زغل العلم
الذهبي، شمس الدين
زغل العلم
[زغل العلم - الذهبي] الكتاب: زغل العلم. المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. مكتبة الصحوة الإسلامية. تحقيق: محمد بن ناصر العجمي. (مفهرس وموافق للمطبوع) قام بإعداده للشاملة وفهرسته ومراجعته مع المطبوع العبد الفقير إلى الله: أبو محمد الجعلى.
بسم الله الرحمن الرحيم - تصدير - الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبية الأمين محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه الى يوم الدين. أما بعد: فهذا الكتاب الذي بن يديك هو باكورة (سلسله جواهر من التراث) التى أشرف عليها بالاشتراك مع أخي في الله / أبى عبد الرحمن محمد بن ناصرالعجمي، ونرجوا الله تعالى أن يباركها وان يعيننا على المضي فيها قدما. وهذه السلسلة تعني بنشر الكتب والرسائل التراثية محققة ومخدومة اعتمادا على أصولها الخطية، وهي بذلك ستسهم - ولو بصورة ضعيفة - ان شاء الله في خدمة تراث أمتنا المجيدة، ذلك التراث الذي لا يمكن لأمة الاسلام أن تنهض إلا بالاعتماد عليه والتمسك بما فيه، والذي أصبح - مع الأسف - يعاني من عبث العابثين، ومن النشرات التجارية المشوهة، التى لا يقصد من ورائها إلا الربح والكسب. وهذه الرسالة الأولى التى تصدر عن هذه السلسلة وهي
رسالة (زغل العلم) للامام الكبير والحافظ / أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي - رحمه الله وستعقبها بعون الله - رسائل وكتب أخرى. وفي الختام نسأل الله التوفيق والرشاد، وأن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم وأن يتقبله منا إنه هو السميع العليم. كتبه جاسم بن سليمان الفهيد الدوسري تحريرا في التاسع من رمضان المبارك سنة 1404 هـ
المقدمة
المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. أما بعد: فأقدم للقارىء الكريم، تحفة من تحف سلف هذه الأمة العظيمة، وهي رسالة (زغل العلم) ، للحافظ مؤرخ الاسلام الذهبي، رحمه الله تعالى، وقد تناول في هذه الرسالة العلوم المعروفة، وبين رأيه فيها وأحوال المهتمين بها في زمانه، كعلم القراءات والتجويد، وعلم الحديث، وتكلم عن فقهاء المذاهب الأربعة في عصره، وعن النحو واللغة، الى آخر ما ذكر من تلك العلوم، وأن حالهم تلك مخالفة لسلوك الرعيل الأول من الصحابة والتابعين والأئمة الأوائل رحمهم الله، وشدد النكير على المقلدة والجهلة الجامدين على التقليد الأعمى، بلا برهان ولا دليل من كتاب وسنة، حتى أصبحوا حجر عثرة أمام أهل العلم وطلابه، وذكر كذلك الذين اتخذوا العلم وسيلة وغرضا لتحصيل ملذات الدنيا وحطامها الفاني، علماء السوء الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل الى الجاه والمنزلة عند أهلها، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أيما تحذير، فقال - صلى الله عليه وسلم -: (من طلب العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء،
ويصرف به وجوه الناس اليه أدخله الله النار) (أ) . وقد وصف الله علماء السوء بأكل الدنيا بالعلم، ووصف علماء الآخرة بالخشوع والزهد، فقال عز وجل في علماء الدنيا: [وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننة للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون] (آل عمران: 187) ، وقال تعالى في علماء الآخرة: [وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل اليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب] (آل عمران: 199) . وأوضح المصنف - رحمه الله - أن العلم إذا لم يكن للعمل فلا فائدة منه، بل هو وبال على صاحبه وخزي وحسرة وندامة، وبين طريقة السلف في طلبهم العلم وتحصيله، وأنهم شدوا الرحال في سبيل ذلك. فرحم الله الإمام الذهبي فقد أجاد في هذه الرسالة وأفاد. وإذا كان هذا الامام يشكو من علماء عصره ويتأوه من حالهم، فما نقول نحن عن زماننا هذا وعلمائه؟! وقد غطى حب المادة والعلو والرفعة عندهم، وأصبح جل همهم - إن لم يكن كله - الشهادات العليا زعموا! والتبجح بتلك الألقاب التي أصبحت ديدن أبناء عصرنا إلا من رحم الله.
ولعل في هذه الرسالة ذكرى فإن الله يقول: [وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين] (الذاريات: 55) ، وقال عز وجل: [فذكر إن نفعت الذكرى * سيذكر من يخشى] (العلق: 9 - 10) . والله يقول الحق ويهدي إلى سواء السبيل.
ترجمة المؤلف
ترجمة المؤلف * هو شمس الدين أبوعبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز بن عبد الله التركماني المشهور بابن الذهبي. * ولد في ثالث ربيع الآخرسنة 673 (ب) ، وطلب الحديث وله 18 سنة. فسمع الكثير، ورحل، وعنى بهذا الشأن وتعب فيه وخدمه الى ان رسخت فيه قدمه، وتلا بالسبع وأذعن له الناس. * مشايخه: - شيخ القراء في عصره جمال الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن داود العسقلاني المعروف بالفاضلي. - ابن غايى المقرىء الدمشقي. - الحافظ جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد المعروف بابن الظاهري. - القاضي تقي الدين بن دقيق العيد. - شرف الدين الدمياطي. - شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية. - جمال الدين أبو الحجاج المزي. وخلق كثير ...
