زكاة بهيمة الأنعام السائمة

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((زكاة بهيمة الأنعام)) من الإبل، والبقر، والغنم، التي أنعم الله بها على عباده؛ ليعبدوه، ويشكروه، بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم بهيمة الأنعام السائمة، وشروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام، وحكم زكاة بهيمة الأنعام، والأنصباء المقدرة شرعاً في بهيمة الأنعام مع توضيح ذلك بالجداول المرسومة، وذكر مسائل خاصة في زكاة الإبل، ثم مسائل عامة في زكاة بهيمة الأنعام. وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، ورفع منزلته. والله أسأل أن يجعل هذه الرسالة: مباركة، خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفعني بِهَا في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع بِهَا كلّ من اطّلع عليها، أو قرأها، أو نشرها، أو أعان على الاستفادة منها؛ فإنه سبحانه وتعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف: أبو عبد الرحمن حرر عشية السبت 24/ 1/1426هـ‍

زكاة السائمة من بهيمة الأنعام: الإبل، والبقر، والغنم:

زكاة بهيمة الأنعام السائمة الأموال التي تجب فيها الزكاة أربعة أصناف: السّائمة من بَهِيمة الأنعام، والخارج من الأرض: من الحبوب والثمار، والذهب والفضة، وعروض التجارة. زكاة السائمة (¬1) من بهيمة (¬2) الأنعام (¬3): الإبل، والبقر، والغنم: تجب الزكاة في بهيمة الأنعام بشروط أربعة: الشرط الأول: أن تتخذ للدرِّ والنسل، والتسمين، لا للعمل؛ فإن الإبل المعدَّة للعمل والركوب، والسقي، وبقر الحرث والسقي لا زكاة فيها عند جمهور العلماء (¬4). ¬

_ (¬1) السائمة: الراعية، سميت السائمة؛ لأنها تسم الأرض بأثرها بحثاً عن الكلأ، قال الفيومي رحمه الله: ((سامت السائمة سوماً، من باب قال: رعت بنفسها، ويتعدّى بالهمز فيقال: أسامها راعيها)) [المصباح المنير، مادة: سوم. ص113]. وقال الجوهري: سامت الماشية: رعت، وأسمتها: أخرجتها إلى الرعي، [انظر: النهاية في غريب الحديث 2/ 426] ومنه قوله تعالى: {فِيهِ تُسِيمُونَ} [سورة النحل، الآية: 10]. (¬2) بهيمة: سميت بهيمة؛ لأنّها لا تتكلم بكلام يفهمه الناس؛ ولما في صوتِهَا من الإبْهَام، أما مع بعضها فتتكلم بكلام تفهمه بينها، وقد قال موسى لفرعون لما سأله: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى}، قال: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [سورة طه، الآية: 50] وبهيمة الأنعام: هي الإبل، والبقر، والغنم، قال تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [سورة المائدة، الآية: 1]. (¬3) بُدِئ بذكر بهيمة الأنعام فقدمت على أصناف الأموال الزكوية اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - حينما ذكر زكاة الأنعام فقدمها على غيرها، واقتداء بالصديق - رضي الله عنه - في كتابه لأنس - رضي الله عنه -[أخرجه البخاري وسيأتي تخريجه إن شاء الله تعالى]؛ ولأن أكثر العرب في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - حول المدينة بادية أهل نعم، والأنعام غالب أموال العرب [انظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، 3/ 186، وشرح زاد المستقنع، 6/ 51]. (¬4) قال ابن قدامة رحمه الله في المغني، 4/ 12: (( ... والعوامل؛ ... لا زكاة فيها عند أكثر أهل العلم، وحُكي عن مالك: أن في الإبل النواضح والمعلوفة الزكاة؛ لعموم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((في كل خمس شاةٌ)). قال أحمد: ((ليس في العوامل زكاة، وأهل المدينة يرون فيها الزكاة، وليس عندهم في هذا أصل)) وذكر صاحب الإنصاف أن العوامل ليس فيها زكاة ولو كانت سائمة قال: ((نص عليه علي في رواية جماعة [الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 6/ 390]؛ ولما روي عنه - رضي الله عنه - مرفوعاً ((ليس في البقر العوامل صدقة)) أخرجه أبو داود 2/ 229 تحقيق عزت عبيد الدعاس، وأخرجه الدارقطني، 2/ 103 ط دار المحاسن، وصححه ابن القطان كما في نصب الراية، 2/ 353 وفي التعليق المغني، 2/ 103 قال: ((هذا سند صحيح، وكل من فيه ثقة معروف، ولا أعني رواية الحارث وإنما أعني رواية عاصم)) [وانظر لزيادة التخريج: الموسوعة الفقهية 23/ 251، وتخريج الروض المربع للدكتور عبد الله الغصن ومجموعة من طلاب العلم، 4/ 39].

الشرط الثاني: السوم أكثر الحول.

الشرط الثاني: السوم أكثر الحول، ومعنى السائمة: الراعية، أما المعلوفة وهي التي يعلفها صاحبها وينفق عليها، ولا ترعى أكثر الحول فلا زكاة فيها عند جمهور أهل العلم (¬1)؛ لحديث علي - رضي الله عنه - مرفوعاً، وفيه: (( ... وفي البقر في كل ثلاثين تبيع، وفي الأربعين مسنة، وليس على العوامل شيء ... )) (¬2) وأما السائمة أكثر الحول ففيها الزكاة؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -، وفيه: (( ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ... )) (¬3)؛ ولحديث بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((في كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون ... )) (¬4) أما السائمة ¬

_ (¬1) وحكي عن الإمام مالك رحمه الله: أن المعلوفة فيها الزكاة، والصواب قول الجمهور. انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 12. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1572 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 434. (¬3) البخاري، كتاب الزكاة، باب في زكاة الغنم، برقم 1454. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1575، والنسائي، كتاب الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، برقم 2444، 2449، وأحمد، 5/ 2، 4، وغيرهم، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436، وفي صحيح النسائي، 2/ 18، وانظر: تلخيص الحبير، 1/ 160.

الشرط الثالث: أن يحول عليها الحول عند مالكها حولا كاملا.

