زكاة الخارج من الأرض

سعيد بن وهف القحطاني

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((زكاة الخارج من الأرض)) من الحبوب، والثمار، والمعدن، والركاز، وهي من نعم الله على عباده: أنعم بها عليهم؛ ليعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، بيّنت فيها بإيجاز: وجوب زكاة الحبوب والثمار: بالكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، وذكرت شروط وجوب الزكاة فيها بالأدلة، وأن الثمار يضم بعضها إلى الآخر في تكميل النصاب، وكذلك الحبوب، وأن الزكاة تجب إذا اشتد الحب وبدا صلاح الثمر، ولكن لا يستقر الوجوب حتى تصير الثمرة في الجرين، والحَبّ في البيدر، وبيّنت قدر الزكاة، وأحكام خرص الثمار، وغير ذلك من المسائل في هذا الموضوع، وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله. واللهَ أسألُ أن يجعل هذا العمل مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه تعالى خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا

قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف أبو عبد الرحمن حرر صباح الأربعاء 13/ 2/1426هـ

أولا: زكاة الحبوب والثمار واجبة: بالكتاب، والسنة، والإجماع:

زكاة الحبوب، والثمار، والركاز، والمعدن أولاً: زكاة الحبوب والثمار واجبة: بالكتاب، والسنة، والإجماع: أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} (¬1)؛ ولقوله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬2)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ((حقّه الزّكاة المفروضة))، وقال مرّة: ((العشر، ونصف العشر)) (¬3). وأمّا السُّنَّة؛ فلحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((فيما سقتِ السّماءُ والعيون، أو كان عَثَريّاً (¬4): العشرُ، وما سُقيَ بالنضح (¬5): نصف العشر)) (¬6)؛ ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((فيما سقت الأنهارُ والغيمُ: العشورُ، وفيما سُقي بالسانية (¬7): نصف العشر)) (¬8) ولفظ حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند النسائي وأبي داود: ((فيما سقت السماء والأنهار، والعيون، - أو كان ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 267. (¬2) سورة الأنعام، الآية: 141. (¬3) ذكره ابن قدامة في المغني، 4/ 154. (¬4) عثريّاً: العثريّ من الحبوب والثمار: هو الذي عثر على الماء بعروقه بلا عمل من صاحبه، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، 3/ 182. (¬5) النضح: النواضح: هي الإبل يسقى بها لشرب الأرض. (¬6) البخاري، كتاب الزكاة، باب العشر فيما سُقي من ماء السماء والماء الجاري؛ برقم 1483. (¬7) السانية: الناضح يسقى عليه: سواء كان من الإبل أو البقر. جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 611. (¬8) مسلم، كتاب الزكاة، باب ما جاء في العشر أو نصف العشر، برقم 981.

وأما الإجماع.

بعلاً (¬1) -: العشر، وفيما سُقِيَ بالسواني أو النضح: نصف العشر)) (¬2)؛ ولحديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: ((بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فأمرني أن آخذ مما سقتِ السماء: العشر، وفيما سقي بالدوالي (¬3): نصف العشر)) (¬4). وأما الإجماع: فأجمع العلماء على أن الصدقة واجبة: في الحنطة، والشعير، والزبيب، والتمر، قاله ابن المنذر، وابن عبد البر (¬5). ثانياً: شروط وجوب الزكاة في الحبوب والثمار الشرط الأول: أن يكون حبّاً أو ثمراً؛ لحديث أبي سعيد - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ليس في حَبٍّ ولا تمرٍ صدقة حتى يبلغ خمسة أوسقٍ، ولا فيما دون خمس ذودٍ صدقة، ولا فيما دون خمس أواق صدقة)) وفي رواية لمسلم: (( ... ليس في حبٍّ ولا ثمرٍ صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ... )) (¬6) وهذا يدل على وجوب الزكاة في الحب والثمر وانتفائها عن غيرها (¬7). ¬

_ (¬1) البعل: ما شرب بعروقه من الأرض من غير سقي من السماء ولا غيرها، [جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 613] وجاء في سنن أبي داود برقم 1598 عن وكيع: أن البعل الكبوس الذي ينبت من ماء السماء. وجاء عن النضر ابن شميل: البعل ماء المطر. وكذلك عن أبي إياس الأسدي: أن البعل: هو الذي يسقى بماء المطر. والله أعلم. (¬2) أصله في البخاري، برقم 1483، وهذا لفظ أبي داود، برقم 1596، والنسائي، برقم 2487. (¬3) جمع دالية: الدلو أو آلة لإخراج الماء. (¬4) النسائي، كتاب الزكاة، باب ما يوجب العشر، وما يوجب نصف العشر، برقم 2489، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب صدقة الزرع والثمار، برقم 1484 - 1845، وقال الألباني في صحيح النسائي، 2/ 193: ((حسن صحيح)). (¬5) المغني لابن قدامة، 4/ 154. (¬6) متفق عليه: البخاري بنحوه، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسقٍ صدقة، برقم 1484، ومسلم بلفظه، كتاب الزكاة، باب ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة، برقم 1 (979. (¬7) الكافي، لابن قدامة، 2/ 131.

الشرط الثاني: أن يكون مكيلا؛ لتقديره بالأوسق.

الشرط الثاني: أن يكون مكيلاً؛ لتقديره بالأوسق، وهي مكاييل، فيدل ذلك على اعتبارها (¬1). الشرط الثالث: أن يكون مما يُدَّخر؛ لأن جميع ما اتفق على زكاته مدخر؛ ولأن غير المدخر لا تكمل ماليته؛ لعدم التمكن من الانتفاع به في المال، فتجب الزكاة في جميع الحبوب والثمار المكيلة التي تدخر: مثل: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، وغيرها من كل حبٍّ أو ثمرٍ يكال ويدخر (¬2). (¬3) ¬