* تلاميذه: - أبو المعالي محمد بن رافع السلامي. - المؤرخ عماد الدين ابن كثير الدمشقي. - تاج الدين السبكي. - صلاح الدين الصفدي. - شمس الدين الحسيني. وغيرهم خلق كثير ... * مناصبه العلمية: تولى هذا الإمام كبريات دور الحديث بدمشق في أيامه، لما وصل اليه من المعرفة الواسعة في هذا الفن، وحينما توفي سنة 748 هـ كان يتولى مشيخة الحديث في خمسة أماكن هي: 1- مشهد عروة، أو دار الحديث العروية. 2- دار الحديث النفيسية. 3- دار الحديث التنكيزية. 4- دار الحديث الفاضلية بالكلاسة. 5- تربة أم صالح. * ثناء العلماء عليه: قال علم الدين البرزالي: (رجل فاضل - أي الذهبي -، صحيح الذهن. اشتغل ورحل، وكتب الكثير، وله
تصانيف واختصارات مفيدة، وله معرفة بشيوخ القراءات) . وقال تلميذه صلاح الدين الصفدي: (الشيخ الإمام العلامة الحافظ شمس الدين أبو عبد الله الذهبي. حافظ لا يجارى ولافظ لا يبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر علله وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإبهام في تواريخهم والإلباس، ذهن يتوقد ذكاؤه، ويصح إلى الذهب نسبته وانتماؤه، جمع الكثير، ونفع الجم الغفير، وأكثر من التصنيف، ووفر بالاختصار مؤونة التطويل في التأليف، اجتمعت به وأخذت عنه وقرأت عليه كثيرا من تصانيفه ولم أجد عنده جمود المحدثين ولاكودنة (ج) النقلة، بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف، وأرباب المقالات، وأعجبني منه ما يعانيه في تصانيفه من أنه لا يتعدى حديثا يورده حتى يبين ما فيه من ضعف متن، أو ظلام إسناد، أو طعن في رواته، ولم أر غيره يراعي هذه الفائدة فيما يورده) *. وقال تاج الدين السبكي: (شيخنا وأستاذنا، الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله التركماني الذهبي، محدث العصر. اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ، بينهم عموم
وخصوص: المزى والبرزالي والذهبي والشيخ الإمام الوالد، لا خامس لهؤلاء في عصرهم، وأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له، وكنز، هو الملجأ إذا نزلت المعضلة، إمام الوجود حفظا، وذهب العصر معنى ولفظا، وشيخ الجرح والتعديل، ورجل الرجال في كل سبيل، كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها إخبار من حضرها، وكان محط رجال تغيبت، ومنتهى رغبات من تغبّيَت، تعمل المطي إلي جواره، وتضرب البزل المهارى أكبادها فلا تبرح أو تنبل نحو داره، وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة، وأدخلنا في عداد الجماعة، جزاه الله عنا أفضل الجزاء، وجعل حظه من غرفات الجنان موفر الأجزاء، وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم يذعن له الكبير والصغير من الكتب والعالي والنازل من الأجزاء) . وقال أيضا: (وسمع منه الجمع الكثير، ما زال يخدم هذا الفن إلى أن رسخت فيه قدمه، وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه، وضربت باسمه الأمثال، وسار اسمه مسير الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر، ولا يدبر إذا أقبلت الليالي. وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد) اهـ. وقد أطال السبكي - رحمه الله - في مدح شيخه والثناء عليه، لكن ذكرنا من كلامه ما فيه الكفاية. وقال عماد الدين ابن كثير: (الشيخ الحافظ الكبير
مؤرخ الإسلام وشيخ المحدثين) . وقال أيضا: (وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه) اهـ. وقال الحسيني: (الإمام العلامة شيخ المحدثين قدوة الحفاظ والقراء محدث الشام ومؤرخه ومفيده) . وقال ابن رافع السلامي: (وطلب بنفسه - اي الذهبي -، وقرأ، وكتب الكثير العالي والنازل، وانتقى على الشيوخ، ودرس بعدة دروس في الحديث، وصنف كثيرا، وجمع، ونفع الناس. وكان صالحا خيرا، له قيام ليل، وعبادة، وتلاوة، وبر، وصدقة، رحمه الله تعالى بكرمه) . وقال ابن ناصر الدين الدمشقي: (الشيخ الإمام الحافظ الهمام مفيد الشام، ومؤرخ الإسلام، ناقد المحدثين وإمام المعدلين والمجرحين) . وقال أيضا: (وكان آية في نقد الرجال، عمدة في الجرح والتعديل، عالما بالتفريع والتأصيل، إماما في القراءات، فقيها في النظريات، له دربة بمذاهب الأئمة وأرباب المقالات، قائما بين الخلف، بنشر السنة ومذهب السلف، أنشدونا عنه لنفسه: الفقه قال الله قال رسوله *** إن صح والإجماع فاجهد فيه وحذار من نصب الخلاف جهالة *** بين النبي وبين رأي فقيه