التي أعدها مالكها للتجارة فزكاتها زكاة عروض التجارة. الشرط الثالث: أن يحول عليها الحول عند مالكها حولاً كاملاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) (¬1). ويستثنى نتاج السائمة، فحولها حول أمهاتها، فتزكى مع أمهاتها إن كانت الأمهات بلغت نصاباً، فإن لم تبلغ الأمهات نصاباً فبداية الحول من كمال النصاب بالنتاج، ومثال ذلك: رجل عنده أربعون شاة فولدت كل واحدة ثلاثة إلا واحدة ولدت أربعة، فأصبحت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان، مع أن النتاج لم يحل عليه الحول؛ ولكنه يتبع الأصل (¬2). الشرط الرابع: أن تبلغ النصاب الشرعي، وأما ما دون النصاب من الأعداد اليسيرة فلا زكاة فيها، ونصاب بهيمة الأنعام بالتفصيل على النحو الآتي: أولاً: نصاب الإبل لا زكاة فيها حتى تبلغ خمس ذود، وهذا أقل نصاب الإبل، وتفصيل ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بِها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سُئل فوقها فلا يعط: في أربع ¬

_ (¬1) ابن ماجه، برقم 1792، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 98، وتقدم تخريجه في الشرط الخامس من شروط الزكاة في منزلة الزكاة في الإسلام، وتقدم هناك ذكر جملة من الأحاديث في عدم وجوب الزكاة في المال حتى يحول عليه الحول إلا ما استثني. (¬2) المقنع مع الشرح الكبير، 6/ 314 - 320، والشرح المختصر للفوزان، 2/ 241، والشرح الممتع، 6/ 22 - 23.

وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم (¬1) من كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض (¬2) أنثى، فإذا بلغت ستّاً وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون أنثى (¬3)، فإذا بلغت ستّاً وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل (¬4) فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة (¬5)، فإذا بلغت- يعني ستّاً وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها، فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة ... )) (¬6) (¬7). ¬

_ (¬1) قوله: ((من الغنم)) قال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري، 3/ 319: ((كذا للأكثر، وفي رواية ابن السكن بإسقاط ((من)) وصوَّبَها بعضهم، وقال عياض: من أثبتها فمعناه زكاتها: أي الإبل من الغنم، ومن للبيان لا للتبعيض، ومن حذفها فالغنم مبتدأ، والخبر مضمر في قوله: ((في كل أربع وعشرين)) وما بعده وإنما قدم الخبر؛ لأن الفرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب فحسن التقديم)). (¬2) بنت المخاض: هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها، والمخاض: الحامل: أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل. فتح الباري لابن حجر، 3/ 319. (¬3) بنت لبون وابن لبون: هو الذي دخل في ثالث سنة، فصارت أمه لبوناً بوضع الحمل. فتح الباري، لابن حجر، 3/ 319. (¬4) حقة: وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة. فتح الباري، 3/ 319. (¬5) جذعة: وهي التي أتت عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة، فتح الباري، 3/ 319. (¬6) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة الغنم، برقم 1454. (¬7) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة)) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني، 4/ 20: ((ظاهر هذا أنها إذا زادت على العشرين والمائة واحدةً ففيها ثلاث بنات لبون وهو إحدى الروايتين عن أحمد ومذهب الأوزاعي والشافعي وإسحاق، والرواية الثانية: لا يتغير الفرض إلى ثلاثين ومائة فيكون فيها حقة وبنتا لبون، وهذا مذهب محمد بن إسحاق بن يسار وأبي عبيد، ولمالك روايتان؛ لأن الفرض لا يتغير بزيادة الواحدة بدليل سائر الفروض، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون)) والواحدة زيادة، وقد جاء مصرحاً به في حديث الصدقات الذي كتبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان عند آل عمر بن الخطاب، رواه أبو داود والترمذي، وقال: هو حديث حسن وقال ابن عبدالبر: ((هو أحسن شيء رُوي في أحاديث الصدقات ... )) المغني، 4/ 21 وفيه: ((فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعاً وعشرين ومائة، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة، حتى تبلغ تسعاً وثلاثين ومائة، فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون، حتى تبلغ تسعاً وأربعين ومائة، فإذا كانت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق، حتى تبلغ تسعاً وخمسين ومائة، فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون، حتى تبلغ تسعاً وستين ومائة، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة، حتى بلغ تسعاً وسبعين ومائة، فإذا كانت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون، حتى تبلغ تسعاً وثمانين ومائة، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وبنت لبون، حتى تبلغ تسعاً وتسعين ومائة، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت أخذت ... )) [أبو داود، برقم 1570 وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 433].

ويوضح ذلك الجدول الآتي: زكاة الإبل المقدار ... زكاته من ... إلى 5 ... 9 ... شاة 10 ... 14 ... شاتان 15 ... 19 ... ثلاث شياه 20 ... 24 ... أربع شياه 25 ... 35 ... بنت مخاض ... فإن لم توجد أجزأ ابن لبون ذكر 36 ... 45 ... بنت لبون 46 ... 60 ... حقة

وجوب الزكاة فيها بالسنة والإجماع:

61 ... 75 ... جذعة 76 ... 90 ... بنتا لبون 91 ... 120 ... حقتان 121 ... 129 ... ثلاث بنات لبون * ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة ففي 130 بنتا لبون وحقة، وفي 140 حقتان وبنت لبون، وفي 150 ثلاث حقاق، وفي 160 أربع بنات لبون، وفي 170 ثلاث بنات لبون وحقة، وفي 180 حقتان وابنتا لبون، وفي 190 ثلاث حقاق وبنت لبون، وفي 200 أربع حقاق أو خمس بنات لبون، أي السنين وجدت أخذت، وهكذا في كل خمسين حقة، وفي كل أربعين بنت لبون. [أبو داود 1570]. وتجب الزكاة في الإبل بالشروط المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها بالسنة والإجماع: أما السنة: فلحديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ومن سئل فوقها فلا يعطِ ... )). ثم ذكر أنواع الأنصباء في الإبل (¬1)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قَرْقَرٍ (¬2) أوفر ما كانت، لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولها رُدَّ عليه ¬

_ (¬1) البخاري، برقم 1454. (¬2) بقاع قرقر: المكان المستوي.

وأما الإجماع،.

آخرها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ... )) (¬1). وأما الإجماع، فأجمع على وجوب الزكاة في الإبل علماء الإسلام (¬2). مسائل في زكاة الإبل: 1 - الجبران في زكاة الإبل فقط، وهو أن من وجبت عليه فريضة فلم يجدها فله أن يخرج فريضة أعلى منها بسنة ويأخذ شاتين أو عشرين درهماً أو فريضة أدنى منها بسنة ويدفع معها شاتين أو عشرين درهماً؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -: ((من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة، فإنّها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن تيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة، فإنّها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدِّق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون، فإنّها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وعنده حقة؛ فإنّها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدِّق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض، فإنّها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهماً أو شاتين)) (¬3). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، برقم 1402، ومسلم، برقم 987، 988، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام، رقم البند 13. (¬2) الشرح الكبير لابن قدامة، 6/ 394. (¬3) البخاري، كتاب الزكاة، باب من بلغت عنده صدقة بنت مخاض وليست عنده، برقم 1453.

2 - من بلغت صدقته بنت مخاض ولم تكن عنده وعنده ابن لبون.

