رياضة النفس

الترمذي، الحكيم

كتاب الرياضة

كتاب الرياضة بسم الله الرحمن الرحيم قال أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن الترمذي رحمه الله عليه. الحمد لله رب العالمين، ولي الحمد وأهله. أما بعد، فإن الله تعالى خلق الآدميين لخدمته، وخلق ما سواهم سخرة لهم؛ فقال تعالى في تنزيله: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً)، ثم قال: (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه)، فجعل في كل مسخر ما يحتاج إليه هؤلاء الخدم، وما يرجع نفعه إليهم، وهم كلهم قانتون، يؤدون السخرة إلى هؤلاء الخدم؛ فأظهر خلقهم من القدرة بقوله (كن)، وأظهر خلق هؤلاء الخدم من المحبة بيده؛ فعجن طينته، وصوره بيده؛ ثم جعله ذا أجزاء، كل جزء منه يعمل عملاً غير عمل الآخر، ثم نفخ فيه من روحه. وهو روح الحياة، ونفست الطينة، فبدت النفس واستقرت. وتنفست في الجوف: فجعل في ظاهره

يدين ذواتي أصابع ومفاصل. يبسط ويقبض؛ ورجلين موشجتين في الوركين، ذواتي ساقين؛ وقدمين يختلف بهما في قطع المسافات؛ وعينين بهما يشتمل على الألوان لذة وجهداً؛ وأذنين بهما يتناول الأصوات لذة وخبرا؛ ولسانا يديره في قبو حنكة إلى شفتيه، ليتلفظ بنغماته من صدره إلى شفتيه، مؤدية تلك النغمات معاني الأمور التي يعقل، وتتردد في صدره صور تلك الأمور، فتصير تلك الصور حروفاً مؤلفة، فيبرزها بصوت يسمع به آذان المستمعين له، حتى تصير تلك الأسماع قمعاً لهذا الصوت، فيتحول ما في صدر هذا من علم الأمور، إلى صدر المستمع، من طريق فم هذا إلى أذن الآخر، فيكون قد أفرغ ما في صدره من صور الأمور ومعانيها بالحروف والصوت، إلى صدر صاحبه. وجعل له منخرين للنفس والمشام، ومعدة صيرها دار رزقه؛ وباب هذه الدار متصل بالقبو، وبابين في أسفل جسده، أحدهما مخرج للذرية، والآخر مخرج الفضول والأذى؛ وذلك أن العدو لما غره حتى أكل من حتى أكل الشجرة، وجد السبيل إلى معدته بتلك الأكلة التي أطاعه فيها، فجعله مستقره، فنتن ما في المعدة لرجاسة العدو؛ فمن هاهنا وجب علينا غسل الأطراف مما يظهر من المعدة من الغائط والبول وريحهما؛ ثم وضع في جوفه بضعة جوفاء سماها قلباً وفؤاداً، فما بطن منها فهو القلب، وما ظهر منها فهو فؤاد؛ وإنما سمي قلباً لأنه يتقلب بتقليب الله عز وجل إياه، لأنه بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، يقلبه بمشيئاته فيه؛ وسمي فؤاداً لأنه غشاء لتلك

البضعة الباطنة، ومنه يقال: هذا خبز فئيد، وخبز ملة، لأنها خبزة قد ظاهرها أخرى؛ وجعل له على هذا الفؤاد عينين وأذنين، وباباً في الصدر، وصير القلب بيتاً له عينان وأذنان، وباباً في الصدر؛ وجعل الصدر ساحة هذا البيت؛ وجعل إلى جانبه بضعة أخرى سماها كبدا، وجعلها مجمع عروق هذا الجسد كله، ومنه ينقسم ما يخرج من المعدة من قوة الطعام الذي طحنته المعدة، حتى صار دما طرياً، فجرى في جميع العروق؛ وألصق بأسفله بضعة أخرى، فسماها طحالاً، وإلى جانب الأخرى سماها رئة، ومسكن النفس فيها، ومنها تتنفس النفس لحياتها التي فيها، فتخرج الأنفاس إلى الفم وبالمنخرين؛ ثم وضع بين القلب والرئة وعاء رقيقاً، فيه ريح هفافة، تجري في العروق مجرى الدم، وأصل تلك الريح من باب النار، مخلوقة من نار جهنم، لم يصل إليها سلطان الله وغضبه، فتسود كما اسودت جهنم، بل هي نار مضيئة حفت النار بها؛ موضوع في هذه النار الفرح والزينة، وسماها شهوة؛ وإنما سميت شهوة لاهتشاش النفس إليها، يقال، أهتشت واشتهت؛ الاهتشاش في الظاهر، والاشتهاء في الباطن، وكلاهما في الحروف عددها سواء، إلا أنه قدم الهاء هاهنا وأخر هناك، ليكون فرقاً بين النوعين. فالنفس إذا هبت تلك الريح من ذلك الوعاء لعارض ذكر شيء، أحست النفس بذلك، فالتهبت نار الحرارة بتلك الريح، والنفس مسكنها في الرئة، ثم هي منفشة في جميع الجسد، والروح مسكنه في الرأس إلى أصل الأذنين، ومعقلها في الوتين، وهي منفشة في جميع الجسد، والروح فيه حياة، والنفس فيها حياة، فهما يعملان في جميع الجسد لحياتهما،

حتى تتحرك الجوارح في جميع الجسد في الظاهر والباطن بالحياتين اللتين وضعتا فيهما، والروح نور فيه روح الحياة، والنفس ريح كدرة جنسها أرضية روح الحياة. ووضع الرحمة في الكبد، الرأفة في الطحال، والمكر في الكليتين، وعلم الأشياء في الصدر، وجعل مستقر الذهن في الصدر، ثم هو متفش في البدن كله، والذهن يقبل العلم جملة، وقرينه الحفظ، وجعل في ناصيته الفهم، وجعل له طريقاً إلى عين الفؤاد، فالحفظ مستودع العلم، فإذا أحتاج الفؤاد إلى شيء لحظ إلى الحفظ، فأبرز له علم ذلك الشيء المستودع الذي قد تعلمه. وجعل ماء الذرية في صلبه، فمنه ماء أخذ عليه الميثاق يوم أخرجهم من الظهور، فعرضهم على آدم صلى الله عليه وسلم، ومنه ماء لم يؤخذ عليه الميثاق، وجعل مجراه من صلبه إلى نفسه. ووضع الفرح في قلبه، وجعل مجراه إلى صلبه، لتتأدى حرارة ذلك الفرح إلى الصلب، فتذيب ماء الصلب، فبقوة هذا الفرح يخرج ذلك الماء، فيدفق به، وإنما صار دفقاً لقوة الفرح، وهبوب رياحها، وضيق المخرج، فإذا افتقد الإنسان الفرح عجز عن الدفق. فهذه لعامة الآدميين. ثم خص المؤمنين بنور العقل، فجعل مسكنه في الدماغ، وجعل له باباً من دماغه إلى صدره، ليشرق شعاعه بين عيني الفؤاد، ليدبر الفؤاد بذلك النور الأمور، فيميز بين الأمور ما حسن منها وما قبح، ووضع نور التوحيد في باطن هذه البضعة، وهي القلب، وفيه نور الحياة فحيي القلب بالله تبارك وتعالى، وفتح عيني الفؤاد، فأشرق نور التوحيد إلى الصدر من باب القلب، فأبصر عينا الفؤاد بنور الحياة التي فيهما نور التوحيد، فوحد الله عز وجل، وعرفه، وميز العقل تلك العلوم التي أعطى الذهن في صدره جملة، فيصيرها شعباً شعباً، فصارت معرفة حين انشعبت، فهذا عمل العقل في الصدر.

والهوي أصله من نفس النار، فإذا خرج ذلك النفس من النار، احتمل من ذلك الحفوف من الشهوات بباب النار فيها الزينة والأفراح، فأورد على النفس. فإذا نالت النفس ذلك الفرح والزينة، هاجت بما فيها من الفرح والزينة الموضوعة إلى جانبها في ذلك الوعاء، وهي ريح حارة، فدبت في العروق، فامتلأت العروق منها في أسرع من الطرفة، والعروق مشتملة على جميع الجسد، من القرن إلى القدم، فإذا دبت في العروق، ولذت النفس دبيبها وانفشاشها في الجسد، وامتلأت النفس لذة، وهشت إلى ذلك الشيء، فتلك شهوتها ولذتها، فإذا تمكنت النفس بتلك الشهوة واللذة من جميع الجسد، فصارت تلك الشهوة نهمة على القلب، والنهمة غلبة الشهوة وغليانها، فإذا غلت الشهوة غلبت على القلب، فيصير القلب منهوماً، وهو أن تقهر القلب حتى تمتهنه، فتستعمله بذلك، فيصير سلطان الهوى والشهوة مع النفس ومسكنها في البطن، وسلطان المعرفة والعقل والعلم والفهم والحفظ والذهن في الصدر، وجعل المعرفة في القلب، والفهم في الفؤاد، والعقل في الدماغ، والحفظ قرينة، وجعل للشهوة بابا من مستقره إلى الصدر، يفور دخان تلك الشهوات التي جاء بها الهوى، حتى يتأدي ذلك إلى الصدر، فيحفظ، فيحيط بفؤاده، وتبقى عينا الفؤاد في ذلك الدخان، وذلك الدخان اسمه الحمق، قد حال بين عيني الفؤاد وبين النظر إلى نور العقل ماذا يدبر له؛ وكذلك الغضب إذا فار، فهو كالغيم يقف بين عيني الفؤاد حتى يصير العقل منكمنا، لأن العقل مستقره في الدماغ، وشعاعه مشرق إلى الصدر، فإذا خرج ذلك الغيم (غيم الغضب) من الرئة إلى الصدر، امتلأ الصدر منه، وبقيت عينا الفؤاد في ذلك الغيم،

لأن شعاع العقل قد انقطع، وحال الغيم بينه وبين الفؤاد، فصار الفؤاد من الكافر في ظلمة الكفر، وهي الغلفة التي ذكرها الله تعالى في التنزيل: (وقالوا قلوبنا غلف) وقال تعالى: (بل قلوبهم في غمرة من هذا). وصار الفؤاد من المؤمن في دخان الشهوات وغيوم الكبر، فذلك غفلة. ومن الكبر أصل الغضب والكبر في النفس لما أحست بما ولي الله تعالى من خلقها، فيبقى ذلك الكبر فيها. فهذه صفة ظاهر الآدمي وباطنه. فوقعت الجباية من الله تعالى والخبرة على هذا الموحد، من كل ألف واحد، وبقى تسع مئة وتسعة وتسعون، رفع البال عنهم، وجعل باله لواحد من كل ألف من الآدميين، فقسم الحظوظ يوم المقادير بالبال، ورفض من لم يبال به، فخابوا عن الحظوظ، فلما إستخرجهم ذرية من الأصلاب استنطقهم، فاعترف له أهل الحظوظ من باله، طوعاً لقوله عز وجل حين قال: (ألست بربكم). واعترف من خاب عن الحظوظ، ومن لم ينل من باله بقوله: (بلى) كرهاً؛ فذلك قوله عز وجل: (وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً)، فيصيرهم فريقين: عن اليمين وعن الشمال، ثم قال تعالى: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، أي لا أبالي بمغفرتي أن تنالهم؛ وهؤلاء في النار ولا أبالي، أي ولا أبالي بهؤلاء إلى أين يصيرون؛ ثم ردهم إلى صلب آدم عليه السلام، فيخرجهم في أيام الدنيا للأعمال وإقامة الحجة، فكل من وقعت عليه جبايته واختياره له، وصبغ قلبه، أي غمس قلبه في ماء الرحمة حتى طهر به، وهو قوله عز وجل (صبغه الله ومن أحسن من الله صبغة) ثم أحياه بنور الحياة، وقد كان قبل ذلك بضعة من لحم جوفاء، فلما أحياه بنور الحياة وفتح عينيه اللتين على الفؤاد، ثم هداه بنوره، وهو