وله المؤلفات المفيدة، والمختصرات الحسنة، والمصنفات السديدة) اهـ. وقال جلال الدين السيوطي: (والذي أقوله إن المحدثين عيال الآن في الرجال وغيرها من فنون الحديث على أربعة: المزي والذهبي والعراقي وابن حجر) . هذا بعض ما اقتطفناه لك من أقوال العلماء في شأن هذا الإمام الجليل. * وفاته: توفي هذا الامام في ليلة الاثنين الثالث من ذي القعدة سنة 748 هـ. فرحمه الله رحمة واسعة. * مؤلفاته: المطبوع منها: 1- أهل المئة فصاعدا: طبع ضمن مجلة المورد العراقية - بتحقيق الدكتور بشار عواد. 2- تذكرة الحفاظ: طبع بالهند - بتحقيق العلامة عبد الرحمن اليماني رحمه الله تعالى. 3- زغل العلم: (وهو كتابنا هذا) . 4- سير أعلام النبلاء: طبع في مؤسسة الرسالة - بتحقيق الشيخ شعيب الأرنؤوط وجماعة، وصدرمنه حتى الان 17 مجلدا. 5- العبر في خبر من غبر: طبع وزارة الأعلام
بالكويت - بتحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد، والاستاذ فؤاد سيد. 6- العلو للعلي الغفار: المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 7- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة: دارالكتب الحديثة - تحقيق عزت عطية وموسى الموشى. 8- الكبائر: طبع أكثر من مرة، وكلها رديئة عدا التي حققها الشيخ عبد الرحمن فاخوري، فهي جيدة. 9- معرفة القراء الكبار: دار الكتب الحديثة بمصر - بتحقيق محمد جاد الحق، وهي طبعة مليئة بالتحريفات. 10- المشتبه في الرجال: طبع الحلبي - بتحقيق علي البجاوي. 11- المعين في طبقات المحدثين: دار الفرقان - بتحقيق الدكتور همام سعيد. 12- المغني في الضعفاء: دار المعارف بحلب - تحقيق الدكتور العنز. 13- ميزان الاعتدال: طبع أكثر من مرة، ومنها التي بتحقيق علي البجاوي. وغيرها ... المخطوط منها: 14- كتاب الأربعين في صفات رب العالمين. 15- تاريخ الإسلام (طبع منه بعض المجلدات) . 16- تشبيه الخسيس بأهل الخميس.
17 - تلخيص العلل المتناهية في الأحاديث الواهية لابن الجوزي. 18 - مختصركتاب الزهد للبيهقى. 19 - معجم الشيوخ الصغير. 20 - معجم الشيوخ الكبير. وغيرها ... رحم الله الإمام الذهبي وأجزل مثوبته (د) .
نسخ الكتاب
نسخ الكتاب: اعتمدت في تحقيق هذه الرسالة على ثلاث نسخ: - الأولى: مصورة عن مخطوطة بمكتبة الأحقاف للمخطوطات، بتريم وقد صورها معهد المخطوطات بالكويت، وعدد صفحاتها (هـ) ضمن مجموعة (من ورقة 270 - 274) ، وفي كل صفحة ما بين (23) و (24) سطرا. ومقاسها 15 * 21 سم، وقد كتب بقلم نسخي جيد، سنة 1068 هـ وبعض كلماتها بالحمرة، وهي برقم (188) في المعهد. وهي التي اتخذتها أصلا، بيد أنها لا تخلو من الخطأ، كما هو معروف عند ذوي الخبرة بالمخطوطات، ورمزت لها بحرف "م". - الثانية: مصورة المكتبة المركزية في الجامعة الاسلامية، بالمدينة المنورة (قسم المخطوطات) ورقمها (254) ، وهي مصورة عن إحدى المكتبات باليمن، من الورقة (24- 30) ، ومقاسها 17 * 24سم، وكتبت بخط النسخ المعتاد، وتاريخ نسخها غير معروف، ولكني أقدر أنها كتبت في القرن العاشر تقريبا، وكذلك الناسخ فإنه لم يكتب اسمه (هـ) .
وهذه النسخة لا بأس بها، وقد استفدت منها في مقابلتها مع "م" ورمزت لها بحرف "س". - الثالثة: المطبوعة التي عني بنشرها حسام الدين القدسي (و) ، طبعت سنة 1347 هـ في مطبعة التوفيق بدمشق، وفيها بعض الزيادات التي ليست في النسختين الخطيتين، لكنها ليست بالكثيرة. * وما كان زائدا على نسخة "م" وضعته بين معكوفين هكذا [] ونبهت عليه، وكذلك العناوين جعلتها بين معكوفين أيضا، ولم أثبت الفروق التي في "س" والمطبوعة إلا أحيانا. * وخرجت ما في هذه الرسالة من الأحاديث، وعلقت بما رأيت من المفيد التعليق عليه. وأسأل الله أن يكون عملي هذا متقبلا عنده إنه ولي ذلك والقادر عليه. الكويت - أبو عبد الرحمن محمد بن ناصر العجمي. كان الله له معينأ.