2 - من بلغت صدقته بنت مخاض ولم تكن عنده وعنده ابن لبون، فإنه يقبل منه بدون أخذ الجبران؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - الذي كتبه له أبو بكر - رضي الله عنه -، وفيه في رواية أبي داود: (( ... فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين؛ فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبونٍ ذكر ... )) (¬1). 3 - الذي يؤخذ في زكاة الإبل الإناث دون الذكور إلا ابن اللبون إذا عدمت بنت المخاض؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - السابق ذكره. 4 - الشاة التي تؤخذ في زكاة الإبل وكذلك في جبران زكاة الإبل: إن كانت أنثى جذعة من الضأن أو ثنية من المعز فما فوق ذلك أجزأت بلا نزاع، والجذعة ما لها ستة أشهر، والثنية ما لها سنة (¬2). 5 - إن تطوع المزكي فأخرج سنّاً أعلى من السن الواجب جاز، مثل: أن يخرج بنت لبون عن بنت مخاض، أو حقة عن بنت لبون، أو عن بنت مخاض، أو عن الجذعة ابنتي لبون أو حقتين، قال ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم فيه خلافاً)) (¬3)؛ لحديث أبي كعب - رضي الله عنه - وفيه: أن رجلاً وجبت عليه في زكاة إبله ابنة مخاض فأعطى ناقة عظيمة فامتنع منها رسولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطلب منه أن يقبلها بدلاً من ابنة مخاض، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ذاك الذي عليك، فإن تطوّعت بِخَير ¬

_ (¬1) سنن أبي داود، كتاب الزكاة، بابٌ في زكاة السائمة، برقم 1567، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 430، وأصله في البخاري. (¬2) أما الذكر فيحتمل أن يجزئ لصدق اسم الشاة عليه وهو المعتمد عند المالكية، والأصح عند الشافعية. [انظر: الموسوعة الفقهية، 23/ 255، والمغني لابن قدامة، 4/ 14]. (¬3) المغني، 4/ 18، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 397.

6 - يخرج عن إبله من جنسها، فيخرج عن البخاتي بختية، وعن العراب عربية

آجرك الله فيه، وقبلناه منك)) قال: فها هي ذِه يا رسول الله قد جئتك بها فخذها، فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبضها ودعا له في ماله بالبركة (¬1). 6 - يخرج عن إبله من جنسها، فيخرج عن البخاتي بختية، وعن العراب عربية، وعن الكرام كريمة، وعن السمان سمينة، وعن اللئام والهزال لئيمة هزيلة، فإن أخرج عن البخاتي عربية بقيمة البختية جاز؛ لأن القيمة مع اتحاد الجنس هي المقصود، والله تعالى الموفق (¬2). 7 - لا مدخل للجبران في غير الإبل؛ لأن النص فيها ورد، وليس غيرها في معناها؛ لأنّها أكثر قيمة؛ ولأن الغنم لا تختلف فريضتها باختلاف سنها، فمن عدم فريضة البقر أو الغنم ووجد دونها لم يجز له إخراجها فإن وجد أعلى منها فأحب أن يتطوع بدفعها بغير جبران قبلت منه، وإن لم يفعل كلِّف شراءها من غير ماله (¬3). 8 - يجزئ الذكر إذا كان المال كله ذكوراً، سواء كان من إبل، أو بقر، أو غنم؛ لأن الزكاة مواساة فلا يكلفها من غير ماله (¬4)؛ لأن في حديث أنس الذي كتب له أبو بكر رضي الله عنهما: (( ... فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر)) (¬5)؛ ولقول الله تعالى: {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُمْ} (¬6). ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1583، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 439. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 20. (¬3) المغني لابن قدامة، 4/ 29. (¬4) المرجع السابق، 4/ 34. (¬5) أبو داود، برقم 1567، وتقدم تخريجه في المسألة رقم 2. (¬6) سورة التغابن، الآية: 16.

يجزئ الذكر في الزكاة في مواضع:

وعلى هذا فيجزئ الذكر في الزكاة في مواضع: الأول: التبيع في الثلاثين من البقر. الثاني: ابن اللبون عن بنت المخاض إذا لم توجد بنت المخاض. الثالث: إذا كان المال كله ذكوراً (¬1). الرابع: التيس إذا شاء المصدِّق بأن كانت هناك مصلحة في أخذه (¬2). ثانياً: نصاب زكاة البقر؛ لا زكاة فيها حتى تبلغ ثلاثين، وهذا أقل نصاب البقر، وتفصيل ذلك في حديث علي - رضي الله عنه -، وفيه: ((وفي البقر في كل ثلاثين تبيع (¬3)، وفي الأربعين مسنة (¬4)، وليس على العوامل شيء ... )) (¬5)؛ ولحديث معاذ ابن جبل - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن، أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة، ومن كل حالمٍ - يعني محتلماً - ديناراً أو عَدْله من المعافر - ثياب تكون باليمن -)) (¬6)؛ ¬

_ (¬1) قال في الإفصاح، 1/ 203: ((واختلفوا فيما إذا كانت غنمه إناثاً كلها، أو ذكوراً وإناثاً، أو أحدها ما الذي يؤخذ من كل واحد؟ فقال أبو حنيفة: يجزئ أخذ الذكر من الكل، وقال مالك والشافعي وأحمد: إذا كانت إناثاً كلها، أو ذكوراً وإناثاً لم يجز فيها إلا الأنثى، وإن كانت كلها ذكوراً أجزأ فيها الذكر)). (¬2) البخاري، كتاب الزكاة، باب زكاة النعم، برقم 1454، وأبو داود كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1570. (¬3) التبيع: ما كمَّل سنة ودخل في الثانية، والتبيع جذع البقر. المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 421. (¬4) المسنة: ما كملت سنتين ودخلت في الثالثة، والمسنة: هي ثنية البقر. المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 421. (¬5) أبو داود، برقم 1572، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 434، وتقدم تخريجه في الشرط الثاني من شروط وجوب الزكاة في بهيمة الأنعام. (¬6) أبو داود بلفظه، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1576، والنسائي، كتاب، الزكاة، باب زكاة البقر، برقم 2449 - 2452، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر، برقم 623، وابن ماجة، كتاب الزكاة، باب صدقة البقر، برقم 1471 - 1830، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 437، وفي صحيح الترمذي، 1/ 333، وفي صحيح ابن ماجة، 2/ 103.

وجوب الزكاة فيها: بالسنة، وإجماع علماء الإسلام:

ولحديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((في ثلاثين من البقر تبيع، أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة)) (¬1) ثم تستقرض الفريضة: في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة. ويوضح ذلك الجدول الآتي: زكاة البقر المقدار ... زكاته من ... إلى 30 ... 39 ... تبيع أو تبيعة 40 ... 59 ... مسنة 60 ... 69 ... تبيعان أو تبيعتان 70 ... 79 ... تبيع ومسنة وهكذا في كل 30 تبيع أو تبيعة وفي كل 40 مسنة * التبيع أو التبيعة: ما له سنة. * المسنة: ما لها سنتان. وتجب الزكاة في البقر بالشروط المذكورة المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها: بالسنة، وإجماع علماء الإسلام: أما السنة؛ فلحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل ثلاثين تبيعاً أو تبيعة، ومن كل أربعين مسنة ... (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع ¬

_ (¬1) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر، برقم 622، وابن ماجة، كتاب الزكاة، باب صدقة البقر، برقم 1472 - 1831، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 343، وفي صحيح ابن ماجة، 2/ 104. (¬2) أبو داود، برقم 1576، والترمذي، برقم 623، وابن ماجه، ويأتي تخريجه قريباً.

