سجود التلاوة وأحكامه

صالح اللاحم

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أرسله بكتابه المبين، هاديًا إلى الصراط المستقيم، جعل سبحانه أمثاله عبرًا لمن تدبرها، وأوامره هدى لمن استبصر، وشرح فيه واجبات الأحكام، وفرق فيه بين الحلال والحرام. خاطب به أولياءه ففهموا، وبين لهم مراده فعلموا. فقراء القرآن حفظة علمه المخزون وخلفاء أنبيائه وأمنائه. والواجب على من خصه الله بحفظ كتابه أن يتلوه حق تلاوته، ويتدبر حقائق عبارته ويتفهم عجائبه، ويتبين غرائبه قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. جعلنا الله ممن يقوم بحقه، ويرعاه حق رعايته، ويقوم بقسطه ولا يلتمس الهدي من غيره. أسباب اختيار الموضوع: كان مما دعاني إلى اختيار هذا الموضوع للكتابة فيه جملة أمور من أهمها: 1 - أن أكون ممن قال فيهم المصطفى صلوات الله وسلامه عليه:

منهج البحث

«خيركم من تعلم القرآن وعلمه» (¬1). ألا وإن من تعليمه؛ تعليم ما فيه القيام بحقه وهذا منه إن شاء الله. 2 - أهمية هذا الموضوع وعدم وجود مؤلف خاص به يجمع أحكامه، يقربه ويجعله في متناول قارئ القرآن. 3 - تباين أقوال أهل العلم في جملة من أهم أحكامه، فمن قائل بوجوبه بحيث لا يسع القارئ تركه، ومن قائل بسنيته ومثل ذلك اختلافهم في مواضع السجود وما يسجد فيه، وما لا يسجد، وكذا اختلافهم في اشتراط الطهارة له واستقبال القبلة، وستر العورة, ومن ذلك: اختلافهم في جواز السجود في أوقات النهي عن الصلاة، أو عدم جوازه ومن ذلك التكبير في أوله، وفي القيام منه، وكذا السلام. وغير ذلك كثير. فأحببت أن أشارك بجهد في هذا أتتبع فيه القول الذي تسنده الأدلة، وتشهد له الأصول. منهج البحث: وقد اتبعت في بحثي لهذا الموضوع المنهج التالي: 1 - أقوم بعرض المسألة الحاضرة بذكر مواضع الاتفاق، إن وجد ثم أتبع ذلك بموضع الخلاف، ذاكرًا القول أولاً فالقائل، ثم أتبع ذلك بذكر الأدلة، وما أورد عليها من مناقشة. 2 - رجحت ما ظهر لي رجحانه، حين عذر علي التوفيق بين الأقوال، وإعمال جميع ما ورد في المسألة من أدلة صحيحة. 3 - عزوت الآيات القرآنية إلى مواضعها في كتاب الله، بذكر السورة، ورقم الآية. ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (6/ 108).

خطة البحث

4 - خرجت الأحاديث الواردة في البحث، وما كان منها في صحيح البخاري أو مسلم اكتفيت به، وما لم يخرجه أحدهما أو كلاهما، خرجته من الصحاح والمسانيد المتبقية، مع بيان درجة الحديث وقد اعتمدت في ذلك على ما ذكره أهل العلم في ذلك. 5 - خرجت الآثار الواردة في البحث من مظانها، مع بيان درجة الأثر إن وجدت في ذلك نقلاً. 6 - ترجمت للأعلام الواردة في البحث باستثناء الصحابة، والأئمة الأربعة لشهرتهم فلا يحتاجون إلى تعريف، وجعلت ذلك في ملحق خاص تجنبًا لإثقال الحواشي. 7 - عملت في آخر البحث فهرسًا اشتمل على ما يلي: 1 - فهرس للآيات القرآنية. 2 - فهرس للأحاديث. 3 - فهرس للآثار. 4 - فهرس للمراجع. 5 - فهرس لموضوعات البحث. خطة البحث: تشتمل خطة البحث على: تمهيد، وثلاثة فصول، وخاتمة: التمهيد وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في فضل تلاوة القرآن. المبحث الثاني: في ما يلزم قارئ القرآن، وحامله من تعظيم القرآن وحرمته عند التلاوة. المبحث الثالث: في التعريف بسجود التلاوة. الفصل الأول: في حكم سجود التلاوة؛ وفيه مبحثان:

المبحث الأول: في حكمه للتالي. المبحث الثاني: في حكمه للمستمع والسامع. الفصل الثاني: في عدد سجدات التلاوة، وفيه مبحثان: المبحث الأول: ما اتفق على السجود فيه. المبحث الثاني: ما اختلف في السجود فيه. الفصل الثالث: مواضع السجود من آيات سجود التلاوة، وفيه مبحثان: المبحث الأول: ما اتفق على موضعه. المبحث الثاني: ما اختلف في موضعه. الفصل الرابع: في أحكام سجود التلاوة؛ وفيه مبحثان: المبحث الأول: في أحكامه داخل الصلاة. المبحث الثاني: في أحكامه خارج الصلاة.

التمهيد

التمهيد وفيه ثلاثة مباحث: المبحث الأول: في فضل تلاوة القرآن. المبحث الثاني: في ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته. المبحث الثالث: في التعريف بسجود التلاوة.

المبحث الأول فضل تلاوة القرآن

المبحث الأول فضل تلاوة القرآن حثّ سبحانه عباده المؤمنين على تلاوة كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ووعد من قام بحقه في ذلك بالأجر العظيم، والثواب الجزيل، وقد تواترت النصوص في الكتاب والسنة في بيان ذلك. أولا: من الكتاب: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30]. فالذين يتلون كتاب الله: هم الذين يستمرون على تلاوته ويداومونها، والمراد بالتجارة ثواب الطاعة، ومعنى {لَنْ تَبُورَ} لن تكسد ولن تهلك، وهي صفة للتجارة، والإخبار برجائهم لثواب ما عملوا بمنزلة الوعد بحصول مرجوهم (¬1). قال مطرف بن عبد: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ .. } الآية: هذه آية القراء (¬2). ثانيًا: من السنة: 1 - حديث ابن عمر؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين ¬

(¬1) فتح القدير للشوكاني (4/ 348) زاد المسير لابن الجوزي (6/ 486). (¬2) جامع البيان عن تأويل القرآن لابن جرير الطبري (22/ 133) وزاد المسير (6/ 486).

رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل، وآناء النهار فسمعه جار له: فقال ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل» (¬1). 2 - حديث عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام، ومثل الذي يقرؤه وهو يتعاهده وهو عليه شديد فله أجران» (¬2). 3 - حديث أبي موسى الأشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ... » (¬3). 4 - حديث أبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: «اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه» (¬4). 5 - حديث عبد الله بن عمرو، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: «يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا؛ فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها» (¬5). 6 - حديث عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: «من قرأ حرفًا من ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب اغتباط صاحب القرآن (6/ 108). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب سورة (عبس) (6/ 80) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب فضل الماهر بالقرآن، والذي يتتعتع فيه (1/ 549). (¬3) أخرجه البخاري في عدة مواضع؛ منها: كتاب فضائل القرآن، باب فضل القرآن على سائر الكلام (6/ 107) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب من يقوم بالقرآن ويعلمه (1/ 558) حديث (266). (¬4) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءة القرآن وسورة البقرة (1/ 553) (252). (¬5) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القرآن (2/ 73) (1464) والترمذي في أبواب فضائل القرآن (5/ 177) (2914) وقال: حديث حسن صحيح.

كتاب الله تعالى فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقوال: ألم حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف وميم حرف» (¬1). 7 - حديث أنس بن مالك؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن لله أهلين من الناس» قالوا: يا رسول الله! من هم؟ قال: «هم أهل القرآن، أهل الله وخاصته» (¬2). هذا غيض من فيض؛ اخترت منه ما أحسبه كافيًا بالغرض الذي سيق لأجله. ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في أبواب فضائل القرآن، باب ما جاء من قرأ حرفًا من كتاب الله ما له من الأجر (5/ 175) حديث (2910) وقال: حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه. (¬2) أخرجه ابن ماجه في مقدمة السنن، باب فضل من تعلم القرآن وعلمه (1/ 78) حديث 215 وقال في الزوائد: إسناده صحيح.

المبحث الثاني في ما يلزم قارئ القرآن وحامله

المبحث الثاني في ما يلزم قارئ القرآن وحامله من تعظيم القرآن وحرمته عند تلاوة القرآن ذكر أهل العلم جملة من الأمور التي ينبغي على قارئ القرآن الإتيان بها عند التلاوة؛ فمن ذلك: 1 - أنه ينبغي له أن يستاك ويتخلل فيطيب فاه عند القراءة؛ إذ هو طريق القرآن (¬1). 2 - أن لا يقرأ القرآن إلا على طهارة (¬2)، إلا أن يكون جنبًا فيجب عليه الاغتسال قبل القراءة، ومثله الحائض عند أكثر أهل العلم فلا تقرأ شيئًا من القرآن حتى تطهر. 3 - أن لا يمس القرآن إلا على طهارة (¬3)، وهذا غير مختص بالجنب، بل هو في حق المحدث حدثًا أصغر على ما ذهب إليه جمهور أهل العلم. 4 - ومن ذلك ترك قراءته في المواضع القذرة، وأن يختار لذلك المكان النظيف، وذلك تعظيمًا للقرآن (¬4). 5 - أنه يستحب التعوذ قبل القراءة (¬5)، لقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27) التذكار (107) كشاف القناع (1/ 430) التبيان (58). (¬2) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27) كشاف القناع (1/ 431). (¬3) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27). (¬4) كشاف القناع (1/ 432) التبيان (61). (¬5) كشاف القناع (1/ 431) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27).

فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] وأن يقرأ: (بسم الله الرحمن الرحيم) إذا كان ابتداء قراءته من أول السورة (¬1). 6 - أن يحمد الله عند الفراغ من القراءة على توفيقه ونعمته بجعله من آل القرآن، وأن يسأل الثبات عليها (¬2). 7 - أنه يستحب له أن يخلو لتلاوته حتى لا يقطع عليه أحد بكلام، فإن كان ولا بد، لم يقطع قراءته ساعة فساعة بكلام الآدميين من غير ضرورة (¬3). 8 - أن تكون قراءته بتدبر، وتفهم، وخشوع، وأن يستعمل فيه ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به، ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك (¬4). والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى؛ قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24] وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]. 9 - أن يقف على آية الوعد فيرغب إلى الله تعالى، ويسأله من فضله، وأن يقف على آية الوعيد فيستجير بالله منه (¬5). 10 - أن يمسك عن القراءة إذا تثاءب حتى ينتهي من التثاؤب، ثم يستأنف القراءة (¬6)، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل» (¬7). ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27). (¬2) كشاف القناع (14/ 430). (¬3) الجامع الأحكام القرآن (1/ 27). (¬4) كشاف القناع (1/ 431) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27) التذكار (109) التبيان (65). (¬5) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27) التبيان (71). (¬6) الجامع لأحكام القرآن (1/ 27) كشاف القناع (1/ 431) التبيان (95). (¬7) أخرجه مسلم في كتاب الزهد، باب تشميت العاطس وكراهية التثاؤب (4/ 2293).

11 - إذا ابتدأ القراءة فينبغي أن تكون بدايته من أول الكلام المرتبط بعضه بعضا، إذا ابتدأ القراءة من وسط السورة، وأن يقف على الكلام المرتبط، إذا لم يقف على آخر السورة (¬1). 12 - أن يمسك عن القراءة إذا عرض له ريح حتى يتكامل خروجها، ثم يعود إلى القراءة (¬2). 13 - ومن حرمته ألا يجهر بعضٌ على بعض في القراءة فيفسد عليه، حتى يبغض إليه ما يسمع ويكون كهيئة المغالبة (¬3). 14 - ألا يجهر بقراءته بين مصلين، أو نيام جهرا يؤذيهم (¬4). 15 - ومن حرمته ألا يقرأه في الأسواق، ولا في مواطن اللغط واللغو، ومجمع السفهاء (¬5). 16 - ومن حرمته إذا وضع المصحف ألا يتركه منشورًا، وألا يضع فوقه شيئًا من الكتب حتى يكون أبدًا عاليًا لسائر الكتب (¬6). 17 - ومن حرمته أن يضعه في حجره إذا قرأه أو على شيء بين يديه ولا يضعه بالأرض (¬7). ¬

(¬1) التبيان (92). (¬2) كشاف القناع (1/ 432) التبيان (95). (¬3) الجامع لأحكام القرآن (1/ 29) كشاف القناع (1/ 431). (¬4) كشاف القناع (431) الشرح الصغير (1/ 577). (¬5) كشاف القناع (1/ 433) الجامع لأحكام القرآ، (1/ 29). (¬6) الجامع لأحكام القرآن (1/ 28). (¬7) الجامع لأحكام القرآن (1/ 28).

المبحث الثالث في التعريف بسجود التلاوة

المبحث الثالث في التعريف بسجود التلاوة سجود التلاوة: أي: السجود بسبب التلاوة. والإضافة فيه من باب إضافة المسبب إلى السبب (¬1)، كخيار العيب، وخيار الرؤية، وحج البيت، وأقوى وجوه الاختصاص اختصاص المسبب بالسبب (¬2). وقد أورد عليه: أن السماع سبب في حق المستمع، فكان ينبغي أن يكون التعريف: بسجود التلاوة والسماع. وقد أجاب عنه العيني: بأن الإجماع منعقد على كون التلاوة سببًا، واختلفوا في سببية السماع، فقال بعضهم: ليس السماع سببًا، ولذلك اقتصرت إضافة السجدة إلى التلاوة دون السماع، أو يقال: إن التلاوة أصل في الباب؛ لأنها إذا لم توجد لم يوجد السماع فكان ذكرها مشتملاً على السماع من وجه فاكتفي به (¬3). ¬

(¬1) البناية شرح الهداية للعينين (2/ 709) حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/ 232). (¬2) البناية (2/ 709). (¬3) المصدر السابق والصفحة.

الفصل الأول في حكم سجود التلاوة

الفصل الأول في حكم سجود التلاوة وفيه مبحثان: المبحث الأول: في حكمه للتالي. المبحث الثاني: في حكمه للمستمع والسامع.

المبحث الأول في حكمه للتالي

المبحث الأول في حكمه للتالي وقد اختلف أهل العلم فيه على ثلاثة أقوال: القول الأول: إن ذلك واجب مطلقًا، أي: في الصلاة وخارجها: ذهب إليه الحنفية (¬1)، وأحمد في رواية عنه (¬2)، اختارها ابن تيمية (¬3)، وقد استدل هؤلاء بما يلي: أولا: من الكتاب: 1 - قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 20، 21]. ووجه الدلالة: أن الله ذمهم على ترك السجود، وإنما استحق الذم بترك الواجب (¬4). ونوقش الاستدلال من أوجه: الوجه الأول: أنه محمول على الصلاة (¬5). الوجه الثاني: أن الآية وردت في ذم الكفار وتركهم السجود ¬

(¬1) انظر: الهداية (1/ 87) المبسوط (2/ 4) بدائع الصنائع (1/ 180) البناية (2/ 716) تبيين الحقائق (1/ 205). (¬2) الإنصاف (2/ 193) المبدع (2/ 28). (¬3) مجموع الفتاوى (23/ 139) الإنصاف (2/ 193). (¬4) البناية (2/ 719) المبسوط (2/ 4) بدائع الصنائع (1/ 180) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 127) المبدع (2/ 28) المجموع (4/ 61) الحاوي (2/ 200) المغني (2/ 365). (¬5) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 137).

استكبارًا، بدليل ما تعقبه من الوعيد الذي لا يستحقه من ترك سجود التلاوة (¬1). وأجيب: بأن هذا خلاف قولكم؛ لأنكم تستحبون السجود في الآية. وردت الإجابة: بأنا نسجد مبالغة في مخالفة الكفار، وترك الاستكبار، وذلك يسحب، ولهذا يستحب في المرة الثانية والثالثة ولا يجب بالإجماع بيننا (¬2). الوجه الثالث: أن معنى {لَا يَسْجُدُونَ} أي: لا يعتقدون فضله، ولا مشروعيته، ولذلك قال: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ} [الانشقاق: 22] (¬3). 2 - قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] وفي العلق {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] وهذا أمر، ومطلق الأمر الوجوب (¬4). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أن المراد بالسجود في هذه الآيات، سجود الصلاة (¬5). الوجه الثاني: أن إيجاب السجود مطلقًا ليس يقتضي وجوبه مقيدًا وهو عند القراءة، أي: عند قراءة آية السجود، ولو كان الأمر كما زعموا لكانت الصلاة تجب عند قراءة الآية التي فيها الأمر بالصلاة، وإذا لم يجب ذلك فليس يجب السجود عند قراءة الآية التي فيها الأمر ¬

(¬1) الحاوي (2/ 201) المجموع (4/ 26) المغني (2/ 366). (¬2) الانتصار في المسائل الكبار (2/ 390). (¬3) الحاوي (2/ 201) المغني (2/ 366). (¬4) البناية (2/ 719) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 139، 140) المجموع (4/ 61). (¬5) المجموع (4/ 62).

بالسجود من الأمر بالسجود (¬1). وأجيب: بأن المسلمين قد أجمعوا على أن الأخبار الواردة في السجود عند تلاوة القرآن هي بمعنى الأمر بالسجود مقيدًا بالتلاوة أي: عند التلاوة، وورد الأمر به مطلقا فوجب حمل المطلق على المقيد، وليس الأمر في ذلك بالسجود كالأمر بالصلاة، فإن الصلاة قيد وجوبها بقيود أخر. وأيضًا: فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سجد فيها فبين لنا بذلك معنى الأمر بالسجود الوارد فيها، أي: أنه عند التلاوة فوجب أن يحمل مقتضى الأمر في الوجوب عليه (¬2). الوجه الثالث: على فرض التسليم بأنه أمر بالسجود عند التلاوة، فإنه يتعين حمله على الندب، جمعًا بينه وبين ما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - من ترك السجود أحيانا (¬3). 3 - قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]. فهذا الكلام يقتضي أنه لا يؤمن بآياته إلا من إذا ذكر بها خر ساجدا وسبح بحمد ربه، وهو لا يستكبر (¬4). ونوقش: بأن المراد به التزام السجود واعتقاده، فإن فعله ليس بشرط في الإيمان إجماعًا، ولذا قرنه بالتسبيح، وهو قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا} [السجدة: 15] وليس التسبيح بواجب (¬5). ولأن ظاهر الآية يقتضي أن جميع الآيات يجب أن يسجد لها إذا ¬

(¬1) نقله ابن رشد عن الجويني، بداية المجتمع (1/ 162). (¬2) بداية المجتمهد (1/ 162). (¬3) الانتصار (2/ 390). (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 141) الانتصار (2/ 390). (¬5) الانتصار (2/ 391)، كشاف القناع (1/ 445).

ذكرها، وهذا لا يقول به أحد، فسقط ظاهرها وعلم أن المراد بها ما ذكرنا (¬1). 4 - أن أي السجدة تفيد الوجوب أيضًا، لأنها ثلاثة أقسام: قسم فيه الأمر الصريح به، وقسم تضمن حكاية استنكاف الكفرة حيث أمروا به، وقسم فيه حكاية فعل الأنبياء السجود. وكل من الامتثال، والاقتداء، ومخالفة الكفرة واجب (¬2). ويمكن أن يناقش: بأنه لا يصح من الحنفية؛ لأنهم لا يقولون بالسجود في مواضع الأمر، وأما الاقتداء فلا يجب فيما فعلوه على وجه الاستحباب، أما ما ورد في شأن ذم الكفار لتركهم السجود، فلعدم اعتقادهم فضله ولا مشروعيته، ولتركهم له استنكافًا، واستكبارًا (¬3). ثانيًا من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي ويقول: يا ويله، وفي رواية: يا ويلتي، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار» (¬4). والاستدلال به من وجهين: الوجه الأول: أنه قال: «أمر ابن آدم» والأمر للوجوب (¬5). الوجه الثاني: أنه قربة، فالسجدة التي أمر بها تلك كانت واجبة؛ فكذا هذه (¬6). ¬

(¬1) الانتصار (2/ 391). (¬2) فتح القدير (2/ 13) البناية (2/ 719). (¬3) انظر: (20). (¬4) الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة (1/ 87) حديث (133). (¬5) المبسوط (2/ 4) فتح القدير (2/ 13) البناية (2/ 719) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 156). (¬6) البناية (2/ 719).

ونوقش من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: بأن هذا حكاية قول إبليس (¬1)، وهو ليس إلا قوله: ... {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف: 12]. وأجيب: بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بذلك ولم ينكره (¬2). الوجه الثاني: أنه إخبار عن السجود الواجب (¬3). الوجه الثالث: أنه لو سلم بأنه أمر، فقد ورد ما يصرفه عن الوجوب، وهو ما يأتي في أدلة القول الثالث. ثالثًا: من أقوال الصحابة: 1 - ما صح عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: «إنما السجدة على من استمعها» (¬4). 2 - ما روي عن ابن عباس؛ أنه قال: «إنما السجدة على من جلس لها» (¬5). 3 - وعن ابن عمر؛ أنه قال: «إنما السجدة على من سمعها» (¬6). قالوا: و «على» كلمة إيجاب؛ فدل على وجوب السجود (¬7). ونوقش: الاستدلال من أوجه: ¬

(¬1) البناية (2/ 719). (¬2) البناية (2/ 719). (¬3) المسائل الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 214). (¬4) أخرجها البخاري معلقا بصيغة الجزم، في أبواب سجود القرآن، وسننها باب من رأى أن الله تعالى لم يوجب السجود (2/ 33). وقد وصله ابن أبي شيبة، كما في المصنف، كتاب الصلوات، باب من قال: السجدة على من جلس لها، ومن سمعها (2/ 5) وعبد الرزاق في المصنف، في كتاب فضائل القرآن، باب السجدة على من استمعها، وسعيد بن منصور كما في التعليق، (2/ 412) من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب، وقد صححها الحافظ كما في الفتح (2/ 558). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة، وعبد الرزاق في الموضع السابق. (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في الكتاب، والباب السابق. (¬7) المبسوط (2/ 4) البناية (2/ 717).

الوجه الأول: أنها ليست بصريحة في الإيجاب، إذ يمكن حملها على أن السجود المستحب إنما هو في حق المستمع. الوجه الثاني: أنها لو صحت وكانت صريحة في الوجوب لكانت معارضة بما هو أقوى منها، وهو ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترك السجود أحيانًا (¬1)، ومثله ما ثبت من إقرار الصحابة لقول عمر في الخطبة (إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء) (¬2). رابعًا: من المعقول: 1 - ولأنها لو لم تكن واجبة لما جاز أداؤها في الصلاة؛ لأن أداءها زيادة سجدة، وهي تطوع توجب الفساد (¬3). ونوقش: بأنها لو كانت واجبة لوجب إذا تلاها في الصلاة فلم يسجد حتى خرج من الصلاة أنه يقضيها (¬4). وأجيب عنه: بأنها وجبت بسبب التلاوة في الصلاة؛ فأصبحت لها مزية الصلاة، فكان وجوبها كاملاً وأداؤها خارج الصلاة ناقص فلا يتأدى الكامل بالناقص (¬5). ويمكن أن ترد الإجابة: بأن الحكم بنقصانها خارج الصلاة، يحتاج إلى دليل ولا دليل. 2 - ولأنه سجود يفعل في الصلاة، فكان واجبًا كسجود الصلاة (¬6). ونوقش: بأنه ينتقض بسجود السهو فإنه عندهم غير واجب (¬7). ¬

(¬1) انظر: (27). (¬2) انظر: (30، 31). (¬3) البناية (1/ 719) بدائع الصنائع (1/ 180). (¬4) الانتصار (2/ 391). (¬5) الهداية وفتح القدير (2/ 18، 21). (¬6) الحاوي (2/ 201) المغني (2/ 367) المبدع (2/ 28/). (¬7) المغني (2/ 367).

وأجيب: بأن هذا غير صحيح، إذ الصحيح من المذهب وجوبه (¬1). 3 - ولأنه ركن مفرد عن أركان الصلاة الأصلية شرعت قربة خارج الصلاة فوجب أن تكون واجبة، قياسًا على القيام في صلاة الجنازة (¬2). القول الثاني: إنه واجب في الصلاة، مسنون خارجها: ذهب إليه أحمد في رواية عنه (¬3). ولم أجد مستند أحمد فيما ذهب إليه من هذا التفصيل، ولعله ما ثبت من مواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - من السجود في الصلاة، مع ما نقل عنه من عدم سجوده أحيانًا خارج الصلاة، كما في حديث زيد بن ثابت (¬4). القول الثالث: إنه سنة مطلقًا: ذهب إليه المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬7)، والظاهرية (¬8)، والليث بن سعد، والأوزاعي (¬9)، وإسحاق، وأبو ثور (¬10). ¬

(¬1) أي: مذهب الحنفية انظر: الهداية (1/ 74). (¬2) البناية (2/ 719). (¬3) الإنصاف (2/ 193) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 139، 155) المبدع (2/ 28) الانتصار (2/ 380). (¬4) يأتي قريبًا (27). (¬5) القوانين الفقهية (62) المعونة (1/ 286) المدونة (1/ 110) بداية المجتهد (1/ 161) المنتقى (1/ 349) شرح الخرشي (1/ 350). (¬6) الحاوي (2/ 200) المجموع (4/ 61) المهذب (1/ 92) مغني المحتاج (1/ 214) روضة الطالبين (1/ 318). (¬7) الإنصاف (2/ 193) المبدع (2/ 28) المغني (2/ 346) الفروع (1/ 500) الكافي (1/ 158) الانتصار (2/ 380) المستوعب (2/ 251). (¬8) المحلى (5/ 106) المجموع (4/ 61). (¬9) المغني (3/ 364). (¬10) المجموع (4/ 61).

الأدلة: أولاً من السنة: 1 - حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه؛ قال: قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - ... {وَالنَّجْمِ} [النجم: 1] فلم يسجد فيها (¬1). فلو كان السجود واجبا لسجد رسول الله وأمر به زيدًا (¬2). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجدها على الفور، ولا يلزم منه أنه ليس فيه سجدة ولا نفي الوجوب (¬3). وأجيب: بأنه لو كان كما ذكروا لم يطلق الراوي نفي السجود (¬4). الوجه الثاني: أنه يحتمل أن زيدًا قرأها بعد الصبح، أو بعد العصر ولا يحل السجود في ذلك الوقت بالاتفاق (¬5). وأجيب عنه بجوابين: الأول: عدم التسليم بوجود الاتفاق على عدم مشروعية السجود، فالخلاف موجود؛ إذ من أهل العلم من يقول بجواز فعل ذوات الأسباب في وقت النهي، ومنهم من يقول: بأن السجود للتلاوة ليس بصلاة فلا نهي فيه (¬6). الجواب الثاني: أنه لو كان السبب ما ذكروه لم يطلق زيد النفي، ¬

(¬1) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن وسننها، باب من قرأ السجدة، ولم يسجد (2/ 32). (¬2) المجموع (2/ 61) الحاوي (2/ 200) المغني (2/ 365)، الانتصار (2/ 381). (¬3) البناية (2/ 715) العناية (2/ 14). (¬4) المجموع (2/ 61) الانتصار (2/ 382). (¬5) المجموع (2/ 61) الانتصار (2/ 382). (¬6) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 165) المحلى (5/ 165).

ويجعله الحجة في ترك السجود (¬1). الوجه الثالث: احتمال أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن على طهارة (¬2). ونوقش: بأن الصحيح عدم اشتراط الطهارة لسجود التلاوة (¬3). ولو سلم باشتراطها، وكان سبب الترك عدم الطهارة، لبين ذلك، وقال: لم أسجد لأني على غير وضوء (¬4). الوجه الرابع: أنه لم يسجد؛ لأن زيدًا لم يسجد (¬5)، كما قال ابن مسعود لتميم ابن حذلم: أنت إمامنا، فإن سجدت سجدنا (¬6). ويمكن أن يجاب عنه: بأنكم لا تشترطون ذلك لسجود المستمع. الوجه الخامس: أن السجود في {وَالنَّجْمِ} وحدها منسوخ؛ بخلاف غيرها مما في المفصل كـ «اقرأ» و «الانشقاق». لما كان الشيطان قد ألقاه حين ظن أنه وافقهم، ترك السجود فيها بالكلية سدًا لهذه الذريعة (¬7). 2 - ما روي أن رجلاً قرأ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية سجدة فسجد، وقرأها آخر فلم يسجد، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كنت إمامنا، فلو سجدت سجدنا» (¬8). ¬

(¬1) المجموع (2/ 62) الانتصار (2/ 382). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 158) الانتصار (2/ 381). (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 165) المحلى (5/ 165). (¬4) الانتصار (2/ 381). (¬5) مجموع الفتاوى لابن تيمية (23/ 158). (¬6) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم في أبواب سجود القرآن وسننها، باب من سجد لسجود القارئ (2/ 33). وقد وصله ابن أبي شيبة كما في المصنف (2/ 19) وعبد الرزاق (3/ 344) والبيهقي (2/ 81) وسعيد بن منصور كما في التعليق (2/ 409) وفي الفتح (2/ 556). (¬7) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 159). (¬8) أخرجه الشافعي في المسند (1/ 122 - 359) والبيهقي (2/ 324) من طريقين وضعفها قال: والمحفوظ من طريق عطاء بن يسار مرسل، وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق آخر عن زيد بن أسلم (2/ 19) وقال الحافظ في الفتح: ورجاله ثقات إلا أنه مرسل (2/ 556) وانظر: تعليق التعليق (2/ 411) وكذا إرواء الغليل (2/ 226).

وفيه دليلان: الأول: أنه لم يأمره بالسجود وأقره على تركه. الثاني: قوله: «لو سجدت سجدنا» على سبيل المتابعة والتخيير (¬1). ونوقش: بأنه مرسل، والمرسل من قسم الضعيف، فلا يصلح للاحتجاج. 3 - قوله - صلى الله عليه وسلم - للأعرابي حين سأله، ماذا فرض عليه من الصلاة؟ «خمس صلوات في اليوم والليلة» قال: هل علي غيرها؟ قال: «لا؛ إلا أن تتطوع» (¬2). ووجه الاستدلال: أنه صلاة فيدخل في عموم قوله: «لا؛ إلا أن تتطوع» ولو كانت واجبة لما ترك البيان بعد السؤال (¬3). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أنه في الفرائض، وهو عندنا واجب غير فرض (¬4). ويمكن أن يجاب عنه: بأن هذا اصطلاح لهم حادث، وما كان الصحابة يفرقون بينهما (¬5). الوجه الثاني: أنه فيما وجب ابتداء، لا فيما يوجبه العبد على نفسه. ودليله: أنه لم يذكر المنذور مع وجوبه (¬6). ¬

(¬1) الحاوي (2/ 201) الانتصار (2/ 384). (¬2) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب الزكاة من الإسلام (1/ 17) ومسلم في كتاب الإيمان باب بيان الصلوات التي هي أحد أركان الإسلام (1/ 40). (¬3) المغني (2/ 366) المبسوط (2/ 40). (¬4) البناية (2/ 718). (¬5) فتح الباري (2/ 559). (¬6) المبسوط (2/ 4).