_ (¬1) المرجع السابق، 2/ 131. (¬2) الكافي، لابن قدامة، 2/ 132. (¬3) اختُلِفَ في الأنواع التي تجب فيها الزكاة: من الحبوب والثمار على النحو الآتي: 1 - أجمع أهل العلم على أن الزكاة تجب ... في ... البر، والشعير، والتمر، والزبيب إذا بلغ من كلّ صنفٍ منها ما تجب فيه الزكاة [الإجماع لابن المنذر، ص51] وقال رحمه الله في موضع آخر: ((وأجمعوا على أن الصدقة واجبة في: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب)) [الإجماع لابن المنذر، ص52]. 2 - مذهب الإمام أحمد رحمه الله تعالى: أن الزكاة تجب: في كل حبٍّ وثمرٍ يكال ويدخر مما ينبته الآدمي في أرضه إذا بلغ نصاباً قدره خمسة أوسق؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس في حب ولا ثمرٍ صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق ... )) [البخاري، 1484، ومسلم، 979] ويدخل في هذا عند الإمام أحمد: الحبوب كلها: كالحنطة - وهي تطلق على البر، والقمح، والسمراء – والشعير، والأرز، والدخن، والذرة، والباقلا – الفول – والعدس، والحمص، والحلبة، والسمسم، حتى ولو لم يكن قوتاً: كحب الرشاد، والفجل، والقرطم – وهو حب العصفر – والأبازير – جمع بذر وهو حب يبذر للنبات، والكمون، والحبة السوداء، وغيرها مما أشبهها، فهذه غير قوت؛ ولكنها حب يخرج من الزرع ... وفي كل ثمر يكال ويدخر: كالتمر، والزبيب، واللوز، والفستق، والبندق. وفي رواية للإمام أحمد: أن الزكاة لا تجب إلا في أربعة أصناف فقط: البر، والشعير، والتمر، والزبيب؛ لحديث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما حين بعثهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم: ((لا تأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الشعير، والحنطة، والزبيب والتمر)) [الدارقطني، 201، والحاكم، 1/ 401، والبيهقي، 4/ 128، وابن أبي شيبة، 4/ 19] وضُعِّف، ولكن قد صححه الألباني في الإرواء برقم 801، والأحاديث الصحيحة، برقم 879، والله أعلم]. وانظر: المغني، لابن قدامة، 4/ 154 - 156. ولا زكاة في سائر الفواكه عند الإمام أحمد: كالخوخ، والكمثرى، والتفاح، والمشمش، والتين، والجوز، ولا في الخضراوات: كالقثاء، والخيار، والباذنجان، والجزر، وغيرها من الخضراوات ... [المغني، 4/ 156]؛ لحديث معاذ - رضي الله عنه - أنه كتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يسأله عن الخضراوات؟ – وهي البقول - فقال: ((ليس فيها شيء)) [الترمذي، برقم 638، وصححه الألباني في صحيح الترمذي، 1/ 350]، وفي إرواء الغليل، 3/ 279، قال الإمام الترمذي على هذا الحديث: ((والعمل على هذا عند أهل العلم أن ليس في الخضراوات صدقة)). 3 - عند الإمام مالك والشافعي رحمهما الله تعالى: لا زكاة في ثمرٍ إلا التمر والزبيب، ولا في حب إلا ما كان قوتاً في حالة الاختيار لذلك، إلا في الزيتون على اختلاف. [المغني، 4/ 156] فأخذ من هذا أن الزكاة تجب عند الإمام مالك والشافعي في كل ما كان مكيلاً مدخراً قوتاً، ولا تجب في غير ذلك ولا في جميع الخضراوات. 4 - عند أبي حنيفة رحمه الله: أن الزكاة تجب في كل ما يقصد بزراعته نماء الأرض إلا الحطب، والقصب، والحشيش؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريّاً: العشر، وما سقي بالنضح: نصف العشر)) [البخاري، برقم 1483]. وأقرب الأقوال قول الحنابلة، والله تعالى أعلم. [المغني، 4/ 156، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 6/ 494، والشرح الممتع، 4/ 72]. وقد اختلف العلماء في زكاة الزيتون: فعن الإمام أحمد رحمه الله روايتان: الرواية الأولى: أن فيه العشر إذا بلغ خمسة أوسق، وإن عصر قُوِّم ثمنه؛ لأن الزيت له بقاء، وهذا قول: الزهري، والأوزاعي، ومالك، والليث، والثوري، وأبي ثور، وأصحاب الرأي وأحد قولي الشافعي، وروي عن ابن عباس؛ لقول الله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141] في سياق قوله: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ}؛ ولأنه يمكن ادخار غلته أشبه التمر والزبيب. والرواية الثانية: عن الإمام أحمد رحمه الله: ((أن الزيتون لا زكاة فيه، وهو اختيار أبي بكر وظاهر كلام الخرقي، وهذا قول: ابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وأبي عبيد، وأحد قولي الشافعي؛ لأنه لا يدخر يابساً فهو كالخضراوات، والآية لم يُرَد فيها الزكاة؛ لأنها مكية والزكاة إنما فرضت بالمدينة؟ ولهذا ذكر الرمان ولا عشر فيه ... )) [المغني لابن قدامة رحمه الله، 4/ 160 - 161، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 503]. [وهذا القول الذي رجحه شيخنا ابن باز رحمه الله: وهو أن الزيتون لا زكاة فيه؛ لأنه من الخضراوات والفواكه] [فتاوى ابن باز، 4/ 70].

الشرط الرابع: أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه.

الشرط الرابع: أن ينبت بإنبات الآدمي في أرضه: فأما النابت بنفسه فلا زكاة فيه؛ لأنه إنما يملك بحيازته، والزكاة إنما تجب ببدو الصلاح، ولم

الشرط الخامس: أن يبلغ نصابا قدره خمسة أوسق.

يكن ملكاً له حينئذٍ فلم تجب زكاته (¬1) وعبّر البعض عن هذا الشرط بقوله: ((ويعتبر أن يكون النصاب مملوكاً له وقت وجوب الزكاة)) (¬2). الشرط الخامس: أن يبلغ نصاباً قدره خمسة أوسق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ... )) (¬3). والوسق ستون صاعاً (¬4)، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل المعتدل، فيكون الصاع أربع حفنات بكفي الرجل المعتدل (¬5). وتعتبر خمسة الأوسق بعد التصفية في الحبوب والجفاف في الثمر (¬6). وذكر الزركشي رحمه الله شروطاً قريباً من هذه الشروط، فقال: ((يشترط في وجوب الزكاة في الخارج من الأرض شروط: أحدها: أن يكون مما ييبس فلا تجب في الخضراوات. الشرط الثاني: أن يكون مما يبقى - أي يدخر عادة - فلا تجب في التين ونحوه (¬7). ¬

_ (¬1) الكافي، 2/ 134. (¬2) الروض المربع، انظر: الشرح الممتع، 6/ 78. (¬3) متفق عليه: البخاري، برقم 1484، ومسلم، برقم 979، وتقدم تخريجه. (¬4) الكافي، لابن قدامة، 2/ 135. (¬5) حاشية ابن قاسم على الروض، 4/ 222. (¬6) المغني، 4/ 162. (¬7) ونص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على وجوب الزكاة في التين؛ لادخاره، وإنما اعتبر الكيل والوزن في الربويات، لأجل التماثل المعتبر فيها، وهو غير معتبر هاهنا ... ورجح أن المعتبر لوجود زكاة الخارج من الأرض: هو الادخار لا غير؛ لوجود المعنى المناسب لإيجاب الزكاة فيه بخلاف الكيل، فإنه تقدير محض فالوزن في معناه ... [الاختيارات الفقهية، ص149]. [ورجح الإمام ابن باز رحمه الله أن: (التين والزيتون لا تجب فيهما الزكاة في أصح قولي العلماء؛ لأنهما من الخضراوات والفواكه]. [فتاوى ابن باز، 14/ 70].

الشرط الثالث: أن يكون مما يكال،.

الشرط الثالث: أن يكون مما يكال، فلا تجب في الجزر ... والتين ... ونحوها. الشرط الرابع: أن يبلغ خمسة أوسق)) (¬1) والله تعالى أعلم (¬2). ثالثاً: تضم ثمرة العام الواحد لبعضها في تكميل النصاب: فالتمر أنواع كثيرة يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فمثلاً: السكري، والبرحي، والخلاص، وغير هذه الأنواع يضم بعضها إلى بعضٍ في تكميل النصاب. وكذلك الزبيب أنواع يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب. ولا يضم الجنس إلى جنس آخر: فلا يضم التمر إلى الزبيب ولا الزبيب إلى التمر في تكميل النصاب؛ لاختلاف الجنس؛ وإنما يضم أنواع الجنس الواحد إلى بعضه في تكميل النصاب. ¬

_ (¬1) شرح الزركشي على مختصر الخرقي، 2/ 267 - 270. (¬2) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في نصاب الحبوب والثمار على قولين: القول الأول: أن الزكاة لا تجب في شيء من الحبوب والثمار حتى تبلغ خمسة أوسق، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم ابن عمر، وجابر، وأبو أمامة بن سهلٍ، وعمر بن عبد العزيز، وجابر بن زيد، والحسن، وعطاء، ومكحول، والحكم، والنخعي، ومالك، وأهل المدينة، والثوري، والأوزاعي، وابن أبي ليلى، والشافعي، وأبو يوسف، ومحمد وسائر أهل العلم، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا نعلم أحداً خالفهم إلا مجاهداً وأبا حنيفة ومن تابعه)). القول الثاني: مجاهد، وأبو حنيفة ومن تابعه، قالوا: تجب الزكاة في قليل ذلك وكثيره؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فيما سقت السماء: العشر))؛ ولأنه لا يعتبر له حول، فلا يعتبر له نصاب، قال الإمام ابن قدامة: ((ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)) متفق عليه: وهذا خاص يجب تقديمه وتخصيص عموم ما رووه به)) [المغني، 4/ 161].