الورقة الأولى من نسخة "م".
الورقة الأخيرة من نسخة "م".
الورقة الأخيرة من نسخة "س".
الورقة الأولى من نسخة "س".
علم القراءة والتجويد
بسم الله الرحمن الرحيم [وبه نستعين والحمد لله رب العالمين] (1) اعلم أن في كل طائفة من علماء هذه الأمة ما يذم ويعاب، فتجنبه. [علم القراءة والتجويد] فالقراء المجودة: فيهم تنطع (2) وتحرير زائد يؤدي إلى أن المجود القارىء يبقى مصروف الهمة إلى مراعاة الحروف، والتنطع في تجويدها بحيث يشغله ذلك عن تدبر معاني كتاب الله تعالى، ويصرفه عن الخشوع في التلاوة لله (3) ويخليه قوي النفس مزدريا [بحفاظ] (4) كتاب الله تعالى. فينظر اليهم بعين المقت [وأن] (5) المسلمين يلحنون، وبأن القراء لا يحفظون إلا شواذ [القراءة] (6) ، فليت شعري أنت
ماذا عرفت؟! وما علمك، وأما عملك فغيرصالح (7) ، وأما تلاوتك فثقيلة عرية عن الخشية والحزن والخوف، فالله يوفقك، ويبصرك رشدك، ويوقظك من رقدة الجهل والرياء. وضدهم قراء النغم والتمطيط، وهؤلاء في الجملة من قرأ منهم بقلب وخوف قد ينتفع به في الجملة، فقد رأيت من يقرأ صحيحا ويطرب ويبكي. نعم (8) ورأيت من إذا قرأ قسى القلوب وأبرم النفوس، وبدل كلام الله تعالى، وأسوأهم حالا الجنائزية، والقراء (9) بالروايات، وبالجمع فأبعد شيء عن الخشوع، وأقدم شيء على التلاوة بما يخرج عن القصد، وشعارهم في تكثير وجوه حمزة (10) ، وتغليظ تلك اللامات وترقيق الراآت. اقرأ يا رجل واعفنا من التغليظ والترقيق [وفرط] (11)
علم الحديث
الإمالة، والمدود ووقوف حمزة [فإ] لى كم هذا؟ وآخر منهم إن حضر في ختمة أو تلا في محراب جعل ديدنه إحضار غرائب الوجوه والسكت، والتهوع بالتسهيل، وأتى بكل خلاف ونادى على نفسه أنا (أبو فلان) (12) فاعرفوني فإني عارف [بالسبع] (13) إيش يُعمل بك؟ لا صبحك الله بخير إنك حجر منجنيق ورصاص على الأفئدة. [علم الحديث] والمحدثون: فغالبهم لا يفقهون ولا همة لهم في معرفة الحديث ولا [في] (13) التدين به، بل الصحيح والموضوع عندهم [بنسبة] (14) إنما همتهم في السماع على جهلة الشيوخ، وتكثير العدد من الأجزاء والرواة، لا يتأدبون بآداب الحديث، ولا يستفيقون من سكرة السماع، الآن يسمع [الجزء] (51) ونفسه تحدثه: متى يرويه أبعد الخمسين سنة! ويحك ما أطول أملك وأسوأ عملك، معذور سفيان الثوري إذ يقول فيما رواه أحمد بن يوسف التغلبي ثنا خالد بن خداش ثنا حماد بن زيد قال قال سفيان الثوري - رحمه
الله -: (لو كان الحديث خيرا لذهب كما ذهب الخير) (16) . صدق والله وأي خير في حديث مخلوط صحيحه بواهيه، وأنت لا تفليه ولا تبحث عن ناقليه، ولا تدين الله به. أما اليوم في زماننا فما يفيد المحدث الطلب والسماع مقصود الحديث من التدين به، بل فائدة السماع [ليروي] (17) فهذا والله لغير الله، خطابي معك يا محدث لا مع من يسمع ولا يعقل ولا يحافظ على الصلوات، ولا يجتنب الفواحش ولا قرش الحشائش ولا يحسن أن يصدق فيها، فيا هذا لا تكن محروما مثلى فأنا نحس أبغض المناحيس (18) . وطالب الحديث اليوم ينبغي له أن ينسخ أولا (الجمع
بين الصحيحين (19) و (أحكام عبد الحق) (20) و (الضياء) (21) ، ويدمن النظر [فيهم] (22) ويكثر (23) من تحصيل تواليف البيهقي فإنها نافعة، ولا أقل من مختصر كـ (الإلمام) (24) [ودراسة] (25) ، فإيش (26) السماع على جهلة المشيخة الذين ينامون والصبيان يلعبون والشبيبة يتحدثون
ويمزحون، وكثير منهم ينعسون، ويكابرون، والقارىء يصحف، وإتقانه (27) في تكثير (أو كما قال) ، والرضع يتصاعقون، بالله خلونا، فقد بقينا ضحكة لأولي المعقولات، يطنزون بنا هؤلاء هم أهل الحديث (28) ، نعم ماذا يضر! ولو لم يبق إلا تكرار الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - لكان خيرا من تلك الأقاويل (29) التي تضاد الدين وتطرد الإيمان واليقين،
