زكاة عروض التجارة والأسهم والسندات
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((زكاة العروض التجارية والأسهم والسندات)) بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم العروض: لغةً, واصطلاحاً، وذكرت الأدلة على وجوبها من: عموم الكتاب, والسنة، والإجماع، والآثار الواردة عن الصحابة - رضي الله عنهم -، والقياس، وأقوال الأئمة, والمحققين من أهل العلم قديماً وحديثاً، وذكرت شروط وجوب الزكاة فيها، وبيَّنت أن حول ربح التجارة حول أصله، وأنها تضم إلى النقدين في تكميل النصاب، وبيَّنت كيفيّة تقويم السلع آخر الحول، وأنه لا زكاة في الآلات التجارية التي أُعدّت للاستعمال، ثم ذكرت مقدار الواجب من الزكاة في عروض التجارة، ثم ختمت ذلك ببيان زكاة الأسهم والسندات، وكيفية زكاتها، والجائز منها والمحرّم، ثم ذكرت أهل الزكاة، ومن تحرم عليهم الزكاة. وقد استفدت كثيراً من ترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز رحمه الله ورفع منزلته.
والله أسأل أن يجعل هذا العمل مباركاً، نافعاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبدالرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر ليلة الإثنين الموافق 23/ 3/1426 بمدينة الرياض
أولا: مفهوم عروض التجارة لغة واصطلاحا:
زكاة عروض التجارة أولاًَ: مفهوم عروض التجارة لغة واصطلاحاً: لغةً: العروض: جمع عَرْض بفتح العين وسكون الراء: خلاف النقد من المال، قال الجوهري: العَرْضُ: المتاع، وكل شيء عَرْضٌ سوى الدراهم، والدنانير فإنهما عين، وقال أبو عبيد: العروض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيواناً، ولا عقاراً، تقول: اشتريت المتاع بِعَرْضٍ: أي بمتاع مثله، وعارضته بمتاع، أو دابةٍ، أو شيء، معارضةً إذا بادلته به (¬1). وأما العَرَض بفتح العين والراء، جمع أعراض فهو متاع الدنيا وحطامها, وهذا شامل لكل أنواع المال قل أو كثر {لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (¬2) ((ليس الغنى غنى كثرة العرض, ولكن الغنى غنى النفس)) (¬3) , وسُمِّي عرضاً؛ لأنه يعرض وقتاً ثم يزول (¬4). قال الله تعالى: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ} (¬5) , والمقصود هو الأول: ((العَرْض)). اصطلاحاً: العروض: هو ما أعد للبيع والشراء؛ لأجلِ ربحٍ (¬6). ¬
ثانيا: زكاة العروض واجبة بعموم الكتاب والسنة، والآثار، وإجماع عامة أهل العلم والقياس.
وقيل: هو السلع التجارية، كل ما أعد للبيع والشراء من أجل الأرباح، من أي نوع، ومن أي صنف كان، وهو جميع أصناف الأموال غير الذهب والفضة (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((العروض: جمع عَرْضٍ، وهو غير الأثمان من المال، على اختلاف أنواعه: من النباتِ، والحيوان، والعقار، وسائر المال)) (¬2). التجارة: البيع والشراء من أجل الربح (¬3) في جميع أصناف المال إلا النقدين. وقيل: كل ما أعد للتجارة كائنة ما كانت سواء من جنسٍ تجب فيه زكاة العين: كالإبل، والبقر، والغنم، أو لا: كالعقار، والثياب، والحمير، والبغال (¬4). ثانياً: زكاة العروض واجبة بعموم الكتاب والسنة، والآثار، وإجماع عامة أهل العلم والقياس. أما الكتاب فلعموم الآيات الآتية: الدليل الأول: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ الله غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (¬5). وقد فسر مجاهد ¬
رحمه الله تعالى، قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال: ((من التجارة)) (¬1). وفي لفظ: ((من التجارة الحلال)) (¬2). قال الإمام الطبري رحمه الله: ((من طيبات ما كسبتم)) يعني بذلك جل ثناؤه: زكُّوا من طيبات ما كسبتم، بتصرفكم: إما بتجارة، وإما بصناعة، من الذهب والفضة، ويعني بـ ((الطيبات الجياد)) (¬3) وقال الإمام القرطبي رحمه الله: ((الكسب يكون بتعب بدنٍ: وهي الإجارة، وسيأتي حكمها، أو مقاولةٍ في تجارة: وهو البيع)) (¬4). وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: {مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} من خيار، قال ابن مسعود - رضي الله عنهم - ومجاهد: من حلالات {مَا كَسَبْتُمْ} بالتجارة، والصناعة (¬5). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((يأمر تعالى عباده المؤمنين بالإنفاق ... من طيبات ما رزقهم من الأموال التي اكتسبوها، قال مجاهد: يعني التجارة، بتيسيره إياها لهم ... )) (¬6). وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((يأمر تعالى عباده المؤمنين بالنفقة من طيبات ما يسر لهم من المكاسب ومما أخرج لهم من الأرض)) (¬7). ¬
الدليل الثاني من القرآن الكريم.
