زكاة الأثمان
سعيد بن وهف القحطاني
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً, أما بعد: فهذه رسالة مختصرة في ((زكاة الأثمان)): من الذهب، والفضة، وما يقوم مقامهما من العملات الورقية، والمعدنية، بيَّنت فيها بإيجاز: مفهوم الأثمان: لغة، واصطلاحاً، وأوضحت وجوب الزكاة في الذهب والفضة: بالكتاب، والسنة، والإجماع، وذكرت مقدار نصاب الذهب والفضة، وأوضحت زكاة العملات الورقية والمعدنية المتداولة بين الناس الآن، وحكم ضمّ الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب، وضمّ عروض التجارة إلى كل من الذهب والفضة في تكميل النصاب، وأن مقدار الواجب من الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر، وضربت الأمثلة على كيفية إخراج الزكاة بالطرق الحسابية الميسرة، وأوضحت حكم إخراج أحد النقدين عن الآخر في الزكاة، وذكرت ما يباح للرجال: من الفضة، والذهب، وما يباح للنساء من ذلك، وأن آنية الذهب والفضة محرمة على الرجال والنساء جميعاً، وذكرت أن الزكاة تجب في الحلي محرّم الاستعمال: من الذهب، والفضة، أو إذا كان من
عروض التجارة إجماعاً، ثم ذكرت أقوال العلماء في حكم زكاة الحلي المباح المعدّ للاستعمال، وأدلّة كل فريق، واجتهدت في اختيار القول الذي يدل عليه الكتاب، والسنة، والآثار عن الصحابة - رضي الله عنهم -، ثم ذكرت ترجيح بعض العلماء قديماً وحديثاً في حكم زكاة الحلي، وختمت هذه الأقوال بفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ثم ذكرت: مصارف الزكاة: أهل الزكاة بأصنافهم الثمانية، وختمت ذلك بالأصناف الذين لا يصح دفع الزكاة إليهم، وقد استفدت كثيراً من تقريرات وترجيحات سماحة شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز، رفع الله منزلته، ونوَّر له في قبره، ورحمه رحمة واسعة. والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن يجعله مباركاً، نافعاً، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. المؤلف أبو عبدالرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني حرر عشية الأحد الموافق 15/ 3/1426هـ بالرياض
أولا: مفهوم الأثمان
زكاة الأثمان: الذهب والفضة، والعملات: الورقية, والمعدنية أولاًَ: مفهوم الأثمان: الأثمان لغة: الثمن: العوض، والجمع أثمان، مثل: سبب وأسباب، يقال: ثمَّنته تثميناً: جعلت له ثمناً بالحدس والتخمين (¬1). والثمن: العوض الذي يؤخذ على التراضي في مقابلة البيع عيناً كان أو سلعة (¬2). واصطلاحاً: الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من العملات الورقية، أو النحاسية المستعملة الآن، ويقال أيضاً للذهب والفضة: النقدان، وجمعها نقود، والنقد هو العملة من الذهب والفضة أو ما يقوم مقامهما من العملات المستعملة بين الناس في البيع والشراء، وأنواع المنافع والمصالح (¬3). والخلاصة: أن النقدين من الذهب والفضة: ما اتَّخذه الناس ثمناً من المعادن المضروبة أو الأوراق المطبوعة الصادرة عن المؤسسة المالية، صاحب الاختصاص، وجمع النقدين: نقود (¬4). ثانياً: زكاة الذهب والفضة: واجبة بالكتاب والسنة والإجماع: أما الكتاب؛ فلقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ ¬
السنة
فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬1). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا يتوعد بهذه العقوبة إلا على ترك واجب)) (¬2). وقال الله - سبحانه وتعالى -: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬3). وأما السنة؛ فلحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صاحب ذهب ولا فضةلا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صُفِّحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬4)؛ ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع (¬5) له زبيبتان (¬6) يطوِّقه يوم القيامة، ¬
الإجماع
ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك، ثم تلا هذه الآية: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِله مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬1). وفي لفظ: ((يكون كنز أحدكم يوم القيامة شجاعاً أقرع يفرُّ منه صاحبه ويطلبه ويقول: أنا كنزك، قال: والله لن يزال يطلبه حتى يبسط يده فيلقمها فاه)) (¬2). أما الإجماع، فقال الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: ((وأجمعوا على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً وقيمتها مائتا درهمٍ أن الزكاة تجب فيه وانفرد الحسن البصري ... )) (¬3). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وأجمع أهل العلم على أن في مائتي درهم خمسة دراهم، وعلى أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً، وقيمته مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه، إلا ما اختلف فيه عن الحسن)) (¬4). ثالثاً: نصاب الذهب والفضة على النحو الآتي: 1 - نصاب الفضة، إذا بلغت الفضة مائتي درهم ففيها الزكاة؛ ¬
لحديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قد عفوت عن الخيل والرقيق، فهاتوا صدقة الرقة (¬1) من كل أربعين درهماً درهماً، وليس في تسعين ومائة شيء، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم)) (¬2)؛ ولحديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: (( ... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم ... )) (¬3)؛ ولحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليس فيما دون خمس أواقٍ [من الورق] صدقة، وليس فيما دون خمس ذودٍ [من الإبل] صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسقٍ [من التمر] صدقة)) (¬4). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى: ((الأقية التي جاء ذكرها في الأحاديث مبلغها أربعون درهماً .. )) (¬5). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملة ذلك أن نصاب الفضة مائتا درهم، لا خلاف في ذلك ¬
بين علماء الإسلام، وقد بيَّنته السنة التي رويناها بحمد الله، والدراهم التي يعتبر بها النصاب: هي الدراهم التي كلُّ عشرة منها وزنُ سبعة مثاقيل بمثقال الذهب، وكلُّ دِرْهَمٍ نصف مثقال وخُمْسُهُ، وهي الدراهم الإسلامية التي تقدَّر بها نُصُبُ الزكاة، ومقدار الجزية، والديات، ونصاب القطع في السرقة، وغير ذلك .. )) (¬1) (¬2). وقد ذكر المرداوي رحمه الله في كتابه الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: أن زنة كل مثقال اثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة (¬3). وقال العلامة عبدالرحمن القاسم: ((المثقال زنة اثنتان وسبعون حبة من حب الشعير الممتلئ، غير الخارج عن مقادير حب الشعير غالباً)) (¬4). وحرر شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله ذلك فقال: ((زنة المثقال اثنتان وسبعون حبة شعير متوسطة)) (¬5) (¬6). ¬
وقد جَرَّبْتُ ذلك بنفسي، فأخذت اثنتين وسبعين حبة من حب الشعير المتوسط ووزنته في ميزان الذهب عند أصحاب الذهب فكان وزنه أربعة غرامات وستة من عشرة (4.6) (¬1). وهذا هو وزن المثقال الواحد، وحرر ¬
شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، وحررت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن نصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً (¬1)، فيكون النصاب بالغرامات: 4.6 جرامات × 140مثقالاً = 644 جراماً، وهذا الوزن هو نصاب الفضة تقريباً، وهو وزن خمس أواقٍ من الفضة، ويعادل مائتي درهم كما تقدم، فإذا نقص المال عن ذلك التقدير فلا زكاة فيه إلا أن يكون في ملكه عروض تجارة؛ فإنها تضم إلى الفضة في تكميل النصاب. قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (( ... عروض التجارة تضمُّ إلى كل واحد من الذهب والفضة، ويكمّل به نصابه، لا نعلم فيه اختلافاً)). قال الخطابي: ((لا أعلم عامتهم اختلفوا فيه؛ لأن الزكاة إنما تجب في قيمتها فتقوم بكل واحد منها، فتضم إلى كل واحد منهما، ولو كان له ذهب وفضة وعروض وجب ضم الجميع إلى بعضٍ في تكميل النصاب؛ لأن العرض مضمومٌ إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه، وجَمْع الثلاثة)). فلو كان يملك عشرة مثاقيل من الفضة، وخمسة مثاقيل من الذهب، وعقار معروض للبيع، وكلها دار عليها الحول؛ فإنه في هذه الحالة يضم بعضها إلى بعض في تكميل النصاب، فيحصي قيمة الذهب، والفضة، والعقار، ثم ¬