وتردي في أسفل السافلين، لكنك معذور فما شممت للاسلام رائحة، ولا رأيت أهل الحديث، فأوائلهم كان لهم شيخ عالى الاسناد، بينه وبين الله واحد، معصوم عن معصوم، سيد البشر عن جبريل عن الله - عز وجل - فطلبه مثل أبي بكر وعمر، وابن مسعود وأبي هريرة الحافظ وابن عباس، وسادة الناس الذين طالت أعمارهم، وعلا سندهم وانتصبوا للرواية الرفيعة، [فحمل] (30) عنهم مثل مسروق وابن المسيب والحسن البصري والشعبي وعروة وأشباههم من أصحاب الحديث، وأرباب الرواية والدراية، والصدق والعبادة، والإتقان والزهادة [الذين] (31) من طلبتهم مثل الزهري، وقتادة، والأعمش، وابن جحادة (32) وأيوب، وابن عون، وأولئك السادة الذين أخذ عنهم الأوزاعي والثوري ومعمر والحمادان (33) وزائدة (34) ومالك والليث وخلق سواهم، من أشياخ ابن المبارك ويحيى القطان وابن مهدي ويحيى بن آدم والشافعي والقعنبي وعدة من أعلام الحديث الذين خلفهم، مثل أحمد بن حنبل واسحاق وابن المديني
ويحيى بن معين [وأبي خيثمة] (35) وابن نمير وأبى كريب وبندار وما يليهم من مشيخة البخاري ومسلم و [أبي] (36) داود والنسائي وأبى زرعة وأبى حاتم ومحمد بن نصر وصالح جزرة وابن خزيمة، وخلائق ممن كان في الزمن الواحد، منهم ألوف من الحفاظ ونقلة العلم الشريف. ثم تناقص هذا الشأن في المائة الرابعة بالنسبة إلى المائة الثالثة، ولم يزل ينقص إلى اليوم، فأفضل من في وقتنا اليوم من المحدثين على قلتهم نظير صغار من كان في ذلك الزمان على كثرتهم. وكم من رجل مشهور بالفقه والرأي في الزمن القديم أفضل في الحديث من المتأخرين، وكم من رجل من متكلمي القدماء أعرف بالأثر من سنية (37) زماننا، فما أدركنا من أصحاب الحديث الا طائفة كقاضي ديار مصر وعالمها تقي الدين ابن دقيق العيد، والحافظ الحجة شرف الدين الدمياطي، والحافظ جمال الدين بن الظاهري، والشيخ شهاب الدين بن فرح ونحوهم. وأدركنا من عكر الطلبة شهاب الدين ابن الدقوقي،
المالكية
ونجم الدين ابن الخباز، والشيخ عبد الحافظ، ونحمد الله في الوقت أناس يفهمون هذا الشأن ويعتنون بالأثر كالمزي وابن تيمية والبرزالي وابن سيد الناس وقطب الدين الحلبي وتقي الدين السبكي والقاضي شمس الدين الحنبلى وابن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة وصلاح الدين العلائي وفخر الدين ابن الفخر وأمين الدين ابن الواني وابن إمام الصالح ومحب الدين المقدسي وسيدي عبد الله بن خليل، وجماعة سواهم [فيهم] (38) العكر والغثاء، الله يستر والمرء مع من أحب، والسعيد من نهض وأهب، وعلى الطاعة أكب، والله الموفق والهادي. [المالكية] الفقهاء المالكية على خير، واتباع وفضل، إن سلم قضاتهم ومفتوهم من التسرع في الدماء والتكفير، فإن الحاكم والمفتي يتعين عليه أن يراقب الله تعالى، ويتأنى في الحكم بالتقليد ولا سيما في إراقة الدماء، فالله ما أوجب عليهم تقليد إمامهم، فلهم أن يأخذوا منه ويتركوا كما قال الإمام مالك - رحمه الله تعالى -: (كل يؤخذ من قوله ويترك الا صاحب هذا القبر - صلى الله عليه وسلم -) (39)
الحنفية
فيا هذا إذا وقفت بين يدي الله تعالى فسألك لم أبحت دم فلان فما حجتك؟ إن قلت قلدت إمامي، يقول لك فأنا أوجبت عليك تقليد إمامك؟ ، ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (أول ما يقضى بين الناس في الدماء) (40) ، وفي الحديث: (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يتند بدم حرام) (41) ، نعم من رأيته زنديقا عدوا لله فاتق الله وأرق دمه ابتغاء وجه الله بعد أن تستفتي [قلبك] (42) وتستخيرالله فيه. [الحنفية] الفقهاء الحنفية أولو التدقيق والرأي والذكاء، والخير من مثلهم إن سلموا من التحيل والحيل على الربا، وإبطال الزكاة، ونقر الصلاة، والعمل بالمسائل التي يسمعون النصوص النبوية بخلافها.