4 - ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يسجد في المفصل (¬1)، وبما روي عنه أنه سجد فيها (¬2). فوجه الجمع بين ذلك يقتضي أن لا يكون السجود واجبًا، وذلك بأن يكون كل واحد حدث بما رأى، من قال: إنه سجد، ومن قال: إنه لم يسجد (¬3). ثانيًا: ما أثر عن الصحابة: ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ سورة النحل على المنبر يوم الجمعة، حتى إذا جاء السجدة نزل، فسجد وسجد الناس، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى إذا جاءت السجدة؛ قال: يا أيها الناس: إنَّما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه (¬4). وفي رواية: إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء (¬5). وهذا الفعل من عمر في هذا الموطن والمجمع العظيم دليل ظاهر في إجماعهم على أنه ليس بواجب (¬6). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أنه منقطع (¬7)، فلا يصلح للاحتجاج. ونوقش: بأن هذا وهم، فالصحيح أن الخبر متصل (¬8). ¬

(¬1) انظر: تخريجه (62). (¬2) انظر: تخريجه (37، 63). (¬3) بداية المجتهد (1/ 161). (¬4) أخرجه البخاري، في أبواب سجود القرآن وسنتها، باب من رأى أن الله - صلى الله عليه وسلم - لم يوجب السجود (2/ 34). (¬5) أخرجه البخاري في الكتاب والباب السابق (2/ 34). (¬6) المنتقى (1/ 351) الحاوي (2/ 201) المجموع (4/ 63) المغني (2/ 366) المبدع (2/ 28) مجموع فتاوى ابن تيمية (23). (¬7) فتح الباري (2/ 559) المنتقى (1/ 351). (¬8) فتح الباري (2/ 559).

الوجه الثاني: التسليم بموجبه أنه لم تكتب علينا، بل أوجبت وفرق بين الفرض والواجب (¬1). وأجيب: بأن هذا اصطلاح لهم حادث، ولم يكن الصحابة يفرقون بينهما (¬2). ثم يرده قول عمر: (ومن لم يسجد فلا إثم عليه). الوجه الثالث: أنه مؤول بأنه لم يجب علينا التعجيل بسجدة التلاوة، فأراد أن يبين للقوم التأخير عن حالة الوجوب (¬3). وأجيب عنه: بأن هذا يرده قوله (ومن لم يسجد فلا إثم عليه). الوجه الرابع: أن قوله (إلا أن نشاء) لا يخلو أن يريد به نشاء وجوبها فلا يجوز ذلك؛ لأن الواجب يتعلق بإيجاب الشرع، لا بمشيئتنا فثبت أنه أراد إلا أن نشاء قراءتها (¬4). وأجيب عنه: بأن فيه بعدًا ويرده تصريح عمر بقوله: (ومن لم يسجد فلا إثم عليه) فإن انتفاء الإثم عمن ترك الفعل مختاراً يدل على عدم وجوبه (¬5). الوجه الخامس: أنه قد يكون المراد منه أن الله لم يكتب علينا السجود في هذه الحال، وهو إذا قرأها الإمام على المنبر، يبين ذلك أن السجود في هذه الحال ليس كالسجود المطلق؛ لأنه يقطع فيه الإمام الخطبة، ويعمل عملاً كثيرًا، والسنة في الخطبة الموالاة، فلما تعارض هذا، وهذا صار السجود غير واجب، لأن القارئ يشتغل بعبادة أفضل منه، وهو خطبة الناس، وإن سجد جاز .. فإذا كان كذلك لم يبق فيه ¬

(¬1) بدائع الصنائع (1/ 180). (¬2) فتح الباري (2/ 559). (¬3) المبسوط (2/ 4). (¬4) ذكره لهم أبو الخطاب في الانتصار (2/ 386) وكذا ابن حجر في الفتح (2/ 559). (¬5) فتح الباري (2/ 559) الانتصار (2/ 386).

حجة، ولو كان مرفوعًا (¬1). الوجه السادس: أنه لو كان صريحًا، لكان قوله، وإقرار من حضر وليسوا كل المسلمين (¬2). الوجه السابع: أنه معارض بمثله من أقوال الصحابة في وجوبه، كما ثبت عن عثمان، وابن عباس، وابن عمر (¬3). ثالثًا: من المعقول: 1 - أن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت دليل صحيح صريح في الأمر به، ولا معارض له، ولا قدرة لهم على هذا (¬4). 2 - ولأن ما شرع لأجل التلاوة لم يكن واجبًا، أصله التأمين، والتعوذ وسؤال الرحمة (¬5). 3 - وقياسًا على سجود الشكر (¬6). 4 - ولأنه يجوز فعله على الراحلة بالاتفاق في السفر، فلو كان واجبًا لم يجز كسجود صلاة الفرض (¬7). ونوقش: بأن أداءها كما وجبت، فإن تلاوتها على الدابة مشروعة فكان كالشروع على الدابة في التطوع (¬8). وأجيب عن المناقشة: بأنها لو كانت واجبة لم يجز فعلها ولو وجد سببها على الراحلة، ألا ترى أنه لو دخل عليه وقت الصلاة، وهو على الراحلة لم يجز له فعلها، وإن كان الوقت سبب الوجوب (¬9). ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (23/ 159). (¬2) المصدر السابق (23/ 159). (¬3) المصدر السابق، والأثر عن هؤلاء سبق تخريجه (24). (¬4) المجموع (4/ 62) الانصار (2/ 388) حاشية ابن قاسم (2/ 234). (¬5) الانتصار (2/ 386). (¬6) المجموع (4/ 62). (¬7) المنتقى (1/ 351) المجموع (4/ 62) الانتصار (2/ 386). (¬8) البناية (2/ 7189 العناية (2/ 14) فتح القدير (2/ 13) الانتصار (2/ 388). (¬9) الانتصار (2/ 388).

5 - ولأنها صلاة غير واجبة، فوجب أن لا يكون السجود لها واجبًا، أصله إذا أعاد تلك الآية (¬1). 6 - ولأنه لما لم يجب عند العودة إلى التلاوة لم يجب عند ابتداء التلاوة كالطهارة (¬2). 7 - أنها لو كانت واجبة لما أديت في سجود الصلاة وركوعها (¬3). ونوقش: بأن أداءها في ضمن شيء لا ينافي وجوبها في نفسها كالسعي إلى الجمعة يتأدى بالسعي إلى التجارة (¬4). 8 - أنها لو كانت واجبة لما تداخلت (¬5). ونوقش: بأنه إنما جاز التداخل، لأن المقصود منها إظهار الخضوع والخشوع، وذلك يحصل بمرة واحدة (¬6). 9 - أنها لو كانت واجبة بطلت الصلاة بتركها كالصلاتية (¬7). ونوقش: بالفرق؛ لأن الصلاتية جزء الصلاة، بخلاف السجدة فليس بجزء الصلاة (¬8). 10 - ولأن كل سجود لا تبطل الصلاة بتركه فهو مسنون كسجود السهو (¬9). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثالث، من عدم وجوب السجود؛ لقوة ما بني عليه من استدلال، وسلامة أدلته من المناقشة المضعفة للاستدلال، في مقابل ضعف ما أورده الموجبون للسجود من أوجه للاستدلال. ¬

(¬1) الحاوي (2/ 201). (¬2) الحاوي (2/ 201). (¬3) ذكره لهم صاحب البناية (2/ 718) والعناية (2/ 14). (¬4) المصدران السابقان. (¬5) البناية (2/ 718) العناية (2/ 14). (¬6) المصادر السابقة. (¬7) البناية (2/ 718). (¬8) المصدر السابق. (¬9) الحاوي (2/ 201).

المبحث الثاني في حكمه للمستمع والسامع

المبحث الثاني في حكمه للمستمع والسامع وفيه مطلبان: المطلب الأول: في حكم السجود. المطلب الثاني: في شروطه. المطلب الأول: في حكم السجود وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في حكمه للمستمع. المسألة الثانية: في حكمه للسامع. المسألة الأولى: في حكمه للمستمع (¬1): اختلف أهل العلم في حكم سجود التلاوة للمستمع على قولين: القول الأول: إنه واجب: ذهب إليه الحنفية (¬2) وأحمد في رواية عنه (¬3) اختارها ¬

(¬1) المستمع هو الذي يقصد الاستماع للقراءة في الصلاة أو غيرها، بلا نزاع، حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/ 233) كشاف القناع (1/ 445). (¬2) الهداية (1/ 78) المبسوط (2/ 4) بدائع الصنائع (1/ 180). (¬3) الإنصاف (2/ 193) المبدع (2/ 28) حاشية ابن قاسم (2/ 234).

ابن تيمية (¬1). وقد استدل هؤلاء بما استدلوا به في المبحث السابق في وجوبه على التالي ومن أهمها ما يلي: 1 - قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 20، 21]. ووجهه: أن الله ذمهم على ترك السجود، وإنما يذم بترك الواجب (¬2). 2 - قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]، وقوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] وهذا أمر، ومطلق الأمر للوجوب (¬3). 3 - قوله تعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]. وهذا من أبلغ الأمر والتخصيص؛ فإنه نفي الإيمان عمن ذكر بآيات ربه ولم يسجد إذا ذكر بها (¬4). 4 - ما ورد عن عثمان، وابن عباس وابن عمر؛ أنهم قالوا: السجدة على من استمعها، على من جلس لها، على من سمعها (¬5). اختلفت ألفاظهم بهذه، و"على" كلمة إيجاب (¬6). 5 - لأنها لو لم تكن واجبة لما جاز أداؤها في الصلاة؛ لأن أداءها زيادة سجدة، وهي تطوع، توجب الفساد (¬7). ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (23/ 139، 140، 155، 156). (¬2) المبسوط (2/ 4) بدائع الصنائع (1/ 180) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 127). (¬3) البناية (2/ 719) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 139). (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 139). (¬5) سبق تخريج هذه الآثار (24). (¬6) المبسوط (2/ 4) البناية (2/ 717). (¬7) البناية (1/ 719).

وقد نوقش الاستدلال بهذه الأدلة بما نوقشت به هناك، فارجع إليه (¬1). القول الثاني: إنه سنة: ذهب إليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬4) وابن حزم (¬5). الأدلة: وقد احتج هؤلاء لعدم وجوب السجود على المستمع، بما احتجوا به على عدم وجوبه على التالي؛ ومنه: 1 - حديث زيد بن ثابت؛ قال: «قرأت على النبي - صلى الله عليه وسلم - {وَالنَّجْمِ} فلم يسجدها فيها» (¬6). فلو كان السجود واجبًا لسجد، وأمر زيدًا به (¬7). 2 - حديث الأعرابي، وقوله للنبي - صلى الله عليه وسلم -: هل علي غيرها؟ قال: «لا؛ إلا أن تتطوع» (¬8). 3 - ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قرأ السجدة على المنبر فسجد وسجد الناس معه، حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها، حتى جاءت السجدة قال: (أيها الناس، إنما نمر بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه). ¬

(¬1) انظر: (20) وما بعدها. (¬2) الكافي (1/ 262) القوانين الفقهية (62) المنتقى (1/ 352) المسائل الفقهية (1/ 214). (¬3) الحاوي (2/ 200) المهذب (1/ 92) المجموع (4/ 85) مغني المحتاج (1/ 215). (¬4) المغني (2/ 366) والإنصاف (2/ 193) المبدع (2/ 28). (¬5) المحلى (5/ 157). (¬6) سبق تخريجه. (¬7) الحاوي (2/ 200) المجموع (2/ 61) المغني (2/ 365). (¬8) سبق تخريجه.

وفي رواية: إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء (¬1). وهذا منه بهذا المحضر العظيم دليل ظاهر في إجماعهم على أنه ليس بواجب (¬2). 4 - لأن الأصل عدم الوجوب حتى يثبت دليل صحيح صريح في الأمر به، ولا معارض له، ولا قدرة لهم على هذا (¬3). أما الدليل على سنيته فمنه ما يلي: 1 - حديث عبد الله بن مسعود؛ قال: قرأ - صلى الله عليه وسلم -: {وَالنَّجْمِ} بمكة، فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من قريش كفًا من حصى أو تراب ورفعه إلى جبهته، وقال يكفيني هذا، فلقد رأيته بعد قتل كافرًا (¬4). 2 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا السورة فيها السجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعًا لجبهته (¬5). وقد نوقش: الاستدلال بهذه الأدلة بما نوقش به هناك فليرجع إليه. ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) الحاوي (2/ 201) المغني (2/ 365) المجموع (4/ 62) المبدع (2/ 28). (¬3) المجموع (4/ 62) حاشية ابن قاسم (2/ 234). (¬4) أخرجه البخاري في كتاب أبواب سجود القرآن وسنتها (2/ 32) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب سجود التلاوة (1/ 405) (103، 104). (¬5) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن وسنتها، باب من سجد لسجود القارئ (2/ 33) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب سجود التلاوة (1/ 405) (103، 104).

المسألة الثانية: في حكمه للسامع

الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه: أنه سنة وليس بواجب؛ لقوة أدلة هذا القول، وتظافرها في الدلالة، على عدم الوجوب وسلامتها مما أورد عليها من المناقشة. المسألة الثانية: في حكمه للسامع (¬1): وقد اختلف في حكمه على الأقوال التالية: القول الأول: أنه واجب. ذهب إليه الحنفية (¬2). واحتجوا بما يلي: 1 - ما سبق في الاستدلال لوجوبها على المستمع، وقالوا: إن الأدلة مطلقة غير مقيدة بالقصد (¬3). أي: أنه سامع للسجدة فكان عليه السجود كالمستمع (¬4). ونوقش: بالفاروق؛ لأن السامع لا يشارك التالي في الأجر بخلاف المستمع (¬5). ويمكن أن يجاب: بأن هذا ليس بفارق؛ لأن سببه الخضوع، وليس أجر الاستماع. 2 - ولما روي عن ابن عمر: السجدة على من سمعها (¬6). ونوقش: بأنه يحتمل من سمعها عن قصد، فيحمل عليه جمعًا بينه ¬

(¬1) وهو الذي لا يقصد الاستماع انظر: كشاف القناع (1/ 446). (¬2) الهداية (1/ 78) المبسوط (2/ 5) بدائع الصنائع (1/ 180). (¬3) انظر الهداية (1/ 78) البناية (2/ 717) فتح القدير والعناية (2/ 13). (¬4) المغني (2/ 367) المبدع (2/ 29). (¬5) المغني (2/ 367). (¬6) سبق تخريجه (24).

وبين قول عثمان، وعمران، وابن مسعود (¬1). القول الثاني: أنه سنة: ذهب إليه الشافعية (¬2)، والحنابلة في وجه (¬3)، وحكاه ابن قدامة عن ابن عمر، والنخعي، وسعيد بن جبير، ونافع، وإسحاق (¬4). وقد احتج هؤلاء: 1 - بأنه سامع للسجدة؛ فكان عليه السجود كالمستمع (¬5). وقد مضى الاستدلال لسنيته في حق المستمع (¬6). القول الثالث: أنه يستحب، ولا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع: ذهب إليه الشافعية في وجه (¬7). واستدلوا بما استدل به القائلون بالسنية. القول الرابع: أنه غير مشروع: ذهب إليه المالكية (¬8)، والشافعية في وجه (¬9)، والحنابلة في المذهب (¬10). واحتج هؤلاء بما يلي: 1 - ما روي عن عثمان رضي الله عنه، أنه مر بقاص فقرأ القاص سجدة ¬

(¬1) المغني (2/ 367). (¬2) المجموع (4/ 58) روضة الطالبين (1/ 320). (¬3) الإنصاف (2/ 194) المبدع (2/ 29). (¬4) المغني (2/ 366). (¬5) المغني (2/ 367). (¬6) انظر (37). (¬7) المجموع (4/ 58) المهذب (1/ 92) مغني المحتاج (1/ 216) روضة الطالبين (1/ 320). (¬8) القوانين الفقهية (62) الشرح الصغير (1/ 149) المدونة (1/ 111) المعونة (1/ 286). (¬9) المهذب (1/ 92) المجموع (4/ 58) الحاوي (2/ 200) روضة الطالبين (1/ 320). (¬10) المغنى (2/ 366) المبدع (2/ 28) الإنصاف (2/ 193).

ليسجد عثمان معه، فلم يسجد، وقال: إنما السجدة على من استمع (¬1). 2 - وبما روي عن ابن عباس: إنما السجدة على من جلس لها (¬2). 3 - ما روي عن مطرف؛ قال: سألت عمران بن حصين عن رجل لا يدري أسمع السجدة أم لا؟ فقال: وسمعها فماذا؟ (¬3). 4 - وروى أبو عبد الرحمن السلمي، قال: دخل سلمان الفارسي المسجد وفيهم قوم يقرءون فقرأوا السجدة، فقال له صاحبه: يا ابن عبد الرحمن لو أتينا هؤلاء القوم؟ فقال: ما لهذا غدونا (¬4). ونوقش: بأنها معارضة بما ثبت عن ابن عمر، وليس قول أحدهم بأولى من الآخر. 5 - ولأن غير القاصد لم يشارك التالي في الأجر فلم يشاركه في السجود كغيره (¬5). ويمكن أن يناقش: بأن مبني السجود، سماع ما فيه السجود، فيسجد خضوعًا لله، وليس سببه تحصيله أجر التلاوة. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه: أنه سنة في حق السامع كما هو في حق المستمع، لقوة ما بني عليه من أنه سامع للسجدة فسن له السجود كالمستمع؛ إذ إن مبناه على الخضوع لله سبحانه، وليس لتحصيله أجر التلاوة. ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) سبق تخريجه. (¬3) أخرجه البخاري معلقًا في أبواب سجود القرآن وسنتها، باب ما رأى أن الله تعالى لم يوجب السجود (2/ 32) وقد وصله ابن أبي شيبة كما في المصنف (53) وانظر تعليق التعليق (2/ 410). (¬4) أخرجه البخاري معلقًا في الموضع السابق (2/ 32) وقد وصله البيهقي كما في السنن الكبرى (2/ 324) وعبد الرزاق كما في المصنف (3/ 345) قال ابن حجر في التعليق: وهو إسناد صحيح (2/ 412). (¬5) المغني (2/ 367) المبدع (2/ 29).

المطلب الثاني: في الشروط الواجب تحصيلها لكي يشرع للمستمع و السامع السجود

المطلب الثاني: في الشروط الواجب تحصيلها لكي يشرع للمستمع و السامع السجود (¬1) الشرط الأول: صلاحية التالي لإمامة المستمع والسامع: اختلف أهل العلم في اشتراط صلاحية التالي لإمامة المستمع والسامع لكي يشرع له السجود على قولين: القول الأول: إنه يشترط: ذهب إليه مالك في المشهور عنه (¬2)، والحنابلة في المذهب (¬3)، والشافعية في مقابل الأصح (¬4)، وإسحاق، وقتادة والنخعي (¬5). واستدلوا بما يلي: 1 - ما روي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى إلى نفر من أصحابه، فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له رسول الله: «كنت إمامنا فلو سجدت سجدنا» (¬6). ووجه الدلالة: تعليله بترك السجود بترك التالي له، وجعله في حكم الإمام. ويمكن أن يناقش: بأنه مرسل فلا يصلح للاحتجاج (¬7). ¬

(¬1) عند من يقول بمشروعيته في حق السامع. (¬2) مواهب الجليل (1/ 60) المعونة (1/ 285) شرح الخرشي (1/ 349) المنتقى (1/ 353) الفواكه (1/ 294). (¬3) الإنصاف (2/ 194) المبدع (2/ 29) الفروع (1/ 500) المغني (2/ 367). (¬4) المجموع (4/ 58). (¬5) المغني (2/ 367). (¬6) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 324) مرسلا، وموصلا، وضعف الموصول منه وأخرجه ابن شيبة (2/ 19) قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أنه مرسل (فتح الباري (2/ 556). (¬7) أنظر: تخريجه.

1 - ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه قال لتميم بن حذلم وهو غلام، وقد قرأ عليه سجدة: اسجد فأنت إمامنا فيها (¬1). ويمكن مناقشته: بأنه يدل على أنه يسجد بسجوده، لكن لا دلالة فيه على اشتراط صلاحيته للإمامة كما في الصلاة. 2 - ولأن فيها معنى الإئتمام، والقارئ لا يصلح إمامًا للمستمع فلا يسجد معه (¬2). القول الثاني: إنه لا يشترط: ذهب إليه الحنفية (¬3)، ومالك في رواية عنه (¬4)، والشافعية في الأصح (¬5)، والحنابلة في قول (¬6)، وهو قول ابن حزم (¬7). واحتجوا: بأن السبب سماع تلاوة صحيحة، وقد وجدت فوجب عليه السجود (¬8). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو: القول الثاني لقوة دليلة ويؤيده قول عمر رضي الله عنه بمحضر الصحابة (إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه). ¬

(¬1) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، في أبواب سجود القرآن، وسنتها، باب من سجد لسجود القارئ (2/ 33). وقد صوله سعيد بن منصور في سننه، كما في التعليق (2/ 410) والفتح (2/ 566). (¬2) المجموع (4/ 58) المنتقى (1/ 353). (¬3) بدائع الصنائع (1/ 186) اللباب (1/ 104) فتح القدير (2/ 15) المبسوط (2/ 4). (¬4) بداية المجتهد (1/ 163). (¬5) المجموع (4/ 58) الحاوي (2/ 204) روضة الطالبين (1/ 319). (¬6) الإنصاف (2/ 194) المبدع (2/ 29). (¬7) المحلى (5/ 165). (¬8) المبسوط (2/ 194) فتح القدير (2/ 15) المجموع (4/ 58).

الشرط الثاني: سجود التالي لكي يسجد المستمع والسامع: وقد اختلف أهل العلم في اشتراط ذلك على قولين: القول الأول: إنه لا يشترط: ذهب إليه الحنفية (¬1)، ومالك (¬2)، والشافعية في الصحيح من المذهب (¬3). واستدلوا بما يلي: 1 - أن سجود التلاوة يلزم القارئ والمستمع، فإذا ترك القارئ ما ندب إليه فعلى المستمع أن يأتي به (¬4). 2 - ولأن الاستماع موجود وهو سبب السجود (¬5). القول الثاني: إنه يشترط: ذهب إليه الحنابلة في المذهب (¬6)، والشافعية في مقابل الأصح (¬7)، ومطرف وابن الماجشون من المالكية (¬8). واحتجوا بما يلي: 1 - الحديث السابق؛ وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنك كنت إمامنا، ولو سجدت سجدنا» (¬9). ونوقش: بأنه مرسل فلا يصلح للاحتجاج. 2 - ومثله قول ابن مسعود لتميم بن حذلم: «اسجد فأنت إمامنا فيها» (¬10). ¬

(¬1) المبسوط (2/ 4) فتح القدير (2/ 15). (¬2) المبسوط (2/ 4) فتح القدير (2/ 15). (¬3) المنتقى (1/ 353) الشرح الصغير (1/ 568). (¬4) المجموع (4/ 58) الحاوي (2/ 205). (¬5) المنتقى (1/ 353) المبسوط (2/ 205). (¬6) المغني (2/ 368). المبدع (2/ 29). (¬7) المجموع (2/ 58). (¬8) المنتقى (1/ 353). (¬9) سبق تخريجه. (¬10) سبق تخريجه.

ويمكن أن يناقش: بأنه يسجد بسجوده، لكن لا دلالة فيه على امتناع السجود إذا لم يسجد التالي. 3 - ولأنه تابع له، فإن الاستماع إنما يحصل بالقراءة ولا يسجد بدون سجوده كما لو كانا في الصلاة (¬1). ويمكن أن يناقش: بأنه لو كان كذلك لما جاز له رفع رأسه قبل التالي، ولا تقولون بذلك. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه: عدم الاشتراط لقوة ما بني عليه من استدلال، يؤيده الأثر السابق عن عمر، وكونه بمحضر الجمع الغفير من الصحابة. الشرط الثالث: أن يكون جلوسه ليتعلم القرآن أو أحكامه: فلا يسجد الجالس لابتغاء الثواب. ذهب إليه أكثر المالكية (¬2). واحتجوا: بالقياس على السامع فكما أن السامع لا يسجد، لعدم إصغائه، فكذلك هذا (¬3). والقول الثاني: إنه لا فرق. وأن العبرة بالاستماع، فمتى وجد شرع السجود: ذهب إليه بعض المالكية (¬4)، و لعله قول بقية المذاهب حيث أطلقوا القول بمشروعيته في حق المستمع دون فرق (¬5). ¬

(¬1) المغني (2/ 368) المنتقى (1/ 353). (¬2) الفواكه الدواني (1/ 294) الشرح الصغير (1/ 568). (¬3) المصادر السابقة. (¬4) المصادر السابقة. (¬5) انظر (34) وما بعدها.

الترجيح: ولعل الراجح هو القول الثاني؛ لأن سببه التلاوة أو استماعها وقد وجد فيسجد خضوعًا لله. الشرط الرابع: أن لا يكون القارئ جلس ليسمع الناس حسن قراءته: ذهب إليه المالكية (¬1). ولم أجد لغيرهم تعرضًا لهذا الشرط، ولعله يرجع إلى الحكم بفسقه فيعود الحكم إلى الشرط الأول، وهو الخلاف في اشتراط صلاحية التالي للإمامة (¬2). وقد أورد عليه بعض المالكية: أن غاية ما فيه فسقه بالرياء، والمعمد عندهم صحة إمامة الفاسق. وأجاب بعضهم: بأن القراءة هنا كالصلاة فالمرائي في قراءته كمن تعلق فسقه بالصلاة، والفاسق الذي اعتمدوا صحة إمامته: من كان فسقه غير متعلق بالصلاة (¬3). ¬

(¬1) الفواكه الدواني (1/ 294) الشرح الصغير (1/ 568). (¬2) وقد ذكرنا المسألة بالتفصيل (41). وإذا كان فعل مما يعد فسقًا، عادت المسألة إلى صحة إمامة الفاسق، ثم اشتراط سجود التالي. (¬3) حاشية الصاوي على الشرح الصغير (2/ 568).

الفصل الثاني في عدد سجدات التلاوة

الفصل الثاني في عدد سجدات التلاوة وفيه مبحثان: المبحث الأول: ما اتفق على السجود فيه. المبحث الثاني: ما اختلف في السجود فيه.

المبحث الأول ما اتفق على السجود فيه

المبحث الأول ما اتفق على السجود فيه اتفق أهل العلم على أنه ليس في القرآن أكثر من خمس عشرة سجدة، واتفقوا على مشروعية السجود في عشر منها، وهي في السور التالية. الأعراف، الرعد، النحل، الإسراء، مريم، الأولى في الحج، الفرقان، النمل السجدة فصلت (¬1). ففي الأعراف في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206]. وفي الرعد في قوله: {وَلِلهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15]. ¬

(¬1) انظر: مراتب الإجماع (31) شرح معاني الآثار (1/ 359) موسوعة الإجماع (1/ 505) المحلى (5/ 157) فتح الباري (2/ 551) وانظر لأرباب المذاهب، المبسوط (2/ 6) بدائع الصنائع (1/ 193) البناية (2/ 709) فتح القدير (2/ 13) تبيين الحقائق (1/ 205) رد المحتار (2/ 104) المعونة (1/ 283) المدونة (1/ 109) التفريع (1/ 270) مواهب الجليل (2/ 60) المنتقى (1/ 352) الكافي (1/ 261) المهذب (1/ 92) روضة الطالبين (1/ 318) المجموع (4/ 59) مغني المحتاج (2/ 214) الحاوي (2/ 202) المغني (2/ 352) المستوعب (2/ 255) المبدع (2/ 30) الإنصاف (2/ 196) المحلى (5/ 157) وقد حكى صاحب الإنصاف عن أحمد رواية بعدم السجود في أولى الحج (2/ 196) لكن قال النووي: وأجمعوا على السجدة الأولى في الحج، المجموع (4/ 62). ومثله في موسوعة الإجماع (1/ 505) نقلاً عن المجموع (3/ 557) وفتح الباري (2/ 551).

وفي النحل في قوله: {وَلِلهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 49، 50]. وفي الإسراء في قوله: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا * وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 107 - 109]. وفي مريم في قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]. والأولى في (الحج) في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]. وفي الفرقان في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]. وفي النمل في قوله تعالى: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 25، 26]. وفي سورة (الم السجدة) في قوله: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]. وفي فصلت في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الليْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ * فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 37، 38].

المبحث الثاني ما اختلف في السجود فيه

المبحث الثاني ما اختلف في السجود فيه اختلف أهل العلم في السجود في (ثانية الحج) وفي (ص) وفي السجود في المفصل، أي: في (النجم) وفي (الانشقاق) وفي (العلق) (¬1)؛ وإليك تفصيل أقوالهم في ذلك: أولاً: السجدة الثانية في الحج: القول الأول: أنها في مواضع السجود: ذهب إليه مالك في رواية عنه (¬2)، والشافعية (¬3)، وأحمد في رواية عنه وهي المذهب (¬4)، وهو قول إسحاق، وأبي ثور، وابن المنذر (¬5) وداود (¬6). الأدلة: 1 - حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: «أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة سجدة؛ منها: ثلاث في المفصل، وفي سورة الحج سجدتان» (¬7). ¬

(¬1) مواهب الجليل (2/ 61). (¬2) مواهب الجليل (2/ 61). (¬3) المهذب (1/ 92) الحاوي (2/ 202) روضة الطالبين (1/ 318) المجموع (4/ 62)؟ (¬4) الإنصاف (2/ 196) المبدع (2/ 30) الفروع (1/ 502) المستوعب (2/ 256) المغني (2/ 355). (¬5) المغني (2/ 355) المجموع (4/ 62). (¬6) المجموع (4/ 62). (¬7) أخرجه أبو داود في كتاب السجود، باب تفريع أبواب السجود، وكم سجدة في القرآن (1/ 324) (1401) وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب عدد سجود القرآن (1/ 335) (1057) والحاكم في المستدرك (1/ 223) والدارقطني في كتاب الصلاة باب سجود القرآن (1/ 408). والحديث قد اختلف فيه؛ فقال النووي في موضع: حسن. وقال في موضع آخر وهو حديث صحيح انظر: المجموع (4/ 60، 62). وقال الحاكم عقبه: ورواته مصريون قد ا حتج الشيخان بأكثرهم (1/ 223). وقال الحافظ في الدراية (1/ 210) في إسناده عبد الله بن منين، وهو مجهول اه. وقال عبد الحق: وعبد الله بن منين لا يحتج به، قال ابن القطان: وذلك لجهالته انظر: نصب الراية (2/ 180). وقال ابن حزم: لم يصح فيه نص (5/ 157).