قال الإمام البخاري رحمه الله: ((بابُ صدقة الكسب والتجارة؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} (¬1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((هكذا أورد هذه الترجمة مقتصراً على الآية بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} قال من التجارة الحلال ... (¬2) (¬3). الدليل الثاني من القرآن الكريم، عموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ والله سَمِيعٌ عَلِيم} (¬4). ذكر الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية مسائل منها: قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} مطلق غير مقيد بشرط في المأخوذ، والمأخوذ منه، ولا تبين مقدار المأخوذ، ولا المأخوذ منه، وإنما بيان ذلك في السنة والإجماع، حسب ما نذكره، فتؤخذ الزكاة من جميع الأموال، وقد أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - الزكاة في المواشي والحبوب، والعين وهذا ما لا خلاف فيه، واختلفوا فيما سوى ذلك: كالخيل وسائر العروض ... )) (¬5). ¬
الدليل الثالث: عموم قول الله تعالى
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أمر تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يأخذ من أموالهم صدقة يطهرهم ويزكيهم بها، وهذا عام، وإن أعاد بعضهم الضمير في ((أموالهم)) إلى الذين اعترفوا بذنوبهم وخلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً)) (¬1). الدليل الثالث: عموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬2). قال قتادة رحمه الله: ((الحق المعلوم: الزكاة المفروضة)) (¬3). وسُئل ابن عمر رضي الله عنهما عن هذه الآية: أهي الزكاة؟ فقال: ((إن عليك حقوقاً سوى الزكاة)) (¬4). قال الإمام الطبري رحمه الله: ((يقول تعالى ذكره: وإلا الذين في أموالهم حق مؤقت، وهو الزكاة, للسائل الذي يسأله من ماله، والمحروم الذي قد حرم الغِنى فهو فقير لا يسأل)) (¬5). وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: ((أي في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات)) (¬6). وقال رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬7) قال: ((أي جزء مقسوم, قد أفرزوه للسائل والمحروم)) (¬8). وقال العلامة السعدي رحمه الله: ((والذين في أموالهم حق معلوم)) ¬
وأما السنة:
من زكاة وصدقة، ((للسائل)) الذي يتعرض للسؤال ((والمحروم)) وهو المسكين الذي لا يسأل الناس فيعطوه، ولا يُفطن له فيتصدق عليه)) (¬1) قال العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله: ((الزكاة واجبة في عروض التجارة، والدليل على ذلك دخولها في عموم قوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬2) (¬3). وأما السنة؛ فلعموم الأحاديث الآتية: الدليل الأول: من السنة عموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: ((فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)) وفي لفظ لمسلم: (( ... فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم فترد على فقرائهم)) (¬4). وظاهر الحديث العموم في كل مال، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((ولا شك أن عروض التجارة مال)) (¬5). الدليل الثاني من السنة، حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصدقة فقيل: منع ابنُ جميل، وخالد بنُ الوليد، وعباس بن عبدالمطلب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله ورسوله، وأما ¬
خالد فإنكم تظلمون خالداً, قد احتبس أدراعه وأَعتُدَهُ في سبيل الله، وأما العباس بن عبدالمطلب فعمُّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي عليه صدقة ومثلها معها)). ولفظ مسلم: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمر على الصدقة ... إلى قوله: وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً قد احتبس أدراعه، وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها معها ... )) (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد احتبس أدراعه، وأعتاده في سبيل الله)) ((وأعتاده)) ما يعده الرجل من الدواب والسلاح وآلات الحرب. قال الإمام النووي رحمه الله: ((ومعنى الحديث: أنهم طلبوا من خالد زكاة أعتاده ظنًّا منهم أنها للتجارة، وأن الزكاة فيها واجبة، فقال لهم: لا زكاة لكم عليَّ، فقالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن خالداً منع الزكاة، فقال لهم: إنكم تظلمونه؛ لأنه حبسها ووقفها في سبيل الله قبل الحول عليها فلا زكاة فيها، ويحتمل أن يكون المراد: لو وجبت عليه زكاة لأعطاها، ولم يشح بها؛ لأنه قد وقف أمواله لله تعالى تبرعاً, فكيف يشح بواجب عليه، واستنبط بعضهم من هذا وجوب زكاة التجارة, وبه قال جمهور العلماء من السلف والخلف، خلافاً لداود)) (¬2). وقال الخطابي رحمه الله: ((وتأويل الكلام على وجهين: ¬
الدليل الثالث.