فيا رجل دع ما يريبك إلى مالا يريبك، واحتط لدينك، ولا يكن همك الحكم بمذهبك، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، فإذا عملت بمذهبك في المياه والطهارة والوتر والأضحية، فأنت أنت، وإن كانت همتك في طلب الفقه [الجدال] (43) والمراء والانتصار لمذهبك على كل حال وتحصيل المدارس [والعلو] (44) فماذا فقها أخرويا، [بل] (44) ذا فقه الدنيا، فما ظنك تقول غدا بين يدي الله تعالى: تعلمت العلم لوجهك وعلمته فيك، فاحذر أن تغلط وتقولها فيقول لك: (كذبت، إنما تعلمت ليقال عالم، وقد قيل، ثم يؤمر بك مسحوبا إلى النار) ، كما رواه مسلم في الصحيح (45) . فلا تعتقد أن مذهبك أفضل المذاهب وأحبها إلى الله تعالى، فإنك لا دليل لك على ذلك، ولا لمخالفك أيضا، بل الائمة - رضي الله عنهم - على خير كثير، ولهم في صوابهم أجران على كل مسألة، وفي خطئهم أجر على كل مسألة (46) .
الشافعية
[الشافعية] الفقهاء الشافعية أكيس الناس وأعلم من غيرهم بالدين، فأس مذهبهم مبني على اتباع الأحاديث المتصلة، وإمامهم من رؤوس أصحاب الحديث ومناقبه جمة *، فإن حصلت يا فلان مذهبة لتدين الله به وتدفع عن نفسك الجهل فأنت بخير (47) ، وإن كانت همتك كهمة اخوانك
من الفقهاء البطالين، الذين قصدهم المناصب والمدارس والدنيا والرفاهية والثياب الفاخرة،فماذا بركة العلم، ولا هذه نية خالصة، بل ذا بيع للعلم بحسن عبارة وتعجل [للأجر] (48) وتحمل للوزر وغفلة عن الله، فلو كنت ذا صنعة لكنت بخير، تأكل من كسب يمينك وعرق جبينك، وتزدري نفسك ولا تتكبر بالعلم، أو كنت ذا تجارة لكنت تشبه علماء السلف الذين ما أبصروا المدارس ولا سمعوا بالجهات، وهربوا لما للقضاء طلبوا، وتعبدوا بعلمهم وبذلوه للناس، ورضوا بثوب خام وبكسرة، كما كان من قريب الإمام أبو إسحاق (49) صاحب (التنبيه) ، وكما كان بالأمس الشيخ محيى الدين (50) صاحب (المنهاج) . وكما ترى اليوم سيدي عبد الله بن خليل، وعلى كل تقدير احذر المراء في البحث وإن كنت محقا، ولا تنازع
في مسالة لا تعتقدها، واحذر التكبر (51) والعجب بعملك، فيا سعادتك إن نجوت منه كفافا لا عليك ولا لك، فوالله ما رمقت عيني أوسع علما ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له: ابن تيمية، مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت في وزنه وفتشته حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا الكبر والعجب، وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوي ومحبة الظهور، نسأل الله تعالى المسامحة، فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه، بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وآثام أصدقائهم، وما سلطهم الله عليه بتقواهم وجلالتهم بل بذنوبه، وما دفعه الله عنه وعن أتباعه أكثر، وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون، فلا تكن فى ريب من ذلك (52) .
الحنابلة
[الحنابلة] [وأما] (53) الحنابلة فعندهم علوم نافعة، وفيهم دين في الجملة، ولهم قلة حظ في الدنيا، [والجهال] * يتكلمون في عقيدتهم ويرمونهم بالتجسيم **، وبأنه يلزمهم، وهم بريئون من ذلك إلا النادر، والله يغفر لهم. [علم النحو] النحويون لا بأس بهم، وعلمهم حسن محتاج إليه، لكن النحوي إذا أمعن في العربية، وعري عن علم الكتاب
علم اللغة
والسنة بقي فارغا بطالا لعابا، ولا يسأله الله، و [الحالة] (54) هذه عن [علمه] (55) في الآخرة، بل هو كصنعة من الصنائع كالطب والحساب والهندسة لا يثاب عليها ولا يعاقب إذا لم يتكبر على الناس ولا يتحامق عليهم واتقى الله تعالى وتواضع وصان نفسه. [علم اللغة] اللغويون قد عدموا في زماننا، فتجد الفقيه لا يدري لغة الفقه، والمقرىء لا يدري لغة القرآن، والمحدث لا يعتني بلغة الحديث، فهذا تفريط وجهل، وينبغي الاعتناء بلغة الكتاب والسنة ليفهم الخطاب. [علم التفسير] المفسرون: قل من يعتني اليوم بالتفسير، بل يطالع المدرسون (تفسير الفخر الرازي) (56) وفيه إشكالات وتشكيكات لا ينبغي سماعها، فإنها تحير وتمرض وتردي ولا تشفي غليلا، نسأل الله العافية، وأقوال السلف في التفسير