نصاب الذهب
يخرج الزكاة (¬1). 2 - نصاب الذهب، إذا بلغ الذهب عشرين ديناراً، أو عشرين مثقالاً ففيه الزكاة؛ لحديث علي - رضي الله عنه - يرفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... فإذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء، - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً؛ وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك، وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) (¬2)؛ ولحديث عائشة أم المؤمنين وابن عمر - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار، ومن الأربعين ديناراً ديناراً)) (¬3). ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعاً: ((ليس في أقل من عشرين مثقالاً من الذهب ولا في أقل من مائتي درهم صدقة)) (¬4). ¬
قال الإمام ابن المنذر رحمه الله: ((وأجمعوا على أن الذهب إذا كان عشرين مثقالاً وقيمتها مائتا درهم أن الزكاة تجب فيه، وانفرد الحسن البصري فقال: ليس فيما دون أربعين ديناراً صدقة، وأجمعوا على أن الذهب إذا كان أقل من عشرين مثقالاً، ولا يبلغ قيمتها مائتي درهم أن لا زكاة فيه)) (¬1). وقد حقق الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى أن نصاب الذهب عشرون مثقالاً من غير اعتبار قيمتها؛ للأدلة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2)؛ ولأن الذهب والفضة مال تجب الزكاة في عينه، فلم يعتبر بغيره كسائر الأموال، وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه (¬3). والخلاصة أن نصاب الذهب عشرون ديناراً، وهي عشرون مثقالاً، وزن المثقال الواحد 4.6 جرامات، ووزن عشرين مثقالاً يساوي 92 جراماً، وهي تساوي 11.5 جنيهاً سعودياً، وزن الجنيه مثقالان إلا ربع، أي: 1.75 أي جنيه وخمسة وسبعون بالمائة تقريباً. قال سماحة شيخنا الإمام ابن باز رحمه الله: ((وقد حررنا هذا فوجدنا النصاب اثنين وتسعين [يعني جراماً] إلا كسراً يسيراً، يعني عشرين مثقالاً، وهي أحد عشر جنيهاً ¬
ونصف جنيه سعودي [لأن زنة الجنيه المذكور مثقالان إلا ربع مثقال]. وقال في موضع آخر: ((ومقدار النصاب بالجنيه السعودي والإفرنجي حتى يمكن تقدير الأوراق النقدية والعروض التجارية بذلك - أحد عشر جنيهاً وثلاثة أسباع الجنيه)) (¬1). وهكذا قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (¬2). والله تعالى أعلم (¬3). وتقدم أن الإمام ابن قدامة رحمه الله حكى الإجماع على أن عروض التجارة تضم إلى كل واحدٍ من الذهب والفضة في تكميل النصاب، وكذلك لو كان له ذهب، وفضة، وعروض تجارة لم يبلغ أحد منهم النصاب فإنه يضم بعضها إلى بعض، والخلاف إنما جاء في ضم الفضة إلى الذهب وليس معهما عروض تجارة (¬4). فلو كان له عشرة مثاقيل من الفضة، وخمسة مثاقيل من الذهب، وبيت قد عرضه للبيع وكلها دار عليها الحول؛ فإنه يحصي قيمة الجميع ثم يخرج زكاتها. ¬
رابعا: زكاة العملات المعدنية والورقية:
رابعاً: زكاة العملات المعدنية والورقية: إذا بلغت العملات الورقية أو المعدنية نصاب الذهب أو الفضة زُكِّيت؛ فإن حكمها حكم النقدين على القول الصحيح، فينظر إلى ما يقابلها من النقدين؛ فإن بلغت قيمتها عشرين مثقالاً من الذهب، أو مائتي درهم من الفضة، وحال عليها الحول ففيها الزكاة (¬1)؛ لأنها بمنزلة النقدين في وجوب الزكاة؛ لدخولها في عموم قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (¬2)؛ ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه - حينما بعثه إلى اليمن، وفيه: (( ... فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أموالهم وتردُّ على فقرائهم .. )) (¬3). فالعملات الورقية، والمعدنية مال، والناس يجعلونها في منزلة النقدين من الذهب والفضة؛ ولهذا تكون الزكاة فيها واجبة إذا بلغت نصاب الذهب أو نصاب الفضة، وحال عليها الحول (¬4). خامساً: حقيقة الأوراق النقدية: قرار هيئة كبار العلماء رقم (10) وتاريخ 17/ 4/1393 هـ الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, محمد، وعلى آله وصحبه، وبعد: ¬
فبناء على توصية رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، والأمين العام لهيئة كبار العلماء بدراسة موضوع الورق النقدي من قبل هيئة كبار العلماء؛ استناداً إلى المادة السابعة من لائحة سير العمل في الهيئة التي تنص على أن ما يجري بحثه في مجلس الهيئة يتم بطلب من ولي الأمر، أو بتوصية من الهيئة، أو من أمينها، أو من رئيس إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، أو من اللجنة الدائمة المتفرعة عن الهيئة، فقد جرى إدراج الموضوع في جدول أعمال الهيئة لدورتها الثالثة المنعقدة فيما بين 1/ 4/1393هـ و17/ 4/1393هـ، وفي تلك الدورة جرى دراسة الموضوع بعد الاطلاع على البحث المقدم عنه من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. وبعد استعراض الأقوال الفقهية التي قيلت في حقيقة الأوراق النقدية من اعتبارها أسناداً، أو عروضاً، أو فلوساً، أو بدلاً عن ذهب أو فضة، أو نقداً مستقلاً بذاته، وما يترتب على تلك الأقوال من أحكام شرعية – جرى تداول الرأي فيها، ومناقشة ما على كل قول منها من إيرادات. فتنتج عن ذلك عديد من التساؤلات التي تتعلق بالإجراءات المتخذة من قبل الجهات المصدرة لها: وحيث إن الموضوع من المسائل التي تقضي المادة العاشرة من لائحة سير عمل الهيئة بالاستعانة بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأنظمة العامة بما في ذلك القضايا البنكية والتجارية والعمالية؛ فإن عليها أن تشرك في البحث معها واحداً أو أكثر من المتخصصين في تلك العلوم – فقد جرى استدعاء سعادة محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي
الدكتور أنور علي، وحضر معه الدكتور عمر شابريه أحد المختصين في العلوم الاقتصادية، ووجهت إلى سعادته الأسئلة التالية: س1: هل تعتبر مؤسسة النقد ورق النقد السعودي نقداً قائماً بذاته أم تعتبره سندات تتعهد الدولة بدفع قيمتها لحاملها، كما هو مُدوَّنٌ على كل فئة من فئات أوراق النقد السعودي، وإذا لم يرد معنى هذه العبارة، فما معنى الالتزام بتسجيلها على كل ورقة، وهل يعني ذلك التعهد أن ورق النقد السعودي مغطى بريالات فضية أم لا؟ س 2: هل لكل عملة ورقية غطاء مادي محفوظ في خزائن مصدِّريها، وإذا كان كذلك فهل هو غطاء كامل أم غطاء للبعض فقط، وإذا كان غطاء للبعض فما هو الحد الأعلى للتغطية، وما هو الحد الأدنى لها؟ س 3: ما نوع غطاء العملات الورقية، وهل توجد عملة لأي دولة ما مغطاة بالفضة، وهل هناك جهات إصدار تخلت عن فكرة التغطية المادية مطلقاً؟ س 4: المعروف أن الورقة النقدية لا قيمة لها في ذاتها، وإنما قيمتها في أمر خارج عنها، فما هي مقومات هذه القيمة؟ س 5: نرغب شرح نظرية غطاء النقد بصفة عامة، وما هي مقومات اعتبار العملة الورقية على الصعيدين الدولي والمحلي؟ س 6: هل الغطاء لا يكون إلا بالذهب، وإذا كان بالذهب وغيره فهل غير الذهب فرع عن الذهب باعتبار أنه قيمة له، وهل يكفي للغطاء ملاءة ومتانة اقتصادها وقوتها ولو لم يكن لنقدها رصيد؟