ووجه الدلالة: واضح. ونوقش: من ثلاثة أوجه: الوجه الأول: ضعف الحديث؛ لأن في سنده جهالة (¬1). الوجه الثاني: على فرض التسليم بصحة الحديث؛ فالمراد بإحدى السجدتين سجدة التلاوة، وبالأخرى سجدة الصلاة (¬2). يدل عليه: أنه قرنها بالركوع؛ فقال: « .. اركعوا واسجدوا» والسجدة المقرونة بالركوع سجدة الصلاة (¬3). وأجيب: بأن ذكر الركوع لا يقتضي ترك السجود كما ذكر البكاء في قوله (¬4): {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]. الوجه الثالث: أنه محمول على النسخ لإجماع قُرّاء المدينة وفقهائها على ترك ذلك مع تكرار القراءة ليلاً ونهارًا (¬5). 2 - حديث عقبة بن عامر؛ قال: قلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: في سورة الحج سجدتان؟ قال: «نعم، ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما» (¬6). ¬

(¬1) انظر البناية (2/ 718) نصب الراية (2/ 180) الدراية (1/ 210). (¬2) البناية (2/ 317) المبسوط (2/ 6). (¬3) المبسوط (2/ 6) المنتقى (1/ 350). (¬4) المغني (2/ 357). (¬5) البناية (2/ 713) نقلا عن الذخيرة (¬6) أخرجه أبو داود في كتاب السجود، باب تفريع أبواب السجود (2/ 52) حديث (1402) والترمذي في أبواب السفر، باب في السجدة في الحج (2/ 46) حديث (575) وأحمد في المسند (4/ 151) والحاكم (1/ 221). قال النووي: وفيه عبد الله بن لهيعة: وهو متفق على ضعف روايته (4/ 63) وقال الترمذي: ليس إسناده بالقوي، السنن (2/ 46) وانظر: المحلى (5/ 157) الدراية (1/ 210) نصب الراية (2/ 180) التلخيص الحبير (2/ 9).

ونوقش: بمثل ما نوقش به سابقه. 3 - أنه روي عن جمع من فقهاء الصحابة ولم يعلم لهم مخالف؛ ومن ذلك: أ- ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قرأ سورة الحج فسجد فيها سجدتين، ثم قال: إن هذه السورة فضلت بسجدتين (¬1). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: ضعف الأثر؛ لأن راويه رجل من أهل مصر، ولو كان معروفًا مشهورًا، من فعل عمر لعرفه من كان مع عمر بالمدينة، ومن أتى بها من الآفاق، ولكان هذا مشهورًا معروفًا من فعله (¬2). الوجه الثاني: أنه لو صح عن عمر فلا حجة فيه، وإنما الحجة فيما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). الوجه الثالث: أن الآثار لا يحتج بها الخصم على قاعدته (¬4). وأجيب: بأن هذا غير لازم لمن يحتج بها كالحنابلة. ب- ما روي عن علي وأبي موسى وأبي الدرداء، وابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم؛ أنهم سجدوا في الحج سجدتين (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مالك في الموطأ في كتاب القرآن، باب ما جاء في سجود القرآن، (1/ 205) والبيهقي في الصلاة، باب سجدتي سورة الحج (2/ 317) وابن حزم في المحلى (5/ 158) والطحاوي (1/ 362) قال العيني في البناية: وسندها صحيح (2/ 713). (¬2) الحجة (1/ 108). (¬3) المحلى (5/ 159). (¬4) البناية (2/ 713) وهو إيراد على الشافعية. (¬5) أما أثر علي: فأخرجه ابن أبي شيبة في الصلاة، باب من قال: في الحج سجدتان (2/ 11) والبيهقي في الصلاة، باب سجدتي سورة الحج (2/ 317) وابن حزم في المحلى (5/ 158) وسكت عنه كالمصحح له. وأما أثر أبي موسى: فأخرجه الطحاوي في الصلاة، باب المفصل هل فيه سجود أم لا؟ (1/ 362) والبيهقي في الموضع السابق (2/ 318) وابن حزم في المحلى (5/ 158) والحاكم (2/ 391). وأما أثر أبي الدرداء: فأخرجه البيهقي في الموضع السابق (2/ 318) والحاكم (2/ 391) وابن حزم (5/ 158) والطحاوي في الموضع ا لسابق (1/ 362) وابن أبي شيبة (2/ 11). وأما أثر ابن عمر: فأخرجه البيهقي في الموضع السابق (2/ 317) والحاكم (2/ 390) وابن حزم في المحلى (5/ 158). وأما أثر ابن عباس: فأخرجه البيهقي في الموضع السابق (2/ 318) وعبد الرزاق في فضائل القرآن، باب كم في القرآن من سجدة؟ (3/ 342) وابن أبي شيبة في الصلاة باب من قال: في الحج سجدتان (2/ 11).

قال ابن قدامة: ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعًا (¬1). قال أبو إسحاق السبيعي: أدركت الناس منذ سبعين سنة يسجدون في الحج سجدتين (¬2). من المعقول: 4 - ولأن السجدة الثانية أوكد من الأولى، لورودها بلفظ الأمر، وورود الأولى بلفظ الإخبار، فكان السجود لها أولى (¬3). القول الثاني: أنها ليست من مواضع السجود: ذهب إليه الحنفية (¬4)، ومالك في رواية عنه، وهي المذهب (¬5) ¬

(¬1) المغنى (2/ 356). (¬2) المجموع (4/ 62) المغني (2/ 356). (¬3) الحاوي (2/ 205) المغني (2/ 357). (¬4) المبسوط (2/ 6) تبيين الحقائق (1/ 205) بدائع الصنائع (1/ 193). (¬5) مواهب الجليل (2/ 61) المنتقى (1/ 349) المدونة (1/ 109) الكافي (1/ 261) التفريع (1/ 270) المعونة (1/ 283).

وأحمد في رواية عنه (¬1)، وابن حزم (¬2). وهو قول الحسن، وسعيد بن جبير، وجابر بن زيد (¬3). الأدلة: 1 - لأن الله جمع بينها وبين الركوع؛ فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: 77] فلم تكن سجدة كقوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43] (¬4). ونوقش: بأن ذكر الركوع لا يقتضي ترك السجود كما ذكر البكاء في قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] وقوله: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109] (¬5). 2 - أن سجود العزائم في القرآن إنما ورد بلفظ الإخبار، أو على سبيل الذم، والسجدة الثانية في الحج وردت بلفظ الأمر فخالفت سجود العزائم (¬6). ونوقش: بأن هذا لا يصح؛ لأن قوله تعالى: {فَاسْجُدُوا لِلهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62] أمر وكل ذلك سجود العزائم، وقد ورد لفظ الإخبار فيما ليس بعزيمة وهو قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ} [الحجر: 30] فعلم فساده (¬7). 3 - ولأن إثبات السجود طريقه الشرع، والأصل براءة الذمة، ولم يثبت من طريق صحيح فمن ادعى ذلك فعليه بيانه (¬8). ¬

(¬1) المبدع (2/ 30) الإنصاف (2/ 196) الفروع (1/ 503). (¬2) الحلى (5/ 156). (¬3) المغني (2/ 356). (¬4) البناية (2/ 715) المبسوط (2/ 6) بدائع الصنائع (1/ 193) فتح القدير (2/ 12) المنتقى (1/ 349) المعونة (1/ 283). (¬5) المغني (2/ 357). (¬6) شرح معاني الآثار (1/ 361) فتح القدير (2/ 12) الحاوي (2/ 204). (¬7) الحاوي (2/ 402). (¬8) المنتقى (1/ 351) المحلى (5/ 159).

ثانيا: السجود في (ص)

ويمكن أن يناقش: بأن البيان قد حصل بما أوردناه من أدلة، وهي كافية في إثبات مثل هذا. الترجيح: ولعل الراجح هو القول الأول لقوة أدلته، ومنها حديث عمرو، وتأييده بما صح عن عمر، وما نقل عن الجمع من فقهاء الصحابة. ثانيًا: السجود في (ص): وقد اختلف أهل العلم في السجود فيها على قولين: القول الأول: أنها ليست من سجدات التلاوة، وإنما هي سجدة شكر: ذهب إليه الشافعية في الصحيح من المذهب (¬1)، وأحمد في رواية عنه وهي المذهب (¬2)، وهو قول علقمة (¬3). الأدلة: 1 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن (¬4)، الناس للسجود، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم قد تشزنتم للسجود. فنزل فسجد وسجدوا» (¬5). ¬

(¬1) المهذب (2/ 92) المجموع (4/ 60) الحاوي (2/ 202) روضة الطالبين (1/ 318). (¬2) المغني (2/ 355) الإنصاف (2/ 196) الفروع (1/ 503) المبدع (2/ 30) المستوعب (2/ 257). (¬3) المغني (2/ 355). (¬4) تشزن الناس: استوفزوا، وتأهبوا وتهيؤوا النهاية (2/ 471). (¬5) أخرجه أبو داود، في الصلاة، باب السجود (2/ 59) (1410) والبيهقي في الصلاة، باب سجدة (2/ 318) وقال: حسن الإسناد صحيح، والحاكم في المستدرك (1/ 284) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين وقال النووي في المجموع (4/ 518) رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة. وقال في الخلاصة: سنده صحيح على شرط البخاري، انظر: نصب الراية (1/ 181).

ووجه الدلالة: أنه صرح بأنها ليست موضع لسجود التلاوة، وإنما هي توبة نبي، وعلل للسجود بأنهم استعدوا له، فلم يكن ليصرفهم. ونوقش: بأن سجوده في الجمعة الأولى، وتركه الخطبة لأجلها يدل على أنها سجدة تلاوة. وأما تركه في الجمعة الثانية حين القراءة فلا يدل على أنها ليست بسجدة تلاوة، بل كان يريد التأخير وهو لا يجب على الفور، على أنه سجدها أيضًا وأسجد الناس معه لما تشزنوا (¬1). 2 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص) وقال: «سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا» (¬2). ونوقش: بأن هذا حجة لنا؛ لأنا نقول: سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى، وحسن مآب ولهذا لا يسجد عندنا عقيب قوله: {أَنَابَ} بل عقيب قوله: {مَآبٍ} وهذه نعمة عظيمة في حقنا، فكانت سجدة تلاوة؛ لأن سجدة التلاوة ما كان سبب وجوبها إلا التلاوة (¬3). وقال البابرتي: وهذا لا ينفي كونها سجدة تلاوة، إذ ما من عبادة يأتي بها العبد إلا وفيها معنى الشكر (¬4). 3 - ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (ص) ليست من عزائم ¬

(¬1) البناية (2/ 714) العناية (2/ 12). (¬2) أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح، باب سجود القرآن السجود في (ص) (2/ 159) (957). قال الحافظ في الدراية (1/ 211) ورواه الدارقطني من طريق أخرى في كتاب الصلاة باب سجود القرآن (1/ 407) وقد صححه ابن السكن، كما في التلخيص (2/ 9). (¬3) البناية (2/ 714) العناية (2/ 12) فتح القدير (2/ 12) بدائع الصنائع (1/ 193). (¬4) العناية (2/ 12).

السجود، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها (¬1). وهو مناقش: بأن الحجة فيما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من فعله لا فيما رآه هو. القول الثاني: أنها من مواضع السجود: ذهب إليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية في مقابل الأصح (¬4)، وأحمد في رواية عنه (¬5)، وابن حزم (¬6)، وهو قول الحسن، وإسحاق، والثوري (¬7). الأدلة: 1 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ (ص) وهو على المنبر، فلما بلغ السجدة نزل فسجد، وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم قد تشزنتم للسجود فنزل فسجد، وسجدوا» (¬8). والاستدلال به من وجهين: الوجه الأول: أن سجوده في الجمعة الأولى وترك الخطبة لأجلها يدل على أنها سجدة تلاوة (¬9). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن، باب سجدة (ص) (2/ 32). (¬2) المبسوط (2/ 6) الهداية (1/ 78) تبيين الحقائق (1/ 205) فتح القدير (2/ 11) العناية (2/ 11). (¬3) المنتقى (1/ 352) المدونة (1/ 109) مواهب الجليل (2/ 61) الكافي (1/ 261). (¬4) روضة الطالبين (1/ 318) المجموع (4/ 61). (¬5) الفروع (1/ 503) الإنصاف (2/ 196) المبدع (2/ 30). (¬6) المحلى (5/ 156). (¬7) المغني (2/ 355). (¬8) سبق تخريجه. (¬9) المحلى (5/ 159) البناية (2/ 714) فتح القدير (2/ 12).

الوجه الثاني: أن سببها التلاوة فكان سجدة تلاوة (¬1). 2 - حديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص) (¬2). ونوقش: بأن سجوده سجود شكر كما بينه حديث ابن عباس (¬3). 3 - حديث ابن عباس؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في (ص) وقال: «سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرًا» (¬4). ووجه الدلالة: ظاهر: ونوقش: بأن هذا حجة لا؛ لأنا نقول: سجدها داود توبة، ونحن نسجدها شكرًا لما أنعم الله على داود بالغفران والوعد بالزلفى، وحسن مآب (¬5). 4 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: رأيت رؤيا وأنا أكتب (ص) فلما بلغت "السجدة" رأيت الدواة والقلم، وكل شيء يحضرني انقلب ساجدًا، قال: فقصصتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يسجدها (¬6). 5 - ما أخرجه البخاري عن مجاهد أنه سئل عن سجدة (ص) فقال: سألت ابن عباس، من أين سجدت؟ فقال: أو ما تقرأ {وَمِنْ ¬

(¬1) البناية (2/ 714). (¬2) أخرجه الدارقطني في الصلاة، باب سجود القرآن (1/ 406) قال الحاف في الدراية: وإسناده ثقات (1/ 211) لكن قال الدارقطني في علله: تفرد به حفص، وخالفه إسماعيل بن حفص، وغيره، عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -. سجد في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وهو الصواب. انظر. نصب الراية (2/ 180). (¬3) المغني (2/ 355). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) البناية (2/ 714). (¬6) أخرجه أحمد في المسند (3/ 78، 84). قال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد (2/ 284) وأخرجه البيهقي وفيه: فأخبره فأمر بالسجود فيها، والحاكم في المستدرك (2/ 432) وقال الذهبي في تلخيصه: على شرط مسلم.

ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الأنعام: 84]. {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام: 90]. فكان داود ممن أُمر نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي به فسجدها رسول الله (¬1). 6 - روي عن عمر وعثمان؛ أنهما كانا يسجدان فيها (¬2). 7 - أن النظر يدل عليه، وذلك أن موضع السجود من الآية، موضع خبر، لا أمر، فالنظر فيه أن يرد حكمه إلى أشكاله من الأخبار، فيكون فيه سجدة كما يكون فيها (¬3). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه؛ هو القول: بأنها من مواضع السجود لقوة أدلته؛ ومنها حديث أبي سعيد الصحيح وقوله: «فلم يزل يسجدها» ولسلامة أدلته مما أورد عليها من مناقشة. فائدة الخلاف: وتظهر فائدة الخلاف في مسألتين: المسألة الأولى: إذا قرأها في الصلاة فسجد فما حكم صلاته عند القائلين بأنها ليست من مواضع السجود: اختلفوا في ذلك على قولين: ¬

(¬1) الصحيح كتاب تفسير القرآن، تفسير سورة (ص) (6/ 31). (¬2) الأثر عن عمر أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصلوات، باب من قال: في (ص) سجدة وسجد فيها (2/ 9). أما أثر عثمان: فأخرجه عبد الرزاق في فضائل القرآن. باب كم في القرآن من سجدة (3/ 336) وابن أبي شيبة في كتاب الصلوات، باب من قال: في "ص" سجدة وسجد (2/ 9) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 319) وعبد الله بن الإمام أحمد في مسنده (1/ 53) قال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 285) رجاله رجال الصحيح. اهـ. (¬3) شرح معاني الآثار (1/ 361).

القول الأول: أنها تبطل صلاته: ذهب إليه الشافعية في أصح الوجهين (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة في الأصح (¬3). احتج الشافعية والحنابلة: بأنها سجدة شكر فبطلت بها الصلاة كالسجود عند تجدد نعمة (¬4). واحتج المالكية: بأنه يزيد في صلاته فعلاً مثله يبطل الصلاة (¬5). القول الثاني: أنها لا تبطل: ذهب إليه الشافعية في مقابل الأصح، وحكاه ابن قدامة احتمالاً في مذهب الحنابلة (¬6). قالوا: لأنها تتعلق بالتلاوة، فهي كسائر سجدات التلاوة (¬7). المسألة الثانية: لو سجد إمامه في "ص" لكونه يعتقدها فهل يتابعه المأموم إذا لم يعتقد مشروعية السجود؟ لهم في هذه ثلاثة أقوال: القول الأول: أنه لا يتابعه: ذهب إليه الشافعية في الأصح، بل إن شاء نوى مفارقته؛ لأنه معذور، وإن شاء ينتظره قائمًا، كما لو قام إلى خامسة لا يتابعه، بل إن شاء فارقه، وإن شاء انتظره، فإن انتظره لم يسجد للسهو؛ لأن المأموم لا سجود عليه. ¬

(¬1) المهذب (2/ 93). (¬2) مواهب الجليل (2/ 61) الشرح الصغير (1/ 570). (¬3) المغني (2/ 373) الإنصاف (2/ 196). (¬4) المهذب (2/ 93) المغني (2/ 373). (¬5) مواهب الجليل (2/ 61) وسجدة "ص" عند المالكية ليستت من عزائم السجود وليست بسجدة شكر. (¬6) المهذب (2/ 93) المغني (2/ 373). (¬7) المصادر السابقة.

ثالثا: السجود في المفصل

القول الثاني: أنه لا يتابعه أيضًا: وهو مخير في المفارقة والانتظار، كما سبق، فإن انتظره سجد للسهو بعد سلام الإمام. ذهب إليه الشافعية في وجه؛ لأنه يعتقد أن إمامه زاد في صلاته جاهلاً وأن لسجود السهو توجهًا عليهما، فإذا أخل به الإمام سجد المأموم (¬1). القول الثالث: أنه يتابعه في سجوده: ذهب إليه المالكية (¬2)، والشافعية في الوجه الثالث (¬3). لتأكد متابعة الإمام، وتأويله (¬4). ثالثًا: السجود في المفصل: أي في (النجم) و (الانشقاق) و (العلق). القول الأول: أنها من عزائم السجود: ذهب إليه الحنفية (¬5)، ومالك في رواية عنه (¬6)، والشافعي في الجديد (¬7)، والحنابلة (¬8)، وابن حزم (¬9). الاستدلال: 1 - حديث أبي رافع؛ قال: صليت مع أبي هريرة العتمة، فقرأ: ¬

(¬1) المجموع (4/ 61). (¬2) الشرح الصغير (1/ 571). (¬3) المجموع (4/ 61). (¬4) المجموع (4/ 61). (¬5) الهداية (1/ 78) المبسوط (2/ 6) فتح القدير (2/ 11) الحجة على أهل المدينة (1/ 109) البناية (2/ 711). (¬6) مواهب الجليل (2/ 61) الكافي (1/ 262) التفريع (1/ 270) المعونة (1/ 285). (¬7) المهذب (2/ 92) المجموع (4/ 58) روضة الطالبين (1/ 318) الحاوي (2/ 202). (¬8) المغني (2/ 353) المستوعب (2/ 258). (¬9) المحلى (2/ 157).

{إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد فقلت: ما هذه؟ قال: سجدت بها خلف أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -، فلا أزال أسجدها حتى ألقاه (¬1). 2 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ... {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: 1] و {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] (¬2). 3 - حديث عبد الله بن مسعود؛ قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (النجم) بمكة، وسجد من معه .. الحديث (¬3). 4 - حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما؛ «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سجد بـ (النجم) وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس» (¬4). ووجه الدلالة من هذه الأحاديث: ظاهر: ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أن السجود فيها منسوخ (¬5) بدليل ما يلي: 1 - حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحوله إلى المدينة» (¬6). 2 - ولأن عمل أهل المدينة على ترك السجود في المفصل مما يدل على نسخه (¬7). وردت المناقشة من وجهين: ¬

(¬1) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن، وسنتها باب من قرأ السجدة في الصلاة فسجد بها (2/ 34) ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب سجود التلاوة (1/ 407). (¬2) أخرجه مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب سجود التلاوة (1/ 407). (¬3) سبق تخريجه. (¬4) أخرجه البخاري في أبواب سجود القرآن وسنتها، باب سجود المسلمين مع المشركين (2/ 32). (¬5) المنتقى (1/ 349). (¬6) يأتي تخريجه مع أدلة القول الثاني. (¬7) الشرح الصغير (1/ 571) الفواكه الدواني (1/ 295).

الوجه الأول: عدم التسليم بأن عملهم حجة. الوجه الثاني: لو سلم، فلا عمل أقوى من عمل عمر وعثمان بحضرة الصحابة (¬1). 5 - أنه روي السجود فيه عن عدد من فقهاء الصحابة ومن ذلك: 1 - ما روي عن أبي هريرة؛ قال: سجد أبو بكر وعمر في {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} ومن هو خير منهما (¬2). أ- ما روي عن أبي رافع الصائغ؛ قال: صلى بنا عمر صلاة العشاء الآخرة، فقرأ في إحدى الركعتين الأوليين: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} فسجد وسجدنا معه (¬3). ب- ما روي عن عثمان رضي الله عنه؛ أنه قرأ في صلاة العشاء "النجم" فسجد (¬4). ج- وروى الشعبي عن عبد الله بن مسعود؛ أنه سجد في "النجم" و"اقرأ" (¬5). د- وروي عن عمار؛ أنه قرأ {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وهو يخطب فنزل فسجد (¬6). ¬

(¬1) المحلى (5/ 163). (¬2) أخرجه ابن حزم في المحلى (5/ 165) وقال: وهذا أثر كالشمس صحة. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الصلوات، باب من كان يسجد في المفصل (2/ 7) والطحاوي (1/ 355) وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير، وقال: رجاله موثوقون مجمع الزوائد (2/ 286). (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في الموضع السابق (2/ 8) والطحاوي في الصلاة، باب المفصل هل فيه سجود أم لا؟ (1/ 355). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في الموضع السابق (2/ 7) والطحاوي في الموضع السابق (1/ 355) وعزاه الهيثمي للطبراني في الكبير، وقال: رجاله رجال الصحيح، مجمع الزوائد (2/ 286). (¬6) أخرجه الطحاوي في الصلاة، باب المفصل هل فيه سجود أو لا؟ (1/ 356) وابن حزم في المحلى (5/ 165).

هـ- وروى نافع أن ابن عمر كان يسجد في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ} (¬1). القول الثاني: أنه لا سجود فيها: ذهب إليه مالك في الرواية المشهورة عنه، وهي المذهب عند أصحابه (¬2)، والشافعي في القديم (¬3). وهو قول: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، وعكرمة، ومجاهد، وعطاء، وطاوس (¬4). الاستدلال: 1 - حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه: أنه قرأ على النبي - صلى الله عليه وسلم - سورة النجم فلم يسجد (¬5). ووجه الدلالة: ظاهر: ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أنه لا يدل على نفي السجود وإنما يدل على جواز الترك (¬6). الوجه الثاني: أنه يحتمل أنه تركه؛ لأن زيدًا وهو القارئ لم يسجد فلو سجد لسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7). الوجه الثالث: أنه يحتمل أنه لم يكن على طهارة (¬8). ¬

(¬1) أخرجه الطحاوي في الموضع السابق (1/ 356). (¬2) المدونة (1/ 109) القوانين الفقهية (62) المعونة (1/ 285) مواهب الجليل (2/ 61) المنتقى (1/ 351) التفريع (1/ 270) الرسالة (137). (¬3) الحاوي (2/ 203) المهذب (2/ 92) روضة الطالبين (1/ 318). (¬4) المغني (2/ 352) البناية (2/ 711) (¬5) سبق تخريجه. (¬6) البناية (2/ 715) الحاوي (2/ 203) المغني (2/ 354) شرح معاني الآثار (1/ 352). (¬7) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 158). (¬8) شرح معاني الآثار (1/ 352) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 158).

الوجه الرابع: احتمال أنه في وقت لا يجوز فيه السجود (¬1). الوجه الخامس: احتمال أنه أراد التأخير ليبين جوازه (¬2). قالوا: فلما احتمل تركه للسجود كل معنى من هذه المعاني، لم يكن هذا الحديث بمعنى منها أولى من صاحبه إلا بدلالة تدل عليه من غيره (¬3). 2 - حديث أبي الدرداء؛ قال: "سجدت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إحدى عشرة سجدة ليس فيها من المفصل شيء" (¬4). ووجه الدلالة: ظاهر. ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أن الحديث ضعيف؛ لضعف إسناده فلا يصح به الاحتجاج (¬5). الوجه الثاني: أنه معارض بما هو أصح منه وهو حديث أبي هريرة السابق (¬6). الوجه الثالث: أنه لا دلالة فيه، إذ يجوز أن يكون سجود غير المفصل إحدى عشرة سجدة، ولا نزاع بيننا في هذا (¬7). ¬

(¬1) شرح معاني الآثار (1/ 352). (¬2) شرح معاني الآثار (1/ 352). (¬3) شرح معاني الآثار (1/ 352). (¬4) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب كم سجدة في القرآن (2/ 58) وقال عقبة: إسناده واه. وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب عدد سجود القرآن (1/ 335). قال البوصيري: في إسناده عثمان بن فايد وهو ضعيف. وقال الزيلعي: وعثمان بن فاشد، قال ابن حبان: لا يحتج به، ووهاه ابن عدي. نصب الراية (2/ 182). (¬5) المغني (2/ 354) المجموع (4/ 63). (¬6) المحلى (5/ 163) المغني (2/ 354) المجموع (4/ 63). (¬7) فتح القدير (2/ 14) المغنى (2/ 354).

الوجه الرابع: أن ترك السجود في حديث أبي الدرداء دليل على أنه ليس بواجب وسجوده يدل على أنه مسنون، فلا تعارض (¬1). 3 - حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسجد في شيء من المفصل منذ تحوله إلى المدينة (¬2). ووجه الدلالة: ظاهر: ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أن الحديث ضعيف لضعف إسناده (¬3). الوجه الثاني: أنه يدل على أن السجود ليس بواجب، وما روي عنه من سجوده فيه يدل على أنه مسنون فلا تعارض (¬4). الوجه الثالث: احتمال أن يكون المنفي هو المواظبة على ذلك، لتكرار قراءته في الصلاة، فتركه - صلى الله عليه وسلم -، لئلا تختلط الصلاة على من لا يفقه (¬5). الوجه الرابع: أنه معارض لحديث أبي هريرة، فيقدم عليه حديث أبي هريرة لسببين: 1 - أنه أصح وأقوى صراحة منه في الدلالة. 2 - أنه مثبت، وحديث ابن عباس ناف والقاعدة تقديم المثبت على النافي؛ لأن معه زيادة علم، لا سيما وأن نفي ابن عباس لشيء لم ¬

(¬1) المغني (2/ 354). (¬2) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب من لم ير السجود في المفصل (2/ 58) والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 313). قال عبد الحق: إسناده ليس بقوي، وقال ابن عبد البر: هذا حديث منكر، انظر: نصب الراية (2/ 182). وقال الحافظ في الدراية: في إسناده ضعف (2/ 211) وقال النووي في المجموع وليس بصحيح (4/ 63) وقال ابن حزم: وهذا باطل بحت (5/ 163). (¬3) المجموع (4/ 60) نصب الراية (2/ 182) زاد المعاد (1/ 363) الدراية (2/ 211). (¬4) المحلى (5/ 162). (¬5) فتح الباري (2/ 555).

يحضره، فإنه كان صبيًا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدري ما يفعل النبي. وإسلام أبي هريرة إنما كان والنبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة سنة سبع من الهجرة (¬1). 4 - أنه روى عن جمع من فقهاء الصحابة يلزم الرجوع إلى قولهم، منهم: زيد بن ثابت (¬2)، الذي جمع القرآن، وثانيهم: أبي بن كعب (¬3)، وهو الذي قرأه مرتين على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وثالثهم: عبد الله بن عباس (¬4)، وهو الذي قرأ على أبي وأخذ عنه (¬5). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أنه معارض بما هو أصح منه عن خمسة من الصحابة؛ منهم: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعمار، وابن عمر، وأبو هريرة. فكان الأخذ بقولهم أولى؛ لكونهم الأئمة؛ ولأن معهم ابن مسعود الذي شهد العرضة الأخيرة في العام الذي قبض فيه، فشهد ما نسخ وما بدل (¬6). الوجه الثاني: أنها آثار موقوفة على هؤلاء الصحابة، وقد عارضت المرفوع فلا يلتفت إليها. الترجيح: والراجح أنها من عزائم السجود؛ لقوة ما بني عليه هذا القول من أدلة، وضعف ما أورد عليها من المناقشة، في مقابل عدم ثبوت أدلة القول الثاني أمام المناقشة. ¬

(¬1) المجموع (4/ 63) المحلى (5/ 163) المغني (2/ 354). (¬2) الأثر عن زيد أخرجه ابن حزم في المحلى (5/ 161). (¬3) الأثر عن أُبي أخرجه الطحاوي في كتاب الصلاة، باب المفصل هل فيه سجود أو لا؟ (1/ 354). (¬4) أثر ابن عباس: أخرجه عبد الرزاق في كتاب فضائل القرآن، باب كم في القرآن من سجدة؟ (3/ 343) قال الحافظ: إسناده صحيح الدراية (1/ 211) وانظر: نصب الراية (2/ 182). (¬5) الحاوي (2/ 203). (¬6) شرح معاني الآثار (1/ 356) الحاوي (2/ 203).

الفصل الثالث مواضع السجود من آيات سجود التلاوة

الفصل الثالث مواضع السجود من آيات سجود التلاوة وفيه مبحثان: المبحث الأول: ما اتفق على موضعه. المبحث الثاني: ما اختلف في موضعه.