وكذلك ما يحمل في السنة الواحدة حملين يضم كل نوع إلى جنسه من الثمرة (¬1). وتضم أنواع الحبوب إلى بعضها من كل جنس، فجنس الحنطة أنواع يضم بعضها إلى بعض، والشعير أنواع يضم بعضها إلى بعض، وهكذا لو جذّ الزرع ثم ظهر زرع آخر في نفس العام ضم بعضه إلى بعض في تكميل النصاب، ولا يضم الجنس إلى جنس آخر، فلا يضم البر إلى الشعير، ولا الذرة إلى الشعير؛ لاختلاف الأجناس: وكذلك إذا كان للرجل بساتين في أماكن مختلفة، فإنه يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب (¬2). ¬

_ (¬1) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا خلاف بين أهل العلم في غير الحبوب والأثمان أنه لا يضم جنس إلى جنس آخر في تكميل النصاب، فالماشية ثلاثة أجناس: الإبل، والبقر، والغنم، لا يضم جنس منها إلى آخر، والثمار لا يضم جنس إلى غيره: فلا يضم التمر إلى الزبيب، ولا إلى اللوز والفستق، ولا يضم شيء من هذه إلى غيره، ولا تضم الأثمان إلى شيء من السائمة، ولا من الحبوب والثمار، ولا خلاف بينهم في أن أنواع الأجناس يضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب، ولا نعلم بينهم أيضاً خلافاً في أن العروض تضم إلى الأثمان وتضم الأثمان إليها، إلا أن الشافعي لا يضمها إلا إلى جنس ما اشتريت به؛ لأن نصابها معتبر به)) [المغني، 4/ 203 - 204، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 520]. (¬2) وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله: أن العلماء اختلفوا في ضم الحبوب بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، وفي ضم النقدين إلى الآخر، فروي عن الإمام أحمد في الحبوب ثلاث روايات: الرواية الأولى: لا يضم جنس منها إلى غيره، ويعتبر النصاب في كل جنس منها منفرداً، وهذا قول: عطاء ومكحول، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والثوري، والحسن بن صالح، وشريك والشافعي، وأبي عبيد، وأبي ثور، وأصحاب الرأي؛ لأنّها أجناس فاعتبر النصاب في كل جنس منها منفرداً: كالثمار والمواشي. والرواية الثانية أن الحبوب كلها تضم بعضها إلى بعض في إكمال النصاب. وهذا قول عكرمة وحكاه ابن المنذر عن طاووس. والرواية الثالثة: أن الحنطة تضم إلى الشعير، وتضم القطنيات بعضها إلى بعض – وهي صنوف الحبوب: من العدس، والحمص، والأرز، والسمسم، والدخن، والفول – وحكاه الخرقي عن أحمد، وهو مذهب الإمام مالك. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((والرواية الأولى أولى إن شاء الله تعالى؛ لأنها أجناس يجوز التفاضل فيها فلم يضم بعضها إلى بعض كالثمار)) [المغني، 4/ 204 - 205]. وانظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 518 - 522، والمغني، 4/ 207، والكافي، 2/ 137، والشرح الممتع، 6/ 77.

رابعا: تجب الزكاة في الحبوب والثمار:

رابعاً: تجب الزكاة في الحبوب والثمار: إذا اشتد الحبُّ فصار قويّاً لا ينضغط إذا ضُغِطَ، وجبت الزكاة فيه. وإذا بدا صلاح الثمر: فاحمرَّ أو اصفرَّ في ثمر النخيل، وفي العنب: أن يموّه حلواً: أي بدلاً من أن يكون قاسياً يكون ليناً متموِّهاً وبدلاً من أن يكون حامضاً يكون حلواً. فإذا اشتدَّ الحبّ وبدا صلاح الثمر وجبت الزكاة، وقد ثبت تفسير بدوِّ الصلاح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه: نَهَى عن بيع الثمار حتى تُزهي. قيل: وما زَهْوَها؟ قال: ((تَحْمَارُّ وتصفارُّ)) (¬1) وعنه - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((نَهى عن بيع العنب حتى يسودَّ، وعن بيع الحبِّ حتى يشتدَّ)) (¬2)، وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((نَهَى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الثمار حتى يبدُوَ صلاحها، نهى البائع والمبتاع)). وفي لفظ للبخاري: كان إذا سُئل عن صلاحها قال: ((حتى تذهب عاهتها)) (¬3). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، بابٌ: من باع ثماره أو نخله، أو أرضه، أو زرعه، وقد وجب فيه العشر أو الصدقة فأدى الزكاة من غيره أو باع ثماره ولم تجب فيه الصدقة، برقم 1488، ورقم 2197. ومسلم، كتاب المساقاة، باب وضع الجوائح، برقم 1555. (¬2) رواه الخمسة إلا النسائي: أبو داود، كتاب البيوع، باب في بيع الثمار قبل بدوِّ صلاحها، رقم 3371، والترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في كراهية بيع الثمر حتى يبدو صلاحها، رقم 1228، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب النهي عن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، رقم 2217، وأحمد، 3/ 221، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، 2/ 344. (¬3) متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب بيع الثمار قبل أن يبدوَ صلاحها، برقم 2194، ورقم 1486، ومسلم، كتاب البيوع، باب النهي عن بيع الثمار قبل بدوّ صلاحها بغير شرط القطع، برقم 1534.

للثمر والزرع ثلاثة أحوال:

فإذا بدا صلاح الثمرة، واشتدّ الحبّ، وجبت الزّكاة في الحبوب والثمار (¬1) وفائدة ذلك: أن المالك لو تصرف في الثمرة أو الحب قبل الوجوب لا شيء عليه؛ لأنه تصرف قبل الوجوب، فأشبه ما لو أكل السائمة أو باعها قبل الحول، إلا أن يقصد الفرار من الزكاة فتجب عليه، وإن تصرف فيها بعد الوجوب لم تسقط الزكاة عنه، كما لو فعل ذلك في السائمة بعد اكتمال الحول، ولا يستقر الوجوب حتى تصير الثمرة في الجرين والزرع في البيدر، ولو تلف قبل ذلك بغير إتلافه أو تفريط منه فيه فلا زكاة عليه، سواء خرصت أو لم تخرص؛ لأنّها في حكم ما لم تثبت اليد عليه، وإن تلفت بعد جعلها في الجرين فحكمها حكم السائمة بعد الحول يضمنها؛ لأنه استقر الوجوب في ذمته فصارت ديناً عليه (¬2). وعلى هذا فيكون للثمر والزرع ثلاثة أحوال: الحالة الأولى: أن يتلف قبل وجوب الزكاة: أي قبل اشتداد الحبِّ وقبل بدوِّ صلاح الثمر، فهذا لا شيء على المالك مطلقاً سواء تلف: بتعدٍّ أو تفريط أو بغير ذلك، إلا إذا قصد بذلك الفرار من الزكاة. الحالة الثانية: أن يتلف بعد الوجوب: أي بعد اشتداد الحبِّ وبدوِّ ¬

_ (¬1) قال ابن قدامة رحمه الله: ((وقال ابن أبي موسى: تجب زكاة الحب يوم حصاده؛ لقوله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ})) [الأنعام: 141]، [المغني، 4/ 169] وقال بذلك: محمد بن مسلمة من المالكية، ولكن جمهور أهل العلم: أن وقت الوجوب في الحب إذا اشتد وفي الثمر إذا بدا صلاحه [حاشية الروض المربع المحقق، 4/ 89]. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 169 - 171، والكافي، 2/ 138.

الحالة الثالثة: أن يتلف بعد جعله في الجرين أو البيدر.

صلاح الثمر، لكن لم يجعله في البيدر أو الجرين ففي ذلك تفصيل: إن كان بِتَعَدٍّ من المالك أو تفريط؛ فإنه يضمن الزكاة، وإن كان بلا تعدٍّ ولا تفريط لم يضمن الزكاة. الحالة الثالثة: أن يتلف بعد جعله في الجرين أو البيدر فتجب عليه الزكاة مطلقاً: سواء فرَّط أو تعدَّ أو لم يفرط ولم يتعدَّ؛ لأن الزكاة استقرت في ذمته فصارت ديناً عليه (¬1). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصحيح في الحالة الثالثة أنّها لا تجب الزكاة عليه ما لم يتعدَّ أو يفرط؛ لأن المال عنده بعد وضعه في الجرين أمانة؛ فإن تعدّى أو فرط: بأن أَخَّر صرف الزكاة حتى سرق المال أو ما أشبه ذلك فهو ضامن، وإن لم يتعدَّ ولم يفرط وكان مجتهداً في أن يبادر بتخليصه ولكنه تلف مع كمال التحفظ والحراسة فلا يضمن)) (¬2) والله تعالى أعلم. خامساً: قدر الزكاة في الحبوب والثمار على النحو الآتي: 1 - يجب العشر فيما سُقي بلا مؤنة: كالزرع الذي يشرب من الأمطار، والأنْهَار، والعيون التي تجري، وما يشرب بعروقه: وهو الذي يزرع ويغرس في أرضٍ ماؤها قريب من وجه الأرض فتصل إليه عروق الشجر فيستغني عن السقي، وكذلك ما كانت عروقه تصل إلى نهر أو ساقية، وكذلك ما يشرب من السيوح - وهي المياه الجارية على وجه ¬

_ (¬1) انظر: المغني، 4/ 170 - 171، والكافي، 2/ 139، والشرح الممتع، 6/ 87. (¬2) الشرح الممتع، 6/ 87 - 88.

