٍ (1) طرْفَ عينٍ صحيحةٍ (2) ... فانسان عين العامريِّ كليم رمى قلبه البرقُ اليمانيُّ رميةً ... بذكر الحمى وَهْناً فظلَّ يهيم فقلت له: في دون ما أنت فيه ما يفحم عن قول الشعر، فقال: نعم، ولكن البرق أنطقني، وما لبث يومه ذلك حتى مات. 740 - الشريف ابن دفتر خوان: أرى مرهفاً للبرق سُلَّ على الدجى ... لحسن رجاء أو لشدّةِ باسِ كطرفة عينٍ أو تبسّم غادةٍ ... ولمعِ حسامٍ أو كجرعة كاس 741 - شاعر مغربي (3) : وليلتنا بالغورِ أومضَ بارق ... حثيثُ الجناح مثلما نَبَضَ العرقُ سرى مثل ما يسري الهوى في جوانحي ... تبيَّنُ من أحواله النارُ والخفق ولاح كأمثال البُرى حطمتْ به ... من الغيم في ليلِ السرى أنيقٌ ورق وباتتْ دياجي الليلِ فيه كأنها ... أحابيشُ في أيديهمُ الأسَلُ الزرق 742 - يوسف بن هارون (4) : أحِنُّ إلى البرق اليماني صبابةً ... لأني يماني الدارِ وهو يماني كأَنيَ من فرط الصبابة لامحٌ ... أناملَ من مُهْدي السلام قواني كأن البروقَ الخافقاتِ معارة ... حشا هائم من شدّةِ الخفقان 743 - يحيى بن هذيل (5) : ولقد شفَّني فأسهرَ طرفي ... لمعُ برقٍ يرفُّ في لمعانه شِمْتُهُ والظلامُ يفترُّ عنه ... كافترارِ الزنجيِّ عن أسنانه

_ (1) ص: فهل رمقته. (2) الزهرة: جلية. (3) هو أحمد بن فرج الجياني الأندلسي: انظر تشبيهات ابن الكتاني: 30. (4) هو الرمادي الشاعر الأندلسي. انظر مجموع شعره: 123 (عن سرور النفس) . (5) تشبيهات الرمادي الشاعر الأندلسي. انظر مجموع شعره: 123 (عن سرور النفس) .

744 - وله (1) : كلفتها طولَ السهادِ فراقبتْ ... برقاً يلوحُ وتارةً يتستَّرُ وكأنَّ ليلي فارس في كفه ... رمحٌ يقلبه عليه مِعْفَر يبدو له شُعَبٌ تطيرُ أمامها ... شُعَلٌ تطيرُ لها القلوبُ وتذعر فيروعُ عن قنصِ السحاب وميضه ... فكأنه فَرَسٌ معارٌ أَشقر الرعد: 745 - قال الحسن البصري: الرعد مَلَكٌ موكَّل بالسحاب، وتسبيحه صوته الذي تسمعون. 746 - وسمع عبد الملك بن مروان موت الرعد ففزع وقال: حسُّ رضى الله فكيف ترى حسُّ غضبه. 747 - ويقال (2) في الرعد الإرزام وهو غير شديد، والتهزُّم وهو أشدّ صوته، والقعقعة وهو تتابع صوته، والرجز والزجل وهو صوته الثقيل، والجلجلة وهو صوت متقلّب في جنوب السحاب، والهزج مثله، والزمزمة أحسنه صوتاً وأثبته مطراً، ويقال: أرنَّتِ السماء إرناناً، وهو صوت الرعد الذي لا يتقطع. 748 - التنوخي (3) : ورعدةٍ كقارئ متعتعٍ ... أو خاطبٍ لَجْلَجَ لما أَنْ خَطَبْ كأسُدٍ تزأر أو جنادلٍ ... تصطكُّ أو أمواجِ بحرٍ يصطخب 749 - كلثوم بن عمرو (4) : كأنما الرعدُ بها ثاكلةٌ ... نادبةٌ تخلطُ نَوْحاً بشجى فاقدةٌ واحدها تذكّرت ... ما قد مضى من عيشها ومن مضى والبرقُ في حافاتِهِ يفعلُ ما ... يفعلُهُ وَجْدُ الحزين في الحشا

_ (1) تشبيهات ابن الكتاني: 33. (2) قارن بالأزمنة والأمكنة 3: 103، 104. (3) انظر ربيع الأبرار، الورقة: 17/أ. (4) هو العتابي، وأبياته هذه في محاضرات الراغب (2: 247) والثالث مع آخر قبله في تشبيهات ابن أبي عون: 61.

750 - شاعر: أما ترى اليومَ يا مَنْ قَلْبُهُ قاسي ... كأنَّه أنا مقياساً بمقياسِ سحّ كدمعي وبرقٌ مثلُ نارِ جوىً ... في القلب مني ورعدٌ مثلُ أنفاسي 751 - كثير (1) : تسمع الرعدَ في المخيلة منها ... كهدير القروم في الأشوالِ وترى البرقَ عارضاً مستطيراً ... مَرَحَ البُلْقِ جُلْنَ في الأَجلال 752 - العسكري (2) : تزور رباها كلَّ يومٍ وليلةٍ ... غيومٌ كأنَّ البرق فيها مقارعُ فتبسمُ بالأنوارِ منها مضاحكٌ ... وتسجمُ بالأَنواءِ منها مدامع 753 - التنوخي (3) : ربَّ ليلٍ كَتَجَنِّي ... كَ مُقيمٍ ليس يَذْهَبْ قد قطعناه بعزم ... كالحريق المتلهّبْ وكأنّ البَرْقَ لمَّا ... لاَحَ فيه يتصبَّبْ كاتبٌ من فوق فرع ال ... غيمِ بالعقيانِ يكتب وكأنَّ الرعد حادٍ ... أو منادٍ أو مثوّبْ 754 - يوسف بن هارون (4) : كأنّ اندفاعَ النبل قبل رعوده ... تطايرُ نارٍ لاصطكاكِ الجنادلِ أو اسدُ شرىً في مُذْهباتِ سلاسلٍ ... إذا هي زارتْ نهنهتْ بالسَّلاسل

_ (1) هما في ديوانه: 398 - 399 ونسبا للبيد في تشبيهات ابن أبي عون: 61 وحماسة ابن الشجري: 229 وانظر أمالي القالي 1: 176 واللآلي: 440. (2) لم ترد في ديوان أبي هلال العسكري. (3) اليتيمة 2: 339. (4) تشبيهات ابن الكتاني: 31.

755 - علي بن أحمد: سرى موهناً كوجيب الفؤادِ ... أو هزة الصارمِ المنتضى يخالُ له في خلال الحبيِّ ... جداولَ من ذهبٍ قد جرى ترعَّدَ مثل زئيرِ الهزبرِ ... أصيبَ بأشبالِهِ فاجترا 756 - وآراء الفلاسفة في البرق والرعد: أن البرق والرعد واحد، وهو احتقان أبخرة نارية لطيفة في بخار كثيف رطب مجتمع متراكم، يحتقن ثم ينفلق بقوة، كما تنفلق البيضة المشواة في النار إذا احتقن بخارُها دفعة واحدة، فتظهر الأجزاء النارية عند انشقاقه. قالوا: فظهورهما إلى الوجود هو في وقت واحد، وإنما يُرى البرق من قبل أن يُسمع الرعد، لأن البصر يدرك مبصراته في غير زمان، والسمع لا يدرك مسموعاته إلاّ في زمان، فلأجل ذلك يُرى البرق قبل أن يُسمع الرعد، قالوا: وليس لا يكون الرعد إلا من احتقان البخار بل ربما كان بسبب فساد من السحب المدافعة بعضها بعض بالرياح الشديدة. الغيم والرباب: 757 - الغيم (1) والسحاب يكون في قليل السحاب وكثيره، والغمام واحدتها غمامة، وهي الغراء البيضاء من السَّحاب البيض، والمزن من السحاب واحدتها مزنة، ومنه الحمّاء وهي السحابة السوداء، والركام الكثير الذي قد تراكم بعضه على بعض، والرباب السحابة الرقيقة السوداء تكون دون الغيم في المطر، ولا يقال لها ربابة إلا في المطر؛ والمكفهرُّ من السحاب الضخام البيض، والجهام: السحاب الذي يراق ماؤه، والمكفهر من السحاب: الضخام المتراكب. 758 - الثعالبي في كتاب " سر الأدب " (2) : أول ما ينشأ من السحاب هو النشأ، فإذا انسحب في الهواء فهو السحاب، فإذا تغيرت له السماء فهو الغمام، فإذا أظلّ فهو العارض، فإذا كان ذا رعد وبرق فهو العراض، فإذا كانت السحابة قطعاً صغاراً متدانياً بعضها من بعض فهي النمرة، فإذا كانت متفرقة فهي القزع.

_ (1) قارن بالأزمنة والأمكنة 2: 93. (2) انظر سر الأدب: 87.

فإذا كانت سوداء فهي طخياء، فإذا حسبتها (1) ماطرةً فهي مخيلة، فإذا غلظ السحاب وركب بعضه بعضاً فهو المكفهرّ، فإذا ارتفع وانتشر (2) فهو النشاص، فإذا اعترض اعتراض الجبل قبل أن يطبّق السماء فهو الحبيّ. فإذا أظلَّ الأرض فهو الدجن، فإذا تعلَّق سحاب دون سحاب فهو الرباب، فإذا تدلّى ودنا من الأرض فهو الهيدب، فإذا كان أبيض فهو المزن والصببر، فإذا لم يكن فيه ماء فهو الجهام. 759 - ابن المعتز (3) : كأن الربابَ الجَوْنَ دون سحابه ... خليعٌ من الفتيان يسحب مئزرا إذا (4) أدركته روعةٌ من ورائِهِ ... تَلَفَّتَ واستلَّ الحسامَ المجوهرا (5) 760 - وله (6) : كأن الربابَ دُوَيْنَ السَّحابِ ... خيلٌ تجولُ على مِذْوَدِ 761 - وله (7) : لله درُّ صبوحنا ... والشَّدْوُ ينطقُ وهو ساكتْ يوم كأن سماءه ... حُجِبَتْ بأجنحةِ الفواخِتْ 762 - أعرابي (8) : كأنَّ الربابَ دُوَيْنَ السحابِ ... نعامٌ تعلَّقَ بالأَرجلِ

_ (1) سر الأدب: فإذا رأيتها وحسبتها. (2) سر الأدب: فإذا ارتفع ولم ينبسط. (3) ديوانه: 41 وزهر الآداب: 196. (4) الديوان: لحقته. (5) الديوان: المذكرا. (6) البيت في ديوانه (تحقيق السامرائي) 2: 563. (7) ديوانه 3: 188 (مع اختلاف في الرواية) ومن غاب عنه المطرب: 62 وشطر ثاني في محاضرات الراغب (2: 248) . (8) الأزمنة والأمكنة 2: 96 وزهر الآداب: 196 منسوباً لحسان بن ثابت.

763 - شاعر: كأنَّ الربابَ الجونَ والفجرُ ساطعٌ ... دخانُ حريقٍ لا يضيءُ له جَمْرُ 764 - منصور الهروي (1) : روضةٌ غَضَّةٌ علاها ضبابٌ ... قد تجلَّت خلالها الأّنوارُ فهي تحكي مجامراً مذكياتٍ ... قد علاها من البخور بخار 765 - الفضل بن الربيع (2) : أمَا ترى اليومَ ما أحلى شمائِلَهُ ... صحْوٌ وغيمٌ وإبراقٌ وإرْعادٌ كأنه أنت يا من لا شبيهَ له ... صدٌّ وهجرٌ وتقريبٌ وإبعادُ 766 - ابن طباطبا: تراءَتْ من أماكنها صباحاً ... غيومٌ مثلُ أرمدةِ الوقودِ يُمَدُّ بها على الآفاقِ وشي ... تحاكيه طيالسةُ الشهود تسدّ فروجَها ريحٌ جنوبٌ ... تعبّئها كتعبئةِ الجنودِ لعسكرها سيوفٌ من بروق ... تعارضها طبولٌ من رعود وبيضُ سيوفها في كلِّ أفق ... دوالقُ لا تمكن في الغمود 767 - أبو بكر الخالدي (3) : وسحابٍ يجرُّ في الأرض ذيلي ... مطرفٍ زرَّه على الأرضِ زرَّا برقُه لمحةٌ ولكن له رع ... دٌ بطيءٌ يكسو المسامعَ وقرا كخليّ منافق للذي يهوا ... هـ يبكي جهراً ويضحكُ سرا 768 - سعيد بن حميد (4) : وترى السماءَ اذا أسَفَّ ربابُهَا ... وكأنّها كُسِيَتْ جناحَ غرابِ

_ (1) اليتيمة 4: 349. (2) أكثر المصادر على أن البيتين لعلي بن الجهم، انظر ديوانه: 122 وحلبة الكميت: 289 وشرح المقامات 2: 383 وأحسن ما سمعت: 60 ومن غاب عنه المطرب: 63 وثمار القلوب: 184 والأغاني 10: 235. (3) اليتيمة 2: 190 وخاص الخاص: 123 ومن غاب عنه المطرب: 28 وديوانه: 54. (4) تشبيهات ابن أبي عون: 163. ومجموع شعره: 154.

769 - أبو عامر القرطبي (1) : يومٌ كأنَّ سحابه ... ندّ على الآفاق ثابت حُجِبَتْ به شمس الضحى ... بمثالِ أجنحةِ الفواخت والغيثُ يبكي فقدها ... والبرقُ يضحكُ ضحكَ شامت والرعدُ يخطبُ مُفْصحاً ... والجوّ كالمحزونِ باهت 770 - كتب ابن عمار إلى المعتمد في يوم غيم احتجب فيه (2) : تجهَّمَ وجهُ الافقِ واعتلَّتِ النفسُ ... لئن لم تَلُحْ للعين أَنت ولا الشمسُ فإن كان هذا منكما عن توافقٍ ... وضمّكما أنسٌ فيهنيكما العرس 771 - الشريف الموسوي: كأن السحبَ تكشفُ عن نجوم ... تَرقرقُ مثلَ أحداقٍ مراضِ كما سحبت لقومٍ يومَ عرس ... ذيولُ الغانياتِ على الرياض 772 - الشريف الموسوي (3) : ويوم دَجْن ذي ضميرٍ متَّهم ... مثل سرور شابه عارضُ همّ أو كمضيّ الرأي يقفةه الندم ... يبرزُ في زيّ ذوي حَمْدٍ وذم عبوسَ ذي اللؤم وبشرَ ذي الكرم ... كقبحِ لا خالطه حسن نعم 773 - مسرور الهندي: أرى اليومَ يوماً قد تكاثف غَيْمُهُ ... ويوشكُ أنَّ الغيمَ ريَّانُ ماطرُ وقد سترت شمسَ السماءِ غيومُها ... كما سترت وردَ الخدود المعاجر

_ (1) هو أبو عامر ابن سلمة صاحب كتاب ((الارتياح في وصف الراح)) وهو من شعراء الذخيرة، وانظر أبياته في جذوة المقتبس: 145 والمطمح: 23 ونسبت لابن ذخيرة الصباغ في المغرب 1: 260 والنفح 3: 485 وجاءت في النفح 3: 545 لأبي عامر لأن النقل عن المطمح. (2) الخريدة 2: 80 ط (ط. تونس) وانب عمار (لصلاح خالص) : 231. (3) قد مر خذا منسوباً لابن طباطبا (ص: 36 من ترقيم المخطوط، الفقرة: 119) وابن طباطبا يميز دائماً بنسبة ((العلوي)) أو ((الأصبهاني)) أو هما معاً، وقد نبه إلى ذلك في هامش ص: 38.

774 - ابن طباطبا: أما ترى الغيمَ مجموعاً ومفترقاً ... يشيرُ هذا إلى هذا يعانقُهُ كعاشقٍ زار معشوقاً ... قبل الفراقِ فآلى لا يفارقه 775 - محمد بن مسدي الغرناطي (1) : يومٌ تحاربَ شمسُهُ وضَبابهُ ... فالجوُّ لا صاحٍ ولا ممطورُ والشمسُ قد لبستْ غلائلَ زرقةٍ ... قد شابَهنَّ الندُّ والكافور 776 - وله: انضرْ إلى الجوِّ في غلائله ... مختلساً ضِحْكَهُ من العَبَسِ والشمسُ تسطو على الضَّبابِ كما ... يسطو سنا فَجْرِها على الغَلَس 777 - السلامي في يوم دجن (2) : نسبُ الرياض إلى الغمام شريفً ... ومحلُّها عند النسيم لطيفُ فأَدِرْ سُقيتَ الراحَ (3) جامك إنه ... يومُ على قلب الزمان خفيف أو ما ترى طُرُزَ البروق توسَّطَتْ ... أفقاً كأَنَّ المزنَ فيه شنوف واليومُ من خجلِ الشقيقِ مضرَّجٌ ... خَجِلٌ ومن مرض النسيم ضعيف والأرضُ طرسٌ والرياضُ سطوره ... والزهرُ شكلٌ بينها وحروف 778 - السري الموصلي (4) : قم فانتصفْ من صروفِ الدَّهرِ والنُّوَبِ ... واجمعْ بكأسكَ شَمْلَ اللهوِ والطربِ أما ترى الغيم (5) قد قامتْ عساكره ... كأنما الجوُّ (6) منها قلبُ ذي رعب

_ (1) هو الحافظ جمال الدين أبو بكر محمد بن يوسف بن موسى الأندلسي ويعرف بابن مسدي (- 663) قتل غيلة بمكة. وله معجم في ثلاثة مجلدات. انظر ترجمته في الوافي 5: 254 وتذكرة الحفاظ: 1448 والشذرات 5: 313 والنفح 2: 112. (2) اليتيمة 2: 412. (3) اليتيمة: فاشرب وثقل وزن جامك. (4) اليتيمة 2: 173. (5) اليتيمة: الصبح. (6) اليتيمة: البرق.

والفجرُ يختالُ في حُجْبٍ ممسَّكَةٍ ... في الشرق تنشرُ أَعلاماً من الذهب جريتُ في حَلْبَةِ الأهواءِ مجتهداً ... وكيف أقصرُ والأيامُ في طلبي توِّجْ بكاسك قبلَ الحادثاتِ يدي ... فالكاسُ تاجُ يدِ المثري من الأدب 779 - الفضل بن عيسى: ألستَ ترى طيبَ يومِ الخميس ... بدا في تلون زيِّ العروسِ غيومٌ تجولُ وقَطْرٌ يسيلُ ... وبينهما لَمَعانُ الشموسِ فزرنا ترى زمناً مونقاً ... يذكّرُ أيامَ دينِ المجوس 780 - الصنوبري (1) : ويومٍ تكللُهُ بالشموسِ ... صفاء الهوا في صفاء الهواء فشمسُ الجنانِ وشمسُ الدنان ... وشمسُ القناني وشمسُ السماء وأسحم ينثرُ من طَلِّه ... على دُرِّ نواره دُرَّ ماء وأصبح ركضُ صَبَاه يثيرُ ... عجاجة كافورهِ في الفضاء تظلُّ به الطيرُ مشغولةً ... تطارحُ فيه صروفَ الغناء تروقك بالصوتِ من غيرِ عود ... وتصيبكَ بالزَّمْرِ من غير ناء فقمْ نشتمل برداءِ الزمان ... فإنَّ الزمانَ أنيقُ الرداء 781 - الوأواء (2) : ويومٍ ستارتُهُ غيمةٌ ... وقد طرزت رَفْرفيها البروقُ جعلنا البخورَ دخاناً له ... ومن شرر النارِ فيه حريقُ تظلُّ به الشمسُ محجوبةً ... كأن اصطباحك (3) فيه غَبوق 782 - السري الموصلي (4) : ألا عُدْ لي بباطيةٍ وكاس ... وَزُعْ همي بإبريقٍ وطاس

_ (1) ديوان الصنوبري: 448 (وأكثرها مأخوذ عن سرور النفس) . (2) اليتيمة 1: 240 وديوانه: 157. (3) ص: اصباحك. (4) اليتيمة 2: 178.

وذكِّرني بشعرِ أبي (1) نواس ... على روض كشعر أبي نواس وغيمٍ مرهفاتُ البرقِ فيه ... عوارٍ والرياضُ به كواسي وقد سَلَّتْ جيوشُ الفطرِ فيه ... على شهر الصيام سيوفَ باسي ولاح لنا الهلال كشطرِ طوقٍ ... على لبّاتِ زرقاء اللباس 783 - ابن الرومي (2) : يَوْمُنَا (3) للنديمِ يومُ سرورٍ ... والتذاذٍ ونعمةٍ وابتهاجِ 784 - آخر: ويومٍ كساه الغيمِ ثوباً مصندلاً ... وصاغَتْ طرازَيْهِ يدُ الروضِ عسجدا كأنَّ السما والرعد فيه تذكرا ... هوىً لهما فاستعبرتْ وتنهدا 785 - شاعر: يومُ دجنٍ قد تناهى طيبُهُ ... وحليقٌ أن يجينا بالمطر والثلاثاء ننادي غدوةً ... ما للهوٍ بعد هذا منتظر هل يجوزُ الصَّحْوُ في أثنائِهِ ... إنَّ هذا الرأيَ من إحدى الكبر 786 - كان (4) عبيد الله بن عبد الله بن طاهر جالساً في منتزه له شرف في يوم غيم، فرأى ماني الموسوس ماراً في الطريق، فأمر بإحضاره فحضر، فقال له: يا ماني ما تقول في هذا اليوم؟ فقال له: ما يقول الأمير؟ فقال: أرى غيماً تؤلّفه جنوبٌ ... ويوشكُ أنْ سيأتينا بِهَطْلِ فحزمُ الرأي أن تدعو برطلٍ ... فنشربه وتأمر لي برطل

_ (1) اليتيمة: أبي فراس. (2) اليتيمة 2: 238 ومن غاب عنه المطرب: 63 وديوانه: 489. (3) الديوان: يومها. (4) معاهد التنصيص 2: 253.

فقال له ما هكذا قال الشاعر، إنما قال: أرى غيماً تؤلفه جنوبٌ ... أراه على مساءَتنا حريصا فحزمُ الرأي أن تدعو برطلٍ ... فتشربه وتكسوني قميصا فقال له: أنا أكسوك جبّة وقميصاً وعمامةً وجورباً على أن تجلس معي يومي هذا تنادمي فيه، فقال: أفعل، وكساه ونادمه يومه ذلك. 787 - ومثل هذا أن قوماً دعوا جحظة البرمكيّ إلى مجلس شراب وقالوا له: اقترحْ ما نطبخُ لك اليوم، فكتب إليهم (1) : وجماعةٍ نشطتْ لشربِ مُدامةٍ ... بعثوا رسولهمُ إلي خصوصا قالوا اقترح شيئاً يجاد طبيخه ... قلتُ اطبخوا لي جبّةً وقميصا قوس قزح: 788 - سمّي بذلك (2) لتقزحه، أي تلونه، يقال: قزحت القدر أي أبزرتها وجعلت فيها توابل مختلفة الألوان. ومن خرافات العرب قالوا: قزح اسم شيطان، وزعموا أن الظاهر في أيام الربيع قوسه، ولذلك كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: " لا تقولوا قوس قزح، ولكن قولوا قوس الله ". 789 - وفي التوراة أن الطوفان لما نضب عن الأرض أطلع الله عزّ وجلّ قوس قزح، وأوحى إلى نوح عليه السلام أن هذه علامة أماني: أنْ لا أُهلكَ الأرضَ بالطوفانِ آخر الدهر، فلذلك يسمى قوس الأمان، وهو إيذان بالصّحو متى ظهر. 790 - شاعر (3) : ولاحَ قوسُ اللهِ من تلقائها ... في أفقِ الشمسِ يروقُ مَنْ نَظَرْ قد طُلِيتْ بحمرةٍ وخضرةٍ ... وصفرةٍ كأنها بُرْدُ حِبَرْ

_ (1) خاص الخاص: 110 ومعاهد التنصيص 2: 252 منسوبة لأبي الرقعمق أحمد بن محمد الأنطاكي. (2) محاضرات الراغب (2: 244) وقارن بالأزمنة 2: 108. (3) محاضرات الراغب (2: 244) .

791 - سيف الدولة (1) : وساقٍ صبيحٍ للصبوحِ دعوتُهُ ... فقام وفي أجفانه سِنةُ الغمضِ يطوفُ بكاساتِ العقار كأنجم ... فمن بين منقضٍّ علينا ومنفضّ وقد نثرتْ أيدى الجنوب مطارفاً ... على الجوّ دُكناً والحواشي على الأرض وطرّزها قوسُ السماءِ بأصفر ... على أحمرٍ في أخضرٍ تحت مبيض كأذيالِ خودٍ أقبلتْ في غلائل ... مصبَّغةٍ والبعضُ أقصرُ من بعض 792 - الوأواء (2) : سقياً ليومٍ ترى قوسَ الغمام به ... والشمسُ مصفرَّةٌ والبرقُ خَلاّسُ كأنها قوسُ رامٍ والبروقُ لها ... رشقُ السهامِ وعينُ الشمسِ برجاس 793 - السريّ الرفاء (3) : وصاحبٍ يقدحُ لي ... نارَ السرور في القدح في روضةٍ قد لبست ... من لؤلؤ الطلِّ سبح والجوّ في ممسَّكٍ ... طرازهُ قوسُ قزح يبكي بلا حزنٍ كما ... يضحكُ من غير فرح آراء الفلاسفة في قوس قزح وهالة القمر: 794 - الآثار العلوية (4) منها حقيقة وغير حقيقة، فالحقيقة كل ما يحدث من الأمطار والغيوم والريح والبرد والجليد وما أشبهه؛ وغير الحقيقة هي ما تحدث من إشراق أحد النيرات على الأجرام السحابية إذا حصل لها أدنى صقالة بالرطب من الآثار والألوان المخلفة في نظر الناظر إليها، ويختلف ذلك باختلاف موقع السحاب بين الناظر

_ (1) اليتيمة 1: 31 وغرائب التنبيهات: 47 واثنان منها في محاضرات الراغب (2: 244) لابن المعتز، ونسبت في معاهد التنصيص 1: 109 لابن الرومي وقال: وبعضهم ينسبها لسيف الدولة، وانظر ابن خلكان 3: 302 وربيع الأبرار، الورقة: 18/أونهاية الأرب 1: 94. (2) البيت الثانيفي محاضرات الراغب (2: 244) وهما في نهاية الأرب 1: 94. (3) اليتيمة 2: 169 ومعاهد التنصيص 2: 208 والثالث والرابع في غرائب التنبيهات: 48. (4) قارن بالأزمنة والأمكنة 2: 109.

والنيّر، فإن كان السحاب متوسطاً بين الناظر والنير عند كون النيِّر أَوْجيّاً، رأيتَ الهالة وهي الدائرة التي يرى في وسطها القمر محتاطاً ببياض محبوس بظلمة السحاب المترطب، وربما وقعت سحابة تحت سحابة أخرى فتولَّد منها هالة أخرى، تكون أكبر من التي فوقها ومثلها من الناظر، وكلّما يكون من الشمس لقوتها على تحليل ذلك السحاب لخفته؛ وقد يستدل بشدّة ما يحيط بالهالة من الظلام على المطر، وبحفته على عدمه، وبسرعة تفرُّقِها على الريح الجنوبية؛ وإن كان الناظر متوسطاً بين السحاب والنيّر عند كون النير أفقياً، رأى نصف دائرةٍ مختلفة الألوان ضرورة، لكون النير في الأفق، وهي المسماة بقوس قزح، وعلى قدر ارتفاع النير في الأفق وانخفاضه يكون اتساع القوس وصغرها، ولأجل كون النير أفقياً قلّ ما يرى ذلك منتصف نهار الصيف، بخلاف الشتاء، ولا يُتَصوَّر (1) ذلك إلا بأن يكون وراء السحاب الصقيل شيءٌ مظلم من سحاب أو غيره، ليؤدي السحاب الصقيل ما ينطبع فيه إلى الناظر بتوسط المشف كالمرآة. 795 - قال (2) ابن أبي علقمة لسالم المازني، وكان لسالم المازني مولى ندَّاف يُنْسَب إليه: والله لو وضعت إحدى رجليك على ثبير والأخرى على حراء (3) ، وتناولت قوس الله وندفت به السحاب لكنت أنت أنت (4) . 796 - الشريف الطوسي في الهالة: أرى هالةَ البدر وَسْطَ السماء ... وسيفَ الدجى قابلاً دوسهُ كأنّ غلاماً من التركِ أحوى ... أدارَ على وجهه قَوْسَهُ

_ (1) ص: يقضون. (2) وردت القصة في البصائر 2/3: 509. (3) البصائر: يمين رجليك على حراء. ويسراها على بئر زمزم. (4) البصائر: ما كنت إلا كلباً.

فراغ

في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر

الباب الرابع في السحاب الثقال والاستسقاء والحجا؟ وهي القواقع التي يرسمها قطر المطر على الماء؟ ومنع المطر من تزاور الأخوان، وآراء الفلاسفة في المطر والثلج والبرد والجليد. 797 - في التنزيل العزيز: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجي سحاباً ثم يؤلِّفُ بينه ثم يجعله ركاماً فترى الوَدْقَ يخرجُ مِنْ خِلالِهِ) ، يزجي: أي يسوقه إلى حيث يشاء، ومنه زجي الخراج إذا انساق إلى أهله. فال النابغة (1) : إني أتيتكُ من أرضي ومن وطني ... أُزجي حُشاشة نفسٍ ما لها رَمَقُ ثم (يؤلّفْ بينه) أي يجمعه لتفرقه عند انتشاره، ليقوى باتصال بعضه ببعض، ثم (يجعلُهُ ركاماً) أي يركبُ بعضه بعضاً (فترى الودقَ يخرجُ من خلاله) فيه قولان: أحدهما أنَّ البرق، يخرج من خلل السحاب، والثاني أنه المطر يخرج من خلل السحاب. قال الشاعر (2) : فلا مزنةٌ ودقت وَدْقَها ... ولا أرضَ أَبقلَ إبقالَهَا 798 - وقوله عزّ وجلّ: (وينزّلُ من السماءِ من جبالٍ فيها من بَرَدٍ) ، فيه ثلاثة أوجه: أحدها أن في السماء جبال بَرَدٍ، فينزل من تلك الجبال ما يشاء، فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء. الثاني: أنه ينزل من السماء برداً يكون كالجبال، الثالث: إن السماء: السحاب، سماه سماءً لعلوه،

_ (1) لم أجده في ديوانه، ولعله من المنحول له. (2) هو لعامر بن جوين الطائي في التاج (ودق) وسيبويه 1: 240 والخزانة 1: 21، 3: 330.

والجبال صفة السحاب أيضاً، سماه جبلا لعظمه تشبيهاً له بالجبال، فينزل منه برداً يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء، فتكون إصابته نقمة وصرفه نعمةً. 799 - وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عينٌ غديقة، ويروى عينُ غديقة - بالإضافة -. وفي حديث آخر (1) أنه كان جالساً ذات يوم مع أصحابه إذ نشأتْ سحابة فقالوا: يا رسول الله، هذه سحابة، قال: كيف تَرَوْنَ قواعدها؟ قالوا: ما أحسنها وأشد تمكّنها، قال كيف ترون رحاها؟ قالوا ما أحسنها وأشدّ استدارتها قال: وكيف ترون بواسقها؟ قالوا: ما أحسنها وأشدّ استقامتها! قال: كيف ترون برقها أوميضاً أم يخفو أم يشق شقاً؟ قالوا: بل يشقّ شقاً، فقال صلّى الله عليه وسلّم: الحيا. قواعدها: أسافلها، ورحاها: وسطها ومعظمها؛ وإذا استطار البرق من قطرها إلى قطرها فذلك الانشقاق، وإذا كان كالتبسّم في خلل السحاب فذلك الوميض، يقال منه: ومض البرق وأومض لغتان، والخفوُ أقلُّ من الوميض، يقال خفا يخفو خفواً، وهو أن يلمع تارةً ويسكن. 800 - القطقط أصغر المطر، وبعده الرذاذ ثم الطش ثم النغش ثم الحلبة، والديمة: المطر الدائم الذي ليس فيه رعد ولا برق، وأقلّ الديمة ثلث نهار أو ثلث ليل، وأكثرها ما جاوزت اليوم والليلة إلى ما بلغت من العدة، والتهتان مثل الديمة، والهَطْلُ مثله. 801 - النضر بن شميل (2) : أول المطر رشّ وطشٌّ وطلٌّ ورذاذ ونضحٌ ونضحجٌ، وهو قطر بين قطرتين، ثم هَطْلٌ وتهتانٌ ثم وابلٌ وَجوْد. فإذا (3) أحيا الأرض بعد موتها فهو الحيا، فإذا جاء عقيب المحل أو عند الحاجة إليه فهو الغيث، فإذا دام مع سكون فهو ديمة، فإذا كان عامّاً فهو الجدا، فإذا كان يروي كل شيء فهو الجَوْد، فإذا كان كثير القطر فهو الهطل والتهتان، فإذا كان مستمراً فهو الوَدْق، فإذا رجع وتكرر فهو الرَّجْع، وقد نطق به القرآن العزيز، فإذا كان ضخم القطر شديد الوقع فهو الوبل، فإذا كان القطر صغاراً فهو القِطْقِطُ.

_ (1) نقل الخبر وشرحه عن أمالي القالي 1: 8 - 9 ووصف المطر: 4. (2) ينقل عن سر الأدب: 88. (3) النقل مستمر عن سر الأدب: 88 ولكن يبدو أنه ليس من كلام النضر بن شميل.

802 - والعرب تقول (1) : السحاب ما إذا ألفته الصَّبا، وألقحته الجنوب، ومرته الشمال، فالمطر سحّ طبق، ولهذا قال: الهذلي (2) : مَرَتهُ الصَّبا وَزَهَتْهُ الجنوبُ ... وانتجفته الشمالُ انتجافا قال: وهذا على طَبْعِ البقاع، فإنّ أبا كبير الهذلي جعل الشمال قاشعةَ السحاب، وجعلها النابغة مستدرةً، وبه اقتدى البحتريّ في قوله (3) : قُلْ للسَّحابِ إذا حَدَتها الشمألُ ... وسرى بليلٍ رَكْبُهُ المتحمّلُ 803 - قالوا: وأغزرُ السحاب ما نشأ يمين القبلة، وهي العين في قوله صلّى الله عليه وسلّم: إذا نشأت بحريَّة ثم تشاءمت فتلك عينُ غديقة؛ وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا رأى المطر قال: اللهم صيّباً نافعاً. وعن أنسٍ قال (4) : أصابنا ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مطر، قال: فحسر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: لأنه حديثُ عهدٍ بربه. 804 - قيل لأعرابيّ: هل كان من مطر؟ قال: نعم حتّى عفَّى الأثر، وهصر الشجر، ودهده الحجر. 805 - خرج رجل من هذيل يرعى غنماً له وقد ضَعُفَ بصره، ومعه ابنةٌ له، فقال لها: إني لأجدُ ريحَ المطر، فانظري إلى السماء، قالت: أرى السحاب كأنها ظُعُنٌ مقبلة، قال: ارعي واحذري، ثم قال: كيف ترينها، قالت: أراها قد انتصتْ كأنها بطن حمارٍ أصحر، فقال: إلجئي إلى الجبل ولا ملجأ لك، فلم تبلغ الجبل حتى دهمهم المطر. 806 - قال العسكري (5) : من الوصف الجيّد التامّ في تكاتف المطر قول

_ (1) انظر مجالس ثعلب: 295 وفيه اختلاف في الرواية. (2) هو في محاضرات الراغب (2: 247) لأعرابية، وبيت الهذلي يرد بعده، وانظر مجالس ثعلب: 289، 290 والمخصص 9: 103 واللسان (نجف) ووصف المطر: 70. (3) ديوان البحتري: 1599. (4) ورد الخبر في ربيع الأبرار 1: 147 (تحقيق د. سليم النعيمي) . (5) ديوان المعاني 2: 9 وانظر محاضرات الراغب (2: 248) .

بعضهم: وقع قطرُ صغار وقطر كبار، فكان الصغار لحمة للكبار، جعل الهواء كالثوب المنسوج من كثرة القطر وتكاتفه. 807 - قال العسكري (1) ، قال أبو عمرو لذي الرمة: أيّ قول الشعراء في المطر أشعر؟ قال: قول امرئ القيس (2) : ديمةُ هَطْلاءُ فيها وَطَفٌ ... طَبَقُ الأرضِ تحرَّى وَتَدِرّ قوله: طبق الأرض غاية في وصف عموم السحاب، أراد أنها على الأرض بمنزلة الطبق على الإناء، قال: ولا أعرف أحداً أخذه وأجاد فيه كإجادة ابن الرومي (3) : سحائبُ قيستْ بالبلاد فأَلَّفَتْ ... غطاءً على أغوارها ونجودها حَدَتها النعامَى مثقلاتٍ فأقبلتْ ... تهادَى رويداً سيرها كركودِهَا قوله: سيرها كركودها غاية في وصف ثقلها من كثرة مائها. والبيت البليغ المشار إليه من أبيات امرئ القيس هو قوله (4) : ويَرى الشَّجراء في ريِّقه ... كرؤوسٍ قُطِّعَتْ فيها خُمُرْ الشجراء: الأرض ذات الشجر، وإذا غرقت بَريّقه حتى لا يبين منها (5) إلا فروعها فكيف يكون في شدّته؟ وريّق المطر: أوله وأخفّه؛ وشبَّه رؤوس الشجر خارجة من الماء برؤوس قطعت عليها عمائم، والخمار هاهنا العمامة. 808 - قال أبو هلال (6) : وأجودُ ما قيل في المطر: كأنَّ أبانا في أفانينِ وَبْلِهِ ... كبيرُ أناسٍ في بجادٍ مُزَمَّلِ يقول: كأنّ أباناً - وهو جبل - من التفاف قطره وتكاثفه في الهواء شيخ مزمل في كساء، وخفض " مزملاً " على قرب الجوار، وهو نعتُ " كبير "، كما قالوا حُجْرُ ضبٍّ خَرِبٍ.

_ (1) ديوان المعاني 2: 3. (2) انظر العسكري وتشبيهات ابن أبي عون: 163. (3) النقل مستمر عن العسكري، وانظر نهاية الأرب 1: 80 وديوان ابن الرومي: 604. (4) انظر أيضاً ديوانه: 145. (5) ص: يبقى فيها، والتصويب عن العسكري. (6) ديوان المعاني 2: 3 - 4 وديوان امرئ القيس: 25.

809 - قال الأصمعي (1) : قلتُ لأبي عمرو ما أحسن ما قيل في المطر؟ فقال: قول عبيد بن الأبرص: دانٍ مسفٌّ فويقَ الأرض هَيْدَبُهُ ... يكادُ يدفَعُهُ مَنْ قام بالراحِ فمن بنجوته كمن بعفوتِهِ ... والمستكنُّ كمن يمشي بقرواح يقول: قد عمَّ هذا السحاب فاستوى في شَيْم برقه وإصابة مطره المنجد والغائر، المستكنُّ والمصحر، وقرب من الأرض لثقله بالماء حتى يكاد يدفعه القائم براحته، وهذا غاية الوصف. والقرواح: الأرض الملساء، ومنه قيل: ماء قراح أي صاف. 810 - شاعر في إطباق الغيم وقربه (2) : في مُزْنَةٍ أَطْبَقَتْ فكادَتْ ... (3) تصافحُ التربَ بالعماءِ العماء - ممدود مهموز - السحاب، ومنه الحديث: كان الله في عماءٍ فوقه هواء. 811 - كلثوم العتَّابي (4) : أرقتُ للبرق يخفو ثم يأتلقُ ... بخفيه طوراً ويبديه لنا الأفقُ كأنه غرةٌ شهباءُ لائحةٌ ... في وَجْهِ دهماءَ ما في جلدها بلق أو ثغرُ زنجيةٍ تفترُّ ضاحكةً ... تبدو مشافرها طوراً وتنطبق أو سَلّةُ البيضِ في جأواءَ مظلمةٍ ... وقد تلاقَتْ ظباها البيضُ والدرق والغيمُ كالثوب في الآفاق منتشرٌ ... من فوقه طَبَقٌ من تحته طبق تظنّه مصمتاً لا فَتْقَ فيه فإنْ ... سالت عزاليه قلتَ الثوبُ منفتق إنْ مَعْمَعَ الرعد فيه قلتَ ينخرقُ ... أو لألأ البرقُ فيه قلتَ يحترق يستكُّ من رعده أذنُ السميع كما ... تَعْشَى إذا نَظَرَتْ من برقِهِ الحدق

_ (1) ديوان المعاني 2: 4 وانظر بيتي عبيد في مجموعة المعاني: 185 ومحاضرات الراغب (2: 248) وتشبيهات ابن أبي عون: 163 وحماسة ابن الشجري: 225 وديوان عبيد: 34، 36 وديوان أوس ابن حجر: 3 وما بعدها وأمالي القالي 1: 175. (2) تشبيهات ابن أبي عون؛ 163 والشعر له. (3) التشبيهات: بالغمام. (4) ديوان المعاني 2: 9 والأزمنة والأمكنة 2: 246.

فالرعدُ صَهْصَلِقٌ والريحُ منخرقٌ ... والبرقُ مؤتلق والماء منبعق قد حاك حَوْلَ الربى ثوباً له أرجٌ ... كأنه الوشي والدّيباجُ والسَّرَقُ في صفرةٍ بينها حمراء قانية ... وصفرٌ فاقعٌ أو أبيضٌ يقق 812 - وقال أبو هلال العسكري (1) : برقٌ يطرّز ثوبَ الليل مؤتلقُ ... والماءُ من ناره يهمي وينبعقُ توقَّدَتْ في أديمِ الغيثِ جمرتُهُ ... كأنها غرّةٌ في الطِّرْفِ أو بلق ما امتدَّ منها على أرجائه ذَهَبٌ ... إلا تحدَّر من حافاته ورق كأنها في جبينِ المزنِ إذ لمعت ... سلاسلُ التبر لا يبدو لها حلق فالرعدُ مرتجسٌ والبرقُ مُخْتلس ... والغيث منبجسٌ والسيلُ مندفق والضالُ فيما طما من مائه غرقٌ ... والجزْع فيما جرى من سيله شرق والغيمُ خز وأنهاءُ اللوى زَرَدٌ ... والروضُ وشيٌ وأنوارُ الربى سرق والروضُ يزهوه عشبٌ أخضرٌ نضر ... والعشبُ يجلوه نَوْرٌ أبيضٌ يقق والغيمُ إذ صاغ أنوارَ الربى صنع ... وحين ينظمها فوق الربي خرق والقطر دُرٌ خلالَ الروض منتثر ... وقبل لأن يتلقى الروضَ متّسق سقى ديارَ الذي لو متُّ من ظمأ ... ما كنتُ بالريّ من أحواضه أّثِقُ من نازحٍ قلبُهُ دانٍ محلَّته ... والشملُ مجتمعٌ منه ومفترق ما زال ينفرُ عنِّي وهو من نفري ... فالشكلُ مختلفٌ فيه ومتّفق أشكو الهوى بدموعٍ قادها قَلَقٌ ... حتى علقن بجفني ردها الفرق ففي الفؤاد سبيلٌ للأسى جَدَدٌ ... وفي الجفون مَقيلٌ للكرى قلق لهيبُ قلبي أَفاضَ الدمعَ من بصري ... والعودُ يقطر ماءً حين يحترق 813 - حكى الأصمعيّ (2) أنّ السبب الذي هاج بين ابن ميادة والحكم الخضري من محارب أن الحكم وقف لينشد بمصلَّى المدينة قصيدته في صفة الغيث، فمرَّ به ابن ميادة فسمع حتى انتهى إلى قوله:

_ (1) ديوان المعاني 2: 9 - 10 ولم يرد هنالك إلا الأبيات 1 - 8 وكذلك هو في مجموع شعره: 124 ومرت منها الأربعة الأبيات الأولى في الفقرة: 733 في ما تقدم. (2) انظر الموشح: 357 والأغاني 2: 248.