نور التوحيد ونور العقل؛ فلما أشرق في صدره، واستقر الفؤاد وهو القلب إلى ذلك النور، فعرف ربه عز وجل بذلك، فذلك قوله عز وجل: (أو من كان ميتاً فأحييناه)، أي بنور الحياة، ثم قال تعالى: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس)، أي نور التوحيد يمشي من ذلك النور في الناس، ثم أوله قلبه بذلك النور إليه، حتى اطمأنت النفس وسكنت إلى أنه وحده لا إله غيره، فعندها نطق اللسان عن طمأنينة النفس وموافقتها للقلب بلا إله إلا الله، وذلك قوله عز وجل: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) وهو قوله عز وجل: (يا أيتها النفس المطمئنة)، فلما اطمأنت النفس حين رأت تلك الزينة التي زين العقل بين عيني الفؤاد توحيد الرب عز وجل، وجدت حلاوة الله تعالى، التي وردت على القلب مع نور التوحيد، فلما رأت تلك الزينة وجدت حلاوة الحب الذي في نور التوحيد، فعندها اطمأنت وسكنت إلى توحيده، فشهدت بلا إله إلا الله، وذلك قوله عز وجل: (حبب إليكم الإيمان وزينة في قلوبكم). فلما نالت تلك النفس الزينة كرهت الكفر والفسوق والعصيان، فالمؤمن إذا أذنب فإنما يعصى بالشهوة والنهمة وهو كاره للفسوق والعصيان، ومع الكراهية يفسق ويعصي بغفلة، ولا يقصد الفسق والعصيان كما قصد إبليس، فتلك الكراهية موجودة فيه، والشهوة غالبة عليه، والكراهية من أجل التوحيد الذي فيه، إلا أن القلب مقهور بما فيه، والعقل منكمن، والصدر ممتلئ من دخان تلك الشهوة، والنفس بما أوردت قاهرة للقلب، لأن العقل قد غاب، والمعرفة قد انفردت، والذهن قد تبدد، والحفظ مع العقل منكمن في الدماغ، والنفس قد قامت على ذنبها، بما وجدت من القوة في تلك الشهوة، والعدو يزين ويرجى ويمني المغفرة، ويدل على التوبة، حتى يجرئه قلباً ويشجعه.

فلما كان العبد بهذه الصفة، أمر بالمجاهدة، فقال عز وجل: (وجاهدوا في الله حق جهاده). ثم لما علم المجاهدة تشتد وتصلب على العباد، أخبرهم عن منته وحسن صنيعه، وبره ولطفه بهم فقال عز وجل: (وهو اجتباكم، وما جعل عليكم في الدين من حرج)، يعلمهم أنه لو لم يجتبهم، ولم يوقع اختياره عليهم، وما كانوا ينالون نور الرحمة ونور المعرفة، وكانوا أسارى في يد العدو، وحطباً للنار، فأخبرهم أنه اجتباهم، ثم قال عز وجل: (ما جعل عليكم في الدين من حرج). يعلمهم أنى حين ألزمت جوارحكم أمري ونهي، لم أضيق عليكم حتى تحرجوا، بل أبحت لكم، ووسعت عليكم مالا يضيق عليكم، حتى تفزعوا إلى الحرام، ولم أحملكم فرائضي حملاً تعجزون عنه، ووسعت لكم في كل فريضة ما لم يضيق عليكم، وكل شهوة منعتكم عنها، أطلقت لكم من بعضها، فوضعت على كل جارحة من هذه السبع حداً، ووكلتكم بخفظها. والجوارح السبع هي اللسان، والسمع، والبصر، واليدان، والرجلان، والبطن، والفرج، وجعلت مستقر هذه الشهوة في البطن، فإن اشتهى الكلام خرج سلطان تلك الشهوة إلى الصدور إلى القلب، والقلب أمير على هذه الجوارح، فإذا غلب سلطان الشهوة وحلاوتها ولذتها على القلب،

وانكمن سلطان المعرفة وحلاوتها ولذتها في القلب، وسلطان العقل وزينته وبهجته في الدماغ، تحير الذهن عن التدبير، وخمد نور العلم في الصدر، فظهرت المعصية على الجوارح؛ وإذا غلب سلطان المعرفة ولذتها وحلاوتها، وسلطان العقل وزينته وبهجته، احتد الذهن، واستنار العلم، وانتشر وأشرق، وقوى القلب، فقام منتصباً متوجهاً بعين فؤاده إلى الله تعالى، وجاء المدد والعطاء، وظهرت العزيمة على ترك المعصية العارضة فإذا ظهرت العزيمة وجد القلب قوة على زجر النفس، ورفض ما عزمت عليه، فانقمعت النفس وذابت، وسكن غليان الشهوة، وماتت اللذة، وسكنت العروق، ودست صورة تلك المعصية عن الصدر، وتخلص العبد، فأمر بالمجاهدة إذا عرض ذكر شيء على الصدر، وقد حرم الله عز وجل ذلك الشيء عليه، وذلك أنه لما عرض الذكر اهتاجت النفس لما هاجها الهوى، وأورد العدو زينة التي وضعت بين يديه، وجعل له السبيل إلى صدره ليزين، وتلك الزينة هي الفرح الذي وصفنا أنه بباب النار، فأصله الفرح، وحشوه الزينة، وكلاهما من النار خلقا، سميت شهوة لإهتشاش النفس، وهو قول رسول الله صلى الله علية وسلم: (حفت النار بالشهوات)، ولذلك قال عمر رضي الله عنه في خطبته: (إن العدو مع الدنيا، وارصاده مع الهوى، ومكره في الشهوات). فإنما يصير العدو إلى العباد مع أفراح الدنيا وزينتها، ويرصد الهوى الذي يهيج من الآدمي، ويمكر به إذا اشتهت النفس؛

وإنما صار مكراً لأن الشهوات بعضها مطلق، وبعضها محظور عليه، فيمكر به في المطلق له، ليجره إلى المحظور عليه، لأن النفس بلهاء، فإذا مرت في الحلال، فتمكنت منه، سلست في الحرام، إذا لم يكن في القلب ما يقيد النفس عن الحرام، ويقويها حتى لا تسلس، وقوة القلب من النور، فإذا جاهد العبد، فمن جهاده أن يروض نفسه فيؤدبها. وأدب النفس أن يمنعها الحلال، حتى لا تطمع في الحرام، وذلك أن النفس قد اعتادت لذة التكلم بالكلام، فإذا لم يلزمها الصمت فيما لابد منه، حتى تعتاد السكوت عن الكلام فيما لابد منه، فقد ماتت شهوة الكلام، فاستراح وقوى على الصدق، فلا يتكلم إلا بحق، فصار سكوته عبادة، وكلامه عبادة، لأنه إن نطق نطق بحق، وأن سكت سكت بحق، لأنه سكت مخافة الوبال. وكذلك شهوة النظر، فاعتاد النفس لذة رمي البصر حيثما وقع، من غير مبالاة، فإذا لم يلزمها الخفض عما لابد منه، وهو أن يكون خاشع الطرف، خافض النظر، اعتادت نفسه رمي البصر، لتدرك الأشياء، فإذا أرى الحرام لم يملك بصره، لأن شهوة النظر قد أخذت بعينه فملكته، فإذا ألزم عينه الغض عن النظر، ورمى بها إلى الأرض إذا مشى وقام وقعد، ماتت شهوة النظر إلى الأشياء، واعتادت غض البصر وحفظه، فإذا نظر نظر بحق، وإذا غض غض بحق، وصار نظره عبادة، وغضه عبادة. وكذلك شهوة السمع واليدين والرجلين والبطن والفرج. فالمجاهدة هاهنا إذا عزم العبد على مجاهدة النفس، ألزم كل جارحة من هذه الجوارح السبع الفطام عن عملها حلالاً كان أو حراماً، حتى تموت تلك الشهوة، لأن تلك الشهوة هي شهوة واحدة، أحل له بعضها، وحرم عليه بعضها، بلوى من الله تعالى لعباده، وتدبيرا لهم، فما علم أنه يصلح لهم ويصلحون عليه أطلقه لهم؛ وما علم أنه يفسدهم وأنهم يفسدون عليه حظره عليهم، فالمطلق حلال، والمحظور حرام، وذلك مثل الكلام، فهي شهوة واحدة، بعضها حلال، وبعضها حرام، فلاستماع إلى الأصوات بعضه حلال، وبعضه حرام؛ والنظر إلى الأشياء بعضه حلال، وبعضه حرام؛ والأخذ والإعطاء بعضه حلال، وبعضه حرام؛ وكذلك المشي، والبطن والفرج كذلك، وإنما هي شهوة واحدة لكل جارحة،

أحل للعبد إمضاء تلك الشهوة، وقضاء تلك النهمة، بصفة وهيئة؛ وحرم عليه بصفة أخرى وهيئة، كالمرأة يطؤها بالنكاح فتحل، ويطؤها بغير نكاح فتحرم عليه؛ وكذلك كل شيء خرج من هذه الجوارح من الحركات، وقد أخذ عليه يوم الميثاق ألا يعمل جارحة إلا بما أطلق له في التنزيل، وعلى ألسنة الرسل، وقبل العبد ذلك يومئذ، فأوثقه بما ضمن، فاقتضاه الوفاء، ولذلك سمي بالعجمية (بنده) لأنه أوثق بما قيل من الطاعة في الأمر والنهي، فإذا وفى له بتلك البندكية، وفى له بالعهد، وهي الجنة، فقام العبد بمجاهدة النفس عندما يعرض ذكر شهوة محرمة عليه، فعلى العبد أن يجاهدها بقلبه، بما فيه من المعرفة، وتعلقه بالمواعظ التي وعظه الله عز وجل، من الوعد والوعيد، وذكر الموت والحساب والقبر والقيامة، حتى يزجر النفس والعدو، فإذا كان العبد لم يرض نفسه قبل ذلك ولم يؤدبها، ولم يعودها رفض ما ذكرنا بدءاً، من رفض هذه الشهوة المطلقة له حتى تذل وتسكن، ويلزمها خوف الله عز وجل وخشيته، لم يملك نفسه عند ذكر ما يعرض لها، ولم يقدر على تسكينها، بل هي تغلب القلب بما فيها من سلطان الفرح والزينة والشهوة، فيصير القلب أسيراً للنفس، بعد أن كان أميراً على النفس، لأن إمارة القلب بالمعرفة، وبما أعطى من هذه الأنوار التي وصفنا، من نور العقل، ونور الحفظ، ونور الفهم، ونور العلم، ونور السكينة، فأجمل للعبد في الأمر، فقيل له جاهد في الله عز وجل حق جهاده، فمن لم يرض نفسه قبل ذلك، فإذا جاهد فربما غلب وربما غلب، فلذلك يوجد العبد مرة طائعاً ومرة عاصياً في شهوة واحدة،