2 - يجب نصف العشر فيما سقي بمؤنة.

الأرض: من الأنهار، والسواقي وغيرها -. 2 – يجب نصف العشر فيما سُقِيَ بمؤنة: كالدّوالي – وهي الدولاب وهي الدلاء – والنّواضح – وهي الإبل، والبقر، وسائر الحيوانات -، وما يُسقى بالغروب والسواني، والمكائن، والآلات: كالرشاشات التي ترش الماء وتوزعه على الزرع (¬1). والأصل في هذا كله حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((فيما سقت السماء، والعيون، أو كان عثريّاً: العشر، وما سُقي بالنضح: نصف العشر)) (¬2)؛ ولحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((فيما سقت الأنهارُ والغيمُ: العشورُ، وفيما سقي بالسانية نصف العشر)) (¬3)؛ ولحديث معاذ - رضي الله عنه - قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فأمرني: ((أن آخذ مما سقتِ السماء العشر، وفيما سقي بالدوالي نصف العشر)) (¬4). 3 – ويجب ثلاثة أرباع العشر فيما يشرب بمؤنة نصف، ويشرب بغير مؤنة نصف، ومثاله: نخل يُسقى نصف العام بمؤنة، ويُسقى النصف الثاني من العام بغير مؤنة: أي الصيف يُسقى بمؤنة، والشتاء يُسقى من الأمطار، فهذا فيه ثلاثة أرباع العشر؛ لأن كل واحد منهما لو وجد في جميع السنة لأوجب مقتضاه، فإذا وجد نصفه أوجب نصفه، وحكى الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم (¬5). ¬

_ (¬1) قال ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم في هذا خلافاً، وهو قول مالك والشافعي، والثوري، وأصحاب الرأي)) [المغني، 4/ 164]. (¬2) البخاري، برقم 1483، وتقدم تخريجه في أول الباب. (¬3) مسلم، برقم 981، وتقدم تخريجه. (¬4) النسائي، برقم 2489، وابن ماجه، برقم 1484 - 1845، وتقدم تخريجه. (¬5) المغني، 4/ 165، والشرح الكبير، 6/ 530، والروض المربع مع حاشية ابن قاسم، 2/ 277.

4 - ما يسقى بمؤنة وبغير مؤنة مع الاختلاف: أي يسقى أحدهما أكثر من الآخر

4 - ما يُسقى بمؤنة وبغير مؤنة مع الاختلاف: أي يُسقى أحدهما أكثر من الآخر: فالذي يكثر انتفاع النخل بسقيه، أو الشجر، أو الزرع فهو المعتبر، فإذا كان نموّه بمؤنة أكثر منه فيما إذا شرب بلا مؤنة فالمعتبر نصف العشر؛ لأن سقيه بالمؤنة أكثر نفعاً فاعتبر به، وإذا كان نموّه بغير مؤنة أكثر نفعاً فالمعتبر العشر، فاعتبر بالأكثر كالسوم (¬1). 5 - وإن جُهِلَ المقدار غلَّبنا إيجاب العشر؛ لأنه الأصل، فالأصل وجوب الزكاة: العشر حتى نعلم أنه سُقِيَ بمؤنة (¬2). سادساً: خرص النخيل والأعناب إذا بدا صلاح الثمر: يسن للإمام أن يرسل ساعياً إلى أهل النخيل والأعناب إذا بدا صلاح الثمر فيخرصه (¬3) عليهم؛ ليتصرَّفوا في ثمارهم، ويعرِّف الساعي المالك قدر الزكاة كيلاً، ثم يخلي بينهم وبين ثمرهم؛ ليأكلوا أو يتصرَّفوا فيه، ثم يُؤدُّون الزكاة عند الجذاذ على قدر ما خُرِص، وهذا فيه توسعة على أهل الثمار؛ ليأكلوا، أو يبيعوا، أو يتصرَّفوا (¬4) والخرص لثمر النخيل والأعناب فيه مسائل ¬

_ (¬1) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((نص عليه أحمد وهو قول: عطاء، والثوري، وأبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي، وقال ابن حامد: يؤخذ بالقسط وهو القول الثاني للشافعي؛ لأنهما لو كانا نصفين أخذ بالحصة فكذلك إذا كان أحدهما أكثر ... )) [المغني، 4/ 166]. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 166. (¬3) الخرص: حزر مقدار الثمرة في رؤوس النخل وشجر العنب وزناً بعد أن يطوف به الساعي ثم يقدره تمراً، وزبيباً، ثم يعرِّف المالك قدر الزكاة. [الإقناع لطالب الانتفاع، 1/ 422]. (¬4) اختلف العلماء في الخرص: فقال الإمام أحمد رحمه الله بالخرص في النخيل والأعناب فقط، وبه قال عطاء، والزهري، ومالك، والشافعي، وأكثر أهل العلم [الشرح الكبير، 6/ 546، والمغني، 4/ 178] قال الخطابي رحمه الله: (( ... والخرص عُمِلَ به في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى مات، ثم أبو بكر وعمر فمن بعدهم، ولم ينقل عن أحد منهم ولا من التابعين تركه إلا عن الشعبي)) [انظر: فتح الباري لابن حجر، 3/ 344]. فَحُكِيَ عن الشعبي، أن الخرص بدعة، وقال أهل الرأي: الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم، وإنما كان تخويفاً للأكرة: أي الحراث من الخيانة. والصواب القول الأول وهو قول الجماهير من أهل العلم [الشرح الكبير، 6/ 546].

1 - ثبتت مشروعية الخرص في السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

على النحو الآتي: 1 – ثبتت مشروعية الخرص في السنة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث أبي حميد الساعدي - رضي الله عنه - قال: غزونا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك فلما جاء وادي القرى إذا امرأةٌ في حديقةٍ لها فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: ((اخرصوا)) وخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة أوسق، فقال لها: ((أحصي ما يخرج منها)) ... فلما أتى وادي القرى قال للمرأة: ((كم جاء حديقتك))؟ قالت: ((عشرة أوسقٍ خَرْصَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ... )) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((فيه جواز الخرص حتى يتصرف أهل النخيل في نخيلهم، والخرص يخرص بما يؤول إليه تمراً)) (¬2). 2 – يستحب أن يبعث الإمام من يخرص الثمار عند بدوِّ الصلاح؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين افتتح خيبر، اشترط عليهم أنَّ له الأرض، وكُلَّ صفراءَ وبيضاء – يعني الذهب والفضة – وقال له أهل خيبر: نحن أعلم بالأرض فأعطناها على أن نعملها ويكون لنا نصف الثمرة ولكم نصفُها، فزعم أنه أعطاهم على ذلك، فلما كان حين تصرم النخل بعث إليهم ابن رواحة فحزر (¬3) النخل، وهو الذي يدعونه أهل المدينة: الخرص، فقال: في ذا كذا وكذا، فقالوا: ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري بلفظه، كتاب الزكاة، باب خرص التمر، برقم 1481، ومسلم، كتاب الفضائل، باب في معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 1392. (¬2) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 1481. (¬3) حزر: قدَّر. [فتح الباري، لابن حجر، المقدمة، ص104].