المبحث الأول ما اتفق على موضعه

المبحث الأول ما اتفق على موضعه اتفق أرباب المذاهب الأربعة، وكذا المذهب الظاهري (¬1) على موضع ثماني سجدات في السور التالية. 1 - الأعراف، الرعد، الإسراء، مريم، الحج، الأولى، الفرقان، السجدة. كما اتفق القائلون بمشروعية السجود في الحج في الثانية، وكذا في المفصل، على موضع السجدة الثانية في الحج، وسجدة النجم، وسجدة العلق. وإليك بيان ذلك: 1 - سجدة الأعراف: عند آخرها وهو قوله: {وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 106]. 2 - سجدة الرعد: عند قوله: {وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الرعد: 15]. 3 - سجدة النحل: عند قوله: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50]. 4 - سجدة الإسراء: عند قوله: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109]. 5 - سجدة مريم: عند قوله: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]. 6 - سجدة الحج الأولى: عند قوله: {إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: 18]. ¬

(¬1) انظر: البناية (2/ 709) فتح القدير (2/ 11) شرح معاني الآثار، (1/ 359) الشرح الصغير (1/ 571) المنتقى (1/ 352) بداية المجتهد (1/ 162) المعونة (1/ 284) الحاوي (2/ 202) المهذب (1/ 92) المغني (2/ 357) المستوعب (2/ 255) كشاف القناع (1/ 448) المحلى (5/ 156، 165).

7 - سجدة الحج الثاية عند قوله: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]. 8 - سجدة الفرقان: عند قوله: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: 60]. 9 - سجدة سورة السجدة عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: 15]. 10 - سجدة النجم عند آخرها: وهو قوله: {فَاسْجُدُوا لِلهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]. 11 - وفي العلق في آخرها: وهو قوله: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].

المبحث الثاني ما اختلف في موضعه

المبحث الثاني ما اختلف في موضعه (¬1) اختلف أهل العلم في موضع السجود في السور التالية: "النمل"، "فصلت"، "ص"، الانشقاق. وإليك بيان ذلك: أولاً: موضع السجود في سورة النمل: اختلف أهل العلم في موضع السجود من سورة النمل على قولين: القول الأول: أن موضعه عند قوله تعالى: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: 26]. ذهب إليه المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). قالوا: لإتمام الكلام (¬5). القول الثاني: إنه عند قوله: {أَلَّا يَسْجُدُوا لِلهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ} [النمل: 25]. ذهب إليه الحنفية (¬6)، وبعض الشافعية (¬7)، وهو قول ابن حزم (¬8). ¬

(¬1) سواء كان مما وقع الاتفاق على مشروعية السجود فيه، أو ما اختلف فيه. (¬2) بداية المجتهد (1/ 223) المنتقى (1/ 352) المعونة (1/ 284) الشرح الصغير (1/ 571). (¬3) المهذب (1/ 92) المجموع (4/ 60) مغني المحتاج (1/ 215). (¬4) المغني (2/ 375) المستوعب (2/ 257) كشاف القناع (1/ 448) المحلى (5/ 157). (¬5) المنتقى (1/ 302). (¬6) البناية (2/ 710) شرح معاني الآثار (1/ 359). (¬7) الحاوي (2/ 202) المجموع (4/ 60). (¬8) المحلى (5/ 157).

الموضع الثاني: في فصلت

قالوا: لأنه أقرب إلى موضع ذكر السجود والأمر به، والمبادرة إلى فعل الخير (¬1). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الأول، لوجاهة ما ذكروه، ثم إن فيه احتياطًا، وهو تأخير يسير لا يضر عند الجميع. الموضع الثاني: في فصلت: وقد اختلف أهل العلم في موضع السجود فيها على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن ذلك عند قوله: {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: 38]. ذهب إليه الحنفية (¬2)، وبعض المالكية (¬3)، والشافعية في الأصح (¬4)، وأحمد في رواية عنه؛ وهي المذهب (¬5). وهو قول: سعيد بن المسيب، وابن سيرين، وأبي وائل، والثوري، وإسحاق (¬6). واستدلوا بما يلي: 1 - ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه كان يسجد في الآية الأخيرة من {حم * تَنْزِيلُ} [فصلت: 1، 2] (¬7). ¬

(¬1) المحلى (5/ 157). (¬2) المبسوط (2/ 7) البناية (2/ 711) بدائع الصنائع (1/ 194). (¬3) المنتقى (1/ 302) الشرح الصغير (1/ 570). (¬4) المهذب (1/ 92) روضة الطالبين (1/ 319) المجموع (4/ 60). (¬5) المغني (2/ 357) المستوعب (2/ 257) الإنصاف (2/ 197) المبدع (2/ 31). (¬6) المجموع (4/ 60). (¬7) أخرجه عبد الرزاق في فضائل القرآن، باب كم في القرآن من سجدة (3/ 338) وكذا الطحاوي في الصلاة باب المفصل هل فيه سجود أم لا؟ (1/ 359) والحاكم في التفسير تفسير سورة السجدة (2/ 441) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد وافقه الذهبي.

وروي عنه أنه رأى رجلاً سجد في الآية الأولى من "حم" فقال: عجل هذا بالسجود (¬1). 2 - ولأنه أقرب إلى الاحتياط، فإنها إن كانت عند الآية الثانية لم يجز تعجيلها، وإن كانت عند الأولى جاز تأخيرها إلى الآية الثانية (¬2). 3 - ولأن تمام الكلام في الثانية، فكان السجود بعدها، كما كان في سجدة النحل عند قوله: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] وذكر السجدة في التي قبلها كذا ههنا (¬3). القول الثاني: أن ذلك عند قوله: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: 37]. ذهب إليه الإمام مالك، وهو المذهب المشهور (¬4)، والشافعية في مقابل الأصح (¬5)، وبعض الحنابلة (¬6)، وابن حزم (¬7). وحكي عن الحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وأبي صالح، وطلحة بن مصرف، وزيد بن الحارث، والليث (¬8). واستدلوا بما يلي: 1 - ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يسجد في الآية الأولى من "حم" (¬9). ¬

(¬1) أخرجه الطحاوي في الموضع السابق (1/ 359). (¬2) المبسوط (2/ 7) بدائع الصنائع (1/ 194). (¬3) المغني (2/ 358) كشاف القناع (1/ 448). (¬4) المدونة (1/ 110) المنتقى (1/ 352) بداية المجتهد (1/ 223) الشرح الصغير (1/ 571) شرح الخرشي (1/ 350) المعونة (1/ 284). (¬5) المجموع (4/ 60) مغني المحتاج (1/ 125) الحاوي (2/ 202) روضة الطالبين (1/ 319). (¬6) المستوعب (2/ 258) الإنصاف (2/ 197) المبدع (2/ 31). (¬7) المحلى (5/ 159). (¬8) المجموع (4/ 60). (¬9) أخرجه الطحاوي في الصلاة، باب المفصل هل فيه سجود أم لا؟ (1/ 360) والحاكم في التفسير، تفسير سورة "حم" السجدة (2/ 441) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وقد أخرجه ابن أبي شيبة عن مسروق قال: كان أصحاب عبد الله يسجدون في الأولى المصنف (2/ 11).

الموضع الثالث: في سجدة (ص)

2 - وروى نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يسجد بالأولى (¬1). وهو مناقش: بأنه معارض بمثله، وهو ما روي عن ابن عباس من تأخير السجود. 3 - أنه موضع الأمر بالسجود، واتباع الأمر أولى (¬2). 4 - أن فيه مسارعة إلى الطاعة، والمسارعة إلى الطاعة أفضل (¬3). القول الثالث: أنه مخير إن شاء سجد في الآية الأولى، وإن شاء سجد في الثانية: ذهب إليه الإمام أحمد في رواية عنه (¬4)، وهو قول ابن وهب من المالكية (¬5). ولم أعثر على دليل هذا القول: ولعلهم نظروا إلى أن كلا الأمرين قد روي عن الصحابة ففهموا أن الأمر فيه واسع. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الأول لقوة دليله من المعقول، وهو إتمام الكلام، مع الأخذ بالاحتياط، وهو تأخير يسير لا يضر عند الجميع. الموضع الثالث: في سجدة (ص): اختلف القائلون بمشروعية السجود في "ص" وأنها من مواضع سجود التلاوة، في موضع السجدة من السورة على قولين: ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في الصلاة، باب من كان يسجد في الأولى (2/ 11). (¬2) المحلى (5/ 159). (¬3) المصدر السابق والصفحة. (¬4) الإنصاف (2/ 197) المبدع (2/ 31). (¬5) المنتقى (1/ 352).

الموضع الرابع: سجدة (الانشقاق)

القول الأول: أن موضعه عند قوله: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]. ذهب إليه الحنفية (¬1)، وبعض المالكية (¬2)، وبعض الشافعية (¬3)، وبعض الحنابلة (¬4). واحتجوا: بأن قوله: {فَغَفَرْنَا لَهُ} [ص: 25] كالجزاء على السجود، وهو يدل على تقديم السجود لتقديم السبب على المسبب (¬5). القول الثاني: أنه عند قوله: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 25]. ذهب إليه بعض المالكية (¬6)، ولم أعثر على دليل لهذا القول. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الأول، لوجاهة ما بني عليه، وهو ترتب الغفران على السجود. الموضع الرابع: سجدة (الانشقاق): كما اختلف القائلون بمشروعية السجود في (الانشقاق) في موضع السجدة من السورة على قولين: ¬

(¬1) البناية (2/ 711) شرح معاني الآثار (1/ 361). (¬2) المنتقى (1/ 352) الفواكه الدواني (1/ 295) حاشية الصاوي (1/ 571) بداية المجتهد (2/ 162). (¬3) المهذب (1/ 92) المجموع (4/ 60) نهاية المحتاج (2/ 88). (¬4) الفروع (1/ 503) المستوعب (2/ 258). (¬5) الفواكه الدواني (1/ 295). (¬6) المنتقى (1/ 352) الفواكه الدواني (1/ 295) حاشية الصاوي (1/ 571) المعونة (1/ 284).

القول الأول: أنه عند آخر قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21]. ذهب إليه الحنفية (¬1)، وبعض المالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4). لأن ما بعده لا تعلق له بذكر السجود (¬5). القول الثاني: أن ذلك عند آخر السورة في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [الانشقاق: 25]. ذهب إليه بعض المالكية (¬6)، ولم أعثر على دليل لهذا القول. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو الأول، لوجاهة ما ذكروه من تمام الكلام. ¬

(¬1) البناية (2/ 711) شرح معاني الآثار (1/ 360). (¬2) المنتقى (1/ 352). (¬3) المجموع (4/ 59) الحاوي (2/ 202). (¬4) المغني (2/ 357). (¬5) المنتقى (1/ 352). (¬6) المنتقى (1/ 352).

الفصل الرابع في أحكام سجود التلاوة

الفصل الرابع في أحكام سجود التلاوة وفيه مبحثان: المبحث الأول: في أحكامه داخل الصلاة. المبحث الثاني: في أحكامه خارج الصلاة.

المبحث الأول في أحكامه داخل الصلاة

المبحث الأول في أحكامه داخل الصلاة وفيه ستة مطالب: المطلب الأول: في قراءة الإمام لما فيه سجدة في الصلاة. المطلب الثاني: في قيام الركوع مقام سجود التلاوة. المطلب الثالث: في تكرار السجود لتكرار قراءة ما فيه السجود. المطلب الرابع: في صفة أداء السجدة في الصلاة. المطلب الخامس: في القراءة بعد الرفع من سجود التلاوة وقبل الركوع. المطلب السادس: في سجود المأموم لقراءة نفسه. المطلب الأول: في قراءة الإمام لما فيه سجدة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في الصلاة الجهرية. المسألة الثانية: في الصلاة السرية. المسألة الأولى: في قراءتها في الجهرية: وقد اختلف أهل العلم في حكم ذلك على قولين.

القول الأول: مشروعية ذلك: ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ومنهم: الحنفية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة (¬3)، والظاهرية (¬4)، ومالك في رواية ابن وهب عنه (¬5). واستدلوا بما يلي: 1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الجمعة في صلاة الفجر: {الم، تنزيل} [السجدة: 1، 2] {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ} (¬6) [الإنسان: 1]. ووجه الدلالة: ظاهر لاشتمال الأولى على سجدة. ونوقش: بأن عمل أهل المدينة على خلافه فدل على نسخه (¬7). وأجيب عنها من وجهين: الوجه الأول: عدم التسليم بأن عملهم حجة. الوجه الثاني: أنه لا عمل أقوى من عمل عمر وعثمان بحضرة الصحابة في المدينة (¬8). 2 - حديث أبي هريرة؛ قال: سجدنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} و {اقْرَأْ} [العلق: 1] (¬9). ووجه الدلالة: ظاهر. ونوقش: بما نوقش به سابقه. ¬

(¬1) الهداية (1/ 79)، البناية (2/ 720) فتح القدير (2/ 14). (¬2) روضة الطالبين (1/ 319) الحاوي (2/ 200) المجموع (4/ 58) مغني المحتاج ... (1/ 219). (¬3) المغني (2/ 371) الإنصاف (2/ 199) الفروع (1/ 504). (¬4) المحلى (5/ 157). (¬5) المنتقى (1/ 350) الكافي (1/ 262). (¬6) أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب ما يقرأه في صلاة الفجر يوم الجمعة (1/ 214) ومسلم في كتاب الجمعة، باب ما يقرأ في يوم الجمعة (2/ 599). (¬7) الشرح الصغير (1/ 573) حاشية الدسوقي (1/ 310). (¬8) المحلى (5/ 163). (¬9) سبق تخريجه (62).

3 - أنه روي عن جمع من فقهاء الصحابة؛ منهم: عمر، وابنه، وأبو هريرة، وعثمان (¬1)، ولم يعلم لهم مخالف فكان إجماعًا (¬2). القول الثاني: أنه تكره قراءتها في صلاة الفريضة دون النافلة: ذهب إليه مالك في رواية عنه؛ وهي المذهب عند أصحابه (¬3). واحتج: للكراهة في الفريضة بما يلي: 1 - أنه إذا لم يسجدها دخل في الوعيد، أي: اللوم المشار له بقوله تعالى: ... {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 21] وإن سجد زاد في عدد سجودها (¬4). ونوقش من أوجه: الوجه الأول: أن السجود سنة ولا وعيد في ترك السنة، فهذا ليس قولكم. الوجه الثاني: بأن هذه العلة موجودة في النافلة ولا كراهة فيه عندكم. وأجيب: بأن السجود لما كان نافلة والصلاة نافلة صار كأنه ليس زائدًا (¬5). الوجه الثالث: دعواكم أن سجوده زيادة، استدلال بمحل النزاع، فهو مسنون بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وليس بزيادة. ¬

(¬1) انظر: تخريجها (63). (¬2) المنتقى (1/ 350). (¬3) المنتقى (1/ 350) المدونة (1/ 110) الشرح الصغير (1/ 572) حاشية الدسوقي (1/ 310) الفواكه الدواني (1/ 296) المسائل الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 215) التفريع (1/ 270). (¬4) المسائل الفقهية (1/ 215) الشرح الصغير (1/ 572) الفواكه الدواني (1/ 296) حاشية الدسوقي (1/ 310). (¬5) الشرح الصغير (1/ 572).

2 - ولأنه يؤدي إلى أن يخلط على من خلفه، لأنه أمر غير معتاد في الصلاة (¬1). ونوقش: بأن التخليط إنما يحصل في حالة الإسرار في القراءة، وأما مع الجهر فأكثر من وراءه يعلم بموضع السجدة فيتأهب لها ولا ينكر السجود فيها (¬2). أما عدم الكراهة في النافلة: فقد احتج له بعضهم: بأن السجود لما كان نافلة، و الصلاة نافلة صار كأنه ليس زائدًا بخلاف الفرض (¬3). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أن مقتضى الزيادة في الفرض البطلان، فكذلك في النافلة. وأجيب عنه: بأن الشارع لما طلبها من كل قارئ صارت كأنها ليست زائدة محضة (¬4). الوجه الثاني: أنه لا فرق في الخوف من التخليط بين الفريضة والنافلة فلا بد لكم من دليل على الفرق. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الأول من الجواز بلا كراهة لما أوردوه من الحديث الصحيح في قراءته ص للسجدة، وضعف ما أورده الآخرون من دعوى النسخ، أو احتمال التخليط. ¬

(¬1) المنتقى (1/ 350) الشرح الصغير (1/ 572) المسائل الفقهية (1/ 215). (¬2) المنتقى (1/ 350). (¬3) حاشية الدسوقي (1/ 310) حاشية الصاوي (1/ 572). (¬4) المصادر السابقة.

المسألة الثانية: في الصلاة السرية

المسألة الثانية: في الصلاة السرية: وفيه فرعان: الفرع الأول: في حكم قراءة ما فيه سجدة. الفرع الثاني: في السجود. الفرع الأول: في حكم قراءة ما فيه سجدة: هذا وقد اختلف أهل العلم في حكم قراءة ما فيه سجدة في الصلاة السرية على الأقوال التالية. القول الأول: أنه يكره: ذهب إليه الحنفية (¬1) والحنابلة في قول، وهو المذهب (¬2) وبعض المالكية (¬3). 1 - لأنه إذا لم يسجد كان تاركًا للسنة، وإن سجد أوهم على المأمومين؛ إذ قد يظنون أنه غلط فقدم السجود على الركوع، وفيه من الفتنة ما لا يخفى (¬4). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أن ترك السنة لا يقتضى الكراهة؛ لأن ترك المسنون ليس مكروهًا، وإلا قلنا: إن صلاتنا في غير النعال مكروهة، ولقلنا بالكراهة إذا لم يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام، ولقلنا بالكراهة إذا لم يجهر بالجهرية (¬5). ¬

(¬1) المبسوط (2/ 10) بدائع الصنائع (1/ 192). (¬2) المغني (2/ 377) الإنصاف (2/ 199) المبدع (2/ 32) المستوعب (2/ 255). (¬3) المنتقى (1/ 350). (¬4) المبسوط (2/ 10) المنتقى (1/ 350) الشرح الصغير (1/ 372) المغني (2/ 371) ا لروض المربع (2/ 241). (¬5) الشرح الممتع (4/ 148).

الوجه الثاني: أن المحذور يزول إذا جهر بقراءة السجدة ليعلم الناس سبب سجوده فيتبعوه (¬1). 2 - ولأنه إذا سجد زاد في عدد سجود الفريضة (¬2). ونوقش: بأن هذا الاستدلال بمحل النزاع، والثابت عنه - صلى الله عليه وسلم - السجود فليس بزيادة. القول الثاني: أنه يكره في الفريضة دون النافلة: ذهب إليه المالكية (¬3). واحتجوا: لكراهة ذلك في الفريضة بما احتج به أصحاب القول الأول. أما عدم الكراهة في النافلة فقالوا: إن السجود لما كان نافلة، والصلاة نافلة صار كأنه ليس زائدًا (¬4). وقد نوقش من وجهين: الوجه الأول: أن مقتضى الزيادة في الفرض البطلان فكذلك في النافلة. وأجيب عنه: بأن الشارع لما طلبها من كل قارئ صارت كأنها ليست زائدة محضة. الوجه الثاني: أن من دعواكم على الكراهة في الفريضة خوف التخليط على المأمومين ولا فرق في ذلك بين النافلة والفرض. ¬

(¬1) الشرح الكبير للدردير (1/ 310). (¬2) الشرح الصغير (1/ 572) المسائل الفقهية (1/ 215). (¬3) المنتقى (1/ 350) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 310) الشرح الصغير (1/ 572) والمسائل الفقهية (1/ 215) التفريع (1/ 270). وقد قيده بعضهم: بحالة إذا لم يأمن التخليط على من خلفه، فلو أمن زالت الكراهة. انظر: المنتقى (1/ 350) المسائل الفقهية (1/ 215). (¬4) حاشية الصاوي (1/ 372) حاشية الدسوقي (1/ 310).

القول الثالث: أنه لا يكره مطلقًا: ذهب إليه الشافعية (¬1)، والحنابلة في قول (¬2)، وابن حزم (¬3). واستدلوا بما يلي: 1 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في صلاة الظهر، ثم قام فركع، فرأى أصحابه أنه قرأ سورة السجدة (¬4). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: أن الحديث لا يصح، لأن في سنده أمية وهو مجهول، ثم هو من رواية سليمان التيمي وهو مدلس (¬5). الوجه الثاني: على فرض صحة الحديث، فيحمل على أنه لبيان الجواز، فلم يكن مكروهًا، لأنه في مقام التشريع (¬6). 2 - أنه لا دليل على الكراهة، فعلى مدعيها إيراد الدليل. الترجيح: والذي يترجح لدي ما ذهب إليه أصحاب القول الثالث من عدم الكراهة؛ لعدم الدليل المقتضي للكراهة، وضعف ما أورده الأولون للحكم بذلك. ¬

(¬1) روضة الطالبين (2/ 99) المجموع (2/ 59) مغني المحتاج (1/ 216) الحاوي (2/ 200). (¬2) المغني (2/ 371) الإنصاف (2/ 199) المبدع (2/ 32). (¬3) المحلى (5/ 157). (¬4) أخرجه أبو داود، في كتاب الصلاة باب قدر القراءة في صلاة الظهر والعصر (1/ 214) وسكت عنه، وكذا الحاكم (1/ 221) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه والطحاوي (9/ 208). (¬5) انظر: التلخيص الحبير (2/ 10) نيل الأوطار (2/ 11). (¬6) بدائع الصنائع (1/ 192).

الفرع الثاني: في حكم سجوده إذا قرأ في السرية

الفرع الثاني: في حكم سجوده إذا قرأ في السرية: وفيه جانبان: الجانب الأول: في سجود الإمام. الجانب الثاني: سجود المأموم. الجانب الأول: في سجود الإمام: اختلف القائلون بكراهة قراءة ما في السجود في الصلاة السرية في حكم سجوده إذا قرأ على قولين: القول الأول: أنه يشرع له السجود: ذهب إليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والحنابلة في قول (¬3). 1 - لما روي عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في الظهر، ثم قام فركع، فرأى أصحابه أنه قد قرأ سورة السجدة (¬4). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: ضعف الحديث لضعف إسناده، فلا يصح الاحتجاج (¬5). الوجه الثاني: لو سلم بصحة الحديث، فإنه يحمل على أنه لبيان الجواز فلم يكن مكروهًا لكونه في مقام التشريع. ¬

(¬1) الهداية (1/ 79) المبسوط (2/ 720). (¬2) المنتقى (1/ 350) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 310) الشرح الصغير (1/ 573) لكن قال المالكية: إن اقتحم النهي وقرأ، جهر ندبًا في قراءة السجدة ليعلم الناس سبب سجوده فيتبعوه، الشرح الكبير والدسوقي (1/ 310). (¬3) الإنصاف (2/ 199)، المبدع (2/ 32) المغنى (2/ 371). (¬4) سبق تخريجه (86). (¬5) التلخيص الحبير (2/ 11) نيل الأوطار (2/ 114).

الجانب الثاني: في سجود المأموم

2 - ولتقرر السبب في حقه وهو التلاوة (¬1). القول الثاني: أنه يكره: ذهب إليه الحنابلة في المذهب (¬2). واحتجوا: بأن فيه إيهامًا على المأمومين (¬3). ونوقش: بأن ذلك يزول برفع صوته قليلا عند آية السجدة، أو موضع السجود (¬4). الترجيح: والذي يترجح لدي ما ذهب إليه الأولون من جواز ذلك بلا كراهة، بل استحبابه؛ لقوة ما ذكروه من تقرر السبب في حقه، في مقابل ضعف ما أورده القائلون بالكراهة. الجانب الثاني: في سجود المأموم: هذا وقد اختلف القائلون بكراهة السجود للإمام، في حكم اتباع المأموم للإمام فيما لو سجد، على الأقوال التالية: القول الأول: أنه يتبعه في سجوده: ذهب إليه الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والحنابلة في قول (¬7). 1 - لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ¬

(¬1) المبسوط (2/ 10). (¬2) المغني (2/ 371) الإنصاف (2/ 199) المستوعب (2/ 255). (¬3) المغنى (2/ 371). (¬4) الشرح الممتع لزاد المستقنع (4/ 148). (¬5) المبسوط (2/ 10). (¬6) الشرح الكبير (1/ 310) حاشية الصاوي (1/ 573) حاشية الدسوقي (1/ 310). (¬7) المغني (2/ 371) الإنصاف (2/ 199).

سجد فاسجدوا» (¬1). 2 - ولأنه لو كان بعيدًا لا يسمع، أو أطروشًا، في صلاة الجهر لسجد بسجود إمامه كذا ههنا (¬2). 3 - ولأن الأصل عدم السهو (¬3). القول الثاني: أنه يمتنع اتباعه: ذهب إليه بعض المالكية (¬4). لاحتمال سهوه (¬5). ونوقش: بأن الأصل عدم السهو. القول الثالث: أن المأموم مخير بين السجود وعدمه: ذهب إليه الحنابلة في قول، وهو المذهب (¬6). واحتجوا: بأنه ليس بمسنون للإمام، ولا يوجد الاستماع المقتضى للسجود (¬7). ونوقش: بأنه يبطل بما إذا كان المأموم بعيدًا في صلاة الجهر، لا يسمع أو أطروشًا فإنه يسجد بسجود إمامه مع ما ذكروه (¬8). الترجيح: رجحنا فيما سبق جواز تلاوة ما فيه سجدة في السرية، وجواز سجوده تبعًا لذلك، وأن ذلك مستحب غير مكروه لتقرر السبب في حقه، ¬

(¬1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب إنما جعل الإمام ليؤتم به (1/ 176) ومسلم في الصلاة باب ائتمام المأموم بالإمام (1/ 308). (¬2) المغني (2/ 371). (¬3) الشرح الكبير (1/ 310). (¬4) حاشية الدسوقي (1/ 310). (¬5) المصدر السابق. (¬6) المغني (2/ 371) الإنصاف (2/ 199) المبدع (2/ 33). (¬7) المغني (2/ 371). (¬8) المغنى (2/ 371).

المطلب الثاني: قيام الركوع مقام سجود التلاوة

وبناء عليه فإن اتباع المأموم لإمامه لازم في هذا الحالة، لما ذكره أصحاب هذا القول من الحديث، وصحة ما أوردوه من القياس، وكما لو كان في صلاة جهرية، والله أعلم. المطلب الثاني: قيام الركوع مقام سجود التلاوة اختلف أهل العلم في حكم الاجتزاء بركوع الصلاة عن سجود التلاوة على قولين: القول الأول: أنه يقوم مقامه: ذهب إليه الحنفية (¬1)، وأحمد في رواية عنه، اختاره بعض أصحابه (¬2). واحتجوا بما يلي: 1 - قوله تعالى عن داود: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24]. والدلالة فيه من وجهين: الوجه الأول: أن المراد بالآية السجود، لأنه قال: {وَخَرَّ} ولا يقال للراكع: خر. الوجه الثاني: لو سلم بأن داود ركع حقيقة، لم يكن فيه حجة؛ لأن داود إنما فعل ذلك توبة، لا لسجود التلاوة (¬3). ¬

(¬1) المبسوط (2/ 8) فتح القدير (2/ 18) بدائع الصنائع (1/ 189). (¬2) الإنصاف (2/ 195) المبدع (2/ 29) المستوعب (2/ 254). (¬3) المغني (2/ 369) المبدع (2/ 29).

الوجه الثاني: في الاستدلال. أنه قد روي في تأويل الآية: أن معناه خر ساجدًا، فعبر بالركوع عن السجود، فجاز أن ينوب عنه إذ صار عبارة عنه (¬1). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: بأن الذي روي عنه عليه السلام السجود لا الركوع، لا أنه عبر عنه بالركوع (¬2). الوجه الثاني: أنه لا يلزم في تعبيره عن السجود بالركوع أن ينوب عنه؛ إذ يحتاج إلى دليل. 2 - ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه كان إذا تلا آية السجدة في الصلاة ركع (¬3). 3 - ولأن المقصود الخضوع والخشوع وذلك يحصل بالركوع، كما يحصل بالسجود (¬4). القول الثاني: أنه لا يقوم مقامه: ذهب إليه المالكية (¬5)، والشافعية (¬6)، وأحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬7). 1 - لأنه سجود مشروع، فلا يقوم مقامه الركوع كسجود الصلاة (¬8). ¬

(¬1) أحكام القرآن للجصاص (3/ 380). (¬2) المغني (2/ 369). (¬3) ذكره السرخسي في المبسوط (2/ 8) ولم أجده. (¬4) المبسوط (2/ 8) فتح القدير (2/ 19) بدائع الصنائع (1/ 190). (¬5) المدونة (1/ 111) مواهب الجليل (2/ 60) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 312) شرح الخرشي (1/ 356). (¬6) المجموع (4/ 72). (¬7) المغني (2/ 369) الإنصاف (2/ 195) المبدع (2/ 29) المستوعب (2/ 254). (¬8) المغني (2/ 369) المبدع (2/ 29).

المطلب الثالث: في تكرار السجود لتكرار قراءة ما فيه سجدة

2 - ولأنه إن قصد به الركوع للصلاة فلم يسجدها وإن قصد به السجود فقد أحالها عن صفتها، وذلك غير جائز؛ لأنه تغيير للموضوع الشرعي (¬1). 3 - ولأن الركوع ليس فيه من الخضوع ما في السجود (¬2). 4 - ولأنه هو الذي استمر عمل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده عليه (¬3). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني؛ لقوة ما بني عليه من استدلال؛ ومنه أنه هو الذي روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل عنه مرة واحدة لا بحديث صحيح ولا ضعيف الاكتفاء بالركوع عن السجود. المطلب الثالث: في تكرار (¬4) السجود لتكرار قراءة ما فيه سجدة ذكرنا فيما سبق حكم قراءة الإمام لما فيه سجدة، وأتبعناه في حكم سجوده إذا قرأ السجدة، واختلافهم في ذلك بين قائل بالجواز، وقائل بالكراهة، ومن هو مفرق بين ذلك في السرية، والجهرية واتفاقهم على جواز ذلك للمنفرد دون كراهة. والذي نريد بيانه هنا هو: حكم سجوده فيما لو كرر قراءة ما فيه سجدة في صلاة واحدة. ¬

(¬1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 312). (¬2) حاشية الروض المربع لابن قاسم (1/ 239). (¬3) المصدر السابق. (¬4) نقصد بالتكرار إعادة تلاوة موضع السجدة، لا من جمع بين تلاوة آيات السجدة في صلاة واحدة فالظاهر اتفاق أهل العلم على السجود في كل موضع، لعدم الحرج، فإن آيات السجدة محصورة، والغالب عدم تلاوة الجميع في المجلس. انظر: البناية (2/ 731) حاشية الدسوقي (1/ 311).