فأما الأكياس فراضوا أنفسهم، فأدبوها، فامتنعوا من الحلال المطلق لهم، حتى هدأت جوارحهم، وإنما هدأت وسكنت لسكون غليان شهوة النفس، فإذا استعملوها كان القلب أميراً قاهراً، فاستعمل تلك الشهوة بما يريه العقل، ويزين له، ويحد له، فيؤدبه بأدب الله عز وجل الذي أدبه، فهناك يملك نفسه أن تقف على الحلال فلا تجاوزه، فهو ينطق، فإذا بلغ في منطقة مكاناً يصير ذلك الكلام عليه غيبة أو كذباً، ملك نفسه، فامتنع وتورع، لأن شهوة الكلام قد ماتت منه، فهو يتكلم لله غز وجل وابتغاء مرضاته، وكذلك النظر؛ إذا كان قد راض نفسه حتى ماتت منه شهوة النظر، ملك نفسه عند الحرام؛ وملك السمع، وسائر الجوارح السبع. روي أن سهل بن علي المروزي رحمه الله تعالى، كان إذا مشى في السوق حشا أذنيه بالقطن، ورمى ببصره إلى الأرض، وكان يقول لامرأة أخيه وهي في الدار معه: استتري مني، وكان ذلك دأبه زمانا، ثم ترك ذلك ورمى بالقطن، ورفع بصره إلى الناس، وقال لامرأة أخيه: كوني كيف شئت، فذلك منه حيث وجد شهوته ميتة. وروي عن عامر بن عبد قيس رحمه الله تعالى أنه قال: ما أبالي امرأة لقيت أو حائطاً.

وروي عن بعض التابعين أنه قال: ألزمت نفسي الصمت بحصاة جعلتها في فمي، وكان إذا أكل أخرجها، وإذا فرغ وضعها في فيه، وكذلك إذا صلى، فبقى في ذلك أربعين سنة، حتى لزمت نفسه الصمت، فرمى بها، وروى لنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مر برجل يعبث في صلاته بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه؛ وإنما يخشع القلب بما يتجلى له من عظمة الله عز وجل وجلاله، ويهيج من النفس الخوف والخشية والحياء منه، فيوجل القلب، فإذا خافت النفس وخشيت، فوجل القلب واستحيا، سكنت الجوارح، وملك القلب جوارحه، ووقف بها على الحدود. فإذا ترك الرياضة أحاطت بالقلب فورات الشهوات، وحلاوتها وزينتها كالدخان والغيم، فلم يستبن إشراق الأنوار، وانكمنت الأنوار بما فيها من السرور والبهجة والزينة والحلاوة واللذة، فلم يتجل في الصدر نور العظمة والسلطان، وافتقد صاحبه الخوف والخشية والحياء أن يعملوا على القلب والنفس، فأصابت النفس نهمتها بنما زين لها العدو، ومناها الغرور والأماني الكاذبة، يعدها سعة المغفرة، ووفارة الرحمة، وفيض العفو والتجاوز، ويحدث نفسه بالتوبة، ليتجرأ على الذنب

والأكياس بحثوا عن أصل هذه الأمور، ووجدوه على ما ذكرنا، فخلصوا إلى الرياضة، فقالوا: أنا لما وجدنا النفس تأشر وتبطر، وتستمر على الفرح، حتى تصير بحال من امتلائها بالفرح بالأشياء، كالسكران الذي لا يفيق من سكره، فكل شيء نالت من الدنيا من حال أو عرض أو حال، مطلق لها أو غير مطلق فرحت، فذلك الفرح سم يجري في العروق حتى يشتمل على الجسد، يمتلئ القلب من حلاوة ذلك الفرح، ويصير أشراً بطراً، لا يذكر موتاً ولا قيامة ولا حساباً، ولا شيئاً من أهوال القيامة، فذلك فرح يميت القلب، وتستمر النفس عليه وتطيب، وتقوى الشهوة وتحتد، فهذا فرح مذموم، ذمه الله عز وجل في تنزيله، فقال: (وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع). وقال تعالى: (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين). ودل على الفرح المحمود، وندب إليه فقال عز وجل: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، هو خير مما يجمعون). فإذا فرح العبد بما فضله الله عز وجل على سائر العبيد، فمن عليه بالمعرفة والعقل، فاستنار قلبه، وطابت نفسه، فتعاونا على الشكر والحمد، فاستوجب المزيد، فقال عز وجل: (لئن شكرتم لأزيدنكم)، ففرحه بذلك يجلب عليه المزيد، فهذا الفرح ترياق، وذلك الفرح سم، فمن شرب الترياق لم يضره السم، وإنما صار سماً لأنه زينة وفرح من جنس النار وباب النار، وهو حظ

إبليس، فجاء به الهوى مع العدو إلى هذا الآدمي بهذه الأشياء الدنياوية ليبتليه، ليفرح بهذا أو يستعمله معرضاً لاهياً، أو يقبل على ربه عز وجل وداره التي مهدت له، فقد قال عز وجل في تنزيله: (زين للناس حب الشهوات)، ثم ذكر النساء، والبنين، والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث؛ ثم قال تعالى: (ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب). فإذا فرح العبد بهذا المزين، الذي قد خلص حب تلك الزينة وشهوتها إلى قلبه، وسماه الفرح، فاته حسن المآب، فقد وصف الله عز وجل حسن المآب، فقال: (قل أؤنبؤكم بخير من ذلكم)، ثم بين لمن هي، فقال: (للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار). فوصفها بما فيها، ثم بين المتقين من هم، فقال عز وجل: (الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار). وقال عز وجل: (لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله). فمن شغله الفرح بهذه الزينة، وملك قلبه حب هذه الشهوات، فقد ألهاه عن ذكر لله عز وجل، وفاته التقوى والصبر والصدق والقنوت، وحجزه عن الإنفاق، ونومه عن الاستغفار بالأسحار. فالرائضون راضوا أنفسهم وأدبوها، بمنعها الشهوات التي أطلقت لهم، فلم يمكنوها من تلك الشهوات إلا مالا بد منه، كهيئة المضطر، حتى ذبلت النفس، وطفئت حرارة تلك الشهوات، ثم زادوها منعاً حتى ذبلت واسترخت، فكلما منعوها شهوة آتاهم الله على منعها نوراً في القلب، فقوى القلب، وضعفت النفس، وحيى القلب بالله جل ثناؤه، وماتت النفس عن الشهوات، حتى امتلأ القلب من الأنوار، ودخلت النفس من الشهوات، فأشرق الصدر بتلك الأنوار، فجلب على النفس خوفاً وخشية وحياء، واستولى على النفس وقهرها، فالولايات على النفوس من القلوب بالإمرة التي أعطيت القلوب، بما فيها من المعرفة؛ فعلى حسب تأديب القلب النفس ينال القلب ولاية وسلطاناً، فإذا أشرقت الأنوار من القلب في الصدر، وخلا الصدر من دخان الشهوات،

أبرز القلب سلطانه، فانقادت النفس وسلست، وألقت بيدها سلماً، وانكمن العدو واختشى. فمن يرض نفسه على ما وصفنا، وأعطاها مناها من الحلال، وانكمش في أعمال البر مستظهراً به، عجل له ثواب أعمال البر في العاجل نوراً، ففي الصدر ذلك النور، وليس له من القوة ما يمنع النفس من قضاء النهمة، فيمضي في الشهوات الحلال بلا نية، فيتعطل، ويبقى بلا حسنة ولا أجر، ومعه فساد الباطن، من حب الدنيا والرغبة والرهبة من المخلوقين، وخوف فوت الرزق، وخوف المخلوقين، والحسد والحقد، وطلب العلو والجاه، وحب الرياسة، وحب الثناء والمدحة، والكبر والفخر، والصلف والغضب، والحمية وسوء الظن، والبخل والمن والأذى، والعجب والاتكال على العمل، ودواه كبيرة، فكم من فعل سيئ يظهر على أركان هذا مع هذه الدواهي، ففساد القلب وخراب الصدر من الفرح بالدنيا، وأحوال النفس كلما ازدادت النفس فرحاً بهذه الأشياء قويت واحتدت، واشتد سلطانها، حتى تصير شرهة أشرة، بطرة مستبدة، فإذا هويت شيئاً من الشهوات لم يملك القلب من أمرها شيئاً، ولم يتورع عن الحرام، وإن تورع عن الحرام لم يتنزه عن الفضول، وإن ننزه عن الفضول، يتناول ما احتاج إليه على غفلة، وفقد النية والحسبة، فإن تناول بنية وحسبه تناول على فقد ذكر المنة، وإن تناول على ذكر المنة، تناول على فقد رؤية المنة واللطف والبر، فهو أبدا في نقصان، في أي درجة كان، لأنه محجوب عن الله عز وجل، وإنما حجبه عن الله عز وجل الفرح بغير الله عز وجل.

فالفرح المحمود على ضربين: فرح بالله عز وجل، وفرح بفضل الله ورحمته، فالفرح بفضل الله ورحمته ذكر النفس معه، والفرح بالله قد غاب ذكر النفس معه، والفرح بالله قد غاب ذكر النفس في ذكر مولاه، فقال عز وجل في تنزيله: (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا)، وقال تعالى فيما روي: (قل للصديقين بي فافرحوا، وبذكرى فتنعموا). وإنما يفرح بذكر الله عز وجل وحين يرى منته عليه، وإنما يفرح بالله عز وجل من وصل إلى الله عز وجل، ومن كان مرعاه بين يديه في ملك من ملكه، والواصلون إلى قرب الله عز وجل مرعاهم تحت العرش في محل القربة. فالأكياس صاروا إلى الله عز وجل في هذا الطريق، وتوقوا كل فرح، فما فرحوا بشيء من الدنيا، أو بشيء من أعمال البر، وقالوا: إنما فساد قلوبنا من فرح النفس، لأن النفس إذا فرحت بشيء استولت على القلب، فلم ينفذ له شيء، فليس بنا التمييز بين الأعمال، لأنا لا نسير إلى الله تعالى بالأعمال، إنما نسير إليه القلوب نزاهة وطهارة، فإنما يدنس القلب بأفراح النفس؛ وصار القلب محجوباً عن الله عز وجل، فكانوا يصونون قلوبهم عن الفرح بكل شيء دق أو جل، للضرر الذي يحدث عنه، ومن جهل هذا الباب توقى الحرام والشبهة، وانكمش في أعمال البر، فهو في الظاهر عامر، وفي الباطن خراب، لأن النفس شاركت القلب في تدبير العمل، فإذا شاركت أخذت نصيبها، والهوى مقرون بالنفس، فلا يتخلص العمل لصاحبه أبداً، وإنما صار هذا هكذا،