3 - يجزئ أن يرسل الإمام خارصا واحدا

أكثرت علينا يا ابن رواحة، فقال: فأنا أحزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلتُ: قال: فقالوا: هذا الحقُّ وبه تقوم السماءُ والأرضُ. فقالوا: قد رضينا أن نأخذ بالذي قلتَ (¬1). 3 - يجزئ أن يرسل الإمام خارصاً واحداً؛ للحديث السابق؛ ولأنه يفعل ما يؤديه إليه اجتهاده فجاز أن يكون واحداً، كالحاكم، ويعتبر أن يكون مسلماً، أميناً، غير متهم، ذا خبرة. 4 - يخرص الرطب والعنب؛ لحديث عتابِ بنِ أُسيدٍ - رضي الله عنه - قال: أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أن يُخرصَ العنبُ كما يخرصُ النخلُ، وتؤخَذَ زكاتُهُ زبيباً كما تؤخَذُ صدقةُ النخلِ تمراً)) (¬2). 5 - يترك الخارص لصاحب الثمار الثلث أو الربع، توسعة على رب المال؛ لأنه يحتاج إلى الأكل هو وأضيافه، ويطعم جيرانه وأهله، ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب خرص النخل والعنب، برقم 1485 - 1847، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 108. (¬2) أبو داود، كتاب الزكاة، باب في خرص العنب، برقم 1603، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص، برقم 644، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب خرص النخل والعنب، برقم 1819، والنسائي، كتاب الزكاة، باب شراء الصدقة، برقم 2618. والحديث قال عنه أبو داود: ((وسعيد - يعني ابن المسيب - لم يسمع من عتابٍ شيئاً)) وقال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ((وفيه انقطاع)) قال الإمام ابن باز رحمه الله: ((لأنه من رواية سعيد بن المسيب عن عتاب وسعيد لم يدرك عتاباً، لكن مراسيل سعيد جيدة، والحديث له شواهد كحديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه -)) [حاشية ابن باز على بلوغ المرام، الحديث رقم 590]. وسمعته أيضاً رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 639: ((هذا إما مرسل جيد من مراسيل سعيد بن المسيب، وإما متصل إذا سمع سعيد من عتاب؛ ولهذا عمل به الأئمة ويشهد له حديث سهل في شرعية الخرص)) [والحديث ضعفه الألباني؛ لانقطاعه كما تقدم].

1 - معرفة مبلغ هذا التمر، والعنب.

ويأكل منها المارَّةُ، ويكون في الثمرة الساقطة، وينتابها الطير، فلو استوفى الكلّ أضرّ بِهم، والمرجع في تقدير المتروك إلى اجتهاد الساعي الخارص، فإن رأى الأكلة كثيراً ترك الثلث، وإلا ترك الربع؛ لحديث سهل بن أبي حثمة - رضي الله عنه - قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) (¬1) وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول: ((هذا يدل على الخرص، وأنه مستحب، فإن تُرِكوا وصُدِّقوا فلا بأس، والخرص عليهم هو السنة؛ لأن فيه مصالح منها: 1 - معرفة مبلغ هذا التمر، والعنب. 2 - التوسعة على أهله: يتصرَّفون، ويبيعون، وقد عرفوا ما لديهم من الزكاة، والسنة أن يترك لهم الربع أو الثلث، يتحرّى الخارص على حسب ضيوفهم وكثرتهم فيدع ما هو الأنسب" (¬2). سابعاً: زكاة الحبوب والثمار على مستأجر الأرض: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((ومن استأجر أرضاً فزرعها ¬

_ (¬1) أحمد، 3/ 448، 4/ 2، 3، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب في الخرص، برقم 1605، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الخرص، برقم 643، والنسائي، كتاب الزكاة، باب كم يترك الخارص؟ برقم 2491، وصححه ابن حبان، برقم 3280، والحاكم، 1/ 402، قال الإمام ابن باز رحمه الله تعالى في حاشيته على بلوغ المرام الحديث، رقم 589: ((كلهم من رواية عبدالرحمن بن مسعود بن نيار عن سهل المذكور، ورجاله ثقات ما عدا عبدالرحمن المذكور، قال الحافظ في التقريب: مقبول، وقال في تهذيب التهذيب: وثقه ابن حبان، وقال البزار: معروف، وبذلك يعتبر إسناده حسناً؛ لِمَا ذُكِرَ؛ ولِمَا له من الشواهد منها حديث عتاب المذكور بعده، والله ولي التوفيق. حرر في 8/ 5/1416هـ‍". (¬2) سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 638.

ثامنا: زكاة الحبوب والثمار: المزارعة، والمساقاة.

فالعشر عليه دون مالك الأرض)) (¬1) وقال رحمه الله: ((ولو استعار أرضاً فزرعها فالزكاة على صاحب الزرع؛ لأنه مالكه، وإن غصبها فزرعها وأخذ الزرع فالعشر عليه أيضاً؛ لأنه ثبت على ملكه، وإن أخذه مالكها قبل اشتداد حبه فالعشر عليه، وإن أخذه بعد ذلك احتمل أن يجب عليه أيضاً؛ لأن أخذه إياه استند إلى أول زرعه، فكأنه أخذه من تلك الحال، ويحتمل أن تكون زكاته على الغاصب؛ لأنه كان مالكاً له حين وجوب عشره، وهو حين اشتداد حبه)) (¬2). ثامناً: زكاة الحبوب والثمار: المزارعة، والمساقاة. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وإن زارع رجلاً مزارعة فاسدة فالعشر على من يجب الزرع له، وإن كانت صحيحة فعلى كل واحد منهما عشر حصته إن بلغت خمسة أوسق أو كان له من الزرع ما يبلغ بضمه إليها خمسة أوسق، وإلا فلا عشر عليه)) (¬3) أي لا زكاة على من لم يبلغ عنده النصاب. تاسعاً: يجتمع العشر والخراج في الأرض الخراجية: الأرض قسمان: أرض صلح، وأرض عنوة: فأما أرض الصلح: فهي كل أرض صُولِحَ أهلها عليها؛ لتكون لهم ويؤدون عنها خراجاً معلوماً، فهذه الأرض مِلك لأهلها، وهذا الخراج ¬

_ (¬1) فالجمهور على أن زكاة الحبوب والثمار على مستأجر الأرض: أحمد، ومالك، والشافعي، وابن المنذر. وقال أبو حنيفة: هي على مالك الأرض، ويرد عليه: أن الزكاة واجبة في الزرع فكانت على مالكه، وهو المستأجر. [المغني لابن قدامة، 4/ 201]. (¬2) المغني لابن قدامة، 4/ 202. (¬3) المرجع السابق، 4/ 202.

وأما أرض العنوة.

في حكم الجزية متى أسلموا سقط عنهم، وإن انتقلت إلى مسلم لم يكن عليهم خراج. وهذه الأرض تجب الزكاة في حبوبها وثمارها إذا لم يكن عليها خراج؛ لأن الخراج في أرض الصلح لا يؤخذ إلا من الكفار ولا زكاة فيها في هذه الحالة. أي مادامت في أيدي أهلها الكفار، فإذا أسلموا أو انتقلت إلى مسلم سقط الخراج ووجبت الزكاة في ثمارها وحبوبها إذا اكتملت شروط وجوب الزكاة. وأما أرض العنوة فهي ما أُجلِيَ عنها أهلها بالسيف؛ لامتناعهم عن الدخول في الإسلام أو عن دفع الجزية، فإذا لم تقسم بين الغانمين فهذه تصير وقفاً للمسلمين يضرب عليها خراجٌ معلومٌ يؤخذ منها في كل عامٍ يكون أجرةً لها، ثم ينظر في باقي ثمرتها وحبوبها فإن كان الباقي نصاباً ففيه الزكاة إن كانت بيد مسلم، وإن لم يبلغ الباقي نصاباً أو بلغ نصاباً ولم يكن لمسلم فلا زكاة فيه. فعلى هذا يجتمع العشر والخراج في أرض فتحت عنوة: الخراج في رقبتها، والعشر زكاة في غلتها؛ لأن الخراج كالأجرة (¬1). والله تعالى أعلم (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 186 - 200، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 558، ومنتهى الإرادات، 1/ 477، وشرح الزركشي، 2/ 480، والكافي، 2/ 144. (¬2) وهذا قول جمهور أهل العلم رحمهم الله تعالى ومنهم الإمام أحمد، وهو قول عمر ابن عبد العزيز، والزهري، ويحيى الأنصاري، وربيعة، والأوزاعي، والإمام مالك، والثوري، ومغيرة، والليث، والحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، وابن المبارك، والإمام الشافعي، وإسحاق، وأبي عبيد. قالوا: ما فتح من الأرض عنوة ووُقف على المسلمين، وضرب عليه خراجٌ معلومٌ فإنه يؤدى الخراج عن غلته وينظر في باقيه فإن كان نصاباً ففيه الزكاة إذا كان لمسلم، وإن لم يبلغ نصاباً أو بلغ نصاباً ولم يكن لمسلم فلا زكاة فيه؛ فإن الزكاة لا تجب على غير المسلمين، وكذلك الحكم في كل أرض خراجية. وأما أبو حنيفة رحمه الله ومن معه من أصحاب الرأي فقالوا: لا عشر في الأرض الخراجية واستدلوا بحديث ضعيف ((لا يجتمع العشر والخراج في أرض مسلم)) والصواب: اجتماع العشر والخراج بالضوابط المتقدمة. [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 199].