يا صاحبيَّ ألم تشيما عارضاً ... نضحَ البلادَ بمائه المتفجِّرِ ركب البلادَ فظلَّ ينهضُ مصعداً ... نَهْضَ المقيّد في الدهاسِ الموقر فحسده ابنُ ميادة فقال: أدهست وأوقرت لا أمَّ لك، فمن أنت؟ قال: أنا الحكم الخضري، قال: والله ما أنت في بيت نسب ولا أرومة شعر، قال: قلت ما قلت، فمن أنت؟ قال: أنا ابن ميادة، قال: قبّح الله والدين خيرهما ميادة، لو كان في أبيك خير ما انتسبت إلى أمك، أو لست القائل (1) : فلا برح الممدورُ ريّانَ ناعماً ... وجيدت أعالي منذرٍ (2) وأسافلُهْ فاستسقيت لطرفيه وتركت صدره، وهو خير موضع فيه، فلم تستسق له. فتهاجيا بعد ذلك. قال أبو هلال (3) : شبَّه ثقل السحاب بسير بعير مقيد في دهاس، وهو موضع فيه رمل ليّن يصعب فيه المشي، وهذا من جيِّد الوصف لأن ثقل السحاب إنما هو لكثرة مائه. 814 - الحسين بن مطير (4) : متضاحكٌ بلوامع مستعبرٌ ... بمدامعٍ لم تَمْرِها الأَقذاءُ فله بلا حُزْنٍ ولا بمسرَّة ... ضحكٌ يراوحُ بينه وبكاء 815 - الحسن بن دعبل (5) : أما ترى الغيث قد سالت مدامعه ... كأنّه عاشقٌ يسطو به الذِّكَرُ جاءتْ موقّرةَ الأحشاءِ خاشعةً ... تكادُ تؤخذ بالأيدي فَتُعْتَصَرُ راحتْ رياحُ الصَّبا ينظمنَ عارضها ... حتى إذا نَظَمَتْه ظلّ ينتثر

_ (1) ديوان ابن ميادة: 84 والموشح: 358. (2) يروى: صدره، ويروى أيضاً: شعبه. (3) لم يرد هذا في ديوان المعاني. (4) ديوان المعاني 2: 6 ومحاضرات الراغب (2: 247) والأزمنة والأمكنة 2: 98 وأمالي القالي 1: 174 والعقد 3: 466 ومعجم الأدباء 10: 172 وديوانه 134/28 (غياض/عطوان) . (5) محاضرات الراغب: (2: 247) ؛ الحسين.

جادت بما ملكته من ندىً وغدت ... صفرَ اليدين إلى الآفاقِ تعتذر أضحتْ له الأرضُ سكرى والثرى طربٌ ... والأفقٌ مبتسمٌ والجَذْبُ مستتر 816 - العلوي الحمّاني (1) : باتتْ سواريها تَمَخَّ ... ضُ في رواعدها القواصفْ وكأنَّ لَمْعَ جفونها ... في الجوِّ أسيافُ المثاقِفْ ثم انبرتْ سحًّا كبا ... كيةٍ بأربعةٍ ذوارف 817 - شاعر: إذا ما عشارُ المُزْنِ شِيمَ وميضُهَا ... وهبَّ لها حادي النسيمِ يروضُهَا وزمجر في أرجائها الرعدُ مثلما ... يُجَلْجِلُ للشَّربِ القداحَ مفيضها ومَرَّتْ بما لا يُلْحِفَ الأرضَ هدبها ... تكاد ضئيلاتُ النَّقَادِ تخوضها 818 - آخر: وحاملةٍ ما تستقلُّ بحملها ... ولكنَّها للثقلِ لأياً وئيدها تئِنُّ ولم تألمْ كأنّةِ فاقدٍ ... مُوَلَّهَةٍ ثُكلاً أصيب وحيدها فمرَّتْ كلمحِ البرقِ أو غمزِ حاجبٍ ... على أنها قد أثقلتها قيودها 819 - علي بن الجهم (2) : وساريةٍ ترتاد أرضاً تجودها ... وكلتُ بها عيناً قليلاً هجودُهَا أتتنا بها ريحُ الصَّبا فكأنها ... فتاةٌ تزجّيها عجوزٌ تقودها 820 - شاعر مغربي (3) : راحتْ تذكِّر بالنسيم الراحا ... وطفاءُ تكسِرُ للجنوب جناحا

_ (1) هو علي بن محمد الكوفي، انظر السمط: 439 والأمالي 1: 180 ومن قصيدته هذه أبيات في ديوان المعاني 2: 16 وزهر الآداب 882 والبصائر 1: 237 - 238 وأمالي القالي 1: 175 وديوان الحماني (المورد 1974/2) 210 وثمة مزيد من التخريج للأبيات. (2) ديوانه: 56 وزهر الآداب: 599 وحماسة ابن الشجري: 228 والغيث المسجم 1: 121. (3) هو ابن الحناط محمد بن سليمان الرعيني الأندلسي (- 437) له ترجمة في الذخيرة 1/1: 437 والجذوة: 53 (وبغية الملتمس رقم 124) والمغرب 1:121 والصلة: 640 والتكملة: 387 وأبياته في الذخيرة: 445 ومنها بيتان في النفح 1: 483.

مرتجَّةُ الأَرجاءِ يحبس سيرها ... ثقلٌ فتعطيه الرياحُ سراحا أَخفى مسالكَها الظلامُ فأوقدت ... من برقها كي تهتدي مصباحا فكأنَّ صوت الرعد خَلْفَ سحابها ... حادٍ إذا وَنَتِ الركائب صاحا 821 - ابن وكيع (1) : وسحابٍ إذا همى الماءُ فيه ... أَلهبَ الرعدُ في حشاها البروقا مثل ماءِ العيونِ لم يجرِ إلاّ ... ظلَّ يُذكي على القلوبِ حريقا 822 - ابن المعتز (2) : باكيةٌ تضحكُ عن بروقِ ... سَرَتْ بجيبٍ في الدُّجَى مَشْقوقِ مالَتْ إلى المحلِ اليبيس الريق ... كَمَيْلِ مشتاقٍ إلى معشوق فاشتملتْ على الثرى كالزيق ... كأنّما تبكي بكا المشوق حتى غدا في منظرِ أنيق ... 823 - شاعر: وبكٍر إذا ما حدتها الجنوب ... رأيتَ العشارَ تؤمُّ العشارا ترى البرقَ يبسمُ سرًّا لها ... إذا انتحب الرعدُ فيها جهارا إذا ما تبسَّمَ وسميُّها ... تعصفر بارقُها واستطارا يعارضها في الهويِّ النسيم ... فينثر في الأرض دراً صغارا فطوراً يشقُّ جيوبَ الحياء ... وطوراً يسحُّ دموعاً غزارا 824 - قال أبو علي حسن بن رشيق: تذاكرت أنا وعبد الله بن محمد التميمي ما قيل في دنوِّ السحاب، فعرض لنا قول محمود بن الحسين كشاجم في سحابةٍ وصفها: دَنَتْ من الأرضِ على جلالها ... كأنَّما تسألها عن حالها فقلت: لو أشار إلى العناق لكان أوصف، فأنشدني في الغد من قصيدة: يا ربَّ متأقةٍ تنوء بثقلها ... تسقي البلادَ بوابلٍ غَيْداقِ

_ (1) اليتيمة 1: 338. (2) ديوان ابن المعتز 4: 106 وتشبيهات ابن أبي عون: 162.

مرَّتْ فُوَيْقَ الأرضِ تسحبُ ذيلها ... واللوحُ يحملها على الأعناق ودنتْ فكاد البرقُ ينهضُ دونها ... كنهوضِ مشتاقٍ إلى مشتاق فكأنما جاءَتْ تُقَبِّلُ تُرْبَها ... أو حاولتْ منها لذيذَ عناق 825 - وأبيات كشاجم (1) : مقبلةٌ والخصبُ في إِقبالها ... والرعدُ يحدو الورقَ من جمالها بخطبةٍ أبدعَ في ارتجالها ... كأنها في ثِقَلِ انتقالها تجلُّها الريحُ عن استعجالها ... إلا بما تجذبُ في أذيالها فحين ضاق الجوُّ عن مجالها ... (2) وراحتِ الرياحُ من خلالها جنوبُها تشكو إلى شمالها ... (3) دنتْ إلى الأرضِ على كلالها كأنما تسألها عن حالها ... والزَّهْرُ قد أَصغى إلى مقالها وكاد أن ينهضَ لاستقبالها ... فسمحت بالريّ من زلالها حتى لقال التربُ من تهطالها ... أنْ سجِّلا أني على سِجَالها ثم انثني يُثْني على أفعالها ... 826 - ابن المعتز (4) : ومزنةٍ جاد من أجفانها المطرُ ... فالروض (5) منتظمٌ والقطرُ منتثرُ ترى مواقعه (6) في الأرضِ لائحةً ... (7) مثلَ الدراهمِ تبدو ثم تستتر 827 - أبو علي الضرير: وعارضٍ ما شاءتِ الريحُ فَعَلْ ... جاءتْ به من كلِّ سهلٍ وَجَبَلْ تسوقه سَوْقاً حثيثاً معجلاً ... حثَّ الحُداةِ ليلةَ الورْدِ الإِبل هبَّتْ وما في الأرضِ منه قَزْعَةٌ ... وليس منه أحدٌ على أمل

_ (1) ديوان كشاجم: 416 والوساطة: 41. (2) الديوان: كلالها. (3) الديوان: أذلالها. (4) ديوان ابن المعتز: 318، 4: 95 وأمالي القالي 1: 176 وشرح الأمالي: 442 والأوراق: 262 - 263 وتشبيهات ابن أبي عون: 159 ومن غاب عنه المطرب: 31 ونهاية الأرب 1: 81. (5) ص: فالرعد. (6) ص: مواقعها. (7) ص: تنتثر.

فأنشأته قطعاً ثمَّتَ ما ... زال وما زالتْ به حتى اتصل وطأطأتْ للأرض من أكنافه ... وسدَّدَتْ منه الفروجَ والخلل حتى إذا كان بعيداً فدنا ... وكان في السير خفيفاً فثقل وأسمع الأصمَّ صوتَ رعده ... ووقَّر السمعَ الصحيح أو أَعَلّ وأبصر الأكمهُ ضوءَ برقه ... وخطف الطرفَ الحديدَ أو أكل وضنَّ حتى قيل هذا حاصبٌ ... من السماءِ أو عذابٌ قد نزل ونحن مصنوعٌ لنا مدبَّرٌ ... فيه ولكنّا خلقنا من عجل حُلَّتْ عزاليه بسرَّ من رأى ... فلم يزلْ يُعِلُّها بعدَ النهل إذا تلكا هتفَ الرعدُ به ... ولمعتْ فيه البروقُ فهطل ليلَ التمامِ والنهار كلَّه ... متصلاً من غدوة حتى الأصل فما ونى حتى اتقى الناسُ أَذّى ... إفراطِهِ وقالتِ الأرضُ بَجَلْ 828 - البحتري (1) : ذاتُ ارتجازٍ بحنينِ الرعدِ ... مجرورةُ الذيلِ صدوقُ الوعدِ مسفوحةُ الدمع لغيرِ وجد ... لها نسيمٌ كنسيم الورد ورنّةٌ مثلُ زئيرِ الأُسْدِ ... ولمعُ برقٍ كسيوفِ الهند جاءَتْ بها ريحُ الصَّبا من نجدِ ... فانتثرتْ مثل انتثار العقد فراحتِ الأرضُ بعيشٍ رَغْدِ ... من وشي أنوارِ الربى في برد كأنما غُدْرانها في الوهدِ ... يلعبنَ من حَبَابِها بالنَّرْدِ 829 - أبو العباس الكندي: ساريةٌ في غَسَقِ الظلامِ ... دانيةٌ من فَلَكِ الغمامِ كأنها والبرقُ ذو ابتسام ... كتيبةٌ مُذْهَبَةُ الأعلام دَنَتْ من الأرضِ بلا احتشام ... ثم بكتْ بكاءَ مستهام وانتثرتْ بسابغ الإنعام ... وثروةٍ تَحْكُمُ في الإِعدام 830 - آخر: أَقبل كالذَّوْدِ رغت شواردُهْ ... حتى إذا ما أبحرتْ رواعدُهْ

_ (1) ديوان البحتري: 567 وتشبيهات ابن أبي عون: 160 ونهاية الأرب 1: 78.

وذُهِّبَتْ بِبَرْقَها مطاردُهْ ... عادَتْ بما سرَّ الثرى عوائده وانتثرتْ في روضها فرائده ... شاهدةً بفضله مشاهده منظومةً من شُكْرِهِ قلائده ... 831 - أبو العباس النامي (1) : خليليَّ هل للمُزْنِ دمعةُ عاشقٍ ... أم النار في أحشائها وهي لا تدري أشارتْ إلى أرضِ العراق فأصبحتْ ... وكاللؤلؤ المنثور أَدْمُعُهَا تجري تسربل وشياً من خزوز تطرّزت ... مطارفها طرزاً من البرق كالتبر سحابٌ حكى ثكلى أصيبت بواحدٍ ... فعاجت له ببن الرياضِ على قبر فوشيٌ بلا رقمٍ ونقشٌ بلا يدٍ ... ودمعٌ بلا عينٍ وضحكٌ بلا ثغر 832 - السري الرفّاء: غَرَّاءُ تنشرُ للورى أعلاما ... عمَّ البلادَ صنيعُها إنعاما مرَّتْ بظمآنِ الثرى وبروقها ... تسري وأدمعها تفيضُ سجاما مثلَ المحبِّ ترقرقَتْ عَبَراتُهُ ... والشوقُ يُذْكي في حشاه ضراما فَغَدَتْ عيونُ الزَّهْرِ فيه كأنها ... مُقَلٌ ترى طيبَ المنام حراما أهدى الحيا للورد في عَرَصَاتِهِ ... خجلاً وزاد الياسمينَ غراما وتشقَّقَتْ قُمُصُ الشقيقِ فخلتها ... في الروضِ كاساتٍ مُلئنَ مداما 833 - الباخرزي: يومٌ تدرَّعَ جوُّهُ بغيومه ... فاسودَّتِ الآفاق بعدَ ضيائها وتفجَّرَتْ فيه السحابُ وَحَلَّلَتْ ... فيه العزالي كي تجودَ بمائها وتجاوبَتْ فيه الرعودُ وسللت ... قضبُ البروقِ تلوحُ في أرجائها فالجوّ ليلٌ والغيومُ تمدّه ... واليومُ صبحٌ مات في احشائها 834 - أبو الفوارس سعد بن محمّد حيص بيص (2) : دانٍ يكادُ الوحشُ يكرعُ وسطه ... وتناله كفُّ الوليدِ المرضَعِ

_ (1) اليتيمة 1: 247 وزهر الآداب: 195 للناشئ. (2) الخريدة (قسم العراق) 1: 270 - 271 وديوانه 1: 285.

متتابعٌ جمٌّ كأنَّ رُكامه ... كَبّاتُ قيصرَ أو سرايا تبع زجلُ الرعودِ يكادُ (1) يخدج عنده ... شاءُ الملا ويموتُ سَخْل الموضع فهمى فألقى بالعراء بَعاعَهُ ... سحًّا كمندفعِ الأتيّ المترع فتساوتِ الأقطار من أمواهِهِ ... فالقارَةُ العلياء مثلُ المدفع وغدا سرابُ القاع بحرَ حقيقةٍ ... فكأنّه لتيقّنٍ لم يخدع متعظماً غَصَبَ الوحوشَ مكانها ... تيارُهُ فالضبُّ جارُ الضفدع 835 - دخل الحسين بن مطير الأسدي على والٍ وليَ المدينة، فقيل له: هذا أشعر الناس، وكانت سحابة مكفهرّة ارتفعت وتتابع برقها ورعدها، فأراد أن يمتحن مادتهم له ووصفهم إياه، فقال له: صفها، فقال: بديها (2) : غُرٌّ محجّلة دوالحُ ضُمِّنَتْ ... حَمْلَ اللقاح وكلُّها عذراءُ سُحْمٌ فهنَّ إذا كظمن فواحمٌ ... وإذا ابتسمن فإنّهنّ وضاء مستضحكٌ بلوامعٍ مستعبرٌ ... بمدامع لم تَمْرِها الأقذاء فله بلا حزنٍ ولا بمسرّة ... ضحكٌ يراوح بينه وبكاء كثرت لكثرةِ ودْقِهِ أطباؤهُ ... فإذا تحلَّلَ فاضت الأطباء وكأنّ بارقَهُ حريقٌ تلتقي ... ريحٌ عليه وعرفجٌ وألاء لو كان من لججِ السواحلِ ماؤه ... لم يبق في لجج السواحلِ ماء فعلم الوالي فضيلته وصدَّقَ شهادتهم له. 836 - ابن المعتز (3) : روينا فما نزدادُ ريًّا على ظما ... وأنتَ على ما في القلوبِ شهيدُ شقوفُ بيوتي صِرْنَ أرضاً أدُوسُها ... وحيطانُ بيتي ركّعٌ وسجود 837 - محمّد بن هانئ (4) : ألؤلؤٌ دمعُ هذا الغيثِ أم نُقَطُ ... ما كان أحسَنَهُ لو كان يُلْتَقَطُ

_ (1) ص: يحبس. (2) ديوان المعاني 2: 6 وبعضها في محاضرات الراغب 2: 247 وديوانه 134/28 وقد تقدم تخرج بيتين منها ص: [305 - 306] الفقرة: 814. (3) ديوان ابن المعتز: 313، 4: 80 والأوراق: 258 - 259. (4) ديوان ابن هانئ: 84.

بين السحابِ وبين الريح ملحمةٌ ... قعاقعٌ وظبا في الجوِّ تُخْتَرط كأنّه ساخطُ يرضي على عجلٍ ... فما يدومُ رضىً منه ولا سخط أبدى الربيعُ إلينا روضةً أُنفاً ... كما تفتح عن مكنونه (1) السقط غمائمٌ في نواحي الجوِّ عاليةٌ ... جُعْدٌ تحدَّرَ منها وابلٌ سبط والبرقُ يظهرُ في لألأءِ (2) طَلْعَتِهِ ... قاضٍ من المزن في أحكامِهِ شطط والأرضُ تبسطُ في خدّ الثرى ورقاً ... كما تُنَشَّرُ في حافاته البسط والريح (3) تنفث أنفاساً معطَّرةً ... مثل العبير بماء الورد يختلط 838 - قال الشيخ شرف الدين التيفاشي رحمه الله لم أسمع في سحاب أفرغ ماءه أبدع من قول أعرابي شاعر (4) : كأنه لما وهى سقاؤه ... فانهلَّ من كلِّ غمامٍ ماؤه حمَّ إذا حمّشه قلاؤه ... الحمّ: الشحم، وحمشه: قلاه حتى ذهب دهنه؛ شبه السحابة التي هراقت ماءها بقطعة شحم قليت حتى ذهب دهنها وبقي الشحم بلا دهن، وقد أبدع في هذا التشبيه. 839 - ولابن المعتز (5) : جاءتْ بجفنٍ أكحلٍ وانصرفت ... مرهاءَ من إسبالِ دمعٍ منسكبْ الاستسقاء: 840 - روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استسقى قال: اللهم اسقنا سُقْياً واسعةً وادعةً نافعة، تسقي الأموال والأنفس طيباً هنيئاً مريّاً مريعاً طبقاً مجللاً، يشبع به بادينا وحاضرنا، تنزل لنا به من بركات السماء، وتخرج لنا به بركات الأرض ويجعلنا عندك من الشاكرين، إنك سميع الدعاء. 841 - ومن خطبة أمير المؤمنين علي عليه السلام في الاستسقاء (6) : وإنَّ الله عزّ

_ (1) الديوان: تنفس عن كافوره. (2) الديوان: غرته. (3) الديوان: تبعث. (4) اللسان (حمش) وتشبيهات ابن أبي عون: 164. (5) ديوان ابن المعتز: 16 وتشبيهات ابن أبي عون: 164. (6) نهج البلاغة: 199.

وجلّ يبتلي عباده عند الأعمال السيئة بنقص الثمرات، وحبس البركات، وإغلاق خزائن الخيرات، ليتوب تائب، ويقلع مقلع، ويتذكّر متذكر، ويزدجر مُزْدَجر. وقد جعل الله سبحانه الاستغفار سبباً لدرور الرزق ورحمة للخلق، فقال عزّ وجلّ (استغفروا ربَّكُمْ إنَّهُ كانَ غفّاراً، يُرسِلِ السماءَ عليكمْ مِدْرَاراً) فرحم الله امرءاً استقبل توبته، واستقال خطيئته، وبادر منيَّته. اللهم إنا خرجنا إليك من تحت الأستار والأكنان، وبعد عجيج البهائم والولدان، راغبين في رحمتك، وراجين من فضل نعمتك، وخائفين من عذابك ونقمتك، اللهم فاسقنا غيثك ولا تجعلنا من القانطين، ولا تهلكنا بالسّنين، ولا تؤاخذنا (1) بما فعل السفهاء منّا يا أرحم الراحمين. اللهم إنّا خرجنا إليك نشكو إليك ما لا يخفى عليك، حين ألجأتنا المضايق الوعرة، وأجاءتنا المقاحط المجدبة، وأعيتنا المطالب المتعسرة، وتلاحمت علينا الفتن المستصعبة. اللهم إنا نسألك أن لا تردَّنا خائبين، اللهم انشر علينا غيثك وبركتك، ورزقك ورحمتك، واسقنا سُقيا نافعةً مرويةً معشبة تُخْلِفُ (2) بها ما قد فات، وتحيى بها ما قد مات، تروى بها القيعان، وتسيل البطنان، وتستورقُ الأشجار، وترخص الأسعار، إنك على كل شيء قدير. 842 - ومن دعاء آخر: اللهمَّ اسقنا ذُلُلَ السحاب دون صعابها. وهذا من الكلام العجيب الفصاحة، لأنه شبّه السحاب ذوات الرعود والبوارق والرياح الصواعق بالابل الصعاب التي تقمص برحالها وتتوقص بركابها، وشبه السحاب الخالية من ذلك بالإبل الذلل التي تحتلب طيّعةً وتقتعد سمحةً. 843 - شاعر: مضى الناسُ يستسقون من كلِّ وجهةٍ ... بها كلُّ مسموعِ الدعاءِ مجابِ فوافاهم الغيثُ الذي سمحتْ به ... لهم بعد ذاك المنعِ كلّ سحاب 844 - إسماعيل الحمدويي (3) : وفي ظنهم أَنْ قد أُجيبَ دعاؤهم ... وما علموا أني غسلت ثيابي

_ (1) ص: تهلكنا. (2) النهج: تنبت. (3) هو إسماعيل بن حمدويه الحمدويي، اشتهر بوصف طيلسان ابن حرب، انظر الفوات 1: 173 - 177 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى.

844 - ب - وقال آخر: قد قلت إذ خرجوا لكي يستمطروا ... لا تقنطوا واستمطروا بثيابي لو في حزيرانٍ هممتُ بغسلها ... غطَّى ضياء الشمس جَوْنُ سحاب 845 - شاعر (1) : خرجوا ليستسقوا وقد نشأتْ ... مشمولةٌ شَرِقٌ بها السَّفْحُ حتى إذا وقفوا لدعوتهم ... ودموعهم بخدودهم سَحُّ كُشِفَ الغمامُ إجابةً لهمُ ... فكأنّما خرجوا ليستصحوا 846 - دخل أعرابيٌّ (2) المسجد وبه أبو علقمة النحويّ يدعو دعاء الاستسقاء، قال الأعرابي وألحّ في سؤاله، فقال أبو علقمة: ارفق حتى نفرغ من دعائنا ثم نعطيك أحمر اللون وازناً، ثم ابتدأ فقال: اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمدٍ وعظِّمْهُ وكرِّمْهُ اللهم من أرادنا بسوء فأحطِ السوء برأسه كإحاطة القلائد بترائب الولائد، وأرسِخْهُ على رأسه كرسوخ السجّيل على رؤوس أصحاب الفيل، اللهم اسقنا سقياً مغيثاً مريًّا مريعاً تاماً عاماً مثعجراً مجلجلاً هزجاً مسحنفراً ودقاً سحًّا سفوحاً طبقاً تخصُّ به حاضرنا وبادينا، تنبتُ به زروعنا وتحيى به ضُروعنا، إنك على كل شيء قدير. قال: فوثب الأعرابي مولياً، فقال أبو علقمة: يا أعرابي أين يراد بك؟ قال: إلى جبلٍ يعصمني من الماء، يا خليفة نوحٍ في قومه. 847 - أبو على ابن مقلة الوزير: لا يكن للكاس يومَ ال ... غيثِ في كفِّكَ لبثُ أو ما تعلمُ أنّ ال ... غيثَ ساقٍ مستحثّ 848 - كشاجم (3) : باكر الصبحةَ هذا ... يومُ عُودٍ وَمُدامِ ما ترى بالله ما أَح ... سَنَ آداب الغمامِ بدأ القطرُ بِطَلّ ... ثم ثَنَّى برهَامِ وانجلى مثلَ انجلاءِ ال ... غمدِ عن مَتْنِ الحسام

_ (1) الشعر لابن الطراوة عند ابن خلكان 4، 160 مع اختلاف في الرواية، انظر معاهد التنصيص 2: 52 وألف باء 1: 376 وربيع الأبرار، الورقة: 18 ب. (2) قارن بوصف المطر: 26. (3) ديوان كشاجم: 444.

كافتتاحٍ حَسَنٍ زيَّ ... نَهُ حُسْنُ ختام مُسْتملاً منكَ أفعا ... لَكَ في حُسْنِ النظام فاشربِ الراحَ بأرطا ... لٍ وطاساتٍ وجام إنما الدنيا كوهمٍ ... أو كأحلام منام لا ترومَنَّ بعيداً ... وارضَ بالأمرِ الموامي لا تدع وُسْطَى من الحا ... ل لأحوالٍ جسام كلُّ شيءٍ يُتَوَقَّى ... نَقْصُهُ عندَ التمام 849 - منصور الهروى (1) : يومُ دجنٍ هواؤُه ... فاختيٌّ رداؤه مطرتنا مسرّةً ... حين صابَتْ سماؤُهُ أشبه الماءَ راحُهُ ... وحكى الماء راحه 850 - محمد بن أبي أمية (2) : أما ترى اليوم قد رقَّتْ حواشيه ... وقد دعاك إلى اللذاتِ داعيه فبادرِ اللهوَ واغنمْ طيبَ ساعته ... فإن للدَّجْنِ ديناً يقتضينيه وجاد بالقَطْرِ حتى خلتُ أنَّ له ... إلفاً نآه فما ينفكُّ يَبْكيهِ 851 - ابن وكيع: بكى الغيثُ عند ابتسام الزَّهَرْ ... وهبَّ النسيمُ ورقَّ السَّحَرْ ووافتْكَ أنفاسُ ريح الصَّبا ... مسمكةً من ثمارِ الشجر وأعلنتِ الأرضُ أخبارها ... فلم أر أطيبَ منها خبر فناديتُ هل من فتىً فاتكٍ ... يقومُ فيسطو بجيشِ الفِكَرْ ويطَّرحُ العقلَ في جانبٍ ... فما العيشُ بالعقلِ إلاّ كدر فلبَّى دعائي فتىً عالمٌ ... بأنَّ الزمانَ كثيرُ الغير يبادرُ عَصْرَ الصما أنْ (3) يفوتَ ... وعصرُ الصبا فرصةٌ تبتدر

_ (1) من غاب عنه المطرب: 67 وخاص الخاص: 168. (2) ورد البيت الثالث في محاضرات الراغب (2: 247) منسوباً لعبيد الله بن طاهر. (3) زاد لفظة ((قبل)) قبل ((إن)) فإذا أثبت وجب لفظة ((فرصة)) لاستقامة الوزن.

وقام وقمتُ إلى قهوةٍ ... تميتُ الهمومَ وتحيي البطر إذا الهمُّ حاولَ منها الفرارَ ... فليس له دونها من وَزَرْ يطوفُ بها غُصُنٌ ناضِرٌ ... تمكَّنَ مهتزُّهُ مِنْ قمر 852 - محمود القوهستاني: قمْ فاسقني فالأفق أغلظَ حجبه ... وتقطّبت فيه أسرَّةُ زاجِر وتصادمَتْ صَدَفُ السحاب بنحرِهِ ... فتكسَّرَتْ عن مُودعات جواهر فتباشر الروضُ الأريضُ بلقطها ... فلذاك أقْبلها ثغورَ أزاهر لا شيءَ أحلى من تهكّمِ كاسِنا ... متضاحكاً لبكا السحابِ الماطر 853 - ابن عنين، لغز في الميزاب (1) : وما مُسْبَطِرٌّ ماؤه متدفّقٌ ... من الطهر يأتي غيرَ زورٍ ولا كَذِبْ يمجّ بما منه الخليقةُ كُلُّهُمْ ... ولا روحَ فيه إنَّ هذا من العجبْ 854 - شاعر في فواقع الماء (2) : كأنَّ غديرَ الماءِ بين حبابه ... وفيه شخوصٌ قُمْنَ مثلَ الأناملِ مساميرُ تبرٍ تعتلي برؤوسها ... مراراً وطوراً تعتلي بالأسافلِ 855 - الغنوي فيها أيضاً: كأنما القَطْرُ على مياهها ... إذا بدا يطلعُ من حيثُ انهبط قبابُ درٍّ بينها وصائِفٌ ... في رقصهنَّ يرتمين بالليط الليط: قشرة القصبة، والجمع لِيَطٌ، شبَّه به ما تطاير من نقط المطر إذا وقعت على الماء. 856 - ابن الخياط الدمشقي (3) : ويومٍ أخذنا به فرصةً ... من العيش والعيشُ مستفرَصُ

_ (1) ديوان ابن عنين: 151. (2) هو يوسف بن هارون الرمادي، وبيتاه في تشبيهات ابن الكتاني: 37. (3) ديوان ابن الخياط: 207.

لدى بركةٍ حركت راؤها ... فليست تزيد (1) ولا تَنْقُصُ تغنَّى لنا طرباً ماؤها ... وقامتْ أنابيبها ترقص يريك الجواهرَ تقبيبُهَا ... وهنَّ طوافٍ بها غُوَّصُ 857 - شاعر في الفواقع وهي الحجا: لقد سُرَّ بهذا اليو ... م من منزلنا القاعُ ففيه للحجا رقصٌ ... وللميزابِ إيقاعُ 858 - بهاء الدين زهير الكاتب الصالحي (2) : على حُسْنِ النواعير ... وأصواتٍ الشحارير وقد طاب لنا وَقْتٌ ... صفا من كلِّ تكديرِ فقم يا ألفَ مولاي ... أدِرْهَا غيرَ مأمور نزلنا شاطئَ النيلِ ... على بُسْطِ الأزاهير وقد أضحى له بالمو ... ج وجهٌ ذو أسارير وفي الشطِّ حبابٌ مث ... ل أَنصافِ القوارير 859 - محمد بن عبد المنعم الخيمي (3) : إذا ما رمى بسهام القطار ... على هَدَفِ الماءِ قوسُ الغمامِ رأيتَ الفواقعَ في سَطْحِهِ ... رؤوسَ نصالٍ لتلك السهام 860 - وله: إذا ما الغديرُ رماه الغمامُ ... بأسهمِ قطرٍ عليه وَكَفْ تخالُ الفواقعَ في سطحه ... رؤوس نصالِ سهامِ الهدف

_ (1) الديوان: تقل. (2) ديوان البهازهير 137. (3) هو شهاب الدين ابن الخيمي (- 685) وه ترجمة في الوافي 4: 50 والفوات 3: 413 والمغرب (قسم القاهرة) : 306 والبدر السافر: 129 والشذرات 5، 129 والشذرات 5، 393 وعبر الذهبي 5: 354 والنجوم الزاهرة 7: 339 وابن الفرات 8: 42 وحسن المحاضرة 1: 569.

861 - أبو المعالي ابن إسرائيل (1) : وطفاءُ غادرتِ الغدي ... ر بِصَوْبِها المتدفِّقِ وكأنَّما أبدى الحبا ... ب بمائه المترقرق درراً مجوّفة نثر ... ن على فراشٍ أزرق 862 - الشريف ابن دفتر خوان: كأنَّ قبابَ القطر من فوق مائِهِ ... كراتٌ من البلّور تطفو وتغرقُ كأنَّ نجوماً جُوِّفَتْ كلما بدت ... لنفحِ الصّبا من رقةٍ تتمزّق 863 - أبو الحسن ابن عبد الكريم الأنصاري: تناثر فوق سطحِ الماءِ قَطْرٌ ... له حُسْنٌ يجلُّ عن القياسِ كأنَّ فواقعاً ظَهَرَتْ عليه ... تضاريسُ الزجاجِ بظهرِ كاس 864 - وله: وبركةِ ماءٍ يُرى صَفْوُهَا ... كصفوِ زجاج غدا يلتمحْ وحَبَّبَها نثرُ قطرِ السما ... فحبَّبَها وأثارَ الفرح كأن الفواقعَ من فوقها ... فصوصُ الزجاج بظهرِ القدح 865 - ابن كاتب قيصر: نهرٌ كنصلِ السيف أُحْكِمَ صَقْلُهُ ... صافي المتونِ كمقلةِ الحرباءِ جادَتهُ غاديةٌ فصاغ بقطرها ... حبباً كحبِّ الفضةِ البيضاء فتخالهنَّ لآلئاً قد فارقتْ ... أصدافَها وَطَفَتْ بوجه الماء 866 - وله: ونهرٍ تولَّى القطرُ صَوْغَ حبابه ... فأَطلعه مثلَ الجمان عيانا كذا القطرُ فيما قيل والقولُ واسعٌ ... إذا ما أصابَ البحرَ صار جمانا

_ (1) اسمه محمد بن سوار ولقبه نجم الدين (603 - 677) له ترجمة في الوافي 3: 143 والفوات 3: 383 وابن الفرات 7: 131 والصقاعي: 142 والبدر السافر: 107 والشذرات 5: 359 ولسان الميزان 5: 195 وعبر الذهبي 5: 316 والبداية والنهاية 13: 283 وذيل المرآة 3: 405.

867 - يوسف بن حمدان (1) : ولقد ذكرتكِ والنسيمُ مُعَنْبِرٌ ... والبحرُ منبعثٌ بلا أمواجِ والمزنُ يقطرُ فوقه فكأنه ... درّ تساقَطَ فوق صَرْحِ زجاج 868 - كتب القاضي التنوخي إلى الوزير المهلبي: سحابٌ أتى كالأمن بعد تخوُّفِ ... له في الثرى فعل الشفاءِ بمدنفِ أكبَّ على الآفاق إكبابَ مطرقٍ ... تذكر أو كالنادم المتلهف ببرقٍ لو المقرورُ أصبح يصطلي ... من الأرض في قلب الشتاء به دفي ومدَّ جناحَيْه على الأرض جانحاً ... فراح علبها كالغرابِ المرفرف غدا البحر بحراً زاخراً وانثنى الضحى ... بظلمته في ثوبِ ليلٍ مسجَّف يعبِّسُ عن بَرِقٍ به متبسم ... عبوسَ بخيلٍ في تبسُّم مُعْتف دُجَاهٌ إذا ما لاحتِ الشمسُ مُبْطِلٌ ... سناها كمنٍّ مبطلٍ منَّ مسعف كأنَّ التماعَ البرق في ظلماته ... هدىً في ضلالٍ يبتدي ثم يختفي تحاولُ منه الشمسُ في الجو مخرجاً ... كما حاول المغلوبُ تجريد مرهف إذا وَصَلَتْهُ شمألٌ صدَّ قاطعاً ... صدودَ المعنَّى عن عذولٍ معنِّف فأفرغ ماءً قال واردُ شربه ... أسلسالُ ماء أم سلافةُ قرقف غدا رحمةً للناس غيري فإنه ... عليَّ عذابٌ ماله من تَكَشُّف سحابٌ عداني عن سحابٍ وعارضٌ ... مُنِعْتُ به عن عارضِ متوكّف 869 - أبو تمام: وعلمتُ ما يلقى المزورُ إذا همت ... من ممطرٍ ذفرٍ وطينِ حفافِ فجفوتُكُمْ وعلمتُ في أمثالها ... أنَّ الوَصُولَ هو القَطُوعَ الجافي 870 - آخر (2) : منع الوحلُ أن نؤدي الحقوقا ... ويزورَ الصديقُ منا الصديقا سيّما العاجزُ الضعيفُ إذا قا ... ل له الراكبُ الطريقَ الطريقا

_ (1) اليتيمة 2: 341 - 342 ومعاهد التنصيص 2: 15 ونهاية الأرب 1: 79. (2) ازاءه بهامش ص: منع التزاور بالمطر.

871 - أبو بكر الأرَّجاني (1) : أمولانا (2) الوزير دعاءَ عبدٍ ... بِصَفْحِكَ من عقابك مستجيرِ أَجِرني من زمانٍ قد (3) حباني ... بقربك ثم نافسَ في حضوري إلى يمناكَ أشكو فيضَ سُحْبٍ ... كما تشكو الجنودُ إلى الأمير عداني القطر عن غيث بغيثٍ ... وعوَّقني مطيرٌ عن مطير وأظمأني إليكَ وهل سمعتم ... بغيثٍ ملهبٍ غُللَ الصدور 872 - الصاحب بن عباد (4) : إني ركبتُ ووجه الأرضِ كاتبةٌ ... (5) على ثيابيَ خطاً ليس ينفهم فالأرضُ محبرةٌ والحبرُ من لثق ... والطرسُ ثوبي ويمنى الأشهب القلم 873 - الشريف الموسويّ يعتذر عن الزيارة باللثق: عذراً إذا الغيثُ طما وطنَّبا ... وواصلتْ فيه الرياحُ السُّحُبا حتى اكتسى منها النهارُ غيهبا ... وجلَّل الوحلُ الربى والرحبا إن قام فيه راجلٌ تجوربا ... وإنْ مشى المرءُ به تكبكبا كأنَّ تحت كلِّ رِجْلٍ لولبا ... آراء الفلاسفة في المطر والثلج والبرد والجليد: 874 - قالوا: إن من هذه الأشياء المتولّدة في الجو ما يكون تولّده عن البخار المتصعِّد من الرطوبات التي في الأرض، بسبب حرارة الأشعة الواردة عليها من الأجرام العلوية وانعكاسها عنها إلى الجو، وأكبرها شعاع الشمس؛ ومنها ما يكون عن الدخان، ومنها ما يكون عنهما معاً. أما البخار فإن ما تصاعد منه ومادَّته ضعيفة والحرّ عليه غالب فإنه يستحيل إلى الهواء، وقلَّ ما يتكوّن منه شيء، وما تصاعد منه مستعلياً وله مادة وصادفه برد الليل قبل ترقيه إلى الطبقة الباردة من الهواء تكاثف ونزل

_ (1) ديوان الأرجاني: 165. (2) الديوان: الأجل. (3) الديوان: سخا لي. (4) محاضرات الراغب (2: 249) . (5) الراغب: ينكتم.

طلاٍّ، وهو ما يُحَسُّ به من الأنداء وقت الأسحار. وإن اشتد البرد على الطلّ بعد تكاثفه بحيث يجمده نزل صقيعاً، وهو ما تشاهده على وجه الأرض وقت الغدوات كالصِّفاح اللامعة. وما تصاعد منها إلى الطبقة الباردة تكاثف بالبرد سحاباً منضغطَ الأجزاء، وهو ما تشاهده في الجو كالجبال السائرة، فإن غلب عليه البَرد بحيث جمَّده قبل انعقاده، صار ملحاً متحللاً أبيض لمخالطة الهواء لأجزائه، وقلّ ما يكون في غير الشتاء، وإن انعقد ما نزل هابطاً لثقله من سعة محيط إلى ضيق مركز على خطوطٍ مستقيمة فتجتمع أجزاوه وتتشكل بقطرات المطر فينزل مطراً، وعلى حسب التفاوت في القرب والبعد والاجتماع يكون كثير القطرات، وأكثر ما يكون في الربيع لبعد المسافة التي ينعقد السحاب فيها، وان قوي البرد عليه بعد تشكّله بقطرات المطر جمد ونزل بَرَداً، وربما استولى على قطرات المطر من الجوّ حر أوجب حصر البرودة الشديدة في باطنها، فانعقد منه برد، ومثل هذا إنما يكون في أيام الربيع، ولهذا قد تشاهد البرد في الربيع وباطن حبّاتِه أشدّ جموداً من ظاهرها؛ وربما كانت مادة هذه الأشياء أيضاً الهواء، إلاّ أن تكاثف البخار واستيلاء البرد عليه لتلطفه بالحرّ يكون أسرع وأشدّ، ولهذا كان تكاثف بخار القدر وانعقاده بإضافة البرودة أسرع من بخار الحمام، لتفاوتهما في التلطف بالحرارة، وعلى حسب تفاوت المواضع في صعود الأبخرة منها وشدّة البرد وضعفه في جوّها يكون التفاوت في زيادة هذه الأشياء وقلّتها، حتى أن ما كَثُرَت أبخرته من البقاع كالبحار كان أكثر مطراً، وما قلت أبخرته كان أقلّ، وما كان برد جوه أشدّ، كان ثلجه وبرده وصقيعه أكبر، كقلل الجبال والمواضع المرتفعة. الثلج: 875 - شاعر (1) : أقْبَلَ الثلجُ في غلائلِ نور ... يتهادى كاللؤلؤِ المنثورِ فكأنّ السماءَ زُفَّتْ إلى الأر ... ضِ (2) وكان النثارُ من كافور

_ (1) نسبهما للصاحب في من غاب عنه المطرب: 47 ونهاية الأرب 1: 87. (2) من غاب ونهاية الأرب: صاهرت الأرض.

876 - أبو تمام (1) : من يزعم الصيف لم تذهبْ بشاشته ... فغيرُ ذلك أمسى يزعمُ الجبلُ غدا له مِغفَرٌ في رأسِهِ يَقَقٌ ... لا تهتك البيضُ فَوْدَيْهِ ولا الأَسَلُ 877 - صرّدر (2) : يا طيبَ يومٍ حَجَبَتْ شمسه ... سحائبٌ تُمْطِرُ كافورا لما توارتْ تحتَ أستارها ... مجَّتْ لنا من ريقها نورا 878 - المتنبي (3) : بيني وبين أبي عليٍّ مثله ... شُمُّ الجبال ومثلهنَّ رجاءُ وَعِقابُ لبنانٍ بهيف بقطعها ... وهو الشتاءُ وصيفهنَّ شتاء لبسَ الثلوجَ بها عليَّ مسالكي ... فكأنّها ببياضها سوداء 879 - طلب الموفَّق بالله في بغداد في سنة من السنين، وقد تغيّر فيها الهواء في آذار، ثلجاً فلم يوجد إلاّ عند إنسان واحدٍ ممن كان يبيع الثلج، فاستام فيه جملةً عظيمةً، إلى أن وكس إلى خمسين ديناراً، فأمر بها الموفق له من خريطة الركوب، فلما أُحضرت بين يديه قال: لا يراني الله أشرب شربةً بخمسين ديناراً، ثم أمر أن يتصدق بها، ودعا بطرخونٍ فمضغه وشرب الماء عليه، ولم يشترِ الثلج، فلما علم صاحب الثلج ذلك قال؟ لكنّي أنا لا أبخل على نفسي به، فشربه. 880 - الصنوبري (4) : الجوُّ بين مضمّخ ومضرّج ... والروضُ بين مزخرفٍ ومدبَّجِ والثلجُ يهطلُ كالنثار فقم بنا ... نلتذُّ بابنةِ كرمةٍ لم تمزج

_ (1) ديوان أبي تمام: 378 (ط. بيروت، 1889) . (2) ديوان صردر: 193. (3) ديوان المتنبي: 116. (4) ديوان الصنوبري: 466 عن سرور النفس، وهي في من غاب عنه المطرب: 48 دون نسبة. ونسبت للنهلبي عند الشريشي 3: 194.