أحدهما: أنه إنما طولب بالزكاة عن أثمان الأدراع والعتاد على أنها كانت للتجارة، فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لا زكاة عليه فيها؛ إذ قد جعلها حبساً في سبيل الله، وفيه دليل على وجوب الزكاة في الأموال التي ترصد للتجارة، وهو كالإجماع من أهل العلم، وزعم بعض المتأخرين من أهل الظاهر أنه لا زكاة فيها, هو مسبوق بالإجماع)) (¬1). الدليل الثالث: ما روي من حديث أبي ذر - رضي الله عنه - يرفعه: ((في الإبل صدقتها، وفي الغنم صدقتها، وفي البقر صدقتها، وفي البز صدقته)) (¬2). الدليل الرابع: من السنة، قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنما الأعمال بالنيات, وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬3). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((ولو سألنا التاجر: ماذا يريد بهذه الأموال؟ لقال: أريد الذهب والفضة، أريد النقدين .. فعلى هذا نقول: زكاة العروض واجبة بالنص والقياس)) (¬4). وأما الآثار: فمنها على سبيل المثال لا الحصر ما يأتي: ¬
الأثر الأول:.
الأثر الأول: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((ليس في العَرْض زكاة؛ إلا أن يراد به التجارة)) (¬1). الأثر الثاني: عن عمر - رضي الله عنه - كما قال عبدالرحمن بن عبدٍ القارئ, وكان على بيت المال في زمن عمر مع عبيد الله بن الأرقم، فإذا خرج العطاء جمع عمر أموال التجارة فحسب عاجلها وآجلها، ثم يأخذ الزكاة من الشاهد والغائب)) (¬2). الأثر الثالث: عن عمر بن عبدالعزيز، قال زريق بن حيان - وكان على جواز مصر في زمن الوليد وسليمان، وعمر بن عبدالعزيز، فذكر ((أن عمر بن عبدالعزيز كتب إليه: أن انظر من مرَّ بك من المسلمين فخذ مما ظهر من أموالهم مما يديرون من التجارات: من كل أربعين ديناراً ديناراً، فما نقص فبحساب ذلك حتى يبلغ عشرين ديناراً، فإن نقصت ثلث دينار فدعها ولا تأخذ منها شيئاً)) (¬3). ¬
وأما الإجماع.
وأما الإجماع فقال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: ((وأجمعوا على أن في العروض التي تدار للتجارة: الزكاة إذا حال عليها الحول)) (¬1). وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله: ((ولم يختلف العلماء أن العروض كلها: من العبيد، وغير العبيد إذا لم تكن تبتاع للتجارة أنه لا زكاة فيها)) (¬2). وقد نقل الإجماع عن ابن المنذر رحمه الله موافقةً له على ذلك: الإمام ابن قدامة رحمه الله (¬3) والإمام الصنعاني رحمه الله في سبل السلام (¬4) , والإمام النووي رحمه الله (¬5) , وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (¬6) , والعلامة الشوكاني رحمه الله (¬7). وقال الإمام البغوي رحمه الله: ((ذهب عامة أهل العلم إلى أن التجارة تجب الزكاة في قيمتها، إذا كانت نصاباً تمام الحول، فيخرج منها ربع العشر)) (¬8). وقال أبو عبيدٍ رحمه الله: ((أجمع المسلمون على أن الزكاة فرض واجب فيها، وأما القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا)) (¬9). ¬
وأما القياس،.
وأما القياس، فقال الإمام النووي رحمه الله: ((تجب الزكاة في عروض التجارة؛ لحديث أبي ذرٍّ - رضي الله عنه -؛ ولأن التجارة يطلب بها نماء المال، فتعلقت بها الزكاة، كالسوم في الماشية)) (¬1). وقال الإمام ابنُ رشدٍ رحمه الله: ((إن العروض المتخذة للتجارة مال مقصود به التنمية، فأشبه الأجناس الثلاثة التي فيها الزكاة باتفاق. أعني الحرث, والماشية، والذهب, والفضة)) (¬2). ثالثاً: وجوب زكاة عروض التجارة: قال به الأئمة الأعلام المحققون قديماً وحديثاً: من أهل العلم والإيمان والفقه لمقاصد الإسلام, فهو كالإجماع، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، ما يأتي: الفقهاء السبعة (¬3)، والأئمة الأربعة (¬4): الإمام أبو حنيفة (¬5)، والإمام مالك (¬6)، والإمام الشافعي (¬7) , والإمام أحمد (¬8)، وكثير من علماء الإسلام ¬
والأئمة الأعلام لا يحصي عددهم إلا الله، ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية (¬1)، وابن القيم (¬2)، وأبو عبيد (¬3)، والإمام النووي (¬4)، والحافظ ابن حجر (¬5)، والإمام ابن قدامة (¬6)، والعلامة الصنعاني (¬7)، والعلامة الشوكاني (¬8)، والإمام البغوي (¬9)، ومن المعاصرين: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬10)، والإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز (¬11)، والعلامة محمد بن صالح العثيمين (¬12)، والعلامة عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين (¬13) وغيرهم كثير, بل هو إجماع بين أهل العلم إلا من شذ؛ ولهذا قال الإمام أبو عُبيدٍ رحمه الله: ((أجمع المسلمون على أن الزكاة فرض واجب فيها)) (¬14)، وأما ¬
القول الآخر فليس من مذاهب أهل العلم عندنا)) (¬1) (¬2). ¬
رابعا: شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة على النحو الآتي:
رابعاً: شروط وجوب الزكاة في عروض التجارة على النحو الآتي: الشرط الأول: نية التجارة في عروض التجارة؛ لأن العروض مخلوقة في الأصل للاستعمال, فلا تصير للتجارة إلا بالنية، ويعتبر وجود النية في جميع الحول؛ لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول، فاعتبر فيه؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (¬1) (¬2). ¬
الشرط الثاني: أن تبلغ قيمة العروض للتجارة نصابا من أقل الثمنين.