وأما الإجماع

قرقرٍ (¬1) لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاءُ (¬2) ولا جلحاء (¬3) ولا عضباء (¬4) تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها، كلما مرت عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬5). وأما الإجماع فقال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وأما الإجماع فلا نعلم اختلافاً في وجوب الزكاة في البقر)) (¬6). ثالثاً: نصاب زكاة الغنم، لا زكاة فيها حتى تبلغ أربعين وهو أقل نصاب الغنم، وتفصيل ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: ((بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطِ ... )) الحديث وذكر فيه زكاة الإبل، ثم قال: (( ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائةٍ: شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين: شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاثٌ، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصةً من أربعين شاةً ¬

_ (¬1) القاع القرقر: القاع المستوي الواسع من الأرض، يعلوه ماء السماء فيمسكه. (¬2) العقصاء: ملتوية القرنين. (¬3) الجلحاء: التي لا قرن لها. (¬4) العضباء: التي كسر قرنها الداخل. (¬5) متفق عليه: البخاري، برقم 1402، ومسلم، برقم 987، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة. (¬6) المغني، 4/ 31.

واحدةً فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها ... )) (¬1) (¬2). ويوضح ذلك الجدول الآتي: زكاة الغنم المقدار ... زكاته من ... إلى ¬

_ (¬1) البخاري، برقم 1454، وتقدم تخريجه. (¬2) قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت على مائتين إلى ثلاث مائة ففيها ثلاث شياه، فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاة)) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ظاهر هذا القول: إن الفرض لا يتغير بعد المائتين وواحدةً حتى يبلغ أربع مائة فيجب في كل مائة شاةً، ويكون الوقص ما بين المائتين وواحدة إلى أربع مائة وذلك مائة وتسعة وتسعون، وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وقول أكثر الفقهاء، وعن أحمد رواية أخرى أنها إذا زادت على ثلاثمائة واحدة [ففيها] أربع شياه، ثم لا يتغير الفرض حتى تبلغ خمسمائة فيكون في كل مائة شاة ويكون الوقص الكبير ما بين ثلاثمائة وواحدة إلى خمسمائة، وهو أيضاً مائة وتسعة وتسعون، وهذا اختيار أبي بكر، وحكي عن النخعي والحسن بن صالح؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الثلاثمائة حدّاً للوقص وغايةً له، فيجب أن يتعقبه تغيُّر النصاب كالمائتين، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا زادت ففي كل مائة شاة)) وهذا يقتضي أن لا يجب في دون المائة شيء، وفي كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب ((فإذا زادت على ثلاثمائة واحدة فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة شاة ففيها أربع شياهٍ)) وهذا نص لا يجوز خلافه إلا بمثله أو أقوى منه، وتحديد النصاب لاستقرار الفريضة لا لغاية والله أعلم)) [المغني، 4/ 40، والشرح الكبير، 6/ 442] ولفظ كتاب الصدقات الذي كان عند آل عمر، واضح وفيه: (( ... وفي الشاءِ، في كل أربعين شاةً إلى عشرين ومائة، فإذا زادت فشاتان إلى مائتين، فإذا زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة شاة، فإذا زادت على ثلاث مائة شاة، ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة)) وفي لفظ أبي داود: (( ... فإن زادت واحدة على المائتين ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإن كانت الغنم أكثر من ذلك ففي كل مائة شاهٍ شاة، وليس فيها شيء حتى تبلغ المائة ... )) [أبو داود، برقم 1568، والترمذي، برقم 621، وابن ماجه، برقم 473 - 1832، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 432، وفي صحيح الترمذي، 1/ 342، وفي صحيح ابن ماجه، 2/ 104].

وجوب الزكاة فيها ثابت بالسنة والإجماع:

40 ... 120 ... شاة 121 ... 200 ... شاتان 201 ... 300 ... ثلاث شياه فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، ففي 400 أربع شياه، وفي 500 خمس شياه، وفي 600 ست شياه، وفي 700 سبع شياه، وهكذا. وليس فيما بين الثلاثمائة وأربعمائة شيء؛ لحديث الصدقات الذي كان عند آل عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وفيه: (( ... فإذا زادت على ثلاث مائة ففي كل مائة شاةٍ شاةٌ، ثم ليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة ... )) (¬1). وتجب زكاة الغنم بالشروط الأربعة المتقدمة، ووجوب الزكاة فيها ثابت بالسنة والإجماع: أما السنة؛ فلحديث أنس - رضي الله عنه - في كتاب أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، وقد تقدم ذكره آنفاً (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه: (( ... ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بُطح لها بقاع قرقرٍ لا يفقد منها شيئاً ليس فيها عقصاءُ، ولا جلحاء، ولا عضباء، تنطحه بقرونها، وتطؤه بأظلافها كلما مرت عليه أولاها رُدَّ عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬3). وأما الإجماع؛ فأجمع العلماء على وجوب الزكاة في الغنم (¬4). ¬

_ (¬1) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في زكاة الإبل والغنم، برقم 621، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 343، وهو في سنن أبي داود، برقم 1568. (¬2) البخاري، برقم 1454، وتقدم تخريجه. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1402، ومسلم، برقم 977، وتقدم تخريجه. (¬4) المغني لابن قدامة، 4/ 38.

الجدول العام لزكاة السائمة من بهيمة الأنعام

الجدول العام لزكاة السائمة (¬1) من بهيمة الأنعام (¬2) لا يؤخذ في الصدقة: تَيس، ولا هَرمة، ولا معيبة، ولا شِرار المال. لا يؤخذ في الصدقة: الهزيلة، ولا المخاض، ولا الأكولة، ولا خيار المال. الغنم المقدار [من - إلى] ... زكاته 40 - 120 ... شاة 121 - 200 ... شاتان 201 - 300 ... ثلاث شياه ثم في كل 100 شاة الإبل المقدار [من - إلى] ... زكاته 5 - 9 ... شاة 10 - 14 ... شاتان 15 - 19 ... ثلاث شياه 20 - 24 ... أربع شياه 25 - 35 ... بنت مخاض 36 - 45 ... بنت لبون 46 - 60 ... حقة 62 - 75 ... جذعة 76 - 90 ... بنتا لبون 91 - 120 ... حقتان 121 - 129 ... ثلاث بنات لبون ثم في كل أربعين بنت لبون. وفي كل خمسين حقة. بنت مخاض: بنت سنة، وسميت بذلك؛ لأن أمها حامل. بنت لبون: ما لها سنتان، وسميت بذلك؛ لأن أمها ذات لبن. حقة: ما لها ثلاث سنين، وسميت بذلك؛ لأنها استحقت الركوب. جذعة: ما لها أربع سنين. البقر المقدار [من - إلى] ... زكاته 30 - 39 ... تبيع أو تبيعة 40 - 59 ... مُسنَّة 60 - 69 ... تبيعتان ثم في كل 30 تبيع وفي كل 40 مُسنَّة التبيع أو التبيعة: ما لها سنة. المُسنَّة: ما لها سنتان. ¬

_ (¬1) السائمة: الراعية الحول أو أكثره في الصحاري والقفار. (¬2) انظر: منزلة الزكاة في الإسلام، للمؤلف، ص114.