ضَحِكَ (1) النهارُ وبان حُسْنُ (2) شقائقٍ ... وزهت غصونُ (3) الوردِ بين بنفسج فكأنَّ يَوْمَكَ من غلائلِ فضّةٍ ... والنورُ من ذهبٍ على فيروزج 881 - كشاجم (4) : الثلجُ يسقطُ أم لجينٌ يُسْبَكُ ... أم ذا حصى الكافورِ ظَلَّ يُفَرَّكُ راحتْ به الأرضُ الفضاءُ كأنها ... من كلِّ ناحيةٍ بثغرِكَ تَضْحَكُ شابت (5) مفارقُها فبيَّنَ شَيْبها ... طرباً وعهدي بالمشيب يُنَسِّك وتزيّتِ الأشجارُ فيه ملاءة ... عما قريبٍ بالرياحِ تُهَتَّكُ والأرضُ من أرج الهواءِ كأنها (6) ... ثوبٌ يعنبر تارةً ويمسَّكُ كانت كعودِ الهندِ طُرِّيَ فانكفا ... بعد النصاعة وهو أسودُ أحلك فاستنطق العودَ الصموتَ (7) فإنما ... تتحرّك الأَطرابُ حين يُحَرَّكُ 882 - قال أبو غسانة الشاعر المجيد: كان بمدينة السلام رجل وقّاد يلقب بغراب، واسمه بيان بن سعيد بن زلزل، وكان مفلسفاً، ثم غُلِبَ على عقله، ومن شعره أن البرد اشتدّ في سنة إحدى ومائتين وسقط ثلجٌ لم يُعْهَدُ بالعراق مثله، وغراب هذا يشرب مع ندمائه، قبل وسواسه، من أهل حرفته، وأقام الثلج يوماً وليلة، فقال بعضهم: قولوا في هذا اليومِ شيئاً، ثم ابتدأ هذا القائل فقال: يا حبَّذا اليومُ اليقَقْ ... والقطنُ يندفُ في الأُفُقْ حثّوا الكؤوسَ فإنَّها ... تنفي عن القلبِ الحُرَقْ انظرْ فقد نثرَ الغما ... ئمُ وردَهُ البيضَ الورق أو لؤلؤاً متتابعاً ... من سلكه لمّا انخرق

_ (1) من غاب والشريشي: طلع. (2) الشريشي: فلاح نور. (3) من غاب والشريشي: وبدت سطور. (4) ديوان كشاجم: 338 وزهر الآداب: 869 ومن غاب عنه المطرب: 47 ونهاية الأرب 1: 86. (5) الديوان: ذوائبها. (6) الديوان: والجو ... كأنه. (7) الديوان: فخذي من الأوتار حظك إنما.

وقال آخر منهم: يومٌ أغرُّ مُحَجَّلٌ ... يبكي على الأرض السما والغيمُ ينثرُ لؤلؤاً ... قد خانه سلكٌ وهى وكأنّما جمع السحا ... ئب ثغر ربات الهوى فرمى بهنَّ مجمشاً ... أحبابهنّ وما ونى أو مثل أهداب لري ... ط تترامى (1) إذ رمى قمْ يا غلامُ فهاتها ... ودعِ المعاتبِ في لظى وقال آخر منهم: يومٌ من الأيام معروفُ ... والبرْسُ برسُ الجوِّ مندوفُ كأنَّ ما نُشِّرَ في أفقه ... ريطُ ملاءٍ وهو مصفوف ينثرُ دراً خانه سِلْكُهُ ... فهو على الأَقطارِ مرصوف فاشربْ وهاتِ الكاس اني امرؤ ... قلبي عليها الدهرَ موقوف في مجلسٍ غيّب عُذَّالُهُ ... فهو بأهل الفضلِ محفوف وقال آخر منهم: يومٌ من الأيام مشهور ... فيه علينا الدرُّ منثورُ قد نَدَفَ المزنُ لآفاقه ... فانحطَّ نور بعده نور أو قُطِعَ السوسنُ في جوِّه ... فهو على الأقطارِ محدور فداركِ الشربَ أقيكَ الردى ... فأنت في شُرْبكَ معذور وقد أتاكَ الثلجُ مستعجلاً ... في كفِّه للحثِّ منشور وقال غراب: احثثْ كؤوسك واسقنا ... فالوردُ في الآفاق يُنْفَضُ جاءت عروسُ الدَّجن تخ ... طرُ في حُليِّ الدرِّ تُعْرض وردُ الربيعِ مورَّدٌ ... والوردُ في كانونَ أبيض قمْ يا غلام فهاتها ... حمراءَ نحو الثغر تركض أو ما ترى نِعَمَ السما ... ء ويومنا يومٌ مفضَّضُ وكأنما نَثَرَ السحا ... ئبُ فيه كافوراً مرضض

_ (1) ص: الريط ترمي.

فقاموا كلهم فسجدوا لغراب فقال: ما علمت أنه يبلغ بكم من الجهل أن تعبدوا أسود طمطمانياً، أقسمت لأهجرنكم، ثم قال: وكيف أُنغص عيشي في يومي هذا بالبعد عنكم، أنا أحنث وأكفّر عن يميني، ثم قال: كفّرْ يمينَكَ يا غرابْ ... ودع التقاضيَ في الشرابْ وارجعْ إلى غُرَرِ الأنا ... م وكلِّ مختارٍ لباب واشربْ على الدرِّ الذي ... يأتيك من نَثِر السحاب درٌّ تجمد في الهوا ... ء وفي مساقِطِهِ يذاب ثلجٌ أتاك مبرداً ... قلبَ المحبِّ عن التصاب فإذا تجمد مطفئاً ... جدَّ الهوى لك في التهاب وارفضْ مقالَ العاذلي ... ن وعدِّ عن جلِّ العتاب واصمم عن القولِ الذي ... لا يُشْتَهَى ودعِ الخطاب واركب هواكَ فإنه ... رغمٌ لعذّالٍ غضابْ قال شرف الدين: فأخذ ابن المعتز أبياته الضادية فأغار عليها، وربما رويت لغير ابن المعتز، فقال (1) : ذهِّبْ كؤوسك يا غلا ... م فانَّ ذا يومٌ مفضَّضْ الجو أحلى بالبيا ... ض وفي حليِّ الدرِّ يعرض أظننتَ ذا ثلجاً وذا ... درٌّ من الأغصانِ ينفض وردُ الربيعِ مورد ... والوردُ في كانونَ أبيض فزاد في أبياته بقوله " ذَهِّبْ كؤوسك " ليذكر الفضة والذهب. 883 - ولبعض المحدثين: ويومٍ واضحِ اللّون ... وضوءُ الشمسِ مستورُ له جيبانِ من ثلج ... فمحلولٌ ومزرور ووجهُ الأرضِ مبيضٌّ ... عليه الثلجُ منثور كأنَ الغيمَ كافورٌ ... وظهر الأرض كافور

_ (1) وردت في ملحق ديوان ابن المعتز 3: 315 ونسبت له في قطب السرور: 635 ووردت للصنوبري في ديوانه: 255 ونثر النظم: 141 ومن غاب عنه المطرب: 46 وزهر الآداب: 870.

884 - قال: ومما يناسب حكاية هذا الوقاد، وإن لم يكن من هذا الباب، ما يحس أن دويدة الوقاد - واسمه داود بن سلم - كان يحبّ غلاماً هاشمياً من ولد إبراهيم الإمام، وكان يلقّب بالعابد، وكان يكلّم " دويدة " سرّاً وينهاه أن يُعْلِمَ بخبره ومحبته له أحداً، فكان كذلك، ثم غلب عليه العشق فأخبر بعض من كان يأنس به، فأعاد ذلك الخبر على الغلام، فهجره ومنعه من قربه، وكان الغلام يبكّهر إلى الجمعة فيصلى ويقرأ إلى أن تصلّى الجمعة، ثم كذلك إلى العصر وينصرف، فسمي العابد لذلك، قال الطوسي: فإني لفي الجامع يوم الجمعة، والغلام إلى جانبي، ودويدة في بعض الصفوف يرى الغلام، والغلام لا يعلم، وهو في صلاته، إذ كتب دويدة رقعة ورمى بها في حِجْرِ الغلام فأخطأته، ووقعت بيني وبينه، وإذا فيها: يا مفرداً في كمالِهِ واحدْ ... وسيداً ليس فوقه سائدْ وأكرمَ الناسِ في الورى والدْ ... له طريفُ العلاءِ والتالد هبني جَحَدْتُ الهوى مع الجاحد ... كم لي على ما جحدتُ من شاهد قلبٌ حزينٌ ومقلتا ساهد ... وَسُقْمُ جسمٍ على الضنى زائد رعيُ نجومٍ ومدنفٌ واجدْ ... ونومُ عينٍ وطرفه شارد يا مكثراً في صلاته جاهدْ ... رغَّبني فيك قلبك الزاهد فاعفُ عن العبد أيها العابد ... فلستُ فيما كرهتَ بالعائد يا نائماً عن بليّتي هاجد ... أسهرني منك طَرْفُكَ الراقد قال: فقال لي الغلام: ما هذه الرقعة؟ فكتمته حياءً منه، فأبى إلا أن يقرأها، فدفعتها إليه فقرأها وخجل، فقال: خطّ دويدة وشعره، وقد بلغ منّا ما يؤذينا وقد شهَّرنا في الناس، قال: فوجدت مساغاً فقلت: لو كلَّمته وأدنيته اشتريت بذلك لسانه، ومنعته من قول الشعر الذي يُحْفَظُ ويسير، قال: أفعلُ ما أشرت به، ثم انصرفا، ولقيتُ دويدة فعرَّفته، فشكر لي ذلك، وعاد الغلام إلى ما كان عليه. 885 - خبر وقاد آخر: كان ببغداد رجل وقاد يعرف بشعر الزنج (1) ، وكنيته أبو الجعد، وكان قد قام مع

_ (1) ترجمة شعر الزنج في الفوات 1: 280.

سهل بن سلامة (1) حين ظهر أمره لثلاثٍ بقين من شعبان سنة إحدى ومائتين، ودعا الناس إلى لقيام معه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان أبو الجعد هذا نقيب نقبائه، وكان ينتف لحيته لا يدعها تظهر، فعوتب في ذلك فقال: يلومني الناس في حَصْدي مزارعَ لم ... تُنْجِبْ ولا أثمرتْ يوماً لجانيها مزارعٌ سَلَبَتْ وجهي بشاشَتَهُ ... لا بارك اللهُ ربُّ الناسِ لي فيها فلستُ أتركها تنمي إذا نبتت ... فالنتفُ يحصدها والنتف ينشيها إذا أمتُّ مناغيها بأنملتي ... تعرَّضَ الكيد لي فيها فيحييها كأنها ويدُ الأيام تذكيها ... أشب رميتَ بنار في نواحيها ولو أردتُ بقاءً كان معترضاً ... من دونه نار لبٍّ بتُّ اذكيها وليس يَرْض به خلقٌ لِسَؤْأتِهِ ... فكيف أرضى لوجهي منه توجيها قال: أخذه من قول بعض المحدثين، وقد عوتب في نتف لحيته، فقال: أيرضى أحد أن يكون مثلها في استه؟ قالوا: لا، قال: فشيء لا يرضاه أحدٌ في استه كيف أرضاه أنا لوجهي؟. 887 - الباخرزي (2) : يومٌ دعانا إلى حثِّ الكؤوسِ به ... ثلجٌ سقيطٌ وغيمٌ غيرُ منجابِ وأفرطَ البردُ حتى الشمسُ ما طلعت ... إلا مزمِّلةً في فرْوِ سِنْجابِ 887 - السري الموصلي (3) : سكنت إلى الرحيل فكيف أثوي ... (4) بأرضٍ لم تكنْ مُلْقَى الرحالِ ألمَّ بِرَبْعِها (5) ثلجٌ فألقى ... مُلِمَّ الشيب في لمم الجبال

_ (1) ثار سهل بن سلامة كما ثار خالد الدربوش لأن فساق الشطار والحربية بغداد والكرخ آذوا الناس أذى شديداً وأظهروا الفسق وقطع الطرق والتعدي على الحرمات (انظر تاريخ الطبري 3: 1008 وما بعدها) . (2) الملتقط من ديوان الباخرزي (مطبوع مع دمية القصر) : 27. (3) ديوان السري: 230. (4) الديوان: رحال. (5) الديوان: حذراً.

تلألأت الربى لمّا علاها ... كأن على الربى أثواب آل كأنَّ ذرى الغصونِ، لبسنَ منه ... حلى الكافور، رباتُ الحجال تجولُ العينِ فيه وهو فيها ... كَشُهْبِ الخيل رُحْنَ بلا جلال وأُسْدٍ من أسودِ الراح تسطو ... شمائلها على أسدِ الرجال وساقٍ كالهلالِ يديرُ شمساً ... على الندمانِ في مثل الهلال يخطّ له بمسكٍ صولجان ... فتذهب نون (1) وجنتِهِ بخال ترى الأقداحَ من بيضٍ خفافٍ ... يصرّفها ومن حُمرٍ ثقال 888 - كشاجم (2) : اشربْ (3) فهذي صبيحةٌ قرّه ... واليومُ يومٌ سماؤهُ ثَرَّه ثلجٌ وشمسٌ وصوبُ غاديةٍ ... (4) فالأرضُ من كلِّ جانبٍ زهره باتتْ وقيعانُها زبرجدةٌ ... وأصبحتْ قد تحوَّلتْ دُرَّه كأنّها والثلوجُ تُضحكها ... تُعارُ ممن أُحبّه ثغره كأنَّ في الجو أيدياً نثرت ... ورداً علينا فأسرعت نثره شابتْ فَسُرَّتْ بذاك وابتهجتْ ... وكان عهدي بالشيبِ يستكره فاشربْ على الثلج من مشعشعةٍ ... كأنها في إنائها جمره قد جُلِيَتْ في البياضِ بلدتنا ... فاجلُ علينا الكؤوسَ في الحمره البَرَدْ: 889 - أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأكل البَرَدَ. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " مثل المؤمنِ إذا صح من مرضه كمثل البردة تقع من السماء في صفائِها ولونها ". 890 - أبو إسحاق إبراهيم بن خفاجة (5) : لله ندمانُ صدقٍ بات مصطلياً ... ناراً من القدح الملآن تستعرُ

_ (1) الديوان: فتلهب فوق. (2) ديوان كشاجم: 211 وزهر الآداب: 870 ونهاية الأرب 1: 84. (3) الديوان: باكر. (4) الديوان: غرة. (5) ديوان ابن خفاجة: 372 والخريدة (قسم المغرب) 2: 155.

والأرضُ فضيّةُ الآفاقِ تحسبها ... شمطاءَ حاسرةَ قد مسَّها كبر وكلُّ نجدٍ ووهدٍ قد أطلَّ به ... (1) روضٌ تحلّى بِنَوْرٍ ماله زهر وللأقاحي ثغورٌ فيه باسمةٌ ... فيها من الثلج ريقُ باردٌ خَصِر كأنّ في الجوِّ أشجاراً منورةً ... هبَّ النسيم عليها فهي تنتثر 891 - الصنوبري (2) : تعالى اللهُ خالقُ كلِّ شيءٍ ... بقدرته (3) وبارئ كلِّ نفسِ لقد أضحى جميعُ الأرضِ تجري ... كواكبه بسعدٍ لا بنحس ألمْ ترَ كيف قد لبستْ رباها ... من الثلج المضاعف أيَّ لبس ثياباً لا تزال تذوب ليناً ... إذا الأيديعَرَضْنَ لها بلمس كأنَّ الغيم مما بُثَّ منه ... على أرجائها ندّافُ بِرس فحاذرْ أنْ يفوتكَ يومُ دَجْنٍ ... فيومُ الدَّجْنِ يعدلُ يومَ عرس وغادِ الشّربَ بكراً لم ينلها ... بنان لا ولا قُرِعَتْ بلمس كأنَّ يد الغلام إذا استقلّت ... إليَّ بكاسها خضبت بورس إذا ما كان وجهك نصبَ عيني ... متى تغشى (4) فما أرجو بشمس؟! 892 - شاعر (5) : جاءتْ تهادَى في برودٍ من حِبَرْ ... تنثرُ دراً كان لو ذاب مَطَرْ يطيرُ في الجوِّ كنوار الزَّهَرْ ... أو شررٍ لو كان للماءِ شرر 793 - المأموني (6) : وبيضاءَ كالبلّور جاد بها الحيا ... فأَهوتْ تهادى بين أجنحةِ القطر تذوبُ كقلبِ الصبِّ لكنّه جوٍ ... بنارِ هواهُ وهيَ مثلجة (7) الصدر

_ (1) الديوان: ثمر. (2) ديوان الصنوبري: 179. (3) ص: يقدره. (4) الديوان: منى نفسي. (5) محاضرات الراغب 4: 560 (2: 249) . (6) اليتيمة 4: 187. (7) اليتيمة: مثلوجة.

894 - السري الموصلي (1) : كأنما سماؤُهُ ثاكلةٌ ... تبكي علىالأرضِ بدمعٍ مُنْعَقِدْ تبعثُهُ ريحُ الصَّبا فيبتدي ... في جوِّهِ روحاً وفي الأرضِ جسد 895 - الباخرزي: ورزينة الحصيات غيَّض رحمها ... زهرَ الربيع فبات يتلو غيضها ترمي بجامدةٍ كأنَّ تشتتي ... يومَ استقلَّ الحيُّ أَجمدَ فيضها بَرَدٌ حكى بَيْضَ الحمام ولم تزلْ ... من خوفه تُلْقي الحمامةُ بيضها العرب تقول: إن البرد إذا سقط اسقطت الحمامة بيضها. 796 - الشريف الموسوي: الثلجُ يسقطُ في أَثنائِهِ بَرَدٌ ... فاقدحْ لنا لهباً وامزجْ لنا لهبا فالجوُّ يمطرنا من سُحْبِهِ درراً ... ونحن نشربُ في أرجائِهِ ذهبا 897 - أبو فراس (2) : والجو ينثر دراً غير منتظم ... والأرضُ بارزةٌ في ثوبِ كافور والنرجسُ الغضُّ يحكي حُسْنُ منظره ... صفراءَ صافيةً في كأس بلور 898 - أبو عامر ابن شهيد (3) : الا مَسَح الله القطارَ حجارةً ... تصوبُ علينا والغمامَ غموما وكانت سماءُ الله لا تمطر الحصى ... لياليَ كنا لا نطيشُ حلوما فلما تحولنا عفاريت (4) جنةٍ ... تحوَّلَ شؤبوبُ الغمام رجوما 899 - قال أبو منصور الثعالبي (5) : أول ما عُرِفَ به فضل السلامي في الأدب أنه لما دخل الموصل حسده شعراؤها، وقصدوه بالأذى، وادعوا عليه السرق

_ (1) لم يردا في ديوانه. (2) ديوانه أبي فراس: 194. (3) الأبيات لابن خفاجة في ديوانه: 75. (4) الديوان: شرة. (5) اليتيمة 2: 397.

والانتحال، وأرادوا امتحانه، فقال لهم أحد الخالديَّين: أنا أكفيكم أمره، ثم اتخذ لهم مجلس شراب احتفل فيه ودعا السلاميَّ وأفاضل الشعراء بالموصل وطعموا وشربوا، فبينا هم كذاك إذ صابت السماء فتوقف جميع من بالمجلس، وانبرى السلاميّ فقال بديهاً: لله درُّ الخالديِّ ال ... ماجد (1) النَّدْبِ الخطيرِ أَهدى لماءِ المزن عن ... د جموده نارَ السعير حتى إذا صدر العتا ... بُ إليه (2) عن حنق الصدور بعثتْ إليه بعذره ... من خاطري أيدي السرور لا تعتبوه فإنه ... أَهدى الخدودَ إلى الثغور فسلَّم جميعهم إليه واعترفوا بفضله. 900 - قال الشيخ شرف الدين المصنف: نزل بمصر برد عظيم في سنةٍ، وأقام يُباع في السّوق أياماً، ولم يُعهد مثله بمصر، وقتل طير الجوّ، فأنشدني أبو بكر ابن محمد بن عثمان الأسلمانيني في ذلك، وكان في شعبان سنة ثلاث وأربعين وستمائة: قلْ للرماة تنحَّوْا عن مقاعدكم ... فقد كفى الله رميَ الطير كلَّ يدِ وأصبح الجوُّ يرميها فيصرعها ... من حالقٍ بمصيباتٍ من البرد وتوفي هذا الشاعر في رمضان من السنة المذكورة. 901 - الأمير أبو الفضل الميكالي في الجليد (3) : ربِّ جنين من حياً نمير ... مهتَّكِ الأستارِ والضميرِ سللته من رحم الغدير ... كأنّه صحائفُ البلور أو أُكَرٌ تجسَّمتْ من نور ... أو قِطَعٌ من خالصِ الكافور لو بقيت سلكاً على الدهور ... لعطَّلَتْ قلائد النحور وأخجلتْ جواهرَ البحور ... وسميت ضرائرَ الثغور يا حُسْنَهُ في زمن الحرور ... إذ قَيْظُهُ مثلُ حشا المهجور

_ (1) اليتيمة: الأوحد. (2) ص: بدت العباب السر، والتصويب عن اليتيمة. (3) اليتيمة 4: 374 وزهر الآداب: 870.

يُهدي إلى الأكبادِ والصدور ... رَوْحاً يحاكي (1) نفثةَ المصدور 902 - الباخرزي ملغزاً في الجليد: لا أُحاجي في زمرةِ الفضلاء ... غيرَ خلٍّ خصصته باخاءِ في شبيهِ البلّور رُدَّ إلى الما ... ء وقد كان قبلُ عَيْنَ الماء ينذُر الحرَّ بالهزيمة برداً ... فهو المنذر بن ماء السماء 903 - ابن الرومي (2) : لبسَ الشتاءُ من الجليدِ جلوداً ... فاشربْ فقد عاد الزمانُ جديدا كم مؤمنٍ قرصته أظفار الشتا ... فغدا لسكِّانِ الجحيم حسودا وترى طيورَ الجوِّ في أرجائه ... تختارُ حتى النارَ والسفودا ولو أرتميتَ بفضل كاسك في الهوى ... رجعتْ إليك من العقيق عقودا يا صاحبَ العودين لا تهملهما ... حَرِّقْ لنا عوداً وَحَرِّكْ عودا 904 - ابن شرف القيرواني (3) : لله ليلتنا (4) وقد جَمَدَ الحيا ... في الأرض فيها والسماءُ تذوبُ والكاسُ كاسيةُ القميصِ كأنها ... قداً ولوناً (5) معصمٌ مخضوب مشروبةٌ للبِّ شاربةٌ وما ... شيء سواها شاربٌ مشروب منِّي إليه ومن يديه إلى فمي ... فالكاسُ تطلعُ بيننا وتغيب 905 - وليَ حباب العجمي الأهواز لمعاوية، وكان طويل اللحية، فمرض فكان يأكل الثلج والجليد، فنهاه الأطباء عن ذلك فقال: أنا أمضغه وأرمي بثقله.

_ (1) زهر الآداب: يجلي. (2) لم ترد في ديوانه. (3) النتف: 91 والفوات 3: 360. (4) النتف: ولقد نعمت بليلة. (5) النتف: لوناً وقدراً.

الباب الخامس

الباب الخامس في القول في الأنواء من الحظر والإباحة في الشرع ومعنى قولهم ناء الكوكب 906 - روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " إنّ الله عزّ وجلّ يقول ما أنعمتُ على عبادي من نعمةٍ إلاّ أصبحتْ طائفةٌ منهم بها كافرين، يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكوكب ". وروي عنه صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " لو أن الله سبحانه وتعالى حبس المطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله، أصبحت طائفة به كافرين، يقولون مطرنا بنوء المِجْدَح ". 907 - قال: هذا كما قال الصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والتسليم، وذلك أن العرب يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أي أنّ المطر كان من أجل أن الكوكب ناء، وبذلك جاءت أشعارهم وكلامهم في الأنواء. وعنه جاء النهي في الحديث. وأما إذا كان قولهم مطرنا بنوء كذا، أي مطرنا في نوئه على شبيه ما يقولون: مطرنا في غُرَّةِ اليوم، ومطرنا في الليالي الأربعينية، لم يكن في ذلك شيء يكره، لأن المعنى حينئذ يكون لتحديد الوقت، كأنه قال: مطرنا حين غابت الثريا وحين طلع السِّماك، أي في ذلك الحين والزمان. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه للعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وهو يستسقي للناس (1) : " يا عمَّ رسول الله كم بقي من نوء الثريا؟ فقال: العلماء يزعمون أنها تعرض في الأفق سبعاً.

_ (1) انظر التاج (ناء) .

وقال ابن عباس رضي الله عنهما لامرأة: خطّأ الله نوءها، يريد خطّأها للغيث؛ وابن عباس في قوله عزّ وجلّ: (وتجعلون رزقكم انكم تكذبون) ، إن تأويله الأنواء، وكان علي نضَّر الله وجهه يقرأ (وتجعلون شكركم) . والحظر والإباحة راجعٌ إلى ما بيّناه من المذهبين في قول من يقول إنّ المطر بطلوع الكوكب أو كان عند طلوعه. 908 - وأما معنى قولهم ناء الكوكب: العرب تقول: ناء الكوكب ينوء نوءاً وتنواءً. ونوؤه عندهم أوّل سقوطٍ يدركه في الأفق بالغداة، قبل امّحاق الكوكب بضوء الصبح؛ واشتقاق هذا اللفظ في اللّغة من السقوط وقيل النوء: النهوض والاستقلال، وإنما سمّي سقوط الكوكب نوءاً لطلوع الرقيب لا لسقوط الساقط. وقيل لو كان كذلك لم يكن على العرب مؤونة في أن يجعلوا النائي هو الطالع، وأن يتركوا الساقط، فيقولوا: مطرنا بنوء البلدة، وإذا كان المطر مع سقوط الذراع، لأنه حينئذ يكون مع طلوع البلدة، وهم لا يقولون هذا ولا يعتدّون بنوء البلدة، وكذلك نوء الثريا، كأنهم يضيفونه إلى رقيته للآفل. ولبس بمدفوع أن النوء في كلام العرب النهوض، ولكنه نهوض الذي كأنه يميله شيء ويجذبه إلى أسفل، ومنه قوله تعالى: (ما إنّ مَفَاتِحَهُ لتنوءُ بالعُصْبَةِ أولي القوَّةِ) وزعم الفراء أنّ النوءَ السقوط والميلان، وأن أبا ثروان أنشده في صفة رام ٍنزع في قوس: حتى إذا ما التأمتْ مفاصِلُهْ ... وناءَ في شقِّ الشمالِ كاهِلُهْ يريد أنه لما نزع مال عليها، وقوله: " التأمت مفاصله " أي لزم بعضها بعضاً لشدّة النزع، فالنوء على هذا التفسير من الأضداد، يكون بمعنى النهوض والسقوط. قال أبو حنيفة: ولو لم يكن النوءُ إلا للنهوض لكان لقولهم ناء النجم - وهم يريدون سقط - مذهب على طريق التفاؤل، كأنهم كانوا كرهوا أن يقولوا سقط، فقالوا ناء بالضدّ. كما قالوا سليم للديغ، ومفازة للفلاة المتلفة. فأما من ذهب إلى أنَّ الكوكب ينوء ثم يسقط، فإذا سقط فقد انقضى نوؤه ودخل نوء الكوكب الذي بعده، فإنَّ تأويل النوء في قول هؤلاء هو التأويل المشهور: إن الكوكب إذا سقط النجم الذي بين يديه أظلَّ هو على السقوط فكان أشبه شيء حالاً بحال الناهض، ولا نهوض به، حتى يسقط، لأن الفلك يجتره إلى الغؤور، فكأنه متحاملٌ تعبٌ قد غلبه.

909 - وأما الأنواء: 1 - الشرطان: نوؤه ثلاث ليال، وهو عندهم نوء محمود مذكور في نظمهم ونثرهم. 2 - البطين: ونوؤه ثلاث ليالٍ، وهو غير محمود ولا مذكور، قال ابن الأعرابي: يقال أنه ما ناء البطين والدبران أو أحدهما فكان له مطر إلا كان ذلك العام جدباً. 3 - الثريا: نوؤها خمس ليالٍ وقيل سبع وهو من الأنواء المحمودة. 4 - الدبران: نوؤه ثلاث ليالٍ وقيل ليلة، وهو غير محمود ولم يسمع لنوئه في شعر العرب ذكر. 5 - الهقعة: نوؤها ستُّ ليالٍ ولا يذكرون نوأها إلاّ بسوء. 6 - ثم الجوزاء: وهي مذكورة النوء مشهورة والهقعة رأسها. 7 - والهنعة: ونوؤها ثلاث ليال، وهو من نوء الجوزاء لا يكاد يفرد. 8 - الذراع المقبوضة: ونوؤها عشر ليالٍ، وقيل ثلاث ونوؤها أول الأسد. وما بين الهقعة والغفر من الأنواء اسدية كلّها، وهي ثمانية أنجم، أولها الذراع وآخرها السماك، وليسله في السماء نظير في كثرة الأنواء، ونوء الذراع محمود عندهم موصوف، وربما نسب إلى الذراع، وربما نسب إلى المرزم، وهو أحد كوكبيها، وربما نسب إلى الشعرى الغميصاء وهو كوكبها الآخر وهو أنور كوكبيها. 9 - والنثرة: ونوؤها سبع ليال وهو من الأنواء المذكورة. 10 - والطرف: ونوؤه ست ليال، ولم يُسْمع بذكره مفرداً في كلامهم في النوء لغلبة الجبهة عليها. 11 - الجهبة: ونوؤها سبع ليال وهو من الأنواء المذكورة المشهورة. 12 - الزبرة: ونوؤها أربع ليال وقل ما تفرد أيضاً عندهم بالذكر لغلبة الجبهة عليها. 13 - الصرفة: ونوؤها ثلاث ليال، ولا يكاد يسمع له في أشعارهم ذكر، وهو داخل في أنواء الأسد. 14 - العواء: ونوؤها ليلة وليس من الأنواء المسعودة المتواصفة.

15 - والسّماك الأعزل: ونوؤه أربع ليال، وهو مذكور مشهور، وكثيراً ما يذكر معه السماك الرامح، وليس ينوء معه، ولكنهما متقاربان في الطلوع. 16 - والغفر: ونوؤه ثلاث ليال وقيل ليلة. 17 - والزبانى: ونوؤها ثلاث ليال، وهي نجوم العقرب، وللعقرب أربعة أنجم: الزبانى أوّلها والشولة آخرها. 18 - والاكليل: ونوؤه أربع ليال. 19 - وقلب العقرب: ونوؤه ليلة، وهو غير محمود. 20 - والشولة: ونوؤها ثلاث ليال وقيل ليلة. 21 - وسعد الذابح: ونوؤه ليلة وقلّ ما يذكر. 22 - وسعد السعود: ونوؤه ليلة وليس بالمذكور. 23 - وسعد الأخبية: ونوؤه ليلة. 24 - الفرغ الأول: ونوؤه ثلاث ليال. 25 - والفرغ الثاني: ونوؤه أربع ليال، وهما من الأنواء المذكورة، يذكران بأسمائهما في جملة نوء الدلو. 26 - والحوت: ونوؤه ليلة وليس بالمذكور، يغلب عليه ما قبله وما بعده فلا يذكر. وللعرب في جميع ما ذكرناه من هذه الأنواء نظمٌ ونثر معروف.

الباب السادس

الباب السادس في الرياح الأربع والنكب والاعصار - وهى الزوبعة - والزلزلة وتغير الهواء بحسب هبوب الرياح على رأي الاطباء والقدماء 910 - روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال (1) : " لا تسبّوا الريح فإنها من نفس الرحمن " قالوا: معناه يتنفس بها الكرب ويذهب الجدب والوباء، ومنه: اللهم نفّس عني، أي روّح. وعنه صلّى الله عليه وسلّم أنه كان يدعو إذا هبّت الريح فيقول: " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " معناه راجع إلى ما ذكرناه، وبين الريح والرياح فرق عند العرب، وسيأتي ذكره. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هاجت ريحٌ أشفق منها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم استقبلها وجثا على ركبتيه وقال: " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً، اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا " وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ الرياح المذكورة في القرآن ثمان: أربعٌ رحمة وأربع عذاباً. فأما التي هي الرحمة فالمبشرات والمرسلات والذاريات والناشرات، وأما التي هي العذاب فالصرصر والعقيم وهما في البر، والقاصف والعاصف وهما في البحر. 911 - وذكر أئمة التفسير رضي الله عنهم أن لفظ الريح والأمطار لم يأت في القرآن العزيز إلاّ في الشرّ كما لم يأت لفظ الرياح إلا في الخير. قال عزّ وجلّ في الرياح: (وهو الذي يُرْسِلُ الرياحَ بشراً بينَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) . (الأعراف:57)

_ (1) انظر ألف باء البلوي 2: 503.

قالوا في تعليل الرياح: إنها لا تأتي إلا للخير لأنها جمع، الجنوب والشمال والصبا لأنها لواقح، والعذاب ريح واحدة وهي الدبور لأنها لا تلقح. وقرئت بشراً بالباء، فمن قرأها نشراً بالنون فمعناه: حياة طلقة كحياتهم بالنشور، ومن قرأها بشراً بالباء ففيه وجهان: أحدهما أنها بشرى بالمطر، والثاني لأنّ الناس يستبشرون بها. وقوله: (بين يدي رحمته) يعني المطر، لأنه رحمة من الله عزّ وجل لخلقه. وأما قوله عزّ وجلّ: (وأرسلنا الرياح لواقح) ففيه قولان: أحدهما لواقح السحاب حتى يمطر، والآخر: لواقح الشجر حتى تثمر. وقال في الريح: (وفي عادٍ إذْ أرْسَلْنَا عليهمُ الريحَ العَقيم) ، وقال: عزّ وجلّ في الأمطار: (وأمطرنا عليهمْ حجارةً من سِجِّيل) ، وقال: (وأمطرنا عليهمْ مطراً فساءَ مَطَرُ المُنْذَرين) ، وجميعُ ما في الكتاب العزيز جاء على هذا الأسلوب، وهو معنى دعائه صلى الله عليه وسلم " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً ". 912 - وقال علماء اللغة: إذا وقعت الريح بين الريحين فهي النكباء، وإذا وقعت بين الصبا والجنوب فهي الجربياء، فإذا هبّت من جهات مختلفة فهي المتناوحة، فإذا جاءت بنفسٍ ضعيف ورَوْحٍ فهي النسيم، فإذا كانت شديدة فهي العاصف، فإذا اشتدَّت حتى تقلع الخيام فهي الهّجوم، فإذا حرَّكت الأشجار إلى أن تقلعها فهي الزعزعان والزعزع، فإذا جاءت بالحصباء فهي الحاصب، فإذا هبّت من الأرض كالعمود نحو السماء فهي الإعصار، فإذا هبّت بالغبرة من فهي الهبوة، فإذا كانت باردة فهي الحَرْجَفْ والصّرْصَروالعَرِيّة. فإذا كان مع بردها ندى فهي البليل، فإذا كانت حارّة فهي الحرور والسّموم، بالفتح فإذا كانت تخرق البيوت فهي الخريق، فإذا كانت لا تلقح شجراً ولا تحملُ مطراً فهي العقيم. 913 - وجمع الريح أرواح، وهو مما يغلط الناس فيه فيجمعونه على أرياح قياساً على قولهم رياح وهو خطأ فاحش، قال ذو الرمة: إذا هبّتِ الأرواحُ من نحو جانب ... به أهل ميّ زاد وجدي هبوبها وقالت ميسون بنتُ بحدل، لما نُقِلَتْ إلى معاوية بالشام،. تحنُّ إلى البادية من أبيات: لبيتٌ نخفقُ الأرواحُ فيه ... أَحبُّ إليَّ من قَصْرٍ مُنيفِ والعلّة في ذاك أن أصل ريح روح، لاشتقاقها من الروح، لأنها تعيش بها.

وإنما أبدلت الواو ياء في ريح ورياح للكسرة التي قبلها، فإذا جمعت على أرواح فقد سكن ما قبل الواو وزالت العلّة التي نوجب قلبها، فلهذا وجب أن تعاد إلى أصلها، كما أعيدت لهذا السبب في التصغير فقيل رويحة. 914 - قال خالد بن صفوان (1) : الرياح أربع: الصبا ومهبّها فيما بين مطلع الشرطين إلى القطب، ومهبّ الشمال فيما بين القطب إلى مسقط الشرطين، وما بين مسقط الشرطين إلى القطب الأسفل مهبّ الدبور، وما بين القطب الأسفل إلى مطلع الشرطين مهبّ الجنوب. 915 - وحكي (2) عن جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب أنه قال: الرياح ستّ، القّبول وهي الصبا، والدّبور والشمال والجنوب والنكباء وريح سادسة يقال لها محوة، وجعل ما بين المغربين مخرج الدبور، وجعل ما بين مشرق الصيف إلى القطب مخرج النكباء، وجعل ما بين القطب إلى مغرب الصيف مخرج الشمال، وجعل ما بين مغرب الشتاء إلى القطب الأسفل مخرج الجنوب، وجعل ما بين القطب الأسفل إلى مشرق الشتاء مخرج مَحْوة، قال أبو حنيفة: والناس على قول خالد. 916 - وأما الأصمعي فإنه قال (3) : معظم الرياح أربع، وحدَّهُنّ بالبيت الحرام فقال: القبول التي تأتي من تلقاء الكعبة، يريد التي تستقبلها، وهي الصَّبا، والدبور التي تأتي من دبر الكعبة، والشمال التي تأتي من قبل الحجر، والجنوبُ من تلقائها، يريد تلقاء الشمال. قال: وكل ريح انحرفت فوقعت بين ريحين من هذه فهي نكباء. والمنجمون على قول الأصمعي يجعلون مهبّ الصبا من وسط المشرقين اللذين هما مشرقا الصيف والشتاء، ومهبّ الدّبور من وسط المغرب، ومهبّ الشمال من نفس القطب الأعلى، ومهبّ الجنوب من نفس القطب الأسفل، وما هب بين هذه الحدود فهو عادل عن مهبّ الأربع ناكب عنها، فالقبول هي الشرقية لأنها تجيء من مطلع الشرق، والدبور تناوحها وهي الغربية، وهكذا هاتان الريحان في جميع الأرض: مهبّ الصّبا بكل بلد من قبل شرقه، ومهبّ الدبور من قبل مغربه، وكذاك الريحان الأخريان مهبُّهُما بكلّ بلدٍ من جهة القطبين.

_ (1) انظر ابن الاجدابي: 127 وألف باء 2: 503 والأزمنة والمكنة 2: 75. (2) الأزمنة والأمكنة: 2: 75 - 76 والأنواء: 158. (3) ابن الأجدابي: 128 والمخصص 9: 84 والأزمنة والأمكنة: 74.

917 - وقال أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي (1) : الرياح المعروفة أربع: الصّبا وهي تسلّي عن المكروب، والجنوب وهي تجمع السحاب، والشمأل وهي تعصره وتفرقه، فهي الرياح كلُّ واحدة منها فيها خير، والدبور تهدم البنيان وتقلع الشجر وهي المذكورة قي القرآن فقال: الريح العقيم، وريح عاصف، وريح صرصر. وكل موضع جرى فيه ذكر الرياح في القرآن فإنه يرجع إلى الثلاث التي تقدّم ذكرها، فيراد بها الرحمة، وإذا جرى ذكر الريح فالمراد به الدبور، والمراد بها العقوبة، وعنه صلّى الله عليه وسلّم قال (2) : " نُصِرْتُ بالصَّبا وأهلكتْ عاد بالدَّبور ". وقد نظم ذاك أبو شجاع السهروردي فقال: " قال لنا يحيى الخطيبُ المصقعُ ... وهو نقابٌ لوذعيٌّ مقنعُ إن الرياحَ الذارياتِ أربعُ ... منها النعامى والصبا والزعزع ثم الدبور مرُّها لا ينفع ... قد أهلكتْ عاد بها وتبّع والريحُ في الوحي إليها يرجع ... وفي الثلاثِ الخيرُ حين تُجْمع 918 - مهدي بن الملوح (3) : إذا الريحُ من نحو الحبيب تنسَّمَتْ ... وجدتُ لرياها على كبدي بَرْداً على كبدٍ قد كاد بها الهوى ... صدوعاً وبعضُ الناسِ يحسبني جلدا 919 - هدبة بن خشرم (4) : ألا ليتَ الرياحَ مسخراتٌ ... لحاجتنا تراوحُ أو تؤوب فتبلغنا الشمالُ إذا اتتنا ... وتبلغ أهلنا عنَّا الجنوب 920 - كلاب بن عقبة (5) : بنفسي وأهلي من تجنَّبتُ دارَه ... ومن لا أرى لي من زيارته بُدَّا ومَنْ لا تهبُّ الريحُ من نحوِ أرضه ... فتبلغني إلا وجدتُ لها بردا

_ (1) ورد أيضاً عند الغزولي 1: 49. (2) مصنف عبد الرزاق 11: 89. (3) الزهرة: 222. (4) الزهرة: 223. (5) الزهرة: 225 وحماسة ابن الشجري: 167.

921 - شاعر (1) : ما هبَّتِ الريحُ من تلقاءِ أرضكمُ ... إلا وجدتُ لها برداً على كبدي ولا تنسمتُ أخرى أستفيقُ بها ... إلا وجدتُ خيالاً منكِ بالرصد 922 - ابن الرومي (2) : ونسيمٍ كأنّ مسراهُ في الأروا ... ح مَسْرَى الأَروحِ في الأجسادِ 923 - قال ابن حمدون: كان الفتح بن خاقان يأنس بي ويطلعني على الخاصّ من أمره، فقال لي مرة: أعلمتَ أني انصرفتُ من مجلس أمير المؤمنين البارحة فلما دخلتُ منزلي اسقبلتني فلانة جاريتي، فلم أتمالك أن قبّلتُها، فوجدتُ من شفتيها هواءً لو رقد المخمور فيه لصحا، فكان هذا مما يُسْتَحْسَنُ من كلام الفتح بن خاقان، فسمع به أبو الفرج الوأواء الدمشقي فقال (3) : رعى الله ليلاً طاب إذ زار طيفه ... فأفنيته حتى الصّباحِ عناقا بطيبِ نسيمٍ منه يستجلبُ الكرى ... فلو رقد المخمورُ فيه أفاقا 924 - الشريف الموسوي لغزاً في الريح: وما شيءٌ ولا شيء تراه ... بلا جسدٍ بذي جسم لطيفِ يسيرُ فليس تدكه المهارى ... ولا هو بالسُّكَيْتِ ولا القطوف ولا نَصَبٌ عليه إذا تمادى ... ولا يخشى من السيرِ العنيف 925 - وله: إذا خلا الجوُّ من هواءٍ ... فعيشُهُمْ نقمةٌ وبوسُ فهو حياةٌ لكلِّ حيٍّ ... كأن أنفاسَهُ نفوس 926 - مذاهب العرب في استطابة الريح مختلفة لأسباب: أحدها المساكن، فإن منها ما تطيب فيه الرياح الباردة كالأغوار والوهود، ومنها ما تطيب فيه الرياح

_ (1) الزهرة: 225. (2) ديوان ابن الرومي: 684. (3) اليتيمة 1: 236 ومن غاب عنه المطرب: 23 وخاص الخاص: 39 وشرح الشريشي 1: 44 (تحقيق أبو الفضل إبراهيم) ومطالع البدور 1: 57 وديوان الوأواء: 164.

الدفيئة كالجبال والنجود، والسبب الآخر علاقتهم وهوى نفوسهم، فإن من كان له منهم محبوب نأى عنه أستطاب النسيم الهاب بينه وبينه كائناً ما كان من الأهوية فإن كان صادراً عنه حمله التحية والسلام، وإن كان وارداً عليه استشفى به من الآلام، كقول ذي الرمة (1) : إذا هبَّتِ الأَرواحُ من نحو جانب ... به أهلُ ميّ هاج شوقي هبوبها هوىً تذرفُ العينانِ منه وإنما ... هوى كلِّ نفسٍ أين حلَّ حبيبها والسبب الثالث: استطابة الهواء من حيث خصوصيته في نفسه، كما يستطيبون الصبا لأنها شتوية كثيرة الأمطار مباركة طيّبة ليّنة البرد قليلة العجاج، ويستطيبون الجنوب لأنها تجيء بالسحاب والمطر وفيه الحياة والخصب وهي دفئة ليّنة الدفء، وهي أدوم الرياح هبوباً، وتكون في الصيف والشتاء معاً. 927 - فأما القبول فقد زعم بعضهم أنها كلُّ ريحٍ طيبة ليّنة لا أذى فيها كائنة ما كانت من الرياح، لا أنه اسم لريح بعينها مخصوصة،. وإنما سمّيت قبولاً لأنها طيبة تقبلها النفس وتلتذّ بها؛ قال: وليس ذلك بصحيح، بل القبول اسم يخصُّ الريح الشرقية، وهي الصّبا، سميت قبولاً لأنها تأتي من قبل الكعبة، كما سميت الدّبور دبوراً لأنها تأتي من دبرها. 928 - فأما الدبور والرياح النُّكْبُ كلّها فإنهم لا يستطيبون شيئاً منها، ولا تجيء في أشعارهم إلا في معرض الذم لا المدح، وسبب ذلك أنّ الدبور من رياح القيظ، لا تكون إلاّ فيه، وهي مع ذلك مهياف. 929 - والنكب (2) أربع فنكباء الصبا والجنوب مهيافٌ ملواحٌ ميباسٌ للبقل، وهي تجيء بين الريحين، ونكباء الشمال معجاج مصراد لا مطر فيها ولا خير، ونكباء الشمال والدبور ريح قرة وربما كان فيها مطر قليل، ونكباء الدبور والجنوب ريح حارة وهي الهيف، وقد تتفرّع فتكون أكثر من أربع. وإذا ذكرت العرب في أشعارها الريح الشآمية فإنما يريدون بها الشمأل، لأنها تأتي من ناحية الشام، وإذا ذكروا الريح اليمانية فإنما يريدون بها الجنوب، لأنها تأتي من ناحية اليمن، والصبا شرقية لأنها تأتي من مطلع الشمس في الصيف.