س 7: ما يسمى بالدينار، والجنيه هل هو مغطى بالذهب؛ ولذا سمي ديناراً أو جنيهاً رمزاً لما غطي به، ومثله الريال السعودي هل هو مغطى بفضة أم أن هذه التسميات يقصد منها المحافظة على التسميات القديمة للعُمَلِ المتداولة فيما مضى بغض النظر عما هي مستندة عليه من ذهب أو فضة؟ س 8: ما السبب في عدم الثقة في النقد المتداول اليوم مما أدى إلى ارتفاع الذهب ارتفاعاً لم يسبق له نظير؟ وأجاب سعادته عنها بواسطة المترجم القائد الدكتور أحمد المالك إجابة جرى رصد خلاصتها في محضر الجلسة مع سعادته، وقد توصلت بها الأكثرية من الهيئة إلى الاقتناع بما ارتأته فيها من رأي. ثم بعد إعادة النظر في الأقوال الفقهية التي قيلت فيها على ضوء الإيضاحات التي ذكرها سعادة المحافظ قرر المجلس بالأكثرية ما يلي: بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح، بحيث يلقى قبولاً عاماً كوسيط للتبادل، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال: ((وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به، بل الغرض أن يكون معياراً لما يتعاملون به، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها، بل هي وسيلة إلى التعامل بها؛ ولهذا كانت أثماناً ... إلى أن قال: والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض، لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت)). اهـ (¬1). ¬
وذكر نحو ذلك الإمام مالك في (المدونة) من كتاب الصرف حيث قال: ((ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة)) اهـ (¬1). وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولاً عاماً في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياساً للقيم ومستودعاً للثروة، وبه الإبراء العام، وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ: أن صفة السندية فيها غير مقصودة، والواقع يشهد بذلك ويؤكده، كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملاً لجميع الأوراق النقدية، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزءاً من عملتها بدون غطاء، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهباً، بل يجوز أن يكون من أمور عدة: كالذهب والعملات الورقية القوية، وأن الفضة ليست غطاءً كلياً أو جزئياً لأي عملة في العالم، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفاً مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها، وأن الخامات المحلية؛ كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار غطاء للعملات الورقية. وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلاً، والأقرب إلى مقاصد الشريعة، وهو إحدى الروايات عن الأئمة مالك, وأبي حنيفة, وأحمد، قال أبو بكر: روى ذلك عن أحمد ¬
جماعة، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقداً قائماً بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار، بمعنى: أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية: أولاً: جريان الربا بنوعيه فيها، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين: الذهب, والفضة, وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس، وهذا يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما – نسيئة مطلقاً، فلا يجوز مثلاً بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يداً بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالاً سعودياً ورقاً. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقاً، إذا كان ذلك يداً بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي، ورقاً كان أو فضة، أو أقل من ذلك أو أكثر، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يداً بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع
سادسا: حكم ضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب:
الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يداً بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثانياً: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها. ثالثاً: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات. والله أعلم، وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم. هيئة كبار العلماء (¬1) رئيس الدورة الثالثة: محمد الأمين الشنقيطي (متوقف) ... صالح بن لحيدان (متوقف) ... عبد الله بن منيع عبد الرزاق عفيفي: لي وجهة نظر أخرى في الأوراق النقدية أقدم بها بياناً إن شاءالله ... عبد الله بن حميد (متوقف) ... عبدالعزيز بن باز عبد الله خياط عبدالمجيد حسن ... عبدالعزيز بن صالح ... محمد الحركان إبراهيم محمد آل الشيخ ... سليمان بن عبيد ... صالح بن غصون عبد الله بن غديان (متوقف) ... راشد بن خنين ... محمد بن جبير سادساً: حكم ضم الذهب والفضة بعضهما إلى بعض في تكميل النصاب: قال الإمام الحجَّاوي رحمه الله: ((ويُضمُّ الذهب إلى الفضة في تكميل ¬
النصاب، وتضمُّ قيمة العروض إلى كل منهما)) (¬1). وقال العلامة محمد بن مفلح المقدسي رحمه الله: ((ويكمل نصاب أحدهما بالآخر في روايةٍ اختارها الأكثر: الخلاَّلُ، والخرقيُّ، والقاضي وأصحابه، وصاحب ((المحرر)) وغيرهم، حاضراً (¬2)، أو دينٌ فيه زكاةٌ؛ لأن مقاصدهما وزكاتهما متفقةٌ، فهما كنوعي الجنس)) (¬3). ((من حبٍّ أو ثمرٍ في ضم أحدهما إلى الآخر، وفي الاجتزاء بأحدهما عن الآخر)) (¬4) (¬5). ¬
سابعا: تضم عروض التجارة إلى كل من الذهب والفضة:
سابعاً: تضم عروض التجارة إلى كل من الذهب والفضة: عروض التجارة: كل ما أعد للتجارة، وهذه تضم قيمتها إلى كل من
ثامنا: مقدار الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر:
الذهب والفضة في تكميل النصاب؛ لأن عروض التجارة تضم إليهما في تكميل النصاب، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((لا نعلم فيه خلافاً)). وقال ابن قدامة رحمه الله أيضاً: ((ولو كان له ذهب، وفضة، وعروض، وجب ضم الجميع بعضه إلى بعض في تكميل النصاب؛ لأن العروض مضمومٌ إلى كل واحد منهما، فيجب ضمهما إليه وجمع الثلاثة ... )) (¬1). والاختلاف إنما وقع إذا كان للإنسان المسلم من كل واحد من الذهب والفضة مالاً يبلغ نصاباً بمفرده، أو كان له نصاب من أحدهما وأقل من نصاب من الآخر)) (¬2). [وتقدم تفصيل ذلك]. ثامناً: مقدار الزكاة في الذهب والفضة: ربع العشر: فإذا تمت الفضة مائتي درهمٍ، والذهب عشرين ديناراً فالواجب في كلٍ منهما: ربع العشر، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ولا نعلم خلافاً بين أهل العلم في أن زكاة الذهب والفضة: رُبعُ عُشْرِهِ)) (¬3). وقد ثبت ذلك في حديث أنس - رضي الله عنه - الذي كتب له أبو بكر - رضي الله عنه - في فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، وفيه: ((وفي الرقة ربع العشر، فإن لم تكن إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها)) (¬4)؛ ولحديث علي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((هاتوا ربع العشور: من كل أربعين درهماً درهم، وليس عليكم شيء حتى تتمّ مائتي درهمٍ، فإذا كانت مائتي درهمٍ ففيها خمسة ¬
تاسعا: كيفية إخراج الزكاة من المال تكون بطرق منها:
دراهم، فما زاد فعلى حساب ذلك)) (¬1)؛ولحديث علي - رضي الله عنه - أيضاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: (( ... فإذا كانت لك مائتا درهم، وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء - يعني في الذهب - حتى يكون لك عشرون ديناراً، فإذا كان لك عشرون ديناراً، وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، فما زاد فبحساب ذلك ... وليس في مال زكاة حتى يحول عليه الحول)) (¬2)؛ ولحديث عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يأخذ من كل عشرين ديناراً نصف دينارٍ، ومن كل أربعين ديناراً ديناراً)) (¬3). وفي الزيادة على نصاب الذهب والفضة الزكاة بحساب ذلك حتى ولو كانت الزيادة قليلة؛ لحديث علي - رضي الله عنه - عنه المذكور آنفاً (( ... فما زاد فعلى حساب ذلك ... )). وفي لفظ: ((فما زاد فبحساب ذلك)) (¬4). قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وروي ذلك عن علي, وابن عمر - رضي الله عنهم - موقوفاً عليهما ولم يعرف لهما مخالفاً من الصحابة، فيكون إجماعاً؛ ولأنه مال متَّجرٌ, فلم يكن له عفوٌ بعد النصاب كالحبوب)) (¬5). تاسعاً: كيفية إخراج الزكاة من المال تكون بطرق منها: الطريقة الأولى: ربع العشر: واحد من أربعين، وهذا يفيد المسلم ¬
الطريقة الثانية
الذي عنده زكاة: أن يقسم ما عنده من المال على أربعين, فما خرج فهو الزكاة، فمثلاً: أربعون مليوناً تقسيم أربعين يساوي مليوناً، وهذا زكاتها (¬1) فعلى هذا يكون الجزء الثابت لحساب الزكاة: هو جميع ما عند المسلم من المال يقسم على أربعين, والناتج: هو زكاة ماله. أمثلة على هذه الطريقة لاستخراج الزكاة: 1 - رجل يملك خمسة آلاف ريال سعودي فزكاتها: 5000 ÷ 40 = 125 ريالاً سعودياً. 2 - شخص يملك عشرة آلاف دولار، فتكون زكاتها: 10000 ÷ 40 = 250 دولاراً. 3 - امرأة تملك مائة ألف جنيه، فتكون زكاتها: 100000 ÷ 40 = 2500 جنيهاً. 4 - مالك يملك مليون ريالاً سعودياً، فزكاتها: 1000000 ÷ 40 = 25000 5 - مالك يملك تسعة وتسعين مليون روبية، فزكاته: 99000000 ÷ 40 = 2475000 روبية وهكذا يقسم جميع المال على أربعين، والناتج هو زكاة المال. الطريقة الثانية: اثنين ونصف بالمائة تضرب في جميع المال, ثم يقسم الناتج على مائة, والناتج: هو الزكاة فمثلاً: أربعون مليوناً رأس ¬
المال، وزكاتها اثنان ونصف بالمائة ضرب أربعين مليوناً، والناتج يقسم على مائة، والناتج يساوي مليوناً. والطريقة الأولى أسهل، وأيسر، وأفضل؛ لقول عائشة وابن عمر - رضي الله عنهم -: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ((كان يأخذ من كل عشرين ديناراً فصاعداً نصف دينار، ومن الأربعين ديناراً ديناراً)) (¬1). أمثلة على هذه الطريقة لاستخراج الزكاة: 1 - 5000 زكاتها: 2.5 × 5000 = 12500 ÷ 100 = 125 2 - 10000 زكاتها: 2.5 × 10000 = 25000 ÷ 100 = 250 3 - 100000 زكاتها: 2.5 × 10000 = 250000 ÷ 100 = 2500 وهكذا مجموع المال يضرب في اثنين ونصف, والناتج يقسم على مائة، والناتج يكون هو الزكاة المفروضة. والطريقة الأولى أسهل وأيسر، والله تعالى الموفق. وتقدم أن العملات الورقية أو المعدنية إذا بلغت نصاب الذهب أو الفضة زكيت؛ لأن حكمها حكم النقدين، وما تقدم هنا يمثل العملات الورقية أو المعدنية. أما نصاب الذهب فقد سبق أن أقله ((عشرون ديناراً)) وهي تساوي (عشرون مثقالاً) والمثقال يساوي وزنه 4.6 جرام وهو وزن 72 حبة شعير متوسطة كما تقدم, فيكون نصاب الذهب 4.6 × 20 = 92 جراماً، وهي ¬
عاشرا: إخراج أحد النقدين: من الذهب والفضة عن الآخر في الزكاة:
تساوي بالجنيه السعودي 11.5 جنيهاً، ووزن الجنية 8 جرامات × 11.5 = 92 جرام. وسعر جرام الجنيه بتاريخ 8/ 3/1426هـ = 44.70 × 8 = 357.6 ريال سعودي فيكون سعر نصاب الذهب بالريال السعودي 357.6 × 11.5 جنيه = 4112.4 ريالاً سعودياً، أو يضرب سعر جرام الجنيه في عدد جرامات النصاب 44.7 × 92 = 112.4 ريالاً سعودياً، وأما نصاب الفضة فقد سبق أن وزن المثقال 4.6 جرام × نصاب الفضة 140 مثقالاً = 644 جراماً, وهذا نصاب الفضة بالجرامات تقريباً، وتضرب الجرامات هذه في سعر الجرام بالريال, فينتج النصاب بالعملة الورقية, وكان وزن الريال السعودي الفضّي بتاريخ 8/ 3/1426هـ 11.6جرام وسعره=8 ريالات سعودية ورقية وقد سبق أن النصاب بريالات الفضة 56 ريالاً سعودياً فضِّياً فيكون النصاب أيضاً بجرامات الريال السعودي الفضي = 56 × 11.6 = 649.6 جرام, وهذا يزيد 5.6 جرام, ولكن هذا يكون بالتقريب. إذاً يكون نصاب الفضة بالريالات السعودية الورقية في تاريخ 8/ 3/1426هـ هو: 8 × 56 = 448 ريالاً تقريباً، والله تعالى أعلم. عاشراً: إخراج أحد النقدين: من الذهب والفضة عن الآخر في الزكاة: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وهل يجوز إخراج أحد النقدين عن الآخر؟ فيه روايتان. نص عليهما: إحداهما: لا يجوز، وهو اختيار أبي بكر؛ لأن أنواع الجنس لا يجوز إخراج أحدهما عن الآخر إذا كان أقل في المقدار، فمع اختلاف الجنس أولى، والثانية: يجوز وهو أصح إن شاء الله؛
لأن المقصود من أحدهما يحصل بإخراج الآخر، فيجزئ كأنواع الجنس، وذلك لأن المقصود منهما جميعاً الثمنية، والتوسل بهما إلى المقاصد، وهما يشتركان فيه على السواء، فأشبه إخراج المكسَّرة عن الصحاح بخلاف سائر الأجناس، والأنواع مما تجب فيه الزكاة؛ فإن لكل جنس مقصوداً مختصاً به لا يحصل من الجنس الآخر، وكذلك أنواعها، فلا يحصل بإخراج غير الواجب من الحكمة ما يحصل من إخراج الواجب، وههنا المقصود حاصل فوجب إجزاؤه، إذ لا فائدة في اختصاص الأجزاء بعين، مع مساواة غيرها لها في الحكمة؛ وكون ذلك أرفق: بالمعطي والآخذ، وأنفع لهما، ويندفع به الضرر عنهما؛ فإنه لو تعين إخراج زكاة الدنانير منها شق على من يملك أقل من أربعين ديناراً إخراج جزء من دينار، ويحتاج إلى التشقيص ومشاركة الفقير له في دينار من ماله، أو بيع أحدهما نصيبه، فيستضر المالك والفقير، وإذا جاز إخراج الدراهم عنها دفع إلى الفقير من الدراهم بقدر الواجب فيسهل ذلك عليه، وينتفع الفقير من غير كلفة، ولا ضرر ... وفي جواز إخراج أحدهما عن الآخر نفع محض ودفع لهذا الضرر، وتحصيل لحكمة الزكاة على التمام والكمال، فلا حاجة، ولا وجه لمنعه .. )) (¬1). قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: ((والصحيح أنه لا بأس أن تخرج من أحد النوعين يعني بالقيمة)) (¬2). ¬
الحادي عشر: ما يباح للرجال: من الفضة والذهب
الحادي عشر: ما يباح للرجال: من الفضة والذهب: يباح من ذلك الآتي: 1 - خاتم الفضة؛ لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: ((كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه، وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى)). وفي لفظ: (( ... كأني أنظر إلى وبيض خاتمه من فضةٍ، ورفع أصبعه اليسرى بالخنصر)). وفي لفظ: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبس خاتم فضة في يمينه، فيه فصٌّ حبشيٌّ، كان يجعل فَصَّهُ مما يلي كفه)). وهذه الألفاظ الثلاثة لمسلم، أما ألفاظ البخاري لحديث أنس هذا فهي: ((أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب إلى رهطٍ أو أناسٍ من الأعاجم [وفي رواية: الروم] فقيل له: إنهم لا يقبلون [وفي رواية: لن يقرؤوا] كتاباً إلا عليه خاتم [وفي رواية: إلا أن يكون مختوماً] فاتخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتماً من فضةٍ نقشهُ: محمدٌ رسول الله [وقال: إني اتخذت خاتماً من ورقٍ، ونقشت فيه محمد رسول الله فلا ينقش أحد على نقشه] فكأني بوبيص أو بصيص الخاتم [وفي رواية: كأني أنظر إلى بياضه] في إصبع النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو في كفه [وفي طريق: قال: فإني لأرى بريقه في خنصره] [قال أنس: كان خاتم النبي - صلى الله عليه وسلم - في يده، وفي يد أبي بكر بعده، وفي يد عمر بعد أبي بكر، فلما كان عثمان جلس على بئر أريس، فأخرج الخاتم فجعل يَعبثُ به فسقط، قال: فاختلفنا ثلاثة أيام مع عثمان - أي في الذهاب والرجوع والنزول إلى البئر والطلوع منها - فننزح البئر فلم نجده (([وكان نقش الخاتم ثلاثة أسطر: محمد سطر، ورسول سطر، والله سطر] (¬1). ¬