عاشرا: الزكاة لا تؤخذ من رديء المال

عاشراً: الزكاة لا تؤخذ من رديء المال؛ لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (¬1)؛ ولحديث البراء بن عازب في قوله سبحانه: {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: ((نزلت في الأنصار؛ كانت الأنصار تخرج - إذا كان جدادُ (¬2) النخل - من حيطانها (¬3) أقناء البسر (¬4) فيعلقونه على حبلٍ بين اسطوانتين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيأكل منه فقراء المهاجرين، فيعمد أحدهم فيدخلُ قنواً فيه الحشف (¬5) يظن أنه جائز في كثرة ما يوضع من الأقناء، فنَزَلَ فيمن فعل ذلك: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} يقول: لا تعمدوا للحشف منه تنفقون {وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} يقول: لو أهدي لكم ما قبلتموه إلا على استحياء من صاحبه، غيظاً أنه بعث إليكم ما لم يكن لكم فيه حاجةٌ، واعلموا أن الله غني عن صدقاتكم)) (¬6). وعن أبي أمامة - رضي الله عنه -: في الآية التي قال الله - عز وجل -: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ ¬

_ (¬1) سورة البقرة، الآية: 267. (¬2) جداد: أوان قطع ثمر النخل [المعجم الوسيط]. (¬3) حيطانها: أي بساتينها. (¬4) أقناء البسر: أقناء: جمع قنو: وهو العِذق، والبسر: تمر النخل قبل أن يُرطب. (¬5) الحشف: اليابس الفاسد من التمر. (¬6) ابن ماجه، كتاب الزكاة، باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله، برقم 1486 - 1818، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 110.

الحادي عشر: زكاة العسل المحمي والمتخذ للتجارة.

مِنْهُ تُنْفِقُونَ} قال: ((هو الجعرور (¬1) ولون حبيقٍ (¬2)، فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن تؤخذ في الصدقة: الرُّذالة)) (¬3). وعن عوف بن مالك - رضي الله عنه -، قال: دخل علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وبيده عصاً وقد علّق رجل قِنْوَ حشفٍ فجعل يطعن بالعصا في ذلك القِنوِ، وقال: ((لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب منها)) وقال: ((إن ربَّ هذه الصدقة يأكل حشفاً يوم القيامة)) (¬4). الحادي عشر: زكاة العسل المحمي والمتخذ للتجارة (¬5)؛ ¬

_ (¬1) الجعرور: نوع من الدقل رديء التمر، يحمل رطباً صغاراً لا خير فيه. النهاية في غريب الحديث. (¬2) الحبيق: نوع من أنواع التمر الرديء منسوب إلى ابن حبيق، وهو رجل. [النهاية في غريب الحديث]. (¬3) النسائي، كتاب الزكاة، باب قوله - عز وجل -: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، برقم 2492، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة، برقم 1607، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 446. (¬4) النسائي، كتاب الزكاة، باب قوله - عز وجل -: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}، برقم 2492، وأبو داود، كتاب الزكاة، باب ما لا يجوز من الثمرة في الصدقة، برقم 1608، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب النهي أن يخرج في الصدقة شر ماله، برقم 1486 - 1848، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود، 1/ 447. (¬5) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة العسل على أقوال: 1 - مذهب أحمد أن في العسل العشر، ويروى هذا القول أيضاً عن عمر بن عبد العزيز، ومكحول، والزهري، وسليمان ابن موسى، والأوزاعي، وإسحاق، واستدلوا بحديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده. 2 - وقال مالك، والشافعي، وابن أبي ليلى، والحسن بن صالح، وابن المنذر: لا زكاة فيه؛ لأنه مائع خارج من حيوان أشبه اللبن، قال ابن المنذر: ليس في وجوب الصدقة في العسل خبر يثبت ولا إجماع فلا زكاة فيه [وقال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، قبل الحديث رقم 1483: ولم ير عمر ابن عبد العزيز في العسل شيئاً]. 3 - قال أبو حنيفة: إن كان في أرض العشر ففيه الزكاة وإلا فلا زكاة فيه ... وقول أبي حنيفة ينبني على أن العشر والخراج لا يجتمعان، وتقدم أن الصواب: اجتماع العشر والخراج [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 183]. وسمعت شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على صحيح البخاري، 3/ 347: ((والعسل ليس مما ينضح ولا يسقى وإنما هو من النحل، والراجح أنه ليس فيه زكاة إلا إذا كان للتجارة ففيه الزكاة: زكاة عروض التجارة)) وكذلك سمعته يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لأبي البركات ابن تيمية أثناء تقريره على الأحاديث 2009 - 2012: ((وقد اختلف العلماء في زكاة العسل على قولين: [القول الأول] جزم البخاري رحمه الله وابن المنذر أنه لا يصح في زكاته شيء. [القول الثاني] وقال آخرون يصح به الحديث وأنه فيه الزكاة كما في الذي ليس له مؤنة من المزارع التي لا تسقى ... )). ورجح رحمه الله أن العسل لا تجب فيه الزكاة إلا إذا كان من عروض التجارة، ولكن لو أدوا الزكاة حُمي لهم، وإلا فلا. لكن لو أدَّى العشر كان أحوط، وقبل منه من كل عشر قرب قربة، وإن لم يؤدِّ فلا زكاة عليه. [وانظر أيضاً زاد المعاد لابن القيم، 2/ 12 - 16].

لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قال جاء هلال – أحد بني مُتعان - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعشور نحلٍ له، وكان سأله أن يحمي له وادياً يقال له: سَلَبَة، فحمى له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الوادي، فلما ولي عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، كتب سفيان بن وهيب إلى عمر بن الخطاب يسأله عن ذلك؛ فكتب عمر - رضي الله عنه -: ((إن أدَّى إليك ما كان يؤدّي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عشور نحله فاحمِ له سَلَبَةَ، وإلا فإنما هو ذُبابُ غيثٍ يأكله من يشاء)) وفي رواية لأبي داود بنحوه، وقال: ((من كل عشر قربٍ قربة)) (¬1) فالحديث ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الزكاة، باب زكاة العسل، برقم 1600 - 1602، والنسائي، كتاب الزكاة، باب زكاة النحل، برقم 2498، وابن ماجه، كتاب الزكاة، باب زكاة العسل، برقم 1851، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 445. قلت: وقواه الحافظ ابن حجر في فتح الباري بشرح صحيح البخاري، وقال: ((إلا أنه محمول على أنه في مقابلة الحمى، كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -)) [فتح الباري، 3/ 384]. قال الألباني رحمه الله في تمام المنة في التعليق على فقه السنة ص374: ((وسبقه – يعني ابن حجر – إلى هذا الحمل ابن زنجويه في الأموال، 1095 - 1096، ثم الخطابي في معالم السنن، 1/ 208، وهو الظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم)). وسمعت شيخنا العلامة ابن باز أثناء تقريره على منتقى الأخبار، الحديث رقم 2010 يقول: ((إسناده جيد لكن ليس فيه أنه - صلى الله عليه وسلم - فرض ذلك إنما قبل منهم العشر وليس بصريح في وجوب الزكاة؛ فهو قبل منه العشر وحمى له سلبة – واد يقال له: سلبة – حمى له حتى ترعى فيه النحل)). قال السندي رحمه الله: ((وإلا فإنما هو ذباب غيث: أي وإلا فلا يلزم عليك حفظه؛ لأن الذباب غير مملوك فيحل لمن يأخذه، وعلم أن الزكاة فيه غير واجبة على وجه يجبر صاحبه على الدفع، لكن لا يلزم الإمام حمايته إلا بأداء الزكاة)) [عون المعبود شرح سنن أبي داود لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، 4/ 489].