_ (1) ديوانه: 694 - 695. (2) انظر اللسان (نكب) .

الصبا: 930 - قال صلّى الله عليه وسلّم (1) : " نصرت بالصّبا وأهلكتْ عادٌ بالدبور ". 931 - تزوج رجل من تهامة امرأةً من أهل نجد، فقالت له يوماً: ما فعلت ريحٌ كانت تأتينا ونحن بنجدٍ يقال لها الصَّبا لا أحسبها عندكم، فقال لها: حجزها عنك هذان الجبلان، فقالت (2) : أيا جبليْ نَعْمانَ بالله خليا ... نسيمَ الصبا يخلصْ إليَّ نسيمها أجدْ بَرْدَهَا أو تشفِ مني حرارةً ... على كبدٍ لم يبقَ إلا صميمها فإنّ الصبا ريحٌ إذا ما تنفَّسَتْ ... على نَفْسِ مهموم تجلَّتْ همومها قال: ورأيت هذا الشعر منسوباً للمجنون. 932 - وللمجنون أيضاً (3) : ألا حبّذا يومٌ تهبُّ به الصبا ... لنا وعشياتٌ تدانتْ غيومها بنعمانَ إذ أهلي بنعمانَ جيرةٌ ... لليلى وإذ ترضى بدارٍ نقيمها ألا إنَّ أدوائي بليلى قديمةٌ ... وأقتلُ أدواءِ الرجالِ قديمها وإني لمجلوبٌ ليَ الشوقُ كلّما ... بدا ليَ من أعلام ليلى رسومها وقد لامني من غيرِ جُرْمٍ أتيته ... أقاربُ ليلى واستخف حلومها يقولون لي دعها فليلى مشومةٌ ... بنفسي وأهاب يُمْنُ ليلى وشومها 933 - شاعر: أيا جبلي طيٍّ متى أنا نتظرٌ ... بعينيَّ يوماً نظرة لا أراكما لقد حُلْتُما دونَ الهوى لا سُقيتما ... ودونَ الصَّبا لا بلَّ قطرٌ ثراكما 934 - آخر (4) : وإني لَتُحْيِيني الصَّبا وتميتني ... إذا هبَّ من بعدِ الشمال جنوبُ وأرتاحُ للبرقِ اليماني كأنني ... له حينَ يجري في السماء نسيب

_ (1) مصنف عبد الرزاق 11: 89 والفقرة: 917. (2) الزهرة: 221 ومحاضرات الراغب 4: 550 والغزولي 1: 51 ونهاية الأرب 1: 102 وديوان المجنون: 251، (وفيه مزيد من التخريج) . (3) البيتان الأولان في الزهرة: 225 والديوان: 252. (4) الزهرة: 223.

935 - مهيار (1) : يا نسيمَ الريحِ من كاظمةٍ ... شدَّ ما هجتَ الأَسى والبُرَحَا الصَّبا إن كان لا بُدَّ الصَّبا ... إنها كانتْ لقلبي أروحا 936 - إبراهيم الصولي (2) : تمرُّ الصَّبا صفحاً بساكن ذي الغضا ... ويصدعُ قلبي إذ يهبُّ هبوبها قريبةُ عهدٍ بالحبيب وإنما ... هوى كلِّ نفس أين حلَّ حبيبها 937 - معدّ (3) بن حسن بن جبارة: ما ترى الشرقَ كيف يُهدي نسيماً ... كلّما مسَّ يابسَ الصخرِ لانا لم تدعه مجامرُ البرقِ حتى ... طبَّقتهُ من العبيرِ دخانا 938 - كان (4) لبيد بن ربيعة قد آلى في الجاهلية أنْ لا تهبَّ صباً إلا أطعم. وكانت له جفنتان يغدو بهما ويروح على مجالس قومه، فهبّتِ الصّبا يوماً والوليد بن عقبة على الكوفة، فصعد الوليد فخطب ثم قال: إن أخاكم لبيداً نذر في الجاهلية أن لا تهبَّ صبا إلا أطعم، وهذا يومٌ من أيامه، فأعينوه وأنا أوّل كل من يفعل، وأرسل إليه مائة بكرة، وكتب إليه: أَرى الجزّار يشحذُ شفرتيه ... إذا هبَّتْ رياحُ أبي عقيلِ أشمُّ الأنفِ أَصْيَدُ عامريٌّ ... طويلُ الباعِ كالسيفِ الصقيل وَفَى ابنُ الجعفريِّ بحلفتيه ... على العلاتِ والماءِ القليل بنحرِ الكُومِ إذ سحبت عليه ... ذيولُ صباً تجاوبُ بالأصيل فلما وصلت البكرات والأبيات إلى لبيد قال لابنته: أجيبي عنّي، فلعمري لقد كنت لا أعيها بجواب شاعر، فقالت:

_ (1) ديوان مهبار 1: 202. (2) ديوانه: 139 وديوان المعاني 1: 274 وحماسة ابن الشجري: 169 وهما للمجنون في الأغاني 2: 85 (ط. دار الكتب) والحماسة البصرية 2: 169 ولبعض الأعراب في أمالي القالي 3: 92 وشرح الأمالي: 44 والزهرة: 222. (3) ص: معن؛ ومعد بن حسن بن جبارة أحد شعراء الأنموذج؛ نشأ بالبادية من ساحل البحر بنواحي المهدية واستوطن صقلية زمناً ثم عاد إلى وطنه (المسالك 11: 299) وبيتاه في المسالك: 301. (4) الأغاني 15: 298 والغزولي 1: 52.

إذا هبَّتْ رياحُ أبي عقيل ... دعونا عند هبَّتها الوليدا أشمَّ الأنفِ أبيضَ عبشمياً ... أعان على مروءته لبيدا بأمثالِ الهضاب كأنّ ركباً ... عليها من بني حام قعودا أبا وهبٍ جزاك الله خيراً ... نحرناها وأطعمنا الثريدا فَعُدْ إن الكريم له معاد ... ووظني بابنِ أروى أن يعودا فقال: لقد أحسنت يا بنية لولا أنك استزدتيه، فقالت: إنه ملك ولو كان سوقةً ما استزدته، فقال: أنت يا بنيّة في هذا أشعر. الجنوب 939 - روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: " الجنوبُ من ريح الجنة ". وعنه صلّى الله عليه وسلّم " ما جَرَتْ جنوبٌ إلا أرسل الله عزّ وجلّ بها عيشاً " وفي حديث: " ولا هبَّت جنوباً إلا سال منها وادٍ ". 940 - أبو القمقام الأسدي (1) : لعمرك ما ميعادُ عينيك ولبكا ... بداراءَ إلاّ أن تهبَّ جنوبُ أَعاشرُ في داراءَ من لا أُحبّه ... وبالرمل مهجورٌ إليَّ حبيب إذا هبَّ عُلويٌّ الرياحِ وجدتني ... كأنّي لعلويِّ الرياحِ نسيب 941 - أبو العارم: إذا هبَّتِ الأرواح من نحو أرضها ... أضرَّتْ بنفسٍ قد أُطيلَ سقامها على أنَّ نَفْحَاتِ الجنوبِ إذا جَرَتْ ... يقرُّ بعيني بَرْدُهَا وانتسامها 942 - آخر (2) : وإن الكثيبَ الفردَ من جانب الحمى ... إليَّ وإن لم آته لحبيبُ

_ (1) هي للمجنون في ديوانه: 62 والأول والثاني في الزهرة: 221 لصخر الحرماني، وفي الأمالي 2: 40 واللآلي: 676لبعض بني عبس، وورد الثالث مع آخر قبله للأقرع بن معاذ العامري في الحماسة البصرية 2: 96 ودون نسبة في حماسة ابن الشجري: 167. (2) للمجنون في ديوانه: 50، 53 ما عدا الثاني، والأول في ديوان ابن الدمينة: 110 ونسب في اللآلي: 485 لمالك بن الصمصامة.

فيا حبَّذا ريحُ الصَّبا حين أعصفتْ ... بقضبانه تحتَ الظلام جنوب ولا خيرَ في الدنيا إذا أنت لم تَزُرْ ... حبيباً ولم يطربْ إليكَ حبيب 943 - الأقرع بن معاذ القشيري (1) : يقرُّ بعيني أن أَرى ضوءَ برقةٍ ... يمانية أو أن تهبَّ جنوب وقد شعفتني أمُّ بكر وبغَّضَتْ ... إليَّ نساءً ما لهنَّ ذنوب وقد كنتُ قبل اليوم أحسبُ أنني ... ذلولٌ بأيام الفراقِ ركوب فما برحتْ نفسي تَساقَطُ أنفساً ... وتجمد روحي مرّةً وتذوب يقولون لو عزَّيْتَ قلبك لارعوى ... فقلتُ وهلْ للعاشقينَ قوب 944 - جميل بن معمر (2) : فبالمسكِ تأتيك الجنوبُ إذا جرت ... أم الخمر (3) أم ريَّا بثينةَ تنفحُ منعّمة لو يدرجُ الذرُّ بينها ... وبين حواشي دِرْعِها (4) ظلَّ يجرح 945 - مالك بن الصّمصامة (5) : فيا نَخَلاتِ الحيِّ حيِّ ابنِ يكرمٍ ... سقيتنَّ ما دامتْ لكنَّ جنوبُ فيا خيرَ أسماءِ الرياحِ تركتني ... كذي الداء ما يُدْعَى إليه طبيب 946 - حميد بن ثور الهلالي (6) : فلا يُبْعِدِ اللهُ الشبابَ وقولَنا ... إذا ما صبونا صبوةً سنتوبُ لياليَ أبصارُ الغواني وسمعها ... إليَّ وإذ ريحي لهنَّ جنوب 947 - رفيع الوابلي: وقد أُعْطِيَتْ فوقَ الغواني محبةً ... جنوبُ كما خيرُ الرياحِ جنوبُها إذا هيَ هبَّتْ زادتِ الأرضَ بهجةً ... وبالسَّعْدِ والبشرى يكونُ هبوبها وإن صعبت كانت شفاءً لذي الهوى ... يمانيةً يستنشرُ الميْتَ طيبها

_ (1) هي له في أمالي القالي 2: 40 وانظر ديوان المجنون: 63. (2) ديوان جميل: 45. (3) الديوان: لك الخير. (4) الديوان: ثوبها. (5) ترجمة مالك في الأغاني 22: 83 وشرح الأمالي: 485 والبيتان لم يردا فيهما. (6) الزهرة: 272 وديوان حميد: 52 والبلدان (داراء) وفي الديوان تخريجات أخرى.

948 - ابن الدمينة (1) : هوى صاحبي ريحُ الشّمالِ إذا جَرَتْ ... وأهوى لقلبي أن تهبَّ جنوبُ 949 - كان (2) للبحتريّ غلام يقال له نسيم، وكان بديع الجمال، وحفَّظه البحتري فنون العلوم وروَّاه الشعر، فصار واحد دهره، وكان البحتري إذا أعسر باعه، وإذا أيسر شكا حبّه ووجده به بالشعر إلى أن يُرَدَّ عليه، وكان هذا دأبه، فباعه على الحسن بن وهب. ولم يزل يمدحه ويذكر وجده وتأسّفه عليه إلى أن طال ذلك عليه، فكتب إليه: أنسيمُ هل للدهر عهدٌ صادقُ ... فيما يؤمّله المحبُّ الوامقُ ما لي فقدتك في المنامِ ولم تزلْ ... عونَ المشوق إذا جفاهُ الشائق أَمُنِعتَ أنت من الزيارةِ رقبة ... منهم فلمْ مُنِعَ الخيالُ الطارق اليومَ جاز بي الهوى مقدارَهُ ... في أهله وعلمتُ أنّيَ عاشق فليهنئ الحسن بن وهبٍ أنّه ... يلقى أحبَّته ونحن نفارق فقال الحسن بن وهب: أريحوني من البحتري، ورده عليه؛ فأخذه وأقام عنده مدة،. ثم أباعه على إبراهيم بن المدبّر، فحظىَ عنده وتمكَّن من قلبه، وجعل البحتريّ يقف له في الطرق ويرفع إليه الرقاع، ويستعطفه بالشعر، وبلغ ذلك إبراهيم فأمره أن لا يركب معه، وأن يلزم داره، وتقدّم بأن تُزاح كلّ علّة له، ولا توصل إليه رقعة من البحتري، ولا يدخل إليه، فأضرَّ ذلك بالبحتريّ، ولم يجد حيلةً لإيصال رقعة إليه إلاّ من جهة سقّاء كان يدخل دار الوزير، فأعطاه دراهم كثيرة، وسأله إيصال رقعته إلى نسيم، فأخذ الدراهم والرقعة، ودفعها إلى نسيم وفيها (3) : قل للجنوبِ أذا جريتِ فبلّغي ... كبدي نسيماً من جَنابِ نسيمِ أَخُدِعْتُ عنكَ وأنت بدرٌ كاشف ... لليل من غَسَقٍ به يحموم وأقمتَ في قلبي وشخصُكَ بائنٌ ... لا تبعدنْ من ظاعنٍ ومقيم

_ (1) لم يرد في ديوانه، والبيت في الأغاني 3: 171، 210 لبشار بن برد وفي ديوان المجنون: 58 وورد في الزهرة: 222 وشرح المختار: 84 ونهاية الأرب 2: 158 دون نسبة. (2) أخبار البحتري: 124 والديوان: 1513 وابن خلكان 6: 26 والأبيات في الزهرة: 265. (3) الديوان: 1994 والزهرة: 183.

كَرُمَ الزمانُ ولمتُ فيك ولن ترى ... عجباً سوى كرمِ الزمان ولومي وظلمتُ نفسي جاهداً في ظلمها ... فاسمعْ ندامةَ ظالمٍ مظلوم لا كان صبري أين كان وأنت لي ... ملكٌ وعهدي منك غيرُ ذميم الآن أطمعُ في الوصال ودونه ... عينُ الرقيب وبابُ إبراهيمِ فقرأ الرقعة ورقّ للبحتري، وبكى بكاء شديداً، ودخل عليه إبراهيم الوزير فرآه كذلك فقال له: ضع يدك على رأسي وأصدقني، فدفع إليه الرقعة، فاستحسنها وقال: أتحبُّ أن ترجع إليه فقال: كيف لا أُحبُّ الرجوع إليه، وهو ربّاني وأدّبني وبتأديبه وصلتُ إلى خدمتك؟! فقال إليه إبراهيم: لله درّك، ثم أتى البحتري فقال له: قد فتحنا لك الباب، وصرفنا الرقيب، ونسيمٌ موهوبٌ لك، وجميع ما يحتوى عليه ملكه من مالٍ وبزٍ وكراع، ولكن على شرط، إنه وحقّ رأس أمير المؤمنين إن بلغني أنك بعته بعد هذا لأسترجعنّ منك جميع ما صار إليك ولآمرنّ بقتلك، قال: لك ذلك، فأخذ الغلام وجميع ما كان له، وحلف لا يبيعه أبداً، وكتب إلى الوزير يشكره: يكلُّ لساني عن مديحك بالشعر ... وأعجزُ أن أجزي صنيعكَ بالشكرِ فإن رمتُ شعراً كنت فيه مقصراً ... وإن رمتُ شكراً حرتُ فيه ولا ادري على أن ما تولي وتبلي وتبتلي ... بقدرك والتقصيرُ فيه على قدري الشمال: 950 - روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: لا تسبُّوا الشمالَ فإنّها تقتلُ الأفعى وتخرج أنف الربيع، ويجيء بعدها النتاج والثمار وتغيّر خبث نفس الإنسان. 951 - سُحَيم العبد (1) : وهبَّتْ شمالٌ آخرَ الليل قَرّةٌ ... ولا ثوبَ إلا درعها وردائيا فما زال بردي طيباً من ثيابها ... إلى الحولِ حتى أَنهجَ البردُ باليا

_ (1) ديوان سحيم: 20 والغزولي 1: 50.

952 - آخر: وهبَّتْ لنا ريحُ الشمالِ غُدَيَّةً ... وعهدي بنفسي معجبٌ لي هبوبها فأهدتْ لنا من نحوها صوتَ أنةٍ ... على النأي ما يَفْنَى على النأي طيبها 953 - الحسن بن الزبير: خليليَّ هل ريحُ الشمالِ شمولُ ... صفت أم نسيمٌ كالنسيمِ عليلُ كأنّي وما سُقِّيتُ خمراً إذا سَرَتْ ... بِنَعْمانَ غصنٌ يستوي ويميل 954 - أبو فراس بن حمدان (1) : هبَّتْ لنا ريحٌ شآميّة ... متَّت إلى القلبِ بأسبابِ أدت رسالاتٍ لنا في الهوى ... عرفتها (2) من بينِ أصحابي يحكى عن الصاحب بن عباد، رحمه الله تعالى، أنه كان إذا سمع هذين البيتين ترنَّحَ لهما. 955 - أحمد بن فرج من شعراء المغرب (3) : وربَّتَ ريحٍ امتزجتْ بنفسي ... مزاجَ الراحِ بالماءِ الزلالِ وجدتُ بها وبي للشوقِ ما بي ... كما وجدَ المهجِّرُ بالظلال وبات ثرى العقيقِ ينمُّ عنها ... إليَّ بمثلِ أنفاسِ الغوالي فقلْ في نشوةٍ من نفحِ ريح ... شفيتُ بها الشَّمولَ من الشمال سَرَتْ في نارِ أَشواقي سراها ... إلى جَدَثِ الثرى تحيي العوالي 956 - إبراهيم بن خفاجة الأندلسي (4) : قعيدَكِ أنَّى زرتِ ضوؤك شارقٌ ... وطيبك نمامٌ (5) وَحَلْيُكِ هادلُ هبيك اغتررتِ الحيَّ واشيكِ هاجعٌ ... وفرعُكِ غربيبٌ وليلك لائل

_ (1) ديوان أبي فراس: 52 والغزولي 1: 50. (2) الديوان: أدت رسالات حبيب لنا، فهمتها. (3) تشبيهات الكتاني: 29 - 30. (4) الأبيات لابن زيدون في ديوانه: 390. (5) الديوان: نفاح.

فأنَّى اقتحمتِ (1) الهولَ: خَصْرُكِ مُدْمَجٌ ... وردفُكِ رجراجٌ (2) وَعِطْفُكِ مائل خليليَّ ما لي كلما رمتُ سلوةً ... تعرَّضَ شوقٌ دونَ ذلك حائل أراحُ إذا راح النسيمُ شآمياً ... كأنَّ شمولاً ما تُديرُ الشمائلُ 957 - القاسم بن مروان من أفريقية (3) : وهبَّ (4) أريجُكُمْ من أرضِ نجدٍ ... نسيماً شِيبَ بالمسكِ الفتيقِ فأحيا مهجتي وشفى غليلي ... وأطفأَ ما بقلبي من حريق إذا ذَكَرَ الأحبّةَ بات شوقاً ... فؤادي كالجناحِ من الخفوق سأُفني مهجتي أَسفاً عليهم ... معَ الزَّفَرات والدَّمعِ الدفوق سلامُ الله ما هبَّتْ شمالٌ ... على الأحبابِ من صبٍّ مشوق 958 - كان (5) أهل بثينة قد هدر لهم السلطان دم جميل، فضاقت الدنيا به، فكان يصعد في الليل على تلِّ رملٍ، ويتنسّم الريح من نحو بثينة ويقول: أيا ريحَ الشمالِ أما تريني ... أهيمُ وأنّني بادي النحولِ هبي لي نسمةً من ريحِ بَتْنٍ ... وَمُنِّي بالهبوبِ على جميل وقولي يا بثينةُ حسْبُ نفسي ... قليلُكِ أو أقلُّ من القليل فإذا أصبح انصرف. 959 - قال الشيخ شرف الدين رحمه الله (6) : حدثني بعض من دخل سجستان وكرمان أن جميع أرحائهم ودواليبهم تدور بريح الشمال، قد جُعِلَتْ منصوبة تلقاء الشمال، وأن هذه الريح تجري عندهم على الدوام صيفاً وشتاء، وهي في الصيف أكثر وأدْوَم، وربما سكنت في اليوم والليلة مرّة أو مرّات، فيسكن كل رحىً ودولاب بذلك الإقليم، ثم تتحرك فيتحرك. وذكر أنّ عدَّة الدواليب المنصوبة عندهم اثنا عشر ألف دولاب، يجرى بها مع جريان ريح الشمال اثنا عشر ألف نهر وتنقطع بانقطاعها.

_ (1) الديوان: اعتسفت. (2) ص: جراح. (3) شارع من أهل قصطيلية وسكن القيروان، وهو من شعراء الأنموذج (المسالك 11: 349) . (4) ص: من ريحكم. (5) الأغاني 8: 9 والديوان: 182 - 183. (6) نقله الغزولي 1: 50.

قال: والخصبُ والقحط معتبر في بلادهم بكثرة جريان ريح الشمال وقلّته. قال: ولهم في الأرحاء مَنَافِسُ تُغْلَقُ وتفتح للريح فتقلّ وتكثر، وذلك أنها إن كانت قويّة حرقت الدقيق فيخرج أسود، وربّما حمي حجر الرحى فانفلق، فهم يحتاطون لذلك بما ذكرناه. الدبور والنكب: 960 - الريح الدبور والرياح النكب جميعها من الرياح العواصف غير المستطابة. ولا تجيء في أشعارهم إلاّ على سبيل الذم والتبرم لها. رَوَت عائشة (1) رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا كان اليوم ذو الغيم والريح عرف ذلك في وجهه، وأقبل وأدبر، وإذا كان المطر سُرَّ وذهب ذلك عنه، قالت: فسألته فقال: إني أخشى أن يكون عذاباً سُلِّط على أمتي. 961 - وحدَّث عبد الله بن فرقد مولى المهدي قال: هبّت ريح زمن المهدي، فدخل المهدي بيتاً في جوف بيت فألزق وجهه بالتراب ثم قال: اللهم إني بريء من هذه الجناية، فإن كان هذا لخلق فاجعله غيري، فإن كنت أنا المطلوب من بين خلقك فها أنا ذا بين يديك، اللهم لا تُشَمِّت بي أهل الأديان، ولم يزل كذلك حتى انجلت الريح. 962 - وقال شريح: ما هاجت ريحٌ قط إلا لسُقْمِ صحيح أو شفاء سقيم. 963 - وأما الرياح النكب (2) : فإن الرياح أجناسها أربع كما تقدم، الشمأل والجنوب والصعبا والدبور، وهاهنا ثمان رياح تسمى النكب، لأن كل ريح منها نكّبت عن مجرى الريح الأصليّة، ولكلّ ريح منها اسم يخصّها، وذلك أنه يهبّ مما يلي كل ريح من الرياح الأربع الأصلية ريحان، فتهبّ من ناحية الجنوب ريحان، إحداهما مما يلي المشرق وتسمى النعامى، والأخرى مما يلي المغرب وتسمى الهير؛ ويهبّ مما يلي الشمال ريحان: إحداهما مما يلي المشرق وتسمى المسع، والأخرى مما يلي المغرب وتسمى الجربياء؛ ويهب عن جنبتي المشرق ريحان إحداهما مما يلي الجنوب وهو المطلع الشتوي يقال لها الأزيب، والأخرى مما يلي الشمال وهو المطلع الصيفي ويقال لها المسع، والريحان الهابّتان عن جنبتي المغرب إحداهما مما يلي الشمال وهو المغرب الصيفي يقال لها محوة، والأخرى مما يلي الجنوب وهو المغرب الشتوي يقال لها الخريق، فجملة الرياح اثنتا عشرة ريحاً: الرياح الأصلية أربع، والنكب ثمان.

_ (1) انظر مصنف عبد الرزاق 11: 88. (2) قارن بالفقرة: 929.

964 - الغزيّ في الدبور: لا يستوي البحرانِ بحرٌ خضرم ... يبني وينمي للعلا ويهدِمُ فكفُّ هذا ديمةٌ تهمهم ... وكفُّ ذا ريحٌ دبورٌ تحطم يتلفُ هذاك وهذا يَقْسِمُ ... 965 - ذو الرمة في النكباء (1) : سمعتُ الناسَ ينتجعون غيثاً ... فقلت لصيدحَ انتجعي بلالا تناخي عند خير فتىً يمانٍ ... إذا النكباءُ ناوحتِ الشمالا 966 - أكثم بن صيفي: عن الدهرِ لا تسألْ ولكن عن الذي ... أباد جديداه من الشِّيبِ والمُرْدِ طوتهمْ يداه تحت حرفِ خطوبه ... كما خَفِيَتْ في الطيِّ حاشيةُ البرد كما لعبتْ نكباءُ بالغصنِ مرّةً ... تصرّفهمْ ما بين نَحْسٍ إلى سعد 967 - الفرزدق في الرياح الهوج غير المستطابة (2) : وركبٍ كأنَّ الريحَ تطلبُ عندهم ... لها تِرةً من جذبها بالعصائبِ سَرَوا يخبطون الليلَ وهي تلفُّهُمْ ... إلى شُعَبِ الأكوارِ من كلِّ جانب إذا أنِسوا ناراً يقولون ليتها ... وقد خَصِرَتْ أيديهمُ نارُ غالب 968 - المهلبي، وأبدع في التجنيس (3) : (4) وريحٍ تُطيرُ الروحَ عن مستَقرِّها ... وتستلبُ الركبانَ فوقَ الركائبِ فلو أنها ريحُ الفرزدقِ لم تكنْ ... لها ترةٌ من جَذْبها بالعصائب نصبتُ لها وجهي وأنصبتُ صاحبي ... إلى أنْ حللنا في محلِّ الحبائب 969 - البحتري (5) : كأنَّ الريحَ والمطرَ المناجي ... خواطرها عتابٌ واعتذارُ

_ (1) ديوان ذي الرمة: 1535 - 1536. (2) ديوان الفرزدق: 29 وأمالي القالي 3: 40 وشرح المختار: 102 وزهر الآداب: 335 والأول في محاضرات الراغب (2: 245) ونشوار المحاضرة 3: 286. (3) محاضرات الراغب (2: 245) ؛ ومنها بيتان في نشوار المحاضرة 3: 287 وانظر شهر الوزير المهلبي (المورد 2/ 1974) : 49. (4) الراغب: وريح تضل الروح عن مستقره؛ النشوار: تغيم الجو مما تثيره. (5) ديوان البحتري: 961 وتشبيهات ابن أبي عون: 249 ومجموعة المعاني: 186.

970 - الحسن بن حسان (1) السناط: فجبت بساطَ الأرضِ لم أَكُ سامعاً ... به عند شَدْوِ الحيِّ هَتْفاً إلى هتفي كأنَّ حنينَ الريحِ في جَنَباتِهِ ... حنينُ المثاني والمثالثِ في العزف 971 - ابن هذيل: وكأنَّ الريح في إعجاجه ... نَفَسٌ (2) أرهقه كدُّ الأَجلْ 972 - قال الشيخ شرف الدين المصنف: حدثني غير واحد من الفرس والترك والعرب المترددين إلى أقصى بلاد فارس والصين أن فيما بين الفرس مما تاخم بلاد التتار - خذلهم الله تعالى - وبين بلاد التتار مفازة، مسيرة نحو ستة أيام، إذا كان أوان معلوم في كل عام جرت في تلك المفازة ريح عاصف، مدة محدودة معلومة الوقت والمقدار، لا تمر بحيوان ولا نبات إلا أهلكته، قالوا: وإن اتفّق أن يسلك في ذلك الوقت عسكر أو قافلة بذلك المكان، وخرجت عليهم تلك الريح، اختطفت الفارس بفرسه، فصكّتْ به الفارس الآخر، وحملت الجمل بحمله، فصدمت به الجمل الآخر، حتى يهلك الجميع، وأن التتار وغيرهم من المسافرين يتنكبون المرور بذلك الموضع في ذلك الوقت المحدود. 973 - الإعصار: هذا هو الريح التي تلتف دائرة على نفسها، وتصعد نحو الجو ويسميه المحدثون " الزوبعة "؛ قال ابن المعتز يصف كلبةَ صيد (3) : وان أُطْلِقَتْ من رباطاتها ... وطار الغبارُ وجدَّ الطَّلبْ فزوبعةٌ من بناتِ الرياح ... تريك على الأرض شيئاً عجب 974 - ابن إسرائيل: وتجمَّعتْ فإذا الرياحُ أثرنها ... رفعتْ إلى أُفُقِ السماءِ دخانا

_ (1) ص: حسان بن الحسين؛ والبيتان في تشبيهات ابن الكتاني: 27؛ وللحسن ترجمة في الجذوة: 179 (البغية رقم 631) واليتيمة 2: 68 وانظر كتاب التشبيهات ص: 302. (2) ص: نقش. (3) ديوان ابن المعتز 4: 12 ونهاية الأرب 9: 252.

975 - وله: لله فعلُ عارضِ النكباء ... لما أثار ساكنَ الغبراء أبدى من التربِ لعين الرائي ... سارية شامخةَ البناء تجمعُ بين الأرض والسماء ... 976 - الشريف ابن دفتر خوان: اعجبْ لزوبعةٍ تدورُ لوالباً ... في الأرض تحكي وهي في جولانها رقّاصةً هيفاءَ دارتْ خفّةً ... وثيابُها تلتفُّ في دورانها 977 - زكي الدين بن أبي الإصبع، ولم يَسْمَعْ بما قاله الشريف ابن دفتر خوان قبل ذلك: علا وَهَجُ الإعصارِ عند التفافه ... فأعجلَ عيني أن تغمِّضَ جفنيها كراقصةٍ قد أسرعت دورانها ... إذا انفتلتْ لَفَّتْ على الخصرِ كُمَّيْها فلما سمع الشريف قال على سبيل العرامة: شاهدتُ للإعصارِ شكلَ عجاجةٍ ... ملتفّهٍ ثارتْ بجوٍّ مقفرِ فظننتُ أنَّ البرَّ بحرُ الثغرِ إذ ... أبدى إليَّ منارةَ الإسكندر ورشاشُ موجِ البحرِ حَوْلَ رصيفها ... كغبارِ دوّارِ العجاجِ الأكدر 978 - وله: قام في قائم الظهيرة نَقْعٌ ... مستطيلٌ أثاره إِعصارُ مثلَ ظلِّ الأَشباحِ في الأرض يعلو ... مستطيلاً إذا تولَّى النهار 979 - قال: ومثل ما اتفق لهذين الفاضلين ما نذكره، قال أبو الحسن ابن سعيد الغماري (1) : تصادمتِ الرياحُ فثار منها ... عجاجٌ قام في صَدْرِ الفضاءِ كأنَّ الأرضَ قد رَفَعَتْهُ صرحاً ... تطالعُ منه أسبابَ السماء

_ (1) إن كان هو ابن سعيد صاحب المغرب فنسبة الغماري فيه مستغربة لأنها تعني النسبة إلى قبيلة غمارة وهي قبيلة بربرية؛ وأظنه العماري نسبة إلى عمار بن ياسر جد بني سعيد.

980 - وقال جلال الدين المكرم بن أبي الحسن الأنصاري، وهو والد محمد مختار هذا الكتاب: وزوبعةٍ لما استدارتْ تعالياً ... إلى الجوِّ حتى ما أطقتُ لها شرحا توهّمتُ فرعونَ الرِياح بعصفه ... يقولُ لهامانِ الغبارِ ابنِ لي صَرْحَا 981 - أبو الحسن الغماري: للهِ زوبعةٌ أُثيرَ بها الثرى ... فتعلَّقَتْ بذوائِب الآفاقِ أتَرى الرياحَ وقد جَرَتْ في حَلْبَةٍ ... رفعتْ لواءً بينها لِسِباقِ 982 - ولوالدي جلال الدين المكرم رحمه الله: شكتِ الأرض مَحْلَها بلسانٍ ... صاعدٍ من غبارها للعنانِ فأغيثت من السماء بميزا ... بٍ إلى الأرض واصلٍ في العيان 983 - وله رحمه الله: أقولُ للناسِ وقد أَنذرَ الإِ ... عصارُ مَنْ شاهده في الهواءْ تعوَّذوا في الأرضِ من فتنةٍ ... غبارها يصعدُ نحو السماء 984 - أبو الحسن ابن عبد الكريم الأنصاري: قد وافتِ الريحُ بسلطانها ... تحملُ تُرْبَ الأرضِ نحو السحابْ تلفّها جاذبةً مثل ما ... تلفُّ بعد الدَّرج طيَّ الكتاب فخلتُها إذ فعلتْ فعلَها ... قد صنعتْ فوارةً بالتراب 985 - وله: وذارياتٍ جُنَّ فيها الهوا ... فَنَقْعُهُ في جوِّهِ راقي كأنّها إذ رفعته غَدَتْ ... تحملُ أجبالاً بأعناق كثيفة البنيانِ لكنَّه ... ليس على الأيام بالباقي لو كان تحتَ الأرض ما فوقها ... لقامتِ الأرضُ على ساق

أحسن الاحتياط بقوله " ليس على الأيام بالباقي " بعد قوله " كثيفة البنيان "، وقوله " لو كان تحت الأرض ما فوقها " برز فيه على جميع من نظم في هذا المعنى. الزلزلة: 986 - قال: لما كان سبب الزلزلة إنما هو احتقان بخاريّ في بطن الأرض يطلب الصعود، فيتصاعد ويتموج، فيزعزع الأرض التي يحتقن فيها ويزلزلها حتى يخرق منها موضعاً، فتصعد منه ألحقته لسبب ذلك بالرياح. 987 - قال أبو بكر الزيات (1) : إنَّ الزلازلَ قد تفاقم أمرها ... والناسُ منها في اتصالِ همومِ والأرضُ في أقطارها مرتجَّةٌ ... تحت الأنامِ كَرَعْدَةِ المحوم 988 - والدي جلال الدين المكرم: قلتُ إذ زلزلتِ الأرضُ وما ... فوقها للعهدِ إلا ناقضُ حُمَّتِ الدنيا من الغيظِ على ... ساكنيها فاعتراها النافِضُ 989 - وله: هزَّتكمُ الأرضُ بزلزالها ... لما اشتغلتمْ باكتسابِ الحطامْ كأنها قالتْ لقد طال ما ... غفلتمُ فانتبهوا يا نيام 990 - وله: يا أيّها الناسُ افهموا ما قاله ... مَلَكُ الزلازل أو إليه أشارا ما الأرضُ إلاّ غَرْبَلَتْ سكانها ... قصداً لتقبضَ منهم الأخيارا 991 - أبو الحسن ابن سعيد، وأجاد: انظر إلى الأرضِ وقد زلزلت ... غب انسكابِ السُّحُبِ الغُرِّ كأنّها في فعلها طائرٌ ... منتفضٌ من بَلَلِ القطر 992 - وله: تقعقعتِ الآفاقُ رعداً وأَشْعَلَتْ ... بروقاً ونادى بالقيامةِ داعي

_ (1) غير معجبة في ص.

فأقبلتِ الحيطانُ تهوي تعانقاً ... مخافةَ بينٍ قبلَ ضمِّ وداع 993 - أبو المعالي ابن اسرائيل: وزلزلةٍ تروِّعُ كلَّ شَهْمٍ ... مخافتها وتزعجُ كلَّ ساكنْ كأنَّ الأرضَ منها لُجُّ بحرٍ ... ترقّص مَوْجُهُ سُفُنَ المساكن 994 - وله: يا رُبَّ زلزلةٍ تَزلزلُ خيفةً ... من أن تُلَفَّ بغيثها الأفكارُ لما غَدَتْ للأرضِ من صَوْبِ الحيا ... كاساتِ راحٍ بالرياح تدار 995 - وله: ويومِ قرٍّ قد غدا غَيمُهُ ... يلفُّ قرصَ الشمسِ في بُرْدِهِ كأنما الأرضُ وقد زلزلت ... تهتزُّ للرعدةِ مِنْ بَرْدِهِ 996 - الزكي بن أبي الإصبع: شكا البخارُ ببطنِ الأرضِ محبسه ... عساهُ يُطْلَقُ فاهتزّتْ لشكواه ونفستْ عنه كرباً عندما وَجَدَتْ ... خوفاً من الخَسْفِ أنْ يقضي به الله فكانتِ الأرض كالحُبْلَى إذا اختلجَ ال ... جنينُ في جوفها يهتزُّ أعلاه 997 - وله: ما اهتزَّتِ الأرض زلزالاً بساكنها ... تبغي هلاكهمُ يوماً بذا السببِ وكيف وَهْيَ لهمْ أمٌّ وبينهمُ ... وبينها نَسَبٌ ناهيكَ من نسب وإنما ذكرتْ ذاك الخطابَ لها ... من خالقِ الخَلْقِ في الماضي من الحقب وكونها امتثلتْ طوعاً أَوامِرَهُ ... ولم تخالِفْهُ فاهتزَّتْ من الطرب والمرءُ يذكرُ شيئاً كان يعجبه ... فينثني عِطْفُهُ من ذلك العجب لأجلِ ذا جُعِلَتْ طهراً يُدانُ به ... ومسجداً لمصلَّى سيّدِ العرب 998 - أبو الحسن ابن عبد الكريم الأنصاري وأجاد: وزلزالٍ يهزُّ الأرضَ هزّاً ... كما هزَّ الكريمَ الابتهاجُ يبشر وجهها بقدومِ غَيْثٍ ... كما قد بشر العين اختلاج

999 - أبو إسحاق ابن كاتب قيصر: زدْتُ عجباً بقدرةِ الله لمّا ... أن عدا الأرضَ طارقُ الزلزالِ فرأيت الجدرانَ قبّلتِ الأر ... ضَ وعادتْ لحاها في الحال 1000 - له: آذارُ شهرٌ أشرسٌ نَزِقٌ ... جهمٌ عَبُوسٌ وجهُهُ حَنِقٌ والأرضُ قد مادتْ بزلزلةٍ ... والغيثُ قد غَصَّتْ به الطرق فكأنها من فرطِ رعدتها ... حُمَّت وأعقب هزَّها عرق 1001 - للشيخ شرف الدين المصنف (1) : أما ترى الأرض في زلزالها عجباً ... تدعو إلى طاعةِ الرحمنِ كلَّ تقي أضحتْ كوالدة خرقاءَ مرضعةٍ ... أولادَها درَّ ثديٍ حافلٍ غدق قد مهَّدتهُمْ مهاداً غير مضطرب ... وأفرشتهم فراشاً غيرَ ما قلق حتى إذا أبصرتْ بعضَ الذي كرهتْ ... مما يشقٌّ من الأولادِ من خلق هزَّتْ بهم مهدهم شيئاً (2) تنهّضهم ... ثم استشاطتْ وآل الطبعُ للخُرُق فصكَّتِ المهدَ غضبى فهي لافظةٌ ... بعضاً على بعضهم من شدّةِ النزق 1002 - ومما ورد في الأرض في الحديث أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " أكرموا الأرض فإنّها بكم بَرَّة " قال أبو عبيد: صلّوا عليها ولا تصلّوا على دابة ولا في محمل، ومعنى: " هي بكم برَّة " أي منها خلقتم وفيها معاشكم وإليها مصيركم، فيها الثمار والنبات، ومآرب الأحياء والأموات، والمعادن والكنوز والبحار والأنهار. 1003 - وخرج الشعبي إلى الجبّانات فقرأ: (ألم نجْعلِ الأرضَ كِفاتاً أحياءً وأمواتاً) وأشار إلى المقابر وقال: هذه الكفات. 1004 - واسم الأرض مشتق من الأَرَضِ وهو الهدوء والسكون، وذلك لسكونها وعدم حركتها، ومنه رياضة المدام وهو تذليلها.

_ (1) معاهد التنصيص 3: 79 والوافي 8: 289. (2) المعاهد: تنبيههم، الوافي: تنهنههم.

خواص الرياح وما ورد فيها: 1005 - الصبا: خواصها ترطّب الأجسام القحلة وتنعمها، كائنةً ما كانت، من بَشَرةِ الإنسان وشعره، وشعر الحيوان ووبره، والكتان وغيره، ويبرد بها الحليُّ على النساء وهنّ في فرشهن ومضاجعهنّ، وتقبلها النفس وتطيب بها، وتسلي الحزين وتنفس عن المكروب، ويلتذّها الصحيح والخليّ والمريض والشجيّ. 1006 - الجنوب (1) : من خواصها أنها تعفِّن اللحم (2) حتى يسودّ، وتظهر كلّ ندى في الأرض حتى تلثق الأرض، وإذا صادفت بناءً بني في الشتاء والأنداء أظهرت نداءه حتى يتساقط، وتطيل الثوب القصير، ويضيق لها الخاتم في الإصبع الأيمن، ويسلس في الأيسر، والجنوب تسري بالليل، تقول العرب: إن الجنوب قالت للشمال: أنا أسرى وأنتِ لا تسرين، فقالت الشمال: إنَّ الحرّة لا تسري. 1007 - الشمال: من خاصيتها أنها تهبّ النهار كلّه، فإذا جاء الليل سكنت، قال الهذلي: قد حالّ دون دريسيهِ مؤوبةٌ ... مسعلها بعضاهِ الأرض تهزيز المؤوَّبة (3) : التي تهبُّ النهار كلّه إلى الليل ثم تسكن، وفي التنزيل: (يا جبالُ أوّبي معه والطَّيْر) ، أي سبحي النهار كلّه إلى الليل، ومسعٌ: ريح الشمال، والدّريس: الثوب الخَلَقُ. ومن خواص الشمال أنها يُستذرى منها بأدنى شيء ويشترك فيها الرحل وذرى الشجرة في الاستتار، والجنوب تدور ولا يستر منها شيء، وربما وقع الحريق في البادية في اليبيس فإن كانت الريح جنوباً احترق أياماً، وكان تحريقه طولاً وعرضاً، وإن كانت شمالاً فإنما يذهب خطاً لا يذهب عرضاً. وللشمال ذرى الشجر، وذلك أن يجتمع التراب من قبلها فيستذرى بالشجر،

_ (1) الأنواء: 161 والأزمنة والأمكنة 2: 343 وانظر ربيع الأبرار، الورقة: 19 ب (نقلاً عن أبي حنيفة الدينوري) . (2) الأنواء والأزمنة: تثير البحر. (3) الأنواء: 162 والأزمنة والأمكنة 2: 341.

فإن كانت الشجر عظاماً كانت له جراثيم، وإن كانت صغاراً ساوى التراب غصونه، ولا ذرى للجنوب، ترى ما يلي الجنوب منها عارياً مكشوفاً منحفراً. والشمال تُذَمُّ بأنها تقشع الغيم وتجيء بالبرد، ويُحْمَدُ منها أنها تُمسك الثرى، وأنها صاحبة الضباب، تصبح الأرض منها كأنها ممطورة، والغصون تنطُفُ، وأكثر ما يكون ذلك عن غب المطر، فإذا ارتفعت الشمس ذهب الندى، وانقطع الضباب. والشمال أدوم الرياح في الشتاء والصيف. 1008 - الدّبور: مذمومة في الشتاء والصيف، وهي إحدى الهيفين، إلا أنها قليلة الهبوب، قالت العلماء: ما أهلك الله قوما إلاّ بالدّبور. 1009 - النكباء: ليس من الرياح شيء أكثر عجاجاً ولا أكثر سحاباً لا مطر فيه، وهي هيف تيبسُ الأرض، ويحرق العود من النكباء التي بين الدَّبور والجنوب التي تجيء من مغيب سهيل. 1010 - وخاصة الريح في الحكمة - أيّ ريح كانت - إذهاب النتن والعفن من الموضع الذي يكون فيه أي موضع كان من العالم. روي عن مطرّف أنه قال: " لو حبس الله عزّ وجلّ الريح عن الناس ثلاثة أيام لأنتن ما بين السماء والأرض ". 1011 - أبو إسحاق إبراهيم بن علي الأنصاري الحصري من إفريقية (1) : ولقد تنسَّمْتُ الرياحَ لعلَّني ... أرتاحُ أنْ يبعثن منكِ نسيما فأَثَرْنَ من حُرَقِ الصبابةِ كامناً ... وأَذْعَنَ من سِرِّ الهوى مكتوما وكذا الرياحُ إذا مررنَ على لظى ... نارٍ خَبَتْ ضرَّمنها تضريما 1012 - قال شرف الدين المصنف: رأيت أهل المشرق يستغربون لابن قسيم - شاعر مشرقي - أبياتاً يزعمون أنه ابتكر معناها وهي (2) : روَحني عائدي فقلتُ له ... مه لا تزدني على الذي أجدُ أما ترى النارَ كلّما (3) خمدتْ ... عند هبوب الرياحِ تتقد

_ (1) الذخيرة 2/4: 593. (2) ورد البيتان للمصحفي في تشبيهات الكتاني: 247. (3) التشبيهات: وهي جامدة.