مسائل في زكاة بهيمة الأنعام

مسائل في زكاة بهيمة الأنعام 1 - لا يأخذ المُصَدِّق في الصدقة: هرمة، ولا ذات عوارٍ، ولا تيس؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له: ((التي أمر الله رسولَه - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخرج في الصدقة هرمةٌ (¬1)، ولا ذاتُ عوارٍ (¬2)، ولا تيس إلا أن يشاء المصدِّق (¬3))) (¬4)، وفي حديث آل عمر بن الخطاب في الصدقة: ((ولا يؤخذ في الصدقة هرمةٌ، ولا ذات عوارٍ من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المُصدِّق)) (¬5). وعن عبد الله بن معاوية الغاضري - رضي الله عنه -، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طعْم الإيمان: من عَبَدَ الله وحده؛ وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة مالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نفسه، رافدةً (¬6) عليه كلَّ عام، ولا يعطي: الهرمة، ولا الدَّرنة (¬7) ولا المريضة، ولا الشَّرَط اللئيمة (¬8)، ولكن من وسط أموالكم، فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره)) (¬9). ¬

_ (¬1) الهَرِمَة: الهرم أقصى الكبر، فهرمة: كبيرة جدّاً، [لسان العرب، 12/ 607]. (¬2) ذات عوار: المعيبة التي لا يُضحى بها. الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير، 6/ 445. (¬3) المصدِّق: العامل الساعي لأخذ الزكاة، والمصدَّق بالفتح صاحب المال. الشرح الكبير 6/ 445 وجامع الأصول، 4/ 605. (¬4) البخاري، برقم 1455، وتقدم تخريجه. (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1570، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 433. (¬6) رافدة عليه كل عام: الرفد: الإعانة: أي تعينه نفسه على أدائها كل عام. النهاية في غريب الحديث، 2/ 241. (¬7) الدرنة: الجرباء، وأصله من الوسخ. ((النهاية في غريب الحديث)). (¬8) الشرط اللئيمة: رذال المال، وقيل: شراره وصغاره. ((النهاية في غريب الحديث)). (¬9) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1580، وصححه الألباني في سنن أبي داود، 1/ 438.

2 - لا يأخذ المصدق كرائم الأموال ولا خياره

وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - على من أعطى في الزكاة فصيلاً مهزولاً، فعن وائل بن حجر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث ساعياً فأتى رجلاً، فآتاه فصيلاً مخلولاً (¬1) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بعثنا مصدِّق الله ورسوله وإن فلاناً أعطاه فصيلاً مخلولاً، اللهم لا تبارك فيه ولا في إبله)) فبلغ ذلك الرجل فجاء بناقة حسناء، فقال: أتوب إلى الله - عز وجل - وإلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بارك فيه وفي إبله)) (¬2). 2 - لا يأخذ المصدِّق كرائم الأموال ولا خياره ولكن من الوسط؛ لحديث معاذ - رضي الله عنه - حينما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن وفيه: ((فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) (¬3). قال الزهري: ((إذا جاء المصدِّق قُسِّمت الشاء أثلاثاً: ثلثاً شراراً، وثلثاً خياراً، وثلثاً وسطاً، فأخذ المصدِّق من الوسط)) (¬4) (¬5). 3 - ما بين الفريضتين في زكاة بهيمة الأنعام أوقاص ولا زكاة في الأوقاص، مثل الزيادة على الخمس في الإبل إلى التسع، وعلى ¬

_ (¬1) مخلولاً: مهزولاً، وهو الذي جُعل على أنفه خلال، لئلا يرضع أمه فتهزل، ((النهاية في غريب الحديث)) وانظر: جامع الأصول، 4/ 605. (¬2) النسائي، كتاب الزكاة، باب الجمع بين المتفرق والتفريق بين المجتمع، برقم 2457، وصحح إسناده الألباني في صحيح سنن النسائي، 2/ 185. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1295، ومسلم، برقم 19، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1568، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 432. (¬5) ولا يؤخذ في الصدقة: الحامل، ولا الماخض، وهي التي قد حان ولادها، ولا تؤخذ الرُّبَى: التي تربي ولدها، أو التي تربَّى في البيت لأجل اللبن، ولا طروقة الفحل التي طرقها الفحل؛ لأنها تحمل غالباً، ولا تؤخذ الأكولة، التي أعدت للأكل إلا أن يشاء ربها: أي صاحب هذه الأموال: [الشرح الكبير، 6/ 446، والروض المربع، 4/ 64].

4 - إرضاء المصدق الساعي الآخذ للزكاة وإن ظلم.

العشر إلى أربع عشرة، إلى نِهاية أوقاص الإبل، وكذلك أوقاص البقر، والغنم لا زكاة فيها عفواً وترغيباً للملاك، وشكراً لهم على أداء الحق (¬1). 4 - إرضاء المصدِّق الساعي الآخذ للزكاة وإن ظَلَمَ؛ لحديث جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: جاء ناس - يعني من الأعراب - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: إن ناساً من المصدِّقين يأتوننا، فيظلموننا؟ قال: فقال: ((أرضوا مصدِّقيكم)) قالوا: يا رسول الله! وإن ظلمونا؟ قال: ((أرضوا مصدقيكم)) وفي زيادة: ((وإن ظُلِمْتُم)) قال جرير: ما صدر عني مُصدِّقٌ – بعدما سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا وهو عني راضٍ وفي لفظ للترمذي: ((إذا أتاكم المصدق فلا يفارقنكم إلا عن رضا)) (¬2). 5 - عمال الصدقة السعاة الذين يرسلهم الإمام المسلم، عن عطاء مولى عمران: أن عمران بن الحصين استعمل على الصدقة فلما رجع قيل له: أين المال؟ قال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووضعناه حيث كنا نضعه (¬3). وعن أحمد بن حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد يقال له: ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه قال: هذا مالكم وهذا أُهدي إليّ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك ¬

_ (¬1) إرشاد أولي البصائر والألباب إلى نيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، ص130. (¬2) مسلم، كتاب الزكاة، باب إرضاء السعاة، برقم 989، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب رضا المصدِّق، برقم 1589، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في رضا المصدق، برقم 647، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 441، وفي صحيح الترمذي، 1/ 354. (¬3) أبو داود، كتاب الزكاة، باب رضا المصدِّق، برقم 1589، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عُمَّال الصدقة، برقم 1479 - 1838، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 106.