لأن الله عز وجل أوله قلوب العباد إلى ألوهيته، فمن صان قلبه عما تورد النفس عليه، بقى قلبه مع الله عز وجل في جميع الأحوال، فهو أبدا واله بالله عز وجل، والوله تعلق القلب به، ومن لم يصن قلبه حتى أوردت النفس عليه أفراحها التي أورد عليها الهوى من باب النار، فقد صار وله قلبه إلى الهوى. فالصائن أوله قلبه الله بأفراحه وحبه. والتارك للصيانة أوله قلبه الهوى بأفراحه إلى باب النار، ولجت تلك الزينة. فالكيس لما أبصر هذا التدبير من الله تعالى أنه خلق الآدمي هكذا، وجعل فيه قلباً ونفساً، ثم جعل للقلوب محلاً في عظمته، حتى تسير القلوب إلى ذلك المحل، فيكون مقامها هناك حتى إذا صار القلب إلى أن يستعمل جوارحه استعملها بذكره، معظمها لشأنه، حافظاً لحدوده في جميع حركات جوارحه، مؤتمراً بأمره، متناهياً عن نهيه وإن دق، مراعيا لتدبيره، راضيا بحكمه، وذلك كله لقوة ما يلاحظه من عظمته وجلاله بين يديه، فيخشاه ويتقيه، ويخافه ويرجوه، ويستحي منه ويهابه ويعظمه، وخلق بباب النار هذه الأفراح والزينة من النار، وحفت النار بها، ثم خلق الهوى وأصله من الشيطان، فمر بهذه الأفراح إلى نفس هذا الآدمي، حتى تستعمل هذه الأشياء الملائمة لها، اللينة في ذاتها، الناعمة لجسدها، بذلك الفرح، فابتلى عباده بهذين الفرحين، فرح هناك بين يدي عظمته ومحله القلوب، وفرح هاهنا يورده الهوى، فيزيله الهوى عن ذلك الوله الذي في ذلك المحل، فيرده من هناك إلى ما هاهنا، فمن التفت عن ذلك الوله إلى هذا الوله، حجب عن الله عز وجل، ونفى عن الوله، ورجع قلبه لما رجعت النفس إلى هذا الوله الذي أولهه الهوى، فخاب وخسر،

وكذلك حذر الله عز وجل عباده فقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله)، ثم قال: (ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون). فلم يعب المال والولد، وإنما عاب الوله بالمال والولد، لأن الفرح والوله بالمال والولد يلهيه عن ذكر الله عز وجل، إذا لم يكن فيه فرح بفضل الله ورمته، ودعاه الهوى إلى أن يفرح بالمال، لزينة الدنيا وبهجتها ولذتها، وبالفرح بالولد، ليلعب به ويلهو، ويتزين به، ويستظهر به ويعتضد، فصار المال والولد فتنة لحبه إياهم، فلم يحب المال من أجل أنه عون له على طاعة الله عز وجل، ولم يحب الولد من أجل أنه غصن من شجرته، خرج ليعبد مولاه، فيكون له جاها عند الله عز وجل بما يعبده ولده، ولكنه أحبهما للتكاثر والتفاخر والتعاضد، تزينا بهما عند أهل الدنيا، كما قال الله عز وجل في تنزيله: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا). ثم قال عز وجل: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً). فمن أحبهما للزينة وفرح بهما، كان فرحه للدنيا، وكان وله قلبه إلى الهوى لا إلى الله عز وجل، ولذلك قال رسول الله صلى عليه وسلم: (ما تحت أديم السماء إله يعبد من دون الله عز وجل، أبغض إلى الله عز وجل من الهوى). وقال عز وجل: (أفرأيت من أتخذ إلهه هواه). فلما اتبعوا الشهوات. ولم يروضوا نفوسهم، انقطعت القلوب عن محل الألوهية إلى الهوى، ففرحت بما أورد الهوى عليها من دنياه، فضاعت الحدود، وذهبت العبودية، وخانوا الأمانة، فماتت قلوبهم عن الحياة بالحي القيوم. وروى عن مالك بن دينار رحمة الله قال: مكتوب في بعض الكتب: (إن

سرك أن تحيا وتبلغ علم اليقين، فاحتل في كل حين أن تغلب شهوات الدنيا، فإنه من يغلب شهوات الدنيا يفرق الشيطان من ظلمه). فهذه شهوات الدنيا إذا كانت مع الهوى. فإما إذا تناولها وكان وله قلبه بين يدي الله تعالى في ملك العظمة، كان على سبيل نبي الله تعالى سليمان عليه السلام، ملك الدنيا شرقها وغربها وقلبه أخشع القلوب لله عز وجل، فلم يضره، فقال تعالى: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب). ثم قال تعالى: (وإن له عندنا لزلفى وحسن المآب) فإنما ارتفع الحساب عنه، لأنه تناولها وكان وله قلبه إلى الله عز وجل، فقد كشفنا عن هذا الأمر بأن قلنا: إن قلب العبد موقوف بين يدي الوله إلى محل العظمة، وبين الوله إلى الهوى إلى محل باب النار؛ ففي العظمة أفراح وزينة، وباب النار أفراح وزينة. فتلك الأفراح بالقلب، وهذه الأفراح التي بباب النار في النفس، هو الهوى، وهو ريح من نفس النار، والذي يورد هذه الأفراح على القلب، هو نور المعرفة ونور العقل، حتى يشخصا ببصر قلبك إلى نور العظمة، فيرجع عليك مع الأفراح، فالعباد موقوفون بين هاتين الحالتين،

فالإنسان منذ سقط من بطن أمه غذى بالشهوات، وكلما نشأ نشأ معه فرح، وذلك فرح وجود اللذة والنعمة، وفرح الحياة بما فيها من الزينة والبهجة؛ فلما شب وعقل قامت عليه الحجة، فاقتضى الوفاء بالإسلام، وهو الأمر والنهي، فأراده قلباً، فاستعصت عليه النفس، فاحتاج إلى مجاهدتها، حتى يقيم أمر الله عز وجل، ويفي بالإسلام الذي قبله، وسيسعد غداً بجنته وجواره، لأنه دعاه دعوة إلى الله عز وجل حين قال تعالى: (ففروا إلى الله)، ودعاه إلى دار السلام حين قال: (والله يدعوا إلى دار السلام)، فصار أهل المجاهدة فرقتين: فرقة حفظت الجوارح، وأدت الفرائض، وسارت إلى الله عز وجل قلباً، فلم تعرج على شيء حتى وصلت إلى الله عز وجل، وفرقة حفظت الجوارح، وأدت الفرائض بجهد وتعب، في كد محافظة وحراسة، ومع ذلك تخليط وتهافت في الخطايا، وأدناس لا يستطيع أن يسلم منها، بمنزلة راع أعطى سبعة أغنام، ليرعاها في سبعة أودية، في تلك الأودية سموم قاتلة، وجرف هارية، وسباع ضارية، فهو قائم على أكمة مراقبا لتلك الأغنام، فإن رعت سما بادرها بالبازهر والسمن واللبن، حتى يردها إلى العافية؛

وإن تردت في جرف فتكسرت، عمد إلى ما تكسر منها، فجبرها حتى تجبر، وإن عرضت لها السباع ذاد عنها وطردها، وما وجدها فريسة استلبها من مخالبها وأنيابها، فداواها حتى تبرأ؛ فوكل العبد بجوارحه السبع ليحفظها، حتى لا تتعدى الحدود، فإنه إذا تعدى الحدود، وعصى الله عز وجل، وخان الأمانة، وظلم نفسه، وسقطت منزلته، فبعد عن الله عز وجل، فإذا بعد عنه تباعد عن الرحمة، وصار مرفوضاً مخذولاً، فأسره العدو، وذهب به إلى النار، لأنه إذا أسره العدو ذهبت قوة القلب، واستولت النفس، فمرت في كل شهوة جزافاً، فلم تبال حلالاً ولا حراماً، فهلكت. فهذا شأن العبد في حفظ الجوارح، قال الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون)، ثم قال الله عز وجل: (أولئك في جنات مكرمون). حدثنا صالح بن عبد الله، حدثنا جرير، عن ليث، عن أبن أبي نجيح، عن عمر عبد الله بن عمر رضي الله عنه، قال: أول ما خلق الله من الإنسان فرجه، فقال له: هذه أمانة خبأتها عندك، فلا ترسل منها شيئاً إلا بحقها، فالفرج أمانة، والبصر أمانة، والسمع أمانة واللسان أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، والبطن أمانة، فإنما بدأ بالفرج، لأن جميع الأفراح تجتمع عند استعماله، وهو أقوى اللذات، وبه دخل النار أهله، وقيل: يا رسول الله، ما يدخل الناس النار؟ قال: الأجوفان: البطن والفرج،

وإنما خبأه عند عبده، يعني آدم عليه السلام، لأنه بدء الفرح وهو سر الله عز وجل، مقرون بسر القدر، لا ينكشف إلا لأهل الجنة فيها، فأمرر بسر العودة لذلك، لأنه خلق مستور، خبأه الله عز وجل عندنا، وأمرنا بحفظه، وسماه سوءة، فحرص العدو على أن يهتك ذلك الستر، حتى يبدوا لنا، وقبل ذلك كان مستوراً عن آدم وحواء عليهما السلام، وإنما بدا بالمعصية، قال الله عز وجل: (ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما). فإنما صير كل جارحة من هذه السبع أمانة عندنا، لأن كل جارحة ذات شهوة، ومجمع الشهوات في النفس، فإذا استعمل هذه الشهوات بإذن الله تعالى، وبلغ بها الحد الذي حده له، فهو مطلق له، وإذا تعدى إلى المحظور صار ملوماً، قال الله عز وجل: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم). ثم أثنى عليهم فقال: (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم، فإنهم غير ملومين). فأزال الملامة عن استعماله في نكاح أو ملك يمين؛ ثم قال عز وجل: (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون). فذم من جاوز الحد، وكذلك في كل جارحة على هذه الصفة. فالراعي يحفظ هذه الأغنام حتى يصلح ما فسد منها، على ما وصفنا، فكذلك الذي وقف بمجاهدته على نفسه، يحفظ جوارحه على الحدود، في النظر، والكلام، والاستماع، والأخذ، والعطاء، والبطن، والفرج، فإذا غلب أو زال أو نسى أو غفل، عاد إلى مركز الطاعة بين يدي الله عز وجل بالاستغفار والتوبة؛ فهذا عبد في جهد الاستقامة، وباطنه غير مستقيم، لأن شهوات نفسه قائمة بين يديه، فهو يمنعها بجهد، ومتى ما غفل عنها زل وسقط؛

فطريق هذا العبد إلى دار السلام، ليس له وراء هذا مسلك. وأما الذي راض نفسه وأدبها، ومنعها اللذات والشهوات، حتى طهر قلبه، واستوجب القربة بطهارة قلبه، وآثر الفرح بالله على الفرح بما أورده الهوى على نفسه من أفراح الدنيا، فتح الله عز وجل له طريقاً إليه، فسار سيراً لم يلتفت إلى دار السلام، لأنه لما أخذ في الرياضة أخذه بصدق، فلم يقف في الطريق على شيء مفروح به، ولو كان أسنى عمل من الأعمال، لأنه إذا توقى الفرح بلذات الدنيا وشهواتها، أمد القلب بالنور، وهان عليه رفض الشهوات، حتى إذا انكمش في أعمال البر، فرح القلب بتلك الأعمال، فينبغي له أن يتوقى تلك الأفراح أيضاً، وينتقل من عمل إلى عمل، ليقطع عن النفس فرحها بذلك العمل، لأنها إذا فرحت بعمل من أعمال البر، اطمأنت إلى ذلك العمل، فإذا اطمأنت إلى شيء دون الله عز وجل، فقد سيره إليه، ووقف على ذلك العمل، فاقتضى منه صدق ذلك العمل، فلم يوجد عنده صدقة، لأن النفس تأخذ بحظها من ذلك العمل، وهو أن تجد حلاوة حب الثناء والمدحة لذلك العمل،