وإنما أغار ابن قسيم على شعر الحصري المتقدّم. 1013 - موسى بن سعيد الغرناطي (1) : الريحُ أقودُ ما رأيتُ لأنها ... تبدي خبايا الرّدفِ والأَعكانِ وتميلُ بالأغصانِ بعدَ علوّها ... حتى تقبلَ عارضَ الغدران ولذلك العشاقُ يتخذونها ... رُسُلاً إلى الأحبابِ والأوطان البيت الأول يقرب من معنى قول البها زهير الكاتب (2) : حبّذا نفحةُ ريحٍ ... فرَّجَتْ عنّيَ غُمَّهْ ضربتْ ثوبَ فتاةٍ ... أكثرتْ تيهاً وحشمه فرأيتُ البطنَ والسرّ ... ةَ والخصرَ وثمّه والجميع راجعٌ إلى قول الأول (3) : أبتِ الروادفُ والثديُّ لِقُمْصِها ... مسَّ البطونِ وأنْ تمسَّ ظهورا وإذا الرياحُ معَ العشيِّ تناوحت ... نَبَّهْنَ حاسدةً وهجن غيورا 1014 - اشتدت بأبي العيناء ريح كانت تتعهده، فكتب إلى طبيب: أمّا بعد فإن جسدي مرتعُ الرياح الأربع، فأما صدري فمهبُّ القبول، وأما ظهري فمنشأُ الدبور، وأما جانبي الوحشي فمَدْرجة الجنوب، وأما شماله فَمَعْصَفَةُ الشمأل، والفؤاد من قوم عاد، والله علي من الشهود، أنني مؤمن بهود، فهل لي أمان من النذير، ورجاء من حسن التدبير؟. 1015 - قال أحمد المصنف: أورد القاضي أحمد بن مطرف الكناني في كتابه المسمى ب " الرتيب " للرياح مائةً وستة عشر اسماً في لغة العرب اختصرناها لأن كتابنا ليس كتاب لغة فنذكرها فيه. 1016 - قال: آراء الأطباء في تغييرالهواء: إعلم أن لكل ريحٍ من هذه الرياح تغيَّر مزاج بالهواء إلى مزاجها وتؤثّر في الأبدان تأثيراً خاصاً لا تؤثره الأخرى. 1 - فالشمأل (4) تقوى الأبدان، وتصفي الأرواح والأخلاط والحواسّ

_ (1) الأبيات في الفوات 3: 104 والغزولي 1: 54 ونسبها لابنه علي بن موسى وذكر قصة حدثت بمصر. (2) ديوان البهازهير: 310. (3) هما في أمالي 1: 24 والحماسة البصرية 2: 91 ونهاية الأرب 3: 66. (4) قارن بما في القانون لابن سينا 1: 91.

وتلطفها، وتصحح الدماغ، وتقوي الحركة،. وتزيد في شهوة الجماع، وتقوي الهضم، وتمنع انصباب المواد إلى الأعضاء، لأنها تبرّد ظاهر الأبدان وتعكس الحرارة الغريزية إلى الباطن، فتجمعها وتقوّيها، وتشدّ الأعضاء الباطنة وتصلحها، لأنها تهيّج السّعال ووجع الصدر بتجفيفها لآلة النفس وتَعْقِلُ البطن، وتُحدِث في الأعين لذعاً، وتضرُّ بالأبدان الباردة. 2 - وأما الجنوب فإنها إذا هبّت بالضدّ مما وصفناه، تُرخي الأبدان والعصب، وتكدّر الأرواح والأخلاط والحواس، ويحدث لذلك ثقل في السمع وغشاوة في البصر، وتورث الكسل وترخي الحركة وتهيح صداعاً، وتحرّك نوائب الصرع وتُنقص من الشهوة، وتضعف الهضم، وذلك لأنها حارّة رطبة وهي تملأ الدماغ فضولاً رطبة. 3 - وأما الصبا والدّبور فلاعتدال مزاجيهما تكون الأبدان فيهما معتدلة متوسطة صحيحة. 4 - وأما الرياح النكب الباقية فإنّ كلّ واحدة منها تؤثر في الأبدان تأثيراً أسوأ مما تؤثر الريح التي تهبّ من جانبيها. 1017 - قال: وآراء الفلاسفة في الهواء: 1 - قال أبو علي الحسين ابن سينا البخاري (1) : تأثير التغيرات الهوائية الخارجة عن المجرى (2) يكون إما لاستحالة جوهر الهواء في نفسه، وإما لاستحالة كيفيته. فأما الذي في جوهره فهو أن يستحيل جوهره إلى الرداءة، لأنّ كيفيته أفرطت في الاشتداد أو النقص وهذا هو الوباء، وهو تعفّنٌ (3) يعرض في الهواء شبيه بعفن الماء الآجن (4) ولسنا نعني بالهواء الهواء البسيط المجرد، فإن ذلك ليس هو الهواء الذي يحيط بنا، وكلّ واحد من البسائط المجرّدة فإنه لا يعفن، بل إما أن يستحيل في كيفيته، وإما أن يستحيل في جوهره إلى البسيط الآخر، بأن يستحيل مثلاً الماء هواء، بل نعني بالهواء الجسم المبثوث في الجو، وهو جسم ممتزج في الهواء الحقيقي من الأجزاء المائية البخارية وومن الأجزاء الأرضية المتصعدة من الدخان والغبار ومن أجزاء أُخر ناريّة، وإنما نقول له هواء كما نقول لماء البحر والبطاحِ ماء.

_ (1) القانون 1: 90. (2) القانون: عن الطبيعة. (3) القانون: بعض تعفن. (4) القانون: يشبه تعفن الماء المستنقع الآجن.

وإن لم يكن ماء صرفاً بسيطاً، بل كان ممتزجاً من ماء وأرض ونار، ولكن الغالب فيه الماء؛ فهذا الهواء قد يعفن (1) فيستحيل جوهره إلى الرداءة، كما أن ماء البطاح قد يعفن (2) فيستحيل جوهره إليها، وأكثر (3) ما يعرض الوباء وعفونة الهواء في أواخر الصيف والخريف. وأما الذي في كيفيّته فان يخرج في الحرّ والبرد إلى كيفية غير محتملة، حتّى يفسد الزرع والنسل، وذلك إما باستحالةٍ مجانسة كمعمعة القيظ إذا فسد، أو استحالة مضادة كزمهرير البرد في الصيف لعَرَضٍ عارض. والهواء إذا تغيّر عرضت منه عوارض في الأبدان: فإنه إذا تعفّن عفَّن الأخلاط، وابتدأ بعض الخلط المخصوص بالقلب، لأنه أقرب منه وصولاً إلى غيره، وإن سَخُنَ شديداً أَرخى المفاصل وحلّل الرطوبات (4) ، " وزاد في العطش، وحلّل الروح، وأسقط القوى، ومنعَ الهضم، بتحليل الحارِّ الغريزّي المستبطن الذي هو آلة الطبيعة وصفَّر اللون بتحليله الأخلاط المحمرة للّون، وتغليبه المرّة على سائر الأخلاط، وسخنَ القلب سخونة غير غريزيّة، وسيَّل الأخلاط وميَّلها عفنة إلى التجاويف وإلى الأعضاء الضعيفة (5) ، وليس بصالح الأبدان المحمودة، بل ربما انتفعبه به المستسقون والمفلوجون وأصحاب النَّزْلة الباردة والتشنّج الرطب واللقوة الرطبة. وأما الهواء البارد فإنه يحصر الحارّ الغريزيّ داخلاً، ما لم يفرطْ إفراطاً يتوصّل منه (6) إلى الباطن، فإن ذلك يميت، والهواء البارد غير المفرط يمنع سيلان المواد ويحبسها، لكنه يُحدث النزلة، ويضعف العصب، ويضرُّ بقصبة الرئة ضرراً شديداً، وإذا لم يفرط شديداً قوَّى الهضم، وقوى الأفعال الباطنة كلّها، وأثار الشهوة، وهو أوفق للأصحّاء من الهواء المفرط الحرّ، ومضارُّهُ هي من جملة الأفعال المتعلّقة بالعصب وبسدِّه المسامَّ. والهواء الرطب صالح موافق لأكثر الأمزجة ويحسّن اللّون ويبقي المسام منفتحةً، إلا أنه رديء العفونة، واليابس بالضد. 2 - وقال علي بن العباس المتطبّب: الهواء المعتدل هو النقي الصافي اللطيف الذي لا يخلطه شيء من البخارات، وإذا شممته وجدت له رائحة طيّبة لذيذة،

_ (1) ص: تغير. (2) ص: تغير. (3) ص: ولكن. (4) القانون: المحصور في القلب. (5) ص: الصعبة. (6) القانون: يتوغل به.

وليس بالحارّ الذي يعرق البدن منه، ولا بالبارد الذي يقشعرّ منه، بل يكون سريع التغيّر إلى البرد إذا غابت الشمس، سريع التغير إلى الحرّ إذا طلعتْ، وما كان من الهواء حاله هذه الحال فإنه يعدِّل المزاج، ويقوي الأبدان، ويصفي الأخلاط والأرواح، ويعين على جودة الهضم، وأما الهواء الخارج من الاعتدال في كيفيّته فيكون أحرّ أو أبرد، وأرطب أو أيبس من المعتدل، وأما في ذات جوهره فمثل الهواء الوبائي. 1018 - آراء الأطباء في الرياح والأهوية على التفصيل: 1 - الريح التي تهبّ من ناحية القطب الشمالي، وهي ناحية الفرقدين وبنات نعش، باردة تصلِّبُ الأبدان وتقويها، وتُضْعِف الرأس، وهي أصلح الرياح وأدفعها للعفن، غير أنها تهيِّحُ العلل التي تكون في الرئة والحلق والننرلات والزكام، وتعقل البطن وتدرُّ البول. 2 - والهابَّة من ناحية القطب الجنوبي، وهي ناحية سهيل، تُرْخي الجسد، وتكدِّر الحواس، وتهيج الصداع والرمد، ونوائب الصرع، والحميّات العفنة، غير أنها لا تخشِّنُ الحلق والصدر، وهي أجلب الرياح للأمراض، لا سيّما إذا كثر هبوبها في الصيف وآخر الربيع. 3 - وأما الريح التي تهبّ من حدِّ المشرق الصيفيّ إلى المشرق الشتوي والتي تهبّ من حدّ المغرب الشتوي إلى المغرب الصيفيّ فمعتدلتان في الحرّ والبرد، إلاّ أن أصحّهما وأصلحهما الهابّة من المشرق، وأردأهما وأغلظهما الهابة من المغرب. 4 - وأما الهواء فأصلحه الصافي اللطيف الذي ليس فيه بخارات كثيرة، ولا هو راكد مختنق، بل متحرِّك بهبوب الرياح، لذيذ المستنشق، يسرع إلى البرد إذا غابت الشمس عنه، وأشرُّه ما كان بالضدّ مما وصفنا، وما كان لغلظه كأنه يقبضُ على الفؤاد ويُمْسك النَّفَس، وما كان فيه بخارات من مجاورة بخارات وآجام فيها ماء راكد، وكان فيه عفونات وجيف، وكان شديد الحرّ ملتهباً، وكان مختنقاً لا تخترقه الرياح، فإن هذه الأهوية كلّها رديئة. ويكون الهواء مختنقاً في المساكن التي في الجوبات، وحيث يحيط بها جبال شاهقة وآجام، وحيث لا تهبُّ رياح كثيرة. 1019 - ومذاهب العرب والمنجين في الرياح وفعلها في الأجسام: فقد ذكرنا أن أصول الرياح أربعة الصَّبا والدَّبور والشمأل والجنوب:

1 - فالصبا الريح الشرقية الهابة من حيث تطلع الشمس، وهي أعدل الرياح عند الأطباء، ومع كونها معتدلة تميل إلى الحر واليبس، واعتدالها لأن الشمس لا تقاطعها فتكون باردة، ولا تواصلها فتكون حارّة، ولاعتدالها تجعل الأبدان معتدلة، والأجسام صحيحة، والقوى قويّة، وألوان أهلها بيض مشربة حُمْرةً. 2 - والدبور هي الريح الغربية الهابة من حيث تغرب الشمس وهي تشبه الصَّبا لمساماتها لها، إلا أنها مضطربة مع ميل إلى البرد واليبس. أما اضطرابها فلأن الشمس لا تلقي شعاعها بالغدوات عليها، فكأنها تستكن (1) البرد بالغدوات والحرّ بالعشيّات. 3 - والشمأل وجهة مهبّها مائل لجهة الجنوب عن يسار مطلع الشمس، ومزاجها بارد يابس، لبعد ممرّ الشمس عن هذا الموضع، لأن الشمس تصير إليه إذا صارت في فلك أوجها، وهي أبعد ما تكون من الأرض. وفعلها ضدّ فعل الجنوب لأنها تقوّي الأبدان وتصلِّبُها، وتصفّي الأرواح والأخلاط وسائر الحواس، وتصحّح الدماغ، وتقوّي الشهوة والهضم، وتمنع من انصباب المواد. 4 - والجنوب جهتها عن يمين المستقبل مطلع الشمس، وهي حارة لانحطاط الشمس عن بعدها من فلك أوجها، رطبة لأجل البخار المتحلّل عن البحر العظيم المحيط بها، وهي ترخي الأبدان، وتكدر الحواس، وتهيّج الصداع، وتحرّك نوازل الصرع، وتملأ الدماغ فضولاً، ولا سيّما الأدمغة الرطبة، وتضعف الهضم وتوجب النوم، وتورث الحميّات المعفنة.

_ (1) ص: يستكون.

فراغ

الباب السابع

الباب السابع في تقدمة المعرفة بالحوادث الكائنة في العالم السفلي من جهة كسوف النيرين، وطلوع الهالة، وهبوب الرياح العواصف، وطلوع قوس قزح، وخفقان البرق، وجلجلة الرعد، وسقوط البرد في سني الروم والعرب. 1020 - كسوف الشمس 1 - المحرّم: يخصب، ويصيبهم آخر السنة وجع، ويكون شدّة وموت وضعف في السلطان وقلة مطر. 2 - صفر: يكون فيه فزع وقتال بين العرب، وقيل في المغرب، ويحسنُ نبات الأرض وتسلم الغنم من المرض. 3 - ربيع الأول: تصطلح الناس كلّهم، وتقلّ الغنم والبقر. 4 - ربيع الآخر: يكون قتال بين الناس، ويخرج رجل يدعي الملك، ويكون موت كثير. 5 - جمادى الأولى: يصطلح الناس في كل مكان وتكون سنة هادئة مباركة. 6 - جمادى الآخرة: يموت رجل من العرب له ذكر، وتصيب جنده مصيبة، ويكون بمصر قتال وحرب كثير، ويُبْعَث رجل من قبل المشرق ذو وجه وسلطان فيصاب هو ومن معه. 7 - رجب: يعمُّ الأرض كلها حرب وجراد وقلة مطر مدّة ثلاثة أشهر. 8 - شعبان: تكون سنة صالحة، ويكون في آخرها مرض شديد، وملك أرض فارس يغلب من يقاتله.

9 - رمضان: تطاع أهل فارس، ويضر أهل المغرب بعضهم بعضاً وقيل: بل الروم يضرون المغرب. 10 - شوال: تقتتل الزنج والهند، ويقتل الملك ببابل أعداءه، وتكون السنة صالحة، ويكثر نبات الأرض من الزرع، ويكثر المطر. 11 - ذو القعدة: يدوم المطر ثلاثين يوماً مطراً شديداً ليلاً ونهاراً وتفيض الأنهار وتكثر السباع ويصلح نبات الصيف، وتسير الملوك والعظماء إلى مصر. 12 - ذو الحجة: يكون ريح ومطر وبرد شديد، ويكون بالغرب سبع كبير، ويكون جراد في مكان بغير فساد، وينقص الطعام، ويقوم الناس على الملك ويلقى شدة عظيمة ويُقْتَل، ويذهب المطر وطعام أهل فارس ويلقى أهلها شدّة. 1021 - خسوف القمر: 1 - المحرم: يُقتل رجل عظيم من قبل المغرب ويجعل مكانه من هو دونه، وتنقص الفاكهة، ويظهر في الناس اليرقان ووجع العين، ويكون حرب وقتال، ويكون بأرض بابل شدة، ويظهر الموت في اليمن، ويقع ملك بابل في شدّة ستة أشهر وتنجلي عنه. 2 - صفر: يكون وجع شديد، ويمرض ملك كابل، ويكون مطر كثير، ويحسن نبات السنة، وتفيض الأنهار، وتكثر الفاكهة والسمك والطير، ويكثر الهرج والخوف. 3 - ربيع الأول: تُجاح الأغنياء ويحسن حال المساكين، ويكون في الناس رمد ووجع ويرقان وموت، ويكون بالغرب قتال وخوف، وتكثر الفاكهة، ويقع في البقول الدود، ويكثر ببابل وغيرها ويقلّ السمك، ويصيب العرب جوع، ويكثر الجراد ولا يُفْسد. 4 - ربيع الآخر: يكون في تلك السنة هلاك حتى ينهدم البنيان وينقلع بحركته من الريح، ويموت الملك، ويهلك الدقيق ويقل الطعام.

5 - جمادى الأولى: يكثر النبات في تلك السنة، وتهلك المواشي والوحوش من كثرة الريح والبَرَد والثلج، ويهلك الطير والحيتان. 6 - جمادى الآخرة: تُظْلَم العلماء ويُعْدَى عليهم ويكون ظلم عظيم، وينقص المطر أول السنة أربعة أشهر، ويصطلح الملوك وترخص الأسعار، ويسير ملك بابل إلى العرب، وتكثر الفاكهة ونبات الأرض، ويخصب الزرع، ويكون قتل بين الناس، وتموت قوَّاد العرب. 7 - رجب: تكون حرب كثيرة شديدة بين ملكين ويظهر أحدهما على الآخر ويقهره، ويكون في أرض العرب موت وأوجاع، ويكون بأرض بابل مطر ورعد وبرق وثلج، ويكون في الناس أوجاع، ويكون السمك والمطر والرمد. 8 - شعبان: يكون وجع ويهلك الطير، ويقل المطر وتفسد الثمار وتُهرق الدماء وتذهب أموال الأغنياء وتستغني الفقراء. 9 - رمضان: يكون مطر عظيم، وتغلو الحنطة، ويكثر الرمد والوجع والرمد والثلج، ويكون اختلاف وموت. 10 - شوال: يكون نقص في العلماء، ويموت الملك أو يقتل ويهلك ابنه، ويقلّ الطعام جداً ويجوع الناس ويموتون. 11 - ذو القعدة: يكون زلازل وأعاصير، وتُقبض الناس إلا العلماء فلا يوجد غيرهم، ويكون بأرض بابل شدّة، وتمتلىء الأرض حرباً ويقلّ المطر ويكون برد شديد، وتموت البقر والدواب ويكون جراد لا يُفسِد، وتسلّم الناس ببابل، ويكون حربٌ وقت. 12 - ذو الحجة: يكون نقص ومصيبة في الملك، ويحرج ملك آخر يعاند ملك تلك الديار وربما أخذ له إقليماً أو بلاداً ثم يستردها منه بالقتال والسيف، وتكون السنة صالحة في جميع الأماكن في جميع أمورها، ويكثر المطر في آخر السنة.

1022 - علامات ظهور الهالة على القمر في سنة الروم (1) : 1 - نيسان (2) : يقاتل ملك الروم ويقتله. 2 - أيار (3) : يرخص الشعير وتغلو الحنطة. 3 - حزيران: يشتدُّ حرّ القيظ. 4 - تموز: يفسد ثمر العنب. 5 - آب: يقلّ الشتاء والمطر. 6 - أيلول: يفسد تمر النخيل. 7 - تشرين الأول: يكثر الماء والزرع. 8 - تشرين الثاني: يقلّ خير الناس. 9 - كانون الأول: يكون خوف وأهوال. 10 - كانون الثاني: يكون حرب وموت. 11 - شباط: يَصْلح حمل الكروم. 12 - آذار: يكون سَرَقٌ ونقصٌ في الثمار. 1023 - ذكر هبوب الرياح العواصف في السنة الرومية: 1 - تشرين الأول: إن هبّت فيه الريح شرقية عاصفاً هلك ملك تلك

_ (1) ابتداء من الورقة 17 في مخطوطة برنستون (بر) رقم: 4144 يبدأ القول على الدلائل في شهور السنة الرومية، المتعلقة بالكسوف والخسوف والهالة حول القمر والدارة حول الشمس والزلزلة والبرق والرعد وقوس قزح والرجفة والهدة والصاعقة والرياح والزوابع، وقد رأيت أن من العناء الباطل إجراء المقارنات في هذه الأمور بين ما أورده المؤلف هنا وما ورد هنالك، وسأذكر أمثلة محدودة؛ وانظر كذلك المخطوطة رقم 1756 ففيها معلومات من هذا القبيل. (2) قال في (بر) : الورقة: 25 فيما يتصل بشهر نيسان: تكون حرب شديدة ويقتل ملك بملك، وهو يدل على كثرة الرياح والزلازل والغيوم، ويجود الزرع والثمر والله أعلم. (3) بر: الورقة 30: يكون الشعير أسلم من الحنطة وأجود ويكون الزيت جيداً متوسطاً ويحسن الكرم والكمثري ... الخ.

الناحية، ويكون قتال في تلك السنة، ويكثر القمح، وإن كان معها ضباب فجوع وفساد للقمح، وإن كان في أول يوم منه فتهب ريح الصبا. 2 - تشرين الثاني: إن هبت فيه ريح عاصف مات رجل مذكور، وباشر الملك القتل بنفسه، وإن كان معها ضباب تصلح أحوال الثمار. 3 - كانون الأول: إن هبّت فيه ريح شرقية عاصف مات الملك في القتال، ومن انهزم أفلت، ومن مرض اشتدّ وجعه. 4 - كانون الثاني: إن هبّت فيه ريح شرقية عاصف فلابد للملك من أن يخرج إلى القتال بنفسه، وإن كان فيه ضباب صلح أحوال القمح. 5 - شباط: تهلك الثمار ويُقْتَل الملك في الحرب. 6 - اذار: إن هبّت فيه ريح بغبار وتراب أحمر فجوعٌ وقتالٌ في تلك السنة، وشدةُ تلحق عظماء الناس فيها. 7 - نيسان: إن هبّت ريح في سبعة أيام ولم يكن معها مطر هلك القمح، وإن هبّت شآميّة أو دبوريّة فجليد عظيم حتى يُفْسِد الأشجار. 8 - أيار (1) : إن هبت فيه ريح عاصف غَلَتِ الأسعار وقنط الناس وقصرت أنفسهم، وشخص الملك من منزله في تلك السنة. 9 - حزيران: إن هبت فيه عاصف دَرَسَ أثر الكتّاب ولم يوجدوا بالواحدة واضمحلَّتْ صناعتهم. 10 - تموز: إن هبت فيه ريح شرقية مات ابن الملك، ويلحق الناس لأجله أمرٌ صعب ولا يقبل أبوه العزاء. 11 - آب: إن هبت فيه ريح شرقية لحق أكابر الناس شدّة عظيمة، ويقع الملك في أمر صعب ينجو منه بعد قليل. 12 - أيلول: إن هبت فيه ريح عاصف في سبع ساعات من الليل كان في تلك السنة مطر، وهلك رجال معروفون.

_ (1) بر، الورقة: 32 إذا كان في شهر أيار ريح صعبة أو زوبعة شديدة فسد بعض الزرع وفسد حال الناس وتكون السنة كثيرة الحروب بالمشرق، وتتحرك عساكر الروم إلى بلاد الإسلام ويقتل ملكهم ... الخ.

1024 - لائل قوس قزح في السنة الرومية: 1 - تشرين الأول (1) : يشتدّ أمر الروم وتقوية بعضهم على بعض، ويقع ملك بابل في الهموم، وإن ظهرت بالغرب مات ملك الغرب. 2 - تشرين الثاني: تتسلّط الأُسود على الناس وتتوثَّب عليهم بحيث تمنعهم التصرف حيث شاؤوا، ويقع الموت ببابل. 3 - كانون الأول: يقع الحصب ويكثر المرض في الناس ويموت أكثرهم، وإن ظهر في الغرب فحصب وأمراض في العالم واختلاف بينهم. 4 - كانون الثاني: تخرج العصاة من قريب، ويصيب ملك بابل آفة، ويقع الموت في الناس، ويكثر المطر. 5 - شباط: إن ظهر بالمغرب كثر السمك والمطر، وظهر الجراد بالمغرب وفسد الزرع. 6 - آذار: يدنو ملكان أحدهما من الآخر، ويهرب أهل القرى إلى مواضع كثيرة، ويكون الموت في الحوامل من النساء والإبل. 7 - نيسان: إن ظهر مشرقاً كانت أوجاع وأمراض في أهل بابل ومَوَتان، وإن رأيته بالمغرب أجمع الملوك على الهرب، وتسقط الثلوج. 8 - أيار: إن ظهر بالمشرق وقع الوباء في الثيران والغنم، ويكثر الخراب والأمطار، وإن ظهر في المغرب قوي ملكهم وظفر بأعدائه وقتلهم. 9 - حزيران: إن ظهر بالمشرق كثر الزرع والخصب، وإن ظهر بالمغرب قوي أمر الملك وقتل أعداءه، ويقع بأرمينية حربٌ وسبي. 10 - تموز: إن ظهر بالمشرق كثر الزرع والخصب. وإن ظهر بالمغرب وقع ضغائن وتشويش بين الملوك ويصطلحون.

_ (1) بر الورقة 54 ظ: إذا كان في تشرين الأول قوس من جهة المشرق يكون في أرض فارس قتال وخلف بين العرب ويموت رجل له ذكر في بلاد فلسطين ويدل على جيوش تتوجه من المشرق إلى المغرب ويقتل صاحب جيوش المشرق ويذهب سلطانه ويكون في بلاد الروم تشاويش ويقع بينهم خلف ويخرج ملك الموصل إلى القتال، ويجود مطر السنة ... وإن طلع من ناحية المغرب كثر المطر والأندية ... ويدل على هلاك رئيس جيوش المغرب ... الخ.

11 - آب: إن ظهر بالشرق وقع بالمغرب الجوع، وإن ظهر من جهة المغرب فتشويش يقع بين الملوك بفارس، ويتفرق الناس في المدن. 12 - أيلول (1) : إن ظهر بالشرق حارب أهل الأهواز أهل فارس، وإن رأيته ببابل مقلقات، ويكثر آلزرع والحيوان. 1025 - دلائل خفقان البرق في السنة الرومية: 1 - تشرين الأول (2) : إن كان فيه برق كثير يظهر قتالٌ بالمدينة التي يرى فيها ويكون فيها زلازل ودويّ. 2 - تشرين الثاني: تخرج جيوش من المشرق إلى المغرب، وقد شوهد ذلك مراراً. 3 - كانون الأول: يسبي الملك رجلاً عظيماً ويستأصل شأفته. 4 - كانون الثاني: يدرس قوم من الكتاب والرؤساء والمقدمين ويبيدون. 5 - شباط (3) :. . . 6 - آذار: ينكب قوم عظماء من الوزراء والكتاب. 7 - نيسان: تكثر الأمراض ببابل وتشتد، وإن هاجت معه ريح شرقية فإن الملك يقتل أشراف قومه، وإن برقت وهاجت معها ريح من جانب المغرب فسنة حسنة كثيرة الغلاّت، ويموت الصالحون، وتظهر ريح خبيثة في الناس. 8 - أيار: يكون قتال شديد بالمدائن، وتنقطع الطرق، ويظهر علم جديد يسير في الناس، وإن كان معه ضباب صلح القمح.

_ (1) بر الورقة 49 ظ: إن كان في شهر أيلول قوس وكان من جهة المشرق فإن الشتاء يكون متقدماً ويكثر الندى وتكون السنة صالحة في أولها، ويقع الخلف بين الكتاب ويكون الحرب بأرض فارس ويجود ازرع وتقل الحنطة والشعير وترخص الحنطة بالعراق ويكون في أرض الشسام والجزيرة سلامة وخير. (2) بر الورقة 53 ب: إذا كان في تشرين الأول برق دل على كثرة الفتن وقلة الأمطار النافعة، وفي رواية: إذا كان فيه برق كثير دل على قتال وزلازل تكون في المدينة التي رئي فيها. (3) بر الورقة 75: إذا جاء في شهر شباط برق دل على خير كثير في تلك السنة وعلى الخصب وجودة الثمر وسلامة الحنطة ويكثر الرخص في الطعام ... وفي رواية: يكون البرق لكل شيء وينقص النبات وتكون شدة في البرد والسحب ويكثر الرعد ويدل على ان ملك الفرس يقتل بعض الناس.

9 - حزيران: ينقطع المطر في تلك السنة وتقحط الناس قحطاً شديداً وتقنط أنفسهم. 10 - تموز: يدلّ على موت رجل عظيم بأرض بابل. 11 - آب: يدل على فقد رجل عظيم وخُلْفٍ يقع بين الناس. 12 - أيلول: يقاتل ملك بابل رعيَّته وأهل بيته ويسيءُ إليهم ويحصل في همّ وغم. 1026 - دلائل سقوط البرد في السنة الرومية: 1 - تشرين الأول: يكثر الموت في تلك السنة، وتخرج ببابل خوارج ولا يكون لهم ثبات ولا بقاء ولا ملك. 2 - تشرين الثاني: يكون بمصر والبلاد كلّها جوع، وتخرج خوارج ببابل، وإن سقط كثير كثر الموت في الناس بالبلد الذي يسقط فيه الثلج والبرد. 3 - كانون الأول: تظهر خوارج على الملك، ويثبُ خارجي على رؤسائه فيهلكهم ويستأصلهم ويكون تشويش عظيم. 4 - كانون الثاني: تصلح أحوال أهل المملكة وأهل الملك في خاصته، وتستقيم أحوالهم بعد سقوطها وفسادها. 5 - شباط: تكثر هموم الملك والناس، وتغلو الأسعار. 6 - آذار: يكون قتال شديد واختلاف وتشمل الأراجيف، وتظهر الجيوش والسلاح والحروب. 7 - نيسان: إذا سقط ثلج وغطّى الأرض هرب ناس في سائر الأرض، وسُفِكَت دماء كثيرة ببال، وغلب ملكها سائر الملوك. 8 - أيار: تكون حرب عظيمة ويُقتل ملك شريف كبير، وإن غطّى الأر ض قُتل جُنده معه. 9 - حزيران: تثور الحميات في تلك السنة وتكثر الأمراض، ويموت رجل عظيم الشرف والقدر.

10 - تموز: تكثر الأمراض في العالم، ويموت رجل مُقدَّم. 11 - آب: تثور الحميّات، ويموت رجل شريف القدر. 12 - أيلول: تكون حميات وأمراض، ويموت رجل عظيم. 1027 - دلائل صوت الرعد في السنة الرومية: 1 - تشرين الأول: إن أرعدت في عشرة أيام أصاب الملك شدة، وفي اثني عشر يوماً جراد كثير يأكل الصيفي، وفي ثلاثة عشر يجود الشعير والقمح، وفي أربعة عشر تصلح الأحوال وتكثر الأموال. 2 - تشرين الثاني (1) : تظهر في الناس أعلال وأمراض وقتال، وفي عشرة منه يكون محموداً وتزكو الغلات وتنمو وتصلح الثمار في أول السنة وتفسد في آخرها. 3 - كانون الأول: يهلك خلق عظيم من الناس ويلحقهم مرض وجوع وإعلال، ويكثر الهلاك وتحسن حال غلات الجبال، ويقلّ المطر. 4 - كانون الثاني: يكثر القمح والشعير، وإن أرعدت في عشرة منه أو حادي عشرين كثر القمح، وإن كان معه ضباب كثرت أولاد الضأن وحَسُنَ حالها وسَلِمت من الموت، وفي آخره يكثر الجراد وتفسد الغلات. 5 - شباط: سنة حسنة تكثر الخيرات فيها، وتصلح أحوال الناس، ويزيد الخصب، وتكثر الفواكه وتزكو وتصحّ، ولا تنتشر وتتصل ريح الشمال. 6 - آذار: يكثر القمح وعصرُ العنب، وإن كان في آخر الشهر كثرت الرياح وأقبل البرد وطالت مدّته، وكثر السمك والطير، وإن كان مع الرعد مطر هلك رجال معروفون وحَسُنَ الزرع. 7 - نيسان: يكثر القمح وتزكو سائر الغلات، وتصلح الغنم ويبارك فيها وتسلم أولادها وتغزر ألبانها، وتكثر الأمطار وتزكو الغلات والثمار وتسلم من الآفات، ويقع في الناس الفزع ويؤول أمرهم إلى الهرب من حوادث.

_ (1) بر الورقة 58 ب: غذا كان في تشرين الثاني رعد دل على كثرة الأوجاع في الناس وعلى صلاح الزرع والسكر، وإن كان الرعد من أوله إلى عشرة منه فإن القطن يكون عزيزاً في تلك السنة ويكون الزرع جيداً والرخص كثيراً والكمأة كثيرة والحاج سالماً.

8 - أيار (1) : 9 - حزيران: تهلك العلماء والرؤساء والمتدينون المعدودون المشار إليهم الذيين يُرجَع في الأمور إلى رأيهم، ويظهر في الناس حميّات وأوجاع. 10 - تموز: يموت رجل عظيم الشأن، ويكثر القمح وتزكو الكروم وتكثر الحنطة والشعير، ويفسد ما سوى ذلك من الغلاّت. 11 - آب: سنة صالحة يصيب أهلها خير وتصلح أحوالهم وتنجح مساعيهم، وتفسد الخمور وتسقط الكروم ولا تصحّ في تلك السنة. 8 - أيلول: تهلك الكبراء والرؤساء والعقلاء من الناس ويضمحلّون، وتفسد غلّة تلك السنة فساداً يرجى له بعض الصلاح.

_ (1) سقط الحديث عنه في ص؛ وجاء في بر الورقة 30: إذا كان في أيار رعد فإن المطر والطعام يكثر في تلك السنة ويقع الناس في مرض. وإن كان الرعد من أوله غلى عشرة أيام منه كثرت الأمراض والأخبار الموحشة، ويلحق بعض الثمر نقص، ويقع في الناس اليرقان والموت ... الخ.

الباب الثامن

الباب الثامن في النار ذات اللهب وما يتعلّق بها، ونار النفط، والصعاعقة، ونار الفحم والكوانين 1028 - في التنزيل العزيز: (أفرأيتم النارَ التي تُورُونَ أأنتم أنشأتُمْ شَجَرَتَها أم نحنُ المنشئون) ، تورون: أي تقتدحون، تقول وَرَيت الزناد فوري إذا قَدَحْتَ. وقوله: (نحنُ جَعَلْنَاهَا تذكرةً ومتاعاً لِلْمُقْوِين) . أي تذكر نار جهنّم، والمتاع ما يُنْتفع به، والمقوي في هذه الآية الداخل في الأرض القَواء، وهي الفيافي الخالية، وقيل: المقوون المسافرون، وهذا راجع إلى هذا المعنى، يقال أقوى الرجل إذا دخل في الأرض القواء، وأقوت الدار وأقوت الأرض وأقوى الطلل، أي صار قواه أي خالياً، والفقير والغني إذا أقويا سواء في الحاجة إلى النار، إذ لا شيء يُغنى عنها ولا يقوم مقامها. 1029 - وأفضل (1) ما يتخذ منه الزناد شجرتا المرخِ والعفار، فكون الانثى هي الزَّنْدَة السفلى مَرْخاً، ويكون الذكر وهو الزَّند الأعلى عَفَاراً، واختُلِفَ في العفار فقيل: هو ضربٌ من المرخ، وقيل: هو شجر صغار تشبه صغار شجر الغبيراء، منظره من بعيد كمنطره، والمرخ ليست صفته كذلك، بل المرخ ينبت قضباناً سمحة طوالاً سُلُباً لا ورق لها. ولفضل هاتين الشجرتين في سُرعة الوري وكثرة النار سار قول العرب فيهما مثلاً فقالوا: " في كل الشجر نار، واستمجد المرخُ والعفار " (2) أي ذهبا بالمجد في ذلك، وكان الفضل لهما.

_ (1) متابع لأبي حنيفة الدينوري في كتاب النبات: 122 (وساشير إليه بالرمز: حد) . (2) المثل في فصل المقال: 202 والميداني 2: 14 وجمهرة العسكري 2: 92.

ومن (1) فضيلة المرخ في كثرة النار وسرعة الوري أنّه ربما كان المرخ مجتمعاً متلبداً (2) وهبت الريح، فحكّ بعضه بعضاً، فأورى فأخرق الوادي كلّه. قال أبو زياد: ولم أر ذلك في شيء من الشجر. وفي المثل " أرخ يديك واسترخ، إنّ الزناد من مرخ " (3) أي اقتدح على الهوينا فإن ذلك يجزئ (4) إذا كان زنادك مرخاً، فإن أخطأ الزند الذكر أن يكون عفاراً فالدّفلى خير ما جعل مكانه، والدّفلى جيدة ورية، والعرب تقول: " اقدحْ بدفلى في مرخ، ثم شدّ بعد (5) أو ارخ " (6) وذلك إذا حملت رجلاً فاحشاً على رجلٍ فاحشٍ. والمرخ في الدّفلى (7) أسرع شيء سقوط نار. وزعموا أن عراجين النخيل فاضلة في ذلك وريَّة الزناد؛ وقد يقتصر على المرخ وحده ويُجْعَل الزّنْدان منه. 1030 - صفة الزندة (8) : عود مربع طولَ شبر أو أكثر، في عرض إصبع أو أشفَّ، وفي صفحاتها فُرَضٌ، وهي نُقَرٌ، الواحدة فُرْضَةٌ، وتجمع أيضاً فِراضاً، والزند الأعلى نحوها غير أنه مستدير وطرفه أدقُّ من سائره، وإذا أراد المقتدح الاقتداح وضع الزندة ذات الفراض بالأرض، ووضع رجليه على طرفيها، ثم جعل طرف الزند الأعلى في فُرْضَةٍ من فراضِ الزّندة، وقد تقدم، فهيّأ في الفرضة مجرىً للنار إلى جهة الأرض، يحز فيه بالسكين في جانب الفرضة، ثم فَتَل الزندة بكفيه كما يُفتل المِثْقَب، وقد ألقى في الفُرْضَة شيئاً من التراب يسيراً يبتغي بذلك الخُشْنَة ليكون الزند في الزندة، وقد جعل إلى جانب الفرضة عند مُفْضى الحز ريَّةً تأخذ فيها النار، فإذا فتل الزند لم يلبث الدخان أن يظهر، ثم تتبعه النار، تنحدر في الحز وتأخذ في الريّة، وتلك النار هي السِّقط - بكسر السين - والسَّقط - بالفتح - وكذلك الجنبن إذا سقط فهو سقط (1) ، ويقال في الجنين سُقط أيضاً - بالضم - فهكذا يُقْتَدَحُ

_ (1) حد: 124. (2) حد: ملتفاً. (3) المثل في فصل المقال: 202 وجمهرة العسكري 1: 172. (4) حد: مجزئ. (5) ص: تور بنبلاته. (6) المثل في فصل المقال: 203 والميداني 2: 31. (7) حد: والدفلى. (8) حد: 127. (1) حد: 124.

بالزناد. ولذلك شبّه عنترة حكَّ الذباب ذراعه بذراعه - وذلك (1) عادة في الذباب - باقتداح الأجذم، وهو المقطوع الكف، كأنّه إذا أراد الاقتداح وقد عدم كفيه احتاج إلى فَتْلِ الزند بذراعيه، قال ووصف عُشباً في روضة (2) : (3) وخلا الذبابُ بها فليس ببارحِ ... هَزِجاً كفعلِ الشاربِ المترنمِ هزجاً يحكُ ذراعَهُ بذراعِهِ ... قَدْحَ (4) المكبِّ على الزنادِ الأَجذمِ فإذا خرجت النار من تلك الحكاكة فصارت في الرية، وهي خرقةٌ، ضمَّ القادح الخرقة عليها وطَرَحَ الزندين. 1013 - قال أبو حنيفة (5) : ولا أعلم أحداً وصف الاقتداج بالزند وترشيح النار، من حين (6) سقطت شررةً إلى أن عَظُمَتْ، وَصْفَ ذي الرمة في قوله (7) : وسقطٍ كعينِ الدّيكِ نازعتُ (8) صاحبي ... أَباها وهيّأنا لمنزلها (9) وَكْرا مُشَهَّرةٍ لا تُمْكنُ الفحلَ أُمُّها ... إذا هيَ لم تُمْسَكْ (10) بأطرافها قسرا أخوها أبوها والضوى لا يَضيرها ... (11) وساقُ أبيها أمها عُقِرَتْ عَقْرا قد انتُتِجَتْ من جانبٍ من جنوبها ... عَواناً ومن جَنْبٍ إلى جَنْبِهِ بكرا فلما بَدَتْ كَفَّنْتُها وهي طفلةٌ ... بطلساءَ لم تكمُلْ ذراعاً ولا شبرا وقلتُ له ارفعها إليك وأحيها ... بروحك واقتَتْهُ لها قيتةً قَدْرا

_ (1) ص: ولذلك. (2) من معلقته المشهورة، انظر شرح القصائد السبع: 314 وشرح القصائد التسع: 477 وعده الجاحظ من التشبيهات العقم وأن عنترة غلب عليه حتى لو عرض له امرؤ القيس لافتضح، انظر الحيوان 3: 127. (3) ص: بنازح. (4) حد: حك. (5) حد: 128. (6) ص: حيث. (7) ديوان ذي الرمة: 1426. (8) الديوان: عاورت. (9) الديوان: لموقعها. (10) الديوان: إذا نحن لم نمسك. (11) وقع. هذا البيت في الديوان بعد قوله ((فلما تنمت ... البيت)) .

وظاهرْ لها مِنْ يابسِ الشَّخْتِ واستعنْ ... عليها الصَّبا واجعلْ يديكَ لها سترا فلما تَنَمَّتْ تأكلُ الرمَّ لم تدعْ ... ذوابلَ مما يجمعون ولا خُضْرا السقط: سِقْطُ النار، وقوله " نازعت صاحبى اباها " يعني أنه اقتدح هو مرّة وصاحبه مرة، كأنّ الزند كبا عليه فتعاوراه، والوكر ما هيأ من رية لتقع فيها، والفحل هو الأب الذي ذكره هو فحل للزندة، والأم هي الزندة وقوله " أخوها أبوها " يعني أنهما من شجرة واحدة، ويريد بالساق ساق الشجرة، وعُقِرَتْ: قطعت. وأما الضَّوَى فهو تداني نسب الأبوين، وذلك مكروه يُخْشى منه الضوى، وهو الضعف في البدن وفي الرأي، وربما خرج الولد إذا اكتنفه الضوى من كل جانب عديم العقل، ولذلك قيل: تباعدوا في المناكح لا تضووا، وقيل: الغرائب أنجب. فأراد ذو الرمّة إنّ الزناد ليس مما يضره الضوى، وألغز في الوصف، وأما قوله: " قد انتتجت من جانب من جنوبها عوانا " يعني الزندة (1) ، يقول: قد أقتدحت في فرضة من جنب من جنوبها عواناً، وذلك أنها فُرْضَة قد اقتدح فيها مرّة قبل ذلك، فهي من هذه الجهة عوان، واقتدحت من جانب آخر في فرضة جديدة لم يُقتدح فيها قبل ذلك، في من هذه الجهة بكر. وذكر بعض الأعراب أنهم يقتدحون في الفرضة الواحدة إلى أن يُنْفَذ إلى الوجه الآخر. وقوله " فلما بدت " يعني الشَّررة " وكفنتها " (2) ضمَّه إيّاها في الريّة، وكانت الريّة في هذه الحال خرقة طلساء، أي وسخة " لم تكمل ذراعاً ولا شبرا " لأن سقط النار يجتزئ بدون ذلك، وألغز في هذا أيضاً. وقوله " ارفعها إليك " فإنه خاطب صاحبه ذكر أنه نازعه القدح، فقال له، لمّا سقطت الشّررة وضمها في الرية: ارفعها إليك وانفخ فيها لتقوى، وهو معنى قوله وأَحْيِهَا بروحك. ثم قال: " واقتته لها " أي اجعل النفخ بمقدار، لا تشدّ فتقتلها ولا تضعف فلا تبلغ ما ينبغي، ولكن بَيْنَ ذلك قوتاً قدراً. والقيتة من كل شيء ما يكفي ويقوت؛ والمظاهرة: طَرْحٌ على طرح، أي ألقِ عليها بعد إحيائها في الريّة من يابس شختِ العيدان أي (3) من صغارها (4) وضعافها، لأنها لم تقوّ بعد على الأخذ في الغليظ، وكلّ دقيق شخت. وقوله: " واجعل

_ (1) ص: الرية. (2) ص: وتكفنته ضهر. (3) ص: التي. (4) حد: دقاقها.