وقد جاءت الأحاديث في لبس الخاتم في اليسار، وفي اليمين، قال الإمام النووي رحمه الله: ((وأما الحكم في المسألة عند الفقهاء: فأجمعوا على جواز التختم في اليمين، وعلى جوازه في اليسار، ولا كراهة في واحدة منهما، واختلفوا أيتهما أفضل .. )) (¬1). وسمعت شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول: ((وضع الخاتم في الخنصر هو الأفضل, سواء في اليمنى أو اليسرى، ويلبس في الخنصر والبنصر، ولا يتختم في الوسطى والسبابة)) (¬2). وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن التختم في السبابة والوسطى؛ لحديث علي - رضي الله عنه - قال: ((نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتختم في أصبعي هذه، أو هذه، فأومأ إلى الوسطى والتي تليها)) (¬3). ولفظ النسائي: (( ... ونهاني أن أجعل الخاتم في هذه وهذه، وأشار: يعني بالسبابة والوسطى)) (¬4). قال الإمام النووي رحمه الله: (( ... وأجمع المسلمون على أن السنة جعل خاتم الرجل في الخنصر، وأما المرأة فإنها تتخذ خواتيم في أصابع ... ويكره للرجل جعله في الوسطى والتي تليها؛ لهذا الحديث وهي كراهة تنزيه ... )) (¬5). ¬
وما تقدم في أحاديث إباحة خاتم الفضة للرجال، أما الذهب فيحرم على الرجال؛ لحديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)) فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله، لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬1). وعن علي - رضي الله عنه - قال: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أخذ حريراً فجعله في يمينه، وأخذ ذهباً فجعله في شماله ثم قال: ((إن هذين حرام على ذكور أمتي)) (¬2). وعن أبي موسى - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أُحلَّ الذهب والحريرُ لإناث أمتي، وحُرِّم على ذكورها)) (¬3). 2 – قبيعة السيف، ونصل السيف؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: ((كان نعْلُ سيف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضةٍ، وقبيعة سيفه (¬4) فِضَّةٌ, وما بين ذلك حِلَقُ فِضَّةٍ)) (¬5)؛ ولحديث أبي أمامة، وسعيد ابن أبي الحسن قالا: ((كانت قبيعة سيف ¬
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من فضة)) (¬1) (¬2). 3 – ما دعت إليه ضرورة: كأنفٍ من ذهب، أو ربط الأسنان وشدها بالذهب، أو نحو ذلك؛ لحديث عرفجة بن سعد - رضي الله عنه - قال: ((أصيب أنفي يوم الكلاب في الجاهلية, فاتخذت أنفاً من ورقٍ، فأنتن عليَّ، فأمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أتخذ أنفاً من ذهب)) (¬3). قال الإمام الترمذي رحمه الله: ((وقد رُوِيَ عن غير واحد من أهل العلم: أنهم شدّوا أسنانهم بالذهب، وفي الحديث حجة لهم)) (¬4). وقد روي عن جماعة من السلف أنهم شدُّوا أسنانهم بالذهب، منهم: موسى بن طلحة (¬5) ونصر بن عمران البصري أحد الأئمة الثقات (¬6) , وثابت البناني (¬7)، وإسماعيل بن زيد بن ثابت بن الضحاك (¬8)، والمغيرة بن عبد الله (¬9). ¬
الثاني عشر: ما يباح للنساء من الذهب والفضة:
الثاني عشر: ما يباح للنساء من الذهب والفضة: يباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت عادتهنَّ بلبسه، ولو كثر: كالطوق (¬1) والخلخال (¬2)، والسوار (¬3)، والقرط (¬4)، وما في المخانق (¬5)، والمقالد (¬6)، والتاج، وما أشبه ذلك؛ لعموم قول الله تعالى: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} (¬7)؛ ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُحلَّ الذهب والحرير لإناث أمتي، وحُرِّم على ذكورها)) (¬8) (¬9). قال العلامة عبدالرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله: ((فدل على إباحة التحلي بهما لهن (¬10)، وأجمع العلماء على ذلك؛ لهذا الخبر، وغيره؛ ولأن المرأة محتاجة للتجمل، والتزين لزوجها، فأباح الشارع لها ما تجمل به)) (¬11). ¬
الثالث عشر: تحريم آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء جميعا:
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((ويباح للنساء من حلي الذهب, والفضة, والجواهر، كلُّ ما جرت عادتهن بلبسه: مثل السوار، والخلخال، والقرط، والخاتم، وما يلبسنه على وجوههن، وفي أعناقهن، وأيديهن، وأرجلهن، وآذانهن، وغيره، وأما ما لم تجرِ عادتهن بلبسه: كالمنطقة وشبهها من حلي الرجال فهو محرم ... )) (¬1). الثالث عشر: تحريم آنية الذهب والفضة على الرجال والنساء جميعاً: اتخاذ آنية الذهب أو الفضة حرام على الرجال والنساء جميعاً، وكذلك استعمالهما؛ لحديث أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر (¬2) في بطنه نار جهنم)) وفي لفظ لمسلم: ((أن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ... )). وفي لفظ لمسلم أيضاً: ((من شرب في إناء من ذهب أو فضة فإنما يجرجر في بطنه ناراً من جهنم)) (¬3). وعن حذيفة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها؛ فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة)) (¬4). قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: ((وأجمع المسلمون على تحريم ¬
الرابع عشر: لا زكاة في الحلي من غير الذهب والفضة: إجماعا
الأكل والشرب في إناء الذهب، وإناء الفضة، على الرجل والمرأة ... )) (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((وجملته: أن اتخاذ آنية الذهب والفضة حرام على النساء والرجال جميعاً، وكذلك استعمالها)) (¬2). الرابع عشر: لا زكاة في الحلي من غير الذهب والفضة: إجماعاً قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((فإن كان في الحلي جوهر، ولآلئ مرصَّعةٌ فالزكاة في الحلي: من الذهب, والفضة, دون الجوهر؛ لأنها لا زكاة فيها عند أحد من أهل العلم، فإن كان الحلي للتجارة قوَّمه بما فيه من الجواهر، ولو كانت مفردة وهي للتجارة لقوِّمت وزكيت، فكذلك إذا كانت في حلي التجارة)) (¬3) , وقال رحمه الله: ((ولا زكاة في الجواهر، واللآلئ؛ لأنها معدة للاستعمال، فأشبهت ثياب البذلة، وعوامل الماشية)) (¬4).وقال العلامة ابن مفلح رحمه الله: ((لا زكاة في الجوهر، واللؤلؤ؛ لأنه معدٌّ للاستعمال، كثياب البذلة، ولو كان في حلْي، إلا أن يكون للتجارة، فيقوَّم جميعه تبعاً ... )) (¬5). وقال الإمام عبدالعزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله: ((المجوهرات من غير الذهب والفضة: كالماس، ليس فيها زكاة، إلا أن يراد بها التجارة)) (¬6). والخلاصة: أن جماهير الفقهاء اتفقوا على عدم وجوب الزكاة فيما تستخدمه المرأة: من الجواهر: كاللؤلؤ، والمرجان، والياقوت، والزمرد، ¬
الخامس عشر: وجوب الزكاة في الحلي المحرم، أو المعد للتجارة: من الذهب والفضة:
وغيرها من الحلي الذي ليس بذهب ولا فضة، إلا أن يقصد به التجارة، ففيه زكاة عروض التجارة، والله تعالى أعلم (¬1). الخامس عشر: وجوب الزكاة في الحلي المحرم، أو المعد للتجارة: من الذهب والفضة: قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: ((وكل ما كان اتخاذه محرماً من الأثمان لم تسقط زكاته باتخاذه؛ لأن الأصل وجوب الزكاة فيها؛ لكونها مخلوقة للتجارة، والتوسل بها إلى غيرها، ولم يوجد ما يمنع ذلك، فبقيت على أصلها)) (¬2). وذكر رحمه الله تعالى أثناء كلامه على تحريم آنية الذهب والفضة، فقال: ((إذا ثبت هذا فإن فيها الزكاة بغير خلاف بين أهل العلم، ولا زكاة فيها حتى تبلغ نصاباً بالوزن، أو يكون عنده ما يبلغ نصاباً بضمِّها إليه، وإن زادت قيمته؛ لصياغته، فلا عبرة بها؛ لأنها محرمة فلا قيمة لها في الشرع ... )) (¬3). قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ((أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا كان حليًّا محرم الاستعمال، أو كان معدًّا للتجارة أو نحوها)) (¬4). السادس عشر: زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى، قديماً وحديثاً في زكاة الحلي المباح, الذي أُعد للاستعمال: هل تجب فيه الزكاة أو لا تجب؟ (¬5). ¬