فهو وإن أخفاه وستره علمت نفسه أن الناس يحسون بذلك منه، ويشعرون به، فيأنس بعلم الناس، وملاحظة أعينهم إليه، فلا يصفوا له عمل، ولا يقدر أن يخلص بأكثر من هذا، فيقبل منه إذا رد الذي عرض له من ذلك قبول الصادقين، لا قبول الصديقين. فينبغي للمبتدئ في هذا الأمر أن يبدأ بالصوم، فيصوم شهرين متتابعين، توبة من الله عز وجل، وعد الله عز وجل في تنزيله أن شهرين توبة من الله عز وجل لعبده إذا تابعهما، ثم ينتقل من الصوم إلى الإفطار، فيطعم اليسير من الشيء يتجزأ به، فإن كان في اليوم مراراً كسرة كسرة، فهو أجود له من أن يملأ بطنه، فيصيرها أكلة، وإنما ذلك محمود عند الأطباء، فتقول أكلة واحدة كي يستمر بها، وذلك لا يدخل في هذا الباب، لأن صاحب هذا لا يأكل حتى يتخم، إنما نشير عليه بأن يأكل كسرة كسرة قوتاً، فيداري نفسه على ذلك وبين الأيام دسماً قليلاً، لئلا تهيج عليه الرياح، وتضطرب العروق، ويقطع الإدام والفواكه عن نفسه. وكذلك في الكسوة، يجتزئ بالدون وما لا بد منه. وكذلك في سائر الأحوال التي للنفس فيها حظ من الفرح واللذة يقطعها عن نفسه، ومجالسه الإخوان، والنظر في الكتب، فهذا كله أفراح النفس وجماعها.

وفي الجملة ينبغي أن يتفقد كل حال وكل أمر للنفس فيه فرح واستبشار، من نعمة أو وجود لذة أو أنس بشيء، فيقطعه عنها، وأنه كلما هويت النفس شيئاً أعطاها فرحت به، فينبغي له أن يمنعها ولو شربة من ماء بارد تريد أن تشربها، فيمنعها في تلك الفورة التي تشوفت لوجود بردها ولذتها، حتى تسكن تلك الفورة، وينغص عليها، ثم يسقيها بعد ذلك حتى يملأها غماً، ويوقرها هماً، لأن من شأنها إذا حبس عنها هذه الأفراح بهذه الأشياء وبهذه الأحوال، فكأنه يصيرها في سجن، فيقترب إلى الله عز وجل بغمها وهمها، فيجعل الله عز وجل له ثوابه نوراً على القلب، فيزداد القلب بذلك النور قوة على منع النفس شهواتها، وعلى أخذ سلطانها، ويستولي عليها وهي تذل وتذبل، والعدو يخسأ ويتحير، ويبطل كيده ومكره؛ حتى إذا انتهى إلى أعمال البر، فكل عمل يراها تفرح به أو تأنس به، يقطع عنها ذلك العمل، حتى إنه لو قرأ القرآن فرجع فيه وغنى، منعها ذلك، لأنها متى وجدت شيئاً مفروحاً به، أنست واطمأنت إليه، ومدت القلب إلى ذلك الأنس، فمتى يصل القلب إلى الأنس بالله عز وجل، والطمأنينة إليه، والوله إلى عظمته. وصفاء الحب له، فهذا صدق المريدين ربهم عز وجل، والسائرين إليه، والطالبين له في منازل القربة. فينبغي أن ينفي كل فرح للنفس فيه نصيب، حتى يصل إلى ربه تعالى، فإذا وصل إلى ربه عز وجل امتلأ قلبه به فرحاً وسروراً ويقيناً، فكل شيء مد إليه يدا من دنيا أو آخره لم يضره، لأنه منه يقبل، فإذا قبل منه حمده عليه وشكره، وكانت جوارحه مستقيمة، حافظة للحدود، معتصمة بخوف الله عز وجل، ولسانه ذاكر، وبدنه شاكر صابر، لأنه امتلأ قلبه بالله تعالى فرحاً، فلم تجد أفراح الدنيا فيه مكاناً،

فإذا فرح بشيء من الدنيا، فإنما يفرح ببر الله تعالى له بذلك وتقديره وتدبيره ولطفه، ولا يخون أمانته، ولا يكفر نعمه، ولا ينسى ذكره، لا يحدث عيباً، فاستعمال جوارحه في ذلك الشيء بمنزلة رجل شرب ترياقاً، فامتلأت عروقه منه، فإن مد يده إلى حية أو عقرب لم يضره سمها، لأنه لم يجد السم مسلكاً إلى عروقه، فإذا لم يجد الترياق وجد السم مسلكاً إلى العروق، فجمد الدم الذي في العروق من ذلك السم فمات، فكذلك أفراح الدنيا تجري في العروق مجرى الدم، فتشمل الجوارح كلها، فتأخذ القلب فتسبيه، فإذا دخلت الأنوار القلب بما راض نفسه بهذه الرياضة التي ذكرنا، عجل له ثواب رياضته، فانشرح الصدر وانفسح، فصارت الآخرة له كالمعاينة، ولا حظ الملكوت بتلك العين عين الفؤاد، في فسحة ذلك النور المشرق في الصدر، فرأى شأناً عجيباً من عظمة الله عز وجل وجلاله، ورأى من لطف الله عز وجل بالعبيد، وبره بهم، وإحسانه إليهم، ومننه عليهم، فامتلأ القلب به فرحا، وجرت الأفراح في العروق، حتى امتلأت فمتى تجد بعد ذلك أفراح الدنيا مسلكا إلى عروقه، حتى يكون لذلك الفرح سلطان يأخذ القلب فيسبيه، فعندها يمد يده إلى ما أحل له من الطعام والشراب واللباس والنكاح، والاحتواء إلى ما قدر له من دنياه، فيقبله من ربه عز وجل على تدبيره الذي دبر له، فإن أخذ أخذ بحق، وإن أمسك أمسك بحق، وإن أعطى أعطى بحق، وقلبه حر من رق النفس وفتنته، ذلك الشيء وذلك العمل بمنزله رجل له ملء بيت دنانير يملكها، وإن أعطاه رجل صرة فيها عشرة دنانير، لم يعمل في قلبه فرح تلك العطية عملا يؤثر أثرا، ولا يستبين، وإن كان عنده تلك الصرة، فسقطت منه حتى تويت، لم يبد عليه ضرر

ذلك، ولا عمل على قلبه حزن ذلك، ولا هو فرح بما أصاب، ولا حزن على ما توى وذهب، لامتلاء قلبه بفرح تلك الدنانير، التي هي ملء بيت؛ فكذلك من فرح قلبه بالله عز وجل، استغنى بالله عز وجل، فلا تملك قلبه بعد ذلك أفراح الدنيا، لأنه لا يستغني بالدنيا، إنما غناه بالله تعالى؛ وهذا تأويل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغني غني النفس). فالنفس إذا استغنت، فغناها بغنى القلب المشرق نوره في صدره، فإذا اطمأنت النفس بما أشرق فيها من النور بالله عز وجل، أشرق النور فيه إلى الله عز وجل، فقد رق عندها نوال الدنيا من أولها إلى آخرها، في جنب ما عاين القلب، وأورد من حياة على النفس؛ فهذا شأن النفس إذا وصلت إلى ربها عز وجل بوصول القلب، فإنما قلنا إنه لا يدع لنفسه قراراً على شئ من أعمال البر، فكلما فرحت النفس بشيء من الدنيا، أو بعمل من أعمال البر، قطع عنها ذلك الفرح حتى يغمها، حتى يطهر القلب من أفراح النفس، فهناك يرحم، لأنه إذا وصل إلى هذه المرتبة، بقى بلا أنس ولا فرح، قد قطع عن نفسه أفراح الدين والدنيا، فهو يحفظ جوارحه عن كل ما نهى الله عز وجل، وعن كل شيء من الفضول، فيقيم الفرائض والسنن، لا يزيد عليها، كفى بهذا شغلاً، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أد ما افترض الله عليك، تكن من أعبد الناس؛ واجتنب محارم الله عز وجل، تكن من أورع الناس؛ وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً). فهذا المؤمن المستكمل المستحق لاسم الإيمان عند إقامة هذه الخصال الثلاث، فكفى بهذا شغلاً، فهذا عبد صدق الله عز وجل في العبودية. وأما سائر الناس من غير أهل هذه

الصفة، فهم متخبطون بطالون، يعبدون الله عز وجل على الشايد بود، قد طابت أنفسهم ولذات أهوائهم. وروى أن داود عليه السلام قال: يا رب، أمرتني أن أطهر بدني بالصوم والصلاة، فبم أطهر قلبي؟ قال: بالهموم والغموم يا داود، فإنما تدنس القلب بالأفراح، أفراح النفس، فلا يطهر بمثل عمر نوح عليه السلام صوماً وصلاة، وإنما يطهر الصوم والصلاة أدناس الأركان بالمعصية، وإنما يطهر القلب ما يزيل عنه أدناس الفرح، وهو الهموم والغموم، فلما منعت النفس شهواتها ذبلت، وطفئ تلظى شهواتها، وفوران دخان هواها، فزالت أدناس الفرح من القلب، بذهاب الفرح، وطهر بالأنوار التي ولجت القلب، بمنزلة سحائب تحجبك بظلمتها، وبما فيها من الغبرة عن الشمس، فلما انقشعت السحائب وتبددت، أشرقت الشمس، فعندها يصلح لقرب الله عز وجل، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة). فالوسيلة والوصيلة بمعنى واحد، إلا أن الوصيلة أن يوصل الشيء بالشيء، فلما صار الأمر إلى ذكر الله عز وجل، أخرجوه مخرج القربة، فقيل وسيلة، بدل بالسين صاداً، وبالصاد سيناً، فيكون له من الألفاظ أشرفها وأعلاها وأنزهها، فأمرهم بابتغاء الوسيلة إليه بالتقوي؛ فجماع التقوى هاهنا هو ما وصفناه، إلى أن يتقي الفرح في كل شيء، تجد النفس في ذلك الشيء فرحاً: من كلام، أو صيام، أو قيام، أو قعود، أو ذهاب، أو مشي، أو لباس، أو طعام، أو شراب، أو صاحب، أو أهل، أو ولد، إلا فيما لابد منه كالمضطر، فإذا فعله على تلك الهيئة، فعله مع الاهتمام والاغتمام، أو مع الحزن، لأنك الحزن، لأنك تجد ذلك الفعل لله عز وجل خالصاً، لا تأخذ النفس من ذلك الفعل لله حصتها، فأنت تفعل ذلك الذي لابد منه، فتكسر عليها فرحها ونشاطها لذلك التخليط، الذي ترى في أمرك من قبلها، حتى يدوم عليها الغم والهم،