أصول الفقه
مليحة، لكنها ثلاثة أقوال وأربعة أقوال فصاعدا فيضيع الحق بين ذلك، فإن الحق لا يكون في جهتين وربما احتمل اللفظ معنيين. [أصول الفقه] الأصوليون: أصول الفقه لا حاجة لك به يا مقلد، ويا من يزعم أن الاجتهاد قد انقطع، وما بقي مجتهد، ولا فائدة في أصول الفقه إلا أن يصير محصله مجتهدا به، فإذا عرفه ولم يفك تقليد إمامه لم يصنع شيئا، بل أتعب نفسه وركب على نفسه الحجة في مسائل، وإن كان يقرأ لتحصيل الوظائف [و] (57) ليقال، فهذا من الوبال، وهو ضرب من الخبال. [علم أصول الدين] أصول الدين: هو اسم عظيم، وهو منطبق على حفظ الكتاب والسنة، فهما أصول دين الإسلام، ليس إلا، وأما العرف في هذا الاسم فهو مختلف باختلاف النحل. فأصول دين السلف الإيمان بالله وكتبه ورسله وملائكته، وبصفاته وبالقدر، وبأن القرآن المنزل كلام
الله تعالى غير مخلوق، والترضي عن كل الصحابة، إلى غير ذلك من أصول السنة، وأصول دين الخلف هو ما صنفوا فيه، وبنوه على العقل والمنطق. فما كان السلف [يحطون على] (58) سالكه ويبدعونه، وبينهم اختلاف شديد في مسائل مزمنة، تركها من حسن إسلام العبد، فإنه يورث أمراضا في القلوب، ومن لم يصدقني يجرب، فإن الأصولية بينهم السيف، يكفر هذا هذا، ويضلل هذا هذا، فالأصولي الواقف مع الظواهر و [الآثار] * عند خصومه يجعلونه مجسما وحشويا ومبتدعا، والأصولي الذي طرد التأويل عند الآخرين جهميا ومعتزليا وضالا، والأصولي الذي أثبت بعض الصفات ونفى بعضها وتأول في أماكن يقولون: متناقضا، والسلامة والعافية أولى بك، فإن برعت في الأصول وتوابعها من المنطق والحكمة و [الفلسفة] (59) ، وآراء الأوائل ومجازات العقول، واعتصمت مع ذلك بالكتاب والسنة وأصول السلف، ولفقت بين العقل والنقل، فما أظنك في ذلك تبلغ رتبة ابن تيمية ولا والله تقربها، وقد رأيت ما آل أمره إليه من الحط عليه، والهجر والتضليل والتكفير والتكذيب بحق وبباطل، فقد
علم المنطق
كان قبل أن يدخل في هذه الصناعة منورا مضيئا، على محياه سيما السلف، ثم صار مظلما مكسوفا، عليه قتمة عند خلائق من الناس، ودجالا أفاكا كافرا عند أعدائه، ومبتدعا فاضلا محققا بارعا عند طوائف من عقلاء الفضلاء، وحامل راية الإسلام وحامي حوزة الدين ومحيى السنة عند عوام أصحابه، هو ما أقول لك. [علم المنطق] والمنطق نفعه قليل، وضرره وبيل، وما هو من علوم الاسلام *، والحق منه فكامن في النفوس الزكية بعبارات غريبة، والباطل فاهرب منه فإنك تنقطع مع خصمك وتعرف أنك المحق، وتقطع خصمك وتعرف أنك على الخطأ، فهي عبارات دهاشة ومقدمات دكاكة، نسأل الله السلامة، [و] (60) إن قرأته للفرجة لا للحجة، وللدنيا لا للآخرة، فقد عذبت الحيوان وضيعت الزمان، والله المستعان، وأما الثواب فأيِّس منه ولا تأمن [العقاب] (61) إلا بمثاب.
علم الحكمة
[علم الحكمة] (62) والحكمة الفلسفية الالهية ما ينظر فيها من يرجي فلاحه، ولا يركن إلى اعتقادها من يلوح نجاحه، فإن هذا العلم في شق وما جاءت به الرسل في شق، ولكن ضلال من لم يدر ما جاءت به الرسل كما ينبغي بالحكمة شر ممن يدري، وا غوثاه بالله، اذا كان [الذين] (63) قد انتدبوا للرد على الفلاسفة قد حاروا ولحقتهم كسفة، فما الظن بالمردود عليهم؟! وما دواء هذه العلوم وعلمائها والعاملين بها علما وعقدا إلا الحريق والإعدام من الوجود.
الفرائض
[إذ] (64) الدين ما زال كاملا حتى عُرّبت هذه الكتب، ونظر فيها المسلمون، فلو أعدمت لكان فتحا مبينا. والحكمة الرياضية فيها حق من طبائع هندسية و [حساب] (65) ونحو ذلك، وفيها أباطيل وتنجيم وما أشبهه، فباطلها يؤذي المرء في دينه ويضلله، وحقها صنعة وإتقان وتحرير مما لا أجر فيه ولا وزر، والحكمة الطبيعية لا بأس بها، لكنها ليست من علوم الدين، ولا مما يتقرب به الى الله ولا من زاد المعاد، بل [هي] (66) صنعة بلا ثواب ولا عقاب، اذا كان صاحبها سليم الاعتقاد عادلا خيرا كما رأينا جماعة منهم، وقد يثاب الرجل على تعليمها [بالنية] (66) إن شاء الله تعالى. [الفرائض] (67) الفرضيون داخلون في الفقهاء، إذ هو كتاب من كتب الفقه.