يديك لها ستراً " لئلا تشتدّ عليها الريح فتقتلها؛ والتمنّي: الارتفاع والعلو، والرمّ: ما ارتممته من الأرض من حطام العيدان والقماش، يقول: فلما صارت في هذه الحال لم تدع رطباً ولا يابساً إلاّ أَخذت فيه، وما غلُظ من الخطب يسمّى الجَزْل. 1032 - وجميع الشجر الذي يُتَّخذ منها الزناد خواره كلّها، ولا تصلح الزناد من عُتُق العيدان وصِلابها، ولذلك صار النبع أقل الشجر ناراً لأنه أعتقها وأكرمها وأرزنها عوداً، ولذلك يُختار للقسيّ وما أشبه ذلك مما تراد صلابته. وليس كل خفيف خوارٍ يصلح للزناد، ولكن ما ذكرناه. 1033 - مقادح الحجارة والحديد: الحديد الذي يصنع به يسمى القرّاعة والقداحة والمِقدحة - بكسر الميم - والحجر الذي يقتدح يه يسمى المِظرّة - بكسر الميم -. وهذه الحجارة والحديد مخالفة للزناد في معنى الخؤورة، ولا تكون إلا من أصلب الحجارة والحديد. فإن حجارة القدّاحات إن كانت من الكذّان لم تصلح، وكذلك حدائدها إن كانت من حديد ليّن لم تصلح، ولا تصلح إلاّ أن يكون الحجر مرواً ذكراً والحديد يابساً مذكراً. 1034 - حسّان الكلبي المعروف بعرقلة (1) في المظرَّة وهي حجر القدّاحة: ومضروبة من غيرِ جُرْمٍ ولا ذنبِ ... حوى جِسْمُها مثلَ الذي قد حوى قلبي إذا ما أتاها القادحونَ عشيَّةً ... حَكَتْ فلكاً يرمي الشياطينَ بالشُّهْبِ 1035 - الشريف الموسوي: كأنَّ شرارةً من قدحِ نار ... رَمَتْ بِحُراقِها لهبَ الضرامِ شهابٌ حُطَّ من جبلٍ رفيع ... فألقى النارَ في ذيلِ الظلامِ 1036 - أخي شرف الدين حسن بن مكرم الأنصاري، رحمه الله: وما ذَكَرٌ مَيْتٌ وأنثاه مَيْتَةٌ ... تزوجها قهراً ولم يُعْطِها مهرا فواقَعَها في الحالِ آتته عاجلاً ... غلاماً كغصنِ البان قد يخجل البدرا يلفَّفُ في قمطٍ فيأكلُ قمطَهُ ... من الجوعِ أو يأتي بِمَطْعَمِهِ قهرا

_ (1) من شعراء الخريدة (قسم الشام) 1: 178؛ توفي سنة 567 وله ترجمة في الشذرات 4: 220 والفوات والنجوم الزاهرة 6: 64 وقد جمع شعره أحمد الجندي (دمشق: 1970) ووصف القداحة فيه ص: 12.

1037 - الشريف الموسوي يشكر على إهداء الزناد: شكري لفضلك بالزنادِ كأنه ... مَلْكٌ يُغيرُ على العدا أفراسا رقَّ الحراق فنال منه نقطة ... من قهوة ونمت فصارت كاسا كالقلبِ يقدحُ نظرةً فيه فتم ... لأه لأسبابِ الهوى وسواسا 1038 - ويقال (1) : زَنْدٌ خَوّارُ: إذا كان وريّاً سريع القَدْح كثير النار، بمنزلة الناقة الخوارة وهي الغزيرة اللبن، ولا يراد بذلك خؤورة العود، بل كثرة النار. يقال: زندً وارٍ اذا كان سريع الوري كثير النار، ومنه قولهم فلان واري الزناد، يريدون أنه نجيحٌ واضح الأمر مضيّ. ويقال (2) للزندين زنادٌ، ويجمع الزَّنْدُ أزنداً وأزناداً وزناداً وزُنُداً وأَزْاند. 1039 - الريَّة (3) : الرية دقيق النبت وحطامه وغير ذلك مما يسرع الاشتعال فيه إذا وضع على النار التي تقع من الزناد، وهي مأخوذة من وَرَيْتُ، وهي ما تُورى به النار - أي توقد - من خرقة أو عُطْبة أو قشرة؛ فإن كانت بعرةً فتّها لتأخذ النار فيها فهي فتّة. فأما ما يوضع تحت القرّاعة ليقع سِقْطُها فيه - وهو شررها - وهي الخرق المحرقه وما أشبه الخرق، فإنّ الفراء والأحمر قالا: هو الحَرُّوقاء بالتشديد وزاد الفراء فقال: هو الحَروق - بفتح الحاء والتخفيف - والحرّوق - بالتثقيل، والحُرَّاق مشدّدة؛ قال الشاعر يصف امرأة سليطة لها زوج حديد. فالشرُّ يهيج بينهما: قُرَّاعة وزوجها حُرَّاقُ ... ونارُ (4) الزناد أقوى من نار القرّاعة، ولذلك لا تحتاج إلى الحرّاق، وتأخذ في الفتّة من البعر والرية من العطب والقشور الليّنة، وخُرفع (5) العُشَرِ من أجود الحرّاق، يعني للزناد. وضروب الحرَّاق كثيرة منها قشرٌ يشبه السيداق (6) التي يُغْسَل برمادها الكتان.

_ (1) حد: 134. (2) حد: 137. (3) حد: 138. (4) حد: 139. (5) ص: وخروح. (6) ص: الغنداق.

1040 - ويقال (1) للشرر الذي يسقط من الزناد والقراعة نار أبي حباحب، ونار حباحب أيضاً، وهو الشرار الذي لا يضرّ؛ قال الشاعر (2) في نار ابي حباحب، وذَكَرَ السيوفَ إذا ضُرِبَ بها بَيْضُ الحديد (3) فقدحتْ: يرى الراؤون بالشّفراتِ منها ... كنار أبي حباحب والظبينا 1041 - الاحطاب: أبو زياد: العرفج أطيب الحطب ريحاً وأسرعه وقوداً والتهاباً، وهو ضرام، فهو سريع الأخذ سريع الانطفاء. ومن (4) النبات ما يُسْتَوقد رطباً كما يستوقد اليابس، وأكثر ذلك من أجناس الحمض، وأفضل الحمض في ذلك القَيْسَبُ فإنه ليس بين رطبه ويابسه فرق. وليس (5) في الشجر أذكى ناراً ولا أبقى جمراً من الغضا، ربما بقيت ناره تحت الرماد المدة الطويلة تتعاورها الرياح والأمطار وهي حيّة، وبعد الغضا في كثرة النار وقلّة الرماد القَرْظُ، والسَّنْط منه، وهو قَرْظ ينبت بمصر، يوقد النهار والليل كلّه فلا تجد له من الرماد إلاّ اليسير مع ذكاء وقود؛ وقد ضربت العرب المثل بجمر الغضا لذكائه، قال امرو القيس (6) : كأنّ على لبّاتِها جَمْرَ مُصْطَلٍ ... أصابَ غضاً جزلاً وكُفَّ بأجذالِ الأجذال: جمع جِذْل، وهو أغلظ الحطب وأصل الشجرة، والعَصَلُ في ذلك مثل الغضا، والعصل يشبه الدّفلى، وكذاك حطب المَظِّ ويتخذ منه داذين يستوقد استيقاد الشمع، وتتخذ من أطراف العصل قِلْي. والضبّار أيضاً كذلك في جَودة الحطب، وليس في الشجر إذا اشتعلت فيه النار وهو رطب أشدّ فرقعة منه، إنما هو بمنزلة المخاريق (7) .

_ (1) حد: 133. (2) حد: قال الكميت؛ والبيت في مجموع شعره 2: 126 وفي اللسان والتاج (حبب، شفر) والتهذيب 11: 351، 14: 399 والمحكم 2: 383. (3) ص: الحرب. (4) حد: 158. (5) حد: 159 - 160. (6) ديوان امرئ القيس: 29. (7) ص: المجانيق.

1042 - الأدخنة والأرمدة وألوان النار (1) : 1 - إذا خلص الدخان من اللهب، وذلك إذا علا وضعفت حرارته فهو نحاس، وفي التنزيل (يُرْسلُ عليكما شواظٌ من نارٍ وَنُحاسٍ) والشواظ: اللهب الذي لا دخان له، وقال الجعدي (2) : تضيءُ كضوءِ سراجِ السَّليطِ ... لم يجعلِ اللهُ فيه نُحاسا وإذا كان الدخان أبيض وُصِفَت النار بالشُّقرة لأجل بياض دخانها. قال الشاعر: ويوقدها شقراءَ من فَرْعِ تَنْضُبِ ... جعلها شقراء أَن كان حطبها التَّنْضُبُ، ودخان التنضُب أبيض 2 - وألوان (3) لهب النيران على قدر ألوان الدخان؛ وكلما مال الدخان إلى البياض مال لون اللهب إلى الشقرة، وكلما كان الدخان أشدّ سواداً كان اللهب أشد حُمْرةً، حتى إذا اشتدّ سواد الدخان اكماتَّ اللهب، وبين دخان الحطب الواحد في أول ما تششعل النار فيه وبينه إذا توسطت الحال وإذا تناهى حَمْيُ الحطب وقهرته النار اختلاف كثير، فإن النار أول ما تأخذ في الحطب يكون لهبها أقرب إلى السواد، ولا سيما إن كان الحطب رطباً، ثم ترى اللهب يصفو ويميل إلى الشقرة على قدر احتدام الحطب ورقّة دخانه، حتى إذا كان آخراً وذكت النار ورقّ الدخان اشقارَّ اللهب، حتى إذا انقطع الدخان الغليظ ألبتة وصار الخطب جمراً ذاكياً متوهجاً رأيت له لهباً لطيفاً قليل الشّقرة قريباً من البياض، وذلك هو الأُوار، وما بقي له من لون حينئذٍ فهو من قبل جنس الجمر، ألا ترى أن أُوار الحُمم أخضر، وذلك لغلبة السواد على الفحم. وانما اللهب دخان حميَ فآض ناراً، وكل شيء يحمى حتى يتناهى في الحرارة تحوَّل ناراً، وإنما النار دخان انتهى في الحرارة أو جمر، ألا ترى أن كل شيء لا دخان له فإنك إذا أحميته آض جمراً من غير أن يكون له لهب، كالحجارة والحمم والحديد وما أشبه ذلك، وإن كان في الحمم بقية من الصنف الذي

_ (1) حد: 157. (2) ديوانه: 81. (3) حد: 155 - 156.

يصير من الحطب دخاناً صارت تلك البقية أواراً، وهو أرقّ من الدخان وألطف، وكذلك أيضاً يكون لون الأوار أضعف وأرقّ من لون اللهب. 3 - فإن (1) عريت النار من أن تكون من أوارٍ أو دخانٍ أو جمر كانت بيضاء خالصة البياض كلون نار المهاة التي توجد عنها النار فتقوم مقام القداحة، وكلون نار المرآة المحرقة، فإنّ هاتين النارين بيضاوان من أجل أنه لا دخان هناك ولا جمر، وإذا ألهبنا الرية المدخنّة كان اللهب الساطع من الرية أحمر من أجل الدخان، وإنما ألهبَتْها نار بيضاء كالبَرَدَة. 4 - ونيران (2) الأدهان والصموغ والكباريت والزفوت شديدة اختلاف الألوان، منها الأسود وقريب من السواد، ومنها الأخضر والأصفر والأزرق والأشهب في ألوان غير محدودة، وكذلك أرْمِدَتُها وأرمدة الأحطاب وحُرَّاقات الأشياء فإن منها الأسود والأخضر والأصفر والأحمر، فترى رماد النار العظيمة أصنافاً وهو رماد ساعته، فترى ظاهرة بخلاف وسطه، ووسطه بخلاف أسفله، وأسفله فيه ألوان متعددة، ولذلك قيل للرماد أَخْرج، والخُرْجَة لونان يختلطان وقيل له أيضاً أَوْرَقُ وخصيفٌ. 5 - ورماد (3) الحجارة وهو الكلس أشدُّ شيء بياضاً، وعلل ذلك وأسبابه لا تنحصر، يدلّ مذكورها على ما لم يُذْكَر، ويقال رماد رِمْدِدٌ على وجه المبالغة، وتجمع أرمدة وأرمداء. قال الراجز (4) : لم يُبْق هذا الدهُر من آيائه ... غيرَ أثافيه وأرمدائِهِ 6 - فأما (5) الجمر فلون جمر جميع الحطب واحد أو قريب. قالوا (6) : وقد يختلف لون الجمر باختلاف الأوقات المنظور إليه فيها، فهو في الشمس أكهب، وفي الفيء أَشْكَلُ، وفي الليل أحمر.

_ (1) حد: 156. (2) حد: 158 - 159. (3) حد: 159. (4) الرجز في اللسان والتاج (رمد) وفيه: من ثريائه. (5) حد: 153. (6) لم أجد هذا عند أبي حنيفة في كتاب النبات.

والعرب تصف النار في أشعارها بالشقرة وبالحمرة على حسب الاختلاف في ألوانها المذكورة قبل الأسباب المذكورة فيه في شُقرة النار، يقول مزرّد (1) : فأبصرَ ناري وهي شقراءُ أُوقدتْ ... بعلياءَ نشْزٍ للعيونِ النواظرِ وقال آخر: ونارٍ كَسَحْرِ العَوْدِ ترفع ضوءَها ... مع الليل هبَّاتُ الرياحِ الصواردِ السَّحْر: الرئة، وسَحْرُ العَوْدِ - وهو المُسِنُّ من الإبل - أشدُّ حمرةً. 1043 - ألوان الأدخنة (2) : 1 - قد بيّنا أن اختلاف ألوان الأدخنة علّة اختلاف ألوان اللهب، واختلاف أجناس الحطب مع اختلاف أحواله في الرطوبة واليبوسة علّة اختلاف الأدخنة. فأما العلّة التي تعرض في اختلاف ألوان الدخان من قبل اختلاف جنس الحطب فكالذي يعرض لدخان التَّنّضُب فإنه أبيض في مثل لون الغبار، ولذلك شبّه الشعراء الغبار به في مواضع كثيرةٍ من أشعارهم، منها قول طفيل الغنوي وذكر الخيل (3) : إذا هَبَطَتْ سهلاً كأنّ غبارهُ ... بجانبه الأقْصى دواخنُ تَنْضُبِ 2 - ودخان (4) الرّمث أشدّ سواداً من دخان التنضب، ولم يبلغ أن يكون أسود ولكن أورق كلون الذئب، ولذلك شبهت العرب لون الذئب بلون دخان الرمث؛ قال الشاعر يصف الذئب: كأنَّ دخانَ الرمثِ خالَطَ لونَهُ ... يُغَلُّ به من باطنٍ ويجلَّلُ وقال الراعي يشبه لون الذئب بلون دخان العرفج الذي مسه الماء (5) : متوضّح الأقرابِ فيه شُهْبَةٌ ... نَهشُ اليدين تخالُهُ مشكولا كدخانِ مرتجِلٍ بأَعلى تلعةٍ ... غَرْثانَ يُضْرِمُ عرفجاً مبلولا

_ (1) حد: 158؛ ولم يرد البيت في ديوان مزرد. (2) حد: 153 - 154. (3) ديوان طفيل: 25. (4) حد: 154. (5) من لاميته المشهورة التي وردت في جمهرة اشعار العرب، انظر شعر الراعي: 139 والحيوان 5: 65 - 66 والمفضليات: 880 والفصول والغايات: 467.

يكون المرتجل الذي يطبخ الجراد أو يشويه، والرِّجل من الجراد: القِطْعة، ويكون المرتجل: الطابخ بالمرْجَل، ويكون المرتجل: القادح بالزند، وارتجاله الزندة وضع إبهامَيْ رجليه عليها كيلا تزول إذا فتل فيها الزند. 1044 - وصف النار من ابتدائها إلى انتهائها وأسماؤها: 1 - قال الأصمعي (1) : يقال للزند إذا قدَحْتَ به فسمعت له عند خروج النار منه صوتاً: قد كشَّ الزند يكشُّ كشّاً، وسمعت كشّة الزند، وذلك إذا همّ الدخان أن يتحول ناراً من قبل أن تقوى حرارته، فيحدث من ذلك صوت كما يحدث من الحطب إذا اندفع من جوفه دخان شديد الازعاج (2) كأنه النَّفخُ، وأرادت النار العلوق به ولم تقدر لضعفها وقوّة اندفاع الدخان، فيحدث بينهما الصوت الذي يقال له الفحيح، يقال: فحَّت النار تفُحُّ فحيحاً كما يقال في الحيّة إذا نفخت. 2 - فإذا مار ذلك الدخان ناراً فذلك وَرْيُ الزناد وإيراؤها، وتلك النار حينئذٍ سِقْطٌ، وهي شرارة وشَرَرةَ، والجميع شَرَرٌ وشرارٌ، فإذا أخذت في الرية فقد تمّ عمل الزناد وحَيِيَتِ النار. 3 - ثم (3) تبتغي حينئذ ثقوباً وهو مايثقبها ويقويها مما هو أقوى من ذلك قليلاً، يقال ثَقوب وثقاب؛ فإذا ألهبت فهو اللهب، ثم ينميها تنمية، إذا قواها بأكثر من ذلك كي ترتفع، فإذا علت وقويت قلت: شبَّت تشبّ، وشَبَتْتُها أنا أشبُّها، فهي نار مشبوبة، ولا يقال هي شابة ولكن مشبوبة، ويقال لما شَبَبْتَ به شِبَابٌ، كما يقال لما ثقبتها به ثقوب، ولما أوريتها به ريّة، فإذا قويت النار فقد اشتعلت تشتعل اشتعالاً، وأشعلتها إشعالاً، والشُّعلة الطائفة منها تشتعل، والشَّعيلة ما أخَذَتْ فيه الشعلة، ولذلك قيل للفتيلة شعيلة، والمِشْعَل - بكسرالميم - ما أشعلتها به كالمِسْعَر، وهو ما سَعَّرتها به، والمَسْعَر - بفتح الميم - مَوْضِعُها الذي تُسْتَوقَد فيه، والعُشْوَة كالشُّعْلَة، قال الراجز (4) :

_ (1) حد: 137. (2) حد: الانزعاج. (3) حد: 139 - 142. (4) اللسان والتاج (عشا) ، وقبله: حتى إذا اشتال سهيل بسحر.

كَعُشْوَةِ القابسِ ترمي بالشَّرر ... وتأجمت النار وتأطَّمت، إذا ذكت، وكذلك قالوا في الغضب تأجَّم عليه وتأطّم، وكذلك اضطرمت فهي تضطرم اضطراماً، وتضرّمت تتضرم تضرماً، وأضرمتها أنا أُضرِمها إضراماً، والضَّرَمَة ما اضطرمت فيه النار كائناً ما كان. وفي المثل " ما بها نافخ ضَرَمة " (1) . والضريم: الحريق نفسه. قال أبو زياد: لا تقول للعود ليس فيه نار ضرمة، فإذا كان في العود نار قيل جاء بضرمة، إذا اقتبس (2) فيها، وتقول للحطب ليس فيه نار ضرام، قال: والضرام عندنا أَشْخَتُ الحطب وأدقّه وأضعفه. قال أبو زيد: العرفج وما دونه ضرام، والقصب وكل شيء ليس له جمرفهو ضِرام، وكل ما له جمر فهو جَزْل. ويقال (3) : تسعرت النار تتسعّر تسعّراً واستعرتْ تستعرُ استعاراً، وأسعرتُها أنا وسعَّرتها، والسَّعير: الحريق، والسُّعار: حرُّ النار وذكاؤها، والمِسْعر: بكسر الميم: ما سَعَّرْتَ به النار، وهو المِسْعَار والمِحراث والمِحْضَاء، كلّه للعود الذي تُحرِّك به النار وتُفْتَح به عينها. فإذا فعلت فيها ذلك قلت ذكَّيتها تذكيةً، والذُّكْيَةُ - بالضم - ما ألقيت عليها من حطب أو غيره. 4 - ويقال (4) : اضْرَحْ نارك أي افتح لها عيناً وأصل الضَّرْح الشقُّ. وأجّجت النار ألهبتها، وتأجَّجَت هي تأجُّجاً، وائتَجَّت ائتجاجاً فسمعت للهيبها صوتاً، والأَجَّةُ لفْحَتُها، وأجيجها صوت لهيبها. ويقال للنار حَدَمَةٌ وحَمَدةٌ، وهو صوت الالتهاب، ويوم مُحْتَدِمٌ ومحتمدٌ. وصلا النار (5) - مفتوح مقصور - وصِلاؤها - مكسور ممدود -: حَرُّها، والمصطلي ألمتلقي صَلاَها. ووقدت النار وتلظَّت وتوهَّجَت إذا اشتدَّ حرّها، وكذلك تحرّقت وأضاءت النار وضاءت وهو ضوؤها - بالفتح والضم - وتوبَّصت النار رأيت

_ (1) في اللسان (ضرم) : ما بالدار نافخ ضرمة. (2) ص: أقبس. (3) حد: 142. (4) حد: 144. (5) حد: 146 - 147.

وبيصها، والضُّوء - بالفم - من لغة أهل الحجاز، وهم الذين يقولون الشُّهد والسُّم - بالضم. وكذلك (1) أنارت النار وأنرتها أنا وتنوَّرتها إذا نظرت إليها من منظر بعيد، وموضع النار المنيرة منارة ومَنْورة على الأصل، والجميع منائر ومناور. ولألأت النار لألاءةً: إذا لمعت وبرقت، ولألاء كل شيء: لمعانه وبريقه. وجاحم النار وجحيمها معظمها. ومَعْمَعِة النار ما سمع من صوتها إذا اشتد لهبها، وإذا اشتد صوتها في تلهّبها فذلك الزفير. 6 - والنار (2) تذكّر وهو قليل، قال الشاعر: فمن يأْتنا يُلْمِمْ بنا في ديارنا ... يَجْدِ أثراً دعساً وناراً تأَجَّجا 7 - يقال (3) : نار وأَنُورٌ وأنؤر ونِيارٌ ونِيرانٌ ونيرةٌ مثل: جار وجيرة، قال بشر يصف الإبل (4) : تَشُبُّ إذا ما أَدْلَجَ القومُ نيرةً ... بأَخفافها من كلِّ أمْعَرَ مُظْلمِ 8 - والحَرَقُ (5) من أسماء النار - بفتح الراء - ولذلك قيل: " اذهب في حَرَقِ الله ونارِهِ ". يراد به النار نفسها. ومن (6) اسمائها سَكَنٌ وماموسة قال ابن أحمر (7) : كما تطايرَ عن ماموسَةَ الشَّرَرُ ... ومن أسمائها الصَّلاء - بفتح الصاد والمدّ - والوحِيّ - بالكسر والتشديد؛ قال ثعلب (8) سألت ابن الاعرابي عن الوحيّ فقال هو المَلَك، فقلت: ولم سُمِّي المَلَك الوحي؟ فقال: الوحي النار فكأنّ الملك مثل النار يضرُّ وينفع.

_ (1) حد: 147 - 148. (2) حد: 144؛ ونقل صاحب اللسان هذا النص عن أبي حنيفة أيضاً وأورد البيت شاهداً، قال: وروايته سيبويه، يجد حطباً جزلاً وناراً تأججا، وانظر سيبويه 1: 446. (3) حد: 147. (4) ديوان بشر بن أبي خازم: 196. (5) حد: 146. (6) حد: 163. (7) ص: قال الأحمر؛ وانظر شعر ابن أحمر: 100 وصدر البيت: تطايح الطل عن أردافها صعداً. (8) انظر ربيع الأبرار 1: 176 (تحقيق النعيمي) .

9 - وإذا (1) سكن لهب النار وانقطع قيل: خَبَت النار تخبو خُبُوّاً، وخمدت تخمد خموداً، قال عزّ وجلّ: (كلّما خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً) . فإذا ذهب الجمر إلاّ بقايا منه في الرماد تتبينها إذا حرّكت الرماد، والرماد حارمن أجل تلك البقية، فذلك الرماد يقال له المهل ويسمى أيضاً المَلَّة، ولذلك سمّى الناس الخبز الملّة، إنما هي المليل ولكن سُمّيت باسم الملّة، ومنه أخذت المليلة في الحمّى. ويقال للمليلة (2) من الخبز أيضاً الفئيد، والموضع الذي يفتأد فيه هو المُفْتَأَد. فإذا برد الرماد فلم يبق فيه من الجمر شيء قيل همدت النار تَهْمد هموداً فهي هامدة، وقد طُفِئَتْ انار تطفأ طفوءاً، وأنطفأت وأطفأتُها أنا، وماتت النار تموت موتاً فهي ميتة، وحيت تحيا حياة فهي حيّة. وإذا صارت رماداً فهي آسة. 10 - ومن أحسن ما قيل في النار بعد انطفائها وبقاء رمادها حاراً ما قال عبد الله بن محمد الأزدي من شعراء إفريقية (3) : تظنّنَّ امرءاً أغضبه ... سَبَبٌ ثم انقضى ذاك السببْ سالمَ الصَّدْرِ من الحِقْدِ وإنْ ... أظهرَ الودَّ ولم يُبْدِ الغَضَبْ فمكانَ النار يبقى حرُّها ... كامناً فيه وإن زال اللَّهب 1045 - أوصاف النار: 1 - قالت العلماء: ليس في العالم جسم صرف غير ممزوج، ومرسل غير مركب، ومطلق القوى غير محبوس، أحسن من النار، ويقال: شراب كأنه النار، وامرأة حسناء كأن لون وجهها لون النار. وقالت أعرابية (4) : هذا والله وأنا أحسن من النار. ويقال لمن يوصف بالذكاء هو إلاّ نار موقدة. 2 - وقال بعض الحكماء (5) : النيران أربع نارٌ تأكل وتشرب وهى نار المعدة،

_ (1) حد: 151 - 152. (2) حد: للمليل. (3) هو من شعراء الانموذج، ذكرت ترجمته في مسالك الأبصار 11: 235 وأورد الأبيات؛ وانظر الفقرة رقم: 299 في ما تقدم. (4) محاضرات الراغب (2: 277) . (5) محاضرات الراغب (2: 278) .

ونار تأكل ولا تشرب وهي النار الموقدة، ونار تشرب ولا تأكل وهي نار الشجر، ونار لا تأكل ولا تشرب وهي نار الحجر. 3 - وقالوا: الاصطلاء لذيذ عند الامتلاء. 1046 - شاعر: وشعثاءَ غبراءِ الفروعِ منيفةٍ ... بها تُوصَفُ الحسناءُ أو هيَ أجملُ دعوتُ بها ابناءَ ليلٍ كأَنَّهُمْ ... وقد أبصروها مُعْطِشُونَ قد انهلوا 1047 - جعميل بن معمر (1) : رأيتُ وأصحابي بأَيلةَ موهناً ... وقد غاب نجمُ الفرقدِ المتصوِّبُ لبثنةَ ناراً ما تبوخُ كأنها ... إذا ما رمقناها مع الّليلِ كوكبُ 1048 - جامع الكلابي (2) : وإنّي لنارٍ أُوقدت بينَ ذي الغضا ... على مل بعيني من قَذَىً لَبَصيرُ اضاءت لنا وحشيةٌ غير أنّها ... مع الإِنس ترعى ما رَعَوْا وتسير 1049 - آخر: يا مُوقدَ النارِ يذكيها ويُخْمِدُهَا ... قَرُّ الشتاءِ بأَرواحٍ وأمطارِ قمْ فاصطل النارَ من قلبي مُضَرَّمَةً ... بالشوق تَغْنَ بها يا موقدَ النار ويا أخا الذَّوْدِ قد طال الهُيامُ بها ... لم تدرِ مل الريُّ من جَدْبٍ وإقتار رِدْ بالعطاشِ على عيني ومحجرها ... تَرْوَ العطاشُ بدمعٍ واكف جار 1050 - آخر: يا موقدَ النار بالزناد ... وطالبَ النارِ في الرَّمادِ دعْ عنك شكاً وَخُذْ يقيناً ... واقتبسِ النار من فؤادي 1051 - ربيعة بن ثابت (3) : لمن ضوءُ نارٍ قابلتْ أعينَ الركب ... تُشَبُّ بِلَدْنِ العُودِ وَالْمَنْدَلِ الرَّطْبِ

_ (1) هما لكثير في الزهرة: 234 وتشبيهات ابن أبي عون: 204. (2) الزهرة: 233. (3) الزهرة: 235.

فقلت لقد آنستُ ناراً كأنّها ... سنا كوكبٍ لاحت يحنُّ لها قلبي 1052 - أبو تمام يصف حريق الأفشين (1) : ما زال سرُّ الكفر بين ضلوعه ... حتى اصطلى سرَّ الزناد الواري نارٌ يساورُ جسمَهُ من حرِّها ... لَهَبٌ كما عَصْفَرْتَ شِقَّ إِزارِ طارتْ لها شُعَلٌ يهدِّمُ لفحُها ... أركانَهُ هَدْماً بغيرِ غبار مشبوبةٌ رُفِعَتْ لأعظمِ مُشْرِكٍ ... ما كان يَرْفَعُ ضوءَها للساري صلّى لها حيّاً وكان وقودها ... مَيْتاً ويدخلها مع الكفار 1053 - ابن العين زربي (2) في حريق دمشق في سنة إحدى وستين وأربعمائة: لهفَ نفسي على دمشقَ التي كانت جمالَ الآفاقِ والأَقطارِ ... وعلى ما أَصاب جامعها الجامعَ للمعجباتِ والآثار ... كنتَ إن جِئْتَهُ تعاينُ فيه ... رَبْعَ فَضْلٍ وموضعَ استغفار فأتته النيران طولاً وعرضاً ... عن يمينٍ من قُطْرِهِ ويسار ثم مرَّتْ على حدائقِ نخلٍ ... فإذا الجمرُ موضعَ الجمَّار فكأنَّ الفردوسَ قد عَصَتِ الله فولَّى عذابَها للنار ... كان إحراقُهُ من الجانبِ الغربيِّ يومَ الإثنين نصفَ النهار ... نصفَ شعبانَ عام إِحدى وستين فأضحى قد رُدَّ كالمستعار ... 1054 - الشريف أبو الحسن ابن حيدرة العقيلي من شعراء مصر في حريق على بُعْدٍ (3) : وقع الحريقُ بموضعٍ لم أُسْمِهِ ... وأتى وهيجٌ غيرُ ذي إلهاب فكأنَّ لمعَ النارِ بين دُخَانِهِ ... برقٌ تألَّقَ في سماءِ ضَبابِ 1055 - الجماز يهجو مروان أبا السمط بِبَرْدِ شعره (4) :

_ (1) ديوان المعاني 1: 287 - 288 وتشبيهات ابن أبي عون: 205 وديوان أبي تمام 2: 203. (2) ص: ابن عنين، وذلك خطأ لأن ابن عنين توفي 630، وانظر قصة الحريق وبعض الأبيات في مسالك الأبصار 1: 198 - 199. (3) ديوان العقلي: 75. (4) الجماز شاعر بصري اسمه محمد بن عمرو (- 250) ، راجع ترجمته في تاريخ بغداد 3: 125 وطبقات ابن المعتز: 373 ومعجم المرزباني: 474 أما أبو السمط فهو مروان بن أبي حفصة الصغر وله ترجمة في تاريخ بغداد 13: 153 والأغاني 12: 72. ومعجم المرزباني: 321.

اجتمع الناسُ وقالوا الحريقْ ... بباب مروانَ وَسُوقِ الرقيقْ فجاء مروانُ على بغلةٍ ... فأنشدَ الشعرَ فأَطفا الحريق 1056 - كان نصير الدولة أمير إفريقية يشرب ليلةً على موضع مرتفع، والعسكر أسفل منه، ونيران العسكر موقدة، وفي المجلس ابن حيان الكاتب (1) فأمره بصفة الحال فقال: بتنا نديرُ الراحَ في شاهقٍ ... ليلاً على نغمة عُودَيْنِ والنارُ في الأرضِ التي دوننا ... مثلُ نجومِ الجوِّ في العين فيا لَهُ من منظرٍ مونِقٍ ... كأننا بين سماءين 1057 - وأحسن منه قول القاضي نصر بن سيار (2) : ربَّ ليل كَشَعْرِ ليلى سواداً ... شَقَّ جلبابَهُ على الأرضِ نارُ فترى الأرضَ كالسماء وكلٌّ ... قد تحلى خلالهُ أنوار بشرارٍ كأنّهن نجوم ... ونجومٍ كأنّهنَّ شَرارُ 1058 - الحيص بيص ملغزاً في النار (3) : هل تعرف الحسناءَ تف ... جرُ بالبروزِ على الطريقِ ولها وليٌّ لا يَغا ... رُ من الزيارةِ والطُّروق لا يستريبُ بها وإن ... كانتْ سُعاراً للرّفيق وإذا اختفتْ في خِدْرها ... خَلَدَتْ لتظهرَ في الخفوق فأتتكَ منه في خِضا ... ب ناصلٍ واهي الخروق وقد اكتستْ بغلالةٍ ... إمّا عرارٍ أو شقيق تاجُ الزمرد فوق مف ... رقها يُرَصَّعُ بالعقيق بينَ الأنامِ وبينها ... ما شئت من نَسَبٍ عريق

_ (1) ابن حيان الكاتب من شعراء الأنموذج واسمه محمد بن عطية انظر ترجمته في الوافي 4: 95 والقصة والأبيات في مسالك الأبصار 11: 336. (2) دمية القصر 2: 276. (3) لم ترد في ديوانه أو في الخريدة (قسم العراق) .

1059 - ابن أبي الشبل ملغزاً فيها: وآكلةٍ بغير فمٍ وبطن ... لها الحيوانُ قوتٌ والنباتُ تُصَرِّفُ أَلسناً من غير نطق ... سوى لغةٍ تخالفها اللغات فما أكلت به تحيا وتطغى ... فإن شَرِبَتْ يعالجها الممات 1060 - أبوالفضل ابن العميد ملغزاً فيها: ماذا ترى يا أبا العباسِ في عَجَبِ ... تشابهتْ منه أُولاه وأُخراهُ ترى مقدّمه شَرْوَيْ مؤخره ... حسناً ويمناه في تمثالِ يسراه من حيثُ واجهته أرضاك منظرُهُ ... وكيف قابلته أَعياكَ معناه يهوى المباعدُ عنه قربَ منزله ... حتى إذاما تَغَشَّاه تحاماه 1061 - ابن خفاجة (1) : وموقدِ نارٍ طاب حتَّى كانما ... يشبُّ الذي فيه لساري الدجى نَدَّا فأطلعَ من (2) داجي دخانٍ بنفسجاً ... جنيّاً ومن قاني شواظٍ له وردا 1062 - وله (3) : حمراءُ نازعتِ الرياحَ رداءَها ... وَهْناً وزاحمتِ السماءَ بمنكبِ ضربتْ سماءً من دخانٍ فوقها ... لم تدل (4) فيها شُعْلةً من كوكب وتنفست من كلّ (5) نفحة جَمْرةٍ ... باتتْ لها ريحُ الشمالِ بمرقب مشبوبةٌ فكانّما هيَ زفرةٌ ... من مُحْنَقٍ أو نظرةٌ من مغضب قد أُلهبتْ فتذهبت فكأنها ... لسكونها بشرارها (6) لم تُذْهب تذكو وراءَ رمادِها فكأنها ... شقراءُ تمرحُ في عَجَاجٍ أكهب (7)

_ (1) ديوان ابن خفاجة: 133. (2) ص: داني. (3) ديوان ابن خفاجة: 74 ونهاية الأرب 1: 117. (4) الديوان: تدر. (5) الديوان: عن كل لفحة. (6) ص: لشرارها؛ الديوان: لسكون شر شرارها. (7) ص: أشهب.

1063 - أبو محمد عبد الله بن سارة من شنترين في المائة السادسة (1) : لابنةِ الزَّنْدِ في الكوانين جمرُ ... كالدّراري في الليلةِ الظلماء خبراني عنها ولا (2) تكتماني ... ألدَيْهَا صناعةُ الكيمياء سَبَكَتْ فحمنا (3) سلاسلَ تبرٍ ... رصعتهُ بالفضّةِ البيضاء كلَّما ولولَ النسيمُ عليها ... رقصتْ في غلالةٍ حمراء لو ترانا من حولها قلتَ شَرْبٌ (4) ... يتعاطَوْنَ أَكْؤُسَ الصهباء سَفَرَتْ في (5) عشيِّنا فأرَتنَا ... حاجبَ الشمسِ طالعاً بالعِشاء 1064 - وله فيها (6) : ما كابنة الزند للمقرورِ فاكهةٌ ... إذْ يُجْمِدُ البردُ منه ساعداً ويدا جاؤوا بياقوتةٍ منها وقد قطعوا ... من مِسْكِ دارينَ أثواباً لها جددا حتى إذا ما تغطتْ بالرمادِ حَكَتْ ... ورداً عليه سقيطٌ الطلِّ قد جمدا 1065 - وله فيها (7) : باتتْ لنا النار دُرياقاً وقد جَعَلَتْ ... عقاربُ البردِ تحت الليل تَلْسَعُنا زهراءُ قَدَّتْ لنا من دفئها لُحُفاً ... لم يَعْلَمِ البردُ فيها أين موضِعُنا لها حريقٌ بكانونٍ نطيفُ به ... كمثل جامِ رحيقٍ فيه مَكْرَعُنَا تُبيحنا قُرْبَها حيناً وَتُبْعِدُنا ... كالأمِّ تلفظنا (8) طوراً وترضعنا 1066 - محمد بن أبي الخصال كاتب يوسف بن تاشفين (9) :

_ (1) القلائد: 266 والشريشي 2: 327 (بولاق) ونفح الطيب 3: 442 ومجموع شعر ابن صارة: 57 وهي لأبي مروان ابن أبي الخصال في نهاية الأرب 1: 118. (2) النفح: خبروني ... تكذبوني. (3) النفح: صفائح، النفح: سبائك. (4) النفح: قوم. (5) القلائد: عشائها، النفح: عن جبينها. (6) لم ترد في مجموع شعره. (7) قلائد العقيان: 267 ومجموع شعره: 60. (8) قلائد: تفطمنا. (9) هو ذو الوزارتين الكاتب أبو بكر بن أبي الخصال محمد بن مسعود بن طيب بن خلصة (465 - 540) ، ولم يكن كتاباً ليوسف تاشفين. وإنما كان كاتباً لابن الحجاج أمير قرطبة، له ترجمة الذخيرة 3/ 2: 786 وقد ذكرت هنالك عدداً جماً من مصادر ترجمته.

انظر إلى النارِ وهي راقصةٌ ... تهزُّ أكمامها من الطَّربِ تضحكُ من أبنوسها عجباً ... إذْ صَيَّرتْ عَيْنَهُ إلى الذَّهَب 1067 - الصنوبريّ في نار الميلاد (1) : ألست ترى الميلادَ قد بثَّ عَسْكَرَهْ ... وأعلامهُ في كلّ وجه مُنَشَّرَهْ تُشَبَّهُ بيضُ الدُّورِ والنارُ حولها ... ببيضِ جوارٍ في ثيابٍ معصفره 1068 - يحيى (2) بن هذيل (3) : ومحجوبةٍ في كلِّ وقتٍ ظهورها ... يَخافُ عوادي غَدْرِهَا مَنْ يديرُهَا يجيرُ عليها الماء والماءُ حتْفُها ... ولكنها في ملك من قد يجيرُها لغزَّتْ (4) فلم يستغنِ عنها ابنُ آدم ... وهانَتْ عليه فهو لا يستعيرها كأنَّ ركاماً فوقها وهي تحته ... عجاجٌ، وَطِرْفٌ أشهبٌ يستثيرها 1069 - وله (5) : وقفتُ على عفراءَ والجزعُ دونها (6) ... لأنظرَ من نارٍ على البعد توقدُ تقومُ بطولِ الرمح ثم يخونها ... (7) هبوبُ الصَّبا عند السكونِ فتقعد فَشَبَّهْتُها في الحالتين بقارئ ... إذا اعترضتْهُ سَجْدَةٌ ظلَّ يسجد في نار النفط على الماء: 1070 - أسعد بن إبراهيم بن بليطة من شعراء الأندلس (8) : والنفطُ مهما افترَّ فوه فاغراً ... أجرى لسانَ النار فوق الماءِ

_ (1) ديوان الصنوبري: 71. (2) ص: محمد. (3) انظر تشبيهات الكتاني: 168 - 169. (4) ص: أعزت. (5) تشبيهات ابن الكتاني: 168. (6) التشبيهات: علياء ... بيننا. (7) التشبيهات: تقوم بطول الرمح إن هبت الصبا ... وعند سكون الريح تهدا فتقعد (8) الذخيرة 1/ 2: 796.

فكأنه ذهبٌ جرى في صارمٍ ... أو رجعُ برقٍ في أديمِ سماء 1071 - والدي جلال الدين المكرم، رحمه الله: كأنَّما الماءُ حين لاحتْ ... من فوقه النارُ وهو جاري أرضٌ من اللازورد مَدُّوا ... بها بساطاً من النُّضَار 1072 - وله: انظر إلى النارِ على ال ... ماء ترى منها العَجَبْ كثوبِ خمرٍ أخضرٍ ... له طرازٌ من ذهب 1073 - وله: كأنما البحر طَفَتْ من فوقه ال ... نار إذا شبَّهها المحققُ عشيةٌ صاحيةٌ [.........] ... يظهر بعدَ الشمسِ فيها الشَّفق 1074 - أبو الحسن ابن سعيد: اطارَ النفطُ فوقَ الماءِ ناراً ... قد اصطلحا لتكميل الهياجِ أرى شفقاً يلوحُ على سماءٍ ... كما ذابَ العقيقُ على الزجاج 1075 - شرف الدين أبو طالب البابلي: كأنما النارُ فوق الماء موقدةً ... والريحُ تُخْمدُهَا حيناً وتُذْكِيها بيارقٌ نُصِبت صُفْرٌ على كُثُبٍ ... والريحُ تنشرُهَا طَوْراً وتطويها 1076 - أبو الحسن ابن عبد الكريم: أبدى لنا النفطُ من العجابِ ... ما يستفزُّ ثابتَ الألبابِ صيَّرَ ضِدَّين بلا ارتيابِ ... مصطحبين صُحْبةَ الأَحباب من غيرِ ما بُعْدٍ ولا حجاب ... ناراً بسطحِ الماء في التهاب كأنها تجري على العُبابِ ... برقٌ يشقُّ أزرقَ السحاب 1077 - عبد الله بن محمد ابن الشيخ جريك: ويومٍ حميدٍ ظلتُ فيه منعماً ... أجرُّ ذيولَ اللهو مع فتيةِ الأدبْ بنهرٍ يروقُ العينَ رائقُ مائه ... وتحسبُهُ دمعَ المحبِّ قد انسكب تراهُ ونارُ النفطِ فوق صفائه ... كسيفٍ صقيلِ المتنِ حُلِّيَ بالذهب

1078 - أبو المعالي ابن إسرائيل: قارورةُ النفطِ بلا مراءِ ... تجمعُ ضدّين لعينِ الرائي بجذوةٍ تُشْعَلُ فوقَ الماء ... محمرةٍ في لجّةِ زرقاء كالشَّمسِ حلَّت أُفُقَ السماء ... 1079 - الشيخ شرف الدين المصنف: رأيتُ من الضدين لما تآلفا ... على البحر للرحمن أكبرَ آياتِ وللنفطِ نارٌ يحرقُ الماءَ نُورها ... كمثلِ شعاعِ الشمسِ في سطح مرآة نار الفحم والكوانين: 1080 - ما لم يصرْ (1) من الجمر رماداً وبقي أسود فهو الحُمم، وهو السُّخام، سمي حمماً لسواده، وسُخاماً للينه، والسخام: اللين، والفَحَمّ - بالتثقيل وقد يخفف والتثقيل أكثر - وفي المثل: " لو كت أنفخُ في فَحَمّ " - بالتثقيل -. والفحم مأخوذ من فحمة العشاء، وهي ثور الظلمة من أول الليل ثم تسكن، ومنه الشَّعر الفاحم. 1081 - أبو فراس (2) : لله قرٌّ ما أشدّ ... ومنظرٌ ما كان أعجب جاء الغلامُ يَشُبُّها ... هوجاءَ في فحمٍ تَلهَّبْ (3) فكأنما جمع الحُليَّ ... فمحْرَقٌ منه ومذهب ثم انطفت فكأنها ... ما بيننا ندٌّ مشعب 1082 - سيف الدولة (4) : كأنّما النارُ والرمادُ معاً ... وضوءها في ظلامه (5) يُحْجَبْ وجنةُ عذراءَمسَّها خجلٌ ... فاستترتْ تحت عنبرٍ أَشهب 1083 - ابن المعتز (6) :

_ (1) حد: 164. (2) ديوان أبي فراس: 20. (3) الديوان: بناره حمراء في جمر تلهب. (4) اليتيمة 1: 46 ونسبت في محاضرات الراغب (2: 277) لمن اسمه أحمد بن الضحاك. (5) ص: ظلامها. (6) لم ترد في ديوانه، والبيتان في الغزولي 2: 20 (دون نسبة) .