فجهاد الصديقين في هذا أن يلقوا الفرح بشيء سواه، حتى أوصلهم إلى نفسه، بعد أن امتلأت صدورهم غموماً وهموماً، فلما أوصلهم قربهم، ومكن لهم بين يديه، وملأهم فرحاً، فاشتاقوا إليه، فقربهم، فازدادوا شوقاً كلما زاد قربهم اشتد شوقهم فازدادوا حتى عطشت قلوبهم، وامتلأت قلوبهم أحزاناً، حتى قطعوا الحياة والعمر بالأحزان. وروى في الخبر، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الأحزان والفكر). وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما عبد الله عز وجل بمثل طول الحزن). وحق لمثل هذا أن يحزن، فإنه وصل بقلبه إلى رب ماجد كريم، فرأى عظمة وجلالة، وعطفاً وبراً، ونال منه حباً، فلم يشف الوصول إليه بتلك القربة وذلك الفرح به، دون رؤيته في الجنة. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن من أمن الناس بواثقة، والورع سيد العمل، من لم يكن له ورع يرده عن معصية الله عز وجل إذا خلا بها، لم يعبأ الله بسائر عمله شيئا). فذلك مخافة الله عز وجل في السر والعلانية، والاقتصاد في الفقر والغنى، والصدق عند الرضا والسخط؛ إلا أن المؤمن حاكم على نفسه، يرضى للناس ما يرضى لنفسه؛ والمؤمن حسن

الخلق، وأحب الخلق إلى الله عز وجل أحسنهم خلقا، وينال بحسن خلقه درجة الصائم القائم وهو راقد على فراشه، لأنه قد رفع لقلبه علم، فهو يشهد مشاهد القيامة بقلبه، يعد نفسه ضيفا في بيته، ورحه عارية في بدنه، ليس بالمؤمن حقا من لم يكن حملانه على نفسه، الناس منه في عفاء، وهو من نفسه في عناء، رحيم في طاعة الله عز وجل، بخيل على دينه، حي مطواع، وأول ما فات ابن آدم من دين الحياء، خاشع القلب لله عز وجل، متواضع قد برئ من الكبر، قائم على قدميه، ينظر إلى الليل والنهار يعلم أنهما في هدم عمره، لا يركن إلى الدنيا ركون الجاهل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا جرم أنه إذا خلف الدنيا خلف الهموم والأحزان، ولا حزن على المؤمن بعد الموت، بل فرحه وسروره مقيم بعد الموت. حدثنا عبد الجبار بن العلاء بن يوسف بن عطية، قال: سمعت ثابتاً البناني رحمه الله تعالى يذكر عن أنس رضي الله عنه، قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي إذا استقبله رجل شاب من الأنصار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أصبحت يا حارثة؟ قال: أصبحت مؤمناً بالله عز وجل حقاً. قال: انظر ما تقول، فإن لكل قول حقيقته، قال: يا رسول الله، عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي، وأظمأت نهاري، فكأني بعرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة كيف يتزاورون فيها، وإلى أهل النار كيف يتعاوون فيها، قال: أبصرت فالزم. عبد نور الإيمان في قلبه، فقال يا رسول الله، ادع الله لي بالشهادة، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنودي يوماً في الخيل، فكان أول فارس استشهد، وأول فارس ركب، فبلل أمه فجاءت إلى

رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، أخبرني عن ابني إن يك في الجنة لم أبك عليه، ولم أحزن، وإن يك غير ذلك بكيت عليه ما عشت في الدنيا. فقال: يا أم الحارث، إنها ليست جنة، ولكنها جنان، والحارث في الفردوس الأعلى. فرجعت وهي تضحك وتقول: بخ بخ لك يا حارث. قال أبو عبد الله رحمه الله تعالى، فإنما وصل العبد لله هذه المنزلة بتلك النوار، ألا ترى إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا عبد نور الله عز وجل الإيمان في قلبه). حدثنا أبي حدثنا محمد بن الحسن المكي، عن عبد العزيز بن أبي رواد، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمثل حديث يوسف، إلا أنه قال: (لكأني أنظر إلى ربي عز وجل فوق عرشه، يقضي بين خلقه). فقد أعلم أن الإيمان في القلب، ولا يستنير في الصدر، لإحاطة غيوم الشهوات، ورين الذنوب بالقلب في الصدر. حتى إذا تاب العبد صقل قلبه بالتوبة، فإذا جاهدها وراضها حتى ينقطع دخان شهواتها، وفوران الهوى، جاءت الأنوار مدداً للإيمان الذي في القلب، فصار القلب ذا شعاع وإشراق في الصدر. فإذا أشرق في صدره، فذلك عبد نور الله عز وجل الإيمان في قلبه، فلما نوره استنار في صدره، فصدرت الأمور إلى الجوارح من ذلك النور، مع الخوف والخشية والحياء، فعملت الجوارح على الحدود والمقدار الذي أمر، مع البهاء والزينة. وروي عن رسول الله صلى اله عليه وسلم: (إن العبد إذا أذنب ذنباً نكت في قلبه نكتة سوداء، فإذا عاد نكت أخرى، فلا يزال ينكت حتى يسود القلب كله، فإذا تاب ونزع وصقل

قلبه). فإنما ينصقل بالأنوار حتى يتجلى كالمرآة المجلية، فإذا صار كالمرآة تراءت له الدنيا على هيئتها، والآخرة على هيئتها والملكوت، فإذا لاحظ في الملكوت عظمة الله عز وجل جلاله، صارت الأنوار كلها نوراً واحداً، فامتلأ الصدر شعاعاً، بمنزلة رجل نظر في المرآة، فأبصر صورة نفسه فيها، وأبصر ما بين يديه وما خلفه فيها، فإذا قابل بها عين الشمس، وقع الشعاع في البيت، فأشرق البيت من تقابل النورين: نور عين الشمس، ونور المرآة، فكذلك القلب إذا جلى فانجلى، فلاحظ العظمة والجلال، تجلت العظمة بين الحجاب لذلك القلب المجلي، لأنه طاهر من أدناس المعاصي، وأدناس الشهوات، وأدناس الهوى، والتقى النوران فامتلأ القلب شعاعاً، فهناك تموت النفس ويخشع القلب. حدثنا سفيان بن وكيع، وقتيبة بن سعيد، قائلاً: حدثنا عبد الوهاب الثقفي، عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم. (إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكنه إذا تجلى الله عز وجل لشيء من خلقه خشع له؛ ولذلك لما تجلى لطور سينا، صارت البقعة التي وقع التجلي عليها كالهباء المبثوث، وما في جوارها ساخت في الأرض، فهي تذهب في تلك البحار التي من وراء الدنيا، إلى يوم القيامة، فلا تستقر، وما في جوارها أبعد منه، صارت ثماني فلق،

فطارت هرباً وفرقاً، حتى وقعت أربعة منها في حرم الله عز وجل، وأربعة في حرم الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وخر موسى عليه الصلاة والسلام صعقاً، فصارت الأرض كلها ذات بهجة وزينة، حتى ظهرت الكنوز على ظهر الأرض، وأبصرت العميان، وصح كل مريض، وبرئ كل زمين، وانفتحت الأرحام، فحملت كل عقيم، وحلى كل أجاج). فأعلم في هذا الحديث أن الشمس إنما ذهب ضوءها خشعة لله عز وجل، وخشوعها خروجها من سربا لها التي سربلت به من نور العرش، فتهافت الضوء؛ فكذلك النفس إذا أحست بالتجلي خشعت له عز وجل، وخرجت من جميع شهواتها إلى الله عز وجل، وتهافتت أفراحها، وطرآت الشرور، فصارت ذبلة كالميتة، فتخلص القلب من ذلك، وتخلص من أدناسها، فوجد السبيل إلى اله عز وجل، بما فيه من المعرفة والعقل، فقرب ثم قرب، ثم زيد نوراً، حتى مكن له بين يديه، فهو يعبده كأنه يراه، وهو قول جبريل عليه السلام. (ما الإحسان؟ قال. أن تعبد الله عز وجل كأنك تراه). فحسن العبادة مع الترائي، فإذا كان محجوباً فإنه يعبد الله ولا يلتمس الحسن والزنة في العبادة، بمنزلة رجل دعاه الملك ليقطع ثوباً بين يديه ويخيطه، فلا يترك هذا الصانع من خفة اليد، وحسن الابتداء، ووجازة الفعل، وإحكام الخياطة وزينتها، إلا صنعه بين يديه، ويريد أن يتجلى بذلك عنده، فيكتسب به جاهاً عنده ومنزلة؛ والآخر رجل دعاه الملك، وقال: أذهب بهذا الثوب فاقطعه وخطه قميصاً، واحمله إليّ، حتى أنظر إليه، فلما غاب عنه ترك خفة اليد، وحسن الابتداء، ووجازة الفعل، وإحكام الخياطة، وأتقنه وزينه، لأنه ذاكر العرض عليه؛ والآخر دعاه الملك فقال: أذهب بهذا الثوب فاقطعه وخطه، وأنفذه إلى فلان الراعي، فلما غاب عنه رفع عنه باله، فكيف قطعة وخاطه جوزة، لنه لم يشعر برؤية الملك، ولا ذكر الغرض عليه، وإن ما به ارتفاع العمل، فيقول: قد عملت، وأخذ الأجرة؛ وإنما جرأه على ذلك غفلته عن رؤية الملك، وعن العرض عليه.

فعمال الله عز وجل ثلاثة أصناف، عامل يعمل على الترائي، فلا يترك زينة، ولا مبادرة، ولا سرعة، ولا خفة يد، ولا طهارة، ولا تعظيماً، ولا وجازة، ولا مسابقة إلا جاء بها، يريد أن يتحلى بذلك عند مولاه عز وجل، وعامل ليس له هذا الترائي، وهو محجوب القلب عنه بالشهوات، صادق في ابتغاء مرضاته، ذاكر للعرض عليه، فلا يتزين، ولا يبادر، ولا يعظم، ولا يسارع، ولا يوجز، ولا يسابق، ولكنه يعمل على الأحكام وحفظ الحدود، وإتمام الأمر بالأركان. وعامل لا يذكر رؤية ربه عز وجل أنه ناظر إليه في هذا العمل، ولا هو ذاكر لعرض الأعمال يوم القيامة، فهو يعمل على الغفلة على التجويز، فإنما يعمل كل صنف منهم علة نوره الذي في صدره. فجملة ما وصفنا من أمر السير إلى الله تعالى أن يتقى فرح النفس، أن يتركها حتى تفرح بشيء من أحوالها، أو بتناولها من الدنيا وأعمال البر، كلما ظهر فرحها نغص عليها بالمنع لها، والانتقال عنه حتى يملأ غماً، فيذوب الفرح الذي يتأدى إلى القلب، ويظهر النور، ويظهر في ذلك النور الفرح بالله عز وجل، لأن ذاك النور يؤديه إلى صفات الله عز وجل، وإلى عظمته وجلاله، وجماله وكبريائه، وبهائه وسؤدده، وكمه وجوده، وبره ولطفه، ومننه وإحسانه ورحمته؛