هديتك إن كنت صادقاً؟)) ثم خطَبَنَا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذه هدية أُهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته؟ إن كان صادقاً، والله لا يأخذ أحد منكم منها شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله على عنقه يوم القيامة، فلأعرفنَّ أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء (¬1) أو بقرة لها خوار (¬2) أو شاة تَيْعَر)) (¬3) ثم رفع يديه حتى رُئِيَ بياض إبطيه يقول: ((اللهم هل بلغت)) بَصُرَ عيني وسمع أذني (¬4). وعن عبد الله بن أُنيس - رضي الله عنه -: أنه تذاكر هو وعمر ابن الخطاب - رضي الله عنه - يوماً الصدقة فقال عمر: ألم تسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يذكر غلول الصدقة: ((أنه من غلَّ منها بعيراً أو شاةً أُتي به يوم القيامة يحمله))؟ قال: فقال عبدالله بنُ أُنيس: بلى (¬5). وعن رافع بن خُديج قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((العامل على الصدقة بالحق: كالغازي في سبيل الله، حتى يرجع إلى بيته)) (¬6) وعن أنس ¬

_ (¬1) بعير له رُغاء: الرغاء: صوت البعير. (¬2) خوار: الخوار: صوت البقرة. جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 647. (¬3) تيعر: اليعار: صوت الشاة. المرجع السابق، 4/ 647. (¬4) متفق عليه: البخاري، كتاب الحيل، باب احتيال العامل يُهدى إليه، برقم 6979، ومسلم، كتاب الإمارة، باب تحريم هدايا العمال، برقم 1832. (¬5) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عمال الصدقة، برقم 478 - 1837، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 106، وهو في البخاري ومسلم أتم من هذا. (¬6) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في العامل على الصدقة بالحق، برقم 645، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عمَّال الصدقة، برقم 477 - 1836، وقال الألباني في صحيح سنن ابن ماجه 2/ 106: ((حسن صحيح)).

6 - لا زكاة في غير بهيمة الأنعام من الحيوان

- رضي الله عنه - يرفعه: ((المعتدي في الصدقة كمانعها)) (¬1). 6 - لا زكاة في غير بهيمة الأنعام من الحيوان، فلا زكاة في الخيل، والبغال، والحمير، ولا في الصيد؛ لأن النصوص في الزكاة جاءت في بَهِيمة الأنعام، بل قد جاء ما يبين العفو عن ذلك؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة ... )) (¬2)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة)) وفي لفظ: ((ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه)) (¬3) ولمسلم: ((ليس في العبد صدقة إلا صدقة الفطر)). إلا إذا كانت هذه الأشياء المذكورة قد أُعدت للتجارة، ففيها زكاة عروض التجارة (¬4). 7 - لا يجزئ في صدقة الغنم إلا الجذع من الضأن الذي كمّل ستة أشهر، والثني من المعز الذي كمَّل سنة، وتقدم أنه لا يجزئ في ذلك إلا الأنثى، إلا ما استثني (¬5). ¬

_ (¬1) الترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في المعتدي في الصدقة كمانعها، برقم 646، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب ما جاء في عمال الصدقة، برقم 476 - 1835، وحسنه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 353. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في زكاة السائمة، برقم 1574، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 436. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1463،و1464،ومسلم، برقم 982،وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام. (¬4) المغني، 4/ 66. (¬5) الشرح الكبير لابن قدامة، 6/ 442، والمغني، 4/ 49.

8 - شروط المخرج في الزكاة من بهيمة الأنعام

8 - شروط المخرج في الزكاة من بهيمة الأنعام، يشترط في ذلك شروط منها: الشرط الأول: السن، وقد سبق بيان ذلك الواجب في الإبل، والبقر، والغنم. الشرط الثاني: الأنوثة، وقد سبق ما يستثنى من جواز إخراج الذكر. الشرط الثالث: ألا تكون معيبة عيباً يمنع من الإجزاء في الأضحية، إلا إذا كان الجميع معيباً. الشرط الرابع: أن تكون وسطاً: فلا يؤخذ الجيد ولا الرديء (¬1). 9 - إذا ملك المسلم أقل من النصاب من الإبل، أو أقل من نصاب البقر، أو أقل من نصاب الغنم، وكانت للتجارة؛ فإنه يضم بعضها إلى بعض في تكميل نصاب عروض التجارة وتزكى زكاة النقدين، أما في غير عروض التجارة فلا يضم بعضها إلى بعض (¬2). 10 - الصواب عدم جواز العدول عن المقادير المقدرة من النبي - صلى الله عليه وسلم - في بهيمة الأنعام في الزكاة إلى القيمة إلا الجبرانات المقدرة كما في زكاة الإبل؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي قدرها من بهيمة الأنعام كما تقدم، وكذلك زكاة الفطر، فلا يجوز إخراج القيمة عن العين المقدرة في الزكاة على الصحيح من أقوال أهل العلم (¬3) والله تعالى أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) تعليق مجموعة من طلبة العلم على الروض المربع بإشراف عبد الله الطيار، 4/ 64. (¬2) فتاوى العلامة ابن باز، 14/ 58. (¬3) المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 448، وفتاوى اللجنة الدائمة، 9/ 207. (¬4) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في عدم جواز إخراج القيمة في الزكاة، فمذهب الإمام أحمد لا تجزئ القيمة مطلقاً: أي سواء كان ذلك لحاجة أم لا، لمصلحة أو لا، الفطرة وغيرها وبه قال الإمام مالك والشافعي. وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز، وعن الإمام أحمد مثل قول أبي حنيفة فيما عدا زكاة الفطر، قال في الإنصاف: ((وعنه تجزئ القيمة مطلقاً، وعنه تجزئ في غير الفطرة، وعنه تجزئ للحاجة: من تعذر الفرض ونحوه واختاره الشيخ تقي الدين، وقيل: ولمصلحة أيضاً واختاره الشيخ تقي الدين)) [المقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، 6/ 448 - 449].

11 - تؤخذ الزكاة على المياه، والموارد، وفي الدور.