وقد دل الكتاب العزيز والسنة المطهرة على وجوب ردِّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬1)،وقال - سبحانه وتعالى -: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (¬2). وقال - عز وجل -: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} (¬3). وإذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب والسنة، وجدناهما يدلان دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي النساء: من الذهب والفضة، حتى لو كان للاستعمال أو العارية، سواء كانت: قلائد، أو أسورة، أو خواتم، أو ما تحلى به السيوف والخناجر من الذهب والفضة إذا بلغ ذلك نصاباً أو كان عند مالكه من ¬
الذهب والفضة أو عروض التجارة ما يكمل به النصاب، والقول بوجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال هو أصح أقوال أهل العلم (¬1)، وقد رُوي هذا الوجوب: عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، - رضي الله عنهم -، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد، وعبد الله بن شداد، وجابر بن زيد، وابن سيرين، وميمون بن مهران، والزهري، والثوري، وبه قال الإمام أبو حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وداود الظاهري رحمهم الله ورضي عنهم جميعاً (¬2). واستدلوا بأدلة: من الكتاب، والسنة الثابتة، وأقوال بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - على النحو الآتي: 1 - عموم قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬3). قال الإمام الطبري رحمه الله: (( ... قال بعضهم: هو كل مال وجبت فيه الزكاة، فلم تؤدَّ زكاته، قالوا: وعنى بقوله: {وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} ولا يؤدون زكاتها)) ثم ساق بإسناده إلى ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ((كل مال أديت زكاته فليس بكنز، وإن كان مدفوناً، وكل مال لم تؤدَّ منه الزكاة وإن لم يكن مدفوناً فهو كنز)) (¬4). ثم قال الإمام الطبري رحمه الله تعالى بعد ذكره ¬
لأقوال أهل العلم في تفسير الآية: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصحة القول الذي ذكر عن ابن عمر: من أن كل مال أديت زكاته فليس بكنز يحرم على صاحبه اكتنازه وإن كثر، وأن كل مالٍ لم تؤدَّ زكاته فصاحبه معاقب مستحق وعيد الله، إلا أن يتفضل الله عليه بعفوه، وإن قل إذا كان مما يجب فيه الزكاة)) (¬1). والآية عامة في زكاة الذهب والفضة، ويدخل في العموم زكاة الحلي، قال الجصاص رحمه الله تعالى: ((وجه دلالة الآية على وجوبها في الحلي لشمول الاسم له)) (¬2). أي: الآية تتناول الذهب والفضة ويدخل في ذلك الحلي، فلا يجوز إخراج الحلي بدون دليل مخصص. وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((باب ما أدِّيَ زكاته فليس بكنز، ثم ساق خبر ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال له أعرابي: أخبرني عن قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله} (¬3). قال ابن عمر رضي الله عنهما: من كنزها فلم يؤدِّ زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تُنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله طهرة للأموال)) (¬4). وزكاة الحلي تدخل في هذا العموم، إلا بدليل صحيح صريح مخصص)) (¬5). ¬
2 - روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيُكوى بها جنبه، وجبينه، وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار .. )) (¬1). فالحديث عام في وجوب الزكاة في كل ذهب وفضة، بهذا النص الصحيح، ولم يأت إجماع قط بأنه عليه الصلاة والسلام لم يرد إلا بعض أحوال الذهب وصفاته، فلم يجز تخصيص شيء من ذلك بغير نص صحيح ولا إجماع)) (¬2). 3 - روى أبو داود، والنسائي، وأحمد، والترمذي، واللفظ لأبي داود، عن عبد الله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مَسكتَان (¬3) غليظتان من ذهب، فقال لها: ((أتعطين زكاة هذا؟ ((قالت: لا، قال: ((أيَسُرُّكِ أن يُسَوِّركِ اللهُ بهما يوم القيامة سوارين من نار؟)) قال: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقالت: هما لله - عز وجل - ولرسوله)) (¬4). ¬
وهذا الحديث الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ألحق الوعيد الشديد بترك أداء الزكاة في الحلي كما في هذا الحديث. 4 - وروى أبو داود، واللفظ له، والحاكم، والدارقطني، والبيهقي، عن عبد الله بن شداد بن الهاد، أنه قال: دخلنا على عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرأى في يديَّ فتخاتٍ (¬1) من وَرِقٍ، فقال: ((ما هذا يا عائشة؟)) فقلت: صنعتهنَّ أتزيَّنُ لك يا رسول الله! قال: ((أتُؤدِّين زكاتهُنَّ؟)) قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: ((هو حَسْبُكِ من النار)) (¬2). وهذا الحديث الصحيح يدل على وجوب زكاة الحلي المعد للاستعمال؛ لأن عائشة رضي الله عنها استعملت الفتخات لتتزين بها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع ذلك تَضَمَّن الحديث الوعيد لمن لم يؤدِّ زكاة الحلي، ولم يستثن النبي - صلى الله عليه وسلم - من الحلي شيئاً: لا المستعار ولا غيره، فوجب الأخذ ¬
بصريح النص وعمومه، ولا يجوز أن تخصص النصوص إلا بنصٍّ ثابتٍ يقتضي التخصيص (¬1). 5 - وروى أبو داود بلفظه، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، عن أمِّ سلمة أمِّ المؤمنين رضي الله عنها قالت: كنت ألبس أوضاحاً (¬2) من ذهب، فقلت: يا رسول الله! أكنز هُوَ؟ فقال: ((ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فزكِّي فليس بكنز)) (¬3). في هذا الحديث الإشارة إلى اشتراط النصاب، وأن ما لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، ولا يدخل في الكنز المتوعد عليه بالعذاب، وأن كل مال وجبت فيه الزكاة فلم يزكَّ فهو من الكنز المتوعد عليه بالعذاب، وفي الحديث الدلالة الصريحة على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت عن ذلك كما هو صريح الحديث)) (¬4). 6 - وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، قالت: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بطوق فيه سبعون مثقالاً من ذهب، فقلت: يا رسول الله خذ منه الفريضة التي جعل الله فيه، قالت: فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثقالاً وثلاثة أرباع مثقالٍ فوجهه. قالت: فقلت: يا رسول الله خذ منه الذي جعل الله فيه، قالت: ¬
فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على هذه الأصناف الستة، وعلى غيرهم، فقال: فذكره، قالت: قلت: يا رسول الله، رضيت لنفسي ما رضي الله - عز وجل - به ورسوله)) (¬1). قال العلامة الألباني رحمه الله: ((وفي هذا الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوب الزكاة على حُلي النساء، وذلك بعد أن أمر - صلى الله عليه وسلم - بها في غير ما حديث صحيح، كنت ذكرت بعضها في ((آداب الزفاف))؛ ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ليأخذ زكاتها منه، فليُضم هذا الحديث إلى تلك لعل في ذلك ما يقنع الذين لايزالون يفتون بعدم وجوب الزكاة على الحلي، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في أموال زكاة الأغنياء)). 7 - آثار واردة عن بعض الصحابة - رضي الله عنهم - دالة على وجوب الزكاة، منها ما يأتي: الأثر الأول: عن عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين - رضي الله عنه -، أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري: ((أن مرَّ من قبلك من نساء المسلمين أن يصدقن من حليهنَّ)) (¬2). ¬
السابع عشر: ترجيح جمع كثير من العلماء لوجوب زكاة الحلي:
الأثر الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه أوجب الزكاة في الحلي)) (¬1). الأثر الثالث: عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن امرأته سألته عن حلي لها، فقال: ((إذا بلغ مائتي درهم ففيه الزكاة))، قالت: أضعها في بني أخ لي في حجري؟ قال: ((نعم)) (¬2). الأثر الرابع: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ((أنه كان يزكي حلي نسائه، وبناته)) (¬3). الأثر الخامس: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((لا بأس بلبس الحلي إذا أعطيت زكاته)) (¬4). السابع عشر: ترجيح جمع كثير من العلماء لوجوب زكاة الحلي: أذكر مجموعة من أهل العلم الذين بلغني قولهم بوجوب زكاة الحلي المباح الذي أعد للاستعمال، إذا كمل النصاب ودار عليه الحول، ومنهم على سبيل الإيجاز لا الحصر، ما يأتي: 1 - ابن حزم رحمه الله تعالى، حيث قال: ((والزكاة واجبة في حلي الفضة والذهب، إذا بلغ كل واحد منهما المقدار الذي ذكرنا - النصاب - وأتم ¬
2 - الفخرالرازي
عند مالكه عاماً قمريًّا)) (¬1). 2 - الفخر الرازي قال: ((الصحيح عندنا وجوب الزكاة في الحلي)) (¬2). 3 - الصنعاني، قال: ((وأظهر الأقوال دليلاً وجوبها [أي وجوب زكاة الحلي]؛ لصحة الحديث وقوته)) (¬3). 4 - أحمد البناء قال: ((وأظهر الأقوال دليلاً، وأقواها، ما ذهب إليه الأولون: من وجوب الزكاة في الحلي)) (¬4). 5 - سماحة شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله، يفتي بوجوب الزكاة في الحلي المباح المعد للاستعمال منذ زمن طويل، ومن ذلك قوله رحمه الله: ((بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: فقد تكرر السؤال من كثير من الناس عن حكم زكاة الحلي من الذهب والفضة وما ورد في ذلك من الأدلة؛ ولتعميم الفائدة أجبت بما يلي والله الموفق والهادي إلى الصواب: لا ريب أن هذه المسألة من مسائل الخلاف بين أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم، وقد دل الكتاب والسنة على وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ ¬
فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (¬1). وإذا رددنا هذه المسألة إلى الكتاب والسنة وجدناهما يدلان دلالة ظاهرة على وجوب الزكاة في حلي النساء من الذهب والفضة وإن كان هذا للاستعمال أو العارية؛ سواء كانت: قلائد, أو أسورة, أو خواتيم, أو غيرها من أنواع الذهب والفضة، ومثل ذلك ما تحلى به السيوف والخناجر, من الذهب والفضة إذا كان الموجود من ذلك نصاباً، أو كان عند مالكه من الذهب أو الفضة أو عروض التجارة ما يكمل النصاب، وهذا القول هو أصح أقوال أهل العلم في هذه المسألة، والدليل على ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ الله فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ*يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬2). ومن السنة المطهرة ما ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي حقها إلا صفحت له يوم القيامة صفائح من نار فيكوى بها جنبه, وجبينه, وظهره, كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة, ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)) (¬3). فهذان النصان العظيمان من الكتاب والسنة يعُمَّان ¬
جميع أنواع الذهب والفضة ويدخل في ذلك أنواع الحلي: من الذهب, والفضة، ومن استثنى شيئاً فعليه الدليل المخصص لهذا العموم, لو لم يرد إلا العموم في هذه المسألة، فكيف وقد ورد في هذه المسألة بعينها أحاديث صحيحة دالة على وجوب الزكاة في الحلي، منها ما خرَّجه أبو داود, والنسائي بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أن امرأة دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يد ابنتها مسكتان من ذهب، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أتعطين زكاة هذا؟)) قالت: لا. قال: ((أيسرك أن يسوِّرك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار)) فألقتهما وقالت: هما لله ولرسوله (¬1). قال الحافظ ابن القطان: إسناده صحيح. وخرج أبو داود بإسناد جيد عن أم سلمة رضي الله عنها أنها كانت تلبس أوضاحاً من ذهب فقالت: يا رسول الله أكنز هو؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ((ما بلغ أن تؤدَّى زكاته فزكي فليس بكنز)) (¬2) ففي هذا الحديث فائدتان جليلتان: إحداهما: اشتراط النصاب, وأن ما لم يبلغ النصاب فلا زكاة فيه، ولا يدخل في الكنز المتوعد عليه بالعذاب. والفائدة الثانية: أن كل مال وجبت فيه الزكاة فلم يزك فهو من الكنز المتوعد عليه بالعذاب. وفيه أيضاً فائدة ثالثة: وهي المقصود من ذكره, وهي الدالة على وجوب الزكاة في الحلي؛ لأن أم سلمة رضي الله عنها سألت عن ذلك كما هو ¬
6 - محمد بن صالح العثيمين
صريح الحديث. ومن ذلك ما ثبت في سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى عليها فتخات من فضة, فقال: ((ما هذا يا عائشة؟)) قلت: صنعتهن أتزين لك يا رسول الله. فقال: ((أتؤدين زكاتهن؟)) قلت: لا. أو ما شاءالله. قال: ((هو حسبك من النار)) (¬1). ففي هذه النصوص الدلالة الظاهرة على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة، وإن أعدت للاستعمال أو العارية؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنكر على عائشة والمرأة المذكورة في حديث عبد الله بن عمرو تركُ زكاة حليهما وهما مستعملتان له، ولم يستثن - صلى الله عليه وسلم - من الحلي شيئاً لا المستعار ولا غيره، فوجب الأخذ بصريح النص وعمومه، ولا يجوز أن تخصص النصوص إلا بنص ثابت يقتضي التخصيص. وأما ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليس في الحلي زكاة)) (¬2). فهو حديث ضعيف لا يصلح للاحتجاج ولا يقوى على معارضة أو تخصيص هذه النصوص المتقدم ذكرها، بل قال الحافظ البيهقي: ((إنه حديث باطل لا أصل له)) نقل عنه ذلك الحافظ الزيلعي في نصب الراية، والحافظ ابن حجر في التلخيص (¬3). 6 - فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله ¬
7 - الألباني
يفتي بوجوب زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال إذا بلغ نصاباً ودار عليه الحول، وفتاواه كثيرة في هذه المسألة (¬1). وكتب رسالة لطيفة نافعة، ذكر فيها أقوال أهل العلم، وبين أنه يجب على الناس أن يردوا مسائل الخلاف عند التنازع إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذكر خمسة أقوال لأهل العلم في مسألة زكاة الحلي، ومن ذلك قوله رحمه الله: (( ... القول الخامس: وجوب الزكاة فيه إذا بلغ نصاباً كل عام، وهومذهب أبي حنيفة [رحمه الله] ورواية عن أحمد، رحمه الله، وأحد القولين في مذهب الشافعي رحمه الله، وهذا هو القول الراجح لدلالة الكتاب والسنة، والآثار عليه ... )) ثم ذكر الأدلة على ذلك تفصيلاً، ورد على من قال بعدم الوجوب ردًّا مفصلاً. رحمه الله تعالى (¬2). 7 – فضيلة الشيخ العلامة المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله، قال رحمه الله على حديث فاطمة بنت قيس في وجوب الزكاة: ((وفي الحديث دلالة صريحة على أنه كان معروفاً في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وجوب الزكاة على حلي النساء، وذلك بعد أن أمر - صلى الله عليه وسلم - بها في غير ما حديث صحيح كنت ذكرت بعضها في ((آداب الزفاف ص 264))، ولذلك جاءت فاطمة بنت قيس رضي الله عنها بطوقها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليأخذ زكاتها منه، فليُضم هذا الحديث إلى تلك الأحاديث لعل في ذلك ما يُقنع الذين لا يزالون يُفتون بعدم وجوب الزكاة على الحليّ، فيحرمون بذلك الفقراء من بعض حقهم في ¬
8 - عبد الله بن جبرين