فمحال أن يعتقد القلب هذا الفرح حتى يدوم له ذلك، وتزول عنه أفراح النفس، ثم يصير في فرحه بالله عز وجل حزيناً، لأنه محبوس عنه برمق الحياة في دار الدنيا، مشتاق إلى ربه عز وجل، قد أنس به، واشتاق إلى لقائه، واستوحش من الدنيا وأهلها، وهمته ذكر الله، وعبودية شهوته، وموته راحته ويوم عيده. وتحقيق ما وصفنا من ضرر فرح النفس، أن الله عز وجل حرّم المعازف والخمر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وما نطق به الوحي في شأن الخمر، وذلك أن الله عز وجل لما خلق الفرح، وجعل له بابا، فلما خلق الجنة، خرجت الأغراس من باب الرحمة، وخرج غرس العنب من باب الفرح، فلذلك أوّل ما أكل آدم صلى الله عليه وسلم حين دخلها العنب، فامتلأ فرحاً. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه سئل: (ما أول ما يأكل أهل الحنة من الجنة؟ قال: العنب): وأول ما أكل آدم العنب، فامتلأ فرحاً، ووضع من الفرح في تلك النار التي فيها الزينة بباب النار التي سميت شهوات، فجعل ذلك الفرح حظ إبليس، حتى يأخذه فيضعه في الأشياء التي يغوي الآدميين بها، فلما أضل إبليس المشركين بذلك الفرح، دخل الأشجار وكل معبود من دون الله عز وجل، فصوّت منها بذلك الفرح، فكل من يتبع صوته، سبى ذلك الفرح قلبه، حتى يجيبه إلى الشرك وإلى عبادته، فهو يرى أنه يعبد الشجرة والوثن، وإنما يعبد الطاغوت، وإبليس طغى حتى بلع غاية الطغيان، فقيل طاغوت، وذلك قول الله عز وجل: (كلّ حزب بما لديهم فرحون). فذلك الفرح لكل حزب من الذي أعطى إبليس، حتى أورده على قلوبهم بصوته، وذلك قوله عز وجل: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك). وصوته مع ذلك الفرح، ولولا ذلك ما أجابوه، فهم فرحون بأديانهم، وإنما يفرحون بالله عز وجل، ولكن غير مقبول منهم، وهم يحسبون أنهم مهتدون بذلك الفرح، لأنهم تناولوه من إبليس، لا من هداية الله عز وجل ومعرفته، وإنما وصل إلى غواية آدم صلى الله عيه وسلم، بما استفرحوا من الفرح.

وروى في الخبر أنه دخل الجنة صوت من مزمار له، حتى كادت حواء تطير من الفرح، فقالت ما هذا الصوت؟ قال: لسروري بمكانكما، ثم قلب المزمار، فناح نياحة أخذ بقلبها، حتى امتلأت حواء خوفاً، فقالت: ما هذا الصوت؟ فقال حزنا عليكما أن تموتا أو تخرجا منها. فهناك دلهما على شجرة الخلد، لكي يأكلا منها، فيخلدا فيها. ففي وقت الفرح دلهما على شجرة الخلد، ولتخويف الزوال دلاهما بغرور، حتى ذاقا الشجرة، فلما صارا محجوبين بالهم، فلما ذاقا عريا من اللباس، وانكشف الغطاء عن الذنب، فوليا في الجنة هاربين، فبالفرح، خلص العدو إليه، حتى أكل من الشجرة، فصرعه. وحرم الله عز وجل الخمر لما فيها من ذلك الفرح، لأن إبليس لما سرق العنب من سفينة نوح عليه الصلاة والسلام، وافتقده نوح عليه السلام، جاءت الملائكة، حتى يقضي جبريل عليه السلام بينه وبين نبي الله صلى اله عليه وسلم على الثلث والثلثين، فكل ما وجده نيا أو مطبوخاً فيه بقية من حظه لم تأكله النار، خاض فيه يديه بفرحة الذي أعطى، حتى يتحول ذلك الفرح من يده إلى ذلك الشراب، وإنما يزبد ويغلي بحرارة يده الملعونة خلق من النار، فإذا شربه الشارب، وقد تحول ذلك الفرح من يده في ذلك الشراب، دب في هذا الشارب، وانكمن العقل، لتدنس يده ورجاسته، فشاربه يحتمل مرارته، وذهاب عقله، وتلف ماله، وألم جسده، والآفات التي تحل به، فإنما يحتمل ذلك كله من أجل ذلك الفرح الذي دب فيه، حتى يصده عن ذكر الله عز وجل وعن الصلاة، ووجد سبيلاً إلى أن يحرش بينهم، ويغري بعضهم ببعض، فحرمه الله عز وجل، لئلا يفرح بفرح هو حظ إبليس لعنه الله تعالى. فكذلك أصوات المعازف والملاهي، تلك الأصوات ممزوجة بالفرح الذي بيده، فلا يلتذ المستمع إلا بما يمازجه من الفرح الذي بيد العدو، فإذا مازجه وسمع الآدمي، هاج بالفرح منه، ودب في جميع جسده، وطرب حتى وثب ورقص كالقرد، فحرم الله عز وجل هذه المعازف، للفرح الممازج من حظ العدو فيها، وأطلق

هذه الأشياء التي لا غنية بالآدمي عنها، مما هو له غذاء أو معاش، ثم حذره أن يلهيه ذلك الفرح حتى يأشر ويبطر، ويتعدى الحدود. فالكيس حسم باب الفرح عن نفسه، من كل حلال أو حرام، ومن جميع أعمال البر، مما يجد في النفس استرواحاً إليه. وبه فرحا، حتى ملأها غماً، حتى طهر قلبه. وتجلت فيه أنوار العزيز الماجد الكريم، على ما ذكرنا بديا، وعريت الملائكة من الشهوات والجوارح والأجسام والأجواف والضرورات، فلا يحتاجون إلى طعام ولا شراب، ولا كسوة ولا كن يستكنونه من الحر والبرد، فنجت من فتن الآدميين وضروراتهم، ومكايد العدو، وأظهر خلقهم من التدبير بقوله (كن). وعاملهم من ملك الجبروت، ومقاومتهم في ملك الجلال، وأظهر خلقنا من يده، وعاملنا من ملك الرأفة والرحمة، ومقاومنا في ملك المحبة؛ فالملائكة مجبورون على حال واحد، لا ينفكون ولا ينقلون عنها. والآدميون خدم بين يديه عز وجل، يتقلبون من حال إلى حال، وكل أحوالهم خدمة، وإنما صار هكذا لأن المعرفة من الملائكة على الأبصار، والمعرفة من الأميين على القلوب، والقلب أمير على الجوارح، فحركات الجوارح كلها من تقلب القلب بمشيئاته، ومشيئاته بمشيئات ربه عز وجل، فأي جارحة حركها فإنما محركها قلبه، والقلب شاخص إلى الله عز وجل بولهه في تلك الحركة، فتلك خدمة منه له، مأخوذة هذه اللفظة من خدمة الساق، لأن الآدمي إذا قام منتصباً، قام على خدمة ساقه، فهو بالقلب قائم بين يدي ربه عز وجل، ومنه تتأدى الحركات إلى الجوارح، حتى تظهر على الجوارح، فقيامه ونهوضه إلى ربه عز وجل بتلك الحركة هو خدمته، وهو النية التي ينوى بها العبد في كل عمل،

والنية النهوض، يقال في اللغة. ناء ينوء، أي نهض ينهض، فالقلب يرتحل إلى الله عز وجل، حتى يصل إلى سورة المنتهى إن كان له طريق، فإن حبس في الطريق فللتهمة احتبس، ولسوء الأدب منع وانسد الطريق، فعلى أي حال كان، فقد نهض من مكانه إن وجد الطريق أو لم يجد. ويقول للجارحة التي تعمل ذلك العمل تحركي بذلك العمل في حركاتك، وانفذي العمل على أثري، فإني واقف بالباب، أبتغي من ربي عز وجل مرضاته، بما ينفذ إليه على أثري، فهذه النية. ثم الناس في نياتهم على درجات، على تفاوت عقولهم؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يروى عنه، قال: (يعملون الناس الخير ويعطون أجورهم على قدر عقولهم). وروي عن الله عز وجل قال: يا موسى، إنما أجزي الناس على قدر عقولهم). قال له قائل: صف لنا شيئاً منه، كيف تفاوت على قدر العقول؟ قال: مثل رجل دخل المسجد فوجد الصف الأول قد قام، فوقف في الصف الثاني، فقد سقط من درجة الصف الأول،

ودرجته أنه جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول، وجاء إن الرحمة تنزل على الإمام مائة رحمه، فيأخذ من بحياله خلفه مثل ما للإمام، ثم الذي عن يمينه إلى منتهى خمسة وسبعين، ثم الذي عن يساره خمسون، فمن دخل المسجد فوقف في الصف الثاني عن غفلة لم ينل من صلاة الرب عز وجل شيئا، ولا من هذه الرحمة التي وصفت عن ابن عباس رضي الله عنه، فمن دخل فنوي أني لو وجدت مكانا لدخلت في الصف الأول، فبهذه النية استوى هو بالصف الأول، وله مثل أجورهم لما نوى، كأنه فيهم. ثم إذا تمنى أن يدخل في الصف الأول، ونوى ذلك، وامتنع وتحرج مخافة أن يؤذى مسلما، أو يضيق عليه، يضاعف أجره على من في الصف الأول، بما اتقى أذى المسلم. كذلك روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن النية، وفي شأن التقوى؛ عن أبي كبشة الأنصاري رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أحدثكم حديثا فاحفظوه، إنما الدنيا أربعة نفر: عبد رزقه الله عز وجل فيها مالا وعلما، فهو يتقي الله عز وجل، ويصل رحمه فيه، ويعطي الله عز وجل منه حقه، فهو بأفضل المنازل. وعبد رزقه الله عز وجل علما، ولم يرزقه مالا، فهو صادق النية، يقول: لو أن لي مالا لعملت بعمل فلان، فأجرهما سواء. وعبد رزقه الله عز وجل مالا، ولم يرزقه علما، فهو يتخبط في ماله بغير علم، فلا يتقي فيه ربا، ولا يصل فيه رحما، ولا يعلم لله فيه حقا، فهذا بأخبث المنازل.

وعبد لم يرزقه الله عز وجل مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا عملت بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء. حدثنا الفضل بن محمد، حدثنا زريق بن الورد الرقي، حدثنا أسلم بن سالم، عن عبد الغفار بن ميمون، عن عبد الملك الجزري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ترك الصلاة في الصف الأول مخافة أن يؤذي مسلماً أو يزاحم أحداً، فصلى في الصف الثاني أو الثالث، أضعف الله عز وجل أجره على من صلى في الصف الأول). فهذا بعقله نال زيادة الثواب على الصف الأول، والآخر بغفلته وجهله سقط عن هذا الثوب. فهذا تفسير: (إنما أجزى الناس على قدر عقولهم). ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيما يروى عنه. (لا يعجبنكم إسلام رجل حتى تعلموا ما عقدة عقله). وحدثني بذلك أبي رحمه الله، حدثنا جندل بن واثق الكوفي، حدثنا عبد الله بن عمر الرقي، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فالصادقون المخلطون قلوبهم محجوبة بالشهوات، فنيتهم النهوض بالقلب، إذا نهضوا لم يجدوا منفذا، فيقفون حيث بلغوا من الجو. وأما الذين فتح لهم في الغيب، فإن قلوبهم تنهض إلى العلا، حتى تبلغ مقامه، فهناك يبتغي مرضاة ربه تعالى، وحركات الجوارح عند فراغه من العمل تلحقه على أثره، فذلك النهوض هو نيته؛ والسابقون الذين وصلوا إلى الله عز وجل في مقامه، يترضى ربه عز وجل، ثم يلحقه العمل على الأثر، فالنيات متفانية، فهؤلاء خدم.