11 - تؤخذ الزكاة على المياه، والموارد، وفي الدور، لئلا يشق الساعي على أصحاب الأموال؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تؤخذ صدقات المسلمين على مياههم)) (¬1) ولفظ أبي داود: ((لا جلب (¬2) ولا جنب (¬3)، ولا تؤخذ صدقاتهم إلا في دورهم)) (¬4). 12 - لا يشتري المسلم صدقته إذا وجدها تباع؛ لحديث عبد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حمل على فرس في سبيل الله فوجده يُباع، فأراد أن يبتاعه، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فقال: ((لا تبتعه ولا تعد في صدقتك)) (¬5). ¬

_ (¬1) أحمد في المسند، 2/ 184 - 185، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني برقم 1779. (¬2) لا جلب: تؤخذ صدقة الماشية في مواضعها ولا تجلب إلى المصدِّق لما في ذلك من المشقة عليهم. انظر: سنن أبي داود برقم 1592. (¬3) ولا جنب: لا يجنب أصحابها: أي لا يكون الرجل بأقصى مواضع أصحاب الصدقة فتجنب إليه، ولكن تؤخذ في موضعه. سنن أبي داود برقم 1592 والمعنى والله أعلم: [لا يبعد صاحب المال المالَ بحيث تكون مشقة على العامل]. (¬4) أبو داود، كتاب الزكاة، باب أين تصدق الأموال، برقم 1591، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 443: ((حسن صحيح)). (¬5) أبو داود، كتاب الزكاة، باب الرجل يبتاع صدقته، برقم 1593، وأخرجه البخاري ومسلم.

13 - دعاء المصدق لأهل الصدقة عند دفعهم الزكاة.

13 - دعاء المصدِّق لأهل الصدقة عند دفعهم الزكاة؛ لحديث عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: ((اللهم صلِّ عليهم)) فأتاه أَبي أبُو أوفى بصدقته فقال: ((اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)) (¬1). أو يقول: ((اللهم بارك فيه وفي ماله))، لحديث وائل بن حجر - رضي الله عنه -: أن رجلاً جاء بناقة حسناء، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم بارك فيه وفي إبله)) (¬2). 14 - إذا ملك نِصاباً صغاراً انعقد عليه الحول من حين ملكه؛ لأن السخال تعدُّ مع غيرها فتعدُّ منفردة كالأمهات، ومثال ذلك: اشترى رجل أربعين سخلة، فإن الحول يبدأ من وقت ملكه لها، فإذا مضى حول دفع زكاتَها؛ لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: (( ... فإذا بلغت خمساً من الإبل ففيها شاة)) (¬3). 15 - نتاج السائمة من بهيمة الأنعام حولها حول أمهاتها إن كانت الأمهات بلغت نصاباً، وإن كانت الأمهات لم تبلغ نصاباً فبداية الحول من كمال النصاب؛ لما روي عن عمر - رضي الله عنه -: أنه قال لساعيه: ((اعتد عليهم بالسخلة يروح بها الراعي على يديه ولا تأخذها منهم)) (¬4)؛ وهو ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الزكاة، باب الدعاء لمن أتى بصدقة، برقم 1078. (¬2) النسائي، برقم 2457، وتقدم تخريجه، في فقرة، لا يأخذ في الصدقة: هرمة. (¬3) اختلف في زكاة الصغار من بهيمة الأنعام إذا ملكها الإنسان، فقيل: فيها الزكاة إذا اكتملت الشروط، وهذه الرواية الأولى عن الإمام أحمد وهي المشهورة في مذهبه، والرواية الثانية لا ينعقد عليه الحول حتى يبلغ سناً يجزئ مثله في الزكاة، وهو قول أبي حنيفة [الشرح الكبير، 6/ 358]. (¬4) الإمام مالك، باب ما جاء فيما يعتد به من السخل في الصدقة، من كتاب الزكاة في الموطأ، 1/ 265، والبيهقي في باب السن التي تؤخذ في الغنم، من كتاب الزكاة، السنن الكبرى، 4/ 100. وانظر: الكلام على الحديث في جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 601.

16 - كل جنس من: الإبل، والبقر، والغنم ينقسم إلى نوعين:

مذهب علي - رضي الله عنه - ولا يعرف لهما في عصرهما مخالفاً فكان إجماعاً؛ ولأنه نماء نصاب فيجب أن يضم إليه في الحول كأموال التجارة (¬1) والحكم في فصلان الإبل وعجول البقر كالحكم في السخال (¬2). 16 - كل جنس من: الإبل، والبقر، والغنم ينقسم إلى نوعين: فالإبل نوعان: العراب: وهي الإبل العربية، وهي ذات سنام واحد. والبخاتي: جمع (بخيتة) وهي إبل العجم والترك، وهي ذات سنامين. والبقر نوعان: البقر المعتاد، والجواميس. والغنم نوعان: ضأن: وهي ذوات الصوف، ومعز: وهي ذوات الشعر، ويقال: للذكر والأنثى من الضأن والمعز شاة. والمقادير الواجبة في الزكاة السابقة تشمل من كل جنس: نوعيه، ويضم أحدهما للآخر في تكميل النصاب إجماعاً (¬3). 17 - الخلطة في بهيمة الأنعام السائمة الأصل فيها حديث أنس - رضي الله عنه -: أن أبا بكر - رضي الله عنه - كتب له التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ولا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة))، ((وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية)) (¬4). ¬

_ (¬1) المغني لابن قدامة، 4/ 46، والشرح الكبير، 6/ 352. (¬2) الشرح الكبير، 6/ 353، والمغني، 4/ 46. (¬3) الموسوعة الفقهية، 23/ 259. (¬4) البخاري، كتاب الزكاة، باب لا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع، وبابٌ: ما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، برقم 1450، ورقم 1451، وانظر: الروض المربع المحقق، 4/ 68.

والخلطة نوعان:

والخلطة نوعان: النوع الأول: خلطة أعيان: بأن يملك شخصان أو أكثر مالاً مشاعاً، يرثانه، أو يشتريانه، أو غير ذلك، ويكون مشاعاً بينهما ولكن لا يتميز مال كل واحد منهما. النوع الثاني: خُلطة أوصاف: بأن يكون مالُ كل واحد منهما مميزاً ولكن اشتركا في المُراح، والمسرح، والمشرب، والمحلب، والراعي، والفحل. وكلا النوعين المذكورين في الخلطة يؤثر في جعل مالهما كالمال الواحد في أمرين: الأمر الأول: الواجب فيهما كالواجب في مال واحد، فإن بلغا معاً نصاباً ففيهما الزكاة، وإن زادا على النصاب لم يتغير الفرض حتى يبلغا فريضة ثانية، فلو كان لكل واحد منهما عشرون من الغنم كان عليهما شاة، وإن كان لكل واحد منهما ستون لم يجب أكثر من شاة، وتكون الشاة بينهما بالسوية. الأمر الثاني: أن للساعي أخذ الفرض من مال أيهما شاء، سواء دعت إليه حاجة؛ لكون الفرض واحداً، أو لم تدع إليه حاجة بأن يجد فرض كل واحد منهما في ماله؛ لأن مالهما صار كالمال الواحد في الإيجاب، فكذلك في الإخراج. ويعتبر في الخلطة شروط خمسة: الشرط الأول: أن تكون الخلطة في السائمة من بهيمة الأنعام ولا تؤثر الخلطة في غيرها من الأموال. الشرط الثاني: أن يكون الخليطان من أهل الزكاة؛ فإن كان أحدهما

الشرط الثالث: أن يختلطا في نصاب.