أموال زكاة الأغنياء)) (¬1). 8 - فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين حفظه الله تعالى، قال حينما سُئل عن زكاة الحلي؟: ((لا شك أن هناك خلافاً قوياً، قديماً وحديثاً في حكم زكاة الحلي المستعمل، ولكن القول الذي أختاره لزوم إخراج زكاته كل عام، ولو كان ملبوساً؛ لقوة الأدلة التي تؤيد هذا القول، وعلى هذا فإنها تقدر بقيمتها الحالية، ولا ينظر إلى رأس مالها، فتزكَّى قيمة الحلي التي يُقوَّم بها في الحال، سواء كان أكثر مما اشترت به، أو أقل، ثم تزكي تلك القيمة بربع العشر، والله أعلم (¬2). 9 - جماعة من أهل العلم أيدوا القول بالوجوب، ورأوا أنه الأسلم للمسلم، والأبرأ للذمة، ومنهم: 10 - العلامة الخطابي، قال: ((الظاهر من الكتاب يشهد لقول من أوجبها، والأثر يؤيده، ومن أسقطها ذهب إلى النظر، ومعه طرف من الأثر، والاحتياط أداؤها والله أعلم)) (¬3). 11 - العلامة السندي، قال: (( ... لكن تعدد أحاديث الباب، وتأييد بعضها ببعض يؤيد القول بالوجوب، وهو الأحوط، والله تعالى أعلم)) (¬4). 12 - فضيلة الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، ¬
13 - السبكي
قال: (( ... قال مقيده - عفا الله عنه - وإخراج زكاة الحلي أحوط؛ لأن من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، والعلم عند الله تعالى)) (¬1). 13 - فضيلة الشيخ محمود محمد خطاب السبكي، قال رحمه الله: ((وأظهر الأقوال: القول الأول- القول بالوجوب؛ لقوة أدلته، وهو الأحوط)) (¬2). 14 - الشيخ العلامة أبو بكر الجزائري، قال: ((والأحوط في حلي النساء الزكاة على كل حال)) (¬3). 15 - فضيلة الشيخ العلامة صالح البليهي، قال: (( ... من كلام الشيخ تقي الدين، وابن القيم أن الزكاة لا تجب في الحلي، وعلى كل حال العمل بالأحوط أحوط، وأسلم للعاقبة، كيف وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نقص مال من صدقة بل تزده بل تزده)). وقال عليه [الصلاة] والسلام: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، والحمد لله رب العالمين)) (¬4). 16 - اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء. تصفّحت جميع الفتاوى في زكاة الحلي في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فوجدت أنها كلها تذكر الوجوب، وقد بدأ أصحاب الفضيلة الأعضاء ببحث قيم مفيدٍ عن زكاة الحلي المباح المعد للاستعمال، وذكروا ¬
17 - سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز
أقوال أهل العلم في الجملة، وذكروا أدلة كل فريق، ووجه الدلالة، ثم رجحوا القول بالوجوب، ثم بعد هذا البحث والترجيح اتخذوا منهجاً في جميع الفتاوى اللاحقة التي تعرض عليهم، فيفتون بوجوب الزكاة في الحلي المباح المستعمل إذا كمل النصاب، أو كان عند المالك من عروض التجارة ما يكمّل به النصاب، ودار عليه الحول، وأعضاء اللجنة هم: 17 - سماحة الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رئيس اللجنة. 18 - صاحب الفضيلة العلامة عبد الرزاق عفيفي نائب رئيس اللجنة. 19 - صاحب الفضيلة العلامة عبد الله بن غديان عضو. 20 - صاحب الفضيلة العلامة عبد الله بن قعود عضو (¬1). ومن نماذج الفتاوى، الفتوى رقم (1797) قال فيها أصحاب الفضيلة: ((أجمع أهل العلم على وجوب الزكاة في حلي الذهب والفضة إذا كان حلياً محرم الاستعمال، أو كان معدًّا للتجارة، أو نحوها، أما إذا كان حلياً مباحاً معدًّا للاستعمال أو الإعارة: كخاتم الفضة، وحلية النساء، وما أبيح من حلية السلاح، فقد اختلف أهل العلم في وجوب زكاته ... )) ثم ذكروا القولين المشهورين، كل قول بدليله، وأجادوا وأفادوا ثم قالوا: ((والأرجح من القولين قول من قال بوجوب الزكاة فيها، إذا بلغت النصاب، أو كان لدى مالكيها: من الذهب، والفضة، أو عروض التجارة، ما يكمل النصاب؛ لعموم الأحاديث في وجوب الزكاة في الذهب والفضة، وليس هناك مخصص صحيح فيما نعلم؛ ولأحاديث: عبد الله بن عمرو بن العاص، وعائشة، وأم سلمة المتقدم ذكرها، وهي ¬
الثامن عشر: أهل الزكاة ثمانية أصناف، على النحو الآتي:
أحاديث جيدة الأسانيد، لا مطعن فيها مؤثر، فوجب العمل بها. أما تضعيف الترمذي، وابن حزم لها والموصلي فلا وجه له، فيما نعلم، مع العلم بأن الترمذي رحمه الله معذور فيما ذكره؛ لأنه ساق حديث عبد الله بن عمرو من طريق ضعيفة وقد رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من طريق أخرى صحيحة، ولعل الترمذي لم يطلع عليها. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عضو ... عضو نائب رئيس اللجنة ... الرئيس عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان عبد الرزاق عفيفي ... عبدالعزيز بن عبد الله بن باز (¬1) الثامن عشر: أهل الزكاة ثمانية أصناف، على النحو الآتي: 1 - الفقير: وهو من لا يجد شيئاً، أو يجد أقل من نصف الكفاية، فتُكمّل له كفايته من النفقة، فيُعطى من الزكاة ما يكفيه حولاً كاملاً. 2 - المسكين: وهو من يجد نصف الكفاية أو أكثرها، فتُكمّل له كفايته من النفقة، فيُعطى من الزكاة ما يكفيه حولاً كاملاً. هذا إذا جمع بين لفظ الفقير ولفظ المسكين كما في آية مصارف الزكاة، أما إذا أطلق لفظ أحدهما ولم يذكر الآخر دخل أحدهما في الآخر: فالفقير هو المسكين، والمسكين هو الفقير؛ ولهذا يقال: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا: مثل لفظ الإسلام ولفظ الإيمان. 3 - العامل عليها: وهو الجابي، والحافظ، والكاتب والقاسم ¬
4 - المؤلف:
فيُعطى بقدر أجرته من الزكاة حتى لو كان غنيًّا، إلا إذا كان له مرتب من بيت مال المسلمين فلا يُعطى من الزكاة؛ لأنه إنما أعطي من الزكاة بقدر أجرته وقد حصل له ذلك. 4 - المؤلَّف: وهو السيد المطاع في عشيرته ممن يُرجى إسلامه، أو يُخشى شرّه، أو يُرجى بعطيته قوة إيمانه، فيُعطى من الزكاة ما يحصل به التأليف؛ لترغيبه في الإسلام، أو كفّ شرّه، أو قوّة إيمانه, أو تأثيره على أتباعه في دخولهم في الإسلام. 5 - المكاتَب: يُعطى من الزكاة ما يقضي دينه، ويفكّ منها الأسير المسلم، ويجوز العتق منها لعموم الآية. 6 - الغارم: وهو من تدين للإصلاح بين الناس ولو كان غنيًّا، أو تدين لنفسه وأعسر، فلم يستطع القضاء فيُعطى ما يقضي به دينه. 7 - الغازي في سبيل الله: الذي ليس له مرتب ولو كان غنيًّا؛ لأنه لحاجة المسلمين وهو متطوع، أما الغزاة الذين لهم ديوان فلا يُعطون من الزكاة، فيُعطى الغازي المذكور ما يحتاج إليه في غزوه. 8 - ابن السبيل: وهو الغريب المنقطع المسافر لغير بلده، فيُعطى ما يوصله إلى بلده ولو كان غنيًّا في بلده إذا لم يجد من يقرضه. التاسع عشر: أصناف الذين لا يصحّ دفع الزكاة إليهم: على النحو التالي: 1 - آل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وهم بنو هاشم؛ لأن الزكاة محرّمة عليهم؛
2 - الأغنياء بمال أو كسب.
لأنها أوساخ الناس. 2 – الأغنياء بمال أو كسب. 3 – الكفار إلا المؤلَّفة قلوبهم سواء كان الكافر أصليَّا أو مرتدًّا. 4 – الرقيق المملوك؛ لأن نفقته على سيده. 5 – من تلزم نفقته: كالزوجة، ووالديه وإن علوا، وأولاده وإن نزلوا، الوارث منهم وغيره. 6 – الفاسق والمبتدع الذين يصرفونها في المعاصي؛ لأن من أظهر بدعةً أو فجوراً يستحق العقوبة بالهجر وغيره والاستتابة، فكيف يُعان على ذلك، فينبغي للإنسان أن يتحرّى بزكاته المستحقين من أهل الدين المتّبعين للشريعة. 7 – جهات الخير من غير الأصناف الثمانية: كبناء المساجد، وإصلاح الطرق، وتجهيز الأموات، ودور تحفيظ القرآن الكريم، وغير ذلك من الجهات الخيرية. والزكاة حق الله، لا تجوز المحاباة فيها لمن لا يستحقّها، ولا أن يجلب الإنسان بها لنفسه نفعاً، أو يدفع شرًّا، ولا أن يقي بها ماله أو يدفع بها عنه مذمة، بل يجب دفعها لهم؛ لكونهم من أهلها (¬1). والله أسأل التوفيق والقبول، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وإمامنا ¬
وأسوتنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. تمت بحمد الله تعالى الرسالة الرابعة، ويليها إن شاء الله تعالى الرسالة الخامسة: ((زكاة عروض التجارة)).