فقد اختلف أهل العلم في ذلك على الأقوال التالية. القول الأول: مشروعية السجود في كل مرة. ذهب إليه المالكية (¬1)، والشافعية في الأصح (¬2)، والحنابلة في قول (¬3). واحتجوا: بأن سببه تلاوة السجدة فتكرر بتجدد السبب (¬4). القول الثاني: أنه يشرع إذا طال الفصل: ذهب إليه الشافعية في وجه: قالوا: اكتفاء بالأولى مع قصر الفصل (¬5). القول الثالث: أنه يشرع إذا كررها في ركعتين، أما إذا كان في واحدة فلا يعيدها: ذهب إليه أبو يوسف ومحمد من الحنفية (¬6)، والشافعية في الوجه الثالث (¬7)، وبعض الحنابلة (¬8). واحتجوا بما يلي: 1 - لأن الركعتين كالمجلسين، وقد تجدد السبب بعد توفية ¬

(¬1) كما هو الظاهر من إطلاقهم القول بالتكرار، باستثناء المعلم للمشقة. انظر: الشرح الكبير (1/ 311) الشرح الصغير (1/ 573). (¬2) روضة الطالبين (1/ 310) مغني المحتاج (1/ 217). (¬3) الإنصاف (2/ 196) المستوعب (2/ 260) الروض المربع (2/ 235) كشاف القناع (1/ 449). (¬4) روضة الطالبين (1/ 310) مغني المحتاج (1/ 217) كشاف القناع (1/ 449) حاشية الروض المربع لابن قاسم (2/ 225). (¬5) روضة الطالبين (1/ 320) مغني المحتاج (1/ 217). (¬6) المبسوط (2/ 13) بدائع الصنائع (1/ 183). (¬7) روضة الطالبين (1/ 320) مغني المحتاج (1/ 217). (¬8) الإنصاف (2/ 196).

الحكم الأول (¬1). 2 - ولأن للقراءة في كل ركعة حكمًا على حدة، حتى يسقط به فرض القراءة فكانت الإعادة في الركعتين نظير الإعادة في الصلاتين (¬2). القول الرابع: أنه لا يشرع التكرار مطلقًا: ذهب إليه أبو يوسف في قوله الأخير (¬3). واحتج: بأن المكان مكان واحد، وحرمة الصلاة حرمة واحدة، والمتلو آية واحدة، فلا يجب (¬4)، إلا سجدة واحدة، كما لو أعادها في الركعة الأولى (¬5). ونوقش: بأن المكان وإن اتحد حقيقة وحكمًا، لكن لا يمكن أن نجعل الثانية تكرارًا، لأن لكل ركعة قراءة مستحقة، فلو جعلت الثانية تكرارًا للأولى، والتحقت القراءة بالركعة الأولى لخلت الثانية عن القراءة ولفسدت؛ وحيث إنها لم تفسد دل على أنها لم تجعل مكررة، بخلاف ما إذا كرر التلاوة في ركعة واحدة؛ لأنه أمكن هناك جعل التلاوة المتكررة مستجدة المعنى (¬6). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه أنه يكفيه سجدة واحدة وذلك قياسًا، على ما لو كرر قراءة الموضع الواحد خارج الصلاة (¬7)، بل هو ههنا آكد للاتفاق على جواز التكرار خارج الصلاة دون كراهة، والاختلاف في كراهة قراءة السجدة، والسجود في صورة كثيرة في الصلاة (¬8). ¬

(¬1) مغني المحتاج (1/ 217). (¬2) المبسوط (2/ 13). (¬3) المبسوط (2/ 13) بدائع الصنائع (1/ 183). (¬4) مذهب الحنفية وجوب سجود التلاوة. (¬5) المبسوط (2/ 13). (¬6) بدائع الصنائع (1/ 183). (¬7) انظر (117). (¬8) انظر: (81) وما بعدها.

المطلب الرابع: في صفة أداء السجدة في الصلاة

المطلب الرابع: في صفة أداء السجدة في الصلاة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في التكبير في الخفض والرفع. المسألة الثانية: في رفع اليدين فيهما. المسألة الأولى في التكبير في الخفض والرفع: ذهب عامة أهل العلم (¬1) إلى مشروعية التكبير في سجود التلاوة، إذا كان ذلك في الصلاة، لا فرق في ذلك بين حالة الهوي إلى السجود، أو الرفع منه (¬2). واستدلوا: بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أنه كان يكبر في كل رفع وخفض» (¬3). وقد نقل النووي في المجموع وجهًا في مذهب الشافعية: أنه لا يكبر في الرفع ولا في الخفض وحكم عليه بالضعف والشذوذ (¬4). المسألة الثانية: في رفع اليدين: أما رفع اليدين فقد اختلف أهل العلم في حكمه على قولين: ¬

(¬1) وقد حكاه ابن أبي زيد اتفاقًا، انظر: الفواكه الدواني (1/ 295). (¬2) انظر للحنفية (بدائع الصنائع 1/ 188). وللمالكية: المدونة (1/ 111) الفواكه الدواني (1/ 295) المسائل الفقهية (1/ 215) التفريع (1/ 270). وللشافعية المهذب (1/ 93) المجموع (4/ 63) روضة الطالبين (1/ 321). وللحنابلة: المغني (2/ 359) الإنصاف (2/ 197) المبدع (2/ 32) كشاف القناع (1/ 448). (¬3) أخرجه البخاري في كتاب الأذان، باب إتمام التكبير في السجود (1/ 191). (¬4) انظر: المجموع (4/ 63).

القول الأول: عدم مشروعية رفع اليدين: ذهب إليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية (¬3)، وأحمد في رواية عنه اختارها بعض أصحابه (¬4). واحتجوا بما يلي: 1 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه؛ قال: «رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام في الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، وكان يفعل ذلك حين يكبر للركوع، ويفعل ذلك إذا رفع رأسه من الركوع .. ولا يفعل ذلك في السجود» (¬5). ووجه الدلالة: أنه كان لا يفعل ذلك في السجود، وما نحن فيه منه (¬6). 2 - وكما لو سجد في صلب الصلاة (¬7). القول الثاني: أنه يسن له رفع يديه: ذهب إليه أحمد في الرواية الثانية عنه، وهي المذهب (¬8). واحتج بما يلي: 1 - حديث وائل بن حجر الحضرمي «أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) الهداية (1/ 80) البناية (2/ 734). (¬2) الثمر الداني (221) الشرح الصغير (1/ 569). (¬3) روضة الطالبين (1/ 321) المهذب (1/ 93) مغني المحتاج (1/ 217). (¬4) المغني (2/ 361) الإنصاف (1/ 199) المستوعب (2/ 260) المبدع (2/ 32). (¬5) أخرجه البخاري في الأذان، باب رفع اليدين إذا كبر، وإذا رفع (2/ 180) ومسلم في الصلاة، باب استحباب رفع اليدين حذو المنكبين مع تكبيرة الإحرام، والركوع (1/ 292). (¬6) المغني (2/ 361). (¬7) مغني المحتاج (1/ 217) البناية (2/ 734). (¬8) المغني (2/ 361) الشرح الكبير (1/ 376) الإنصاف (2/ 198) المبدع (2/ 32) المستوعب (2/ 260).

المطلب الخامس: في القراءة بعد الرفع من سجود التلاوة وقبل الركوع

فكان يكبر إذا خفض ورفع، ويرفع يديه في التكبير» (¬1). قال أحمد: هذا يدخل في هذا كله (¬2). ونوقش: بأن حديث ابن عمر أخص منه وأصح، فيتعين تقديمه، عليه، ولذلك قدم عليه في سجود الصلاة كذلك ههنا (¬3). 2 - ولأنه يسن له الرفع لو كان خارج الصلاة فكذلك إذا كان فيها (¬4). ونوقش: بعدم التسليم بسنيته خارج الصلاة، لعدم الدليل عليه. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه أنه لا يرفع يديه، لصحة ما ذكروه، من القياس، ولعدم الدليل الخاص به. المطلب الخامس: في القراءة بعد الرفع من سجود التلاوة وقبل الركوع إذا سجد للتلاوة في الصلاة فقام استحب له أن يقرأ من بقية السورة شيئًا فإن كانت السجدة في آخر السورة، كما في الأعراف، قرأ من سورة أخرى. ذهب إلى هذا عامة الفقهاء (¬5). واحتجوا بما يلي: 1 - بما روي عن عمر بن الخطاب أنه صلى بالناس بالفجر فقرأ في ¬

(¬1) أخرجه أحمد في المسند (4/ 316). (¬2) المغني (2/ 361). (¬3) الشرح الكبير (1/ 376) المبدع (2/ 32) المغني (2/ 361). (¬4) المغني (2/ 361). (¬5) انظر: المبسوط (2/ 8) المنتقى (1/ 350) الشرح الصغير (1/ 575) المجموع (4/ 63) المغني (2/ 369) المبدع (2/ 30).

المطلب السادس: في سجود المأموم لقراءة نفسه

الركعة الأولى بسورة يوسف، ثم قرأ في الثانية بالنجم ثم سجد، ثم قام فقرأ: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} (¬1). 2 - وبما روي عن مسروق؛ قال: صليت خلف عثمان الصبح، فقرأ: {وَالنَّجْمِ} فسجد فيها ثم قام فقرأ سورة أخرى (¬2). 3 - وبما روي عن مسروق؛ قال: قال عبد الله (¬3): «إذا قرأ أحدكم سورة وآخرها سجدة فليركع إن شاء، وإن شاء فليسجد، فإن الركعة مع السجدة، وإن سجد فليقرأ إذا قام سورة، ثم ليركع» (¬4). المطلب السادس: في سجود المأموم لقراءة نفسه إذا قرأ المأموم ما فيه سجدة، فقد اختلف أهل العلم في حكم سجوده على ثلاثة أقوال: إذا قرأ المأموم ما فيه سجدة فهل له السجود أو ليس له ذلك؟ اختلف أهل العلم. القول الأول: أنه لا يسجد: ذهب إليه الجمهور، ومنهم: الحنفية (¬5)، والمالكية (¬6)، والشافعية (¬7)، وأحمد في رواية عنه وهي المذهب (¬8). ¬

(¬1) أخرجه عبد الرزاق (2/ 116) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 355). (¬2) أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 355). (¬3) يقصد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. (¬4) ذكره ابن قدامة في المغني (2/ 369) ولم أجده. (¬5) المبسوط (2/ 10) بدائع الصنائع (1/ 187) فتح القدير (2/ 14). (¬6) حاشية الدسوقي (1/ 310). (¬7) المجموع (4/ 59) روضة الطالبين (1/ 320). (¬8) المبدع (2/ 28) كشاف القناع (1/ 446).

واستدلوا بما يلي: 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه ... » (¬1). قالوا: وسجوده لقراءة نفسه من الاختلاف عليه فيكون داخلاً في النهي (¬2). 2 - ولأنه زاد سجودًا عمدًا (¬3). 3 - ولأنه لو سجد التالي وتابعه الإمام انقلب التابع متبوعًا، وإن لم يتابعه الإمام كان هو مخالفًا لإمامه، وإن سجدها الإمام وتابعه التالي كان هذا خلاف موضوع السجدة، فإن التالي المعتد به إمام التابعين (¬4). 4 - ولأن المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه، وتصرف المحجور لا حكم له (¬5). القول الثاني: أنه يسجد: ذهب إليه أحمد في رواية عنه (¬6). ولم يذكروا لها دليلاً، ولعله تقرر السبب وهو القراءة لما فيه سجدة فيسجد. القول الثالث: أنه يسجد في النفل دون الفرض: ذهب إليه أحمد في رواية عنه (¬7). ¬

(¬1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في الصلاة، باب ائتمام المأموم بالإمام (1/ 309). (¬2) كشاف القناع (1/ 446) المجموع (4/ 58). (¬3) المجموع (4/ 58). (¬4) المبسوط (2/ 10) فتح القدير (2/ 14) العناية (2/ 15). (¬5) فتح القدير والهداية (2/ 15) المبسوط (2/ 10) العناية (2/ 15) وهذا بناء على أصلهم في منع المأموم من التلاوة. (¬6) المبدع (2/ 28). (¬7) المبدع (2/ 28).

ولم يذكروا لها دليلاً، ولعله تقرر السبب ثم إن مبني النفل على التخفيف، فيكون نوع مفارقة. وقد يناقش بأنه يخالف القاعدة: أن ما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل، ولا دليل. القول الرابع: أنهم يسجدونها إذا فرغوا من الصلاة: ذهب إليه محمد بن الحسن من الحنفية (¬1)، وبعض الحنابلة (¬2). واحتج لهذا القول: بأن السبب قد تقرر ولا مانع، بخلاف حالة الصلاة؛ لأنه يؤدي إلى خلاف وضع الإمامة أو التلاوة (¬3). وأجيب عنه من وجهين: الوجه الأول: عدم التسليم بتقرر السبب؛ لأن المقتدي محجور عن القراءة لنفاذ تصرف الإمام عليه وتصرف المحجور لا حكم له (¬4). الوجه الثاني: أن هذه السجدة صلاتية؛ لأن سببها تلاوة من يشاركهم في الصلاة، والصلاتية إذا لم تؤد في الصلاة لا تؤدى بعد الفراغ منها كما لو تلاها الإمام ولم يسجد في الصلاة (¬5). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه أنه ممنوع من السجود مع اقتدائه بالإمام، لكن إن حصلت منه مفارقة للإمام سجد، لتقرر السبب وعدم المانع، كما يترجح لي توجه السجود بعد الصلاة لتقرر السبب، وعدم المانع، وإكمال الصلاة فارق يسير فلا يضر. ¬

(¬1) المبسوط (2/ 10) الهداية وفتح القدير (2/ 15). (¬2) المبدع (2/ 28). (¬3) الهداية وفتح القدير (2/ 14) المبسوط (2/ 10). (¬4) الهداية وفتح القدير (2/ 14) المبسوط (2/ 10) وهذا من الحنفية؛ لأنهم يمنعون المأموم من القراءة مطلقًا. (¬5) المبسوط (2/ 10).

المبحث الثاني في أحكامه خارج الصلاة

المبحث الثاني في أحكامه خارج الصلاة وفيه ثلاثة عشر مطلبًا: المطلب الأول: في دخوله في مسمى الصلاة. المطلب الثاني: في السجود وقت النهي عن الصلاة. المطلب الثالث: في تحديد وقت السجود للتلاوة. المطلب الرابع: في نيابة الركوع عن السجود. المطلب الخامس: في تكرار السجود لتكراره قراءة ما فيه سجدة. المطلب السادس: الاقتصار على قراءة آية السجدة أو موضع السجدة. المطلب السابع: حذف آية السجدة أو موضعها في أثناء القراءة. المطلب الثامن: السجود على الراحلة. المطلب التاسع: سجود المشي. المطلب العاشر: في سجود الخطيب لقراءة السجدة. المطلب الحادي عشر: في استحباب الإسرار بقراءة السجدة. المطلب الثاني عشر في صفة أداء السجدة. المطلب الثالث عشر: ترك السجود خوف الرياء.

المطلب الأول: في دخوله في مسمى الصلاة

المطلب الأول: في دخوله في مسمى الصلاة اختلف أهل العلم في سجود التلاوة هل يعد صلاة فتشترط له شروط الصلاة من طهارة الحدث، والطهارة عن النجس في البدن والثوب والمكان، وستر العورة، واستقبال القبلة، أو لا؟ فلا تشترط له هذه الشروط ودونك أقوالهم: القول الأول: أنه يعد صلاة: ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ومنهم: الأئمة الأربعة، وأصحابهم (¬1). الأدلة: 1 - أنه سجود لله تعالى يقصد به التقرب إليه، له تحريم وتحليل، فكان صلاة كسجود الصلاة (¬2). ونوقش: بأن هذا غير مسلم إذ لا تحريم ولا تحليل له عندنا، فلا يصح القياس. 2 - ولأنه بعض الصلاة فكان صلاة كسجدات الصلاة (¬3). ونوقش: بأن هذا لا يصح لوجهين: الوجه الأول: أنه لا يكون بعض الصلاة صلاة إلا إذا تمت كما ¬

(¬1) انظر: فتح القدير (2/ 26) البناية (2/ 738) تبيين الحقائق (1/ 208) بداية المجتهد (1/ 163) القوانين الفقهية (62) المنتقى (1/ 352) الشرح الصغير (1/ 567) التفريع (1/ 270) المعونة (1/ 285) التلقين (1/ 125) المهذب (2/ 91) مغني المحتاج (1/ 217) الحاوي (2/ 201) المجموع (4/ 63) المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27) المستوعب (2/ 262) الإنصاف (2/ 193). (¬2) المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27). (¬3) بدائع الصنائع (1/ 186) رد المحتار (2/ 106).

أمر بها المصلي، ولو أن امرءًا كبر وقرأ، وركع ثم قطع عمدًا لما قال أحد: إنه صلى شيئًا. الوجه الثاني: أن القيام بعض الصلاة، والتكبير بعض الصلاة، وقراءة أم الكتاب بعض الصلاة، والجلوس بعض الصلاة، والسلام بعض الصلاة فيلزمكم على هذا أن تقولوا: بأن هذه صلاة، ولا تقولون بذلك فبطل الاحتجاج (¬1). قالوا: فإذا كان صلاة اشترط له ما يشترط للصلاة من الطهارة واستقبال القبلة، والسترة بدليل ما يلي. 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يقبل الله صلاة بغير طهور» (¬2) فيدخل في عمومه سجود التلاوة (¬3). 2 - وقياسًا على سائر الصلوات (¬4). 3 - وقياسًا على سجدات الصلاة، والركوع (¬5). 4 - وقياسًا على سجود السهو (¬6). القول الثاني: أنه لا يعد صلاة، فلا تشترط له شروطها: ذهب إليه ابن جرير (¬7)، وابن حزم (¬8)، وابن تيمية (¬9)، وحكاه ابن بطال عن كثير من السلف (¬10)، وهو قول الشعبي، وسعيد بن المسيب (¬11). ¬

(¬1) المحلي (1/ 106). (¬2) أخرجه مسلم في الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة (1/ 204). (¬3) المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27). (¬4) المنتقى (1/ 352). (¬5) بدائع الصنائع (1/ 186) رد المحتار (2/ 106) المغني (2/ 358). (¬6) المغني (2/ 358) المبدع (2/ 27). (¬7) حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/ 233). (¬8) المحلى (1/ 105) (5/ 165). (¬9) مجموع الفتاوى (23/ 165) وما بعدها. (¬10) حاشية ابن قاسم (2/ 233). (¬11) المغني (2/ 358) المحلى (5/ 165) فتح الباري (2/ 554).

الأدلة: واحتجوا لما ذهبوا إليه من أنه لا يعد صلاة بما يلي: 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (¬1). ووجه الدلالة: نفيه صحة الصلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب، ومعلوم أن سجود التلاوة لا قراءة فيه، فدل على أنه ليس منها. 2 - حديث علي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (¬2). قال ابن تيمية: وهذا يتناول كل ما تحريمه التكبير وتحليله التسليم: كالصلاة التي فيها ركوع وسجود، وهذه منتفية في سجود التلاوة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يسم ذلك صلاة، ولا سن فيها سلامًا ولم يرو عنه ذلك بإسناد صحيح ولا ضعيف بل هو بدعة، ولا جعل لها تكبير افتتاح (¬3). 3 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الليل والنهار مثنى مثنى» (¬4). 4 - وحديثه الآخر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الوتر ركعة من آخر الليل» (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في الصلاة، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر و السفر، وما يجهر فيها وما يخافت (1/ 184) ومسلم في الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (1/ 195). (¬2) أخرجه أبو داود في الطهارة، باب فرض الوضوء، (1/ 16) والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور (1/ 5) وقال: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، وأخرجه ابن ماجه في كتاب الطهارة، باب مفتاح الصلاة الطهور (1/ 101). (¬3) مجموع الفتاوى (23/ 170). (¬4) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب صلاة ا لنهار (2/ 29) والبيهقي (2/ 487) والحديث سكت عنه أبو داود. (¬5) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة من آخر الليل (1/ 518).

قال ابن حزم: فصح أن ما لم يكن ركعة تامة أو ركعتين فصاعدًا فليس صلاة، والسجود في قراءة القرآن ليس ركعة، ولا ركعتين فليس صلاة (¬1). قالوا: فإذا لم يكن من الصلاة لم يشترط له ما يشترط للصلاة ومما يدل على ذلك ما يلي: 1 - حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قرأ سورة النجم فسجد بها فما بقي أحد من القوم إلا سجد (¬2). والشاهد منه: سجود جميع من معه من المسلمين والمشركين، غير ذلك الشيخ، والمشرك نجس ليس له وضوء (¬3). 2 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ علينا السورة فيها السجدة، فيسجد، ونسجد معه حتى ما يجد أحدنا موضعًا لجبهته (¬4). والشاهد منه: سجودهم جميعًا حتى أن أحدهم لا يجد لجبهته موضعًا، وهذا ظاهر في عدم اشتراط الطهارة له إذ يبعد اتفاقهم على استحضارهم لها (¬5). 3 - أن الله أخبر عن سجود السحرة لما آمنوا بموسى على وجه الرضا بذلك السجود، ولا ريب أنهم لم يكونوا متوضئين ولا يعرفون الوضوء، فعلم أن السجود المجرد لله مما يحبه الله ويرضاه، وإن لم يكن صاحبه متوضئًا، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد شرعنا بخلافه، وهذا سجود إيمان (¬6). ¬

(¬1) المحلى (1/ 105). (¬2) سبق تخريجه. (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 166) فح الباري (2/ 554). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) حاشية ابن قاسم على الروض المربع (2/ 233). (¬6) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 166).

4 - أن الله أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الباب سجدًا، ويقولوا: حطة و معلوم أنه لم يأمرهم بوضوء، ولا كان الوضوء مشروعًا لهم، بل هو من خصائص أمة محمد. 5 - أن الله أخبر عن الأنبياء بالسجود المجرد في مثل قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]. ولم يكونوا مأمورين بالوضوء، فإن الوضوء من خصائص أمة محمد (¬1). 6 - أنه روي عن عثمان في الحائض تسمع السجدة: «تؤمئ برأسها» (¬2). 7 - وعن ابن عمر أنه كان يسجد على غير وضوء (¬3). ونوقش: بأنه روي عنه قوله: لا يسجد الرجل إلا وهو طاهر (¬4). وأجيب: بأنه يحمل على الطهارة الكبرى، أو على الاستحباب جمعًا بين الروايتين (¬5). 8 - ما رواه عطاء عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: كان يقرأ ¬

(¬1) مجموع الفتاوى (23/ 166، 167). (¬2) ذكره صاحب المغني (2/ 358) ولم أجده. (¬3) أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم، في أبواب سجود القرآن وسنتها، باب سجود المسلمين مع المشركين، والمشرك نجس ليس له وضوء، (2/ 32) ووصله ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 14) وانظر: تغليق التعليق (2/ 408). (¬4) أخرجه البيهقي في الصلاة، باب لا يسجد إلا طاهر (2/ 425) وقد صححه الحافظ كما في الفتح (2/ 554). (¬5) تعليق التعليق (2/ 408) فتح الباري (2/ 554).

المطلب الثاني: في حكم السجود في وقت النهي

السجدة، وهو على غير القبلة، وهو يمشي فيؤمئ برأسه ثم يسلم (¬1). 9 - أن جنس العبادة لا يشترط له الطهارة، بل إنما تشترط للصلاة، فكذلك جنس السجود يشترط لبعضه، وهو السجود الذي لله كسجود الصلاة، بخلاف سجود التلاوة، وسجود الشكر، وسجود الآيات (¬2). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، من أنه لا يعد صلاة، لقوة أدلته في مقابل ضعف ما أورده الجمهور، لقولهم من استدلال، فإذا لم يكن صلاة، لم يجب له وضوء لما ذكره أصحاب القول الثاني، ولأنه لا يرد بإيجابه لغير الصلاة قرآن ولا سنة، ولا إجماع ولا قياس صحيح (¬3). المطلب الثاني: في حكم السجود في وقت النهي اختلف القائلون بأن سجود التلاوة يعد صلاة في حكم الإتيان بالسجدة في وقت النهي على الأقوال التالية. القول الأول: أنه يسجد في كل و قت: ذهب إليه الشافعية (¬4)، وأحمد في رواية عنه (¬5)، وروي ذلك عن ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في الصلاة، باب الرجل يسجد السجدة، وهو على غير القبلة (2/ 15) قال الحافظ في الفتح: سنده حسن (2/ 554). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 116). (¬3) انظر: المحلى (1/ 105) حاشية ابن قاسم (2/ 233). (¬4) فتح العزيز مع المجموع (3/ 111) حاشية قليوبي (1/ 206) فتح الوهاب (1/ 32). (¬5) المغنى (2/ 364) الإنصاف (2/ 208) المبدع (2/ 39).

الحسن، والشعبي، وسالم، والقاسم، وعطاء، وعكرمة (¬1). واستدلوا: بأنها صلاة ذات سبب وهو التلاوة (¬2)، وإذا كانت كذلك جازت في وقت النهي لجملة أدلة منها: 1 - أن أحاديث الأمر بذوات الأسباب كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» (¬3)، عام محفوظ لا خصوص فيه، وأحاديث النهي ليس فيها حديث واحد عام، بل كلها مخصوصة، فوجب تقديم العام الذي لا خصوص فيه، فإنه حجة باتفاق السلف والجمهور القائلين بالعموم، بخلاف الثاني، وهو أقوى منه بلا ريب. 2 - أنه ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بصلاة تحية المسجد للداخل عند الخطبة هنا بلا خلاف عنه لثبوت النص به، والنهي عن الصلاة في هذا الوقت أشد بلا ريب، فإذا فعلت هناك فهنا أولى (¬4). 3 - ومنها: أن حديث ابن عمر في الصحيحين لفظه: «لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها» (¬5) والتحري هو التعمد والقصد، وهذا إنما يكون في التطوع المطلق، فأما ما له سبب فلم يتحره، بل فعله لأجل السبب، والسبب ألجأه إليه، وهذا اللفظ المقيد يفسر سائر الألفاظ، ويبين أن النهي إنما كان عن التحري، ولو كان عن النوعين لم يكن للتخصيص فائدة، ولكان الحكم قد علق بلفظ عديم التأثير. ¬

(¬1) المغني (2/ 364). (¬2) فتح العزيز (3/ 108) المغني (3/ 364) المبدع (2/ 39). (¬3) أخرجه البخاري في الصلاة، باب إذا دخل المسجد فليركع ركعتين (1/ 120) ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تحية المسجد بركعتين (1/ 495). (¬4) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 210). (¬5) أخرجه البخاري في الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس (1/ 145) ومسلم في صلاة المسافرين باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 567).

4 - ومنها: أنه قد ثبت جواز بعض ذوات الأسباب بعضها بالنص، كالركعة الثانية من الفجر، وكركعتي الطواف، وكالمعادة مع إمام الحي، وبعضها بالنص والإجماع، كالعصر عند الغروب، وكالجنازة بعد العصر، وإذا نظر في المقتضى للجواز لم توجد له علة صحيحة، إلا كونها ذات سبب، فيجب تعليق الحكم بذلك، وإلا فما الفرق بين المعادة وبين تحية المسجد، والأمر بهذا أصح، وكذلك الكسوف قد أمر بها في أحاديث كثيرة صحيحة. 5 - أن النهي عن الصلاة فيها هو من باب الذرائع لئلا يتشبه بالمشركين، فيفضي إلى الشرك، وما كان منهيًا، عنه لسد الذريعة، لا لأنه مفسدة في نفسه؛ يشرع إذا كان فيه مصلحة راجحة، ولا تفوت المصلحة لغير مفسدة راجحة، والصلاة لله فيه ليس فيها مفسدة بل هي ذريعة إلى المفسدة، فإذا تعذرت المصلحة إلا بالذريعة شرعت واكتفي منها إذا لم يكن هناك مصلحة، وهو التطوع المطلق، فإنه ليس في المنع منه مفسدة، ولا تفويت مصلحة، لإمكان فعله في سائر الأوقات (¬1). 6 - أن ذوات الأسباب كلها تفوت إذا أخرت عن وقت النهي: مثل سجود التلاوة، وتحية المسجد، وصلاة الكسوف، ومثل الصلاة عقب الوضوء، وكذلك صلاة الاستخارة؛ إذا كان الذي يستخير له يفوت إذا أخرت الصلاة، ونحو قضاء السنن الرواتب كما قضي النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتي الظهر بعد العصر (¬2)، وكما أقر الرجل على قضاء ¬

(¬1) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 211). (¬2) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين وقصرها، باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما النبي بعد العصر (1/ 571).

ركعتي الفجر بعد الفجر (¬1)، مع أنه يمكن تأخيرها، لكن تفوت مصلحة المبادرة إلى القضاء، فإن القضاء مأمور به على الفور، في الواجب واجب، وفي المستحب مستحب (¬2). القول الثاني أنها إن وجبت قبل وقت النهي منع من أدائها فيه، وإن وجبت في وقت النهي كره عند طلوع الشمس، و عند قيامها في الظهيرة، وعند غروبها، ويجوز بلا كراهة في الوقتين المتبقيين من أوقات النهي وهما من بعد الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب. ذهب إليه الحنفية (¬3). واحتجوا: للمنع فيما إذا وجبت قبل وقت النهي: بأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص. أما الجواز مع الكراهة في الثلاثة الأول: فقالوا: لأنها وجبت بالتلاوة، وتكره، لأنها أديت ناقصة. أما الجواز بلا كراهة في الوقتين المتبقيين: فقالوا: لأن النهي فيها لمعنى في غير الوقت، وهو كون الوقت كالمشغول بفرض الوقت حكمًا وهو أفضل من النفل فلا يظهر في حق فرض آخر مثله، فلا يظهر تأثيره ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب من فاتته ركعتا الفجر متى يقضيها (2/ 51) والترمذي في الصلاة، باب ما جاء فيمن تفوته الركعتان قبل الفجر حتى يصليهما (2/ 284) وابن ماجه في الصلاة، باب ما جاء فيمن فاتته الركعتان قبل صلاة الفجر متى يقضيها (1/ 365) وأحمد (5/ 447) والحاكم (1/ 275) من طرق مرسلاً، وموصولاً قال أحمد شاكر بعد بحث واستقصاء: ثم هذه الطرق كلها يؤيد بعضها بعضًا، ويكون بها الحديث صحيحًا لا شبهة صحته اهـ تحقيقه لسنن الترمذي (2/ 287). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 214، 125). (¬3) الهداية (1/ 40) البناية (1/ 846) فتح القدير (1/ 236) اللباب (1/ 89) مجمع الأنهر (1/ 74).