الثاني عشر: زكاة المعدن.

محمول على أن أخذ العشر من العسل في مقابلة الحمى كما يدل عليه كتاب عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، إلا إذا كان العسل من عروض التجارة ففيه زكاة عروض التجارة، والله تعالى أعلم (¬1). الثاني عشر: زكاة المعدن: وهو كل ما خرج من الأرض مما يُخلقُ ¬

_ (¬1) اختلف العلماء الموجبون للزكاة في العسل هل له نصاب أم لا؟ 1 - قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: الزكاة في قليل العسل وكثيره بناءً على أصله في الحبوب والثمار. 2 - قال أبو يوسف ومحمد: خمسة أوساق؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)). 3 - قال الزهري وأحمد: ((نصاب العسل عشرة أفراق)). ثم اختلف أصحاب الإمام أحمد في تقدير الفرق على ثلاثة أقوال: الأول: أنه ستون رطلاً، والثاني: أنه ستة وثلاثون رطلاً، والثالث: أنه ستة عشر رطلاً وهو ظاهر كلام الإمام أحمد والله أعلم. [زاد المعاد لابن القيم، 2/ 16، والمغني لابن قدامة، 4/ 184]. وقول عمر - رضي الله عنه -: ((من كل عشرة أفراقٍ فرقاً)) والفَرَقُ بتحريك الراء ستة عشر رطلاً، قال أبو عبيد في الأموال: ((لا خلاف بين الناس أعلمه في أن الفرق ثلاثة آصع))، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لكعب بن عجرة: ((صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرقٍ بين ستةٍ ... )) [البخاري، برقم 1815، ومسلم، برقم 1201، وفي لفظ لمسلم: ((أو تصدق بفرق بين ستة مساكين)). قال ابن حجر في فتح الباري، 4/ 16: ((بفرق ... مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلاً)) وفي لفظ للبخاري: (( ... أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع)) وفي لفظ لمسلم: ((أو أطعم ثلاثة آصع من تمر على ستة مساكين)) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وإذا ثبت أن الفرق ثلاثة آصع اقتضى أن الصاع خمسة أرطال وثلث ... )) [فتح الباري، 4/ 16]. فدلت هذه الألفاظ على أن الفَرَق ثلاثة آصع، والصاع أربعة أمداد، والمد ملء كفي الرجل معتدل الخلقة والله أعلم فتكون عشرة أفراق ضرب ثلاثة آصع يساوي ((ثلاثون صاعاً)) ضرب خمسة أرطال وثلث يساوي مائة وستون رطلاً. والله تعالى أعلم. [انظر: المغني، 4/ 184، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 568، والكافي، 2/ 145، وزاد المعاد لابن القيم، 2/ 16].

فيها من غيرها مما له قيمة: كالحديد، والياقوت، والزبرجد، والعقيق، والسُّبح، والكحل، والكبريتات، والذهب، والفضة، والنفط، وغير ذلك مما ينطبق عليه اسم المعدن، ولا تخرج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته، والمعدن أشبه بالثمار من غيرها، وزكاته ربع العشر إذا كمل النصاب، وهل يشترط له الحول أو لا يشترط؟ ذهب الحنابلة، والشافعية، والمالكية، والأحناف إلى أنه لا يشترط له الحول، وقال إسحاق وابن المنذر: لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول؛ لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) (¬1) ورجح شيخنا ابن باز رحمه الله تعالى: أن المعدن لا زكاة فيه حتى يحول عليه الحول (¬2). ¬

_ (¬1) ابن ماجه، برقم 1792، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، 2/ 98، وتقدم تخريجه في منزلة الزكاة في الإسلام في الشرط الخامس. (¬2) وذكر الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: أن الكلام في هذه المسألة – أي زكاة المعادن – في أربعة فصول: أحدها: صفة المعدن الذي يتعلق به وجوب الزكاة: وهو كل ما خرج من الأرض مما يخلق فيها من غيرها مما له قيمة ... الفصل الثاني: في قدر الواجب وصفته: قدر الواجب فيه: ربع العشر، وصفته أنه زكاة، وهذا قول: عمر بن عبد العزيز، ومالك، وقال أبو حنيفة، الواجب فيه الخمس وهو فيء واختاره أبو عبيد، وقال الشافعي: هو زكاة، واختلف قوله في قدره كالمذهبين ... الفصل الثالث: في نصاب المعدن: وهو ما يبلغ من الذهب عشرين مثقالاً، ومن الفضة مائتي درهم، أو قيمة ذلك من غيرهما، وهذا مذهب [أحمد] [و] الشافعي. وأوجب أبو حنيفة الخمس في قليله وكثيره، من غير اعتبار نصاب بناء على أنه ركاز لعموم الأحاديث التي احتجوا بها عليه؛ ولأنه لا يعتبر له حول فلم يعتبر له نصاب كالركاز؛ لكن يرد عليه بعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس فيما دون خمس أواق صدقة)) وهو مفارق للركاز؛ لأن الركاز مال كافر أخذ في الإسلام فأشبه الغنيمة، وهذا وجب مواساة وشكراً لنعمة الغِنى، فاعتبر له النصاب كسائر الزكوات؛ وإنما لم يعتبر له الحول؛ لحصوله دفعة واحدة فأشبه الزروع والثمار. الفصل الرابع في وقت الوجوب: تجب الزكاة فيه حين يتناوله ويكمل نصابه ولا يعتبر له حول، وهذا قول مالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، وقال إسحاق وابن المنذر لا شيء في المعدن حتى يحول عليه الحول؛ لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)) ولكن رد ابن قدامة هذا وقال: ((ولنا أنه مال مستفاد من الأرض فلا يعتبر في وجوب حقه حول: كالزروع، والثمار، والركاز؛ ولأن الحول إنما يعتبر لغير هذا في تكميل النماء، وهذا يتكامل نماؤه دفعة واحدة فلا يعتبر له حول. كالزروع، والخبر مخصوص بالزرع والثمر، فيخص محل النزاع بالقياس عليه، إذا ثبت هذا فلا يجوز إخراج زكاته إلا بعد سبكه وتصفيته كعشر الحب)) [انظر: المغني لابن قدامة، 4/ 238 - 245]. وحجة من قال بالزكاة في المعادن حديث بلال بن الحارث - رضي الله عنه -: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ من المعادن القبلية الصدقة)) قال الحافظ ابن حجر: ((رواه أبو داود)). قال الإمام ابن باز رحمه الله في حاشيته على بلوغ المرام، الحديث رقم 596: ((أخرجه أبو داود في باب إقطاع الأرضين، ص311 ج‍من عون المعبود عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مرسلاً بإسناد صحيح بلفظ: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقطع بلال بن الحارث المزني معادن القبلية، - وهي في ناحية الفُرع – قال: فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم)) ... ثم ذكر رحمه الله أن أبا داود أخرجه من طريقين [برقم 3062، ورقم 3063] أحدهما ضعيف والثاني صحيح وليس في الطريقين المذكورين قوله في طريق ربيعة ((فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلا الزكاة إلى اليوم)) ثم قال ابن باز رحمه الله: وهذه الروايات الثلاث غير مطابقة لِمَا ذكره المؤلف – يعني ابن حجر في بلوغ المرام – ولم أجده بلفظ المؤلف المذكور في سنن أبي داود رحمه الله. وقال صاحب العون في الشرح: والحديث المذكور مرسل عند جميع رواة الموطأ، ووصله البزار .... قاله الزرقاني انتهى)) [حاشية العلامة ابن باز على بلوغ المرام، الحديث رقم: 596] ثم رجح ابن باز رحمه الله أن في المعدن الزكاة إذا بلغ النصاب، وكذلك أيضاً إذا حال عليه الحول، فقد سمعته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 645، وتقريره على المنتقى، الأحاديث رقم 2013 - 2014 يقول عن الحديث المذكور: ((ليس فيه دلالة ظاهرة على أنه يأخذ الزكاة بدون حول، بل فيه الإفادة أنه أخذ منه الصدقة فقط، والمعادن ظاهرها شامل: للذهب والفضة وغيره مما له قيمة، والصواب أن فيه الزكاة إذا حال عليه الحول، سواء كان ذهباً، أو فضة، أو غيره من أنواع المعادن)). [وانظر: المغني لابن قدامة، 4/ 238 - 247، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 574 - 586، والكافي لابن قدامة، 2/ 153 - 156].