كأنَّما النارُ في تلظيها ... والفحمُ من فوقها يغطيها زنجيةٌ شبكت أناملَهَا ... من فوقِ نارنجةٍ لتخفيها 1084 - كشاجم (1) : كأنَّما النارُ والرّمادُ وقد ... كاد يواري من جسمه النورا وردٌ جنيُّ القطافِ أحمرُ قد ... ذرَّتْ عليه الأَكفُّ كافورا 1058 - ابن وكيع (2) : كان كالآبنوس غير محلَّى ... فغدا وهو مُذْهَبُ الأبنوسِ لقيَ النارَ في ثيابِ حِداد ... فَكسَتْهُ مُصَبّغاتِ عروس 1086 - القاضي التنوخي: ويوم كأنَّ الشمس من فَرْطِ برده ... غدا حَرُّها في الأرضِ بَرْدَ جليدِ شببنا به ناراً كأنَّ ضِرامها ... تورّدُ خدٍّ أو فؤادُ حسود ندبُّ دبيب الراح في الروح والتظتْ ... تلظيَ حِقْدٍ في ضلوعِ حَقود بفحمٍ كأيّامِ الوصالِ فعاله ... ومنظرُهُ في العينِ يومُ صدود كأنَّ لهيبَ النارِ بين خِلالِهِ ... بوارقُ لاحتْ في غمائم سُود 1087 - كشاجم (3) : فحم أنارتْ نارُهُ ... فتضرَّمَتْ فيه حريقا فكأنَّهُ وكأنَّهَا ... سبج قَرَنْتَ به عقيقا 1088 - ظافر الحدّاد (4) : كأنَّ سوادَ الفحمِ من فوقِ جمره ... وقد جُمعا فاسْتُحْسِنَ الضدُّ بالضدِّ غدائرُ خودٍ فرقتها وقد بدت ... على خَفَرٍ من تحتها حمرةُ الخد فلّما تناهى صبغه خِلْتُ أنه ... فصوصُ عقيقٍ أو جنى زَهَرِ الورد إلى ان حكى بعد الخُمودِ رمادُهُ ... غباراً من الكافور في قِطَع الندّ

_ (1) ديوان كشاجم: 196 واليتيمة 1: 47. (2) ديوان ابن وكيع: 80 واليتيمة 1: 343. (3) ديوان كشاجم: 355. (4) ديوان ظافر: 91 والغزولي 2: 20.

1089 - وله (1) : لقد جَمَعَ الكانونُ نوراً وظلمةً ... وجالسنا في حِلْيةِ (2) الرَّجُلِ الكَهْلِ ودبَّ سلافُ الماءِ في (3) نار فحمه ... كما دبَّ نورُ الشمسِ في طَرَفِ الظلّ وكنّا نُفَدِّيه وفيه شبيبةٌ ... ونَخْتَصُّهُ بالقربِ منا وبالواصل إلى أن علا شيبُ الرمادِ قَذَالَهُ ... وأصبحَ شيخاً في المزاج وفي الثقل هَجَرْنَاهُ هَجْرَ الغانياتِ ضرورةً ... وصار لدينا لا يُمِرُّ ولا يُحْلي 1090 - وله (4) : انظرْ إلى ما ضُمِّنَ ال ... كانونُ من فحمٍ وجمرِ هذا يزيد وذا يبي ... دُ كما انطوى ليل بفجر وكأنها رُسُلُ الوصا ... لِ تواترت بزوالِ هجر أو كالعقود تضمَّنَتْ ... نوعين من سَبَجٍ وشَذْرِ أو حمرةِ الوجناتِ لا ... ح شقيقها في آسِ شعر يلجا إلى الكافور في ... كانونَ مفتقرٌ ومثري فمقامه في البيت أنفع في ... هـ من نمطٍ (5) وَسِتْرِ 1091 - وله (6) : ويومِ بردٍ عقوده بَرَدٌ ... لها سلوكٌ من هَيْدَبِ المطرِ ينثره الجوُّ ثم تَنْظِمُ من ... هـ الأرضُ في الحال كلَّ منتثر كأنَّ ذاك الشرارَ من ذَهَبٍ ... (7) قراضةٌ تستطيرُ من نقر 1092 - شاعر: زرتُ بعضَ الإخوان في يومِ قرٍ ... ما على يومِ قرّه من مزيدِ

_ (1) ديوانه: 244. (2) الديوان: هيئة. (3) الديوان: النار في ماء. (4) ديوان ظافر: 135. (5) زاد في ص: وملتحف. (6) ديوانه: 132 والخريدة (قسم مصر) 2: 11. (7) ص: ظفر.

فأتاني بمنقلٍ فيه فحمٌ ... فوق جمرٍ وارٍ بغيرِ وقود خِلْتُةُ جاءَني بأَصداغِ غيدٍ ... لاحَ من تحتها احمرارُ الخدود 1093 - ابن الطوبي (1) : ونارِ فحمٍ ذي منظرٍعجب ... يُطْرَدُ عنها الشرارُ باللهبِ كأنّما النارُ مِبْرَدٌ جُعِلَتْ ... تبردُ منه بُرادةُ الذهب 1094 - ابن الساعاتي (2) : انظرْ إلى الكانونِ في بدئه ... وبعدَ ما يخمدُ منه اللهبْ بينا ترى المسكَ على (3) فضةٍ ... حتى ترى الكافورَ (4) فوقَ الذَّهَبْ 1095 - شاعر في الشرار: كأنَّ الشرارَ على نارنا ... وقد راق منظرها كلَّ عَيْنِ سُحالةُ تبرٍ إذا ما علا ... فإما دنا فَفُتَاتُ اللجينِ 1096 - شاعر: اشربْ على النار في الكوانين ... قد انقضتْ مدّةُ الرياحينِ بدتْ لنا والرمادُ يَحْجُبُهَا ... كجلّنار من تحتِ نسرين 1097 - ابن وكيع (5) : وقرٍّ قد طردتُ بنارِ راحٍ ... عضدتُ جنودَها بوقودِ نارِ لها شررٌ كأنّ الريحَ منه ... تُبَدِّدُهُ نثارٌ من بهارِ 1098 - شاعر: أعدَّ الورى للبردِ جُنداً من القلى ... ولاقيته من بينهم بجنودِ

_ (1) الخريدة (قسم المغرب) 1: 63. (2) ديوان ابن الساعاتي 1: 116 وهما بم بحر السريع، وقد عبث محقق الديوان بهما فأخرجهما إلى وزن آخر. (3) الديوان: تراه سبجاً مذهباً. (4) الديوان: الفضة. (5) لم يردا في ديوانه المجموع.

ثلاثة نيران: فنارُ مدامةٍ ... ونارُ صباباتٍ ونار وقود 1099 - الصنوبريّ (1) : نار راح ونار خدٍّ ونارُ ... كحشا الصّبِّ بينهنَّ استعارُ ما أبالي ما كان ذا الصيفُ عندي ... كيف كانَ الشتاءُ والأمطار 1100 - آخر (2) : إذا ارتمتْ بالشرار فاطَّردَتْ ... على ذراها مطاردُ اللهبِ رأيتَ ياقوتةً ممَّسكة ... تطيرُ منها قُراضةُ الذّهب طافتْ بها الكاسُ وهي مُتْرَعَةٌ ... مبيضَّةُ العارِضَيْنِ بالحَبَبِ 1101 - شاعر: كلّ شيءٍ مُسْتَحْسَنٌ في العيونِ ... دونَ نارِ الكانونِ في كانونِ صِبْغُ خدِّ المعشوقِ فيه وفيه ... حَرُّ أحشاءِ عاشقٍ محزون 1102 - القاضي نصر بن سيار (3) : وليلةٍ سامَحَتْنِي ... فيها نوائبُ دهري بتنا نضيعُ دجاها ... ما بينَ خَمر وجمر فذاك ذائبُ جمرٍ ... وذاك جامدُ خمر 1103 - آخر: وليلةِ قرٍّ بتُّ أَهْزِمُ بَرْدَها ... بجيشين من خمرٍ ذكي ومن جمرِ فطوراً أظنُّ الخمرَ ذائبَ جمرها ... وطوراً أظنُّ الجمر منعقدَ الخمر 1104 - كشاجم (4) : وَمُقْعَدٍ لا حَراكَ يُنْهِضُهُ ... وهو على أربعٍ قد انتصبا

_ (1) ديوان الصنوبري: 64 وثمار القلوب: 584 وقطب السرور: 608 ومعاهد التنصيص 1: 219. (2) منها بيتان في معاهد التنصيص 2: 101. (3) دمية القصر 2: 277. (4) لم ترد في ديوانه وهي في معاهد التنصيص لأبي بكر الخالدي 2: 101.

مصفّر محرق تَنَفُّسُهُ ... تخاله العين عاشقاً وَصِبا إذا نظمنا بجيده سبجاً ... تخاله بعد ساعةٍ ذهبا فما خبت نارُه ولا وَقَفَتْ ... خيولُ قصفٍ جَرَتْ (1) بنا خببا 1105 - آخر: وأزهرَ وضاحٍ يروقُ عيونَنا ... إذا ما رميناهُ بلحظِ النّواظرِ له أربعٌ تأَبى السّرى غير أنها ... تصافحُ وَجْهَ الأرضِ مثلَ الحوافر تواصلنا أيامَ للقرّ صولةٌ ... وتهجرنا أيامَ لفحِ الهواجر تقلّ جسوماً بعضها في مورّدٍ ... وسائرها في مِثْلِ سودِ الدياجر نظمنا كؤوس الراح في جنباته ... نجوماً على قُطْبٍ من اللهوِ دائر طوالعَ فوق الراح مثنى وَمَوْحَداً ... غواربَ ما بين اللها والحناجر 1106 - الشريف أبو الحسن العقيلي (2) : نارٌ أتاكَ بها غزا ... لٌ أهيفٌ رطبُ الشبابِ محجوبةٌ برمادها ... بعدَ اضطرابٍ والتهاب مثل العُقَارِ إذا بَدَتْ ... في كأسها تحت الحباب 1107 - لبعضهم: سقياً لنا وظلامُ الليل يَكْنُفُنا ... ونحن ما بين نيرانٍ وأنوارِ وللأباريقِ في الكاساتِ قهقهةٌ ... وللشموعِ أكاليلٌ من النار وقد عَقَدْنَا وشاحَ اللهو من طَرَبٍ ... يدورُ في فَلَكٍ للرَّقْصِ دوّار 1108 - بعض المغاربة (3) ، وأجاد: هات التي للأيكِ أَصْلُ ولادها ... ولها حنينُ الشمسِ في الإشماسِ أُنْسُ الوحيدِ وصبحُ ليلِ المعتشي (4) ... ولباسُ مَنْ أمْسى بغيرِ لباس بيضاءُ (5) ترفلُ في السوادِ كأنَّما ... ضَرَبَتْ بِعِرٍْق في بني العبّاس

_ (1) ص: حركت. (2) ديوان العقيلي: 53. (3) هو ابن سارة، كما في نفح الطيب 3: 441. (4) النفح، عين المجتلي. (5) النفح: حمراء.

1109 - شاعر: انظرْ لكانوننا وما فيه ... وقد بدا بيننا تلظِّيهِ يأخذُ فحماً كأنه سَبَجٌ ... يتركه عسجداً لرائيه 1110 - آخر: كأنما نارنا وقد عَلِقَتْ ... في الفحم منها أوائلُ الوَّهجِ جامُ عقيق عليه قد نُثِرَتْ ... قلائدٌ نُظِّمت من السّبَج 1111 - آخر: أتانا بكانونٍ بكانونَ يلتظي ... به جمرةٌ في الفحمِ ذاتُ توهّجِ كروضٍ نضيرٍ جاده الطلُّ فابتدا ... خلال شقيقٍ فيه نَوْرُ بنفسج 1112 - الشيخ شرف الدين المصنف: أتانا بكانونٍ يُشَبُّ اضطرامه ... كقلبِ محبٍّ أو كصدرِ حسودِ كأنَّ احمرارَ النارِ من تحت فحمها ... خدودُ عذارى في محاجرَ سودِ 1113 - السري الرفاء (1) : خفقتْ رايةُ الصباح وللنا ... رِ لهيبٌ كالرايةِ الصفراءِ لمعتْ للعيونِ بعدَ سوادٍ ... فأنارتْ (2) حنادسَ الظلماء واستقرَّتْ تحتَ الرمادِ فَخِيلَتْ ... ذهباً تحتَ فضةٍ بيضاء 1114 - المأموني (3) : ما ترى النارَ حين أسقمها الق ... رّ فأضحتْ تخبو وحيناً تَسَعَّرْ وغدا الجمرُ والرمادُ عليه ... في قميصين مُذْهَبٍ ومعنبر 1115 - شاعر: وافى الغلامُ بمنقلٍ متضمنٍ ... ناراً فيا طوبى لها من نارِ

_ (1) ديوان السري: 11. (2) الديوان: اسوداد فاضاءت. (3) اليتيمة 1: 47 والوافي 8: 289 والفوات 2: 322 ومحاضرات الراغب (2: 277) .

وتوقَّدَتْ في فحمه جَمَراتُهُ ... كالخدِّ يُشْرِقُ في سوادِ عذار وخبتْ فخلتُ رمادَها من فوقها ... حبباً يُنَظَّم فوقَ كأسِ عقار 1116 - الشيخ شرف الدين المصنف، وأطنب في وصف هذين البيتين، وبالغ في استحسانهما، وهما كما ترى (1) : كأنما نارنا وقد (2) خَمَدَتْ ... وجمرُهَا بالرمادِ مستورُ دمٌ جرى من (3) فواختٍ ذُبِحَتْ ... من فوقه ريشهنَ منثور

_ (1) الغزولي 2: 19 (دون نسبة) وهما في معاهد التنصيص 2: 102 لمجير الدين ابن تميم. (2) الغزولي: انظر إلى النار وهي مضرمة. (3) الغزولي: شبه دم من.

فراغ

الباب التاسع

الباب التاسع في أوصاف الشموع وقط الشمعة والفانوس والقناديل والطوافة والجلاّسات وثريّا المساجد والمشعل والسراج والمسرجة. 1117 - سيف الدولة علي بن حمدان التغلبي: وبتُّ تُسْعدني صفراءْ ناحلةٌ ... كأنها تجدُ السقم الذي أجِدُ باتت تحاكي زفيري في تلهبها ... لكن بي كمداً إذْ ما بها كمد ففي حرارةِ أنفاسي تشاركني ... وفي دموعي على الخدَّين تطَّرد تذري دموعاً إذا أحشاؤها اضطرمت ... وذاب منها بنيرانِ الحشا الجسد كذاك نارٌ بأحشائي يفيضُ لها ... دمعي وينحلُّ جسمي حينَ تتقد 1118 - النامي (1) : وصفراءَ تؤنِسُ جُلاَّسَهَا ... تكادُ تقطِّع أَنفاسَهَا تبيت تقضِّي لباناتنا ... وتُلْقي على جسمها باسها ولم أرَ من قبلها غيرها ... تعيشُ إذا قَطَعُوا رأسها 1119 - أبو إسحاق الصابي (2) : وليلةٍ من مُحاقِ الشَّهْرِ مُدْجِنَةٍ ... لا النجمُ يهدي السُّرى فيها ولا القمرُ تسربلتْ بحدادٍ من حنادسها ... كثاكلٍ غَيَّبَتْ أحبابَها الحُفَر

_ (1) لم ترد في ديوانه المجموع، وهي في الذخيرة 1/ 2: 781 منسوبة لابن المعتز وعن الذخيرة أدرجت في ملحقات ديوانه 3: 303. (2) بعض أبياتها في اليتيمة 2: 267 والشريشي 2: 224 (تحقيق أبو الفضل إبراهيم) .

أو كالبهيم تجافَتْ عن قوائمه ... حُجُولُهُ ونأتْ عن وجهه الغُرر أرسى الظلامُ عليها من حنادسها ... فما لعينٍ بها عينٌ ولا أثر كلَّفْتُ نفسي بها الإدلاجَ ممتطياً ... عزماً هو الصارم الصمصامةُ الذكر إلى حبيبٍ له في القلبِ منزلة ... ما حلَّ في مثلها (1) سمعٌ ولا بصر ولا دليلَ سوى هيفاءَ مخْطَفَةٍ ... تَهْدي الركابَ وَجُنْحَ الليلِ معتكر مثلُ الفتاةِ التي في رِدْفِها فَعَمٌ ... وفي مجاري وشاحِ الصدر مُضْطَّمَرُ فيها شكولٌ من العشاقِ ظاهره ... تصعيدُ أنفاسها والدَّمعُ منحدر قد أُرضِعَتْ بلبانِ الأري ناشئةً ... فنشرها عَبِقٌ وطيبها عطر تديرُ طرفاً كثير الغمز تحسبُهُ ... يومي إلى موعدٍ بالوصل ينتظر غُصْنٌ من الذَّهَبِ الإبريز أثمر في ... علياهُ ياقوتة حمراء (2) تستعر ترنو بعينٍ لها نُورٌ تصرّفه ... كأنه من عمودِ الصبح منفجر حتى إذا قُرنت كان الجلاءُ لها ... فَقْأَ السّوادِ فعاد النور ينتشر تأتيكَ ليلاً كما يأتي المريبُ فإن ... لاح الصباحُ طواها دونك الحَذَر 1120 - آخر: وباكيةٍ من غيرِ جَفْنٍ بأدمعٍ ... تذوبُ لها أحشاؤُها حينَ تَنْهَمِلْ دموعاً إذا رُدَّتْ إليها بكتْ بها ... ولم أرَ دمعاً قبلها رُدَّ في المقل 1121 - ابن العميد: وباكيةٍ دمعها أصفرٌ ... يبيتُ على خدِّها جامدا فإن جمعوا دَمْعَها صيروا ... مثالاً لها مثلها عائداً إذا اضطجعتْ لم تُرِدْهَا، بلى ... ترى قدَّها قائماً قاعدا تريكَ شبيهَ الضحى في الدجى ... إذا لم يبتْ طرفها راقدا وتحيا إذا قطعوا رأسها ... وتبصرُ نُقْصانَها زائدا 1122 - الوزير المهلبي (3) : ومشبهةٍ جسمَ امرئٍ ذي صبابةٍ ... جفاه حبيبٌ أو عراهُ تَبَرُّح

_ (1) اليتيمة والشريشي: ما حلها قبله. (2) اليتيمة والشريشي: صفراء. (3) لم ترد في مجموع شعره بمجلة المورد (1974) .

بدقتها واللونِ والنار والبكا ... فدمعتها من قلبها الدهر تسفح ترى دمعها من نارها متلقحاً ... ونيرانها من دمعها تتلقح حكت ذابلاً وقت الهجيرة واقفاً ... عليه سنانٌ فوقه يتلوح 1123 - أبو محمد عبد الرزاق بن الحسين المعروف بابن أبي الثياب - بالثاء والياء بعدها والباء آخراً - احترازاً من أبي البنات - بالباء والنون والتاء آخراً -: ومجدولةٍ تاجُها يلمعُ ... بلا حَزَنٍ عينها تَدْمَعُ فتاةٌ تذوبُ لفرطِ الحيا ... وتُسْلِبُ حيناً فلا تجزع تقومُ إذا ما تبدَّى الظلامُ ... على فَرْدِ ساقٍ فلا تَهْجَعُ وتألفُ مضجعَهَا بالنهارِ ... وبالليلِ ينبو بها المضجع تجزّ مواشطُها شَيْبَهَ ... فتسودُّ من بعد ما تقطع تحدَّر من حقوها مئزرٌ ... لها من ذلالة مربع وكم بذوائبها عُلِّقَتْ ... فما راعها الحادثُ المفزع فكم مجلسٍ حضرتْ في الدجى ... بشمسٍ على رأسها تطلع إذا برزتْ خلتها سروةً ... من التبرِ أَبدعها المبدع وان جلستْ فدوامُ الجلوس ... يغيبها حيثُ لا ترجع 1124 - شاعر (1) : وهيفاءَ مثلِ قوامِ الألفْ ... لها في دجى الليلِ دمعٌ يَكِفْ تموتُ إذا ما (2) علا رأسُها ... وتحيا سريعاً إذا ما قُطِف 1125 - آخر: وساهرةٍ مثلِ القناةِ ترى لها ... سناناً يضيءُ اللّيلَ واللّيلُ مسودُّ دقيقاً كأنَّ الليلَ أَخلص صَقْلَهُ ... وليس له بالدَّوْسِ علمٌ ولا عهد تّحَيَّلْتُهُ تحتَ الشعاعِ كأنه ... أخو صَبْوةٍ قد كاد يُتْلِفُهُ الوجد أضرَّ به الكتمانُ حتى تمرَّضَتْ ... حُشاشتُهُ واصفرَّ من قربه الوجد ويبكي من الليلِ الطويلِ بأدمعٍ ... كمثلِ حبالِ الطَّلع فهي له عقد

_ (1) حلبة الكميت: 182. (2) الحلبة: إذا نكست.

1126 - شاعر: شموعٌ كقاماتِ الغواني مواثلٌ ... تَمايَلُ أَمثالَ الغصونِ النواضرِ رياحٌ من التبرِ المذابِ وفوقها ... أكاليلُ نارٍ كالنجومِ الزواهر 1127 - الوزيرالمغربي (1) : وَصُفْرٍ كأطرافِ العوالي قدودُهَا ... قيامٌ على أعلى كراسٍ من التبرِ تلبَّسْنَ من شمسِ الأصيلِ غلائلاً ... وأَشْرَقْنَ في الظلماء في الخِلَعِ الصُّفْرِ عرائسُ يجلوها الدُّجى لمماتها ... وتحيا إذا أذرتْ دموعاً من الجمر إذا ضُرِبَتْ أعناقُها في رضى الدجى ... أَعارَتْهُ من أنوارها خِلَعَ الفجر وتبكي على أجسامها بجسومها ... فأدْمُعُها أجسامها أبداً تجري عليها ضياءٌ عاملٌ في حياتها ... كما تعملُ الأيّامُ في قِصَرِ العمر 1128 - الميكالي (2) : وليلٍ كلونِ الهَجْرِ أو ظلمةِ الحبرِ ... نصبنا لداجيهِ عموداً من التبرِ يشقُّ جلابيبَ الدجى فكأنّما ... نرى بينَ أيدينا عموداً من الفجر يُحاكي رواءَ العاشقين بلونه ... وذوبَ حشاهُمْ بالدموع التي تجري خلا أن جاري الدمع يَنْحَلُهُ قوىً ... وعهدي بدمعِ الصبِّ يُنْحِلُ إذ يجري تبدَّى لنا كالغُصْنِ قدَاً وفوقه ... شعاعٌ كأنّا منه في ليلةِ القَدْرِ تحمَّل نوراً حَتْفُهُ فيه كامِنٌ ... وفيه حياةُ الأُنْسِ واللهو لو تدري إذا ما عَلَتْهُ جذَّ رأسه ... فيختالُ في ثوبٍ جديدٍ من العمر 1129 - الصنوبري (3) : مجدولةٌ في قَدِّها ... تحكي لنا قدَّ الأَسَلْ كأنَّها عمرُ الفتى ... والنارُ فيها كالأجل 1130 - الصاحب بن عباد (4) :

_ (1) هي لأبي الفرج الببغاء في النشوار 2: 306. (2) زهر الآداب: 692 والذخيرة 1/ 2: 781. (3) ديوان الصنوبري: 485 (نقلاً عن سرور النفس) وحلبة الكميت: 182 ومعاهد التنصيص 3: 44 وربيع الأبرار، الورقة: 23/ أوهي للسري في نهاية الأرب 1: 123. (4) اليتيمة 3: 266 ونهاية الأرب 1: 123 (باختلاف كثير) .

ورائقِ اللونِ مستَحَبِّ ... يجمعُ أوصافَ كلِّ حُبِّ سهادُ ليلٍ ودمعُ عينٍ ... ولونُ حِبّ (1) وحرُّ قلب شبَّه أربعة بأربعة ولأبي الصَّلت يشبه خمسة بخمسة (2) : وناحلةٍ صفراءَ لم تدرِ ما الهوى ... تبكّى لهجرٍ أو لطولِ بعادِ حَكَتْهُ نحولاً واصفراراً وَحُرْقةً ... وفيضَ دموعٍ واتصالَ سهاد 1132 - وللمهذب بي الزبير وأتى بسبعة (3) : ومصفرةٍ لا من هوىً غير أنَّها ... تحوزُ صفاتِ المستهامِ المعذَّبِ شحوبٌ وسقم واصطبارٌ ودمعة ... ووجدٌ وتسهيدٌ (4) وفرطُ تلهُّب إذا لابستها (5) الريحُ كانت كمعصمٍ ... ترد سلاماً بالبنيانِ المخضَّب 1133 - أبو العلاء المعري (6) : وصفراءَ لونِ التبر مثلي جليدةٌ ... على نُوَبِ الأيّام والعيشةِ الضَّنْكِ تريكَ ابتساماً دائماً وتجلّداً ... وصبراً على ما نالها وهي في الهُلْكِ ولو نطقتْ يوماً لقالتْ أظنكم ... تخالون أنّي من حذارِ الردى أبكي فلا تحبسوا دمعي لوجدٍ وجدته ... فقد تدمعُ العينانِ (7) من شِدَّةِ الضحك 1134 - عباس البصري: وشمعةٍ ظلتُ أناجيها ... أبيتُ تبكيني وأبكيها كأنّما صُفْرَتُها صفرتي ... ومدمعي دمعُ مآقيها أعارَهَا قلبيَ من نارهِ ... فمثلُ ما فيه كذا فيها 1135 - محمد بن أبي البنات - بالباء والنون والتاء آخراً (8) :

_ (1) اليتيمة: صفرة لون وسكب دمع، وذوب جسم. (2) الخريدة (قسم المغرب) 1: 213 وديوان الحكيم امية: 83. (3) الخريدة (قسم مصر) 1: 225. (4) الخريدة: شحوباً وسقماً واصطباراً وأدمعاً وخفقاً وتسهيداً. (5) الخريدة: جمشتها. (6) شروح السقط: 1723 والذخيرة 1/ 2: 285. (7) السقط: الأحداق. (8) وردت في اليتيمة 4: 137 في ترجمته ابن أبي الثياب، وهي للمأموني في ربيع الأبرار، الورقة: 25/ أ. وانظر نهاية الأرب 1: 122.

ومجدولةٍ مثلِ صَدْرِ القناةِ ... تعرت وباطِنُها مكتسِ إذا غَازَلَتْها الصَّبا حَرَّكَتْ ... لساناً من الذهبِ الأملس فنحن من النورِ في أَسْعُدٍ ... وتلك من النارِ في أَنْحُسِ 1136 - الأرّجاني يصف شمعة (1) : لها غرائبُ تبدو من محاسنها ... إذا تَفَكَّرْتَ يوماً في معانيها فالوجنةُ الوردُ إلاّ في تناولها ... والقامةُ الغصنُ إلاّ في تثنيها قد أثمرتْ وردةً حمراءَ طالعةً ... تجني على الكف إنْ أهويتَ تجنيها وردٌ تُشَاكُ به الأيدي إذا قطفت ... وما على غُصْنها شوكٌ يوقيها صفرٌ غلائلها حمرٌ (2) غدائرها ... سودٌ ترائبها (3) بيضٌ لياليها كصعدةٍ في حشا الظلماءِ طاعنةٍ ... تسقي أسافلها ريّا أعاليها 1137 - شاعر: وشمعةٍ في حُسْنِها آيةٌ ... تُعْجِزُ وصفَ المنطقِ الصائبِ فجسمها من ذهبٍ جامدٍ ... ورأسُها من ذهبٍ ذائبِ 1138 - الميكالي (4) : يا ربَّ غُصْنٍ نوره ... يُزري بنورِ الشَّفقِ يظلُّ طولَ عمره ... يبكي بجفنٍ أرق نارُ المحبِّ في الحشا ... ونارُهُ في المفرق 1139 - المعري من قصيدة، وناسب بين الشمعة وبين القلم: يا ضَرَّةَ الشمسِ قد أبديتِ معلنة ... من قطِّ رأسٍ به أحييتما نَسَبا والدمعُ بعد جمودٍ ذائبٌ أترى ... لِمْ دَمْعُهَا جامدٌ من بعدِ ما انسكبا 1140 - المأموني (5) :

_ (1) ديوان الأرجاني: 426 والغزولي 1: ومعاهد التنصيص 2: 43 ونهاية الأرب ظ: 121. وحلبة الكميت: 178. (2) الديوان: عمائمها. (3) الديوان: ذوائبها. (4) زهر الآداب: 693 والذخيرة 1/ 2: 783. (5) اليتيمة 4: 173.

وطاعنةٍ جلبابَ كلِّ دجنّةٍ ... (1) بماضي سنانٍ في ذؤابة عاملِ ويقري عيونَ الناظرين ضياؤها ... وقد قُيِّدَتْ ألحاظُها بالأصائل تجودُ على أهل النديِّ بنفسها ... وما بعد جودِ النفس بذلٌ (2) لباذل 1141 - في شمع مذهبة لابن رفاعة: كأنَّها من بناتِ الهندِ مُثْقَلَةٌ ... بالحَلْى تُجْلَى لكي تُهْدى إلى النارِ 1142 - أبو الحسن علي بن سعيد في إهداء شمعةٍ وأجاد: أهديتها مولايَ نحوك ضامناً ... عنكَ القبولَ مودةً وصفاءَ لتقومَ بين يديك عنِّي خِدْمةً ... وتنوبَ عنّي إذ قعدتُ حياء تُبْدي لوجهك من بشائر وصلها ... ضحكاً ومن خوفِ الفراقِ بكاء وكأنّها نابتْ عن الشمسِ التي ... قد ودَّعتك إلى الصباحِ ضياء 1143 - الشيخ شرف الدين التيفاشي المصنّف: وساهرةٍ جُنْحَ الظلامِ أَلِفْتُها ... وبيني وبين الإِلف بيدٌ وفَدْفَدُ عروسٌ لها نِطْعٌ بديعٌ مُسَرْدَقٌ ... تراه لها قبلَ الزفافِ يمهَّد لها غُرَّةٌ يجلو الدجى نُورُ وجهها ... وقدٌّ كغصنِ البانِ أهيفُ أملد وجسمٌ كرقراقِ الشرابِ غضارةً ... وردفٌ ثقيلٌ ثابتٌ متأيّد تنوءُ بأقدامٍ لطافٍ مليحة ... لهن على طُولِ القيام تجلّد تقومُ علينا في المحافل كلّما ... قعدنا ولكنَّا نقومُ ونقعد لديها وصيفٌ من بني الهندِ قائمٌ ... عليها لإيقاظٍ لها مترصّد يقومُ إذا نامَتْ لإيقاظِ طَرْفِها ... فيوقظها من نومها ثم يرقد على وجهها من لونِ وجهيَ صفرةٌ ... وأحشايَ من أحشائها تتوقد إذا لَفَحَتْها زفرةٌ ظلَّ دَمْعُهَا ... يسيلُ وَيَخْشَى من رقيبٍ فيجمد أمشبهتي في السُّهدِ واللونِ والضنى ... وذوبي ونيراني وَدَمْعٍ يشرد أَمَا سهرتْ عيني لفقد أحبّتي ... فمن لم يذقْ طعمَ الكرى كيف يسهد

_ (1) اليتيمة: ذابل. (2) اليتيمة: وما فوق ... جود.

وحاكيتُ مَنْ أهوى قواماً ونظرةً ... وضوءَ جبينٍ نورُهُ ليس يجحد أرى لكِ أحشاءً تذوبُ لطافةً ... فما لحشا حبّي غدا وهو جلمد ولما أناخَ الليلُ منها بكلكلٍ ... تجلَّتْ فولَّى الليلُ وهو مشرد وأقبلَ في جيشٍ من الزنج حاملاً ... فقابله منها سنانٌ مسدّد وكيف يبات الليل وهو ضريبة ... إذا كافَحَتْهُ وهي سيف مجرّد أضاءَتْ لها ندري أَدُرّيُّ كوكبٍ ... تلألأ أم قلبُ الدجنّةِ يرعد ولاحت فلا ندري وقد غَسَقَ الدجى ... أأومض برق أم تبصَّص أسود 1144 - المأموني (1) : وحديقةٍ تهتزُّ فيها دوحةٌ ... لم تُنمها تربٌ ولا أمطارُ فصعيدها صُفْرٌ ونامي غصنها (2) ... شَمْعٌ وما قد أثمرته نار 1145 - يعقوب ملغزاً فيها: أُحاجيكَ ما صفراءُ فوق سريرها ... على رأسها تاجُ الإمارةِ يلتهبْ لها دلُّ معشوقٍ لها ذُلُّ عاشقٍ ... لها ضِحْكُ مسرورٍ لها دمعُ مكتئبْ 1146 - سيف الدين ابن سابق الدين ابن قزل (3) : ولم أرَ قبل شمعتنا عروساً ... تجلَّتْ في الدجى ما بين جَمْعِ نصبناها لخفض (4) العيشِ جزماً ... فآذن لَيْلُنَا منها برفع كأنَّ (5) عقودَ أَدْمُعِها عليها ... سلاسلُ فضَّةٍ أو قُضْبَ طَلْع 1147 - أبو الحسن ابن عبد الكريم: طعنتُ الدّجى لما ادلهمَّ ظلامُهُ ... وقد كاد قلبُ النجمِ من فوقه يَجِبْ

_ (1) اليتيمة 4: 173. (2) ص: وباقي جسمها. (3) هو سيف الدين علي بن سابق بن قزل كان مشداً، قدمه صاحب مصر على أعمالها ثم على أعمال دمشق وكانت وفاته سنة 655 أو في التي تليها، انظر ترجمته في المغرب (قسم القاهرة) : 233 وفي الحاشية ذكر لمصادر أخرى. وأبياته في المصدر المذكور: 235. (4) ص: لحفظ. (5) المغرب: سلوك.

ومزَّقتُ من أَنوار شمعي إِهابَهُ ... بأرماحِ كافورٍ أسنَّتُها ذهب فليس احمرارُ الأفقِ من شفَقٍ ... ولكن دمُ الظلماءِ في أُفقها انسكب 1148 - الحاجب ذو الرياستين أبو مروان (1) : ربَّ صفراءَ تردَّتْ ... برداءِ العاشقينا مثلَ فِعْلِ النارِ فيها ... تفعلُ الآجالُ فينا 1149 - ابن حمديس (2) : قناة من الشمع مركوزةٌ ... لها حَرْبَةٌ طُبِعَتْ من لهبْ تحرَّقُ بالنارِ أحشاؤُها ... فتدمعُ مُقْلَتَها بالذهب تمشذَى لنا نورها في الدجى ... كما يتمشَّى الرضى في الغضب فأَعْجِبْ (3) بآكلةٍ جِسْمَها ... بروحٍ تشاركها في العطب 1150 - أبو إسماعيل إبراهيم بن غانم الكاتب الأفريقي ملغزاً (4) : وصفراءَ تنشرُ في رأسها ... ذوائبَ صفراً على المجلسِ تُريكَ إذا حَدَّقَتْ عينها ... عيوناً من الزهرِ والنرجس تعمُّ الندامى بها كسوةٌ ... فكلُّ نديمٍ بها مكتسي تمازجُ مشروبهم رقةً ... فتأتي شعاعاً على الأكؤس وتُهدي إذا حضرت مجلساً ... بساطاً وأنساً إلى الأنفس 1151 - وله فيها (5) : وفوارةٍ ماؤها رقةٍ ... يفيضُ على كلِّ راءٍ لها إذا قابَلَتْهُ كسا الحاضرين ... كساها عموماً وما إن لها

_ (1) هو حسام الدولة عبد الملك بن رزين صاحب السهلة (436 - 496) له ترجمته في الذخيرة 3/ 1: 109 والقلائد: 51 والمغرب 2: 428 والحلة السيراء 2: 108 وفي حاشية الذخيرة ذكر لمصادر أخرى. وبيتاه هذان في القلائد: 56 والمغرب 2: 429. (2) ديوان ابن حمديس: 24 ومسالك الأبصار 11: 291. (3) الديوان: عجبت لآكلة. (4) أحد شعراء الأنموذج، انظر المسالك 11: والوافي 6: 78. (5) البيت الأول والثالث حتى الخامس في المسالك.

يفيضُ عليهم بمثلِ الغمام ... أتبعَ وأبلُها طلَّها يصوبُ فتعرقُ أثوابهُمْ ... ويخرجُ منها وما بلَّها يمازِجُ كاساتِهِمْ رقةً ... ويظهرُ فيها وما حلّها وليس بملحٍ ولا بالفراتِ ... يُروى العطاشَ إذا علّها صفاتٌ يظلُّ لها ذو النهى ... كليلَ القريحةِ مختلَّها إذا ما اهتدى لطريقٍ أرته ... أُخرى فعادَ وقد ضَلَّها 1152 - ابن حمديس (1) : وَقُضبٍ من الشمع مصفرةٍ ... تريكَ من النُّورِ نوارها تذيبُ بياقوتةٍ درَّةً ... وتغمسُ في مائها نارها تُقلُّ الظلامَ على رأسها ... وتهتكُ بالدَّمعِ (2) أستارها كأنا نسلِّطُ آجالها ... عليها فتمحقُ أعمارها 1153 - شاعر: أقولُ لصاحبي والراحُ روحٌ ... لجسمِ الكأس في كف النديمِ وقد حَبَسَ الدُّجى عنا بواكٍ ... تسيلُ نفوسها فوقَ الجسوم شموعك والكؤوسُ مع الندامى ... نجومٌ في نجومٍ في نجوم 1154 - آخر (3) : أعددتُ لليل إذا الليلُ غَسَقْ ... وقَيَّدَ الألحاظَ من دون الطُّرُقْ أغصانَ (4) تبرٍ عَرِيَتْ من الورقْ ... أثمارُهَا مثلُ مصابيحِ الأفق يُغْني النَّدَامى ضوءُها عن الفَلَقْ ... شفاؤها إن مَرِضَتْ ضربُ العنق 1155 - أبو عبد الله الوضاحي: عرائسُ تستضيء بها الكؤوسُ ... كأنّ ضياءَ أوجهها الشموسُ لها من حُسْنها أبداً نعيمٌ ... لها منه مَدَى الأيامِ بوس تذوقُ الموتْ ما سَلِمَتْ وتحيا ... إذا ما قُطِّعَتْ منها الروؤس

_ (1) ديوان ابن حمديس: 182 ولم يرد فيه البيت الثاني. (2) الديوان: تقل الدياجي على هامها.. بالنور. (3) الذخيرة 1/ 2: 783 (عدا الشطر الرابع) منسوبة للميكالي. (4) الذخيرة: قضبان.

1156 - كشاجم (1) : وصفرٍ من بنات النَّحْلِ تُكْسي ... بواطنها وأظهرها عواري عذارى يُقْتَضَضْنَ من الأعالي ... إذا اقتضَت من السفلِ العذاري وليست تنتجُ الأضواءَ حتى ... تُلَقَّح في ذوائبها بنار كواكبُ لَسْنَ عنك بآفلاتٍ ... إذا ما أشرقت شمشُ العقار 1157 - علي بن عبد الرحمن الصقلي (2) : ثم قامتْ مع السقاةِ علينا ... ناحلاتُ الجسوم صفر الذوائبْ جَمَدَتْ من دموعها عبراتٌ ... فهي مثل الحليِّ فوقَ الترائب بليت إذ بكتْ وكلُّ محبٍّ ... هكذا جِسْمُهُ من الدَّمعِ ذائب 1158 - الحصفكي في مقطوط الشمعة: شكت رسيسَ الهوى بصفرتها ... فما أصابتْ لديَّ انكارا فشيعَتْ حين أظلمتْ وبكتْ ... وألهبتْ فوق رأسها نارا ومزقَتْ ثوبها وأحسبُهُ ... رامتْ به أن تشدَّ نارا وكلُّ مَنْ جاءَها يعاقبها ... من فمها نَاوَلَتْهُ دينارا 1159 - أبو المعالي ابن إسرائيل: وغُصُنٍ من فِضَّةٍ ... أمسى بتبرٍ مثمرا يجني المِقَطُّ وردةً ... منه وَيُلقي عنبرا 1160 - شهاب الدين بن عبد المنعم الخيمي، وأجاد: وشمعةٍ مزَّقَتْ ثوبَ الظلامِ بما ... بثَّتْ من النورِ في الأرجاء متسعا وأحرقَتْ نارُها ما مَزَّقَتْ فترى ال ... مقطّ يُخرِجُهُ من نارها قِطَعا 1161 - جلال الدين المكرم والدي: غصن لجيني بدت في رأسه ... صفراءُ عَزَّتْ أنْ تُلامِسَها اليدُ نَعِسَتْ فأيقظها الغلامُ بقرصةٍ ... فأبانَ منها كوكباً يتوقَّدُ

_ (1) ديوان كشاجم: 235 وزهر الآداب: 693. (2) أغلب الظن أنه ابن أبي البشر (أو البشائر) الذي افتتح العماد به ذكر الصقليين في الخريدة (قسم المغرب) 1: 5.

ورمى به وبه بقيَّةُ ناره ... فكأنه زنبورُ صيفٍ أَسْودُ 1162 - وله: غُصُنٌ من فضَّةٍ في رأسه ... دُرَّهٌ تجلو غياهيبَ الدجى ما لها يوماً إذا ما مَرِضَتْ ... غيرُ قَطْعِ الرأس بِرٌّ يُرْتَجَى يجتنى منها عقيقاً أصفراً ... ثم يُلْقَى فتراه سَبَجا 1163 - وله: نديمي شمعةٌ إن غاب عني ... أنيسي في الدجى كانتْ أنيسي إذا ما قام مُصْلِحُهَا إليها ... ليضحكَ نورها بعد العبوس جَنَى من رأسها أزهارَ عاجٍ ... وألقاها خريطةَ أبنوس 1164 - شرف الدين أبو طالب النابلسي: يا سيِّداً قد فاق كلَّ الورى ... بفضله يا حَسَنَ المنظرِ قد شبَّه المملوكُ ما قُطَّ من ... فتيلةِ الشمعةِ للمبصرِ بقطعةٍ من عنبرٍ أسودٍ ... وبعضُها من ذهبٍ أحمرِ 1165 - وله: وشمعةٍ قُطَّ منها رَأْسُها ... ما قُطَّ أسودَ فيه بعضُ لألاءِ يحكي سويداء قلبي واللهيبُ به ... لهيبهُ عند تذكارِ الأحباء 1166 - الزكي بن أبي الاصبع (1) : ومجلسِ أنسٍ دُعينا له ... لنرتعَ فيه رياض الأدبْ دُخَانُ الألوَّةِ فيه السّما ... من الشمعِ قد زُيِّنَتْ بالشهب كأنَّ الذي قُطَّ منها إذا ... أُميطَ وفيه بقايا اللهب فراشُ الربيعِ أرانا الشذورَ ... من الندِّ قد فُصِّلَتْ بالذهب

_ (1) هو عبد العظيم بن عبد الواحد الشاعر المصري (- 654) له ترجمة في الفوات 2: 363 والمغرب (قسم القاهرة) : 318 والنجوم الزاهرة 7: 37 وحسن المحاضرة 1: 567 وانظر مقدمة كتابه ((تحرير التحبير)) وكتابه ((بديع القرآن)) .