إلا في كراهة النافلة (¬1). القول الثالث: أنه يسجد لها بعد الصبح ما لم يسفر، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس: ذهب إليه مالك في رواية ابن القاسم عنه، وهي المذهب عند أصحابه (¬2). واحتجوا بما يلي: 1 - لأنها صلاة اختلف في وجوبها، فجاز فعلها بعد الصبح ما لم يسفر، وبعد العصر ما لم تصفر الشمس كصلاة الجنازة (¬3). 2 - ولأنها سنة مؤكدة ففارقت النوافل المحضة (¬4). القول الرابع: أنه لا يسجد في أوقات النهي مطلقًا: ذهب إليه مالك في رواية عنه (¬5)، وأحمد في الرواية الثانية عنه وهي المذهب (¬6). وروي عن سعيد بن المسيب، وإسحاق، وأبي ثور (¬7). 1 - لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس» (¬8). ¬

(¬1) اللباب (1/ 89) الهداية (10/ 40) البناية (1/ 486) فتح القدير والعناية (1/ 236). (¬2) المدونة (1/ 110) الفواكه الدواني (1/ 297) الشرح الصغير (1/ 571) المنتقى (1/ 352) بداية المجتهد (1/ 163). (¬3) المنتقى (1/ 352). (¬4) الفواكه الدواني (1/ 297). (¬5) الكافي (1/ 262) المنتقى (1/ 352) الموطأ (1/ 207) بداية المجتهد (1/ 163) المعونة (1/ 285) التفريع (1/ 270). (¬6) المغنى (2/ 363) الإنصاف (2/ 208) المبدع (2/ 39). (¬7) المغنى (2/ 363). (¬8) أخرجه البخاري في الصلاة، باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس (1/ 145) ومسلم في الصلاة، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 567).

2 - ولحديث عقبة بن عامر قال ثلاث أوقات نهانا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نصلي فيها وأن نقبر فيها موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تتضيف الشمس للغروب حتى تغرب (¬1). قالوا: وسجود التلاوة نافلة فمنعت في هذه الأوقات كسائر النوافل (¬2). 3 - ولما أخرجه أبو داود عن أبي تميمة الهجيمي؛ قال: كنت أقص بعد صلاة الصبح، فأسجد فنهاني ابن عمر، فلم أنته، ثلاث مرات، ثم عاد فقال: إني صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - ومع أبي بكر، وعمر، وعثمان، فلم يسجدوا حتى تطلع الشمس (¬3). ونوقش الاستدلال من وجهين: الوجه الأول: ضعف الحديث؛ لأن في سنده أبا بحر البكراوي عبد الرحمن بن عثمان بن أمية، ولا يحتج بحديثه (¬4). الوجه الثاني: أنه على تقدير ثبوته مرفوعًا فيحمل على أن المختار تأخير السجدة حتى يذهب وقت الكراهة، وإن لم يثبت رفعه فكأنه قاسها على التطوع المطلق بالصلاة (¬5)، وهي هنا ذات سبب، وقد بينا فيما سبق ما يدل على جواز فعل ما له سبب في و قت النهي (¬6). ¬

(¬1) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (1/ 568). (¬2) المنتقى (1/ 352) بداية المجتهد (1/ 163) المعونة (1/ 285) المغني (2/ 364، 533) المبدع (2/ 39). (¬3) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب فيمن يقرأ السجدة بعد الصبح (2/ 61) وسكت عنه والبيهقي (2/ 326). (¬4) معالم السنن للخطابي (2/ 120). (¬5) السنن الكبرى للبيهقي (2/ 120). (¬6) انظر (107، 108).

المطلب الثالث: في تحديد وقت السجود للتلاوة

المطلب الثالث: في تحديد وقت السجود للتلاوة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: في اشتراط الفورية للسجود. المسألة الثانية: إذا تلا ما فيه السجدة، أو استمع إليها وهو على غير وضوء. المسألة الأولى: في اشراط الفورية للسجود: اختلف أهل العلم في حكم السجود للتلاوة، هل تلزم المبادرة به، أو أن وقته موسع (¬1) على قولين: القول الأول: أنه على التراخي، أي: أن وقته موسع: ذهب إليه أبو حنيفة في رواية عنه، وعليها معظم أصحابه (¬2). ولم أعثر على دليل هذا القول، ولعله عدم ورود الدليل على الفورية. القول الثاني: أنه على الفور: ذهب إليه المالكية (¬3)، والحنابلة (¬4)، وأبو يوسف، وأبو حنيفة في ¬

(¬1) الخلاف في غير حالة الصلاة، أما لو قرأها الإمام في الصلاة فلم يسجد، فإنه لا يسجد بعد السلام اتفاقًا، انظر: المغني (2/ 359) الهداية وفتح القدير (2/ 18، 21) والسبب عند القائلين بالفورية ظاهر، وهو طول الفصل، أما عند الحنفية، فلأنها وجبت كاملة فلا تتأدى بالناقص، أي: خارج الصلاة. انظر: الهداية وفتح القدير (2/ 18، 21). (¬2) رد المحتار (2/ 109). (¬3) حيث قالوا: بخطر فوتها وقت النهي، فلو كانت لا تفوت لقالوا: بقراءة الموضع وتأخير السجود إلى خروج وقت النهي، انظر: الشرح الصغير (1/ 571). (¬4) المغنى (2/ 359) كشاف القناع (1/ 445).

الرواية الثانية عنه (¬1). احتج الحنابلة: بأنها تتعلق بسبب فإذا فات لم يسجد، كما لو قرأ سجدة في الصلاة فلم يسجد، فإنه لا يسجد بعدها (¬2). وظاهره إلزام للحنفية لتسليمهم بأنها لا تؤدى خارج الصلاة، وهو غير لازم؛ لأنهم يقولون بأنها وجبت كاملة، وأداؤها خارج الصلاة ناقص فلا يتأدى الكامل بالناقص (¬3). وأما الحنفية: فلم أجد دليلهم؛ ولعله وجوبها عندهم، وهو مقيد بسبب وهو التلاوة فيتوجب المبادرة عند وجود السبب. مسألة: وعلى القول بالفورية، هل تقضي إذا لم يتمكن من أدائها على الفور؟ أما الحنفية: فقالوا: بالقضاء (¬4). بل قال ابن عابدين: وينبغي أن يكون محل الخلاف في الإثم وعدمه، حتى لو أداها بعد مرة، كان مؤديًا لا قاضيًا (¬5). وأما الحنابلة: فقالوا بعدم القضاء، كما لا تقضى صلاة الكسوف، والاستسقاء وتحية المسجد (¬6). وقد أورد عليهم قضاء الرواتب؟ وأجابوا عنه: بالفرق؛ لأن الرواتب تابعة للفرض (¬7)، ولأن النص ورد بقضائها (¬8). ¬

(¬1) رد المحتار (2/ 103). (¬2) المغني (2/ 309). (¬3) انظر: الهداية وفتح القدير (2/ 18، 21). (¬4) وهو مبني على أصلهم في وجوب سجود التلاوة فهو باق في الذمة. (¬5) رد المحتار (1/ 109). (¬6) كشاف القناع (1/ 449). (¬7) المصدر السابق. (¬8) انظر (110) من هذا البحث.

المسألة الثانية: إذا تلا السجدة أو سمعها وهو على غير وضوء

المسألة الثانية: إذا تلا السجدة أو سمعها وهو على غير وضوء: مسألة: وعلى الخلاف السابق في الفورية وعدمها، لو سمع السجدة، أو تلاها وهو على غير وضوء، ماذا يفعل؟ اختلف أهل العلم في ذلك على الأقوال التالية (¬1). القول الأول: أنه لا يلزمه الوضوء، ولا التيمم: ذهب إليه الحنابلة (¬2). واحتجوا لعدم لزوم الوضوء، بأنها تتعلق بسبب، فإذا توضأ طال الفصل، وفات السبب فلا يسجد (¬3). أما عدم التيمم، فقالوا: بأن شرطه عدم الماء أو تعذر استعماله ولم يوجد (¬4). القول الثاني: إنه يتيمم ويسجد: ذهب إليه النخعي (¬5). ولم أعثر على دليله، ولعله خوف فوات وقت السجود فأشبه العادم للماء. القول الثالث: أنه يتوضأ ويسجد: ذهب إليه الحنفية (¬6)، وأحمد في رواية عنه (¬7)، ¬

(¬1) الخلاف عند المشترطين للطهارة، ثم هو في غير العادم للماء، أو العاجز عن استعماله وإلا فله التيمم قولاً واحدًا. (¬2) انظر: المغني (2/ 359) كشاف القناع (1/ 445). (¬3) المغنى (2/ 359) كشاف القناع (1/ 445). (¬4) كشاف القناع (1/ 445) المغنى (2/ 359). (¬5) المغني (2/ 359). (¬6) رد المحتار (2/ 106). (¬7) المغنى (2/ 359).

المطلب الرابع: في نيابة الركوع عن السجود

والثوري وإسحاق (¬1). احتج الحنفية: بأن صيرورة التيمم طهارة حال عدم الماء، خشية الفوت ولم توجد؛ لأن وجوبها على التراخي (¬2). ولم أعثر على دليل الرواية الثانية عن أحمد، ولعله كون الوضوء فاصلاً يسيرًا فلا يؤثر. المطلب الرابع: في نيابة الركوع عن السجود اختلف أهل العلم في قيام الركوع عن سجود التلاوة على قولين: القول الأول: أنه لا يقوم مقامه: ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ومنهم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والشافعية (¬5)، وأكثر الحنابلة، وهو المذهب (¬6). 1 - لأنه سجود مشروع، فلا يقوم الركوع مقامه كسجود الصلاة (¬7). 2 - ولأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. القول الثاني: أنه يقوم مقامه: ذهب إليه بعض الحنابلة (¬8). ولم أعثر على دليل هذا القول، ويمكن أن يستدل له بما يلي: ¬

(¬1) المغنى (2/ 359). (¬2) رد المحتار (2/ 106). (¬3) انظر: رد المحتار (2/ 106) بدائع الصنائع (1/ 190). (¬4) مواهب الجليل (2/ 60) حاشية الدسوقي (2/ 312). (¬5) التبيان (117). (¬6) كشاف القناع (1/ 447) الإنصاف (2/ 195) (¬7) كشاف القناع (1/ 447). (¬8) الإنصاف (2/ 195).

المطلب الخامس: في تكرار السجود

1 - قوله تعالى: {وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} [ص: 24] حيث عبر عن السجود بالركوع. 2 - ولأن المقصود التعظيم والخضوع وهو حاصل بالركوع. الترجيح: والراجح هو القول الأول؛ لقوة ما بني عليه، ومن أهمه أنه لم ينقل. المطلب الخامس: في تكرار السجود وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إذا اختلفت مواضع السجدة. المسألة الثانية: إذا اتحدت المسألة الأولى: إذا اختلفت مواضع السجدة: إذا مر التالي في قراءته بمواضع متعددة من مواضع السجدة، كما لو قرأ القرآن بتمامه فإنه يسجد جميع سجداته باتفاق أهل العلم (¬1). وذلك لعدم الحرج، فإن آيات السجدة محصورة، والغالب عدم تلاوة الجميع في المجلس الواحد (¬2). المسألة الثانية: إذا اتحد موضع القراءة، كما لو كرر حزبًا أو وجهًا فيه سجدة في مجلس واحد: ولأهل العلم في تكرار ا لسجود الأقوال التالية: ¬

(¬1) انظر: حاشية الدسوقي (1/ 311) البناية (2/ 731). (¬2) البناية (2/ 731).

القول الأول: أنه يسجد في كل مرة: ذهب إليه المالكية (¬1)، والشافعية (¬2)، والحنابلة في وجه (¬3). 1 - لتجدد السبب بعد وتفية الحكم الأول (¬4). 2 - وقياسًا على ركعتي الطواف (¬5). القول الثاني: أنه يكرر السجود إن طال الفصل: ذهب إليه الشافعية في وجه (¬6). ولم أجد دليله، ولعله القياس على اختلاف المجلس. القول الثالث: أنه يكفيه سجدة واحدة. ذهب إليه الحنفية (¬7)، والشافعية في وجه (¬8)، والحنابلة في الوجه الثاني (¬9). واستدلوا بما يلي: 1 - أن جبريل عليه السلام كان ينزل بآية السجدة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - على أصحابه ويسجد مرة (¬10). ¬

(¬1) وقد استثنوا من ذلك المعلم والمتعلم فقالوا: يسجد مرة واحدة، للمشقة انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 311) الشرح الصغير وحاشية الصاوي (1/ 576). (¬2) مغني المحتاج (1/ 217) روضة الطالبين (1/ 320). (¬3) الإنصاف (2/ 195) المبدع (2/ 31). (¬4) مغني المحتاج (1/ 217) كشاف القناع (1/ 449) حاشية ابن قاسم (2/ 235). (¬5) الروض المربع (2/ 235). (¬6) مغني المحتاج (1/ 217) روضة الطالبين (14/ 320). (¬7) بدائع الصنائع (1/ 181) البناية (2/ 730) اللباب (1/ 106) رد المحتار (2/ 106) المبسوط (2/ 12). (¬8) روضة الطالبين (1/ 320) مغني المحتاج (1/ 217). (¬9) الإنصاف (2/ 195) المبدع (2/ 31). (¬10) ذكره العيني في البناية استدلالا لمذهبه (2/ 730) وكذا الكاساني في بدائع الصنائع (1/ 181) ولم أجده.

ونوقش: بأن نزول جبريل بآية السجدة وغيرها من القرآن صحيح لا شك فيه، ولكن صحة بقية القضية من أين (¬1)؟ 1 - ولما روي أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كان يعلم الناس القرآن في مسجد البصرة وتكرر السجدة، فلا يسجد إلا مرة (¬2). ويمكن أن يناقش من وجهين: الوجه الأول: أنه لا يعرف من خرجه ولا إسناد له. الوجه الثاني: أنه في المعلم. 3 - ولما روي عن أبي عبد الرحمن السلمي، وهو معلم الحسن والحسين، أنه كان يعلم الآية الواحدة مرارًا ولا يزيد على سجدة واحدة (¬3). قالوا: وقد أخذ التلاوة عن الصحابة فالظاهر أنه أخذ حكمها عنهم (¬4). 4 - ودفعًا للحرج، وذلك أن المسلمين يحتاجون إلى تعليم القرآن وتعلمه وذلك يحتاج إلى التكرار غالبًا، فإلزام التكرار في السجدة يفضي إلى الحرج لا محالة، والحرج مدفوع (¬5). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه ما ذهب إليه أصحاب القول الثالث من أنه يكفيه سجدة واحدة لقوة ما أوردوه من المعقول، وهو دفع الحرج ¬

(¬1) البناية (2/ 730). (¬2) ذكره الكاساني في البدائع (1/ 181) وكذا العيني في البناية (2/ 730) ولم يعزه لأحد رغم سعة اطلاعه ولم أجده. (¬3) ذكره العيني في البناية (2/ 730) ولم يعزه لأحد. (¬4) البناية (2/ 730). (¬5) البناية (2/ 729) بدائع الصنائع (1/ 181).

المطلب السادس: في الاقتصار على قراءة السجدة

ولأن في السجدة الواحدة يتحقق المعنى الذي شرع له السجود وهو الخضوع والتعظيم. المطلب السادس: في الاقتصار على قراءة السجدة اختلف أهل العلم في حكم اختصار السجود، وهو أن ينتزع الآيات التي فيها السجود، أو موضع السجدة فيسجد؛ على الأقوال التالية. القول الأول: أنه يكره اقتصاره على محل السجدة: ذهب إليه المالكية في قول (¬1). قالوا: وإنما يكره؛ لأن قصده السجود لا التلاوة، وهو خلاف العمل (¬2). القول الثاني: أنه يكره ولو قرأ الآية كلها: ذهب إليه المالكية في القول الثاني (¬3)، والحنابلة، وهو قول الحسن، والشعبي، والنخعي، وإسحاق (¬4). واحتجوا بما يلي: 1 - أنه سجود تلاوة وإنما شرع للتالي فلا يجوز أن يخرج عن موضعه (¬5). ¬

(¬1) الشرح الصغير وحاشية الصاوي (1/ 572) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 309). (¬2) حاشية الدسوقي (1/ 309). (¬3) المخنتقى (1/ 351) الشرح الكبير (1/ 309) حاشية الدسوقي (1/ 309) شرح الخرشي (1/ 350) (المدونة (1/ 111). (¬4) المغنى (2/ 370) المبدع (2/ 23) كشاف القناع (1/ 449). (¬5) المنتقى (1/ 351).

2 - ولأنه لم يرد عن السلف (¬1)، بل روي عنهم كراهته. فروي عن الشعبي قوله: كانوا يكرهون اختصار السجود. وروي عن النخعي قوله: كانوا يكرهون أن تختصر السجدة. وعن سعيد بن المسيب: مما أحدث الناس اختصار السجود (¬2). 3 - ولأنه لا نظير له فلا يقاس عليه (¬3). 4 - ولأن فيه إخلالاً بترتيب القرآن فيكره (¬4). القول الثالث: أنه لا يكره مطلقًا: ذهب إليه الحنفية (¬5)، والشافعية (¬6)، وهو قول أبي ثور (¬7). 1 - لأن فيه مبادرة إلى السجدة (¬8). 2 - ولأن قراءة آية السجدة من بين الآي كقراءة السورة من بين السور، وذلك لا بأس به (¬9). الترجيح: ولعل الراجح هو القول بكراهة ذلك، لا فرق بين أن يقرأ الآية كلها، أو موضع السجدة، وذلك لقوة ما بني عليه من استدلال، ووجاهة ما ذكروه من تعليل. ¬

(¬1) المغني (2/ 370) المبدع (2/ 31). (¬2) أخرج هذه الآثار ابن أبي شيبة في المصنف (2/ 423). (¬3) المغني (2/ 370). (¬4) المبدع (2/ 31) الكافي (1/ 160). (¬5) المبسوط (2/ 4) الهداية (1/ 80) بدائع الصنائع (1/ 192) البناية (2/ 736). (¬6) روضة الطالبين (1/ 323). (¬7) المغني (2/ 370). (¬8) البناية (2/ 736) مجمع الأنهر (1/ 159). (¬9) المبسوط (2/ 4).

المطلب السابع: إسقاط آية السجدة، أو موضع السجدة أثناء القراءة

المطلب السابع: إسقاط آية السجدة، أو موضع السجدة أثناء القراءة وفيه مسألتان: المسألة الأولى: إذا كان محصلاً لشروط السجود. المسألة الثانية: إذا لم يكن محصلاً لشروط السجود المسألة الأولى إذا كان محصلاً لشروط السجود: ذهب عامة أهل العلم؛ ومنهم: الأئمة الأربعة، وأصحابهم إلى كراهية إسقاط آية السجدة، أو موضع السجدة من التلاوة، إذا كان محصلاً لشروط السجود؛ ومنها: الطهارة، والسترة وكون ذلك في غير وقت النهي عن الصلاة (¬1). وإنما يكره لما يلي: 1 - لأنه لم يرو عن السلف، بل المنقول عنهم كراهته (¬2). فروي عن الشعبي قوله: كانوا يكرهون إذا أتوا على السجدة أن يجاوزوها حتى يسجدوا (¬3). 2 - ولأنه يشبه الاستنكاف عنها (¬4). 3 - ولأنه في صورة الفرار عن السجدة، وليس ذلك من أخلاق المؤمنين (¬5). 4 - ولأنه في صورة هجر السجدة، وليس شيء من القرآن مهجورًا (¬6). ¬

(¬1) انظر: المبسوط (2/ 403) البناية (2/ 735) بدائع الصنائع (1/ 192) الشرح الصغير (1/ 571) المدونة (1/ 111) المنتقى (1/ 352) روضة الطالبين (1/ 323) المغني (2/ 371) المبدع (2/ 32). (¬2) المغني (2/ 371). (¬3) سبق تخريجه (121). (¬4) البناية (2/ 336) بدائع الصنائع (1/ 192). (¬5) المبسوط (2/ 4). (¬6) المبسوط (2/ 4) البناية (2/ 736).

المسألة الثانية: إذا لم يكن محصلا لشروط السجود

5 - ولأن القارئ مأمور باتباع التأليف، قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18] أي: تأليفه، وبغير التأليف ويكون مكروهًا (¬1). المسألة الثانية: إذا لم يكن محصلاً لشروط السجود: ولأهل العلم في كراهية ذلك قولان: القول الأول: أنه يكره: ذهب إليه الحنفية، والشافعية، والحنابلة. حيث أطلقوا القول بالكراهة، ولم يفرقوا بين موضع وآخر., واستدلوا: بما سبق في الاستدلال للمسألة السابقة (¬2). القول الثاني: أنه لا يكره. ذهب إليه المالكية (¬3). واحتج لهذا: بأن سجود التلاوة صلاة، وهو ممنوع من قراءتها دون السجود، وهذا يقتضي جواز القراءة مع ترك موضع السجود؛ لأنه لا خلاف في جواز قراءة القرآن في كل وقت (¬4). ¬

(¬1) المبسوط (2/ 4) بدائع الصنائع (1/ 192). (¬2) انظر: المبسوط (2/ 4) البناية (2/ 736) بدائع الصنائع (1/ 192) والمغني (2/ 371) المبدع (2/ 32) الفروع (1/ 504) روضة الطالبين (1/ 323). (¬3) الشرح الكبير، وحاشية الدسوقي (1/ 309) الشرح الصغير وحاشية الصاوي (1/ 571) المنتقى (1/ 352) التاج والإكليل (2/ 60). وقد اختلفوا في الذي عليه أن يتركه هل هو الآية، أو محل السجدة من الآية؟ والذي اختار المحققون منهم: ترك الآية كلها، قالوا: لئلا يغير المعنى لو اقتصر على مجاوزة محل السجود. قال الصاوي: ومرادهم مظنة تغيير المعنى فلا ينافي أن في بعض المواضع محل السجود فقط، لا يغير المعنى. (انظر: حاشية الصاوي على الشرح الصغير (1/ 571). (¬4) المنتقى (1/ 352).

المطلب الثامن: السجود على الراحلة

الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه كراهية إسقاط موضع السجدة مطلقًا، لما ذكرنا ورجحنا فيما سبق من أنه ليس بصلاة، وعلى فرض أنه صلاة وأنه يحتاج إلى ما تحتاج له الصلاة من طهارة ونحوه فإن فيما ذكره أصحاب القول الأول ما يكفي للقول بالكراهة. المطلب الثامن: السجود على الراحلة إذا قرأ السجدة على الراحلة في السفر، أومأ بالسجود حيث كان وجهه. ذهب إليه عامة أهل العلم؛ ومنهم: الأئمة الأربعة، وأصحابهم (¬1). بل قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافًا (¬2). واحتجوا بما يلي: 1 - بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ عام الفتح سجدة، فسجد الناس كلهم، منهم الراكب والساجد في الأرض حتى إن الراكب ليسجد على يده (¬3). 2 - أنه روي عن علي وابن الزبير رضي الله عنهما السجود على الراحلة بالإيماء (¬4). ¬

(¬1) المبسوط (2/ 7) رد المحتار (2/ 106) حاشية الدسوقي (1/ 307) الشرح الصغير (1/ 568) روضة الطالبين (1/ 325) مغني المحتاج (1/ 219) المغني (2/ 370) الشرح الصغير (1/ 568) روضة الطالبين (1/ 325) مغني المحتاج (1/ 219) المغني (2/ 370) الإنصاف (2/ 200) غاية المنتهى (1/ 173). (¬2) المغني (2/ 370). (¬3) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب الرجل يسمع السجدة، وهو راكب وفي غير الصلاة (2/ 60) والبيهقي (2/ 325) والحاكم (1/ 219) والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي عليه. (¬4) أخرجه البيهقي (2/ 325).

3 - وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن السجود على الدابة؟ فقال: أسجد وأومئ (¬1). 4 - ولأنه تطوع فأشبه سائر التطوع (¬2). 5 - ولأنه أداها كما التزمها، فتلاوته على الدابة شروع فيما تجب به السجدة فكان نظير من شرع على الدابة في التطوع، فكما تجوز هناك تجوز ههنا (¬3). القول الثاني: أنه لا يجزئه: ذهب إليه بشر من الحنفية (¬4)، والشافعية في مقابل الأصح من الوجهين (¬5). 1 - احتج بشر من الحنفية: بأنها واجبة فلا يجوز أداؤها على الدابة من غير عذر كالمنذور فإن الراكب إذا نذر أن يصلي ركعتين لم يجز أن يؤديها على الدابة من غير عذر (¬6). ونوقش: بأن القياس مع الفارق؛ لأن النذر ليس بشروع في أداء الواجب، فكان الوجوب بالنذر مطلقًا، فيقاس بما وجب بإيجاب الله تعالى (¬7). واحتج الشافعية: بأن السجود على الراحلة يفوت معظم أركانها ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في الموضع السابق. (¬2) المغني (2/ 370) مغني المحتاج (2/ 219) وهذا الاستدلال من غير الحنفية؛ لأنهم يقولون بوجوبه. (¬3) المبسوط (2/ 7) وهم ممن يقول بوجوب السجود، فليس بنافلة. (¬4) المبسوط (2/ 7). (¬5) مغنى المحتاج (1/ 219) روضة الطالبين (1/ 325). (¬6) المبسوط (2/ 7) بدائع الصنائع (1/ 186). (¬7) المبسوط (2/ 7) وسجود التلاوة عند الحنفية واجب.

المطلب التاسع: سجود الماشي

وهو التصاق الجبهة من موضع السجود (¬1). وهو مناقش: بأن هذا لم يؤثر في سجود الصلاة على الراحلة فمن باب أولى ما نحن فيه. الترجيح: والراجح: ما ذهب إليه أصحاب القول الأول لقوة ما بني عليه من استدلال في مقابل ضعف ما أورده المانعون. المطلب التاسع: سجود الماشي وقد اختلف أهل العلم في سجود الماشي بالإيماء على قولين: القول الأول: إنه يلزمه السجود على الأرض: ذهب إليه الحنفية (¬2)، والمالكية (¬3)، والشافعية (¬4)، والحنابلة في المذهب (¬5). لأن السجدة ركن الصلاة فكما لا يصلي الماشي بالإيماء فكذلك لا يسجد بخلاف الراكب (¬6). القول الثاني: إنه يؤمئ: ذهب إليه الحنابلة في وجه (¬7)، وهو قول الأسود بن يزيد، وعطاء، ومجاهد، وعلقمة (¬8). 1 - لأن المتطوع في الصلاة ماشيًا لا يلزمه السجود بالأرض، فها هنا ¬

(¬1) مغنى المحتاج (1/ 219). (¬2) المبسوط (2/ 8). (¬3) الشرح الصغير (1/ 569). (¬4) مغني المحتاج (2/ 219). (¬5) المغني (2/ 370) غاية المنتهى (1/ 173). (¬6) المبسوط (2/ 8). (¬7) المغني (2/ 370). (¬8) المغني (2/ 370).

مثله لعدم الفرق (¬1). 2 - ولما روي عن أبي عبد الرحمن السلمي؛ أنه كان يقرأ السجدة وهو يمشي فيؤمئ برأسه ثم يسلم (¬2). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه لزوم السجود بالأرض، لزوال العذر وهو مشقة النزول على الراكب فيسجد بالأرض، ولا يكفي الإيماء. ¬

(¬1) المغني (2/ 370). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في الصلاة، باب الرجل يسجد السجدة، وهو على غير القبلة (2/ 15) قال ابن حجر في الفتح (2/ 551) بسند حسن.

المطلب العاشر: في قراءة ما فيه سجدة حال الخطبة والنزول للسجود

المطلب العاشر: في قراءة ما فيه سجدة حال الخطبة والنزول للسجود اختلف أهل العلم في حكم قراءة السجدة حال الخطبة، ومن ثم السجود، على ثلاثة أقوال: القول الأول: جواز قراءة ما فيه السجدة حال الخطبة، فإن فعل سجد (¬1): ذهب إليه جمهور أهل العلم؛ ومنهم: الحنفية (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة (¬4)، والظاهرية (¬5). واستدلوا بما يلي: 1 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر (ص) فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه، فلما كان يوم آخر قرأها، فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود، فقال: «إنما هي توبة نبي، ولكني رأيتكم قد تشزنتم للسجود، فنزل فسجد، وسجدوا» (¬6). ووجه الدلالة: ظاهر: 2 - ما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قرأ سورة النحل على ¬

(¬1) إما وجوبًا كما هو عند الحنفية، وإما استحبابًا كما عند بقية أصحاب هذا القول. (¬2) فتح القدير (2/ 27)، البناية (2/ 336) بدائع الصنائع (1/ 192). (¬3) المهذب (1/ 119) روضة الطالبين (2/ 26) المجموع (4/ 520) مغني المحتاج (1/ 216). (¬4) المغني (3/ 180) الفروع (2/ 112). (¬5) المحلى (2/ 156). (¬6) سبق تخريجه.

المنبر يوم الجمعة حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس ... (¬1). ووجه الدلالة: قراءته، وسجوده، وكون ذلك بمحضر الصحابة. ونوقش: بأن هذا مما لم يتبع عليه عمر به، ولا عمل به أحد بعده، ولعل عمر إنما فعل ذلك تعليمًا للناس وخاف أن يكون في ذلك خلاف فيبادر إلى حسمه، وكان ذلك الوقت لم يعم كثير من الأحكام الناس، وقد تقررت الآن الأحكام، و انعقد الإجماع على كثير منها، وعرف الخلاف السائغ في سواها فلا وجه لذلك (¬2). وأجيب عنه: بأن هذا غير مسلم فقد روي العمل به عن جمع من فقهاء الصحابة؛ منهم: أبو موسى (¬3)، والنعمان بن بشير (¬4)، وعقبة بن عامر (¬5)، وعمار بن ياسر (¬6). 3 - ولأنه سنة وجد سببها، لا يطول الفصل بها فاستحب فعلها كحمد الله إذا عطس، وتشميت العاطس (¬7). القول الثاني: أنه تكره قراءة السجدة، كما يكره له السجود إذا قرأ: ذهب إليه مالك، وعليه أكثر أصحابه (¬8). ¬

(¬1) سبق تخريجه. (¬2) المنتقى (1/ 351). (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة، في الصلاة، باب السجدة تقرأ على المنبر ما يفعل صاحبها (2/ 18). (¬4) أخرجه ابن أبي شيبة في الموضع السابق (2/ 18). (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في الموضع السابق (2/ 19). (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في الموضع السابق، وعبد الرزاق في فضائل القرآن، باب كم في القرآن من سجدة (2/ 340). (¬7) المغني (3/ 181). (¬8) المنتقى (1/ 351) الشرح الصغير وحاشية الصاوي (1/ 573) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 310).