الثالث عشر: زكاة الركاز

الثالث عشر: زكاة الركاز، والركاز: هو دِفنُ الجاهلية وكنزها، وهو المدفون في الأرض، ويقال له: ركاز؛ لأن صاحبه ركزه في الأرض أي أثبته (¬1) وفيه الخمس؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((العَجماءُ جُرْحُها جُبارٌ، والبئرُ جُبارٌ، والمعدنُ جبارٌ، وفي الركاز الخمس)) وفي لفظ ¬

_ (¬1) جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 621، وقال: ((هذا عند أهل الحجاز، وهو عند أهل العراق: المعدن؛ لأن الله تعالى ركزه في الأرض ركزاً، والحديث إنما جاء في التفسير الأول منهما)).

لمسلم: ((البئر جرحها جبار، والمعدن جرحه جبار، والعجماء جرحها جبارٌ وفي الركاز الخمس)) (¬1). (¬2) والخمس يجب في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك، ويجب على كل من وجده من أهل الزكاة وغيرهم (¬3). ¬

_ (¬1) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، بابٌ: وفي الركاز الخمس، برقم 1499، وكتاب المسافاة، باب من حفر بئراً في مِلكه لم يضمن، برقم 2355، وكتاب الديات، بابٌ: المعدن جبار والبئر جبار، برقم 6912، ورقم 6913، ومسلم، كتاب الحدود، باب جرح العجماء والمعدن والبئر جبار، برقم 1710. (¬2) العجماء: البهيمة، والجبار: الهدر، وكذلك المعدن والبئر، إذا هلك الأجير فيهما فدمه هدر لا يطالب به: جامع الأصول لابن الأثير، 4/ 621. (¬3) قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وفي الركاز الخمس)): وهو أيضاً مجمع عليه، قال ابن المنذر: لا نعلم أحداً خالف هذا الحديث، إلا الحسن؛ فإنه فرق بين ما يوجد في أرض الحرب وأرض العرب، فقال: فيما يوجد في أرض الحرب الخمس وفيما يوجد في أرض العرب الزكاة، وأوجب الخمس في الجميع الزهري، والشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابه، وأبو ثور، وابن المنذر، وغيرهم، وهذا يشتمل على خمس مسائل: المسألة الأولى: أن الركاز الذي يتعلق به وجوب الخمس ما كان من دفن الجاهلية، ويعتبر ذلك بأن ترى عليه علاماتهم، كأسماء ملوكهم وصورهم، وصلبهم، ونحو ذلك، فإن كان عليه علامات الإسلام، ونحو ذلك فهو لقطة؛ لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه، وهذا قول مالك، والشافعي، وأحمد، وإن كان على بعضه علامات الكفر، وعلى بعضه علامات الإسلام، فكذلك نص عليه أحمد في رواية ابن منصور؛ لأن الظاهر أنه صار إلى مسلم، ولم يعلم زواله عن ملك المسلمين فأشبه ما على جميعه علامات المسلمين. المسألة الثانية: في موضعه: لا يخلو من أربعة أقسام: القسم الأول: أن يجده في موات أو ما لا يعلم له مالك مثل الأرض التي يوجد فيها آثار الملك: كالأبنية القديمة، والتلول، وجدران الجاهلية، وقبورهم فهذا فيه الخمس بغير خلاف سوى ما ذكر آنفاً، ولو وجده في هذه الأرض فهو كذلك في الحكم؛ لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في كنز وجده رجل في خربة ((إن وجدته في قرية مسكونة فعرفه، وإن وجدته في قرية غير مسكونة ففيه وفي الركاز الخمس)) قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام: ((أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن)). وأخرجه الشافعي في ترتيب مسنده، 1/ 248. القسم الثاني: أن يجده في ملكه المنتقل إليه فهو له في إحدى الروايتين عن أحمد، ومذهب الشافعي أنه للمالك قبله إن اعترف به، وإن لم يعترف به فهو للذي قبله كذلك إلى أول مالك، والرواية الأولى لأحمد أصح. القسم الثالث: أن يجده في ملك آدمي مسلم معصوم أو ذمي، فعن أحمد ما يدل على أنه لصاحب الدار، وهو قول أبي حنيفة، ونقل عن أحمد: أنه لواجده، قال القاضي: وهو الصحيح. القسم الرابع: أن يجده في أرض الحرب؛ فإن لم يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فهو غنيمة لهم، وإن قدر عليه بنفسه فهو لواجده. المسألة الثالثة: في صفة الركاز الذي فيه الخمس: وهو كل ما كان مالاً على اختلاف أنواعه: من الذهب، والفضة، والحديد، والرصاص، والنحاس، والآنية، وغير ذلك، وهو قول: أحمد، وأصحاب الرأي، وإسحاق، وإحدى الروايتين عن مالك، وأحد قولي الشافعي. والقول الآخر: لا تجب إلا في الأثمان، ولكن يرد عليهم بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وفي الركاز الخمس))؛ ولأنه مال مظهور عليه من مال الكفار فوجب فيه الخمس مع اختلاف أنواعه كالغنيمة. والخمس يجب في قليله وكثيره، وهو قول أحمد، ومالك، وأصحاب الرأي، والشافعي في القديم، وقال في الجديد يعتبر النصاب فيه؛ لكن يرد عليه بعموم الأحاديث؛ ولأنه مال مخموس فلا يعتبر له نصاب كالغنيمة. المسألة الرابعة: قدر الواجب في الركاز الخمس، وأما مصرفه، فقال الخرقي: هو لأهل الصدقات، ونص عليه أحمد في رواية، وإن تصدق به على المساكين أجزأه، وهو قول الشافعي؛ لأنه مستفاد من الأرض أشبه المعدن والزرع، والرواية الثانية أن مصرفه مصرف الفيء، وهو قول أبي حنيفة. المسألة الخامسة: في من يجب عليه الخمس: يجب على من وجده من مسلم، وذمي، وعاقل ومجنون، وهذا قول أكثر أهل العلم، قال ابن المنذر: ((أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن على الذمي في الركاز يجده: الخمس))، وقال الشافعي: لا يجب الخمس على من تجب عليه الزكاة؛ لأنه زكاة، ولكن يرد بعموم الحديث ((وفي الركاز الخمس)) فإنه يدل بعمومه على وجوب الخمس في كل ركاز يوجد، ويدل بمفهومه على أن باقيه لواجده. والله تعالى أعلم. [انظر: المغني لابن قدامة 4/ 231 - 238، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 6/ 587 - 603]. وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم 643: (( ... فتجب الزكاة في الركاز الخمس، ولما كان الحصول على الركاز بدون كلفة صارت الزكاة الخمس، وهو أعلى شيء في الزكاة، ثم يليه ما يكون عثرياً، وما يسقى بالأنهار بدون كلفة ففيه العشر وهو نصف الخمس، والركاز: هو الذي عليه علامات الجاهلية، أما ما عليه علامات الإسلام فلابد من تعريفه؛ لأنه: كاللقطة، حكمه حكمها)).

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً. تمت بحمد الله تعالى الرسالة الثالثة ويليها إن شاء الله تعالى الرسالة الرابعة ((زكاة الأثمان)) الذهب، والفضة، والأوراق النقدية.

§1/1