علم الإنشاء
وهو علم مليح والامعان فيه [يفوت] * الوقت، والتوسط في ذلك جيد، فكم من مسألة في الفرائض ما وقعت ولا تقع أبدا. [علم الإنشاء] الانشاء فن ابناء الدنيا ليس من علم الآخرة في شيء، والكامل فيه محتاج إلى مشاركة قوية في العلوم الإسلامية، [و] (68) يريد عقلا تاما ورزانة وسرعة منهم وقوة تخيل وبصرا باللغة والنحو وخبرة بالمعاني والبيان والسير وأيام الناس وفنون الأدب وحسن كتابة، ولكن ليكن رأس مال المنشىء تقوى الله ومراقبته، فربما وضع لفظة تعجبه يهوي بها الى النار وهو لا يدري (69) ، وربما أبدع في سطر ترتب عليه خراب مصر، وربما أعان على تعلمه على سفك الدماء الحرام. فانظر أين أنت يا بليغ؟ قد ذم نبيك (70) البلاغة فقال
علم الشعر
: (إن من البيان لسحرا) (71) وقال: (العيّ من الإيمان) (72) ، فكمل براعة البلاغة بإرضاء ربك الأعلى، وبنصح رب الأمر، فهنا كمال البلاغة إن كنت من المتقين، وإن تعذر ذلك فدينك ما منه عوض، فمن اتقى الله كفاه الناس، ومن أرضى الناس بسخط الله سلط الله عليه من أرضاه، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين. [علم الشعر] الشعر هو من فنون المنشىء وهو كلام، فحسنه حسن وهو قليل، وقبيحه قبيح وهو الأغلب، وبيت ماله الكذب والإسراف في المدح والهجو والتشبيه والنعوت والحماسة، وأملحه أكذبه، فإن كان الشاعر بليغا مفوها مقداما على الكذب في لهجته مصرا على الاكتساب بالشعر
علم الحسا ب
رقيق الدين، فقد قرأ مقت الشعراء في سورة الشعراء (73) . ويندرعلى الشعراء المجودين من يتصون من الهجو، وربما أدى الأمر بالشاعر إلى التجاوز إلى الكفر، نسأل الله العفو، والشاعر المحسن كحسان، والمقتصد كابن المبارك، والظالم كالمتنبي، والسفيه الفاجر كابن الحجاج (74) ، والكافر كذوي الإتحاد، فاختر لنفسك أي واد تسلك. [علم الحسا ب] (75) الحساب وشرع الديوان هذا من علوم القبط والفرس، ليس من علوم الإسلام، وهو صنعة ومعيشة ينال [بها] * الرجل السعادة والدنيا، وكلما كان أمهر كان أسرق، ومن اتقى الله فيها وكتب لقضاة العدل وباشر الأيتام والصدقات ومال الأوقاف والمدارس ولزم الأمانة واتقى
علم الشروط
[فيه] (76) فهذا محمود [و] (76) مأجور بنيته، فقد رأينا جماعة يسيرة على نحو ذلك، نعم، ورأينا ذئابا [عليهم] (77) الثياب، وفاسق الكتبة [إليه المنتهى] (78) في السرق وعاقبة أمرهم وبيلة من الضرب والمصادرة والفقر. [علم الشروط] (79) الشروط علم حسن شرعى، من [برع] (80) فيه ولزم العدالة والورع عاش حميدا (81) ومات [فقيدا] ، ومن عاش فيه بالحيل والمكر والدهاء فلا بد له من خزي في الدنيا ومقت في الأخرى وإن تسود هذا، [قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى] (النساء: 77) . [علم الوعظ] الوعظ فن بذاته يحتاج إلى مشاركة جيدة في العلم،
ويستدعي معرفة حسنة بالتفسير وإكثارا من حكايات الفقراء والزهاد. وعدته التقوى والزهادة، فإذا رأيت الواعظ راغبا [في الدنيا] (82) قليل الدين، فاعلم أن وعظه لا يتجاوز الأسماع، وكم من واعظ مفوه قد أبكى وأثر في الحاضرين تلك الساعة، ثم قاموا كما قعدوا، ومتى كان الواعظ مثل الحسين والشيخ عبد القادر الجيلاني - رحمهما الله تعالى - انتفع به الناس. ***
تمت النسخة الكريمة بحمد الله تعالى، في شهر محرم صفر من سنة 1068، من تعليقة بخط الشيخ الامام العلامة صالح بن الصديق الغماري (83) ، نقلتها من خط الفقيه محمد بن صالح (84) .... ***
فهرس الأحاديث
فهرس الأحاديث الحديث......................... الصفحة إذا حكم الحاكم................... 35 إن العبد ليتكلم بالكلمة............ 46 إن من البيان لسحرا................ 47 أول ما يقضى بين الناس............ 34 العيّ من الإيمان..................... 47 كذبت إنما تعلمت ليقال............ 35 لا يزال المرء في فسحة.............. 34 من طلب العلم ليجاري به........... 7