واحتجوا بما يلي: 1 - أنه إذا لم يسجد دخل في الوعيد (¬1)، وإن سجد كان فيه التخليط على الناس إذ يتوهمون الفراغ من الخطبة والقيام إلى الصلاة (¬2). ونوقش: بأن هذا غير مسلم إذ لا وعيد على ترك مستحب، وأما التخليط فغير متحقق مع جهره بالسجدة، وإعلامهم بأنه سيسجد للتلاوة. 2 - ولأنه يخل بالخطبة لزوال نظامها (¬3). 3 - ولأنه صلاة تطوع، فلا يشتغل بها في أثناء الخطبة، كصلاة ركعتين (¬4). ونوقش: بالفارق؛ لأن سبب الركعتين لم يوجد، ويطول الفصل بها (¬5). القول الثالث: أنه تكره القراءة، فإن فعل فلينزل فليسجدها: ذهب إليه أشهب من أصحاب مالك (¬6). واحتج: بفعل عمر رضي الله عنه ولم ينكر عليه أحد من الحاضرين مع كثرة عددهم (¬7). وهو مناقش: بأنه كما كان حجة في السجود، فليكن حجة في عدم كراهة القراءة. الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه ما ذهب إليه الجمهور من جواز القراءة ¬

(¬1) حاشية الدسوقي (1/ 310). (¬2) المنتقى (1/ 351) حاشية الصاوي (1/ 573). (¬3) الشرح الكبير (1/ 310) الشرح الصغير (1/ 573). (¬4) ذكره لهم ابن قدامة في المغني (3/ 181). (¬5) المغني (3/ 181). (¬6) المنتقى (1/ 351). (¬7) المصدر السابق.

المطلب الحادي عشر: في استحباب الإسرار بقراءة السجدة

واستحباب السجود إذا قرأ لقوة ما بني عليه من استدلال في مقابل ضعف ما أورده الآخرون لقولهم من استدلال. المطلب الحادي عشر: في استحباب الإسرار بقراءة السجدة استحسن فقهاء الحنفية (¬1)، إخفاء السجدة عن السامعين، فلا يجهر بقراءة آية السجدة. وقد عللوا لذلك: بأن السامع ربما لا يؤديها في الحال لمانع، فلا يؤديها بعد ذلك بسبب النسيان، فيبقى عليه الواجب فيأثم (¬2). وفصل بعضهم فقال: إن كان القوم مهيئين للسجود، ووقع في قلبه أنه لا يشق عليهم أداؤها ينبغي أن يجهر حتى يسجد القوم معه، وإن كانوا محدثين ويظن أنهم لا يسجدون، أو يشق عليهم أداؤها ينبغي أن يقرأها في نفسه تحرزًا (¬3). ولم أجد لغيرهم من المذاهب من تعرض لهذا، ولعل مرده عدم وجوب السجود، فالسامع مخير بين السجود وعدمه، ولا تعلق له بذمته إن لم يسجد حالاً. * * * المطلب الثاني عشر: في صفة أداء السجدة وفيه مسائل: المسألة الأولى: في القيام من الجالس. المسألة الثانية: في التكبير. ¬

(¬1) وهم ممن يقول بوجوب السجود على المستمع، والسامع كما على التالي. (¬2) الهداية والبناية (2/ 736) فتح القدير (2/ 26). (¬3) العناية (2/ 27) البناية (2/ 736).

المسألة الأولى: في القيام من الجالس

المسألة الثالثة: في رفع اليدين مع التكبير. المسألة الرابعة: ما يقول في سجوده. المسأله الخامسة: في التشهد. المسألة السادسة: في التسليم. المسألة السابعة: في هيئة السجدة. المسالة الثامنة: في صفوف السامعين. المسألة التاسعة: في رفع المستمع لرأسه قبل التالي. المسألة الأولى: في القيام من الجالس: اختلف أهل العلم في حكم القيام لسجود التلاوة من الجالس على قولين: القول الأول: أنه يستحب: ذهب إليه الحنفية (¬1)، والشافعية في أحد الوجهين (¬2)، وبعض الحنابلة (¬3)، وهو اختيار ابن تيمية (¬4). الأدلة: 1 - قوله تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: 109]. وقوله تعالى: {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58]. ¬

(¬1) البناية (2/ 740) فتح القدير (2/ 26) بدائع الصنائع (1/ 192) مجمع الأنهر (1/ 159). (¬2) روضة الطالبين (1/ 321) المجموع (4/ 65). (¬3) الإنصاف (2/ 198) المبدع (2/ 31) الفروع (1/ 504). (¬4) مجموع الفتاوى (23/ 173).

والشاهد: أنه مدحهم في كون سجودهم عن قيام، إذ الخرور سجود عن قيام (¬1). ويمكن أن يناقش: بأن هذا في خرور القائم ولا ننازع فيه، وإنما الخلاف في قيام القاعد ليخر. 2 - ولما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أحيانًا يصلي قاعدًا فإذا قرب من الركوع فإنه يركع ويسجد وهو قائم. فتحريه مع قعوده أن يقوم ليركع ويسجد وهو قائم، دليل على أنه أفضل إذ هو أكمل وأعظم خشوعًا، لما فيه من هبوط رأسه وأعضائه الساجدة لله من القيام (¬2). ويمكن أن يناقش: بأنه قيامه ليركع لقدرته على الركوع الأصلي، وهو أفضل بلا شك بخلاف ما نحن فيه. 3 - ولما روي عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تقرأ في المصحف فإذا مرت بالسجدة قامت فسجدت (¬3). ونوقش: بأن الأثر ضعيف فلا يصلح للاحتجاج (¬4). 4 - وتشبيهًا له بصلاة النفل (¬5). ونوقش: بالفرق: للنقل الصحيح في النافلة، بخلاف ما نحن فيه. القول الثاني: أنه غير مشروع: ذهب إليه المالكية (¬6)، والشافعية في الوجه الثاني وهو الأصح (¬7) ¬

(¬1) فتح القدير (2/ 26) البناية (2/ 740). (¬2) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 173). (¬3) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (2/ 326) وعهزاه صاحب كشاف القناع إلى مسند إسحاق بن راهوية (1/ 449) وقد ضعفه النووي من روته عن عائشة وهي: أم سلمة الأسدية انظر: المجموع (4/ 65). (¬4) انظر: تخريجه في هامش (3) نفس الصفحة. (¬5) كشاف القناع (1/ 449). (¬6) حيث لم يذكروا إلا السجود انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (1/ 310، 311). (¬7) المجموع (4/ 65) روضة الطالبين (1/ 321) مغني المحتاج (1/ 216).

المسألة الثانية: في التكبير في سجود التلاوة

وروي عن أحمد (¬1). لأنه لم ينقل، وليس له أصل فيقاس عليه، فهو من المحدثات (¬2). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني لقوة دليلهم، في مقابل ضعف ما ذكره الأولون من وجوه الاستدلال. المسألة الثانية: في التكبير في سجود التلاوة. وفيه ثلاثة فروع: الفرع الأول: في تكبيرة الافتتاح. الفرع الثاني: في التكبير للخفض والرفع منه. الفرع الثالث: في رفع الصوت بالتكبير. الفرع الأول: في تكبيرة الافتتاح: اختلف أهل العلم في حكم التكبير للإحرام في سجود التلاوة على قولين: القول الأول: أنه لا يشرع: ذهب إليه الجمهور؛ ومنهم: الحنفية (¬3)، والمالكية (¬4)، والحنابلة في المذهب (¬5)، والشافعية في وجه (¬6). ¬

(¬1) الإنصاف (2/ 198). (¬2) المجموع (4/ 65). (¬3) فتح القدير (2/ 27) بدائع الصنائع (1/ 187) مجمع الأنهر (1/ 159) المبسوط (2/ 10). (¬4) الشرح الصغير (1/ 569) القوانين الفقهية (62) الشرح الكبير (1/ 307). (¬5) (2/ 360) الإنصاف (2/ 167) المبدع (2/ 31). (¬6) روضة الطالبين (1/ 321) المهذب (1/ 93) المجموع (4/ 65) مغني المحتاج (1/ 216).

واستدلوا بما يلي: 1 - ما رواه ابن عمر رضي الله عنه؛ قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه (¬1). قالوا: وظاهره أنه كبر واحدة (¬2). 2 - ولأن معرفة ذلك تثبت بالشرع ولم يرد الشرع به (¬3). 3 - ولأن تكبيرة الإحرام إنما تشرع لتوحيد الأفعال المختلفة وليس هناك أفعال مختلفة في سجود التلاوة حتى يحتاج لتوحيدها (¬4). 4 - ولأنه سجود مفرد فلم يشرع في ابتدائه تكبيرتان، كسجود السهو (¬5). 5 - ولأنه سجود تلاوة، فأشبه ما لو سجده في الصلاة (¬6). القول الثاني: أنه يستحب: ذهب إليه الشافعية في وجه (¬7). ولم يذكروا له دليلاً، ولعلهم استدلوا بحديث ابن عمر السابق، ولضعفه ولعدم وضوح دلالته جعلوه مستحبًا لا شرطًا. ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب الرجل يسمع السجدة وهو راكب أو في غير الصلاة (2/ 125) والبيهقي (2/ 325). قال النووي: وإسناده ضعيف، المجموع (4/ 64) وقال الحافظ في التلخيص (2/ 9) وفيه العمري، عبد الله، المكبر، وهو ضعيف، وانظر: معالم السنن (2/ 126) نيل الأوطار (3/ 118) الجوهر النقي (2/ 325). (¬2) المغني (2/ 360). (¬3) المغني (2/ 360). (¬4) بدائع الصنائع (1/ 187). (¬5) المغني (2/ 360). (¬6) المغني (2/ 360). (¬7) المجموع (4/ 65) روضة الطالبين (1/ 321) مغني المحتاج (1/ 216).

القول الثالث: أن التكبير شرط: ذهب إليه الشافعية في الصحيح المشهور من المذهب (¬1)، وبعض الحنابلة منهم أبو الخطاب (¬2). واستدلوا بما يلي: 1 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا (¬3). قالوا: والاتباع يقتضي أن نكبر للافتتاح كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل (¬4). ونوقش من وجهين: الوجه الأول: ضعف الحديث فلا يصلح للاحتجاج (¬5). الوجه الثاني: لو سلم بصحة الحديث فلا دلالة على أنها للإحرام بل هي للهوي. 2 - ولأنه صلاة فيكبر للافتاح غير تكبيرة السجود، كما لو صلى ركعتين (¬6). ونوقش: بأن القياس يبطل بسجود السهو. وقياسه على سجود السهو أولى من قياسه على ركعتين؛ لأنه أقرب إليه وأشبه به؛ ولأن الإحرام بالركعتين يتخلل بينه وبين السجود أفعال كثيرة وأركان، فلم يكتف بتكبيرة الإحرام عن تكبيرة السجود، وههنا لا يتخلل بينهما سوى السلام، فأجزأه تكبيرة واحدة، كالمسبوق إذا كبر وسجد، أو ركع (¬7). ¬

(¬1) المصادر السابقة. (¬2) الإنصاف (2/ 197) المبدع (2/ 31). (¬3) سبق تخريجه (135). (¬4) مغني المحتاج (1/ 216). (¬5) انظر: تخريجه (135). (¬6) المغني (2/ 360) الشرح الكبير (1/ 375) المبدع (2/ 31) مغني المحتاج (2/ 216). (¬7) المغني (2/ 360) الشرح الكبير (1/ 375).

الفرع الثاني: في التكبير للخفض والرفع من سجود التلاوة

الترجيح: والذي يظهر رجحانه ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من عدم مشروعية التكبير للإحرام، لقوة أدلتهم وأهمها ولا شك عدم الدليل الصحيح عليه. الفرع الثاني: في التكبير للخفض والرفع من سجود التلاوة. ولأهل العلم في ذلك الأقوال التالية. القول الأول: أنه يسن التكبير له في الهوي، والرفع منه: ذهب إليه الحنفية (¬1)، والمالكية في المذهب (¬2)، والشافعية (¬3)، والحنابلة في المذهب (¬4). الأدلة: 1 - حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه (¬5). والشاهد منه: قوله: «كبر وسجد» وهذا دليل على مشروعية التكبير في الهوي (¬6). ويمكن أن يناقش من وجهين: الوجه الأول: أن الحديث ضعيف فلا يصلح للاحتجاج. الوجه الثاني: لو صح كان دليلاً على مشروعيته حال الخفض، أما الرفع من السجود فلا دلالة فيه على أنه يكبر. ¬

(¬1) المبسوط (2/ 10) الهداية وفتح القدير (2/ 27) البحر الرائق (2/ 126) البناية (2/ 734). (¬2) المنتقى (2/ 353) الشرح الصغير (1/ 569) القوانين الفقهية (32). (¬3) المجموع (4/ 65) المهذب (2/ 93) روضة الطالبين (1/ 321) مغني المحتاج (1/ 217). (¬4) المغني (2/ 360) المبدع (2/ 31) الإنصاف (2/ 197) المستوعب (2/ 261). (¬5) سبق تخريجه (135). (¬6) المغني (2/ 360) المبدع (2/ 31) المجموع والمهذب (2/ 64).

2 - ولأنه سجود منفرد، فشرع التكبير في ابتدائه، والرفع منه كسجود السهو بعد السلام (¬1)، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر فيه للسجود والرفع (¬2). 3 - وقياسًا على سجدات الصلاة (¬3). 4 - وقياسًا على ما لو سجد للتلاوة داخل الصلاة، فإنه يسجد كذا هنا (¬4). القول الثاني: أنه يكبر في الخفض دون الرفع: ذهب إليه أبو حنيفة في رواية عنه (¬5)، وبعض الشافعية (¬6)، وبعض الحنابلة (¬7). واحتجوا: بحديث ابن عمر السابق .. فإذا مر بالسجدة، كبر وسجد وسجدنا (¬8)، وهو ظاهر في كون التكبير في الانحطاط دون الرفع (¬9). القول الثالث: أن يكبر في الرفع دون الخفض: ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف في رواية عنهما (¬10). واحتجوا: بأن التكبير للانتقال من الركن، وهو غير موجود في الانحطاط (¬11). ¬

(¬1) الغني (2/ 360) المبدع (2/ 31). (¬2) أخرجه البخاري في الصلاة باب يكبر في سجدتي السهو (2/ 66) ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة (1/ 403). (¬3) المبسوط (2/ 10) كشاف القناع (1/ 448) المعونة (1/ 286). (¬4) المنتقى (1/ 353) البناية (2/ 734). (¬5) البناية (2/ 734) رد المحتار (2/ 106). (¬6) المجموع (4/ 65). (¬7) الإنصاف (2/ 197) المغني (2/ 360) المستوعب (2/ 261) المبدع (2/ 31). (¬8) سبق تخريجه. (¬9) حاشية المستوعب (2/ 261). (¬10) البناية (2/ 734) رد المحتار (2/ 106). (¬11) المصدر السابق.

الفرع الثالث: في رفع الصوت بالتكبير

القول الرابع: أنه يخير في التكبير فيهما وعدمه: ذهب إليه ابن القاسم من المالكية (¬1). ولم أعثر على دليل هذا القول، ولعله نظر إلى تقابل الأدلة فقال بالتخيير. القول الخامس: أنه لا يشرع له تكبير مطلقًا: ذهب إليه أبو حنيفة (¬2)، ومالك في رواية عنهما (¬3)، وابن تيمية (¬4). احتج لمالك: بأن هذه عبادة لا يشرع لها تحليل فلم يشرع لها إحرام كالصوم (¬5). واحتج ابن تيمية: بأن هذا هو المعروف عن النبي ص، وعليه عامة السلف (¬6). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه ما ذهب إليه أصحاب القول الرابع من عدم مشروعية التكبير في كل، لعدم الدليل عليه، وما ذكره الأولون من الحديث لا ينهض للاحتجاج. الفرع الثالث: في رفع الصوت بالتكبير (¬7). إذا كبر للسجود فإنه يجهر بالتكبير يرفع صوته بما يسمع به نفسه إن كان منفردًا ومن خلفه إذا كان معه أحد. وقد صرح بهذا فقهاء الحنفية (¬8)، ولم أجد لغيرهم تعرضًا لهذا ¬

(¬1) المنتقى (1/ 353) حاشية العدوى (1/ 321). (¬2) رد المحتار (2/ 106). (¬3) المنتقى (1/ 353) حاشية العدوى (1/ 321). (¬4) مجموع الفتاوى (23/ 165). (¬5) المنتقى (1/ 353). (¬6) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 165). (¬7) عند من يقول بمشروعية التكبير. (¬8) انظر: رد المحتار (2/ 107).

المسألة الثالثة: في رفع اليدين مع التكبير

ولعلهم يوافقونهم فيه؛ لأنهم يعدونه من الصلاة، ثم هو من مقتضيات المتابعة والاقتداء إذا كان سيسجد معه غيره. المسألة الثالثة: في رفع اليدين مع التكبير: اختلف القائلون بمشروعية التكبير في سجود التلاوة في رفع اليدين مع التكبير على قولين: القول الأول: أنه يسن: ذهب إليه الشافعية في تكبيرة الإحرام (¬1)، والحنابلة في قول وهو المذهب (¬2). قالوا: لأنها تكبيرة إحرام (¬3). القول الثاني: أنه لا يشرع: ذهب إليه الحنفية (¬4)، والمالكية (¬5)، والشافعية في تكبيرة الهوى (¬6) ِ، والحنابلة في قول (¬7). واحتج لهذا القول بما يلي: 1 - بأن المأمور به هو السجود، فلا يزاد عليه بمجرد الرأي (¬8). ¬

(¬1) إلا أن الشافعية ممن يقول بتكبيرتين في الابتداء: الأولى للإحرام، وهي شرط في الصحيح عندهم لصحة السجدة. والثانية للهوي، قالوا: فيكون الرفع في الأولى؛ لأنها للإحرام، دون سجدة الهوي، كما لو سجد في صلب الصلاة. انظر: المهذب والمجموع (4/ 64) مغني المحتاج (1/ 216). (¬2) المغني (2/ 361) الإنصاف (2/ 199) المبدع (2/ 31). (¬3) المهذب والمجموع (4/ 64) مغني المحتاج (1/ 126) المغني (2/ 361). (¬4) البناية (2/ 733) رد المحتار (2/ 107) مجمع الأنهر (1/ 159). (¬5) شرح الخرشي (1/ 348). (¬6) المهذب والمجموع (4/ 94) الحاوي (2/ 204) روضة الطالبين (1/ 321) مغني المحتاج (1/ 217). (¬7) المبدع (2/ 31) الإنصاف (2/ 199). (¬8) مجمع الأنهر (1/ 159).

المسألة الرابعة: ما يقول في سجوده

2 - وقياسًا على سجدات الصلاة (¬1). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني لقوة ما بني عليه من استدلال، ومنه عدم ورود الدليل للرفع. المسألة الرابعة: ما يقول في سجوده: ذهب عامة الفقهاء (¬2)، إلى أنه يستحب أن يقول في سجوده ما ورد؛ ومنه: 1 - ما يقول في سجود الصلاة من التسبيح والدعاء. 2 - ما روته عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل: «سجد وجهي للذي خلقه وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته» (¬3). 3 - وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني رأيتني الليلة أصلي خلف شجرة، فقرأت السجدة فسجدت الشجرة لسجودي، فسمعتها وهي تقول: اللهم اكتب لي بها عندك أجرًا وضع عني بها ورزًا، واجعلها لي عندك ذخرًا، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود، فقرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدة ثم ¬

(¬1) البناية (2/ 734) مغني المحتاج (1/ 217). (¬2) انظر: فتح القدير (2/ 26) بدائع الصنائع (1/ 192) مجمع الأنهر (1/ 159) الفواكه الداوني (1/ 296) المسائل الفقهية (1/ 216) المجموع (4/ 65) مغني المحتاج (1/ 217) المهذب (1/ 93) المغني (2/ 362) المبدع (2/ 32) كشاف القناع (1/ 449). (¬3) أخرجه أبو داود في الصلاة، باب ما يقول إذا سجد (2/ 60) والترمذي في أبواب السفر، باب ما يقول في سجود القرآن (2/ 47) وابن ماجه في الصلاة، باب سجود القرآن (1/ 334) والحاكم (1/ 220). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الترمذي، والحاكم.

المسألة الخامسة: في التشهد بعد الرفع من سجود التلاوة

سجد فقال ابن عباس: فسمعته يقول مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة (¬1). وذهب الشافعي (¬2)، وبعض الحنفية (¬3)، إلى أنه يقول: «سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا». واحتجوا: بقوله تعالى: {قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا} [الإسراء: 107، 108]. وذهب جماعة من أهل العلم (¬4) إلى أنه يدعو فيها بما يليق بآياتها، فإن قرأ سورة السجدة {الم، تنزيل} قال: اللهم اجعلني من الساجدين لوجهك المسبحين بحمدك، وأعوذ بك أن أكون من المستكبرين عن أمرك. وإن قرأ سجدة {سبحان} قال: اللهم اجعلني من عبادك المنعم عليهم، المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك (¬5). المسألة الخامسة: في التشهد بعد الرفع من سجود التلاوة: واختلف أهل العلم في مشروعية التشهد على قولين: ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في أبواب السفر، باب ما يقول في سجود القرآن (2/ 46) وقال حديث غريب وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب سجود القرآن (1/ 334) والحاكم في كتاب الصلاة (1/ 219) والحديث صححه الحاكم. وقال الحافظ في التلخيص (2/ 10) وضعفه العقيلي بالحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد، فقال: فيه جهالة، وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رواه البيهقي (2/ 320) واختلف في وصله وإرساله اهـ. (¬2) المجموع (2/ 65) مغني المحتاج (2/ 217). (¬3) فتح القدير (2/ 26). (¬4) المسائل الفقهية من تفسير القرطبي (1/ 216) المبدع (2/ 31). (¬5) انظر: المسائل الفقهية (1/ 216).

القول الأول: أنه لا يشرع: ذهب الحنفية (¬1)، والمالكية في المشهور من المذهب (¬2)، والشافعية في الأصح (¬3)، والحنابلة في قول وهو المذهب (¬4)، وابن تيمية (¬5). واحتج لهذا القول بما يلي: 1 - لأنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أحد من أصحابه فلا يشرع (¬6). 2 - ولأنه لا قيام فيه فلم يكن فيه تشهد (¬7). 3 - ولأنه صلاة لا ركوع فيها فلم يشرع التشهد كصلاة الجنازة (¬8). 4 - ولأنه لم يشرع إلا في القعود ولا قعود عليه (¬9). القول الثاني: أنه يتشهد: ذهب إليه المالكية في قول (¬10)، والشافعية في مقابل الأصح (¬11)، والحنابلة في وجه (¬12). واحتجوا بما يلي: 1 - بأنه سجود يفتقر إلى الإحرام والسلام، فافتقر إلى التشهد (¬13). ¬

(¬1) اللباب (1/ 104) البناية (2/ 735) رد المحتار (2/ 107) بدائع الصنائع (1/ 192). (¬2) الكافي (1/ 262). (¬3) الحاوي (2/ 204) المجموع (4/ 63) مغني المحتاج (1/ 216). (¬4) المغني (2/ 363) المبدع (2/ 31) الإنصاف (2/ 198) المستوعب (2/ 262). (¬5) مجموع الفتاوى (23/ 165). (¬6) المغني (2/ 363). (¬7) المهذب والمجموع (4/ 64). (¬8) الحاوي (2/ 205) المبدع (2/ 31) كشاف القناع (1/ 449). (¬9) مجمع الأنهر (1/ 159). (¬10) حاشية العدوي (1/ 320). (¬11) المهذب مع المجموع (4/ 64) روضة الطالبين (1/ 322) مغني المحتاج (1/ 216). (¬12) المستوعب (2/ 262) الإنصاف (2/ 198) المبدع (2/ 31). (¬13) المهذب مع المجموع (4/ 64).

المسألة السادسة: في التسليم

2 - وقياسًا على الصلاة (¬1). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه عدم مشروعية التشهد؛ لقوة أدلته ومن أهمها: عدم ورود الدليل عليه، مع ضعف ما أورده للقول الثاني من استدلال. المسألة السادسة: في التسليم: وفيها فرعان: الفرع الأول: في حكمه. الفرع الثاني: في عدده. الفرع الأول: في حكمه: اخلتف أهل العلم في حكم التسليم في سجود التلاوة على قولين: القول الأول: أنه يسلم وهو شرط أو واجب: ذهب إليه الشافعية في الأصح (¬2)، وأحمد في رواية عنه وهي المذهب (¬3)، وهو قول أبي قلابة، وأبي عبد الرحمن (¬4). واستدلوا بما يلي: 1 - قول النبي ص: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (¬5). وهذا عام في كل صلاة، وسجود التلاوة صلاة. 2 - ولأنها صلاة ذات إحرام، فافتقرت إلى سلام كسائر الصلوات (¬6). ¬

(¬1) المبدع (2/ 31). (¬2) المجموع (4/ 66) مغني المحتاج (2/ 216) الحاوي (2/ 205). (¬3) المغني (2/ 362) المستوعب (2/ 261) المبدع (2/ 31). (¬4) المغني (2/ 362). (¬5) سبق تخريجه. (¬6) المهذب والمجموع (4/ 64) مغني المحتاج (1/ 216) المغني (2/ 363).

الفرع الثاني: عدم التسليم

القول الثاني: أنه لا تسليم: ذهب إليه الحنفية (¬1)، والمالكية (¬2)، والشافعية في مقابل الأصح (¬3)، وأحمد في رواية عنه (¬4). وهو قول النخعي، والحسن، و سعيد بن جبير، ويحيى بن وثاب (¬5). واحتجوا بما يلي: 1 - أنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه سلام (¬6). 2 - ولأنه السلام للتحليل وهو أيك التحليل يقتضي سبق التحريمة (¬7). 3 - ولأنها معتبرة بسجود الصلاة، وسجود الصلاة، لا يقتضي التسليم (¬8). الترجيح: والذي يظهر لي رجحانه هو القول الثاني؛ لقوة ما بني عليه من استدلال، ومن أهمه ولا شك عدم ورود الدليل عليه. الفرع الثاني: عدم التسليم: هذا وقد اختلف القائلون بوجوب التسليم أو شرطيته، في عدد التسليم على قولين: ¬

(¬1) المبسوط (2/ 10) بدائع الصنائع (1/ 192) اللباب (1/ 104) البناية (2/ 735). (¬2) الكافي (1/ 262) القوانين الفقهية (32) الفواكه الدواني (1/ 296) الشرح الصغير (1/ 569) المعونة (1/ 286). (¬3) المجموع والمهذب (4/ 64) مغني المحتاج (1/ 216) الحاوي (2/ 205). (¬4) الإنصاف (2/ 198) المغني (2/ 363) المستوعب (2/ 261)؟ (¬5) المغني (2/ 363). (¬6) المغني (2/ 363) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 171). (¬7) البناية (2/ 735) اللباب (1/ 104) المبسوط (2/ 10). (¬8) البناية (2/ 735).

المسألة السابعة: في هيئة السجود

القول الأول: أنه يجزئه تسليمة واحدة: ذهب إليه أحمد في رواية عنه، وهي المذهب (¬1)، والشافعية (¬2)، وهو قول إسحاق (¬3). واحتجوا: بأنها صلاة لا تشهد فيها، فكان المشروع فيها تسليمة واحدة كصلاة الجنازة (¬4). القول الثاني: أنه لا بد من تسليمتين: ذهب إليه أحمد في رواية عنه (¬5). ولم أجد دليل هذه الرواية: ولعله قياس على الصلاة، أو هو صلاة فكان حكمها مثلها في وجوب التسليمتين (¬6). المسألة السابعة: في هيئة السجود: وصفة هذا السجود صفة سجود الصلاة في كشف الجبهة، و وضع اليدين والركبتين، والقدمين، والأنف، ومجافاة المرفقين عن الجنبين، وإقلال البطن عن الفخذين، ورفع أسافله على أعاليه، وتوجيه أصابعه إلى القبلة، وغير ذلك (¬7). المسألة الثامنة: في اصطفاف المستمعين (¬8): إذا سجد التالي فإنه إمام المستمعين، فحكمهم في الاصطفاف، ¬

(¬1) المغني (2/ 363) الإنصاف (2/ 198) المستوعب (2/ 261) المبدع (2/ 31). (¬2) حيث قاسوه على الصلاة، ولا يجب عندهم إلا التسليمة الأولى، ا نظر: المهذب (2/ 87) مغني المحتاج (1/ 177). (¬3) المغني (2/ 363). (¬4) المغني (2/ 363). (¬5) الإنصاف (2/ 198) المغني (2/ 363) المستوعب (2/ 262). (¬6) وفي حكم التسليمة الثانية في الصلاة روايتان عن أحمد، أحدهما: أنها واجبة والرواية الثانية: أنها ركن. انظر: الإنصاف (2/ 114، 117). (¬7) انظر: المجموع (4/ 65). (¬8) على اعتبار أنه صلاة، كما هو قول الجمهور فيكون فيها حكم الاقتداء، أما عند غيرهم ممن لا يعده صلاة، فلا اقتداء، وإنما سجود مجرد في حق المستمع كالتالي قال ابن حزم: وأما سجودها على غير وضوء، وإلى غير القبلة كيفما يمكن، فلأنها ليست صلاة المحلى (5/ 165).

المسألة التاسعة: في رفع المستمع لرأسه قبل التالي

حكم المأموم خلف الإمام، وقد نص على هذا فقهاء الحنابلة. قال البهوتي .. فلا يسجد المستمع قدام القارئ، ولا عن يساره مع خلو يمينه (¬1). ولم أجد لغيرهم تعرضًا لهذا ولعله قول من يشترط صلاحية التالي لإمامة المستمع؛ لأن فيها معنى الائتمام (¬2). وأما من لم يشترط صلاحية التالي لإمامة المستمع، فالظاهر من استقراء أقوالهم أنهم لا يشترطون الاصطفاف كهيئة الصلاة، فيسجد المستمع تجاه القبلة على أي صفة كان: وقد صرح بعضهم بهذا: فقال ابن عابدين: .. وليس هو اقتداء حقيقة؛ ولذا لا يؤمر التالي بالتقدم، ولا السامعون بالاصطفاف (¬3). ولعل هذا أقرب لظاهر الأحاديث الواردة في سجودهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث ابن مسعود في قراءته - صلى الله عليه وسلم - للنجم في مكة وسجود جميع من كان معه من مسلم وكافر (¬4). ومثله حديث ابن عمر: فيسجد ونسجد معه، حتى ما يجد أحدنا موضعًا لجبهته (¬5). المسألة التاسعة: في رفع المستمع لرأسه قبل التالي: وعلى قول الجمهور في اعتباره صلاة، فالمستحب للمستمع ألا يرفع رأسه من السجود قبل التالي؛ لأن التالي إمام المستمعين ¬

(¬1) كشاف القناع (1/ 446) غاية المنتهى (1/ 172). (¬2) انظر (41) من هذا البحث. (¬3) رد المحتار (2/ 107). (¬4) سبق تخريجه. (¬5) سبق تخريجه.