وأما الملائكة عليهم السلام، فإنما يعملون في مصافهم ومقاومهم على الأبصار، وإنما خص جبريل عليه الصلاة والسلام من بين الملائكة. لأنه خادم ربه عز وجل، لأنه بين يديه على ساقيه يخدمه باختلاف الأحوال، وأهل السموات في مصافهم؛ فالملائكة في أعلى الخلق مكاناً، وهم سخرة للآدميين. فأما إسرافيل عليه الصلاة والسلام فقابض الوحي، ومؤديه إلى جبريل عليه السلام، وصاحب الصور، يدعوهم إلى الحشر وقبض الجزاء. وأما جبريل عليه السلام فصاحب الرسالة. وأما ميكائيل عليه السلام فقابض أرزاق الآدميين، والموكل بالقطر والنبات والرياح لمعاش الآدميين. وأما ملك الموت عليه السلام فقابض أرواحهم، وأما حملة العرش فموكلون بالاستغفار للآدميين. وأما الكوريون وأهل عليين فموكلون بالاستغفار والتضرع، والبكاء على أهل الذنوب من الآدميين. وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما أسرى بي، سمعت دوياً، فقلت ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا بكاء الكوريين على أهل الذنوب من أمتك). وأما أهل السموات فموكلون في صلاتهم بالاستغفار ووفارة التقصير؛ وآخرون موكلون بالرياح، وآخرون موكلون بالسحاب، وآخرون موكلون بالشمس، وموكلون بالقمر، وموكلون بالنبات، وموكلون بالجبال، وموكلون بالبحار، وموكلون بالليل والنهار، وموكلون بالحر، وموكلون بالبرد، وموكلون برزق الخلق صباح كل يوم، موكلون بالثلج، وموكلون بأعمالهم: حفظة كتبة، وموكلون بالحراسة، وهم

المعقبات؛ وموكلون بالهداية على القلوب، وموكلون بالهداية في الأسفار بالاستقامة، موكلون بإتمام الكلام، فإذا قال: الحمد لله، قال الملك: رب العالمين، وإذا قال العبد: سبحان الله، قالت الملائكة: وبحمده، ويكتب ذلك لصاحبها، وموكلون بصلاة الآدميين في صفوفهم، فكلما زاد رجل زاد معه ملك معه رحمة؛ وموكلون بحجهم، وفي مشاهدهم وموقفهم، وموكلون بالزحف للنصر عند لقاء العدو؛ وموكلون بجنائزهم للتشييع، فهم أمام الجنازة؛ وموكلون بليلة القدر: ونزول الروح، والتسليم على الآدميين؛ وموكلون بالأعياد وحمل الجوائز؛ وموكلون بالتثبيت للآدميين في أعمالهم؛ موكلون بنزع الأرواح منهم، ورفعها إلى الله عز وجل مع ملك الموت؛ وموكلون بتشييع أرواحهم إلى العرض على الله عز وجل، في مقام العرض؛ هذا كله في الدنيا، ثم إذا قامت القيامة، فموكل بنفخ الصور، وموكل بالبشرى للموحدين، وموكل بحمل الكسوة للآدميين، وموكلون بالرحمة، ليقسموها عليهم، وموكلون بجنبات النار، ينادون ربهم عز وجل، يسألونه السلامة وموكلون بوزن الأعمال، وعرض الدواوين، وموكلون بحمل الأعمال من الخزائن إلى الموقف؛ وموكلون بتشيعهم إلى الجنان من الموقف؛ وموكلون في الجنان بالخزانة: قهارمة، وزوار، وحملة هدايا من رب العالمين؛ وجبريل صلى الله عليه وسلم موكل في الدنيا بأداء الوحي، وتبليغ الرسالة، ويوم القيامة بوزن الأعمال، وفي الجنة بالنداء من بطنان العرش، للزيارة إلى رب العالمين.

فوجدنا الملائكة كلهم مسخرين لنا في الدنيا، ويوم القيامة، وفي الجنان إلى الأبد، فآدم عليه السلام خليفة الله عز وجل في أرضه، والملائكة جند الخليفة، يعملون له ولولده ما ذكرنا في ولده، فما خرّب ولده عمرته الملائكة، وما أفسد ولده أصلحه الملائكة، وما دنس ولده غسلته الملائكة وطهرته. وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنه قال: قالت الملائكة، يا ربنا منا المقربون ومنا الصافحون المسبحون، ومنا الكرام الكاتبون، ومنا ومنا، جعلت الدنيا لبني آدم يأكلون ويشربون، فاجعل لنا الآخرة، قال: لن أفعل. فعاودوه بمثل مقالتهم، فقال: لن أفعل. ثم عاودوه في الثالثة، فقال: لن أفعل، لن أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي، كمن قلت له: كن فكان، هم عبادي المقربون، والملائكة عباد مجبورون، ومكرمون بالعبادة والطهارة، والآدميون خدم وتجار معاملون،

فالمعرفة رءوس أموالهم، والحركات تجاراتهم، ومرضاة الله عز وجل أرباحهم، قال الله عز وجل: (والله يعلم متقلبكم ومثواكم)، تقلبوا في مرضاته، وثووا في جناته، تحت عرشه في جواره، فأكرم الله تعالى هذا المؤمن بمعرفته، فأحرزه في ذمته، وحرم عرضه ودمه وماله، وعظم حرمته، فأعلمهم بالله أعظمهم حرمة، وأقربهم وسيلة، وأكرمهم عليه، فمثل العلم به كمثل رجل نظر إلى شخص رجل، حتى عرفه بالوجه، فهو ساكن القلب، حتى إذا عرفه بخصلة من خصال الشرف، فوجد قلبه قد تغير له إلى التعظيم والإجلال، فإن كان قد جمعت هذه الخصال في رجل واحد، مما وصف الله عز وجل بها نفسه، من الجود والغنى، والرأفة والرحمة، والسماحة والكرم، والمعرفة بالأمور، والقوة والتدبير، ومحاسن الأخلاق، عظم شأن الرجل عندك، حتى تهتم في ذكره وأوصافه، فمن كشف له الغطاء حتى عرف ربه عز وجل بأسمائه الحسنى، وبأمثاله العلا، كان أسبى لقلبه، والهج لذكره. وابن آدم مطبوع على سبعة، وهي الغفلة، والشك، والشرك، والرغبة، والرهبة، والشهوة، والغضب، فهذه سبعة أخلاق، فإذا جاءه نور الهداية حتى عرف ربه عز وجل ووحده، ذهبت الغفلة، وذهب الشك والشرك؛ فهو يعلم ربه يقيناً، وينفى عنه الشرك، وزوال الشك عنه، ثم لما جاءت الشهوة، فأظلم الصدر بدخانها وفورانها، ذهب بضوء علمه واستنارته، وتحير في أمر ربه عز وجل كالشاك، وظهر شرك الأسباب، فكلما أزداد العبد معرفة وعلماً بربه عز وجل، استنار قلبه وصدره، وانتقص من الغفلة،

ومن هذه الخصال السبع كلها، حتى يمتلئ صدره من عظمة الله عز وجل وجلاله، فعندها كشف الغطاء، وصار يقيناً، وزايله شرك الأسباب، وماتت الشهوة، وذهب الغضب، وذهبت الرغبة والرهبة، فلا يرغب إلا إلى الله عز وجل، ولا يرهب إلا منه، ولا يغضب إلا في ذات الله عز وجل ولله، ولا يشتغل بشهوة إلا بذكر الله عز وجل.

قال له قائل: صف لنا من رياضة النفس شيئاً: قال: إن النفس إذا اعتادت اللذة والشهوة، والعمل بالهوى، أقبل على فطمها عن العادة في كل شيء، فكلما اشتد عليها فطم شيء فأقبل ذلك الشيء حتى تفطمها عنه، حتى يصير قلبك حراً، يألف مع الله عز وجل ببره ولطفه، فقد رأيت البازي كيف يلقى في البيت، وتخاط عيناه، حتى ينقطع عن الطيران، ويربى باللحم، ويرفق به، حتى يأنس بصاحبه، ويألفه إلفاً، إذا دعاه فسمع صوته أجابه. فكذلك النفس. إنما تجيب ربها عز وجل فيما أمرها بعد فطامها عن عادات الأمور التي اشتهت ولذت، فإذا فطمها ألزمها الدعاء، وثناء الرب عز وجل ومدائحه ونجواه، حتى تأنس بذلك، وتألف الذكر، حتى ينكشف الغطاء بعد ذلك، فيألف ربه عز وجل. وكذلك تجد الصبي قد ألف ثدي أمه، حتى لا يكاد يصبر عنه ساعة، فإذا فطمته اشتد على الصبي، وبكى وقلق، فإذا دام الفطم نسيه، وأقبل على الطعام والشراب، فكلما وجد حلاوة الأطعمة والأشربة هجر الثدي، وعاف ذكر اللبن. وكذلك تجد الدابة تؤخذ من الدواب السائمة، لتؤدب وتعود الركوب، ففي الابتداء تنفر عن اللجام والسرج، فتشكل حتى تسرج، وتلجم حتى تعتاد، وتعلم السير حتى تصير أذنها إلى العنان، وقلبها إلى إشارات الراكب بذلك العنان، فإذا بلغ بها القنطرة وثبت وثبة لا تدعها تجور، فتعتاد ذلك، فليس في كل مكان يوجد قنطرة، فيهودها الوثب وسيرها في جلبة الصناعيين، مثل الحدادين والنجارين فإذا نفرت من تلك الأصوات أو تركت سيرها، أدبها حتى لا تنفر ولا تتحير، حتى تصير أديبة سيورة.

تم كتاب الرياضة، بحمد الله ومنه

فكذلك الآدمي، يؤدب كما تؤدب هذه الطيور والدواب، بالفطم عن عاداتها، وكل شيء تجد النفس لذته في وقت تفرح بذلك الشيء، فإذا فرحت به فقد تدنس بذلك الفرح، فيصير غشاء عليه، حجاباً له من ذلك الفرح؛ فكان أهل الصدق في هذه الطريق يلزمون هذا الباب الذي وصفت، فكل شيء تفرح نفوسهم به من وجود لذة ذلك الشيء كائناً ما كان، من طعام أو شراب، أو لباس أو أهل، أو ولد، أو أخ، أو مؤنس، أو أصحاب، أو أمكنة، أو عرض من عروض الدنيا؛ فكانوا يتوقون الفرح لذلك، فيأخذون من ذلك الشيء ألي لا بد لهم منه على الضرورة، ثم يهربون من لذته، خوفاً على النفس أن تفرح بذلك، فإذا دام على ذلك صاحبه، فذلك تقوى الباطن. وأما تقوى الظاهر فهو حفظ الجوارح مع الخلق والملائكة. فإذا فعل ذلك فأدى الفرائض لمواقيتها وحددوها، واستعان على النفس برؤية الموتى والمقابر وأهل السجون، والمواضيع التي فيها النيران العظيمة، من الأتون ومذاب جواهر الزجاج، فإن في ذلك قمعاً للنفس، أورثه فعله بنفسه الغم، ومن الغم الهم والأحزان. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما عبد الله عز وجل بمثل طول الأحزان). تم كتاب الرياضة، بحمد الله ومنه وصلى الله على محمد وآله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

§1/1