مكاتباً أو ذمّيّاً فلا أثر لخلطته؛ لأنه لا زكاة في ماله ما لم يكمل النصاب به. الشرط الثالث: أن يختلطا في نصاب؛ فإن اختلطا فيما دونه مثل أن يختلطا في ثلاثين شاة لم تؤثر الخلطة. الشرط الرابع: أن يختلطا في ستة أشياء لا يتميز أحدهما عن صاحبه فيها؛ وهي المسرح، والمشرب، والمحلب، والمراح، والراعي، والفحل، فإذا اكتملت هذه الشروط كان مال الشخصين كالمال الواحد. الشرط الخامس: أن يختلطا في جميع الحول من أوله إلى آخره (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال مالك في الموطأ: ((معنى هذا الحديث أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا تجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة، أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاتان فيكون عليهما فيها ثلاث شياه فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد إلا شاة واحدة، وقال الشافعي رحمه الله: هو خطاب لرب المال من جهة وللساعي من جهة، فأمر كل واحد منهم أن لا يحدث شيئاً من الجمع والتفريق خشية الصدقة، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل، والساعي يخشى أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر. فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خشية الصدقة)) أي خشية: أن تكثر الصدقة أو خشية أن تقل الصدقة ... )) (¬2). ¬

_ (¬1) الكافي لابن قدامة، 2/ 123 - 124، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، 6/ 454 - 460، والمغني، 4/ 51 - 64. (¬2) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 3/ 314.

والخلطة لها تأثير في الماشية: إيجابا، وإسقاطا، وتغليظا، وتخفيفا

والخلطة لها تأثير في الماشية: إيجاباً، وإسقاطاً، وتغليظاً، وتخفيفاً، ومن أمثلة ذلك: * لو كان لإنسان شاة ولآخر تسع وثلاثون شاة واشتركا حولاً كاملاً فعليهما شاة على حسب ملكهما، يتراجعان بينهما بالسوية، وهذه الصورة تفيد تغليظاً؛ لأن كل واحد منهما لو انفرد بملكه فلا زكاة عليه. * لو كان لأربعين رجلاً أربعون شاة لكل واحد شاة واشتركوا حولاً تاماً فعليهم زكاة شاة على حسب ملكهم، يتراجعون بينهم بالسوية. * وإذا كان لثلاثة مائة وعشرون شاة لكل واحد أربعون، ولم يثبت لأحدهم حكم الانفراد في شيء من الحول فعليهم شاة أثلاثاً. وهذا يدل على أن الخلطة تخفيفاً في مثل هذه الصورة، وهكذا فالخلطة تفيد إيجاباً، وتغليظاً، وتخفيفاً وإسقاطاً (¬1). 18 - إذا كانت سائمة الرجل الواحد في بلدان شتى وبينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة أو كانت مجتمعة ضُمَّ بعضها إلى بعضٍ وكانت زكاتها كزكاة المختلطة بغير خلاف. وإن كان بين البلدان مسافة القصر فعن أحمد روايتان: إحداهما: أن لكل مال حكم نفسه يعتبر على حدته إن كان نِصَاباً ففيه الزكاة وإلا فلا، ولا يضم إلى المال الذي في البلد الآخر ... قال ابن المنذر: لا أعلم هذا القول عن غير أحمد، والرواية الثانية عن أحمد أن صاحب المال يضم بعضه إلى بعض في الزكاة ويؤدِّي زكاته، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا هو الصحيح إن شاء الله ¬

_ (¬1) الروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/ 208، والشرح الممتع لابن عثيمين، 6/ 69.

19 - الفرق بين بهيمة الأنعام وغيرها

تعالى؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (( ... وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ... )) (¬1)؛ ولأنه مِلكٌ واحدٌ أشبه ما لو كان في بلدان متقاربة، أو غير السائمة، ونحمل كلام أحمد في الرواية الأولى: على أن المصدِّق لا يأخذها، وأما رب المال فيخرج، فعلى هذا يخرج الفرض في أحد البلدين شاء؛ لأنه موضع حاجة)) (¬2). قال ابن قدامة رحمه الله: ((وهذا اختيار أبي الخطاب ومذهب سائر الفقهاء)) (¬3). وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((الذي عليه جمهور أهل العلم أن مال الرجل الواحد يضم بعضه إلى بعض حتى ولو كان في مدن مترامية الأطراف، أما الخلطاء فليس لهم الجمع، وليس لهم التفريق)) (¬4). ولا تؤثر الخلطة في غير السائمة: كالذهب والفضة، والزروع والثمار، وعروض التجارة، ويكون حكمهم حكم المنفردين وهذا قول أكثر أهل العلم (¬5) والله الموفق (¬6). 19 - الفرق بين بهيمة الأنعام وغيرها من أصناف الأموال ¬

_ (¬1) البخاري، برقم 1454، وتقدم تخريجه. (¬2) المغني، 4/ 64. (¬3) المرجع السابق، 4/ 64، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 484. (¬4) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 622. (¬5) المغني، 4/ 64، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 485، والشرح الممتع، 4/ 70. (¬6) وعن أحمد رواية أخرى أن شركة الأعيان تؤثر في غير الماشية، فإذا كان بينهم نصاب يشتركون فيه فعليهم الزكاة، قياساً على الغنم، أما خلطة الأوصاف فلا مدخل لها في غير الماشية بحالٍ، والصحيح أن الخلطة لا تؤثر في غير الماشية، [المغني، 4/ 64 - 65، والشرح الكبير، 6/ 485 - 486].

الزكوية: أن غيرها متى زاد ولو قليلاً على النصاب ففيه بحسابه، وأن بهيمة الأنعام قدَّر الشارع فيها أول النصاب، وأوسطه، وآخره، وغيرها من الأموال قدر أول النصاب فقط. فدل على أنه كلما زاد عنه زاد الواجب، والله أعلم. ثم من تسهيله لم يوجب في هذا النوع حتى تتغذَّى بالمباح وتسوم الحول أو أكثره، فإذا كان صاحبها يعلفها فلا يُجمع عليه بين مؤونة العلف وإيجاب الزكاة عليه (¬1). وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. تمت بحمد الله تعالى الرسالة الثانية، ويليها إن شاء الله تعالى الرسالة الثالثة: ((زكاة الخارج من الأرض: من الحبوب والثمار والمعدن والركاز)). ¬

_ (¬1) إرشاد أولي الأبصار والألباب إلى نيل الفقه بأقرب الطرق وأيسر الأسباب، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله، ص130.

§1/1