الشرط الثاني: أن تبلغ قيمة العروض للتجارة نصاباً من أقل الثمنين [أي الذهب والفضة] قيمةً فإذا بلغ أحدهما نصاباً دون الآخر قوَّمه به، ولا يعتبر ما اشتراه به؛ لأن تقويمه لحظ الفقراء ... فإن بلغ نصاباً من كل واحدٍ: من الذهب والفضة، قوَّمه بما هو أحظ لأهل الزكاة، فإن استويا قومه بما شاء منهما، والأصل في اعتبار النصاب قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، ولا فيما دون خمس ذود صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة)) (¬1)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... فإذا كان لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون ديناراً)) (¬2). ¬
الشرط الثالث: الحول.
الشرط الثالث: الحول؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) (¬1)، ويعتبر وجود النصاب في جميع الحول؛ لأن ما اعتبر له الحول والنصاب، اعتبر وجوده في جميعه، كالأثمان. وإذا اشترى للتجارة عرضاً لا يبلغ نصاباً ثم بلغه انعقد الحول عليه من حين صار نصاباً، وإن ملك نصاباً فنقص انقطع الحول، فإن عاد فنما فبلغ النصاب استأنف الحول، على ما ذكر في زكاة السائمة والأثمان, وإن ملك نصاباً في أوقات فلكلِّ نصابٍ حول، ولا يضم نصابٌ إلى نصاب؛ لأن المال المستفاد يعتبر له الحول على ما ذكر سابقاً، وإن لم يَكْمُل النصاب الأول إلا بالثاني فحولهما منذ ملك الثاني، وإن لم يكملا إلا بالثالث فحول الجميع من حين كمل النصاب. وإذا اشترى نصاباً للتجارة بآخر لم ينقطع الحول؛ لأن الزكاة تتعلق بالقيمة، والقيمة فيهما واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة، فهي كدراهم نقلت من بيت إلى بيت، وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول؛ لأن قيمة الأثمان كانت ظاهرة فاستترت في السلعة، وكذلك لو باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان، لم ينقطع الحول لذلك، وإن اشترى نصاباً للتجارة بِعَرْضِ للقنية أو بما دون النصاب من الأثمان، أو عَرْض للتجارة انعقد الحول من حين الشراء؛ لأن ما اشترى به لم يجرِ في حول الزكاة، فلم يُبنَ عليه، ولو اشترى نصاباً للتجارة بنصاب سائمة أو سائمة بنصاب تجارة انقطع الحول؛ لأنهما مختلفان، فإن كان نصاب التجارة سائمة فاشترى به نصاب سائمة للقنية لم ¬
ينقطع الحول؛ لأن السوم سبب للزكاة، إنما قدم عليه زكاة التجارة لقوَّته فإذا زال المعارض ثبت حكم السوم؛ لظهوره (¬1). وإن اشترى أرضاً ونخلاً للتجارة، فزرعت الأرض وأثمر النخل، واتفق حولهما: بأن بدأ الصلاح في الثمر، واشتد الحب، عند تمام الحول، وكانت قيمة الأرض تبلغ نصاب التجارة، فالأقرب للصواب أنه يزكِّي الجميع زكاة التجارة؛ لأنه مال تجارة تجب فيه زكاة التجارة كالسائمة (¬2). وهذه الشروط: من نية التجارة، وبلوغ النصاب، وتمام الحول في عروض التجارة، تضاف إليها الشروط العامة في الزكاة التي ذكرتها في أول الزكاة)) (¬3). ¬
خامسا: حول عروض التجارة لا ينقطع بالمبادلة أو البيع:
خامساً: حول عروض التجارة لا ينقطع بالمبادلة أو البيع: فإذا اشترى عَرْضاً للتجارة بنقدٍ أو باعه به، بنى على حول الأول؛ لأن الزكاة تجب في قيم العروض، وهي من جنس النقد، وحتى بهيمة الأنعام: من الإبل، والبقر، والغنم، إذا قصد بها التجارة؛ فإنه يزكيها زكاة العروض، ولا ينقطع الحول إذا باعها وهي من عروض التجارة: سواء باعها بجنسها أو بغير جنسها، قال الإمام البغوي رحمه الله: ((أما حول [عروض] التجارة فلا ينقطع بالمبادلة؛ لأن زكاة التجارة تجب في القيمة، والقيمة باقية في ملكه وقت المبادلة؛ لأن ملكه لا يزول عن أحدهما إلا ويملك الآخر)) (¬1). سادساً: ربح عروض التجارة حوله حول رأس المال: فلو ملك نصاباً من عروض التجارة وربح في قيمته، فإنه يزكي الجميع: رأس المال مع الربح، حتى لو لم يربح هذا الربح إلى آخر الحول، فإنه يزكيه مع رأس المال، أما إذا كانت قيمة التجارة دون النصاب ثم حصل الربح، فإن بداية الحول من كمال النصاب بالربح، وكذا إذا ارتفع سعر التجارة فإن الزكاة تجب في جميع القيمة، وإن نقص سعر التجارة زكَّى القيمة الحاضرة (¬2). ¬
سابعا: تضم قيمة أنواع العروض إلى بعضها، وإلى كل من الذهب والفضة في تكميل النصاب:
وإذا تم الحول على مال المضاربة فعلى صاحب المال زكاة رأس المال، وزكاة حصته من الربح؛ لأن حول الربح حول الأصل)) (¬1). سابعاً: تضم قيمة أنواع العروض إلى بعضها، وإلى كل من الذهب والفضة في تكميل النصاب: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم فيه خلافاً)) (¬2)، وقال رحمه الله في موضع آخر: ((ولو كان له ذهب، وفضة، وعروض وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب؛ لأن العروض مضمومٌ إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه وجمع الثلاثة ... )) (¬3) (¬4). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: (( ... تضم قيمة العروض إلى قيمة الذهب والفضة؛ لأن المقصود بهما القيمة)) (¬5). ثامناً: كيفية تقويم سلع عروض التجارة بما تبلغ قيمتها: تقوَّم عروض التجارة عند تمام الحول بالأحظ لأهل الزكاة: من الدنانير من الذهب أو من الدراهم من الفضة، فإذا قُوِّمَت وصارت لا تبلغ النصاب باعتبار الذهب [الدنانير] وتبلغ النصاب باعتبار الفضة ¬
تاسعا: لا شيء في آلات التجارة التي لا يراد بيعها ولا في ما أعد للأجرة
[الدراهم] فنأخذ بتقويمها باعتبار الفضة، فالأحظ للفقراء هو ما تبلغ به نصاباً من الذهب أو من الفضة، والعكس بالعكس، ولا يعتبر ما اشتريت به, وإنما المعتبر قيمة العروض عند تمام الحول (¬1). مثال: رجل اشترى عقاراً بمبلغ مليون جنيه وعرضه للتجارة, ودار عليه الحول, فكان سعره ثلاثة ملايين جنيه، فيزكي ثلاثة ملايين، ورجل اشترى بضاعة بمائة ألف, وعندما دار الحول كانت قيمتها خمسين ألفاً، فيزكي خمسين ألفاً، وهكذا، في جميع عروض التجارة: المعتبر قيمة التجارة عند تمام الحول (¬2). تاسعاً: لا شيء في آلات التجارة التي لا يراد بيعها ولا في ما أُعدَّ للأجرة، ولكن الزكاة في الأجرة إذا حال عليها الحول. فإذا كان التاجر له في مخزنه: دواليب، وآلات، يستخدمها للعمل في تجارته، فلا زكاة فيها إلا إذا أراد بها عروض التجارة، ومثال ذلك: تاجر له: حفارات، ومكائن، وأجهزة يستعملها لإصلاح تجارته، أو له مطابع وآلات، فلا زكاة في هذه الآلات إذا لم يعدها للبيع، وإنما الزكاة في عروض التجارة التي يديرها، إلا إذا أعدها جميعاً للتجارة بحيث نوى أن يبيعها مع عرض التجارة ففيها الزكاة مع عروض التجارة (¬3). ¬
الآلات المعدة للإجارة لا زكاة فيها إنما الزكاة في أجرتها
والآلات المعدة للإجارة لا زكاة فيها إنما الزكاة في أجرتها إذا حال عليها الحول وبلغت النصاب. مثال ذلك: تاجر يملك حفارات، وسيارات، ورافعات، يؤجرها على الناس ولا يريد بيعها إنما يريد الحصول على أجرتها، فهذه لا زكاة فيها وإنما يزكي أجرتها إذا حال عليها الحول. وكذلك: العمارات، والأسواق المؤجرة، لا زكاة فيها, إنما الزكاة في أجرتها، وما يحصل منها إذا حال عليها الحول (¬1). عاشراً: مقدار الواجب في عروض التجارة: ربع العشر: الواجب في زكاة عروض التجارة ربع عشر قيمتها عند تمام الحول؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في المقدار الواجب في الفضة: ((وفي الرقة ربع العشر)) (¬2)، والرقة: الفضة، وقال في حديث علي - رضي الله عنه -: ((هاتوا ربع العشور: من كل أربعين درهماً درهمٌ وليس عليكم شيء حتى تتمَّ مائتي درهَمٍ، فإذا كانت مائتي درهَمٍ ففيها خمسة دراهم ... )) (¬3)، وقال - صلى الله عليه وسلم - في الذهب: (( ... فإذا كان لك عشرون ديناراً وحال عليها الحول ففيها نصف دينار, فما زاد ¬
فبحساب ذلك)) (¬1). فالواجب في زكاة عروض التجارة ربع عشر قيمتها، من الذهب، أو من الفضة بالأحظ لأهل الزكاة: مثال ذلك شخص يملك عقاراً قيمته عند تمام الحول مليون جنيه، فزكاته هي: مليون تقسيم أربعين، يساوي خمسة وعشرين ألف جنيهاً [1000.000 ÷ 40 = 25.000 جنيهاً] وشخص آخر له عروض تجارة قيمتها عند تمام الحول خمسون ألف ريالاً سعودياً، فزكاته: خمسون ألف تقسيم أربعين، يساوي: ألف ومائتين وخمسون ريالاً سعودياً. [50.000 ÷ 40 = 1250 ريالاً] وهكذا (¬2). ¬
الحادي عشر: زكاة الأسهم والسندات:
الحادي عشر: زكاة الأسهم والسندات: الأسهم والسندات معاملات معاصرة, تحتاج إلى فهمٍ لحقيقتها, ثم
1 - مفهوم الأسهم.