1167 - محمد عبد الله بن الشيخ جريك: وشموعٍ مثلِ المعاصمِ بيضٍ ... رَفَعَتْ أكؤساً من الصهباءِ وكأنَّ المقطوطَ منها احمراراً ... لونُ خدٍّ مضرَّجٍ بالدماء وإذا ما انطفا يحاكي عياناً ... قطعةً من ذؤابةٍ سوداء 1168 - سليمان المسيحي المارديني: عاشتِ الشمعةُ لما قطعوا ... حَنَقاً من نحرها ذاك الودَجْ فاعجبوا كيف وقد ماتتْ أتى ... من مضيقِ الموت ذَيَّاكَ الفرج صار تبرُ النورِ في دائرةِ ال ... فضة البيضاءِ في الحالِ سَبَجْ 1169 - قال أبو الحسن علي بن سعيد الغماري: ضمني بتونس مجلس أنسٍ مع الأديب أبي إسحاق إبراهيم الغساني، فقام غلام جميل إلى الشمعة فقطعها بإصبعه، فصنعنا في ذلك أبياتاً بيتاً ببيت، وهو الأول: وَرَخْصِ البَنَانِ تصدَّى لأَنْ ... يقط السراج بمثل العنم فلم تذهب [ ... ] في قطه ... ولا احتاج في قطعه للجلم وما ذاك إلا لسكناه في ... فؤادي على ما به من ضرم تعوَّدَ فيه بحرِّ اللهيب ... فليس به من لهيبٍ أَلَمْ 1170 - الزكي بن أبي الاصبع: بيضاءُ تحسبها من لؤلؤٍ خُلِقَتْ ... تفترُّ عن لؤلؤٍ رَطْبٍ قد اتسقا قامتْ إلى شمعةٍ بيضاءَ تُصْلِحُها ... بلا مقطٍّ فطارت مهجتي فرقا فأدركتني وقالتْ لا تخف لهباً ... على بنانٍ من الياقوت قد خلقا فطال ما أُصْلِيَ الياقوتُ جمرَ غضاً ... ثم انطفا الجمرُ والياقوتُ ما احترقا 1171 - شرف الدين المصنف: ومكحول اللحاظِ كَغُصْنِ بانِ ... من الولدانِ فرَّ من الجنانِ تناولَ شمعةً ليقطَّ منها ... بمثل الدر من رَخْصِ البنان فقمتُ إليه أنهاه فولَّى ... وقال إليكَ يا مَنْ قد نهاني أَلَسْتُ ربيتُ في جنّاتِ عدنٍ ... فجسمي من سعيرٍ في أمان

1172 - سيف الدين بن سابق الدين في الفانوس (1) : وكأنّما الفانوسُ في غَسَقِ الدجى ... دَنِفٌ براه شَوْقُهُ وسهادُهُ حُنِيَتْ أضالعُهُ ورقَّ أديمه ... وَجَرَتْ مدامعُهُ وذابَ فؤاده 1173 - شرف الدين الصنيعة: ومحنيِّ الضلوعِ على لهيبٍ ... توقُّدُهُ يذوبُ به حَشَاهُ عليه غلالةٌ رقَّتْ لتجلو ... محاسِنَهُ وقد سَتَرَتْ هواه ويخْفي دَمْعهُ الجاري اشتياقاً ... فلا يدري به أحدٌ سواه 1174 - جلال الدين المكرم والدي: أقولُ لشمعةٍ ها إنّ حالي ... كحالِكِ في العيانِ لمن يفيقُ دموعٌ في الهوى تجري وَسُهْدٌ ... وجسمٌ ذائبٌ وحشاً حريقُ على جسدي المسلسلِ حين أضحى ... أسيراً فاضَ مدمعيَ الطليق تحنُّ أضالعي ناراً وبيني ... وبين عواذلي سِتْرٌ رقيق إذا التهبتْ بدا أمري ويخبو ... فيجهله عدوي والصديق إلى طُرُقِ المحبة يُهْتَدَى بي ... ففي الطلماء تُهْدَى بي الطريق 1175 - أبو الحسن ابن عبد الكريم (2) : كأنما الليلُ وفانوسُهُ ... يجلو دجى الظلمةِ للحسِّ لُجَّةُ بحرٍ قد طما مَوْجُهُ ... تسبحُ فيه كُرةُ الشمس 1176 - وله: يا ربَّ شمسٍ في الدياجيرِ ... مشرقةِ الأرجاءِ بالنورِ راح بها من عَجَبٍ جمعنا ... ما بين تسبيحٍ وتكبير وقال بعض القوم من كيسه ... كأس من الصهباء كافوري وأعربَ الفانوسُ عن نَفْسِهِ ... بأنه خركاةُ بلّور

_ (1) حلبة الكميت: 183 والشاعر هو ابن قزل المشد، انظر الفقرة: 1146 في ما تقدم. (2) حلبة الكميت: 183 للوجيه المناوي.

1177 - ابن عبد المنعم الخيمي (1) : ومسامري في الليلِ مثلي ناحلٌ ... متصعدُ الزَّفَراتِ ملتهبُ الحشا أضحى كما حكم الهوى ولهيبُهُ ... ذا أضلعٍ ما فوقها إلا الغشا 1178 - وله: يا حبَّذا الفانوسُ يحمل كَلَّهُ ... أبداً وَيُرْسِلُ نَفْعَهُ للجارِ فتراه يُمْسِكُ حَرَّه ودخانُهُ ... فيه ويبذلُ خالص الأنوار وحكى من الراووقِ أكثر شكله ... فكأنه راووقُ نورِ النار 1179 - محمد بن عبد الله في فانوس غشاؤه أحمر: ولما دجى الديجورُ واسود جُنْحُهُ ... أتينا بفانوسٍ جلا ظلمةَ الغَسَقْ كأن ضياءَ النور تحتَ غشائه ال ... معصفر بَدْرُ التِمِّ في حُمْرَةِ الشفق 1180 - شرف الدين المصنّف: أو ما ترى الفانوسَ يجمعُ شكلُهُ ... إلفَيْ هوىً من شمعِهِ وضيائِهِ وجه الحبيبِ يلوحُ تحتَ نقابه ... وحشا المحبِّ يذوبُ من بُرَحَائِهِ 1181 - الشريف أبو الحسن في الطوافة: ليِّنَة الأعطافِ لا ... يُجْهَلُ حَقُّ قَدْرِهَا يَنْهَبُ مهما توجو ... هـ رأسُها من عمرها حياتُها في طَيِّها ... وَمَوْتُها في نشرها 1182 - أبو ابن عبد الكريم: وطوافةٍ في ليلها ونهارها ... وإن لم يغبْ جثمانها مكانِهَا تضمُّ يدي من جسمها شكلَ حَيَّةٍ ... إذا ما انطوتْ راعت فؤادَ جنانها تراها بجنح الليلِ ترفعُ رأسها ... تنضنضُ تجلو جُنْحَهُ بلسانها 1183 - ابن إسرائيل في الجلاّسة والقنديل: ربَّ ليلٍ قطعت ما بين قطري ... هـ غريقاً في لُجَّةِ الأفكارِ

_ (1) حلبة الكميت: 183.

وَمُعِيني على سُهاديَ كأسٌ ... من زجاجٍ أرقُّ من أشعاري قد أحاطَ الهواءُ منه بماءٍ ... وعلى الماءِ فيه كوكبُ نار فتراه في حُسْنِ سوسنةٍ بيضا ... ءَ من تحتِ زهرةٍ من بهار وعليه بالزيتِ طوفٌ رقيقٌ ... هو فيه كمعصمٍ في سوار 1184 - وله: انظرْ مصابيحَ القصو ... ر واقضِ منهنَّ العَجَبْ كأنما ماءُ الخلي ... ج وسناها الملتهب صَرْحُ زجاجٍ تحته ... دعائمٌ من الذهب 1185 - شاعر ملغزاً: مملوكةٌ من جوهرٍ جامدٍ ... وفي حشاها جوهرٌ جارِ في جوفها ماءٌ ونارٌ وهل ... يجتمعُ الماءُ مع النار 1186 - محمد بن عبد الله: أيا ربَّ قنديلٍ جلا الليلَ ضَوْءُهُ ... تراه كأَنْ قَدْ صيغ من جوهرِ البدرِ صفا مثلَ دمعِ العاشقين وَقَلْبُهُ ... وأحشاؤُهُ فيها لهيبٌ من الجمر تراه نحيلَ الجسمِ من سَهَرِ الدجى ... يراقبُ نجمَ الليلِ شوقاً إلى الفجرِ 1187 - شاعر في القنديل: وقنديلٍ يكادُ سناهُ يجلو ... دياجيرَ الظلامِ بغيرِ نارِ فكيف وقد حوى قَبَسا منيراً ... تراهُ تخاله بعضَ الدّراري 1188 - شاعر في قنديل وَسْطَ ياسمين: كأن قنديلنا في الياسمينِ وقد ... بدا بنورٍ على أعلاهُ ملتهبِ أرضٌ سن الفضةِ البيضاءِ قبتها ... بلّورةٌ فوقها طَيْرٌ من الذهب 1189 - شرف الدين المصنّف في ثريّا جامع دمشق: ومسجدٍ في مشاكيه بجنحِ دجىً ... نورٌ يكشِّفُ عن أبصارنا الظُّلَما ترى الثريّا ثريَّا فيه طالعة ... حُسْناً وما فيه من سُرْجٍ نجومَ سما تمرُّ فيه ظباءُ الإِنس راتعةً ... على المحاريبِ من أشكالهنَّ دُمى

1190 - شاعر في القصبة المعوجّة التي تطفأ بها القناديل (1) : طفَّايةٌ تبعثُ في ... وَسْطِ القناديلِ هَبَا كأنها نعامةٌ ... تلقطُ منها لهبا 1191 - العمادُ السَّلماسي (2) في المشعل: وشخصٍ على كلِّ الملوك مقدَّمٍ ... له خَدَمٌ تحظى لديه وَتَعْبَثُ فيودِعُ في أحشائِهِ النارَ دائماً ... ومقدمها من رأسِهِ حين ينفث ولكنّ مَنْ يدنيه منهم مفسّقٌ ... يَمِينُ وفي أَيْمانه الدهرَ يَحْنَثُ له أعينٌ من كلِّ صوبٍ ووجهةٍ ... وليس له عينٌ إذا مات يُورَثُ لتعميمه بالنفعِ أبناءَ آدمٍ ... يوحدُ فيهم تارةً ويثلَّتُ السراج والمسرجة: 1192 - في التنزيل العزيز: (لله نورُ السَّمواتِ والأرضِ مَثَلُ نوره كَمِشْكاةٍ فيها مِصْباحٌ المِصْباحُ في زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كأنَّها كوكبٌ دريٌّ يوقدُ من شَجَرةٍ مُبَارَكةٍ زيتونةٍ لا شَرْقِيَّةٍ ولا غربيّةٍ، يكادُ زِيْتَها يُضيءُ ولو لم تَمْسَسْهُ نارٌ، نورُ على نورٍ يَهْدي الله لنوره من يشاءُ، ويضربُ اللهُ الأمثالَ للنّاسِ، واللهُ بكلِّ شيءٍ عليم) . قوله: (الله نور السموات والأرض) فيه أربعة أقوال: هادي السموات والأرض، ومدبر السموات والأرض، وضياء السموات والأرض، ومنور السموات والأرض، شمسها وقمرها ونجومها. (مَثَلُ نوره) فيه ثلاثة أقوال: مثل نوره، أو مثل نور محمد صلّى الله عليه وسلّم، أو مثل المؤمن، فمن قال: مثل نور المؤمن فيعني في قلب نفسه، ومن قال نور محمد صلّى الله عليه وسلّم فيعني في قلب المؤمن؛ ومن قال مثل نوره ففيه قولان يعني في قلب محمد صلّى الله عليه وسلّم أو في قلب المؤمن.

_ (1) هو جعفر بن أحمد العلوي، كما في الفوات 1: 286. (2) هو العماد بن السلماسي، عثمان بن إسماعيل بن خليل، أبوه من سلماس إحدى مدن أذربيجان، انتقل منها إلى القاهرة وولد فيها العماد سنة 584 وبها نشأ وتنقل في البلاد الشامية والجزيرية كاتب درج أو كاتب ديوان، وكانت وفاته سنة 644 (المغرب - قسم القاهرة: 291) .

(كمشكاة فيها مصباح) فيه خمسة أقوال: أحدها أنّ المشكاة لا منفذ لها، والمصباح: السراج، الثاني: المشكاة: القنديل، والمصباح: الفتيلة، الثالث: المشكاة: موضع الفتيلة من القنديل الذي هو كالأنبوب والمصباح للضوء، الرابع: المشكاة: الحديد الذي يُعلَّق به القنديل، وهي السلسلة، والمصباح: هو القنديل، الخامس: المشكاة: صدر المؤمن، والمصباح: القرآن الذي فيه، وقيل المشكاة الكوَّة بلسان الحبشة، وقيل أن كلّ كوّة كوَّةٍ نافذةٍ مشكاة. (المصباح في زجاجة) فيه قولان: أحدهما أن نار المصباح في زجاجة القنديل لأنه فيه أضوأ، والثاني: المصباح هو العِلْمُ والإيمان والزجاجة قلب المؤمن. (ودرّي) فيه أربع قراءات: دُرّيء - بالضم والهمز - أي مضيء، ودِرّيء - بالكسر والهمز - أي متدافع، من درأ أي دفع، ودِرِّي - بالكسر وترك الهمز - أي جارٍ كالنجوم والدّراري الجارية، من درا الوادي إذا جرى ودُرِيٌّ - بالضم وترك الهمزة. (يوقد من شجرةٍ مباركةٍ) فيه قولان: أحدهما الشجرة المباركة إبراهيم، والزجاجة التي كأنها كوكب درّي محمّد صلوات الله عليهما وسلامه، الثاني: أنه صفة لضياء المصباح الذي ضرب به مثلاً، يعني أن المصباح يشتعل من دهن شجرة زيتونة مباركة. وفي جعلها مباركة وجهان: أحدهما أن الله عزّ وجلّ بارك في زيتون الشام وهو أبرك من غيره، الثاني: أن الزيتون يورق غصنه من أوله إلى آخره، وليس له في الشجر مِثْلٌ إلا الرّمان. وقوله: (لا شرقية ولا غربية) فيه ستة أقوال: أحدها يعني أنّها ليست من شجر الشرق دون الغرب ولا من شجر الغرب دون الشرق لأن ما اختص بأحد الجهتين كان أقلّ زيتاً وأضعف ضوءاً، ولكنّها من شجر ما بين الشرق والغرب كالشام لاجتماع القوتين فيه. الثاني: ليست بشرقيَّة تستتر عن الشمس في وقت الغروب، ولا بغربيّة تستترعن الشمس في وقت الطلوع، بل هي بارزة للشمس من وقت الطلوع إلى وقت الشروق، يكون زيتها أضوأ وأقوى. الثالث: يعني أنّها وسط الشجر لا تنالها الشمس إذا طلعت ولا إذا غربت، وذلك أجود لزيتها. الرابع: يعني أنه ليس في خر الشرق ولا في الغرب مثلها. الخامس: يعني ليست من شجر الدنيا التي تكون شرقية أو غربية وإنما هي من شجر الجنّة. السادس: يعني أنها مؤمنة لا شرقية أي ليست بنصرانية تصلِّي إلى المشرق، ولا غربية أي ليست يهودية تصلي إلى المغرب. (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) فيه قولان: الأول: يعني أن ضياء زيتها

كضوء النهار وإن لم تمسه نار، الثاني: أنّ قلب المؤمن يكادُ أن يعرف الحقّ قبل أن يبين له لموافقته له. (نور على نور) فيه قولان: أحدهما يعني في ضوء النهار على ضوء الزيت على ضوء الزجاجة؛ الثاني: معناه هي من نسل نبي. (يهدي الله لنوره من يشاء) فيه وجهان: أحدهما يهدي الله لدينه من يشاء من أوليائه، الثاني: يهدي الله إلى دلائل هدايته من يشاء من أهل طاعته (يضرب الله الأمثال للناس) وهذا مَثَلٌ ضربه الله للمؤمن لوضوح الحق له فيه. 1193 - وفي الأخبار أن شهر بن حوشب قال (1) : أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يُجَنِّبوا صبيانهم فحمة العشاء، وأن يطفئوا المصابيح، وأن يوكئوا الأسقية، وأن يُغلقوا الأبواب، وأن يخمِّروا الآنية، فقام رجل فقال: يا رسول الله لا بد لنا من المصابيح للمرأة النُّفَساءِ وللمريض وللحاجة تكون، فقال: لا بأس إذا، إن المصباح مَطْرَدَةٌ للشيطان، مَذبَّةٌ للهوام، مدلَّة على اللصوص - وفي رواية أخرى في السراج بذال معجمة واسقاط على - وأن الفويسقة تضرم على الناس بيوتهم. الفويسقة: الفأرة. 1194 - وقالت الحكماء: إن الطفل لا يُناغي مضيئاً ولا يُسَرُّ به كما يناغي بالمصباح ويُسَرُّ به، قالوا: وسرور الطفل ومناغاته منفعة له في تحريك القوّة النفسانية، لما في النار من الطبيعة المودعة في ذلك. 1195 - ومن أسماء السراج: القرط والسراج والمصباح والنبراس والمسرج. 1196 - ويقال لما يسقط من السرج أيضاً القرط والقراط - بكسر القاف والف بعد الراء - وكذلك ما يخرج من حوافر الخيل إذا صدمت الصخور من النيران، وكذلك ما يخرج من بين الحجرين، ومن بين الحديد والحجر، والأنثى والذكر من الخشب والقصب والحديد، كل ذلك يسمى قراطاً - بكسر القاف وأسقاطاً، واحدها قُرط - بضم القاف - وسَقْطٌ وسُقْطٌ - بفتح السين وضمّها. ويقال لموضع النار من الفتيلة الزِّهْلِقُ - بكسر الزاي واللام - والجمع زَهالِقُ؛ ويقال ما بالدار وابصةٌ، يراد بها ما بها نار، وكذلك ما في الدار نافخُ ضرمة أي نافخ نار، وضوء الزيت أنورُ من ضوء كل شيء غيره مما يُسْتَصْبَحُ به وأقل دخاناً، وأعني بالزيت زيت الزيتون، ولا سيما إذا كان في الزجاج. ولو علم الله عزّ وجلّ شيئاً أنورَ منه لضربه لنورة مثلاً؛ قال النابعة الجعديّ يصف امرأة:

_ (1) قارن بارشاد الساري 9: 169.

تضيء كضوءِ سراجِ السَّليطِ ... لم يجعلِ الله فيه نُحاسا السليط: الزيت، والنحاس: الدخان. 1197 - ابن الرومي في السراج (1) : وحيَّةٍ في رأسها دُرَّةٌ ... تسبحُ في بحرٍ قصيرِ المدى إذا تولَّت فالعمى حاضرٌ ... وإن تجلَّتْ بان طُرْقُ الهدى 1198 - ابن قلاقس في مثله: وهيفاءَ فيها إن تأملتَ أمرَهَا ... عجائبُ لا يبدي سوى الكفرِ سِرَّها تقومُ ولكنْ ليس تنقل رِجْلَها ... وترنو ولكن ليس تُطْبِقُ شفرها إذا نظرتَ فيها النواظرُ دوحةً ... رأتْ بأعاليها من النارِ نَوْرها 1199 - ابن طباطبا: وليلةِ وصلٍ قد عَصَيْتُ عذولَها ... وخاتلتُ من ضوءِ السراج ختولَها وصابَرْتُهُ حتى تمحَّقَ ضوءُه ... وذكَّرتُ نفسي من سناه ذحولَها كأنيَ والمصباحُ يُطْفَأُ صائمٌ ... يراقبُ من شمسِ العشيِّ أفولَها إذا اخذَ المصباحُ في النَّزْعِ طيبت ... ...ونالت منّيَ النفسُ سُولها يعذّبني طوراً بطولِ ضيائه ... فيا مدّةً أشكو إلى النفسِ طولها كذي سنة يُغفي ويرفعُ طَرْفَه ... يلمُّ بعينيه فيأبى قبولها يروعني ما لاحَ منها كَشَيْبَةٍ ... مخضبة أبصرتُ منها نصولها كما أسبلتْ ذاتُ الحدادِ قناعها ... على مُقْلَةٍ عبرى وَحَلَّتْ ذيولها فيا ظلمةً كانت ضياءَ لذي الهوى ... فحلَّلَ عن أسري الرقيبُ كبولها ويا ضوءَ مصباحٍ دهاني ونقمةٌ ... تعوَّذتُ منها إذا رأيت حُلُولَها وكم أعينٍ ... أورثها العمى ... وعوّدت منها قبل ذلك حُؤولَها 1200 - وله، وكانت في السراج فتيلتان فأمر الغلام بإطفاء إحداهما: اجعل الزوجَ في سراجك فردا ... واقتصدْ يا غلامُ فالقصدُ أجدى إن يكنْ فقدك الضياءَ رديئاً ... فافتقادي للبزر أردى وأردى

_ (1) حلبة الكميت: 184 والغزولي 1: 88 وربيع الأبرار، الورقة 23/ أ.

1201 - أبو الحسن القزويني (1) : وقالوا كيف أنت فقلت حيٌّ ... تَقَضَّى حاجةٌ وتفوتُ حاجُ إذا ازدحمتْ همومٌ في صدورٍ ... عسى يوماً يكونُ لها انفراج نديمي هِرَّتي وأنيسُ بيتي ... دفاترُ لي ومعشوقي السراج 1202 - ابن الحدّاد (2) : سامحْ أخاك إذا أتاك بزلَّةٍ ... فخلوصُ شيءٍ قلَّما يتمكَّنُ في كلِّ شيء آفةٍ موجودةٌ ... إنَّ السراجَ على سَناهُ يدخِّن 1203 - قال شرف الدين المصنّف (3) : رأيت فيما يرى النائم قائلاً يقول لي: ما تقول في السراج والمسرجة؟ فأنشدته شعر ابن الرومي: وحيَّةٍ في رأسها دُرَّةٌ ... وقد تقدم البيتان،. فقال: هذا في الذّبالة، وأنا سألتك عن السراج والمسرجة، فأنشدته للصنوبري (4) : له سراجٌ نوره ظلمة ... كأنما يُوقَدُ من قلبي الحبُّ أضناني فما باله ... يضنى فما يشكو جوى الحب فقال لي: هذا في السراج، وأنا سألتك عن السراج والمسرجة، فصمتُّ، فقال لي: أراك سكت (5) ، فقلت له ما تحفظ فيهما أنت؟ فأنشد: مسرجةٌ تُسْرَجُ من فوقها ... ذبالةٌ في جَوْفِ مصباحِ كأنها مسرجةٌ فوقها ... تفاحةٌ في غُصْنِ تفاح فاستيقظت وأنا أحفظهما.

_ (1) هو ابن فارس اللغوي، وشعره في اليتيمة 3: 405 والأنباء 1: 93 وابن خلكان 1: 120. (2) الذخيرة 1/ 2: 729 ونفح الطيب 3: 504 وابن الحداد هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن الحداد، شاعر أندلسي، له ترجمته في الذخيرة 1/ 2: 691 وفي الحاشية ذكر لكثير من مصادر ترجمته. (3) نقله الغزولي 1: 88. (4) ديوان الصنوبري: 461 ومحاضرات الراغب (2: 379) والغزولي 1: 88. (5) ص: بردت بهذا.

قال المصنّف (1) : وهذا التشبيه في المسرجة جيد في مسارج العرب، فإن مسرجتهم قضيب أملس أشبه شيء بقضيب التفاح. 1204 - جلس أبو الطيّب المتنبي ليلة عند ابن عبد الوهاب، وابن عبد الوهاب إلى جانب السراج، فأنشد أبو الطيب (2) : أما ترى ما أراه أيها الملكُ ... كأنّنا في سماءٍ ما لها حُبُكُ الفرقدُ ابنك والمصباحُ صاحبه ... وأنت بدرُ الدجى والمجلسُ الفلكُ جعل ابنه وهو قريب من المصباح كالفرقدين. 1205 - كان أبو جعفر أحمد بن البنّي (3) معاصراً لليكي (4) ، وكلاهما عَلَمٌ في زمانه في الأدب، وكان كل واحد منهما يتمنّى لقاء صاحبه، فرحل كل منهما للقاءِ صاحبه، فاتفق أن وصل البنّي في ليلةٍ مطيرةٍ ذات برد وريح إلى الجزيرة الخضراء بِعَدْوَةِ الأندلس، وقد أمسى، فقصد خاناً وقد أغلق الخاني بابه، فقرع الباب فلم يَفْتَحْ له، ولم يكن قدومه متوقعاً في ذلك الوقت على تلك الحال من المطر والظلام، وألحَّ في طلب البيات، وسأله التجّار أن يفتح له ففتح له، فدخل فلم يجد موضعاً سوى بيت لا عهد له بساكن مدة طويلة، فكنس له فيه موضعاً وأغلق بابه عليه ونام، ثم دُقَّ الباب على الخاني، وإذا بآخر في مثل حاله قد قَذَفَ به الليل والسيل إلى الخان، فضجَّ الخاني، وأقسم أن لا يفتح، وضجَّ الوارد من السيل والمطر وألحّ، ورحمه التجار ورغبوا إليه أن يفتح له، فدخل فأرشده إلى البيت الذي فيه الوارد الأول، فدخل عليه وسلّم وهما في الظلام، فقام له الأول وآثرة بموضعه الذي كنسه لنفسه، وهيّأ له غيره، فعندما أخذا مضجعهما اجتاز بهما الخاني والسراجُ في يده يطوف به زوايا الخان، فدخل عليهما ضوء السراج، فتحركت القوَّةُ الشعرية للبني فقال بديهة (5) :

_ (1) في الغزولي: قال شهاب بن أبي حجلة. (2) ديوان المتنبي: 51. (3) هو أبو جعفر أحمد بن عبد الولي البني نسبة غلى بنة من قرى بلنسية، حرقة السيد الكنبيطور سنة 488 انظر ترجته في المغرب 2: 357 والتكملة: 24 والقلائد: 298 والمطمع: 91. (4) أبو بكر يحيى بن سهل اليكي عرف بالهجاء، ويكة المنسوب إليها من حصون مرسية (المغرب 2: 266، وصفحات من نفح الطيب) . (5) القصة والبيتان في الشريشتي 1: 311 - 312 (باختلاف) والبيتان في الحلبة: 184 والغزولي 1: 92.

ومصباحٍ كأنَّ النورَ فيه ... محيَّا من أحِبُّ وقد تجلَّى فبدر صاحبه، وقال على الفور مجيزاً له: أشار إلى الدُّجى بلسانِ أفعى ... فشمر ذيله جَزَعاً وولَّى فنهض البني وقال: تكون اليكّي؟! فتبسم اليكّي وقال: تكون البنّي؟ فتعانقا وتعارفا، فسمع بهما تجار الخان فعرفوهما، فلم يُصْبِحا إلاّ على حالةِ رفاهيةٍ من المال والقماش مما جَمَعَ لهما التجار، وسمع بهما والي المدينة، فأوسعَ لهما وأحسن إليهما، وأقاما مدّة مجتمعين ثم افترقا على أحسن حال. 1206 - قال مسرور: قام الرشيد هارون يوماً من فراشه إلى صلاة الغداة فصلّى وخرج إلى موضع جلوسه، فرأى في بعض دهاليز القصر قنديلاً مسرجاً من الليل لم يُطْفأ إلى أن طلعت عليه الشمس، فأمر بإحضار الفرّاشين وضربهم في ذلك الموضع، فعجبت وقلت: ما عسى أن يكون قد ضاع من البزر في بقاه هذا القنديل مسرجاً إلى هذا الوقت؟! ثم أخذ مجلسه، ورفعت إليه الأشغال، فرفع إليه مٌشْرِف مطبخِهِ ورقة فيها: إن الطّباخ طلب منه عطراً لتطييب القدور بمبلغٍ كبير، وناولنيها فأشفقتُ من أمرها لما وقفت عليه في صَدْرِ يومي من نظره في القنديل، ودافعتُ المشرف، وأمير المؤمنين يلحظني ولا أشعر، ولم يكن لي بدٌّ من رفعها، فرفعتها إليه، فوقَّع فيها دون أن ينظرها، فعجبت من تفاوت حاليه، فلمّا قام من موضعه وأنا خلفه التفت إليّ وأمسك بأذني وقال: قد رأيت ما فعلته بالفراش في هذا الموضع فأنكرته، وقلت في نفسك: ما عسى أن يكون ضاع من البزر في هذا القنديل؟! ثم حضرت ورقة المشرف فاستكثرتها، ولم يكن ما فعلتُهُ بخلاً بما ضاع في القنديل والبزر، وإنما كان تأديباً للخدّام في أن لا يغفلوا بما يجب عليهم من الخدمة فيما دقّ وجلّ، بحيث لا يتعطّل شغل من الأشغال. 1207 - قال رجاء بن حيوة: كنت مع عمر بن عبد العزيز فَضَعُفَ السراج، فقال: يا رجاء أما ترى؟ فقلت: أقومُ فأُصْلِحُه، فقال: إنه للؤمٌ بالرجل أن يستخدم ضيفه، وقام وأخذ البطّة فزاد في دُهْنِ السراج ثم رجع وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز.

1208 - قام (1) أبو بكر بن قزمان الزَّجال في مجلس شراب، فمال على السراج فانطفأ، فقال: يا أهل ذا المجلس السامي سرادقُهُ ... ما ملتُ لكنني مالت بيَ الراحُ فإن أكن مطفئاً مصباحَ بيتكمُ ... فكلُّ مَنْ فيكمُ في البيت مصباحُ خواص في السرج: 1209 - قال ساغون: إذا أسرجتَ سراجين أحدُهما بشحمِ أسد والآخرُ بشحمِ كبش ووضعتهما قريباً بعضهما من بعض، فإن نار أحدهما تثبُ نحو نار الآخر، كأنهما يقتتلان. 1210 - قال كيماوس: إذا خُلِطَ شحم الأسد مع كبريتٍ أصفر مسحوق وجُعِلَ في مصباح حديد أخضر أرى عجباً. 1211 - فال أرسطو: شحمُ التمساح إذا عُجِن بالشمع وجُعِلَ في فتيلةٍ وأُسْرِجَ في نهر أو أَجَمَةٍ لم تَصِحْ ضفادع ذلك الموضع ما دامَتْ الفتيلةُ مُسْرَجةً. 1212 - قال ماسرجويه: إنْ ذُوِّبَ شحم الدّلفين وجُعل في مصباح نحاس، وأُخِذَت خرقةُ كتّانٍ ونُثِرَ عليها زنجار ولُفَّتْ فتيلةً، وجعلت في ذلك المصباح مع ذلك الشحم المذاب، وأُسرجت، فإن كلّ من يكون في ذلك البيت الذي يُسرج فيه بين بدي السراج لا يُبصِر شيئاً من نوره، وكل من وراء ذلك المصباح يرى كلّ شيء. 1213 - قال كيماوس: إنْ جُفِّفَ دم سُلحفاة وسُحِقَ وطُلِيَ به مسرجة، فكل من أسرجها ضرط. 1214 - مجرب: إنْ دُقَّ ملح وأُلقي في شراب صِرْفٍ وخُضْخِضَ، وملأتَ به قنينة وجعلتَ في فمها قطعة شمع، وأوقدتها، فإن النار تتصل بالشراب ويفنى الشمع ويبقى الشراب، والنار متّصلة تُسْرَجُ بغير دخانٍ كالشمعة في عنق القنينة زماناً أضوأَ سراج وأنوره يغني عن الشمع والسراج.

_ (1) حلبة الكميت: 184 والغزولي 1: 89 والبيتان أيضاً في الاحاطة 2: 496 (تحقيق عنان) .

دلائل السُّرُجِ على الأنواءِ: 1215 - قال أرسطو: إنْ ظهر حول السراج شبهٌ بقوس قزح دلّ على المطر، وإن ظهر في فتيلته شيء شبيه بروؤس القطر دلّت على ريحٍ كائنة بحسب كبرها وصغرها، فإنها إذا كانت صغاراً صافية شبيهةً بحبّ الدخن دلّت على رياحٍ، وإن كانت عظيمة ليست صافية دلّت على المطر. وإذا كان التهاب السراج مضطرباً يندفع من ناحية إلى ناحية دلّ على مطر، وإن وقعت منه شرارات كثيرة ولها صرير دلّ على مطر. 1215 - صفة سراج صنعه أرسطاطاليس للإسكندر، لما أراد دخول الظلمات، لا يطفأ بماءٍ ولا مطرٍ ولا ريح ولا تراب ولا غير ذلك مما تُطفأ به النيران، بل يزداد وقوداً وضياءً: يؤخذ أبدان الذراريح التي يقال لها اليراع، تُسْرَج بالليل كالنار المشتعلة، فإن قدرت عليها فهي أجود، وهي توجد في زمان الباقلاّ، فإن أعوزت خُذْ أبدان الذراريح الحمر الموجودة في كلّ وقت وتربي أجنحة، أيّ نوعٍ أخذ، وتُسحق بزيتٍ رصاصيٍ خالص، وإن كان دهن زنبق فلا تبال، وصيِّرهُ في قارورةٍ نقيّة، وشدَّ رأسها بصاروج، وهو كلس معجون بزيت وقطنٍ مقطع من فوق وملح محرّق، وأحكم به وصل القارورة وادفنها في الزبل شهراً. تجدد الزبل كلّ خمسةِ أيامٍ مرّة، وأخرجه تّجده قد صار دهناً أحمر كلون الذهب، فلا تمسّه بيدك فهو سمّ، فإذا أردت العمل به فاتّخذ أُكْرَةً، ثم تأخذ قُنّة ونَوْرَةً لم يصبها الماء، تسحق النورة وتعجنها مع القنّة بمرارةِ سلحفاة بحرية أو نهرية، والبحرية أجود، فإذا أردت استعماله فاطلِ الكرة منه طلياً جيداً وجفّفها، ثم اطل فوقها بالدواء، ثم أشعل فيها النار، فإنها لا تنطفىء بشيء من المائعات ولا بالتراب الذي يطفئ النار، بل تزداد اشتعالاً، وليكن طليُكَ للدواء بريشة أو قلم شعر فإنه سمٌّ قاتلٌ باللّمس والذوق. وهذا الذي يطفئها إذا طُلي به البدن أو الخشب فكلّ ما يُطْلى به لا يبالي بالنار ولا تعلق به ولا تفعل فيه شيئاً، وهو رطل طَلْقٍ ورطلُ صمغٍ عربي وأربعة أرطال مَغْرةٍ حمراء ورطلان حنس، وما شئت من دقيق حواري وما شئت من بياض بيض، يُدَقُّ الصمغ والطَّلق والمغرة: كل واحد على حدته، ويخلط الجميع، ثم تأخذ خلّ خمرٍ حاذقٍ تمزجه بالماء حتى تكسر حمضه، وتخلط الجميع وتعجنه شديداً وتدهن به ما شئت، ولو طليت به خشبة لم تحترق وهي مدفونة في النار أبداً، فإذا أردت تطفيء الأُكرة المذكورة فخُذ لبّاداً بلَّه بالدواء مرة ومرة ثم والِهِ عليها ولفَّها به سريعاً فإنها تنطفيء.

فراغ

الباب العاشر

الباب العاشر في تعبير ما تشتمل عليه من الآثار العلوية وغيرها في المنام 1217 - قال الحكماء (1) : إذا رأى الإنسان النار في موضعها بمقدارٍ معتدلٍ، والزمان شات، دلّ على الخير والصلاح، فأما إذا لم تكن في موضعها أو كانت كبيرة مجاوزة الاعتدال في الكثرة، أو كان الصيف، فإنها تدلُّ على الشرّ والحرب والمرض والندامة. 1218 - ومن رأى (2) أنه قاعد في ضوء السراج باليل دلّ على السرور ومواتاة الأمور، فإن كان خائفاً أو هارباً أو متوازياً أو عازماً على عمل في خفية دلّ على الفضيحة، لأن كلّ ما يكون في ضوء السراج يكون ظاهراً، وإطفاءُ السراج في المنام دليلٌ رديء مذموم، فإن كان صاحب المنام مريضاً دلّ على الموت. 1219 - قال الشيخ شرف الدين المصنّف: وجرى لي من المنام أمر عجيب في السراج، وذلك أني رأيت كأني جالسٌ وبين يدي ثلاثةُ سُرُجٍ موقودة، وإلى جانبي زوجتي أمُّ بني، وهي تنفخُ إلى أحد السرج لتطفئه، فأدركني عليها غيظٌ شديد، ونهيتها عن ذاك، فألّحت في النفخ عليه، فاضطربت من الغيظ وقلت لها: إن طفيتيه فأنت طالق، فقامت فنفخت في السرج الثلاثة فأطفأتها، وبانتْ بالطلاق، ولم أكن قبل ذلك جرى على لساني للطلاق ذكر، ولا حدَّثْتُ نفسي بطلاقها قطّ، ولا حدّثَتْ نفسها في خلاف أمر آمرها به قط، وكان لي منها ثلاث بنين، فاتفق بعد هذه الرؤيا بأيام قلائل أن مرضت فماتت، وركبت أنا وأولادي الثلاثة البحر. ومالٌ

_ (1) قارن بما جاء عند أرطاميدورس: 209 - 210. (2) قارن بارطاميدورس: 209.

طائل، فعطبت السفينة وغرق البنون الثلاثة والمال جميعه، ونجوت على لوح مسلوباً من الأهل والمال. 1220 - والعرب تقول (1) : من رأى أنَّ بيته احترق انفسد حاله؛ والنار إذا كان لها شرر ولهيب مضطرب دلّت على القتال وإنْ لم يكن معها شرر واضطراب دلّت على المرض والخصومة، وإن كان معها دخان انضاف إلى هذه الأمور هموم وغموم، ومن رأى أنه أوقد ناراً ليستضيء بها فتح له فيما يقصدة ويطلبه، وإن أوقدها ليتدفأ بها في وقت الدفء نال منفعة من الأمر الذي يقصده. 1221 - ورأى رجلٌ في المنام أن يمينه صارت سراجاً وهو يسير في ضوئها، فاتّفق أن عمي بصره، وكان أخوه يقوده في الطريق. 1222 - ومن رأى نوراً عظيماً على جبل أو في مفازه ليستضيء به الناس في أمور معاشهم ظهر للناس إمام أو سلطان عادل مرضيُّ السيرة. 1223 - والهواء الصافي (2) المضيء يدلّ على الخير والصلاح لكلّ أمرٍ رآه، خصوصاً إن كان في قلبه همّ أو ضاع منه شيء فسار في طلبه أو سافر، قال المصنف: وقد جربته، والهواء الكدر المظلم يدلّ على العطلة والبطالة والغموم لكلّ أمرٍ رآه. 1224 - والسحاب (3) يدلّ على الخير والصلاح، لا سيما أن كان محتاجاً إلى مطرٍ، فأما من أراد أن يسافر ويعمل عملاً يكون الصحو أوفق له من المطر، وكان السحاب رديئاً له. 1225 - وأما السيول العظيمة والرياح العاصفة واضطراب الهواء فيدلّ على الحرب والخوف لكلّ من رآه. 1226 - والحرّ الشديد والبرد الشديد (4) يدلّ على التعب والبطالة، لأن الإنسان يبطل الأعمال في مثل هذه الأحوال، وإن اشتغلط بالعمل أصابه تعبٌ.

_ (1) قارن بابن سيرين 1: 220 وتعطير الأنام 2: 290. (2) هو عن أرطاميدورس: 200 وقارن بابن سيرين 1: 159 وتعطير الأنام 2: 316. (3) قارن بابن سيرين 1: 169 وتعطير الأنام 2: 300 وقارن بارطاميدورس: 298. (4) انظر تعطير الأنام 1: 42، 143.

1227 - والرعد والبرق (1) إذا لم يكن معهما مطر يدلان على المواعيد الكاذبة والآمال الخائبة، وإن كان الرعد والبرق شديداً دلّ على الخوف والفتنة وقتال الأعداء. 1228 - والغيوم البيض المُسِفَّة خير من الغيوم السود المظلمة، لأن الغيوم المظلمة تدل على الحزن، والغيوم المتحركة خير من الغيوم الساكنة الواقفة؛ وإذا رأى الغيوم صاعدة من أسفل إلى فوق كان خيراً له من أن يراها نازلة من فوق إلى أسفل، لأن هذا خارج عن الطبع، وإذا رئيت السحب حمراً خيف على الرائي القتل، أو صفراء خيف عليه المرض، أو خضراء فهو أمان من جور السلطان. وقالت النصارى: تدلُّ على زواج امرأة. 1229 - وان رأى قوس قزح يمنة فهو دليل خير، وإن رآه يسرة فهو دليل رديء. 1230 - والثلج والبرد العامُّ (2) تعذيب من السلطان للناس والخاصّ خاص لرائيه، وإن كان معه بَرَدٌ فهو فقر وضرّ وفاقة. 1231 - والريح الطيبة (3) الهادئة السهلة الهبوب تدلّ على الأمن والراحة والرخص، خصوصاً إذا استطابها الرائي واستلذّها. والرياح الشديدة العاصفة تدلّ على الحزن والشدائد، خصوصاً إذا تأذى بها. والهواء المظلم الكدر يدلّ على الشر لكل من يراه. 1232 - وقالت العرب: الغيم يدلّ على العلم، والطلُّ يدل على الخراب، والرعد والبرق يدلان على الخوف، والريح العاصف تدلّ على الخوف والسيول المضرّة تدل على الفتن والمحن والجوائح وأنواع البلايا، والثلوج تدل على المنافع في المواضع الني ينتفع بها بالثلوج، وعلى المضرّة في المواضع التي يستضرّ بها فيها. 1233 - وأما المطر ففيه خلاف، قالت الفلاسفة: كل ما ينزل من السماء مما عاقبته محمودة، فإنه يدل على الخير والصلاح، فإن رأى المطر عاما فهو خير عام، وإن رآه خاصاً فهو خير خاص في أي وقت رآه. وقالت العرب (4) : رؤيا المطر

_ (1) قارن بابن سيرين 1: 170 - 171 وتعطير الأنام: 37، 251. (2) ابن سيرين 1: 172 وتعطير الأنام 1: 42. (3) ابن سيرين 1: 167 وتعطير الأنام 1: 244. (4) ابن سيرين 1: 168 وتعطير الأنام 2: 224.

تختلف اختلاف الأوقات التي يُرَى فيها، فإن رآه في الشتاء وما أشبهه من وقتي الربيع والخريف الذي يتفق نزول المطر فهو خير، إن كان خاصاً فخاص، وإن كان عاماً فعام؛ وإن رآه في الصيف وفي الأوان الذي يبعد عهد المطر في مثله، فهو طاعون أو حصبة أو جدري أو بعض بلايا الدنيا، إن كان عاماً فعامّ لأهل المدينة أو القرية أو الصقع، وإن كان خاصاً فخاصّ لمن يراه. 1234 - فأمّا الطين (1) فلا خير فيه عند الجميع؛ قال المصنّف: وهو من مجرّباتي فإني رأيت شخصاً جالساً في طين، وهو يضع منه على رأسه يكاد يغمره، فشاهدته بعد ذلك وقد مات غريقاً في البحر، اللهم إلاّ أن يكون الرائي من قوّة النفس وصفاتها بحيث لا تحتاج رؤياه إلى مثال، بل تخرج على ظاهرها فيرى الطين في اليقظة كما يراه في المنام، فإن سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رأى كأنه في ماء وطين، فخرج إلى صلاة الغداة وصلّى بالناس وقد مُطِروا ووكَفَ سقفُ المسجد، فسجد في ماء وطي، صلّى الله عليه وسلّم.

_ (1) ابن سيرين 1: 172 وتعطير الأنام 1: 67.

تمّ الكتاب بحمد الله وعونه الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، وحسبنا الله ونعم الوكيل. وافق الفراغ من نسخه في تاسع شهر المحرم سنة ثلاث وسبعين وسبع مائة بدمشق المحروسة.

§1/1