المطلب الثالث عشر: ترك السجود لخوف الرياء

والسامعين، فكانوا في حكم المقتدين من وجه فلا يرفعون رؤوسهم قبله لهذا. فإن فعلوا أجزأهم، لأنه ليس إمامهم في الحقيقة، يدل له أنه وإن تبين فساد سجدته بسبب، لم تفسد عليهم (¬1). المطلب الثالث عشر: ترك السجود لخوف الرياء إذا كان التالي يتلو الكتاب العزيز بين جماعة فمر بالسجدة، فهل يسجد، أو يدع السجود لئلا يتهم بالرياء. سئل ابن تيمية عن مثل ذلك فأجاب بكلام، قال فيه: ومن كان له ورد مشروع، فإنه يأتي به حيث كان، ولا ينبغي له أن يدع ورده المشروع لأجل كونه بين الناس، إذا علم الله من قلبه أنه يفعله سرًا لله مع اجتهاده في سلامته من الرياء، ومفسدات الإخلاص، ولهذا قال الفضيل ابن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك. قال ابن تيمية: ومن نهى عن أمر مشروع، بمجرد زعمه أن ذلك رياء، فنهيه مردود عليه من وجوه. أحدها: أن الأعمال المشروعة لا ينهي عنها خوفًا من الرياء، بل يؤمر بالإخلاص فيها، ونحن إذا رأينا من يفعلها أقررناه، وإن جزمنا أنه يفعلها رياء، فالمنافقون الذين قال الله فيهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142] فهؤلاء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون يقرونهم على ما يظهرونه من الدين، وإن كانوا مرائين ولا ينهونهم عن الظاهر؛ لأن الفساد في ترك إظهار المشروع أعظم من الفساد في إظهار رياء، ¬

(¬1) رد المحتار (2/ 107) المبسوط (2/ 5) كشاف القناع (1/ 446) الإنصاف (2/ 194).

كما أن فساد ترك إظهار الإيمان والصلوات أعظم من الفساد في إظهار ذلك رياء؛ ولأن الإنكار إنما يقع على الفساد في إظهار ذلك رئاء الناس. الثاني: لأن الإنكار إنما على ما أنكرته الشريعة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس، ولا أن أشق بطونهم» (¬1). الثالث: أن تسويغ مثل هذا يفضي إلى أن أهل الشرك والفساد ينكرون على أهل الخير والدين إذا رأوا من يظهر أمرًا مشروعًا مسنونًا، قالوا: هذا مراء، فيترك أهل الصدق والإخلاص إظهار الأمور المشروعة حذرًا من لمزهم وذمهم، فيتعطل الخير، ويبقى لأهل الشرك شوكة يظهرون الشر، ولا أحد ينكر عليهم، وهذا من أعظم الفساد. الرابع: أن مثل هذا من شعائر المنافقين، وهو يطعن على من يظهر الأعمال المشروعة قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79]. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حث على الإنفاق عام تبوك جاء بعض الصحابة بصرة كادت يده تعجز عن حملها، فقالوا: هذا مراء، وجاء بعضهم بصاع، فقالوا: لقد كان الله غنيًا عن صاع فلان (¬2) فلمزوا هذا وهذا، فأنزل الله ذلك، وصار عبرة فيمن يلمز المطيعين لله ورسوله (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري في المغازي باب بعث علي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد إلى اليمن (3/ 110)، ومسلم في الزكاة، باب ذكر الخوارج وصفاتهم (2/ 742). (¬2) أخرجه مسلم في الزكاة، باب الحمل أجرة يتصدق بها، والنهي الشديد عن تنقيص المتصدق بقليل (2/ 706). (¬3) مجموع فتاوى ابن تيمية (23/ 174، 175).

تراجم الأعلام

تراجم الأعلام (¬1) ابن بطال: علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري، القرطبي، المالكي، كان من أهل العلم والمعرفة، وعني بالحديث عناية تامة، ألف شرح الجامع الصحيح للبخاري مات سنة 444 هـ. الديباج المذهب (203) معجم المؤلفين (7/ 87). ابن تيمية: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، أبو العباس، الحراني، ثم الدمشقي، كان إمامًا في الحديث، والتفسير، والفقه، وفنون العلوم، له مصنفات كثيرة قال في فوات الوفيات: إنها بلغت ثلاث مائة مجلد؛ من أشهرها: درء تعارض العقل والنقل، السياسة الشرعية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام. توفي سنة 728 هـ. الدرر الكامنة (1/ 168) البداية والنهاية (14/ 118). ابن جرير: محمد بن جرير بن يزيد الطبري، الفقيه المفسر، بل المجتهد المطلق، صاحب المصنفات المشهورة؛ منها: جامع البيان في تفسير القرآن، اختلاف الفقهاء التاريخ مات سنة 310 هـ. تذكرة الحفاظ (2/ 710) طبقات الفقهاء للشيرازي (93). ابن حزم: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأموي مولاهم، كان ذكيًا حافظًا واسع العلم، وهو الذي تولى نشر المذهب الظاهري، ودافع عنه، له مؤلفات كثيرة؛ منها: المحلى في الفقه، والأحكام في أصول الفقه، والفصل في الملل والنحل. توفي سنة (456هـ). شذرات الذهب (3/ 399) الإعلام (4/ 254). ابن سيرين: محمد بن سيرين الأنصاري، مولى أنس بن مالك إمام كثير العلم والورع، وفقيه ثقة فاضل حافظ متقن يعبر الرؤيا، رأى ثلاثين من الصحابة: مات سنة 110 هـ. سير أعلام النبلاء (4/ 606) طبقات الحافظ للسيوطي (38). ¬

(¬1) تم ترتيبه على الحروف، بلا فرق بين اسم أو لقب أو كنية أو نسبة إلى أب، أو أم.

ابن عابدين: محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين، الدمشقي، الحنفي، له تصانيف كثيرة؛ أشهرها: رد المحتار على الدر المختار، العقود الدرية. توفي سنة 1252هـ. الأعلام (6/ 267) معجم المؤلفين (9/ 77). ابن الماجشون: عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة، كان فقيهًا فصيحًا، دارت عليه الفتوى في زمانه إلى موته توفي سنة 212 هـ ترتيب المدارك (1/ 360) شجرة النور الزكية (1/ 56). ابن المنذر: الإمام محمد بن المنذر بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوري، كان مجتهدًا حافظًا ورعًا، قال الذهبي: كان على نهاية من م عرفة الحديث والاختلاف، وكان مجتهدًا لا يقلد أحدًا، من مؤلفاته: الإشراف على مذاهب أهل العلم، المبسوط، وعني فيهما ببيان آراء الفقهاء في المسائل الخلافية، توفي سنة 319 هـ. طبقات السبكي (3/ 102) وفيات الأعيان (3/ 207). ابن وهبك عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي بالولاء، المصري، المالكي، صحب مالك عشرين سنة، وصنف عددًا من المصنفات؛ منها: أهوال القيامة، الموطأ الصغير، والكبير مات سنة 197 هـ. الديباج ص 132 ميزان الاعتدال (2/ 86). أبو إسحاق: عمرو بن عبد الله بن عبيد، أبو إسحاق السبيعي، الكوفي، الثقة العابد توفي سنة 129 هـ. تهذيب التهذيب (8/ 63) ميزان الاعتدال (3/ 270). أبو بحر: عبد الرحمن بن عثمان بن أمية بن عبد الرحمن الثقفي، البكراوي، البصري، قال عنه أحمد: ترك الناس حديثه، توفي سنة 195 هـ. تهذيب التهذيب (6/ 226) ميزان الاعتدال (2/ 578). أبو تميمة: طريف بن مجالد الهجيمي، البصري، من بني تميم، وثقة ابن معين، والدارقطني، وابن سعد، وابن عبد البر وغيرهم توفي سنة 95 هـ. تهذيب التهذيب (5/ 13) الطبقات لابن سعد (7/ 152). أبو ثور: إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه وأحد الأعلام اشتغل أول أمره بالمذهب الحنفي، وبعد أن قدم الشافعي بغداد تبعه وهو الذي نقل المذهب الشافعي القديم، له مصنفات كثيرة جمع فيها بين الفقه والحديث وله آراء فقهية مبثوثة في كتب الخلاف. توفي سنة 240 هـ، وقيل: سنة 246هـ. وفيات الأعيان (1/ 26) شذرات الذهب (2/ 94) سير أعلام النبلاء (12/ 72).

أبو داود: هو سليمان بن الأشعث بن عمرو الأزدي السجستاني الإمام العلم صاحب السنن، كان رأسًا في الحديث ورأسًا في الفقه ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع، حتى أنه كان يشبه شيخه أحمد بن حنبل، قال إبراهيم الحربي: ألين لأبي داود الحديث كما ألين لداود الحديد، له من المؤلفات السنن، والناسخ والمنسوخ، والقدر، والمراسيل توفي سنة 275 هـ. شذرات الذهب (2/ 167) طبقات الحفاظ للسيوطي (265) تهذيب التهذيب (4/ 169) تاريخ بغداد (9/ 55) تذكرة الحفاظ (2/ 591). أبو رافع: نفيع بن رافع الصائغ، المدني، مولى ابنة عمر، وقيل: مولى بنت العجما، وثقه ابن سعد والعجلي، والدارقطني، وقال ابن حجر: ثقة ثبت. طبقات ابن سعد (7/ 122) تهذيب التهذيب (10/ 472). أبو عبد الرحمن عبد الله بن حبيب السلمي الكوفي القارئ، مقرئ الكوفة وعالمها، أقرأ القرآن أربعين سنة، وكان ثقة رفيع المحل مات سنة (92) هـ. طبقات الحفاظ (27) تذكرة الحفاظ (1/ 58). أبو قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي البصري، أحد الأعلام الحفاظ، وأحد عباد التابعين. هرب من البصرة مخافة أن يلي القضاء، فدخل الشام يأوي الرباطات، ويكون في الثغور، ومعه بني له. مات سنة 104هـ. سير أعلام النبلاء (4/ 468) تهذيب التهذيب (5/ 224). أبو وائل: شقيق بن سلمة الأسدي، وثقه ابن معين، وابن سعد، وابن حبان، وقال ابن عبد البر: أجمعوا على أنه ثقة، وقال الذهبي: من العلماء العاملين: توفي سنة 82 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 361). أبو يوسف: يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس الأنصاري، لزم أبا حنيفة، وتفقه عليه وكان له فضل في نشر المذهب الحنفي، ولي قضاء بغداد في خلافة هارون الرشيد، له مصنفات كثيرة؛ من أشهرها: الخراج، الأمالي، النوادر مات سنة 182هـ. تاريخ بغداد (14/ 242) تذكرة الحفاظ (1/ 292). إسحاق بن راهوية: هو الحافظ الإمام إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي يعرف بابن راهوية ولد سنة 166هـ، صنف تصانيفًا كثيرة لم يصل إلينا منها شيء قال عنه أحمد: لا أعلم في العراق له نظيرًا، وما عبر الجسر مثل إسحاق. توفي سنة (236) هـ وقيل سنة (237) هـ.

تهذيب التهذيب (1/ 126) تذكرة الحفاظ (2/ 433) وفيات الأعيان (1/ 199). الأسود: الأسود بن يزيد بن قيس النخعي، الثقة الثبت، الفقيه، مات سنة (74) هـ. تهذيب التهذيب (1/ 342). أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم، اسمه مسكين، وأشهب لقب، انتهت إليه رئاسة الفتوى والفقه في مصر بعد ابن القاسم، قال الشافعي: ما رأيت أفقه من أشهب. توفي سنة (204) هـ. الديباج المذهب (1/ 307) ترتيب المدارك (1/ 447). الأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، فقيه الشام، كان رأسًا في العلم والعمل والفقه. مات سنة 157 هـ. النجوم الزاهرة (3/ 30) مشاهير علماء الأمصار (180). البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، البخاري، الإمام، الحافظ المحدث، صاحب الصحيح، ألفه في ستة عشر عامًا قال عنه أحمد: ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل توفي سنة 256 هـ. تاريخ بغداد (2/ 4) (36) شذرات الذهب (2/ 134). بشر بن الوليد بن خالد الكندي، الحنفي، أخذ الفقه عن أبي يوسف، وكان متقدمًا عنده، وحمل عنه الناس من الفقه، والنوادر، والمسائل ما لا يمكن جمعه مات سنة 238 هـ. الجواهر المضيئة (1/ 453) الفوائد البهية (54). البهوتي: منصور بن يونس بن صلاح الدين حسين بن أحمد بن علي بن إدريس البهوتي، الفقيه الحنبلي، انتهت إليه رئاسة الحنابلة في وقته. توفي بمصر سنة 1051 هـ له مؤلفات منها: الروض المربع، كشاف القناع. الأعلام (8/ 249) معجم المؤلفين (13/ 252). تميم بن حذلم، الضبي، الكوفي، من أصحاب بن مسعود، وأدرك أبا بكر وعمر، قال في ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث، وقال ابن حجر: ثقة من الثانية توفي سنة 100 هـ. تهذيب التهذيب (1/ 512) الطبقات لابن سعد (6/ 206). جابر بن زيد، اليحمدي، البصري، يكني بأبي الشعثاء، قال فيه ابن عباس رضي الله عنهما لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علمًا من كتاب الله مات سنة (93) هـ.

تهذيب التهذيب (2/ 38) تقريب التهذيب (1/ 122). الحسن البصري: هو الحسن بن أبي الحسن البصري من أكابر أئمة التابعين، عرف بغزارة العلم وشدة الورع وفصاحة اللسان، كان جريئًا على قول الحق لا يخاف في الله لومة لائم. توفي سنة 110 هـ. وفيات الأعيان (2/ 69) الأعلام (2/ 242) شذرات الذهب (1/ 136). داود بن علي الأصبهاني، الحافظ المجتهد، فقيه الظاهرية، نفي القياس في الشريعة، وتمسك بظواهر النصوص وتبعه جمع كثير، اشتهروا بالظاهرية، توفي سنة 270 هـ. تذكرة الحفاظ (2/ 572) سير أعلام النبلاء (13/ 97) تاريخ بغداد (8/ 339). سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد أجله التابعين، وسادتهم، وفقهائهم، وأحد فقهاء المدينة السبعة، توفي بالمدينة في خلافة هشام سنة 106 هـ. مشاهير علماء الأمصار (65) تذكرة الحفاظ (1/ 88). سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، الوالي مولاهم كوفي من كبار التابعين، أخذ عن ابن عباس، وأنس وغيرهما من كبار الصحابة، خرج على الأمويين مع ابن الأشعث فظفر به الحجاج فقتله صبرًا رحمه الله سنة 195 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 76) سير أعلام النبلاء (4/ 321). سعيد بن المسيب، ابن حزن القرشي المدني، أحد فقهاء المدينة السبعة، قال عنه ابن عمر: لو رأى هذا رسول الله ص لسره، توفي سنة 91 هـ. سير أعلام النبلاء (4/ 217) شذرات الذهب (1/ 102). سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب الثوري، الكوفي، أحد الأئمة المجتهدين قال عنه سفيان بن عيينة: سفيان الثوري أمير المؤمنين بالحديث، له آراء فقهية مبثوثة في كتب الخلاف، مات سنة 161 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 111) تاريخ بغداد (9/ 151). سليمان بن بلال التيمي، القرشي، وثقه أحمد وابن معين، وابن عدي، كان يفتي في المدينة، مات سنة 172 هـ. تهذيب التهذيب (4/ 175). الشعبي: عامر بن شراحيل الشعبي الحميري الكوفين عالم من أجل علماء التابعين، عرف بفصاحة اللسان، وحضور البديهة، وله آراء فقهية كثيرة مبثوثة في كتب الخلاف، مات سنة 103 هـ.

سير أعلام النبلاء (4/ 294) شذرات الذهب (1/ 126). طاوس بن كيسان الخولاني اليمني، أحد الأئمة الأعلام، وأحد فقهاء التابعين، توفي بمكة سنة 106 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 90) وفيات الأعيان (2/ 509) مشاهير علماء الأمصار (112). طلحة بن مصرف بن عمرو بن كعب بن جحدب، الهمذاني وثقه ابن معين، وأبو حاتم، والعجلي، وابن سعد، وغيرهم، وذكره ابن حبان في الثقات، توفي سنة 112هـ. طبقات ابن سعد (6/ 308) تهذيب التهذيب (5/ 25). عطاء بن أبي رباح القرشي، مولاهم أحد الفقهاء، والأئمة المجتهدين، لقي جمعًا من الصحابة، وأخذ عنهم العلم، وانتهت إليه الفتوى في مكة، توفي سنة 114 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 98) وفيات الأعيان (3/ 261). عطاء بن أبي مسلم الخراساني، المحدث الواعظ نزيل دمشق والقدس اشتهر بكثرة تنقله في الغزو والجهاد مات سنة 135 هـ. سير أعلام النبلاء (6/ 140) شذرات الذهب (1/ 192). عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس رضي الله عنهما، أحد فقهاء التابعين، وفقهاء مكة، وهو بريري الأصل. مات سنة 107 هـ. سير أعلام النبلاء (5/ 12) مشاهير علماء الأمصار (82). علقمة بن قيس بن عبد الله، النخعي، الكوفي، كان من أعلم الناس بفقه ابن مسعود توفي سنة 53 هـ. مشاهير علماء الأمصار (100) تهذيب التهذيب (7/ 276). القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق، الإمام الثقة، الفقيه، المحدث، وهو أحد فقهخاء المدينة السبعة مات سنة 101 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 96) تهذيب الأسماء واللغات (2/ 55). قتادة بن دعامة الدوسي: المفسر، الحافظ قال فيه أحمد: قتادة أحفظ أهل البصرة، وكان مع علمة بالحديث والتفسير، رأسًا في العربية، وأيام العرب والنسب، مات سنة 117 هـ. العبر (1/ 146) تذكرة الحفاظ (1/ 122) سير أعلام النبلاء (5/ 269).

النخعي: إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي، أحد كبار علماء التابعين، كان فقيه العراق في وقته. مات مختفيًا من الحجاج، ولما بلغ الشعبي موته قال: والله ما ترك بعده مثله، كان موته سنة 96 هـ. مشاهير علماء الأمصار (111) طبقات ابن سعد (6/ 188). الليث بن سعد بن عبد الرحمن، أحد الأئمة المجتهدين، كان إمام أهل مصر في عصره حديثًا وفقهًا وقد انتشر مذهبه في مصر مدة، وجرت بينه وبين مالك مناظرات، ومراسلات، قال الشافعي: الليث أفقه من مالك إلا أن أصحابه لم يقوموا به، مات سنة 175 هـ. تهذيب التهذيب (8/ 459) شذرات الذهب (1/ 285) وفيات الأعيان (1/ 438). مجاهد بن جبر، الحبر، المكي، قال عن نفسه: عرضت القرآن على ابن عباس ثلاثين مرة، توفي وهو ساجد سنة 103 هـ. شذرات الذهب (1/ 1259 تهذيب التهذيب (10/ 42). محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني بالولاء، صحب أبا حنيفة وأخذ عنه الفقه، عرف بسعة العلم، وفصاحة اللسان، قام بنشر مذهب أبي حنيفة، له تصانيف كثيرة منها: المبسوط، الجامع الصغير، والكبير، والسير الكبير، والصغير. توفي سنة 119 هـ. الفوائد البهية (163) وفيات الأعيان (4/ 184) البداية والنهاية (10/ 202). مسروق بن الأجدع بن مالك، أحد الأئمة الأعلام قال فيه الشعبي: ما علمت أحدًا أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق، توفي سنة 63 هـ تاريخ بغداد (13/ 232). مطرف بن عبد الله بن الشخير، الحرشي، العامري، البصري، يكنى بأبي عبد الله، وثقه ابن سعد، والعجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر: ثقة، عابد فاضل توفي سنة 95 هـ. الطبقات لابن سعد (7/ 141). نافع: أبو عبد الله العدوي المدني، مولى ابن عمر، و أحد أوعية العلم، وحفاظه بعثه عمر بن عبد العزيز إلى أهل مصر يعلمهم السنن، مات سنة 117 هـ. تذكرة الحفاظ (1/ 99). يحيى بن وثاب، الأسدي، مولاهم الكوفي، المقري، وثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، وكان إمام أهل الكوفة في القرآن، مات سنة 103 هـ. تهذيب التهذيب (11/ 295).

مصادر البحث

مصادر البحث 1 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل: محمد ناصر الدين الألباني ت: المكتب الإسلامي. 2 - الانتصار في المسائل الكبار: أبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، نشر دار العبيكان. 3 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: علي بن سليمان المرداوي، ط. د ار إحياء التراث العربي. 4 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: علاء الدين بن مسعود الكاساني، ط. دار الكتاب العربي، بيروت. 5 - بداية المجتهد ونهاية المقتصد: لأبي الوليد، محمد بن أحمد بن محمد بن رشد الحفيد، ط. دار الفكر، بيروت. 6 - البناية في شرح الهداية، محمود بن أحمد العيني، ط. دار الفكر بيروت. 7 - التبيان في آداب حملة القرآن: يحيى بن شرف النووي، نشر، مكتبة دار البيان. 8 - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق: عثمان بن علي الزيلعي، ط. مطبعة بولاق. 9 - التذكار في أفضل الأذكار: محمد بن أحمد الأنصاري، دار الكتب العلمية بيروت. 10 - تغليق التعليق: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، نشر، المكتب الإسلامي بيروت، ودار عمار للنشر والتوزيع، عمان. 11 - التفريع: لأبي القاسم عبيد الله بن الحسين بن الحسن بن الجلاب البصري، ط. دار الغرب الإسلامي. 12 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ط. دار المعرفة بيروت. 13 - التلقين: عبد الوهاب بن نصر البغدادي، ط. دار الباز. 14 - جامع البيان عن تأويل القرآن: محمد بن جرير الطبري، ط. البابي الحلبي وأولاده.

15 - الجامع لأحكام القرآن: محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، نشر، مركز تحقيق التراث. 16 - حاشية ابن قاسم على الروض المربع: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، ط. المطابع الأهلية للأوفست، الرياض. 17 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: محمد بن عرفة الدسوقي، ط. البابي الحلبي، مصر. 18 - حاشية الصاوي على الشرح الصغير: أحمد بن محمد الصاوي، ط. البابي الحلبي، مصر. 19 - الحاوي الكبير: علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، دار الكتب العلمية بيروت. 20 - الحجة على أهل المدينة، محمد بن الحسن الشيباني، ط. عالم الكتب بيروت. 21 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية: أحمد بن حجر العسقلاني، ط. مطبعة الفجارة الجديدة، القاهرة. 22 - رد المحتار على الدر المختار: محمد أمين الشهير بابن عابدين، ط. البابي الحلبي. 23 - روضة الطالبين: يحيى بن شرف النووي ط. المكتب الإسلامي. 24 - زاد المسير في علم التفسير، عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي ط. المكتب الإسلامي. 25 - سنن ابن م اجه: محمد بن يزيد القزويني ط. البابي الحلبي. 26 - سنن أبي داود: سليمان بن الأشعث السجستاني ط. دار الحديث للطباعة والنشر، بيروت. 27 - سنن الترمذي: محمد بن عيسى الترمذي، ط. البابي الحلبي. 28 - سنن الدارقطني: علي بن عمر الدارقطني، ط. عالم الكتب، بيروت. 29 - سنن الدارمي: عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ط. حديث أكادمي للنشر والتوزيع فيصل أباد باكستان. 30 - سنن الكبرى: أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، ط. دار المعرفة بيروت. 31 - سنن النسائي: أحمد بن شعيب النسائي، ط. دار المعرفة بيروت. 32 - شرح الخرشي على مختصر خليل: محمد بن عبد الله بن علي الخرشي، ط. دار الفكر، بيروت.

33 - الشرح الصغير على أقرب المسالك: لأبي البركات أحمد الدردير، ط. البابي الحلبي. 34 - الشرح الكبير على مختصر خليل: لأبي البركات، أحمد الدردير، ط. البابي الحلبي. 35 - شرح معاني الآثار، أحمد بن محمد الطحاوي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 36 - صحيح البخاري: محمد بن إسماعيل البخاري، ط. المكتبة الإسلامية غستانبول. 37 - صحيح مسلم: مسلم بن الحجاج القشيري، ط. دار إحياء التراث، بيروت. 38 - العناية شرح الهداية: محمد بن محمود البابرتي، ط. دار الفكر بيروت. 39 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، نشر وتوزيع رئاسة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. 40 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، محمد بن علي الشوكاني، ط. دار الفكر. 41 - الفروع: شمس الدين أبو عبد الله بن محمد بن مفلح، ط. عالم الكتب بيروت. 42 - الفواكه الدواني: أحمد بن غنيم النفراوي، دار المعرفة بيروت. 43 - القوانين الفقهية: محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي، الناشر، عباس أحمد الباز، مكة. 44 - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي: لأبي عمرو بن عبد البر النمري القرطبي مطبعة حسان، القاهرة. 45 - الكافي، موفق الدين عبد الله بن قدامة المقدسي، ط. المكتب الإسلامي بيروت. 46 - كشاف القناع عن متن الإقناع: منصور بن يونس البهوتي، ط. مكتبة النصر الحديث الرياض. 47 - اللباب في شرح الكتاب: عبد الغني الغنيمي، الحنفي، المكتبة العلمية بيروت. 48 - المبدع في شرح المقنع: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن مفلح، ط. المكتب الإسلامي. 49 - المبسوط: شمس الدين السرخسي، ط. دار الكتب العلمية بيروت.

50 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: علي بن أبي بكر الهيثمي، ط. دار الكتاب العربي، بيروت. 51 - المجموع شرح المهذب: محيي الدين يحيى بن شرف النووي، ط. دار الفكر بيروت. 52 - مجموع فتاوى ابن تيمية: جمع الشيخ عبد الرحمن بن قاسم وولده محمد ط. دار العربية بيروت. 53 - المحلى شرح المجلى: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، ط. مكتبة الجمهورية العربية القاهرة. 54 - المدونة: رواية سحنون بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم عن الإمام مالك، ط. دار صادر بيروت. 55 - مراتب الإجماع: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم، ط. دار الكتب العلمية بيروت. 56 - المسائل الفقهية من تفسير القرطبي: جمع وترتيب فريد الجندي، نشر دار الكتب العلمية بيروت. 57 - المستدرك على الصحيحين: محمد بن عبد الله، المعروف بالحاكم ط. دار الكتب العلمية بيروت. 58 - المستوعب: محمد بن عبد الله السامري، ط. مكتبة المعارف الرياض. 59 - المسند: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل، ط. المكتب الإسلامي. 60 - مسند الشافعي: محمد بن إدريس الشافعي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت. 61 - المصنف في الأحاديث والآثار: إبراهيم بن عثمان بن أبي بكر بن أبي شيبة ط. الدار السلفية بومباي. 62 - المصنف في الأحاديث والآثار: عبد الرزاق بن همام الصنعاني ط. المكتب الإسلامي. 63 - المعونة: عبد الوهاب بن نصر البغدادي دار الباز. 64 - مغني المحتاج: الشيخ محمد الشربيني الخطيب، ط. دار التراث العربي. 65 - المغني: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة، ط. هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان. 66 - المنتقى شرح الموطأ: سليمان بن خلف الباجي، ط. دار الكتاب العربي، بيروت. 67 - منتهى الإرادات: محمد بن أحمد الفتوحي، الشهير بابن النجار، ط. عالم الكتب، بيروت.

68 - مواهب الجليل شرح مختصر خليل: محمد بن محمد المغربي، المعروف بالخطابي، ط. دار الفكر بيروت. 69 - المهذب: لأبي إسحاق، إبراهيم بن علي الشيرازي، ط. دار الباز، للنشر والتوزيع مكة المكرمة. 70 - الموطأ: الإمام مالك بن أنس، ط. دار النفائس بيروت. 71 - نصب الراية لأحاديث الهداية: عبد الله بن يوسف الحنفي الزيلعي، نشر، المكتبة الإسلامية. 72 - النهاية في غريب الحديث: المبارك بن محمد الجزري (ابن الأثير) ط. دار الفكر. 73 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار: محمد بن علي الشوكاني ط. البابي الحلبي. 74 - الهداية شرح بداية المبتدي: علي بن أبي بكر المرغيناني، ط. المكتبة الإسلامية.

مصادر تراجم الأعلام

مصادر تراجم الأعلام الأعلام: خير الدين الزركلي، ط. الطبعة الثالثة. البداية والنهاية: إسماعيل بن كثير، نشر مكتبة الصميعي، للنشر والتوزيع، الرياض. تاريخ بغداد: للحافظ أبي أحمد بن علي الخطيب، البغدادي ط. دار الكتب العلمية بيروت. تذكرة الحفاظ: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ط. دار صادر بيروت. ترتيب المدارك وتقريب السالك لمعرفة أعيان مذهب مالك: القاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت دار الفكر ليبيا. تقريب التهذيب: أحمد بن علي العسقلاني (ابن حجر) ط. مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند. تهذيب الأسماء واللغات: يحيى بن شرف النووي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت. تهذيب التهذيب: ابن حجر العسقلاني، مطبعة مجلس دائرة المعارف بحيدر آباد الهند، الطبعة الأولى. الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، لأبي الوفاء القرشي، ط. دائرة المعارف العثمانية بالهند. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة: أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب: إبراهيم بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت، ط. دار التراث للطبع والنشر القاهرة. سير أعلام النبلاء: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، ط. مؤسسة الرسالة بيروت.

شجرة النور الزكية في تراجم المالكية: محمد بن محمد مخلوف، ط. دار الكتاب العربي بيروت. شذرات الذهب في إخبار من ذهب: عبد الحي بن العماد الحنبلي، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت. طبقات الحفاظ: جلال الدين السيوطي، ط. دار الكتب العلمية، بيروت. طبقات الشافعية: تقي الدين السبكي، ط. البابي الحلبي وشركاه. الطبقات الكبرى: محمد بن سعد، ط. دار صادر، بيروت. الفوائد البهية في تراجم الحنفية: لأبي الحسنات اللكنوني ط. دار المعرفة للطباعة والنشر بيروت. مشاهير علماء الأمصار: محمد بن حبان البستي، ط. دار الكتب العلمية بيروت. معجم المؤلفين: عمر رضا كحالة ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت. ميزان الاعتدال في نقد الرجال: محمد بن أحمد الذهبي، ط. البابي الحلبي. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة: لابن تغري بردي، ط. مصورة عن طبعة دار الكتب المصرية. الوفيات: أحمد بن الحسين بن علي الخطيب الشهير بابن قنفذ القسطنطيني منشورات دار الآفاق الجديدة بيروت. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: أحمد بن محمد بن خلكان، ط. دار القلم، بيروت.

§1/1