النظر في زكاتها على النحو الآتي: 1 – مفهوم الأسهم: ((الأسهم جمع سهم، وهو: حصةٌ في رأس مال شركة ما – أي شركة تجارية، أو عقارية، أو صناعية، ملاك أم شركة عقود – وكل سهم جزء من أجزاء متساوية لرأس المال)) (¬1). وقيل: ((الأسهم حقوق ملكية جزئية، لرأس مال كبير، للشركات المساهمة، أو التوصية بالأسهم، وكل سهم جزء من أجزاء متساوية لرأس المال)) (¬2). وقيل: ((السهم: هو صك يمثل حصة من الحصص المتساوية، المقسم إليها رأس المال المطلوب للمساهمة. وهذه المساهمة تخوِّل لصاحبها الحق في الحصول على ما يخصه من أرباح عند اقتسام الممتلكات، أو تحمَّل ما يخصه من الخسارة إن كانت)) (¬3). 2 – مفهوم السند: ((السند تعهد مكتوب: من البنك، أو الشركة، أو الحكومة لحامله بسداد مبلغ مقدر، من قرض في تاريخ معين، نظير فائدة مقدرة)) (¬4). وقيل: ((السند صك يتضمن تعهداً: من المصرف، أو الشركة، أو نحوهما لحامله بسداد مبلغ مقدر، في تاريخ معين، نظير فائدة مقدرة غالباً، ¬
3 - الفروق بين الأسهم والسندات:
بسبب قرضٍ عقدته شركة مساهمة، أو هيئة حكومية، أو أحد الأفراد)) (¬1). وقيل: ((السند هو جزء من قرض طويل الأجل، تدفع عليه فائدة ثابتة في ميعاد معين، وترد قيمته للمقرض في ميعاد متفق عليه)) (¬2). 3 - الفروق بين الأسهم والسندات: السهم ... السندات 1 - صك يمثل جزءاً من رأس المال. ... 1 - صك يمثل جزءاً من قرض, ولا تدخل قيمته في رأس المال. 2 - حامله شريك بقدر أسهمه. ... 2 - حامله دائن وليس بشريك. 3 - يصدر قبل تأسيس الشركة. ... 3 - يصدر بعد التأسيس لتوسيع الأعمال. 4 - كل شركة مساهمة لها أسهم. ... 4 - لا يلزم أن يكون للشركة المساهمة سندات. 5 - للمساهم حق الحضور والتصويت في الجمعيات العمومية. ... 5 - ليس لصاحبه الحق في الحضور والتصويت في الجمعيات العمومية. 6 - قد يفقد المساهم حصته بسبب إفلاس أو ديون الشركة. ... 6 - لا تقع عليه أي أخطار، بل يتأذى بإعسار الشركة ولكن حصته مضمونة. 7 - ربح المساهم يأخذه إذا ربحت الشركة وإلا فلا. ... 7 - لصاحب السند فائدة مضمونة في الموعد المحدد ربحت الشركة أم خسرت. 8 - لا يمكن إصداره بأقل من قيمته الإسمية. ... 8 - يمكن إصداره بأقل من قيمته الإسمية. 9 - أرباح السهم لا يعرف ميعاد دفعها بالضبط. ... 9 - تدفع الفائدة على السند في ميعاد محدد معروف. 10 - لا يمكن خصم كوبون السهم. ... 10 - يمكن خصم كوبون السند. 11 - لا تسدد قيمته إلا عند تصفية الشركة. ... 11 - للسند وقت محدد لسداده. 12 - لا يكون لحامله إلا ما فضل بعد أداء ما على الشركة من ديون. ... 12 - لحامله الأولوية عند تصفية الشركة لأنه يمثل جزءاً من ديونها. 13 - جواز المعاملة بالسهم بيعاً وشراء إذا كانت الشركة مباحة ومعروفة ومشهورة, وليس فيها غرر ولا جهالة. ... 13 - السند بهذه الصفات يحمل قرضاً بفائدة, وهذا العمل ¬
4 - حكم بيع الأسهم, على نوعين:
حرمه الله ورسوله، وهو من ربا الجاهلية، ومن تعامل به فهو يدخل تحت اللعنة، وهو محارب لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 4 - حكم بيع الأسهم, على نوعين: النوع الأول: أسهم في مؤسسات محرمة، أو مكسبها حرام، أو تتعاون على الإثم والعدوان كالمصارف: الربوية, والبنوك التي تتعامل بالربا، أو مؤسسات نوادي القمار، أو دور لهو ومجون، أو غير ذلك مما حرم الله تعالى, فالمعاملة في هذه المؤسسات وغيرها مما يشبهها حرام, سواء كانت: مساهمة, أو بيعاً للأسهم, أو تعاملاً، قال الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَابِ} (¬2). النوع الثاني: أسهم في مؤسسات مباحة: كالشركات التجارية المباحة، والصناعية المباحة، والعقارية المباحة، فهذه المساهمة فيها جائزة والمشاركة فيها وبيع أسهمها، بشرط أن تكون الشركة معروفة، والقائمون عليها ثقات أمناء يراقبون الله تعالى ويتقونه, وليس فيها غرر ولا جهالة، فهذه جائزة؛ لأن السهم جزء من رأس المال يعود على صاحبه بربح ناشئ من كسب التجارة والصناعة المباحة، وهذا حلال بلا شك (¬3). ¬
5 - حكم بيع السندات وشرائها.
5 - حكم بيع السندات وشرائها، والتعامل بها، إذا كانت على الصفات المذكورة في الجدول الموضح في الصفحة قبل السابقة، فهي عبارة عن قرض بفائدة، وهذا عين الربا، الذي كان موجوداً في الجاهلية، فإصدار هذه السندات من أول الأمر عمل غير شرعي، فيكون تداولها بالبيع والشراء غير جائز شرعاً، ولا يصح لحامل السند بيعه بهذه الصفات المذكورة آنفاً، وعليه التوبة، وله رأس ماله: لا يظلم, ولا يظلم (¬1). 6 - كيفية زكاة الأسهم: زكاة الأسهم على نوعين: النوع الأول: المساهمة في الشركات الصناعية المحضة مثل: شركات الأدوية، والكهرباء، والإسمنت، والحديد، ونحوها من الشركات الصناعية، والمشتركون فيها لا يريدون بيعها, وإنما يريدون استثمارها باستمرار دائم، فهذه تجب الزكاة في صافي أرباحها ربع العشر [2.5%] إذا بلغت الأرباح نصاباً وحال عليها الحول، فكل مساهمٍ يجب عليه تزكية أرباح أسهمه كل سنة بالشروط المتقدمة آنفاً، قياساً على العقارات المعدة للأجرة والكراء. النوع الثاني: المساهمة في شركات تجارية محضة، تشتري البضائع وتبيعها: كالاستيراد، والتصدير، والبيع, والشراء، والمضاربات، ونحوها من المساهمات في الشركات التجارية المباحة التي لا يقصد المساهم فيها الاستمرار دائماً, وإنما يقصد المتاجرة في البيع والشراء، طلباً للربح، فالزكاة واجبة في جميع ما يملك المساهم وزكاتها: زكاة عروض التجارة، تقوَّم في آخر كل عام, ثم تزكَّى إذا بلغت نصاباً مع أرباحها، فالزكاة تكون في رأس ¬
7 - زكاة السندات:
المال مع الربح جميعاً (¬1). وهذا التقسيم الذي يفتي به شيخنا الإمام عبدالعزيز ابن باز رحمه الله، قال رحمه الله: ((إذا كانت الأسهم للاستثمار لا للبيع فالواجب تزكية أرباحها، من النقود إذا حال عليها الحول وبلغت النصاب. أما إذا كانت الأسهم للبيع فإنها تزكى مع أرباحها كلما حال الحول على الأصل، حسب قيمتها حين تمام الحول ... )) (¬2). 7 - زكاة السندات: السندات المذكورة بصفاتها السابقة محرمة لا يجوز التعامل بها: بيعاً, وشراء، ولكن من وقع فيها فعليه التوبة وله رأس ماله، لا يظلم ولا يظلم، وعلى كل حال: فالسندات ديون مؤجلة، ولا يمنع من زكاتها كون الفائدة محرمة, إذ إن التحريم لا يكون سبباً في إعفاء صاحب السند من الزكاة. والصحيح من أقوال أهل العلم في زكاة الدين أنه على نوعين: النوع الأول: دينٌ على مليء معترفٍ به باذلٍ له، فعلى صاحبه زكاته كل سنة كلما حال عليه الحول كأنه عنده، وهو عند المدين كالأمانات (¬3). النوع الثاني: دينٌ على معسرٍ, أو جاحدٍ، أو مماطل، فالصحيح من ¬
الثاني عشر: أهل الزكاة ثمانية أصناف:
أقوال أهل العلم: أنه لا يلزم صاحب المال زكاته حتى يقبضه، ثم يستقبل به عاماً جديداً, فإذا حال عليه الحول بعد قبضه زكَّاه، ولو زكاه بعد قبضه عن سنة واحدة لما مضى كان أحسن وفيه احتياط، لكن لا يلزمه ذلك (¬1). وأختم هذه المسألة بسؤال وُجِّه للجنة الدائمة, للبحوث العلمية، والإفتاء، هذا نصه, وجوابه: س: هل على الأسهم والسندات زكاة؟ وكيف نخرجها؟ جـ: تجب الزكاة في الأسهم والسندات إذا كانت تمثل نقوداً، أو عروضاً للتجارة، بشرط أن يكون من في ذمته النقود ليس معسراً، ولا مماطلاً)) (¬2). الثاني عشر: أهل الزكاة ثمانية أصناف، على النحو الآتي: 1 - الفقير: وهو من لا يجد شيئاً، أو يجد أقل من نصف الكفاية، فتُكمّل له كفايته من النفقة، فيُعطى من الزكاة ما يكفيه حولاً كاملاً. 2 - المسكين: وهو من يجد نصف الكفاية أو أكثرها، فتُكمّل له كفايته من النفقة، فيُعطى من الزكاة ما يكفيه حولاً كاملاً. هذا إذا جمع بين لفظ الفقير ولفظ المسكين كما في آية مصارف الزكاة، أما إذا أطلق لفظ أحدهما ولم يذكر الآخر دخل أحدهما في الآخر: ¬
3 - العامل عليها.
فالفقير هو المسكين، والمسكين هو الفقير؛ ولهذا يقال: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا: مثل لفظ الإسلام ولفظ الإيمان. 3 - العامل عليها: وهو الجابي، والحافظ، والكاتب والقاسم فيُعطى بقدر أجرته من الزكاة حتى لو كان غنيًّا، إلا إذا كان له مرتب من بيت مال المسلمين فلا يُعطى من الزكاة؛ لأنه إنما أعطي من الزكاة بقدر أجرته وقد حصل له ذلك. 4 - المؤلَّف: وهو السيد المطاع في عشيرته ممن يُرجى إسلامه، أو يُخشى شرّه، أو يُرجى بعطيته قوة إيمانه، فيُعطى من الزكاة ما يحصل به التأليف؛ لترغيبه في الإسلام، أو كفّ شرّه، أو قوّة إيمانه, أو تأثيره على أتباعه في دخولهم في الإسلام. 5 - المكاتَب: يُعطى من الزكاة ما يقضي دينه، ويفكّ منها الأسير المسلم، ويجوز العتق منها لعموم الآية. 6 - الغارم: وهو من تدين للإصلاح بين الناس ولو كان غنيًّا، أو تدين لنفسه وأعسر، فلم يستطع القضاء فيُعطى ما يقضي به دينه. 7 - الغازي في سبيل الله: الذي ليس له مرتب ولو كان غنيًّا؛ لأنه لحاجة المسلمين وهو متطوع، أما الغزاة الذين لهم ديوان فلا يُعطون من الزكاة، فيُعطى الغازي المذكور ما يحتاج إليه في غزوه. 8 - ابن السبيل: وهو الغريب المنقطع المسافر لغير بلده، فيُعطى ما يوصله إلى بلده ولو كان غنيًّا في بلده إذا لم يجد من يقرضه. الثالث عشر: أصناف الذين لا يصحّ دفع الزكاة إليهم:
1 - آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -
على النحو التالي: 1 – آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم بنو هاشم؛ لأن الزكاة محرّمة عليهم؛ لأنها أوساخ الناس. 2 – الأغنياء بمال أو كسب. 3 – الكفار إلا المؤلَّفة قلوبهم سواء كان الكافر أصليَّا أو مرتدًّا. 4 – الرقيق المملوك؛ لأن نفقته على سيده. 5 – من تلزم نفقته: كالزوجة، ووالديه وإن علوا، وأولاده وإن نزلوا، الوارث منهم وغيره. 6 – الفاسق والمبتدع الذين يصرفونها في المعاصي؛ لأن من أظهر بدعةً أو فجوراً يستحق العقوبة بالهجر وغيره والاستتابة، فكيف يُعان على ذلك، فينبغي للإنسان أن يتحرّى بزكاته المستحقين من أهل الدين المتّبعين للشريعة. 7 – جهات الخير من غير الأصناف الثمانية: كبناء المساجد، وإصلاح الطرق، وتجهيز الأموات، ودور تحفيظ القرآن الكريم، وغير ذلك من الجهات الخيرية. والزكاة حق الله، لا تجوز المحاباة فيها لمن لا يستحقّها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً، أو يدفع شرًّا، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب دفعها لهم؛ لكونهم من أهلها (¬1). ¬
والله أسأل التوفيق والقبول، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا وأسوتنا محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. تمت بحمد الله تعالى الرسالة الخامسة، ويليها إن شاء الله تعالى الرسالة السادسة ((زكاة الفطر))